المتفق على صحته فيما ثبت عن النبي ? هو ما ورد في الصحيحين عند الإمامين البخاري ومسلم من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ? قَالَ : ( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمَا مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ) (216) .
أما سرد الأسماء الحسنى التي وردت في الروايات الأخرى فهو مدرج فيها وليس من كلام النبي ? ، وهذا لا يخفى على أهل العلم والمعرفة بحديثه ? ، قال ابن حجر العسقلاني رحمه الله : ( والتحقيق أن سردها من إدراج الرواة ) (217) ، وقال الصنعاني : ( اتفق الحفاظ من أئمة الحديث أن سردها إدراج من بعض الرواة ) (218) .
وقد ذكر ابن تيمية رحمه الله الروايتين اللتين اشتهرتا بين عامة الأمة وورد فيهما سرد الأسماء ، وهي رواية الترمذي في جامعه وابن ماجه في سننه ثم قال : ( وقد اتفق أهل المعرفة بالحديث على أن هاتين الروايتين ليستا من كلام النبي ? ، وإنما كل منهما من كلام بعض السلف ) (219) .
ولما كان هذا هو حال الأسماء الحسنى التي حفظها الناس لأكثر من ألف عام وأنشدها كل منشد وكتبت في كل مسجد ، ليست نصا من كلام النبي ? باتفاق أهل العلم والمعرفة بحديثه ؛ وإنما هي في حقيقتها ملحقة أو مدرجة في الأحاديث التي ورد فيها سرد الأسماء ؛ فلا بد أن نبين ما ثبت فيها من الأسماء الحسنى وما لم يثبت أو يوافق شروط الإحصاء ، لأن أسماء الله كما تقدم توقيفية على نص القرآن وصحيح السنة .
أولا : رواية الترمذي في جامعه :(31/120)
قال الإمام الترمذي : حدثنا إبْرَاهيمُ بنُ يَعْقُوب الجوزجاني ، أَخبرنا صَفْوَانُ بنُ صَالِح ، أخبرنا الوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ ، أخبرنا شُعَيْبُ بنُ أبي حَمْزَةَ ، عَن أبي الزِّنَادِ ، عَن الأَعْرَجِ عَن أبِي هُرَيْرَةَ ( قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله ?: إنَّ لله تِسْعَةً وتِسْعِينَ اسْماً مِائَةً غيرَ وَاحِدَةٍ مَنْ أَحْصَاها دَخَلَ الجَنَّة ، هُوَ الله الَّذِي لا إلَهَ إلاّ هُوَ الرَّحمنُ الرَّحيمُ المَلِك القُدُّوسُ السَّلاَمُ المُؤْمِنُ المُهَيمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّر الخَالِقُ البَارِىءُ المُصَوِّرُ الغَفَّارُ القَهَّارُ الوَهَّابُ الرَّزَّاقُ الفتَّاحُ العَلِيمُ القَابِضُ البَاسِطُ الخافضُ الرَّافِعُ المعزُّ المذِل السَّمِيعُ البَصِيرُ الحَكَمُ العَدْلُ اللّطِيفُ الخَبِيرُ الحَلِيمُ العَظِيمُ الغَفُورُ الشَّكُورُ العَلِيُّ الكَبِيرُ الحَفِيظُ المُقِيتُ الحَسِيبُ الجَلِيلُ الكَرِيمُ الرَّقِيبُ المُجِيبُ الْوَاسِعُ الحَكِيمُ الوَدُودُ المَجِيدُ البَاعِثُ الشَّهِيدُ الحَق الوَكِيلُ القَوِيُّ المَتِينُ الوَلِيُّ الحَمِيدُ المُحْصِي المُبْدِيءُ المُعِيدُ المُحْيِي المُمِيتُ الحَيُّ القَيُّومُ الوَاجِدُ المَاجِدُ الوَاحِدُ الصَّمَدُ القَادِرُ المُقْتَدِرُ المُقَدِّمُ المُؤَخِّرُ الأوَّلُ الآخِرُ الظَّاهِرُ البَاطِنُ الوَالِي المُتَعَالِي البَرُّ التَّوَّابُ المنتَقِمُ العَفُوُّ الرَّؤُوف مَالِكُ المُلْكِ ذُو الجَلاَلِ وَالإكْرَامِ المُقْسِط الجَامِعُ الغَنِيُّ المُغْنِي المَانِعُ الضَّارُّ النَّافِعُ النُّورُ الهَادِي البَدِيعُ البَاقِي الوَارِثُ الرَّشِيدُ الصَّبُور .(31/121)
بداية من قول الراوي في الحديث هُوَ الله الَّذِي لا إلَهَ إلاّ هُوَ إلى آخر الحديث ليس من كلام النبي ? ، وإنما هي أسماء من جمع الراوي وإدراجه لها في الحديث ولذلك فإن فيها ما ثبت وما لم يثبت ، وفيها ما لا ينطبق عليه شروط الإحصاء وبيان ذلك كالتالي :
أولا : عدد الأسماء الواردة في هذا الحديث تسعة وتسعون اسما على اعتبار أن لفظ الجلالة ضمن الأسماء ، والأسماء الحسنى التي ثبتت بنص الكتاب والسنة في هذا الحديث عددها سبعون اسما هي مع لفظ الجلالة : الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور الغفار القهار الوهاب الرزاق الفتاح العليم القابض الباسط السميع البصير الحكم اللطيف الخبير الحليم العظيم الغفور الشكور العلي الكبير الحفيظ المقيت الحسيب الكريم الرقيب المجيب الواسع الحكيم الودود المجيد الشهيد الحق الوكيل القوي المتين الولي الحميد الحي القيوم الواحد الصمد القادر المقتدر المقدم المؤخر الأول الآخر الظاهر الباطن المتعالي البر التواب العفو الرءوف المالك الغني الوارث .
ثانيا : أما الأسماء التي لم تثبت أو توافق شروط الإحصاء فعددها تسعة وعشرون اسما وهي الخافضُ الرَّافِعُ المعزُّ المذِل العَدْلُ الجَلِيلُ البَاعِثُ المُحْصِي المُبْدِيءُ المُعِيدُ المُحْيِي المُمِيتُ الوَاجِدُ المَاجِدُ الوَالِي المنتَقِمُ ذُو الجَلاَلِ وَالإكْرَامِ المُقْسِط الجَامِعُ المُغْنِي المَانِعُ الضَّارُّ النَّافِعُ النُّورُ الهَادِي البَدِيعُ البَاقِي الرَّشِيدُ الصَّبُور .
* العلة في عدم ثبوتها أو إحصائها مع الأسماء الحسنى :
( الخافض الرافع :(31/122)
لم يردا في القرآن أو السنة اسمين ولكن ورد الفعل يرفع في القرآن كما في قوله تعالى : ? يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ? [المجادلة:11] وورد الفعلان في صحيح مسلم من حديث أَبِى مُوسَى الأشعري ( أن النبي ? قال : ( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَنَامُ وَلاَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ ) (220) .
واستند الإمام البيهقي في إثباتهما إلى المعنى الذي ورد في قوله تعالى : ? يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ? [الرحمن:29] ، وما ذكره بسنده مرفوعا أنه ? قال : ( من شأنه أن يغفر ذنبا ويفرج كربا ويرفع قوما ويضع آخرين ) (221) ، وهذا غير كاف في إثبات الاسمين ، لأن دورنا حيال الأسماء الحسنى الإحصاء وليس الاشتقاق والإنشاء فلم يرد نص صريح بإثبات هذين الاسمين .
( المعزُّ المذِل :
لم أجد حجة أو دليلا على إثبات هذين الاسمين إلا ما ورد في قوله تعالى : ? قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ? [آل عمران:26] ، فالله عز وجل أخبر أنه يُؤْتِي ويَشَاءُ وَيَنْزِعُ وَيُعِزُّ وَيُذِلُّ ، ولم يذكر في الآية بعد مالك الملك واسمه القدير سوى صفات الأفعال ، والذين تمسكوا بتسمية الله بالمعز المذل واشتقوا له باجتهادهم اسمين من هذين الفعلين يلزمهم على قياسهم ثلاثة أسماء أخرى وهى المؤْتِي والمشِيئ وَالمنْزِعُ طالما أن المرجعية في علمية الاسم إلى الرأي والاشتقاق دون التتبع والإحصاء .
( العدل الجليل :(31/123)
العدل لم يرد في القرآن اسما أو فعلا ولم أجد حجة لمن سمى الله بهذا الاسم سوى ما جاء من الأمر بالعدل في قوله تعالى : ? إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والإحسان ? [النحل:90] أو ربما استند إلى المعنى الذي ورد في السنن من حديث أَبَي أُمَامَةَ ( قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ? يَقُولُ : ( إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذي حَقٍّ حَقَّهُ فَلاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ ) (222) .
أما الجليل فلم يرد اسما في الكتاب أو السنة ولكن ورد وصفا في قوله : ? وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ ? [الرحمن:27] ، وقوله تعالى أيضا : ? تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ ? [الرحمن:78] ، وفرق كبير بين الاسم والوصف لأن الله عز وجل وصف نفسه بالقوة فقال : ? ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ? [الذاريات:58] ، وسمى نفسه القوي في قوله : ? وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ? [الشورى:19] ، ووصف نفسه بالرحمة فقال : ? وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَة ِ? [الأنعام:133] ، وسمى نفسه الرحمن الرحيم فقال : ? تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ? [فصلت:2] ، ولما كانت أسماء الله توقيفية ولا نسمي الله إلا بما سمى به نفسه ، فإن الله وصف نفسه بالجلال ولم يسم نفسه الجليل .
( البَاعِثُ المُحْصِي :
لم أجد حجة أو دليلا على إثبات هذين الاسمين ، والذي ورد في القرآن والسنة هي الأفعال فقط ، كما ورد في قوله تعالى : ? يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ِ? [المجادلة:6] .(31/124)
ومن الملاحظ أن الذي اشتق الباعث من قوله يبعثهم ، والمحصي من قوله أحصاه الله ، ترك المنبئ من قوله فينبئهم ، لأن الآية لم يرد فيها بعد اسم الله الشهيد سوى الأفعال التي اشتق منها فعلين وترك الثالث في حين أن هذه الأسماء جميعها لم ترد نصا صريحا في الكتاب أو السنة .
( المُبْدِيء المُعِيدُ :
استند من سمى الله بهذين الاسمين إلى اجتهاده في الاشتقاق من قوله تعالى : ? إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ ? [البروج:13] ، وقوله : ? أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ? [العنكبوت:19] ، ومعلوم أن أسماء الله توقيفية على النص وليس في الآيتين سوى الفعلين فقط .
( المُحْيِي المُمِيتُ :(31/125)
المحيي لم يرد إلا مقيدا في قوله تعالى : ? إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى ? [فصلت:39] وقد تقدم في شروط الإحصاء أنه لا بد أن يفيد الاسم الثناء على الله بنفسه فيكون مطلقا ، ولو جاز إحصاء المحيي ضمن الأسماء للزم إحصاء الغافر والقابل والشديد في قوله تعالى : ? غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ? [غافر:3] ، وكذلك الفاطر والجاعل في قوله تعالى : ? فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً ? ، والمنزل والسريع في قوله ?: ( اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ سَرِيعَ الْحِسَابِ ) (223) ، وكذلك البالغ في قوله : ? إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ? [الطلاق:3] ، والمخزي في قوله سبحانه : ? وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ ? [التوبة:2] ، والمتم في قوله تعالى : ? وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ ? [الصف:8] ، والفالق والمخرج في قوله تعالى : ? إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ? [الأنعام:95] إلى غير ذلك من الأسماء المقيدة هذا فيما يتعلق بالمحيي .
أما المميت فلم يرد اسما في الكتاب أو السنة ، والذي ورد في القرآن في أربعة عشر موضعا الفعل المضارع يميت ، نحو قوله تعالى : ? هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ? [يونس:56] ، والفعل الماضي أمات في ثلاثة مواضع كقوله تعالى : ? وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا ? [النجم:44] ، لكن ذلك لا يكفي في إثبات الاسم ، ولا يجوز أن نسمي الله بما لم يسم به نفسه في كتابه أو في سنة رسوله ? .
( الوَاجِدُ المَاجِدُ :(31/126)
الواجد والماجد لم يردا في القرآن أو صحيح السنة اسمين ، أما الماجد فلم يثبت في حديث صحيح ، وقد ورد في السنة عند الترمذي من حديث أَبِي ذَرٍّ ( أن رَسُول اللَّهِ ? قال : ( ذَلِكَ بِأَنِّي جَوَادٌ مَاجِدٌ ) (224) ، وفي رواية عند أحمد : ( ذَلِكَ لأَنِّي جَوَادٌ مَاجِدٌ وَاجِدٌ أَفْعَلُ مَا أَشَاءُ) ، لكن ذلك ضعيف ، وهذا الحديث ليس أصلا في إثبات اسم الله الجواد كما تقدم في المبحث السابق ، لأنه ثبت في روايات أخر غير هذه ، لكن الشاهد أنه ليس من أسماء الله الواجد الماجد (225) .
( الوَالِي المنتَقِمُ :
الوالي لم يرد في القرآن أو صحيح السنة والذي ثبت هو الولي والمولى ، أما الوالي فليس لمن أدرجه في الأسماء إلا ما جاء في قوله تعالى : ? وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ? [الرعد:11] ، والمعنى ما لهم من دون الله ممن يلي أمرهم ويدفع عنهم (226) ، أما المنتقم فلم يرد اسما والذي ورد هو الوصف والفعل في قوله تعالى : ? إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ? [إبراهيم:47] ، وقوله : ? فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ? [الزخرف:25] .
( ذُو الجَلاَلِ وَالإكْرَامِ :
الجلال والإكرام وصفان لله عز وجل ، أما ذو فمن الأسماء الخمسة وليست من الأسماء الحسنى ، وقد ورد الوصفان في قوله تعالى : ? وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ ? [الرحمن:27] ، وقوله أيضا : ? تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ ? [الرحمن:78] ، والله عز وجل فرق بين الاسم والوصف كما تقدم ، فوصف نفسه بأنه ذو القوة وذو الرحمة ، ثم في موضع آخر سمى نفسه القوي الرحمن ، فواجبنا تجاه الأسماء الحسنى الإحصاء وليس الإنشاء .
( المُقْسِط الجَامِعُ :(31/127)
المقسط لم يرد في القرآن أو السنة اسم أو وصف أو فعل ، ولكن الذي أدرجه في الحديث استند إلى أمره تعالى بالقسط ومحبته للمقسطين في قوله : ? قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ ? [الأعراف:29] ، أو ما ورد في صحيح مسلم من حديث أَبِي مُوسَى الأشعري ( الذي تقدم : ( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَنَامُ وَلاَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ ) (227) ، وقوله : ? وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ? [المائدة:42] .
أما الجامع فلم يرد مطلقا وإنما ورد مقيدا في موضعين من القرآن ، الأول في قوله تعالى : ? رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ ? [آل عمران:9] ، والثاني قوله : ? إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً ? [النساء:140] .
( المُغْنِي المَانِعُ :
لم يرد المغني اسما في القرآن أو السنة ، ولكن من أدرجه في الحديث استند إلى اجتهاده في الاشتقاق من الفعل الذي ورد في قوله تعالى : ? وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ? [التوبة:28] ، وقوله : ? حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ? [النور:33] .
أما المانع فاستند فيه إلى الاشتقاق من الفعل في قوله تعالى : ? وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآياتِ إِلا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ ? [الإسراء:59] ، أو ما ورد عند البخاري من حديث مُعَاوِيَةَ ( في دعاء النبي ? : ( اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ ) (228) .
والحديث لا دليل فيه على علمية الاسم في المانع ولا المعطي ، لأن المعطي ثبتت الاسمية والعلمية عند البخاري في قول النبي ? : ( وَاللَّهُ الْمُعْطِي وَأَنَا الْقَاسِمُ ) (229) .
( الضَّارُّ النَّافِعُ :(31/128)
هذان الاسمان لم يردا في القرآن أو السنة ، وليس لمن أدرج الأسماء في حديث الترمذي إلا اجتهاده في الاشتقاق من المعنى المفهوم من قوله تعالى : ? قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ ? [الأعراف:188] ، أو ما ورد عند الترمذي وصححه الألباني من حديث ابن عباس ( أن النبي ? قال له : ( وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ ) (230) .
ولم يُذكر في الآية أو الحديث النص على الاسم أو حتى الفعل ، ولم أجد في القرآن أو في السنة إلا ما ورد عند البخاري من حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها أنها قَالَتْ : ( فَمَا كَانَتْ مِنْ خُطْبَتِهِمَا مِنْ خُطْبَةٍ إِلاَّ نَفَعَ اللَّهُ بِهَا ، لَقَدْ خَوَّفَ عُمَرُ النَّاسَ وَإِنَّ فِيهِمْ لَنِفَاقًا فَرَدَّهُمُ اللَّهُ بِذَلِكَ ) (231) ، وهذا أيضا لا يكفي في إثبات الاسم ، أما الضار فالجميع استند إلى المفهوم من الآية والحديث (232) .
( النُّورُ الهَادِي البَدِيعُ :
هذه الأسماء لم ترد في القرآن والسنة إلا مقيدة ، فالنور ورد في قوله تعالى : ? اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ? [النور:35] ، والهادي في قوله : ? وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ? [الحج:54] ، والبديع ورد في قوله : ? بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ? [البقرة:117] ، وقد علمنا أنه من شروط الإحصاء أن يفيد الاسم المدح والثناء بنفسه ، أما المقيد فلا بد أن يذكر بما قيد به كما جاء في قوله : ? إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ ? [النساء:142] .(31/129)
وكذلك الصاحب والخليفة فيما ورد عند مسلم في دعاء السفر : ( اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ في السَّفَرِ وَالْخَلِيفَةُ في الأَهْلِ ) (233) ، وكما ورد في مقلب القلوب فإنه يدعى به مقيدا دون إطلاق ، فعند أبي داود وصححه الألباني من حديث عبد الله بن عمر ( قال : ( أكثرُ مَا كان رسولُ الله ? يحلفٌ بهذه اليَمِين لا ومُقَلِّبَ القُلوبِ ) (234).
( البَاقِي الرَّشِيدُ الصَّبُور :
لم ترد هذه الأسماء في القرآن أو السنة ولم أجد دليلا للباقي استند إليه من أدرج الأسماء في حديث الترمذي إلا ما ورد في قوله تعالى : ? وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ ? [الرحمن:27] ، وذلك لا يصلح دليلا لإثبات الاسم ، فلا يحق لنا أن نسمي الله بما لم يسم به نفسه ، أما الرشيد فلا دليل عليه من كتاب أو سنة لأنه لم يرد اسما أو وصفا أو فعلا ، ولا أدري من أين اشتقه ؟ ، وأغلب الظن عندي أنه أخذه من المعنى المفهوم من قوله تعالى : ? وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ ? [الأنبياء:51] .
أما الصبور فلم يرد اسما في القرآن أو السنة ، ولكن من أدرجه عند الترمذي استند إلى اجتهاده في الاشتقاق من صيغة أفعل التفضيل فيما ورد عند البخاري من حديث أَبِي مُوسَى الأشعري ( أن النَّبِيِّ ? قَالَ : ( لَيْسَ أَحَدٌ أَوْ لَيْسَ شَيْءٌ أَصْبَرَ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنَ اللَّهِ ، إِنَّهُمْ لَيَدْعُونَ لَهُ وَلَدًا وَإِنَّهُ لَيُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ ) (235) ، وقد علمنا أن أسماء الله توقيفية ، ودورنا حيالها الإحصاء وليس الاشتقاق والإنشاء .
ثانيا : رواية ابن ماجة في سننه :(31/130)
قال أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجة : حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّنْعَانِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُنْذِرِ زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ? قَالَ : ( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلا وَاحِدًا إِنَّهُ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ مَنْ حَفِظَهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ وَهِيَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الصَّمَدُ الأَوَّلُ الآخِرُ الظَّاهِرُ الْبَاطِنُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ الْمَلِكُ الْحَقُّ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ الْعَلِيمُ الْعَظِيمُ الْبَارُّ الْمُتْعَالِ الْجَلِيلُ الْجَمِيلُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ الْقَادِرُ الْقَاهِرُ الْعَلِيُّ الْحَكِيمُ الْقَرِيبُ الْمُجِيبُ الْغَنِيُّ الْوَهَّابُ الْوَدُودُ الشَّكُورُ الْمَاجِدُ الْوَاجِدُ الْوَالِي الرَّاشِدُ الْعَفُوُّ الْغَفُورُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ التَّوَّابُ الرَّبُّ الْمَجِيدُ الْوَلِيُّ الشَّهِيدُ الْمُبِينُ الْبُرْهَانُ الرَّءُوفُ الرَّحِيمُ الْمُبْدِئُ الْمُعِيدُ الْبَاعِثُ الْوَارِثُ الْقَوِيُّ الشَّدِيدُ الضَّارُّ النَّافِعُ الْبَاقِي الْوَاقِي الْخَافِضُ الرَّافِعُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الْمُعِزُّ الْمُذِلُّ الْمُقْسِطُ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ الْقَائِمُ الدَّائِمُ الْحَافِظُ الْوَكِيلُ الْفَاطِرُ السَّامِعُ الْمُعْطِي الْمُحْيِي الْمُمِيتُ الْمَانِعُ الْجَامِعُ الْهَادِي الْكَافِي الأَبَدُ الْعَالِمُ الصَّادِقُ النُّورُ الْمُنِيرُ التَّامُّ الْقَدِيمُ الْوِتْرُ الأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي(31/131)
لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ .
بعد حذف المكرر في الحديث وهما الرحيم والصمد ، وعلى اعتبار أن لفظ الجلالة ضمن الأسماء الحسنى ، فإن عدد الأسماء الواردة عند ابن ماجة في هذا الحديث مائة اسم .
أما الأسماء الحسنى التي ثبتت بنص الكتاب والسنة في هذا الحديث فعددها ستون اسما بدون لفظ الجلالة وهي : الواحد الصمد الأول الآخر الظاهر الباطن الخالق البارئ المصور الملك الحق السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الرحمن الرحيم اللطيف الخبير السميع البصير العليم العظيم المتعال الجميل الحي القيوم القادر القاهر العلي الحكيم القريب المجيب الغني الوهاب الودود الشكور العفو الغفور الحليم الكريم التواب الرب المجيد الولي الشهيد المبين الرءوف الوارث القوي القابض الباسط الرزاق المتين الوكيل المعطي الوتر الأحد .
أما الأسماء التي لم تثبت أو توافق شروط الإحصاء فعددها تسعة وثلاثون اسما وهي الْبَارُّ الْجَلِيلُ الْمَاجِدُ الْوَاجِدُ الْوَالِي الرَّاشِدُ الْبُرْهَانُ الْمُبْدِئُ الْمُعِيدُ الْبَاعِثُ الشَّدِيدُ الضَّارُّ النَّافِعُ الْبَاقِي الْوَاقِي الْخَافِضُ الرَّافِعُ الْمُعِزُّ الْمُذِلُّ الْمُقْسِطُ ذُو الْقُوَّةِ الْقَائِمُ الدَّائِمُ الْحَافِظُ الْفَاطِرُ السَّامِعُ الْمُحْيِي الْمُمِيتُ الْمَانِعُ الْجَامِعُ الْهَادِي الْكَافِي الأَبَدُ الْعَالِمُ الصَّادِقُ النُّورُ الْمُنِيرُ التَّامُّ الْقَدِيمُ .
* العلة في عدم ثبوتها أو إحصائها مع الأسماء الحسنى :(31/132)
تقدم الحديث عن العلة في استبعاد معظم هذه الأسماء وعدم إحصائها ضمن الأسماء الحسنى ، والذي تقدم ذكره منها واحد وعشرون اسما هي على ترتيب ورودها في الحديث الْجَلِيلُ الْمَاجِدُ الْوَاجِدُ الْوَالِي الْمُبْدِيُ الْمُعِيدُ الْبَاعِثُ الضَّارُّ النَّافِعُ الْبَاقِي الْخَافِضُ الرَّافِعُ الْمُعِزُّ الْمُذِلُّ الْمُقْسِطُ الْمُحْيِي الْمُمِيتُ الْمَانِعُ الْجَامِعُ الْهَادِي النُّورُ .
أما بقية الأسماء فعددها ثمانية عشر اسما ، وهي على ترتيب ورودها في الحديث الْبَارُّ الرَّاشِدُ الْبُرْهَانُ الشَّدِيدُ الْوَاقِي ذُو الْقُوَّةِ الْقَائِمُ الدَّائِمُ الْحَافِظُ الْفَاطِرُ السَّامِعُ الْكَافِي الأَبَدُ الْعَالِمُ الصَّادِقُ الْمُنِيرُ التَّامُّ الْقَدِيمُ ، وأما العلة في عدم اعتبارها ضمن الأسماء الحسنى فبيانها كالتالي :
( الْبَارُّ الرَّاشِدُ الْبُرْهَان ُ:
لم ترد هذه الأسماء في القرآن أو صحيح السنة ، والذي ثبت في القرآن البر بدلا من البار ، ولعل من أدرجها يقصد البر ولكن حدث وهم أو تصحيف ، فالآية صريحة في الدلالة على الاسم ، قال تعالى : ? إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ ? [الطور:28] .
وكذلك الراشد لم يرد في القرآن أو السنة اسما أو وصفا أو فعلا ، وأغلب الظن أيضا أن من أدرجه أخذه من المعنى المفهوم في قوله : ? وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ ? [الأنبياء:51] ، أما البرهان فلم يرد في القرآن اسما ولا فعلا ، وليس لمن أدرج الأسماء في الحديث إلا اجتهاده في الاشتقاق من المعنى الذي ورد في قوله تعالى : ? يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً ? [النساء:174] ، وقوله تعالى : ? وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ ? [يوسف:24] .
( الشَّدِيدُ الْوَاقِي ذُو الْقُوَّةِ ُ:(31/133)
لم يرد الشديد في القرآن إلا مقيدا على كثرة المواضع التي ذكر فيها ، وذلك كقوله تعالى : ? غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ ِ? [غافر:3] ، وقد علمنا أنه من شروط الإحصاء أن يفيد الاسم المدح والثناء بنفسه ، أما المقيد فلا بد أن يذكر بما قيد به ، ولو أطلق للزم من أطلقه أن يسمي الله القابل والغافر .
وأما الواقي فلم يرد في القرآن أو السنة اسما ، ومن أدرجه في الحديث استند إلى الاشتقاق من المعنى في قوله : ? وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ ِ? [الرعد:34] ، أو الاشتقاق من الفعل في قوله تعالى : ? فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورا ِ? [الإنسان:11] فأخذ الواقي لقوله فوقاهم ، ويلزم بالضرورة اللاقي أو الملاقي لقوله ولقاهم ، لكن دورنا تجاه الأسماء الإحصاء وليس الإنشاء .
أما ذو القوة فالقوة صفة وذو من الأسماء الخمسة وليست من الأسماء الحسنى كما أن الراوي ذكر القوي ضمن الأسماء في الحديث ، فأغلب الظن عندي أنه لما أورد الرزاق ثم من بعده المتين ذكر الوصف بين الاسمين ولم يحذفه لهيبة كلام الله عنده فرتبها كما قال تعالى : ? إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ? [الذاريات:58] .
( الْقَائِمُ الدَّائِمُ الْحَافِظُ ُ:(31/134)
لم يرد القائم إلا مقيدا في قوله تعالى : ? أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ? [الرعد:33] ، وكذلك الحافظ لم يرد مطلقا وإنما ورد مقيدا في نصوص كثيرة كقوله تعالى : ? إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظ ٌ? [الطارق:4] ، وقوله : ? إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون َ? [الحجر:9] ، أما الدائم فلم أجد له دليلا في كتاب أو سنة وربما أدخله اجتهادا منه في حمله على معنى البقاء في قوله تعالى : ? وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ ? [الرحمن:27] ، ولكن هذا لا يعد حجة في إثبات الاسم .
( الْفَاطِرُ السَّامِعُ الْكَافِي ُ:
الفاطر لم يرد مطلقا وإنما ورد مقيدا في ستة مواضع من القرآن منها قول الله تعالى : ? الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً ? [فاطر:1] ، ويلزم من أدرج الأسماء في الحديث تسمية الله بالجاعل لأنه ورد مع الفاطر في موضع واحد ، وكذلك الكافي ورد مقيدا في قوله : ? أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ? [الزمر:36] .
أما السامع فلم أجد له دليلا إلا الاشتقاق من الفعل سمع الذي ورد في مواضع كثيرة من القرآن كقوله تعالى : ? قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ? [المجادلة:1] ، مع أن اسم الله السميع صريح في الآية وليس السامع .
( الأَبَدُ الْعَالِمُ الصَّادِقُ ُ:(31/135)
الأبد لا دليل عليه من كتاب أو سنة وأغلب الظن عندي أن من أدرج الأسماء في الحديث حمل الأبد على المعنى المفهوم من الفعل في قوله تعالى : ? وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ ? [الرحمن:27] ، أما العالم فلم يرد مطلقا وإنما ورد مقيدا في آيات كثيرة منها قوله تعالى : ? عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ ? [الرعد:9] .
وأما الصادق فلم يثبت اسما ولكن من أدرجه في الرواية اشتقه باجتهاده من قوله تعالى : ? وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ ? [الزمر:74] ، أو قوله : ? ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِين َ? [الأنبياء:9] ، وأما قوله تعالى : ? وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ? [الحجر:64] ، فلا دليل فيه لأن هذا من كلام الملائكة الذين أرسلوا إلى قوم لوط .
( الْمُنِيرُ التَّامُّ الْقَدِيمُ ُ:
اجتهد من أدرج الأسماء في حديث ابن ماجة في تسمية الله بالمنير ولم يرد اسما في القرآن ، ولعله اشتق ذلك من قوله تعالى : ? اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ? [النور:35] أو لأن الله جعل القمر منيرا كما جاء في قوله : ? تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً ? [الفرقان:61] ، وكذلك التام لم يرد في القرآن أو السنة وربما اشتقه من معنى الغني بالنفس الذي دل عليه اسمه الغني أو المعنى الوارد في قوله تعالى : ? وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ? [الصف:8] ، أو قوله : ? ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ ? [الأنعام:154] ، وهذه كلها لا تعد حجة في إثبات الاسم .(31/136)
أما القديم فلم يرد اسما ولا وصفا ولكن الظن أن الراوي أخذه من المعنى الذي ورد عند أبي داود وصححه الألباني من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ( عَنِ النَّبِيِّ ? أَنَّهُ كَانَ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَالَ : ( أَعُوذُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ) (236) .
ثالثا : رواية الحاكم في المستدرك :
روى أبو عبد الله الحاكم النيسابوري بسنده عن عبد العزيز بن حصين بن الترجمان قال : حدثنا أيوب السختياني وهشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي ? قال : إن لله تسعة وتسعين أسما من أحصاها دخل الجنة الله الرحمن الرحيم الإله الرب الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق الباريء المصور الحليم العليم السميع البصير الحي القيوم الواسع اللطيف الخبير الحنان المنان البديع الودود الغفور الشكور المجيد المبديء المعيد النور الأول الآخر الظاهر الباطن الغفار الوهاب القادر الأحد الصمد الكافي الباقي الوكيل المجيد المغيث الدائم المتعال ذو الجلال والإكرام المولى النصير الحق المبين الباعث المجيب المحيي المميت الجميل الصادق الحفيظ الكبير القريب الرقيب الفتاح التواب القديم الوتر الفاطر الرزاق العلام العلي العظيم الغني المليك المقتدر الأكرم الرءوف المدبر المالك القدير الهادي الشاكر الرفيع الشهيد الواحد ذو الطول ذو المعارج ذو الفضل الخلاق الكفيل الجليل الكريم ، هذا حديث محفوظ من حديث أيوب وهشام عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة مختصرا دون ذكر الأسامي الزائدة فيها .
عدد الأسماء في الحديث الذي ورد عند الحاكم خمسة وتسعون اسما مع لفظ الجلالة ، وقد سقط من النص أربعة أسماء أوردها البيهقي في الاعتقاد وهي على ترتيب ورودها عنده البادي العفو الحميد المحيط (237) .(31/137)
أما الأسماء الحسنى التي ثبتت بنص الكتاب والسنة في هذا الحديث فعددها واحد وسبعون اسما بدون لفظ الجلاله ومع إضافة الأسماء التي لم تذكر في الحديث وهي على ترتيب ورودها الرحمن الرحيم الإله الرب الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق الباريء المصور الحليم العليم السميع البصير الحي القيوم الواسع اللطيف الخبير المنان الودود الغفور الشكور المجيد الأول الآخر الظاهر الباطن الغفار الوهاب القادر الأحد الصمد الوكيل المجيد المتعال المولى النصير الحق المبين المجيب الجميل الحفيظ الكبير القريب الرقيب الفتاح التواب الوتر الرزاق العلي العظيم الغني المليك المقتدر الأكرم الرءوف المالك القدير الشاكر الشهيد الواحد الخلاق الكريم العفو الحميد .
وأما الأسماء التي لم تثبت أو توافق شروط الإحصاء فعددها سبعة وعشرون اسما وبيانها كالتالي : الحنان البديع المبديء المعيد النور الكافي الباقي المغيث الدائم ذو الجلال والإكرام الباعث المحيي المميت الصادق القديم الفاطر العلام المدبر الهادي الرفيع ذو الطول ذو المعارج ذو الفضل الكفيل الجليل البادي المحيط .
* العلة في عدم ثبوتها أو إحصائها مع الأسماء الحسنى :
تقدم الحديث عن العلة في استبعاد الكثير من هذه الأسماء وبينا السبب في عدم إحصائها ، والذي تقدم ذكره منها ستة عشر اسما ، وهي على ترتيب ورودها في الحديث البديع المبديء المعيد النور الكافي الباقي الدائم ذو الجلال والإكرام الباعث المحيي المميت الصادق القديم الفاطر الهادي الجليل
أما بقية الأسماء فعددها أحد عشر اسما وهي على ترتيب ورودها في الحديث الحنان المغيث العلام المدبر الرفيع ذو الطول ذو المعارج ذو الفضل الكفيل البادي المحيط ، وأما العلة في عدم ثبوتها فبيانها كالتالي :
( الحنان المغيث :(31/138)
لم يثبت الحنان في القرآن أو صحيح السنة ، قال الخطابي : ( ومما يدعو به الناس خاصهم وعامهم وإن لم تثبت به الرواية عن رسول الله ? الحنان ) (238) .
وقال علوي السقاف : ( والخلاصة أن عد بعضهم الحنان من أسماء الله تعالى فيه نظر لعدم ثبوته ) (239) .
وقد ورد في المسند من طريق خلف بن خليفة من حديث أَنَسٍ ( قَالَ : كُنْتُ جَالِساً مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ? في الْحَلْقَةِ وَرَجُلٌ قَائِمٌ يُصَلِّى ، فَلَمَّا رَكَعَ وَسَجَدَ جَلَسَ وَتَشَهَّدَ ثُمَّ دَعَا فَقَالَ : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الْحَنَّانُ بَدِيعَ السَّماَوَاتِ وَالأَرْضِ ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ إِنِّي أَسْأَلُكَ ) (240) ، أما المنان فهو ثابت كما ذكرنا في المبحث السابق (241) .
أما المغيث فلم يرد في القرآن اسما ، ولكن أغلب الظن أنه اشتقه باجتهاده من المعنى الذي ورد في قوله تعالى : ? إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ ِ? [الأنفال:9] ، أو قوله : ? وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ِ? [الأحقاف:17] ، أو ما ورد عند البخاري من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ( أَنَّ رَجُلاً دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ جُمُعَةٍ وَرَسُولُ اللَّهِ ? قَائِمٌ يَخْطُبُ ، فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللَّهِ ? قَائِمًا ثُمَّ قَالَ : ( يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتِ الأَمْوَالُ وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ ، فَادْعُ اللَّهَ يُغِيثُنَا فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ ? يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ أَغِثْنَا ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا ) (242) .
( العلام ُ المدبر ُ :(31/139)
والعلام ورد مقيدا في أربعة مواضع من القرآن كقوله تعالى : ? قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلامُ الْغُيُوبِ ِ? [سبأ:48] ، ولم يرد في القرآن أو السنة مطلقا ، وأما المدبر فلم يثبت اسما وإنما ورد فعلا في أربعة مواضع من القرآن كقوله تعالى : ? يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ِ? [الرعد:2] ، وهذا لا يكفي لإثبات الاسم لأن دورنا تجاه الأسماء الحسنى الإحصاء وليس الاشتقاق والإنشاء ، والذي أدرج المدبر اشتقاقا من الآية السابقة يلزمه قياسا أن يدرج المفصل لأنه قال يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآياتِ ، فطالما أن المرجعة في علمية الاسم إلى الرأي والاشتقاق دون التتبع والإحصاء فيلزم إدخال الاسمين معا أو استبعادهما معا .
( الرفيع ذو الطول ُ:
لم يرد الرفيع في القرآن إلا مقيدا كما ورد في قوله تعالى : ? رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ ِ? [غافر:15] ، ومن شروط الإحصاء أن يفيد الاسم المدح والثناء بنفسه فلا بد أن يكون مطلقا ، أما ذو الطول فالأمر فيه كما تقدم عند الحديث عن ذي القوة فالطول بالفتح يقال : طال عليه وتطول عليه إذا امتن عليه ، فالطول هو المن ويقال للتفضل والقدرة والسعة والغنى والإنعام (243)، والطول هنا صفة الله تعالى وذو من الأسماء الخمسة وليست من الأسماء الحسنى ، قال تعالى : ? غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ ِ? [غافر:3] ، ثم ما هي العلة في إدخال ذي الطول وإخراج ذي العرش مع أن الجميع في القرآن .
( ذو المعارج ذو الفضل :(31/140)
كما سبق عند الحديث عن ذي الطول فإن من أدرج الأسماء في الحديث استند إلى قوله تعالى : ? مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِج ِ? [المعارج:3] ، وقوله ? ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيم ِ? [الجمعة:4] ، وغير ذلك من الآيات ، وهذا لا يكفي لإحصاء الاسم كما تقدم .
( الكفيل البادي المحيطُ :
لم يرد الاسم في القرآن إلا في قوله تعالى : ? وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ? [النحل:91] ، والاسم هنا مقيد وليس مطلقا ، وأما البادي فلربما اشتقه من أدرج الأسماء في الحديث من قول الله تعالى : ? وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُون َ? [الزمر:47] ، أو من قوله : ? إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ ? [البروج:13] ، كما تقدم في المبديء .
أما المحيط فلم يرد مطلقا وإنما ورد مقيدا في آيات كثيرة كقوله تعالى : ? وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِين َ? [البقرة:19] ، وقوله سبحانه : ? أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ ? [فصلت:54] .
هذه أغلب الأسماء التي اشتهرت على ألسنة الخاصة والعامة منذ أكثر من ألف عام ؛ استندوا فيها إلى الروايات السابقة عند الإمام الترمذي وابن ماجة والحاكم وإن كانت رواية الترمذي هي الأكثر شهرة وانتشارا في العالم الإسلامي ، وقد بينت ما ثبت منها وما لم يثبت مع ذكر العلة في ذلك .(31/141)
وإذا كانت التقنية الحديثة وظهور الموسوعات الإلكترونية التي استخدمتها في إتمام البحث لم تظهر إلا في هذا العصر فإن السابقين الذين اجتهدوا في استخراج الأسماء الحسنى حتى وصل إحصاء بعضهم إلي خمسة وتسعين اسما ثابتا متوافقا مع شروط الإحصاء دون استخدام الكمبيوتر أو الكتاب الإلكتروني ، هؤلاء هم أهل الفضل والسبق ، وما قدموه يعد مرجعا أساسيا في إخراج هذا البحث ، فاللهم اجزهم عنا خير الجزاء .
خاتمة البحث
اللؤلؤة الفضلى في نظم أسماء الله الحسنى
الثابتة في الكتاب والسنة
ــــــــــــــ
بعد جهد كبير ووقت طويل قطعته وأنا عاكف على المراجع وبين يدي حاسوبي الشخصي أقلب في الموسوعات وأراجع النتائج على المطبوع من المؤلفات ، يسر الله عز وجل معرفة ضوابط الإحصاء التي يمكن لأي باحث من المسلمين أن يتعرف من خلالها على أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة ، ويمكنه أيضا أن يتعرف على ما لم يوافق شروط الإحصاء مما اشتهر على ألسنة الناس من الأسماء .
وفي ختام هذا البحث أقدم للقراء قصيدة الشيخ أبي يزن حمزة بن فايع الفتحي وهو أحد أعضاء هيئة التدريس العاملين معنا في كلية الشريعة وأصول الدين بجامعة الملك خالد ، وكان قد اطلع على الأسماء الحسنى التي تتبعتها من الكتاب والسنة وكيف أنها لم تنطبق إلا على تسعة وتسعين اسما من جملة مائتين وثمانين جمعهم من توسع من العلماء في قضية الإحصاء ، فدفعه ذلك إلى أن نظم الأسماء بشروطها في قصيدة سماها اللؤلؤة الفضلى في نظم أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة .(31/142)
وقد أطال في مقدمتها ومدحني بما لا أستحق ، فاستأذنته أن يقتصر على ما ورد فيها من الأسماء وشروط الإحصاء ، وهذا ما سأذكره في خاتمة البحث ، فجزاه الله خير الجزاء ، وأسأله سبحانه أن يرزقني وإياه الإخلاص في القول والعمل وأن يباعد بيننا وبين معصيته إلى أن يحين الأجل ، فلا ينفع الوعد على الإحصاء إلا بتقوى الله في السراء والضراء .
الله ربنا هو الإلهُ? له من الأسماء ما اصطفاهُالواحدُ الحي كذا المليكُ? والملكُ المالكُ لا شريكُوالصمدُ السيدُ والمبينُ? والأحدُ العظيمُ والمتينُوإنه الحق العلي الأعلى? المتعالي الوتر قد تجلىوإنه المجيدُ والعليمُ? والقادرُ القديرُ والحليمُوإنه السميعُ والبصيرُ? والأولُ الآخرُ والستيرُوالظاهرُ الباطنُ والكبيرُ? والوارثُ الرقيبُ والنصيرُسبحانه البارئُ والمصورُ? والقابضُ الباسطُ والمسعرُالمؤمنُ المهيمنُ الجبارُ? والقاهرُ القهارُ والغفارُوالأكرمُ الوهابُ والديانُ? العفو والوكيل والرحمنُوإنه العزيزُ والحكيمُ? والطيبُ المحسنُ والكريمُوإنه الغني والشكورُ? والشاكرُ المجيبُ والغفورُوالرازقُ التوابُ والرزاقُ? والخالقُ الفتاحُ والخلاقُوالمعطي والجوادُ والقريبُ? والشافي والمنانُ والحسيبُوربنا الحفيظُ والشهيدُ? والواسعُ السبوحُ والحميدُوإنه المولى الولي البر? الحكم ُ المقدمُ المؤخرُتبارك السلامُ والرؤءفُ? القوي والقدوسُ واللطيفُوربنا الودودُ والقيومُ? الرفيقُ والحيي والرحيمُوربنا الجميلُ فانظر واعتبرْ? وإنه المقيتُ والمتكبرْوإنه المقتدرُ الخبيرُ? يعلمُ ما كانَ وما يصيرُثم هنا قد تمت الأسماءُ ? تسع وتسعون ولا افتراءُفخذها بالقبولِ والتسليمِ ? فإنها من مصدرٍ عليمِقد حدها بالقيد والشرائطِ ? محصورةً في خمسةِ الضوابطِالنص محفوظٌ بلا إقحامِ ? وكونُه اسماً من الأعلامِوإنه يجري على الإطلاقِ ? يحمل ذا الوصف بلا شقاقِفي غاية الجمالِ والكمالِ ? ليس بمقسومٍ ولا انفصالِتلك هي(31/143)
الشروط باستيفاءِ ? فطبقن من غير ما هباءينأى بها البديع والعلام ? والمكر والدهر كذا القيامفحل ذا النفس بذي الأسماء ? وزنها بالإخلاص والرجاء
أسماء ( الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
والتي انطبقت عليها شروط الإحصاء
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إَِّلا هُوَ
الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ الأَوَّلُ الآخِرُ الظَّاهِرُ البَاطِنُ السَّمِيعُ البَصِيرُ المَوْلَى النَّصِيرُ العَفُوُّ القَدِيرُُ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ الوِتْرُ الجَمِيلُ الحَيِيُّ السِّتيرُ الكَبِيرُ المُتَعَالُ الوَاحِدُ القَهَّارُ الحَقُّ المُبِينُ القَوِيُِّ المَتِينُ الحَيُّ القَيُّومُ العَلِيُّ العَظِيمُ الشَّكُورُ الحَلِيمُ الوَاسِعُ العَلِيمُ التَّوابُ الحَكِيمُ الغَنِيُّ الكَرِيمُ الأَحَدُ الصَّمَدُ القَرِيبُ المُجيبُ الغَفُورُ الوَدودُ الوَلِيُّ الحَميدُ الحَفيظُ المَجيدُ الفَتَّاحُ الشَّهيدُ المُقَدِّمُ المُؤخِّرُ المَلِيكُ المُقْتَدِرْ المُسَعِّرُ القَابِضُ البَاسِطُ الرَّازِقُ القَاهِرُ الديَّانُ الشَّاكِرُ المَنانَّ القَادِرُ الخَلاَّقُ المَالِكُ الرَّزَّاقُ الوَكيلُ الرَّقيبُ المُحْسِنُ الحَسيبُ الشَّافِي الرِّفيقُ المُعْطي المُقيتُ السَّيِّدُ الطَّيِّبُ الحَكَمُ الأَكْرَمُ البَرُّ الغَفَّارُ الرَّءوفُ الوَهَّابُ الجَوَادُ السُّبوحُ الوَارِثُ الرَّبُّ الأعْلى الإِلَهُ .
**************************************************************************
عدد الأسماء
تسع وتسعون بدون لفظ الجلالةأسماء ( الحسنى التي جمعها الوليد بن مسلم
وما لم يثبت منها أو يوافق شروط الإحصاء
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إَِّلا هُوَ(31/144)
الرَّحمنُ الرَّحيمُ المَلِك القُدُّوسُ السَّلاَمُ المُؤْمِنُ المُهَيمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّر الخَالِقُ البَارِىءُ المُصَوِّرُ الغَفَّارُ القَهَّارُ الوَهَّابُ الرَّزَّاقُ الفتَّاحُ العَلِيمُ القَابِضُ البَاسِطُ الخافضُ الرَّافِعُ المعزُّ المذِل السَّمِيعُ البَصِيرُ الحَكَمُ العَدْلُ اللّطِيفُ الخَبِيرُ الحَلِيمُ العَظِيمُ الغَفُورُ الشَّكُورُ العَلِيُّ الكَبِيرُ الحَفِيظُ المُقِيتُ الحَسِيبُ الجَلِيلُ الكَرِيمُ الرَّقِيبُ المُجِيبُ الْوَاسِعُ الحَكِيمُ الوَدُودُ المَجِيدُ البَاعِثُ الشَّهِيدُ الحَق الوَكِيلُ القَوِيُّ المَتِينُ الوَلِيُّ الحَمِيدُ المُحْصِي المُبْدِيءُ المُعِيدُ المُحْيِي المُمِيتُ الحَيُّ القَيُّومُ الوَاجِدُ المَاجِدُ الوَاحِدُ الصَّمَدُ القَادِرُ المُقْتَدِرُ المُقَدِّمُ المُؤَخِّرُ الأوَّلُ الآخِرُ الظَّاهِرُ البَاطِنُ الوَالِي المُتَعَالِي البَرُّ التَّوَّابُ المنتَقِمُ العَفُوُّ الرَّءوف مَالِكُ المُلْكِ ذُو الجَلاَلِ وَالإكْرَامِ المُقْسِط الجَامِعُ الغَنِيُّ المُغْنِي المَانِعُ الضَّارُّ النَّافِعُ النُّورُ الهَادِي البَدِيعُ البَاقِي الوَارِثُ الرَّشِيدُ الصَّبُور .
************************************************************************
عدد الأسماء
تسع وتسعون مع لفظ الجلالة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رقم الإيداع بدار الكتب
10582/2004
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الترقيم الدولي - I .S. B .N
0 - 1586 - 17 - 977
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بدائع الفوائد 1/171 ، تحقيق هشام عبد العزيز عطا وآخرون ، نشر مكتبة نزار مصطفى الباز الطبعة الأولى ، مكة المكرمة ، 1416هـ .(31/145)
(1) البخاري في الشروط ، باب إن لله مائة اسم إلا واحدا 6/2691 (6957) ، ومسلم في الذكر والدعاء والتوبة ، باب في أسماء الله تعالى وفضل من أحصاها 4/2063 (2677) .
(1) طبقات الشافعية الكبرى ، لأبي نصر عبد الوهاب السبكي ، 3/ 358 ، تحقيق دكتور عبد الفتاح محمد الحلو ، دكتور محمود محمد الطناحي ، نشر دار هجر ، القاهرة ، سنة 1992م .
(2) الفصل في الملل والأهواء والنحل ، لأبي محمد بن حزم الظاهري 2/108 ، 3/43 ، نشر مكتبة الخانجي القاهرة ، بدون تاريخ .
(3) مسلم في الصلاة ، باب ما يقال في الركوع والسجود 1/352 (486) .
(4) تقدم تخريجه ص6 .
(1) حديث صحيح رواه أحمد في مسند عبد الله بن مسعود1/391 (3712) ، وابن حبان في صحيحه باب ذكر الأمر لمن أصابه حزن أن يسأل الله ذهابه عنه وإبداله إياه فرحا 3/253 (972) ، والحاكم في المستدرك ، 1/690 (1877) ، وانظر السلسلة الصحيحة للشيخ الألباني 1/383 .
(2) انظر شرح سنن ابن ماجه للسيوطي ص 275 ، نشر قديمي كتب خانة كاراتشي ، وانظر أيضا مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية 6/381 ، والفتاوى الكبرى 1/218 .
(3) انظر المحلى لابن حزم 8/31 ، والفصل في الملل والنحل 2/112 ، وانظر أيضا سبل السلام شرح بلوغ المرام من أدلة الأحكام 4/108 .
(4) انظر السابق 8/31 .
(1) بدائع الفوائد 1/171 ، تحقيق هشام عبد العزيز عطا وآخرون ، نشر مكتبة نزار ، مكة المكرمة ، الطبعة الأولى 1416هـ / 1996 ، وله أيضا شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل ، ص 277 تحقيق محمد بدر الدين أبو فراس ، دار الفكر ، بيروت ، 1398.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 17/5 .
(3) لسان العرب 14/184 .
(1) تقدم تخريجه .(31/146)
(1) انظر مجمع الزوائد ، لأبي بكر الهيثمي 8/198 ، وشعب الإيمان ، لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي 5/434 ، 5/435 ، وكتاب العظمة لأبى محمد الأصفهاني 5/ 1549 ، وكتاب الزهد لهناد بن السري الكوفي 2/461 ، وهذه الرواية ضعيفة ، ضعفها الألباني في ضعيف الترغيب والرهيب (1006) .
(1) البخاري في كتاب التفسير ، باب ذرية من حملنا مع نوح 4/ 1746 (4435) .
(2) بدائع الفوائد 1/176 ، وطريق الهجرتين ص 224 .
(1) انظر بدائع الفوائد 1/171 .
(1) الفوائد ص166 بتصرف ، نشر دار الكتب العلمية ، الطبعة الثانية ، بيروت 1393.
(2) السابق ص167 بتصرف .
(1) الفتاوى الكبرى 1/217 .
(2) السابق 1/217 بتصرف .
(3) العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم لمحمد بن إبراهيم الوزير اليماني 7/228 ، تحقيق شعيب الأرنئوط ، مؤسسة الرسالة ، الطبعة الأولى 1412هـ .
(1) القواعد المثلي ص16، نشر دار الأرقم ، الطبعة الأولى ، الكويت سنة 1406هـ .
(1) قطف الجنى الداني شرح مقدمة أبي زيد القيرواني ، ص92:85 ، دار الفضيلة 1423هـ .
(2) أسماء الله الحسنى ، نشر دار الوطن الرياض الطبعة الأولى 1417 ، ص186:175.
(1) تقدم تخريجه .
(2) شرح العقيدة الأصفهانية ص19 .
(1) الإحكام في أصول الأحكام 1/93 .
(2) قوت القلوب في معاملة المحبوب لأبى طالب المكي 2/124 ، مكتبة المتنبي ، القاهرة 1310هـ .
(3) المحلى لابن حزم 1/52 بتصرف .
(4) المنهل الروي في مختصر علوم الحديث النبوي لمحمد بن إبراهيم بن جماعة ص33 بتصرف .
(1) انظر في بيان ذلك المرجع السابق ، وانظر أيضا صحيح مسلم بشرح النووي 1/27 ، وتدريب الراوي للسيوطي 1/63 بتصرف .
(2) رسائل ابن عربي ص4 ، دار إحياء التراث العربي ، حيدر آباد ، الهند ، 1948م .
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 1/14 .
(2) هدي الساري مقدمة فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني ص10.(31/147)
(1) البخاري في أحاديث الأنبياء ، باب خلق آدم 3/1213 (3155) .
(2) أبو داود في كتاب الصلاة ، باب الدعاء 2/79 (1495) ، وانظر صحيح أبي داود1/279 (1326) .
(1) أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك 3/156 ، وشرح بن عقيل 1/21 .
(2) شرح العقيدة الأصفهانية ص19 .
(1) الأحاديث التي أدرج فيها الرواة أسماء الله الحسنى كرواية الترمذي وابن ماجة والحاكم وغيرهم يكمن الرجوع إلى تفصيلها والتعرف على عللها في كتاب : جزء فيه طرق إن لله تسعة وتسعين اسما لأبي نعيم الأصفهاني من ص93 : ص172 ، تحقيق مشهور حسن سليمان ، مكتبة الغرباء الأثرية المدينة المنورة 1413هـ ، وانظر للإمام البيهقي : كتاب الأسماء والصفات ص 108 ، دار الكتب العلمية ، بيروت والاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد على مذهب السلف وأصحاب الحديث ص57 .
(2) أخرجه مسلم في الإيمان ، باب في قوله عليه السلام إن الله لا ينام 1/161 (179) .
(3) الأسماء والصفات للبيهقي ص 99 .
(1) أخرجه الترمذي في كتاب صفة القيامة والرقائق والورع 4/667 (2516) .
(2) البخاري في فضائل الصحابة باب قوله S لو كنت متخذا خليلا 3/1341 (3467) .
(3) الأسماء والصفات ص 96 .
(1) المنتقم ذكره العلامة ابن حجر العسقلاني ضمن الأسماء الحسنى مع أنه لم يرد اسما في القرآن أو السنة انظر تلخيص الحبير 4/174 ، وفتح الباري 11/219 .
(2) أخرجه البخاري كتاب الدعوات ، باب الذكر بعد الصلاة 1/289 (808) .
(3) انظر المزيد عن الأسماء التي اشتقها العلماء من الصفات والأفعال في العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم لابن الوزير ، 7/228 تحقيق شعيب الأرنئوط ، مؤسسة الرسالة الطبعة الأولى 1412هـ 7/231 ، وكتاب الأسماء والصفات للبيهقي ص 80 ، ص102 .
(1) بدائع الفوائد 1/169.
(2) روح المعاني 9/120 .
(1) شرح العقيدة الأصفهانية ص19 .
(2) أخرجه البخاري في كتاب المغازي 3/1072، (2775) .(31/148)
(1) أخرجه مسلم في كتاب الحج ، باب ما يقول إذا ركب إلى سفر 2/978 (1342) .
(2) أبو داود كتاب الأيمان والنذور ، باب ما جاء في يمين النبي S 3/255 (3263) ، وانظر صحيح أبي داود2 /629 (2796) .
(1) أبو داود : كتاب الترجل ، باب في الخضاب 4/86 (4207) ، وصحيح أبي داود 2/792 (3544) .
(2) انظر ما ذكره ابن القيم في ذلك في كتابه بدائع الفوائد1/171 .
(1) بدائع الفوائد 1/170.
(2) السابق 1/28 ، وانظر أيضا توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم ، لأحمد بن إبراهيم بن عيسى 1/14 ، تحقيق زهير الشاويش نشر المكتب الإسلامي ، بيروت ، سنة 1406هـ .
(1) متفق عليه وقد تقدم تخريجه .
(2) البخاري في التفسير ، باب تفسير سورة حم 4/1825 (4549) .
(3) المحلى لابن حزم 8/31 ، وله أيضا الفصل في الملل والنحل 2/112.
(4) القواعد المثلى ص 10 .
(1) انظر تفسير القرطبي 1/154 ، والبرهان في علوم القرآن 1/172.
(2) التبيان في إعراب القرآن 1/10 ، لأبي البقاء عبد الله بن الحسين العكبري ، تحقيق علي محمد البجاوى نشر إحياء الكتب العربية .
(3) الاتقان في علوم القرآن للسيوطي 2/26 .
(4) السابق 2/26 .
(1) انظر بتصرف شرح قصيدة ابن القيم 1/12 .
(2) بدائع الفوائد1/170.
(1) زاد المسير 3/214 ، وروح المعاني 18/230 .
(2) انظر هذا المعنى في المواضع الآتية : الحقيقة والمجاز لابن تيمية 20 /471 ، وانظر له أيضا الرسالة التدمرية ص 14 ، والمحلى لابن حزم 1/34 ، وإعلام الموقعين لابن القيم 3/218 ، وحز الغلاصم في إفحام المخاصم عند جريان النظر في أحكام القدر لابن حيدرة 2/39 .
(1) مسلم في كتاب الحج ، باب ما يقول إذا ركب إلى سفر الحج وغيره 2/978 (1342) .
(2) مفردات غريب القرآن ص 156 .
(3) انظر إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان لابن القيم تحقيق محمد حامد الفقي 1/386 وما بعدها ، الطبعة الثانية ، دار المعرفة ، بيروت 1975م .(31/149)
(4) السابق 1/387 .
(1) انظر طريق الهجرتين 1/ 486 ، 1/487 .
(1) انظر طريق الهجرتين لابن القيم 1/ 486 ، 1/487 ، وانظر له أيضا بدائع الفوائد 1/169، وإعلام الموقعين 3/218 .
(1) المسند 1/395 (3756) ، وصححه الألباني في إرواء الغليل (1508) ، وصحيح الجامع (3350) .
(2) السابق 1/191(1659) ، وانظر السلسلة الصحيحة 2/49 (520) .
(3) السابق 3/419 (15859) ، وانظر السلسلة الصحيحة 2/495 (840) .
(1) انظر تفسير أسماء الله الحسنى لأبي إسحاق إبراهيم بن محمد ص 28 ، نشر دار الثقافة العربية دمشق سنة 1974م ، ومناهل العرفان في علوم القرآن ، لمحمد عبد العظيم الزرقاني ، 2/62 تحقيق مكتب البحوث الدراسات ، الطبعة الأولى ، نشر دار الفكر ، بيروت ، 1996.
(2) البخاري في كتاب الدعوات ، باب الدعاء قبل السلام 1/286 (799) .
(3) أبو داود في كتاب الوتر ، باب في الاستغفار 2/85 (1516) ، وانظر صحيح أبي داود (1357) وانظر أيضا صحيح ابن ماجة 2/321 (3075) ، والسلسلة الصحيحة (556) .
(1) مسلم في صلاة المسافرين ، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه 1/535 (771) .
(2) البخاري في التفسير ، باب قوله والأرض جميعا قبضته 4/1812 (4534) .
(3) مسلم في صلاة المسافرين ، باب الترغيب في الدعاء 1/522 (758) .
(4) مسلم في كتاب الصلاة ، باب ما يقال في الركوع والسجود1/353 (487) .
(5) أبو داود في الأدب ، باب ما يقول إذا أصبح 4/322 (5085) ، صحيح أبي داود 3/958 (4242) .
(1) البخاري في كتاب الأذان ، باب التشهد في الآخرة 1/286 (797) .
(2) مسلم في كتاب المساجد ، باب استحباب الذكر بعد الصلاة 1/414 (591) .
(3) صحيح الجامع 11/131 ، وانظر الأدب المفرد ، باب السلام اسم من أسماء الله 1/343 (989) .
(1) السيوطي في الجامع الصغير1/107 (146) وانظر السلسلة الصحيحة 5 /98 (2066) .
(2) البخاري في كتاب الرقاق ، باب يقبض الله الأرض يوم القيامة 5/2389 (6155) .(31/150)
(1) مسلم في كتاب صفة القيامة والجنة والنار 4/2149 (2788) .
(2) أحمد في المسند ، مسند عبد الله بن عمر2/87 (5608) ، وانظر صحيح ابن ماجة1/39 (164) .
(3) السابق 3/156 (12613) ، وانظر صحيح الجامع (1846) .
(1) مشكاة المصابيح ، محمد بن عبد الله الخطيب التبريزي ، تحقيق الشيخ الألباني (3696) .
(2) مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة ، باب ما يقول ثم النوم وأخذ المضجع 4/2084 (2713) وكذلك رواه الترمذي في كتاب الدعوات 5/518 (3481) ، وابن ماجه في كتاب الدعاء ، باب دعاء رسول الله S 2/1259 (3831) .
(1) البخاري في كتاب الجهاد ، باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير 3/1091 (2830) .
(1) أبو داود في كتاب الصلاة ، باب من رأى الاستفتاح بسبحانك اللهم وبحمدك 1/206 (775) ، وانظر صحيح أبي داود 1/148(701) .
(2) أبو داود في كتاب السنة ، باب في الجهمية 4/233 (4728) ، صحيح أبي داود 3/895(3954) .
(1) البخاري في كتاب المغازى ، باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب 3/1105 (2874) .
(2) أبو داود في كتاب الجهاد ، باب ما يدعى ثم اللقاء 3/42 (2632) ، والترمذي في كتاب الدعوات باب في الدعاء إذا غزا 5/572 (3584) ، وانظر صحيح أبي داود2 /499 (2291) .
(3) الترمذي في كتاب الدعوات 5/534 (3513) وانظر صحيح الجامع (4423) .
(1) أحمد في المسند 1/419 (3977) ، وانظر السلسلة الصحيحة 4/181(1638) .
(2) البخاري في كتاب الدعوات ، باب الذكر بعد الصلاة 1/289 (808) .
(1) مسلم في كتاب الجنائز ، باب ما يقال ثم دخول القبور والدعاء لأهلها 2/670 (974) .
(2) الحديث السابق .
(1) البخاري في كتاب الدعوات ، باب لله مائة إلا واحدة 5/2354 (6047) .
(2) مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة ، باب في أسماء الله تعالى 4/2062 (2677) .(31/151)
(3) النسائي في كتاب قيام الليل وتطوع النهار 1/171 (440) ، والترمذي في كتاب الصلاة ، باب ما جاء أن الوتر ليس بحتم 2/316 (453) ، وأبو داود في كتاب الوتر ، باب استحباب الوتر 2/61 (1416) ، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة ، باب ما جاء في الوتر 1/370 (1169) وأحمد في المسند ، مسند علي بن أبي طالب 1/144 (1224) ، وانظر صحيح ابن ماجة1/193(959) .
(4) مسلم في كتاب الإيمان ، باب تحريم الكبر وبيانه 1/93 (91) .
(5) أحمد في المسند ، مسند عبد الله بن مسعود 1/399 (3789) .
(1) أبو داود في كتاب الحمام ، باب النهي عن التعري 4/39 (4012) ، والبراز هو الفضاء الواسع من الأرض الذي يتخذ مكانا لقضاء الحاجة ، صحيح أبي داود 2/758 (3387) .
(2) أبو داود ، باب الدعاء 2/78 (1488) ، صحيح ابن ماجة 2/331 (3117) .
(3) النسائي في كتاب الغسل والتيمم ، باب الاستتار ثم الاغتسال 1/200 (406) ، صحيح أبي داود 2/758 (3387) .
(4) البيهقي في السنن الكبرى ، كتاب النكاح 7/97 (13337) ، وأبو داود في كتاب الأدب ، باب الاستئذان في العورات الثلاث 4/349 (5192) ولفظه : ( إِنَّ اللَّهَ حَلِيمٌ رَحِيمٌ بِالْمُؤْمِنِينَ يُحِبُّ السَّتْرَ ) .
(1) البخاري في كتاب التفسير ، باب تفسير سورة الحجر 4/1736 (4424) .
(2) أحمد في المسند 2/87 (5608) .
(1) النسائي في السهو ، باب الدعاء بعد الذكر1/386 (1224) ، صحيح أبي داود 2/185(869) .
(2) البخاري في كتاب فضائل القرآن ، باب فضل قل هو الله أحد 4/1916(4727) .
(3) مسلم في كتاب صفة القيامة والجنة والنار ، باب في البعث والنشور وصفة الأرض يوم القيامة 4/2150 (2791) ، ومسند أحمد 6/35 (24115) واللفظ له .
(4) السيوطي في الجامع الصغير1/107 (146) ، وانظر السلسلة الصحيحة 5/98 (2066) ، ومعنى تضور أي تقلب وتلوى من شدة الألم .(31/152)
(1) البخاري في كتاب الدعوات ، باب الدعاء إذا انتبه بالليل 5/2328 (5958) ، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين 1/532 (769) ، واللفظ لمسلم .
(1) انظر السلسلة الصحيحة 1/143 (67) .
(2) أبو داود في أول كتاب الحروف والقراءات 4/35 (3993) ، صحيح أبي داود 2/755 (3377) .
(3) مسلم في كتاب صلاة المسافرين ، باب فضل سورة الكهف وآية الكرسي 1/556 (810) .
(1) أبو داود في كتاب الصلاة ، باب الدعاء 2/80 (1496) وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب حديث رقم (1642) .
(2) أبو داود في كتاب الصلاة ، باب الدعاء 2/79 (1495) ، صحيح أبي داود 1/279 (1326) .
(3) القائم ذكره ابن ماجة في رواية عبد الملك الصنعاني ، كتاب الدعاء ، باب أسماء الله ، 2/ 1269 (3861) ، والزجاج في اشتقاق أسماء الله ص126 ، وابن حجر في تلخيص الحبير 4/ 174 ، أما القيام فقد ذكره ابن منده وابن العربي ، وأما القيم فذكره ابن العربي ، انظر أسماء الله الحسنى للغصن ص 353 .
(4) البخاري في كتاب التفسير ، تفسير سورة نوح 4/ 1872 .
(1) ابن ماجه في كتاب الدعاء 2/1276 (3878) ، وانظر صحيح أبي داود 1/335 (3128) .
(2) السابق 2/1278 (3883) ، صحيح ابن ماجة 2/336 (3133) .
(3) الواقعة:74 ، 96 ، والحاقة :52 .
(4) البخاري في كتاب الدعوات ، باب فضل التسبيح 5/2352 (6043) .
(5) أبو داود في كتاب الصلاة ، باب فيما يقوله الرجل ثم دخوله المسجد 1/127 (466) .
(1) البخاري في كتاب الدعوات ، باب الدعاء ثم الكرب 5/2336 (5985) .
(1) أبو داود في كتاب الصلاة ، باب من رأى الاستفتاح بسبحانك اللهم وبحمدك 1/206 (775) ، وانظر صحيح أبي داود 1/148 (701) .
(2) الترمذي في كتاب الدعوات ، باب ما يقول إذا قام من المجلس5/494 (3434) ، وانظر صحيح ابن ماجة 2/321 (3075) .(31/153)
(1) البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء ، باب وكنت عليهم كلاهما ما دمت فيهم 4/1691 (4349) ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها ، باب فناء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة 4/2194 (2860) .
(2) أبو داود في كتاب الاستسقاء باب رفع اليدين في الاستسقاء1/304 (1173) ، والحاكم في المستدرك كتاب الاستسقاء 1/476 (1225) ، صحيح أبي داود 1/217 .
(1) الترمذي في كتاب الدعوات 5/529 (3504) وانظر صحيح الجامع (2621) .
(2) أبو داود في كتاب الوتر ، باب الدعاء2/78 (1488) ، صحيح أبي داود 1/278 (1320) .
(3) الترمذي في كتاب الدعوات 5/534 (3513) ، وانظر صحيح الجامع (4423) .
(1) البخاري في باب تفسير قوله قل هو الله أحد 4/1903 (4690) .
(2) ابن ماجه في الدعاء ، باب اسم الله الأعظم 2/1267 (3857) ، صحيح ابن ماجة 2/329 (3111) .
(3) البخاري في كتاب فضائل القرآن ، باب فضل قل هو الله أحد 4/1916 (4727) .
(4) مسلم في صلاة المسافرين وقصرها ، باب فضل قراءة قل هو الله أحد 1/557 (812) .
(5) أبو داود في كتاب الوتر ، باب ما يقرأ في الوتر 2/63 (1423) ، صحيح أبي داود1/267 (1261) .
(1) البخاري في باب الدعاء قبل السلام 1/286 (799) .
(1) أبو داود في الجنائز ، باب الدعاء للميت 3/211 (3202) ، صحيح أبي داود2/617 (2742) .
(2) البخاري في كتاب الأدب 5/2233 (5644) .
(1) البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء ، باب يزفون النسلان في المشي 3/1233 (3190) .
(1) كتاب السبعة في القراءات لأبي بكر أحمد بن موسى التميمي البغدادي ص678.
(2) البخاري في أحاديث الأنبياء ، 3/1232 (3189) .
(1) البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء ، باب وكنت عليهم كلاهما ما دمت فيهم 4/1691 (4349) ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها ، باب فناء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة 4/2194 (2860) .
(2) البخاري في كتاب التهجد ، باب التهجد بالليل 1/377 (1069) .(31/154)
(1) الترمذي في كتاب الدعوات 5/467 (3392) ، السلسلة الصحيحة 6/580 (2753) .
(2) الترمذي كتاب الدعوات ، 5/530 (3507) ، وانظر تعليق الألباني في مشكاة المصابيح (2288) .
(3) الترمذي في كتاب البيوع ، باب ما جاء في التسعير 3/605 (1314) ، وأبو داود في كتاب الإجارة باب في التسعير 3/272 (3451) ، وابن ماجه في كتاب التجارات ، باب من كره أن يسعر 2/741 (2200) ، وأحمد في المسند 3/286 (14089) ، وانظر تصحيح الألباني في غاية المرام ص194(323) .
(1) أحمد في المسند ، مسند أنس بن مالك 3/156 (12613) .
(2) انظر أسماء الله الحسنى للدكتور الغصن ص 352 ، وقطف الجنى الداني ص 85 ، ص 92 .
(3) انظر السابق 178 .
(4) تلخيص الحبير 4/14 ، وانظر كتاب القول المسدد في الذب عن المسند للإمام أحمد ص86 .
(1) الأسنى في شرح الأسماء الحسنى 1/502 .
(2) تقدم تخريجه ص 77 .
(1) انظر مجموع فتاوى ابن تيمية 28/77 .
(2) تقدم تخريجه 77 .
(1) البخاري معلقا في كتاب التوحيد ، باب قول الله تعالى ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له 6/2719 وقد وصله ابن حجر في تغليق التعليق 5/355 ، وصححه الألباني في ظلال الجنة في تخريج السنة 1/225 وانظر الأسنى في شرح الأسماء الحسنى 1/417 .
(2) أحمد في المسند حديث عبد الله بن أنيس3/495 (16465) .
(1) أبو داود في كتاب الصلاة ، باب الدعاء 2/79 (1495) ، وانظر صحيح أبي داود (1325) .
(2) صفات الله الواردة في القرآن لعلوي السقاف ص 124 ، وانظر صحيح الجامع (1687)289.
(3) أحمد في المسند 3/167 (12731) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1687) .
(4) مسلم في الإيمان ، باب آخر أهل النار خروجا 1/174 (187) .
(1) المستدرك على الصحيحين تفسير سورة يس 2/466 (3606) .(31/155)
(2) بعيدا عن التقسيم الصوفي الفلسفي لعالم الملك والملكوت وفق دعواهم بالحضرات الإلهية الخمس كما ذكر الجرجاني في التعريفات ص119 ، وتقسيمات أبي حامد الغزالي في معارج القدس ص 15 ، ص87 ، وجواهر القرآن ص48 ، فإننا نعني بالملك والملكوت عالم الغيب والشهادة بناء على إظهار قدرة الله في تقليب الأسباب الظاهرة من إتيان الملك أو نزعه وفق مشيئته وأمره ، أو إدراك القدرة الإلهية فيما ورائها ، انظر المزيد عن هذا الموضوع في التوقيف على مهمات التعاريف للمناوي ص283 ، بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة والقرامطة والباطنية لابن تيمية ص203 ، والرد على المنطقيين ص196 .
(1) مسلم في كتاب الآداب ، باب تحريم التسمي بملك الأملاك وبملك الملوك 3/1688 (2143) .
(2) الترمذي في كتاب البيوع ، باب ما جاء في التسعير 3/605 (1314) .
(3) أبو داود في كتاب الحروف والقراءات ، أول كتاب الحروف والقراءات 4/35 (3993) .
(1) الترمذي في كتاب صفة القيامة ، باب ما جاء في شأن الصور 4/620 (2431) .
(2) البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء ، باب وكنت عليهم كلاهما ما دمت فيهم 4/1691 (4349) ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها ، باب فناء الدنيا 4/2194 (2860) .
(1) الطبراني في المعجم الكبير انظر الأحاديث من (7114) إلى (7123) ، وانظر مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي 5/197 ، ومصنف عبد الرزاق 4/492 .
(2) انظر المزيد عن ثبوت الاسم في كتاب إثبات أن المحسن من أسماء الله الحسنى للدكتور عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر ، من ص4 إلى ص14 ، الطبعة الأولى سنة 1423هـ ، 2003م ، نشر دار غراس ، الكويت .
(3) مسلم في كتاب الصيد والذبائح ، باب الأمر بإحسان الذبح والقتل 3/1548(1955) .
(1) البخاري في كتاب الطب ، باب دعاء العائد للمريض 5/2147 (5351) .
(2) مسلم في كتاب السلام ، باب استحباب رقية المريض 4/1722 (2191) .(31/156)
(3) البخاري في كتاب استتابة المرتدين ، باب الرد على أهل الذمة 5/2308 (5901) .
(4) مسلم في كتاب البر والصلة والآداب ، باب فضل الرفق 4/2003 (2593) .
(1) البخاري في كتاب فرض الخمس ، باب قول الله تعالى فإن لله خمسه وللرسول 3/1134 (2948) .
(2) البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب ، باب قول النبي S لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق 6/2667 (6882) .
(3) أبو داود في كتاب الأدب 4/254 (4806) ، وانظر صحيح أبي داود 3/912(4021) .
(1) أحمد في المسند 4/24 (16349) .
(2) تحفة المودود بأحكام المولود ، 1/126 ، نشر مكتبة دار البيان ، دمشق ، 1391هـ .
(3) مسلم في كتاب الزكاة ، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها 2/703 (1015) ، وأحمد في المسند 2/328 (8330) .
(4) الترمذي في الأدب ، باب ما جاء في النظافة5/111( 2799) ، وانظر غاية المرام ص89 (113) .
(1) أبو داود في كتاب الأدب 4/289 (4955) ، وانظر صحيح أبي داود 3/936 (4145) .
(2) البخاري في كتاب بدء الوحي ، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله S 1/4 (3) .
(1) تقدم تخريجه ص 51 .
(2) البخاري في التفسير باب سيقول السفهاء من الناس 4/1631 (4216) .
(1) البخاري في كتاب الصلاة ، باب الأسير أو الغريم يربط في المسجد 1/176(449) .
(2) انظر تصحيح الألباني في السلسلة الصحيحة (236) (1378) (1627) ، وصحيح الجامع (1744) (1800) ، وانظر أيضا : مسند أبي يعلى 2/121، والمسند لابن كليب الشاشي 1/80 ، وحلية الأولياء لأبي نعم الأصبهاني 3/263 ، 5/29 ، والكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة 5/332 (26617) والزهد لهناد بن السري الكوفي 2/423 ، وكتاب التوحيد لابن منده 2/99 ، ومجلس إملاء لأبي عبد الله محمد بن عبد الواحد الدقاق ص82 ، والكرم والجود وسخاء النفوس للبرجلاني ص34 ،35 .(31/157)
(3) أثبت هذا الاسم ابن القيم في النونية حيث قال : وهو الجواد فجوده عم الوجود جميعه بالفضل والإحسان وهو الجواد فلا يخيب سائلا ولو أنه من أمة الكفران ، انظر توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم لأحمد بن إبراهيم بن عيسى 2/229 ، والشيخ ابن عثيمين في القواعد المثلى ص 16 ، وانظر صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوى بن عبد القادر السقاف ص 102.
(1) الترمذي في صفة القيامة 4/656 (2495) ، وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (1008) .
(2) الترمذي في الأدب 5/111 (2799) ، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح (4487) .
(3) تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي للسيوطي 1/157 ، والمنهل الروي في مختصر علوم الحديث النبوي حمد بن إبراهيم بن جماعة ص35 ، ونخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر ص229 .
(4) مسلم في كتاب الصلاة ، باب ما يقال في الركوع والسجود 1/353 (487) ، وأبو داود كتاب الصلاة باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده 1/230 (872) ، والنسائي في كتاب التطبيق 1/240 (720) وأحمد في المسند 6/34 (24109) .
(1) مسلم في كتاب الصلاة ، باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود 1/348 (479) .
(2) الترمذي في الدعوات 5/569 (3578) ، والحديث صححه الألباني في صحيح الجامع (1173) .
(3) البخاري في كتاب بدء الخلق ، باب ما جاء في قوله تعالى : ? وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ? 3/1173 (3035) .
(1) مسلم في كتاب صلاة المسافرين ، باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل1 /536 (772) .
(2) أبو داود في كتاب الصلاة ، باب الدعاء في الصلاة 1/233 (883) ، وانظر حكم الألباني على الحديث في تمام المنة ص185 (133) .
(3) فتح الباري شرح صحيح البخاري ، لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني 13/381 ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ، نشر دار المعرفة ، بيروت ، 1379هـ .(31/158)
(1) البخاري في كتاب التوحيد ، باب السؤال بأسماء الله والاستعاذة بها 6/2693 (6967) .
(2) فتح الباري : 13/382 .
(3) البخاري في كتاب الكسوف ، باب التهجد بالليل 1/377 (1069) .
(1) تقدم تخريجه ص6 ، وانظر أسماء الله الحسنى ، للدكتور عبد الله صالح الغصن ص 149.
(2) بلوغ المرام من أدلة الأحكام ، لابن حجر العسقلاني ، ص 346 حديث رقم (1396) ، الطبعة الأولي دار البخاري ، القصيم سنة 1409 هـ .
(3) سبل السلام شرح بلوغ المرام من أدلة الأحكام ، محمد بن إسماعيل الصنعاني الأمير ، 4/108 تحقيق محمد عبد العزيز ، الطبعة الرابعة ، نشر دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، 1379هـ .
(4) دقائق التفسير الجامع لتفسير ابن تيمية ، تحقيق د. محمد السيد الجليند ، 2/473 ، الطبعة الثانية ، نشر مؤسسة علوم القرآن ، دمشق ، 1404هـ ، وانظر في دراسة الروايات والطرق التي سردت الأسماء الحسنى كتاب جزء فيه طرق إن لله تسعة وتسعين اسما لأبي نعيم الأصفهاني من ص93 : ص172 ، تحقيق مشهور حسن سليمان ، مكتبة الغرباء الأثرية المدينة المنورة 1413هـ ، وكتاب أسماء الله الحسنى ، للدكتور عبد الله صالح الغصن ص 155 وما بعدها .
(1) مسلم في كتاب الإيمان ، باب في قوله عليه السلام إن الله لا ينام 1/161 (179) .
(2) الأسماء والصفات للبيهقي ص 99 .
(1) أبو داود في كتاب الإجارة ، باب في تضمين العارية 3/296 (3565) وانظر تصحيح الألباني للحديث في مشكاة المصابيح حديث رقم (3073) .
(1) أخرجه البخاري في كتاب المغازي 3/1072 (2775) .
(1) الترمذي في صفة القيامة 4/656 (2495) ، وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (1008) .
(2) انظر ما ورد في اسم الله الجواد ص93 .
(3) انظر تفسير النسفي 2/212 ، زاد المسير 4/313 ، فتح القدير 3/69 ، وانظر الأسنى في شرح الأسماء الحسنى لأبي عبد الله القرطبي 1/253 .(31/159)
(1) مسلم في الإيمان ، باب في قوله عليه السلام إن الله لا ينام 1/161 (179) .
(1) البخاري في كتاب الدعوات ، باب الذكر بعد الصلاة 1/289 (808) .
(2) البخاري في كتاب فرض الخمس باب قول الله تعالى : فإن لله خمسه وللرسول 3/1134 (2948) .
(3) الترمذي في كتاب صفة القيامة والرقائق والورع 4/667 (2516) .
(4) البخاري في فضائل الصحابة ، باب قوله S لو كنت متخذا خليلا 3/1341 (3467) .
(5) الأسماء والصفات للبيهقي ص 96 .
(1) مسلم في كتاب الحج ، باب ما يقول إذا ركب إلى سفر 2/978 (1342) .
(2) أبو داود في كتاب الأيمان والنذور ، باب ما جاء في يمين النبي ? 3/255 (3263) .
(3) البخاري في كتاب الأدب ، باب الصبر على الأذى 5/2262 (5748) .
(1) أبو داود في كتاب الطهارة 1/127 (466) .
(1) الاعتقاد للبيهقي ص51 .
(1) انظر صفات الله الواردة في القرآن لعلوي السقاف ص 125 .
(2) السابق ص 125 .
(3) المسند للإمام أحمد 3/158 (12632) ، وانظر ضعيف الجامع حديث رقم (1946) .
(4) انظر الأدلة على اسم الله المنان ص82 .
(5) البخاري في الاستسقاء ، باب الاستسقاء في المسجد الجامع 1/343 (967) .
(1) انظر تفسير البغوي 4/90 ، وتفسير القرطبي 15/292 .
??
??
??
??
(6)
الجزء الأول - الإحصاء د.كتور محمود عبد الرازق الرضواني
(7)
أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة د. محمود عبد الرازق الرضواني(31/160)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار علي نهجه إلي يوم الدين ، أما بعد ..
فبعد أن صدر الجزء الأول من كتاب أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة والذي تناول إحصاء الأسماء وقواعد جمعها من النصوص القرآنية والنبوية ، وما لم يثبت منها أو يوافق شروط الإحصاء ، بدا استغراب كثير من العامة والخاصة وظهرت أسئلة كثيرة كان أبرزها يدور حول حقيقة الأسماء المشتهرة على ألسنة الناس منذ فترة طويلة وكيف أن سردها ليس من كلام النبي S ؟ بل إن بعض الأساتذة في الجامعة ويعد من المتخصصين عندما أهديته الكتاب وطلبت رأيه وتعليقه أخبرني أنه بعد قراءته للكتاب كانت المفاجأة التي استرعت انتباهه أنه لأول مرة يعلم أن سرد أسماء الله الحسنى التسعة والتسعين المشهورة على ألسنة الناس مدرج في الحديث وأنه اجتهاد من جمع الوليد بن مسلم ألصقه في رواية الترمذي ، فقلت في نفسي إذا كان هذا حال المتخصصين فكيف يكون عامة المسلمين ؟
وقد كانت أغلب الملاحظات العلمية التي حدثني فيها أهل العلم من المتخصصين في العقيدة وغيرها عبارة عن استبيان واستفسار أو استغراب من غير إنكار ، أو اختلاف في وجهة النظر المتعلقة بتقيد اسم أو إطلاقه ، أو عدم التفريق بين التقييد الظاهر في النص والتقييد العقلي بالممكنات ، أو قضية التمييز بين حسن الأسماء في حال إطلاقها وحسنها في حال تقييدها ، وأن الأسماء المقيدة حسنها فيما قيدت به والمطلقة في الحسن هي المقصودة بالتسعة والتسعين اسما ، أو غير ذلك من الأخطاء المطبعية أو الرغبة في إعادة الصياغة اللغوية لبعض الجمل ومراعاة مفهوم المخالفة لبعض العبارات .(32/1)
وأيا كانت ملاحظات المتخصصين أو العامة ، فموضوع إحصاء الأسماء الحسنى من الموضوعات التي يتوق إلى معرفتها جميع المسلمين ، وليس من السهل التطرق إليه أو البحث فيه ، وقد ذكرت أنني لما أقدمت على هذا البحث كانت بغيتي أن أتعرف على الأسماء الثابتة في الكتاب والسنة ، لأنني كنت أعلم أنه لم يثبت حديث صحيح في جمعها وسردها ، فرغبت أن أعلم نفسي وأمحو جهلي في هذه القضية ، وذكرت أنه كثيرا ما كنت أخجل من نفسي وأشعر بالحيرة والاضطراب عندما أسأل عن اسم من أسماء الله التي أدرجها بعض الرواة ، وأن نتيجة البحث كانت مفاجأة لي قبل غيري ، ولو كان هذا البحث لغيري لكان موقفي من الاستغراب والدهشة أشد وأعجب ، لكن هذا ما أسفر عنه استخدام تقنية الحاسوب في البحث عن الأسماء الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة ، ويعلم الله أنني أثناء البحث ما تركت أحدا من إخواننا المتخصصين اتسع وقته لي أو يمكنني استشارته إلا وأخذت رأيه فيما أشكل علي من أسماء أو مفردات في البحث .(32/2)
ومهما يكن من موقف المؤيدين أو المعارضين فإنه بعد هذا البحث لا يسع أي باحث منصف في التعرف على أسماء الله الحسنى وتتبعها أو جمعها من القرآن والسنة أن يتجاهل في بحثه ضرورة الالتزام بالقواعد العلمية أو الشروط المنهجية في عملية البحث ، فلا بد أن يكون الاسم واردا في القرآن أو صحيح السنة ، وأن يكون علما دالا على ذات الله ، وليس فعلا أو وصفا دلا على معنى لا يقوم بنفسه ، ويلزم أيضا في النص على الاسم إطلاق الحسن وعدم تقييده ، فلا بد أن يفيد المدح والثناء بنفسه ؛ لأن حسن الأسماء المضافة مرتبط بالنص وأن تذكر مقيدة كما ذكرها الله ورسوله S ، ولابد أيضا من دلالة الاسم على الوصف وتضمنه له ؛ فالاسم الذي لا يتضمن وصفا ليس فيه مدح ولا كمال ، وكذلك لا بد أن يكون الوصف الذي دل عليه الاسم في منتهى الحسن فلا يكون المعنى منقسما إلى كمال ونقص ، وجزا الله أبا يزن الفتحي خيرا لما قال عن هذه الضوابط :
قد حدها بالقيد والشرائطِ : محصورةً في خمسةِ الضوابطِالنص محفوظٌ بلا إقحامِ : وكونُه اسماً من الأعلامِوإنه يجري على الإطلاقِ : يحمل ذا الوصف بلا شقاقِفي غاية الجمالِ والكمالِ : ليس بمقسومٍ ولا انفصالِ ومن هنا أدعو إخواني الدعاة والباحثين ألا تكون مرجعيتهم في إثبات أسماء الله والإفتاء بها للناس الاعتماد على الأسماء المدرجة في الروايات دون تمحيص أو تحري ما ثبت منها وما لم يثبت ، فأسماء الله توقيفية على النص ولا يجوز تسمية الله بما لم يسم به نفسه في كتابه أو في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
* منهج البحث في شرح الأسماء وتفسير معانيها :(32/3)
أولا : الأسماء الحسنى التي سيتناولها البحث بالشرح والتفسير هي التي انطبق عليها شروط الإحصاء ، وهي مرتبة على ما اعتمد في الجزء الأول من مراعاة اقترانها في الأدلة القرآنية والنبوية وتقارب ألفاظها وسهولة حفظها ، وهو ترتيب اجتهادي كما سبق وهذه الأسماء هي : الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ الأَوَّلُ الآخِرُ الظَّاهِرُ البَاطِنُ السَّمِيعُ البَصِيرُ المَوْلَى النَّصِيرُ العَفُوُّ القَدِيرُُ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ الوِتْرُ الجَمِيلُ الحَيِيُّ السِّتيرُ الكَبِيرُ المُتَعَالُ الوَاحِدُ القَهَّارُ الحَقُّ المُبِينُ القَوِيُِّ المَتِينُ الحَيُّ القَيُّومُ العَلِيُّ العَظِيمُ الشَّكُورُ الحَلِيمُ الوَاسِعُ العَلِيمُ التَّوابُ الحَكِيمُ الغَنِيُّ الكَرِيمُ الأَحَدُ الصَّمَدُ القَرِيبُ المُجيبُ الغَفُورُ الوَدودُ الوَلِيُّ الحَميدُ الحَفيظُ المَجيدُ الفَتَّاحُ الشَّهيدُ المُقَدِّمُ المُؤخِّرُ المَلِيكُ المُقْتَدِرْ المُسَعِّرُ القَابِضُ البَاسِطُ الرَّازِقُ القَاهِرُ الديَّانُ الشَّاكِرُ المَنانَّ القَادِرُ الخَلاَّقُ المَالِكُ الرَّزَّاقُ الوَكيلُ الرَّقيبُ المُحْسِنُ الحَسيبُ الشَّافِي الرِّفيقُ المُعْطي المُقيتُ السَّيِّدُ الطَّيِّبُ الحَكَمُ الأَكْرَمُ البَرُّ الغَفَّارُ الرَّءوفُ الوَهَّابُ الجَوَادُ السُّبوحُ الوَارِثُ الرَّبُّ الأعْلى الإِلَهُ .(32/4)
ثانيا : انتهجت في تفسير الأسماء شرح الاستعمال اللغوي أولا ثم تفسير المعاني الاعتقادية ثانيا ، وقد التزمت في شرح المعنى اللغوي بيان اشتقاق الاسم واستعمالاته في المراجع اللغوية مع اعتبار نصوص القرآن والسنة شواهد لغوية لجميع مداخل الأسماء الحسنى ، واستقصاء وجوه استعمال اللفظ في هذه الشواهد من خلال البحث في الموسوعات الإلكترونية حتى تظهر المعاني المتنوعة التي ترددت بين الصحابة (والتابعين ، وقد قدمت هذه الشواهد على غيرها وجعلت لها الأولوية في حصر المعاني وتوجيهها وتنظيمها وترتيبها ، لأن القرآن والسنة من أرقي أنواع الشواهد اللغوية ، هذا مع صياغة المعنى اللغوي وتلخيصه من المراجع المختلفة وترتيبه بأسلوب سهل يظهر ارتباط المعنى اللغوي بالمعاني الاعتقادية التي ستأتي في تفسير كل اسم ، ثم الإشارة إلى المراجع اللغوية التي وردت فيها هذه المعاني أو بعضها .
ثالثا : انتهجت طريقة السلف في تفسير الاسم لأنه المنهج الذي يكشف حقيقة المعاني الاعتقادية كما وردت بها النصوص القرآنية والنبوية دون توجيهها من الخلف بأصول كلامية أو آراء فلسفية أو تأويلات تعطيلية ، هذا مع صياغة المعاني المختلفة والمذكورة بصورة جزئية في المراجع المتنوعة ، وإخراجها في صورة أدبية مصاغة بعبارات سهلة تدل على أوجه الكمال والجمال في كل اسم وارتباطه الوثيق بالأصول القرآنية وما صح في السنة النبوية .(32/5)
رابعا : انتهجت بصورة أساسية في الشرح والتفسير الرجوع إلى المراجع اللغوية التي لم يتأثر أصحابها بالمذاهب الكلامية وكذلك كتب التفاسير العامة والخاصة بالأسماء ، وكان أهم المراجع اللغوية لسان العرب لابن منظور فشواهده اللغوية شواهد مجردة تفصح عن المعنى دون تأثير خارجي ، فتجده يورد الشواهد القرآنية والنبوية وغير ذلك من الشواهد الشعرية ويفرغ منها المعنى كما حملته النصوص ، وقد ظهر أثر ذلك في التفريق بين معاني الأسماء المشتقة من وصف واحد كالعلي والأعلى والمتعالي ، فهذه الأسماء لو فسرت على منهج السلف لظهر الفرق بينها واضحا بحيث تنسجم معه النصوص ، ولو فسرت على طريقة المتأثرين بمذهب المتكلمين فإنها جميعا تظهر بمعنى واحد (1) ، ولذلك فإن كثيرا من الذين شرحوا معاني الأسماء جمعوا بينها في مدخل واحد ، ومن ثم فإن المراجع التي تأثرت بالمنهج الكلامي أو الصوفي لم نأخذ منها إلا ما وافق أصول السلف في العقيدة ، سواء في شرح الاسم من الناحية اللغوية أو تفسير معناه بالأدلة النقلية .
أسأل الله عز وجل أن يكون هذا البحث زادا لنا عند اللقاء وأن يطهر قلوبنا من الشبه والأهواء ، وأن نكون ممن قال فيهم : ? وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ? [الحشر:10] ، وقال سبحانه : ? وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الأَلْبَاب ? [الزمر:17/18] .
وكتبه د/ محمود عبد الرازق الرضواني
السعودية مدينة أبها
الثاني من شعبان سنة 1425هـ
شرح أسماء الله الحسنى الثابتة(32/6)
في الكتاب والسنة
********************************
1- ( ( الرَّحْمَن :
الرحمن في اللغة صفة مشبهة وهي أبلغ من الرحيم ، والرحمة في حقنا رقة في القلب تقتضي الإحسان إلى المرحوم وتكون بالمسامحة واللطف أو المعاونة والعطف ، والرحمة تستدعي مرحوما فهي من صفات الأفعال (2) .
والرحمن اسم يختص بالله ولا يجوز إطلاقه في حق غيره ، والرحمن سبحانه هو المتصف بالرحمة العامة الشاملة حيث خلق عباده ورزقهم ، وهداهم سبلهم ، وأمهلهم فيما خولهم ، واسترعاهم في أرضه ، واستأمنهم في ملكه ، واستخلفهم ليبلوهم أيهم أحسن عملا ، ومن ثم فإن رحمت الله في الدنيا وسعتهم جميعا فشملت المؤمنين والكافرين ، والرحمة تفتح أبواب الرجاء والأمل ، وتثير مكنون الفطرة وتبعث على صالح العمل ، وتدفع أبواب الخوف واليأس ، وتشعر الشخص بالأمن والأمان (3) .
والله عز وجل سبقت رحمته غضبه ، ولم يجعل في الدنيا إلا جزءا يسيرا من واسع رحمته يتراحم به الناس ويتعاطفون ، وبه ترفع الدابة حافرها عن ولدها رحمة وخشية أن تصيبه ، روى البخاري من حديث أبي هريرة ( أنه سمع رسول الله S يقول :(32/7)
( جَعَلَ الله الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا وَأَنْزَلَ فِي الأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا ، فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الْخَلْقُ حَتَّى تَرْفَعَ الْفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ ) (4) ، وفي رواية أخرى عند البخاري قال S : ( إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَوْمَ خَلَقَهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً ، وَأَرْسَلَ فِي خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً وَاحِدَةً ، فَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الرَّحْمَةِ لَمْ يَيْأَسْ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَلَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْعَذَابِ لَمْ يَأْمَنْ مِنَ النَّارِ ) (5) .
وورد عند البخاري أيضا من حديث عُمَر بن الخطاب ( أَنَّهُ قَالَ : ( قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ S بِسَبْيٍ ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ تَبْتَغِي ، إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ (6) ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ S : أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ ؟ قُلْنَا : لاَ وَاللَّهِ ، وَهِي تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لاَ تَطْرَحَهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ S : لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا ) (7) .(32/8)
فالرحمة التي دل عليها اسمه الرحمن رحمة عامة تُظهر مقتضى الحكمة في أهل الدنيا فمن رحمته أنه أنعم عليهم ليشكروا ولكن كثيرا منهم جاحدون قال تعالى : ? وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ? [القصص:73] ، وقال : ? وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً ? [الفرقان:48] .
ولما كانت الرحمة التي دل عليها اسمه الرحمن رحمة عامة بالناس أجمعين فإن الله خص هذا الاسم ليقرنه باستوائه على عرشه في جميع المواضع التي وردت في القرآن والسنة ، قال تعالى : ? الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ? [طه:5] ، ومن حديث أبي هريرة ( أنِ النَّبِيِّ S قَالَ : ( فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ ) (8) ، وذلك لأن الله فوق الخلائق أجمعين سواء كانوا مؤمنين أو كافرين ، فحياتهم قائمة بإذنه ، وأرزاقهم مكنونة في غيبه ، وبقائهم رهن مشيئته وأمره ومن ثم فإنه لا حول ولا قوة لهم إلا بقوته وحوله ، فهو الملك وهو الرحمن الذي استوى على عرشه ، ودبر أمر الخلائق في ملكه ، فلا يستغني عنه في الحقيقة مؤمن أو كافر ، قال تعالى : ? الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً ? [الفرقان:59] .
2- ( ( الرَّحْيم :(32/9)
الرحيم في اللغة من صيغ المبالغة ، فعيل بمعنى فاعلٍ كسَمِيعٌ بمعنى سامِع وقديرٌ بمعنى قادر ، والرحيم دل على صفة الرحمة الخاصة التي ينالها المؤمنون ، فالرَّحْمَنُ الرحيم بنيت صفة الرحمة الأُولى على فعلان لأَن معناه الكثرة ، فرحمته وسِعَتْ كل شيء وهو أَرْحَمُ الراحمين ، وأَما الرَّحِيمُ فإِنما ذكر بعد الرَّحْمن لأن الرَّحْمن مقصور على الله عز وجل ، والرحيم قد يكون لغيره ، فجيء بالرحيم بعد استغراق الرَّحْمنِ معنى الرحْمَة لاختصاص المؤمنين بها كما في قوله : ? وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيما ً? [الأحزاب:43] ، وقال عبد الله بن عباس ( : ( هما اسمان رقيقان أَحدهما أَرق من الآخر ) (9) .
والرحمة الخاصة التي دل عليها اسمه الرحيم شملت عباده المؤمنين في الدنيا والآخرة فقد هداهم إلى توحيده وعبوديته ، وهو الذي أكرهم في الآخرة بجنته ، ومنَّ عليهم في النعيم برؤيته (10) ، ورحمة الله لا تقتصر على المؤمنين فقط ؛ بل تمتد لتشمل ذريتهم من بعدهم تكريما لهم كما قال تعالى في نبأ الخضر والجدار :
? وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ? [الكهف:82] ، فالإيمان بالله والعمل في طاعته وتقواه من أهم أسباب الرحمة الخاصة ، قال تعالى : ? وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ? [آل عمران:132] ، وقال : ? وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون ? [الأنعام:155] (11) .
3- ( ( الملك :(32/10)
أصل الملك في اللغة الربط والشد ، قال ابن فارس : ( أصل هذا التركيب يدل على قوة في الشيء وصحة ، ومنه قولهم : ملكت العجين أملكه ملكا إذا شددت عجنه وبالغت فيه ) (12) ، والملك هو النافذ الأمر في ملكه ، إذ ليس كل مالك ينفذ أمره وتصرفه فيما يملكه ، فالملك أعم من المالك (13) ، والملك الحقيقي هو الله وحده لا شريك له ، ولا يمنع ذلك وصف غيره بالملك كما قال : ? وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً ? [الكهف:79] ، فهذا ملك مخلوق وملكه مقيد محدود ، أما الملك الحق فهو الذي أنشأ الملك وأقامه بغير معونة من الخلق ، وصرف أموره بالحكمة والعدل والحق ، وله الغلبة وعلو القهر على من نازعه في شيء من الملك .
فالملك سبحانه هو الذي له الأمر والنهي في مملكته ، وهو الذي يتصرف في خلقه بأمره وفعله ، وليس لأحد عليه فضل في قيام ملكه أو رعايته ، قال تعالى : ? قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ ? [سبأ:22/23] .(32/11)
وهذه الآية تضمنت نفي جميع الوجوه التي تعلل بها المشركون في التعلق بمعبوداتهم فنفت الآية عن آلهتهم كل أوجه التأثير في الكون ممثلة في نفي الملك التام ، وذلك لانعدام ربوبيتهم فلا يخلقون في الكون شيئا ، ولا يدبرون فيه أمرا ، وكذلك نفي المشاركة لله في الملك بأن يكون لهم نصيب وله نصيب ، فنفت عن آلهتهم أن تملك مثقال ذرة في السماوات والأرض ، ونفت أيضا وجود الظهير والمعين ، فقد يدعى بعض المشركين أن آلهتهم لا يملكون شيئا ولا يشاركون الله في الملك لكنها تعد ظهيرا له أو معينا ؛ أو مشيرا أو وزيرا يعاون الله في تدبير الخلق والقيام على شئونه ، ثم نفي الله عنهم آخر ما تعلقوا به وهي الشفاعة من غير إذن ، فقد جعلوا معبوداتهم وسطاء عند الله فقالوا : ? مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ? [الزمر:3] ، فأخبر سبحانه أنه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه ، فهو الذي يأذن للشافع والمشفوع فيه ، وهو الذي يحدد لهم نوعية الشفاعة (14) ، فالأدلة مجتمعة على أنه لا خالق للكون إلا الله ، ولا مدبر له سواه ، وأنه الملك الحق الدائم القائم بسياسة خلقه إلى غايتهم .
4- ( ( القدوس :
التقديس في اللغة التطهير ، ومنه سميت الجنة حظيرة القدس كما ورد عند البزار من حديث أنس ( أن رسول الله S قال عن رب العزة : ( من ترك الخمر وهو يقدر عليه لأسقينه منه في حظيرة القدس ، ومن ترك الحرير وهو يقدر عليه لأكسونه إياه في حظيرة القدس ) (15) ، وكذلك سمى جبريل ( روح القدس قال تعالى : ? قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ ? [النحل:102] (16) .(32/12)
والقداسة تعني الطهر والبركة ، وقدس الرجل ربه أي عظمه وكبره ، وطهر نفسه بتوحيده وعبادته ، ومحبته وطاعته , ومن ذلك قول الملائكة : ? وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ? [البقرة:30] ، فالقدوس لغة يعني المطهر المنزه عن كل نقص المتصف بكل أنواع الكمال (17) .
والقدوس سبحانه هو المنفرد بأوصاف الكمال الذي لا تضرب له الأمثال ، فهو المنزه المطهر الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه ، والتقديس الذي هو خلاصة التوحيد الحق إفراد اللَّه سبحانه بذاته وأصافه وأفعاله عن الأقيسة التمثيلية والقواعد الشمولية والقوانين التي تحكم ذوات المخلوقين وأصافهم وأفعالهم ، فالله عز وجل نزه نفسه عن كل نقص فقال : ? لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ? [الشورى:11] ، فلا مثيل له نحكم على كيفية أوصافه من خلاله ، ولا يستوي مع سائر الخلق فيسري عليه قانون أو قياس أو قواعد تحكمه كما تحكمهم لأنه القدوس المطهر المتصف بالتوحيد المنفرد عن أحكام العبيد ، ثم أثبت الله لنفسه أوصاف الكمال والجمال ؛ فقال سبحانه بعد نفي النقص مطلقا وجملة : ? وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ? [الشورى:11] فلا يكون التقديس تقديسا ولا التنزيه تنزيها إلا بنفي وإثبات ، ومن ثم لا يجوز في حق الله قياس تمثلي أو شمولي وإنما يجوز في حقه قياس الأولى لقوله تعالى : ? وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى ? [النحل:60] (18).
5- ( ( السلام :(32/13)
السلام في اللغة مصدر استعمل اسما للموصوف بالسلامة ، فعله سلم يسلم سلاما وسلامة ، والسلامة الأمن والأمان والحصانة والاطمئنان ، والبراءة من كل آفة ظاهرة وباطنة ، والخلاص من كل مكروه وعيب (19) ، ومادة السلام تدل على الخلاص والنجاة ، وقيل للجنة دار السلام لأنها دار السلامة من الهموم والآفات ، باقية بنعيمها وأهلها في أمان ما دامت السماوات والأرض ، قال تعالى : ? لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ? [الأنعام:127] (20) ، ومن السلامة أيضا التحية الخالصة من سوء الطوية وخبث النية ، فسميت التحية في الإسلام سلاما ، روى البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ ( أن النَّبِيِ S قَالَ : ( خَلَقَ الله آدَمَ وَطولهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا ، ثمَّ قال اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ ، تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ ، فقال السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ ، فَقَالُوا : السَّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ، فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ) (21) .(32/14)
والله عز وجل هو السلام لسلامته من النقائص والعيوب ، فهو الذي سَلَِم في ذاته بنوره وجلاله ، فمن جماله وسبحات وجهه احتجب عن خلقه رحمة بهم وابتلاء لهم روى مسلم من حديث أَبِي مُوسَى ( أن النبي قال S : ( حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ ) (22) ، وهو الذي سَلَِم في صفاته بكمالها وعلو شأنها ، وسلم أيضا في أفعاله بإطلاق قدرته وإنفاذ مشيئته ، وكمال عدله وبالغ حكمته ، وهو سبحانه الذي يدعو عباده إلى السلامة وإفشاء السلام فأثنى على عباده في قوله : ? وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً ? [الفرقان:63] ، وهو الذي يدعو إلى سبل السلام باتباع منهج الإسلام كما قال : ? يَهْدِي بِهِ الله مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ ? [المائدة:16] ، وهو سبحانه الذي يدعو عباده إلى دار السلام ويبلغ من استجاب منهم إليها فقال : ? وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ? [يونس:25] ، فكل سلامة منشأها منه وتمامها عليه ونسبتها إليه (23) .
6- ( ( المؤمن :(32/15)
المؤمن في اللغة اسم فاعل للموصوف بالإيمان ، وأصله أمن يأمن أمنا ، والأمن ما يقابل الخوف ، والإيمان في حقنا هو تصديق الخبر تصديقا جازما ، وتنفيذ الأمر تنفيذا كاملا ، فمن الأول قول إخوة يوسف ( لأبيهم : ? وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ? [يوسف:17] ، ومن الثاني ما رواه البخاري من حديث ابن عباس ( في وفد عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا أَتَوُا النَّبِيَ S قَالَ لهم : ( أَتَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ بِاللهِ وَحْدَهُ ؟ قَالُوا : الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَإِقَامُ الصَّلاَةِ ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ ، وَصِيَامُ رَمَضَانَ ، وَأَنْ تُعْطُوا مِنَ الْمَغْنَمِ الْخُمُسَ ) (24) ، أما اسم الله المؤمن ففيه عدة أقوال يدل عليها الاسم ويشملها لأنها جميعا من معاني الكمال الذي اتصف به رب العزة والجلال :
القول الأول : أنه الذي أمَّنَ الناس ألا يظلم أحدا من خلقه ، وأمَّن من آمن به من عذابه ، فكل سينال ما يستحق ، قال تعالى : ? إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيما ً? [النساء:40] ، وقال : ? وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ? [الكهف:49] (25) .(32/16)
القول الثاني : أن المؤمن هو المجير الذي يجير المظلوم من الظالم ، بمعنى يؤمنه من الظلم وينصره (26) ، كما قال : ? قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُل شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ? [المؤمنون:88] ، وقال : ? قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ الله وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ? [الملك:28] ، أي لن يجدوا ملاذا ولا مأمنا ، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث أَبِي هُرَيْرَة ( أَن النَّبِيَّ Sكَانَ يَقول : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَقْرِ وَالْقِلَّةِ وَالذلةِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ ) (27) , وعند البخاري ومسلم من حديث أَبِي مُوسَى الأشعري ( أن رَسُول اللَّهِ S قال : ( إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفلِتْهُ ، قَالَ ثُمَّ قَرَأَ : ? وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القرَى وَهي ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ? ) (28) .
القول الثالث : أن المؤمن هو الذي يصدق المؤمنين إذا وحدوه ، لأنه الواحد الذي وحد نفسه فقال : ? شَهِدَ الله أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِما بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ ? [آل عمران:18] (29) ، وهذه الآية تحمل أعظم المعاني في كشف حقيقة التوحيد وكيف خلق العباد من أجله ؟(32/17)
وبيان ذلك أننا لو فرضنا بقياس الأولى ولله المثل لأعلى طلابا وأساتذة ومقررا واختبارا ، وبعد الاختبار تنازع المجتهدون من الطلاب مع الكثرة الغالبة في صحة ما أجابوا به ، فزعم الخاسرون أنهم على الصواب وأن إجابتهم توافق المنهج المقرر في الكتاب وأن المجتهدين من الطلاب هم المخطئون في إجابتهم ، ثم بالغوا وطلبوا شهادة أستاذهم ، فشهد بخطئهم وصحة جواب المجتهدين ، فكذبوا أستاذهم وطلبوا شهادة الأعلى من المتخصصين ، فشهدوا لأستاذهم وللطلاب المجتهدين ، فكذبوهم وطلبوا شهادة من وضع الاختبار ، ومن يرجع إليه القرار ، وأقروا على أنفسهم أن شهادته ملزمة لهم وأنها فصل المقال ، فشهد من وضع الاختبار بصحة جواب المتخصصين والأساتذة والطلاب المجتهدين وكانت شهادته للجميع إخبارا وتصديقا وقولا فصلا وإعلاما وحٌكما عدلا لا مجال لرده ولا معقب لحكمه .(32/18)
إذا علم ذلك فالله عز وجل وله المثل الأعلى جعل قضية الخلق هي شهادة ألا إله إلا الله وأنه لا معبود بحق سواه ، وجعل أحكام العبودية أو الأحكام الشرعية هي المنهج المقرر على طلاب السعادة في هذه الدنيا كما قال : ? قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ? [البقرة:38] ، فإذا أهمل طلاب السعادة منهج الهداية ، وجعلوا سعادتهم في عبودية الشهوات والشبهات وتناسوا مرحلة الابتلاء والكفاح والرغبة في النجاح والفلاح ، وتسببوا في ضلالهم بمخالفتهم رسلهم ، ثم أعلنوا زورا وبهتانا أنهم كانوا على الصواب ، وأنهم الكثرة الغالبة عند الحساب ، وأنهم أجابوا بادعائهم وفق ما تقرر في الكتاب ، فكذبوا على أنفسهم كما ذكر الله في شأنهم : ? ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُون ? [الأنعام:23/24] ، وهنا شهد أولو العلم وشهدت الملائكة بضلال المشركين وصحة ما جاء عن رسلهم ، وشهد الله بصدق المرسلين وخسران المشركين تصديقا للموحدين وإنصافا لمذهبهم وتكذيبا لأعدائهم وتصديقا للملائكة وأولي العلم ، فهو سبحانه المؤمن الذي شهد أنه لا إله إلا هو ، وأن هذه الكلمة هي كلمة الحق وحقيقة التوحيد وأنها رد على جميع من ضل من العبيد ، فتضمنت كلمة التوحيد أجل شهادة وأعظمها وأعدلها وأصدقها من أجل شاهد بأجل مشهود به ، فشهادة الله سبحانه لنفسه بالوحدانية والقيام بالقسط تضمنت عند السلف أربع مراتب ، علمه سبحانه بذلك وتكلمه به وإعلامه وإخباره لخلقه وأمرهم وإلزامهم به ، وعبارات السلف في الشهادة تدور على الحكم والقضاء والإعلام والبيان والإخبار ، وهذه الأقوال كلها حق لا تنافي بينها فإن الشهادة تتضمن كلام الشاهد(32/19)
وخبره ، وتتضمن إعلامه وإخباره وبيانه (30) .
القول الرابع : أن المؤمن هو الذي يصدق مع عباده المؤمنين في وعده ، ويصدق ظنون عباده الموحدين ولا يخيب آمالهم (31) ، قال تعالى : ? قُلْ صَدَقَ الله فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ? [آل عمران:95] ، وقال : ? ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ ? [الأنبياء:9] ، وعند البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ ( مرفوعا : ( يَقُولُ الله تَعَالَى : أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي .. الحديث ) (32) ، وعند النسائي وصححه الألباني من حديث ابْن عُمَرَ ( أنه قال : ( قَامَ رَسُول اللهِ S يَوْمَ فَتْحِ مَكة عَلَى دَرَجَةِ الْكعْبَةِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأثنَى عَلَيْهِ وَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ ) (33) ، فالمؤمن في أسماء الله هو الذي يصدق في وعده وهو عند ظن عبده لا يخيب أمله ولا يخذل رجاءه ، وجميع المعاني السابقة حق يشملها تفسير الاسم .
7- ( ( المهيمن :
المهيمن في اللغة اسم فاعل للموصوف بالهيمنة ، فعله هيمن يهيمن هيمنة ، والهيمنة على الشيء السيطرة عليه وحفظه والتمكن منه كما يهيمن الطائر على فراخه ويرفرف بجناحيه فوقهم لحمايتهم وتأمينهم ، ويقال : المهيمن أصله المؤمن من آمن يعني أمَّن غيره من الخوف (34) .(32/20)
والله عز وجل هو المهيمن على عباده فهو فوقهم بذاته له علو القهر والشأن ، ملك على عرشه لا يخفى عليه شيء في مملكته ، يعلم جميع أحوالهم ولا يعزب عنه شيء من أعمالهم هو القاهر فوقهم ، وإن تركهم أو ترك بعضهم مع ظلمهم وكفرهم فذلك لحكمته فيما هم فيه مبتلون ، ولما قضى وقدر ميسرون كما قال تعالى : ? وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ ? [إبراهيم:42] ، فهو محيط بالعالمين مهيمن بقدرته على الخلائق أجمعين ، وهو سبحانه على كل شيء قدير وكل شيء إليه فقير وكل أمر عليه يسير ، لا يعجزه شيء ولا يفتقر إلى شيء : ? لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ? [الشورى:11] (35) .(32/21)
فجماع معنى المهيمن أنه المحيط بغيره الذي لا يخرج عن قدرته مقدور ولا ينفك عن حكمه مفطور ، له الفضل على جميع الخلائق في سائر الأمور ، قال أبو الحسن الأشعري : ( خلق الأشياء بقدرته ، ودبرها بمشيئته ، وقهرها بجبروته وذللها بعزته فذل لعظمته المتكبرون ، واستكان لعز ربوبيته المتعظمون ، وانقطع دون الرسوخ في علمه العالمون ، وذلت له الرقاب وحارت في ملكوته فطن ذوي الألباب ، وقامت بكلمته السماوات السبع ، واستقرت الأرض المهاد ) (36) ، وقال ابن حجر : ( وأصل الهيمنة الحفظ والارتقاب ، تقول : هيمن فلان على فلان إذا صار رقيبا عليه فهو مهيمن ) (37) ، فالمهيمن الرقيب على الشيء والحافظ له والقائم عليه وهذا ملحق بالمعنى السابق ، ويلحق به أيضا تفسير المهيمن بالشهيد ومنه قوله تعالى : ? وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ َ? [المائدة:48] ، فالله شهيد على خلقه بما يكون منهم من قول أو فعل (38) ، وفي صحيح مسلم من حديث أَبِي ذَرٍّ ( عَنِ النَّبِي S فِيمَا يروي عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ : ( يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا ، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ ) (39) ، وقيل في معنى المهيمن أيضا أنه الذي لا ينقص الطائع من ثوابه شيئا ولو كثر ولا يزيد العاصي عقابا على ما يستحقه لأنه لا يجوز عليه الكذب ، وقد سمى الثواب والعقاب جزاء ، وله أن يتفضل بزيادة الثواب ويعفو عن كثير من العقاب (40) .
8- ( ( العزيز :(32/22)
العزيز في اللغة من صيغ المبالغة على وزن فعيل ، فعله عز يعز عزا وعزة ، أما المعنى اللغوي فيأتي على معان ، منها العزيز بمعنى الغالب ، والعزة بمعنى الغلبة ، ومنه ما ورد في قوله تعالى : ? فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ َ? [صّ:23] ، أي غلبني في محاورة الكلام ، ومنها العزيز بمعنى الجليل الشريف الرفيع الشأن ومنه قوله تعالى عن المنافقين : ? يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ َ? [المنافقون:8] ، أي ليخرجن الجليل الشريف منها الذليل ، ومنها العزيز بمعنى القوي القاهر الشديد الصلب وعَزَّزْت القوم قَوَّيْتُهم وشَدَّدْتُهم ومنه ما ورد في قوله تعالى : ? إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ َ? [يس:14] ، أَي قَوَّينا وشَدَّدنا ، ومنها العزيز بمعنى المنقطع النظير أو الشيء القليل النادر الوجود (41) ، ومنه ما ورد عند أبي داود من حديث عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ ( قَالَ : ( كُنَّا مَعَ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِي S يُقَالُ لَهُ مُجَاشِعٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ فَعَزَّتِ الْغَنَمُ ، فَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ S كَانَ يَقُولُ : إِنَّ الْجَذَعَ يُوَفِّي مِمَّا يُوَفِّي مِنْهُ الثَّنِيُ ) (42) .(32/23)
وهذه المعاني جميعا يجوز وصف الله بها ، فالله عز وجل عزيز غالب على أمره كما قال : ? وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ َ? [يوسف:21] ، وقال : ? كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ َ? [المجادلة:21] ، وهو العزيز الذي له علو الشأن والفوقية في ذاته وصفته كما قال تعالى : ? رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً َ? [مريم:65] ، وفي صحيح مسلم من حديث َأَبِي هُرَيْرَةَ ( أن رَسُول اللَّهِ S قال : ( الْعِزُّ إِزَارُهُ وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَاؤُهُ فَمَنْ يُنَازِعُنِي عَذَّبْتُهُ ) (43) ، والله عزيز متفرد لا مثيل له متوحد لا شبيه له كما قال : ? لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ? [الشورى:11] ، وقال تعالى : ? قلْ هُوَ اللَّه أَحَدٌ ? ، وقال مبينا معنى الانفراد والأحدية : ? وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ? ، أي أن الأحد هو العزيز المنفرد بأوصاف الكمال الذي لا مثيل له فنحكم على كيفية أوصافه من خلاله ، ولا يستوي مع سائر الخلق في قانون أو قياس لأنه المتصف بالتوحيد العزيز المنفرد عن أحكام العبيد (44) .
9- ( ( الجبار :
الجبار في اللغة صيغة مبالغة من اسم الفاعل الجابر ، وهو الموصوف بالجبر ، فعله جبر يجبر جبرا ، وأصل الجبر إصلاح الشيء بضرب من القهر ، ومنه جبر العظم أي أصلح كسره ، وجبر الفقير أغناه وجبر الخاسر عوضه وجبر المريض عالجه ، ويستعمل الجبر بمعنى الإكراه على الفعل والإلزام بلا تخير (45) .(32/24)
والجبار سبحانه هو الذي يجبر الفقر بالغنى والمرض بالصحة ، والخيبة والفشل بالتوفيق والأمل ، والخوف والحزن بالأمن والاطمئنان ، فهو جبار متصف بكثرة جبره حوائج الخلائق (46) ، وهو الجبار أيضا لعلوه على خلقه ، ونفاذ مشيئته في ملكه فلا غالب لأمره ولا معقب لحكمه ، فما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن ، قال أبو حامد الغزالي : ( الجبار هو الذي ينفذ مشيئته على سبيل الإجبار في كل واحد ، ولا تنفذ فيه مشيئة أحد ، الذي لا يخرج أحد من قبضته ، وتقصر الأيدي دون حمى حضرته فالجبار المطلق هو الله سبحانه وتعالى فإنه يجبر كل أحد ولا يجبره أحد ، ولا مثنوية في حقه في الطرفين ) (47) ، وقال ابن القيم : ( وأما الجبار من أسماء الرب تعالى ، هو الجبروت وكان النبي S يقول : سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة فالجبار اسم من أسماء التعظيم كالمتكبر والملك والعظيم والقهار ) (48) .
والجبار عند الجبرية هو الذي يكره العباد على الفعل فلا اختيار لهم ولا حرية وهو مردود لقوله تعالى : ? لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ? [البقرة:256] ، وإنما يتحقق معنى الجبار في الإجبار عن إسقاط الاختيار ورفع التكليف والمسؤولية كالسنن الكونية التي لا تحويل فيها ولا تبديل ، وكالحركات اللاإرادية في الإنسان كحركة القلب وسريان الروح في الأبدان (49) .
والجبار اسم دل على معنى من معاني العظمة والكبرياء ، وهو في حق الله وصف محمود من معان الكمال والجمال ، وفي حق العباد وصف مذموم من معاني النقص لقوله تعالى : ? كَذَلِكَ يَطْبَعُ الله عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّار ٍ? [غافر:35] (50) .
10- ( ( المتكبر :(32/25)
المتكبر ذو الكبرياء وهو الملك اسم فاعل للموصوف بالكبْرياء ، والمتكبر هو العظيمُ المتعالي القاهِرُ لعُتَاةِ خَلقِهِ ، إذا نازعوه العظمة قصمهم ، والمتكبر أيضا هو الذي تكبر عن كل سوء وتكبر عن ظلم عباده ، وتكبر عن قبول الشرك في العبادة فلا يقبل منها إلا ما كان خالصا لوجهه ، روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة ( أن النبي S قال : ( قَالَ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ ) (51) ، وأصل الكبر والكبرياء الامتناع ، والكبرياء في صفات الله مدح وفي صفات المخلوقين ذم ، فهو سبحانه المتفرد بالعظمة والكبرياء ، وكل من رأى العظمة والعجب والكبرياء لنفسه على الخصوص دون غيره كانت رؤيته خاطئة كاذبة باطلة ، لأن الكبرياء لا تكون إلا لله ، والأكرمية بين العباد مبنية على الأفضلية في تقوى الله ، والتاء في اسم الله المتكبر تاء التفرد والتخصص لأن التعاطي والتكلف والكبر لا يليق بأحد من الخلق وإنما سمة العبد الخضوع والتذلل قال تعالى :(32/26)
? وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِين َ? [الزمر:60] ، وقال موسى ( : ? إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ ? [غافر:27] ، وقال سبحانه أيضا : ? الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ الله عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّار ٍ? [غافر:35] ، وعند الترمذي وحسنه الألباني من حديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ S قَالَ : ( يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ يَغْشَاهُمُ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ ، فَيُسَاقُونَ إِلَى سِجْنٍ فِي جَهَنَّمَ يُسَمَّى بُولَسَ تَعْلُوهُمْ نَارُ الأَنْيَارِ يُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ طِينَةِ الْخَبَالِ ) (52) ، وعند مسلم من حديث ابْنِ مَسْعُودٍ ( أَنِ النَّبِيِ S قَالَ : ( لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ، قَالَ رَجُلٌ : إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً ، قَالَ : إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ ) (53).
11- ( ( الخالق :(32/27)
الخالق في اللغة اسم فاعل فعله خلق يخلق خلقا ، والخلق مصدر من الفعل خلق ومنه قوله : ? الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسان مِنْ طِينٍ ? [السجدة:7] ، ويأتي الخَلق أيضا بمعنى المخلوق ، ومنه قوله تعالى : ? هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ? [لقمان:11] (54) ، والخلق أصله التقدير المستقيم ويستعمل في إبداع الشيء من غير أصل ولا احتذاء وفي إيجاد الشيء من الشيء (55) .
والخلق قد يأتي أيضا بمعنى الكذب على اعتبار أن الذي يكذب يؤلف وينشئ كلاما لا يطابق الحقيقة ، ومن ذلك قوله : ? إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكا ? [العنكبوت:17] ، وقوله : ? إِنْ هَذَا إِلا خُلُقُ الأَوَّلِينَ ? [الشعراء:137] (56).
والخالق في أسماء الله هو الذي أوْجد جميعَ الأشياء بعد أن لم تكنْ مَوْجُودة وقدر أمورها في الأزل بعد أن كانت معدومة ، والخالق أيضا هو الذي ركب الأشياء تركيبا ورتبها بقدرته ترتيبا ، فمن الأدلة على معنى الإنشاء والإبداع وإيجاد الأشياء من العدم قوله تعالى : ? يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ? [فاطر:3] ومن الأدلة على معنى التركيب والترتيب الذي يدل عليه اسمه الخالق قوله تعالى : ? ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ? [المؤمنون:14] ، وخلاصة ما ذكره العلماء في معنى الخالق أنه من التقدير وهو العلم السابق ، أو القدرة على الإيجاد والتصنيع والتكوين (57) .(32/28)
والحقيقة أن معنى الخالق قائم عليهما معا ، لأن حدوث المخلوقات مرتبط عند السلف بمراتب القدر ، فكل مخلوق مهما عظم شأنه أو دق حجمه لا بد أن يمر بأربع مراتب ، وهي علم الله السابق وتقدير كل شيء قبل تصنيعة وتكوينه ، وتنظيم أمور الخلق قبل إيجاده وإمداده ، وهو علم التقدير وحساب المقادير ، ثم بعد ذلك مرتبة الكتابة وهي كتابة المعلومات وتدوينها بالقلم في كلمات ، فالله كتب ما يخص كل مخلوق في اللوح المحفوظ ؛ كتب فيه تفصيل خلقه وإيجاده وما يلزم لنشأته وإعداده ثم هدايته وإمداده وجميع ما يرتبط بتكوينه وترتيب حياته ، ثم بعد ذلك المرتبة الثالثة من مراتب القدر وهي مرتبة المشيئة فليس في الكون مشيئة عليا إلا مشيئة الله ، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، والمسلمون من أولهم إلى آخرهم مجمعون على ذلك ، ثم تأتي المرتبة الرابعة من مراتب القدر وهي مرتبة خلق الأشياء وتكوينها وتصنيعها وتنفيذها وفق ما قدر لها بمشيئة الله في اللوح المحفوظ ، قال ابن القيم : ( مراتب القضاء والقدر التي من لم يؤمن بها لم يؤمن بالقضاء والقدر أربع مراتب : المرتبة الأولى علم الرب سبحانه بالأشياء قبل كونها ، المرتبة الثانية كتابته لها قبل كونها ، المرتبة الثالثة مشيئته لها ، والرابعة خلقه لها ) (58) ، فالله سبحانه خالق كل شيء تقديرا وقدرة ، ومراتب القدر هي المراحل التي يمر بها المخلوق من كونه معلومة في علم الله إلى أن يصبح واقعا مخلوقا مشهودا .
12- ( ( البارئ :(32/29)
البارئ في اللغة اسم فاعل فعله برأ يبرأ برءا ، وبَرُء بضم الراء أي خلا من العيب أو التهمة والمذمة ، وخلص منها وتنزه عن وصفه بالنقص ، وأبرأ فلانا من حق له عليه أي خلصه منه ، وبرئ المريض أي شفي من مرضه (59) ، وفي صحيح مسلم من حديث جَابِرٍ ( أنْ رَسُولِ الله S قَالَ : ( لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَل ) (60) ، والبريء مرادف للبراء كما في قوله تعالى : ? وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا ? [النساء:112] ، وقوله : ? وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ ? [الزخرف:26] ، ويقال : بريت القلم أي جعلته صالحا للكتابة , وبريت السهم أي جعلته مناسبا وصالحا للإصابة ، وقال الشاعر :
يا باري القوس بريا ليس يحكمه : لا تفسد القوس أعط القوس باريها (61) .
قال أبو إسحاق : ( البرء خلق على صفة ، فكل مبروء مخلوق ، وليس كل مخلوق مبروءا ، وذلك لأن البرء من تبرئة الشيء من الشيء من قولهم : برأت من المرض وبرئت من الدَّيْن أبرأ منه ، فبعض الخلق إذا فصل من بعض سمي فاعلة بارئا ) (62) .(32/30)
والبارئ إذا كان تقدير فعله برء يَبْرَأ كفعل لازم فإن معناه السالم الخالي من النقائص والعيوب ، والبارئ سبحانه له الكمال المطلق في ذاته وصفاته وأفعاله ، تنزه عن كل نقص وتقدس عن كل عيب ، لا شبيه له ولا مثيل ، ولا ند له ولا نظير ، أما إذا كان البارئ تقدير فعله أبرأ كفعل متعد لمفعول ، فالبارئ سبحانه يعني واهب الحياة للأحياء ، الذي خلق الأشياء صالحة ومناسبة للغاية التي أرادها ، وهو سبحانه الذي يُتِم الصنعة على وجه التدبير ، ويظهر المقدور وفق سابق التقدير ، قال تعالى : ? مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ? [الحديد:22] (63) ، والبارئ أيضا هو الذي أبرأ الخلق ، وفصل كل جنس عن الآخر ، وصور كل مخلوق بما ينساب الغاية من خلقه ، قال أبو علي : ( هو المعنى الذي به انفصلت الصور بعضها من بعض ، فصورة زيد مفارقة لصورة عمرو وصورة حمار مفارقة لصورة فرس فتبارك الله خالقا وبارئا ) (64) .
13- ( ( المصور :
المصور في اللغة اسم فاعل للموصوف بالتصوير ، فعله صور وأصله صار يَصُور صوْرا ، وصور الشيء أي جعل له شكلا معلوما ، وصور الشيء قطعه وفصله وميزه عن غيره ، وتصويره جعله على شكل متصور وعلى وصف معين ، والصورة هي الشكل والهيئة أو الذات المتميزة بالصفات (65) ، قال الراغب : ( الصورة ما ينتقش به الأعيان ويتميز بها غيرها ، وذلك ضربان : أحدهما محسوس يدركه الخاصة والعامة بل يدركه الإنسان وكثير من الحيوان بالمعاينة كصورة الإنسان والفرس والحمار ، والثاني معقول يدركه الخاصة دون العامة كالصورة التي اختص الإنسان بها من العقل والروية والمعاني التي خُص بها شيء بشيء ) (66) .(32/31)
والمصور سبحانه هو الذي صور المخلوقات فيه بشتى أنواع الصور الجلية والخفية والحسية والعقلية ، فلا يتماثل جنسان أو يتساوى نوعان بل لا يتساوى فردان ، فلكل صورته وسيرته وما يخصه ويميزه عن غيره ، والصور متميزة بألوان وأشكال في ذاتها وصفاتها ، وإحصاؤها في نوع واحد ، أو حصرها في جنس واحد أمر يعجز العقل ويذهل الفكر ، فالمصور في أسماء الله الحسنى هو مبدع صور المخلوقات ومزينها بحكمته ، ومعطي كل مخلوق صورته على ما اقتضت مشيئته وحكمته ، وهو الذي صور الناس في الأرحام أطوارا ، ونوعهم أشكالا كما قال ربنا تبارك وتعالى : ? وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ منَ السَّاجِدِينَ ? [الأعراف:11] ، والله عز وجل كما صور الأبدان فتعددت وتنوعت نوع في الأخلاق فتتعدد صور الأخلاق والطباع (67) .
وأعظم تكريم للإنسان من الله المصور أنه خلقه على صورته في المعنى المجرد ليستخلفه في أرضه ويستأمنه في ملكه ، روى البخاري ومسلم من حديث أَبِي هريرة( أنِ النبي S قال : ( خَلَقَ الله آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا ، فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ جُلُوسٌ فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ ؛ فَقَالَ : السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ : فَقَالُوا : السَّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحْمَة اللهِ فَزَادُوهُ وَرَحْمَة اللهِ ، فَكل مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ ، فَلَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الآنَ ) (68) .(32/32)
والحديث ظاهر المعنى في أن الله صور آدم وجعل له سمعا وبصرا وعلما وحكما وخلافة وملكا وغير ذلك من الأوصاف المشتركة عند التجرد والتي يصح عند إطلاقها استخدامها في حق الخالق والمخلوق ، فالله عز وجل له صورة وآدم له صورة ولفظ الصورة عند التجرد لا يعني أبد التماثل ولا يكون علة للتشبيه إلا عند من فسدت فطرته من المشبهة والمعطلة ، أما الصورة عند الإضافة والتقييد فصورة الحق لا يعلم كيفيتها إلا هو ، لأننا ما رأيناه وما رأينا له مثيلا ، أما صورة آدم فمعلومة المعنى والكيفية ، وقد خلق الله آدم على صورته سبحانه في القدر المشترك مع ثبوت الفارق عند أهل التوحيد ، وقد قال ابن تيمية : ( ما من شيئين إلا بينهما قدر مشترك وقدر فارق فمن نفى القدر المشترك فقد عطل ، ومن نفى القدر الفارق فقد مثل ) (69) ، والحديث عن ذلك له موضعه ، والقصد أن المصور سبحانه خص الإنسان بهيئة متميزة من خلالها يدرك بالبصر والبصيرة ، وأسجد له بعد تصويره الملائكة ، وليس بعد ذلك شرف أو فضيلة (70) .
14- ( ( الأول :
الأول في اللغة على وزن أفعل ، تأسيس فعله من همزة وواو ولام ، آل يؤول أوْلا وقد قيل من واوين ولام ، والأول أفصح وهو في اللغة صفة مشبهة للموصوف بالأولية وهو الذي يترتب عليه غيره ، والأولية أيضا الرجوع إلى أول الشيء ومبدؤه أو مصدره وأصله ، ويستعمل الأول للمتقدم بالزمان كقولك عبد الملك أولا ثم المنصور ، والمتقدم بالرياسة في الشيء وكون غيره محتذيا به نحو الأمير أولا ثم الوزير والمتقدم بالنظام الصناعي نحو أن يقال : الأساس أولا ثم البناء (71) .(32/33)
والأول سبحانه هو الذي لم يسبقه في الوجود شيء ، وهو الذي علا بذاته وشأنه فوق كل شيء ، وهو الذي لا يحتاج إلى غيره في شيء ، وهو المستغني بنفسه عن كل شيء (72) ، فالأول اسم دل على وصف الأولية ، وأولية الله تقدمه على كل من سواه في الزمان ، فهي بمعنى القَبلية خلاف البعدية ، أو التقدم خلاف التأخر ، وهذه أولية زمانية ، ومن الأولية أيضا تقدمه سبحانه على غيره تقدما مطلقا في كل وصف كمال وهذا معنى الكمال في الذات والصفات في مقابل العجز والقصور لغيره من المخلوقات فلا يدانيه ولا يساويه أحد من خلقه لأنه سبحانه منفرد بذاته ووصفه وفعله ، فالأول هو المتصف بالأولية ، والأولية وصف لله وليست لأحد سواه (73) ، وربما يستشكل البعض وصف الله بالأولية مع وصفه بدوام الخالقية والقدرة والفاعلية ، فإذا كان الله عز وجل هو الأول الذي ليس قبله شيء ، فهل يعني ذلك أنه كان معطلا عن الفعل ثم أصبح خالقا فاعلا قادرا بعد أن لم يكن ؟
والجواب عن ذلك أن يقال : إن الله عز وجل موصوف بأنه مريد فعال يفعل ما يشاء وقت ما يشاء كما قال : ? ذُو العَرْشِ المَجِيد ُفَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ? [البروج:16] ، وقد بين الله عز وجل أنه قبل وجود السماوات والأرض لم يكن سوى العرش والماء كما جاء في قوله تعالى : ? وَهُوَ الذِي خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلى المَاء ? [هود:7] ، ومن حديث عِمْرَانَ ( أن رسول الله S قَال : ( كَانَ اللهُ وَلمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلهُ ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلى المَاءِ ، ثُمَّ خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْض ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُل شَيْءٍ ) (74) ، وربما يسأل سائل ويقول : وماذا قبل العرش والماء ؟(32/34)
والجواب : أن الله قد شاء أن يوقف علمنا عن بداية المخلوقات عند العرش والماء فقال تعالى : ? ولا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ ? [البقرة:255] ، فالله أعلم هل توجد مخلوقات قبل العرش والماء أم لا ؟ لكننا نعتقد أن وجودها أمر ممكن متعلق بمشيئة الله وقدرته ، فالله أخبرنا أنه يخلق ما يشاء ، ويفعل ما يشاء وهو على ما يشاء قدير ، وأنه متصف بصفات الأفعال ، ومن لوازم الكمال أنه فعال لما يريد على الدوام أزلا وأبدا سواء كان ذلك قبل العرش والماء أو بعد وجودهما ، لكن الله أوقف علمنا عند هذا الحد ، كما أن جهلنا بذلك لا يؤثر فيما يخصنا أو يتعلق بحياتنا من معلومات ضرورية لتحقيق الكمال في حياة الإنسان ، قال سليمان التيمي رحمه الله : ( لو سئلت : أين الله ؟ لقلت : في السماء ، فإن قال السائل : أين كان عرشه قبل السماء ؟ لقلت : على الماء ، فإن قال : فأين كان عرشه قبل الماء ؟ لقلت : لا أعلم ) (75) ، ويعقب الإمام البخاري رحمه الله بقوله : ( وذلك لقول الله تعالى : ? ولا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ ? [البقرة:255] يعني إلا بما بين ) (76) .
وهذه المسألة تسمى في باب العقيدة بالتسلسل وهو ترتيب وجود المخلوقات في متوالية مستمرة غير متناهية من الأزل والأبد ومعتقد السلف الصالح أن التسلسل في الأزل جائز ممكن ولا يلزم من ذلك أن الخلق يشارك الله في الأزلية والأولية (77) .
15- ( ( الآخر :(32/35)
الآخر في اللغة اسم فاعل لمن اتصف بالآخرية ، فعله أَخَر يَأْخر أخرا ، والآخِرُ ما يقابل الأَوَّل ، ويقال أيضا لما بقي في المدة الزمنية ، ويقال للثاني من الأرقام العددية أو ما يعقب الأول في البعدية والنوعية ، ويقال أيضا لما بقي في المواضع المكانية ، ونهاية الجمل الكلامية ، فمن الآخِرُ الذي يقابل الأَوَّل قوله تعالى : ? رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا ? [المائدة:114] ، ومن الآخر الذي يقال لما بقي في المدة الزمنية ، قوله تعالى : ? وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ? [آل عمران:72] ، وكذلك ما رواه البخاري من حديث عبد الله بن عُمَرَ ( أنه قَالَ : ( صَلَّى بِنَا النَّبِيُ S الْعِشَاءَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ ) (78) ، ومن الآخر الذي يقال للثاني من الأرقام العددية أو ما يعقب الأول في البعدية والنوعية قوله تعالى : ? ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ ? [الشعراء:66] ، ومن الآخر الذي يقال لما بقي في المواضع المكانية ما رواه البخاري من حديث ابْنَ عَبَّاسٍ ( أنه قَالَ : ( صَعِدَ النَّبِي S الْمِنْبَرَ وَكَانَ آخِرَ مَجْلِسٍ جَلَسَهُ مُتَعَطِّفًا مِلحَفَةً عَلَى مَنْكِبَيْهِ ) (79) ، ومن الآخر الذي يقال لنهاية الجمل الكلامية قوله تعالى : ? وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ? [يونس:10] .(32/36)
والآخر سبحانه هو المتصف بالبقاء والآخرية فهو الآخر الذي ليس بعده شيء الباقي بعد فناء الخلق (80) ، وهنا سؤال يطرح نفسه عن كيفية الجمع بين وصف الله عز وجل بأنه الآخر الباقي الذي ليس بعده شيء وبقاء المخلوقات في الجنة ودوامها وأبديتِها ، كما قال تعالي عن أهل الجنة ونعيمها ودوام متعتها ولذتها للمؤمنين : ? قَال اللهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالدِينَ فِيهَا أَبَدا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلكَ الفَوْزُ العَظِيمُ ? [المائدة :119] ، وقال سبحانه عن أهل النار وعذابها ودوام الشقاء لأهلها : ? وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولهُ فَإِنَّ لهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالدِينَ فِيهَا أَبَدا ? [الجن :23] ؟ وما تفسير قوله : ? كُلُّ مَنْ عَليْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلال والإكرام ? [الرحمن:27] ، وعند مسلم من حديث أبي هريرة ( أن النبي S كان يقول في دعائه : ( اللهُمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ فَليْسَ قَبْلكَ شَيْءٌ ، وَأَنْتَ الآخِرُ فَليْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ ) (81) ؟
قد يبدو في الظاهر أن بقاء أهل الجنة والنار أبدا متعارضا مع إفراد الله عز وجل بالبقاء وأنه الآخر الذي ليس بعده شيء ، لكن هذا التعارض يزول إذا علمنا أنه لا بد أن نفرق في قضية البقاء والآخرية بين ما يبقى ببقاء الله وما يبقي بإبقاء الله ، أو نفرق بين بقاء الذات والصفات الإلهية وبقاء المخلوقات التي أوجدها الله كالجنة والنار وما فيهما ، فالجنة مثلا باقية بإبقاء الله وما يتجدد فيها من نعيم متوقف في وجوده على مشيئة الله ، أما ذاته وصفاته فباقية ببقائه ، وشتان بين ما يبقي ببقاء الله وما يبقي بإبقائه ، فالجنة مخلوقة خلقها الله عز وجل وكائنة بأمره ورهن مشيئة وحكمه فمشيئة الله حاكمة علي ما يبقى وما لا يبقى .(32/37)
ومن ثم فإن السلف الصالح يعتبرون خلد الجنة وأهلها إلى ما لا نهاية إنما هو بإبقاء الله وإرادته ، فالبقاء عندهم ليس من طبيعة المخلوقات ولا من خصائصها الذاتية ، بل من طبيعتها جميعا الفناء ، فالخلود ليس لذات المخلوق أو طبيعته ، وإنما هو بمدد دائم من الله تعالى وإبقاء مستمر لا ينقطع ، أما صفات الله عز وجل ومنها وجهه وعزته وعلوه ورحمته ويده وقدرته وملكه وقوته فهي صفات باقية ببقائه ملازمة لذاته حيث البقاء صفة ذاتية لله كما أن الأزلية صفة ذاتية له أيضا ، فلا بد إذا أن نفرق بين صفات الأفعال الإلهية وأبديتها ومفعولات الله الأبدية وطبيعتها ، وهذا ما جاء به القرآن حيث فرق بين نوعين من البقاء ، الأول وهو بقاء الذات بصفاتها كما في قوله تعالى : ? كُلُّ مَنْ عَليْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلال والإكرام ? [الرحمن:27] ، والثاني في قوله تعالى : ? وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ? [الأعلى:17] ، فالآية الأولى دلت على صفة من صفات الذات وهى صفة الوجه ودلت على بقاء الصفة ببقاء الذات فأثبتت بقاء الذات بصفاتها ، وأثبتت فناء ما دونها أو إمكانية فنائه ، إذ أن الله هو الأول والآخر وهو قبل كل شيء وبعد كل شيء .
ومن معاني اسم الله الآخر أنه الذي تنتهي إليه أمور الخلائق كلها كما ورد عند البخاري من حديث البراء ( أن النبي S قال : ( اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ رَهْبَةً وَرَغْبَةً إِلَيْكَ ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ ) (82) .
16- ( ( الظاهر :(32/38)
الظاهِرُ في اللغة اسم فاعل لمن اتصف بالظهور ، والظاهِرُ خلاف الباطن ، ظَهَرَ يَظْهَرُ ظُهُوراً فهو ظاهر وظهير ، والظهور يرد على عدة معان ، منها العلو والارتفاع يقال : ظَهَر على الحائط وعلى السَّطْح يعني صار فوقه ، قال تعال : ? فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً ? [الكهف:97] ، أَي ما قَدَرُوا أَن يَعْلوا عليه لارتفاعه ، والظهور أيضا بمعنى الغلبة ، ظَهَرَ فلانٌ على فلان أَي قَوِيَ عليه ، ويقال : أَظهَر الله المسلمين على الكافرين أَي أَعلاهم عليهم ، قال تعالى : ? فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ ? [الصف14] ، أَي غالبين عالين ، والظهر بمعنى السند والحماية وما يُركن إليه يقال : فلان له ظَهْرٌ أَي مال من إِبل وغنم ، وفلان ظَهَرَ بالشيء ظهْرا فَخَرَ به ، وعند البخاري من حديث أبي هُرَيْرَة ( أن النَّبِي S قَالَ : ( خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى ) (83) ، ويأتي الظهور أيضا بمعنى البيان وبُدُوّ الشيء الخفيّ ، وكذلك الظهْرُ ما غاب عنك ، يقال : تكلمت بذلك عن ظَهْرِ غَيْب ، ويقال حَمَل فلان القرآن على ظهْرِ لسانه وعن ظَهْر قلبه ، وعند النسائي وصححه الألباني من حديث سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ( مرفوعا : ( فَقَالَ : هَلْ تَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ ؟ ) (84) ، والمظاهرة المعاونة وظَاهَرَ بعضهم بعضاً أَعانه ، قال تعالى : ? وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ ? [الممتحنة:9] ، أَي عاوَنُوا (85) .(32/39)
والظاهر سبحانه هو المنفرد بعلو الذات والفوقية ، وعلو الغلبة والقاهرية ، وعلو الشأن وانتفاء الشبيه والمثلية ، فهو الظاهر في كل معاني الكمال ، وهو البين المبين الذي أبدى في خلقه حججه الباهرة وبراهينه الظاهرة ، أحاط بكل شيء علما وأحصى كل شيء عددا ، حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه (86) ، قال ابن الأَثير : ( الظاهر في أسماء الله هو الذي ظهر فوق كل شيء وعلا عليه ، وقيل : الظاهر هو الذي عُرِفَ بطريق الاستدلال العقلي بما ظهر لهم من آثار أَفعاله وأَوصافه ) (87) .
والظاهر أيضا هو الذي بدا بنوره مع احتجابه بعالم الغيب ، وبدت آثار ظهوره لمخلوقاته في عالم الشهادة ، فالله عز وجل استخلف الإنسان في ملكه واستأمنه على أرضه فاقتضى الاستخلاف والابتلاء أن يكون الإنسان بين عالمين ، عالم الغيب وعالم الشهادة ، ليتحقق مقتضى توحيد الله في أسمائه ، وجلاء المعاني المتعلقة بأوصافه وأفعاله قال تعالى : ? عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً ? [الجن:26] ، وقال : ? ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ? [السجدة:6] ، وهو سبحانه أيضا الظاهر الذي أقام الخلائق وأعانهم ، ورزقهم ودبر أمرهم ، وهداهم سبلهم ، فهو المعين على المعنى العام وهو نصير الموحدين من عباده على المعنى الخاص (88) .
17- ( ( الباطن :(32/40)
الباطن اسم فاعل لمن اتصف بالبطون ، والبطون خلاف الظهور ، فعله بَطنَ يَبْطنُ بطونا ، والبَطنُ من الإِنسان وسائِر الحيوان خلاف الظهْر ، والبَطنُ من كل شيء جَوْفُه قال تعالى : ? وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ ? [النحل:78] ، وقال : ? وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَة لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا ? [الأنعام:139] ، والبطون أيضا الخفاء والاحتجاب وعدم الظهور ، ومنه قول الله تعالى : ? وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ? [الأنعام:151] ، وبطن الشيء أساسه المحتجب الذي تستقر به وعليه الأشياء ، وعند مسلم من حديث جَابِرٌ ( أن رَسُول اللَّهِ S قَالَ : ( جَاوَرْتُ بِحِرَاءٍ شَهْرًا فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي نَزَلتُ فَاسْتَبْطَنْتُ بَطْنَ الوَادِي فَنُودِيتُ ، فَنَظَرْتُ أَمَامِي وَخَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي فَلَمْ أَرَ أَحَدًا ) (89) ، وقال تعالى : ? وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكةَ ? [الفتح:24] ، قال ابن منظور : ( وذلك أن بني هاشم وبني أمية وسادة قريش نزول ببطن مكة ومن كان دونهم فهم نزول بظواهر جبالها ) (90) .(32/41)
والباطن سبحانه هو المحتجب عن أبصار الخلق الذي لا يرى في الدنيا ولا يدرك في الآخرة ، وفرق بين الرؤية والإدراك ؛ فالله عز وجل لا يرى في الدنيا ويرى في الآخرة أما الإدراك فإنه لا يدرك في الدنيا ولا في الآخرة ، قال تعالى : ? فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلا ? [الشعراء:61/62] ، فموسى نفى الإدراك ولم ينف الرؤية لأن الإدراك هو الإحاطة بالمدرك من كل وجه ، أما الرؤية فهي أخص من ذلك ، فكل إدراك يشمل الرؤية ، وليس كل رؤية تشمل الإدراك ، قال تعالى : ? لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِك الأَبْصَارَ وَهُوَ اللطِيفُ الْخَبِيرُ ? [الأنعام:103] (91) .
والله عز وجل باطن احتجب بذاته عن أبصار الناظرين لحكمة أرادها في الخلائق أجمعين ، فالله يُرى في الآخرة ولا يرى في الدنيا لأنه شاء أن تقوم الخلائق على معنى الابتلاء ، ولو رأيناه في الدنيا وانكشف الحجاب والغطاء لتعطلت حكمة الله في تدبيره الأشياء ، قال تعالى : ? ألمْ تَرَ أَنَّ اللهَ خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالحَقِّ ? [إبراهيم:19] ، فالعلة في احتجابه وعدم رؤيته هي الامتحان والابتلاء ، قال تعالى : ? الذي خَلقَ المَوْتَ وَالحَيَاةَ ليَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ? [الملك:2] ، ومن هنا كان البطون ووضع الغطاء على أهل الابتلاء أو كشف الحجاب عند الانتقال لدار الجزاء قال تعالى ? لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيد ? [ق:22] ، فكيف يتحقق الإيمان بالله ونحن نراه ؟ وكيف تستقيم الشرائع في مخالفة الإنسان هواه ؟ (92) .(32/42)
وإذا كان الله تعالى لا يرى في الدنيا ابتلاءا فإنه سبحانه يرى في الآخرة إكراما وجزاءا ، إكراما لأهل طاعته وزيادة في النعيم لأهل محبته ، كما قال : ? وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ? [القيامة:22/23] ، وقد تواترت الأحاديث في إثبات رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة ، فالعلة إذا في احتجابه وعدم إدراك كيفية أوصافه ليست عدم وجودها ولا استحالة رؤية الله تعالى ، ولكن العلة قصور الجهاز الإدراكي في الحياة الدنيا عن إدراك حقائق الغيب ، لأن الله عز وجل خلق الإنسان بمدارك محدودة لتحقيق معنى الابتلاء ، قال تعالى : ? إِنَّا خَلقْنَا الإنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَليهِ فَجَعَلنَاهُ سَمِيعا بَصِيرا ? [الإنسان:2] ، فمن الصعب أن يرى الإنسان ما بطن من الغيبيات ، أو يرى كيفية الذات والصفات ، فالشيء لا يرى إلا لسببين : الأول خفاء المرئي وهو ممتنع في حق الله ، والثاني ضعف الجهاز الإدراكي للرائي وهذا شأن الإنسان (93) .
فمن الخطأ البحث عن كيفية الحقائق الغيبية أو كيفية الذات والصفات الإلهية ، لأن الله باطن احتجب عن خلقه في عالم الشهادة بالنواميس الكونية ، أما في الآخرة عند لقائه فالأمر يختلف إذ أن مدركات الإنسان وقتها تتغير بالكيفية التي تناسب أمور الآخرة وأحداثها ، كما ثبت في السنة أن الإنسان سيكون عند دخول الجنة على صورة آدم ( طوله ستون زراعا (94) ، والله عز وجل مع أنه الباطن الذي احتجب عن أبصار الناظرين لجلاله وحكمته وكمال عزته وعظمته إلا أن حقيقة وجوده وكمال أوصافه نور يضيء بصائر المؤمنين ، فهو القريب المجيب الذي يسمع الخلائق أجمعين .
18- ( ( السميع :(32/43)
السميع في اللغة على وزن فَعِيل من أبْنِيةِ المُبالغة ، فعله سَمِعَ يسَمْع سَمعا ، والسَّمْعُ في حقنا ما وَقر في الأُذن من شيء تسمعه ، والسمع صفة ذات وصفة فعل ، فصفة الذات يعبر به عن الأذن والقوة التي بها يدرك الأصوات كما في قوله : ? خَتَمَ الله عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ ? [البقرة:7] ، أما صفة الفعل فتارة يكون السمع بمعنى الاستماع والإنصات كقوله تعالى : ? وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا ? [الأحقاف:29] ، وتارة يعبر به عن الفهم كما قال تعالى : ? قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا ? [البقرة:93] ، أي فهمنا قولك ولم نأتمر بأمرك ، وتارة يعبر به عن الطاعة كقوله : ? وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ? [البقرة:285] ، أي فهمنا وأتمرنا (95) .(32/44)
والسميع سبحانه هو المتصف بالسمع كوصف ذات ووصف فعل ، فوصف الذات وصف حقيقي نؤمن به على ظاهر الخبر في حقه سبحانه ، وظاهر الخبر ليس كالظاهر في حق البشر كما يتوهم من تلوث عقله بالتشبيه والتعطيل ، لأننا ما رأينا الله ولا ندري كيفية سمعه ، وما رأينا مثيلا لذاته ووصفه ، وليس إثبات الصفات تشبيها أو تجسيما كما أشار بعضهم على الخليفة المأمون أن يكتب على ستر الكعبة : ( ليس كمثله شيء وهو العزيز الحكيم ) ، بدلا من قوله تعالى : ? ليْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ? [الشورى:11] ، فاعتقد أن إثبات السمع في حق الله تشبيه ، وأنه لا بد أن يكون سمع الله بأذن كما هو شأن الإنسان ، ومن ثم حرف الكلام عن موضعه وهذا باطل لأن الله يسمع بالكيفية التي تناسب عظمته ، وهو الذي يعلم حقيقة سمعه وكيفيته ، قال الأَزهري : ( والعجب من قوم فسَّروا السميعَ بمعنى المسْمِع فِراراً من وصف الله بأَن له سَمْعا ، وقد ذكر الله الفعل في غير موضع من كتابه فهو سَمِيع ذو سَمْعٍ بلا تكييفٍ ولا تشبيه بالسمع من خلقه ، ولا سَمْعُه كسَمْعِ خلقه ، ونحن نصف اللَّه بما وصف به نفسه ، بلا تحديد ولا تكييف ، ولست أُنكر في كلام العرب أن يكون السميع سامِعاً ويكون مُسْمِعا ) (96) .(32/45)
أما السمع كوصف فعل لله فهو السمع الذي يتعلق بمشيئته سبحانه ، أو على المعنى الخاص الذي فيه إجابة الدعاء أو إسماع من يشاء ، وعند مسلم من حديث أبي هريرة ( مرفوعا : ( وَإِذَا قَالَ سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ ) (97) ، وعند الترمذي وصححه الألباني من حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ( كان رسول الله S يقول : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ قَلْبٍ لاَ يَخْشَعُ ، وَدُعَاءٍ لاَ يُسْمَعُ ، وَمِنْ نَفسٍ لاَ تَشْبَعُ ، وَمِنْ عِلمٍ لاَ يَنْفَعُ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَؤُلاَءِ الأَرْبَعِ ) (98) ، وكقوله تعالى : ? وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ إِنَّ الله يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ ? [فاطر:22] .
19- ( ( البصير :
البَصِيرٌ في اللغة من أبنية المبالغة فعيل بمعنى فاعل فعله بَصُرَ يُبصِرُ بَصَرا وتَبَصَّرَهُ ، قال تعالى : ? فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ ? [الأنعام:104] وتَبَاصَرَ القومُ أَبْصَرَ بعضهم بعضاً ، والبَصَرُ يقال للعَيْنُ إِلاَّ أَنه مذكر ، ويقال أيضا لحِسُّ العَيٌّن والنظر ، أو القوة التي تبصر بها العين أو حاسة الرؤْية ، والتَّبَصُّر التَّأَمُّل والتَّعَرُّف والتعريف والإِيضاح ، والبَصيرة الحجة والاستبصار ، وهي اسم لما يعقد في القلب من الدين وتحقيق الأَمر ، وقيل : البَصيرة الفطنة ، ورجل بَصِيرٌ بالعلم عالم به ، وبَصرُ القلب نَظرهُ وخاطره (99) .(32/46)
والبصير سبحانه هو المتصف بالبصر ، والبصر صفة من صفات ذاته تليق بجلاله يجب إثباتها لله دون تمثيل أو تكييف ، أو تعطيل أو تحريف ، فهو الذي يبصر جميع الموجودات في عالم الغيب والشهادة ويرى الأشياء كلها مهما خفيت أو ظهرت ومهما دقت أو عظمت ، وهو سبحانه وتعالى مطلع على خلقه يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور ، لا يخفى عليه شيء من أعمال العباد ، بل هو بجميعها محيط ولها حافظ ذاكر ، فالسر عنده علانية والغيب عنده شهادة ، يرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء ، ويرى نياط عروقها ومجاري القوت في أعضائها (100) ، قال ابن القيم :
وهو البصير يرى دبيب النملة السوداء تحت الصخر والصوان
ويرى مجاري القوت في أعضائها : ويرى عروق بياضها بعيان
ويرى خيانات العيون بلحظها : ويرى كذاك تقلب الأجفان (101) .
والله عز وجل هو البصير الذي ينظر للمؤمنين بكرمه ورحمته ، ويمن عليهم بنعمته وجنته ، ويزيدهم كرما بلقائه ورؤيته ، ولا ينظر إلي الكافرين تحقيقا لعقوبته ، فهم مخلدون في العذاب محجوبون عن رؤيته ، كما قال تعالى : ? كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ? [المطففين:15] ، وقال : ? أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ الله وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ? [آل عمران:77] ، وعند البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ ( أن النَّبِيِ S قَالَ : ( ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلمُهُمُ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ رَجُلٌ حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى وَهْوَ كَاذِبٌ ، وَرَجُل حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ ، وَرَجُلٌ مَنَعَ فَضْلَ مَاءٍ ) (102) .
20- ( ( المولى :(32/47)
المولى في اللغة مصدر على وزن مَفعَل ، فعله ولي يلي وليا وولاية ، والمولى اسم يطلق على الرَّب والمالِك والسَّيْد والمنْعم والمعْتق والنَّاصِر والمحِب والتابِع والجار وابن العَمّ والحلِيف والعَقِيد والصِّهْر والعَبْد والمنْعم عليه ، والفرق بين الولي والمولى أن الولي هو من تولى أمرك وقام بتدبير حالك وحال غيرك وهذه من ولاية العموم ، أما المولى فهو من تركن إليه وتعتمد عليه وتحتمي به عند الشدة والرخاء وفي السراء والضراء وهذه من ولاية الخصوص (103) .
والمولى سبحانه هو من يركن إليه الموحدون ويعتمد عليه المؤمنون في الشدة والرخاء ، والسراء والضراء ، ولذلك خص الولاية هنا بالمؤمنين ، قال تعالى : ? ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ ? [محمد:11] ، وقال : ? وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ? [الأنفال:40] ، وقال : ? قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ الله لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ? [التوبة:51] .(32/48)
والله عز وجل جعل ولايته للموحدين مشروطة بالاستجابة لأمره ، والعمل في طاعته وقربه ، والسعي إلى مرضاته وحبه ، فمن حديث أَبِي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( إِنَّ اللَّهَ قَالَ : مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ ) (104) .
21- ( ( النصير :
والنصير في اللغة من صيغ المبالغة ، فعيل بمعنى فاعِل أَو مفعول لأَن كل واحد من المتَناصِرَيْن ناصِر ومَنْصُور ، وقد نصَره ينصُره نصْرا إِذا أَعانه على عدُوّه ، واسْتَنْصَرَهُ على عدوه سأله أن ينصره عليهم ، وتَنَاصَرَ القوم نصر بعضهم بعضا ، وانْتَصَرَ منه انتقم منه (105) ، وعند البخاري من حديث أَنَسٍ ( أن رسول اللهِ S قال : ( انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا ، فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا ؟ قَالَ : تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ ) (106) .(32/49)
والنصير سبحانه هو الذي ينصر رسله وأنبياءه وأولياءه على أعدائهم في الدنيا ويوم يقوم الأشهاد في الآخرة ، قال تعالى : ? إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ ? [غافر:51] ، وهو الذي ينصر المستضعفين ويرفع الظلم عن المظلومين ويجير المضطر إذا دعاه ، قال تعالى : ? أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِير ? [الحج:39] ، والنصير هو الذي يؤيد بنصره من يشاء ، ولا غالب لمن نصره ولا ناصر لمن خذله ، كما قال سبحانه : ? إِنْ يَنْصُرْكُمُ الله فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكمْ فَمَنْ ذَا الذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ ? [آل عمران:160] ، فهو سبحانه حسب من توكل عليه وكافي من لجأ إليه ، وهو الذي يؤمن خوف الخائف ويجبر المستجير وهو نعم المولى ونعم النصير ، فمن تولاه واستنصر به وتوكل عليه وانقطع بكليته إليه تولاه وحفظه وحرسه وصانه ، ومن خافه واتقاه آمنه مما يخاف ويحذر ، وجلب إليه كل ما يحتاج إليه من المنافع (107) ، قال ابن القيم في معنى قوله تعالى : ? وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ? [الحج:78] : ( أي متى اعتصمتم به تولاكم ونصركم على أنفسكم وعلى الشيطان ، وهما العدوان اللذان لا يفارقان العبد ، وعداوتهما أضر من عداوة العدو الخارج ، فالنصر على هذا العدو أهم ، والعبد إليه أحوج وكمال النصرة على العدو بحسب كمال الاعتصام بالله ) (108) .
22- ( ( العفو :(32/50)
العَفوُّ في اللغة على وزن فعُول من العَفوِ ، وهو من صيغ المبالغةِ ، يقال : عَفا يَعْفو عَفوا فهو عاف وعَفوٌّ ، والعفو هو التجاوُزُ عن الذنب وتَرْك العِقاب عليه ، وأَصله المَحْوُ والطمْس ، مأْخوذ من قولهم عَفَت الرياحُ الآثارَ إِذا دَرَسَتْها ومَحَتْها ، وكل من اسْتَحقَّ عندك عُقوبة فتَرَكتَها فقد عَفَوْتَ عنه (109) ، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو ( قال : ( جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ S فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ كَمْ نَعْفُو عَنِ الْخَادِمِ ؟ فَصَمَتَ ، ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ الْكَلاَمَ ، فَصَمَتَ ، فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ قَالَ : اعْفُوا عَنْهُ فِي كُل يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّة ) (110) ، فالعفو هو ترك الشيء وإزالته ، وقوله تعالى : ? عَفَا الله عَنْكَ َ? [التوبة:43] ، أي مَحا الله عنك هذا الأمر وغفر لك .
والعفو يأتي أيضا على معنى الكثرة والزيادة ، فعَفوُ المالِ هو ما يَفضُل عن النَّفقة كما في قوله تعالى : ? وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ? [البقرة:219] ، وعَفا القوم كثرُوا وعَفا النَّبتُ والشَّعَرُ وغيرُه يعني كثرَ وطال ، ومنه الأَمَرَ بإِعْفاءِ اللحَى (111) .
والعفوُّ سبحانه هو الذي يحب العفو والستر ، ويصفح عن الذنوب مهما كان شأنها ، ويستر العيوب ولا يحب الجهر بها ، يعفو عن المسيء كَرَمًا وإحسانًا ، ويفتح واسع رحمته فضلا وإنعاما ، حتى يزول اليأس من القلوب ، وتتعلق في رجائها بمقلب القلوب (112) ، قال القرطبي : ( العفو عفو الله جل وعز عن خلقه ، وقد يكون بعد العقوبة وقبلها بخلاف الغفران فإنه لا يكون معه عقوبة البتة ، وكل من استحق عقوبة فتركت له فقد عفي عنه ، فالعفو محو الذنب ) (113) .(32/51)
والمقصود بمحو الذنب محو الوزر الموضوع على فعل الذنب فتكون أفعال العبد مخالفات أو كبائر ومحرمات ثم بالتوبة الصادقة يبدل الله سيئاته حسنات ، قال تعالى : ? إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ? [الفرقان:70] فتمحى السيئات عفوا وتستبدل بالحسنات ، أما الأفعال فهي في كتاب العبد حتى يلقي ربه فيدنيه منه ويعرفه بذنبه وسوء فعله ثم يسترها عليه ، كما ورد عند البخاري من حديث عبد الله بن عمر ( أن رسول الله S قال : ( إِنَّ اللَّهَ يُدْنِى الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ : أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا ؟ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا ؟ فَيَقُولُ : نَعَمْ أَيْ رَبِّ ، حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ ، وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ : سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا ، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ ، فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ ، وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيَقُولُ الأَشْهَادُ : هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ ، أَلاَ لَعْنَةُ الله عَلَى الظَّالِمِينَ ) (114) ، فالوزر أو عدد السيئات هو الذي يعفى ويمحى من الكتاب ، أما الفعل ذاته المحسوب بالحركات والسكنات أو مقياسه في مثقال الذرات فهذا على الدوام مسجل مكتوب ، ومرصود محسوب بالزمان والمكان ، ومقدار الإرادة والعلم والاستطاعة ، قال تعالى : ? وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ? [الكهف:49] (115) .
23- ( ( القدير :(32/52)
القدير في اللغة من صيغ المبالغة ، فعيل من القادر ، فعله قدر يقدر تقديرا ، قال ابن منظور : ( القادر والقَدِيرُ من صفات الله عز وجل يكونان من القُدْرَة ويكونان من التقدير ، وقوله تعالى : ? إِنَّ اللهَ عَلَى كُل شَيْء قَديرٌ ? [البقرة:148] من القُدْرة ، فالله عز وجل على كل شيء قدير ، والله سبحانه مُقَدِّرُ كُلِّ شيء وقاضيه ) (116) ، قال ابن الأثير : ( في أسماء الله تعالى القادِرُ والمُقْتَدِرُ والقَدِيرُ ، فالقادر اسم فاعل من قَدَرَ يَقْدِرُ والقَدِير فعيل منه ، وهو للمبالغة ، والمقتدر مُفتَعِل من اقتَدَرَ ، وهو أبلغ ) (117) ، وقال الزجاج : ( القدير أبلغ في الوصف من القادر ، لأن القادر اسم الفاعل من قدر يقدر فهو قادر ، وقدير فعيل ، وفعيل من أبنية المبالغة ) (118) .(32/53)
والقدير سبحانه وتعالى هو الذي يتولى تنفيذ المقادير ويخلقها على ما جاء في سابق التقدير ؛ فمراتب القدر أربع مراتب ، العلم والكتابة والمشيئة والخلق ، والمقصود بهذه المراتب المراحل التي يمر بها المخلوق من كونه معلومة في علم الله في الأزل إلى الواقع المشهود ، وهذه المراحل تسمى عند السلف الصالح مراتب القدر ، فلا بد لخلق الشيء وصناعته من العلم والكتابة والمشيئة ومباشرة التصنيع والفعل ، ولله المثل الأعلى إذا كان المُصَنِّعَ الذي يشيد البنيان لا بد أن يبدأ مشروعه أولا بفكرة في الأذهان ومعلومات مدروسة بدقة وإتقان ، درسها جيدا وقام بتقدير حساباته وضبط أموره وإمكانياته ، ثم يقوم بكتابة هذه المعلومات ويخط لها في بضع ورقات أنواعا من الرسومات التي يمكن أن يخاطب من خلالها مختلف الجهات ، ثم يتوقف الأمر بعد ذلك على مشيئته أو إرادته في التنفيذ وتوقيت الفعل إن توفرت لديه القدرة والإمكانيات ، ثم يبدأ في التنفيذ إلى أن ينتهي البنيان كما قدر له في الأذهان ، فإذا كانت هذه مراحل تصنيع الأشياء بين المخلوقات بحكم العقل والفطرة ، فالله سبحانه وله المثل الأعلى منفرد بمراتب القضاء والقدر من باب أولى ، وهي عند السلف المراحل التي يمر بها المخلوق من العلم الأزلي إلى أن يصبح واقعا مخلوقا مشهودا ، أو من التقدير إلى المقدور ، وهي عندهم أربع مراتب تشمل كل صغيرة وكبيرة في الوجود (119) .(32/54)
فالقادر سبحانه هو الذي يقدر المقادير في علمه ، وعلمه المرتبة الأولى من قضائه وقدره ، حيث قدر كل شيء قبل تصنيعه وتكوينه ، ونظم أمور الخلق قبل إيجاده وإمداده ، فالقادر يدل على التقدير في المرتبة الأولى ، أما القدير فيدل على القدرة وتنفيذ المقدر في المرتبة الرابعة ، فالقدير هو الذي يخلق وفق سابق التقدير ، والقدر من التقدير والقدرة معا ، فبدايته في التقدير ونهايته في القدرة وتحقيق المقدر ، ولذلك يقول تعالى : ? وَكَانَ أَمْرُ اللهِ قَدَرا مَقْدُورا ? [الأحزاب:38] ، فالقدير هو المتصف بالقدرة .
ويذكر ابن القيم أن القضاء والقدر منشؤه عن علم الرب وقدرته ، ولهذا قال الإمام أحمد : ( القدر قدرة الله ) (120) ، واستحسن ابن عقيل هذا الكلام من الإمام أحمد غاية الاستحسان ، ولهذا كان المنكرون للقدر فرقتين : فرقة كذبت بالعلم السابق ونفته وهم غلاتهم الذين كفرهم السلف والأئمة وتبرأ منهم الصحابة ، وفرقة جحدت كمال القدرة وأنكرت أن تكون أفعال العبادة مقدورة لله تعالى ، وصرحت بأن الله لا يقدر عليها ولا يخلقها ، فأنكر هؤلاء كمال قدرة الرب وتوحيده في اسمه القدير وأنكرت الأخرى كمال علمه وتوحيده في اسمه القادر (121) .
24- ( ( اللطيف :
اللطيف في اللغة صفة مشبهة للموصوف باللطف فعله لطف يلطف لطفا ، ولطف الشيء رقته واستحسانه وخفته على النفس ، أو احتجابه وخفاؤه (122) ، وعند البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها قالت حين قال لها أهل الإفك ما قالوا: ( وَيَرِيبُنِي فِي وَجَعِي أَنِّي لاَ أَرَى مِنَ النَّبِيِّ S اللُّطْفَ الذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَمْرَضُ ) (123) ، فاللطف الرقة والحنان والرفق .(32/55)
واللطيف سبحانه هو الذي اجْتَمع له العلمُ بدَقائق المصَالح وإيصَالها إلى مَن قدرها له مِن خَلقه مع الرفق في الفِعْل والتنفيذ ، يقال : لطف به وله ، فقوله : ? اللهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ ? [الشورى:19] ، لطف بهم ، وقوله : ? إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ ? [يوسف:100] لطف لهم ، والله لطيف بعباده رفيق بهم قريبٌ منهم ، يعامل المؤمنين بعطف ورأفة وإحسان ، ويدعو المخالفين إلى التوبة والغفران مهما بلغ بهم العصيان ، فهو لطيف بعباده يعلم دقائق أحوالهم ولا يخفى عليه شيء مما في صدورهم ، قال تعالى : ? أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللطِيفُ الْخَبِيرُ ? [الملك :14] ، وقال لقمان لابنه وهو يعظه : ? يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ? [لقمان16] ، واللطيف أيضا هو الذي ييسر للعباد أمورهم ويستجيب دعائهم فهو المحسن إليهم في خفاء وستر من حيث لا يعلمون ، فنعمه عليهم سابغة ظاهرة لا يحصيها العادُّون ولا ينكرها إلا الجاحدون ، وهو الذي يرزقهم بفضله من حيث لا يحتسبون : ? أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ? [الحج63] ، وقال سبحانه : ? اللهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ? [الشورى19] ، كما أنه يحاسب المؤمنين حسابا يسيرا بفضله ورحمته ، ويحاسب غيرهم من المخالفين وفق عدله وحكمته (124) .(32/56)
ومن المعاني اللغوية للطيف هو الذي لطف عن أن يدرك كما في قوله : ? فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَي طَعَاما فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدا ? [الكهف19] ، وهي أيضا من المعاني التي يشملها اسمه اللطيف فقد دل على لطف الحجاب لكمال الله وجلاله ، فإن الله لا يرى في الدنيا لطفا وحكمة ويرى في الآخرة إكراما ومحبة ، وإن لم يدرك بإحاطة من قبل خلقه ، ولو رآه الناس في الدنيا جهارا لبطلت الحكمة وتعطلت معاني العدل والرحمة ، ولذلك قال عن رؤية الناس له في الدنيا : ? وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ? ، وقال سبحانه : ? لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللطِيفُ الْخَبِيرُ ? وعند مسلم أَنَّ رَسُولَ اللهِ S : ( تَعَلمُوا أَنَّهُ لَنْ يَرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رَبَّهُ عَزَّ وَجَل حَتَّى يَمُوتَ ) (125) ، لأن الدنيا خلقت للابتلاء ، أما الآخرة فهي دار الحساب الجزاء حيث يكشف فيها الغطاء ، ويرفع فيها الحجاب ويلطف الله بالموحدين عند الحساب ، قال تعالى : ? فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ? [قّ:22] ، وقال عن لطفه وإكرامه وإحسانه وإنعامه : ? وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ? (126) .
25- ( ( الخبير :(32/57)
الخبير في اللغة من مباني المبالغة ، فعله خَبَرَ يَخْبُر خُبْرا ، وخَبُرْتُ بالأَمر أَي علمته وخبَرْتُ الأَمرَ أَخْبُرُهُ إِذا عرفته على حقيقته ، وعند مسلم من حديث أبي موسى ( أنه قال لعائشة : ( فَمَا يُوجِبُ الْغُسْلَ ؟ قَالَتْ : عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ ) (127) ، تعني رضي الله عنها أته سأل من يعلم الجواب بتمامه فالخَبِيرُ الذي يَخبُرُ الشيء بعلمه (128) ، والخبرة أبلغ من العلم لأنها علم وزيادة ، فالخبير بالشيء من عَلِمَه وقام بمعالجته وبيانه وتجربته وامتحانه فأحاط بتفاصيله الدقيقة وألم بكيفية وصفه على الحقيقة (129) .(32/58)
والخبير سبحانه هو العَالِم بما كَان ، وما هو كائن ، وما سيكون ، وما لو كان كيف يكون وليس ذلك إلا لله ، فهو الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، ولا يتحرك متحرك ولا يسكن إلا بعلمه ، ولا تستقيم حياته إلا بأمره وإذنه قال تعالى : ? وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِين ٍ? [هود:6] ، والله عز وجل خبير له جنود السماوات والأرض يخبرونه بالوقائع لتحقيق الحكمة في الخلق وهو عليم بالأشياء قبل إخبار الملائكة عنها وبعد الإخبار عنها ، وعند البخاري من حديث أبي هريرة ( أن النبي S قال : ( يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الفَجْرِ وَصَلاَةِ العَصْرِ ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ ، فَيَسْأَلُهُمْ وَهْوَ أَعْلَمُ بِهِمْ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي ؟ فَيَقُولُونَ : تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ ) (130) ، فسؤاله سبحانه لهم ليس طلبا للعلم فهو السميع البصير العليم الخبير ، ولكن لإظهار شرف المؤمن عند ربه ، وبيان فضله بين ملائكته وحملة عرشه ، قال ابن حجر رحمه الله : ( قيل الحكمة فيه استدعاء شهادتهم لبني آدم بالخير واستنطاقهم بما يقتضي التعطف عليهم ، وذلك لإظهار الحكمة في خلق نوع الإنسان في مقابلة من قال من الملائكة : ? أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ ? [البقرة:30] ، أي وقد وجد فيهم من يسبح ويقدس مثلكم بنص شهادتكم ) (131) .
26- ( ( الوتر :(32/59)
الوِتْرُ في اللغة هو الفرْدُ أَو ما لم يَتَشَفعْ من العَدَدِ ، و التواتر التتابع ، وقيل هو تتابع الأشياء وبينها فجوات وفترات ، وتواترت الإبل والقطا وكل شيء إذا جاء بعضه في إثر بعض غير مصطفة (132) ، وقوله : ? وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ ? [الفجر:3] ، قيل الوتر آدم ( والشَّفع أنه شُفِعَ بزوجته ، وقيل الشفع يوم النحر والوتر يوم عرفة ، وقيل الأَعداد كلها شفع ووتر كثرت أَو قلت ، وقيل الوتر هو الله الواحد ، والشفع جميع الخلق خلقوا أَزواجاً ، وكان القوم وتِرا فشَفعْتهم وكانوا شَفعا فوَتَرْتهم (133) ، وعند البخاري من حديث ابْنِ عُمَرَ ( أن رجلا سَأَل النَّبِيَّ S وَهْوَ عَلَى المِنْبَرِ : مَا تَرَى فِي صَلاَةِ الليْلِ ؟ قَالَ : ( مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ صَلَّى وَاحِدَةً فَأَوْتَرَتْ لَهُ مَا صَلَّى ) (134) ، وعند الترمذي وصححه الألباني من حديث سَلَمَة بْنِ قيْسٍ ( أن النبي S قال : ( إِذَا تَوَضَّأتَ فَانْتَثِرْ وَإِذَا اسْتَجْمَرْتَ فَأَوْتِرْ ) (135) ، أي اجعل الحجارة التي تستنجي بها فرداً استنج بثلاثة أَحجار أَو خمسة أَو سبعة ولا تستنج بالشفع .(32/60)
والله تعالى وتر انفرد عن خلقه فجعلهم شفعا ، وقد خلق الله المخلوقات بحيث لا تعتدل ولا تستقر إلا بالزوجية ولا تهنأ على الفردية والأحدية ، يقول تعالى : ? وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكرُونَ ? [الذاريات:49] ، فالرجل لا يهنأ إلا بزوجته ولا يشعر بالسعادة إلا مع أسرته والتوافق بين محبتهم ومحبته ، فيراعى في قراره ضروريات أولاده وزوجته ، ولا يمكن أن تستمر الحياة التي قدرها الله على خلقه بغير الزوجية حتى في تكوين أدق المواد الطبيعية ، فالمادة تتكون من مجموعة من العناصر والمركبات وكل عنصر مكون من مجموعة من الجزيئات ، وكل جزيء مكون من مجموعة من الذرات ، وكل ذرة لها نظام في تركيبها تتزاوج فيه مع أخواتها ، سواء كانت الذرةُ سالبةً أو موجبةً ، فالعناصر في حقيقتها عبارة عن أخوات من الذرات متزاوجات متفاهمات متكاتفات ومتماسكات ، ومن المعلوم أنه لا يتكون جزئُ الماء إلا إذا اتحدت ذرتان من الهيدروجين مع ذرة واحدة من الأكسجين ، فالذرات متزاوجة سالبها يرتبط بموجبها ولا تهدأ ولا تستقر إلا بالتزاوج بين بعضها البعض ، فهذه بناية الخلق بتقدير الحق بنيت على الزوجية والشفع ، أما ربنا عز وجل فذاته صمدية وصفاته فردية ، فهو المنفرد بالأحدية والوترية ، وقد ثبت عند مسلم من حديث أَبِى هُرَيْرَة ( مرفوعا : ( إِن اللهَ عَزَّ وَجَل وِتْرٌ يُحِبُّ الوِتْرَ ) (136) .
وقد قيل أيضا في معنى الشفع والوتر أن الشفع تنوع أوصاف العباد بين عز وذل وعجز وقدرة ، وضعف وقوة ، وعلم وجهل ، وموت وحياة ، والوتر انفراد صفات الله عز وجل فهو العزيز بلا ذل ، والقدير بلا عجز ، والقوي بلا ضعف ، والعليم بلا جهل ، وهو الحي الذي لا يموت ، القيوم الذي لا ينام ، ومن أساسيات التوحيد والوترية إفراد الله عمن سواه في ذاته وصفاته وأفعاله وعبوديته (137) .
27- ( ( الجميل :(32/61)
الجميل في اللغة من الجمال هو الحسن في الخلقة والخلق ، جمل يجمل فهو جميل ككرم فهو كريم ، وتجمل تزين ، وجمله تجميلا زينه ، وأجمل الصنيعة عند فلان يعني أحسن إليه ، والمجاملة هي المعاملة بالجميل ، والتجمل تكلف الجميل ، وقد جمل الرجل جمالا فهو جميل والمرأة جميلة (138) ، وقال الأَحْنَفَ بْنَ قَيْسٍ :
وَإِذَا جَمِيلُ الْوَجْهِ لَمْ يَأْتِ الْجَمِيلَ فَمَا جَمَالُهُ
مَا خَيْرُ أَخْلاَقِ الْفَتَى إِلاَّ تُقَاهُ وَاحْتِمَالُهُ (139) .
والصبر الجميل هو الذي لا شكوى معه ولا جزع فيه قال تعالى : ? فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً ? [المعارج:5] ، وقوله : ? فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ? [الحجر: 85] ، أي أعرض عنهم إعراضا لا جزع فيه (140) .(32/62)
والله عز وجل هو الجميل ، جماله سبحانه على أربع مراتب جمال الذات وجمال الصفات وجمال الأفعال وجمال الأسماء فأسماؤه كلها حسنى ، وصفاته كلها صفات كمال ، وأفعاله كلها حكمة ومصلحة ، وعدل ورحمة ، وأما جمال الذات وكيفية ما هو عليه فأمر لا يدركه سواه ولا يعلمه إلا الله ، وليس عند المخلوقين منه إلا تعريفات تعرف بها إلى من أكرمه من عباده (141) ، وعند البخاري ومسلم من حديث أَبِي مُوسَى ( أن النَّبي S قال : ( حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ ) (142) ، قال عبد الله بن عباس ( : ( حجب الذات بالصفات وحجب الصفات بالأفعال ، فما ظنك بجمال حجب بأوصاف الكمال ، وستر بنعوت العظمة والجلال ) (143) ، ومن هذا المعنى يفهم بعض معاني جمال ذاته ، فإن العبد يترقى من معرفة الأفعال إلى معرفة الصفات ومن معرفة الصفات إلى معرفة الذات ، فإذا شاهد شيئا من جمال الأفعال استدل به على جمال الصفات ثم استدل بجمال الصفات على جمال الذات ومن ههنا يتبين أنه سبحانه له الحمد كله وأن أحدا من خلقه لا يحصي ثناء عليه بل هو كما أثنى على نفسه (144) .
28- ( ( الحيي :
الحيي في اللغة هو المتصف بالحياء ، يقال : حَيِيَ منه حياء واستحيا منه واستحى منه ، وهو حَيِي ذو حياء كغني ذو غنى (145) ، والحياء صفة خلقية رقيقة وسجية لطيفة دقيقة تمنع النفس من تجاوز أحكام العرف أو من تجاوز أحكام الشرع ؛ وأحكام العرف يقصد بها كل ما تعرفه النفوس وتستحسنه العقول من مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم ، وهي التي كانت ولم تزل مستحسنة في كل زمان ومكان (146) ، وعند البخاري من حديث ابن مسعود ( أن النبي S قال : ( إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الأُولَى إِذَا لَمْ تَسْتَح فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ ) (147) .(32/63)
والمقصود أن الحياء لم يزل مستحسنا في شرائع الأنبياء وأنه لم ينسخ في جملة ما نسخ من شرائعهم (148) ، وعند البخاري من حديث أبي سفيان ( قال : ( فَوَاللهِ لَوْلا الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يؤثروا عَليَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ ) (149) ، وعند البخاري من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( إِنَّ موسى كَانَ رَجُلا حَيِيًّا سِتِّيرًا لاَ يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ ) (150) ، والله عز وجل قال : ? فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ? [القصص:25] ، فالحياء صفة أخلاقية وسجية نفسية تراعي مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم وهي كلها خير ، أما حياء الشرع فهو الحياء الذي يحفظ به العبد حدود الله ومحارمه ، وربما يتطلب ذلك ورعا واتقاء للشبهة مما يحيف على الحيي بعض الشيء (151) .
والله عز وجل هو الحيي الذي تكفل بعباده وبأرزاقهم لأنه ليس لهم أحد سواه فهو الذي يقبل توبتهم ويوفق محسنهم ويسمع دعاءهم ولا يخيب رجاءهم ، وحياء الرب تعالى لا تدركه الأفهام ولا تكيفه العقول فإنه حياء كرم وبر وجود وجلال (152) .(32/64)
وعند أبى داود وصححه الشيخ الألباني من حديث سَلمَان الفارسي ( أن رَسُول اللهِ S قال : ( إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِىٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِى مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا ) (153) ، والحياء وصف كمال لله لا يعارض الحكمة ولا يعارض بيان الحق والحجة كما قال تعالى : ? إِن اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَة فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ الله بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيرا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِل بِهِ إِلا الْفَاسِقِينَ ? [البقرة:26] .
29- ( ( الستير :
الستير في اللغة على وزن فعِيل من صيغ المبالغة ، فعله ستر الشيء يَسْتُرُه سَترا أَخفاه والستير هو الذي من شأْنه حب الستر والصَّوْن والحياء ، والسُّتْرةُ ما يُستَر به كائنا ما كان ، وكذا السِّتَارة والجمع السَّتَائِرُ ، وسَتَر الشيء غطاه وتَسَتَّر أي تغطى ، وجارية مُستَّرة يعني مستورة في خدرها ، قال تعالى : ? وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَسْتُوراً ? [الإسراء:45] ، أي حجابا على حجاب فالأول مستور بالثاني ، أراد بذلك كثافة الحجاب لأنه جعل على قلوبهم أكنة وفي آذانهم وقرا (154) .(32/65)
والستر يأتي أيضا بمعنى المنع والابتعاد عن الشيء روى البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ( جَاءَتْنِي امْرَأَة مَعَهَا ابْنَتَانِ تَسْأَلنِي ، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ ، فأعْطيْتُهَا فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا ، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ ، فَدَخَلَ النَّبِي S فَحَدَّثتُهُ فَقَال : مَنْ يَلِي مِنْ هَذِهِ البَنَاتِ شَيْئا فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ ) (155) ، وعند البخاري من حديث أبي سعِيدٍ ( أن النبي S قال : ( إِذَا صَلى أَحَدُكمْ إِلَى شَيءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ ) (156) .
والستير سبحانه هو الذي يحب الستر ويبغض القبائح ، ويأمر بستر العورات ويبغض الفضائح ، يستر العيوب على عباده وإن كانوا بها مجاهرين ، ويغفر الذنوب مهما عظمت طالما أن العبد من الموحدين ، وإذا ستر عبده في الدنيا ستره يوم القيامة روى مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي S قَالَ : ( لاَ يَسْتُرُ الله عَلَى عَبْدٍ في الدُّنْيَا إِلاَّ سَتَرَهُ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) (157) .(32/66)
وروى البخاري من حديث أبي هريرة ( قال : سمعت رسول الله S يقول : ( كُلُّ أُمَّتِي مُعَافى إِلا المجَاهِرِينَ ، وَإِن مِنَ المجَانَةِ أَن يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً ، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ الله ، فَيَقُولَ يَا فُلاَنُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا ، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ ) (158) ، وعند البخاري من حديث ابن عمر أن رسول الله S قال : ( إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ ، وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا فَيَقُولُ نَعَمْ أَيْ رَبِّ ، حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى في نَفسِهِ أَنَّهُ هَلَك قال سَتَرْتُهَا عَلَيْك في الدُّنْيَا ، وَأَنَا أَغفِرُهَا لَك اليَوْمَ ، فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ ، وَأَمَّا الكافِرُ وَالمُنَافِقُونَ فَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاَءِ الذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ ، أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) (159) .
30- ( ( الكبير :
الكبير في اللغة من صيغ المبالغة فعله كَبُرَ كِبَراً وكُبْراً فهو كبير ، والكبر نقيض الصغر كبر بالضم يكبر أي عظم ، والكبير والصغير من الأسماء المتضايقة التي تقال عند اعتبار بعضها ببعض ، فالشيء قد يكون صغيرا في جنب شيء وكبيرا في جنب غيره ويستعملان في الكمية المتصلة كالكثير والقليل والمنفصلة كالعدد (160) ، ويكون الكبر في اتساع الذات وعظمة الصافات نحو قوله تعالى : ? فَجَعَلَهُمْ جُذَاذا إِلا كَبِيراً لَهُمْ لَعَلهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ ? [الأنبياء:58] ، وقوله : ? فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً ? [الفرقان:52] ، وأيضا في التعالي بالمنزلة والرفعة كقوله : ? وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا ? [الأنعام:123] .(32/67)
والكبير سبحانه هو العظيم في كل شيء ، عظمته عظمة مطلقة ، وهو الذي كبر وعلا في ذاته قال تعالى : ? وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ? [البقرة:255] ، روي عن عبد الله بن عباس ( أنه قال : ( ما السماوات السبع والأرضون السبع في يد الله إلا كخردلة في يد أحدكم ) (161) ، وهو الكبير في أوصافه فلا سمي له ولا مثيل ، ولا شبيه ولا نظير ، قال تعالى : ? هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً ? [مريم:65] ، وهو الكبير في أفعاله فعظمة الخلق تشهد بكماله وجلاله ، قال تعالى : ? لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ? [غافر:57] ، وهو سبحانه المتصف بالكبرياء ومن نازعه في ذلك قسمه وعذبه روى مسلم من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( الْعِزُّ إِزَارُهُ وَالْكِبْرِيَاء رِدَاؤُهُ ، فَمَنْ يُنَازِعُنِي عَذَّبْتُهُ ) (162) ، فهو سبحانه الكبير الموصوف بالجلال وعظم الشأن ، وهو المنفرد بذاته وصفاته وأفعاله عن كل من سواه فله جميع أنواع العلو المعروفة بين السلف (163) .
31- ( ( المتعال :
المتعالي اسم فاعل من تعالى ، والمتعالي فعله تعالى يتعالى فهو متعال ، وهو أبلغ من الفعل علا ، لأن الألفاظ لما كانت أدلة المعاني ثم زيد فيها شيء أوجبت زيادة المعنى فزيادة المبنى دليل على زيادة المعنى (164) ، والتعالي هو الارتِفاع ، قال الأَزهري : ( تقول العرب في النداء للرجل تَعال بفتح اللام ، وللاثنين تَعالا ، وللرجال تَعالوْا ، وللمرأَة تَعالي ، وللنساء تَعَاليْنَ ، ولا يُبالونَ أَين يكون المدعو في مكان أَعْلى من مكان الداعي أَو مكان دونه ) (165) .(32/68)
والمتعَالي سبحانه هو القاهرُ لخلقِهِ بقدرتِهِ التَّامَّةِ ، وأغلب المفسرين جعلوا الاسم دالا على علو القهر ، وهو أحد معاني العلو ، فالمتعالي هو المستعلي على كل شيء بقدرته ، قال ابن كثير : ( المتعال على كل شيء قد أحاط بكل شيء علما وقهر كل شيء فخضعت له الرقاب ودان له العباد طوعا وكرها ) (166) ، وقال أيضا في موضع آخر : ( وهو الكبير المتعال فكل شيء تحت قهره وسلطانه وعظمته لا إله إلا هو ولا رب سواه لأنه العظيم الذي لا أعظم منه ) (167) .
فالمتعالي سبحانه هو الذي ليس فوقه شيء في قهره وقوته فلا غالب له ولا منازع بل كل شيء تحت قهره وسلطانه ، قال تعالى : ? وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ ? [الأنعام:18] ، وقد جمع الله في هذه الآية بين علو الذات وعلو القهر ، وكذلك قوله تعالى : ? وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً ? [الأنعام:61] ، فاجتماع علو القهر مع علو الفوقية يعني أنه الملك من فوق عرشه الذي علا بذاته فوق كل شيء والذي قهر كل شيء وخضع لجلاله كل شيء وذل لعظمته وكبريائه كل شيء (168) .
32- ( ( الواحد :
الواحد في اللغة اسم فاعل للموصوف بالواحدية أو الوحدانية ، فعله وحد يوحد وحادة وتوحيدا ، ووحده توحيدا جعله واحدا ، والواحدُ أَول عدد الحساب وهو يدل على الإثبات ، فلو قيل في الدار واحد لكان فيه إثبات واحد منفرد مع إثبات ما فوق الواحد مجتمعين ومفترقين (169) .(32/69)
والواحد سبحانه هو القائم بنفسه المنفرد بوصفه الذي لا يفتقر إلى غيره أزَلا وأبَدا وهو الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله ، فهو سبحانه كان ولا شيء معه ، ولا شيء قبله ، ومازال بأسمائه وصفاته واحد أولا قبل خلقه ، فوجود المخلوقات لم يزده كمالا كان مفقودا ، أو يزيل نقصا كان موجودا ، فالوحدانية قائمة على معنى الغنى بالنفس والانفراد بكمال الوصف ، قال ابن الأَثير : ( الواحد في أَسماء الله تعالى هو الفرد الذي لم يزل وحده ولم يكن معه آخر ) (170) .
روى البخاري من حديث عمران ( أنه قال : ( إني عندَ النبيِّ S إذ جاءهُ قومٌ من بني تميم ، فقال : اقبَلوا البُشرى يا بنِي تميم ، قالوا : بشَّرْتنا فأعطِنا ، فدخلَ ناسٌ من أهل اليمن فقال : اقبلوا البُشرَى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم ، قالوا : قبلنا جئناك لنتفقه في الدِّين ، ولنسألك عن أولِ هذا الأمر ما كان ؟ قال : كان اللهَ ولم يكن شيء قبلهُ وكان عرشه على الماء ثم خلقَ السماواتِ والأرضَ وكتب في الذكر كل شيء ) (171) .
وقال تعالى : ? مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ المُضِلِّينَ عَضُداً ? [الكهف:51] ، فهو سبحانه وحده الذي خلق الخلق بلا معين ولا ظهير ولا وزير ولا مشير ، ومن ثم فإنه وحده المنفرد بالملك ، وليس لأحد في ملكه شرك كما قال تعالى : ? قُلِ ادْعُوا الذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ ? [سبأ:22] .(32/70)
ومن الأدلة العقلية في إثبات وحدانية الإله وتفرده بالربوبية دليل التمانع وملخصه أنا لو قدرنا إلهين اثنين وفرضنا عرضين ضدين ، وقدرنا إرادة أحدهما لأحد الضدين وإرادة الثاني للثاني فلا يخلو من أمور ثلاثة ، إما أن تنفذ إرادتهما ، أو لا تنفذ ، أو تنفذ إرادة أحدهما دون الآخر ، ولما استحال أن تنفذ إرادتهما لاستحالة اجتماع الضدين واستحال أيضا ألا تنفذ إرادتهما لتمانع الإلهين وخلو المحل عن كِلا الضدين ، فإن الضرورة تقتضي أن تنفذ إرادة أحدهما دون الآخر ، فالذي لا تنفذ إرادته هو المغلوب المقهور المستكره والذي نفذت إرادته هو الإله المنفرد الواحد القادر على تحصيل ما يشاء ، قال تعالى : ? مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ? [المؤمنون:91] ، فلا يجوز أن يكون في السماوات والأرض آلهة متعددة بل لا يكون الإله إلا واحدا وهو الله سبحانه ، ولا صلاح لهما بغير الوحدانية ، فلو كان للعالم إلهان ربان معبودان لفسد نظامه واختلت أركانه ، قال تعالى : ? لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ? [الأنبياء:22] ، فأساس قيام الخلق وبقاء السماوات والأرض هي وحدانية الله وانفراده عمن سواه قال تعالى : ? إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً ? [فاطر:41] وقال أيضا : ? وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَءوفٌ رَحِيمٌ ? [الحج:65] (172) .
33- ( ( القهار :(32/71)
القهار صيغة مبالغة ، فعال من اسم الفاعل القاهر ، والفرق بين القاهر والقهار أن القاهر هو الذي له علو القهر الكلي المطلق باعتبار جميع المخلوقات وعلى اختلاف تنوعهم ، فهو قاهر فوق عباده ، له علو القهر مقترنا بعلو الشأن والفوقية ، فلا يقوى ملك من الملوك على أن ينازعه في علوه مهما تمادى في سلطانه وظلمه وإلا قهره القهار ، ومعلوم أن المقهور يحتمي من ملك بملك ، ويخرج بخوفه من سلطان أحدهما ليتقوى بالآخر ، لكن الملوك جميعا إذا كان فوقهم ملك قاهر قادر فإلى من يخرجون وإلى جوار من يلجئون ؟ ، قال تعالى : ? قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ? [المؤمنون:88] ، وعند البخاري من حديث الْبَرَاءِ ( أن النَّبِيُّ S قال : ( اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ ) (173) ، فلا ملجأ ولا منجا من الله إلا إليه ، فالقاهر هو الذي له علو القهر الكلي المطلق .(32/72)
أما القهار فهو الذي له علو القهر باعتبار الكثرة والتعيين في الجزء ، أو باعتبار نوعية المقهور ، فالله عز وجل أهلك قوم نوح وقهرهم ، وقهر قوم هود ، وقهر فرعون وهامان والنمرود ، قال تعالى : ? وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الأُولَى وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى وَقَوْمَ نُوح مِّن قبْل إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أظلمَ وَأطغَى وَالمؤْتَفِكة أهْوَى فغَشَّاهَا مَا غشَّى فبِأيِّ آلاء رَبِّكَ تَتَمَارَى هَذا نَذِيرٌ مِّنَ النُّذرِ الأولَى ? [النجم:56:50] وقهر قوم صالح وقوم لوط ، وقهر أبا جهل والمشركين وقهر الفرس والصليبيين ، والله سبحانه قهار لكل متكبر جبار ، والدنيا فيها المتكبرون وما أكثرهم ، وفيها المجرمون وما أظلمهم ، والمستضعفون كثيرون وعاجزون يفتقرون إلى معين قهار ، وملك قادر جبار ، فالواحد القهار هو ملجأهم وهو بالمرصاد لكل متكبر جبار قال تعالى : ? أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَاد إِرَمَ ذَاتِ العِمَادِ التِي لَمْ يُخْلقْ مِثلهَا فِي البِلادِ وَثمودَ الذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالوَادِ وَفِرْعَوْنَ ذي الأوْتَادِ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ فَأَكثرُوا فِيهَا الفَسَادَ فَصَبَّ عَليْهِمْ رَبكَ سَوْطَ عَذَابٍ إِن رَبَّكَ لَبِالمِرْصَادِ ? [الفجر:6/13] ، فالقهار كثير القهر قهره عظيم أليم ، يقصم ظهر الجبابرة من أعدائه فيقهرهم بالإماتة والإذلال ، ويقهر من نازعه في ألوهيته وعبادته ، وربوبيته وحاكميته وأسمائه وصفاته (174) .
34- ( ( الحق :(32/73)
الحق في اللغة اسم فاعل ، فعله حَقَّ يَحِق حقا ، يقال : حققت الشيء أحقه حقا إذا تيقنت كونه ووجوده ومطابقته للحقيقة ، والحق بمعنى المطابقة والموافقة والثبات وعدم الزوال ، وكذلك العدل خلاف الباطل والظلم ، والحق يقال للاعتقاد في الشيء المطابق لما عليه في الحقيقة ، كقولك : اعتقد أن البعث والثواب والعقاب والجنة والنار حق (175) ، والحق له استعمالات كثيرة في القرآن ، منها الإسلام والعدل والحكمة والصدق والوحي والقرآن والحقيقة ، ومنها أيضا الحساب والجزاء كقوله : ? يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ المُبِينُ ? [النور:25] .
والحق اسم لله سبحانه هو المتصف بالوجود الدائم والحياة والقيومية والبقاء فلا يلحقه زوال أو فناء ، وكل أوصاف الحق كاملة جامعة للكمال والجمال ، والعظمة والجلال قال تعالى : ? ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ? [الحج:62] ، وكقوله : ? ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ? [الحج:6] ، والحق سبحانه هو الذي يحق الحق بكلماته ويقول الحق وإذا وعد فوعده الحق ، ودينه حق ، وكتابه حق ، وما أخبر عنه حق ، وما أمر به حق كما قال : ? وَيُحِقُّ الله الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ? [يونس:82] ، وقال سبحانه : ? وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ ? [الأنعام:73] ، وقال تعالى : ? يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ المُبِينُ ? [النور:25] (176) .
35- ( ( المبين :(32/74)
المبين اسم فاعل من الفعل بان أو أبان ، وأصل البَينُ التميز والظهور ، والبُعْد والانفصال ، يقال : بانَ الحقُّ يَبينُ بَيانا فهو بائنٌ ، أو أَبان يُبينُ إِبانة فهو مُبينٌ ، فمن الأول تَبَايَنَ الرجُلانِ أي بان كل واحد منهما عن صاحبه ، وكذلك في الشركة إِذا انفصلا ، وبانَت المرأَة عن زوجها يعني انفصلت عنه بتَطليقةٌ بائنة (177) ، والبائن أيضا بمعنى الظاهر المبين الواضح كما في قوله : ? فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ ? [الأعراف:107] وقوله : ? فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُبِينٍ ? [الدخان:10] .
ومن الثاني أبان القول بيانا يعني أظهره بفصاحة ، والبَيان الفصاحة واللسَن والإِفصاح مع ذكاء ، والبَيِّن من الرجال السَّمْح اللسان الفصيح الظريف العالي الكلام القليل الرتَج ، وفلانٌ أَبْيَن من فلان أَي أَفصح منه وأَوضح كلاماً ، وعند البخاري من حديث ابن عمر ( أَنَّهُ قَدِمَ رَجُلانِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَخَطَبَا فَعَجِبَ النَّاسُ لِبَيَانِهِمَا ، فقال رسول اللهِ S : ( إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا ، أَوْ إِنَّ بَعْضَ الْبَيَانِ لَسِحْرٌ ) (178) ، فالبَيان إِظهار المقصود بأَبلغ لفظٍ وأَصلُه الكَشْفُ والظهورُ (179) .(32/75)
والمبين هو المنفرد بوصفه المباين لخلقة الظاهر فوق كل شيء ، له مطلق العلو والفوقية ، وليس كما قالت الجهمية أنه بذاته في كل مكان ، بل هو سبحانه بائن من خلقه ، ليس في خلقه شيء من ذاته ، ولا في ذاته شيء من مخلوقاته ، وقد ذكر ابن تيمية أن الأئمة من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وسائر أئمة الدين اتفقوا على أن قوله تعالى : ? وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ? [الحديد:4] ، ليس معناه أنه مختلط بالمخلوقات وحال فيها ، ولا أنه بذاته في كل مكان ، بل هو سبحانه وتعالى على عرشه ومع كل شيء بعلمه وقدرته ، فالله سبحانه مع العبد أينما كان ، يسمع كلامه ويرى أفعاله ويعلم سره ونجواه ، رقيب على خلقه مهيمن عليهم (180) ، وقال ابن منده : ( هو سبحانه وتعالى موصوف غير مجهول وموجود غير مدرك ، ومرئي غير محاط به ، لقربه كأنك تراه ، وهو يسمع ويرى وهو بالمنظر الأعلى ، وعلى العرش استوى ، فالقلوب تعرفه والعقول لا تكيفه وهو بكل شيء محيط ) (181) ، ومن معاني المبين أيضا الغني عن العالمين الذي لا يفتقر لأحد من خلقه (182) .(32/76)
والمبين سبحانه هو الذي أبان لكل مخلوق علة وجوده وغايته ، وأبان لهم طلاقة قدرته مع بالغ حكمته ، وأبان لهم الأدلة القاطعة على وحدانيته ، وأبان لهم دينهم بأحكام شريعته ، ولا يعذب أحدا من خلقه إلا بعد بيان حجته ، قال تعالى : ? وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى ? [طه:134] ، وقد خاطب المبين عباده بكل أنواع البيان ، وأقام حجته بكل أنواع البرهان ، قال تعالى : ? وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ الله مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم ? [إبراهيم:4] ، قال البيهقي : ( المبين له معان منها أنه بين لذوي العقول ، ومنها أن الفضل يقع به ، ومنها أن التحقيق والتمييز إليه ، ومنها أن الهداية به ) (183) .
36- ( ( القوي :
القوي في اللغة صفة مشبهة للموصوف بالقوة ، وقد قوِيَ وتَقوَّى فهو قوي ، يقال قوَّى الله ضعفك أَي أَبدَلك مكان الضعف قوة ، فالقوة نقيض الضعف والوهن والعجز ، وهي الاستعداد الذاتي والقدرة على الفعل وعدم العجز عن القيام به ، قال تعالى لموسى ( عن الأَلواح : ? فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ ? [الأعراف:145] ، أَي خذها بقُوَّة في دينك وحُجَّتك ، وقال ليحي ( : ? يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ? [مريم:12] ، أَي بِجِد وعَوْن من الله تعالى (184) .(32/77)
والقوي سبحانه هو الموصوف بالقوة ، وصاحب القدرة المطلقة ، لا يغلبه غالب ولا يرد قضاءه راد ، ولا يمنعه مانع ، ولا يدفعه دافع ، وهو القوي في بطشه القادر على إتمام فعله ، له مطلق المشيئة والأمر في مملكته ، والقوي سبحانه قوي في ذاته لا يعتريه ضعف أو قصور ، قيوم لا يتأثر بوهن أو فتور ، ينصر من نصره ، ويخذل من خذله كما قال : ? وَلَيَنْصُرَنَّ الله مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ? [الحج:40] ، والقوي سبحانه هو الذي كتب الغلبة لنفسه ورسله فقال : ? كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِن الله قَوِيٌّ عَزِيزٌ ? [المجادلة:21] ، فالقوي هو الكامل القدرة على الشيء الذي لا يستولي عليه العجز في حال من الأحول الموصوف بالقوة المطلقة ، قال تعالى : ? مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ? [الحج:74] (185) .
37- ( ( المتين :
المتين في اللغة صفة مشبهة للموصوف بالمتانة ، والمتين هو الشيء الثابت في قوته الشديد في عزمه وتماسكه ، والواسع في كماله وعظمته ، متن يمتن متانة أي قوي مع صلابة واشتداد ، ويلحق بمعنى المتون الثبات والامتداد ، فيكون المتين بمعنى الواسع قال ابن منظور : ( المتنُ من كل شيء ما صَلُبَ ظَهْرُه والجمع مُتُون ) (186) .
والمتين سبحانه هو القوي في ذاته الشديد الواسع الكبير المحيط ، فلا تنقطع قوته ولا تتأثر قدرته ، فالمتين هو القوي الشديد المتناهي في القوة والقدرة ، الذي لا تتناقص قوته ولا تضعف قدرته والذي لا يلحقه في أَفعاله مشقة ولا كلفة ولا تعَبٌ (187) ، قال تعالى : ? إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ? [الذاريات:58] ، فالله عز وجل من حيث إنه بالغ القدرة تامها قوي ، ومن حيث إنه شديد القوة متِينٌ (188) .(32/78)
وقال تعالى : ? وَأُمْلِي لهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ? [القلم:45] ، الكيد على إطلاقه هو التدبير في الخفاء بقصد الإساءة أو الابتلاء أو المعاقبة والجزاء ، وقد يكون عيبا مذموما إذا كان بالسوء في الابتداء ، وقد يكون محمودا مرغوبا إذا كان مقابلا لكيد الكافرين والسفهاء ، فإذا كان الكيد عند الإطلاق كمالا في موضع ونقصا في آخر فلا يصح إطلاقه في حق الله دون تخصيص ، كقول القائل : الكيد صفة الله ، فهذا باطل لأن الإطلاق فيه احتمال اتصافه بالنقص أو الكمال ، لكن يصح قول القائل : كيد الله للابتلاء والمعاقبة والجزاء ، فهذا كيد مقيد لا يحتمل إلا الكمال فجاز أن يتصف به رب العزة والجلال كما أثبت ذلك لنفسه فقال : ? إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً ? [الطارق:16] ، وقال : ? وَأُمْلِي لهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ? [الأعراف:183] (189) ، فوصف الله كيده للكافرين بأنه كيد شديد قوي متين ، لا يمكن لأحد منهم رده أو صده ، والله غالب على أمره كتب الغلبة لنفسه ورسله .
38- ( ( الحي :
الحي في اللغة صفة مشبهة للموصوف بالحياة ، فعله حَيَّ يَحَيُّ حياة ، قال سبحانه وتعالى : ? وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ? [الأنفال:42] ، والحَيُّ من كل شيء نقيضُ الميت والجمع أَحْياء ، والحَي يطلق أيضا على كل متكلم ناطق ، والحيُّ من النبات ما كان أخضرا طريا يهتز ، والحَيُّ أيضا هو الواحد من أَحْياءِ العَربِ يقع على بَنِي أَبٍ كثروا أم قلوا وعلى شَعْبٍ يجمَعُ القبائل ، والحي أيضا البطن من بطون العرب (190) .(32/79)
والحي سبحانه هو الدائم في وجوده الباقي حيا بذاته على الدوام أزلا وأبدا ، لا تأخذه سنة ولا نوم ، وهذا الوصف ليس لسواه ، فأي طاغوت عبد من دون الله إن كان حيا فحياته تغالبها الغفلة والسنات ، وإن قاومها وأراد البقاء عددا من الساعات فإن النوم يراوده ويأتيه ، فضلا عن كون الموت يوافيه ، فلا ينفرد بكمال الحياة ودوامها باللزوم إلا الحي القيوم (191) ، قال ابن جرير الطبري : ( وأما قوله الحي فإنه يعني الذي له الحياة الدائمة والبقاء ، الذي لا أول له يحد ولا آخر له يمد ، إذ كان كل ما سواه فإنه وإن كان حيا فلحياته أول محدود ، وآخر مأمود ، ينقطع بانقطاع أمدها وينقضي بانقضاء غايتها ) (192) .
والحي سبحانه هو المتصف بالحياة كوصف ذات لله لا يتعلق بمشيئته ، وإن تعلق بها فالإحياء وصف فعله ، ولما كان كل ما سوى الله حياته قائمة على إحياء الله ، وإحياء الله يدل بالضرورة على وصف الحياة ؛ على اعتبار أن الحياة الذاتية لله هي الحياة الحقيقية وكل من سواه يفنى أو قابل للفناء بمشيئة الله ، فإن اسم الله الحي دال على الوصفين معا ، الحياة كوصف ذات والإحياء كوصف فعل ، ومن هنا كانت دعوة الموحدين إلى الاعتماد على الله لأنه الحي الذي لا يموت كما قال سبحانه : ? وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ ? [الفرقان:58] ، والله عز وجل من أسمائه المقيدة المحي فلم يرد في القرآن والسنة إلا مضافا كما في قوله : ? إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ? [الروم:50] ، فالمحي اسم مقيد يدل على صفة الحياة باللزوم والإحياء بالتضمن والله عز وجل هو الحي الذي يحي ويميت ، إن تعلق وصف الحياة بالمشيئة كان الإحياء وصف فعله ، وإن لم يتعلق بها كانت الحياة وصف ذاته (193) .
39- ( ( القيوم :(32/80)
القيوم في اللغة من صيغ المبالغة ، فعله قام يَقوم قوْما وقِياما ، ويأتي الفعل على معنيين الأول القيام بالذات والبقاء على الوصف ، والثاني إقامة الغير والإبقاء عليه لأن غيره مفتقر إليه ، فالأول على اعتبار صفة الذات ، والثاني على اعتبار صفة الفعل وعلى هذين المعنيين دارت عبارات اللغويين ، فالقيوم هو القائم بنفسه مطلقاً لا بغيره الباقي أزلا وأبدا ، أو القائم بتدبير أُمور الخلق وتدبير العالم بجميع أَحواله ، فهو القائم بأَمور خلقه في إِنشائهم وتولي أرزاقهم وتحديد آجالهم وأَعمالهم ، وهو العليم بمُسْتَقرِّهم ومستودعهم ، وهو الذي يقوم به كل موجود حتى لا يتصور وجود شيء ولا دوام وجوده إِلا بقيوميته وإقامته له (194) .(32/81)
والقيوم عز وجل هو القائم بنفسه الذي بلغ مطلق الكمال في وصفه ، والباقي بكماله ووصفه على الدوام دون تغيير أو تأثير ، فقد يكون الحي سميعا لكن يتأثر سمعه مع مرور الوقت ، فيفتقر إلى وسيلة إضافية للسماع ، يضع سماعة أو آلة يستعين بها لإكمال سمعه ، فيلزم لاتصافه بكمال السمع أن يكون قيوما في سمعه له البقاء والكمال فيه على الدوام ، وقد يكون الحي بصيرا لكن بصره يتأثر مع مرور الوقت فيفتقر إلى وسيلة إضافية للإبصار ، فيضع زجاجة أو نظارة يستعين بها ، فيلزم لاتصافه بكمال البصر والإبصار أن يكون قيوما في بصره له البقاء والكمال فيه على الدوام ، والحي قد يكون متصفا بالصفات لكنه يتأثر بالغفلة والسنات ، فتتأثر صفاته وتضمحل وربما ينام أو يموت فتزول وتنعدم ، فلو كان قائما دائما لكملت حياته وبقيت صفاته ، ولذلك قال تعالى : ? اللهُ لا إِلهَ إِلا هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ ? [البقرة:255] ، فأثبت الحياة والقيومية اللازمة لكمال أسمائه وصفاته وأفعاله ، وهذا المعنى كله في دلالة القيوم على صفة الذات ، أما دلالته على صفة الفعل فالقيومية هنا مردها إلى معنى الربوبية فالقيم في اللغة هو السيد الذي يسوس الأمور ويدبرها ، فقيم البلدة سيدها وأمينها ومدبرها ومنه قوله : ? أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ? [الرعد:33] (195) وعند البخاري مرفوعا : ( أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ ) (196) .
40- ( ( العلي :(32/82)
العلي في اللغة فعِيل بمعنى فاعِل ، صفة مشبهة للموصوف بالعلو ، فعله علا يعلو علوا ، والعلو ارتفاع المكان أو ارتفاع المكانة ، فمن علو المكان ما ورد عند مسلم من حديث َزُهَيْرِ ( أنه قال : ( لَمَّا نَزَلَتْ : ? وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقرَبِينَ ? [الشعراء:214] انْطَلَقَ نَبِي اللهِ S إِلَى رَضْمَةٍ مِنْ جَبَلٍ فَعَلاَ أَعْلاَهَا حَجَرًا ثُمَّ نَادَى : يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافَاهْ إِنِّي نَذِيرٌ ) (197) ، وعند البخاري من حديث أنس ( مرفوعا : ( فَعَلاَ بِهِ إِلَى الْجَبَّارِ فَقَالَ وَهْوَ مَكَانَهُ : يَا رَبِّ خَفِّف عَنَّا فَإِن أمَّتِي لاَ تَسْتَطِيعُ هَذَا ) (198) .
أما العلو بمعنى علو الرفعة والمجد أو الشرف والمكانة فكقوله تعالى : ? فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ ? [محمد:35] ، وعَلا في الأرض واسْتَعْلَى الرجل علا وتكبر ، والعَليَاء كل مكان مشرف ، والعَلاء والعُلا الرفعة والشرف (199) .
والعلي في أسماء الله هو الذي على بذاته فوق جميع خلقه ، فاسم الله العلي دل على علو الذات والفوقية ، وكثير من الذين شرحوا الأسماء حاولوا بكل سبيل تفسير العلو الذي دل عليه اسمه العلي بعلو المكانة والمنزلة فقط ؛ إما هربا من إثبات علو الذات والفوقية أو تعطيلا صريحا له (200) .(32/83)
والذي عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين والأئمة الأجلاء المتبعين أن الله عز وجل عال على عرشه بذاته ، وبكيفية حقيقية معلومة لله مجهولة لنا ، لا ينازع أحد منهم في ذلك ، ولا يمنع أن يسأل عن ربه أين هو ؟ وأدلة الكتاب والسنة تشهد بلا لبس أو غموض على ذلك ، ودائما ما يقترن اسم الله العلي باسمه العظيم وأيضا عندما يذكر العرش والكرسي ، ففي آية الكرسي أعظم آية في كتاب الله بعد أن قال تعالى : ? وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا ? ، قال : ? وَهُوَ العَلِيُّ العَظِيم ? [البقرة:255] ، ولما ذكر علوه فقال : ? فَتَعَالَى الله المَلِكُ الحَقُّ ? ، ذكر بعده العرش بكرمه وسعته فقال : ? لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ العَرْشِ الكَرِيم ? [المؤمنون:116] ، ولما ذكر إعراض الخلق عن عبادته أعلم نبيه S في أعقاب ذلك أنه الملك الذي لا يزول عن عرشه بإعراض الرعية في مملكته كشأن الملوك من خلقه لأنه المستغني بذاته الملك في استوائه ، لا يفتقر إلى أحد في قيام ملكه أو استقراره ، فقال لنبيه S : ? فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُل حَسْبِيَ الله لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلتُ وَهُوَ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ ? [التوبة:129] ، وقال تعالى : ? قُل لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لابْتَغَوْا إِلَى ذِي العَرْشِ سَبِيلا ? [الإسراء:42] فلو كانت هذه آلهة على الحقيقة لنازعوا الحق في عليائه حتى يتحقق مراد الأقوى منهم ويعلو كإله واحد ، وهذا معلوم بدليل التمانع (201) ، أو لو أنه اتخذهم آلهة واصطفاهم لطلبوا قربه والعلو عنده لعلمهم أنه العلي على خلقه (202) .
فهذه الآيات واضحة في إثبات علو الذات والفوقية وغيرها كثير ، لكن كثيرا من المفسرين لاسم الله العلي جعلوه دالا على معنيين فقط من معاني العلو ، وهما علو الشأن وعلو القهر ، واستبعدوا المعنى الثالث وهو علو الذات والفوقية .(32/84)
والثابت الصحيح أن معاني العلو عند السلف الصالح ثلاثة معان دلت عليها أسماء الله المشتقة من صفة العلو ، فاسم الله العلي دل على علو الذات ، واسمه الأعلى دل على علو الشأن ، واسمه المتعال دل على علو القهر ؛ والمتكلمون أصحاب الطريقة العقلية والأقيسة المنطقية في وصف الذات الإلهية ينفون عن الله علو الذات والفوقية لأنه عندهم يدل على إثبات المكان لله ، وما كان في مكان فهو محصور فيه ولذلك لا يجوز عندهم بحال من الأحوال أن يسأل عن الله بأين ؟ وهذا مخالف لصريح السنة فقد ثبت في حديث الجارية الذي رواه مسلم من حديث معاوية بن الحكم ( أن رسول الله S قال لها : ( أَيْنَ الله ؟ قَالَتْ : فِي السَّمَاء ، قَالَ : مَنْ أَنَا ؟ قَالَتْ : أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ : أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ ) (203) ، وهذا الحديث مع وضوحه كالشمس في أن الرسول S سأل عن الله بأين سؤالا لا لبس فيه ولا غموض إلا أن الكثيرين من المتكلمين تأبى أنفسهم إثباته ، لأن أين هنا يتصورون منها المكان الذي في عالم الشهادة ، والذي يخضع للأقيسة التمثيلية والشمولية ، أما المكان ذو الكيفية الغيبية الذي لا يعلم خصائصه إلا الله فهذا لا اعتبار له عندهم ، ولذلك فإن عقيدة السلف تفرق بين نوعين من المكان :(32/85)
الأول : ما كان محصورا بالمحاور الفراغية المعروفة في محيط المخلوقات المشهودة والذي يخضع لأحكامنا العقلية ولأقيستنا المنطقية ، فمكان الشيء يحدد في المقاييس الحديثة باعتبار ثلاثة محاور رئيسية متعامدة ، اثنان يمثلان المستوى الأفقي الموازي لسطح الأرض والثالث يمثل الارتفاع عن ذلك المستوى ، وأجسام الدنيا يحدد مكانها بمدى الارتفاع في المحور الرأسي عن مستوى المحورين الأفقيين ، ولاشك أن هذه المقاييس المكانية لا تصلح بحال ما في قياس ما هو خارج عن محيط العالم ، فضلا عن قياس الأشياء الدقيقة كالإلكترون في دورانه حول نواة الذرة فقد ثبت أن محاوره أكثر من ثلاثة بكثير .
الثاني : يراد به المكان الغيبي الذي يخرج عن مداركنا ولا نعلم خصائصه لصعوبة ذلك علينا ، والمكان بهذا الاعتبار حق موجود ولا يخضع بحال من الأحوال لمقاييس المكان في حسابات المخلوقين ، فلا يمكن للمتكلمين أن يطبقوا هذه المقاييس على ملك الموت عندما يأتي لقبض الأرواح مع أنه مخلوق له ذات وكينونة منفصلة ، وهو مع ذلك لا يحجبه باب ولا جدار ، ولا يمنعه جب أو قرار كما قال رب العزة والجلال : ? أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ المَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ? [النساء:78] ، فملك الموت مخلوق ولا يخضع في مكانه وزمانه لمقاييسنا التي يريدون بها الحكم على استواء الله على عرشه ، ومن ثم لا يصلح أن نمنع دلالة الآيات والأحاديث ونحول معنى اسم الله العلي من علو الفوقية إلى علو الرتبة والمنزلة بحجة أننا لو أثبتناها لكان الله في مكان فعلو الشأن ثابت بدلالة اسمه الأعلى وعلو القهر ثابت بدلالة اسمه المتعال .(32/86)
والرسول S لما قال للجارية : أين الله ؟ علم S أن أين للمكان ويعلم لوازم قوله ولو كان في ذلك خطأ وتشبيه وتجسيم كما يدعي البعض ما سأل الجارية بلفظ يحتمل معناه الخلاف ودواعي الاختلاف ، والجارية لما قالت : الله في السماء تعني العلو وشهد لها رسول الله S بالإيمان ، فلا إشكال عند الموحدين العقلاء في فهم حديث الجارية وقولها إن الله في السماء ، والأمر واضح جلي ظاهر ، فأي اعتراض على ذلك إنما هو اعتراض على رسول الله S .
وعلو الفوقية أو علو الذات الذي دل عليه اسمه العلي ثابت على الحقيقة بالكتاب والسنة وإجماع الأنبياء والمرسلين وأتباعهم ، فهو سبحانه وتعالى مستو على عرشه بائن من خلقه ، لا شيء من ذاته في خلقه ، ولا خلقه في شيء من ذاته ، وهو من فوق عرشه يعلم أعمالهم ويسمع أقوالهم ويرى أفعالهم لا تخفى منهم خافية ، والأدلة في ذلك أكثر من أن تحصى وأجل من أن تستقصى ، والفطرة السليمة والنفوس المستقيمة مجبولة على الإقرار بذلك ، وسيأتي بإذن الله تعالى المزيد عند الحديث عن دلالة الأسماء على الصفات ، لكن جل الأدلة بقرائنها تجعل المعنى الذي دل عليه اسم الله العلي هو علو الذات والفوقية ، قال ابن خزيمة : ( والله قد وصف نفسه في غير موضع من تنزيله ووحيه ، وأعلمنا أنه العلي العظيم ، أفليس العلي يا ذوي الحجا ما يكون عليا لا كما تزعم المعطلة الجهمية أنه أعلى وأسفل ووسط ومع كل شيء وفي كل موضع من أرض وسماء ، وفي أجواف جميع الحيوان ، ولو تدبروا آية من كتاب الله ووفقهم الله لفهمها ؛ لعقلوا أنهم جهال لا يفهمون ما يقولون ، وبان لهم جهل أنفسهم وخطأ مقالتهم ) (204) .
41- ( ( العظيم :(32/87)
العَظِيمُ في اللغة صفة مشبهة لمن اتصف بالعظمة ، فعله عَظمَ يَعْظم عِظما يعني كبرَ واتسع وعلا شأنه وارتفع ، ولفلان عَظمة عندَ النَّاسِ أَي حُرْمة يُعظمُ لها ، وأَعْظمَ الأَمْرَ وعَظمَه فخَّمه ، والتعظِيم التَّبْجِيل ، والعَظِيمة النازلة الشديدة والملِمَّة إِذا أَعْضَلتْ والعَظمَة الكِبْرِياء ، وعَظمَة العبدِ كِبْرُه المذمومُ وتَجَبره ، وإِذا وُصِفَ العبد بالعَظمة فهو ذمٌّ لأَن العظمة في الحقيقةِ لله عز وجل (205) ، وعند البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني من حديث ابْنَ عُمَرَ ( أن رسول اللهِ S قال : ( مَنْ تَعَظمَ فِي نَفْسِهِ أَوِ اخْتَالَ فِي مِشْيَتِهِ لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ ) (206) .
والله عز وجل هو العظيم الذي جاوَزَ قدْرُه حدود العقل وجل عن تَصور الإِحاطةُ بكنْهِه وحَقِيقتِه ، فهو العظيم الواسع ، الكبير في ذاته وصفته ، فعظمة الذات دل عليها كثير من النصوص منها ما ورد عند ابن حبان وصححه الألباني من حديث أبي ذر ( أن النبي S قال : ( ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة بأرض فلاة ، وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة ) (207) ، وقد صح عن ابن عباس ( موقوفا : ( الكرسي موضع القدمين والعرش لا يقدر قدره إلا الله تعالى ) (208) .(32/88)
أما عظمة الصفات فالله عز وجل له علو الشأن كما قال في كتابه : ? لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ? [الشورى:11] ، وقال أيضا : ? رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَل تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً ? [مريم:65] ، وإذا كان عرشه قد وصفه بالعظمة وخصه بالإضافة إليه والاستواء عليه ، فما بالك بعظمة من استوى عليه وعلا فوقه ، وينبغي أن نعلم أن عَظمة اللهِ في ذاته لا تُكَيَّفُ ولا تُحدُّ ، لطلاقة الوصف وعجزنا عن معرفته ، فنحن لم نره ولم نر له مثيل ، فالله عظيمٌ في ذاته ووصفه وجلال قدره كما أخبر عن نفسه (209) .
42- ( ( الشكور :
الشكور في اللغة فعول من صيغ المبالغة ، فعله شكر يشكر شكرا وشكورا وشكرانا فالشكور فعول من الشكر ، وأصل الشكر الزيادة والنماء والظهور ، وحقيقة الشكر الثناء على المحسن بذكر إحسانه (210) .
وشكر العبد على الحقيقة إنما هو إقرار القلب بإنعام الرب ونطق اللسان عن اعتقاد الجنان وعمل الجوارح والأركان ، قال تعالى : ? اعْمَلوا آلَ دَاوُدَ شُكرا وَقَلِيل مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ? [سبأ:13] ، وفي صحيح البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَة ( أن النَّبِي S قال : (فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُونَ يَا نُوحُ أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ ، وَسَمَّاكَ الله عَبْدًا شَكُورًا ، أَمَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ .. الحديث ) (211) .
والشكور سبحانه هو الذي يزكو عنده القليل من أعمال العباد ويضاعف لهم الجزاء ، فيثيب الشاكر على شكره ويرفع درجته ويضع من ذنبه ، فشكر العبد لله تعالى ثناؤه عليه بذكر إحسانه إليه ، وشكر الحق للعبد ثناؤه عليه بذكر طاعته له .(32/89)
ويذكر ابن القيم أن الشكور سبحانه هو أولى بصفة الشكر من كل شكور ، بل هو الشكور على الحقيقة فإنه يعطي العبد ويوفقه لما يشكره عليه ، ويشكر القليل من العمل والعطاء فلا يستقله أن يشكره ، ويشكر الحسنة بعشر أمثالها إلى أضعاف مضاعفة ، ويشكر عبده بأن يثني عليه بين ملائكته وفي ملئه الأعلى ، ويلقي له الشكر بين عباده ، ويشكره بفعله فإذا ترك له شيئا أعطاه أفضل منه ، وإذا بذل له شيئا رده عليه أضعافا مضاعفة ، وهو الذي وفقه للترك والبذل وشكره على هذا وذاك ، ولما بذل الشهداء أبدانهم له حتى مزقها أعداؤه شكر لهم ذلك بأن أعاضهم منها طيرا خضرا أقر أرواحهم فيها ، ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها إلى يوم البعث ، فيردها عليهم أكمل ما تكون وأجمله وأبهاه ، ومن شكره سبحانه أنه يجازي عدوه بما يفعله من الخير والمعروف في الدنيا ويخفف به عنه يوم القيامة ، فلا يضيع عليه ما يعمله من الإحسان وهو من أبغض خلقه إليه ، ومن شكره أنه غفر للمرأة البغي بسقيها كلبا كان قد جهده العطش حتى أكل الثرى (212) .
قال ابن القيم : ( الشكور يوصل الشاكر إلى مشكوره ، بل يعيد الشاكر مشكورا وهو غاية الرب من عبده ، وأهله هم القليل من عباده ، قال الله تعالى : ? وَاشْكُرُوا لله إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ? [البقرة:172] .. وسمى نفسه شاكرا وشكورا ، وسمى الشاكرين بهذين الاسمين فأعطاهم من وصفه وسماهم باسمه ، وحسبك بهذا محبة للشاكرين وفضلا ، وإعادته للشاكر مشكورا كقوله : ? إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً ? [الإنسان:22] ، ورضي الرب عن عبده به كقوله : ? وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ? [الزمر:7] ، وقلة أهله في العالمين تدل على أنهم هم خواصه كقوله : ? وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ? [سبأ:13] ) (213) .
43- ( ( الحليم :(32/90)
الحليم في اللغة صفة مشبهة للموصوف بالحلم ، فعله حلم يحلم حلما ، وصفة الحلم تعني الأناة ومعالجة الأمور بصبر وعلم وحكمة ، وفي مقابلها العجلة المفسدة لأمور الدين والدنيا ، والحليم هو الذي يرغب في العفو ولا يسارع بالعقوبة ، قال تعالى في وصف إبراهيم ( : ? إِن إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ? [التوبة:114] ، ويدخل في معنى الحِلم بلوغ الصبي الحلم أو مبلغ الرجال الحكماء العقلاء كما قال تعالى : ? وَإِذَا بَلَغَ الأَطفَال مِنْكمُ الحلمَ ? [النور:59] ، وقال : ? فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ ? [الصافات:101] ، يعني لديه أناة وبصيرة وحكمة من صغره (214) .
والحليم سبحانه هو المتصف بالحلم ، والحلم صفة كريمة تقوم على الحكمة والعلم والصبر ، والله عز وجل صبور يتمهل ولا يتعجل ، بل يتجاوز عن الزلات ويعفو عن السيئات ، فهو سبحانه يمهل عباده الطائعين ليزدادوا من الطاعة والثواب ، ويمهل العاصين لعلهم يرجعون إلى الطاعة والصواب ، ولو أنه عجل لعباده الجزاء ما نجا أحد من العقاب ، ولكن الله سبحانه هو الحليم ذو الصَّفحِ والأناةِ ، استخلف الإنسان في أرضه واسترعاه في ملكه ، واستبقاه إلى يوم موعود وأجل محدود ، فأجل بحلمه عقاب الكافرين ، وعجل بفضله ثواب المؤمنين (215) .
وخلاصة المعاني في تفسير الحليم أنه الذي لا يعجل بالعقوبة والانتقام ، ولا يحبس إنعامه عن عباده لأجل ذنوبهم بل يرزق العاصي كما يرزق المطيع ، وهو ذو الصفح مع القدرة على العقاب (216) .
44- ( ( الواسع :(32/91)
والواسع في اللغة اسم فاعل للموصوف بالوسع ، فعله وَسِعَ الشَّيء يَسَعُه سِعَة فهو وَاسِع ، وأَوْسَعَ الله عليك أَي أَغناك ، ورجل مُوسِعٌ يعني مَلِيء بالمال والثراء ، يقال إناء واسع وبيت واسع ، ثم قد يستعمل في الغنى يقال : فلان يعطي من سعة وواسع الرحل يعني غنيا ، وقال تعالى : ? لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ ? [الطلاق:7] ، وتَوَسَّعُوا في المجلس أَي تَفَسَّحُوا ، والسَّعة الغِنى والرفاهِية ، والسعة تكون في العلم والإحسان وبسط النعم (217) .
والواسع سبحانه هو الذي وسع علمه جميع المعلومات ووسعت قدرته جميع المقدورات ووسع سمعه جميع المسموعات ووسع رزقه جميع المخلوقات ، فله مطلق الجمال والكمال في الذات والصفات والأفعال ، وعند البخاري من حديث عَائِشَة أنها قالتِ : ( الْحَمْدُ للهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الأَصْوَاتَ فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى عَلَى النَّبِيِّ S : ? قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الَّتِي تُجَادلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلى الله وَالله يَسْمَعُ تَحَاوُرَكمَا إِن الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ ? [المجادلة:1] ) (218) ، فالله عز وجل واسِع ، وَسِعَ غِنَاه كل فقِير وهو الكثيرُ العطاءِ يده سحاء الليل والنهار ، وسعت رَحْمَته كل شَيء وهو المحيط بكل شيء (219) .(32/92)
وقد اقترن اسم الله الواسع باسمه العليم في غير موضع من كتابه كما ورد في قوله تعالى : ? مَثَلُ الذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ الله كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُل سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَالله يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاء وَالله وَاسِعٌ عَلِيمٌ ? [البقرة:261] ، ذكر ابن القيم في بيان العلة في اقتران الاسمين ألا يستبعد العبد مضاعفة الأجر ، ولا يضيق عنها عطاؤه فإن المضاعف واسع العطاء ، واسع الغنى واسع الفضل ، ومع ذلك فلا يظن أن سعة عطائه تقتضي حصولها لكل منفق ، فإنه عليم بمن تصلح له هذه المضاعفة وهو أهل لها ومن لا يستحقها ولا هو أهل لها ، فإن كرمه وفضله تعالى لا يناقض حكمته بل يضع فضله مواضعه لسعته ورحمته ، ويمنعه من ليس من أهله بحكمته (220) .
45- ( ( العليم :(32/93)
العليم في اللغة من أَبنية المبالغة ، عَلِيمٌ وزن فعِيل ، فعله عَلِم يعلم علما ، ورجل عالم وعَلِيمٌ ، والعِلمُ نقيضُ الجهل ، ويجوز أن يقال للإِنسان الذي عَلمه الله عِلما من العُلوم عَلِيم ، كما قال تعالى عن يوسف ( وقوله للملك : ? اجْعَلنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظ عَلِيمٌ ? [يوسف:55] ، وهو ( عليم على اعتبار محدودية علمه ومناسبته لقدره فهو ذو علم وموصوف بالعلم ، قال : ? وَإِنَّهُ لَذو عِلمٍ لِمَا عَلمْنَاهُ ? [يوسف:68] ، لكن شتان بين علم مقيد محدود وعلم مطلق بلا حدود ، سبحانه وتعالى في كمال علمه ، جل شأنه في إطلاق وصفه ، فعلمه فوق كل ذي علم كما قال عز وجل : ? نَرْفَعُ دَرَجَات مَنْ نَشَاء وَفَوْقَ كُل ذِي عِلمٍ عَلِيمٌ ? [يوسف:76] ، فالله عز وجل عليمُ بما كان وما هو كائن وما سيكونُ ، لم يَزَل عالِما ولا يَزال عالما بما كان وما يكون ، ولا يخفى عليه خافية في الأَرض ولا في السماء ، سبحانه أَحاط عِلمُه بجميع الأَشياء باطِنِها وظاهرها ، دقِيقها وجليلها على أَتم الإِمكان (221) ، فاسم الله العليم اشتمل على مراتب العلم الإلهي ، وهي أنواع :
أولها : علمه بالشيء قبل كونه وهو سر الله في خلقه ، ضن به على عباده ، لا يعلمه ملك مقرب ولا نبي مرسل ، وهذه المرتبة من العلم هي علم التقدير ومفتاح ما سيصير ، ومن هم أهل الجنة ومن هم أهل السعير ؟ فكل أمور الغيب قدرها الله في الأزل ومفتاحها عنده وحده ولم يزل ، كما قال تعالى : ? إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الغَيْثَ وَيَعْلمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَليمٌ خَبِيرٌ ? [لقمان:34] ، وقال سبحانه : ? قُل لا يَعْلمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الغَيْبَ إِلا اللهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ? [النمل:65] .(32/94)
ثانيها : علمه بالشيء وهو في اللوح المحفوظ بعد كتابته وقبل إنفاذ أمره ومشيئته فالله عز وجل كتب مقادير الخلائق في اللوح المحفوظ قبل أن يخلقهم بخمسين ألف سنة ، والمخلوقات في اللوح قبل إنشائها عبارة عن كلمات ، وتنفيذ ما في اللوح من أحكام تضمنتها الكلمات مرهون بمشيئة الله في تحديد الأوقات التي تناسب أنواع الابتلاء في خلقه ، وكل ذلك عن علمه بما في اللوح من حساب وتقدير ، وكيف ومتى يتم الإبداع والتصوير ؟ كما قال تعالى : ? أَلمْ تَعْلمْ أَنَّ اللهَ يَعْلمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلك عَلى اللهِ يَسِيرٌ ? [الحج:70] ، وقال أيضا : ? مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْل أَن نَبْرَأَهَا ? [الحديد:23] .
ثالثها : علمه بالشيء حال كونه وتنفيذه ووقت خلقه وتصنيعه كما قال : ? اللهُ يَعْلمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَار ٍعَالمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الكَبِيرُ المُتَعَال ? [الرعد:8] ، وقال تعالى : ? يَعْلمُ مَا يَلجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الغَفُورُ ? [سبأ:2] .(32/95)
رابعها : علمه بالشيء بعد كونه وتخليقه وإحاطته بالفعل بعد كسبه وتحقيقه ، فالله عز وجل بعد أن ذكر مراتب العلم السابقة في قوله تعالى : ? وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ? [الأنعام:59] ، ذكر بعدها المرتبة الأخيرة فقال : ? وَهُوَ الذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِالليْل وَيَعْلمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ ليُقْضَي أَجَلٌ مُسَمّىً ثُمَّ إِليْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ? [الأنعام:60] ، وقال أيضا : ? قَدْ عَلمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ ? [قّ:4] ، وقال : ? أَلمْ يَعْلمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَن اللهَ عَلامُ الغُيُوبِ ? [التوبة:78] ، فالله عز وجل عالم بما كان ، وما هو كائن ، وما سيكون ، وما لو كان كيف يكون على ما اقتضته حكمته البالغة (222) .
46- ( ( التواب :
التواب في اللغة من صيغ المبالغة ، فعله تاب يتوب توبا وتوبة ، والتوبة الرجوع عن الشيء إلى غيره ، وترك الذنب على أجمل الوجوه ، وهو أبلغ وجوه الاعتذار ، فإن الاعتذار على ثلاثة أوجه : إما أن يقول المعتذر لم أفعل ، أو يقول فعلت لأجل كذا أو يقول : فعلت وأسأت وقد أقلعت ولا رابع لذلك وهذا الأخير هو التوبة (223) ، والتائب يقال لباذل التوبة ولقابل التوبة فالعبد تائب إلى الله والله تائب على عبده (224) ، والتوبة لازمة لجميع المذنبين والعاصين صغر الذنب أو كبر ، وليس لأحد عذر في ترك التوبة بعد ارتكاب المعصية لأن المعاصي كلها توعد اللَّه عليها أهلها (225) .(32/96)
والتواب سبحانه هو الذي يقبل التوبة عن عباده حالا بعد حال ، فما من عبد عصاه وبلغ عصيانه مداه ثم رغب في التوبة إليه إلا فتح له أبواب رحمته ، وفرح بعودته وتوبة ، ما لم تغرغر النفس أو تطلع الشمس من مغربها ، فمنْ حديث أَبِي مُوسَى ( مرفوعا : ( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حتى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ) (226) ، وعَنِ ابْنِ عُمَرَ ( أن رَسُولَ اللَّهِ S قال : ( إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ ) (227) ، ولو أن إنسانا اتبع هواه أو استجاب لشيطانه وتمادى في جرمه وعصيانه فقتل مائة نفس وارتكب كل إثم وأراد التوبة والغفران تاب عليه التواب ، وبدل له عدد ما فات من السيئات بنفس أعدادها حسنات ، قال تعالى : ? فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ الله سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ الله غَفُورًا رَحِيمًا ? [الفرقان:71] ، وروى الترمذي وحسنه الألباني من حديث أَنَس بْن مَالِكٍ ( قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ S يَقُولُ : ( قَالَ الله : يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِي ، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِي ، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً ) (228) .(32/97)
هذا فضلا عن فرح التواب بتوبة عبده وعودته إلى ربه ، فمن حديث أَبِي هُرَيْرَةَ ( مرفوعا : ( لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ مِنْ أَحَدِكُمْ بِضَالَّتِهِ إِذَا وَجَدَهَا ) (229) ، إن المذنب مخطئ في جنب الله وعظم الذنب يقاس بعظم من أخطأت في حقه ، فلو قبل الله توبة المذنب فإن مجرد القبول فقط كرم بالغ ومنة من الله على عبده ، فما بالنا وهو يقبل توبة المذنب بعفو جديد وفرح شديد ويجعل في مقابل الذنوب بالتوبة أجرا كبيرا .
ويذكر ابن القيم أن توبة العبد إلى ربه محفوفة بتوبة من الله عليه قبلها وتوبة منه بعدها ، فتوبته بين توبتين من الله سابقة ولاحقة ، فإنه تاب عليه أولا إذنا وتوفيقا وإلهاما ، فتاب العبد فتاب الله عليه ثانيا قبولا وإثابة ، قال تعالى : ? وَعَلَى الثلاثَةِ الذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِن اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ? [التوبة:118] ، فأخبر سبحانه أن توبته عليهم سبقت توبتهم ، وأنها هي التي جعلتهم تائبين ، فكانت سببا ومقتضيا لتوبتهم ، فدل على أنهم ما تابوا حتى تاب الله عليهم ، والحكم ينتف لانتفاء علته ، فالعبد تواب والله تواب ، فتوبة العبد رجوعه إلى سيده بعد الإباق ، وتوبة الله نوعان : إذن وتوفيق ، وقبول وإمداد (230) ، قال ابن القيم :
وكذلك التواب من أوصافه : والتوب في أوصافه نوعان
إذن بتوبة عبده وقبولها : بعد المتاب بمنة المنان (231) .(32/98)
قال أبو حامد : ( التواب هو الذي يرجع إليه تيسير أسباب التوبة لعباده مرة بعد أخرى بما يظهر لهم من آياته ويسوق إليهم من تنبيهاته ويطلعهم عليه من تخويفاته وتحذيراته ، حتى إذا اطلعوا بتعريفه على غوائل الذنوب استشعروا الخوف بتخويفه فرجعوا إلى التوبة فرجع إليهم ) (232) .
47- ( ( الحكيم :
الحكيم في اللغة صيغة مبالغة على وزن فعِيل بمعنى فاعِلٍ ، فعله حكم يحكم حكما وحكومة ، والحكيم يأتي على عدة معان منها الإحاطة والمنع ، فحكم الشيء يعني منعه وسيطر عليه وأحاط به ، ومنها حكمة اللجام وهي الحديدة المانعة للدابة عن الخروج ويشهد لذلك قول حسان بن ثابت ( :
فنحكم بالقوافي من هجانا : ونضربُ حين تختلط الدماء (233) .
أي نمنع بالقوافي من هجانا وقول الآخر :
أبني حنيفة حكموا سفهاءكم : إني أخاف عليكمو أن أغضبا(234) .
أي امنعوا سفهاءكم ، ويأتي الحكيم على معنى المدقق في الأمور المتقن لها ، فالحكيم هو الذي يُحْكِمُ الأَشياء ويُحْسِنُ دقائق الصِّناعات ويُتقنها ، ويقال للرجل إِذا كان حكيماً قد أَحْكَمَتْه التجاربُ (235) .
والحكيم أيضا هو الذي يُحْكِم الأمر ويقضي فيه ويفصل دقائقه ويبين أسبابه ونتائجه ، فالحَكِيمُ يجوز أَن يكون بمعنى حاكِمِ مثل قَدِير بمعنى قادر وعَلِيمٍ بمعنى عالِمٍ واسْتَحْكَمَ الرجلُ إِذا تناهى عما يضره في دينه أَو دُنْياه (236) .(32/99)
والحكيم سبحانه هو المتصف بحكمة حقيقية عائدة إليه وقائمة به كسائر صفاته والتي من أجلها خلق فسوى ، وقدر فهدى ، وأسعد وأشقى ، وأضل وهدى ، ومنع وأعطى ، فهو المحكم لخلق الأشياء على مقتضى حكمته ، وهو الحكيم في كل ما فعله وخلقه ، حكمة تامة اقتضت صدور هذا الخلق ، ونتج عنها ارتباط المعلول بعلته والسبب بنتيجته ، وتيسير كل مخلوق لغايته ، وإذا كان الله عز وجل يفعل ما يشاء ولا يرد له قضاء ، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، إلا أنه الحكيم الذي يضع الأشياء في مواضعها ويعلم خواصها ومنافعها ويرتب أسبابها ونتائجها (237) .
قال ابن القيم : ( الحكيم من أسمائه الحسنى والحكمة من صفاته العلى ، والشريعة الصادرة عن أمره مبناها على الحكمة ، والرسول المبعوث بها مبعوث بالكتاب والحكمة ، والحكمة هي سنة الرسول وهي تتضمن العلم بالحق والعمل به والخبر عنه والأمر به فكل هذا يسمى حكمة ، وفي الأثر الحكمة ضالة المؤمن ، وفي الحديث إن من الشعر حكمة ، فكما لا يخرج مقدور عن علمه وقدرته ومشيئته فهكذا لا يخرج عن حكمته وحمده ، وهو محمود على جميع ما في الكون من خير وشر حمدا استحقه لذاته وصدر عنه خلقه وأمره ، فمصدر ذلك كله عن الحكمة ) (238) .
48- ( ( الغني :
الغني في اللغة صفة مشبهة لمن اتصف بالغنى فعله غنِي غِنىً واسْتَغْنَى واغتَنَى فهو غنِيّ ، والغنى في حقنا قلة الاحتياج وهو مقيد نسبي ، ويتحقق غالبا بالأسباب التي استُؤمِن عليها الإنسان واستخلفه الله فيها كالأموال والأقوات التي يدفع بها عن نفسه الحاجات ومختلف الضروريات (239) ، قال تعالى : ? إِنَّمَا السَّبِيل عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ ? [التوبة:93] .(32/100)
والغِنى إن تعلق بالمشيئة فهو وصف فعل كقوله تعالى : ? وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَة فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِن اللهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ? [التوبة:28] ، وقوله : ? وَأَنَّهُ هُوَ أَغنَى وَأَقْنَى ? [النجم:48] ، وإن لم يتعلق بالمشيئة فهو وصف ذات كقوله تعالى : ? وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ? [آل عمران:97] ، وكقوله : ? يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ? [فاطر:15] .(32/101)
والغني سبحانه هو المستغني عن الخلق بذاته وصفاته وسلطانه ، والخلق جميعا فقراء إلى إنعامه وإحسانه ، فلا يفتقر إِلى أَحدٍ في شيءٍ ، وكلُّ مخلوق مفتقر إِليه ، وهذا هو الغنى المُطْلَق ، ولا يُشارِك اللهَ تعالى فيه غيرُه ، والغني أيضا هو الذي يُغني من يشاءُ من عِباده على قدر حكمته وابتلائه ، وأي غني سوى الله فغناه نسبي مقيد ، أما غنى الحق سبحانه فهو كامل مطلق ، ومهما بلغ المخلوق في غناه فهو فقير إلى الله لأن الله هو المنفرد بالخلق والتقدير والملك والتدبير فهو المالك لكل شيء المتصرف بمشيئته في خلقه أجمعين ، يعطي من يشاء ما يشاء من فضله ، وقسم لكل مخلوق ما يخصه في حياته ورزقه ، عطاؤه لا يمتنع ، ومدده لا ينقطع ، وخزائنه ملأى لا تنفد ، روى البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ ( أن رسول الله S قال : ( يَدُ اللهِ مَلأَى لاَ يَغِيضُهَا نَفَقَة سَحَّاء اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ، أرَأيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذ خَلقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا في يَدهِ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ ، وَبِيَدِهِ الأخْرَى المِيزَان يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ ) (240) ، وعند مسلم من حديث أَبِي ذرٍّ الغفاري ( أن النبِي S قال فيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى : ( يَا عِبَادِي لوْ أَن أَوَّلكمْ وَآخِرَكمْ وَإِنْسَكمْ وَجِنَّكمْ قامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِد فسَألونِي فأعْطيْتُ كل إِنْسَانٍ مَسْألتَهُ مَا نَقصَ ذلِكَ مِمَّا عِنْدي إلا كمَا يَنْقصُ المِخْيَط إِذا أخِل البَحْرَ ، يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِي أَعْمَالكمْ أُحْصِيهَا لكمْ ، تم أوفيكمْ إِيَّاهَا ، فمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَليَحْمَدِ اللهَ ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فلا يَلومَنَّ إِلا نَفسَهُ ) (241) .(32/102)
فالغني على سبيل الإطلاق والقيام بالنفس هو الله وليس ذلك لأحد سواه ، فهو الغني بذاته عن العالمين ، المستغني عن الخلائق أجمعين ، واتصاف غير الله بالغنى لا يمنع كون الحق متوحدا في غناه ، لأن الغنى في حق غيره مقيد وفي حق الله مطلق ، وهذا واضح معلوم وذلك مضطرد في جميع أوصافه باللزوم (242) .
49- ( ( الكريم :
الكريم صفة مشبهة للموصوف بالكرم ، والكرَم نقيض اللؤم يكون في الرجل بنفسه وإِن لم يكن له آباء ، ويستعمل في الخيل والإِبل والشجر وغيرها ، كرُمَ الرجل كرَما وكَرَامة فهو كَرِيم وكرِيمة وجمع الكَرِيم كرَماء ، والكريم هو الشيء الحسن النفيس الواسع السخي ، والفرق بين الكريم والسخي أن الكريم هو كثير الإحسان بدون طلب والسخي هو المعطى عند السؤال ، والكرم السعة والعظمة والشرف والعزة والسخاء عند العطاء (243) ، وعند الترمذي وصححه الألباني من حديث أبي هريرة ( أن رَسُولُ الله S قال : ( الْمُؤْمِنُ غِرّ كَرِيمٌ وَالْفَاجِرُ خِبٌّ لَئِيمٌ ) (244) .(32/103)
والله سبحانه هو الكريم الواسع في ذاته وصفاته وأفعاله ، من سعته وسع كرسيه السماوات والأرض ، كما قال : ? وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ? [البقرة:255] ، ووصف عرشه بالكرم فقال : ? فَتَعَالَى الله الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ? [المؤمنون:116] ، وهو الكريم له المجد والعزة والرفعة والعظمة والعلو والكمال فلا سميَّ له كما قال : ? رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً ? [مريم:65] ، وهو الذي كرم الإنسان لما حمل الأمانة وشرفه واستخلفه في أرضه وأستأمنه في ملكه وفضله على كثير من خلقه كما قال : ? وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ? [الإسراء:70] ، وهو الذي بشر عباده المؤمنين بالأجر الكريم الواسع ، والمغفرة الواسعة ، والرزق الواسع قال تعالى : ? أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ? [الأنفال:4] ، وهو الجواد المعطي الذي لا ينفد عطاؤه ولا ينقطع سحاؤه ، الذي يعطي ما يشاء لمن يشاء وكيف يشاء بسؤال وغير سؤال ، وهو الذي لا يمن إذا أعطى فيكدر العطية بالمن ، وهو سبحانه يعفو عن الذنوب ويستر العيوب ويجازي المؤمنين بفضله ويجازي المعرضين بعدله (245) .
50- ( ( الأحد :(32/104)
الأحد في اللغة اسم فاعل أو صفة مشبهة للموصوف بالأحدية ، فعله أحَّد يأحد تأحيدا وتوحيدا ، أي حقق الوحدانية لمن وحده ، وهو اسم بني لنفى ما يذكر معه من العدد ، تقول ما جاء بي أحد ، والهمزة فيه بدل من الواو ، وأصله وحد لأنه من الوحدة ، والفرق اللغوي بين الواحد والأحد أن الأحد شيء بني لنفي ما يذكر معه من العدد ، والواحد اسم لمفتتح العدد ، وأحد يصلح في الكلام في موضع الجحود والنفي ، وواحد يصلح في موضع الإثبات ، يقال ما أتاني منهم أحد فمعناه لا واحد أتاني ولا اثنان ، وإذا قلت جاءني منهم واحد فمعناه أنه لم يأتني منهم اثنان ، فهذا حد الأحد ما لم يضف ، فإذا أضيف قرب من معنى الواحد ، وذلك أنك تقول : قال أحد الثلاثة كذا وكذا ، وأنت تريد واحدا من الثلاثة (246) .
والأحد سبحانه وتعالى هو المنفرد بذاته ووصفه المباين لغيره ، كما قال تعالى في معنى الأحدية : ? وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَد ? [الإخلاص:4] ، فالأحدية هي الانفراد ونفي المثلية ، وتعني انفراده سبحانه بذاته وصفاته وأفعاله عن الأقيسة والقواعد والقوانين التي تحكم ذوات المخلوقين وصفاتهم وأفعالهم ، كما قال تعالى : ? لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ? [الشورى:11] ، فبين سبحانه انفراده عن كل شيء من أوصاف المخلوقين بجميع ما ثبت له من أوصاف الكمال ، فالأحد هو المنفرد الذي لا مثيل له فنحكم على كيفية أوصافه من خلاله ، ولا يستوي مع سائر الخلق فيسري عليه قانون أو قياس أو قواعد تحكمه كما تحكمهم ، لأنه المتصف بالتوحيد المنفرد عن أحكام العبيد وقال تعالى : ? هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً ? [مريم:65] ، أي شبيها مناظرا يدانيه أو يساويه أو يرقى إلى سمو ذاته وصفاته وأفعاله (247) .(32/105)
وليس الأحد هو المجرد عن الصفات أو الذي لا ينقسم كما فسره بعض المتكلمين لأن ذلك تأويل لا يحتمله اللفظ في أصل وضعه أو كما جرت به عادة الخطاب بين العرب فهو أقرب إلى التحريف من كونه تأويلا (248) ، لأنه لا مدح في نفي الصفات عن الله تفصيلا ، ولا مدح في النفي إن لم يتضمن كمالا ، ولذلك فإن طريقة الكتاب والسنة في إثبات الصفات هي النفي المجمل والإثبات المفصل بعكس طريقة المتأخرين من المتكلمين ، فالله عز وجل نفى عن نفسه كل صفات النقص إجمالا فقال : ? ليْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء ? [الشورى:11] ، وقال : ? وَلمْ يَكُنْ لهُ كُفُوًا أَحَدٌ ? [الإخلاص:4] ، وأثبت لنفسه صفات الكمال تفصيلا ، فقال : ? هُوَ اللهُ الذِي لا إِلهَ إِلا هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ? [الحشر:22/24] ، وغير ذلك من الآيات التي عدد الله فيها أسماءه وأوصافه مثبتا لها ولكمالها ومفصلا في ذلك ، أما المتكلمون فإنهم يجملون في الإثبات ويفصلون في النفي ، حيث أثبت بعضهم أسماء الله مفرغة من الأوصاف ، وبعضهم أثبت سبع صفات فقط ونازع في بقيتها ، وأما التفصيل في النفي الذي يبررون به معنى الأحدية فكقولهم ليس بجسم ولا شبح ولا صورة ، ولا لحم ولا دم ولا عظم ، ولا بذي لون ولا طعم ولا رائحة ، ولا بذي حرارة ولا رطوبة ولا يبوسة ، ولا طول ولا عرض ولا عمق ولا شخص ولا جوهر ولا عرض ، ولا يتحرك ولا يسكن ولا ينقص ولا يزداد .. إلى غير ذلك من أنواع النفي الذي يملأ صفحات متعددة .
وهذه طريقة سقيمة في إثبات التفرد والأحدية تنافى الفطرة وتبعث على الاشمئزاز فهي تماثل قول القائل في مدح ما تميز به الأمير : لست بزبال ولا كناس ولا حمار ولا نسناس ، ولست حقيرا ولا فقيرا ولا غبيا ولا ضريرا ، وكان يغنى عن ذلك أن يجمل في النفي ويقول : ليس لك نظير فيما رأت عيناي .(32/106)
ومما ينبغي أن يعلم أن النفي الذي يثبت معنى الأحدية ليس فيه مدح ولا كمال إلا إذا تضمن وصفا وإثباتا ، فنفى السنة والنوم عن الله يتضمن الأحدية في كمال الحياة والقيومية ، ونفى الظلم يتضمن كمال العدل ، وهكذا في سائر ما نفى الله عن نفسه من أوصاف النقص ، وكل نفى لا يستلزم ثبوتا لم يصف الله به نفسه ، أما الذي يقول عن الله : ليس بجسم فهل يعنى أنه عرض ؟ ، فيقول : وليس عرضا ، فماذا يكون إذا ؟ هل يكون شبحا ؟ يقول : ولا شبحا ، فإن سئل هل هو داخل العالم ؟ فيقول : ولا داخل العالم ، فخارجه إذاً ؟ يقول : ولا خارجه ، ولا ولا ولا .. إلى غير ذلك من سفسطة القول ومهاترات النفي ، ينفي الصفات من غير إثبات ، ويظن أن ذلك معنى اسم الله الأحد ، وهذا ليس فيه صفة مدح ولا أحدية ، بل هو ذم بما يشبه المدح تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا (249) .
51- ( ( الصمد :
الصمد في اللغة صفة مشبهة للموصوف بالصمدية ، فعله صَمَدَ يَصْمِدُ صَمْدا وهو يأتي على عدة معان : منها السَّيِّدُ المُطاع الذي لا يُقضى دونه أَمر ، ومنها الذي يطعم ولا يَطعَم ، ومنها الصَمد السيِّد الذي ينتهي إِليه السُّؤدَد في كل شيء فله الصمدية المطلقة ، وقيل : الصمد الدائم الباقي بعد فناء خَلقه ، وقيل : هو الذي يُصمَد إِليه الأَمر فلا يُقضَى دونه وليس فوقه أَحد ، وقيل : الصمد الذي صَمَدَ إِليه كل شيء أي الذي خَلق الأَشياء كلها لا يَسْتَغني عنه شيء ، وكلها تدل على وحدانية الله (250) .
وقال البخاري : ( باب قولِهِ الله الصَّمَدُ ، والعَرَبُ تُسمِّي أشرافَها الصَّمَدَ ، قال أبو وائِل : هو السيّدُ الذي انتهى سُؤدَدُه ) (251) ، وقال ابن تيمية : ( والاسم الصمد فيه للسلف أقوال متعددة قد يظن أنها مختلفة وليست كذلك بل كلها صواب ، والمشهور منها قولان : أحدهما أن الصمد هو الذي لا جوف له ، والثاني أنه السيد الذي يصمد إليه في الحوائج ) (252) .(32/107)
وقال ابن الجوزي : ( وفي الصمد أربعة أقوال : أحدها أنه السيد الذي يصمد إليه في الحوائج .. والثاني : أنه لا جوف له .. والثالث : أنه الدائم ، والرابع : الباقي بعد فناء الخلق ..وأصح الوجوه الأول لأن الاشتقاق يشهد له ، فإن أصل الصمد القصد يقال : اصمد فلان أي اقصد فلان ، فالصمد السيد الذي يصمد إليه في الأمور ويقصد في الحوائج ) (253) .
وخلاصة المعاني في الصمدية أن الصمد هو السيد الذي له الكمال المطلق في كل شيء ، وهو المستغني عن كل شيء ، وكل من سواه مفتقر إليه يصمد إليه ويعتمد عليه ، وهو الكامل في جميع صفاته وأفعاله ، لا نقص فيه بوجه من الوجوه ، وليس فوقه أحد في كماله ، وهو الذي يصمد إليه الناس في حوائجهم وسائر أمورهم فالأمور أصمدت إليه وقيامها وبقاؤها عليه لا يقضي فيها غيره ، وهو المقصود إليه في الرغائب والمستغاث به عند المصائب الذي يطعم ولا يَطعَم ولم يلد ولم يولد (254) .
52- ( ( القريب :
القريب في اللغة فعيل بمعنى اسم الفاعل يدل على صفة القرب ، والقُرْبُ في اللغة نقيضُ البُعْد ، قرُبَ الشيء يَقرُبُ قرْبا وقرْبانا أَي دَنا فهو قريبٌ ، والقرب في اللغة على أنواع ، منه قرب المكان كقوله تعالى : ? إِنَّمَا الْمُشْرِكونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ? [التوبة:28] ، وقرب الزمان نحو قوله : ? وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ ? [الأنبياء:109] وقد يكون القرب في النسب نحو قوله : ? لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ ? [النساء:7] ، وكذلك من معاني القرب قرب الحظوة والمنزلة نحو قوله : ? فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ الْمُقَرَّبِين فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ ? [الواقعة:88/89] (255) .(32/108)
والقريب سبحانه هو الذي يقرب من خلقه كما شاء وكيف شاء ، وهو القريب من فوق عرشه أقرب إلى عباده من حبل الوريد كما قال : ? وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ? [ق:16] ، وقال سبحانه أيضا : ? وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ ? [الواقعة:85] ، والقرب في الآيتين إما أن يكون على حقيقته باعتبار ما ورد عن ابن عباس ( حيث قال : ( ما السموات السبع والأرضون السبع في يد الله إلا كخردلة في يد أحدكم ) (256) ، وروى ابن حبان وصححه الألباني من حديث أبي ذر ( أن النبي S قال : ( ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة بأرض فلاة ، وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة ) (257) ، فهذا قرب مطلق بالنسبة لله عز وجل لأنه قريب غير ملاصق ، والمخلوقات كلها بالنسبة إليه تتقارب من صغرها إلى عظمة ذاته وصفاته ، وهو بعيد غير منقطع بالنسبة لمقاييسنا ، فلا يقدر أحد على إحاطة بعد ما بين العرش والأرض من سعته وامتداده ، قال ابن منده في وصف قرب الله : ( لقربه كأنك تراه قريب غير ملاصق وبعيد غير منقطع ، وهو يسمع ويرى وهو بالمنظر الأعلى وعلى العرش استوى ) (258) .(32/109)
وقد يكون القرب قرب الملائكة لأنه ذكر في سياق الآية قرينة تدل على قرب الملائكة حيث قال : ? وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ ? [ق:16/17] ، فيجوز هنا أن يكون القرب قرب الملكين ، وأما القرب الوارد في آية الواقعة فهو مقيد بحال الاحتضار لأن الذي يحضر وقتها الملائكة ، كما قال سبحانه : ? حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا ? [الأنعام:61] ، كما أن قوله وأنتم لا تبصرون فيه دليل على أنهم الملائكة ، إذ يدل على أن هذا القريب في نفس المكان ولكن لا نبصره (259) ، فالله عز وجل قريب من فوق عرشه ، عليم بالسرائر يعلم ما تكنه الضمائر ، وهو قريب بالعلم والقدرة في عامة الخلائق أجمعين ، وقريب باللطف والنصرة وهذا خاص بالمؤمنين ، من تقرب منه شبرا تقرب منه زراعا ، ومن تقرب منه زراعا تقرب منه باعا ، وهو أقرب إلى العبد من عنق راحلته (260) ، وهو أيضا قريب من عبده بقرب بملائكته الذين يطلعون على سره ويصلون إلى مكنون قلبه (261) .
53- ( ( المجيب :
المجيب في اللغة اسم فاعل ، فعله أجاب يجيب جوابا وإجابة واستجابة ، والإجابة صدى الكلام أو ترديده ، أو المحاورة في الكلام ورد السؤال (262) ، وعند البخاري من حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها أنها قالت : ( وَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَ مَا اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ وَلَيْسَ بِهَا مِنْهُمْ دَاعٍ وَلاَ مُجِيبٌ ) (263) ، والإجابة كذلك إجابة المحتاج بالعطية والنوال ، وإعطاء الفقير عند السؤال ، فللمجيب معنيان إجابة السائل بالعلم ، وإجابة النائل بالمال (264) .(32/110)
والمُجِيب سبحانه هو الذي يُقابِل السؤالَ والدُّعاء بالقَبُول والعَطاء ، وهو المجيب الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويغيث الملهوف إذا ناداه ، ويكشف السوء عن عباده ويرفع البلاء عن أحبائه ، وكل الخلائق مفتقرة إليه ، ولا قوام لحياتها إلا عليه ، لا ملجأ لها منه إلا إليه ، قال تعالى : ? يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ? [الرحمن: 29] ، فجميع الخلائق تصمد إليه وتعتمد عليه (265) ، وشرط إجابة الدعاء صدق الإيمان والولاء ، فالله حكيم في إجابته ، قد يعجل أو يؤجل على حسب السائل والسؤال ، أو يلطف بعبده باختياره الأفضل لواقع الحال ، أو يدخر له ما ينفعه عند المصير والمآل ، لكن الله تعالى يجيب عبده حتما ولا يخيب ظنه أبدا كما وعد وقال وهو أصدق القائلين :
? وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَليَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ? [البقرة:186] ، وقال : ? وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ? [غافر:60] ، ومن حديث أَبِي هُرَيْرَةَ ( أن رَسُول اللهِ S قال : ( مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو اللَّهَ بِدُعَاءٍ إِلاَّ اسْتُجِيبَ لَهُ ، فَإِمَّا أَنْ يُعَجَّلَ لَهُ في الدُّنْيَا وَإِمَّا أَنْ يُدَّخَرَ لَهُ في الآخِرَةِ ، وَإِمَّا أَنْ يُكَفَّرَ عَنْهُ مِنْ ذُنُوبِهِ بِقَدْرِ مَا دَعَا مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ أَوْ يَسْتَعْجِلُ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ وَكَيْفَ يَسْتَعْجِلُ ؟ قَالَ : يَقُولُ دَعَوْتُ رَبِّي فَمَا اسْتَجَابَ لي ) (266) .
54- ( ( الغفور :(32/111)
الغفور في اللغة من صيغ المبالغة على وزن فعول التي تدل على الكثرة في الفعل فعله غفر يغفر غفرا ومغفرة ، وأَصل الغَفرِ التغطية والستر ، وكل شيء سترته فقد غفرته والمغفر غطاء الرأس ، والمغفرة التغطية على الذنوب والعفو عنها ، غفرَ الله ذنوبه أَي سترها (267) ، وعند البخاري من حديث ابن عمر ( أن رَسُول اللهِ S قال : ( إِن اللهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ ، فَيَقُولُ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا ؟ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا ؟ فَيَقُولُ : نَعَمْ أَيْ رَبِّ ، حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ ، قَالَ : سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ ، وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاَءِ الذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) (268) .
والغفور سبحانه هو الذي يستر العيوب ويغفر الذنوب ، ومهما بلغ الذنب أو تكرر من العبد وأراد الرجوع إلى الرب فإن باب المغفرة مفتوح في كل وقت ، واسم الله الغفور يدل على دعوة العباد للاستغفار بنوعيه ، العام والخاص ، فالاستغفار من العبد على نوعين :(32/112)
الأول : الاستغفار العام وهو الاستغفار من صغائر الذنوب ، وما يدور من خواطر السوء في القلوب ، فالقلب فيه منطقتان : منطقة حديث النفس ومنطقة الكسب ، فمن المنطقة الأولى تخرج الخواطر التي تتطلب الاستغفار العام ، وهي خواطر النفس الأمارة كما ورد في قوله سبحانه وتعالى : ? وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ? [يوسف:53] ، وعند البخاري عن أَبي هُرَيْرَةَ ( أن رسول الله S قال : ( وَاللهِ إِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً ) (269) ، وعند مسلم من حديث الأَغرِّ الْمُزَنِيِّ ( أَنَّ رَسُولَ اللهِ S قَالَ : ( إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي وَإِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ ) (270) .
الثاني : الاستغفار الخاص وهو متعلق بمنطقة الكسب بعد تعمد الفعل واقتراف الإثم في اللسان والجوارح كقوله تعالى : ? وَالذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ التِي حَرَّمَ اللهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً ? [الفرقان:70] .(32/113)
والله عز وجل خلق البشر بإرادة حرة مخيرة بين الحق والباطل والخطأ والصواب وأعلمهم أنه الغفور التواب ، ليظهر لهم الكمال في أسمائه ويحقق فيهم مقتضى أوصافه لتعود المنفعة عليهم لأنه الغني عنهم أجمعين ، روى الترمذي وحسنه الألباني من حديث أنس بن مالك ( أن النبي S قال : ( كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ ) (271) ، وعند مسلم من حديث أَبِي أَيُّوبَ ( أن رسول الله S قال : ( لَوْ أَنَّكُمْ لَمْ تَكُنْ لَكُمْ ذُنُوبٌ يَغْفِرُهَا اللهُ لَكُمْ لَجَاءَ اللهُ بِقَوْمٍ لَهُمْ ذُنُوبٌ يَغْفِرُهَا لَهُمْ ) (272) .
55- ( ( الودود :(32/114)
الودود في اللغة من صيغ المبالغة ، والودُّ مصدر المودَّة ، فعله وَدَّ الشيء وُدّا ووِدّا ووَدَّا ، والود بمعنى الأمنية ومنه قوله تعالى : ? يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ ? [البقرة:96] ، والودُّ أيضا بمعنى المحبة كما في قوله : ? لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ? [المجادلة:22] ، والودود في اللغة أيضا قد يأتي على معنى المعية والمرافقة والمصاحبة كلازم من لوازم المحبة ، كما ورد عند مسلم من حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابنِ عُمَرَ ( : ( أَنَّ رَجُلا مِنَ الأَعْرَابِ لَقِيَهُ بِطَرِيقِ مَكةَ ، فَسَلمَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللهِ وَحَمَلَهُ عَلَى حِمَارٍ كَانَ يَرْكَبُهُ وَأَعْطَاهُ عِمَامَةً كَانَتْ عَلَى رَأْسِهِ ، فَقَالَ ابْنُ دِينَارٍ لَهُ : أَصْلَحَكَ اللهُ إِنَّهُمُ الأَعْرَابُ وَإِنَّهُمْ يَرْضَوْنَ بِالْيَسِيرِ ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ : إِنَّ أَبَا هَذَا كَانَ وُدًّا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ S يَقُولُ : إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ صِلَةُ الْوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ ) (273) .(32/115)
والودود سبحانه هو الذي يحب رسله وأولياءه ويتودد إليهم بالمغفرة والرحمة فيرضى عنهم ويتقبل أعمالهم ويوددهم إلى خلقه فيحبب عباده فيهم كما قال سبحانه وتعالى : ? إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً ? [مريم:96] ، وعند البخاري من حديث أبي هريرة ( أن النبي S قال : ( إِذَا أَحَبَّ الله الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحْبِبْهُ ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ في أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ في الأَرْضِ ) (274) ، قال عبد الله بن عباس ( : ( الودود الحبيب المجيد الكريم ) (275) .
والله عز وجل ودود يؤيد رسله وعباده الصالحين بمعيته الخاصة ، فلا يخيب رجاءهم ولا يرد دعاءهم وهو عند حسن ظنهم به ، وهو الودود لعامة خلقه بواسع كرمه وسابغ نعمه ، يرزقهم ويؤخر العقاب عنهم لعلهم يرجعون إليه (276) ، قال ابن القيم : ( وأما الودود ففيه قولان : أحدهما أنه بمعنى فاعل وهو الذي يحب أنبياءه ورسله وأولياءه وعباده المؤمنين ، والثاني أنه بمعنى مودود وهو المحبوب الذي يستحق أن يحب الحب كله وأن يكون أحب إلى العبد من سمعه وبصره وجميع محبوباته ) (277) .
56- ( ( الولي :
الولي في اللغة صيغة مبالغة من اسم الفاعل الوالي ، فعله وَلِيَ يَلِي وِلايةً ، والولي هو الذي يلي غيره بحيث يكون قريبا منه بلا فاصل ، ويكون ذلك في المكان أو النسب أو النسبة ، ويطلق الولي أيضا على الوالد والناصر والحاكم والسيد (278) .(32/116)
والولاية تولي الأمر كقوله تعالى : ? فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ? [البقرة:282] ، وعند مسلم من حديث أبي هريرة ( أن رسول اللَّه S قال : ( إِذَا صَنَعَ لأَحَدِكُمْ خَادِمُهُ طَعَامَهُ ، ثُمَّ جَاءَهُ بِهِ وَقَدْ وَلِيَ حَرَّهُ وَدُخَانَهُ ، فَلْيُقْعِدْهُ مَعَهُ فَلْيَأْكُلْ ) (279) .
والولي سبحانه هو المُتَوَلي لأُمُور خلقه ، القَائِم على تدبير ملكه ، الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه كما قال سبحانه ? وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءوفٌ رَحِيمٌ ? [الحج:65] ، وقال : ? أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ? [الرعد:33] ، وولاية الله لعباده على وجهين :
الوجه الأول : الولاية العامة وهي ولاية الله لشئون عباده ، وتكفله بأرزاقهم وتدبيره لأحوالهم ، وتمكينهم من الفعل والاستطاعة ، وذلك بتيسير الأسباب ونتائجها وترتيب المعلولات على عللها ، وتلك هي الولاية العامة التي تقتضي العناية والتدبير ، وتصريف الأمور وتدبير المقادير ، فالله من فوق عرشه قريب من عباده كما قال : ? وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيد ِ? [قّ:16] .(32/117)
الوجه الثاني : ولاية الله للمؤمنين وهي ولاية حفظ وتدبير سواء كان تدبيرا كونيا أو شرعيا فإن الإرادة الكونية والشرعية عند السلف تجتمعان في المؤمن وتفترقان في الكافر حيث تتوافق إرادة المؤمن مع الإرادة الشرعية والكونية معا ، والكافر يخالف الشرعية ويوافق الكونية حتما (280) ، فالولاية الخاصة ولاية حفظ وعصمة ، ومحبة ونصرة سواء كان في تدبير الله الكوني أو الشرعي قال تعالى : ? الله وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ? [البقرة:257] ، وشرط هذه الولاية الإيمان وتحقيق الإخلاص والمتابعة ، قال تعالى : ? أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ? [يونس:63] ، وعند البخاري من حديث أبي هريرة ( مرفوعا : ( إن اللَّه قال : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب .. الحديث ) (281) ، فولاية الله لعباده المؤمنين مقرونة بولايتهم لربهم ، فولايتهم ولاية حفظ لحدوده والتزام بتوحيده ، قال تعالى : ? قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ ? [الأنعام:14] (282) .
57- ( ( الحميد :
الحميد في اللغة صيغة مبالغه على وزن فعيل بمعنى اسم المفعول وهو المحمود ، فعله حمد يحمد حمدا ، والحمد نقيض الذم بمعنى الشكر والثناء ، وهو المكافأة على العمل والحمد والشكر مُتَقاربان لكن الحمد أعَمُّ من الشكر , لأنّك تحمَد الإنسان على صِفاته الذَّاتِّية وعلى عطائه ولا تَشْكُره على صِفاته (283) .(32/118)
قال الراغب : ( الحمد أخص من المدح وأعم من الشكر ، فإن المدح يقال فيما يكون من الإنسان باختياره ، وما يقال منه وفيه بالتسخير ، فقد يمدح الإنسان بطول قامته وصباحة وجهه ، كما يمدح ببذل ماله وسخائه وعلمه ، والحمد يكون في الثاني دون الأول ، والشكر لا يقال إلا في مقابلة نعمة ، فكل شكر حمد ، وليس كل حمد شكرا ، وكل حمد مدح وليس كل مدح حمدا ، ويقال فلان محمود إذا حمد ، ومحمد إذا كثرت خصاله المحمودة ) (284) .
والحميد سبحانه هو المستحق للحمد والثناء ، حمد نفسه فقال : ? الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ? [الفاتحة:2] ، فهو سبحانه المحمود على ما خلق وشرع ، ووهب ونزع ، وضر ونفع ، وأعطى ومنع ، وعلا بذاته وشأنه فارتفع ، وأمسك السماء عن الأرض أن تقع وفرش الأرض فانبسط سهلها واتسع ، حمد نفسه وحمده الموحدون فله الحمد كله قال ابن القيم ا : ( الحمد كله لله رب العالمين .. فإنه المحمود على ما خلقه وأمر به ونهى عنه ، فهو المحمود على طاعات العباد ومعاصيهم وإيمانهم وكفرهم ، وهو المحمود على خلق الأبرار والفجار والملائكة وعلى خلق الرسل وأعدائهم ، وهو المحمود على عدله في أعدائه كما هو المحمود على فضله وإنعامه على أوليائه ، فكل ذرة من ذرات الكون شاهدة بحمده ، ولهذا سبح بحمده السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ) (285) .(32/119)
وروى البخاري من حديث عبد الله بن عباس ( أن النبي S كان إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ قَالَ : ( اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ وَلَكَ الْحَمْدُ ، لَكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ ، وَالنَّارُ حَقٌّ وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ ، وَمُحَمَّدٌ S حَقٌّ ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ .. الحديث ) (286) .
وكذلك فإن الله عز وجل هو الحميد الذي يحمده عباده الموحدون لأنهم يعلمون أن الله خلق الدنيا للابتلاء وخلق الآخرة للجزاء ، فهم يحمدونه على السراء والضراء ويوحدونه في العبادة والاستعانة والدعاء ، حتى يكرمهم بجنته عند اللقاء ، فإن ابتلاهم صبروا ، وإن أنعم عليهم شكروا ، ولذلك قال تعالى في وصفهم : ? وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا الله ? [الأعراف:43] ، وقال أيضا : ? وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ? [فاطر:34] (287) .
قال ابن القيم في نونيته :
وهو الحميد فكل حمد واقع : أو كان مفروضا مدى الأزمان
ملأ الوجود جمعيه ونظيره : من غير ما عد ولا حسبان
هو أهله سبحانه وبحمده : كل المحامد وصف ذي الاحسان (288) .
58- ( ( الحفيظ :(32/120)
الحفيظ في اللغة مبالغة من اسم الفاعل الحافظ فعله حفِظ يحفَظُ حِفْظا ، وحِفظ الشيء صيانته من التلف والضياع ، ويستعمل الحفظ في العلم على معنى الضبط وعدم النسيان ، أو تعاهُد الشيء وقلة الغفلة عنه ، ورجل حافظ وقوم حُفاظ هم الذين رُزِقوا حِفظ ما سَمِعوا وقلما يَنْسَوْن شيئا ، والحافِظ والحفِيظ أيضا هو الموكل بالشيء يَحْفَظه ، ومنه الحفظة من الملائكة كما في قوله تعالى : ? لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ ? [الرعد:11] ، أي تحفظ الأنفس بأمر الله حتى يأتي أجلها وكذلك الحفظة الذين يُحْصُونَ الأعمال ويكتبونها على بني آدم ، كما قال تعالى في وصفهم : ? وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ? [الانفطار:12] ، ويقال حفظ المال والسِّرَّ حفظا رَعاه وصانه ، واحتفظ الشيءَ لنفسه يعني خَصَّها به والتحفظ قلة الغَفلة في الأُمور والكلام (289) .
والحفيظ سبحانه هو العليم المهيمن الرقيب على خلقه ، لا يَعْزُب عنه مِثقالُ ذرّة في ملكه ، وهو الحفيظ الذي يحفظ أعمال المكلفين ، والذي شرف بحفظها الكرام الكاتبين ، يدونون على العباد القول والخطرات ، والحركات والسكنات ، ويضعون الأجر كما حدد لهم بالحسنات والسيئات ، وهو الحفيظ الذي يحفظ عليهم أسماعهم وأبصارهم وجلودهم لتشهد عليهم يوم اللقاء (290) ، وهو الحفيظ لمن يشاءُ من الشَّرِّ والأذى والبلاء ، ومنه الدعاء الذي رواه أبو داود وصححه الألباني من حديث ابن عمر ( أن رسول الله S قال : ( اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَ ، وَمِنْ خَلْفِي ، وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي ، وَمِنْ فَوْقِي ، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي ) (291) .(32/121)
والحفيظ أيضا هو الذي يحفظ أهل التوحيد والإيمان ، ويعصمهم من الهوى وشبهات الشيطان ، ويحول بين المرء وقلبه من الوقوع في العصيان ، ويهيأ الأسباب لتوفيقه إلى الطاعة والإيمان ، ويشهد لمثل هذه المعاني ما ثبت من حديث ابن مسعود ( أن النبي S كان يدعو : ( اللهم احفظني بالإسلام قائما ، واحفظني بالإسلام قاعدا واحفظني بالإسلام راقدا ، ولا تشمت بي عدوا حاسدا ، اللهم إني أسألك من كل خير خزائنه بيدك ، وأعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك ) (292) .
والحفيظ أيضا هو الذي حفِظ السماواتِ والأرضَ بقدرته ، قال تعالى : ? وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ? [البقرة:255] ، فالله حفيظ لمخلوقاته يبقيها على حالها لغاياتها ، وينظم ترابط العلل بمعلولاتها ، وهو سبحانه يحفظ الأشياء بذواتها وصفاتها ، وقد ذكر أبو حامد الغزالي أن الحفظ في ذلك على وجهين :
الوجه الأول : إدامة وجود الموجودات وإبقاؤها ، ويضاده الإعدام ، والله تعالى هو الحافظ للسماوات والأرض والملائكة والموجودات التي يطول أمد بقائها والتي لا يطول أمد بقائها ، مثل الحيوانات والنبات وغيرهما .
الوجه الثاني : أن الحفظ صيانة المتقابلات المتضادات بعضها عن بعض ، كالتقابل بين الماء والنار ، فإنهما يتعاديان بطباعهما ، فإما أن يطفئ الماء النار ، وإما أن تحيل النار الماء إلى بخار ، وقد جمع الله عز وجل بين هذه المتضادات المتنازعة في سائر العناصر والمركبات ، وسائر الأحياء كالإنسان والنبات والحيوان ، ولولا حفظه تعالى لهذه الأسباب وتنظيم معادلاتها ، وارتباط العلل بمعلولاتها ، لتنافرت وتباعدت وبطل امتزاجها واضمحل تركيبها ، وهذه هي الأسباب التي تحفظ الإنسان من الهلاك وتؤمن له بحفظ الله الحياة (293) .
59- ( ( المجيد :(32/122)
المجيد في اللغة من صيغ المبالغة على وزن فعيل ، فعله مجد يمجد تمجيدا ، والمجيد هو الكريم الفِعَال ، وقيل : إذا قارن شرف الذات حسن الفعال سُمِّيَ مَجدا ، وفعيل أبلغ من فاعل ، فكأنه يجمع معنى الجليل والوهّاب والكريم ، والمَجْدُ المُرُوءةُ والكرمُ والسخاءُ والشرف والفخر والحسب والعزة والرفعة ، والمَجْدُ أيضا الأَخذ من الشرف والسُّؤْدَد ما يكفي ، وأَمجَدَه ومَجَّده كلاهما عظمَه وأَثنى عليه ، وتماجَدَ القومُ فيما بينهم ذكَروا مَجْدَهم (294) ، والله عز وجل وصف كتابه بالمجيد فقال : ? ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ? [قّ:1] ، لأن القرآن كلام الله غير مخلوق ، وصفة الكلام من صفاته العليا فالقرآن كريم فيه الإعجاز والبيان ، وفيه روعة الكلمات والمعان ، وفيه كمال السعادة للإنسان ، فهو كتاب مجيد عظيم رفيع الشأن .(32/123)
والمجيد سبحانه هو الذي علا وارتفع بذاته ، وله المجد في أسمائه وصفاته وأفعاله فمجد الذات الإلهية بيِّن في جمال الله وسعته وعلوه واستوائه على عرشه فعند مسلم من حديث عبد الله بْنِ مَسْعُودٍ ( أن رسول الله S قال : ( إِنّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ ) (295) ، وروى أيضا من حديث أَبِي مُوسَى ( أن النَّبي S قَالَ : ( حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ ) (296) ، وكيفية جمال الذات أو كيفية ما هو عليه أمر لا يدركه سواه ولا يعلمه إلا الله ، وليس عند المخلوقين منه إلا ما أخبر به عن نفسه من كمال وصفه وجلال ذاته وكمال فعله (297) ، ومِن مجد ذاته استواؤه على عرشه ؛ فهو العلي بذاته على خلقه ، يعلم السر وأخفى في ملكه وهو القائم عليهم والمحيط بهم قال تعالى : ? الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى ? [طه:5] ، وقد ثبت أن العرش أعلى المخلوقات ، وأنه فوق الماء ، وأن الماء فوق السماء ، والله عز وجل فوق ذلك محيط بالخلائق ويعلم ما هم عليه ، روى البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ ( أنِ النَّبِي S قَالَ : ( فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللهَ فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ ) (298) .(32/124)
وقد ذكر الله في كمال مجده اختصاص الكرسي بالذكر دون العرش في أعظم آية في كتابه فقال سبحانه : ? وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ? [البقرة:255] ، والكرسي كما فسره السلف الصالح ما يكون تحت قدم الملك عند استوائه على عرشه ، وقد بين الله من كمال وصفه وسعة ملكه لمن أعرض عن طاعته وتوحيده في عبادته أن ملك من أشركوا به لو بلغ السماوات السبع والأرضون وما فيهن وما بينهن على عرضهن ومقدارهن وسعة حجمهن لا يمثلن شيئا في الكرسي الذي تحت قدم الملك ، فما بالك بعرشه ومجده ؟ وما بالك باتساع ملكه ؟ وعلى الرغم من ذلك لا يَئُودُهُ حِفظُهُمَا ، فهو الذي يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَن تَزُولا ، لأنه لا يقوى غيره على حفظهن وإدارتهن حتى لو ادعى لنفسه ملكهن ، فالله من حلمه على خلقه أمسكهن بقدرته وأبقاهن لحكمته ، ولذلك قال تعالى : ? إنَّ الله يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ? [فاطر:41] ، وقد ورد عند ابن حبان وصححه الألباني من حديث أبي ذر ( أن النبي S قال : ( ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة بأرض فلاة ، وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة ) (299) ، وصح عن ابن عباس ( موقوفا أنه قال : ( الكرسي موضع القدمين والعرش لا يقدر قدره إلا الله تعالى ) (300) .(32/125)
أما مجد أوصافه فله علو الشأن فيها ، لا سمي له ولا نظير ولا شبيه له ولا مثيل فالمجد وصف جامع لكل أنواع العلو التي يتصف بها المعبود فهو العلي العظيم ، لأن أي معبود سواه إذا علا مجده بعض الخلق وغلب على العرش واستقر له الملك فإنه مسلوب العظمة في علوه المحدود ، إما لمرضه أو نومه ، أو قدوم أجله ، أو غلبة غيره على ملكه أو غير ذلك من أنواع الضرورة والقيود ، فأي عظمة في علو المخلوق وهو يعلم أن قدرته محدودة وأيامه معدودة ؟ أيستحق المخلوق أن يكون معبودا من دون الله ؟ فما بالنا بمجد رب العزة والجلال الذي له العلو والكمال والعظمة والجمال في جميع الأسماء والصفات والأفعال ، له علو الشأن والقهر والفوقية ، وعظمته في علوه عظمة حقيقية فهو المجيد حقا وصدقا ، ومجد الظالمين زورا وإفكا ، وأي عاقل سيقر بمجد أفعاله وبالغ كرمه وإنعامه ، وجوده وإحسانه ، فهو الذي أوجد المخلوقات وحفظها وهداها ورزقها فسبحان المجيد في ذاته وصفاته وأفعاله قال تعالى : ? فَتَعَالَى الله المَلِكُ الحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ ? [المؤمنون:116] ، وقال أيضا : ? سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبِّ العَرْشِ عَمَّا يَصِفُون ? [الزخرف:82] .
60- ( ( الفتاح :(32/126)
الفتاح في اللغة من صيغ المبالغة على وزن فعال من اسم الفاعل الفاتح ، فعله فَتَحَ يَفْتَح فَتْحاً ، والفَتْحُ نقيض الإِغلاق ، قال تعالى : ? إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ ? [الأعراف:40] ، والمعنى أن أَبواب السماء تغلق أمام أرواحهم ، فلا تَصْعَدُ أَرواحُهم ولا أَعمالهم بعكس المؤمنين ، والمفتاح كلُّ ما يُتَوَصَّل به إلى استخراج الْمْغلقاَت التي يَتَعذَّر الوُصُول إليها ، وعند البخاري من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْكَلِمِ ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ ، وَبَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ الْبَارِحَةَ إِذْ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الأَرْضِ حَتَّى وُضِعَتْ في يَدِي ) (301) ، فأخْبر S أنه أوتيَ مَفاتِيحَ الكَلِم وهو ما يَسَّر الله له من البَلاغة والفصاحة والوُصول إلى غوامض المعاني وبدائع الحِكَم ومَحاسِن العِبارات والألفاظ التي أُغلِقت على غيره ، ومَن كان في يَده مفَاتيح شيء سَهُلَ عليه الوصول إليه ، والفتَّاحُ في اللغة أيضا هو الحاكِمُ يقال للقاضي الذي يحكم بين الناس فَتَّاحُ لأَنه يَفْتُحُ مواضع الحق (302) .(32/127)
والفتَّاح سبحانه هو الذي يفتح أبواب الرَّحْمة والرزق لعباده أجمعين أو يفتح أبواب البلاء لامتحان المؤمنين الصادقين ، فمن الأول ما ورد في قوله تعالى : ? وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ? [الأعراف :96] ، وقوله : ? مَا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ? [فاطر :2] ، قيل معناه ما يأْتيهم به الله من مطر أَو رزق فلا يقدر أَحد أَن يمنعه ، وما يمسك من ذلك فلا يقدر أَحد أَن يرسله ، ومن الفتح بمعنى فتح البلاء والامتحان ما ورد في قوله تعالى : ? فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ? [الأنعام:44] (303) .
والفتاح هو الذي يحكم بين العباد فيما هم فيه يختلفون ، ومنه قوله تعالى : ? رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ? [الأعراف :89] ، وهو سبحانه الذي يفتح خزائن جوده وكرمه لعباده الطائعين ، ويفتح أبواب البلاء والهلاك على الكافرين المعاندين ، وهو الذي يَفتَحُ على خَلقِهِ ما انغلَقَ عليهم من أمورِهِم فيُيَسّرُها لهم فَضلا منه وكَرَمًا لأن خزائن السماوات والأرض بيده ، يفتح منها ما يشاء بحكمته ، وعلى ما قضاه في خلقه بمشيئته (304) ، قال ابن القيم :
وكذلك الفتاح من أسمائه : والفتح في أوصافه أمران
فتح بحكم وهو شرع إلهنا : والفتح بالأقدار فتح ثان
والرب فتاح بذين كليهما : عدلا وإحسانا من الرحمن (305) .
61- ( ( الشهيد :(32/128)
الشهيد في اللغة صيغ مبالغة من اسم الفاعل الشاهد ، فعله شهد يشهد شهودا وشهادة ، والشهود هو الحضور مع الرؤية والمشاهدة ، وعند أبي داود وحسنه الألباني من حديث أُبَىِّ ( أنه قَالَ : ( صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ S يَوْمًا الصُّبْحَ ، فَقَالَ : أَشَاهِدٌ فُلاَنٌ قَالُوا : لاَ ، قَالَ أَشَاهِدٌ فُلاَنٌ ، قَالُوا لاَ ، قَالَ : إِنَّ هَاتَيْنِ الصَّلاَتَيْنِ أَثْقَلُ الصَّلَوَاتِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ وَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأَتَيْتُمُوهُمَا وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الرُّكَبِ ) (306) .
والشهادة هي الإِخْبار بما شاهَدَه ، شَهِدَ فلان على فلان بحق فهو شاهد وشهيد فالشاهد يلزمه أن يُبَيِّنُ ما عَلِمَهُ على الحقيقة ، وعند البخاري من حديث أَبِي بَكْرَةَ ( أن رسول اللَّهِ S قال : ( أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ، قُلْنَا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقَالَ : أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ ، فَمَا زَالَ يَقُولُهَا حَتَّى قُلْتُ لاَ يَسْكُتُ ) (307) .
والشهادة تأتي بمعنى الحكم كما ورد عند البخاري من حديث زيد بن ثابت ( أن أم العلاء رضي الله عنها قالت عند وفاة عثمان بن مظعون ( : ( رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ S : وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللهَ قَدْ أَكرَمَهُ ؟ فَقُلْتُ : بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ الله فَمَنْ يُكرِمُهُ اللهُ .. الحديث ) (308) .(32/129)
والشهيد سبحانه هو الرقيب على خلقه أينما كانوا وحيثما كانوا ، حاضر شهيد أقرب إليهم من حبل الوريد ، يسمع ويرى وهو بالمنظر الأعلى وعلى العرش استوى فالقلوب تعرفه والعقول لا تكيفه ، وهو سبحانه فوق عرشه على الحقيقة ، وبالكيفية التي تناسبه ، وشهادته على خلقه شهادة إحاطة شاملة كاملة ، تشمل العلم والرؤية والتدبير والقدرة (309) ، والشهيد أيضا هو الذي شهد لنفسه بالوحدانية والقيام بالقسط كما قال تعالى : ? شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ? [آل عمران:19] ، وشهادة الله لنفسه بالوحدانية تضمنت عند السلف عدة مراتب ، قال ابن أبي العز : ( وعبارات السلف في شهد تدور على الحكم والقضاء والإعلام والبيان والإخبار ، وهذه الأقوال كلها حق لا تنافي بينها ، فإن الشهادة تتضمن كلام الشاهد وخبره ، وتتضمن إعلامه وإخباره وبيانه ، فلها أربع مراتب ، فأول مراتبها علم ومعرفة واعتقاد لصحة المشهود به وثبوته ، وثانيها تكلمه بذلك وإن لم يعلم به غيره بل يتكلم بها مع نفسه ويتذكرها وينطق بها أو يكتبها ، وثالثها أن يعلم غيره بما يشهد به ويخبره به ويبينه له ، ورابعها أن يلزمه بمضمونها ويأمره به ، فشهادة الله سبحانه لنفسه بالوحدانية والقيام بالقسط تضمنت هذه المراتب الأربع ، علمه بذلك سبحانه وتكلمه به وإعلامه وإخباره لخلقه به وأمرهم وإلزامهم به ) (310) ، فالله شهيد يشهد بصدق المؤمنين إذا وحدوه ويشهد لرسله وملائكته وفوق كل شهادة شهادته لنفسه بالوحدانية ، وقد تقدم تفصيل ذلك في اسم الله المؤمن بما يغني عن الإعادة .
62- ( ( المقدم :(32/130)
المُقَدِّمُ في اللغة اسم فاعل ، فعله قدَّمَ يقَدَّم تقديما ، وعند البخاري من حديث ابن عباس ( مرفوعا : ( اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ ) (311) ، وعنده أيضا من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ ( أن رَسُول اللَّهِ S قال : ( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ) (312) ، والقَدَم كل ما قدّمْتَ من خير أو شر ، وتَقَدَّمَتْ لفُلان فيه قَدَمٌ ، أي تَقَدُّم في خير وشرٍّ ، والقَدَمُ والقُدْمةُ السَّبْقَةُ في الأمر ، قال تعالى : ? وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ ? [يونس:2] ، ومعنى قدم صدق يعني عملاً صالحا قدّموه يقال : لفلان قَدَمُ صِدْقٍ أَي أَثرَة حَسَنة ، ويقول تعالى : ? وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ ? [الحجر:24] ، قيل معناه لقد علمنا المستقدمين منكم في طاعة أو من يأْتي منكم أَولاً إِلى المسجد ومن يأْتي متأَخرا ، أو من يتقدم من الناس على صاحبه في الموت (313) .(32/131)
والمقدم سبحانه هو الذي يقدم ويؤخر وفق مشيئته وإرادته ، فالتقديم من أنواع التدبير الذي يتعلق بفعل الله في خلقه ، وهو على نوعين ، كوني وشرعي ، فالتقديم الكوني تقدير الله في خلقه وتكوينه وفعله كما ورد ذلك في قوله : ? قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلا نَفْعاً إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ ? [يونس:49] ، وقوله تعالى : ? قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ ? [سبأ:30] ، وأيضا من التقديم المتعلق بالتدبير الكوني ، اصطفاء الحق لمن شاء من خلقه ، وتقديم بعض خلقه على بعضه ، بناء على حكمته في ابتلاء المخلوقات واصطفاء من شاء للرسالات كما قال تعالى : ? إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ? [آل عمران:33] ، وقوله عن مريم : ? وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ? [آل عمران:42] ، وقوله عن طالوت : ? قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ? [البقرة:247] ، فهذا اصطفاء وتقديم يتعلق بالتدبير الكوني .(32/132)
أما التقديم الشرعي فهو متعلق بمحبة الله لفعل دون فعل ، وتقديم بعض الأحكام على بعض لما تقتضيه المصلحة التي تعود على العباد ، كما في سنن النَسائي وصححه الألباني من حديث البَرَاءِ ( أن نبي الله S قال : ( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَي الصَّفِّ الْمُقدَّمِ ، وَالمُؤَذّن يُغْفَرُ لَهُ بِمَدِّ صَوْتِهِ ، وَيُصَدِّقُهُ مَنْ سَمِعَهُ مِنْ رَطبٍ وَيَابِسٍ ، وَلَهُ مِثْل أَجْرِ مَنْ صَلَّى مَعَهُ ) (314) ، وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة ( أن النبي S قال : ( لَوْ تَعْلَمُونَ أَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ لَكانَتْ قُرْعَةً ) (315) ، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث أَنَسِ ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ S قَالَ : ( أَتِمُّوا الصَّفَّ الْمُقَدَّمَ ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ فَمَا كَانَ مِنْ نَقْصٍ فَلْيَكُنْ فِي الصَّفِّ الْمُؤَخَّرِ ) (316) ، ولا عبرة بمن ادعى أنه لا يرغب في التقدم إلى الصف الأول بحجة أن الناس يطلبون فيه الأجر وأن والعبادة الحق هي ما يكون بغير عوض أو مقابل (317) ، وعند البخاري من حديث أبي هريرة ( أن النبي S قال : ( أَسْرِعُوا بِالجِنَازَةِ ، فَإِن تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إِلَيْهِ ، وَإِن يَك سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكمْ ) (318) .
فالمُقَدِّم سبحانه هو الذي يُقدِّم الأشياء ويَضَعها في مواضِعها على مقتضى الحكمة والاستحقاق ، فمن اسْتَحقّ التقديمَ قدّمه ومن استحق التأخير أخره ، والله تعالى أيضا هو المقدم الذي قدم الأحباء وعصمهم من معصيته ، وقدم رسول الله S على الأنبياء تشريفا له على غيره ، وقدم أنبياءه وأولياءه على غيرهم ، فاصطفاهم ونصرهم وطهرهم وأكرمهم (319) .
63- ( ( المؤخر :(32/133)
المؤخر في اللغة عكس المقدم ، فعله أخّر يؤخر تأخيرا ، والتأخر ضد التقدم ، ومنه ما ورد عند البخاري من حديث عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ( أَنَّهُ قَالَ : ( فَتَبَسَّمَ رَسُول اللهِ S وَقَالَ : أَخِّرْ عَنِّى يَا عُمَرُ ) (320) ، وعند البخاري من حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو ( أَن النبي S : ( ما سئل عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلاَ أُخِّرَ إِلاَّ قَالَ افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ ) (321) ، وعند البخاري من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ( قَالَ : ( كَانَ النَّبِيُّ S إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ ، ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا ، وَإِذَا زَاغَتْ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ ) (322) .
والمؤخْر سبحانه هو الذي يُؤخّر الأشياء فَيَضَعُها في مَواضعها ، إما تأخيرا كونيا كما ورد عند مسلم من حديث ابن مسعود ( أن أم حبيبة قالت : ( اللَّهُمَّ أَمْتِعْنِي بِزَوْجِي رَسُولِ الله وَبِأَبِي أَبِي سُفيَانَ وَبِأَخِي مُعَاوِيَةَ ، فَقَالَ النَّبِي S : قَدْ سَأَلتِ الله لآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ وَأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ ، لَنْ يُعَجِّلَ شَيْئًا قَبْلَ حِلِّهِ أَوْ يُؤَخِّرَ شَيْئًا عَنْ حِلِّهِ وَلَوْ كُنْتِ سَأَلْتِ الله أَنْ يُعِيذَكِ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ أَوْ عَذَابٍ فِي الْقَبْرِ كَانَ خَيْرًا وَأَفْضَلَ ) (323) .(32/134)
وإما تأخيرا شرعيا كما ورد عند مسلم من حديث أَبِي عَطِيَّةَ أنه قَالَ : ( دَخَلْتُ أَنَا وَمَسْرُوقٌ عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْنَا : يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رَجُلاَنِ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ S أَحَدُهُمَا يُعَجِّلُ الإِفْطَارَ وَيُعَجِّلُ الصَّلاَةَ ، وَالآخَرُ يُؤَخِّرُ الإِفْطَارَ وَيُؤَخِّرُ الصَّلاَةَ ، قَالَتْ أَيُّهُمَا الَّذِي يُعَجِّلُ الإِفْطَارَ وَيُعَجِّلُ الصَّلاَةَ ؟ قَالَ : قُلْنَا عَبْدُ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ مَسْعُود ، قَالَتْ : كَذَلِكَ كَانَ يَصْنَعُ رَسُولُ اللَّهِ S ) (324) .
والمؤخر أيضا هو الذي يؤخر العذاب بمقتضى حكمته ابتلاء لعباده لعلهم يتوبوا إليه قال تعالى : ? وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ ? [النحل:61] وقال : ? وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ ? [إبراهيم:42] فالمؤخر هو المنزِلُ للأشياء منازلَها يقدِمُ ما يشاءُ بحكمته ويؤخرُ ما يشاء (325) ، والفرق بين الآخر والمؤخر أن الآخر دل على صفة من صفات الذات والمؤخر دل على صفة من صفات الفعل .
64- ( ( المليك :
المليك في اللغة من صيغ المبالغة على وزن فعيل فعله ملك يملك مِلكا ومُلكا ، وجمع المليك ملكاء ، والمليك هو المالك العظيم الملك ، ويكون بمعنى الملك (326) ، وهو اسم يدل على العلو المطلق للمَلك في مُلكه ومِلكيته ، فله علو الشأن والقهر في وصف الملكية ، وله علو الشأن والفوقية في وصف الملك والاستواء على العرش ، قال أمية بن أبي الصلت :
لك الحمد والنعماء والفضل ربنا : ولا شيء أعلى منك جدا وأمجد
مليك على عرش السماء مهيمن : لعزته تعنو الوجوه وتسجد (327) .(32/135)
والفرق بين المالك والملك والمليك ، أن المالك في اللغة صاحب المِلْك أو من له ملكية الشيء ولا يلزم أن يكون له المُلك ، فقد يؤثر الملك على المالك وملكيته فيحجر على ملكيته أو ينازعه فيها أو يسلبها منه ، أما الملك فهو أعم من المالك لأنه غالب قاهر فوق كل مالك ، فالملك من له الملكية والملك معا ، أو هو مالك الملك ، والمليك صيغة مبالغة في إثبات كمال الملكية والملك معا مع دوامها أزلا وأبدا ، فالمليك أكثر مبالغة من الملك ، والملك أكثر مبالغة من المالك ، قال ابن الجوزي : ( المليك هو المالك وبناء فعيل للمبالغة في الوصف ، ويكون المليك بمعنى الملك ) (328) ، فاسم الله المليك يشمل الأمرين معا الملكية والملك (329) .
65- ( ( المقتدر :
المقتدر اسم فاعل من اقتدر ، فعله اقتدر يقتدر اقتدارا ، والأصل قدَّر يقدر ، وقدَر يقدر قدرة ، والمقتدر مُفْتَعِل من اقْتَدَرَ ، وهو أكثر مبالغة من القادر والقدير (330) ، قال ابن منظور : ( المُقْتَدِر الوسط من كل شيء ، ورجل مُقْتَدِرُ الخَلْق أَي وَسَطُه ، ليس بالطويل والقصير ) (331) ، والمقتدر على الشيء هو المتمكن منه بإحاطة تامة وقوة والمهيمن عليه بإحكام كامل وقدرة ، قال البيهقي : ( المقتدر هو التام القدرة الذي لا يمتنع عليه شيء ) (332) .
وقال المناوي : ( المقتدر من الاقتدار وهو الاستيلاء على كل من أعطاه حظا من قدرته .. والمقتدر أبلغ من القادر لما في البناء من معنى التكلف والاكتساب ، فإن ذلك وإن امتنع في حقه تعالى حقيقة لكنه يفيد المعنى مبالغة ) (333) .(32/136)
والمقتدر سبحانه وتعالى هو الذي يقدِّر الأشياء بعلمه وينفذها بقدرته ، فالمقتدر يجمع دلالة اسم الله القادر واسمه القدير معا ، فاسم الله القادر هو الذي يقدر المقادير في علمه ، وعلمه المرتبة الأولى من قضائه وقدره ، والله عز وجل قدر كل شيء قبل تصنيعه وتكوينه ، ونظم أمور الخلق قبل إيجاده وإمداده ، فالقادر يدل على التقدير في المرتبة الأولى ، والقدير يدل على القدرة وتنفيذ المقدر في المرتبة الرابعة من مراتب القدر فالقدير هو الذي يخلق وفق سابق التقدير ، والقدر بدايته في التقدير ونهايته في القدرة وتحقيق المقدر ، أما المقتدر فيجمع وسطية الدلالة مع المبالغة ، وهذا ما دل عليه معناه في اللغة ، حيث جمع في دلالته بين اسم الله القادر والقدير معا فهو أبلغ منهما في الدلالة والوصف ، قال الله تعالى : ? وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً ? [الكهف:45] ، أي مقتدرا على كل شيء من الأشياء يحييه ويفنيه بقدرته لا يعجز عن شيء (334) ، وقال تعالى عن فرعون وقومه : ? كَذَّبُوا بِآياتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ ? [القمر:42] ، قال الزركشي : ( واعلم أن اللفظ إذا كان على وزن من الأوزان ثم نقل إلى وزن آخر أعلى منه فلا بد أن يتضمن من المعنى أكثر مما تضمنه أولا ، لأن الألفاظ أدلة على المعاني فإذا زيدت في الألفاظ وجب زيادة المعاني ضرورة ومنه قوله تعالى : ? فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ ? فهو أبلغ من قادر لدلالته على أنه قادر متمكن القدرة لا يرد شيء عن اقتضاء قدرته ويسمى هذا قوة اللفظ لقوة المعنى ) (335) .
66- ( ( المسعر :(32/137)
المسعر في اللغة اسم فاعل من التسعير ، فعله سعر يسعر تسعيرا وتسعيرة ، يقال : أسْعَر أهل السوق وسَعَّرُوا إذا اتفقوا علي سِعْر ، وهو من سَعَّر النار إذا رفعها ، لأن السِّعْر يوصف بالارتفاع ، وسَعَرت النارَ إذا أوقدتَهما وسعَّرتها بالتشديد للمبالغة واسْتَعَرَتْ وتَسَعَّرَتْ اشتعلت واستوقدت ، ونار سَعِيرٌ يعني مستعرة ومرتفعة ، والسعير النار والسعار حر النار ومنه قوله : ? كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً ? [الإسراء:97] ، وكذلك قوله تعالي : ? وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ ? [التكوير:12] ، وناقة مسعورة كأَن بها جنوناً من سرعتها وكلب مسعور من شدة نهشه وعضه في الناس ، أو مسعور بمعنى جوعان متلهف للطعام والالتهام .
والمسعر سبحانه هو الذي يزيد الشيء ويرفع من قيمته أو مكانته أو تأثيره في الخلائق ، فيقبض ويبسط وفق مشيئته وحكمته ، والتسعير وصف كمال في حقه وهو من صفات فعله وحكمه وأمره ولا اعتراض لأَحد من خلقه عليه ، فهو الذي يرخص الأشياء ويغليها وفق تديره الكوني أو ما أمر به العباد في تدبيره الشرعي ، قال عبد الرءوف المناوي : ( المسعر هو الذي يرفع سعر الأقوات ويضعها ، فليس ذلك إلا إليه وما تولاه الله بنفسه ولم يكله إلى عباده لا دخل لهم فيه ) (336) .(32/138)
والمسعر سبحانه هو الذي يسعر بعدله العذاب على أعدائه ، وهذا حقه من جهة تدبير الكوني حيث أوجد النار وزادها سعيرا على الكفار ، قال تعالى : ? وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً ? [الإسراء:97] ، وقال : ? وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرا ً? [الفتح:13] ، والمسعر أيضا هو الذي يتولى التعذيب بالنار في الدنيا ، وهذا من جهة تدبيره الشرعي فلا يعذب بالنار ، فعند أبي داود وصححه الألباني من حديث حمزة الأسلمي ( أن رسول الله S أمره على سرية قال له : ( إِنْ وَجَدْتُمْ فُلاَنًا فَاحْرِقُوهُ بِالنَّارِ ، فَوَلَّيْتُ فَنَادَانِي فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ : إِنْ وَجَدْتُمْ فُلاَنًا فَاقْتُلُوهُ وَلاَ تُحْرِقُوهُ فَإِنَّهُ لاَ يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إِلاَّ رَبُّ النَّارِ ) (337) .
67- ( ( القابض :
القابض في اللغة اسم فاعل ، فعله قَبَضَه يَقْبِضُه قَبْضاً وقَبضة ، والقَبْضُ خِلافُ البَسْط وهو في حقنا جَمْعُ الكفّ على الشيء وهو من أوصاف اليد وفعلها ، والقبْضة ما أَخذت بِجُمْعِ كفِّك كله تقول : هذا قُبْضةُ كفِّي أَي قدر ما تَقْبضُ عليه ، قال السامري : ? فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي ? [طه:96] أَراد من تراب أَثر حافِر فرَس الرسول (338) ، وعند مسلم من حديث إِيَاس بْن سَلَمَةَ عن أبيه ( أنه قال غزونا مع رسول الله S حُنَيْنًا .. إلى أن قال :(32/139)
( فَلَمَّا غَشُوا رَسُولَ اللهِ S نَزَلَ عَنِ الْبَغْلَةِ ثُمَّ قَبَضَ قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ مِنَ الأَرْضِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَ بِهِ وُجُوهَهُمْ فَقَالَ : شَاهَتِ الْوُجُوهُ ، فَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْهُمْ إِنْسَانًا إِلاَّ مَلأَ عَيْنَيْهِ تُرَابًا بِتِلْكَ الْقَبْضَةِ فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ) (339) ، والقبض قد يأتي بمعنى تأخير اليد وعدم مدها أو على المعنى المعاكس وهو تناولك للشيءِ بيدك مُلامَسةً كما ورد عند النسائي وحسنه الألباني من حديث عَائشَة رضي الله عنها أَنَّ امْرَأَةً مَدَّتْ يَدَهَا إِلَى النَّبِيِّ S بِكِتَابٍ فَقَبَضَ يَدَهُ فَقَالَتْ : ( يَا رَسُولَ اللَّهِ مَدَدْتُ يَدِي إِلَيْكَ بِكِتَابٍ فَلَمْ تَأْخُذْهُ فَقَالَ : إِنِّي لَمْ أَدْرِ أَيَدُ امْرَأَةٍ هِيَ أَوْ رَجُلٍ قَالَتْ : بَلْ يَدُ امْرَأَةٍ ، قَالَ : لَوْ كُنْتِ امْرَأَةً لَغَيَّرْتِ أَظْفَارَكِ بِالْحِنَّاءِ ) (340) ، وقَبَضْتُ الشيءَ قبْضاً يعني أَخذته ، والقَبْضُ قَبُولُكَ المَتاعَ وإِن لم تُحَوِّلُه من مكانه والقبض أيضا تَحْوِيلُكَ المَتاعَ إِلى حَيِّزِك ، وصار الشيءُ في قَبْضِتي أَي في مِلْكِي ، وقبِضَ المريضُ إِذا تُوفِّيَ أو أَشرف على الموت وعند البخاري من حديث أُسَامَةُ ( قال : ( أَرْسَلَتِ ابْنَةُ النَّبِي S إِلَيْهِ إِنَّ ابْنًا لي قُبِضَ فَائْتِنَا ) (341) ، أَرادت أَنه في حال القَبْضِ ومُعالجة النَّزْع ، وتَقَبَّضت الجلدةُ في النار أَي انْزَوَتْ ، وقال تعالى في وصف المنافقين : ? وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ? [التوبة:67] ، أَي عن النفقة والصدقة فلا يُؤْتون الزكاة (342) .(32/140)
والقابِضُ سبحانه هو الذي يمسك الرزق وغيره من الأشياء عن العِبادِ بلطفه وحِكمته ، ويَقبِضُ الأَرْواحَ عند المَمات بأمره وقدرته ، ويُضَيِّقُ الأسباب على قوم ويُوَسِّع على آخرين ابتلاء وامتحانا (343) ، وقبضه تعالى وإمساكه وصف حقيقي لا نعلم كيفيته ، نؤمن به علي ظاهره وحقيقته ، لا نمثل ولا نكيف ، ولا نعطل ولا نحرف ، فالإيمان بصفات الله فرع عن الإيمان بذاته والقول في صفاته كالقول في ذاته لأننا ما رأينا الله تعالى وما رأينا لذاته مثيلا ، فهو أعلم بكيفية قبضه وبسطه أو إمساكه وأخذه ، ولا داعي للتأويل الذي انتهجه المتكلمون بكل سبيل ، فنؤمن بما أخبر الله بلا تمثيل ولا تعطيل ، وعلى هذا اعتقاد السلف في جميع الصفات والأفعال ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( وقد تواتر في السنة مجيء اليد في حديث النبي S ، فالمفهوم من هذا الكلام أن لله تعالى يدين مختصتان به ذاتيتان له كما يليق بجلاله ، وأنه سبحانه خلق آدم بيده دون الملائكة وإبليس ، وأنه سبحانه يقبض الأرض ويطوى السموات بيده اليمنى وأن يداه مبسوطتان ) (344) .
قال تعالى : ? وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَي عَمَّا يُشْرِكُونَ ? [الزمر:67] ، وورد عند أبي داود وصححه الألباني من حديث أَبُي مُوسَى ( أن رَسُول اللَّهِ S قال : ( إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الأَرْضِ ، فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الأَرْضِ ، جَاءَ مِنْهُمُ الأَحْمَرُ وَالأَبْيَضُ وَالأَسْوَدُ وَبَيْنَ ذَلِكَ ، وَالسَّهْلُ وَالْحَزْنُ وَالْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ ) (345) .
68- ( ( الباسط :(32/141)
الباسط اسم فاعل فعله بسَط يبسُط بَسطا ، والبَسْطُ نقيض القَبْضِ وأَرض مُنْبَسطة مستويَة وانبسَط الشيء على الأَرض امتد عليها واتسع ، وتبَسَّط في البلاد أَي سار فيها طولاً وعَرْضاً ، وبَسِيطُ الوجهِ يعني مُتَهَلِّلٌ ، والبَسِيطُ هو الرجل المُنبَسِط اللسان وبسَط إِليَّ يده بما أُحِبّ وأَكره ، بسطُها يعني مَدُّها وفي الآية : ? لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ ? [المائدة:28] ، وبسط الكف يستعمل على أنواع فتارة للطلب نحو قول الله تعالى : ? لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ ? [الرعد:14] وتارة للأخذ نحو قوله : ? وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ ? [الأنعام:93] ، وتارة للصولة والضرب كما قال تعالى : ? وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ ? [الممتحنة:2] ، وتارة للبذل والعطاء نحو قوله : ? بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ? [المائدة:64] (346) ، وبسط اليد في حقنا معلوم المعنى والكيفية أما في حق الله فمعلوم المعنى مجهول الكيفية .(32/142)
الباسِطُ سبحانه هو الذي يَبْسُط الرزق لعباده بجُوده ورحمته ، ويوسعه عليهم ببالغ كرمه وحكمته ، فيبتليهم بذلك على ما تقتضيه مشيئته ، فإن شاء وسع وإن شاء قتر فهو الباسط القابض ، فإن قبض كان ذلك لما تقتضيه حكمته الباهرة لا لشيء آخر فإن خزائن ملكه لا تفنى ومواد جوده لا تتناهى كما قال تعالى : ? لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ? [الشورى:12] ، وقال : ? وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ ? [الشورى:27] (347) .
والباسط سبحانه أيضا هو الذي يبسط يده بالتوبة لمن أساء ، وهو الذي يملي لهم فجعلهم بين الخوف والرجاء ، روى مسلم من حديث أبي موسى الأشعري ( أن النبي S قال : ( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ) (348) .(32/143)
وبعض أهل العلم أوجب عدم إطلاق الباسط إلا مقارنا للقابض وألا يفصل بينهما لأن كمال القدرة لا يتحقق إلا بهما معا (349) ، وهذا الكلام فيه نظر لأن أسماء الله كلها حسنى وكلها تدل على الكمال ، وكل واحد منها يفيد المدح والثناء على الله بنفسه كما أن الأسماء الحسنى لا تخلو من التقييد العقلي بالممكنات (350) ، فالقبض مقيد بما يشاء الله قبضه والبسط كذلك ، ولذلك إذا صرح النص بالتقييد ذكر الوصف فيه مفردا كما في قوله تعالى : ? أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً ? [الفرقان:46] ، فالقبض في الآية مقيد بالظل ، وإطلاق القابض أيضا مقيد بالممكنات ، وهكذا في سائر الأسماء ودلالتها على التقييد بالمفعولات ، وقال تعالى في البسط : ? وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ ? [الشورى:27] ، فالبسط مقيد في الآية بالرزق ، فاسما الله القابض والباسط كل منهما يفيد المدح والثناء بنفسه ، وإن ذكرا مقترنين زادت دلالة الكمال في وصف رب العزة والجلال ، كما هو الحال عند اقتران الحي مع القيوم ، والرحمن مع الرحيم والغني مع الكريم ، والقريب مع المجيب وغير ذلك من أسماء الله ، فالقول بوجوب ذكر الاسمين معا فيه نظر وإن كان مستحسنا .
69- ( ( الرازق :(32/144)
الرازق في اللغة اسم فاعل ، فعله رَزَقَ يرزُق رَزْقاً ورِزْقاً ، والرِّزْقُ هو ما يُنْتَفعُ به وجمعه أَرْزاق ، والرزق هو العَطاء ، واسْتَرْزَقه يعني طلب منه الرِّزق ، وقد يسمى المطر رزقاً لأَن الرِّزْق يكون على أثره ، ومعنى قول الله تعالى : ? وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ? [الواقعة:82] أَي شُكرَ رزقكم مثل قولهم : مُطِرنا بنَوْءِ الثريا أو بنوء كذا وكذا ، والأَرزاقُ نوعان : ظاهرة كالأَقوات للأَبدان ، وباطنة كالمَعارف والإيمان للقلوب والنُّفوس (351) .(32/145)
والرازِقُ سبحانه هو الذي يرزق الخلائق أَجمعين ، وهو الذي قدر أرزاقهم قبل خلق العالمين ، وهو الذي تكفل باستكمالها ولو بعد حين ، فلن تموت نفس إلا باستكمال رزقها كما أخبرنا الصادق الأمين S ، روى ابن ماجة وصححه الألباني من حديث جَابِرِ ( أن النَّبِيِّ S قال : ( أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِىَ رِزْقَهَا وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا ، فَاتَّقُوا اللهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ خُذُوا مَا حَلَّ وَدَعُوا مَا حَرُمَ ) (352) ، ومن حديث أبي أمامة ( أن النَّبِيِّ S قَالَ : ( إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها ، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله ، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته ) (353) ، وقال تعالى : ? يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ َ? [فاطر:3] ، فالرازق اسم يدل على وصف الرزق المقارن للخلق في التقدير الأزلي والميثاقي ، فالله سبحانه قدر خلقهم ورزقهم معا قبل وجودهم ، وكتب أرزاقهم في الدنيا والآخرة قبل إنشائهم ، فالرزق وصف عام يتعلق بعموم الكون في عالم الملك والملكوت .(32/146)
قال ابن تيمية : ( والرزق اسم لكل ما يغتذى به الإنسان وذلك يعم رزق الدنيا ورزق الآخرة .. فلابد لكل مخلوق من الرزق ، قال الله تعالى : ? وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ? [هود:6] ، حتى إن ما يتناوله العبد من الحرام هو داخل في هذا الرزق ، فالكفار قد يرزقون بأسباب محرمة ويرزقون رزقا حسنا ، وقد لا يرزقون إلا بتكلف ، وأهل التقوى يرزقهم الله من حيث لا يحتسبون ، ولا يكون رزقهم بأسباب محرمة ولا يكون خبيثا ، والتقى لا يحرم ما يحتاج إليه من الرزق ، وإنما يحمى من فضول الدنيا رحمة به وإحسانا إليه ، فإن توسيع الرزق قد يكون مضرة على صاحبه ، وتقديره يكون رحمة لصاحبه ) (354) .
70- ( ( القاهر :
القاهر في اللغة اسم فاعل للموصوف بقهر غيره ، فعله قهر يقهر قهرا ، وقهرت الشيء غلبته وعلوت عليه مع إذلاله بالاضطرار ، تقول : أَخَذتُهُم قهْرا أَي من غير رضاهم ، وأقهِرُ الرجُل إذا وجَدْتَه مَقهورا ، أو صار أمرُه إلى الذل والصغار والقهر وعند الترمذي وصححه الألباني من حديث أَبِى هُرَيْرَة ( مرفوعا في شأن يأجوج ومأجوج : ( فَيَقُولُونَ قَهَرْنَا مَنْ فِي الأَرْضِ وَعَلَوْنَا مَنْ فِي السَّمَاءِ قَسْوَةً وَعُلُوًّا ) (355) ، وروى أحمد وصححه الألباني من حديث أَبِي أيوب الأنصاري ( أن النبي S قال : ( وَلَمْ يَعْمَلْ يَوْمَئِذٍ عَمَلاً يَقْهَرُهُنَّ .. الحديث ) (356) .(32/147)
والقاهر سبحانه هو الغالِب على جميع الخلائق على المعنى العام ، الذي يعلو في قهره وقوته فلا غالب ولا منازع له ، بل كل شيء تحت قهره وسلطانه ، قال تعالى : ? مَا اتَّخَذ الله مِنْ وَلد وَمَا كان مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذا لذهَبَ كل إِلهٍ بِمَا خَلقَ وَلعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحَانَ الله عَمَّا يَصِفون َ? [المؤمنون:91] ، فيستحيل أن يكون لهذا العالم إلا إله واحد لأن الله قاهر فوق عباده له العلو والغلبة ، فلو فرضنا وجود إلهين اثنين مختلفين ومتضادين وأراد أحدهما شيئا خالفه الآخر ، فلا بد عند التنازع من غالب وخاسر ، فالذي لا تنفذ إرادته هو المغلوب العاجز ، والذي نفذت إرادته هو القاهر القادر ، والله عز وجل قال عن نفسه : ? وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ? [الأنعام:61] ، أي هو الذي قهر كل شيء ، وخضع لجلاله كل شيء ، وذل لعظمته وكبريائه كل شيء ، وعلا علي عرشه فوق كل شيء ، قال ابن جرير : ( ويعني بقوله القاهر أي المذلل المستعبد خلقه العالي عليهم ، وإنما قال فوق عباده لأنه وصف نفسه تعالى بقهره إياهم ومن صفة كل قاهر شيئا أن يكون مستعليا عليه ، فمعنى الكلام إذا : والله الغالب عباده المذل لهم العالي عليهم بتذليله لهم وخلقه إياهم ، فهو فوقهم بقهره إياهم وهم دونه ) (357) .
71- ( ( الديان :
الديان صيغة مبالغة على وزن فعال فعله دَان يدين دينا ، يقال : دنتهم فدانوا أي جازيتهم وحاسبتهم وقهرتهم فأطاعوا ، والديان يطلق على الملك المطاع والحاكم والقاضي ، وهو الذي يدين الناس إما بمعنى يقهرهم وإما بمعنى يحاسبهم ، فمن الأول دان الرجل القوم إذا قهرهم فدانوا له إذا انقادوا ، ومن الثاني الديان بمعنى المحاسب المجازي ، قال خويلد بن نوفل الكلابي للحارث الغساني وكان ملكا ظالما :
يا أيها الملك المخوف أما ترى : ليلا وصبحا كيف يختلفان
هل تستطيع الشمس أن تأتي بها : ليلا وهل لك بالمليك يدان(32/148)
يا حار أيقن أن ملكك زائل : واعلم بأن كما تدين تدان (358) .
والدين الجزاء ومالك يوم الدين أي يوم الجزاء ، وقوله تعالى عن الكافرين : ? أئذا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ ? [الصافات:53] أي مجزيون محاسبون ، وقوله : ? فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ? [الواقعة:86/87] ، أي مقهورين ومدبرين ومجزيين (359) ، وقد يكون الديان بمعني صاحب الديوان وهو الكتاب الحافظ للأعمال والحقوق ومنه ما رواه أحمد والحاكم من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله S قال : ( الدَّوَاوِينُ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثَلاَثَةٌ : دِيوَانٌ لاَ يَعْبَأُ اللَّهُ بِهِ شَيْئاً ، وَدِيوَانٌ لاَ يَتْرُكُ اللَّهُ مِنْهُ شَيْئاً ، وَدِيوَانٌ لاَ يَغْفِرُهُ اللهُ ) (360) .(32/149)
والديان سبحانه هو الذي دانت له الخليفة ، وعنت له الوجوه ، وذلت لعظمته الجبابرة وخضع لعزته كل عزيز ، ملك قاهر على عرش السماء مهيمن ، لعزته تعنو الوجوه وتسجد ، يرضى على من يستحق الرضا ويثيبه ويكرمه ويدنيه ، ويغضب على من يستحق الغضب ويعاقبه ويهينه ويقصيه ، فيعذب من يشاء ، ويرحم من يشاء ويعطي من يشاء ، ويمنع من يشاء ، ويقرب من يشاء ، ويقصي من يشاء ، له دار البقاء ، دار عذاب أليمة وهي النار ، ودار سعادة عظيمة وهي الجنة ، فهو الديان الذي يدين العباد أجمعين ويفصل بينهم يوم الدين (361) ، كتب أعمالهم فهي حاضرة ، ولا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أظهرها لهم في الآخرة ، قال تعالى : ? وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ? [الكهف:49] ، وقال : ? يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ? [النور:25] .
قال ابن القيم في معنى يوم الدين : ( يوم يدين الله العباد بأعمالهم ، إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا ، وذلك يتضمن جزاءهم وحسابهم ) (362) .
72- ( ( الشاكر :(32/150)
الشاكر اسم فاعل للموصوف بالشكر ، فعله شكر يشكر شكرا ، والشكر هو الثناء الجميل على الفعل الجليل ، ومجازاة الإحسان بالإحسان ، روى أحمد وصححه الألباني من حديث صحيح أبي سعيد الخدري ( : ( أن عمر بن الخطاب ( دخل على النبي S فقال يا رسول الله : رأيت فلانا يشكر ، يذكر أَنَّك أَعْطَيْتَهُ دِينَارَيْنِ ، فقال رسول الله S : لكن فلانا قَدْ أَعْطَيْتُهُ مَا بَيْنَ الْعَشَرَةِ إِلَى الْمِائَةِ فما شكر ، وَإِنَّ أَحَدَهُمْ لَيَسْأَلُنِي الْمَسْأَلَةَ فَأُعْطِيهَا إِيَّاهُ فَيَخْرُجُ بِهَا مُتَأَبِّطُهَا وَمَا هي لَهُمْ إِلاَّ نَارٌ ، قَالَ عُمَرُ : يَا رَسُولَ الله فَلِمَ تُعْطِيهِمْ ؟ قَالَ : إِنَّهُم يَأْبَوْن إِلاَّ أَنْ يَسْأَلُونِي وَيَأْبَى اللهُ لِيَ الْبُخْلَ ) (363) .
والشكور أبلغ من الشاكر وهو المبالغ في الشكر بالقلب واللسان والجوارح ، قال عبد الرءوف المناوي : ( الشكور الباذل وسعه في أداء الشكر بقلبه ولسانه وجوارحه اعتقادا واعترافا ، وقيل الشاكر من يشكر على الرخاء والشكور على البلاء ، والشاكر من يشكر على العطاء ، والشكور من يشكر على المنع ) (364) .
والله سبحانه شاكر يجازي العباد على أعمالهم ، ويزيد من فضله أجورهم ، فيقابل شكرهم بزيادة النعم في الدنيا وواسع الأجر في الآخرة قال تعالى : ? فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكفُرُون ِ? [البقرة:152] ، وقال : ? وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ? [إبراهيم:7] ، وروى البخاري من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ ( أن النَّبِي S قَالَ : ( لاَ يَدْخُلُ أَحَدٌ الْجَنَّةَ إِلاَّ أُرِىَ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ لَوْ أَسَاءَ لِيَزْدَادَ شُكْرًا وَلاَ يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ إِلاَّ أُرِىَ مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ لَوْ أَحْسَنَ لِيَكُونَ عَلَيْهِ حَسْرَةً ) (365) .(32/151)
والله سبحانه شاكر يرضى بأعمال العباد وإن قلت تكريما لهم ودعوة للمزيد ، مع أنه سبحانه قد بين لهم ما لهم من وعد أو وعيد ، لكنه شاكر يتفضل بمضاعفة الأجر ويقبل التوبة ويمحو ما يشاء من الوزر ، والله غني عنا وعن شكرنا لا يفتقر إلى طاعتنا أو شيء من أعمالنا لكنه يمدح من أطاعه ويثني عليه ويثيبه ، قال تعالى : ? مَا يَفْعَل اللهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ الله شَاكِرا عَلِيما ? [النساء:147] .
قال البيضاوي في تفسير الآية : ( ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم ، أيتشفى به غيظا ، أو يدفع به ضررا ، أو يستجلب به نفعا وهو الغني المتعالي عن النفع والضر وإنما يعاقب المصر بكفره .. وكان الله شاكرا مثيبا يقبل اليسير ويعطي الجزيل عليما بحق شكركم وإيمانكم ) (366) .
73- ( ( المنان :
المنان في اللغة من صيغ المبالغة على وزن فعال ، فعله مَنَّ يَمُنُّ مَنّا ، يعني قطعه وذهب به ، والمَنِينُ الحبل الضعيف ، وحَبل مَنينٌ إِذا أَخْلقَ وتقطع ، ورجل مَنِينٌ أَي ضعيف ، يقال : كأَنَّ الدهر مَنَّه وذهب بمُنَّته أَي بقوته ، والمَنُون الموت لأَنه يَمُنُّ كل شيء فيضعفه وينقصه ويقطعه ، وعليه جاء قوله تعالى : ? أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ? [الطور:30] ، ومَنَّ عليه أَحسن وأنعم عليه ، وقوله عز وجل : ? وَإِن لَك لأَجْرا غَيْرَ مَمْنُونٍ ? [القلم:3] أي غير محسوب أو غير مقطوع أو غير منقوص (367) .(32/152)
قال الراغب الأصفهاني : ( المنة النعمة الثقيلة ، ويقال ذلك على وجهين : أحدهما أن يكون ذلك بالفعل ، فيقال : منَّ فلان على فلان إذا أثقله بالنعمة ، وعلى ذلك قوله : ? لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ? [آل عمران:164] ، .. وذلك على الحقيقة لا يكون إلا لله تعالى ، والثاني : أن يكون ذلك بالقول ، وذلك مستقبح فيما بين الناس إلا عند كفران النعمة ، ولقبح ذلك قيل : المنة تهدم الصنيعة ، ولحسن ذكرها عند الكفران قيل : إذا كفرت النعمة حسنت المنة ، وقوله : ? يَمُنُّونَ عَلَيْك أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُم بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ للإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ? [الحجرات:17] ، فالمنة منهم بالقول ومنة الله عليهم بالفعل وهو هدايته إياهم كما ذكر ) (368) .
والمنان سبحانه هو العظيم الهبات الوافر العطايا ، الذي يُنْعِمُ غيرَ فاخِرٍ بالإِنعام والذي يبدأ بالنوال قبل السؤال ، وهو المُعْطي ابتداء وانتهاء ، قال تعالى : ? وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ? [النحل:18] ، فلله المِنَّة على عباده ولا مِنَّة لأَحد عليه ، فهو المحسن إلي العبد والمنعم عليه ، ولا يطلب الجزاء في إحسانه إليه بل أوجب بفضله لعباده حقا عليه ، منة منه وتكرما إن هم وحدوه في العبادة ولم يشركوا به شيئا (369) .(32/153)
روى البخاري من حديث مُعَاذٍ بن جبل ( قال : كُنْتُ رِدْفَ النَّبِي S عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ ، فَقَالَ : ( يَا مُعَاذُ ، هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ ؟ قُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لاَ يُعَذِّبَ مَنْ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَفَلاَ أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ ؟ قَالَ : لاَ تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا ) (370) .
74- ( ( القادر :
القادر في اللغة اسم فاعل من قَدَر يَقْدِر فهو قادر ، يقال قَدَرْت الأمْر أقْدُرُه وأقدِّرُه إذا نَظَرتَ فيه ودَبَّرتَه ، وقدْرُ كل شيء ومِقْدارُه مِقْياسه ، وقَدَرَ الشيءُ بالشيء وقَدَّرَه قاسَه ، والتقدير على وجوه من المعاني ، أَحدها : التروية والتفكير في تسوية أَمر وتهيئته والثاني : تقديره بعلامات يقطعه عليها ، والثالث : أَن تَنْوِيَ أَمرا بِعَقدِك تقول قدَّرْتُ أَمر كذا وكذا أَي نويتُه وعَقدْتُ عليه ، ويقال قدَرْتُ لأَمْرِ كذا أَقدِرُ له إِذا نظرت فيه ودَبَّرْتَه وقايسته (371) .(32/154)
والقادر سبحانه وتعالى هو الذي يقدر المقادير في علمه ، وعلمه المرتبة الأولى من قضائه وقدره ، فالله عز وجل قدر كل شيء قبل تصنيعة وتكوينه ، ونظم أمور الخلق قبل إيجاده وإمداده ثم كتب في اللوح هذه المعلومات ودونها بالقلم في كلمات ، وكل مخلوق مهما عظم شأنه أو قل حجمه كتب الله ما يخصه في اللوح المحفوظ ، ثم يشاء بحكمته وقدرته أن يكون الأمر واقعا على ما سبق في تقديره ، ولذلك فإن القدر عند السلف مبني على التقدير والقدرة ، فبدايته في التقدير وهو علم حساب المقادير ، أو العلم الجامع التام لحساب النظام العام الذي يسير عليه الكون من بدايته إلى نهايته ، قال تعالى : ? وَإِنْ منْ شَيْءٍ إِلا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ? [الحجر:21] ، وقال أيضا : ? وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً ? [الأحزاب:38] ، وقال سبحانه : ? إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ? [الطلاق:3] ، وعند مسلم من حديث عبد الله بن عمرو ( أن رَسُول اللهِ S قَال : ( كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الخَلائِقِ قَبْل أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلفَ سَنَةٍ ، وَعَرْشُهُ عَلى المَاءِ ) (372) ، وفي رواية الترمذي : ( قَدَّرَ اللهُ المَقَادِيرَ قَبْل أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلفَ سَنَةٍ ) (373) ، فالقادر هو الذي قدر المقادير قبل الخلق والتصوير ، والقادر دلالته تتوجه إلى المرتبة الأولى من مراتب القدر ، وهي العلم والتقدير وإمكانية تحقيق المقدر ، ولذلك قال تعالى : ? أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ ? [يس:81] ، وقال سبحانه أيضا : ? فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرا(32/155)
مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ? [المعارج:40/41] ، فالآيات تتعلق بإمكانية تحقيق المقدر ، وقال أيضا : ? وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ ? [المؤمنون:95] .
75- ( ( الخلاق :
الخلاق صيغة مبالغة على وزن فعال من اسم الفاعل الخالق ، فعله خلق يخلق خلقا والفرق بين الخالق والخلاق أن الخالق هو الذي ينشئ الشيء من العدم بتقدير وعلم ثم بتصنيع وخلق عن قدرة وغنى ، أما الخلاق فهو الذي يبدع في خلقه كما وكيفا فمن حيث الكم يخلق ما يشاء كما قال : ? إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرا ? [النساء:133] ، وقال : ? وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ ? [الأنعام:133] وأما من حيث الكيف فقال تعالى : ? وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُون َ? [النمل:88] ، وقال : ? خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ? [التغابن:3] ، وقال : ? وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُون َ? [النحل:8] ، فالخلاق هو الذي يبدع في خلقه كما وكيفا بقدرته المطلقة ، فيعيد ما خلق ويكرره كما كان ، بل يخلق خلقا جديدا أحسن مما كان (374) ، وفي هذا رد على الذين قالوا ليس في الإمكان أبدع مما كان ، لأن ذلك ينافي معنى اسمه الخلاق ، صحيح أن الله أحسن وأتقن كل شيء خلقه كما قال : ? الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسان مِنْ طِينٍ ? [السجدة:7] لكن قدرة الله مطلقة فهو الخالق الخلاق كما أنه(32/156)
الرازق الرزاق .
قال ابن تيمية فيمن قال ليس في الإمكان أبدع من هذا العالم ، لأنه لو كان كذلك ولم يخلقه لكان بخلا يناقض الجود أو عجزا يناقض القدرة : ( لا ريب أن الله سبحانه يقدر على غير هذا العالم وعلى إبداع غيره إلى ما لا يتناهى كثرة ويقدر على غير ما فعله كما بين ذلك في غير موضع من القرآن ، وقد يراد به - يعني قول القائل ليس في الإمكان - أنه ما يمكن أحسن منه ولا أكمل منه ، فهذا ليس قدحا في القدرة ، بل قد أثبت قدرته على غير ما فعله ، لكن قال ما فعله أحسن وأكمل مما لم يفعله ، وهذا وصف له سبحانه بالكرم والجود والإحسان ، وهو سبحانه الأكرم فلا يتصور أكرم منه سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا ) (375) ، ويذكر ابن القيم أن براهين المعاد في القرآن مبينة على ثلاثة أصول :
أحدها : تقرير كمال علم الرب سبحانه كما قال في جواب من قال : ? مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ? ، وقال : ? وَإِن السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيم ُ? [الحجر:86] .
والثاني : تقرير كمال قدرته كقوله : ? أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ ? .
الثالث : كمال حكمته كما في قوله تعالى : ? وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ ? [الدخان:38] ، وقوله سبحانه : ? أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ ? [المؤمنون:115] (376) .
قال ابن كثير : ( وقوله إن ربك هو الخلاق العليم تقرير للمعاد وأنه تعالى قادر على إقامة الساعة ، فإنه الخلاق الذي لا يعجزه خلق شيء ، العليم بما تمزق من الأجساد وتفرق في سائر أقطار الأرض ) (377) .(32/157)
والقرطبي يجعل الخلاق دالا أيضا تقدير الله للأخلاق وتقسيمها بين العباد ، وهذا يسعه اللفظ ويحتمله ، يقول القرطبي : ( إن ربك هو الخلاق أي المقدر للخلق والأخلاق ، العليم بأهل الوفاق والنفاق ) (378) .
76- ( ( المالك :
المالك في اللغة اسم فاعل فعله ملك يملك فهو مالك ، والله عز وجل مالك الأشياء كلها ومصرفها على إرادته لا يمتنع عليه منها شيء ، لأن المالك للشيء في كلام العرب هو المتصرف فيه والقادر عليه ، فإن قال قائل : فقد يغصب الإنسان على الشيء فلا يزول ملكه عنه ، قيل له : لا يزول ملكه عنه حكما وديانة ، فأما في الظاهر والاستعمال فالغاصب له ما هو في يده يصرفه كيف شاء ؛ من استعمال أو هبة أو إهلاك أو إصلاح ، وإن كان في ذلك مخطئا آثما آتيا ما هو محظور عليه بإحالته بينه وبين مالكه ، فإن رجع ذلك الشيء على صاحبه قيل : رجع إلى ملكه أي إلى حاله التي كان فيها حقيقة ، والله عز وجل قادر على الأشياء التي خلقها ويخلقها لا يمتنع عليه منها شيء ، وقد قرأ ابن كثير ونافع وأَبو عمرو وابن عامر وحمزة مَلِك يوم الدين بغير أَلف ، وقرأَ عاصم والكسائي ويعقوب مالك بأَلف ، وقد رويت القراءتان عن النبي S (379) .
والله عز وجل مالك الملك ، ملكه عن أصالة واستحقاك لأنه الخالق الحي القيوم الوارث ، فعلة استحقاق الملك أمران :(32/158)
الأول : صناعة الشيء وإنشائه واختراعه ، فالعاقل يعلم عقلا أن المخترع له براءة الاختراع والمؤلف له حق الطبع والنشر ، روى البخاري عن عمر بن الخطاب ( أنه قال : ( مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لهُ ) (380) ، وَيُرْوَى ذلك أيضا عَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَنِ النَّبِيِّ S (381) ، وإذا كان ملوك الدنيا لا يمكن لأحدهم أن يؤسس ملكه بجهده منفردا فلا بد له من ظهير أو معين ، سواء من أهله وقرابته ، أو حزبه وجماعته ، أو قبيلته وعشيرته ، فإن الله عز وجل هو المتفرد بالملكية حقيقة ، فلا أحد ساعده في إنشاء الخلق أو عاونه على استقرار الملك ، أو يمسك السماء معه أن تقع على الأرض ، قال سبحانه وتعالى : ? أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ? [الأعراف:54] ، وقال أيضا : ? مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ المُضِلينَ عَضُدا ? [الكهف :51] ، وعند البخاري من حديث عمران ( أن النبي S قال : ( كان اللهَ ولم يكن شيء قبلهُ ، وكان عرشه على الماء ، ثم خلقَ السماواتِ والأرضَ وكتب في الذكر كل شيء ) (382) .(32/159)
الثاني : دوام الحياة فهو علة أخرى لاستحقاق الملك لأنه يوجب انتقال الملكية وثبوت التملك ، ومعلوم أن كل من على الأرض ميت فان كما قال تعالى : ? كُلُّ مَنْ عَليْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلال والإكرام ? [الرحمن:27] ، وقال أيضا : ? كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ ثُمَّ إِليْنَا تُرْجَعُون ? [العنكبوت :57] ، ولما كانت الحياة وصف ذات لله والإحياء وصف فعله ، فإن المُلْك بالضرورة سيئول إلى خالقه ومالكه كما قال : ? لمَنِ المُلكُ اليَوْمَ للهِ الوَاحِدِ القَهَّار ? [غافر :16] ، وقال تعالى : ? وَللهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير ? [آل عمران :180] ، فالمُلْك لله في المبتدأ عند إنشاء الخلق فلم يكن أحد سواه ، والملك لله في المنتهى عند زوال الأرض لأنه لن يبق من الملوك سواه ، وهو الملك من فوق عرشه لا خالق ولا مدبر للكون إلا الله ، فالمَلِك هو المتصرف بالأمر والنهي في مملكته وهو القائم بسياسة خلقه ، وملكه هو الحق الدائم له بدوام الحياة ، ولما كان الله تعالى هو المنفرد بالخلق والتدبير فإنه ينفرد بالملك والتقدير إلزاما وينفرد أيضا بأنه المالك المستحق للملك ، قال ابن القيم : ( الفرق بين الملك والمالك أن المالك هو المتصرف بفعله ، والملك هو المتصرف بفعله وأمره ، والرب تعالى مالك الملك فهو المتصرف بفعله وأمره ) (383) ، ويقصد أن مالك الشيء لا يلزم أن يكون ملكا لوجود من يرأسه ويمنع تصرفه في ملكه ، أما الملك الذي له الملكية والملك فله مطلق التدبير والأمر .
77- ( ( الرزاق :
الرزاق في اللغة من صيغ المبالغة على وزن فعال من اسم الفاعل الرازق ، فعله رزق يرزق رزقا ، والمصدر الرزق وهو ما ينتفع به والجمع أرزاق (384) .(32/160)
وحقيقة الرزق هو العطاء المتجدد الذي يأخذه صاحبه في كل تقدير يومي أو سنوي أو عمري فينال ما قسم له في التقدير الأزلي والميثاقي ، والرزاق سبحانه هو الذي يتولى تنفيذ المقدر في عطاء الرزق المقسوم ، والذي يخرجه في السماوات والأرض ، فإخراجه في السماوات يعني أنه مقضي مكتوب ، وإخراجه في الأرض يعني أنه سينفذ لا محالة ولذلك قال الله تعالى في شأن الهدهد الموحد ومخاطبته سليمان ( : ? أَلا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ? [النمل:26] ، فالرزق مكتوب في السماء وهو وعد الله وحكمه في القضاء قبل أن يكون واقعا مقدورا في الأرض ، قال سبحانه وتعالى : ? وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ? [ الذريات:22] ، وقال عن تنفيذ ما قسمه لكل مخلوق فيما سبق به القضاء : ? وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ? [العنكبوت:60] ، وقال تعالى : ? وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ? [هود:6] ، فالله يتولاها لحظة بلحظة تنفيذا للمقسوم في سابق التقدير .(32/161)
فالرزاق سبحانه هو الذي يتولى تنفيذ العطاء الذي قدره لأرزاق الخلائق لحظة بلحظ فهو كثير الإنفاق ، وهو المفيض بالأرزاق رزقا بعد رزق ، مبالغة في الإرزاق وما يتعلق بقسمة الأرزاق وترتيب أسبابها في المخلوقات ، ألا ترى أن الذئب قد جعل الله رزقه في أن يصيد الثعلب فيأكله ، والثعلب رزقه أن يصيد القنفذ فيأكله ، والقنفذ رزقه أن يصيد الأفعى فيأكلها ، والأفعى رزقها أن تصيد الطير فتأكله ، والطير رزقه في أن يصيد الجراد فيأكله (385) ، وتتوالى السلسلة في أرزاق متسلسلة رتبها الرزاق في خلقه ، فتبارك الذي أتقن كل شيء في ملكه وجعل رزق الخلائق عليه ، ضمن رزقهم وسيؤديه لهم كما وعد ، وكل ذلك ليركنوا إليه ويعبدوه وحده لا شريك له قال تعالى : ? وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ? [الذاريات:57] (386) .
فالأرزاق مقسومة ولَنْ يُعَجِّلَ شَيْئًا قَبْلَ حِلِّهِ أَوْ يُؤَخِّرَ شَيْئًا عَنْ حِلِّهِ ، وعند مسلم من حديث عبد الله بن مسعود ( أنه قَالَ : ( قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ S : اللَّهُمَّ أَمْتِعْنِي بِزَوْجِي رَسُولِ اللهِ S وَبِأَبِي أَبِي سُفْيَانَ وَبِأَخِي مُعَاوِيَةَ ، فَقَالَ النَّبِيِّ S : ( قَدْ سَأَلْتِ اللَّهَ لآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ ، وَأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ ، وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ ، لَنْ يُعَجِّلَ شَيْئًا قَبْلَ حِلِّهِ ، أَوْ يُؤَخِّرَ شَيْئًا عَنْ حِلِّهِ ، وَلَوْ كُنْتِ سَأَلْتِ اللَّهَ أَنْ يُعِيذَكِ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ أَوْ عَذَابٍ فِي الْقَبْرِ كَانَ خَيْرًا وَأَفْضَلَ ) (387) .(32/162)
وقال تعالى : ? وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ الله لِكل شَيْء قَدْرا ? [الطلاق:3] ، وفي هذا بيان أن الذي قدره من الرزق على العموم والإجمال سيتولاه في الخلق على مدار الوقت والتفصيل فهو سبحانه الرزاق الخلاق القدير المقتدر ، قال ابن القيم :
وكذلك الرزاق من أسمائه والرزق من أفعاله نوعان
رزق على يد عبده ورسوله نوعان أيضا ذان معروفان
رزق القلوب العلم والإيمان والرزق المعد لهذه الأبدان
هذا هو الرزق الحلال وربنا رزاقه والفضل للمنان
والثاني سوق القوت للأعضاء في تلك المجاري سوقه بوزان
هذا يكون من الحلال كما يكون من الحرام كلاهما رزقان
والله رازقه بهذا الاعتبار وليس بالإطلاق دون بيان (388) .
78- ( ( الوكيل :(32/163)
الوَكِيل في اللغة هو القَيِّم الكَفِيل الذي تكفل بأرْزَاق العِبَاد ، وحَقِيقة الوكيل أنه يَسْتَقل بَأَمْر الموْكول إليه ، يقال : توكل بالأَمْر إذا ضَمِنَ القِيام به ، ووكلت أمْرِي إلى فلان أي ألْجَأته إليه واعْتَمدت فِيه عَليه ، ووكل فلان فلانا إذا اسْتَكفاه أَمْرَه ، إما ثقةً بِكفايَتِه أو عَجزا عن القيام بأمر نفسه ، ووكيلك في كذا إذا سلمته الأمر وتركته له وفوضته إليه واكتفيت به (389) ، فالتوكل قد يأتي بمعنى تولي الإشراف على الشيء ومراقبته وتعهده ومنه ما ورد عند البخاري من حديث سهل بن سعد ( أن النبي S قال : ( مَنْ تَوَكَّلَ لِى مَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ وَمَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ ، تَوَكَّلْتُ لَهُ بِالْجَنَّةِ ) (390) ، وقد يأتي التوكل بمعنى الاعتماد على الغير والركون إليه ومنه ما ورد في قوله تعالى : ? وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ? [الطلاق/3] ، وربما يفسر الوكيل بالكفيل ، والوكيل أعم لأن كل كفيل وكيل وليس كل وكيل كفيلا ، وعند الترمذي وصححه الألباني من حديث عمر بن الخطاب ( أن رسول اللَّه S : ( لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكلُونَ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا تُرْزَقُ الطَّيْرُ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا) (391) .
والوكيل سبحانه هو الذي توكل بالعالمين خلقا وتدبيرا ، وهداية وتقديرا ، فهو المتوكل بخلقه إيجاد وإمدادا كما قال تبارك وتعالى : ? ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ? [الأنعام:102] ، وقال تعالى : ? اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ? [الزمر:62] ، وقال هود ( : ? إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ? [هود:56] ، فالوكيل الكفيل بأرزاق عباده ومصالحهم (392) .(32/164)
وهو سبحانه وكيل المؤمنين الذين جعلوا اعتقادهم في حوله وقوته ، وخرجوا من حولهم وطولهم وآمنوا بكمال قدرته ، وأيقنوا أنه لا حول ولا قوة إلا بالله ، فركنوا إليه في جميع أمورهم ، وجعلوا اعتمادهم عليه في سائر حياتهم ، وفوضوا إليه الأمر قبل سعيهم ، واستعانوا به حال كسبهم ، وحمدوه بالشكر بعد توفيقهم ، والرضا بالمقسوم بعد ابتلائهم قال تعالى : ? إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ? [الأنفال:2] ، وقال سبحانه في وصف المؤمنين : ? الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ? [آل عمران:173] ، وقال لنبيه S : ? وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً ? [الأحزاب:48] ، وقال : ? رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً ? [المزمل:9] (393) .
ويذكر ابن القيم أن توكيل العبد ربه يكون بتفويضه نفسه إليه وعزلها عن التصرف إلا بإذنه يتولي شئون أهله ووليه ، وهذا هو عزل النفس عن الربوبية وقيامها بالعبودية وهو معنى كون الرب وكيل عبده أي كافيه والقائم بأموره ومصالحه لأنه ينوب عنه في التصرف ، فوكالة الرب عبده أمر وتعبد وإحسان له وخلعة منه عليه لا عن حاجة منه وافتقار إليه ، وأما توكيل العبد ربه فتسليم لربوبيته وقيام بعبوديته (394) .
79- ( ( الرقيب :(32/165)
الرقيب في اللغة فعيل بمعنى فاعل وهو الموصوف بالمراقبة ، فعله رقب يرقب رقابة والرقابة تأتي بمعنى الحفظ والحراسة والانتظار مع الحذر والترقب ، وعند البخاري من حديث ابن عمر ( أن أبا بكر ( قال : ( ارْقُبُوا مُحَمَّدًا S فِي أَهْلِ بَيْتِهِ ) (395) ، أي احفظوه فيهم ، وقال هارون ( : ? إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي ? [طه:94] ، فالرقيب الموكل بحفظ الشيء المترصد له المتحرز عن الغفلة فيه ورقيب القوم حارسهم ، وهو الذي يشرف على مرقبة ليحرسهم ، ورقيب الجيش طليعتهم ، والرقيب الأمين ، وارتقب المكان أشرف عليه وعلا فوققه (396) .(32/166)
والرقيب سبحانه هو المطلع على خلقه ، يعلم كل صغيرة وكبيرة في ملكه ، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء قال تعالى : ? أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ? [المجادلة:7] ، وقال : ? أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ? [الزخرف:80] ، ومراقبة الله لخلقه مراقبة عن استعلاء وفوقية ، وقدرة وصمدية ، لا تتحرك ذرة إلا بإذنه ، ولا تسقط ورقة إلا بعلمه ، ملك له الملك كله ، وله الحمد كله ، أزمة الأمور كلها بيديه ، ومصدرها منه ومردها إليه ، مستو على عرشه لا تخفى عليه خافية ، عالم بما في نفوس عباده مطلع على السر والعلانية ، يسمع ويرى ، ويعطي ويمنع ، ويثيب ويعاقب ، ويكرم ويهين ويخلق ويرزق ، ويميت ويحيي ، ويقدر ويقضي ، ويدبر أمور مملكته ، فمراقبته لخلقه مراقبة حفظ دائمة ، وهيمنة كاملة ، وعلم وإحاطة (397) .(32/167)
والله عز وجل رقيب راصد لأعمال العباد وكسبهم ، عليم بالخواطر التي تدب في قلوبهم ، يرى كل حركة أو سكنة في أبدانهم ، ووكل ملائكته بكتابة أعمالهم وإحصاء حسناتهم وسيئاتهم ، قال تعالى : ? وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ? [الانفطار:10/12] ، فالملائكة تسجيل أفعال الجنان والأبدان ، وقال تعالى عن تسجيلهم لقول القلب وقول اللسان : ? وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ? [ق:16/18] ، وهو سبحانه من فوقهم رقيب عليهم وعلى تدوينهم ورقيب أيضا على أفعال الإنسان قال تعالى : ? وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ? [يونس:61] (398) .
80- ( ( المحسن :
المحسن في اللغة اسم فاعل ، فعله أحسن يحسن إحسانا فهو محسن ، والحسْنُ ضدُّ القُبْح ، وحَسَّن الشيء تحسِينا زينه ، وأحْسَنَ إليه وبه صنع له وبه معروفا ، وهو يحسن الشيء أي يعلمه بخبره ، واستحسن الشيء رغب فيه وتعلق به واعتبره حَسَنا ، والحُسْنَى البالغة الحسن في كل شيء من جهة الكمال والجمال ، كما قال تعالى : ? لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَة ? [يونس:26] ، فالحسْنى الجنة والزّيادة النظر إلى وجه الله تعالى يوم القيامة ، فسرها بذلك رسول الله S والصحابة من بعده (399) .(32/168)
وقوله عز وجل : ? وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ? [لقمان:22] ، والمحسن في الشرع هو الذي بلغ درجة الإحسان ، والإحسان فسره النبي S كما جاء عن عمر ( : ( الإِحْسَان أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ) ، وقال تعالى : ? إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ? [النحل:90] ، قيل : أَراد بالإِحسان الإِخْلاص وهو شرط في صحةِ الإِيمان والإِسلام معا ، وقيل : أَراد بالإِحسان الإِشارةَ إلى المراقبة وحُسْن الطاعة فإِن مَنْ راقَب اللهَ أَحسَن عمَله ، والمعنى يشمل الاثنين معا (400) .
والمحسن سبحانه هو الذي له كمال الحسن في أسمائه وصفاته وأفعاله ، كما قال تعالى في كتابه : ? اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ? [طه:8] ، فلا شيء أكمل ولا أجمل من الله ، فكل كمال وجمال في المخلوق من آثار صنعته ، وهو الذي لا يحد كماله ولا يوصف جلاله ، ولا يحصي أحد من خلقه ثناء عليه ، بل هو كما أثنى على نفسه ، ليس في أفعاله عبث ولا في أوامره سفه ، بل أفعاله كلها لا تخرج عن الحكمة والمصلحة والعدل والفضل والرحمة ، إن أعطى فبفضله ورحمته وإن منع أو عاقب فبعدله وحكمته ، وهو الذي أحسن كل شيء خلقه فأتقن صنعه وأبدع كونه وهداه لغايته ، وأحسن إلى خلقه بعموم نعمه وشمول كرمه وسعة رزقه على الرغم من مخالفة أكثرهم لأمره ونهيه ، وأحسن إلي المؤمنين فوعدهم الحسني وعاملهم بفضله ، وأحسن إلى من أساء فأمهله ثم حاسبه بعدله (401) .
81- ( ( الحسيب :(32/169)
الحسيب في اللغة من صيغ المبالغة ، فعله حسِب يحسِب حسَابا وحسبانا ، واسم الفاعل الحاسب ، وهو الموصوف بمحاسبة غيره ، والحساب ضبط العدد وبيان مقادير الأشياء المعدودة ، سواء كان ذلك جزما أم ظنا ، والحسيب هو الكافي الكريم الرفيع الشأن ، والحسب في حقنا هو الشَّرَف الثابِتُ في الآباءِ ، والحسَبُ أيضا هو الفعل الصَّالِحُ ، ويقال : رُبَّ حَسِيبِ الأَصلِ غيرُ حَسِيب ، ِأَي له آباء يفعلون الخير ولا يفعله هو (402) .
والحسيب سبحانه هو العليم الكافي الذي قدر أرزاق الخلائق قبل خلقهم ، ووعد باستكمال العباد لأرزاقهم على مقتضى حكمته في ترتيب أسبابهم ، فضمن ألا تنفد خزائنه من الإنفاق ، وأن كلا سينال نصيبه من الأرزاق ، فهو الحسيب الرزاق وهو القدير الخلاق ، قال أبو حامد : ( الحسيب هو الكافي ، وهو الذي من كان له كان حسبه ، والله سبحانه وتعالى حسيب كل أحد وكافيه ، وهذا وصف لا تتصور حقيقته لغيره ، فإن الكفاية إنما يحتاج إليها المكفي لوجوده ولدوام وجوده ولكمال وجوده ، وليس في الوجود شيء هو وحده كاف لشيء إلا الله عز وجل ، فإنه وحده كاف لكل شيء لا لبعض الأشياء ، أي هو وحده كاف ليحصل به وجود الأشياء ويدوم به وجودها ويكمل به وجودها ) (403) .(32/170)
وهو سبحانه أيضا الحسيب الذي يكفي عباده إذا التجئوا إليه ، واستعانوا به واعتمدوا عليه ، قال تعالى : ? الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ? [آل عمران:173/174] ، وعند البخاري من حديث ابن عباس ( قال : حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ ، قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ ( حِينَ أُلْقِىَ في النَّارِ ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ حِينَ قَالُوا : ? إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ? (404) ، ومن كان الله حسيبه كفاه ، ومن عرف الحسيب حاسب نفسه قبل أن يلقاه .
والحسيب جل شأنه هو الذي يحصي أعداد المخلوقات وهيئاتها وما يميزها ، ويضبط مقاديرها وخصائصها ، ويحصي أعمال المكلفين في مختلف الدواوين ، يحصي أرزاقهم وأسبابهم وأفعالهم ومآلهم في حال وجودهم وبعد موتهم وعند حسابهم يوم يقوم الأشهاد ، فهو المجازي للخليقة عند قدومها بحسناتها وسيئاتها ، وحِسابُه واقعٌ لا محالة لا يَشْغَلُه حِسابُ واحد عَن آخَر ، كما لاَ يَشْغَلُه سَمْع عن سمع ، ولا شَأْنٌ عن شأْنٍ فهو سريع الحساب كما قال : ? الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ? [غافر:17] (405) .
والحسيب أيضا هو الكريم العظيم المجيد الذي له علو الشأن ومعاني الكمال ، وله في ذاته وصفاته مطلق الجمال والجلال ، قال تعالى : ? لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ? [الشورى:11] ، وقال تعالى : ? هَل تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً ? [مريم:65] (406) .
82- ( ( الشافي :(32/171)
الشافي في اللغة اسم فاعل ، فعله شفى يشفي شفاءََ ، وشفى كل شيء حرفه قال تعالى : ? وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ ? [آل عمران:103] ، والشِّفاء موافاة شفا السلامة وصار اسما للبرء ، فالشفاء هو الدواء الذي يكون سببا فيما يبرئ من السَّقمِ ، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث جَابِرٍ بن عبد الله ( أن النبي S قَالَ : (فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ ) (407) ، واسْتَشْفَى طلب الشِّفاء وناله ، وعند مسلم من حديث عائشة أن رسول الله S قَال عن هجاء حسان ( لقريش : ( هَجَاهُمْ حَسَّانُ فَشَفَى وَاشْتَفَى ) (408) ، أَراد أَنه شَفى المؤمنين واشتفى بنَفسِهِ أَي اخْتصَّ بالشِّفاء ، وهو من الشِّفاء أو البُرْءِ من المرض لكن المعنى نقل من شِفاء الأَجسامِ إِلى شِفاءِ القلوبِ والنُّفُوسِ يقال : اشْتفيْتُ بكذا وتَشَفيْت من غيْظي (409) .(32/172)
والشافي سبحانه هو الذي يرفع البأس والعلل ، ويشفي العليل بالأسباب والأمل فقد يبرأ الداء مع انعدام الدواء ، وقد يشفي الداء بلزوم الدواء ، ويرتب عليه أسباب الشفاء ، وكلاهما باعتبار قدرة الله سواء ، فهو الشافي الذي خلق أسباب الشفاء ورتب النتائج على أسبابها والمعلولات على عللها فيشفي بها وبغيرها ، لأن حصول الشفاء عنده يحكمه قضاؤه وقدره ، فالأسباب سواء ترابط فيها المعلول بعلته أو انفصل عنها هي من خلق الله وتقديره ومشيئته وتدبيره ، والأخذ بها لازم علينا من قبل الحكيم سبحانه لإظهار الحكمة في الشرائع والأحكام وتمييز الحلال والحرام وظهور التوحيد والإسلام ، فاللّه عزّ وجلّ متصف بالقدرة والحكمة ، ومن أسمائه القدير الحكيم ، فبالقدرة خلق الأشياء وأوجدها وهداها وسيرها وانفرد بذلك دون شريك وهذا توحيد الربوبية وبالحكمة رتب الأسباب ونتائجها وابتلانا بها وعلق عليها الشرائع والأحكام تحقيقا لتوحيد العبودية ، وإنما مثل الأسباب كمثل الآلة بيد الصانع فكما لا يقال : السيف ضرب العنق ولا السوط ضرب العبد ، وإنما يقال : السياف ضرب العنق وفلان ضرب فلانا بالسوط ، فكذلك لا يقال شفاني الدواء أو الطبيب لأنها أسباب وعلل ، والعلل والأسقام كما ذكر النبي عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه : ( طبيبها الذي خلقها ) (410) ، فهو سبحانه القادر الفاعل بلطائف القدرة وخفايا المشيئة ، ولذلك قال إبراهيم ( : ? وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ? [الشعراء:80] ، وقد وحد الغلام ربه في اسمه الشافي لما قال له الوزير في قصة أصحاب الأخدود : ( مَا هَاهُنَا لك أَجْمَعُ إِن أَنْتَ شَفَيْتَنِي ، فقال : إِنِّي لا أَشْفِى أَحَدًا إِنَّمَا يَشْفِى الله ، فإِن أَنْتَ آمَنْتَ بِاللهِ دَعَوْتُ اللهَ فَشَفَاكَ ، فَآمَنَ بِاللهِ فَشَفَاهُ اللهُ ) (411) .(32/173)
والله عز وجل هو الشافي الذي يشفي النفوس من أسقامها كما يشفي الأبدان من أمراضها ، قال تعالى : ? يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ? [يونس:57] وقد ذكر ابن القيم أن القلب متى اتصل برب العالمين خالق الداء والدواء ومدبر الطب ومصرفه على ما يشاء كانت له أدوية أخرى غير الأدوية التي يعانيها القلب البعيد منه المعرض عنه ، فإذا قويت النفس بإيمانها وفرحت بقربها من بارئها وأنسها به وحبها له وتنعمها بذكره وانصراف قواها كلها إليه وجمع أمورها عليه واستعانتها به وتوكلها عليه فإن ذلك يكون لها من أكبر الأدوية في دفع الألم بالكلية (412) .
83- ( ( الرفيق :
الرفيق في اللغة من صيغ المبالغة ، فعيل بمعنى فاعل ، فعله رَفقَ يَرْفق رِفقا ، والرِّفْق هو اللطف وهو ضد العنْف ، ويعني لِين الجانب ولطافة الفعل ، رفق بالأَمر وله وعليه وهو به رَفِيق يعني لَطِيف ، وعند أحمد من حديث عائشة أَن النبي S قال : ( مَا كَانَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلاَّ زَانَهُ وَلاَ عُزِلَ عَنْ شَيْءٍ إِلاَّ شَانَهُ ) (413) ، فالرفق هو اللّطفُ ورَفِيقكَ هو الذي يُرافِقُك في السفر تَجْمَعُكَ وإِيّاه رفقة واحدة ، والرفيق أيضا هو الذي يتولي العمل برفق ، أو يتَرفق بالمريض ويتلطف به ، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث أَبِى رمثة أن أباه قَالَ للرسول S : ( أَرِنِي هَذَا الَّذِي بِظَهْرِكَ فَإِنِّي رَجُلٌ طَبِيبٌ قَالَ S : اللهُ الطَّبِيبُ ، بَلْ أَنْتَ رَجُلٌ رَفِيقٌ ، طَبِيبُهَا الذِي خَلَقَهَا ) (414) ، والمِرْفَقُ من مَرَافِق الدار الأماكن المصاحبة للدار من خدمات مختلفة كمَصاب الماء ونحوُها والمَرفِق من الإِنسان والدابة أَعلى الذراع وأَسفل العَضُد (415) .(32/174)
والرفيق سبحانه هو اللطيف بعباده القريب منهم يغفر ذنوبهم ويتوب عليهم ، وهو الذي تكفل بهم من غير عوض أو حاجة ، فييسر أسبابهم وقدر أرزاقهم وهداهم لما يصلحهم ، فنعمته عليهم سابغة ، وحكمته فيهم بالغة ، يحب عباده الموحدين ويتقبل صالح أعمالهم ، ويقربهم وينصرهم على عدوهم ، ويعاملهم بعطف ورحمة وإحسان ويدعو من خالفه إلى التوبة والإيمان ، فهو الرفيق المحسن في خفاء وستر ، يحاسب المؤمنين بفضله ورحمته ، ويحاسب المخالفين بعدله وحكمته ، ترغيبا لهم في توحيده وعبادته ، وحلما منه ليدخلوا في طاعته (416) .(32/175)
والله عز وجل رفيق يتابع عباده في حركاتهم وسكناتهم ، ويتولاهم في حلهم وترحالهم بمعية عامة وخاصة ، فالمعية العامة كقوله تعالى : ? مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ? [المجادلة:7] ، والمعية الخاصة كقوله : ? وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ? [الأنفال:19] ، وعند الترمذي وصححه الألباني من حديث ابن عباس ( أن رسول الله S قال له : ( يَا غُلاَمُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ ، احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ ) (417) ، وعند مسلم من حديث ابن عمر ( أن رسول الله S كان يقول إذا خرج للسفر : ( اللهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السفرِ وَالخلِيفة فِي الأَهْلِ .. الحديث ) (418) ، وهو الرفيق الذي يجمع عباده الموحدين عنده في الجنة كما قالت امرأت فرعون : ? رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتا فِي الْجَنَّةِ ? [التحريم:11] وعند البخاري من حديث عائشة قالت : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ S يَقُولُ وَهْوَ صَحِيحٌ : لَنْ يُقْبَضَ نَبِي قَطُّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ ثُمَّ يُخَيَّرُ ، فَلَمَّا نَزَلَ بِهِ وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِي ، غُشِي عَلَيْهِ سَاعَةً ، ثُمَّ أَفَاقَ فَأَشْخَصَ بَصَرَهُ إِلَى السَّقْفِ ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى ، قُلْتُ : إِذًا لاَ يَخْتَارُنَا ، وَعَلِمْتُ أَنَّهُ الْحَدِيثُ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُنَا ، وَهْوَ صَحِيحٌ ، قَالَتْ : فَكَانَتْ تِلْكَ آخِرَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا : اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى ) (419) .
84- ( ( المعطي :(32/176)
المعطي اسم فاعل فعله من أعطى يعطي فهو معط ، والعَطِيَّة اسمٌ لما يُعْطي وجمعها عَطايا وأَعْطِيَة ، والعطاء إعطاء المال ، والعَطاء أَصله اللفظي عَطاو بالواو لأَنه من عَطَوْت إِلا أَن العرب تَهْمِزُ الواو والياء إِذا جاءتا بعد الأَلف لأنها أفضل في النطق والحركة ، ويقال : اسْتَعْطى وتَعَطي يعني سأَل العَطاء ، وإِذا أَردْتَ من زَيدٍ أَن يُعْطِيكَ شيئاً تقول : هل أَنتَ مُعْطِيَّه ؟ (420) .
والمعطي سبحانه هو الذي أعطى كل شيء خلقه وتولى أمره ورزقه في الدنيا والآخرة كما قال تعالى عن موسى ( وهو يصف عطاء الربوبية : ? قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُل شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ? [طه:50] ، وقال تعالى عن عطاء الآخرة : ? وَأَمَّا الذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاء رَبك عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ ? [هود:108] ، وعطاء الله قد يكون عاما أو خاصا ، فالعطاء العام يكون للخلائق أجمعين ، والعطاء الخاص يكون للأنبياء والمرسلين وصالح المؤمنين ، فمن العطاء العام ما ورد في قوله تعالى : ? كُلاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً ? [الإسراء:20] ، والعطاء هنا هو تمكين العبد من الفعل ومنحه القدرة والاستطاعة ، كل على حسب رزقه وقضاء الله وقدره ، ومن العطاء الخاص استجابة الدعاء وتحقيق مطلب الأنبياء والصالحين من الأولياء ، ومن ذلك الدعاء والعطاء في قصة سليمان ( :(32/177)
? قَالَ رَبِّ اغفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلكا لا يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَو أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ? [صّ:39] ، وكذلك في دعاء زكريا ( حيث قال : ? وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً ? [مريم:5] فحقق الله مطلبه وأعطاه ما يتمناه فقال : ? يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّاً ? [مريم:7] وقال عن عطائه للمؤمنين في الآخرة : ? جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَاباً ? [النبأ:36] (421) .
85- ( ( المقيت :
المقيت اسم فاعل للموصوف بالإقاتة فعله أقات وأصله قَات يَقُوت قُوتا ، والقوت لغة هو ما يمسك الرمق من الرزق ، تقول : قات الرجلَ وأقاته أي أعطاه قوته والمصدر القوت ، وهو المدخر المحفوظ الذي يقتات منه حين الحاجة ، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث عبد الله بن عمرو ( أن رسول الله S قال : ( كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ ) (422) .(32/178)
والمقيت سبحانه هو المقتدر الذي خلق الأقوات وتكفل بإيصالها إلى الخلق ، وهو حفيظ عليها ، فيعطي كل مخلوق قوته ورزقه على ما حدده سبحانه من زمان أو مكان أو كم أو كيف وبمقتضى المشيئة والحكمة ، فربما يعطي المخلوق قوتا يكفيه لأمد طويل أو قصير كيوم أو شهر أو سنة ، وربما يبتليه فلا يحصل عليه إلا بمشقة وكلفة ، والله عز وجل خلق الأقوات على مختلف الأنواع والألوان ويسر أسباب نفعها للإنسان والحيوان قال تعالى : ? وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفا أكلهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّان مُتَشَابِها وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كلوا مِنْ ثمَرِهِ إِذَا أَثمَر وَآتُوا حَقهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ المسْرِفِينَ ? [الأنعام:141] ، وكما أنه سبحانه المقيت الذي يوفي كامل الرزق للإنسان والحيوان ، فإنه أيضا مقيت القلوب بالمعرفة والإيمان ، وهو الحافظ لأعمال العباد بلا نقصان ولا نسيان (423) ، قال البيهقي في تفسير الاسم : ( المقيت هو المقتدر فيرجع معناه إلى صفة القدرة ، وقيل : المقيت الحفيظ ، وقيل : هو معطي القوت فيكون من صفات الفعل ) (424) .
86- ( ( السيد :
السيد في اللغة صفة مشبهة للموصوف بالسيادة ، أصله من سادَ يَسُودُ فهو سَيْوِد فقلبت الواو ياء لأجْل الياء الساكنة قبلها ثم أدغمت ، وقد سادهم سُودا وسِيادة يعني استادهم ، والسَّيّد يُطلق على الربِّ والمالِك والشَّرِيف والفاضل والكريم والحليم ومُتَحمِّل أذى قومِه والزَّوج والرئيس والمقدَّم ، والسيد على الإطلاق هو الله لأنه مالك الخلق أَجمعين ولا مالك لهم سواه (425) .(32/179)
والسيد سبحانه وهو الذي حقت له السيادة المطلقة ، فالخلق كلهم عبيده وهو ربهم ، وهو الذي يملك نواصيهم ويتولاهم ، وهو المالك الكريم الحليم الذي يملك نواصيهم ويتولى أمرهم ويسوسهم إلى صلاحهم (426) ، قال ابن القيم : ( وأما وصف الرب تعالى بأنه السيد فذلك وصف لربه على الإطلاق فإن سيد الخلق هو مالك أمرهم الذي إليه يرجعون وبأمره يعلمون وعن قوله يصدرون ، فإذا كانت الملائكة والإنس والجن خلقا له سبحانه وتعالى وملكا له ليس لهم غنى عنه طرفة عين وكل رغباتهم إليه وكل حوائجهم إليه كان هو سبحانه وتعالى السيد على الحقيقة ) (427) .
وقال الآلوسي في روح المعاني : ( وإطلاق الصمد بمعنى السيد عليه تعالى مما لا خوف فيه ، وإن كان في إطلاق السيد نفسه خلاف والصحيح إطلاقه عليه عز وجل كما في الحديث ) (428) ، وقال ابن القيم : ( السيد إذا أطلق عليه تعالى فهو بمعنى المالك والمولى والرب لا بالمعنى الذي يطلق علي المخلوق ) (429) .
87- ( ( الطيب :
الطيب في اللغة على بناء فِعْل ، فعله طاب يطيب طيبا فما أطيبه ، يعني ما أجمله وما أزكاه وما أنفسه ، وما أحلاه وما أجوده ، والطيب يكون في المحسوسات وغيرها فالطيب من المحسوسات هو ما لذ وزكا من خيار المطعومات والملبوسات في الدنيا والآخرة كما في قوله تعالى : ? كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً ? [البقرة:168] ، وقال تعالى عن طيبات الآخرة : ? وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ? [الصف:12] (430) ، أما الطيب في غير المحسوسات فهو كالطيب من القول والكلمات أو الباقيات الصالحات كما في قوله تعالى : ? أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ? [إبراهيم:24].(32/180)
والله عز وجل طيب له الكمال في ذاته وأسمائه وصفاته ، قال تعالى : ? اللّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ? [طه:8] ، وقال تعالى : ? لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ? [الشورى:11] ، وهو أيضا طيب في أفعاله يفعل الأكمل والأحسن ، فهو الذي أتقن كل شيء ، وأحسن كل شيء ، فالحكيم اسمه والحكمة صفته ، وهي بادية في خلقه تشهد لكمال فعله ، وتشهد بأنه جميل جليل عليم خبير ، قال تعالى : ? صُنْعَ اللهِ الذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ? [النمل:88] ، وقال : ? صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ ? [البقرة:138] ، وقال : ? الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسان مِنْ طِينٍ ? [السجدة:7] ، والطيب أيضا هو القدوس المنزه عن النقائص والعيوب ، قال القاضي عياض : ( الطيب في صفة الله تعالى بمعنى المنزه عن النقائص وهو بمعنى القدوس وأصل الطيب الزكاة والطهارة والسلامة من الخبث ) (431) .
وهو سبحانه الطيب الذي طيب الدنيا للموحدين فأدركوا الغاية منها وعلموا أنها وسيلة إلى الآخرة سينتقلون عنها ، وطيب الجنة لهم بالخلود فيها فشمروا إليها سواعدهم وضحوا من أجلها بأموالهم وأنفسهم رغبة في القرب من الله (432).
88- ( ( الحكم :(32/181)
الحكم في اللغة من صيغ المبالغة لاسم الفاعل الحاكم ، وهو الذي يحَكم ويفصل ويقضي في سائر الأمور ، فعله حكم يحكم حُكْما ، والحكم العلم والفقه ، قال الله تعالى : ? يَا يَحْيَى خُذِ الكِتَابَ بِقوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الحكمَ صَبِيّا ? [مريم:12] ، والحكم القضاء بالعدل قال تعالى : ? وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ? [النساء:58] ، والحَكَم بفتحتين هو الحاكم ، وحَكَّمه في ماله تحكيماً إذا جعل إليه الحُكْمَ فيه ، واحتكموا إلى الحاكم وتَحَاكمُوا بمعنى واحد قال تعالى : ? فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ? [النساء:65] ، والمحاكمة هي المخاصمة إلى الحاكم (433) .
والحكم سبحانه هو الذي يحكم في خلقه كما أراد ، إما إلزاما لا يرد وإما تكليفا على وجه الابتلاء للعباد ، فحكمه في خلقه نوعان :
أولا : حكم يتعلق بالتدبير الكوني وهو واقع لا محالة لأنه يتعلق بالمشيئة ، ومشيئة الله لا تكون إلا بالمعنى الكوني فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، ومن ثم لا معقب لحكمه ولا غالب لأمره ولا راد لقضائه وقدره ، ومن هذا الحكم ما ورد في قوله تعالى : ? أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ? [الرعد:41] ، وكذلك قوله : ? قَال رَبِّ احْكُمْ بِالحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ المُسْتَعَانُ عَلى مَا تَصِفُونَ ? [الأنبياء:112] ، أي افعل ما تنصر به عبادك وتخذل به أعداءك .(32/182)
ثانيا : حكم يتعلق بالتدبير الشرعي وهو حكم تكليفي ديني يترتب عليه ثواب وعقاب وموقف المكلفين يوم الحساب ، ومثاله ما جاء في قوله تعالى : ? يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالعُقُودِ أُحِلتْ لكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلا مَا يُتْلى عَليْكُمْ غَيْرَ مُحِلي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ ? [المائدة:1] ، ومثال الحكم الشرعي أيضا قوله تعالى : ? وَمَا اخْتَلفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلى اللهِ ? [الشورى:10] ، وقوله : ? وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللهِ ثُمَّ يَتَوَلوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلكَ وَمَا أُولئِكَ بِالمُؤْمِنِينَ ? [المائدة:43] .
قال القرطبي : ( فالحَكَم من له الحكم وهو تنفيذ القضايا وإمضاء الأوامر والنواهي وذلك بالحقيقة هو الله تعالى ، فهذا الاسم يرجع تارة إلى معنى الإرادة ، وتارة إلى معنى الكلام ، وتارة إلى الفعل ، فأما رجوعه إلى الإرادة فإن الله تعالى حكم في الأزل بما اقتضته إرادته ، ونفذ القضاء في اللوح المحفوظ ، يجري القلم فيه على وفاق حكم الله ، ثم جرت الأقدار في الوجود بالخير والشر ، والعرف والنكر على وفاق القضاء والحكم ، وإذا كان راجعا إلى معنى الكلام فيكون معناه المبين لعباده في كتابه ما يطالبهم به من أحكامه كما يقال لمن يبين للناس الأحكام وينهج لهم معاني الحلال والحرام : حكم ، وعلى هذا فلا يكون في الوجود حكم إلا كتابه ، فعنده يوقف إذ هو الحكم العدل ، وإذا كان راجعا إلى الفعل فيكون معناه الحكم الذي ينفذ أحكامه في عباده بإشقائه إياهم وإسعاده وتقريبه إياهم وإبعاده على وفق مراده ) (434) .
وقال ابن القيم في نونيته :
والحكم شرعي وكوني ولا يتلازمان وما هما سيان
بل ذاك يوجد دون هذا مفردا والعكس أيضا ثم يجتمعان
لن يخلو المربوب من إحداهما أو منهما بل ليس ينتفيان(32/183)
لكنما الشرعي محبوب له أبدا ولن يخلو من الأكوان
هو أمره الديني جاءت رسله بقيامه في سائر الأزمان
لكنما الكوني فهو قضاؤه في خلقه بالعدل والإحسان
هو كله حق وعدل ذو رضا والشأن في المقضي كل الشان (435) .
89- ( ( الأكرم :
الأكرم اسم دل على المفاضلة في الكرم ، فعله كرم يكرم كرما ، والأكرم هو الأحسن والأنفس والأوسع والأعظم والأشرف ، والأعلى من غيره في كل وصف كمال ، قال تعالى : ? إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ? [الحجرات:13] (436) .(32/184)
والأكرم سبحانه هو الذي لا يوازيه كرم ولا يعادله في كرمه نظير ، وقد يكون الأكرم بمعنى الكريم ، لكن الفرق بين الكريم والأكرم أن الكريم دل على الصفة الذاتية والفعلية معا كدلالته على معاني الحسب والعظمة والسعة والعزة والعلو والرفعة وغير ذلك من صفات الذات ، وأيضا دل على صفات الفعل فهو الذي يصفح عن الذنوب ولا يمن إذا أعطى فيكدر العطية بالمن ، وهو الذي تعددت نعمه على عباده بحيث لا تحصى وهذا كمال وجمال في الكرم ، أما الأكرم فهو المنفرد بكل ما سبق في أنواع الكرم الذاتي والفعلي فهو سبحانه أكرم الأكرمين له العلو المطلق على خلقه في عظمة الوصف وحسنه ومن ثم له جلال الشأن في كرمه وهو جمال الكمال وكمال الجمال (437) ، فالله عز وجل لا كرم يسموا إلى كرمه ولا إنعام يرقى إلى إنعامه ولا عطاء يوازي عطاءه ، له علو الشأن في كرمه ، يعطى ما يشاء لمن يشاء كيف يشاء بسؤال وغير سؤال ، وهو يعفو عن الذنوب ويستر العيوب ويجازي المؤمنين بفضله ويمهل المعرضين ويحاسبهم بعدله فما أكرمه وما أرحمه وما أعظمه (438) ، وحسبنا ما جاء في قوله : ? وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا ? [النحل:18] ، وقال : ? وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ? [الضحى:11] ، وعند البخاري من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ : مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ ) (439).
90- ( ( البر :(32/185)
الَبرُّ اسم فاعل للموصوف بالبر ، فعله بَرَّ يَبَرُّ فهو بارُّ وجمعه بَرَرَة , والبِرُّ هو الإحسان ، والبر في حق الوالدين والأقربِينَ من الأهل ضدّ العُقوق وهو الإساءة إليهم والتَّضْييع لحقهم (440) ، والبَرُّ والبارّ بمعنى واحد , لكن الذي ثبت في أسماء الله تعالى البَرُّ دُون البارّ والأسماء كما علمنا توقيفية على النص .
والبر سبحانه وتعالى هو العَطوف على عبادة ببِرة ولطفه ، فهو أهل البر والعطاء يحسن إلى عباده في الأرض أو في السماء ، روى البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ ( أَنَّ رَسُولَ اللهِ S قَالَ : ( قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ ، وَقَالَ : يَدُ اللهِ مَلأَى لاَ تَغِيضُهَا نَفَقَةٌ ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ، وَقَالَ : أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَدِهِ ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ، وَبِيَدِهِ الْمِيزَانُ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ ) (441) ، كما أن البر عز وجل هو الصادق في وعده الذي يتجاوز عن عبده وينصره ويحميه ، ويقبل القليل منه وينميه ، وهو المحسن إلى عبادِهِ الذي عَمَّ بِرُّهُ وإحسانُه جميعَ خلقِهِ فما منهم من أحد إلا وتكفل الله برزقه (442) ، قال أبو السعود : ( البر المحسن الرحيم الكثير الرحمة الذي إذا عبد أثاب وإذا سئل أجاب ) (443) .
91- ( ( الغفار :
الغفار في اللغة من صيغ المبالغة على وزن فعال كثير المغفرة ، فعله غفر يغفر غفرا ومغفرة ، وأَصل الغَفرِ التغطية والستر ، وقد تقدم الحديث عن المعنى اللغوي في تفسير اسم الله الغفور (444) .(32/186)
والغفار سبحانه هو الذي يستر الذنوب بفضله ويتجاوز عن عبده بعفوه ، وطالما أن العبد موحد فذنوبه تحت مشيئة الله وحكمه ، فقد يدخله الجنة ابتداء وقد يطهره من ذنبه ، والغفور والغفار قريبان في المعنى فهما من صيغ المبالغة في الفعل ، وقيل الغفار أبلغ من الغفور ، فالغفور هو من يغفر الذنوب العظام ، والغفار هو من يغفر الذنوب الكثيرة ، غفور للكيف في الذنب وغفار للكم فيه (445) ، وقد تكون هناك من الفروق ما لم يظهر حتى الآن مما يظهر إعجاز القرآن فيما يستقبل من الزمان ، كما هو الحال في الإعجاز العددي لحساب الحروف والجمل فإنها أمور تزيد العقل عجزا في تصور عظمة القرآن (446) ، وقد ظهر الآن الإعجاز الصوتي للأسماء الحسنى وإن كان الأمر يتطلب مزيدا من الأدلة ، فقد تبين بالتجربة أن كل اسم له تأثير صوتي على الجهاز المناعي في الإنسان ، وأمور أخرى تبين أن اسم الله الغفار على وزن فعال له موضعه المحسوب بدقة في كتاب الله ، وأن اسم الله الغفور على وزن فعول له أيضا موضعه المحسوب بدقة في كتاب الله (447) .(32/187)
وأيا كان الفرق فإن الغفار يدل على المبالغة في الكثرة ، والله عز وجل وضع نظاما دقيقا لملائكته في تدوين الأجر الموضوع على العمل ، فهي تسجل ما يدور في منطقة حديث النفس دون وضع ثواب أو عقاب لقوله S في الحديث : ( إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتي مَا وَسْوَسَتْ بِهِ صُدُورُهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَكَلمْ ) (448) ، وهذا يتطلب استغفارا عاما لمحو خواطر الشر النابعة من هوى النفس ، ويتطلب استعاذة لمحو خواطر الشر النابعة من لمة الشيطان ، كما أنها تسجل ما يدور في منطقة الكسب مع وضع الثواب والعقاب ، وهي تسجل فعل الإنسان المحدد بالزمان والمكان ثم تضع الجزاء المناسب بالحسنات والسيئات في مقابل العمل ، فإذا تاب العبد من الذنب محيت سيئاته وزالت وغفرت بأثر رجعي وبدلت السيئات حسنات كما قال : ? إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِل عَمَلاً صَالحاً فَأُولئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيما ً? [الفرقان:70] ، وهذه هي المبالغة في المغفرة أن الوزر يقابله بالتوبة الصادقة حسنات ، فالله عز وجل غفار كثير المغفرة لم يزل ولا يزال بالعفو معروفا ، وبالغفران والصفح عن عباده موصوفا وكل مضطر إلى عفوه ومغفرته كما هو مضطر إلى رحمته وكرمه ، وقد وعد عباده بالمغفرة والعفو لمن أتى منهم بأسبابها فقال : ? وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى ? [طه:82] (449) .
92- ( ( الرءوف :(32/188)
الرءوف صيغة مبالغة من اسم الفاعل الرائف ، وهو الموصوف بالرأفة ، فعله رَأَفَ به يَرْأَف رَأْفة ، والرأفة في حقنا هي امتلاء القلب بالرقة ، وهي أشد ما يكون من الرحمة ، وقيل : بل شدة الرحمة ومنتهاها ، قال تعالى : ? الزَّانِيَة وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ ? [النور:2] ، يعني لا تنظروا بأي اعتبار يمكن أن يمنحهم شيئا من الرحمة والرقة ، فلا ترحموهما فَتُسْقِطُوا عنهما ما أَمَرَ الله به من الحد ، ويمكن القول أن الرحمة تسبق الرأفة ، فالرأفة هي المنزلة التي تعقبها يقال : فلان رحيم فإذا اشتدت رحمته فهو رءوف ، فالرأفة آخر ما يكون من الرحمة ولذلك قدمت الرأفة على الرحمة في وصف نبينا S كما قال تعالى : ? بِالْمُؤْمِنِينَ رءوف رَحِيمٌ ? [التوبة:128] ، وذلك على اعتبار أن الرأفة مبالغة في الرحمة ، والمبالغة في الرحمة تتعلق بخاصة المؤمنين ، أما الرحمة في اسمه الرحمن فإنها تتعلق بالخلائق أجمعين ، فالأمر في الرأفة والرحمة على قدر الولاية والإيمان وعلى حسب علو الهمة في عمل الإنسان وقد كانت رأفة النبي S بأصحابه ما بعدها رأفة (450) .(32/189)
والرءوف سبحانه هو الذي يتعطف على عباده المؤمنين بحفظ سمعهم وأبصارهم وحركاتهم وسكناتهم في توحيده وطاعته وهذا من كمال الرأفة بالصادقين ، روى البخاري من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ ( عن النبي S في الحديث القدسي : ( وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الذِي يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ التِي يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ التِي يَمْشِى بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ ) (451).
وكذلك الرءوف يدل على معنى التعطف على عباده المذنبين ، فيفتح لهم باب التوبة ما لم تغرغر النفس أو تطلع الشمس من مغربها ، فقد روى مسلم من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( مَنْ تَابَ قَبْل أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ اللهُ عَليْه ) (452) ، وعنده أيضا من حديث أَبِي مُوسَى الأشعري ( أنِ النَّبِيِّ S قَال : ( إِن اللهَ عَزَّ وَجَل يَبْسُطُ يَدَهُ بِالليْل ليَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ ليَتُوبَ مُسِيء الليْل حتى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ) (453) ، والرءوف أيضا هو الذي يخفف عن عباده فلا يكلفهم ما يشق عليهم أو يخرج عن وسعهم وطاقتهم ، قال تعالى : ? يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفاً ? [النساء:28] ، وقال : ? لا يُكَلفُ اللهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا ? [البقرة:286] (454) .
93- ( ( الوهاب :(32/190)
الوهاب في اللغة صيغة مبالغة على وزن فعال من الواهب وهو المعطي للهبة ، فعله وهب يهب وهبا وهبة ، والهبة عطاء الشيء بلا عوض ، قال ابن منظور : ( الهبة العطية الخالية عن الأعواض والأغراض ، فإذا كثرت سمي صاحبها وهابا ، وهو من أبنية المبالغة ) (455) .
والوهاب سبحانه هو الذي يكثر العطاء بلا عوض ، ويهب ما يشاء لمن يشاء بلا غرض ، ويعطي الحاجة بغير سؤال ، ويسبغ على عباده النعم والأفضال ، نعمه كامنة في الأنفس وجميع المصنوعات ، ظاهرة بادية في سائر المخلوقات ، نعم وعطاء وجود وهبات تدل على أنه المتوحد في اسمه الوهاب ، قال تعالى : ? للهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ? [الشورى:50] (456) .(32/191)
والله جل شأنه يهب العطاء في الدنيا على سبيل الابتلاء ، ويهب العطاء في الآخرة على سبيل الأجر والجزاء ، فعطاؤه في الدنيا علقه بمشيئته وابتلائه للناس بحكمته ليتعلق العبد بربه عند النداء والرجاء ، ويسعد بتوحيده وإيمانه بين الدعاء والقضاء ، وهذا أعظم فضل وهبة وعطاء إذا أدرك العبد حقيقة الابتلاء ، واستعان بالله في تحقيق ما يتمناه ، قال زكريا ( في دعائه : ? وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً ? [مريم:5] ، وقال سبحانه عن عباده الموحدين : ? وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ? [الفرقان:74] ، وقال تعالى في المقابل عن الراغبين في الدنيا المعرضين عن الآخرة : ? مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُورا ً? [الإسراء:18] ، فعلق تحقيق مراد العبد في الدنيا على مشيئته سبحانه ، أما في الآخرة فيحقق للعبد مشيئته وما يتمناه قال تعالى : ? لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ? [قّ:35] ، فالله عز وجل من أسمائه الحسنى الوهاب ومن صفاته أنه يهب ما يشاء لمن يشاء كيف يشاء ، فإن أوجب شيئا على نفسه فهو من فضله وكرمه ، فما يعطيه لعباده ظاهرا وباطنا في الدنيا والآخرة إنما هي نعم وهبات وهي من الكثرة بحيث لا تحصيها الحسابات (457) .
94- ( ( الجواد :(32/192)
الجواد في اللغة صفة مشبهة للموصوف بالجود ، فعله جادَ يَجود جَوْدة ، والجَيِّد نقيض الرديء ، وقد جاد جَوْدة وأَجاد يعني أَتى بالجَيِّد من القول أَو الفعل ، والجود هو الكرم ، ورجل جَواد يعني سخي كثير العطاء ، والجود من المطر هو الذي لا مطر فوقه في الكثرة ، وفلان يَجُود بنفسه أَي يخرجها ويدفعها كما يدفع الإِنسان ماله ويجود به ، وعند البخاري من حديث أسامة بن زيد ( قَالَ : ( كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ S إِذْ جَاءَهُ رَسُولُ إِحْدَى بَنَاتِهِ .. أَنَّ ابْنَهَا يَجُودُ بِنَفْسِهِ ، فَبَعَثَ إِلَيْهَا : لِلَّهِ مَا أَخَذَ ، وَلِلَّهِ مَا أَعْطَى كُلٌّ بِأَجَلٍ فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ ) (458) ، والذي يجود بنفسه عند الموت لا دخل له في إخراج الروح أو إبقائها ، وإنما ذلك لله عز وجل الذي يأمر ملائكته باستخراجها ، ولكن عبر بأنه يجود بنفسه تكريما له إذ لا حيلة في دفع الموت ، أو لرضاه بقدر الله واستعداده للقائه ورغبته في أن يلقى الله مؤمنا ، كما في حديث عمران بن حصين ( في المرأة الجهنية التي رجمت بحد الزنا قال S : ( وَهَلْ وَجَدْتَ تَوْبَةً أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا للهِ تَعَالَى ) (459) ، فالجود سهولة البذل والإنفاق وتجنب ما لا يحمد من الأخلاق ويكون بالعبادة والصلاح وبالسخاء والسماح (460) .(32/193)
والجواد أيضا جمع جادة والجادة الطريق الممهد ، أو سواء الطريق ووسطه ، أو الطريق الأعظم التي تجتمع الطرق عليه كما ورد عند مسلم من حديث عبد الله بن سلام ( أنه قال : ( بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ أَتَانِي رَجُلٌ فَقَالَ لِي : قُمْ ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ قَالَ فَإِذَا أَنَا بِجَوَادَّ عَنْ شِمَالِي ، قَالَ : فَأَخَذْتُ لآخُذَ فِيهَا فَقَالَ لِي : لاَ تَأْخُذْ فِيهَا فَإِنَّهَا طُرُقُ أَصْحَابِ الشِّمَالِ ، قَالَ : فَإِذَا جَوَادُّ مَنْهَجٌ عَلَي يَمِيِنِي فَقَالَ لِي : خُذْ هَا هُنَا ، فَأَتَيْتُ النَّبِي S فَقَصَصْتُهَا عَلَيْهِ ، فَقَالَ ، أَمَّا الطُّرُقُ الَّتِي رَأَيْتَ عَنْ يَسَارِكَ فَهِي طُرُقُ أَصْحَابِ الشِّمَالِ وَأَمَّا الطُّرُقُ الَّتِي رَأَيْتَ عَنْ يَمِينِكَ فَهِي طُرُقُ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ) (461) .
والجواد سبحانه هو الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته ، الذي ينفق على خلقه بكثرة جوده وكرمه ، وفضله ومدده ، فلا تنفد خزائنه ، ولا ينقطع سحاؤه ، ولا يمتنع عطاؤه ، روى البخاري من حديث أَبِي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( يَدُ اللهِ مَلأَى لاَ يَغِيضُهَا نَفَقَة سَحَّاء الليْلَ وَالنَّهَارَ ، أرَأيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذ خَلقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا في يَدهِ ) (462) ، وهو سبحانه من فوق عرشه عليم بموضع جوده في خلقه ، فلا يعطي إلا بمقتضى عدله وحكمته ، وما يحقق مصلحة الشيء وغايته ، ولذلك جاء عقب ذكر جوده ونفقته : ( عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ وَبِيَدِهِ الأخْرَى المِيزَان يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ ) (463) .(32/194)
وهو الذي يهدي عباده أجمعين إلى جادة الحق المبين ، هداهم سبل الشرائع والأحكام وتمييز الحلال من الحرام ، وبين لهم أسباب صلاحهم في الدنيا والآخرة ودعاهم إلى عدم إيثار الدنيا على الآخرة ، قال تعالى : ? وَاللهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ? [يونس:25] ، وقال سبحانه : ? إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ? [هود:56] .
ويذكر ابن القيم أن الجواد سبحانه هو الذي له الجود كله ، وجود جميع الخلائق في جنب جوده أقل من ذرة في جبال الدنيا ورمالها ، فمن رحمته سبحانه بعباده أنه ابتلاهم بالأوامر والنواهي رحمة وحمية ، لا حاجة منه إليهم بما أمرهم به فهو الغني الحميد ، ولا بخلا منه عليهم بما نهاهم عنه فهو الجواد الكريم ، ومن رحمته أن نغص عليهم الدنيا وكدرها لئلا يسكنوا إليها ولا يطمئنوا إليها ، ويرغبوا في النعيم المقيم في داره وجواره ، فساقهم إلى ذلك بسياط الابتلاء والامتحان ، فمنعهم ليعطيهم وابتلاهم ليعافيهم ، وأماتهم ليحييهم ، ومن رحمته بهم أن حذرهم نفسه لئلا يغتروا به فيعاملوه بما لا تحسن معاملته به ، كما قال تعالى : ? وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ? [آل عمران:30] ، قال غير واحد من السلف : من رأفته بالعباد حذرهم من نفسه لئلا يغتروا به (464) .
95- ( ( السبوح :(32/195)
السبوح في اللغة من أبنية المبالغة على وزن فعُّول ، فعله سبح يَسبحُ تسبيحا ، وسَبَحَ في الكلام إِذا أَكثر فيه التَّسبيح والتنزيه ، وسبحان الله معناه تنزيه الله من الصاحبة والولد ، وقيل : معناه تنزيه الله تعالى عن كل ما لا ينبغي أن يوصف به ، وجِماعُ معناه بُعْدُه تبارك وتعالى عن أَن يكون له شريك أَو ندّ ، أَو مثيْل أَو ضدّ وسبَّحْتُ الله تسبيحاً وسُبْحانا بمعنى واحد (465) .
والسُبّوحُ عز وجل هو الذي له أوصاف الكمال والجمال بلا نقص ، وله الأفعال المقدسة عن الشر والسوء ، حيث يسْبحُ فيها قلبُ المسبح تذكرا وتفكرا فلا يرى إلا العظمةَ والبعدَ عن النَّقص والشَّر ، فيقول ما أبْعَد الله عن السوء ، ثم يقطع مسافة أو مَرْحَلة أخرى في معرفةِ الأَوْصَاف ومشاهدةِ والأفعال فيزداد تعظيماً لله وتبعيدا له من السوء ، والقلب في ذلك يبتعد من الظلمات إلى النور ، ومن إرادة الشر إلى إرادة الخير ومن عَمَى القلوب وأَدْوَائها إلى نُورِها وشفائِها ، ومن فسَادِها وَسَيْطرة الأهواء عليها إلى صَلاحِها وسَيْطرة الوَحْي عليها (466) ، وعند مسلم من حديث أَبِي مُوسَى الأشعري ( أنه قَالَ : ( قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ S بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ .. وذكر منها .. حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ ) (467) .(32/196)
والسبوح سبحانه هو الذي سبح بحمده المسبحون قال تعالى : ? إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ ? [الأعراف:206] ، وقال : ? دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ ? [يونس:10] ، وقال سبحانه : ? تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِن مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً ? [الإسراء:44] .
96- ( ( الوارث :
الوارث اسم فاعل للموصوف بالوراثة من غيره ، يقال : ورث فلان أباه يرثه وراثة وميراثا ، وورث الرجل ولده مالا أي أشركه في ماله ، والوراثة في حقنا انتقال المال أو الملك من المتقدم إلى المتأخر ، ومنه وارث مال الميت الذي يملك تركته ، ووارث الملك يرث سلطانه (468) .
والوارث سبحانه هو الباقي الدائم بعد فناء الخلق ، قال ابن منظور : ( الوارث صفة من صفات الله عز وجل وهو الباقي الدائم الذي يرث الخلائق ويبقى بعد فنائهم والله عز وجل يرث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين ، أي يبقى بعد فناء الكل ويفنى من سواه ، فيرجع ما كان ملك العباد إليه وحده لا شريك له ) (469) .(32/197)
وإذا كان الخلائق يتعاقبون على الأرض فيرث المتأخر المتقدم ، ويرث الولد والده والزوج زوجته وهكذا يستمر التوارث حتى ينقطع حبل الحياة في الدنيا ، فإنه لا يبقى إلا مالك الملك الوارث الكبير ، قال تعالى : ? وَلِلهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ? [آل عمران:180] ، فالوارث سبحانه هو الباقي بعد فناء الخلق أو الوارث لجميع الأشياء بعد فناء أهلها ، والوارث أيضا هو الذي أورث المؤمنين ديار الكافرين في الدنيا كما قال تعالى : ? وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تطَئُوها وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرا ? [الأحزاب:27] ، وكذلك أورث المؤمنين مساكنهم في الجنة فجعل لهم البقاء مخلدين فيها كما قال : ? وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ? [الزمر:74] ، وقال : ? تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً ? [مريم:63] ، وتوريث المؤمنين الجنة لا يعني أنها تشارك الله في البقاء والإرث ، لأن خلد الجنة وأهلها إلى ما لا نهاية إنما هو بإبقاء الله وإرادته فبقاء المخلوقات ليس من طبيعتها ولا من خصائصها الذاتية ، بل من طبيعتها جميعا الفناء ، أما بقاء الله ودوامه وميراثه وسائر أوصافه فهي باقية ببقائه ملازمة لذاته سبحانه وتعالى ، لأن البقاء صفة ذاتية له فهو الوارث لجميع الخلائق في الدنيا والآخرة .
97- ( ( الرب :(32/198)
الرب في اللغة صفة مشبهة للموصوف بالربوبية ، فعله ربَّ يربُّ ربوبية ، أو ربى يربي تربية ، والرب هو الذي يربي غيره وينشئه شيئا فشيئا ويُطْلقُ على المالِك والسَّيِّد والمدَبَّر والمُرَبِّي والقَيِّم والمُنْعِم ، ولا يُطلَقُ غيرَ مُضاف إلا على الله تعالى ، وإذا أُطلِقَ على غَيره أُضِيف ؛ كرب الإبل ورب الدار ، أي مالكها ، ويطلق أيضا على السيد المطاع ، ومنه قوله تعالى : ? أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا ? أي سيده المطاع ، ويطلق الرب أيضا على المعبود ومنه قول الشاعر :
أرب يبول الثعلبان برأسه : لقد ذل من بالت عليه الثعالب .
فوصف الرب من الناحية اللغوية يكون لمن أنشأ الشيء حالا فحالا إلي حد التمام أو قام على إصلاح شئونه وتولي أمره بانتظام (470) .
والرب سبحانه وتعالى هو المتكفل بخلق الموجودات وإنشائها والقائم علي هدايتها وإصلاحها وهو الذي نظم معيشتها ودبر أمرها ، ودليل هذا المعنى ما ورد في قوله تعالى : ? إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الذِي خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلى العَرْشِ يُغْشِي الليْل النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لهُ الخَلقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالمِينَ ? [الأعراف:54] ؛ فالرب سبحانه هو المتكفل بالخلائق أجمعين إيجادا وإمدادا ورعاية وقياما على كل نفس بما كسبت ، قال تعالى : ? أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلى كُل نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ? [الرعد:33] .(32/199)
وحقيقة معنى الربوبية في القرآن تقوم على ركنين اثنين وردا في آيات كثيرة أحدهما إفراد الله بالخلق ، والثاني إفراده بالأمر وتدبير ما خلق ، كما قال تعالى عن موسى ( هو يبين حقيقة الربوبية لفرعون لما سأله: ? قَال فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى قَال رَبُّنَا الذِي أَعْطَى كُل شَيْءٍ خَلقَهُ ثُمَّ هَدَى ? ، فأجاب فرعون عن الربوبية بحصر معانيها في معنيين جامعين ، الأول إفراد الله بتخليق الأشياء وتكوينها وإنشائها من العدم حيث أعطى كل شيء خلقه وكمال وجوده ، والثاني إفراد الله بتدبير الأمر في خلقه كهدايتهم والقيام على شؤونهم وتصريف أحوالهم والعناية بهم فهو سبحانه الذي توكل بالخلائق أجمعين قال تعالى : ? اللهُ خَالقُ كُل شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُل شَيْءٍ وَكِيل ? [الزمر:63] (471) .
98- ( ( الأعلى :
الأعلى في اللغة أفعل التفضيل ، فعله علا يعلو علوا ، فالأعلى هو الذي ارتفع عن غيره وفاقه في وصفه ، وهي مفاضلة بين اثنين أو الجميع في عظمة وصف أو فعل ، أو مفاضلة بين صاحب العلو والأعلى منه ، فالأعلى ذو العلا والعلاء والمعالي (472) ، قال تعالى : ? وَللهِ المَثَلُ الأَعْلَى وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ? [النحل:60] ، وقال : ? وَلَهُ المَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ? [الروم:27] ، قال الألوسي : ( وله المثل الأعلى أي الصفة العجيبة الشأن التي هي مثل في العلو مطلقا ، وهو الوجوب الذاتي ، والغنى المطلق ، والجود الواسع ، والنزاهة عن صفات المخلوقين ، ويدخل فيه علوه تعالى عما يقولون علوا كبيرا ) (473) .(32/200)
واسم الله الأعلى دل على علو الشأن وهو أحد معاني العلو ، فالله عز وجل تعالى عن جميع النقائص والعيوب المنافية لإلهيته وربوبيته ، وتعالى في أحديته عن الشريك والظهير والولي والنصير ، وتعالى في عظمته أن يشفع أحد عنده دون إذنه ، وتعالى في صمديته عن الصاحبة والولد وأن يكون له كفوا أحد ، وتعالى في كمال حياته وقيوميته عن السنة والنوم ، وتعالى في قدرته وحكمته عن العبث والظلم ، وتعالى في علمه عن الغفلة والنسيان ، وعن ترك الخلق سدي دون غاية أو ابتلاء أو امتحان ، وتعالى في غناه يُطعِمُ وَلا يُطعَمُ ويرزُق ولا يُرزَق ، بل هو على كل شيء قدير ، وكل شيء إليه فقير ، وكل أمر عليه يسير ، لا يحتاج إلى شيء ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، تعالي في صفات كماله ونعوت جلاله عن التعطيل والتمثيل (474) .
والله عز وجل يجوز في حقه قياس الأولي بدليل قوله : ? وَلِلهِ المَثَلُ الأَعْلَى وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ? [النحل:60] ، فإنه من المعلوم أن كل كمال أو نعت ممدوح لنفسه لا نقص فيه يكون لبعض الموجودات المخلوقة المحدثة فالرب الخالق الصمد القيوم هو أولى به ، وكل نقص أو عيب يجب أن ينزه عنه بعض المخلوقات المحدثة فالرب الخالق القدوس السلام هو أولى أن ينزه عنه (475) ، قال ابن تيمية : ( ولهذا كانت الطريقة النبوية السلفية أن يستعمل في العلوم الإلهية قياس الأولى كما قال الله تعالى : ? وَلِلهِ المَثَلُ الأَعْلَى ? ، إذ لا يدخل الخالق والمخلوق تحت قضية كلية تستوي أفرادها ولا يتماثلان في شيء من الأشياء ، بل يعلم أن كل كمال لا نقص فيه بوجه ثبت للمخلوق فالخالق أولى به وكل نقص وجب نفيه عن المخلوق فالخالق أولى بنفيه عنه ) (476) ، فقياس الأولى جائز في حق الله وأسمائه وصفاته وأفعاله أما المحرم الممنوع فهو قياس التمثيل والشمول (477) .
99- ( ( الإله :(32/201)
الإله في اللغة اسم المفعول المألوه أي المعبود ، فعله أَلهَ يألهُ إلاهَة ، والإله هو الله عز وجل ، وكل ما اتخذ من دونه معبودا إِلهٌ عند متخذه ، والآلِهَةُ الأَصنام سموا بذلك لاعتقادهم أَن العبادة تَحُقُّ لها ، وأصله إلاهٌ على فعال بمعنى مفعول لأنه مألوه أي معبود ، كقولنا إمام بمعنى مؤتم به ، فلما أدخلت عليه الألف واللام حذفت الهمزة تخفيفا لكثرته في الكلام (478) .
والإله سبحانه هو المعبود بحق ، المستحق للعبادة وحده دون غيره ، وقد قامت كلمة التوحيد في الإسلام على معنى الألوهية ، قال ابن تيمية : ( لا إله إلا أنت فيه إثبات انفراده بالإلهية ، والألوهية تتضمن كمال علمه وقدرته ورحمته وحكمته ، ففيها إثبات إحسانه إلى العباد فإن الإله هو المألوه والمألوه هو الذي يستحق أن يعبد ، وكونه يستحق أن يعبد هو بما اتصف به من الصفات التي تستلزمك أن يكون هو المحبوب غاية الحب المخضوع له غاية الخضوع ، والعبادة تتضمن غاية الحب بغاية الذل ) (479) .
واسم الإله يختلف في معناه عن اسم الرب في كثير من النواحي ، فالرب معناه يعود إلى الانفراد بالخلق والتدبير ، أما الإله فهو المستحق للعبادة المألوه الذي تعظمه القلوب وتخضع له وتعبده عن محبة وتعظيم وطاعة وتسليم ، ولذلك كان التوحيد الذي أمر الله عز وجل به العباد هو توحيد الألوهية المتضمن لتوحيد الربوبية بأن يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئا فيكون الدين كله لله ، ولا يخاف العبد إلا الله ، ولا يدعو أحدا إلا الله ويكون الله أحب إليه من كل شيء ؛ فالموحدون يحبون لله ويبغضون لله ويعبدون الله ويتوكلون عليه (480) .
خاتمة البحث
المنهج السلفي وأثره في تفسير الأسماء
****************************(32/202)
منهج السلف الصالح في أبسط صوره هو تصديق الخبر وتنفيذ الأمر ، فمن المعلوم أن الكلام العربي الذي نزل به القرآن ينقسم إلى الخبر والطلب (481) ، والخبر هو ما يحتمل الصدق أو الكذب ، ويتطلب التصديق ، والأمر هو ما لا يحتمل ذلك ويتطلب التنفيذ (482) ، ولما كان الصحابة أهل الفصاحة واللسان ، وقد خاطبهم الله بنوعي الكلام في القرآن كان منهجهم في مسائل التوحيد والإيمان هو تصديق الخبر وتنفيذ الأمر ، فلو أخبرهم الله عن شيء صدقوه تصديقا جازما ينفى الوهم والشك والظن ، ولو أمرهم بشيء نفذوه بالقلب واللسان والجوارح تنفيذا كاملا ، وتلك هي غاية التوحيد العظمى وطريقة السلف المثلى التي جاهدوا الآخرين من أجل إثباتها في توحيدهم لربهم ، أن يثبتوا ما أثبته الله لنفسه بتصديق خبره ، وأن يطيعوا الله فيما أمر على لسان نبيه S .
وكان المسلم منهم إذا نطق بالشهادتين فقد عقد في نفسه عقدا أن يكون الله عز وجل هو المعبود الحق الذي يصدق في خبره دون نكران ، ويطاع في أمره دون عصيان ، وهذه حقيقة الإيمان التي نزل بها القرآن وفهمها أصحاب اللغة واللسان .(32/203)
وقد ظهر أثر هذا المنهج جليا في تفسير الأسماء الحسنى والإيمان بمعانيها كما حملتها أدلتها ، وبان أن كل اسم إن فسر على هذا المنهج السلفي فله موضعه من المعنى ، وإن فسر تحت دعوى نفي الصفات وتعطيلها أو القول بتأويلها ولي أعناقها فلن تجد معنا واضحا في هذه الآراء ، ولن تجد إحساسا بالعظمة لهذه الأسماء ، لاسيما في الأسماء المشتقة من فعل واحد كالعلي والأعلى والمتعالي ، فإن الذين لا يؤمنون بعلو الذات والفوقية ، بحجة أن إثبات الاستواء يشبه استواء المخلوق في الكيفية ، ويفسرون استواء الله على عرشه بأنه استيلاء منه على ملكه هؤلاء لا يستقيم عندهم تفسير اسم الله العلي مع توضيح الفرق بينه وبين الأعلى والمتعالي ، لأن كل اسم كما سبق دل على معنى من معاني العلو ، فاسم الله العلى دل على علو الفوقية وأن الله عال عرشه وهو أعلم بالكيفية ، واسمه المتعالي دل على علو القهر والغلبة ، واسمه الأعلى دل على علو الشأن والعظمة ، تنسجم في ذلك الأدلة اللغوية مع الأصول القرآنية والنبوية .(32/204)
لكن نظرة المفسرين المتأثرين بمذهب المتكلمين تختلف عن ذلك ، ولا تعطي هذا الأسماء إلا معنى واحدا موجها بخلفية عقلية ومتأثرا بنزعة تأويلية تعطيلية ، فبعضهم يجعل اسم الله العلى دالا فقط على علو الرتبة والمنزلة ، ويؤكد أن هذا فهم الخواص بل يجعل من أثبت دلالة الاسم على علو الفوقية والاستواء - وهم السلف الصالح - يجعلهم حشوية بل من العوام الذين لم يجاوز إدراكهم عن الحواس التي هي رتبة البهائم ، وأنهم لم يفهموا عظمة إلا بالمساحة ، ولا علوا إلا بالمكان ، ولا فوقية إلا به ، ولما جاء إلى اقتران اسم الله العلي بالاستواء ، وتخصيص العرش بالإضافة إليه سلك فيه تأويلا باطلا وزعم أن العلو عليه هو علو الرتبة والمكانة ، كقول القائل الخليفة فوق السلطان تنبيها به على أنه فوق جميع الناس الذين هم دون السلطان (483) ، وقال آخر : ( العلي هو فعيل في معنى فاعل ، فالله تعالى عال على خلقه ، وهو علي عليهم بقدرته ، ولا يجب أن يذهب بالعلو ارتفاع مكان ، إذ قد بينا أن ذلك لا يجوز في صفاته ) (484).
وعلو الرتبة الذي ذكروه هو عند السلف المعنى الذي دل عليه اسمه الأعلى وهو علو الشأن والمكانة ، بخلاف العلي والمتعالي أو علو الفوقية وعلو القهر ، فهما معنيان مستقلان ، ولذلك ماذا صنعوا في هذين الاسمين ؟ - الأعلى والمتعال - أغمضوا أعينهم وكأنه غير مذكور ، فصاحب المقصد الأسنى أسقطه ولم يلتفت إليه ، والمتعالي قال عنه : ( المتعالي بمعنى العلي مع نوع من المبالغة وقد سبق معناه ) (485) .(32/205)
والقصد أن مذهب السلف بنقائه الفطري وإيمانه النقي الذي يتوافق فيه العقل الصريح مع النقل الصحيح أظهر كل اسم بمعناه الموضوع له بدقة ، انطلاقا من تصديق الخبر وتنفيذ الأمر ، ففرق بين القادر والقدير والمقتدر ، والمالك والملك والمليك ، والخالق والخلاق ، والرازق والرزاق ، وغير ذلك من الأسماء كما سبق ، وليس في إثبات الصفات التي دلت عليها الأسماء تشبيه أو تمثيل ، أو ظاهر باطل يستدعي التعطيل والتأويل بلا دليل ، فالرسل صادقون فيما يبلغون ، ولا يخبرون عن الله إلا بالحق الذي يعلمون ، ولا يخبرون عن أسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه إلا بالحق المحض الذي يفهمه العوام والخواص ، فمتى علم المؤمن أن الرسول أخبر عن ربه بشيء من الغيبيات أو الأسماء والصفات صدق تصديقا جازما يبلغ علم اليقين ، ويزداد المؤمن إيمانا بعين اليقين وحق اليقين ، وعلم أيضا أنه لا يجوز أن يكون في الوحي شيء باطني مخفي بخلاف ما أخبر به الناس ، وأنه من المحال أن يحدث في النفوس الفوضى والتخبط والالتباس .
الإنتاج العلمي للمؤلف
أولا : الأبحاث العلمية المنشورة والمقبولة للنشر في مجلات علمية :
* معرفة النبي S وأثرها على النصارى المنصفين ( الدليل من الأناجيل على أن نصارى اليوم يعرفون محمدا Sكما يعرفون أبناءهم ) .
* الفضائيات والغزو الفكري .
* المختصر المفيد في أنواع التوحيد .
* بداية الكون والإنسان .
* مختصر القواعد السلفية في الصفات الربانية .
* التصوف هل له أصل في الكتاب والسنة ؟.
* المحكم والمتشابه وعلاقته بالتفويض .
* القلب رؤية من الداخل ( دراسة وصفية بيانية للأدلة النقلية ) .
ثانيا : الكتب المطبوعة :
* أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة - الجزء الأول الإحصاء .
* أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة - الجزء الثاني الشرح والتفسير .
* مفهوم القدر والحرية عند أوائل الصوفية ، نفذ .
* محنة الإمام في صفة الكلام ، نفذ .(32/206)
* توحيد الصفات بين اعتقاد السلف وتأويلات الخلف .
* إثبات الشفاعة لصاحب المقام المحمود والرد على الدكتور مصطفى محمود .
* توحيد العبادة ومفهوم الإيمان ، نفذ .
* القواعد السلفية في الصفات الربانية .
ثالثا : تحت الطبع
* أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة - الجزء الثالث دلالة الأسماء على الصفات .
* أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة - الجزء الرابع دعاء المسألة .
* أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة - الجزء الخامس دعاء العبادة .
* معجم ألفاظ الصوفية - ( الأصول القرآنية للمصطلح الصوفي ) .
الإصدارات الصوتية
للشيخ الدكتور محمود عبد الرازق الرضواني
الإصدارات الصوتية والمقروءة التي تعمل على جميع أجهزة الكمبيوتر
وجميع مشغلات MP3
المكتبة الصوتية في العقيدة الإسلامية
* الإصدار الأول 30 محاضرة في أهم موضوعات العقيدة الإسلامية .
* الإصدار الثاني 30 محاضرة في منهج أهل السنة في التوحيد .
* الإصدار الثالث 30 محاضرة في القضاء والقدر وحرية الإنسان .
* الإصدار الرابع 30 محاضرة في أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة .
وكلاء التوزيع في مصر والسعودية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مؤسسة العقيدة للإنتاج والتوزيع - جدة
حي الثغر - ش محمد فدا - خلف مستشفي الداغستاني سابقا
جوال : 0504747003 - ت : 6879919 - 6814764
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شركة أجياد للإعلان والبرمجيات - القاهرة
10ش حسن المأمون - الحي الثامن مدينة نصر
ت: 2703954- محمول : 0121168732 - Agyadagyad780@hotmail.com
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للحصول على نسخة إلكترونية مجانية من كتاب أسماء الله الحسنى
الثابتة في الكتاب والسنة وجميع المؤلفات والمحاضرات المسموعة والمقروءة
للشيخ الدكتور/محمود عبد الرازق الرضواني
www.asmaullah.com
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(32/207)
الموزعون المعتمدون للنسخ المطبوعة من كتاب الأسماء في السعودية
مكتبة العلوم والحكم
المدينة المنورة - ت : 8251942- 8452273
*********************************************************************
رأي الأستاذ الدكتور سالم القرني
عميد كلية الشريعة وأصول الدين سابقا
جامعة الإمام محمد بن سعود فرع الجنوب
رأي د. علي بن حسين يحي موسى
الأستاذ المساعد بقسم العقيدة والمذاهب المعاصرة
بكلية الشريعة وأصول الدين جامعة الملك خالد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه أجمعين ..
وبعد
فقد اطلعت على العمل العلمي المرسوم " أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة " الجزء الأول الإحصاء لفضيلة الشيخ الدكتور محمود عبد الرازق
وقد سررت بهذا البحث وأفدت منه كثيرا وفي اعتقادي أنه من الأبحاث المهمة والخطيرة ، فهو يتعرض لمسألة من أهم مسائل الاعتقاد " أسماء الله الحسنى" الواردة في نصوص كثيرة ومتفرقة وبألفاظ مختلفة وصيغ متنوعة وهذا يحتاج إلى باحث جاد ومتمرس في البحث العلمي ومتمكن في فهم النصوص ، ويحتاج أيضا إلى جهد كبير وصبر ومثابرة في استخراج تلك الأسماء الحسنى من الكتاب والسنة ؛ لأن الكتابات السابقة في هذا الشأن ينقص أكثرها المنهجية الواضحة في اختيارها .
ومن هنا يظهر خطورة وصعوبة هذا البحث ، وقد أجاد الباحث حيث وضع في بحثه شروطا واضحة في اختياره " أسماء الله الحسنى" معتمدا على الأدلة النقلية الصحيحة وعلى لغة العرب ومبتعدا عن الأدلة الضعيفة ، وهذا ما ميز هذا العمل العلمي وجعله يخرج في ثوب جديد مضيفا مادة علمية للمكتبة الإسلامية .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
د. علي بن حسين يحي موسى
د. محمد حسن سبتان
الأستاذ المساعد بقسم التفسير وعلوم القرآن
كلية الشريعة وأصول الدين جامعة الملك خالد
بسم الله الرحمن الرحيم(32/208)
لقد اجتهد العلماء وتنافسوا في إحصاء أسماء الله الحسنى تحقيقا لقوله صلى الله عليه وسلم ( من أحصاها دخل الجنة ) وممن تنافسوا ابن حزم فقد وصل إلى أربعة وثمانين اسما ، وفي هذا البحث الطيب اجتهاد جديد في المسألة لم يسبق ، قدم لنا نتيجة طيبة ، نسأل الله لصاحبه كما قال بشرط الإحصاء : ( من أحصاها ) أن يحقق له الجواب ( دخل الجنة ) والله الموفق
د. محمد حسن سبتان
رأي فضيلة الشيخ سليمان الخراشي .
الأخ الكريم الدكتور محمود عبد الرازق سلمه الله .
قرأت بحثكم الطيب النافع عن أسماء الله الحسنى ، وقد أعجبني حسن ترتيبه واختصاره ولكن تمنيت ترتيب الأسماء أبجديًا ، وأعجبني حرصكم على التوثيق العلمي ، والعناية بالتخريج والاعتماد على الصحيح نفع الله بجهودكم هل تنوون طبعه ؟
alkarashi1@hotmail.com
رأي فضيلة الشيخ محمد الدويش
أرى ضرورة استشارة المختصين بعلم العقيدة فهم اقدر منا على تقويم البحث
dweesh@dweesh.com
Sunday, September 5, 2004
أسماء ( الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
والتي انطبقت عليها شروط الإحصاء
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إَِّلا هُوَ(32/209)
الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ الأَوَّلُ الآخِرُ الظَّاهِرُ البَاطِنُ السَّمِيعُ البَصِيرُ المَوْلَى النَّصِيرُ العَفُوُّ القَدِيرُُ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ الوِتْرُ الجَمِيلُ الحَيِيُّ السِّتيرُ الكَبِيرُ المُتَعَالُ الوَاحِدُ القَهَّارُ الحَقُّ المُبِينُ القَوِيُِّ المَتِينُ الحَيُّ القَيُّومُ العَلِيُّ العَظِيمُ الشَّكُورُ الحَلِيمُ الوَاسِعُ العَلِيمُ التَّوابُ الحَكِيمُ الغَنِيُّ الكَرِيمُ الأَحَدُ الصَّمَدُ القَرِيبُ المُجيبُ الغَفُورُ الوَدودُ الوَلِيُّ الحَميدُ الحَفيظُ المَجيدُ الفَتَّاحُ الشَّهيدُ المُقَدِّمُ المُؤخِّرُ المَلِيكُ المُقْتَدِرْ المُسَعِّرُ القَابِضُ البَاسِطُ الرَّازِقُ القَاهِرُ الديَّانُ الشَّاكِرُ المَنانَّ القَادِرُ الخَلاَّقُ المَالِكُ الرَّزَّاقُ الوَكيلُ الرَّقيبُ المُحْسِنُ الحَسيبُ الشَّافِي الرِّفيقُ المُعْطي المُقيتُ السَّيِّدُ الطَّيِّبُ الحَكَمُ الأَكْرَمُ البَرُّ الغَفَّارُ الرَّءوفُ الوَهَّابُ الجَوَادُ السُّبوحُ الوَارِثُ الرَّبُّ الأعْلى الإِلَهُ .
**************************************************************************
عدد الأسماء
تسع وتسعون بدون لفظ الجلالةأسماء ( الحسنى التي جمعها الوليد بن مسلم
وما لم يثبت منها أو يوافق شروط الإحصاء
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إَِّلا هُوَ(32/210)
الرَّحمنُ الرَّحيمُ المَلِك القُدُّوسُ السَّلاَمُ المُؤْمِنُ المُهَيمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّر الخَالِقُ البَارِىءُ المُصَوِّرُ الغَفَّارُ القَهَّارُ الوَهَّابُ الرَّزَّاقُ الفتَّاحُ العَلِيمُ القَابِضُ البَاسِطُ الخافضُ الرَّافِعُ المعزُّ المذِل السَّمِيعُ البَصِيرُ الحَكَمُ العَدْلُ اللّطِيفُ الخَبِيرُ الحَلِيمُ العَظِيمُ الغَفُورُ الشَّكُورُ العَلِيُّ الكَبِيرُ الحَفِيظُ المُقِيتُ الحَسِيبُ الجَلِيلُ الكَرِيمُ الرَّقِيبُ المُجِيبُ الْوَاسِعُ الحَكِيمُ الوَدُودُ المَجِيدُ البَاعِثُ الشَّهِيدُ الحَق الوَكِيلُ القَوِيُّ المَتِينُ الوَلِيُّ الحَمِيدُ المُحْصِي المُبْدِيءُ المُعِيدُ المُحْيِي المُمِيتُ الحَيُّ القَيُّومُ الوَاجِدُ المَاجِدُ الوَاحِدُ الصَّمَدُ القَادِرُ المُقْتَدِرُ المُقَدِّمُ المُؤَخِّرُ الأوَّلُ الآخِرُ الظَّاهِرُ البَاطِنُ الوَالِي المُتَعَالِي البَرُّ التَّوَّابُ المنتَقِمُ العَفُوُّ الرَّءوف مَالِكُ المُلْكِ ذُو الجَلاَلِ وَالإكْرَامِ المُقْسِط الجَامِعُ الغَنِيُّ المُغْنِي المَانِعُ الضَّارُّ النَّافِعُ النُّورُ الهَادِي البَدِيعُ البَاقِي الوَارِثُ الرَّشِيدُ الصَّبُور .
************************************************************************
عدد الأسماء
تسع وتسعون مع لفظ الجلالة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رقم الإيداع بدار الكتب
16758/ 2004
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الترقيم الدولي - I .S. B .N
3 - 1724 - 17 - 977
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر مثلا : تفسير أسماء الله الحسنى لأبي اسحاق الزجاج ص48 ، ص60 ، وشأن الدعاء لأبي سليمان الخطابي ص66 ، وشرح أسماء الله للرازي ص265، 335 ، والمقصد الأسنى لأبي حامد الغزالي ص96 ، 126 .
(2) انظر تفصيل المعنى في لسان العرب 12/231 ، وكتاب العين 3/224 .(32/211)
(3) انظر فتح الباري 13/358 في معنى قول الحليمي : الرحمن هو مزيح العلل .
(4) البخاري في الأدب ، باب جعل الله الرحمة في مائة جزء 5/2236 (5654) .
(5) البخاري في الرقاق ، باب الرجاء مع الخوف 5/2374 (6104) .
(1) هذه المرأة كانت مرضعة وعند الحرب فقدت طفلها وقد سبيت ، وقد فعلت ذلك ليخفف ألم اللبن في ثديها ، فأخذت تبحث عن طفلها حتى وجدته فأخذته وضمته وأرضعته ، فتح الباري 10/430 .
(2) البخاري في الأدب ، باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته 5/2235 (5653) ، ومسلم في التوبة ، باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه 4/2109 .
(3) البخاري في التوحيد ، باب وكان عرشه على الماء 6/2700 (6987) .
(1) انظر بتصرف : لسان العرب 12/231 ، وتفسير القرطبي 1/106 ، وانظر المزيد حول هذا المعنى في المقصد الأسنى لأبي حامد الغزالي ص62 ، والأسماء والصفات للبيهقي ص69 ، وفتح الباري 13/358 .
(2) انظر في هذا المعنى : تفسير ابن جرير الطبري 1/57 ، وفتح الباري 13/358 .
(3) شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك 4/538 ، وتفسير الطبري 16/7 ، وحاشية ابن القيم على سنن أبي داود 6/55 ، وجامع العلوم والحكم ص186 .
(4) انظر المغرب في ترتيب المعرب لابن المطرز 2/ 274 ، وانظر أيضا : النهاية في غريب الحديث 4/359 ولسان العرب 10/ 495 ، ومفردات ألفاظ القرآن ص472 بتصرف .
(5) تفسير أسماء الله الحسنى للزجاج ص30 .
(1) مجموع الفتاوى 11/528 ، والصواعق المرسلة 2/462 .
(2) مسند البزار 3/181 (3584) والحديث صحيح لغيره ، انظر صحيح الترغيب والترهيب (2375) .
(3) تفسير البيضاوي 3/420 ، ودقائق التفسير لابن تيمية 1/310 .
(4) لسان العرب 6/168 ، وشرح أسماء الله الحسنى للرازي ص94 ، والمقصد الأسنى ص65 .
(1) انظر مختصر القواعد السلفية في الصفات الربانية للمؤلف ، محذورات القاعدة الأولى ص 13 .
(2) لسان العرب 12/289 ، والمغرب في ترتيب المعرب 1/411 .(32/212)
(3) اشتقاق أسماء الله للزجاج ص216 .
(4) البخاري في أحاديث الأنبياء ، باب خلق آدم صلوات الله عليه 3/1210 (3148) .
(5) مسلم في كتاب الإيمان ، باب في قوله عليه السلام إن الله لا ينام1/161 (179) .
(1) شرح أسماء الله الحسنى للرازي ص196 ، والأسماء والصفات للبيهقي ص53 ، والمقصد الأسنى ص67 .
(2) البخاري في كتاب الإيمان ، باب أداء الخمس من الإيمان1/29 (53) .
(3) اشتقاق أسماء الله ص222 ، وتفسير الطبري 28/54 ، وشرح أسماء الله الحسنى للرازي ص198 .
(4) زاد المسير لابن الجوزي 8/ 225 ، والمقصد الأسنى ص67 .
(1) أبو داود في كتاب الوتر ، باب في الاستعاذة 2/91 (1543) ، وانظر السلسلة الصحيحة للشيخ الألباني حديث رقم (1445) ، وكذلك صحيح أبي داود (1381) .
(2) البخاري في كتاب التفسير ، باب قوله وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة 4/1726 (4409) ومسلم في كتاب ، باب تحريم الظلم 4/1997 (2583) .
(3) تفسير الطبري 28/54 ، وروح المعاني 28/63 ، الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى 1/243 .
(1) انظر شرح العقيدة الطحاوية ص 89 ، والأسماء والصفات للبيهقي ص83 .
(2) تفسير القرطبي 18/46 ، وتفسير أسماء الله للزجاج ص31 .
(3) البخاري في كتاب التوحيد ، باب السؤال بأسماء الله تعالى 6/2694 (6970) .
(4) النسائي في كتاب القسامة ، باب ذكر الاختلاف على خالد الحذاء 8/42 (4799) ، وانظر إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل للألباني 7/257 .
(1) لسان العرب 13/437 .
(2) انظر شرح العقيدة الطحاوية ص 142 ، والأسماء والصفات للبيهقي ص84 .
(3) الإبانة ص8 ، وانظر اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية لابن القيم ص 182 .
(4) فتح الباري 8/ 269 ، وانظر جامع البيان عن تأويل آي القرآن 6/ 266 .
(5) تفسير غريب الحديث للخطابي 2/91 .
(6) مسلم في كتاب البر والصلة والأدب ، باب تحريم الظلم 4/1994 (2577) .(32/213)
(1) فتح الباري 6/ 366 ، وتفسير أسماء الله للزجاج ص32 ، والمقصد الأسنى ص69 .
(2) لسان العرب 5/ 374 ، والمفردات ص 563 ، واشتقاق أسماء الله ص237 .
(3) أبو داود في كتاب الضحايا ، باب ما يجوز من السن في الضحايا 3/96 (2799) ، وانظر إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل للألباني (1146) ، وصحيح أبي داود (2494) .
(4) مسلم البر والصلة والأدب ، باب تحريم الكبر 4/2023 (2620) .
(1) انظر في معنى الاسم جامع البيان 7/90 ، واشتقاق أسماء الله للزجاج ص239 ، والمقصد الأسنى ص96 .
(2) المفردات ص 183 ، والفائق في غريب الحديث للزمخشري 1/416 ، ولسان العرب 4/113.
(3) المقصد الأسنى ص71 ، وتفسير أسماء الله للزجاج ص34 .
(4) المقصد الأسنى ص74 ، وانظر السابق 184 ، والأسماء والصفات للبيهقي ص48 ، واشتقاق أسماء الله للزجاج ص241 ، وتفسير الطبري 28/ 36.
(5) شفاء العليل ص121 .
(6) كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في العقيدة 8 /465 ، وتفسير القرطبي 2/ 139 .
(1) مفردات ألفاظ القرآن ص 184 .
(2) مسلم كتاب الزهد والرقائق باب من أشرك في الله وفي نسخة باب تحريم الرياء 4/2289 (2986) .
(3) الترمذي في كتاب صفة القيامة 4/655 (2492) وحسن الألباني في صحيح الجامع (8040) .
(1) مسلم في الإيمان ، باب تحريم الكبر وبيانه1/93 (91) .
(2) اشتقاق أسماء الله ص166 ، لسان العرب 2/1244.
(3) مفردات ألفاظ القرآن ص 296 .
(4) اشتقاق أسماء الله ص167 .
(5) المقصد الأسنى ص72 ، وتفسير أسماء الله للزجاج ص36 ، وشرح أسماء الله الحسنى للرازي ص211 .
(1) انظر تفصيل هذه المراتب والدليل عليها في شفاء العليل ص 29 وما بعدها .
(2) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة ص15 ، جامع الأصول في أحاديث الرسول لابن الأثير 4/177 .
(3) مسلم كتاب السلام ، باب لكل داء دواء واستحباب التداوي 4/1729 (2204) .
(4) اشتقاق أسماء الله ص242 ، ولسان العرب 1/239 ، وصبح الأعشى 2/485 .(32/214)
(5) تفسير أسماء الله الحسنى للزجاج ص37 .
(1) الأسماء والصفات للبيهقي ص40 ، والمقصد الأسنى ص72 ، وتفسير القرطبي 18/48 ، وشرح أسماء الله الحسنى للرازي ص216 ، والكشاف للزمخشري 4/85 .
(2) تفسير أسماء الله الحسنى للزجاج ص37 .
(3) اشتقاق أسماء الله ص 243 .
(4) مفردات ألفاظ القرآن ص 497 .
(1) الأسماء والصفات للبيهقي ص44 ، والمقصد الأسنى ص72 ، وشرح أسماء الله الحسنى للرازي ص217 .
(2) البخاري في الاستئذان ، باب بدء السلام 5/2299(5873) ، ومسلم في كتاب الجنة 4/2183(2841) .
(3) الرسالة التدمرية ضمن مجموع الفتاوى 3/69 .
(4) انظر أقوال العلماء في المراد بحديث بقوله خلق الله آدم على صورته ، فتح الباري 5/183 .
(1) مفردات ألفاظ القرآن ص100 ، وكتاب العين 8/368 ، واشتقاق أسماء الله ص204 .
(2) السابق ص100 ، والأسماء والصفات للبيهقي ص 25 .
(3) الأسماء والصفات للبيهقي ص24 ، تفسير أسماء الله للزجاج ص60 ، وشرح أسماء الله للرازي ص325 .
(4) البخاري في كتاب بدء الخلق ، باب ما جاء في قوله وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده 3/1166 (3019) .
(1) خلق أفعال العباد ص37 .
(2) السابق 37 .
(3) شرح العقيدة الطحاوية ص 135 .
(4) البخاري في العلم ، باب السمر في العلم 1/55 (116) .
(5) البخاري في الجمعة ، باب من قال في الخطبة بعد الثناء أما بعد 1/314 (885) .
(1) انظر في المعنى اللغوي : كتاب العين 4/303 ، ولسان العرب 4/11 ، والنهاية في غريب الحديث 1/29 والمفردات ص68 ، واشتقاق أسماء الله ص204 .
(2) مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة ، باب ما يقول ثم النوم وأخذ المضجع 4/2084 (2713) .
(1) البخاري في الدعوات ، باب فضل من بات على الوضوء 1/97 (244) .
(2) البخاري في الزكاة ، باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى 2/518 (1360) .
(3) النسائي في النكاح ، باب التزويج على سور من القرآن 6/113 (3339) .(32/215)
(4) انظر في المعنى اللغوي : لسان العرب 4/52 ، والنهاية في غريب الحديث 3/ 164 ، ومفردات ألفاظ القرآن ص540 ، واشتقاق أسماء الله للزجاج 137 .
(1) ورد ذلك في حديث أبي مُوسَى مرفوعا : ( حِجَابُهُ النُّورُ ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ النَّارُ ، لَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ ) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان ، باب في قوله عليه السلام إن الله لا ينام 1/161 (179) .
(2) النهاية في غريب الحديث 3/ 164 .
(3) الأسماء والصفات للبيهقي ص24 ، وتفسير أسماء الله للزجاج ص60 ، وشرح أسماء الله للرازي ص252 .
(4) مسلم في كتاب الإيمان ، باب بدء الوحي إلى رسول الله S 1/144 (161) .
(1) لسان العرب 1/136 ، وانظر في المعنى اللغوي : النهاية في غريب الحديث 13/52 ، ومفردات ألفاظ القرآن ص 130، واشتقاق أسماء الله للزجاج ص137 .
(2) انظر في الفرق بين الرؤية والإدراك : شرح العقيدة الطحاوية ص208 ، وبيان تلبيس الجهمية 1/553 .
(3) انظر للمقارنة : كتاب التوحيد لابن منده 2/82 .
(1) انظر شرح العقيد الطحاوية ص211 .
(2) انظر حديث البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء ، باب خلق آدم صلوات الله عليه 3/1210(3148) .
(3) مفردات ألفاظ القرآن ص425 ، واشتقاق أسماء الله للزجاج ص75 ، والنهاية في غريب الحديث 2/401 ولسان العرب 8/162، وبدائع الفوائد 2/308 .
(1) لسان العرب 8/163.
(2) مسلم في كتاب الصلاة ، باب النهي عن مبادرة الإمام بالتكبير وغيره 1/310 (415) .
(3) الترمذي في الدعوات 5/519 (3482) ، انظر صحيح ابن ماجة1/47(202) .
(4) لسان العرب 4/64 ، والنهاية في غريب الحديث 1/131 ، وكتاب العين 7/117 ، والمفردات ص127.
(1) مدارج السالكين 3/253 ، وتفسير ابن جرير الطبري 1/431 ، والأسماء والصفات للبيهقي ص63 وتفسير أسماء الله الحسنى للزجاج ص42 ، وشرح أسماء الله الحسنى للرازي ص247 .(32/216)
(2) توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم 2/215 .
(3) البخاري في المساقاة ، باب من رأى أن صاحب الحوض 2/834 (2240) .
(4) انظر لسان العرب 5/ 411 ، الغريب لابن سلام 3/141 ، والنهاية في غريب الحديث 5/ 227 .
(1) البخاري في الرقاق ، باب التواضع 5/2384 (6137) .
(2) لسان العرب 5/ 212 .
(3) البخاري في المظالم ، باب يمين الرجل لصاحبه 6/2550 (6552) .
(4) انظر بدائع الفوائد 2/ 463 بتصرف .
(1) مدارج السالكين 1/180 .
(2) انظر لسان العرب 15/75 ، الغريب لابن قتيبة 2/361 .
(3) أبو داود في الأدب ، باب في حق المملوك 4/341 (5164) ، صحيح أبي داود (4301) .
(4) اشتقاق أسماء الله للزجاج ص 134.
(5) الأسماء والصفات للبيهقي ص75 ، وتفسير أسماء الله للزجاج ص82 ، وشرح أسماء الله للرازي ص339 .
(6) تفسير القرطبي 1/397 .
(1) البخاري في المظالم ، باب قول الله تعالى ألا لعنة الله على الظالمين 2/862 (2309) .
(2) اتظر كتاب توحيد العبادة ومفهوم الإيمان للمؤلف ص77 ، مطبعة التقدم ، القاهرة سنة1991م .
(3) لسان العرب 5/74 ، ومفردات ألفاظ القرآن ص657 ، والفائق 3/8 .
(4) النهاية في غريب الحديث 4/22 .
(5) اشتقاق أسماء الله ص48 .
(1) انظر تفصيل هذه المراتب في شفاء العليل ص29 وما بعدها .
(2) السابق ص28 .
(3) السابق ص28 ، وانظر أيضا : طريق الهجرتين ص163 ، وشرح قصيدة ابن القيم 1/257 ، ومنهاج السنة النبوية 3/254 .
(1) اشتقاق أسماء الله ص138 ، والنهاية في غريب الحديث 4/251 .
(2) البخاري في الشهادات ، باب تعديل النساء بعضهن بعضا 2/943 (2518) .
(3) انظر تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي 5/301 ، وتفسير أسماء الله الحسنى ص44 وتفسير القرطبي 9/267 ، وفتح القدير للشوكاني 3/57 .
(1) مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة ، باب ذكر بن صياد 4/2245 (169) .(32/217)
(2) انظر هذا المعنى في زاد المسير 3/99 ، وانظر في معنى الاسم أيضا : شرح أسماء الله الحسنى للرازي ص254 والمقصد الأسنى ص92 ، والأسماء والصفات للبيهقي ص83 .
(3) مسلم في كتاب الحيض ، باب نسخ الماء من الماء 1/271 (349) .
(4) انظر تفصيل المعنى اللغوي في لسان العرب 4/226 ، ومفردات ألفاظ القرآن ص273 ، واشتقاق أسماء الله ص127 ، والنهاية في غريب الحديث 2/6 .
(5) انظر بتصرف : الفروق اللغوية لأبي الهلال العسكري ص74 .
(1) البخاري في كتاب مواقيت الصلاة ، باب فضل صلاة العصر 1/203 (530) .
(2) فتح الباري 2/36 ، وانظر الأسماء والصفات للبيهقي ص264 ، وتفسير أسماء الله للزجاج ص45 .
(3) لسان العرب 5/275 .
(4) التبيان في تفسير غريب القرآن ص 461 ، والتبيان في أقسام القرآن ص20 ، وانظر السابق 5/273 .
(5) البخاري في كتاب الصلاة ، باب الحلق والجلوس في المسجد 1/179 (460) .
(6) الترمذي في الطهارة ، باب ما جاء في المضمضة 1/40 (27) ، والسلسلة الصحيحة 3/291 (1305) .
(1) مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة ، باب في أسماء الله تعالى 4/2062 (2677) .
(2) تفسير القرطبي 20/41 ، الأسماء والصفات للبيهقي ص30 .
(3) لسان العرب 11/126.
(4) سنن البيهقي الكبرى 10/195 .
(5) تفسير الطبري 12/165 ، وتفسير ابن كثير 2/472 .
(1) الفوائد لابن القيم ص 182 .
(2) مسلم في كتاب الإيمان 1/161 (179) .
(3) السايق ص 182 .
(4) السايق ص 182 .
(5) لسان العرب 14/ 218 ، والمغرب في ترتيب المعرب للمطرزي 1/238 .
(6) انظر فتح الباري 1/75 وفيض القدير للمناوي 3/ 427 ، والجواب الكافي ص46 .
(7) البخاري في أحاديث الأنبياء ، باب أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم 3/1284 (3296) .
(8) عون المعبود شرح سنن أبي داود 13/106.
(1) البخاري في بدء الوحي ، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله S 1/7 (7) .(32/218)
(2) البخاري في أحاديث الأنبياء ، باب حديث الخضر مع موسى عليهما السلام 3/1249 (3223) .
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 2/5 .
(4) مدارج السالكين 2/ 261 .
(5) أبو داود في الوتر ، باب الدعاء 2/78 (1488) ، وانظر صحيح أبي داود (1337) .
(6) لسان العرب 4/ 344 ، وتفسير الطبري 15/ 94 .
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأدب ، باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته 5/2234 (5649) .
(2) البخاري كتاب الصلاة ، باب يرد المصلي من مر بين يديه 1/191(487) .
(3) مسلم في البر والصلة والأدب ، وانظر فيض القدير 2/228 ، وعون المعبود 11/34 .
(4) البخاري في الأدب ، باب ستر المؤمن على نفسه 5/2254 (5721) .
(5) البخاري في المظالم ، باب قول الله تعالى ألا لعنة الله على الظالمين 2/862 (2309) .
(6) لسان العرب 5/125 ، ومفردات ألفاظ القرآن ص 696 .
(1) تفسير الطبري 24/25 .
(2) مسلم البر والصلة والأدب ، باب تحريم الكبر 4/2023 (2620) .
(3) شرح أسماء الله الحسنى للرازي ص267 والمقصد الأسنى ص299 ، والأسماء والصفات للبيهقي ص52 .
(4) الخصائص لأبي الفتح عثمان بن جني 3/ 268 .
(5) لسان العرب 15/90 ، ومفردات ألفاظ القرآن ص 582، واشتقاق أسماء الله للزجاج ص162.
(6) تفسير القرآن العظيم 2/504 .
(1) السابق 3/ 233 .
(2) انظر في معنى الاسم : شرح أسماء الله الحسنى للرازي ص335 ، والأسماء والصفات للبيهقي ص64 .
(3) لسان العرب 3/446 .
(4) القاموس المحيط للفيروز آبادي ص414 ، المفردات ص66 .
(5) البخاري في بدء الخلق ، باب ما جاء في قوله : ( وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُه ) 3/1166 (3019) .(32/219)
(1) انظر في هذه القضية : دقائق التفسير الجامع لتفسير شيخ الإسلام ابن تيمية 2 /364 ، واقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية 1 /459 ، كتاب المواقف لعضد الدين الإيجي 3/306 ، ولمع الأدلة في قواعد أهل السنة والجماعة ص99 ، والغنية في أصول الدين ص67 ، وشرح العقيدة الطحاوية ص 87.
(1) البخاري في كتاب الوضوء ، باب فضل من بات على الوضوء 1/97 (244) .
(2) انظر المقصد الأسنى ص77 ، وشرح أسماء الله للرازي ص229 ، والأسماء والصفات للبيهقي ص82 .
(1) لسان العرب 10/49 ، والنهاية في غريب الحديث 1/413 ، واشتقاق أسماء الله ص178 ، ومعجم مقاييس اللغة 2/15 ، ومفردات ألفاظ القرآن ص 246.
(2) انظر المقصد الأسنى ص112، والأسماء والصفات للبيهقي ص26 .
(3) لسان العرب 13/68 .
(4) البخاري في كتاب الطب ، باب إن من البيان سحرا 5/2176 (5434) .
(1) لسان العرب 13/68 ، وانظر كتاب العين 8/381 ، والمغرب للمطرزي 1/98 .
(2) أقاويل الثقات في تأويل الأسماء والصفات والآيات المحكمات والمشتبهات ص102 .
(3) العلو للعلي الغفار ص235 .
(4) انظر تفسير الرازي للمبين في شرح أسماء الله الحسنى ص229 .
(5) شعب الإيمان 1/ 119 ، وانظر مفردات ألفاظ القرآن ص 157، واشتقاق أسماء الله للزجاج ص180.
(1) لسان العرب 15/206 ، وكتاب العين 5/237 .
(2) تفسير أسماء الله للزجاج ص54 ، وجامع البيان 10/17 ، وشرح أسماء الله الحسنى للرازي ص297 .
(3) لسان العرب 13/398 .
(4) السابق 13/399 .
(5) السابق 13/399 ، وانظر تفسير أسماء الله للزجاج ص55 ، وشرح أسماء الله الحسنى للرازي ص298 .
(1) انظر هذا المعنى في المواضع الآتية : الحقيقة والمجاز لابن تيمية 20 /471 ، وانظر له أيضا : الرسالة التدمرية ص 14 ، والمحلى لابن حزم 1/34 ، وإعلام الموقعين لابن القيم 3/218 ، وحز الغلاصم في إفحام المخاصم عند جريان النظر في أحكام القدر لابن حيدرة 2/39 .(32/220)
(2) انظر لسان العرب 14/211 ، والمفردات للأصفهاني ص 269 ، والنهاية في غريب الحديث 1/472 .
(3) جامع البيان 3/5 .
(4) السابق 3/4 ، واشتقاق أسماء الله ص 102 .
(1) انظر في معنى الاسم : تفسير أسماء الله للزجاج ص56 ، والمقصد الأسنى ص117 .
(2) لسان العرب 12/496 ، واشتقاق أسماء الله ص 105، ومفردات ألفاظ القرآن ص690 .
(1) تفسير البيضاوي 1/555 ، وتفسير القرطبي 3/272 ، وتفسير ابن كثير 1/309 .
(2) البخاري في كتاب التهجد 5/2328 (5958) .
(3) مسلم في الإيمان ، باب في قوله تعالى وأنذر عشيرتك الأقربين 1/193 (207) ، والرضمة صخور عظام بعضها فوق بعض ، انظر لسان العرب 12/245 .
(4) البخاري في التوحيد ، باب قوله وكلم الله موسى تكليما 6/ 2731 (7079) .
(5) لسان العرب 15/84 ، وكتاب العين 2/245 .
(6) انظر على سبيل المثال : المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى ص 106 .
(1) دليل التمانع دليل مشهور بين المتكلمين وهو حق في إثبات توحيد الربوبية ، انظر لمع الأدلة في قواعد أهل السنة ص 99 ، والغنية في أصول الدين ص67 ، وشرح العقيدة الطحاوية ص87 .
(2) انظر : تفسير ابن جرير 15/91 ، والدر المنثور 5/288 ، وتفسير الواحدي 2/ 635 .
(3) مسلم في كتاب المساجد ، باب تحريم الكلام في الصلاة 1/ 381 (537) .
(1) كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل ، ص 257 .
(2) لسان العرب 12/410 .
(3) الأدب المفرد للبخاري ص193 (549) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع (6157) .
(4) صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان 2/77 (361) ، قال الألباني : لا يصح في صفة الكرسي غير هذا الحديث ، انظر السلسلة الصحيحة 1/223 (109) .
(1) انظر تعليق الألباني علي الرواية في شرح العقيدة الطحاوية ص45 .
(2) المقصد الأسنى ص94 ، وشرح أسماء الله للرازي ص339 ، والأسماء والصفات للبيهقي ص75 .
(3) لسان العرب 4/424 .(32/221)
(4) البخاري في أحاديث الأنبياء ، باب قول الله عز وجل ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه 3/1215 (3162) .
(1) عدة الصابرين ص240 .
(2) مدارج السالكين 2/242 ، وانظر في تفسير الاسم الأسماء والصفات ص91 ، وتفسير أسماء الله الحسنى للزجاج ص47 ، والمقصد الأسنى ص95 ، وشرح أسماء الله الحسنى للرازي ص260 .
(3) لسان العرب 12/146 ، وكتاب العين 3/ 246 ، زاد المسير 1/ 255 .
(1) تفسير أسماء الله الحسنى ص45 ، الدر المنثور 4/ 637 .
(2) الأسماء والصفات للبيهقي ص72 ، وتفسير أسماء الله الحسنى للزجاج ص 45 ، والمقصد الأسنى ص94 .
(3) لسان العرب 8/392 ، وكتاب العين 2/203 .
(4) أخرجه البخاري كتاب التوحيد ، باب قول الله تعالى وكان الله سميعا بصيرا 6/2689 (6951) .
(5) تفسير أسماء الله الحسنى للزجاج ص 51 ، والأسماء والصفات للبيهقي ص59 ، والمقصد الأسنى ص106.
(1) طريق الهجرتين ص540 .
(2) انظر المعنى اللغوي في لسان العرب 12/421 ، والنهاية في غريب الحديث 3/292 ، ومفردات ألفاظ القرآن ص580 ، واشتقاق أسماء الله للزجاج ص50 .
(1) هذه المراتب يتعلق بها العلم الإلهي ويتضمنها اسمه العليم بخلاف مراتب العلم به سبحانه التي ذكرها ابن القيم وحصرها في خمس مراتب ، انظر مدارج السالكين 1/107 ، وانظر في تفسير الاسم : المقصد الأسنى ص 126 وشرح أسماء الله الحسنى للرازي 240 ، والأسماء والصفات للبيهقي ص91 .
(2) المفردات ص76 ، ولسان العرب 1/233 ، التعاريف ص74 ، وزاد المسير 1/70 .
(3) المفردات ص76 ، وكتاب العين للخليل بن أحمد 8/138 ، وتفسير أسماء الله الحسنى ص 62 .
(1) انظر الرعاية لحقوق الله للمحاسبي ص68 ، وإحياء علوم الدين 4/2 ، وعوارف المعارف ص487 .
(2) مسلم في التوبة ، باب قبول التوبة 4/2113 (2759) .
(3) الترمذي في الدعوات ، باب في فضل التوبة والاستغفار5/547 (3537) ، وانظر حكم الشيخ الألباني على الحديث في صحيح الجامع (4338) .(32/222)
(4) الموضع السابق 5/548 (3540) .
(5) مسلم في التوبة ، باب في الحض على التوبة والفرح بها 4/2102 (2675) .
(1) مدارج السالكين1/ 312 .
(2) شرح قصيدة ابن القيم 2/231 .
(3) المقصد الأسنى ص 139 .
(4) اشتقاق أسماء الله ص62 ، ولسان العرب 12/141 .
(5) السابق ص61 ، وطبقات الشافعية 3/ 358 .
(6) لسان العرب 12/143 .
(1) مفردات ألفاظ القرآن ص 248 ، وكتاب العين 3/67 .
(2) الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد ص60 .
(3) طريق الهجرتين ص161 ، وانظر أيضا الصواعق المرسلة 4/ 1565 .
(4) انظر المعنى اللغوي في كتاب العين 7/450 . والمغرب 2/115 ، لسان العرب 15/135 .
(1) البخاري في التوحيد ، باب قول الله تعالى لما خلقت بيدي 6/ 2697 (6976) ، باب معنى لا يغيضها أي لا ينقصها نفقة ، ومعنى سحاء أي كثرة السح والعطاء وهو إنزال الخير المتواصل ، انظر فتح الباري 13/ 395 .
(2) مسلم في البر والصلة والأدب ، باب تحريم الظلم 4/1994 (2577) .
(3) انظر في معنى الغني تفسير الطبري 3/58 ، وتفسير أسماء الله ص63 ، والمقصد الأسنى ص91 .
(1) لسان العرب 12/510 ، والمفردات ص707.
(2) الترمذي في البر والصلة ، باب ما جاء في البخيل4/344 (1964) ، وانظر حكم الألباني على الحديث في الأدب المفرد حديث رقم (418) ، ومعنى غر كريم أي ليس بذي مكر فهو ينخدع لانقياده ولينه وهو ضد الخب هو المخادع الذي يسعى بين الناس بالفساد ، انظر عون المعبود 13/102 .
(3) انظر تفسير الطبري 19/104 ، والمفردات ص 707 ، والأسماء والصفات للبيهقي ص73 .
(1) لسان العرب1/227 ، النهاية في غريب الحديث 1/27 ، والمفردات ص 66 .
(2) انظر المزيد في مختصر القواعد السلفية في الصفات الربانية للدكتور محمود عبد الرازق الرضواني ص9 .
(3) انظر في أنواع التأويلات الباطلة مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية ص 43 وما بعدها .(32/223)
(1) زاد المسير 9/268 ، الأسماء والصفات للبيهقي ص29 ، وتفسير أسماء الله الحسنى للزجاج ص57 .
(2) لسان العرب 3/259 ، النهاية في غريب الحديث 3/52 .
(3) البخاري : كتاب التفسير ، باب وامرأته حمالة الحطب 4/1903 .
(1) بيان تلبيس الجهمية 1/511 .
(2) زاد المسير 9/268 .
(3) الأسماء والصفات للبيهقي ص78 ، وتفسير أسماء الله الحسنى للزجاج ص57 ، والمقصد الأسنى ص 199.
(4) لسان العرب 1/662 ، والمفردات ص 663 ، واشتقاق أسماء الله ص146.
(1) تفسير ابن كثير 3/296 .
(2) صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان 2/77 (361) ، قال الألباني : لا يصح في صفة الكرسي غير هذا الحديث ، انظر السلسلة الصحيحة 1/223 (109) .
(3) مختصر العلو ص 264 .
(4) مجموع الفتاوى 5/502 ، 6/ 19 ، والقواعد المثلى لابن عثيمين ص 65 .
(5) انظر حديث أبي هريرة ( عند البخاري مرفوعا : ( يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عبدي بِي ، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي ، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي ، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَىَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَىَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا ، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِى أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ) ، وحديث أَبِى مُوسَى ( أن رسول الله S قَالَ : ( وَالَّذِي تَدْعُونَهُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَةِ أَحَدِكُمْ ) .
(6) انظر طريق الهجرتين ص44 ، واجتماع الجيوش الإسلامية ص68 ، وجامع البيان 2/92.
(1) لسان العرب 1/283 .
(2) البخاري فى المغازي ، باب حديث الإفك 4/1518 (3910) .
(3) شرح أسماء الله الحسنى للرازي ص281 ، وتفسير أسماء الله للزجاج ص51 .
(4) الاعتقاد للبيهقي ص60 ، والأسماء والصفات ص88 .(32/224)
(5) صحيح ما عدا قوله : ( وإما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا ) انظر صحيح الجامع حديث (5714) وما بين قوسين ضعيف انظر ضعيف الجامع حديث رقم (5177) .
(1) لسان العرب 5/25 ، وكتاب العين 4/ 407 .
(2) البخاري في المظالم ، باب قول الله تعالى ألا لعنة الله على الظالمين 2/862 (2309) .
(3) البخاري في الدعوات ، باب استغفار النبي S في اليوم والليلة 5/2324 (5948) .
(4) مسلم في الذكر والدعاء والتوبة ، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن 4/2075 (2702) .
(1) الترمذي في صفة القيامة 4/659 (2499) وانظر صحيح الجامع حديث رقم (4515) .
(2) مسلم في كتاب التوبة ، باب سقوط الذنوب بالاستغفار توبة 4/2105 (2748) ، وانظر في المعنى اللغوي لسان العرب 3/453 ، وكتاب العين 8/99 ، والمفردات ص 860 .
(3) مسلم في البر والصلة والأدب ، باب فضل صلة أصدقاء الأب والأم ونحوهما 4/1979 (2552) .
(4) البخاري في بدء الخلق ، وانظر النبوات لابن تيمية ص 76 .
(5) الجامع الصحيح المختصر 4/1885.
(6) تفسير القرطبي 19/296 .
(1) جلاء الأفهام في فضل الصلاة على محمد خير الأنام لابن القيم ص315 ، وانظر في معنى الاسم أيضا الأسماء والصفات للبيهقي ص101 ، وشرح أسماء الله للرازي ص287 ، وتفسير أسماء الله للزجاج ص52 .
(2) لسان العرب 15/ 406 ، وكتاب العين 8/ 365 .
(3) مسلم في الأيمان ، باب سنان المملوك مما يأكل وإلباسه مما يلبس ولا يكلفه ما يغلبه 3/1284(1663) .
(4) انظر شفاء العليل ص280 .
(1) البخاري في الرقاق ، باب التواضع 5/2384 (6137) .
(2) شرح العقيدة الطحاوية ص403 .
(3) لسان العرب 3/156 ، وتفسير الطبري 13/179 ، وبصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز للفيروز آبادي 2/499 ، تحقيق محمد على النجار المكتبة العلمية ، وفتح الباري 8/351 .
(4) المفردات ص256 .
(1) طريق الهجرتين ص192 .
(2) تفسير الطبري 15/144 ، وتفسير القرطبي 10/309 .(32/225)
(3) الاعتقاد للبيهقي ص62 .
(4) شرح قصيدة ابن القيم 2/215 .
(1) انظر بتصرف لسان العرب 7/441 ، والمفردات ص244 .
(2) انظر هذه المعاني في زاد المسير لابن الجوزي 2/142، وتفسير أسماء الله الحسنى ص48 ، واشتقاق أسماء الله للزجاج ص146 .
(3) أبو داود في كتاب الأدب ، باب ما يقول إذا أصبح 4/318 (5074) ، وانظر تصحيح الألباني في صحيح الترغيب والترهيب حديث رقم (659).
(4) حسنه الألباني ، انظر صحيح الجامع حديث رقم (1260) .
(1) المقصد الأسنى ص113 بتصرف .
(2) النهاية في غريب الحديث 4/ 298 ، ولسان العرب 3/ 396 ، واشتقاق أسماء الله ص152 ، ومفردات ألفاظ القرآن ص760 ، وفتح الباري شرح صحيح البخاري 13/408 .
(3) مسلم في كتاب الإيمان ، باب تحريم الكبر وبيانه ، 1/93 (91) .
(4) الموضع السابق ، باب في قوله عليه السلام إن الله لا ينام 1/161 (179) .
(1) انظر الفوائد ص 182.
(2) البخاري في كتاب التوحيد ، باب وكان عرشه على الماء وهو رب العرش العظيم 6/2700 (6987) .
(3) صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان 2/77 (361) ، قال الشيخ الألباني : لا يصح في صفة الكرسي غير هذا الحديث ، انظر السلسلة الصحيحة 1/223 (109) .
(4) انظر تعليق الألباني علي الرواية في شرح العقيدة الطحاوية ص45 .
(1) البخاري في التعبير ، باب رؤيا الليل 6/2568 (6597) .
(2) انظر في المعنى اللغوي : لسان العرب 2/536 ، واشتقاق أسماء الله للزجاج ص189 ، ومفردات ألفاظ القرآن ص621 ، وكتاب العين 3/194.
(1) فتح القدير 4/ 326 ، وتفسير الطبري 22/ 114 ، وتفسير الثعالبي 3/ 252.
(2) صحيح البخاري 4/1697 ، وتفسير القرطبي 14/300 ، وتفسير ابن كثير 3/539 .
(3) شرح قصيدة ابن القيم 2/234.
(4) أبو داود في كتاب الصلاة ، باب في فضل صلاة الجماعة 1/151 (554) ، وانظر حكم الألباني على الحديث في مشكاة المصابيح حديث رقم (1066) .(32/226)
(1) البخاري في الأدب ، باب عقوق الوالدين من الكبائر 5/2229 (5631) .
(2) البخاري في الجنائز ، باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في كفنه 1/419 (1186) وانظر في المعنى اللغوي لسان العرب 3/ 238 ، وكتاب العين 3/ 398 .
(3) تفسير أسماء الله الحسنى ص ، وجامع البيان 7/90 53 .
(4) شرح العقيدة الطحاوية ص89 .
(1) البخاري في كتاب التهجد ، باب التهجد بالليل 1/377 (1069) .
(2) البخاري في كتاب الصوم ، باب صوم رمضان احتسابا من الإيمان 1/22 (38) .
(3) لسان العرب 12/467 ، كتاب العين 5/122 ، عون المعبود 2/331 .
(1) النسائي في الأذان ، باب رفع الصوت بالأذان 2/13 (646) ، وانظر صحيح الجامع (1841) .
(2) مسلم في الصلاة ، باب تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول فالأول منها 1/326 (439) .
(3) أبو داود في الصلاة ، باب تسوية الصفوف 1/180 (671) ، وانظر صحيح الجامع (122) .
(4) انظر طبقات الصوفية ص489 ، والتعرف لمذهب أهل التصوف ص161، وصفة الصفوة 2/249 .
(5) البخاري في الجنائز ، باب السرعة بالجنازة 1/442 (1252) .
(6) النهاية في غريب الحديث 4/25 .
(7) البخاري في الجنائز ، باب ما يكره من الصلاة على المنافقين 1/459 (1300) .
(8) البخاري في العلم ، باب الفتيا وهو واقف على الدابة وغيرها 1/43 (83) .
(9) البخاري في كتاب تقصير الصلاة ، باب يؤخر الظهر إلى العصر 1/374 (1060) ، وانظر كتاب العين للخليل بن أحمد 4/ 303 ، والمغرب للمطرزي 1/32 .
(1) مسلم في القدر ، باب بيان أن الآجال والأرزاق وغيرها لا تزيد ولا تنقص 4/2050 ( 2663) .
(2) مسلم في كتاب الصيام ، باب فضل السحور وتأكيد استحبابه 2/771 (1099) .
(3) لسان العرب 4/11 .
(4) زاد المسير 8/104، روح المعاني 27/96 .
(5) تفسير القرطبي 11/248 ، وروح المعاني 9/113 .(32/227)
(1) انظر زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي 8/104 ، وانظر أيضا : الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري ص 513 ، وتاج العروس للزبيدي 7/181 .
(2) انظر في تفسير الاسم أيضا : الأسماء والصفات ص46 ، وشرح أسماء الله الحسنى للرازي ص188 .
(3) النهاية في غريب الحديث 4/22 .
(4) لسان العرب 5/79 .
(5) الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد على مذهب السلف وأصحاب الحديث البيهقي ص63 .
(6) فيض القدير 2/487 ، ومفردات ألفاظ القرآن ص657 ، واشتقاق أسماء الله ص200 .
(1) فتح القدير للشوكاني 3/290 .
(2) البرهان في علوم القرآن لأبي عبد الله محمد بن بهادر الزركشي 3/34 .
(1) فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي 2/337 ، والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير 2/368 .
(2) رواه أبوداود في كتاب الجهاد ، باب في كراهية حرق العدو بالنار 3/54 (2673) ، وانظر صحيح سنن أبي داود باختصار السند للشيخ محمد ناصر الدين الألباني 2/508 (2327) .
(3) لسان العرب لابن منظور 7/213 .
(4) مسلم في الجهاد والسير ، باب في غزوة حنين 3/1402 (1777) .
(1) النسائي لسان العرب 7/214 ، وانظر اشتقاق أسماء الله للزجاج ص40 .
(2) البخاري باب قول النبي صلى الله عليه وسلم يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه1/431 (1224) .
(3) تفسير ابن كثير 2/369 ، وتفسير الثعالبي 2/140 .
(4) شرح أسماء الله الحسنى للرازي ص241 ، والمقصد الأسنى للغزالي ص82 .
(5) مجموع الفتاوى 6/ 363 .
(6) أبو داود في كتاب السنة ، باب في القدر 4/222 (4693) ، وانظر صحيح الجامع (1759) .
(1) لسان العرب 7/ 258 ، والمفردات ص 122.
(2) فتح القدير 2/57 ، وكتاب الأسماء والصفات للبيهقي ص85 .
(3) مسلم في التوبة ، باب قبول التوبة من الذنوب4/2113 (2759) .
(4) انظر تفسير الثعالبي 1/191 ، تفسير أسماء الله الحسنى ص40 وانظر أيضا تفسير الثعالبي 1/191.(32/228)
(1) اتظر أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة الجزء الأول الإحصاء ص34 .
(2) لسان العرب 10/115 .
(3) ابن ماجة في كتاب التجارات ، باب الاقتصاد في طلب المعيشة 2/725 (2144) ، وانظر تصحيح الشيخ الألباني للحديث في صحيح الجامع حديث رقم (2742) .
(1) انظر مسند الشهاب 2/185 (1151) ، وانظر صحيح الجامع رقم ( 2085 ) .
(2) مجموع الفتاوى 16/52 ، وانظر في معنى الاسم أيضا الأسماء والصفات للبيهقي ص 86 .
(3) الترمذي في التفسير ، باب ومن سورة الكهف 5/313 (3153) ، وانظر السلسلة الصحيحة (3153) .
(4) أحمد في المسند 5/420 (23614) ، وانظر السلسلة الصحيحة (114) ، وانظر لسان العرب 5/120.
(1) تفسير ابن جرير 7/ 161 ، وانظر تفسير البيضاوي 2/ 398 ، وتفسير القرطبي 6/ 399 .
(2) جمهرة الأمثال 2/168 ، والصحاح للجوهري 5/2118 ، والنهاية في غريب الحديث 2/148 .
(3) قاعدة في المحبة لابن القيم ص34 ، ولسان العرب 11/525 ، وفتح الباري 13/384 .
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه 4 /619 (8717) ، وأحمد في المسند 6/240 (26073) ، والحديث ضعفه الألباني انظر ضعيف الجامع حديث رقم (3022) .
(2) انظر الصلاة وحكم تاركها ص 204 بتصرف .
(3) قاعدة في المحبة لابن القيم ص34 ، لسان العرب 11/525 ، وفتح الباري 13/384 .
(4) أحمد في المسند ، وانظر صحيح الترغيب والترهيب حديث رقم (844) ، وانظر شرح أسماء الله الحسنى للرازي ص291 ، وتفسير الأسماء للزجاج ص47 .
(1) التوقيف على مهمات التعاريف ص437 .
(2) البخاري في كتاب الرقاق 11/426 (6569) ، وانظر المقصد الأسنى ص 95 .
(3) تفسير البيضاوي 2/ 272 ، وتفسير الطبري 5/ 340 .
(4) السابق 5/ 106 ، وزاد المسير لابن الجوزي 8/328 .
(1) مفردات غريب القرآن ص 777 .
(2) لسان العرب 13/418 ، وتفسير القرطبي 16/94 ، والأسماء والصفات للبيهقي ص128.(32/229)
(3) البخاري في كتاب الجهاد والسير ، باب اسم الفرس والحمار 3/1049 (2701) .
(1) انظر النهاية في غريب الحديث 4/22 ، ومفردات ألفاظ القرآن ص657 ، واشتقاق أسماء الله للزجاج ص137 ، ولسان العرب 5/74 .
(2) مسلم في كتاب القدر ، باب حجاج آدم وموسى عليهما السلام 4/2044 (2653) .
(3) الترمذي : كتاب القدر 4/458 (2156) .
(1) انظر في معنى الخالق والخلاق شرح أسماء الله الحسنى للرازي ص211 ، وتفسير الأسماء للزجاج ص 36 ، والمقصد الأسنى ص72 ، والأسماء والصفات للبيهقي ص42 .
(2) جامع الرسائل لابن تيمية ص120 ، رسالة في معنى كون الرب عادلا وفي تنزهه عن الظلم .
(1) الفوائد لابن القيم ص7 .
(2) تفسير ابن كثير 2/ 557 .
(3) تفسير القرطبي 10/ 54 .
(4) اشتقاق أسماء الله للزجاج ص43 ، ولسان العرب لابن منظور 10/491 ، وكتاب السبعة في القراءات لأبي بكر البغدادي ص 104 .
(1) البخاري في كتاب المزارعة ، باب من أحيا أرضا مواتا 2/823 .
(2) السابق 2/823 .
(3) البخاري في كتاب التوحيد ، باب وكان عرشه على الماء 6/2699 (6982) .
(4) بدائع الفوائد 4/ 972 .
(1) الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى للقرطبي 1/278 ، ولسان العرب 10/115 .
(2) المستطرف في كل فن مستظرف 2/230 .
(1) شرح أسماء الله الحسنى للرازي ص235 ، وتفسير الأسماء للزجاج ص 38 ، والمقصد الأسنى ص79 .
(2) مسلم في القدر ، باب بيان الآجال والأرزاق وغيرها لا تزيد ولا تنقص 4/2050 (2663) .
(3) شرح قصيدة ابن القيم 2/234 .
(1) لسان العرب 11/ 734 ، وكتاب العين 5/ 405 ، واشتقاق أسماء الله 136، والمفردات 882 .
(2) البخاري في المحاربين ، باب فضل من ترك الفواحش 6/2497 (6422) .
(3) الترمذي في الزهد ، باب في التوكل على الله 4/573 (2344) .
(4) زاد المسير 1/ 505 .
(5) انظر شرح أسماء الله للرازي ص282 ، والمقصد الأسنى ص114 .
(1) مدارج السالكين 2/127 بتصرف .(32/230)
(2) البخاري في فضائل الصحابة ، باب مناقب قرابة رسول الله S 3/1361 (3509) .
(3) تاج العروس للزبيدي 1/274.والقاموس المحيط للفيروز أبادي 1/75 ، ولسان العرب 13/437 .
(1) الفوائد ص28 بتصرف ، وانظر أيضا : الصواعق المرسلة 4/ 1223 ، وشفاء العليل ص 243 .
(2) الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى 1/402 ، الدر المنثور للسيوطي 2/ 425 .
(3) شرح العقيدة الطحاوية ص 206 .
(1) لسان العرب 13/114 ، وكتاب العين 3/143، ومفردات ألفاظ القرآن ص235 .
(2) انظر طريق الهجرتين لابن القيم ص470 ، والأسنى في شرح أسماء الله الحسنى للقرطبي 1/512 .
(3) لسان العرب 1/310 ، واشتقاق أسماء الله ص129 .
(1) المقصد الأسنى للغزالي ص113 .
(2) البخاري في كتاب التفسير ، باب إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم الآية 4/1662( 4287) .
(3) انظر شرح أسماء الله الحسنى للرازي ص274 ، وتفسير أسماء الله الحسنى للزجاج ص 49 ، وكتاب المواقف لعضد الدين الإيجي3/309 .
(4) انظر في هذا المعنى معارج القبول 1/144 .
(1) أبو داود في الطهارة ، باب في المجروح يتيمم 1/93(336) ، وانظر صحيح الجامع (4362) .
(2) مسلم في فضائل الصحابة رضي الله عنهم ، باب فضائل حسان بن ثابت ( 3/1936 (2490) .
(3) لسان العرب 14/436 ، وكتاب العين 6/290 ، والمفردات ص459 .
(1) أبو داود في الترجل ، باب في الخضاب 4/86 (4207) ، وصحيح أبي داود 2/792 (3544) .
(2) رواه مسلم من حديث صهيب في كتاب الزهد والرقاق ، وانظر الأسماء والصفات للبيهقي ص111.
(3) زاد المعاد 4/12 ، وانظر أيضا : إغاثة اللهفان 1/45 ، وشفاء العليل ص91 .
(4) أحمد في المسند 6/206 (25748) وصححه الألباني من حديث أنس انظر : صحيح الجامع (5654) .(32/231)
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الترجل ، باب في الخضاب 4/86 (4207) ، وانظر صحيح أبي داود 2/792 (3544) ، والطبيب لم يدخل مع الأسماء الحسنى للتقيد الذي ورد بعده ، وهو قوله : طَبِيبُهَا الَّذِي خَلَقَهَا فحسن الاسم على ما قيد به .
(2) لسان العرب 10/118 ، وتهذيب اللغة 9/109 ، وكتاب العين 5/149 ، والمغرب للمطرزي 1/339 .
(3) انظر في تفسير الاسم : الاسنى في شرح أسماء الله الحسنى 1/556 .
(4) الترمذي في صفة القيامة والرقائق والورع 4/667 (2516) ، وانظر صحيح الجامع (7957) .
(5) مسلم في الحج ، باب ما يقول إذا ركب إلى سفر الحج وغيره 2/978 (1342) .
(1) البخاري في الدعوات ، باب مرض النبي S ووفاته 4/ 1613 (4173) .
(2) لسان العرب 15/68 ، والمفردات ص672 .
(1) انظر المزيد في الاسنى في شرح أسماء الله الحسنى للقرطبي 1/355 .
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الزكاة ، باب في صلة الرحم2/132 (1692) ، وانظر تصحيح الألباني في إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (989) .
(3) انظر تفسير الاسم في شرح أسماء الله الحسنى للرازي ص373 ، وتفسير الأسماء الحسنى للزجاج ص48 والمقصد الأسنى للغزالي ص102 ، واشتقاق أسماء الله ص136 ، وزاد المسير 2/151.
(4) الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد ص59 ، وانظر أيضا النهاية في غريب الحديث 4/118 .
(1) النهاية في غريب الحديث 2/417 ، ولسان العرب 3/228 ، والفائق في غريب الحديث 2/207 .
(2) انظر بدائع الفوائد لابن القيم 3/730 ، وعون المعبود في شرح سنن أبي داود 13/111 ، وشرح النووي على صحيح مسلم 15/6 ، وانظر فتح الباري 5/180 .
(3) تحفة المودود بأحكام المولود لابن القيم ص126 .
(4) روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ، لأبي الفضل محمود الألوسي30/274 .
(5) بدائع الفوائد 3/730 .
(1) لسان العرب 1/563 ، وكتاب العين 7/461 ، والمغرب 2/29 .(32/232)
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 7/100 ، وانظر الديباج على صحيح مسلم 3/89 .
(3) انظر حلية الأولياء 10/375 .
(1) لسان العرب 12/ 140 ، وكتاب العين 3/66 ، والمغرب للمطرزي 1/ 218 .
(1) الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى 1/438 .
(2) توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم 2/218 .
(3) لسان العرب 12/510 ، والمفردات ص707.
(4) انظر الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى 1/112 ، 1/131 .
(1) انظر شرح أسماء الله الحسنى للرازي ص278 ، وتفسير الأسماء الحسنى للزجاج ص50 ، والمقصد الأسنى للغزالي ص105 ، والبيهقي ص73 ، والمفردات ص707 .
(2) البخاري في كتاب التهجد ، باب الدعاء والصلاة من آخر الليل 1/384 (1094) .
(3) لسان العرب 4/51 ، والمغرب للمطرزي 1/69 .
(4) البخاري في التفسير ، باب قوله وكان عرشه على الماء 4/1724 (4407) .
(5) انظر تفسير البغوي 4/240 ، وشرح أسماء الله الحسنى للرازي ص335 ، وفتح القدير 5/100 ، وتفسير الأسماء الحسنى للزجاج ص61 ، والأسنى في شرح أسماء الله الحسنى للقرطبي 1/333 ، وزاد المسير لابن الجوزي 8/53 ، والمقصد الأسنى للغزالي ص123 .
(6) تفسير أبي السعود 8/150 ، وانظر أيضا تفسير النسفي 4/185 .
(1) النهاية في غريب الحديث لابن الأثير 3/373 ، ومجمع البحرين للطريحي 3/321 .
(2) انظر شرح أسماء الله الحسنى للرازي ص220 ، والأسنى في شرح أسماء الله الحسنى للقرطبي 1/156 والمقصد الأسنى للغزالي ص95.
(3) انظر في ذلك : http://www.al-mishkat.com/khedher/Papers/paper9.htm .
(4) انظر : http://www.c4arab.com/showthread.php?threadid=27634 .
(5) البخاري في العتق ، باب الخطأ والنسيان في العتاقة والطلاق ونحوه2/894 (2391) .
(1) تيسير الكريم الرحمن للسعدي 5/300 .
(2) انظر في المعني اللغوي : لسان العرب 9/ 112 ، وروح المعاني 2/7 ، واشتقاق أسماء الله ص86 .(32/233)
(1) البخاري في الرقاق ، باب التواضع 5/2384 (6137) .
(2) مسلم في الذكر والدعاء والتوبة ، باب استحباب الاستغفار والاستكثار منه 4/2076 (2703) .
(3) مسلم في كتاب التوبة ، باب قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت الذنوب والتوبة 4/2113 (2759) .
(4) شرح أسماء الله الحسنى للرازي ص341 ، وتفسير الأسماء الحسنى للزجاج ص62 ، والأسماء والصفات للبيهقي ص77 ، والمقصد الأسنى للغزالي ص124 ، والأسنى للقرطبي 1/172.
(5) لسان العرب 1/803 ، وكتاب العين 4/97 .
(1) انظر تفسير الأسماء للزجاج ص60 ، والأسماء والصفات ص97 ، والمقصد الأسنى ص77 .
(2) انظر المزيد في تفسير اسم الوهاب : الأسنى للقرطبي 1/396 .
(3) البخاري في القدر ، باب وكان أمر الله قدرا مقدورا 6/2435 (6228) .
(1) مسلم في الحدود ، باب من اعترف على نفسه بالزنى3/1324 (1696) .
(2) لسان العرب 3/135 ، والنهاية في غريب الحديث 1/312 ، ومفردات ألفاظ القرآن 210 .
(3) صحيح مسلم فضائل الصحابة باب من فضائل عبد الله بن سلام ( 4/1931 (2484) .
(4) البخاري في التوحيد ، باب قول الله تعالى لما خلقت بيدي 6/ 2697 (6976) ، باب معنى لا يغيضها أي لا ينقصها نفقة ، ومعنى سحاء أي كثرة السح والعطاء وهو إنزال الخير المتواصل ، انظر فتح الباري 13/ 395 .
(5) تكملة الحديث السابق عند البخاري .
(1) إغاثة اللهفان 2/157 .
(2) لسان العرب 2/471 ، وكتاب العين 3/151 ، والمغرب للمطرزي 1/379 .
(1) انظر الأسماء والصفات للبيهقي ص37 ، وشرح النووي على صحيح مسلم 4/204 .
(2) مسلم في كتاب الإيمان ، باب في قوله عليه السلام إن الله لا ينام 1/161 (179) .
(3) لسان العرب 2/199 ، وكتاب العين 8/234 ، والمغرب للمطرزي 2/349 .
(4) السابق 2/199 .
(1) انظر بتصرف : مفردات ألفاظ القرآن ص336 ، والنهاية في غريب الحديث 2/179 .(32/234)
(1) انظر في المعنى القرآني للرب والربوبية : المختصر المفيد في أنواع التوحيد للمؤلف ص88 : 116 .
(2) لسان العرب 15/85 .
(3) روح المعاني 14/170 ، وزاد المسير لابن الجوزي 4/ 459 ، وتذكرة الأريب في تفسير الغريب 1/72 .
(1) انظر في هذا المعنى معارج القبول 1/144 .
(2) العقيدة الأصفهانية ص74 ، والفرقان بين الحق والباطل لابن تيمية 13/164.
(3) الكيلانية ضمن مجموع الفتاوى 12/350 .
(4) غاية المرام في علم الكلام لسيف الدين الآمدي 1/122.
(5) لسان العرب 13/467 .
(1) دقائق التفسير الجامع لتفسير ابن تيمية ، 2/364 .
(2) انظر منهاج السنة النبوية لابن تيمية 3/288 وما بعدها بتصرف ، وانظر أيضا في تحقيق هذه المسألة وتفصيلها : مجموع الفتاوى 1/136 ، 3/100 ، 2/11 .
(1) شرح شذور الذهب في معرفة كلام العرب لابن هشام ص 40.
(2) شرح السيوطي على سنن النسائي 2/131.
(1) المقصد الأسنى للغزالي ص108.
(2) تفسير أسماء الله الحسنى للزجاج ص48 .
(3) المقصد الأسنى ص142.
??
??
??
??
(102)
الجزء الثاني - الشرح والتفسير د.كتور محمود عبد الرازق الرضواني
(8)
أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة د. محمود عبد الرازق الرضواني(32/235)
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أما بعد .
فقد توالت كثير من ردود الأفعال حول إحصاء الأسماء الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة ، وقد ذكرت مرارا أن الموضوع فاجأني كما هو الحال لدى القراء ، لكن ماذا نصنع تجاه قواعد علمية وشروط منهجية لا يمكن تجاهلها بل يجب مراعاتها عند إحصاء الأسماء الحسنى بأدلتها الصحيحة لأن هذه القواعد أو الشروط مبنية على الأصول القرآنية والنبوية ، فمن الذي يغفل عند بحثه وجمعه وإحصائه للأسماء الحسنى أن يكون الاسم واردا في القرآن أو صحيح السنة ، وأن يكون علما دالا على ذات الله وليس فعلا أو وصفا ، وأن يكون الاسم مطلقا في العظمة والحسن دالا على كمال الوصف ، كما أنه لم يعد في مقدور أي باحث متخصص منصف أن يكون مرجعه في التعرف على أسماء الله الحسنى هو ما أدرجه الرواة في الأحاديث وألحقوه بها وخصوصا ما أدرجه الوليد بن مسلم في رواية الترمذي وهي الرواية المشهورة بين عامة المسلمين منذ ألف ومائتي عام أو يزيد ، وإلا فليخبرنا كيف أجمع أهل السنة والجماعة على أن الأسماء الحسنى توقيفية على النص ؟
وقد كان لأغلب العامة الذين فهموا الموضوع وعلموا كيف جمعت الأسماء المشهورة وحفظها الناس منذ فترة طويلة موقف مشرف ينبئ عن الفطرة السليمة التي يعظمون فيها كتاب الله وسنة رسوله S ، حيث كانوا يسألون بلهفة عن الأسماء التي لم تتوافق مع ضوابط الإحصاء ، وما هو الثابت البديل بالدليل ، ثم يحفظونها ويوزعونها في مطبوعات صغيرة انتشرت بين الناس بصورة كبيرة .(33/1)
وأنبه على موقف مشرف لأحد إخواني الأساتذة المتخصصين في العقيدة والذي أحسبه على قدر من العلم يفوق أمثالي بكثير حيث أعد بحثا قيما عن المضامين التربوية لأسماء الله الحسنى وقد ذكر فيه بعض الأسماء المشهورة في رواية الوليد والتي لا دليل عليها من كتاب أو سنة أو لا تتوافق مع شروط الإحصاء ، وما أن أهديته نسخة من البحث أطلب رأيه وتوجيهه إلا وكان رده سريعا مفيدا حيث أظهر تقديره للبحث والباحث بما لا أريد ذكره ، ولكن الأهم من ذلك أنه على الرغم من كونه نشر بحثه سالف الذكر في مجلة علمية محكمة لم يمنعه أن يصرح لي بأنه ذكر فيها أسماء لا تتوافق مع ضوابط الإحصاء وأنه بعد قراءته لبحثي سوف يستبدلها بالأسماء الصحيحة الثابتة في الكتاب والسنة ، وبالفعل اتصل علي واستشارني فيها اسما اسما ثم قدمه للتحكيم والنشر مرة أخرى في مجلة علمية محكمة .(33/2)
صحيح أن البحث فيه نوع من الغرابة غير المألوفة وهذا أمر متوقع لكن مسألة إحصاء الأسماء الحسنى وجمعها من الكتاب والسنة ليست مسألة اجتهاد شخصي لا معول عليه كما حاول البعض التهوين من القضية بحجة أن البحث مهما يكن هو جهد طالب علم شرعي يصيب ويخطئ ، فقلت له شرف لي أن أكون طالب علم شرعي وأشهد الله أنني ما أقدمت على هذا البحث الذي كلفني جهدا يعلم الله قدره إلا لكي أعلم نفسي قبل غيري وأصل إلى شيء مقنع في هذه القضية ، لأنني وحالي حال الكثير من الأساتذة أعضاء هيئة التدريس في الجامعات المختلفة والمتخصصين في العقيدة لو سأله سائل : هل المبديء المعيد المعز المذل الضار النافع الخافض الرافع المنتقم الباقي من أسماء الله الحسنى ؟ ولماذا ؟ لا يمكن قبل هذا البحث وأتكلم عن نفسي فضلا عن غيري أن أعطيه جوابا شافيا بأن هذه من الأسماء الحسنى التي سمى الله بها نفسه أو أن أجزم له بأنها ثابتة عن رسول الله S ، وعلى العموم فإنه على الرغم من أنني استشرت كثيرا من إخواني المتخصصين في العقيدة وأرسلت البحث إلى كثير من الدعاة أطلب تعليقهم ورأيهم فيه ، ومن رد منهم كان جوابه مشجعا مادحا مثنيا ، أو معتذرا لهيبة الموضوع وحساسيته ، وعلى الرغم من ذلك فما زلت أدعو أهل العلم المتخصصين لاستخراج أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة على أسس علمية واضحة المعالم لعلهم يصلون إلى نتيجة مختلفة .(33/3)
ونظرا لحساسية البحث في موضوع الأسماء الحسنى وأهميته لكل مسلم فإن بعض الأخوة هالته المسألة فبدأ يعقب بتعليقات وتعميمات يخشى من خلالها كما صرح لي بعضهم رد الفعل لدى العامة والخاصة في العالم الإسلامي بأسره : كقول بعضهم قضية إحصاء التسعة والتسعين اسما وجمعها من الكتاب والسنة كما وردت في هذا البحث مسألة ليست قطعية ، وإنما هي مسألة اجتهادية ظنية سعى إلى تحصيلها أهل العلم سابقا ، وكل منهم وصل إلى نتيجة مختلفة ، فالأمر لا يعدو كون البحث جهدا لا يغير في واقع الحال ، وقول الآخر متسائلا : هل بقاء المسلم على اعتقاده في أن الأسماء الحسنى هي المشهورة منذ زمن بعيد ، أو هل عدم العلم بهذه الأسماء التسعة والتسعين التي وردت في هذا البحث الجديد يؤثر على توحيد المسلم لله في باب الأسماء والصفات وما تعلق بذلك من أمور العقيدة والعبودية ، فإن كان مؤثرا فقد قدحنا في السابقين وإن لم يكن مؤثرا فليس للبحث أهمية ؟(33/4)
أما عن التعقيب الأول فيمكن القول إن مسألة القطعي والظني في الأمور الاعتقادية مسألة كلامية يلوكها أغلب المتكلمين من الأشعرية ، أما أصحاب العقيدة السلفية فإنهم يتلقون نصوص القرآن وما ثبت في السنة بالتصديق والتسليم ، ويقابلونها بالخضوع والحب والتعظيم ، لا يفرقون بين متواتر وآحاد ، بل جميع ما صح وثبت عن رسول الله S وحي من الله إلى سائر العباد ، لا بد لهم أن يصدقوا خبره بشرط اليقين ، ولا بد من تنفيذ أمره بكمال الانقياد ، ولو قلنا كما قالوا بأن أحاديث الآحاد لا تدل على اليقين في أمور الاعتقاد ، فيلزمهم رد كل ما جاء في كتب السنة إلا قليلا من متواتر الإسناد ، وهذا فيه إبطال السنة كأساس للإسلام وتمييع مقنع للشرائع والأحكام ، ولا يدعي أحد بأن نتائج بحثه ملزمة لجميع المسلمين ، ولكن الملزم لكل للمسلمين الصادق أنهم إذا علموا أن الأسماء المذكورة الثابتة بالدليل الصحيح تزيد على الثابت الصحيح في رواية الوليد التي اشتهرت منذ زمن بعيد بثلاثين اسما هي : المولى النصير القدير الوتر الجميل الحيي الستير المبين الأحد القريب المليك المسعر الرازق القاهر الديان الشاكر المنان الخلاق المحسن الشافي المعطي الرفيق السيد الطيب الأكرم الجواد السبوح الرب الأعلى الإله ، وكلها أسماء وردت في نص الكتاب أو صحيح السنة ، إذا علم المسلم ذلك لزمه أن يؤمن بها ولا يسعه ردها ، وأنه يجوز له أن يسمي ولده بالتعبد لها ، وكذلك يدعو الله بها دعاء مسألة ودعاء عبادة ، لكن العجب أن يصر على أن الأسماء المشهورة كالخافض الرافع الضار المانع المعز المذل المبديء المعيد وغير ذلك مما لم يثبت هي أسماء صحيحة بحجة أنه ألف الآباء والأجداد يحفظونها من مئات السنين ؛ فكيف نغيرها لنتيجة وصل إليها أحد الباحثين ؟ وللأسف أن الذي قال لي ذلك كان أستاذا جامعيا يدرس تخصصا شرعيا .(33/5)
سبحان الله !! كيف يتأتى لمسلم عامي فضلا عن أستاذ جامعي بتخصص شرعي أن يفضل طريقة الآباء على الثابت الصحيح من الأسماء ؟ وقد قال الله عز وجل في كتابه العزيز : ? فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الأَلْبَابِ ? [الزمر:17/18] ، إن الكلام عن نتيجة البحث لا يقال فيه كما ذكر البعض هل النتيجة قطعية أو ظنية ؟ ، بل ما يقال فيها أن البحث أسفر عن بيان الأسماء الحسنى الثابتة في القرآن وكذلك في صحيح السنة ، فهل يردها المسلم لأنه لم يألف سماعها في الأسماء المشتهرة من مئات السنين ؟
أما التعقيب العجيب الذي تساءل صاحبه إن كان عدم الأخذ بالأسماء التسعة والتسعين التي وردت في هذا البحث يؤثر في توحيد الله ، فإن ذلك يعد قدحا في اعتقاد السابقين ؟ فأقول هذا الكلام مبني على عدم فهم حقيقة التوحيد عند الصحابة والتابعين وسلف الأمة وخصوصا توحيد الأسماء والصفات ، وأيضا تأثر قائله بمفهوم التوحيد من المنظور الكلامي ، لأن التوحيد عند المتكلمين مبني في الأصل على تقسيمات عقليه يظنونها قواطع يقينية ينظرون من خلالها بعد ذلك للأدلة القرآنية والنبوية فما وافق قواطعهم العقلية أخذوه كأدلة ثانوية يستأنس بها ، وما خالفها عطلوه وأوجبوا فيه التأويل لأنها توهم التشبيه وظاهرها باطل مستحيل ، أو كما قالوا وكل نص عندهم أو هم التشبيه أوله أو فوض ورم تنزيها (1) .(33/6)
فالتوحيد عند المتكلمين أساسه معرفة ما يجب وما يجوز وما يستحيل في حق الله ومن ثم ظن من ظن أن معرفة الأسماء التسعة والتسعين التي وردت في هذا البحث لا بد أن تدخل تحت قواطعهم العقلية وتصنيفاتهم الحتمية ، ولما كان السابقون من المتكلمين لا يعرفونها اعتبرها قدحا في التوحيد ، لكن الحقيقة التي تجاهلها أن هذه التقسيمات العقلية الكلامية لم يثبت أن أحدا من الصحابة عرفها أو ذكرها ، ولا قال أحد من التابعين يجب في حق الله كذا ، ويجوز له كذا ولا يجوز له كذا ، ويستحيل عليه كذا وكذا ، وكذلك حال علماء السلف الصلح في القرون الفاضلة ، لأن التوحيد عندهم أمر يختلف عن هذه التقسيمات التي يسمونها قواطع يقينية ، فهم في أبسط صورهم الإيمانية الفطرية كانوا يصدقون خبر الله ورسوله S في ذكر أسمائه وصفاته تصديقا جازما ، وينفذون الأمر تنفيذا كاملا ولا يشركون بالله شيئا ، ويعلمون أن الله ليس كمثله شيء فيما أخبرهم به عن نفسه ، وهذا المبدأ أعني مبدأ تصديق الخبر وطاعة الأمر بعيدا عن الفلسفات العقلية والآراء الكلامية هو غاية من جاء بعدهم في مختلف العصور ، مهما تنوعت كلماته أو بدت اعتقاداته في توحيد الله عز وجل ، فتصديق الخبر هو توحيد الأسماء والصفات وإفراد الله بكمال الربوبية وتنفيذ الأمر هو توحيد القصد والطلب وإفراد الله بالعبودية ، فالمسلم في القرون الفاضلة بقوله لا إله إلا الله عقد في نفسه عقدا أن يكون الله عز وجل هو المعبود الحق الذي يصدق في خبره دون تكذيب ويطاع في أمره دون عصيان ، وهذه حقيقة مجمل الإيمان التي نزل بها القرآن وفهمها أصحاب اللسان ، ومن ثم فإن أهل العلم السابقين الذين اجتهدوا في إحصاء الأسماء الحسنى وجمعها وتعريف الناس بها مهما كانت نتيجة أبحاثهم فهم أهل السبق والفضل ، والمسلم لن يتأثر توحيده طالما أنه على الإيمان المجمل وأنه لو علم خبر الله سيصدقه تصديقا جازما ، ولو علم أمره سينفذه تنفيذا(33/7)
كاملا ، فدور أهل العلم في كل عصر ومصر أن يبنوا العلم للناس ويصدعوا به ولا يكتمونه خوفا من جائر أو اعتقاد دائر يفتقر إلى الدليل المبين منذ مئات السنين .
وقد ظهرت قضية أخرى لدى بعض الدعاة المحبين لمنهج السلف وطريقة المحدثين والذين ينقلون أغلب كلامهم في العقيدة عن شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية - وإن كان حبهما راسخ في قلبي رسوخ الجبال وأغلب ما في بحثي هو من بديع ما عندهما من الأقوال - لكنهم من شدة حبهم لهما يعتبرون كل ما ورد في كلامهما أمر مسلم لا يمكن تتبعه بالنظر والتعقيب ، وأن من نقل عنهما في أي مرحلة من مراحل حياتهما فهو موفق مصيب ، فلما نظر هؤلاء إلى بعض الأسماء المشهورة ووجدوها مذكورة في كلامهما كقول شيخ الإسلام ابن تيمية : ( وكذلك الأسماء التي فيها ذكر الشر لا تذكر إلا مقرونة كقولنا الضار النافع المعطي المانع المعز المذل أو مقيدة كقوله : ? إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ ? [السجدة:22] ) (2) ، وكقول العلامة ابن القيم : ( وأيضا فإنه سبحانه له الأسماء الحسنى فمن أسمائه الغفور الرحيم العفو الحليم الخافض الرافع المعز المذل المحيي المميت الوارث الصبور ولا بد من ظهور آثار هذه الأسماء ) (3) ، وهما أعني ابن تيمية وابن القيم يؤكدان في غير موضع على أن الأسماء الحسنى توقيفية وأنه لا يجوز أن نسمي الله بما لم يسم به نفسه في كتابه أو في سنة رسوله S ، فكيف إذا ذكرا واعتبرا الضار النافع المانع الخافض الرافع المعز المذل المميت الصبور من الأسماء الحسنى بلا دليل ؟ والجواب عن هذه المسألة فصلناه في بداية الجزء الرابع المتعلق بدعاء الله بأسمائه الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة دعاء مسألة لأن ذكره هنا سيطول وسيخرجنا عن أصول البحث في كون المقدمة لا بد أن تتناسب مع دلالة الأسماء الحسنى على الصفات .(33/8)
وبخصوص الجزء الثالث المتعلق بأسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة ودلالتها على الصفات فإنه يعد من أهم وأصعب الموضوعات البحثية نظرا لدقة الكلام فيه ومحاولة تقريبه بصورة مبسطة لعامة المسلمين ، وسوف أتناول فيه بإذن الله البحث عن دلالة الأسماء الحسنى مطابقة وتضمنا والتزاما على الصفات الإلهية بصورة تفصيلية بحث نبين الأدلة النقلية مستخدمين التقنية الحاسوبية وسرعة الكمبيوتر في البحث عن النصوص الصحيحة ، وذلك حتى يظهر الدليل على الاسم والوصف معا وأن لما سمى نفسه بين أيضا دلالة الاسم على الوصف ، سواء كان وصفا ذاتيا أو وصفا فعليا ، وقد كان عملا شاقا ودقيقا لكني استعنت بالله واجتهدت فيه قدر المستطاع ولعل من يقرأ البحث يضيف لنا النصح فيما فاتنا في هذا الجزء أو غيره حتى يمكن تداركه .
وقد تناولت أيضا أبرز المسائل التي يتناولها الباحثون في هذا الباب بشيء من اللطف وحاولت تقريب الصورة برفق لعامة القراء وطلاب العلم ، وكيف ظهرت هذه المسائل بعد عصر السلف الصالح ؟ وما الذي دعا أهل السنة لمناقشتها ؟ وقد قسمت الموضوع بعد المقدمة إلى بابين وخاتمة جاءت خطة البحث فيها على النحو التالي :
خطة البحث :
* المقدمة : وقد اشتملت على بعض التعليقات حول الجزاء السابقة وخطة البحث .
* الباب الأول وقد اشتمل على المحاور الآتية :
? منهج السلف في العقيدة وأثره في الإيمان بأسماء الله الحسنى .
? موقف السلف ممن عطل دلالة الأسماء على الصفات .
? أزلية الأسماء والصفات الإلهية .
? مسألة الاسم والمسمى .
? دلالة الأسماء على العلمية والوصفية .
? جلال أسماء الله الحسنى .
? اسم الله الأعظم ودلالته على الصفات .
? قصص واهية حول الاسم الأعظم .
? الروايات الثابتة في الاسم الأعظم .
? دلالة اقتران الأسماء الحسنى على الصفات .
? هل الأسماء مشتقة من الصفات أم العكس ؟
? أنواع الدلالات وتعلقها بالأسماء والصفات .(33/9)
* الباب الثاني وقد اشتمل على ما يلي :
? الأسماء الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة ودلالتها التفصيلية
على الصفات الإلهية .
* خاتمة البحث : وقد اشتملت على ملخص البحث وأهم النتائج .
وأختم هذه المقدمة بأني أستغفر الله العظيم وأسأله التجاوز عني والمسامحة في كل ما بدر مني فاني محل خطأ وتقصير ومثلي إلى عفوه ومغفرته فقير ، وهو سبحانه وتعالى أهل التقوى وأهل المغفرة وهو الغني الكريم الغفور الحليم والواسع العليم ، وأسأله سبحانه أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم وأن لا يحرمنا أجره من واسع فضله العظيم وأن يغفر لوالديَّ ويجزي زوجتي أم عبد الرزاق خير الجزاء على ما قدمته من جهد كبير في تخريج الأحاديث ومراجعتها ومطابقتها على المراجع المطبوعة إنه حسيب رقيب سميع قريب مجيب الدعاء وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
وكتبه أبو عبد الرزاق
د/ محمود عبد الرازق الرضواني
السعودية مدينة أبها
الخامس من ذي القعدة سنة 1425هـ
أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
والتي أظهرها البحث في الجزء الأول وعددها (30) اسما
****************
الأسماء الحسنى المشهورة التي لم تثبت أو تتوافق مع ضوابط
الإحصاء كما ورد في الجزء الأول وعددها (29) اسما
الخافضُالرَّافِعُالمعزُّالمذِلالعَدْلُالجَلِيلُالبَاعِثُالمُحْصِيالمُبْدِيءُالمُعِيدُالمُحْيِيالمُمِيتُالوَاجِدُالمَاجِدُالوَالِيالمنتَقِمُذو الجلال
والإكرامالمُقْسِطالجَامِعُالمُغْنِيالمَانِعُالضَّارُّالنَّافِعُالنُّورُالهَادِيالبَدِيعُالبَاقِيالرَّشِيدُالصَّبُورالباب الأول
دلالة الأسماء على الصفات
بين المنهج السلفي ومنهج المخالفين
********************************
* منهج السلف في العقيدة وأثره في الإيمان بأسماء الله الحسنى :(33/10)
تقدم أن منهج السلف الصالح في أبسط صوره أنهم كانوا يصدقون خبر الله ورسوله S تصديقا جازما ، وينفذون الأمر تنفيذا كاملا ، بحيث تنسجم فطرتهم النقية مع دلالة النصوص القرآنية والنبوية (4) ، هذا المبدأ أعني مبدأ تصديق الخبر وطاعة الأمر بعيدا عن الفلسفات العقلية والآراء الكلامية هو غاية من جاء بعدهم وسلك دربهم في مختلف العصور ، مهما تنوعت كلماته أو بدت اعتقاداته في توحيد الله .
ونحن لو نظرنا إلى هذا المبدأ بنظرة علمية تحليلية لوجدنا أنه يعبر عن العقيدة الإسلامية الصحيحة بأدق تفاصيلها ؛ فالمسلم بقوله : لا إله إلا الله ، قد عقد في نفسه عقدا أن يكون الله عز وجل هو المعبود الحق الذي يصدق في خبره دون تكذيب ويطاع في أمره دون عصيان ، وهذه حقيقة الإيمان التي نزل بها القرآن ، وفهمها أصحاب اللسان ، فمن المعلوم أن الكلام العربي قسمان :
الأول : الخبر ، وهو يتطلب من المخاطَب التصديق ، وقد عرفه العلماء بأنه ما يصح أن يدخله الصدق أو الكذب ، فالخبر هو الدال على أن مدلوله قد وقع قبل صدوره أو سيقع بعد صدوره .
الثاني : الأمر أو الطلب ، وهو يتطلب من المخاطَب الاستجابة والتنفيذ ، وقد عرفه العلماء بأنه ما لا يحتمل الصدق أو الكذب ، فمدلوله الإيجابي يحصل مع آخر حرف منه ، وهو التنفيذ والاستجابة ، على الفور أو التراخي بحسب مراد الآمر الناهي (5) .
قال ابن هشام : ( التحقيق أن الكلام ينقسم إلى خبر وإنشاء فقط ، وأن الطلب من أقسام الإنشاء ، وأن مدلول قم حاصل عند التلفظ به ، لا يتأخر عنه ، وإنما يتأخر عنه الامتثال وهو خارج عن مدلول اللفظ ) (6) .(33/11)
ويذكر البيهقي أن حقيقة الإيمان والتوحيد تكمن في تصديق الخبر وتنفيذ الأمر لأن الخبر هو القول الذي يدخله الصدق والكذب ، والأمر والنهي كل واحد منهما قول يتردد بين أن يطاع قائله وبين أن يعصي ، فمن سمع خبرا واعتقد أنه حق وصدق فقد آمن به ، ومن سمع أمرا أو نهيا فاعتقد الطاعة له فكأنما آمن في نفسه به (7) .
وقد بين ابن القيم أن أساس التوحيد والهداية التي منَّ الله بها على عباده يقوم على تصديق خبر الله من غير اعتراض شبهة ، وامتثال أمره من غير اعتراض شهوة ، ثم يقول : ( وعلى هذين الأصلين مدار الإيمان ، وهما تصديق الخبر وطاعة الأمر ) (8) .
ولما كان الصحابة ( هم أهل الفصاحة واللسان ، وقد خاطبهم الله عز وجل بنوعي الكلام في القرآن كان منهجهم في مسائل التوحيد والإيمان هو تصديق الخبر وتنفيذ الأمر ، فلو أخبرهم الله عن شيء صدقوه تصديقا جازما ينفي الوهم والشك والظن ، وهذا ما عرف لاحقا عند السلف بتوحيد العلم والخبر ، أو توحيد المعرفة والإثبات ، أو توحيد الربوبية والأسماء والصفات ، أو غير ذلك من مسميات واصطلاحات .
والصحابة ( أيضا لو أمرهم الله بشيء نفذوه بالقلب واللسان والجوارح ، وهو ما عرف لاحقا عند السلف بتوحيد العبادة ، أو توحيد الإلوهية ، أو توحيد القصد والطلب ، فغاية التوحيد العظمى وطريقة السلف المثلى التي جاهدوا المخالفين لإلزامهم بها ؛ أن يثبتوا ما أثبته الله لنفسه بتصديق خبره ، وأن يطيعوا الله فيما أمر به على لسان نبيه S ، فالصحابة ( أجمعوا إجماعا سكوتيا دون مخالف أن يصدقوا خبر ربهم وبلاغ نبيهم ، وأن ينفذوا أمر معبودهم عن خضوع وتسليم ومحبة وتعظيم ، ولم يكن بينهم من دان بغير ذلك ، ومن شك في ذلك فما قدرهم حق قدرهم ، وما أدرك حقيقة إيمانهم وإسلامهم رضي الله عنهم أجمعين .(33/12)
ونحن لو طالعنا نصوص القرآن والسنة جملة وتفصيلا لعلمنا أن أساس الرسالة يكمن في تصديق خبر الله وتنفيذ أمره ، فقد روى البخاري من حديث ابن عباس ( أنه قال : ( لَمَّا نَزَلَتْ : ? وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ? [الشعراء:214] ، خَرَجَ رَسُولُ الله S حتى صَعِدَ الصَّفَا ، فَهَتَفَ : يَا صَبَاحَاهْ ، فَقَالُوا : مَنْ هَذَا ؟ فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ ، فَقَالَ : أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلا تَخْرُجُ مِنْ سَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ ؟ قَالُوا : مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا قَالَ : فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ) (9) ؛ فالصحابة ( أجمعون صدقوه تصديقا جازما في كل ما أخبرهم عن الله ، أما المشركون فكذبوه حتى قال له عمه : ( تَبًّا لَكَ مَا جَمَعْتَنَا إِلا لِهَذَا ثُمَّ قَامَ ، فَنَزَلَتْ : ? تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ? [المسد:1] ) (10) .
وعند ابن ماجة وصححه الألباني من حديث أبي هريرة ( أن النبي S قال عن المسلم وهو يسأل في قبره : ( فَيُقَالُ لَهُ : مَا هَذَا الرَّجُلُ ؟ فَيَقُولُ : مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله S جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ عِنْدِ الله فَصَدَّقْنَاهُ .. فَيُقَالُ لَهُ .. عَلَى الْيَقِينِ كُنْتَ ، وَعَلَيْهِ مُتَّ ، وَعَلَيْهِ تُبْعَثُ إِنْ شَاءَ الله ) (11) .(33/13)
وهم كما صدقوا نبيهم في كل ما أخبرهم به عن ربه ؛ فإنهم أطاعوه أيضا في كل ما أمرهم به ، وكانوا يبايعونه على ذلك ، روى البخاري من حديث جرير بن عبد الله ( أنه قال : ( بَايَعْتُ النَّبِيَّ S عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ ، فَلَقَّنَنِي فقال : فِيمَا اسْتَطَعْتُ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ ) (12) ، وروى أيضا من حديث أبي هريرة ( في موقفه مع أهل الصفة لما أمره النبي S بدعوتهم وإطعامهم وكان يتلوى من الجوع ، قال : ( فَسَاءَنِي ذَلِكَ .. وَلَمْ يَكُنْ مِنْ طَاعَةِ الله وَطَاعَةِ رَسُولِهِ S بُدٌّ ) (13) .
فهذا حال الصحابة ( وحال من سلك نهجهم ، وكل مسلم صادق نقي الفطرة من العامة والخاصة ، روى مالك في الموطأ من حديث ابن أبي مليكة أنه قال : ( مَرَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ( بِامْرَأَةٍ مَجْذُومَةٍ وَهِيَ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَقَالَ لَهَا : يَا أَمَةَ الله لا تُؤْذِي النَّاسَ لَوْ جَلَسْتِ فِي بَيْتِكِ ؛ فَجَلَسَتْ ؟ فَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ لَهَا : إِنَّ الَّذِي كَانَ قَدْ نَهَاكِ قَدْ مَاتَ ؛ فَاخْرُجِي ، فَقَالَتْ : مَا كُنْتُ لأُطِيعَهُ حَيًّا وَأَعْصِيَهُ مَيِّتًا ) (14).
إذا علمنا ذلك فإن اعتقاد السلف في توحيد الأسماء والصفات هو تصديق الله في خبره ، وإثبات ما أثبته لنفسه ، وما أثبته رسوله S من غير أن يقحموا عقولهم في مهالك التمثيل والتكييف ، أو يكلفوا أنفسهم تأويلا يؤدي إلى التعطيل والتحريف فهم آمنوا بأسماء الله على الحقيقة ، وأنها أعلام تدل على ذاته ، وأوصاف تدل على جلاله وكماله ، وأنها توقيفية على ما وردت به النصوص الصحيحة ، وأن الله منفرد بأسمائه وما دلت عليه من أوصافه وأفعاله ، فهو سبحانه ليس كمثله شيء في كل ما أثبته لنفسه ، هذا شأن اعتقادهم ومنهجهم في هذا الباب (15) .(33/14)
ولما ظهرت المعتزلة وهيمنت على الخلافة الإسلامية في الربع الأول من القرن الثالث الهجري ابتدعوا منهجا جديدا في التوحيد غير ما عرف بين الصحابة والتابعين وعلماء السلف الصالح ، فزعموا أن التوحيد هو إثبات الأسماء ونفي الصفات ، وأن إثبات الصفات تشبيه وتجسيم يؤدي إلى تعدد الآلهة ، أو كما زعموا يؤدي إلى تعدد القدماء ، وأن الله تعالى لم يكن له في الأزل اسم ولا وصف ثم اكتسب الأسماء والأوصاف بعد أن لم تكن ؛ فهذه الأسماء والأوصاف من أقوال المسميين الواصفين المحدثين ، وقد ظهرت على إثر هذه الآراء مسألة غريبة حول الأسماء الحسنى ودلالتها على ذات الله ، هذه المسألة هي المعروفة بمسألة الاسم والمسمى ، هل الاسم هو عين المسمى أو هو غيره ؟
والسابقون من السلف كما تقدم لم يتكلموا فيها ، لكن اضطروا بعد ذلك إلى الحديث عنها لبيان الحق ودحض الشبهة ، قال أبو القاسم اللالكائي : ( وأما القول في الاسم أهو المسمى أو غير المسمى ؟ فإنه من الحماقات الحادثة التي لا أثر فيها فيتبع ولا قول من إمام فيستمع ، والخوض فيه شين ، والصمت عنه زين ، وحسب امريء من العلم به والقول فيه أن ينتهي إلى قول الصادق عز وجل ، وهو قوله : ? قُلِ ادْعُوا الله أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ? [الإسراء:110] ، وقوله : ? وَللهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ? [الأعراف:180] ، ويعلم أن ربه هو الذي على العرش استوى ، له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى ؛ فمن تجاوز ذلك فقد خاب وخسر ) (16) .
* موقف السلف ممن عطل دلالة الأسماء على الصفات :(33/15)
تطلب الأمر من أهل العلم بعد أن ظهرت أصول المعتزلة بيان حقيقة التوحيد ورد الشبهات التي ابتدعوها وإظهار عوارهم فيها (17) ، فمعنى قولهم بإثبات الأسماء ونفي الصفات أنهم أثبتوا ذاتا لا صفة لها ، وجعلوا أسماء الله الدالة عليها أسماء فارغة من الأوصاف أو أسماء بلا مسمى ، فقالوا : إن الله عليم بعلم هو ذاته ، سميع بسمع هو ذاته ، بصير ببصر هو ذاته ، أو هو عليم بلا علم ، سميع بلا سمع ، بصير بلا بصر وهكذا جردوا سائر الأسماء عن الصفات ؛ فأساس مذهبهم نفي الصفات ، والعلة عندهم كما زعموا نفي التشبيه وإثبات التوحيد .
وهذا الكلام ظاهر البطلان وأساسه سوء الفهم لمعنى التوحيد ، وتخبطهم في إدراك القدر المشترك والقدر الفارق بين الأشياء ، فمن المعلوم أنه ما من شيئين إلا وبينهما قدر مشترك وقدر فارق ، فمن نفى القدر الفارق فقد مثل ، ومن نفى القدر المشترك فقد عطل (18) .(33/16)
قال ابن تيمية : ( سمى الله نفسه بأسماء وسمى صفاته بأسماء ، وكانت تلك الأسماء مختصة به إذا أضيفت إليه ، لا يشركه فيها غيره ، وسمى بعض مخلوقاته بأسماء مختصة بهم مضافة إليهم ، توافق تلك الأسماء إذا قطعت عن الإضافة والتخصيص ، ولم يلزم من اتفاق الاسمين وتماثل مسماهما واتحاده عند الإطلاق والتجريد عن الإضافة والتخصيص اتفاقهما ، ولا تماثل المسمى عند الإضافة والتخصيص ، فضلا عن أن يتحد مسماهما عند الإضافة والتخصيص ) (19) ، فالأسماء من جهة اللغة عامة مشتركة تتخصص دلالتها عند العقلاء بالإضافة والتقييد ، فلو قال قائل : هذا فيل كبير ، وقال آخر : هذا طائر كبير ، فالمشترك بين القولين بعد اسم الإشارة لفظ (كبير) ، وهو عند سائر العقلاء من حيث الدلاله له ثلاثة معان ظاهرة ، عند إضافته إلى الفيل ، فأي عاقل يتصور من دلالته معنى معينا يستوعبه الذهن ؛ حيث يتصور فيلا كبيرا بين بني جنسه من الفيلة ، وعند إضافته إلى الطائر فإن العاقل يتصور من دلالته معنى آخر غير المعنى السابق فهو طائر كبير بين الطيور ، ولا يزعم عاقل أنه عندما يسمع قول القائل طائر كبير فإنه يتصور جبلا أو جملا أو فيلا أو بغلا أو غير ذلك ، والثالث إذا قطع لفظ (كبير) عن الإضافة وكان مجردا وحده ، فإن له معنى آخر يتصور الذهن فيه شيئا عاما يمكن اشتراك الكل فيه ، وإن كانت الألفاظ لا تطلق مجردة بين العقلاء ؛ فالله عز وجل وله المثل الأعلى إذا قال : ? إِنَّا خَلَقْنَا الإنسان مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً ? [الإنسان:2] ، وقال عن نفسه : ? إِنَّ الله كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً ? [النساء:58] ، فإن السميع والبصير كاسمين أو لفظين من مفردات اللغة لهما من حيث الدلالة ثلاثة أنواع يستوعبها العقلاء :(33/17)
الأول : إذا أضيفا إلى الإنسان ؛ فإن العاقل يعلم معنى كونه سميعا بصيرا ، ويعلم الكيفية الحقيقية التي دل عليها هذان الاسمان في حق المخلوق ، فالإنسان يسمع بأذن ويبصر بحدقة ، وهذا ظاهر اللفظ عند تخصيصه وتقييده بالإنسان .
الثاني : إذا أضيفا إلى الله عز وجل فإن العاقل يعلم معنى كونه سبحانه سميعا بصيرا فالله يسمع ويرى على الحقيقة ، لكن العاقل لا يعلم الكيفية الحقيقية للوصفين الذين دل عليهما هذان الاسمان في حق الله ؛ فالكيف مجهول لنا ؛ لأننا ما رأينا الله ، وما رأينا له نظيرا ، وهو سبحانه وحده الذي يعلم كيف هو ؟ وقد أمرنا أن نؤمن بما أخبرنا به عن نفسه ونصدقه تصديقا جازما ، وهذا مراد السلف بأن نصوص الصفات على ظاهرها في حق الله .(33/18)
الثالث : إذا قطعا عن الإضافة وانفصلا عن التقييد وكانا مجردين ؛ فإن لهما معنى ثالثا عاما ومشتركا غير المعنى الأول والثاني ، وهذا لا يكون في الواقع ، بل يتصوره الذهن فقط ، ولا يلزم أبدا من استعمال الأسماء المجردة في حق الخالق أو المخلوق وجود التطابق بين سمع هذا وذاك ، أو وجود المماثلة والمشابهة بينهما ، ومن هنا ظهر الخطأ الذي وقع فيه المعطل والممثل ، لأن المعطل لما شبه الله بخلقه لم يجد الصورة التي كونها في ذهنه مستساغة أو مقبولة ؛ فأراد أن ينفيها بمثل ما ذكره المتكلمون من أنواع التأويل وسحب النصوص عن دلالاتها ، فالنصوص المكونة من حروف وكلمات وهي بدورها تشتمل على الأسماء والصفات ، وهذه الألفاظ كمفردات لغوية يستخدمها المتكلم في التعبير عن مراده عند تجردها وذكر مفرداتها منقطعة عن الإضافة تكون عامة مشتركة بحيث يمكن استخدامها في حق الخالق والمخلوق معا ، أما إذا أضيفت إلى الخالق سبحانه وقيدت ألفاظها بالدلالة عليه ؛ فإنها تدل على معنى يخص الخالق دون غيره ، وكذلك إذا أضيفت إلى المخلوق وقيدت ألفاظها بالدلالة عليه ؛ فإنها تدل على معنى آخر يخص المخلوق دون غيره ، فهناك قدر مشترك عند التجرد ، وقدر فارق عند التخصيص والتقيد ، ولا يمكن إهمال القدر الفارق لأن ذلك تمثيل للمخلوق بالخالق ، ولا يمكن نفي القدر العام المشترك بين الجميع لأنه تعطيل للألفاظ اللغوية وإبطال للتفاهم في لغات التخاطب بين الإنسانية (20) .(33/19)
والقرآن الكريم تضمن نصوصا كثيرة تدل على أن الله سمى نفسه بأسماء ، وسمى بعض عباده بأسماء هي في حقهم نظير تلك الأسماء في حقه سبحانه عند التجرد وعموم اللفظ ، فسمى نفسه حيا كما في قوله عز وجل : ? اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ? [البقرة:255] ، وسمى بعض عباده حيا كما في قوله : ? يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ? [الأنعام:95] ، مع العلم أنه ليس الحي كالحي ، وسمى نفسه عليما كما في قوله : ? إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ? [الأنعام:83] ، وسمى بعض عباده عليما كما في قوله : ? وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ ? [الذاريات: 28] وليس العليم كالعليم ، وسمى نفسه حليما كما في قوله : ? وَالله غَنِيٌّ حَلِيمٌ ? [البقرة: 263] ، وسمى بعض عباده حليما في قوله تعالى : ? فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ ? [الصافات:101] ، وكذلك سمى نفسه رءوفا رحيما ، وسمى بعض عباده رءوفا رحيما ، وليس الرءوف كالرءوف ولا الرحيم كالرحيم ، وكذلك سمى نفسه ملكا عزيزا جبارا متكبرا ، وسمى بعض عباده ملكا وبعضهم عزيزا وبعضهم جبارا متكبرا ، وليس هو في ذلك مماثلا لخلقه (21) .
قال أبو عمر الطلمنكي : ( وقال قوم من المعتزلة والجمهية لا يجوز أن يسمى الله عز وجل بالأسماء على الحقيقة ويسمى بها المخلوق ، فنفوا عن الله الحقائق من أسمائه وأثبتوها لخلقه ، فإذا سئلوا ما حملهم على هذا الزيغ ، قالوا : الاجتماع في التسمية يوجب التشبيه ، قلنا : هذا خروج عن اللغة التي خوطبنا بها ، لأن المعقول في اللغة أن الاشتباه لا يحصل بالتسمية ، وإنما بتشبيه الأشياء بأنفاسها وذواتها ، أو بأوصاف وهيئات فيها ، كالبياض بالبياض ، والسواد بالسواد ، والطويل بالطويل ، والقصير بالقصير ، ولو كانت الأسماء توجب اشتباهاً وتماثلاً لاشتبهت الأشياء كلها لشمول اسم الشيء لها ، وعموم تسمية الأشياء بها ) (22) .(33/20)
وقد أخبر الله عما في الجنة من أنواع النعيم التي أعدها لأهلها من المطاعم والملابس والمناكح والمساكن ، فأخبر أن فيها لبنا وعسلا وخمرا ولحما وماء وحريرا وذهبا وفضة وفاكهة وحورا وقصورا ، قال ابن عباس ( : ( ليس في الجنة شيء مما في الدنيا إلا الأسماء ) (23) ، وإذا كانت تلك الحقائق التي أخبر الله عنها هي موافقة في الأسماء التي في الدنيا ، وليست مماثلة لها ، بل بينها من التباين مما لا يعلمه إلا الله ، فالخالق سبحانه وتعالى أعظم مباينة للمخلوق من مباينة مخلوق الآخرة لمخلوق الدنيا (24) ؛ فأساس ضلال المخالفين قياسهم الخالق على المخلوق أولا ، ثم نفى أوصاف الخالق فرارا مما اعتقدوه ، فقول المعتزلة سميع بسمع هو ذاته أو سميع بلا سمع خشية إثبات الصفات هو في الحقيقة ذم لله وليس مدحا ، فمن المعلوم أن الاسم في حقنا قد يكون على مسمى وقد لا يكون ، فلو قيل : فلان اسمه سعيد ، فربما تجد فيه وصف السعادة وربما يكون بائسا حزينا ، فهو في الحالة الأولى اسم على مسمى ، وفي الثانية اسم بلا معنى أو اسم على غير مسمى أو اسم فارغ من الوصف .(33/21)
أما أسماء الله عند السلف فهي أسماء على مسمى ؛ فالله عز وجل هو الغني الذي يتصف بالغني لا الفقر ، ولا نقول كما قالت المعتزلة : غنى بلا غنى ، وهو القوي الذي يتصف بالقوة لا الضعف ، وهو السميع يتصف بصفة السمع تعالى الله عن ضدها ، وهكذا القول في سائر الأسماء والصفات ، ولهذا كانت أسماء الله حسنى وعظمى ، ولا يمكن أن تكون حسنى وعظمى بغير ذلك ، قال تعالى : ? وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ? [الأعراف:180 ] ؛ ومن المعلوم أن دعاء الله بها أن يقول الفقير : يا غني اغنني بفضلك عمن سواك ، ولولا يقين الفقير أن الله غني وليس له في غناه نظير ما دعاه ، وأن يقول الضعيف : يا قوي قوني ، فلولا يقينه أنه سبحانه لا شبيه له في قوته ما دعاه ، وهكذا فإن أصحاب الفطرة النقية يعلمون أن الله يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء بجلال أسمائه وعظمة أوصافه ، قال تعالى : ? أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَءلَهٌ مَعَ الله قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ ? [النمل:62] وأي عاقل يعلم أنه لا يجيب المضطر إذا دعاه وهو عاجز لا صفة له مطلقا .
وهذا المذهب الذي ينفي دلالة أسماء الله على أوصافه وأفعاله يترتب عليه أن قوله تعالى : ? وَلِلهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ? [الأعراف :180 ] ، لا معنى له ولا قيمة عند معتنقيه ، وكذا الحال في تعداد الأسماء الحسنى من حديث أبي هريرة ( عند البخاري مرفوعا : ( إِنَّ للهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنّةَ ) (25) ، لأن تعداد الأسماء الحسنى أو الدعاء بها مبني على إثبات الصفات .(33/22)
وأي نقص تنسبه المعتزلة في حق الله أعظم من أن يكون ربهم لا صفة له عندهم تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا ، إن العاقل لا يقبل هذا على نفسه فكيف يجيزه على ربه ؟ ، فلو قال لك قائل : أنت لا صفة لك عندي ربما خاصمته دهرا ، ولا يتوقع عاقل أنك ستسعد بقوله وتعده مدحا إلا أن تكون مختلا عقليا أو اعتزاليا ، لأن الفطرة مجبولة على إثبات الأوصاف الحميدة ؛ فمن العجب أن يثبتوا لأنفسهم أجود الأوصاف ، ويصفون أنفسهم بالذكاء والفهم والرسوخ في العلم ، وينفون عن الله الذي ليس كمثله شيء سائر أوصاف الكمال ، ومن ثم لا بد من الإيمان بصفات الله على الحقيقة كالإيمان بوجود ذاته سواء بسواء ، لأن القول في الذات كالقول في الصفات ، والقول في الصفات كالقول في بعضها البعض (26) .
* أزلية الأسماء والصفات الإلهية :
وأما زعم المعتزلة أن الله تعالى لم يكن له في الأزل اسم ولا وصف ثم اكتسب الأسماء والأوصاف بعد أن لم تكن ؛ وأن الأسماء الحسنى والأوصاف العليا من أقوال المسميين الواصفين المحدثين فأساسه أيضا تشبيه الخالق بالمخلوق ؛ فالمخلوق يكتسب الأسماء والأوصاف شيئا فشيئا حتى يصل إلى الكمال اللائق ، أما رب العزة والجلال فما زال بأسمائه وصفاته له الكمال والجمال ، قال الإمام الطحاوي : ( ما زال بصفاته قديما قبل خلقه ) (27) .(33/23)
وهو يعني أن الله سبحانه أول ليس قبله شيء متصف بصفات الكمال قبل خلقه لكل شيء ، فأسماؤه وصفاته أزلية أبدية ، وكما أنه في ذاته أول بلا ابتداء فكذلك أسماؤه وصفاته تابعة لذاته ؛ فهي أولية بأولية الله ، فلم يكن أولا بلا أسماء ولا صفات ثم سماه الناس وحدثت له الصفات ؛ لأن قولهم هذا يلزم منه أن يكون ناقصا في فترة ثم اكتسب كمالا لم يكن من قبل ، ولذلك بين الطحاوي أن وجود الخلق مفتقر إلى الله ، وأنه عز وجل غني عمن سواه ؛ فقال رحمه الله : ( لم يزدد بكونهم شيئا لم يكن قبلهم من صفته ) (28) ، أي أن وجود المخلوقات لم يزده كمالا كان مفقودا ، أو يزيل نقصا كان موجودا ، سبحانه وتعالى عن قول القائل :لم يكن الله خالقا إلا بعد أن خلق الخلق ، ولم يكن رازقا إلا بعد ظهور الملك ؛ فهذا شأن المخلوق في أوصافه يقال عنه عالما بعد اكتساب العلم وزوال الجهل ، وخبيرا بعد اكتساب الخبرة ومزاولة المهنة وملكا بعد اكتساب الملك وظهور العزة ، وحكيما رشيدا بعد ظهور العقل والحكمة وطيبا رحيما بعد ظهور الرحمة ، أما ربنا تبارك وتعالى فله كمال الأسماء والصفات في أزليته وأبديته ، قال الطحاوي : ( وكما كان بصفاته أزليا كذلك لا يزال عليها أبديا ، ليس بعد خلق الخلق استفاد اسم الخالق ، ولا بإحداث البرية استفاد اسم الباري ) (29) .(33/24)
إن الإنسان إذا كان في عشيرته ذليلا فقيرا ، مهانا ضعيفا ، واكتسب أوصاف الكمال فأصبح عزيزا غنيا ، نسيبا قويا ؛ فإن الناس لا ينسون أوصاف نقصه وحال ضعفه ، حتى لو بلغ غاية الكمال في وصفه ، بل يتذكرون حال ذله وفقره ، ويذكّّّّرونه بأيام ضعفه ونقصه ، كل ذلك لأنه اكتسب كمالا لم يكن من قبل ، لكن لو انتقل وهو في حال الكمال إلى بلد آخر لا يعرفه الناس فيه ؛ فرأوه من بدايته عزيزا غنيا منيعا قويا ، فإنهم لا يذكرونه على الدوام إلا بالكمال ، ولا يعرفون وصفه إلا مقترنا بالعزة في كل حال ، فيصفونه بالعزة والغنى والأصالة والقوة ، ومن هنا قيل في المثل : كان كراعا فصار ذراعا (30) .
وذكر أن أعرابيين صديقين يعشيان فقيرين بالبادية ، غير أن أحدهما ذهب إلى المدينة وتقرب من الحجاج بن يوسف الثقفي حتى أمَّره على أصبهان ؛ فسمع عنه صديق فقره الذي كان بالبادية ؛ فشد إليه الرحال حتى وصل إلى قصره وحاول لقاءه فمنعه الحراس أياما حتى أذِن له بالدخول ، فأنشد قائلا :
أتذكر إذ قميصك جلد تيس : وإذ نعلاك من جلد البعير
فسبحان الذي أعطاك ملكا : وعلمك الجلوس على السرير (31) .(33/25)
والقصد أن من شهد النقص في شخص تحول عنه إلى الكمال يعز عليه أن يتناسى ما سبق له من سوء الحال ، فيستكثر مدحه بوصفه وكماله ، ويسهل عليه تذكيره بسوء حاله ، هذا شأن البشر ، لكن الرب سبحانه ما عرفَّ نفسه إلينا إلا ربا معبودا ملكا قدوسا سلاما مؤمنا مهيمنا عزيزا جبارا متكبرا خالقا بارئا مصورا له الأسماء الحسنى ، وله فيها مطلق الجلال والكمال والجمال ، ولذلك قال الطحاوي : ( له معنى الربوبية ولا مربوب ومعنى الخالق ولا مخلوق ) (32)، ويعني أن الله هو رب العالمين قبل وجود العالمين ، وحال وجودهم ، وبعد فناء من شاء منهم ، هو الرب قبل أن توجد المربوبات ، والرب معناه الخالق المالك المدبر المتصرف السيد المصلح ، وهذه الصفات لازمة للذات ، وهو سبحانه غني بذاته عن العالمين له الكمال المطلق في أسمائه وصفاته وربوبيته للخلق أجمعين ، يقول الإمام الطحاوي : ( ذلك بأن الله على كل شيء قدير وكل شيء إليه فقير ، وكل أمر عليه يسير لا يحتاج إلى شيء : ? لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ? [الشورى:11] ) (33) .(33/26)
ومن ثم فإن كل مسلم عاقل ينأى بنفسه أن يعتقد في أن الله ما وصف بالقدرة إلا بعد أن خلق المخلوقات ، بل القدرة صفة له أزلية ، وإنما وجود المخلوقات أثر ناتج من كونه على كل شيء قدير ، ولا يلزم من ذلك قدم المخلوقات أو تعدد القدماء كما زعمت المعتزلة ، فالله في خلقه وأمره غني عن العالمين ، قال تعالى : ? يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ ? [فاطر:15] ، فلو كان مفتقرا إلى غيره لفسد الكون بأسره ولذلك أمر بحمده فقال : ? وَقُلِ الحَمْدُ لِلهِ الذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي المُلكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً ? [الإسراء:111] ، فكما أنه أول بلا بداية ، فكذلك ليس لأسمائه وأوصافه بداية ؛ فهو الخالق الرازق دائما وأبدا ، وهو العلي القوي دائما وأبدا ، وهو رب العالمين دائما وأبدا ، أما مخلوقاته فهي متنوعة متجددة ، يخلق الله ما يشاء ويفعل ما يشاء .
* مسألة الاسم والمسمى :(33/27)
نظرا لتعدد الآراء الفلسفية في هذه القضية واختلاف المنهج والنية بين نظرة المعتزلة والمتكلمين من جهة وأتباع السلف الصالح من جهة أخرى ؛ فإن هذه المسألة لا بد فيها من التفصيل ، ومراعاة مراد القائل بالدليل ، فربما ينسب لسلفي أن الاسم هو المسمى ، ولا يقصد ما يقصده المعتزلي ، والقضية أيضا صحيحة عند دورانها وانعكاسها ، فالسلفي إذا ثبت عنه أنه قال : الاسم هو المسمى ؛ فإنه يعني أن أسماء الله وأصافه أزلية أبدية ملازمة للذات ، وليست محدثة بعد أن لم تكن كما ادعى المخالفون ، ومن قال من السلف ذلك في بعض المواطن كأحمد بن حنبل وأبي زرعة عبيد الله بن عبد الكريم ، وأبي حاتم محمد بن إدريس الحنظلي وغيرهم رحمهم الله تعالى ، قاله على اعتبار أن القرآن غير مخلوق ، وأنه كلام الله الذي تشتمل نصوصه على الأسماء والصفات حكمه حكم الذات في الأولية والأبدية (34) .(33/28)
والمعتزلي إذا قال الاسم هو المسمى (35) ، فإنه يعني أن الأسماء هي عين الذات وأنها مجردة من الصفات ، فلا يقوم بها علم ولا سمع ولا بصر ولا وصف ، كقوله عليم بذاته سميع بذاته بصير بذاته ، لا بعلم ولا قدرة ولا حياة ولا صفات أزلية ولا معان قائمة بذاته ، فإنه ينفي الصفات ويدعي إثبات الأسماء ، فمنهجه العقلي وما تخمر في ذهنه من ضلال فكري هيأ له أن إثبات الصفات تشبيه وتجسيم ، وأن الصفات ذوات أخرى منفصلة عن الذات ، وأن إثباتها يعد مشاركة للذات في القدم الذي هو أخص وصف الله عنده ، وهذا في اعتقاده شرك وظن منه أنه هدم للتوحيد ، فالمعتزلي بقوله الاسم هو المسمى يريد من ذلك نفي الصفات الإلهية ، وهو مع ذلك لا يقدر على تكذيب النصوص القرآنية والنبوية التي صرحت دون لبس أو غموض بذكر أسماء الله الحسنى ، والأمر بدعاء الله بها ، فوقع المعتزلي في حيرة بين تصديق العقل وتكذيب النقل ، ووجد نفسه بين أمرين متضادين ومتناقضين ؛ فخرج بهذا الحل الأعوج وزعم بزعمه الأعرج أن التوحيد يكون في أثبات الأسماء ونفي الصفات ، وأن أسماء الله هي ذاته ، وهي أعلام بلا أوصاف.
ومن قال من أهل العلم كابن حزم الأندلسي وابن حجر العسقلاني أن الاسم غير المسمى يقصد أنه يفهم من اللفظ غير ما يفهم من مدلوله ، ففرق كبير بين اسم زيد المكتوب في النص ، وبين ذاته أو شخصيته المتحركة ؛ فذاته هي الحقيقة التي يدل عليها الاسم ، وهم يعلمون قطعا أن الاسم دال على المسمى (36) .(33/29)
ومن قال من الجهمية والمعتزلة الاسم غير المسمى فإنه يعني أن أسماء الله مخلوقة كما أن القرآن مخلوق ، وليست الأسماء عنده أزلية بأزلية الذات ولا أولية بأوليتها ، وأن الله كان ولا وجود لهذه الأسماء ، ثم خلقها ، ثم تسمى بها ، ولذلك اشتد إنكار أئمة السنة كأحمد بن حنبل وغيره على الذين يقولون أسماء الله مخلوقة ، وأن الاسم غير المسمى ، وأن أسماء الله غيره ، وما كان غيره فهو مخلوق ، فهؤلاء هم الذين ذمهم السلف وغلظوا فيهم القول ؛ لأن أسماء الله من كلامه ، وكلام الله غير مخلوق ، بل هو المتكلم به ، وهو المسمى نفسه بما شاء فيه من الأسماء ، ويروى عن الشافعي والأصمعي وغيرهما أنه قال : إذا سمعت الرجل يقول الاسم غير المسمى ، فاشهد عليه بالزندقة (37) ، فهم يعنون بذلك التحذير من ضلالات الجهمية والمعتزلة ، ولا يعنون من كان حسن النية من أهل السنة إذا قال ذلك ، فلكل وجهة هو موليها .
والقول الذي عليه جمهور أهل العلم من المتبعين لنهج السلف الصالح هو القول الذي فهم به الصحابة ( قول الله تعالى : ? قُلِ ادْعُوا الله أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ? [الإسراء:110] ، وقوله سبحانه : ? وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ? [الأعراف:180] ، وما رواه أحمد من حديث ابن مسعود ( أن النبي S قال في دعاء الكرب : ( أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ ، سَمَّيتَ بِهِ نَفْسَكَ ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ ، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ ) (38) ، فالاسم للمسمى والأسماء الحسنى أسماء لله عز وجل دالة عليه ، وهي في حقه أعلام وأوصاف .(33/30)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( وأما الذين يقولون إن الاسم للمسمى كما يقوله أكثر أهل السنة ؛ فهؤلاء وافقوا الكتاب والسنة والمعقول ، قال تعالى : ? وَللهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ? ، وقال : ? أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ? ، وقال النبي S : ( إن لله تسعة وتسعين اسما ) ، وقال النبي S : ( إن لي خمسة أسماء أنا محمد وأحمد والماحي والحاشر والعاقب ) وكلاهما في الصحيحين ، وإذا قيل لهم : أهو المسمى أم غيره ؟ فصلوا فقالوا : ليس هو نفس المسمى ، ولكن يراد به المسمى ، وإذا قيل : إنه غيره بمعنى أنه يجب أن يكون مباينا له فهذا باطل ؛ فإن المخلوق قد يتكلم بأسماء نفسه فلا تكون بائنة عنه ؛ فكيف بالخالق ، وأسماؤه من كلامه ، وليس كلامه بائنا عنه ؟ ، ولكن قد يكون الاسم نفسه بائنا ، مثل أن يسمى الرجل غيره باسم ، أو يتكلم باسمه ، فهذا الاسم نفسه ليس قائما بالمسمى ، لكن المقصود به المسمى ، فإن الاسم مقصوده إظهار المسمى وبيانه ) (39) .
والناس مفطورون على أن الأسماء وضعت للدلالة على مسمياتها ، وأنه إذا ذكر الاسم انصرف الذهن في المقام الأول إلى العلمية التي تميز صاحبه ، ثم ينظر بعد ذلك إلى الوصفية ، ومن المعلوم أن بني آدم يكتسبون معرفة الأسماء ويتعلمون حدود الأشياء بعد ولادتهم ، فالإنسان يولد أمه مؤهلا للعلم وصالحا للتمييز والفهم ، وقد أوجد الله فيه جهازا متكاملا للإدراك والتمييز ، ويحتوي عقلا أو معالجا بسرعة فائقة يقوم بتحليل النصوص والمعلومات ومعرفة الأسماء والصفات بدقة متناهية ، ويتضمن أيضا وسائل إدخال الألفاظ وإخراجها ، ووسائل أخرى لحفظ المعلومات واستدعائها ، قال تعالى : ? وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلمُونَ شَيْئًا وَجَعَل لكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لعَلكُمْ تَشْكُرُونَ ? [النحل:78] .(33/31)
كما أن الإنسان يتعلم الأسماء ويعرف حدود الأشياء شيئا فشيئا ؛ فربما يتعلم الطفل الصغير في بضعِ ساعات كلمة واحدة أو بضع كلمات ، كل يوم يزداد علمه وتقوى معرفته للأسماء ودلالتها على الأشياء ، فيقال له : هذه هرة وهذه جرة ، وهذه بقرة وهذه شجرة إلى غير ذلك من الأسماء ودلالتها على مسمياتها ، حتى يصل عند البلوغ إلى حصيلة علمية تكفي لتكليفة بالأحكام الشرعية وإدراك الغاية من وجوده في الحياة وكيف يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئا ؟
ومن العجيب أن الأسماء التي يحصلها الإنسان في سنوات علمها الله لآدم ( في لحظات ، فتعلم الأسماء ودلالتها على مسمياتها وتعرف على أوصافها وخصائصها مرة واحدة ، قال تعالى : ? وَعَلمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ على المَلائِكَةِ فَقَال أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاء إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ ? [البقرة:31] ، فالأسماء التي تعلمها آدم كلها دالة على مسمياتها ؛ لأن المسميات كانت أعيانا قائمة وذوات ثابتة تراها الملائكة ، وإنما جهلت الأسماء فقط التي علمها الله آدم وعلمها آدم الملائكة ، فكانت حكمة الله من ذلك التعليم تعريف الأسماء مع تصور مسمياتها ؛ فيحصل الفهم والمعرفة لمراد المتكلم ، ولو لم يحصل له المعرفة كان في ذلك إبطال لحكمة الله ، وإفساد لمصالح بني آدم ، وسلب الإنسان خاصيته التي ميزه بها على سائر الحيوان (40) ، فالاسم إذا دليل على المسمى وعلم عليه .(33/32)
وقد أمر الله المسلمين بذكر أسمائه فإذا ذكروه عرفوه وعبدوه وأحبوه ، لأن أسماءه دليل عليه قال تعالى : ? فِي بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ ? [النور:36/37] ، والله عز وجل أمر بتسبيح اسمه كما أمر بدعائه بأسمائه الحسنى ، فيدعى بأسمائه ويسبح باسمه ، وتسبيح اسمه تسبيح له ؛ إذ المقصود بالاسم دلالته على المسمى ، كما أن دعاءه هو دلالة على دعاء المسمى ، قال تعالى : ? قُلِ ادْعُوا الله أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ? [الإسراء:110] وقال : ? وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ ? [ق:40] ، وقال : ? وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً ? [الإنسان:26] ؛ فأمر هنا بذكره ، وفي آية أخرى أمر بذكر اسمه فقال : ? سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى ? [الأعلى:1] ، وقال أيضا : ? وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً ? [ المزمل:8] ، وقال سبحانه : ? وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ? [الأنعام:121] ، وكل ذلك واضح في دلالة الاسم على مسماه ، ومن ثم فإن الذي يذكر الاسم يريد مسماه ، وقد أجمع أهل العلم على أن من حلف باسم من أسماء الله عز وجل فحنث فعليه الكفارة ، ولا خلاف بينهم في ذلك (41) ، وينبغي أن يعلم أيضا أن دلالة الاسم على المسمى يثبت دلالته على الذات والصفات معا ، كما سيأتي تفصيل ذلك في أنواع الدلالات .
* دلالة الأسماء على العلمية والوصفية :(33/33)
تعريف الاسم كاصطلاح يتردد بين علماء العقائد هو ما دل على علم لتمييزه عن غيره ، أو اللفظ الدال على المسمى ، وهو إما مشتق من السمو وهو العلو ، أو من السمة وهي العلامة ، ويقال لصاحبه مسمى ، فالاسم يظهر به المسمى ويعلو فيقال للمُسَمِّى : سَمِّهِ ، أي أظهره وأعلي ذكره بالاسم ، والاسم له خصائص منها جواز الإسناد إليه ، ودخول حرف التعريف والجر والتنوين والإضافة (42) .
أما الصفة عندهم فهي ما دل على معنى أو شيء يقوم بذات الموصوف ، ولا يمكن أن يقوم بنفسه أو ينفصل عن موصوفه كالسعادة والقوة والجمال والعزة والقدرة والكمال ، وغير ذلك من صفات الذات والأفعال ، فهذه الصفات لا تقوم بنفسها ولكنها ملازمة للموصوف وتتبعه في الحكم ، قال ابن فارس : ( الصفة الأمارة اللازمة للشيء ) (43) .
وإذا كان الاسم في اللغة هو ما تميز بعلامات الاسمية المعروفة فإنه أيضا يتناول الصفة والموصوف والفاعل والمفعول والعلة والمعلول (44) ، فمثلا قولنا : سعيد سعيد هذان اسمان من الناحية اللغوية ، لكن الأول يراد به العلمية ، والثاني يراد به الوصفية إن كان خبرا ولم يكن اسما لوالد الأول ، وقولنا : سعيد في منتهى السعادة ، فالأول والأخير اسمان من الناحية اللغوية ، لكن الأول للعلمية ، والثاني للوصفية ، فالسعادة لا تقوم بنفسها ولابد من قيامها بموصوف ، شأنها في ذلك شأن الأسباب في إضافتها لمن قام بها ، فكما لا يصح أن نقول ضرب السوط فلانا ، ولا قتله السيف ، بل السوط والسيف كلاهما اسمان لغويان لا يستقلان بفعل ذاتي ، بل يفعل بهما ويضاف الفعل إلى من فعل بهما ، فكذلك لا يصح أن نقول الرحمة استوت على العرش أو العزة والقدرة نصرت المؤمنين وهزمت الكافرين ، بل يقال : الرحمن على العرش استوى والعزيز القدير نصر المؤمنين وهزم الكافرين ، فالصفة تقوم بموصوفها ولا يمكن أن تقوم بنفسها .(33/34)
وهنا نقطة جوهرية في فهم الأسماء الحسنى ودلالتها على الصفات ، وهى أنه لا بد من التمييز بين الاسم ودلالته الوضعية عندما يستعمل في حق المخلوق ، والاسم ودلالته في حق الخالق ، فعدم فهم هذه المسألة هو أساس التفرق والاختلاف ، فلو قلنا مثلا : سعيد سعيد ، فكلاهما من الناحية اللغوية اسمان كما تقدم ، لكن الأول في استعماله المتعارف بين الناس لا يراد به إلا العلمية التي تميزه عن غيره ، ولا يعني المنادي عند ندائه أو مخاطبته إن كانت فيه صفة السعادة أم لا ؛ فالاسم في حق البشر فارغ من الوصفية على الأغلب ، بل لما سمى الإنسان سعيدا عند الولادة فإن أحدا لا يعلم أنه في مستقبله سيكون حزينا أم سعيدا ؛ لأن ذلك غير معلوم وهو أمر مخبأ في قدره المحتوم ، فلما اكتسب وصف السعادة كحالة طارئة وصفة زائدة قامت بالمسمى ووصف بها ، استدعى ذلك تعبيرا إضافيا عن حلول صفة السعادة فيه ، فقلنا سعيد سعيد ، ومن ثم فإن الأصل في الاسم الأول ارتباطه على الدوام بمسماه كاسم بلا وصف ، أو اسم فارغ من الوصف ، فإن استجد الوصف عبرنا عن ذلك بقدر زائد فقلنا سعيد سعيد أو سعيد في منتهى السعادة .(33/35)
أما الأسماء في حق الله فتختلف اختلافا كليا عن ذلك ؛ فهي علمية ووصفية معا في آن واحد ، ولا يمكن قياسها بما سبق في حق المخلوق ، ولذلك لم يقل النبي S : إن الجواد سبحانه جواد ، وإن المحسن محسن ، وإن الحيي الستير حيي ستير ، وإن الجميل جميل ، والوتر وتر ، كما قلنا في حق المخلوق سعيد سعيد ، لأن الأسماء في حق الله أعلام وأوصاف ، سواء ذكر الاسم أولا أو ثانيا ، مبتدأ أو خبرا ، أو في أي موضع كان من النص فهو علم ووصف ، أما في حقنا فالأسماء على الأغلب أعلام بلا أوصاف ، فجاز في حق المخلوق سعيد سعيد ، ومنصور منصور ، وصالح صالح ، لكن لو ذكر ذلك في حق الخالق لصار تكرارا وحشوا بلا معنى ، ولذلك فإن الثابت الصحيح عن النبي S أنه قال : ( إن الله عز وجل جواد يحب الجود ) (45) ، ( إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ ) (46) ، وقال : ( وَإِنَّ اللهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ ) (47) ، ( إِنَّ الله رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ ) (48) ، وقال : ( فإن الله محسن يحب الإحسان ) (49) ، وقال أيضا : ( إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ حَيِىٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ ) (50) ، فكان الجواد والجميل والوتر والرفيق والمحسن والحيي والستير كلها أسماء لله عز وجل تدل على العلمية والوصفية معا ، لأن الله لم يطرأ عليه وصف أو يستجد به كمال ، كما طرأت السعادة واستجد النصر والصلاح على سعيد ومنصور وصالح .(33/36)
وقد كان من شأن العرب أن يسموا أولادهم بأسماء الجماد والحيوان لما يرون فيها من بعض الصفات النبيلة كتسميتهم صخرا أو حربا ، أو أسدا أو كلبا ، أو جحشا أو كعبا ، وهم يقصدون بهذه التسمية أولا تمييز الشخص عن غيره ؛ لأنه لا بد لكل فرد من اسم يميزه بالعلمية ، ويتطلعون أيضا أن تتحقق فيه مستقبلا الوصفية التي تضمنها الاسم ، فالذي يسمي ولده صخرا يأمل أن تتوفر فيه صفة القوة والصلابة ، والذي يسمي ولده حربا يأمل أن تتوفر فيه صفة الفارس المقاتل والمقدام الهمام ، والذي يسميه أسدا أو كلبا أو جحشا أو كعبا يرغب أن تتوفر فيه صفة الشجاعة والجرأة والوفاء والتحمل والعظمة والبقاء ، ولذلك كانت أغلب الأسماء التي يسميها العرب مبنية على مراعاة العلمية ، والأمل في حدوث الوصفية كأبي سفيان بن حرب ، وعند البخاري تزوج أبو بكر امرأة من كلب (51) ، يعني من بني كلب ، وأيضا كان من أمهات المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها ، ومن الصحابة أبي بن كعب وكعب بن مالك الذي تخلف عن غزوة تبوك رضي الله عنهم أجمعين ، وقد يسمون الجارية زهرة أو غزالا ، أو شهدا أو نورا ، أو قمرا أو جميلة ، وهي سوداء كالليل البهيم أو قبيحة ووجها دميم ، أو خبيثة الجوهر والمنظر .
والقصد أن الأسماء البشرية يراد بها في الأصل العلمية مع الرغبة في وجود الوصفية وقياس ذلك على أسماء الخلق هو أصل الضلال ، ولما خلط أهل الاعتزال بين الأحكام المتعلقة بعالم الغيب وعالم الشهادة وشبهوا الخالق بالمخلوق حدث اللبس والغموض في مسألة الاسم والمسمى ، هل هو عينه أو غيره ؟ وهل الصفات زائدة علي الذات ؟ وغير ذلك من القضايا التي زعموا فيها أن التوحيد هو إثبات الأسماء ونفي الصفات وقد تخبطوا هم أنفسهم في فهمها قبل بيانها وشرحها للآخرين .(33/37)
لكن عقيدة السلف لما كانت مبنية على أن التوحيد هو إفراد الله بما ثبت له من الأسماء والصفات ، وأن الله متوحد عن الأقيسة التمثيلية والقواعد الشمولية التي تحكم ذوات المخلوقات فإنهم وفقوا إلى الفهم الصحيح في باب الأسماء والصفات ، فعندهم أن الأسماء في حق الله علمية ووصفية ، علمية من جهة الدلالة على الذات ووصفية من جهة المعنى الذي تضمنه كل اسم ، فاسم الله القدير وكذلك العلي الرحمن القوي العزيز الحكيم السميع العليم وغير ذلك من الأسماء دلت على إثبات صفة القدرة والعلو والرحمة والقوة والعزة والحكمة والسمع والعلم ، فهي أعلام لقوله تعالى : ? قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى ? [الإسراء:110] ، وكلها تدل على ذات واحدة ومسمى واحد ، وهي أيضا أوصاف لقوله تعالى : ? وَلِلهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ? [الأعراف:180] .
والله عز وجل ذكر من أسمائه الحسنى الغفور الرحيم ، وكلاهما علم على ذاته كما جاء في قوله : ? وَهُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ ? [يونس:107] ، وقوله أيضا : ? نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الغَفُورُ الرَّحِيمُ ? [الحجر:49] ، وقد بين في موضع آخر تضمن الاسم للوصف ، وأن الغفور ذو مغفرة ، والرحيم ذو رحمة ، فقال تعالى : ? وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ العِقَابِ ? [الرعد:6] ، وقال سبحانه أيضا : ? وَرَبُّكَ الغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ ? [الكهف:58] ، ومن أسمائه الحسنى القوي حيث ورد علما مطلقا على ذات الله تعالى فقال سبحانه : ? إِنَّ رَبَّكَ هُوَ القَوِيُّ العَزِيزُ ? [هود:66] ، وفي موضع آخر بين أنه متصف بالقوة فقال : ? إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ ? [الذاريات:58] .(33/38)
وذكر الله عز وجل أيضا من أسمائه الحسنى العزيز فقال : ? لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ? [آل عمران:6] ، ثم قال في تضمن الاسم للوصف : ? سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ? [الصافات:180] ، وقال أيضا : ? الذِينَ يَتَّخِذُونَ الكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ المُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ العِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلهِ جَمِيعاً ? [النساء:139] ، ومن ثم فإن الأدلة قاطعة في أن الله سبحانه رحيم برحمة ، قوي بقوة ، عزيز بعزة ، وكذلك أيضا قدير بقدرة حكيم بحكمة ، سميع بسمع ، عليم بعلم ، وغير ذلك من الأسماء ودلالتها على الصفات ، ولا يشبه في وصفه حال المخلوق كما نقول سعيد بلا سعادة ، أو صالح بلا صلاح أو فالح بلا فلاح ، أو سعيد وهو حزين كاسم بلا مسمى ، أو منصور وهو مهزوم أو صالح وهو طالح ، فالسلف الصالح أثبتوا أسماء الله أعلاما وأوصافا بعكس المعتزلة كما تقدم .
قال ابن القيم : ( وقد اختلف النظار في هذه الأسماء هل هي متباينة نظرا إلى تباين معانيها ، وأن كل اسم يدل على غير ما يدل عليه الآخر ، أم هي مترادفة لأنها تدل على ذات واحدة ؛ فمدلولها لا تعدد فيه ، وهذا شأن المترادفات ؟ .. والتحقيق أن يقال : هي مترادفة بالنظر إلى الذات متباينة بالنظر إلى الصفات ، وكل اسم منها يدل على الذات الموصوفة بتلك الصفة بالمطابقة ، وعلى أحدهما وحده بالتضمن ، وعلى الصفة الأخرى بالالتزام ) (52) ، وقال أيضا : ( أسماء الرب تعالى هي أسماء ونعوت فإنها دالة على صفات كماله ، فلا تنافي فيها بين العلمية والوصفية ؛ فالرحمن اسمه تعالى ووصفه ، لا تنافي اسميتُه وصفيتَه ، فمن حيث هو صفة جرى تابعا على اسم الله ومن حيث هو اسم ورد في القرآن غير تابع ورود الاسم علما ، وكذلك فإن الأسماء مشتقة من الصفات ، إذ الصفات مصادر الأسماء الحسنى ) (53) .(33/39)
ومن المعلوم أن فطرة البشر مجبولة على طلب الأوصاف الحميدة والانتساب للنعوت الجميلة والأفعال الجليلة ، ومن ثم فإن أسماء الله من باب أولى دالة على أوصاف الجلال ومعاني الكمال والجمال .
* جلال أسماء الله الحسنى :
من حكمة الله عز وجل أنه فطر عباده على أن يكون جلال المحبوب هو أعظم دواعي الحب في قلوبهم ، فالقلب يحب كل جميل ، ويتعلق بكل جليل ، ومن هنا تعلقت القلوب بربها لعظمة أسمائه وجلالها ، وكمال أوصافه وجمالها ، قال تعالى في وصف أسمائه : ? وَلِلهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ? [الأعراف:180] ، وقال في مدحها وعلو شأنها : ? تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الجَلالِ والإكرام ? [الرحمن:78] ، وقد أجمع القراء على قراءة ذي الجلال بالياء ، وكذلك في مصاحف أهل الحجاز والعراق على اعتبار معنى المباركة ووصف المسمى بالجلال ، وتفرد ابن عامر بالواو فقرأ : ? تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذو الجلال ? ، وكذلك في مصاحف أهل الشام على اعتبار أن الجلال والمباركة تعود على الأسماء الحسنى (54) ، قال ابن تيمية : ( وهو في مصحف أهل الشام تبارك اسم ربك ذو الجلال والإكرام ، وهي قراءة ابن عامر ، فالاسم نفسه موصوف بالجلال والإكرام ، وفي سائر المصاحف وفي قراءة الجمهور ذي الجلال ؛ فيكون المسمى نفسه موصوفا بالجلال والإكرام ) (55) .(33/40)
والجلال هو منتهى الحسن والعظمة في الأسماء والصفات والأفعال ، وله عند التحقيق ركنان : أولهما الكمال وهو بلوغ الوصف أعلاه ، والثاني الجمال وهو بلوغ الحسن منتهاه ، قال ابن القيم : ( والله سبحانه تعرف إلى عباده من أسمائه وصفاته وأفعاله بما يوجب محبتهم له ؛ فإن القلوب مفطورة على محبة الكمال ومن قام به والله سبحانه وتعالى له الكمال المطلق من كل وجه الذي لا نقص فيه بوجه ما ، وهو سبحانه الجميل الذي لا أجمل منه ، بل لو كان جمال الخلق كلهم على رجل واحد منهم وكانوا جميعهم بذلك الجمال لما كان لجمالهم قط نسبة إلى جمال الله ؛ بل كانت النسبة أقل من نسبة سراج ضعيف إلى حذاء جرم الشمس ولله المثل الأعلى ) (56) .
ومن حكمة الله عز وجل في خلقه أنه إن أعطى أحدا من عباده كمالا ابتلاه في الجمال ، وإن أعطاه جمالا ابتلاه في الكمال ، وإن أعطاه كمالا وجمالا ابتلاه في دوام الحال ، فربما يبلغ المرء كمالا في الغني بحيث يفوق الآخرين فيه حتى يبلغ الوصف أعلاه ، لكنه مبتلى في غناه فربما يكون جاهلا أو مريضا ، أو قبيحا أو عقيما ، أو مبتلى في ولده وزوجته ، أو أهله وعشيرته أو غير ذلك من أنواع البلاء .
وكذلك ربما تجد امرأة بلغت كمالا في الخلق والنسب ، ولها منزلة كبيرة في الشرفِ والحسب ، وعلى قدر كبير من العلم والفهم ، وهي أبعد ما تكون عن الخيانة وموصوفة بالصدق والأمانة ، غير أنها قبيحة سوداء ، أو دميمة بكماء ، لا تسر أحدا من الناظرين ، أعطاه الله من جهة الكمال وابتلاها من جهة الجمال .(33/41)
والله عز وجل لو أعطى أحدا من عباده كمالا وجمالا ابتلاه في دوام الحال ؛ فما يلبث أن يموت الخليفة العادل أو يغتال ، وكل ذلك عن حكمة الله في خلقه ، ليعلموا أن الجلال المطلق في أسمائه وصفاته ، وأنه هو المنفرد به دون غير ، فالوحيد الذي اتصف بالكمال والجمال هو رب العزة والجلال ، بل كل اسم من أسمائه فيه الكمال والجمال معال ، قال تعالى : ? تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الجَلالِ والإكرام ? [الرحمن:78] .
ويذكر ابن القيم أنك إذا أضفت إلى كماله وجماله ما كان من إحسانه في ملكه وإنعامه على خلقه ، فإنه لا يتخلف عن حبه إلا الجاحدون وأصحاب القلوب والخبيثة والنفوس الخسيسة ، فإن الله فطر النفوس على محبة المحسنين إليهم ، المتصفين بالكمال والجمال ، وإذا كانت هذه فطرة الله التي فطر عليها القلوب ، فمن المعلوم أن مقلب القلوب لا أحد يعظمه إحسانا وجمالا ، أو إنعاما وكمالا ، فلا شيء أكمل من الله وشيء لا أجمل من الله ، فكل كمال وجمال في المخلوق من آثار صنعته ، وكمال قدرته وبديع حكمته ، وكل هذه أوصاف دلت عليها الأسماء ، فلا نحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه ، له الفضل كله على خلقه وجنه وإنسه ، له النعمة السابغة والحجة البالغة ، والسطوة الدامغة ، ليس في أفعاله عبث ، ولا في أوامره سفه ، بل أفعاله كلها لا تخرج عن المصلحة والحكمة والفضل والرحمة ، كلامه صدق ، ووعده حق وعدله ظاهر في سائر الخلق ، إن أعطى فبفضله ورحمته ، وكرمه ونعمته ، وإن منع أو عاقب فبعدله وحكمته (57) .(33/42)
وقد سماه نبينا S بالجميل ، وبين أنه يحب الجمال ، روى مسلم من حديث ابن مسعود ( أن النبي S قَال : ( إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَال ) (58) ، فهو سبحانه له في أسمائه جمال الذات وجمال الصافات وجمال الأفعال في سائر المخلوقات ، لا تقوى الأبصار في هذه الدار على النظر إلى رب العزة والجلال ، قال تعالى : ? وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ? [الأعراف:143] ، فالجبل مع شدة صلابته لم يقو على رؤية الله من سبحات جلاله ، وكمال نوره وجماله ، فأي محبوب في الوجود يسمو إلى علو شأنه وكماله ؟ قال تعالى : ? هُوَ اللهُ الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ? [الحشر:24] ، ومن هنا فطِر العباد على محبة الله وذكره ، وإظهار حكمته في خلقه ، قال ابن القيم : ( وهو سبحانه إنما خلق الخلق لعبادته ومعرفته ، وأصل عبادته محبته على آلآئه ونعمه وعلى كماله وجلاله ، وذلك أمر فطري ابتدأ الله عليه خلقه ، وهي فطرته التي فطر الناس عليها كما فطرهم على الإقرار به ؛ كما قالت الرسل لأممهم : ? أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ? [إبراهيم:10] ، فالخلق مفطورون على معرفته وتوحيده ، فلو خلوا وهذه الفطرة لنشئوا على معرفته وعبادته وحده ) (59) .
* اسم الله الأعظم ودلالته على الصفات :(33/43)
زعم كثيرون أن الاسم الأعظم سر مكنون وغيب مصون ، وأن خاصة الأولياء العارفين يعلمونه بالتلقي عن مشايخهم ، وأن هذا الاسم من علمه ودعا الله به فلا بد أن يستجاب له ، بغض النظر عن كونه كافرا أو مؤمنا ، وجعلوا لذلك هالة من التقديس في قلوب العامة خوفا من الدعاء بالاسم الأعظم الذي انفردوا بمعرفته .
وربما يتساءل بعض العامة عن العلة في إخفاء الاسم الأعظم ؟ فالإجابة المشهورة عند هؤلاء أن العامة قد يدعون به دعوة باطلة فيستجاب لهم ، أما العارفون فهم أمناء الله على سره وخلقه ، ويستدلون بحديث ضعيف أو شبه موضوع يروى عن أنس بن مالك ( أن عائشة سألت رسول الله S أن يعلمها الاسم الأعظم ؟ فقال لها : ( يا عائشة ، نهينا عن تعليمه النساء والصبيان والسفهاء ) (60) .
ومما روى من هذه المبالغات أن إبراهيم بن أدهم كان من الأشراف ، وكان أبوه كثير المال والخدم والمراكب ، فبينما إبراهيم في الصيد على فرسه يركض ، إذا هو بصوت من فوقه يناديه : يا إبراهيم ، ما هذا العبث ؟ ألهذا خلقت ؟ أم بهذا أمرت ؟ ثم قرأ قوله : ? أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ ? [المؤمنون:115] ، وقال له : اتق الله ، عليك بالزاد ليوم الفاقة ، فنزل عن دابته ورفض الدنيا ، وصادف راعيا لأبيه فأخذ عباءته ، وأعطاه فرسه وما معه ودخل البادية ، فرأى فيها رجلا علمه الاسم الأعظم ، فدعا به ، فرأى الخضر وقال له : إنما علمك أخي داود (61) .(33/44)
فهذه الرواية توحي بأن داود ( ما زال حيا ، وأنه يعلم الناس الاسم الأعظم وأن من يدعو به يأتيه الخضر الذي علم موسى ( ، ولك أن تتصور بعد ذلك توالى الكرامات ، وتأثير الاسم الأعظم في ظهور خوارق العادات وغير ذلك من الحكايات والمبالغات الواهية ، لكن اسم الله الأعظم ليس كما يصوره هؤلاء أنه شيء مخفي غيبي هم فقط الذين يعلمون كيفية الوصول إليه ، فأسماء الله كلها حسنى وكلها عظمى وقد وصف الله أسماءه بالحسنى في أربعة مواضع من القرآن ، كما في قوله : ? وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ? [الأعراف:180] .
ووجه الحسن في أسماء الله أنها دالة على أحسن وأعظم وأقدس مسمى وهو الله عز وجل ، فذاته في حسنها وجلالها ليس كمثلها شيء ، وأسماؤه في كمالها وجمالها تنزهت عن كل نقص وعيب ، وقد قال الله تعالى : ? تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الجَلالِ والإكرام ? [الرحمن:78] ، وهذا يسري على كل اسم تسمى به الله ، سواء غاب عنا معرفته أو علمناه ، فاسم الله الحي متضمن لكمال الحياة ، وهي صفة أزلية أبدية ، لم تسبق بعدم ولا يلحقها زوال ، حياة لازمة لكمال الأسماء والصفات من العلم والقدرة والسمع والبصر والحكمة ، والملك والقوة والعزة .(33/45)
وكذلك اسمه العليم متضمن لكمال العلم الذي لم يسبق بجهل ، ولا يحاط بشيء منه إلا إذا شاء الموصوف به ، فهو علم واسع أحاط بكل شيء جملة وتفصيلا ، سواء ما يتعلق بأفعال الله وأقداره ، أو ما يتعلق بأمور الخلق وشئونه ، قال تعالى : ? وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمّىً ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ? [الأنعام:59/60] .
وكذلك اسمه الرحمن فإنه يتضمن الرحمة العامة بجميع الخلائق ، وهي رحمة واسعة شاملة ، قال تعالى : ? وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُل شَيْءٍ ? [الأعراف:156] ، وقال عن دعاء الملائكة للمؤمنين : ? رَبَّنَا وَسِعْتَ كُل شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلماً فَاغْفِرْ لِلذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الجَحِيمِ ? [غافر:7] ، وعند البخاري من حديث عمر بن الخطاب ( أنه قال : ( قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ S بِسَبْيٍ ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ تَبْتَغِي ، إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ (62) ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ S : أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ ؟ قُلنَا : لاَ وَاللَّهِ ، وَهِي تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لاَ تَطْرَحَهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ S : للهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا ) (63) .(33/46)
فأسماء الله عز وجل كلها حسنى وعظمى على اعتبار ما يناسبها من أحوال العباد ومن أجل ذلك تعرف الله إليهم بجملة منها تكفي لإظهار معاني الكمال في عبوديتهم وتحقق كمال الحكمة في أفعال خالقهم ، فاسم الله الأعظم الذي يناسب حال فقرهم المعطي الجواد المحسن الواسع الغني ، واسمه الأعظم الذي يناسب حال ضعفهم القادر القدير المقتدر المهيمن القوي ، وفي حال الذلة وقلة الحيلة يناسبهم الدعاء باسمه العزيز الجبار المتكبر الأعلى المتعالي العلي ، وفي حال الندم بعد اقتراف الذنب يناسبهم الدعاء باسمه اللطيف التواب الغفور الغفار الحيي الستير ، وفي حال السعي والكسب يدعون الرازق الرزاق المنان السميع البصير ، وفي حال الجهل والبحث عن أسباب العلم والفهم يناسبهم الدعاء باسمه الحسيب الرقيب العليم الحكيم الخبير ، وفي حال الحرب وقتال العدو فنعم المولى ونعم النصير ، وهكذا كل اسم من الأسماء الحسنى هو الأعظم في موضعه ، وعلى حسب حال العبد وما ينفعه .
والله عز وجل أسماؤه لا تحصى ولا تعد ، وهو وحده الذي يعلم عددها ، فعند أحمد من حديث ابن مسعود ( مرفوعا أن النبي S قال في دعاء الكرب : ( أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ ، سَمَّيتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ ، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ ) (64) ، لكن الله عز وجل من حكمته أنه يعطي كل مرحلة من مراحل خلقه معرفة ما يناسبها من أسمائه وصفاته ؛ بحيث تظهر فيها دلائل جلاله وكماله ، ففي مرحلة الابتلاء وما في الدنيا من شهوات وأهواء ، وحكمة الله في تكليفنا بالشرائع والأحكام ، وتمييز الحلال من والحرام ، في هذه المرحلة عرفنا الله بجملة من أسمائه تتناسب مع احتياجاتنا وتوحيدنا له ، فقال S : (إِنَّ لِلّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمَا مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ) (65) .(33/47)
ومن ثم فإن المذنب إن أراد التوبة سيجد الله توابا رحيما عفوا غفورا ، والمظلوم سيجد الله حقا مبينا حكما وليا نصيرا ، والضعيف المقهور سيجد الله قويا قديرا عزيزا جبارا ، والفقير سيجد الله رازقا رزاقا غنيا وكيلا ، وهكذا سيجد العباد من الأسماء والصفات ما ينسب حاجتهم ومطلبهم ، فالفطرة اقتضت أن تلجأ النفوس إلى قوة عليا عند ضعفها ، وتطلب غينا أعلى عند فقرها ، وتوابا رحيما عند ذنبها ، وسميعا بصيرا قريبا مجيبا عند سؤالها ، ومن هنا كانت لكل مرحلة من مراحل الخلق ما يناسبها من أسماء الله وصفاته ، وقد تحدثنا عن ذلك في الجزء الأول (66) ، فطالما أن الدنيا جعلت للابتلاء ، فإن الله قد عرفنا بما يناسبهما ويناسبنا من الأسماء ، ومن ثم فإن أسماء الله كلها حسنى وكلها عظمى على اعتبار ما يناسبها من أحوال العباد ، وذلك لابتلائهم في الاستعانة بالله ، والصدق معه ، والخوف منه ، والرغبة إليه ، والتوكل عليه ، وغير ذلك من معاني توحيد العبودية لله ، وكل ذلك أيضا ليعود النفع عليهم لا عليه ، فهم المنتفعون بذكرهم وطاعتهم ومسارعتهم في الخيرات ، فالاسم الأعظم ليس كما يصوره البعض حسب أهوائهم وأذواقهم سر مكنون وغيب مصون مقصور على أوليائهم ، أو يأخذونه بالتلقي والسند عن قدماء الأولياء أو بلعام بن باعوراء .
* قصص واهية حول الاسم الأعظم :(33/48)
ومن الأهمية بمكان التنبيه على خطورة بعض القصص الواهية التي حيكت حول الاسم الأعظم ، والتي رويت في كتب السير والتاريخ وتناقلها العامة وهي باطلة لا أصل لها ، كالمبالغة في القصة التي ذكرت أن الملكين ببابل هاروت وماروت الذين يقال أنهما أهبطا إلى الأرض حين عمل بنو آدم المعاصي ليقضيا بين الناس بالحق ، وأن الله ألقى في قلوبهما شهوة النساء ، ونهاهما ربهما عن شرب الخمر والزنا وسفك الدماء وأنهما كانا يعلمان الاسم الأعظم ليصعدا به إلى السماء ، فجاءتهما امرأة في مسألة لها فأعجبتهما وروداها عن نفسها في البغي والفحشاء ، فأبت عليهما حتى يعلماها الاسم الأعظم ، ثم أبت مرة أخرى حتى يشربا الخمر ، فشربا الخمر وزنيا بها ، ثم خرجا فقتلا بريئا معصوما ، فدعت المرأة بالاسم الأعظم ؛ فصعدت إلى السماء ومسخت فتحولت إلى كوكب خناس ، هو كوكب الزهرة الذي نراه في السماء ، وغضب الله تعالى على الملكين فسماهما هاروت وماروت ، وخيرهما بين عذاب الدنيا والآخرة فاختارا عذاب الدنيا (67) .
وهناك من بالغ وزعم أن كوكب الزهرة ما زال يعلم الشياطين الاسم الأعظم وهم بدورهم يعلمونه لأوليائهم مع السحر ، فيتكلمون بكلام يجعل الواحد منهم يطير في الهواء أو يمشي على الماء أو غير ذلك مما تناقلته الدهماء .
قال ابن كثير : ( وقد روى في قصة هاروت وماروت عن جماعة من التابعين كمجاهد والسدي والحسن البصري وقتادة وأبي العالية والزهري والربيع بن أنس ومقاتل بن حيان وغيرهم ، وقصها خلق من المفسرين من المتقدمين والمتأخرين وحاصلها راجع في تفصيلها إلى أخبار بني إسرائيل ؛ إذ ليس فيها حديث مرفوع صحيح متصل الإسناد إلى الصادق المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى ، وظاهر سياق القرآن إجمال القصة من غير بسط ولا إطناب ، فنحن نؤمن بما ورد في القرآن على ما أراده الله تعالى ، والله أعلم بحقيقة الحال ) (68) .(33/49)
والأعجب من ذلك ما انتشر بين العامة والخاصة من إسرائيليات ومبالغات في قصة بلعام بن باعوراء التي يذكرون فيها أن الله أمر بني إسرائيل بقتال الجبارين بقيادة يوشع النبي فانطلق بلعام وهو رجل من قوم موسى ( كان يعلم الاسم الأعظم المكتوم فكفر وأتى الجبارين ، فقال : لا ترهبوا بني إسرائيل فإني إذا خرجتم تقاتلونهم أدعو عليهم دعوة فيهلكون ، فكان عندهم فيما شاء من الأهواء ، غير أنه كان لا يستطيع أن يأتي النساء ؛ فكان ينكح أتانا له ، وكان يلهث كما يلهث الكلب ، وخرج لسانه من فمه حتى نزل على صدره ، فخرج يوشع النبي يقاتل الجبارين في الناس وخرج بلعام مع الجبارين على أتانه وهو يريد أن يلعن بني إسرائيل بالاسم الأعظم ، فكلما أراد أن يدعو على بني إسرائيل تدور الأتان دون أن يدري فتأتي اللعنة على الجبارين فقالوا له : إنك تدعو علينا يا بن باعوراء ، فيقول لهم : إنما أردت بني إسرائيل ، فأخذ ملك من ملوك الجبارين بذنب الأتان ، وجعلها تتحرك ، وأخذ بلعام يضربها ويكثر من ضربها ، فتكلمت الأتان وقالت : ويلي منك يا بلعام أنت تنكحني بالليل وتضربني بالنهار (69) .(33/50)
ومن القصص أيضا حول الاسم الأعظم خبر عبد الله بن الثامر ، وهو كما ذكرت بعض كتب السيرة غلام أصحاب الأخدود الذي كان يذهب إلى ساحر في أحد القرى التابعة لنجران ، وكان بينها وبين قرية الساحر رجل صالح على دين عيسى ( يعلم الاسم الأعظم ، فكان عبد الله بن الثامر يتخلف إليه ، فيعجبه ما يرى من صلاته وعبادته ، فجعل يجلس إليه ويسمع منه حتى أسلم ، فوحد الله وعبده وجعل يسأله عن شرائع الإسلام حتى إذا تفقه فيه جعل يسأله عن الاسم الأعظم ، وكان يعلمه فكتمه إياه ، وقال له : يا ابن أخي إنك لن تحمله ، أخشى عليك ضعفك عنه ، فلما رأى ابن الثامر أن صاحبه قد ضن به عنه عمد إلى قداح فجمعها (70) ، ثم لم يبق لله اسما يعلمه إلا كتبه في قدح ، حتى إذا أحصاها أوقد لها نارا ، ثم جعل يقذفها فيها قدحا قدحا ، حتى إذا مر بالاسم الأعظم قذف فيها بقدحه ، فوثب القدح حتى خرج منها ولم تضره النار شيئا ، فأخذه ثم أتى صاحبه ، فأخبره بأنه قد علم الاسم الأعظم الذي كتمه ، قال : وكيف علمته ؟ فأخبره بما صنع ، قال : أي ابن أخي قد أصبته فأمسك على نفسك ، وما أظن أن تفعل ، فجعل ابن الثامر إذا دخل نجران لم يلق أحدا به ضر إلا قال : يا عبد الله أتوحد الله وتدخل في ديني وأدعو الله فيعافيك مما أنت فيه من البلاء ؟ فيقول : نعم فيدعو له بالاسم الأعظم فيشفى (71) .(33/51)
والثابت الصحيح في هذه القصة ما رواه مسلم من حديث صُهَيْبٍ الرومي ( أَن النبي S قال عن الغلام : ( كان يبرئ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَيُدَاوِي النَّاسَ مِنْ سَائِرِ الأَدْوَاءِ فَسَمِعَ جَلِيسٌ لِلمَلِكِ كَانَ قَدْ عَمِيَ ، فَأَتَاهُ بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ ، فَقَالَ : مَا ه?هُنَا لَكَ أَجْمَعُ إِنْ أَنْتَ شَفَيْتَنِي ، فَقَالَ إِنِّي لاَ أَشْفِي أَحَداً ، إِنَّمَا يَشْفِي الله ، فَإِنْ أَنْتَ آمَنْتَ بِاللهِ دَعَوْتُ اللهَ فَشَفَاكَ فَآمَنَ بِاللهِ فَشَفَاهُ الله ) (72) ، فالرسول S بين أن دعاء الغلام كان مجابا وأنه الله جعله ابتلاء للملك الذي ادعى الربوبية لنفسه ، وليس في كلامه S ذكر الاسم الأعظم ولا طرح الأسماء الحسنى في النار كفكرة لمعرفته ؟ والقصد أن أسماء الله أجل من أن تكون محورا لمثل هذه القصص الواهية التي انتشرت بين المسلمين كقصص مشوقة وحكايات عن الأمم السابقة دون تثبت من النقل أو إعمال للعقل يميز بين ما ثبت بالدليل وما هو من قبيل التخييل ، فالعلم له ثوابته التي لا يصح المساس بها .
* الروايات الثابتة في الاسم الأعظم :(33/52)
العظمة في أسماء الله تعالى تكون باعتبار كل اسم على انفراده أو باعتبار جمعه إلى غيره ؛ فيحصل بجمع الاسم إلى الآخر كمال فوق كمال ، والأعلى في الكمال هو الأعظم على هذا الاعتبار ، ومن هنا ثبت عن النبي S بعض الروايات في ذكر الاسم الأعظم ، روى ابن ماجة وحسنه الشيخ الألباني من حديث أسماء بنت يزيد رضي الله عنها أن رسول الله S قال : ( اسْمُ اللَّهِ الأَعْظَمُ فِي هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ : ? وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ? ، وَفَاتِحَةِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ) (73) ، وفي رواية أحمد وأبي داود وابن ماجة أيضا وحسنه الألباني من حديث أسماء أنها قالت : ( سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ S يَقُولُ فِي هَذَيْنِ الآيَتَيْنِ : ? اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَي الْقَيُّومُ ? و ? الم الله لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَي الْقَيُّومُ ? إِنَّ فِيهِمَا اسْمَ اللَّهِ الأَعْظَمَ ) ، وعند ابن ماجة من حديث أبي عبد الرحمن القاسم عن أبي أمامة ( أن النبي S قال : ( اسْمُ اللهِ الأَعْظَمُ الذِي إِذَا دُعِي بِهِ أَجَابَ في سُوَرٍ ثَلاثٍ ، البَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ وَطه ) (74) ، قال القاسم : فالتمستها ، إنه الحي القيوم ? اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ ? [البقرة:255] ، ? اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ ? [آل عمران:2] ، ? وَعَنَتِ الوُجُوهُ لِلحَيِّ القَيُّومِ ? [طه:111] (75) .(33/53)
وعند الترمذي واللفظ له وابن ماجة وصححه الألباني من حديث عبد الله بن بريدة الأسلمي عن أبيه ( قال : (سَمِعَ النَّبِي S رَجُلاً يَدْعُو وَهُوَ يَقُولُ : اللهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ الله ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الأَحَدُ الصَّمَدُ ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ، فَقَالَ S : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ سَأَلَ الله بِاسْمِهِ الأَعْظَمِ الَّذِي إِذَا دُعِي بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى ) (76) .
وعند أبي داود وابن ماجة وصححه الألباني من حديث أنس بن مالك ( أنه كان مع رسول الله S جالسا ورجل يصلي ثم دعا : ( اللهمَّ إني أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدَ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الْمَنَّانُ ، بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ يَا حي يَا قَيُّومُ ، فَقَالَ النبي S : لَقَدْ دَعَا الله بِاسْمِهِ الْعَظِيمِ الذي إِذَا دعي بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى ) (77) .
أما بيان اعتبارات العظمة في الأسماء الحسنى التي ذكرها العلماء واستندوا فيها إلى الروايات السابقة ، فيمكن ترتيبه على النحو التالي :
1- الاسم الأعظم هو الله عز وجل : وأكثر أهل العلم على ذلك ، وهذا القول صحيح من عدة أوجه ، منها أنه ورد ذكره في الأحاديث السابق ، ومنها أنه يدل على جميع الأسماء الحسنى والصفات العليا بالدلالات الثلاث ، المطابقة والتضمن واللزوم ؛ فإنه دال على إلهيته سبحانه المتضمنة لثبوت صفات الإلهية له مع نفي أضدادها عنه ، وصفات الإلهية هي صفات الكمال المنزهة عن التشبيه والمثال وعن النقائص والعيوب ، ولهذا يضيف الله تعالى سائر الأسماء الحسنى إلى هذا الاسم كقوله سبحانه : ? وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ? [الأعراف:180] .(33/54)
كما أنه يقال الرحمن والرحيم والقدوس والسلام والعزيز والحكيم من أسماء الله ولا يقال الله من أسماء الرحمن ولا من أسماء العزيز ونحو ذلك ، فعلم أن اسمه الله مستلزم لجميع معاني الأسماء الحسنى دال عليها بالإجمال ، والأسماء الحسنى تفصيل وتبيين لصفات الإلهية التي اشتق منها اسم الله ، واسم الله أيضا دال على كونه مألوها معبودا تألهه الخلائق محبة وتعظيما وخضوعا وفزعا إليه في الحوائج والنوائب ، وذلك مستلزم لكمال ربوبيته ورحمته المتضمنين لكمال الملك والحمد ، وإلهيته وربوبيته ورحمانيته وملكه مستلزم لجميع صفات كماله ؛ إذ يستحيل ثبوت ذلك لمن ليس بحي ولا سميع ولا بصير ولا قادر ولا متكلم ولا فعال لما يريد ولا حكيم في أفعاله ، وصفات الجلال والجمال أخص باسم الله ، وصفات الفعل والقدرة والتفرد بالضر والنفع والعطاء والمنع ونفوذ المشيئة وكمال القوة وتدبير أمر الخليقة أخص باسم الرب ، وصفات الإحسان واللطف والجود والرأفة والبر والمنة أخص باسم الرحمن (78) .
فهذا الاسم هو الأصل في إسناد الأسماء الحسنى إليه ، قال تعالى : ? قُلِ ادْعُوا الله أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ? [الإسراء:110] ، وقد ذكر الرازي في شرح هذه الآية أن الله خص هذين الاسمين بالذكر ، وذلك يدل على أنهما أشرف من غيرهما ، ثم إن اسم الله أشرف من اسم الرحمن ؛ لأنه قدمه في الذكر من جهة ومن جهة أخرى أنه أعظم في الدلالة على الصفات من دلالة الرحمن ، فاسم الرحمن يدل على كمال الرحمة ، بينما اسم الله يدل على كل الصفات اللازمة لكمال الذات الإلهية كمالا مطلقا (79) .(33/55)
ومما ذكره الرازي أيضا أن هذا الاسم ما أُطلق على غير الله ؛ فالعرب كانوا يسمون الأوثان آلهة إلا هذا الاسم ؛ فإنهم ما كانوا يطلقونه على غير الله كما قال سبحانه : ? وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ لَيَقُولُنَّ الله ? [لقمان:25] ، كما أن هذا الاسم له خاصية غير حاصلة في سائر الأسماء ، وهي أن سائر الأسماء والصفات إذا دخل عليها النداء أسقط عنه الألف واللام ، ولهذا لا يجوز أن يقال : يا الرحمن يا الرحيم ، بل يقال : يا رحمن يا رحيم ، أما هذا الاسم فإنه يحتمل هذا المعنى فيصح أن يقال : يا الله ، فالألف واللام للتعريف ، فعدم سقوطها عن هذا الاسم يدل على أن هذه المعرفة لا تزول عنه البتة (80) .
2- الاسم الأعظم هو الرحمن الرحيم : وهو صحيح باعتبار عدة أوجه دلت على كمال مخصوص فوق كمال الاسم المنفرد ، فالرحمن كما ذكر ابن القيم هو من اتصف بالرحمة العامة الشاملة ، والرحيم هو الراحم لعباده ، ولم يجيء رحمن بعباده ولا رحمن بالمؤمنين مع ما في اسم الرحمن الذي هو على وزن فعلان من سعة هذا الوصف وثبوت جميع معناه الموصوف به ، ألا ترى أنهم يقولون غضبان للممتلئ غضبا وندمان وحيران وسكران ولهفان لمن مليء بذلك ؛ فبناء فعلان للسعة والشمول ولهذا يقرن الله تعالى استواءه على العرش بهذا الاسم كثيرا كقوله سبحانه : ? الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ? [طه:5] ، وكقوله أيضا : ? ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً ? [الفرقان:59] ، فاستوى على عرشه باسمه الرحمن لأن العرش محيط بالمخلوقات وقد وسعها ، والرحمة محيطة بالخلق واسعة لهم على اختلاف أنواعهم كما قال تعالى : ? وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ? [الأعراف:156] ، فاستوى على أوسع المخلوقات بأوسع الصفات ومن ثم وسعت رحمته كل شيء .(33/56)
وعند البخاري من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( لَمَّا قَضَى اللهُ الْخَلْقَ كَتَبَ في كِتَابِهِ فَهْوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ إِنَّ رحمتي غَلَبَتْ غَضَبِى ) (81) ، فتأمل اختصاص هذا الكتاب بذكر الرحمة ووضعه عنده على العرش ، وطابق بين ذلك وبين قوله تعالى : ? الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ? [طه:5] ، وقوله : ? ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً ? [الفرقان:59] ، ينفتح لك باب عظيم من معرفة الرب تبارك وتعالى ، إن لم يغلقه عنك التعطيل والتجهم (82) .
قال أبو علي الفارسي : ( الرحمن اسم عام في جميع أنواع الرحمة يختص به الله تعالى والرحيم إنما هو خاص بالمؤمنين ، قال تعالى : ? هُوَ الذِي يُصَلّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالمُؤْمِنِينَ رَحِيماً ? [الأحزاب:43] ) (83) ، وقال ابن عباس ( : ( هما اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر ) (84) ، وقال القرطبي : (الرحمن خاص الاسم عام الفعل ، والرحيم عام الاسم خاص الفعل وهذا قول الجمهور ) (85) .
وقد ذكر الله عز وجل استواءه على عرشه مقرونا باسمه الرحمن ليعم جميع خلقه برحمته ، ولولا هذه الرحمة ما اتسعت الدنيا لكافر لحظة ، فالرحمة هنا أظهرت عظمة الحكمة بجلال الأسماء وظهور الآلاء ؛ ليتعظ من يتقلب في نعمته وهو غافل عن رحمته وحكمته ، قال تعالى : ? فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ? [الرحمن:13] ، كما أن الله عز وجل خص المؤمنين باسمه الرحيم فقال : ? وَكَانَ بِالمُؤْمِنِينَ رَحِيماً ? [الأحزاب:43] ، وذلك ليميز بينهم وبين الكافرين ، فالكافر سيعامل بعدله ، والمؤمن سيعامل بفضله ، وهذان الاسمان كلاهما عليهما مدار الحكمة في الدنيا والآخرة .(33/57)
وما أجمل قول ابن القيم : ( وأما الرحمة فهي التعلق والسبب الذي بين الله وبين عباده ، فالتأليه منهم له ، والربوبية منه لهم ، والرحمة سبب واصل بينه وبين عباده ، بها أرسل إليهم رسله ، وأنزل عليهم كتبه ، وبها هداهم ، وبها أسكنهم دار ثوابه ، وبها رزقهم وعافاهم وأنعم عليهم ، فبينهم وبينه سبب العبودية ، وبينه وبينهم سبب الرحمة واقتران ربوبيته برحمته كاقتران استوائه على عرشه برحمته فقوله : ? الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ? [طه:5] ، مطابق لقوله : ? رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ? [الفاتحة:2/3] ، فإن شمول الربوبية وسعتها بحيث لا يخرج شيء عنها أقصى شمول الرحمة وسعتها ، فوسع كل شيء برحمته وربوبيته ) (86) ، وعلى ذلك فإن الرحمن الرحيم هما اسم الله الأعظم على اعتبار علوهما عن غيرهما في الدلالة على معاني الكمال والحكمة .(33/58)
3- الاسم الأعظم هو الحي القيوم : وهو صحيح باعتبار عدة أوجه دلت على كمال مخصوص فوق جميع الأسماء ، فهذان الاسمان عند اجتماعهما يختصان عن باقي الأسماء الحسنى بما فيهما من أبعاد اعتقاديه ويعطيان من معاني الكمال ما ليس لغيرهما ؛ فجميع الأسماء الحسنى والصفات العليا تدل باللزوم على أن الله حي قيوم ، فالحياة وصف ذاته ومن أجلها كملت جميع أسمائه وصفاته ، فلا يمكن أن يكون سميعا بصيرا عليما قديرا إلا إذا كان حيا ، ولا يمكن أن يكون ملكا عزيزا قويا غنيا إلا إذا كان حيا ، ولا يمكن أن يكون رحيما رءوفا مهيمنا عظيما إلا إذا كان حيا ، ولا يمكن أن يكون جبارا متكبرا خالقا بارئا مصورا إلا إذا كان حيا ، فجميع أسماء الله تدل على صفة الحياة التي تضمنها اسمه الحي ، وهذه قضية عقلية نقلية بينها الله في القرآن بأفضل بيان وأجمل برهان ، قال تعالى : ? إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ القِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ? [فاطر:14] ، فمعبوداتهم لا تستجيب لكونها موتى ، والميت تزول صفاته بزوال ذاته ؛ فلا يقال عالم وهو ميت ، بل يقال كان عالما ، ولا يقال غني قوي وهو ميت ، بل يقال كان غنيا قويا ، ولا يقال ملك وهو ميت بل يقال كان ملكا عادلا أو ظالما .(33/59)
كما أن ملكية الشيء أو حق التملك ، إما أن يكون سببه اختراع الأشياء وإيجادها ، أو دوام الحياة وكمالها ؛ فالمخترع له براءة الاختراع ، والمؤلف له حق الطبع والنشر ، وعند البخاري قَال عمر ( : ( مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لهُ ) (87) ، ومن المعلوم أن أي ملك في الدنيا لا يمكن أن يؤسس ملكه بمفرده بل يساعده خاصته وقرابته ، ويسانده حزبه وجماعته ، أما رب العزة فهو الحي قبل وجود الأحياء ، وهو الإله الحق الذي انفرد بإنشاء الخلق وإقامة الملك ، قال تعالى : ? مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ المُضِلينَ عَضُداً ? [الكهف :51] .
ولما كان دوام الحياة وكمالها يؤدي إلى انتقال الملكية وثبوتها ؛ فإن الحياة والقيومية أساس الربوبية وكمال العظمة والملكية ، قال تعالى : ? كُلُّ مَنْ عَليْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلال والإكرام ? [الرحمن:27] ، وقال : ? وَللهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ? [آل عمران:180] ، والله عز وجل لما ذكر هذا الاسم الأعظم في أعظم آية قرآنية فقال : ? اللهُ لا إِلهَ إِلا هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ ? ، قال بعدها مبينا التفرد بالملكية : ? لهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ? [البقرة :255] .(33/60)
والقيم في اللغة هو السيد الذي يسوس الأمور ويدبرها ، فقيم البلدة سيدها وأمينها ومدبرها ، واسم الله القيوم تقدير فعله قام اللازم وأقام المتعدي ، قام بذاته فلا يحتاج إلى غيره ، وأقام غيره لافتقاره إليه ، والله عز وجل هو القائم بنفسه الذي بلغ مطلق الكمال في وصفه ، وهو الباقي بجلاله وكماله على الدوام دون تأثر أو تغيير ؛ لأن الحي من البشر قد يكون موصوفا بالسمع لكن سمعه يتأثر بمرور الوقت فيفتقر إلى وسيلة للسماع ، وقد يكون بصيرا لكنه يتأثر بعد مدة فيضع عدسة يستعين بها على الإبصار ، فالحي قد يكون متصفا بالصفات لكنه يتأثر بالسنة والغفلة والنوم ، ولو كان قائما دائما لكملت حياته وبقيت صفاته ، ولذلك فإن الله أثبت الحياة والقيومية اللازمة لكمال أسمائه وصفاته بطريق الإثبات والنفي المتضمن لكمال المقابل ، وهذه أبلغ طرق المدح التي اتبعها السلف الصالح في مدح ربهم (88) ، فمدار أوصاف الكمال وجميع الأسماء الحسنى تدل باللزوم على أن الله عز وجل حي قيوم ، ومن ثم جعلهما النبي S اسم الله الأعظم على هذا الاعتبار (89) ، قال ابن قيم الجوزية : ( صفة الحياة متضمنة لجميع صفات الكمال مستلزمة لها ، وصفة القيومية متضمنة لجميع صفات الأفعال ، ولهذا كان اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى هو اسم الحي القيوم ، والحياة التامة تضاد جميع الأسقام والآلام ، ولهذا لما كملت حياة أهل الجنة ؛ لم يلحقهم هم ولا غم ولا حزن ولا شيء من الآفات ، ونقصان الحياة يضر بالأفعال وينافي القيومية ؛ فكمال القيومية لكمال الحياة ؛ فالحي المطلق التام لا يفوته صفة الكمال البتة ، والقيوم لا يتعذر عليه فعل ممكن البتة ) (90) .(33/61)
4- الاسم الأعظم هو الأحد الصمد : وهو صحيح على اعتبار أن الاسمين معا يدلان على كمال مخصوص يلازم جميع الأسماء والصفات ، فالأحد دل على أنه سبحانه المنفرد بأسمائه وصفاته وأفعاله عن كل ما سواه ، فالأحدية هي الانفراد ونفي الشريك والشبيه والمثلية (91) ، كما أن الصمدية تعني السيادة المطلقة في كل وصف على حدة ؛ فالصمد هو السيد الذي له الكمال المطلق في كل شيء ، وهو المستغني عن كل شيء ، وكل من سواه مفتقر إليه ، يصمد إليه ويعتمد عليه ، وهو الكامل في جميع صفاته وأفعاله ، وليس فوقه أحد في كماله ، وهو الذي يصمد إليه الناس في حوائجهم وسائر أمورهم ، فالأمور أصمدت إليه ، وقيامها وبقاؤها عليه ، لا يقضي فيها غيره ، وهو المقصود إليه في الرغائب ، والمستغاث به عند المصائب ، الذي يطعم ولا يَطعَم ولم يلد ولم يولد (92) .(33/62)
أما كمال الوصف المخصوص عند اجتماع الأحدية والصمدية ، فيمكن القول إن الله عز وجل لما فطر النفوس على أن تلجأ إلى قوة عليا عند ضعفها ، وتطلب غينا أعلى عند فقرها ، وعالما خبيرا عند جهلها ، ورءوفا شافيا عند مرضها ، ومن كملت أوصافه عند اضطرارها ، فإن الله هو المستحق لأن يكون هو الصمد دون ما سواه ، والمخلوق وإن كان صمدا من بعض الوجوه ؛ فإن حقيقة الصمدية منتفية عنه لأنه يقبل التفرق والزوال والتجزئة والانحلال ، ويتقسم ويتبعض فينفصل بعضه من بعض ، وهو أيضا مفتقر إلى ما سواه ، وكل ما سوى الله مفتقر إليه من كل وجه فليس أحد يصمد إليه كل شيء ولا يصمد هو إلى شيء إلا الله تبارك وتعالى ؛ لأنه لا يجري عليه شيء من ذلك ، بل حقيقة الصمدية وكمالها له وحده ، ولا يمكن انعدامها بوجه من الوجوه ، كما لا يمكن تثنية أحديته أيضا بوجه من الوجوه ، فهو أحد لا يماثله شيء من الأشياء كما قال تعالى : ? وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ? [الإخلاص:4] ، وقد استعملت الأحدية هنا في النفي ، أي ليس شيء من الأشياء كفوا له في شيء من الأشياء لأنه أحد ، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث عبد الله بن الشخير ( لما قال وفد بني عامر للرسول S : ( أَنْتَ سَيِّدُنا فقَالَ : السَّيِّدُ الله ) (93) .(33/63)
كما أن هذا الاسم الأعظم أو الأحد الصمد دل على أن الله لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد ، فإن الصمد هو الذي لا جوف له ولا أحشاء ، فلا يدخل فيه شيء ، ولا يأكل ولا يشرب ، سبحانه وتعالى كما قال : ? قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ ? [الأنعام:14] ، وفي قراءة الأعمش وغيره ولا يطعم بالفتح (94) ، وقال تعالى : ? وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ ? [الذريات:56/57] ، ومن مخلوقاته الملائكة وهم صمد لا يأكلون ولا يشربون ؛ فالخالق لهم جل جلاله أحق بكل غنى وكمال جعله لبعض مخلوقاته (95) .
وقد فسر بعض السلف الصمد بأنه الذي لا يأكل ولا يشرب وأن الصمد هو المصمد الذي لا جوف له ؛ فلا يخرج منه عين من الأعيان ولا يلد ، وهو كلام صحيح على معنى أنه لا يفارقه شيء منه ، ولهذا امتنع عليه أن يلد وأن يولد ، وذلك أن الولادة والتولد ، وكل ما يكون من هذه الألفاظ لا يكون إلا من أصلين ، وما كان من المتولد عينا قائمة بنفسها فلابد لها من مادة تخرج منها ، وقد نفى الله ذلك بقوله : ? قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ? [الإخلاص:1] ، فإن الأحد هو الذي لا كفؤ له ولا نظير فيمتنع أن تكون له صاحبة ، والتولد إنما يكون بين شيئين ، قال تعالى : ? أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ? [الأنعام:101] ، فنفى سبحانه الولد بامتناع لازمه عليه ؛ فإن انتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم ، وبأنه خالق كل شيء وكل ما سواه مخلوق له ، ليس فيه شيء مولود له ، فهو سبحانه غني بذاته ، يمتنع في حقه أن يكون والدا وأن يكون مولودا (96) .(33/64)
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله أن سورة الإخلاص فيها كمال التوحيد العلمي الاعتقادي وإثبات الأحدية لله المستلزمة نفي كل شركة عنه ، وإثبات الصمدية المستلزمة لإثبات كل كمال له ، هذا مع كون الخلائق تصمد إليه في حوائجها وتقصده الخليقة وتتوجه إليه ، وفيها أيضا نفي الوالد والولد والكف عن طلبه ، وهذا متضمن لنفي الأصل والفرع والنظير والمماثل ، ولذلك صارت هذه السورة تعدل ثلث القرآن ففي اسمه الصمد إثبات كل الكمال ، وفي نفي الكفء التنزيه عن الشبيه والمثال ، وفي الأحد نفى كل شريك لرب العزة والجلال ، وهذه الأصول الثلاثة هي مجامع التوحيد (97) .
قال ابن تيمية : ( كذلك فإن هذين الاسمين يستلزمان سائر أسماء الله الحسنى وما فيها من التوحيد كله قولا وعملا ، والنبي S ذكر هذين الاسمين فقال : ( الله الواحد الصمد تعدل ثلث القرآن ) (98) ، وذلك أن كونه أحدا وكونه الصمد يتضمن أنه الذي يقصده كل شيء لذاته ولما يطلب منه ، وأنه مستغن بنفسه عن كل شيء ، وأنه بحيث لا يجوز عليه التفرق والفناء ، وأنه لا نظير له في شيء من صفاته ونحو ذلك مما ينافي الصمدية ، وهذا يوجب أن يكون حيا عالما قديرا ملكا قدوسا سلاما مهيمنا عزيزا جبارا متكبرا ) (99) .
ومن ثم فاجتماع اسم الأحد مع الصمد يضيفان من معاني الجلال والعظمة ما ليس لغيرهما ، ولذلك ذكرهما النبي S على أنهما اسم الله الأعظم ، فهو سبحانه متوحد صمد ، سيد كمل في سؤدده وفي جميع أوصافه وعظمته ، وحلمه ورحمته وعلمه وحكمته ، وهذه صفته لا تنبغي لأحد إلا له .
* دلالة اقتران الأسماء الحسنى على الصفات :(33/65)
علمنا أن أسماء الله كلها حسنى وكلها عظمى على اعتبار ما يناسبها من أحوال العباد ، فالغني هو اسم الله الأعظم حال فقر العباد ، والقوى هو الأعظم حال ضعفهم والعليم حال جهلهم ، والرزاق حال سعيهم وكسبهم ، ويذكر ابن القيم أن كل اسم من أسماء الله الحسنى له أثر من الآثار في الخلق والأمر لا بد من ترتبه عليه كترتب المرزوق والرزق على الرازق ، وترتب المرحوم وأسباب الرحمة على الرحمن ، وترتب المرئيات والمسموعات على السميع والبصير ، ونظائر ذلك في جميع الأسماء ؛ فلو لم يكن في عباده من يخطئ ويذنب ليتوب عليه ويغفر له ويعفو عنه لم تظهر آثار أسمائه الغفور والعفو والحليم والتواب وما جرى مجراها .
وظهور أثر هذه الأسماء ومتعلقاتها في الخليقة كظهور آثار سائر الأسماء الحسنى ومتعلقاتها ، فكما أن اسمه الخالق يقتضي مخلوقا ، والبارئ يقتضي مبروءا ، والمصور يقتضي مصورا ولا بد ، فأسماؤه الغفار التواب تقتضي مغفورا له وما يغفره له وكذلك من يتوب عليه وأمورا يتوب عليه من أجلها ، ومن يحلم عنه ويعفو عنه ، وما يكون متعلق الحلم والعفو ، فإن هذه الأمور متعلقة بالغير ومعانيها مستلزمة لمتعلقاتها (100) .
فكل اسم من أسماء الله هو الأعظم في موضعه بظهور أثره في العباد وحكمة الله في ترتيب المصالح المقصودة والغايات الحميدة ، والله عز وجل من حكمته أيضا أنه يقرن بين أسمائه في كثير من المواضع لتظهر دلالتها على أوصافه ككمال فوق الكمال وجلال فوق الجلال بحيث تتجلى عظمة رب العزة والجلال في أسمائه وصفاته وأفعاله كما قال : ? تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ ? [الرحمن:78] ، وقد وردت أمثلة كثيرة في ذلك منها :(33/66)
1- اقتران العزيز بالحكيم : فكل منهما دال على الكمال الخاص الذي يقتضيه وهو العزة المطلقة في العزيز والحكمة المطلقة في الحكيم ، والجمع بينهما دال على كمال آخر ، وهو أن عزته تعالى مقرونة بالحكمة ؛ فعزته لا تقتضي ظلما وجورا كما يفعل العزيز مع من كان مقهورا ، فإن العزيز منهم قد تأخذه العزة بالإثم فيظلم غيره ولا يحكم فعله ، وسمع بعض الأعراب قارئا يقرأ قوله تعالى : ? وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ? [المائدة:38] ، فقرأها والله غفور رحيم ، فقال : ليس هذا كلام الله ، فقال : أتكذب بالقرآن ؟ فقال : لا ولكن لا يحسن هذا ، فرجع القارئ إلى خطئه فقال : صدقت (101) .(33/67)
ونحن إذا تأملنا ختام الآيات بما ورد فيها من الأسماء والصفات وجدنا كلام الله مختتما بذكر الصفة التي يقتضيها ذلك المقام ، والاسم الأعظم الذي يناسب هذه الأحكام ، حتى كأن الأسماء والأوصاف ذكرت دليلا عليها وعلة لذكرها ، كقوله تعالى : ? إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ? [المائدة:118] ، أي إن مغفرتك لهم صادرة عن عزة وكمال قدرة ، لا عن عجز أو جهل أو فقر أو ضعف ، وقوله : ? تَنْزِيلُ الكِتَابِ مِنَ اللهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ ? [الزمر:1] ، فذكر العزة المتضمنة لكمال القدرة والتصرف ، والحكمة المتضمنة لكمال الحمد والعلم ، ولهذا كثيراً ما يقرن تعالى بين هذين الاسمين في آيات التشريع والجزاء ليدل عباده على أن مصدر ذلك كله عن حكمة بالغة وعزة قاهرة ، ففهم الموفقون عن الله عز وجل مراده وحكمته ، وانتهوا إلى ما وقفوا عليه ، ووصلت إليه أفهامهم وعلومهم ، وردوا علم ما غاب عنهم إلى أحكم الحاكمين ، ومن هو بكل شيء عليم ، وتحققوا بما عملوه من حكمته التي بهرت عقولهم ، وأن لله في كل ما خلق وأمر ، وأثاب وعاقب من الحكم البوالغ ما تقتصر عقولهم عن إدراكه ، وأنه تعالى هو الغنى الحميد ، العليم الحكيم ، فمصدر خلقه وأمره وثوابه وعقابه غناه وحمده وعلمه وحكمته ، ليس مصدره مشيئة مجردة ، وقدرة خالية من الحكمة والرحمة والمصلحة والغايات المحمودة المطلوبة له خلقاً وأمراً ، وأنه سبحانه لا يسأل عما يفعل لكمال عزته وحكمته (102) .(33/68)
2- اقتران العزيز بالعليم : ذكر الله هذين الاسمين مقترنين بعد بيان قدرته في تسيير الأجرام الفضائية والكواكب الدرية وترتيب مواقيتها الزمنية كما ورد في قوله تعالى : ? وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ ? [يّس:38] ، وذلك ليعلم الجميع أن كل شيء موجود إنما هو بعلم ومشيئة وليس أمرا تلقائيا عفويا دون عزة وحكمة ، فهذا التقدير لمسير الشمس والقمر والليل والنهار وحركات النجوم في مطالعها ومغاربها تقدير ناشئ عن عزته وعلمه ، وذلك متضمن وقوعه على وجه حكمته وأمره ، والغاية التي وجدت من أجلها ، وأنها مهما عظمت أجرامها واتسعت أرجاؤها فلا يعز إيجادها وتدبير أمورها على العزيز العليم فقال جل شأنه : ? فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ ? [فصلت:12] (103) ، وقال تعالى في سورة الدخان : ? وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ ? [الدخان:38] ، وقال في سورة الرحمن : ? وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ المِيزَانَ ? [الرحمن:7] ، وكل ذلك لتظهر أسماؤه وأحكامه وإنعامه وإكرامه حتى يلتزم العباد بتكليف الله لهم ، ويوحدوا الله كما أمرهم ، قال تعالى : ? أَلا تَطْغَوْا فِي المِيزَانِ وَأَقِيمُوا الوَزْنَ بِالقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا المِيزَانَ ? [الرحمن:9] .(33/69)
3- اقتران العزيز بالرحيم : ومن هذا أيضا ما ختم به سبحانه قصص الأنبياء في كثير من آيات القرآن ، ففي سورة الشعراء يذكر في أعقاب كل قصة : ? وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ ? [الشعراء:9] ، وقد كررت ثماني مرات ، كل مرة عقب كل قصة فالإشارة في كل واحدة بذلك إلى قصة النبي المذكور قبلها ، وما اشتملت عليه من الآيات والعبر (104) ، وقد ختمها باسمين مقترنين ليبين أن ما حكم به بين الرسل وأتباعهم وأهل الحق وأعدائهم صادر عن عزة ورحمة ، فوضع العزة فيما يقابل النقمة من أعدائه ووضع الرحمة فيما يقابل النصرة لأوليائه ، قال الزركشي : ( وأما مناسبة قوله العزيز الرحيم فإنه تعالى نفى الإيمان عن الأكثر فدل بالمفهوم على إيمان الأقل ؛ فكانت العزة على من لم يؤمن والرحمة لمن آمن ، وهما مرتبتان كترتيب الفريقين ) (105) ، فكل اسم وضع عن حكمة تظهر التناسب في الوصف ، ومن ثم فإن ترتيب الأسماء لم يأت من فراغ وإنما عن حكمة مرادة ورسالة وبلاغ .(33/70)
4- اقتران السميع بالعليم : قرن الله بين هذين الاسمين عند الاستعاذة من الشيطان فقال : ? وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ? [الأعراف:200] وذلك لأنه يرانا ولا نراه ؛ فناسب ذكر العليم مع السميع ، وعند الاستعاذة من شياطين الإنس ناسب ذكر البصير مع السميع ، قال ابن القيم : ( وتأمل حكمة القرآن الكريم كيف جاء في الاستعاذة من الشيطان الذي نعلم وجوده ولا نراه بلفظ السميع العليم في الأعراف والسجدة ، وجاءت الاستعاذة من شر الإنس الذين يؤنسون ويرون بالإبصار بلفظ السميع البصير في سورة حم المؤمن فقال : ? إِنَّ الذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ? [غافر:56] ، لأن أفعال هؤلاء أفعال معاينة ترى بالبصر ، وأما نزع الشيطان فوساوس وخطرات يلقيها في القلب يتعلق بها العلم ؛ فأمر بالاستعاذة بالسميع العليم فيها ، وأمر بالاستعاذة بالسميع البصير في باب ما يرى بالبصر ويدرك بالرؤية ) (106) .(33/71)
5- اقتران الحميد بالمجيد : الحميد هو الذي له من الصفات وأسباب الحمد ما يقتضي أن يكون محمودا ، وإن لم يحمده غيره فهو حميد في نفسه ، والمحمود من تعلق به حمد الحامدين ، وهكذا المجيد ، والحمد والمجد إليهما يرجع الكمال كله فإن الحمد يستلزم الثناء والمحبة للمحمود ، فمن أحببته ولم تثن عليه لم تكن حامدا له حتى تكون مثنيا عليه محبا له ، وهذا الثناء والحب تبع للأسباب المقتضية له ، وهو ما عليه المحمود من صفات الكمال ونعوت الجلال والإحسان إلى الغير ؛ فإن هذه هي أسباب المحبة ، وكلما كانت هذه الصفات أجمع وأكمل كان الحمد والحب أتم وأعظم ، والله سبحانه له الكمال المطلق الذي لا نقص فيه بوجه ما ، والإحسان كله له ومنه ، فهو أحق بكل حمد وبكل حب من كل جهة ، فهو أهل أن يحب لذاته وصفاته وأفعاله وأسمائه وإحسانه وكل ما صدر منه سبحانه وتعالى ، وأما المجد فهو مستلزم للعظمة والسعة والجلال التي يحمد من أجلها ، ولهذا جمع سبحانه بين هذين الاسمين فقال : ? قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ? [هود:73] (107) .(33/72)
6- اقتران الغني بالحليم : جمع الله بين هذين الاسمين في قوله : ? قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذىً وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيم ? [البقرة:263] ، وذلك ليبين للأغنياء أنه غني عنهم لن يستفيد شيئا منهم ، وإنما الحظ الأوفر لهم أنفسهم ، فالصدقة نفعها عائد عليهم ، فكيف يمنون بنفقاتهم على ربهم ، ويؤذون بها عباده مع غناه عنهم وعن كل ما سواه ، وهو مع هذا حليم إذ لا يعاجل المنان منهم بالعقوبة ، وهذا وعيد ضمني وتحذير قوى لمن عاد في ذلك ، وقد يكون المعنى أن الله سبحانه وتعالى مع غناه التام من كل وجه هو الموصوف بالحلم والتجاوز عن الذنب مع واسع عطائه وكمال نعمائه ، فكيف يؤذي أحدكم غيره بمنه وأذاه مع قلة ما يعطي مهما بلغ في غناه (108) .
7- اقتران الغني بالكريم : جمع الله بين هذين الاسمين في قوله تعالى : ? وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ? [النمل:40] ، وفي اجتماع الاسمين من معاني الكمال الكثير ، فليس كل غني كريما ، وليس كل كريم غنيا ، ولن يكتسي الغِنَي بالجمال إذا كان الغَني بخيلا ، كما أنه لن يكتسي الكريم بالكمال إذا كان الكريم فقيرا ، وليس من غني كريم له مطلق الغنى والكرم إلا رب العزة والجلال ، فالله غني لا حاجة به إلي أحد سواه ، ولا يضره كفر من كفر من خلقه (109) ، وهو سبحانه غني كريم ، ومن كرمه كثرة فضله على من يكفر نعمه ويجعلها وسيلة إلى معصيته .
والقصد أن كل اسم من أسماء الله يتضمن صفة من صفاته ، وإذا اقترنت صفة كمال بأخرى نشأ عن ذلك كمال آخر يظهر أثره في حكمة الله وخلقة للأشياء .(33/73)
8- اقتران الواسع بالعليم : وردا هذان الاسمان في سبعة مواضع من القرآن ، كما في قوله تعالى : ? مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ? [البقرة :261] ، وقد ختمت الآية باسمين مطابقين لسياقها ، فلا يستبعد العبد هذه المضاعفة ، ولا يضيق عنها عطنه فإن المضاعف واسع العطاء ، واسع الغنى ، واسع الفضل ، ومع ذلك فلا يُظن أن سعة عطائه تقتضي حصولها لكل منفق ، فإنه عليم بمن تصلح له هذه المضاعفة وهو أهل لها ومن لا يستحقها ولا هو أهل لها ، فإن كرمه وفضله لا يناقض حكمته ؛ بل يضع فضله مواضعه لسعته ورحمته ، ويمنعه من ليس من أهله بعلمه وحكمته (110) .
9- اقتران الغفور بالودود : سر اقتران هذين الاسمين في قوله تعالى : ? إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ? [البروج:13/14] ، أن العبد الذي بينه وبين الله محبة وود لو أذنب ثم تاب واستغفر نادما صادقا ، فإن الله يقبل توبته ، ويعيد محبته ، ويرجع الود أعظم مما كان ، قال ابن القيم : ( وهذا بخلاف ما يظنه من نقصت معرفته بربه من أنه سبحانه إذا غفر لعبده ذنبه فإنه لا يعود الود الذي كان له منه قبل الجناية ، واحتجوا في ذلك بأثر إسرائيلي مكذوب أن الله قال لداود ( : يا داود أما الذنب فقد غفرناه وأما الود فلا يعود ، وهذا كذب قطعا ؛ فإن الود يعود بعد التوبة النصوح أعظم مما كان فإنه سبحانه يحب التوابين ، ولو لم يعد الود لما حصلت له محبته ) (111) .(33/74)
10- اقتران الأول والآخر والظاهر والباطن : وردت هذه الأسماء في مجموعها دالة على معني الإحاطة والكمال ، وأنه لا مناص للعبد من ركونه وافتقاره إلى رب العزة والجلال ، فحصل من المعاني باقترانها جلال فوق الكمال الذي ينفرد به كل اسم منها على حده ، فقال سبحانه وتعالى : ? هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ? [الحديد:3] ، فاسمه الأول يقتضي التجرد من مطالعة العباد للأسباب وإن أخذوا بها ، وأن يجردوا النظر إلى سابق فضله ورحمته ، وأنه المبتدئ بالإحسان من غير وسيلة من العبد ؛ إذ لا وسيلة له في العدم قبل وجود أي وسيلة كانت هناك ، وإنما هو عدم محض ، وقد أتى عليه حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ، فمنه سبحانه الإعداد ومنه الإمداد ، وفضله سابق على الوسائل التي هي في الأصل من فضله وجوده .
واسم الله الآخر يقتضي أيضا عدم ركونه ووثوقه بالأسباب والوقوف معها ؛ فإنها تنعدم لا محالة ، وتنقضي بالآخرية ، ويبقى الدائم الباقي بعدها ، فالتعلق بها تعلق بعدم ينقضي ، فهذان الاسمان يوجبان صحة الاضطرار إلى الله وحده ، ودوام الفقر إليه دون ما سواه .
وأما اسمه الظاهر فيقتضي تحقق العبد من علو الله المطلق على كل شيء ، وأنه ليس فوقه شيء ، وأنه قاهر فوق عباده ، ومن ثم يصير لقلبه اتجاها يقصده ، وربا يعبده وإلها يتوجه إليه ، بخلاف من لا يدري أين ربه ؟ فإنه ضائع مشتت القلب ليس لقلبه قبلة يتوجه نحوها .(33/75)
وأما اسمه الباطن فيقتضي معرفة إحاطة الرب سبحانه بالعالم وعظمته ، وأن العوالم كلها في قبضته ، وأن الله قد أحاط بالخلائق أجمعين ، فهذه الأسماء الأربعة هي أركان العلم والمعرفة ، فأولية الله عز وجل سابقة على أولية كل ما سواه ، وآخريته ثابتة بعد آخرية كل ما سواه ، وظاهريته فوقيته وعلوه على كل شيء سواه ، وبطونه سبحانه إحاطته بكل شيء بحيث يكون أقرب إليه من نفسه ، فمدار هذه الأسماء الأربعة على الإحاطة الزمانية والمكانية ، فكان لها من معاني الكمال عند الاجتماع ما ليس لكل اسم من هذه الأسماء عند انفراده (112) .
* هل الأسماء مشتقة من الصفات أم العكس ؟
قضية أسماء الله الحسنى هل هي مشتقة من الصفات أم الصفات مشقة من الأسماء لا بد أن نفرق فيها بين عدة جوانب أساسية توضح المسألة وتبين القضية :
الجانب الأول : إذا نظرنا إليها من جهة التكليف والحكم الشرعي ، فإنه لا يجوز أن تُشتق الأسماء من الصفات ، وإنما الصفات هي المشتقة من الأسماء ، فتشتق من السميع البصير صفة السمع والبصر ، ومن العليم القدير العلم والقدرة ، ومن العزيز الحكيم العزة والحكمة ، ومن الكريم العظيم الكرم والعظمة ، لكن لا يجوز أن نشتق من صفات الذات والأفعال أسماء رب العزة والجلال ، فقد وصف الله نفسه بالإرادة والاستواء والكلام والنزول والجلال والانتقام وأنه يؤتي وينزع ويعز ويذل ويخفض ويرفع ويبديء ويعيد ويقضي ويكتب لكن لا يجوز لنا أن نشتق له من هذه الصفات المريد والمستوى والمتكلم والنازل والجليل والمنتقم والمؤتي والمنزع والمعز والمذل والخافض والرافع والمبديء والمعيد والقاضي والكاتب .(33/76)
ومن الخطأ أن نسمى الله بهذه الأسماء أو بعضها ، ومن فعل ذلك فقد سمى ربه بما لم يسم به نفسه في كتابه أو في سنة رسوله S ، فأسماء الله الحسنى بإجماع السلف الصالح توقيفية على النص ؛ لا بد فيها من أدلة قرآنية ، أو ما صح عن رسول الله S في السنة النبوية ، وليست أسماء الله مسألة عقلية اجتهادية يشتق فيها الإنسان لربه من أوصافه وأفعاله ما يشاء من الأسماء ، فكثير من العلماء جعلوا المرجعية في علمية الاسم واشتقاقه من الوصف إلى أنفسهم ، وليس إلى النص الثابت في الكتاب والسنة ، وهذا يعارض ما اتفق عليه أهل السنة والجماعة في كون الأسماء الحسنى توقيفية ، وقد تقدم الكلام عن ذلك عند الحديث عن الشرط الأول من شروط الإحصاء (113) ، ومن ثم فإن الأسماء الحسنى على هذا الاعتبار لا تشتق من صفات الذات أو صفات الأفعال حتى لو كانت الصفة مطلقة في الكمال ، أو مقيدة به في حال دون حال ، ومن أجل ذلك كان باب صفات الله عز وجل أوسع من باب أسمائه الحسنى (114) .
الجانب الثاني : إذا نظرنا إلى اشتقاق الأسماء والصفات من الجانب الاعتقادي وكيفية توحيد المسلم لربه ؟ فإنه سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء في ذاته المقدسة أو أسمائه الحسنى أو صفاته العليا أو أفعاله سبحانه ، ولا يقاس على خلقه بقياس تمثيلي أو شمولي ، فمن المعلوم أن الإنسان في بدايته وعند أول خلقه وتكوينه يكون ناقصا في أوصافه وأفعاله ؛ من أجل ذلك صح اكتساب ما يليق به من أنواع الكمال كالشرف والعلم والقوة والمال ، وما يحمد عليه من جميل الصفات والأفعال ؛ إذ كمالهم وصلاحهم عن أفعالهم ، فالعبد أسماؤه وصفاته عن أفعاله ؛ فيحدث له اسم العالم والكامل بعد حدوث العلم والكمال فيه ، ويكتسب مالا فيصبح غنيا ، ويحمده الناس فيصبح محمودا ، ويتحرى الصدق فيكون صادقا ، فهم يُكمِّلون نقصهم الذاتي بفعل كمال كسبي ؛ فيظهر بين الناس حسنهم وحسن أسمائهم وأوصافهم وأفعالهم (115) .(33/77)
أما رب العزة والجلال فأفعاله عن جلال أسمائه وكمال أوصافه ، وهي مشتقة منها كما ورد في المسند وصححه الألباني من حديث عبد الرحمن بن عوف ( أن النبي S قال : ( قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلّ : أَنَا الرَّحْمَنُ خَلَقْتُ الرَّحِمَ ، وَشَقَقْتُ لَهَا مِنِ اسْمِي اسْماً فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتُّهُ ) (116) ، وهذا الحديث دليل واضح على أن الله سبحانه وتعالى أفعاله صادرة عن أسمائه وأوصافه ، بعكس أسماء المخلوقين وأوصافهم التي تصدر عن أفعالهم ؛ فعقيدة التوحيد تقتضي الإيمان بأن أفعال الله عز وجل صادرة عن كماله ، كمُل ففعل ، وأن كمال المخلوق صادر عن أفعاله ، فعل فكمل الكمال اللائق به ، ومن ثم اشتقت الأسماء له بعد أن كمل بالفعل ، أما الرب فلم يزل كاملا على الدوام بأسمائه وصفاته أزلا وأبدا (117) .(33/78)
وعلى ذلك فإن الأسماء الحسنى والصفات الذاتية وأصل الصفات الفعلية من جهة المشيئة والإمكانية هي في حقيقتها أزلية أبدية بأزلية الذات الإلهية ، وطالما أنه سبحانه ليس كمثله شيء في ذاته وأسمائه وصفاته ، وأن الاشتقاق في حقه ليس كالاشتقاق في حقنا ، فإن الأسماء الحسنى دالة على الصفات ومرتبطة بها ، والصفات يشتق الله لنفسه منها ما يشاء من الأسماء ؛ فهذا حقه وفعله فيما يخصه ، قال تعالى : ? فَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ? [الأنبياء:23] ، لكن المسلم الموحد صاحب العقيدة الصحيحة لا يجوز له أن يشتق لله من أوصافه وأفعاله ما يشاء من الأسماء ، لأنها توقيفية على النص كما سبق ، ولأن دورنا حيال أسماء الله الحسنى الإحصاء ، ثم الحفظ والدعاء ، وليس الاشتقاق والإنشاء ، ولعل هذا ما يعنيه من قال من العلماء بأن الأسماء مشتقة من الصفات كقول ابن القيم رحمه الله : ( أسمائه مشتقة من صفاته ، وصفاته قديمة به ، فأسماؤه غير مخلوقة ) (118) ، وكذلك قوله : ( والرب تعالى يُشتق له من أوصافه وأفعاله أسماء ، ولا يُشتق له من مخلوقاته ، وكل اسم من أسمائه فهو مشتق من صفة من صفاته ، أو فعل قائم به ، فلو كان يُشتق له اسم باعتبار المخلوق المنفصل ؛ فإنه يُسمى متكونا ومتحركا وساكنا وطويلا وأبيض وغير ذلك لأنه خالق هذه الصفات ، فلما لم يطلق عليه اسم من ذلك مع أنه خالقه علم إنما يشتق أسمائه من أفعاله وأوصافه القائمة به ، وهو سبحانه لا يتصف بما هو مخلوق منفصل عنه ، ولا يتسمى باسمه ) (119) .(33/79)
الجانب الثالث : إذا نظرنا إلى اشتقاق الأسماء والصفات من الجانب اللغوي ، فمن جهة اللغة واشتقاق الألفاظ يصح القول بأن الأسماء الحسنى مشتقة من الصفات والأفعال ، وأنها ملاقية لمصادرها في اللفظ والمعنى ، وتسمية النحاة المصدر والمشتق منه أصلا وفرعا ليس معناه أن أحدهما تولد من الآخر ، وإنما هو باعتبار أن أحدهما متضمن للآخر وزيادة ، لا أن العرب تكلموا بالأسماء أولا ثم اشتقوا منها الأفعال ؛ فإن التخاطب بالأفعال ضروري كالتخاطب بالأسماء لا فرق بينهما ، فالاشتقاق هنا ليس اشتقاقا ماديا ، وإنما هو اشتقاق تلازم يسمى المتضمِّن فيه مشتقا ، والمتضمَّن مشتقا منه ، ولا محذور في اشتقاق أسماء الله تعالى بهذا المعنى (120) .
قال ابن القيم : ( زعم السهيلي وشيخه ابن العربي أن اسم الله غير مشتق ؛ لأن الاشتقاق يستلزم مادة يشتق منها ، واسمه سبحانه قديم لا مادة له فيستحيل الاشتقاق ولا ريب أنه إن أريد بالاشتقاق هذا المعنى فهو باطل ، ولكن من قال بالاشتقاق لم يُرد هذا المعنى ولا ألمّ بقلبه ، وإنما أراد أنه دال على صفة له تعالى وهي الإلهية كسائر أسمائه الحسنى من العليم والقدير ؛ فإنها مشتقة من مصادرها بلا ريب ، وهي قديمة والقديم لا مادة له ، فما كان جوابكم عن هذه الأسماء كان جواب من قال بالاشتقاق في الله تعالى ، ثم الجواب عن الجميع أنا لا نعني بالاشتقاق إلا أنها ملاقية لمصادرها في اللفظ والمعنى ، لا أنها متولدة منها تولد الفرع من أصله ) (121) .(33/80)
ولولا أن الأسماء تتنوع في اشتقاقاتها اللغوية ومبانيها اللفظية لما ظهرت معاني التخاطب بين الإنسانية ، والله عز وجل إنما أنزل القرآن بالعربية ، والقرآن تضمن ذكر الأسماء والصفات الإلهية التي أراد من عباده أن يعرفوها ويدعوه بها ، قال أبو هلال العسكري : ( كل اسمين يجريان على معنى من المعاني وعين من الأعيان في لغة واحدة فإن كل واحد منهما يقتضي خلاف ما يقتضيه الآخر ) (122) .
والمدقق بعمق في أسماء الله الحسنى ودلالتها على معاني الكمال يجد أنه لا يوجد اسمان يتطابقان دلاليا سواء جاء الاختلاف من المعنى المعجمي للاسم حيث يختلف الاسمان في الجذر ويتقارب معناهما فيُظن ترادفهما ، أو جاء الاختلاف من المعنى الصرفي حين يتفق الاسمان في الجذر فيُظن تكرارهما .
فمن النوع الأول التمييز الدلالي بين اسم الله الحميد واسمه الشكور ، فكلاهما اسمان لله عز وجل مختلفان في الجذر متقاربان في المعنى لكن لا يتطابقان (123) ، وقد جمع النبي S بين الحمد والشكر في موضع واحد بأداة العطف ، والأصل في العطف اقتضاء المغايرة ، كما ورد عند أحمد وصححه الألباني من حديث سعد بن أبي وقاص ( أن رسول الله S قال : ( عَجِبْتُ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ حَمِدَ اللهَ وَشَكَرَ ، وَإِنَّ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ حَمِدَ اللَّهِ وَصَبَرَ ) (124) ، قال أبو هلال العسكري : ( يعطف الشيء على الشيء وإن كانا يرجعان إلى شيء واحد إذا كان في أحدهما خلاف للآخر ) (125) .
وقد ذكر في الفرق بينهما أن الشكر هو الاعتراف بالنعمة على جهة التعظيم للمنعم ولا يصح إلا على النعمة ، أما الحمد فهو الذكر الجميل على جهة التعظيم ويصح على النعمة وغير النعمة (126) .(33/81)
وأما النوع الثاني وهو مجيء الاختلاف من المعنى الصرفي ، فإنما يتلمس حين يتفق الاسمان في الجذر ويختلفان في الوزن ؛ فينفي احتمال الترادف بينهما أو ثبات المعنى للاسم ذاته اختلاف معنى الصيغة في كل اسم ، واشتقاقه من فعلين يختلفان في التجرد والزيادة ، كاسم الله المبين والقيوم ؛ فإن كانا مشتقين من المجرد كبان وقام على وزن فعل حَمل الاسم المأخوذ من الفعل مجرد أصل المعنى ، وهو الظاهر الواضح المتميز في المبين ، والقيام بالنفس وكمال الوصف والبقاء على الدوام في القيوم ، أما تلك التي أخذت من وزن أفعل فقد أضافت الصيغة فيها معنى التعدية ، وهو المعنى الغالب على وزن أفعل (127) ، فيكون معنى المبين الذي أبان لكل مخلوق علة وجوده وغايته ، وأبان لهم طلاقة قدرته مع بالغ حكمته ، وأبان لهم الأدلة القاطعة على وحدانيته ، وأبان لهم دينهم بأحكام شريعته ، ولا يعذب أحدا من خلقه إلا بعد بيان حجته ، ومعنى القيوم الذي أقام أُمور الخلق وتولى تدبير الرزق وأبقاهم لمقتضى حكمته ، فالمعنى يتغير في الاسم بتغير الاشتقاق في الفعل من الأصل والزيادة .(33/82)
وهناك من التنوع في معاني الأسماء ما نتج عن اختلاف الوزن فيه عن طريق اشتقاق الاسم من فعلين مزيدين يختلفان في نوع الزيادة مما جعل كلا منهما يكتسب معناه الصرفي من معنى فعله المزيد ، كالقادر والمقتدر من فعَّل وافتعل قدَّر واقتدر ، وقد تقدم ذكر الفرق بينهما في شرحنا للأسماء الحسنى (128) ، وكذلك ورد من أسماء الله تعالى ما هو مأخوذ من فعل على وزن تفاعل وله نظير من الجذر الثلاثي المجرد وهو العلي والمتعال ، فالعلي الذي يتصف بعلو الفوقية ، أما المتعال فهو الذي يتصف بعلو الشأن على سبيل المبالغة والإطلاق ، وأيضا ورد من أسماء الله تعالى ما هو مأخوذ من فعل على وزن تفعَّل ولهما نظير من الفعل الثلاثي المجرد وهما الكبير والمتكبر ، ذكر البيهقي أن التاء في المتكبر هي تاء التفرد والتخصيص بالكبر لا تاء التعاطي والتكلف (129) .
وقد ذهب بعضهم إلى أن أسماء الله التي هي صيغة مبالغة كلها مجاز ، إذ هي موضوعة للمبالغة ولا مبالغة فيها ؛ لأن المبالغة هي أن تثبت للشيء أكثر مما له وصفات الله تعالى متناهية في الكمال لا يمكن المبالغة فيها ، والمبالغة أيضا تكون في صفات تقبل الزيادة والنقصان ، وصفات الله تعالى منزهة عن ذلك ، وقد ذكرنا أن ذلك يصح من الجانب الاعتقادي ، وإن كان فيه نظر من الجانب اللغوي ، كما أن المحققين ذهبوا إلى أن المبالغة في حق الله تعالى لا تعني زيادة الفعل ، ولكن تعني تعدد المفعولات وكثرة المتعلقات ، فالله تواب لكثرة قبوله من يتوب إليه من عباده ، والله قدير باعتبار تكثير التعلق وليس تكثير الوصف ، والله عليم باعتبار عموم العلم لكل الأفراد لا باعتبار المبالغة في الوصف ، إذ العلم لا يصح التفاوت فيه (130) .(33/83)
ومن التنوع الدلالي لأسماء الله الحسنى أيضا الفرق بين معاني الصيغ داخل المشتق الواحد ، حيث يثير تعدد الصيغ في كل من الصفة المشبهة وصيغ المبالغة سؤالا هاما وهو : هل معانيها كلها واحدة أو هناك فروق بينها ؟ علمنا أن الحديث عن نفي الترادف يستلزم في حال اتحاد المعنى المعجمي عدم الاتحاد في المعنى الصرفي أو معنى الصيغة ، ويؤكد هذا الاتجاه تنوع الاستعمال القرآني وعدم استخدامه وزنا معينا من أوزان النوع الواحد تبعا للمعنى المراد إبرازه ، كقوله تعالى : ? إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ? [البقرة:173] ، مع قوله تعالى : ? رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ ? [ص:66] ، فماذا يمكن أن يلحظ من فروق بين أوزان الصفة المشبهة ؟ أو بين أوزان صيغ المبالغة ؟
على الرغم من دقة الإجابة عن هذا السؤال إلا أنه يمكن تلمس هذه الفروق فبالنسبة للصفة المشبهة فالملحظ الأساسي عنها أن اختلاف أوزانها يعكس تفاوتا في درجة دلالتها على الثبوت والدوام من ناحية ، كما يعكس اختلاف الدلالة الصرفية لأفعالها من ناحية أخرى ، فوزن فعلان على سبيل المثال يفيد ثبوت الصفة ولكن بشكل أقل ، ولكن لا يبلغ في تجدده ووقوعه مبلغ اسم الفاعل ، لأن زواله بطيء مثل شبعان وظمآن وغضبان وريان ، ولكنه يعوض هذا بدلالته على معنى الامتلاء أو ضده وهذا بخلاف وزن فعيل الذي يفيد ثبوت الصفة بقدر كبير من الدوام والاستمرار نحو طويل وقصير ودميم وعقيم ، أو على وجه قريب من ذلك نحو نحيف وسمين ، أما وزن فَعِل فيرتبط عادة بالصفات الداخلية تبعا لفعله ، مثل فرح وطرب وقلق .(33/84)
وأما بالنسبة لصيغ المبالغة فعلى الرغم من دلالتها جميعا على كثرة المعنى كما وكيفا من ناحية واشتقاقها من الأفعال المتعدية عادة من ناحية أخرى ؛ فإنه يفرق بينها لغويا عدة أشياء ، منها اختلافها في درجة القوة تبعا لاختلاف أبنيتها على حد قولهم : إن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى ، فوزن فعَّال مثلا أو فَعُّول أو فُعُّول أدل على المبالغة من فَعُول أو فعيل وهما أدل على المبالغة من فعِل ، ومنها تميز وزن فعَّال بارتباطه بمعنى التكرار والوقوع وقتا بعد وقت ، ومنها تميز وزن فعيل بكثرة استخدامه للمبالغة في الصفات الدالة على الثبوت ، فعليم يدل على أنه لكثرة علمه وتبحره فيه أصبح له طبيعة ثابتة وسجية ملازمة (131) ، قال أبو هلال العسكري : ( إذا كان الرجل قويا على الفعل قيل فَعول مثل صبور وشكور ، وإذا فعل الفعل وقتا بعد وقت قيل فعّال مثل علام وصبار ، وإذا كان عادة له قيل مفعال مثل معوان ومعطاء .. ومن لا يتحقق المعاني يظن أن ذلك كله يفيد المبالغة فقط ، وليس الأمر كذلك ، بل هي مع إفادتها المبالغة تفيد المعاني التي ذكرناها ) (132) .(33/85)
ومعظم الأسماء الحسنى جاءت على صيغ دالة على الفاعل ، فمنها ما دل على وجود الصفة دون قصد المقارنة ، ويضم اسم الفاعل ، وهو ما يدل على التجدد والحدوث كالخالق والقاهر والرازق والشاكر والمالك والقادر والوارث ، ومنها ما دل على الصفة المشبهة وهي ما يدل على الثبات والدوام كما في وزن فعلان كالرحمن ، ووزن فُعُّول كالقدوس ، ووزن فَعَلْ كالأحد الصمد الحكم ، ووزن فَعْل كالبر والحق والحي والرب ، وكذلك على وزن فَعُّول كالقيوم ، ومنها ما دل على صيغ المبالغة وهي ما يدل على التأكيد والمبالغة في الشيء ، كالأسماء التي وردت على وزن فعَّال مثل التواب الغفار الفتاح الجبار الوهاب القهار الخلاق الرزاق ، وعلى وزن فعيل كالسميع البصير العليم الخبير الحسيب النصير الحفيظ الرقيب اللطيف القريب العلي العظيم الغني الحكيم العزيز الرحيم القدير الحليم الكريم الحميد المجيد الوكيل الشهيد المليك الكبير القوي المتين ، وعلى وزن فعُول كالرءوف الودود الشكور العفو الغفور ، وعلى وزن فَعِل كالملك ، ومنها ما جاء على اسم التفضيل وهو ما يدل على وجود الصفة مع قصد المقارنة كالأول والآخر والأكرم والأعلى (133) .(33/86)
وهناك عدد من الأسماء الحسنى ورد بصيغ مشتركة بين الصفة المشبهة وصيغ المبالغة مثل وزن فعيل كحسيب وحفيظ وحكيم ورحيم وستير وسميع وعزيز وعليم وبصير وجميل وحليم وخبير ورقيب ، وأيضا وزن فعُول مثل شكور وغفور وودود وعفو ورءوف ، وكذلك وزن فعِل الذي ورد منه اسم الله الملك ، وقد يسأل سائل عن كيفية التمييز بين النوعين ؟ على الرغم من صعوبة ذلك ، واختلاف العلماء حول معايير الفصل بين النوعين ، بل تساهل بعضهم في إطلاق أحد النوعين على الآخر لاشتراكهما في الدلالة على قوة المعنى ، على الرغم من ذلك يمكن طرح معيارين للتفريق بين النوعين ، أحدهما : اتخاذ معنى الصيغة فيصلا حين الحكم ، ورد كل ما جاء من فعيل بمعنى اسم الفاعل سواء كان بمعنى فاعل أو مُفْعِل أو مُفاعِل إلى الصفة المشبهة إذا كان المراد من الحدث الدلالة على الثبوت ، وإلى صيغة المبالغة إذا كان المراد الدلالة على كثرة وقوع الفعل وتكراره ، والثاني : اتخاذ التعدي واللزوم مقياسا آخر ، فما كان من اللازم كان أولى أن ينسب إلى الصفة المشبهة ، وما كان من المتعدي كان أولى أن ينسب إلى صيغ المبالغة ، وبهذا يمكن توجيه ما جاء في قوله تعالى : ? إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ? [البقرة:32] ، قال في الفروق اللغوية : ( الحكيم بمعنى المحكِم مثل البديع بمعنى المبدع .. أو بمعنى العالم بإحكام الأمور ) (134) ، فعلى الأول يكون صيغة مبالغة لتعديه إلى مفعول ، وعلى الثاني يكون صفة مشبهة ، وكذلك القول في الحسيب فإذا كان من فعل متعد فهو صيغة مبالغة ، وإذا كان من فعل لازم فهو صفة مشبهة ، وأيضا الحفيظ والرحيم والستير والسميع والعليم كلها صيغ مبالغة لأنها من فعل متعد ، أما العزيز فهو صفة مشبهة لأنه من فعل لازم ، وكذلك العلي صفة مشبهة لأنه من فعل لازم ، وقس على ذلك (135) .
* أنواع الدلالات وتعلقها بالأسماء والصفات :(33/87)
الدلالة المقصودة في البحث هي الدلالة اللفظية الوضعية ، وهي فهم المعنى عند إطلاق اللفظ (136) ، أو هي العلم بالمعنى المقصود ، أو الحقيقة التي يؤول إليها الكلام عند صدوره من المتكلم (137) ، وتنقسم هذه الدلالة عند العلماء إلى ثلاثة أقسام ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( الماهية التي يعنيها المتكلم بلفظه ، دلالة لفظه عليها دلالة مطابقة ، ودلالته على ما دخل فيها دلالة تضمن ، ودلالته على ما يلزمها وهو خارج عنها دلالة الالتزام ) (138) ، وبيان تلك الدلالات مفصلة على النحو التالي :(33/88)
1- دلالة المطابقة : وهي دلالة اللفظ على ما عناه المتكلم ووضعه له ، أو هي دلالة اللفظ على الحقيقة والمعنى المقصود ، مثل دلالة لفظ البيت على مجموع الجدران والسقف والأبواب والنوافذ (139) ، فمن المعلوم أن الألفاظ أو الأسماء تطلق على الأشياء لتتميز بها عن غيرها ، وكل اسم أو لفظ في أي لغة وعلى أي لسان ينطبق في دلالته بين العقلاء على شيء متعارف عليه ، سواء بالوضع اللغوي أو لغة التخاطب التي فُطرت عليها الإنسانية ، أو الوضع الشرعي المرتبط بالشرائع الدينية كلفظ الصلاة والزكاة والصيام والركوع والسجود في الإسلام ، أو الوضع العرفي الذي يصطلح عليه أهل بلد ما أو قرية أو قبيلة ، أو الوضع الاصطلاحي الذي يتعارف عليه أهل علم من العلوم ؛ فالألفاظ المنطوقة أو المكتوبة لها مدلولات معينة يعيها القلب ويدرك معناها ولها في الواقع مدلولات من قبل المتكلم ، قال ابن تيمية : ( والمعنى المدلول عليه باللفظ لا بد أن يكون مطابقا للفظ ؛ فتكون دلالة اللفظ عليه بالمطابقة .. وليست دلالة المطابقة دلالة اللفظ على ما وضع له كما يظنه بعض الناس .. بل يجب الفرق بين ما وضع له اللفظ وبين ما عناه المتكلم باللفظ وبين ما يحمل المستمع عليه اللفظ ، فالمتكلم إذا استعمل اللفظ في معنى ، فذلك المعنى هو الذي عناه باللفظ ، وسمي معنى لأنه عني به ، أي قصد وأريد بذلك ، فهو مراد المتكلم ومقصوده بلفظه .. وكل لفظ استعمل في معنى فدلالته عليه مطابقة ؛ لأن اللفظ طابق المعنى بأي لغة كان ، سواء سمي ذلك حقيقة أو مجازا ) (140) .(33/89)
ومن أمثلة دلالة المطابقة دلالة لفظ المسجد على مسماه في أي وضع شرعي أو عرفي أو اصطلاحي ، إذ يدل في الوضع الشرعي على شيء معين جعل للصلاة والجماعة والجمع ، فلو قال أحدهم لأخيه انتظرني في المسجد ؛ فإنه لا ينتظره في السوق ؛ لعلمه أن المسجد لفظ يدل على مكان معلوم جعل للصلاة والعبادة ، وأن لفظ السوق يدل على مكان آخر وضع للبيع والشراء .
وأيضا لو قال المشتري للبائع : أعطني تفاحا ، فإن البائع يعطيه شيئا معينا أو فاكهة معلومة يطلق عليها هذا اللفظ ، وليس إذا قال له أعطني تفاحا أعطاه عنبا أو برتقالا أو جزرا أو خيارا ؛ لأن الله فطر العقلاء على أن يتعلموا الأسماء وما تنطبق عليه من مدلولات في واقعهم ، فالمشتري والبائع يعلمان أن لفظ التفاح يدل على شيء معين غير الذي يدل عليه لفظ البرتقال ، لكن لو قلت للبائع : أعطني خيارا فأعطاك برتقالا فذلك إما لأنه لم يسمع فيعاد اللفظ ؛ أو لأنه لم يعقل ومثل هذا لا يعد من العقلاء ولا يصلح للبيع والشراء .(33/90)
وإذا قيل محمد رسول الله S فإن المسلم يعلم أن ذلك ينطبق على خاتم الأنبياء ولا ينصرف ذهنه إلى عيسى ( أو موسى ( أو غيرهما من الأنبياء ، لأن كل لفظ أو اسم ينطبق على شيء معين دون غيره ، وإذا قيل الخالق هو الله ، فإن الذهن يفهم من دلالة الاسم أنه ينطبق على ذات الله تعالى المتصفة بصفة الخلق ، ولا ينصرف إلى ذات أخرى إلا عند من فسدت فطرتهم ونسبوا الخالقية لغيره ، كما أن الذهن لا ينصرف أيضا عند النطق بلفظ الخالق إلى صفة أخري غير صفة الخلق ، لأن اسم الله الخالق يدل بالمطابقة على ذات الله وصفة الخلق معا ، فلا ينصرف إلى صفة الرزق أو القوة أو العزة أو الحكمة أو غير ذلك من الصفات ، لأن صفة الخلق تدل على شيء غير الذي تدل عليه صفة الرزق ، وصفة القوة يفهم منها شيء غير الذي يفهم من صفة العزة أو الحكمة إلا عند من فسد إدراكهم في فهم دلالة اللفظ على معناه وقالوا بأن أسماء الله الحسنى التي تعرف الله بها إلى عباده في الكتاب والسنة لا تدل بالمطابقة إلا على ذات الله فقط ، ولا تدل على شيء من الصفات البتة ، فعندهم اسم الله السميع يدل على ذات الله فقط ، ولا معنى لاسمه السميع ، بل معنى السميع عندهم هو معنى الملك الخلاق القدير الرزاق إلى غير ذلك من أسماء الله الحسنى التي أمر عباده بأن يدعوه بها وقد تحدثنا عن ذلك في بيان أن أسماء الله أعلام وأوصاف .(33/91)
والله عز وجل لما علم آدم الأسماء فقال : ? وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ? [البقرة:32] علمه الأسماء كألفاظ تدل بالمطابقة على تمييز الأشياء والعلم بخصائصها والتعرف على حقائقها ذاتا وصفة مطابقة وتضمنا والتزاما ، وليس الذي تعلمه آدم كما يفهم البعض هو مجرد ألفاظ أو كلمات يستعملها هو وأبناؤه ؛ بل إنه تعلم الشيء واسمه وخاصيته وأنواع دلالته مطابقة وتضمنا والتزاما ، فالذي عرضه الله سبحانه على الملائكة أعيان الأشياء بذواتها وصفاتها وليست معاني أو كلمات لا مدلول لها ولا حقيقة ، وإنما علم الله آدم الشيء المادي المحسوس الذي يمكن أن يحمل الاسم المعين ، وكذلك تأثير كل شيء في غيره ، وما ينشأ عن ذلك من المعاني والعلوم ، وهذا واضح بين بدليل أن الله عز وجل قال بعد ذلك : ? ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ? [البقرة:32] ، قال ابن القيم : ( فكانت حكمة ذلك التعليم تعريف مراد المتكلم ، فلو لم يحصل له المعرفة كان في ذلك إبطال لحكمة الله ، وإفساد لمصالح بني آدم ، وسلب الإنسان خاصيته التي ميزه بها على سائر الحيوان ) (141) .
ودلالة المطابقة هي الدلالة الأصلية في الألفاظ التي وضعت لمعانيها ، وهي تكشف عن نية القائل بمجرد صدور اللفظ ؛ فلا يستفصل فيها عن مراده ، وسميت بالمطابقة لمطابقة المعنى للفظ وموافقته ، كقولهم طابق النعل النعل إذا توافقا ، والمراد من تطابق اللفظ والمعنى هو عدم زيادة اللفظ على المعنى أو قصوره عنه (142) .(33/92)
2- دلالة التضمن : وهي دلالة اللفظ على بعض المعنى المقصود من قبل المتكلم أو هي دلالة اللفظ الموضوعة من قبل المتكلم على جزء المعنى المقصود ، أو هي دلالة اللفظ الوضعية على جزء مسماه (143) ، كدلالة لفظ الشجرة على الأوراق ؛ فإن الشجرة تضمنت الأوراق وغيرها ، فالذهن يتصور الأوراق وبقية الأجزاء مباشرة عند النطق بلفظ الشجرة ، فيتصور بدلالة التضمن فروعها وخشبها وثمارها وجميع ما حوت من أجزاء .
ومثال ذلك أيضا دلالة لفظ المدرسة على الفصول والتلاميذ والمدرسين ؛ فإن الذهن يتصور مباشرة أن لفظ المدرسة ينطبق على عدة أشياء يطلق عليها مجتمعه هذا اللفظ ، وكذلك أيضا دلالة لفظ الصلاة في الاصطلاح الشرعي على الوقوف والركوع والسجود والجلوس بهيئة مخصوصة ، وغير ذلك من الحركات والسكنات التي تضمنتها الصلاة ؛ فلفظ الصلاة يدل على كل جزء من أجزائها بالتضمن ، وسميت دلالة التضمن بذلك لكون الجزء ضمن المعنى الموضوع له (144) ، فدلالة المطابقة تشمل عموم ما دل عليه اللفظ ، ودلالة التضمن موضوعة لخصوصه .
أما بالنسبة لأسماء الله تعالى فكل اسم يدل على الذات وحدها بالتضمن ، وعلى الصفة وحدها بالتضمن ؛ فاسم الله العزيز يدل على صفة العزة وحدها بالتضمن ، كما يدل أيضا على ذات الله وحدها بالتضمن ، ويدل على ذات الله وعلي صفة العزة معا بالمطابقة ، قال ابن القيم : ( الاسم من أسمائه له دلالات ، دلالة على الذات والصفة بالمطابقة ودلالة على أحدهما بالتضمن ) (145) .(33/93)
3- دلالة اللزوم : هي دلالة اللفظ على معنى يخرج عن دلالة المطابقة والتضمن وهو لازم لوجوده لزوماً عقليا يتصوره الذهن عند ذكر اللفظ ، وسمي لازما لارتباطه بمدلول اللفظ وامتناع انفكاكه عنه (146) ، ومثال ذلك دلالة الشيء على سبب وجوده كدلالة البعرة على البعير ، والأثر على المسير ، وكدلالة الحمل على الزواج أو الزنا إلا في بعض الخوارق الاستثنائية ، ولذلك لما جاء الملك مريم وأعلمها أنها ستحمل وتلد أخبرته أن الولد يكون من طريق مشروع أو ممنوع بدلالة اللزوم ، ولم يحدث أنها تزوجت ، أو وقع الاحتمال الثاني وهذا ليس شأنها ، فأخبرها أن هذا خارج عن اللوازم العقلية ، كما ورد في قوله : ? قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيّاً قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً ? [مريم:19] .
ومن ثم فإن دلالة اللزوم مبنية على فهم العقل لترابط الأسباب بحيث ترتبط العلة بمعلولها والنتيجة بسببها ، فدلالة السقف على الأعمدة دلالة لزوم لأن العاقل يعلم أن السقف لا يوجد إلا بعد وجود الحائط أو الأعمدة ، فالذهن لا يتصور السقف إلا مرفوعا على شيء ، فلفظ السقف دلنا على الأعمدة باللزوم مع ملاحظة أن الأعمدة ليست مما دل عليه لفظ السقف بالمطابقة أو بالتضمن ، فدلالة اللزوم من الدلالات العقلية والقواعد الشمولية التي تصح بها لغة التخاطب بين الإنسانية ، وطرق الاستدلال على توحيد الربوبية ؛ فالذي يعلم بدلالة اللزوم أن السقف يلزمه أعمدة يوقن عند ذلك بقدرة الخالق ، وأنه ليس كمثله شيء عندما يقرأ قوله تعالى : ? الله الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ? [الرعد:2] .(33/94)
والله عز وجل كثيرا ما يدعو العقلاء إلى النظر بدلالة اللزوم إلى ما في الكون من آيات تدل على عظمة أوصافه وأفعاله ، قال تعالى : ? إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ ? [آل عمران:190] ؛ فدلالة اللزوم هي دلالة الشيء على سببه ، أما دلالة الشيء على نتيجته وتوقع حدوثها فهي دلالة التزام كدلالة الغيوم على اقتراب المطر ، وكدلالة الفعل على رد الفعل ، فلكل فعل رد فعل بالالتزام ، وكل رد فعل ناشئ عن فعل باللزوم ، ودلالة الالتزام من إضافة المسبب إلى السبب (147) .
وكما أن الأسماء الحسنى تدل على الصفات بالمطابقة والتضمن فإنها أيضا تدل على الصفات باللزوم كدلالة اسم الله الخالق على صفة العلم والقدرة ؛ فاسم الله الخالق يدل على ذات الله وصفة الخالقية بالمطابقة ، ويدل على أحدهما بالتضمن ، ويدل على العلم والقدرة باللزوم ؛ لأن العاجز والجاهل لا يخلق ، ولذلك لما ذكر الله خلق السماوات والأرض عقب بذكر ما دل عليه الخلق باللزوم فذكر القدرة والعلم ، قال تعالى : ? الله الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ الله قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ? [الطلاق:12] .(33/95)
ومن وفقه الله لفهم دلالة اللزوم المتعلقة بالأقوال والأفعال فكانت أقواله صادرة عن حكمة ، وأفعاله عن روية وفطنة ، ووزن جميع أموره بدقة بحيث يقدر المنفعة والمضرة ويتخير الأحسن والأفضل على الدوام فقد وفق إلى خير كثير كما قال تعالى : ? يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ? [البقرة:269] ، وأغلب ما يحل بالإنسان من بلاء وشقاء سببه الغفلة عن لازم قوله وفعله ، ولذلك ثبت عند البخاري من حديث أبي هريرةَ ( أن رسول الله S قال : ( إنَّ العبدَ ليَتكلمُ بالكلمةِ ما يَتبَينُ فيها يَزلُّ بها في النار أبعدَ مما بينَ المشرق ) (148) ، وعند البخاري في رواية أخري : ( وإن العبدَ ليتكلمَ بالكلمة من سَخَط اللّه لا يُلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم ) (149) ، ولذلك اختلفوا في لازم القول هل هو قول يحاسب عليه الإنسان ؟ فقال بعضهم : إذا كان هذا اللازم لازماً من قوله لزم أن يكون قولاً له محاسب عليه ، لأن ذلك هو الأصل ، لاسيما إذا قرب التلازم ، ورد آخرون ذلك وقالوا هذا مردود بأن الإنسان بشر وله حالات نفسية وخارجية توجب الذهول عن اللازم ، فقد يغفل أو يسهو أو ينغلق فكره أو يقول القول في مضايق المناظرات من غير تفكير في لوازمه (150) .
وكثير من العامة يغفلون عن لوازم كلامهم إما لجهلهم أو سرعة اندفاعهم أو ما شابه ذلك من تقلب الأحوال ، ولو حوسبوا على ذلك لانقطع من يحصي لوازم الأقوال والأفعال ، روي أن أعرابيا خرج إلى الحج مع أصحابه فلما كان في طريق العودة إلى أهله لقيه بعض أقربائه ؛ فسأله عن أهله ومنزله ، فقال : لما خرجت إلى الحج بعد ثلاثة أيام وقع في بيتك حريق أتى على أهلك ومنزلك ، فرفع الأعرابي يديه إلى السماء وقال : ما أحسن هذا يا رب ، تأمرنا بعمارة بيتك وتخرب علينا بيوتنا (151) .(33/96)
وكذلك خرجت أعرابية إلى الحج ، فلما كانت في بعض الطريق عطبت راحلتها فرفعت يديها إلى السماء وقالت : يا رب أخرجتني من بيتي إلى بيتك فلا بيتي ولا بيتك (152) ، ومثل هذا الكلام لوازمه كفر لكن القائل في الغالب غافل عن لازم قوله .
وأخذ الحجاج أعرابيا سرق ، فأمر بضربه ، فلما قرعه السوط قال : يا رب شكرا حتى ضرب سبعمائة سوط ، فلقيه أشعب فقال له : تدري لم ضربك الحجاج سبعمائة سوط ؟ قال : لا ، قال : لكثرة شكرك ، فإن الله يقول : ? لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ ? [إبراهيم:7] ، قال الأعرابي: وهذا في القرآن ؟ قال : نعم ، فقال : يا رب لا شكرا فلا تزدن ، أسأت في شكري فاعف عنى ، باعد ثواب الشاكرين منى (153) ، وسمع أعرابي إماما يقرأ : ? وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا َ? [البقرة:221] قرأها بفتح التاء ، فقال : ولا إن آمنوا أيضا - يقصد أن اللواط محرم - فقيل له : إنه يلحن وليس هكذا يقرأ ؟ فقال : أخروه قبحه الله لا تجعلوه إماما ؛ فإنه يحل ما حرم الله (154) .
قال ابن تيمية : ( فخلق كثير من الناس ينفون ألفاظا أو يثبتونها بل ينفون معاني أو يثبتونها ويكون ذلك مستلزما لأمور هي كفر ، وهم لا يعلمون بالملازمة بل يتناقضون وما أكثر تناقض الناس لاسيما في هذا الباب ، وليس التناقض كفراً ) (155) ، ثم فصل المسألة وبين أن لازم قول الإنسان نوعان :
أحدهما : لازم قوله الحق ، فهذا مما يجب عليه أن يلتزمه ، فإن لازم الحق حق ويجوز أن يضاف إليه إذا علم من حاله أنه لا يمتنع من التزامه بعد ظهوره ، وكثير مما يضيفه الناس إلى مذهب الأئمة من هذا الباب .
الثاني : لازم قوله الذي ليس بحق ، فهذا لا يجب التزامه ، إذ أكثر ما فيه أنه قد تناقض ، وقد ثبت أن التناقض واقع من كل عالم غير النبيين ، ثم إن عرف من حاله أنه يلتزمه بعد ظهوره له فقد يضاف إليه ، وإلا فلا يجوز أن يضاف إليه قول لو ظهر له فساده لم يلتزمه (156) .(33/97)
ولما كان قول الله حق وليس فيه اختلاف ظاهر أو تناقض مضمر كما قال تعالى عن كتابه العزيز : ? وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ? [فصلت:41/42] ، وكذلك لما كان قول رسوله S حق حيث قال الله في شأنه : ? وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى ? [النجم:3/4] ، فإن اللازم من كلام الله ورسوله S إذا صح أن يكون لازماً فهو حق ، وذلك لأن لازم الحق حق والله عز وجل عالم بما يكون لازما من كلامه وكلام رسوله S وأن العقلاء سيدركون ذلك بدلالة اللزوم (157) .
ومن ثم فإن في دلالة أسماء الله تعالى على ذاته وصفاته تكون بالمطابقة والتضمن واللزوم ، الاسم يدل على الذات والصفة بدلالة المطابقة ، ويدل على ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى الصفة وحدها بالتضمن ، ويدل باللزوم على أوصاف أخرى غير الوصف الذي اشتق منه ، فالرحمن يدل على ذات الله وعلى صفة الرحمة بالمطابقة ويدل على الذات وحدها بالتضمن وعلى صفة الرحمة وحدها بالتضمن ، ويدل على الحياة والعلم والقدرة التزاما ، وهذا ينطبق على جميع الأسماء الحسنى ودلالتها على الصفات (158) .(33/98)
وتجدر الإشارة إلى أن الأسماء الحسنى عند المعتزلة تدل على الذات بالمطابقة فقط لأنهم ينفون الصفات ، فالأسماء عندهم تنعدم فيها دلالة التضمن واللزوم مع كونها أدلة عقلية صحيحة تؤيد صحيح المنقول ، فما أعجب تناقضهم إذ يدعون تعظيم العقل وأنهم أهل التوحيد والعدل ، وهم أبعد الناس عن صريح المعقول ، ومن ثم لا بد أن ننبه على خطأ غير مقصود ذكره الشيخ حافظ حكمي رحمه الله ، وتناقله كثير من الدعاة دون تحقق في فهم دلالة الأسماء على الصفات حيث قال رحمه الله : ( فدلالة اسمه تعالي الرحمن على ذاته عز وجل مطابقة ، وعلى صفة الرحمة تضمنا ، وعلى الحياة وغيرها التزاما ، وهكذا سائر أسمائه تبارك وتعالى ) (159) ، فقوله بأن الرحمن يدل على ذات الله بالمطابقة هو في حقيقته مذهب المعتزلة ، والصواب أنه يدل على الذات بالتضمن وعلى الرحمة بالتضمن وعليهما معا بالمطابقة ، والشيخ لا يقصد مذهب المعتزلة لأنه أثبت الصفات وهم ينفونها فتنبه .
وسوف نتناول في الباب القادم إن شاء الله تفصيل أنواع الدلالات لكل اسم من الأسماء الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة على حده ، ونجمع ما ورد فيه من النصوص التي تدل على إثبات الوصف ودلالة الاسم عليه .
الباب الثاني
الأسماء الحسنى ودلالتها التفصيلية على الصفات الإلهية
*****************************
1- ( ( الرحمن :(33/99)
اسم الله الرحمن يدل على ذات الله وعلى صفة الرحمة العامة بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بدلالة التضمن ، وعلى صفة الرحمة وحدها بالتضمن ، قال تعالى مبينا اتصافه بالرحمة العامة : ? وَرَبُّكَ الغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ العَذَابَ بَل لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً ? [الكهف:58] ، فالرحمة في الآية صفة لا تقوم بنفسها ولكنها تقوم بالموصوف المسمى الرحمن الرحيم ، غير أن دلالة الرحمن على هذه الرحمة العامة أقرب ؛ وذلك لعمومها في الناس أجمعين ؛ وقد ذكر الله تعالى أنه بسببها أخر العذاب عن الكافرين ، ولو كانت رحمة خاصة لأهلكهم أجمعين .
ومن الأدلة على تضمن اسم الله الرحمن للرحمة العامة قوله تعالى : ? قُل مَنْ يَكْلؤُكُمْ بِالليْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَل هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ ? [الأنبياء:42] ، ومعنى يكلؤكم أي يحرسكم ويحفظكم فلا يحتاج الناس إلى حافظ يحفظهم من الرحمن ذي الرحمة الواسعة (160) ، قال البيضاوي : ( وفي لفظ الرحمن تنبيه على أن لا كالئ غير رحمته العامة ) (161) ، وقال تعالى أيضا في دلالة اسم الله الرحمن على الرحمة العامة : ? الرحمنُ علمَ القرآنَ خلقَ الإنسانَ علمَه البَيان ? [الرحمن:1/3] ، فخلق الإنسان وتعليمه البيان من قبل الرحمن يدل على أن ذلك من الرحمة العامة لأن لفظ الإنسان يتناول الجنس .(33/100)
ومن الرحمة العامة التي دل عليها اسمه الرحمن قوله تعالى : ? وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ الليْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلكُمْ تَشْكُرُونَ ? [القصص:73] ، فالليل والنهار من رحمته وينتفع بهما جميع المكلفين ، إمهالا وابتلاء من رب العالمين ، ومن ثم تتحقق فيهم مشيئته ، وتتجلى فيهم حكمته ، وتستقيم الشرائع والأحكام ويتميز الحلال من الحرام ، قال تعالى : ? وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ الله أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ ? [يونس:21] ، وفي المسند أيضا وصححه الألباني من حديث عبد الرحمن بن عوف ( أن النبي S قال : ( قَالَ الله عَزَّ وَجَل : أَنَا الرَّحْمَنُ خَلَقْتُ الرَّحِمَ ، وَشَقَقْتُ لَهَا مِنِ اسْمِي اسْماً ، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلتُهُ ، وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتُّهُ ) (162) ، والخطاب في الحديث عام لجميع المكلفين ، وعند البخاري من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( جَعَلَ الله الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا ، وَأَنْزَلَ في الأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا ، فَمِنْ ذَلِكَ الجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الخَلقُ حَتَّى تَرْفَعَ الفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ ) (163) .(33/101)
واسم الله الرحمن يدل باللزوم على الحياة والقيومية والغنى والأحدية والعزة والصمدية والعلم والحكمة وكل ما يلزم للرحمة المطلقة العامة ، لأنه لا يتصور وجود الرحمة من ميت ، أو زوال قدرته عليها ، أو تناقصها وانعدام القيومية فيها ، ولا يتصور أيضا من يمنح الرحمة وهو مفتقر إلى غيره وليس غنيا بذاته في قيام رحمته وعزته وقدرته وقوته ، فلا بد لرحمته إذا من صمديته وسيادته ، وأحديته وكماله في جميع الأوصاف ، والاسم دل على صفة من صفات الفعل لأن الرحمة التي تضمنها تتعلق بمشيئته ، كما أن بقاء المخلوقات في الدنيا على معنى الابتلاء صادر عنها وعن مقتضى حكمته ، ولو شاء الله بقدرته وعزته لأذهب هذا الخلق وأوجد خلقا جديدا ، لكن الرحمة العامة لحقت الناس أجمعين ، فبها خلقهم ورزقهم وجعلهم ينعمون وهم في الدنيا مخيرون مبتلون ، وكل ذلك إلى حين ، ومن ثم فإن الرحمن اسم يدل على صفة الرحمة ، ورحمة الله للخلائق عامة من وجه ، وخاصة من وجه آخر ، بحسب الوقت المناسب لكل موجود في الكون وعلته ، وإظهار حكمة الله في أدائه لغايته .
2- ( ( الرحيم :(33/102)
اسم الله الرحيم من جهة العلمية يدل على ذات الله ، ومن جهة الوصفية يدل على صفة الرحمة الخاصة ، فدلالته على الذات والصفة معا مطابقة ، ودلالته على ذات الله وحدها تضمن ، وعلى الصفة وحدها تضمن ، قال تعالى : ? يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنصَرُونَ إِلا مَن رَّحِمَ اللهُ إِنَّهُ هُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ ? [الدخان:38/42] ، فالآية ورد فيها الاسم ودلالته على الوصف ، وهذه رحمة خاصة بالمؤمنين تضمنها اسمه الرحيم ، وقالت امرأة العزيز بعد توبتها : ? وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ? [يوسف:53] ، فالآية اشتملت على الاسم والوصف معا ، وقال سبحانه وتعالى : ? وَإِذَا جَاءَكَ الذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنَا فَقُل سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ? [الأنعام:54] ، ووجه الدلالة في أن الرحيم هو المتصف بالرحمة الخاصة أن الله عز وجل كتب على نفسه الرحمة لأنه الغفور الرحيم ، ولا تلحق هذه الرحمة كما ورد في الآية إلا المؤمنين التائبين المصلحين ، ومن الأدلة التي تتضمن الاسم ودلالته على الوصف معا قوله تعالى : ? يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ? [الحديد:28] ، وقال تعالى عن نبيه نوح ( ومن ركب معه السفينة : ? وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ? [هود:41] ، ومعلوم أن من ركب السفينة هم أهل التوحيد والإيمان ، وقال تعالى عن رحمته التي شملت أهل الجنان : ?(33/103)
لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ ? [يس:57/58] ، والأدلة في ذلك كثيرة وتتبعها في القرآن والسنة يطول ، فالرحيم ورد في أغلب النصوص على أنه المتصف بالرحمة الخاصة ، والاسم يدل باللزوم على ما دل عليه اسمه الرحمن ، ويدل أيضا على الأوصاف المتعلقة بالرحمة الخاصة لأن رحمة الله للمؤمنين تدل على اتصافه باللطف والحلم والرأفة ، والكرم والإحسان والود ، والمنة والعفو والرفق ، وكل ما يرافق الرحمة الخاصة التي يرحم الله بها أهل طاعته ، واسم الله الرحيم دل على صفة من صفات الأفعال لأنها تتعلق بمشيئته .
وتجدر الإشارة إلى أن اسمي الله الرحمن الرحيم يجتمعان في المعنى من جهة تعلقهما بالمشيئة ، ويفترقان من جهة تعلقهما بالحكمة ، فالرحمن دل على الرحمة العامة والرحيم دل على الخاصة ، فمن الوجه الأول ورد الجمع بينهما في حديث أنس بن مالك ( الذي رواه الطبراني وحسنه الألباني أن رسول الله S قال لمعاذ ( : ( ألا أعَلمُك دُعاء تَدعو به لو كَان عليكَ مثل جبلِ أحدٍ دَيْنا لأدَّاه الله عنْكَ ، قل يا معاذ : اللهمَّ مَالِكَ المُلكِ ، تُؤْتِي المُلكَ مَنْ تَشَاءُ ، وَتَنْزِعُ المُلكَ مِمَّنْ تَشَاءُ ، وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ ، وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، رَحمَن الدُنيا والآخِرَة ورَحيمَهما ، تُعْطيهُما مَن تَشاء وتمنَعُ مِنْهما مَنْ تَشاء ، ارحمني رَحمة تُغْنِيني بها عَن رَحمةِ مَنْ سِوَاك ) (164) ، فلما ذكر النبي S تعلق الرحمة بالمشيئة جمع بين الاسمين في المعنى ، أما الوجه الثاني في تعلق الاسمين بالحكمة ؛ فإن حكمة الله اقتضت أن تكون الدنيا قائمة على معنى الابتلاء ويناسبها الرحمة العامة ، و أن تكون الآخرة قائمة على معنى الجزاء ويناسبها الرحمة الخاصة ، والأدلة السابقة كافية في إظهار الفرق بينهما .
3- ( ( الملك :(33/104)
الملك اسم يدل على ذات الله وعلى صفة الملك بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى الصفة وحدها بالتضمن ، فالملك من بيده الملك المطلق التام الذي لا يشاركه أحد فيه ، قال تعالى : ? تَبَارَكَ الذِي بِيَدِهِ المُلك وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ? [الملك:1] ، وقال سبحانه : ? الذِي لَهُ مُلكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي المُلكِ ? [الفرقان:2] ، وقال أيضا : ? ذَلِكُمُ الله رَبُّكُمْ لَهُ المُلكُ وَالذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِير ٍ? [فاطر:13] ، واسم الله الملك يدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والعلو والأحدية ، والسيادة والصمدية ، والعلم والمشيئة والقدرة والسمع والبصر والقوة ، والعدل والحكمة والعظمة ، فلا يتصور ملك دائم له الملك التام المطلق بغير هذه الصفات وغير ذلك من صفات الكمال ، فالملك الحق هو الذي يستغني بذاته وصفاته عن كل ما سواه ، ويفتقر إليه كل موجود سواه .
ومن أهم القضايا المتعلقة بدلالة اللزوم إثبات علو الملك وفوقيته واستوائه على عرشه ، وإذا كان كل ملك في الدنيا يلزمه لإثبات ملكه أن يستوي على عرشه مع دوام فوقيته وعلوه ، فالملك الخالق أولى بالكمال من المخلوق ؛ لاسيما أن الله أثبت ذلك لنفسه فقال : ? الرَّحْمَنُ عَلى العَرْشِ اسْتَوَى ? [طه:5] ، فإثبات استواء الله على عرشه من لوازم توحيده في اسمه الملك ، ولذلك قال تعالي : ? فَتَعَالى اللهُ المَلكُ الحَقُّ لا إِلهَ إِلا هُوَ رَبُّ العَرْشِ الكَرِيم ِ? [المؤمنون :116] ، واسم الله الملك دل على صفة من صفات الذات .
4- ( ( القدوس :(33/105)
اسم الله القدوس يدل على ذات الله وعلى صفة القدسية كوصف ذات والتقديس كوصف فعل بدلالة المطابقة ، فالله عز وجل مقدس في ذاته منزه عن كل نقص وعيب لأنه متصف بكل أنواع الكمال ، وهو المستحق للتقديس والعظمة والجلال ولذلك قالت الملائكة : ? وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ? [البقرة:30] .
وهو سبحانه أيضا يقدس من شاء من خلقه وفق مراده وحكمه ، فالتقديس وصف فعله كما ورد في حديث ابن مسعود ( أن النبي S قال : ( إِنَّ الله عَزَّ وَجَل لاَ يُقَدِّسُ أُمَّةً لاَ يُؤْخَذُ لِلضَّعِيفِ فِيهِمْ حَقُّهُ ) (165) ، وفي رواية أبي سفيان بن الحارث ( : ( إِنَّ الله لاَ يُقَدِّسُ أُمَّةً لاَ يَأْخُذُ الضَّعِيفُ حَقَّهُ مِنَ القَوِىِّ وَهُوَ غَيْرُ مُتَعْتَعٍ ) (166) ، وعند ابن ماجة وصححه الألباني من حديث جابر بن عبد الله ( أن النبي S قال : ( كَيْفَ يُقَدِّسُ الله أُمَّةً لاَ يُؤْخَذُ لِضَعِيفِهِمْ مِنْ شَدِيدِهِمْ ) (167) .
واسم الله القدوس يدل على ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى الصفة وحدها بالتضمن وعليهما معا بالمطابقة ، ويدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والعلو والأحدية والغني والصمدية ، والملك والفوقية ، وكل ما يلزم لمعنى القدسية ونفي الشبيه والمثلية فلا بد لمن تزه عن كل نقص وعيب من الغنى بالنفس وعلو الشأن في كل اسم ووصف ، واسم الله القدوس دل على صفة من صفات الذات والأفعال.
5- ( ( السلام :(33/106)
هذا الاسم يدل على ذات الله وعلى صفة السلامة كوصف ذات والتسليم كوصف فعل بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى الصفة وحدها بالتضمن ، فالسلامة وصف ذاته لسلامته من النقائص والعيوب ، ووصف فعله لأنه سلم من شاء من خلقه على مقتضى حكمته وأمره ، فهو جل شأنه السلام ومنه السلام ، روى مسلم من حديث ثوبان ( مرفوعا : ( اللهُمَّ أَنْتَ السَّلاَمُ وَمِنْكَ السَّلاَمُ تَبَارَكْتَ ذَا الجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ ) (168) ، وهو الذي سلم أهل الجنة من كل ما ينغص عيشهم أو يكدر صفوهم ، وجعل السلام أيضا من قوله لهم ، قال تعالى : ? لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ? [الأنعام:127] ، وقال سبحانه : ? سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ ? [يس:58] ، واسم الله السلام يدل باللزوم على الحياة والقيومية والعزة والقدسية ، والغني والصمدية ، والحكمة والأحدية ، وغير ذلك من صفات الكمال ، واسم الله السلام دل على صفة من صفات الذات والأفعال .
6- ( ( المؤمن :(33/107)
اسم الله المؤمن يدل على ذات الله وعلى صفة الصدق كوصف ذات ، والتصديق كوصف فعل بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى الصفة وحدها كذلك ، أما دلالته على ذات الله فلأن الأسماء كلها أعلام ، وأما دلالته على الصدق كوصف ذات فلقوله : ? قُل صَدَقَ الله ? [آل عمران:95] ، وقوله تعالى : ? وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ الله حَدِيثاً ? [النساء:87] ، ولاستحالة اتصافه بالمقابل ، قال تعالى : ? لَقَدْ صَدَقَ الله رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالحَقِّ ? [الفتح:27] ، وقال : ? وَلَمَّا رَأى المُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا الله وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ الله وَرَسُولُهُ ? [الأحزاب:22] ، وقال أهل الجنة : ? الحَمْدُ لِلهِ الذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ ? [الزمر:74] ، وعند البخاري من حديث أبي سعيد الخدري ( أن رجلا أتي النبي S فقال : ( أخي يَشْتَكِى بَطْنَهُ ، فَقَالَ : اسْقِهِ عَسَلاً ، ثُمَّ أَتَى الثَّانِيَةَ فَقَالَ : اسْقِهِ عَسَلاً ، ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ : فَعَلتُ ، فقال : صَدَقَ الله وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ ، اسْقِهِ عَسَلاً ) (169) ، وعند البخاري من حديث ابن عمر ( أن رسول الله S قال : ( صَدَقَ الله وَعْدَهُ ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ ) (170) .(33/108)
وأما دلالة اسم الله المؤمن على التصديق كوصف فعل فكما ورد عند البخاري من حديث أبي هريرة ( مرفوعا فقالوا : ( يَا رَسُولَ الله صَدَّقَ الله حَدِيثَكَ ) (171) ، وعند مسلم من حديث عمر ( أنه قال : ( .. وَقَلمَا تَكَلمْتُ وَأَحْمَدُ الله بِكَلاَمٍ إِلاَّ رَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ الله يُصَدِّقُ قَوْلِي الذِي أَقُولُ ) (172) ، وعند الترمذي وصححه الألباني من حديث أبي هريرة ( أن النبي S قال : ( مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَالله أَكْبَرُ ، صَدَّقَهُ رَبُّهُ فَقَالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا وَأَنَا أَكْبَرُ ) (173) ، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث بريدة بن الحصيب ( أنه قال : ( خَطَبَنَا رَسُولُ الله S ، فَأَقْبَلَ الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَعْثُرَانِ وَيَقُومَانِ ، فَنَزَلَ فَأَخَذَهُمَا فَصَعِدَ بِهِمَا المِنْبَرَ ثُمَّ قَالَ : صَدَقَ الله : ? إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ ? ، رَأَيْتُ هَذَيْنِ فَلَمْ أَصْبِرْ ، ثُمَّ أَخَذَ فِى الخُطْبَة ) ِ(174) .
واسم الله المؤمن يدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والسمع والبصر والعلم والعدل والحكمة ، والعظمة والقوة ، والقدرة والعزة ، والسيادة والرحمة على اعتبار أن هذه الأوصاف لازمة للمؤمن الذي يصدق في قوله وفعله ، والذي يصدق مع عباده المؤمنين في وعده ، ويصدق ظن عباده الموحدين ولا يخيب آمالهم ، والذي أمَّنَ الناس ألا يظلم أحد من خلقه ، وأمَّن من آمن به من عذابه .
7- ( ( المهيمن :(33/109)
اسم الله المهيمن يدل على ذات الله وعلى صفة الهيمنة بدلالة المطابقة ، وعلى كل منهما بالتضمن ، والهيمنة كما تقدم في شرح المعنى تعني الإحاطة والحفظ والعلو مع العلم والقدرة والقهر ، ولم يرد وصف الهيمنة نصا ، وإنما تضمنه الاسم لأن أسماء الله أعلام وأوصاف ، والهيمنة وردت نصا في وصف القرآن الكريم وعلو شأنه على ما سبق من الكتب ، قال تعالى : ? وَأَنْزَلنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ ? [المائدة:48] ، أما من جهة المعنى الذي دل عليه الاسم فالنصوص كثيرة في إثبات الإحاطة والحفظ والعلو والقهر وغير ذلك مما سيأتي في موضعه .
واسم الله المهيمن يدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والسمع والبصر والقدرة والصمدية ، والكبرياء والعظمة ، والغنى والعزة ، والعلم والحكمة ، وكل ما يلزم لمعني الهيمنة المطلقة ، واسم الله المهيمن دل على صفة من صفات الذات والفعل معا ، أما دلالتها على صفة الذات فلاستحالة وصف الله بمقابلها ، وأما دلالتها على صفة الفعل فلتعلق بعض المعنى الذي يشمله الوصف بالمشيئة من الحفظ الخاص والاستواء والقهر لمن شاء وغير ذلك من صفات الأفعال .
8- ( ( العزيز :(33/110)
الاسم يدل على ذات الله وعلى صفة العزة بدلالة المطابقة ، وعلى أحدهما بالتضمن فالله عز وجل له العزة كوصف ذات ، والإعزاز كوصف فعل ، أما صفة الذات فلأنها صفة قائمة به يستحيل وصفه بضدها ، قال تعالى في وصف المنافقين : ? يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَل وَلِلهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ المُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ ? [المنافقون:8] ، وقال : ? مَنْ كَانَ يُرِيدُ العِزَّةَ فَلِلهِ العِزَّةُ جَمِيعاً ? [فاطر:10] ، وقال سبحانه : ? سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ? [الصافات:180] ، وعند مسلم من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( العِزُّ إِزَارُهُ ، وَالكِبْرِيَاءُ رِدَاؤُهُ ، فَمَنْ يُنَازِعُنِي عَذَّبْتُهُ ) ِ(175) ، وعند البخاري من حديث أنس بن مالك ( أن النبي S قال : ( لاَ تَزَالُ جَهَنَّمُ تَقُولُ هَل مِنْ مَزِيدٍ حَتَّى يَضَعَ رَبُّ العِزَّةِ فِيهَا قَدَمَهُ ، فَتَقُولُ : قَطْ قَطْ وَعِزَّتِكَ ) ِ(176) ، وعنده أيضا من حديث أنس ( قال : ( وَدَنَا الجَبَّارُ رَبُّ العِزَّةِ فَتَدَلى حَتَّى كَانَ مِنْهُ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ) ِ(177) .(33/111)
وروى النسائي وصححه الألباني من حديث عبد الله بن مسعود ( أن النبي S قال : ( يَجِيءُ الرَّجُلُ آخِذًا بِيَدِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ : يَا رَبِّ هَذَا قتلني ، فَيَقُولُ الله لَهُ : لِمَ قَتَلتَهُ ؟ فَيَقُولُ : قَتَلتُهُ لِتَكُونَ العِزَّة لَكَ ، فَيَقُولُ : فَإِنَّهَا لي ، ويجيء الرَّجُلُ آخِذًا بِيَدِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ إِنَّ هَذَا قتلني ، فَيَقُولُ الله لَهُ : لِمَ قَتَلتَهُ ؟ فَيَقُولُ : لِتَكُونَ العِزَّةُ لِفُلاَنٍ ، فَيَقُولُ : إِنَّهَا لَيْسَتْ لِفُلاَنٍ فَيَبُوءُ بِإِثْمِهِ ) ِ(178) وفي رواية : ( يجيء المقتول آخذا قاتله وأوداجه تشخب دما عند ذي العزة ، فيقول : يا رب سل هذا فيم قتلني ؟ فيقول : فيم قتلته ؟ قال : قتلته لتكون العزة لفلان ، قيل : هي لله ) ِ(179) .
وأما الإعزاز كوصف الفعل فالله عز وجل يمنحها لمن شاء من خلقه كما قال سبحانه : ? قُلِ اللهمَّ مَالِكَ المُلكِ تُؤْتِي المُلكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ المُلكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ? [آل عمران:26] ، وعند مسلم من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ الله عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلهِ إِلاَّ رَفَعَهُ الله ) (180) ، وعند الترمذي وصححه الألباني من حديث ابن عمر ( أن رسول الله S قال : ( اللهمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ بِأَحَبِّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ بأبي جَهْلٍ أَوْ بِعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ ) (181) ، واسم الله العزيز يدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والعلم القدرة والأحدية ، والسيادة والحكمة والصمدية ، والكبرياء والعظمة والقدسية ، وغير ذلك من صفات الكمال .
9- ( ( الجبار :(33/112)
اسم الله الجبار يدل على ذات الله وعلى صفة الجبروت بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى صفة الجبروت بدلالة التضمن ، فالجبار هو المتصف بالجبروت والعظمة كوصف ذات ، والإجبار كوصف فعل بمعنى الإصلاح أو قهر الخلائق على مشيئته ، فمن الأول ما رواه أبو داود وصححه الألباني من حديث عوف بن مالك ( أن النبي S كان يقول في ركوعه : ( سُبْحَانَ ذي الجَبَرُوتِ وَالمَلَكُوتِ وَالكِبْرِيَاءِ وَالعَظَمَةِ ) (182) ، ومن الثاني ما ورد عند الترمذي وصححه الألباني من حديث ابن عباس ( أن النبي S كان يقول بين السجدتين : ( اللهمَّ اغْفِرْ لي وَارْحَمْنِي وَاجْبُرْنِي وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي ) (183) ، واسم الله الجبار يدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والسمع والبصر والعزة ، والغنى والقوة والعظمة ، والملك والهيمنة والقدرة وعلو الشأن والقهر والفوقية ، وغير ذلك من صفات الكمال ، واسم الله الجبار دل على صفة من صفات الذات والأفعال .
10- ( ( المتكبر :(33/113)
الاسم يدل على ذات الله وعلى صفة الكبرياء بدلالة المطابقة ، وعلى أحدهما بالتضمن ، قال تعالى : ? وَلَهُ الكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ? [الجاثية:37] ، وعند البخاري من حديث عبد الله بن قَيْسٍ عن أبيه ( أن النبي S قال : ( وَمَا بَيْنَ القَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلاَّ رِدَاءُ الكِبْرِ عَلَى وَجْهِهِ في جَنَّةِ عَدْنٍ ) (184) ، وفي رواية مسلم ( إِلاَّ رِدَاءُ الكِبْرِيَاءِ ) (185) ، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( قَالَ الله عَزَّ وَجَل : الكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالعَظَمَةُ إِزَارِي ، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ في النَّارِ ) (186) ، وقد تقدم في اسم الله الجبار حديث عوف بن مالك ( مرفوعا : ( سُبْحَانَ ذي الجَبَرُوتِ وَالمَلَكُوتِ وَالكِبْرِيَاءِ وَالعَظَمَةِ ) (187) ، فالمتكبر سبحانه من له الكبرياء المطلق فوق كل شيء ، قال تعالى : ? قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ ? [الأعراف:13] ، واسم الله المتكبر يدل باللزوم على الحياة والقيومية والقدرة والصمدية ، والجبروت والعزة ، والهيمنة والحكمة ، وغير ذلك من صفات الكمال ، والاسم دل على صفة من صفات الذات والأفعال .
11- ( ( الخالق :(33/114)
اسم الله الخالق يدل على ذات الله وعلى صفة الخالقية بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى الصفة وحدها بالتضمن ، قال تعالى : ? قَالَ كَذَلِكِ الله يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ? [آل عمران:47] ، وقال : ? لِلهِ مُلكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ ? [الشورى:49] ، وقال : ? وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ? [القصص:68] ، واسم الله الخالق يدل باللزوم على الحياة والقيومية والسمع والبصر والعلم ، والمشيئة والحكمة والقدرة ، والغنى والقوة والعزة وغير ذلك من الصفات الذاتية والفعلية ، ولما وصف الله نفسه بالخالقية فقال : ? الله الذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأمْرُ بَيْنَهُنَّ ? ، قال بعدها : ? لِتَعْلَمُوا أَنَّ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ الله قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلماً ? [الطلاق:12] ، واسم الله الخالق دل على صفة من صفات الأفعال .
12- ( ( البارئ :
الاسم يدل بالمطابقة على ذات الله وعلى البراءة من العيب كوصف ذات والإبراء للخلق كوصف فعل ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى الصفة وحدها بالتضمن ، فالبارئ إذا كان تقدير فعله برء يَبْرَأ كفعل لازم ؛ فالله عز وجل هو البارئ من كل نقص ، المتصف بالجلال والكمال ، وإذا كان تقدير فعله أبرأ كفعل متعد فهو وصف فعل ، به قدَّر الأحداث ، وفصل الأجناس ، وتميز الناس ، قال تعالى :(33/115)
? مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى الله يَسِيرٌ ? [الحديد:22] ، وقال سبحانه : ? يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ الله وَجِيهاً ? [الأحزاب:69] ، وعند البخاري من حديث أَبِى جحيفة ( قال : ( قُلتُ لِعَلِىٍّ ( : هَل عِنْدَكُمْ شَيءٌ مِنَ الوَحْي إِلاَّ مَا فِي كِتَابِ الله ؟ قَالَ : وَالذِي فَلَقَ الحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ .. الحديث ) (188) ، فالله عز وجل تسمي بالبارئ وموصوف بإحداث البرايا ، والاسم يدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والعلم والقدرة ، والغنى والقوة ، والإتقان والخبرة ، وغير ذلك من صفات الكمال ، واسم الله البارئ دل على صفة من صفات الذات والأفعال .
13- ( ( المصور :
اسم الله المصور يدل على ذات الله وعلى صفة التصوير بدلالة المطابقة ، وعلى أحدهما بالتضمن ، قال تعالى : ? الله الذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَاراً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ? [غافر:64] ، وقال سبحانه : ? هُوَ الذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ ? [آل عمران:6] ، وقال أيضا : ? وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلنَا لِلمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ ? [الأعراف:11] ، وقال تعالى : ? يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ? [الانفطار:6/8] .(33/116)
وعند مسلم من حديث أنس ( أن رسول الله S قال : ( لَمَّا صَوَّرَ الله آدَمَ في الجَنَّةِ تَرَكَهُ مَا شَاءَ الله أَنْ يَتْرُكَهُ ، فَجَعَلَ إِبْلِيسُ يُطِيفُ بِهِ يَنْظُرُ مَا هُوَ ؟ فَلَمَّا رَآهُ أَجْوَفَ عَرَفَ أَنَّهُ خُلِقَ خَلقًا لاَ يَتَمَالَكُ ) (189) ، وعند مسلم أيضا من حديث على ( أن النبي S كان يقول في سجوده : ( اللهمَّ لَكَ سَجَدْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ سَجَدَ وَجْهِي للذي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ ، تَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخَالِقِينَ ) (190) ، وعند البخاري من حديث أنس ( أن النبي S قال : ( مَا رَأَيْتُ في الخَيْرِ وَالشَّرِّ كَاليَوْمِ قَطُّ ، إِنَّهُ صُوِّرَتْ لي الجَنَّةُ وَالنَّارُ حَتَّى رَأَيْتُهُمَا دُونَ الحَائِطِ ) (191) ، واسم الله المصور يدل باللزوم على ما دل عليه اسمه الخالق البارئ من صفات الكمال ، وقد دل على صفة من صفات الأفعال .
14- ( ( الأول :(33/117)
اسم الله الأول يدل على ذات الله وعلى صفة الأولية المطلقة بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى الصفة وحدها بالتضمن ، ووصف الأولية وصف ذاتي يدل على مطلق القبلية ، وعلو الشأن والفوقية ، وعند مسلم من حديث أَبِى هريرة ( أن النبي S قال : ( اللهُمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ فَليْسَ قَبْلكَ شيء ) (192) ، كما أن الأولية في الأشياء مرجعيتها إلي الله خلقا وإيجادا وعطاء وإمدادا ، قال تعالى : ? إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلعَالَمِينَ ? [آل عمران:96] ، وقال : ? كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً علينَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ? [الأنبياء:104] ، وقال : ? قُل يُحْيِيهَا الذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلقٍ عَلِيمٌ ? [يس:79] ، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث عبادة ( أن رسول الله S قال : ( إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ الله القَلَمَ ، فَقَالَ لَهُ : اكْتُبْ قَالَ : رَبِّ وَمَاذَا أَكْتُبُ ؟ قَالَ : اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ) (193) ، واسم الله الأول يدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والسمع والبصر والعلم ، والمشيئة والقدرة والعلو والغني والعظمة وغير ذلك من صفات الكمال ، واسم الله الأول دل على صفة من صفات الذات .
15- ( ( الآخر :(33/118)
اسم الله الآخر يدل على ذات الله وصفة الآخرية والبقاء بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى الصفة وحدها بالتضمن ، وعند مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعا : ( وَأَنْتَ الآخِرُ فَليْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ ) (194) ، وقد تقدمت الأدلة عند شرح الاسم على بقاء الحق بقاء ذاتيا ، وأن ما سواه باق بإبقائه إن شاء أبقاه وإن شاء أفناه ، فبقاء المخلوقات في الآخرة لا لذاتها ولكن بعطاء من الله لإكرام أهل طاعته وإنفاذ عدله في أهل معصيته ، ومن ثم فإن الله عز وجل هو الأخر الموصوف بالآخرية المطلقة ، واسم الله الآخر يدل باللزوم على ما دل عليه اسمه الأول ، والاسم أيضا من صفات الذات .
16- ( ( الظاهر :
الاسم يدل على ذات الله وعلى الظهور والعلو كوصف ذات والإظهار كوصف فعل بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بدلالة التضمن ، وعلى الصفة وحدها بالتضمن ، فالظهور الذاتي واضح في علو الشأن والقهر والفوقية ، وأما الإظهار كوصف فعل ؛ فالله يظهر ما يشاء في خلقه وفق حكمته وأمره ، ولذلك قال سبحانه وتعالى : ? هُوَ الذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ ? [التوبة:33] ، وقال تعالى : ? عَالِمُ الغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً من إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلفِهِ رَصَداً ? [الجن:26/27] ، واسم الله الظاهر يدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والسمع والبصر ، والعلم والقدرة ، والغني والقوة ، والعزة والعظمة ، والعلو والإحاطة وغير ذلك من صفات الكمال ، واسم الله الظاهر دل على صفة من صفات الذات والأفعال .
17- ( ( الباطن :(33/119)
اسم الله الباطن يدل على ذات الله وعلى صفة البطون بدلالة المطابقة ، وعلى أحدهما بالتضمن ، وفي الحديث : ( وَأَنْتَ البَاطِنُ فَليْسَ دُونَكَ شيء ) (195) ، وصفة البطون تشمل العلم والإحاطة والهيمنة ، وتشمل عظمة الذات وجلالها من وراء الحجاب وتقليب الأسباب على مقتضى الحكمة في ابتلاء العباد ؛ فالله عز وجل هو الباطن الذي أحاط بهم من كل الوجوه ، قال تعالى : ? وَالله مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ ? [البروج:20] ، وعند مسلم من حديث أبي موسى ( أن النبي S قال : ( حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلقِهِ ) (196) ، واسم الله الباطن يدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والجلال والقدسية وجمال الذات والصفات الإلهية وغير ذلك من صفات الكمال ، والاسم دل على صفة ذات وفعل ، أما دلالتها على صفة الذات فلكمال الله وجلاله حيث ينقطع دونه كل كمال ، وأما دلالتها على صفة الفعل فلاحتجاب الحق عمن شاء من الخلق على مقتضي علمه وحكمته ، فلو شاء قوى أبصار الناظرين على رؤيته ، وقد وعد المؤمنين بالزيادة في جنته .
18- ( ( السميع :(33/120)
اسم الله السميع يدل على ذات الله وعلى صفة السمع بدلالة المطابقة ، وعلى أحدهما بالتضمن ؛ فالسميع هو الذي يسمع بوصف ذاته ، ويسمع من شاء من خلقه بوصف فعله ، أما وصف الذات فكقوله تعالى : ? قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ التِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى الله وَالله يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ ? [المجادلة:1] ، وقد اشتملت الآية على الاسم ودلالته على الوصف ، وقال تعالى : ? لَقَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الذِينَ قَالُوا إِنَّ الله فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا ? [آل عمران:181] ، وقال : ? أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ? [الزخرف:80] .(33/121)
وعند البخاري من حديث عبد الله بن مسعود ( قَالَ : ( اجْتَمَعَ عِنْدَ البَيْتِ قُرَشِيَّانِ وَثَقَفِيٌ ، أَوْ ثَقَفِيَّانِ وَقُرَشِيٌ ، كَثِيرَةٌ شَحْمُ بُطُونِهِمْ ، قَلِيلَة فِقْهُ قلُوبِهِمْ ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ : أَتُرَوْنَ أَنَّ الله يَسْمَعُ مَا نَقُولُ ؟ قَالَ الآخَرُ : يَسْمَعُ إِنْ جَهَرْنَا وَلاَ يَسْمَعُ إِنْ أَخْفَيْنَا ، وَقَالَ الآخَرُ : إِنْ كَانَ يَسْمَعُ إِذَا جَهَرْنَا فَإِنَّهُ يَسْمَعُ إِذَا أَخْفَيْنَا ، فَأَنْزَلَ الله عَزَّ وَجَل : ? وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ الله لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ ? [فصلت:22] ) (197) ، وأما الإسماع فوصف فعله لتعلقه بالمشيئته كما ورد ذلك في قول الله تعالى : ? وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ إِنَّ الله يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي القُبُور ِ? [فاطر:22] ، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S كان يقول : ( اللهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الأَرْبَعِ ، مِنْ عِلمٍ لاَ يَنْفَعُ وَمِنْ قَلبٍ لاَ يَخْشَعُ ، وَمِنْ نَفْسٍ لاَ تَشْبَعُ ، وَمِنْ دُعَاءٍ لاَ يُسْمَعُ ) (198) .(33/122)
واسم الله السميع يدل باللزوم على الحياة والقيومية فالميت لا يسمع ، وضعيف السمع يفتقر إلى آلة تضخم الصوت ، ولذلك قال تعالى : ? إِنَّكَ لا تُسْمِعُ المَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلوْا مُدْبِرِينَ ? [النمل:80] ، وقال مخاطبا المشركين في عبادتهم الموتى من الصالحين : ? إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ القِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ? [فاطر:14] ، وقال إبراهيم ( : ? يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً ? [مريم:42] ، ويدل الاسم أيضا على كمال الذات والصفات الإلهية .
19- ( ( البصير :
الاسم يدل على ذات الله وعلى صفة العين والإبصار بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى الصفة وحدها بالتضمن ، أما دلالة البصير على الصفة الذاتية ، فقد روى البخاري من حديث عبد الله بن عمر ( أن النبي S ذكر الدجال فقال : ? إِنِّي لأُنْذِرُكُمُوهُ ، وَمَا مِنْ نبي إِلاَّ أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ ، لَقَدْ أَنْذَرَ نُوحٌ قَوْمَهُ وَلَكِنِّى أَقُولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلاً لَمْ يَقُلهُ نبي لِقَوْمِهِ ، تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَعْوَرُ وَأَنَّ الله لَيْسَ بِأَعْوَرَ ) (199) ، وفي رواية مسلم : ( إِنَّ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَيْسَ بِأَعْوَرَ أَلاَ إِنَّ المَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ عَيْنِ اليُمْنَى ، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ ) (200) ، وصفة العين صفة ذاتية حقيقية نؤمن بها تصديقا لخبر الله ولا نسأل عن الكيفية ؛ لأننا ما رأينا الله ، وما رأينا لعينه مثيلا ، فالله عز وجل له عينان حقيقيتان تليق بذاته سبحانه ، وقال تعالى لموسى وهارون عليهما السلام : ? قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ? [طه:46] .(33/123)
وأما الإبصار كوصف فعل فالله عز وجل ينظر إلى بعض خلقه دون بعض ، رحمة ورأفة ، وتنعيما وقربة فهو من باب الخصوص ، قال تعالى عن أعدائه : ? إِنَّ الذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ الله وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ الله وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ? [آل عمران:77] ، وعند البخاري من حديث أبي هريرة ( أن النبي S قال : ( ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ الله يَوْمَ القِيَامَةِ ، وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ .. الحديث ) (201) ، واسم الله البصير يدل باللزوم على ما دل عليه اسمه السميع .
20- ( ( المولى :
اسم الله المولى يدل على ذات الله وعلى صفة الولاية بدلالة المطابقة ، وعلى أحدهما بالتضمن ، والفرق بين دلالة الولي والمولى أن الولي دل في أغلب النصوص على الولاية العامة ، والمولى دل على الولاية الخاصة كما في قوله : ? ذَلِكَ بِأَنَّ الله مَوْلَى الذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ ? [محمد:11] ، فالولاية التي دل عليها اسمه المولى تكون لبعض خلقه دون بعض ، قال تعالى : ? الله وَلِيُّ الذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ? [البقرة:257] ، وقال تعالى : ? لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون َ? [الأنعام:127] ، واسم الله المولى يدل باللزوم على الحياة والقيومية والسمع والبصر والعلم والقدرة ، والعدل والحكمة ، والعزة والرحمة ، والسيادة والأحدية ، والغنى والصمدية ، وغير ذلك من أوصاف الكمال ، واسم الله المولى دل على صفة من صفات الأفعال .
21- ( ( النصير :(33/124)
اسم الله النصير يدل على ذات الله وعلى صفة النصرة بدلالة المطابقة وعلى ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى الصفة وحدها بالتضمن ، فالنصير هو الذي ينصر من يشاء من عباده ، قال تعالى: ? وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُون بِنَصْرِ الله يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ ? [الروم:4/5]: ، وقال : ? وَيَنْصُرَكَ الله نَصْراً عَزِيزاً ? [الفتح:3] ، وقال : ? يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا الله يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ? [محمد:7] ، وقال : ? قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ الله بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ? [التوبة:14] ، واسم الله النصير يدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والعلم والقدرة ، والغنى والقوة ، والعلو والعظمة ، والعدل والحكمة ، والكبرياء والعزة وغير ذلك من صفات الكمال ، واسم الله النصير دل على صفة من صفات الأفعال .
22- ( ( العفو :(33/125)
العفو من أسماء الله يدل على ذات الله وعلى صفة العفو بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى صفة العفو بدلالة التضمن ، قال تعالى في دلالة الاسم على الوصف : ? وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ? [الشورى:30] ، وقال : ? وَهُوَ الذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ? [الشورى:25] ، وقال : ? ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلكُمْ تَشْكُرُونَ ? [البقرة:52] ، وقال عن بني إسرائيل : ? ثُمَّ اتَّخَذُوا العِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ البَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلطَاناً مُبِيناً ? [النساء:153] ، فالعفو سبحانه هو المتصف بالعفو ، واسم الله العفو يدل باللزوم على الحياة والقيومية والسمع والبصر ، والحلم والعلم والقدرة ، والعدل واللطف والرحمة ، وغير ذلك من أوصاف الكمال ، والاسم دل على صفة من صفات الأفعال .
23- ( ( القدير :(33/126)
اسم الله القدير يدل على ذات الله وصفة القدرة بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى القدرة وحدها بالتضمن ، قال تعالى : ? لِلهِ مُلكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ? [المائدة:120] ، وعند الحاكم حسنه الألباني من حديث ابن عباس ( مرفوعا في الحديث القدسي ، قال الله تعالى : ( مَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ أَنِّي ذُو قُدْرَةٍ عَلَى مَغْفِرَةِ الذنُوب غَفَرْتُ لَهُ وَلاَ أُبَالِي ما لم يُشْرك بي شَيْئا ) (202) ، واسم الله القدير يدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والعزة والأحدية ، والسمع والبصر والعلم والحكمة ، والغنى والقوة ، وغير ذلك من صفات الكمال ، وقد اقترن اسم الله القدير باسمه العليم في غير موضع من القرآن لأن العلم من لوازم القدرة ، قال تعالى : ? أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ? [الشورى:50] .
24- ( ( اللطيف :
اللطيف اسم يدل على ذات الله وعلى صفة اللطف بدلالة المطابقة ، وعلى أحدهما بالتضمن ، قال تعالى عن يوسف ( : ? وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ? [يوسف:100] ، وقال : ? اللهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ? [الشورى:19] ، أما دلالة اللزوم فالاسم يدل على الحياة والقيومية ، والعلم والحكمة ، والقوة والعزة ، والإحسان والرحمة ، والرفق والرأفة ، والجود والمنة ، وغير ذلك من أوصاف الكمال ، واسم الله اللطيف دل على صفة من صفات الأفعال .
25- ( ( الخبير :(33/127)
اسم الله الخبير يدل على ذات الله وعلى صفة الخبرة بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى صفة الخبرة بالتضمن ، قال تعالى : ? كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً ? [الكهف:90/91] ، والاسم يدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والسمع والبصر ، والعلم والإحاطة ، واللطف والحكمة وغير ذلك من صفات الكمال ، وقد ذكر الله كمال علمه بخلقه وإحاطته بهم ثم عقب باسمه الخبير فقال : ? أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللطِيفُ الخَبِيرُ ? [الملك14] ، وقال سبحانه أيضا : ? لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللطِيفُ الخَبِيرُ ? [الأنعام103] ، ليبين أن من لوازم الخبرة العلم والإحاطة فلا يكون خبيرا بغير ذلك ، وفي دلالة الخبرة على اللطف قال تعالى : ? أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ? [الحج:63] ، فهو سبحانه يعلم أن العباد مع إعراض أكثرهم عن طاعته لا قوام لهم ولا بقاء إلا بأسباب رحمته ؛ فالخبير بهم لا بد أن يلطف بهم وإلا تعطلت حكمته في خلقهم ، وفي دلالة الخبرة على صفة البصر والحكمة ، قال تعالى : ? وَلَوْ بَسَطَ الله الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ? [الشورى27] ، واسم الله الخبير دل على صفة من صفات الذات .
26- ( ( الوتر :(33/128)
اسم الله الوتر يدل على ذات الله وعلى صفة الوترية بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى الصفة وحدها بالتضمن ، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث علي بن أبي طالب ( أن رسول الله ( قال : ( يَا أَهْلَ القُرْآنِ أَوْتِرُوا فَإِنَّ اللهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الوِتْرَ ) (203) ، والاسم يدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والتفرد والأحدية والسيادة والصمدية ، وكل ما يلزم من صفات الكمال ، واسم الله الوتر دل على صفة من صفات الذات .
27- ( ( الجميل :
الاسم يدل على ذات الله وعلى صفة الجمال بدلالة المطابقة وعلى أحدهما بالتضمن ، والجمال أحد أركان الجلال ، والجلال منتهى الحسن والعظمة في الذات والصفات والأفعال ، وهو يقوم على ركنين اثنين : الكمال والجمال ، فالكمال بلوغ الوصف أعلاه ، والجمال بلوغ الحسن منتهاه ، قال تعالى : ? كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلالِ والإكرام ? [الرحمن:26/27] ، وقال سبحانه : ? تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الجَلالِ والإكرام ? [الرحمن:78] ، وعند ابن ماجة وصححه الألباني من حديث النعمان بن بشر ( أن رسول الله S قال : ( إِنَّ مِمَّا تَذْكُرُونَ مِنْ جَلاَلِ الله التَّسْبِيحَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّحْمِيدَ ، يَنْعَطِفْنَ حَوْلَ العَرْشِ ، لَهُنَّ دَوِي كَدَوِي النَّحْلِ تُذَكِّرُ بِصَاحِبِهَا ، أَمَا يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَوْ لاَ يَزَالَ لَهُ مَنْ يُذَكِّرُ بِهِ ) (204) ، واسم الله الجميل يدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والحسن والعظمة ، والعلو والعزة ، وغير ذلك من صفات الكمال والجلال ، واسم الله الجميل دل على صفة من صفات الذات .
28- ( ( الحيي :(33/129)
اسم الله الحيي يدل على ذات الله وعلى صفة الحياء بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى صفة الحياء وحدها بدلالة التضمن ، قال تعالى : ? إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ? [البقرة:26] ، وقال : ? إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَالله لا يَسْتَحْيِي مِنَ الحَقِّ ? [الأحزاب:53] ، وقد ورد الاسم والوصف عند أبي داود وصححه الألباني من حديث سلمان الفارسي ( أن رسول الله S قال : ( إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا ) (205) ، والاسم يدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والسمع والبصر والعلم والكرم والحكمة ، واللطف والرأفة والرحمة ، وغير ذلك من أوصاف الكمال ، واسم الله الحيي دل على صفة من صفات الأفعال .
29- ( ( الستير :(33/130)
الستير اسم يدل على ذات الله وعلى صفة الستر بدلالة المطابقة ، وعلى أحدهما بالتضمن ، فالستير هو المتصف بالستر ، روى البخاري من حديث ابن عمر ( أن رسول الله S قال : ( وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ الله يَوْمَ القِيَامَةِ ) (206) ، وفي رواية مسلم من حديث أبي هريرة ( أن النبي S قَالَ : ( لاَ يَسْتُرُ الله عَلَى عَبْدٍ في الدُّنْيَا إِلاَّ سَتَرَهُ الله يَوْمَ القِيَامَةِ ) (207) ، وعند البخاري من حديثه مرفوعا : ( كُلُّ أمتي مُعَافًى إِلاَّ المُجَاهِرِينَ ، وَإِنَّ مِنَ المَجَانَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِالليْلِ عَمَلاً ، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ الله ، فَيَقُولَ : يَا فُلاَنُ عَمِلتُ البَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا ، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ الله عَنْهُ ) (208) ، وعنده أيضا من حديث عبادة ( أن رسول الله S قال : ( وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ سَتَرَهُ الله فَهُوَ إِلَى الله إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ ، وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ ) (209) ، وروى البخاري من حديث ابن عمر ( مرفوعا : ( إِنَّ الله يُدْنِي المُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ ، فَيَقُولُ : أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا ؟ فَيَقُولُ : نَعَمْ أَيْ رَبِّ ، حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ ، وَرَأَى في نَفسِهِ أَنَّهُ هَلَك قال : سَتَرْتُهَا عَلَيْك في الدُّنْيَا ، وَأَنَا أَغفِرُهَا لَك اليَوْمَ ، فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ ، وَأَمَّا الكافِرُ وَالمُنَافِقُونَ فَيَقُولُ الأَشْهَادُ : هَؤُلاَءِ الذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ الله عَلَى الظَّالِمِينَ ) (210) .
واسم الله الستير يدل باللزوم على ما دل عليه اسمه الحيي ، وهو يدل على صفة من صفات الأفعال .
30- ( ( الكبير :(33/131)
اسم الله الكبير يدل على ذات الله وعلى صفة الكِبَر بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى صفة الكِبَر وحدها بدلالة التضمن ، وعند البخاري من حديث أنس ( أن النبي S قال : ( اللهُ أَكْبَرُ ، اللهُ أَكْبَرُ ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ ، إِنَّا إِذَا نَزَلنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ المُنْذَرِينَ ) (211) ، وعند مسلم في الصلاة من حديث عمر ( أن رسول الله S قال : ( إِذَا قَالَ المُؤَذِّنُ الله أَكْبَرُ الله أَكْبَر ، فَقَالَ أَحَدُكُمُ : الله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله ..... ثُمَّ قَالَ : الله أَكْبَرُ ، الله أَكْبَرُ ، قَالَ : الله أَكْبَرُ ، الله أَكْبَرُ ثُمَّ قَالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله ، قَالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله مِنْ قَلبِهِ دَخَلَ الجَنَّةَ ) (212) ، وقال تعالى : ? وَقُلِ الحَمْدُ لِلهِ الذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي المُلكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً ? [الإسراء:111] ، وقال : ? سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً ? [الإسراء:43] .
واسم الله الكبير يدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والقدرة والصمدية ، وعلو الشأن والقهر والفوقية ، والسعة والعظمة وغير ذلك من صفات الكمال ، والاسم دل على صفة من صفات الذات .
31- ( ( المتعال :(33/132)
الاسم يدل على ذات الله وعلى علو القهر بدلالة المطابقة ، وعلى أحدهما بالتضمن قال تعالى : ? مَا اتَّخَذَ الله مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ الله عَمَّا يَصِفُون ? [المؤمنون:91] ، وقد ذكر ابن القيم في الآية أن الإله الحق لا بد أن يكون خالقا فاعلا يوصل إلى عابده النفع ويدفع عنه الضر ، فلو كان معه سبحانه إله لكان له خلق وفعل ، وحينئذ فلا يرضى بشركة الإله الآخر معه بل إن قدر على قهره وتفرده بالإلهية دونه فعل ، وإن لم يقدر على ذلك انفرد بخلقه وذهب به كما ينفرد ملوك الدنيا عن بعضهم بعضا بممالكهم ، إذا لم يقدر المنفرد على قهر الآخر والعلو عليه فلا بد من أحد أمور ثلاثة : إما أن يذهب كل إله بخلقه وسلطانه ، وإما أن يعلو بعضهم على بعض ، وإما أن يكون كلهم تحت قهر إله واحد وملك واحد يتصرف فيهم ولا يتصرفون فيه ، ويمتنع من حكمهم عليه ولا يمتنعون من حكمه عليهم ، فيكون وحده هو الإله الحق وهم العبيد المربوبون المقهورون (213) .
وقد ورد عند أحمد بسند صحيح من حديث ابن عمر ( أنه قال : ( قَرَأَ رَسُولُ اللهِ S هَذِهِ الآيَةَ وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ : ? وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ? قَالَ S : ( يَقُولُ الله عَزَّ وَجَل : أَنَا الجَبَّارُ ، أَنَا المُتَكَبِّرُ ، أَنَا المَلِكُ أَنَا المُتَعَالِ يُمَجِّدُ نَفْسَهُ ، قَالَ : فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ S يُرَدِّدُهَا حَتَّى رَجَفَ بِهِ المِنْبَرُ ؛ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيَخِرُّ بِهِ ) (214) ، واسم الله المتعال يدل باللزوم على الحياة والقيومية والأحدية والصمدية والعزة والكبرياء ، والهيمنة والجبروت ، وغير ذلك من أوصاف الكمال ، واسم الله المتعال دل على صفة من صفات الذات والأفعال .
32- ( ( الواحد :(33/133)
اسم الله الواحد يدل على ذات الله وعلى صفة الوحدانية بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى الصفة وحدها بالتضمن ، ويدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والسمع والبصر ، والعلم والمشيئة والقدرة ، والغنى والقوة ، والعلو والقهر والعظمة ، والهيمنة والكبرياء والعزة ، وغير ذلك من أوصاف الكمال ، وقد اقترن اسم الله الواحد باسمه القهار ؛ فقال سبحانه وتعالى : ? قُل اللهُ خَالقُ كُل شَيْءٍ وَهُوَ الوَاحِدُ القَهَّار ُ? [الرعد:16] ، وذلك لأن معاني العلو من لوازم الوحدانية ، فالذي علا بذاته وارتفع ارتفاعا مطلقا فوق الكل ينفرد بالوحدانية والعلو والعظمة والمجد بدلالة اللزوم ، فالله عز وجل من جهة علو الفوقية متوحد في علوه ، مستو على عرشه بائن من خلقه ، لا شيء من ذاته في خلقه ولا خلقه في شيء من ذاته ، يعلم أعمالهم ويسمع أقوالهم ويرى أفعالهم ولا تخفى عليه منهم خافية ، ومن جهة علو الشأن منفرد بكل معاني الكمال متوحد منزه عن النقائص والعيوب التي تنافي معاني الألوهية والربوبية ، فتعالى في أحديته عن الشريك والظهير والولي والنصير ، وتعالى في صمديته عن الصاحبة والولد وأن يكون له كفوا أحد ، وتعالى في كمال حياته وقوميته ومشيئته وقدرته ، وتعالى في كمال حكمته وحجته ، وتعالى في كمال علمه عن الغفلة والنسيان ، وعن ترك الخلق سدى دون غاية لخلق الجن والإنسان ، واسم الله الواحد دل على صفة من صفات الذات .
33- ( ( القهار :(33/134)
اسم الله القهار يدل على ذات الله وعلى صفة القهر بدلالة المطابقة ، وعلى أحدهما بالتضمن ، قال تعالى عن قول يوسف ( : ? يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ الله الوَاحِدُ القَهَّار ُ? [يوسف:39] ، ويدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والعلم الأحدية والقدرة والصمدية ، والغنى والعزة ، والكبرياء والقوة ، وغير ذلك من صفات الكمال واسم الله القهار دل على صفة من صفات الأفعال ، قال ابن قيم الجوزية عن دلالة اللزوم :
وكذلك القهار من أوصافه فالخلق مقهورون بالسلطان
لو لم يكن حيا عزيزا قادرا ما كان من قهر ولا سلطان (215) .
34- ( ( الحق :
الاسم يدل على ذات الله وعلى صفة الحق بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى الصفة وحدها بالتضمن ، قال تعالى : ? وَيُحِقُّ الله الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ المُجْرِمُونَ ? [يونس:82] ، وقال : ? وَيَمْحُ الله البَاطِلَ وَيُحِقُّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ? [الشورى:24] ، فالحق سبحانه هو الذي يحق الحق بكلماته ، ويقول الحق ، وإذا وعد فوعده الحق ، ودينه حق ، وكتابه حق ، وما أخبر به حق وما أمر به حق ، وقال سبحانه : ? وَهُوَ الذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الحَقُّ وَلَهُ المُلكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ ? [الأنعام:73] ، وقال تعالى : ? يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ المُبِينُ ? [النور:25] ، وفي الصحيحين من حديث ابن عباس ( مرفوعا : ( أَنْتَ الحَقُّ ، وَوَعْدُكَ الحَقُّ ، وَقَوْلُكَ الحَقُّ ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ .. الحديث ) (216) .(33/135)
واسم الله الحق يدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والسمع والبصر ، والعلم والخبرة والعزة والقدرة ، والمشيئة والحكمة ، والعدل والقوة ، والكبرياء والعظمة ، وغير ذلك من صفات الكمال ، ولذلك لما ذكر الله اسمه الحق ذكر من لوازم ذلك العلو والكبرياء والقدرة فقال تعالى : ? ذَلِكَ بِأَنَّ الله هُوَ الحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ البَاطِلُ وَأَنَّ الله هُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ ? [الحج:62] ، وقال : ? ذَلِكَ بِأَنَّ الله هُوَ الحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي المَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ? [الحج:6] ، ولما ذكر فعله المبني على الحق ذكر من لوازم ذلك انتفاء الظلم ، واتصافه بكمال العدل والعزة : ? أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى الله بِعَزِيزٍ ? [إبراهيم:20] ، وقال : ? وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ? [الزمر:69] ، وقال سبحانه : ? وَخَلَقَ الله السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ? [الجاثية:22] ، واسم الله الحق دل على وصف ذات وفعل معا ، فباعتبار أن الحق وصف لازم له يستحيل وصفه بضده فهو وصف ذات ، وباعتبار إحقاقه الحق وتعلقه بالممكنات فهو وصف فعل .
35- ( ( المبين :
المبين اسم من أسماء الله يدل على ذات الله وعلى البيان والإبانة بدلالة المطابقة وعلى ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى الصفة وحدها بالتضمن ، أما دلالة الاسم على صفة الذات ، فالصفة لم ترد إلا ضمن الاسم في قوله تعالى : ? يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ? [النور:25] .(33/136)
وأما دلالة الاسم على صفة الفعل فالأدلة كثيرة كقوله تعالى : ? كَذَلِكَ يُبَيِّنُ الله آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلهُمْ يَتَّقُونَ ? [البقرة:187] ، وقال : ? كَذَلِكَ يُبَيِّنُ الله لَكُمْ آيَاتِهِ وَالله عَلِيمٌ حَكِيم ? [النور:59] ، وقال : ? وَيُبَيِّنُ الله لَكُمُ الآياتِ وَالله عَلِيمٌ حَكِيمٌ ? [النور:18] ، وقال سبحانه : ? وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ? [النحل:92] ، وقال : ? وَمَا كَانَ الله لِيُضِل قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ ? [التوبة:115] .
والاسم يدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والسمع والبصر ، والعلم والقدرة والحكمة والخبرة ، والهداية والرحمة ، واللطف والرأفة ، وغير ذلك من صفات الذات والأفعال ، وقد ختمت أغلب الآيات التي فيها صفة البيان بلوازم الوصف كالعلم والحكمة في قوله : ? يُرِيدُ الله لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَالله عَلِيمٌ حَكِيمٌ ? [النساء:26] ، والهداية والرحمة في قوله : ? وَنَزَّلنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلمُسْلِمِينَ ? [النحل:89] ، وكذلك في قوله : ? هُوَ الذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ الله بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ? [الحديد:9] ، واسم الله المبين دل على وصف ذات وفعل معا ، فعلى تقدير أن الاسم من الفعل بان بمعنى ظهر فهو وصف ذات ، وعلى تقدير أن الفعل أبان فهو وصف فعل .
36- ( ( القوي :(33/137)
اسم الله القوي يدل على ذات الله وعلى صفة القوة بدلالة المطابقة ، وعلى أحدهما بالتضمن ، قال تعالى : ? إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ ? [الذريات:58] ، وقال : ? فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ الله الذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ ? [فصلت:15] ، وقال : ? وَلَوْ يَرَى الذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ العَذَابَ أَنَّ القُوَّةَ لِلهِ جَمِيعاً وَأَنَّ الله شَدِيدُ العَذَابِ ? [البقرة:165] ، وقال: ? وَلَوْلا إِذْ دَخَلتَ جَنَّتَكَ قُلتَ مَا شَاءَ الله لا قُوَّةَ إِلا بِالله ? [الكهف:39] ، وعند البخاري من حديث أبي موسى الأشعري ( أن النبي S قال له : ( يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيْسٍ قُل لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ فَإِنَّهَا كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الجَنَّةِ ) (217) ، واسم الله القوي يدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والملك والصمدية ، والعظمة والأحدية ، والسمع والبصر ، والعلم والقدرة والحكمة والعزة ، وغير ذلك من صفات الكمال ، واسم الله القوي دل على صفة من صفات الذات .
37- ( ( المتين :(33/138)
الاسم يدل على ذات الله وعلى صفة المتانة والشدة بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى الصفة وحدها بالتضمن ، ولم يذكر الوصف بنصه في القرآن والسنة وإنما ذكر بالمعنى ، قال تعالى : ? وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ? [هود:102] ، وقال سبحانه : ? وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي الله وَهُوَ شَدِيدُ المِحَالِ ? [الرعد:13] ، وقال : ? الله الذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ? [إبراهيم:2] ، والاسم يدل باللزوم على الحياة والقيومية والقدرة والقوة ، والعزة والعظمة ، وغير ذلك من صفات الكمال ، واسم الله المتين دل على صفة من صفات الذات .
38- ( ( الحي :
اسم الله الحي يدل على ذات الله وعلى الحياة كوصف ذات والإحياء كوصف فعل بالمطابقة ، ويدل على ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى الصفة وحدها بالتضمن أما دلالته على الحياة كوصف ذات فقد تضمها الاسم ، وأما دلالته على الإحياء كوصف فعل فقد ورد في قوله تعالى : ? كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ? [البقرة:28] ، وقال سبحانه : ? فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ? [البقرة:73] ، وقال : ? هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون َ? [يونس:56] ، وقال : ? إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ? [فصلت:39] ، واسم الله الحي يدل باللزوم على الوجود والبقاء والغنى بالنفس وغير ذلك من أوصاف الكمال .(33/139)
وتجدر الإشارة إلى أن جميع الأسماء الحسنى تدل باللزوم على صفة الحياة ما عدا اسم الله الحي ، فإنه يدل عليها بالتضمن ، ولولا صفة الحياة ما كملت بقية أسمائه وصفاته وأفعاله ، فجميع أسماء الله تدل على صفة الحياة التي تضمنها اسمه الحي وهذه قضية عقلية نقلية كما تقدم وشرحناها عند الحديث عن اسم الله الأعظم ، وما يدل عليه اقتران الأسماء من أنواع الكمال .
39- ( ( القيوم :
الاسم يدل على ذات الله وعلى صفة القيومية بدلالة المطابقة ، ويدل على ذات الله وحدها بالتضمن وعلى الصفة وحدها بالتضمن ، قال ابن القيم :
هذا ومن أوصافه القيوم والقيوم في أوصافه أمران
أحداهما القيوم قام بنفسه والكون قام به هما الأمران
فالأول استغناؤه عن غيره والفقر من كل إليه الثاني
والوصف بالقيوم ذو شأن عظيم هكذا موصوفه أيضا عظيم الشان (218) .
واسم الله القيوم يدل باللزوم على الوجود والبقاء والغنى بالنفس وسائر أنواع الكمال في الذات والصفات والأفعال ، وكما ذكرنا في اسم الله الحي أن جميع الأسماء الحسنى تدل على صفة الحياة باللزوم ما عدا الحي فإنه يدل عليها بالتضمن كذلك القول في اسم الله القيوم ؛ فإن جميع الأسماء الحسنى تدل على صفة القيومية باللزوم ما عدا القيوم فإنه يدل عليها بالتضمن ، ولولا صفة الحياة والقيومية ما كملت بقية أسمائه وصفاته وأفعاله ، فدوام الحياة والقيومية من دلائل دوام والملك والربوبية ، وكمال الصفات الإلهية ، وقد أحسن ابن قيم الجوزية حين وصف ذلك في النونية فقال :
وله الحياة كمالها فلأجل ذا ما للممات عليه من سلطان
وكذلك القيوم من أوصافه ما للمنام لديه من غشيان
وكذاك أوصاف الكمال جميعها ثبتت له ومدارها الوصفان
فمصحح الأوصاف والأفعال والأسماء حقا ذانك الوصفان
ولأجل ذا جاء الحديث بأنه في آية الكرسي وذي عمران
اسم الإله الأعظم اشتملا على اسم الحي والقيوم مقترنان(33/140)
فالكل مرجعها إلى الاسمين يدري ذاك ذو بصر بهذا الشان (219) .
40- ( ( العلي :
اسم الله العلي يدل على ذات الله وعلى علو الذات والفوقية بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى الصفة وحدها بالتضمن ، قال تعالى : ? الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى ? [طه:5] ، وقال : ? إِنَّ رَبَّكُمُ الله الذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ ? [لأعراف:54] ، واسم الله العلي يدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والملك والأحدية ، والسيادة والصمدية ، والكبرياء والعظمة ، والهيمنة والعزة ، والقوة والقدرة ، وغير ذلك من أوصاف الكمال .
وتجدر الإشارة إلى الفرق بين العلو والاستواء ، فالعلو وصف ذاتي لله عز وجل على الدوام سواء قبل وجود العرش أو حال وجوده ، فالله عز وجل فوق جميع الخلق بذاته تنزه عن الحلول والاتحاد ، والممازجة والاختلاط ، فهو بائن من خلقه والخلق بائنون منه ، وهو عال على عرشه بوصف ذاته قبل خلق السماوات والأرض وما بينهما ، أما بعد خلقهما فهو عال على عرشه بوصف ذاته وفعله ، لأن الاستواء على العرش وصف فعل يتعلق بمشيئة الله تم بعد خلق السماوات والأرض ، ولذلك ورد في ستة مواضع من القرآن التعبير بقوله ثم استوى على العرش ، وهي لغويا تفيد الترتيب والتراخي (220) ، قال تعالى : ? الذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَل بِهِ خَبِيراً ? [الفرقان:59] (221) ، وعلى ذلك فإن العلو الذي دل عليه اسمه العلي وصف ذاتي من لوازم الذات الإلهية ، وهو أعم من الاستواء فكل استواء علو وليس كل علو استواء (222) .
41- ( ( العظيم :(33/141)
العظيم اسم يدل على ذات الله وعلى صفة العظمة بدلالة المطابقة ، وعلى أحدهما بالتضمن ، وعند البخاري من حديث أنس بن مالك ( أن النبي S قال : ( ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيُقَالُ : يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُل يُسْمَعْ ، وَسَل تُعْطَهْ ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ ، فَأَقُولُ : يَا رَبِّ ائْذَنْ لي فِيمَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله ، فَيَقُولُ : وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأُخْرِجَنَّ مِنْهَا مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله ) (223) ، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( قَالَ الله عَزَّ وَجَل : الكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالعَظَمَةُ إِزَارِي ، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ في النَّارِ ) (224) .
وقد ورد وصف العظمة أيضا عند أبي داود وصححه الألباني من حديث عوف بْنِ مَالِكٍ ( أنه قَالَ : ( ثُمَّ رَكَعَ S بِقَدْرِ قِيَامِهِ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ : سُبْحَانَ ذِي الجَبَرُوتِ وَالمَلَكُوتِ وَالكِبْرِيَاءِ وَالعَظَمَةِ ) (225) ، أما دلالة الاسم على وصف الفعل المتعلق بالمشيئة فكما ورد في قوله تعالى : ? ذَلِكَ أَمْرُ الله أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ الله يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً ? [الطلاق:5] ، وفي المسند وصححه الألباني من حديث أَنَسِ ( أَن النَّبِيَّ S قَالَ : ( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُعَظمَ الله رِزْقَهُ ، وَأَنْ يَمُدَّ فِي أَجَلِهِ ؛ فَليَصِل رَحِمَهُ ) (226) .
واسم الله العظيم يدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والسيادة والصمدية ، والعزة والأحدية ، وانتفاء الشبيه والمثلية ، وكذلك يدل على السمع والبصر ، والعلم والحكمة والمشيئة والقدرة وغير ذلك من صفات الكمال ، والاسم دل على صفة من صفات الذات والأفعال .
42- ( ( الشكور :(33/142)
الشكور يدل على ذات الله وعلى صفة الشكر بدلالة المطابقة ، وعلى أحدهما بالتضمن ، روى البخاري من حديث أبي هريرة ( عن النبي S : ( أَنَّ رَجُلاً رَأَى كَلبًا يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ العَطَشِ ، فَأَخَذَ الرَّجُلُ خُفَّهُ ؛ فَجَعَلَ يَغْرِفُ لَهُ بِهِ حَتَّى أَرْوَاهُ ، فَشَكَرَ الله لَهُ ؛ فَأَدْخَلَهُ الجَنَّةَ ) (227) ، وروى أيضا من حديثه ( أن النبي S قال : ( بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِى بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ ، فَشَكَرَ الله لَهُ ؛ فَغَفَرَ لَهُ ) (228) ، واسم الله الشكور يدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والعلم السمع والبصر والقدرة ، والكرم والسعة والرأفة ، الغنى واللطف والرحمة وغير ذلك من صفات الكمال ، واسم الله الشكور دل على صفة من صفات الأفعال .
43- ( ( الحليم :
اسم الله الحليم يدل على ذات الله وعلى صفة الحلم بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن وعلى الصفة وحدها بالتضمن ، ولم يرد وصف الحلم نصا إلا في روايات ضعيفة ، والاسم يدل باللزوم على الحياة والقيومية والسمع والبصر والعلم والقدرة ، والغنى والعزة ، والرأفة والرحمة ، وعلو الشأن والعظمة ، وغير ذلك من صفات الكمال ، واسم الله الحليم دل على صفة من صفات الأفعال ، وقد ورد الاسم مقترنا باسم الله الغنى في قوله : ? وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ ? [البقرة:263] ، واقترن أيضا بالعليم في قوله : ? وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَلِيماً ? [الأحزاب:51] ، فالصفات التي دلت عليها من لوازم الحلم ، فالفقير حلمه عن اضطرار ولا حيلة له في الحلم ، كما أنه لا بد للحليم من صفة العلم .
44- ( ( الواسع :(33/143)
الاسم يدل على ذات الله وعلى السعة كوصف ذات والتوسيع على الغير كوصف فعل بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى الصفة وحدها بدلالة التضمن ، أما دلالته على وصف الذات فلقوله تعالى : ? وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ? [البقرة:255] ، وقال سبحانه : ? إِنَّمَا إِلَهُكُمُ الله الذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَسِعَ كُل شَيْءٍ عِلماً ? [طه:98] ، وعند الإمام البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قَالَتِ : ( الحَمْدُ لِلهِ الذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الأَصْوَاتَ ، فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى عَلَى النبي S : ? قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ التي تُجَادِلُكَ في زَوْجِهَا ? ) (229) .
وأما دلالة الاسم على وصف الفعل فلقوله تعالى : ? وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ? [الذاريات:47] ، وعند البخاري من حديث أبي هريرة ( : ( أن رجلا قام إلى النبي S فَسَأَلَهُ عَنِ الصَّلاَةِ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ فَقَالَ أَوَكُلُّكُمْ يَجِدُ ثَوْبَيْنِ ، ثُمَّ سَأَلَ رَجُلٌ عُمَرَ فَقَالَ : إِذَا وَسَّعَ الله فَأَوْسِعُوا .. الحديث ) (230) ، وعند مسلم من حديث ابن عباس ( أن عمر ( قال : ( ادْعُ الله يَا رَسُولَ الله أَنْ يُوَسِّعَ عَلَى أُمَّتِكَ فَقَدْ وَسَّعَ عَلَى فَارِسَ وَالرُّومِ وَهُمْ لاَ يَعْبُدُونَ الله .. الحديث ) (231) ، وعنده أيضا من حديث أبي هريرة ( أن النبي S قال : ( وَرَجُلٌ وَسَّعَ الله عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ المَالِ كُلِّهِ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ : فَمَا عَمِلتَ فِيهَا .. الحديث ) (232) ، وعند من حديث عوف ابن مالك ( في دعاء الجنازة أن النبي S قال : ( .. وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ .. الحديث ) (233) ، وعند أحمد وصححه الألباني من حديث رجل من بني سليم مرفوعا :(33/144)
( إنَّ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَبْتَلِي عَبْدَهُ بِمَا أَعْطَاهُ ، فَمَنْ رضي بِمَا قَسَمَ الله عَزَّ وَجَل لَهُ بَارَكَ الله لَهُ فِيهِ وَوَسَّعَهُ ، وَمَنْ لَمْ يَرْضَ لَمْ يُبَارِكْ لَهُ فيه ) (234) .
واسم الله الواسع يدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والسيادة والصمدية ، والعظمة والأحدية ، والعلم والقدرة ، والعزة والغنى ، والجود والكرم ، وغير ذلك من صفات الكمال والجمال ، واسم الله الواسع دل على وصف الذات والأفعال .
45- ( ( العليم :
الاسم يدل على ذات الله وعلى العلم كوصف ذات والتعليم كوصف فعل بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن وعلى الصفة وحدها بدلالة التضمن ، وقد بين الله عز وجل أن العليم هو المتصف بالعلم ، فقال : ? إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلا بِعِلمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ ? [فصلت:47] ، وقال سبحانه : ? لَكِنِ الله يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلمِهِ وَالمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِالله شَهِيداً ? [النساء:166] .(33/145)
أما دلالته على التعليم كوصف فعل فكما قال تعالى عن يعقوب ( : ? وَإِنَّهُ لَذُو عِلمٍ لِمَا عَلمْنَاهُ ? [يوسف:68] ، وقال عن عيسى ( : ? وَيُعَلِّمُهُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ والإنجيل ? [آل عمران:48] ، وقال عن نبينا ( : ? وَمَا عَلمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ ? [يس:69] ، وفي الدلالة على وصف الذات والفعل معا ورد عند البخاري من حديث ابن عباس ( أن النبي S قال في قصة موسى والخضر عليهما السلام : ( قَالَ موسى : هَل أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تعلمني مِمَّا عُلِّمْتَ رَشَدًا ، قَالَ : إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ معي صَبْرًا ، يَا مُوسَى إني عَلَى عِلمٍ مِنْ عِلمِ اللهِ عَلمَنِيهِ لاَ تَعْلَمُهُ أَنْتَ ، وَأَنْتَ عَلَى عِلمٍ عَلمَكَهُ لاَ أَعْلَمُهُ ، قَالَ : ستجدني إِنْ شَاءَ الله صَابِرًا ، وَلاَ أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ، فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ البَحْرِ لَيْسَ لَهُمَا سَفِينَةٌ ، فَمَرَّتْ بِهِمَا سَفِينَةٌ ، فَكَلمُوهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمَا فَعُرِفَ الخَضِرُ ، فَحَمَلُوهُمَا بِغَيْرِ نَوْلٍ ، فَجَاءَ عُصْفُورٌ فَوَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ ، فَنَقَرَ نَقْرَةً أَوْ نَقْرَتَيْنِ في البَحْرِ ، فَقَالَ الخَضِرُ : يَا مُوسَى مَا نَقَصَ علمي وَعِلمُكَ مِنْ عِلمِ اللهِ إِلاَّ كَنَقْرَةِ هَذَا العُصْفُورِ في البَحْرِ ) (235) .(33/146)
والاسم يدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والمتصف بالعلم يلزم أن يكون سميعا بصيرا ، عزيزا قديرا ، حكيما خبيرا ؛ لأن انتفاء هذه الأوصاف يؤدي إلى انعدام العلم أو انعدام كماله ، ومن هنا جاء اسمه العليم مقترنا بالسميع في قوله تعالى : ? وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي الليْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ ? [الأنعام:13] ، وفي مرة أخرى ورد الاسم مقترنا باسم الله العزيز كقوله : ? فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ الليْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ ? [الأنعام:96] ، وكذلك ورد اسم الله العليم مقترنا باسمه القدير كقوله : ? يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ العَلِيمُ القَدِيرُ ? [الروم:54] ، واجتمع اسمه العليم مع اسمه الحكيم كما في قوله تعالى : ? وَهُوَ الذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الحَكِيمُ العَلِيمُ ? [الزخرف:84] ، وورد الاسم مقترنا باسم الله الخبير كقوله تعالى : ? قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ العَلِيمُ الخَبِيرُ ? [التحريم:3] .
وكل هذه المعاني من دلالات الالتزام المتعلقة بالصفات والأفعال ؛ فالخلق والتكوين لا بد أن يكون عن علم وقدرة ، فقرن بين اسمه العليم والخلاق ووصف القدرة في آية واحدة فقال : ? أَوَلَيْسَ الذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الخَلاقُ العَلِيمُ ? [يّس:81] ، والمتصف بالعلم الكامل لديه مفتاح الهداية إلى الصلاح ولذلك اقترن اسمه العليم باسمه الفتاح ، فقال : ? قُل يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالحَقِّ وَهُوَ الفَتَّاحُ العَلِيمُ ? [سبأ:26] .
46- ( ( التواب :(33/147)
اسم الله التواب يدل على ذات الله وعلى صفة التوبة بدلالة المطابقة ، وعلى أحدهما بالتضمن ، قال تعالى : ? وعلى الثَّلاثَةِ الذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلجَأَ مِنَ الله إِلا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ الله هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيم ُ? [التوبة/118] ، فقبول التوبة صفة من صفات الأفعال تتعلق بالمشيئة لقوله تعالى : ? وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ الله إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَالله عَلِيمٌ حَكِيم ٌ? [التوبة/106] ، وقال سبحانه : ? إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً ? [النساء:17/18] ، وعند البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي S قال لها : ( يَا عَائِشَةُ إِنَّهُ بلغني عَنْكِ كَذَا وَكَذَا ، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً ، فَسَيُبَرِّئُكِ الله ، وَإِنْ كُنْتِ أَلمَمْتِ بِذَنْبٍ ، فاستغفري الله وتوبي إِلَيْهِ ، فَإِنَّ العَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ ثُمَّ تَابَ ، تَابَ الله عَلَيْهِ ) (236) ، وعند مسلم من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ الله عَلَيْهِ ) (237) .(33/148)
واسم الله التواب يدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والسمع والبصر ، والعلم والقدرة ، والعزة والرأفة ، والعفو والرحمة ، والعدل والحكمة ، وغير ذلك من أوصاف الكمال ، واسم الله التواب دل على صفة من صفات الأفعال .
47- ( ( الحكيم :
اسم الله الحكيم يدل على ذات الله وعلى صفة الحكمة بدلالة المطابقة ، وعلى أحدهما بالتضمن ، ولم ترد الصفة مستقلة إلا في روايات ضعيفة لا يعتد بها ، كما روي من حديث أبي سعيد الخدري ( مرفوعا : ( وإن الله بحكمته وجلاله جعل الروح والفرج في الرضا واليقين وجعل الهم والحزن في الشك والسخط ) (238) ، وقد ورد وصف الحكمة في قوله تعالى : ? حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ ? [القمر:5] على أنه وصف للقرآن والقرآن من كلام الله غير مخلوق (239) ، واسم الله الحكيم يدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والعلم والقدرة والخبرة ، والعزة والسعة والعظمة ، وغير ذلك من صفات الكمال ، وقد قرن الله عز وجل بين اسمه الحكيم والعليم ، وكذلك العزيز والواسع والخبير والتواب والعلي والحميد ؛ فقال تعالى : ? قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ? [البقرة:32] ، وقال : ? رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ? [البقرة:129] ، وقال أيضا : ? وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاً مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً ? [النساء:130] ، وقال سبحانه : ? وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ? [الأنعام:18] ، وقال : ? وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ ? [النور:10] ، وقال : ? لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ(33/149)
خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ? [فصلت:42] ، وقال أيضا : ? إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ? [الشورى:51] ، وكل هذه الأسماء المقترنة يمكن أن يستنبط منها دلالات اللزوم أو الالتزام المتعلقة باسم الله الحكيم ، والاسم دل على صفة من صفات الذات .
48- ( ( الغني :
اسم الله الغني يدل على ذات الله وعلى الغنى كوصف ذات والإغناء كوصف فعل بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن وعلى الصفة وحدها بالتضمن ، أما دلالته على وصف الذات فكما ورد في قوله تعالى : ? وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ ? [آل عمران:97] ، وعند مسلم من حديث أبي هريرة ( مرفوعا : ( قَالَ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ ) (240) ، وأما دلالة الاسم على وصف الفعل فكما في قوله : ? وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ الله عَلِيمٌ حَكِيمٌ ? [التوبة:28] ، وقوله : ? وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى ? [النجم:48] ، وقال تعالى : ? وَليَسْتَعْفِفِ الذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ الله مِنْ فَضْلِه ? [النور:33] ، وقال لنبيه S : ? وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى ? [الضحى:8] ، وعند البخاري من حديث حكيم بن حزام ( أن النبي S قال : ( اليَدُ العُليَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى ، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ ، وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ الله وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ الله ) (241) ، واسم الله الغني يدل باللزوم على الحياة والقيومية والقوة والأحدية والقدرة والصمدية والعزة والكبرياء وغير ذلك من صفات الكمال ، واسم الله الغني دل على صفة من صفات الذات والأفعال .
49- ( ( الكريم :(33/150)
اسم الله الكريم يدل على ذات الله وعلى الكرم كوصف ذات والإكرام كوصف فعل بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى الصفة وحدها بدلالة التضمن ، أما دلالته على وصف الذات فقد تضمنه الاسم على اعتبار أن الكرم بمعنى السعة في الذات والصفات ، وأما وصف الفعل فقد ورد في نصوص كثيرة كما في قوله تعالى : ? وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ? [الإسراء:70] ، وقال تعالى : ? فَأَمَّا الإنسان إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ? [الفجر:15] ، وقال تعالى : ? قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلا قَلِيلاً ? [الإسراء:62] ، وعند مسلم من حديث عوف بن مالك ( في دعاء الجنازة أن النبي S قال : ( اللهمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ .. الحديث ) (242) ، وعند البخاري من حديث زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ( أَنَّ أُمَّ العَلاَءِ رضي الله عنها قالت عند موت عثمان بن مظعون ( : ( رَحْمَةُ الله عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ ، فشهادتي عَلَيْكَ ، لَقَدْ أَكْرَمَكَ الله ، فَقَالَ النبي S : وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ الله قَدْ أَكْرَمَهُ ، فَقُلتُ : بأبي أَنْتَ يَا رَسُولَ الله فَمَنْ يُكْرِمُهُ الله ؟ فَقَالَ : أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ اليَقِينُ ، وَالله إني لأَرْجُو لَهُ الخَيْرَ ، وَالله مَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ الله مَا يُفْعَلُ بِي ؟ قَالَتْ : فَوَالله لاَ أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ أَبَدًا ) (243) .(33/151)
وعند مسلم من حديث أبي هريرة ( أأن سعد بن عبادة ( قال : ( يَا رَسُولَ الله أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَجِدُ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلاً أَيَقْتُلُهُ ؟ قَالَ رَسُولُ الله : لاَ ، قَالَ سَعْدٌ : بَلَى والذي أَكْرَمَكَ بِالحَقِّ ، فَقَالَ رَسُولُ الله : اسْمَعُوا إِلَى مَا يَقُولُ سَيِّدُكُمْ ) (244) ، واسم الله الكريم يدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والغنى والصمدية ، والعلو والفوقية ، والسعة والأحدية ، وغير ذلك من صفات الكمال ، والاسم دل على صفة من صفات الذات والأفعال .
50- ( ( الأحد :(33/152)
اسم الله الأحد يدل على ذات الله وعلى صفة الأحدية بدلالة المطابقة ، وعلى أحدهما بالتضمن ، قال تعالى : ? وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَد ٌ? [الإخلاص:4] ، ويدل على علو الشأن في الحياة والقيومية وسائر الصفات الإلهية بدلالة اللزوم ، ولا يلزم من أحدية الحق نفي الصفات عنه كما يتوهم البعض ، أو عدم اتصاف الخلق بما يليق بهم لأن الأحد هو المنفرد بوصفه المباين لغيره ، فكونه متوحدا في الغنى لا يلزم نفي الغنى المحدود عمن سواه ، لأن انفراده وأحديته في الغنى بناء على إطلاق الوصف في مقابل التقييد والنسبية عند غيره ، أما تفسير الأحد بأنه الذي لا ينقسم ، أو المجرد من الصفات أو هو الذي لا جزء له ولا قسيم ، ثم ترتيب نفي الصفات الإلهية الذاتية والفعلية على هذا المعنى ، فهذا اصطلاح كلامي لا يحتمله لفظ الأحد في أصل وضعه وكما جرت به عادة الخطاب بين العرب ، قال ابن تيمة : ( الاستدلال بالقرآن إنما يكون على لغة العرب التي أنزل بها ، بل قد نزل بلغة قريش كما قال تعالى : ? وَمَا أَرْسَلنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ? [إبراهيم:4] ، وقال : ? بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ? [الشعراء:195] ، فليس لأحد يحمل ألفاظ القرآن على غير ذلك من عرف عام واصطلاح خاص ، بل لا يحمله إلا على معاني عنوها بها ، إما من المعنى اللغوي أو أعم أو مغايرا له ، لم يكن له أن يضع القرآن على ما وضعه هو ، بل يضع القرآن على مواضعه التي بينها الله لمن خاطبه بالقرآن بلغته ، ومتى فعل غير ذلك كان ذلك تحريفا للكلام عن مواضعه ، ومن المعلوم أنه ما من طائفة إلا وقد تصطلح على ألفاظ يتخاطبون بها ، كما أن من المتكلمين من يقول الأحد هو الذي لا ينقسم ، وكل جسم منقسم ، ويقول الجسم هو مطلق المتحيز القابل للقسمة حتى يدخل في ذلك الهواء وغيره ، لكن ليس له أن يحمل كلام الله وكلام رسوله إلا على اللغة التي كان النبي S يخاطب بها(33/153)
أمته وهي لغة العرب ) (245)، والاسم دل على صفة ذات .
51- ( ( الصمد :
اسم الله الصمد يدل على ذات الله وعلى صفة الصمدية بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى الصفة وحدها بالتضمن ، ويدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والسيادة والأحدية ، وكمال السمع والبصر والعلم ، ومطلق المشيئة وتدبير الأمر ، والقدرة والعزة ، والقوة والحكمة ، والكبرياء والعظمة ، وكمال العدل والحكم ، وغير ذلك من صفات الكمال ، واسم الله الصمد دل على صفة من صفات الذات .
52- ( ( القريب :
الاسم القريب يدل على ذات الله وعلى صفة القرب بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى الصفة وحدها بالتضمن ، روى البخاري من حديث أبي موسى ( أن النبي S قال : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ ، فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا ، إِنَّهُ مَعَكُمْ ، إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ ، تَبَارَكَ اسْمُهُ وَتَعَالَى جَدُّهُ ) (246) .
وفي رواية مسلم من حديث أبي موسى ( : ( والذي تَدْعُونَهُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَةِ أَحَدِكُمْ ) (247) ، وهذا القرب وصف ذاتي لا يقتضي مخالطة أو مماسة ، فهو قريب من فوق عرشه بكمال وصفه غير ملاصق لخلقه ، وعلى اعتبار تفسير القرب بهذا المعنى يمكن أن يحمل قول الله تعالى : ? وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ ? [قّ:16] .(33/154)
والقرب إن تعلق بالمشيئة فهو وصف فعل ، كما ورد في قوله تعالى عن موسى ( : ? وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً ? [مريم:52] ، وقال : ? فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ المُقَرَّبِينَ ? [الواقعة:88] ، وقال : ? عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا المُقَرَّبُونَ ? [المطففين:28] ، وعند مسلم من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( أَقْرَبُ مَا يَكُونُ العَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ ) (248) ، وعند الترمذي وصححه الألباني من حديث أبي أمامة ( أنه سمع رسول الله S يقول : ( أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنَ العَبْدِ في جَوْفِ الليْلِ الآخِرِ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ الله في تِلكَ السَّاعَةِ فَكُنْ ) (249) ، وعند البخاري من حديث أبي هريرة ( أن النبي S قال : ( وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَي بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا ، وَإِنْ أتاني يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ) (250) .
واسم الله القريب يدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والسمع والبصر ، والعلم والقدرة ، والكرم والسعة وغير ذلك من أوصاف الكمال ، واسم الله القريب دل على صفة من صفات الذات والأفعال .
53- ( ( المجيب :
اسم الله المجيب يدل على ذات الله وعلى صفة الاستجابة بدلالة المطابقة ، وعلى أحدهما بالتضمن ، قال تعالى : ? إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلفٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ ? [لأنفال:9] ، وقال : ? فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ ? [يوسف:34] .(33/155)
وعند البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها : ( أَنَّ يَهُودَ أَتَوُا النبي فَقَالُوا السَّامُ عَلَيْكُمْ ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ : عَلَيْكُمْ وَلَعَنَكُمُ الله ، وَغَضِبَ الله عَلَيْكُمْ قَالَ : مَهْلاً يَا عَائِشَةُ عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ وَإِيَّاكِ وَالعُنْفَ وَالفُحْشَ ، قَالَتْ : أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا ؟ قَالَ : أَوَلَمْ تسمعي مَا قُلتُ : رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ فَيُسْتَجَابُ لي فِيهِمْ وَلاَ يُسْتَجَابُ لَهُمْ في ) (251) ، وعند البخاري من حديث أبي هريرة ( أن النبي S قال : ( يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُل لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ الليْلِ الآخِرُ يَقُولُ : مَنْ يدعوني فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يسألني فَأُعْطِيَهُ مَنْ يستغفرني فَأَغْفِرَ لَهُ ) (252) ، وروى أيضا من حديثه ( أن النبي S قال : ( يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَل يَقُولُ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لي ) (253) ، وعند مسلم من حديث عبد الله بن عباس ( أن رسول الله S قال : ( وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا في الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ ) (254) ، واسم الله المجيب يدل باللزوم على الحياة والقيومية والعلم والقدرة والسمع والبصر واللطف والقرب والود والحب ، وغير ذلك من صفات الكمال واسم الله المجيب دل على صفة من صفات الأفعال .
54- ( ( الغفور :(33/156)
هذا الاسم يدل على ذات الله وعلى صفة المغفرة بدلالة المطابقة ، وعلى أحدهما بدلالة التضمن ، قال تعالى : ? وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ العِقَابِ ? [الرعد:6] ، وقال : ? إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ المَغْفِرَةِ ? [النجم:32] ، وقال : ? وَلَئِنْ قُتِلتُمْ فِي سَبِيلِ الله أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ الله وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ? [آل عمران:157] ، وقال تعالى عن نبيه داود ( : ? فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلفَى وَحُسْنَ مَآبٍ ? [ص:25] ، وقال تعالى : ? اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ الله لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِالله وَرَسُولِهِ وَالله لا يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ ? [التوبة:80] ، وعند البخاري من حديث أَبِي بَكْرٍ الصديق ( أنه قال للنبي S : ( عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاَتِي ؟ قَالَ : قُلِ اللهمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلمًا كَثِيرًا وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ ، وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (255) .
واسم الله الغفور يدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والعزة والأحدية ، والرضا والحب ، واللطف والود ، والرأفة والرحمة ، والكرم والحكمة وغير ذلك من أوصاف الكمال ، واسم الله الغفور دل على صفة من صفات الأفعال .
55- ( ( الودود :(33/157)
اسم الله الودود يدل على ذات الله وعلى صفة الود بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن وعلى الصفة وحدها بالتضمن ، قال تعالى : ? إِنَّ الذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً ? [مريم:96] ، ويدل باللزوم على الحياة والقيومية والرحمة والرأفة ، والقرب والحب ، وغير ذلك من أوصاف الكمال ، واسم الله الودود دل على صفة من صفات الأفعال .
56- ( ( الولي :
اسم الله الولي يدل بالمطابقة والتضمن واللزوم على ما دل عليه اسم الله المولى غير أن الولي دل في أغلب النصوص على الولاية العامة ، والمولى دل على الولاية الخاصة كما تقدم ، وفي دلالة الاسم على الوصف قال تعالى : ? وَقُلِ الحَمْدُ لِلهِ الذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي المُلكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً ? [الإسراء:111] وقال سبحانه : ? إِنَّ الله لَهُ مُلكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ الله مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ ? [التوبة:116] ، وقال : ? قُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدا ً? [الكهف:26] .(33/158)
وروى الحاكم وصححه الألباني من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله S قال : ( ثَلاَثٌ أَحْلِفُ عَلَيْهِنَّ ، لاَ يَجْعَلُ اللهُ عَزَّ وَجَل مَنْ لَهُ سَهْمٌ في الإِسْلاَمِ كَمَنْ لاَ سَهْمَ لَهُ فَأَسْهُمُ الإِسْلاَمِ ثَلاَثَةٌ الصَّلاَةُ وَالصَّوْمُ وَالزَّكَاةُ ، وَلاَ يَتَوَلى اللهُ عَزَّ وَجَل عَبْداً في الدُّنْيَا فَيُوَلِّيهِ غَيْرَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ ، وَلاَ يُحِبُّ رَجُلٌ قَوْماً إِلاَّ جَعَلَهُ اللهُ عَزَّ وَجَل مَعَهُمْ ، وَالرَّابِعَةُ لَوْ حَلَفْتُ عَلَيْهَا رَجَوْتُ أَنْ لاَ آثَمَ لاَ يَسْتُرُ اللهُ عَزَّ وَجَل عَبْداً في الدُّنْيَا إِلاَّ سَتَرَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ ) (256) .
57- ( ( الحميد :
اسم الله الحميد يدل على ذات الله وعلى صفة الحمد بدلالة المطابقة ، وعلى أحدهما بدلالة التضمن ، قال الله تعالى : ? وَهُوَ الله لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ ? [القصص:70] ، وقال سبحانه : ? فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الفُلكِ فَقُلِ الحَمْدُ لِلهِ الذِي نَجَّانَا مِنَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ ? [المؤمنون:28] ، وقال : ? فَلِلهِ الحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الأَرْضِ رَبِّ العَالَمِينَ ? [الجاثية:36] ، وعند البخاري من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ في يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ ، حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ ) (257) ، وعند البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ( كَانَ النبي S يَقُولُ في رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ سُبْحَانَكَ اللهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ ، اللهُمَّ اغْفِرْ لي ) (258) .(33/159)
واسم الله الحميد يدل باللزوم على الحياة والقيومية والسمع والبصر والعلم والقدرة والغنى والحكمة والعزة والعظمة والعطاء والرحمة والكرم والسعة ، والجمال والكمال وغير ذلك من أوصاف الجلال ، واسم الله الحميد دل على صفة من صفات الذات .
58- ( ( الحفيظ :
اسم الله الحفيظ يدل على ذات الله وعلى صفة الحفظ بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن وعلى الصفة وحدها بالتضمن ، والحفيظ على تقدير معنى العلم والإحاطة بكل شيء فإنه يدل على صفة من صفات الذات كقوله تعالى : ? إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ ? [هود:57] ، وعلى تقدير معنى الرعاية والتدبير فإنه يدل على صفة فعل كقوله : ? فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلغَيْبِ بِمَا حَفِظَ الله ? [النساء:34] ، وقوله سبحانه : ? وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ ? [الحجر:17] ، وقوله : ? وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا ? [البقرة:255] ، وعند مسلم من حديث أبي قتادة ( أن النبي S قال له : (حَفِظَكَ الله بِمَا حَفِظْتَ بِهِ نَبِيَّهُ ) (259) ، وعند الترمذي وصححه الألباني من حديث ابن عباس ( أن رسول الله قال له : ( احْفَظِ الله يَحْفَظْكَ احْفَظِ الله تَجِدْهُ تُجَاهَكَ .. الحديث ) (260)، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث ابن عمر ( أن النبي S قال : ( اللهمَّ احفظني مِنْ بَيْنِ يدي ، وَمِنْ خلفي ، وَعَنْ يميني ، وَعَنْ شمالي وَمِنْ فَوْقِي ، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تحتي ) (261) .(33/160)
وروى الحاكم في المستدرك وحسنه الألباني من حديث ابن مسعود ( : ( اللهم احفظني بالإسلام قائما واحفظني بالإسلام قاعدا واحفظني بالإسلام راقدا ) (262) ، واسم الله الحفيظ يدل باللزوم على الحياة والقيومية والسمع والبصر والعلم والقدرة والقوة والعزة وغير ذلك من صفات الكمال ، والاسم دل على صفة من صفات الذات والأفعال .
59- ( ( المجيد :
الاسم يدل على ذات الله وعلى صفة المجد كوصف ذات والتمجيد كوصف فعل بدلالة المطابقة ، وعلى الذات وحدها بالتضمن وعلى الصفة وحدها كذلك ، فمما ورد في وصف الذات ما رواه مسلم من حديث أبي سعيد ( قال : ( كَانَ رَسُولُ الله إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَالَ : رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ مِلءَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمِلءَ مَا شِئْتَ مِنْ شيء بَعْدُ ، أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالمَجْدِ ، أَحَقُّ مَا قَالَ العَبْدُ وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ ، اللهمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلاَ مُعْطِي لِمَا مَنَعْتَ ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ ) (263) ، وعند مسلم من حديث أبي هريرة ( أن النبي S قال عن رب العزة : ( وَإِذَا قَالَ : مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ قَالَ : مجدني عبدي ، وَقَالَ : مَرَّةً فَوَّضَ إِلَيََّ عبدي ) (264) ، وعند مسلم من حديث عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ ( أن النبي S قال : ( فَإِنْ هُوَ قَامَ فَصَلى فَحَمِدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَمَجَّدَهُ بالذي هُوَ لَهُ أَهْلٌ وَفَرَّغَ قَلبَهُ لِلهِ إِلاَّ انْصَرَفَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ) (265) .(33/161)
ومما ورد في وصف الفعل ما رواه أحمد بسند صحيح عن عبد الله بن عمر ( أنه قال : ( قَرَأَ رَسُولُ الله S هَذِهِ الآيَةَ وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ : ? وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون َ? ، قَالَ : ( يَقُولُ الله عَزَّ وَجَل : أَنَا الجَبَّارُ ، أَنَا المُتَكَبِّرُ ، أَنَا المَلِكُ ، أَنَا المُتَعَالِ ، يُمَجِّدُ نَفْسَهُ قَالَ : فَجَعَلَ رَسُولُ الله S يُرَدِّدُهَا حَتَّى رَجَفَ بِهِ المِنْبَرُ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيَخِرُّ بِهِ ) (266) ، والاسم يدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والسيادة والأحدية ، والغنى والصمدية ، وانتفاء الشبيه والمثلية ، ويدل على الكرم والسعة والجمال ، والعظمة والرفعة والجلال ، وغير ذلك من صفات الكمال .
60- ( ( الفتاح :
اسم الله الفتاح يدل على ذات الله وعلى صفة الفتح بدلالة المطابقة ، وعلى أحدهما بالتضمن ، قال تعالى : ? الذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ الله قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ ? [النساء:141] ، وقال سبحانه : ? مَا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ? [فاطر:2] ، وقال : ? قُل يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالحَقِّ وَهُوَ الفَتَّاحُ العَلِيمُ ? [سبأ:26] .(33/162)
وعند البخاري من حديث سهل بن سعد ( أن النبي S قال يوم خيبر : ( لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلاً يَفْتَحُ الله عَلَى يَدَيْهِ ) (267) ، وروى أيضا من حديث أبي هريرة ( أن النبي S قال : ( فَأَنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ العَرْشِ ، فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّى عَزَّ وَجَل ثُمَّ يَفْتَحُ الله عَلَي مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ قبلي ) (268) ، وعند البخاري من حديث أبي هريرة ( أن النبي S قال : (فَتَحَ الله مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلَ هَذَا ) (269) .
والاسم يدل باللزوم على الحياة والقيومية والسمع والبصر والعلم والقدرة والغنى والرحمة ، والعزة والقوة ، والعدل والحكمة وغير ذلك من أوصاف الكمال ، واسم الله الفتاح دل على صفة من صفات الأفعال .
61- ( ( الشهيد :(33/163)
اسم الله الشهيد يدل على ذات الله ، وعلى صفة الشهادة بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى الصفة وحدها بالتضمن ، قال تعالى : ? قُل أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ الله شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ? [الأنعام:19] ، وقال : ? لَكِنِ الله يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلمِهِ وَالمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِالله شَهِيداً ? [النساء:166] ، وقال : ? وَالله يَشْهَدُ إِنَّ المُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ? [المنافقون:1] ، وقال سبحانه : ? شَهِدَ الله أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالمَلائِكَةُ وَأُولُو العِلمِ قَائِماً بِالقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ? [آل عمران:18] ، وعند البخاري من حديث أبي بكرة ( أن النبي S قال يوم النحر : ( اللهمَّ اشْهَدْ ، فَليُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ ، فَرُبَّ مُبَلغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ ، فَلاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ ) (270) ، والاسم يدل باللزوم على الحياة والقيومية والسمع والبصر ، والعلم والإحاطة ، وغير ذلك من أوصاف الكمال ، واسم الله الشهيد دل على صفة من صفات الذات إن كان معناه المطلع الرقيب ، ودل على صفة من صفات الأفعال إن كان معناه من الشهادة وأنه الذي شهد لنفسه بالوحدانية وشهد لأهل الحق بصدقهم .
62- ( ( المقدم :
اسم الله المقدم يدل على ذات الله وعلى وصف التقديم بدلالة المطابقة وعلى أحدهما بدلالة التضمن ، قال الله تعالى : ? قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالوَعِيدِ ? [قّ:28] ، وقال سبحانه : ? قُل لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلا نَفْعاً إِلا مَا شَاءَ الله لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ ? [يونس:49] .(33/164)
وعند أحمد في المسند وصححه الألباني من حديث أبي سعيد الخدري ( أن رسول الله S قال : ( إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الجَنَّةِ مَنْزِلَةً رَجُلٌ صَرَفَ الله وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ قِبَلَ الجَنَّةِ ، وَمَثَّلَ لَهُ شَجَرَةً ذَاتَ ظِلٍّ ، فَقَالَ : أي رَبِّ قدمني إِلَى هَذِهِ الشَّجَرَةِ ؛ فَأَكُونَ في ظِلِّهَا ، فَقَالَ الله : هَل عَسَيْتَ إِنْ فَعَلتُ أَنْ تسألني غَيْرَهَا ؟ قَالَ : لاَ وَعِزَّتِكَ ، فَقَدَّمَهُ الله إِلَيْهَا ، وَمَثَّلَ لَهُ شَجَرَةً ذَاتَ ظِلٍّ وَثَمَرٍ ، فَقَالَ : أي رَبِّ قدمني إِلَى هَذِهِ الشَّجَرَةِ ؛ أَكُونُ في ظِلِّهَا ، وَآكُلُ مِنْ ثَمَرِهَا فَقَالَ الله لَهُ : هَل عَسَيْتَ إِنْ أَعْطَيْتُكَ ذَلِكَ أَنْ تسألني غَيْرَهُ ؟ فَيَقُولُ : لاَ وَعِزَّتِكَ ، فَيُقَدِّمُهُ الله إِلَيْهَا ) (271) ، والاسم يدل باللزوم على الحياة والقيومية والسمع والبصر والعلم والقدرة والغنى والعزة والعلو والعظمة وغير ذلك من أوصاف الكمال واسم الله المقدم دل على صفة من صفات الأفعال ، قال ابن القيم :
وهو المقدم والمؤخر ذانك الصفتان للأفعال تابعتان
وهما صفات الذات أيضا إذ هما بالذات لا بالغير قائمتان (272) .
63- ( ( المؤخر :(33/165)
اسم الله المؤخر يدل على ذات الله وعلى التأخير كوصف فعل بدلالة المطابقة وعلى ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى الصفة وحدها بالتضمن ، قال تعالى : ? وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله النَّاسَ بِظُلمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ ? [النحل:61] ، وقال : ? وَلَنْ يُؤَخِّرَ الله نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَالله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ? [المنافقون:11] ، وقال سبحانه : ? يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً إِنَّ أَجَلَ الله إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ? [نوح:4] ، وعند مسلم من حديث أبي سعيد ( أن رسول الله S رَأَى في أَصْحَابِهِ تَأَخُّرًا فقال لهم : ( تَقَدَّمُوا فَائْتَمُّوا بي وَليَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ لاَ يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ الله ) (273) ، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله S قال : ( لاَ يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ عَنِ الصَّفِّ الأَوَّلِ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ الله فِي النَّارِ ) (274) .(33/166)
وعند مسلم من حديث ابن مسعود ( أن أم حبيبة رضي الله عنها قالت : ( اللهمَّ أَمْتِعْنِي بِزَوْجِي رَسُولِ الله ، وَبِأَبِي أَبِي سُفيَانَ ، وَبِأَخِي مُعَاوِيَةَ ، فَقَالَ النَّبِي S : قَدْ سَأَلتِ الله لآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ ، وَأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ ، وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ ، لَنْ يُعَجِّلَ شَيْئًا قَبْلَ حِلِّهِ ، أَوْ يُؤَخِّرَ شَيْئًا عَنْ حِلِّهِ ، وَلَوْ كُنْتِ سَأَلتِ الله أَنْ يُعِيذَكِ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ ، أَوْ عَذَابٍ فِي القَبْرِ كَانَ خَيْرًا وَأَفْضَلَ ) (275) ، والاسم يدل باللزوم على ما دل عليه اسمه المقدم ، واسم الله المؤخر دل على صفة من صفات الأفعال .
64- ( ( المليك :
الاسم يدل على ذات الله وعلى صفة المِلك والمُلك معا بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن وعلى الصفة وحدها كذلك ، قال الله تعالى عن وصف التملك والملكية : ? مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ? [الفاتحة:4] ، وقال : ? قُل فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً بَل كَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً ? [الفتح:11] ، وقال عن وصف الملك : ? الذِي لَهُ مُلكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي المُلكِ وَخَلَقَ كُل شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً ? [الفرقان:2] ، وقال : ? لِلهِ مُلكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ? [المائدة:120] ، وقال عن الوصفين : ? قُلِ اللهمَّ مَالِكَ المُلكِ تُؤْتِي المُلكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ المُلكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ? [آل عمران:26] ، والاسم يدل باللزوم على ما دل عليه اسمه المالك والملك ، واسم الله المليك دل على صفة من صفات الذات .(33/167)
65- ( ( المقتدر :
واسم الله المقتدر يدل على ذات الله وعلى صفة التقدير والقدرة معا بدلالة المطابقة وعلى ذات الله وحدها بالتضمن وعلى الصفة وحدها بالتضمن ، قال تعالى : ? وَكَانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً ? [الأحزاب:38] ، وقال : ? الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً? [الفرقان:2] ، وقال سبحانه : ? وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً ? [الفتح:21] ، والاسم يدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والغنى والأحدية ، والسمع والبصر ، والعلم والحكمة ، والقوة والعزة والكبرياء والعظمة وكل ما ذكر من دلالة اللزوم في اسم الله القادر والقدير وغير ذلك من صفات الكمال ، واسم الله المقتدر دل على صفة من صفات الذات والأفعال .
66- ( ( المسعر :
اسم الله المسعر يدل على ذات الله وعلى صفة التسعير بدلالة المطابقة وعلى ذات الله وحدها بالتضمن وعلى الصفة وحدها بالتضمن قال تعالى : ? وَإِذَا الجَحِيمُ سُعِّرَتْ ? [التكوير:12] ، وقال : ? وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً ? [الإسراء:97] ، وعند الترمذي وصححه الشيخ الألباني من حديث أبي هريرة ( أن النبي S قال : ( إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ يَنْزِلُ إِلَى العِبَادِ لِيَقْضِي بَيْنَهُمْ ، وَكُلُّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٌ ... إلى أن قال : يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أُولَئِكَ الثَّلاَثَةُ أَوَّلُ خَلقِ الله تُسَعَّرُ بِهِمُ النَّارُ يَوْمَ القِيَامَةِ .. الحديث ) (276) ، والاسم يدل باللزوم على الحياة والقيومية والسمع والبصر والعلم والقدرة والعزة والقوة والعدل والحكمة وغير ذلك من أوصاف الكمال واسم الله المسعر دل على صفة من صفات الأفعال .(33/168)
67- ( ( القابض :
الاسم يدل على ذات الله وعلى صفة القبض بدلالة المطابقة وعلى أحدهما بدلالة التضمن ، قال تعالى : ? أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّل وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً ? [الفرقان:45/46] ، وقال سبحانه : ? وَالله يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ? [البقرة:245] ، وقال : ? وَمَا قَدَرُوا الله حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ ? [الزمر:67] ، وعند البخاري من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( يَقْبِضُ اللهُ الأَرْضَ ، وَيَطْوِي السَّمَاوَاتِ بِيَمِينِهِ ، ثُمَّ يَقُولُ : أَنَا المَلِكُ أَيْنَ مُلُوكُ الأَرْضِ ؟ ) (277) ، والاسم يدل باللزوم على الحياة والقيومية والسمع والبصر والعلم والقدرة ، والقوة والعظمة وغير ذلك من صفات الكمال ، واسم الله القابض دل على صفة من صفات الأفعال .
68- ( ( الباسط :(33/169)
اسم الله الباسط يدل على ذات الله وعلى صفة البسط بدلالة المطابقة ، وعلى أحدهما بدلالة التضمن ، قال تعالى : ? وَلَوْ بَسَطَ الله الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ? [الشورى:27] ، وقال : ? الله يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ? [الرعد:26] ، وقال سبحانه : ? الله الذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ ? [الروم:48] ، وعند مسلم من حديث أنس ( أن رسول الله S قال : ( مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ في رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ في أَثَرِهِ فَليَصِل رَحِمَهُ ) (278) ، وروى أيضا من حديث أبي موسى الأشعري ( أن النبي S قال : ( إِنَّ الله عَزَّ وَجَل يَبْسُطُ يَدَهُ بِالليْلِ لِيَتُوبَ مسيء النَّهَارِ ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مسيء الليْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ) (279) ، وعنده أيضا من حديث أبي هريرة ( في نزول الرب تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر أن النبي S قال : ( ثُمَّ يَبْسُطُ يَدَيْهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ : مَنْ يُقْرِضُ غَيْرَ عَدُومٍ وَلاَ ظَلُومٍ ) (280) ، والاسم يدل باللزوم على ما دل عليه اسمه القابض ، واسم الله الباسط دل على صفة من صفات الأفعال .
69- ( ( الرازق :(33/170)
اسم الله الرازق يدل على ذات الله وعلى صفة الرزق بدلالة المطابقة ، وعلى أحدهما بالتضمن ، قال تعالى : ? وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا الله يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ ? [العنكبوت:60] ، وقال : ? إِنَّ الذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ الله الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ? [العنكبوت:17] ، وقال سبحانه : ? وَلَوْ بَسَطَ الله الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ? [الشورى:27] ، وعند ابن ماجة وصححه الألباني من حديث جابر بن عبد الله ( أن رسول الله S قال : ( أَيُّهَا النَّاسُ ، اتَّقُوا الله وَأَجْمِلُوا في الطَّلَبِ ؛ فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِي رِزْقَهَا وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا ؛ فَاتَّقُوا الله وَأَجْمِلُوا في الطَّلَبِ ، خُذُوا مَا حَل وَدَعُوا مَا حَرُمَ ) (281) ، وعند مسلم من حديث جابر ( أن رسول الله S قال : ( لاَ يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ ، دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقِ الله بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ ) (282) ، والاسم يدل باللزوم على الحياة والقيومية والسيادة والأحدية والغنى والصمدية والسمع والبصر والعلم والقدرة والعدل والحكمة غير ذلك من صفات الكمال ، واسم الله الرازق دل على صفة من صفات الأفعال .
70- ( ( القاهر :(33/171)
اسم الله القاهر يدل بالمطابقة والتضمن واللزوم على ما دل عليه اسمه القهار ، غير أن اسمه القهار مبالغة في الدلالة على الوصف لكثرة الفعل ، فالقاهر هو الذي له علو القهر الكلي المطلق باعتبار قهر الكل في الجملة ، وعلى اختلاف تنوعهم ، فهو قاهر فوق عباده ، له علو القهر مقترنا بعلو الشأن والفوقية ، أما القهار فهو الذي له علو القهر باعتبار الكثرة وتعيين الجزء ، أو باعتبار نوعية المقهور ، والاسمان يدلان على صفة من صفات الأفعال .
71- ( ( الديان :
الاسم يدل على ذات الله وعلى وصف الدينونة بدلالة المطابقة ، وعلى أحدهما بالتضمن ، قال تعالى : ? قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنْ المُصَدِّقِينَ أئذا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ ? [الصافات:51/53] ، وروايات السنة في ذكر الوصف ضعيفة كما في حديث أبي قلابة ( أن رسول الله S قال : ( البر لا يبلى والذنب لا ينسى والديان لا يموت ، اعمل ما شئت كما تدين تدان ) (283) .
والاسم يدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والسمع والبصر والعلم والقدرة والملك والعظمة ، والكبرياء العزة ، والعدل والحكمة وغير ذلك من صفات الكمال واسم الله الديان دل على صفة من صفات الأفعال .
72- ( ( الشاكر :
اسم الله الشاكر يدل بالمطابقة والتضمن واللزوم على ما دل عليه اسمه الشكور غير أن اسمه الشكور مبالغة في الدلالة على الوصف لكثرة الفعل ، قال تعالى : ? مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً ? [النساء:147] ، والاسمان يدلان على صفة من صفات الأفعال .
73- ( ( المنان :(33/172)
اسم الله المنان يدل على ذات الله وعلى وصف المنة بدلالة المطابقة ، وعلى أحدهما بالتضمن ، قال تعالى : ? يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ الله يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ? [الحجرات:17] ، وقال سبحانه : ? لَقَدْ مَنَّ الله عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ? [آل عمران:164] ، وقال : ? قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ الله يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلطَانٍ إِلا بِإِذْنِ الله وَعَلَى الله فَليَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ ? [إبراهيم:11] ، وعند مسلم من حديث معاوية ( أن رسول الله S خَرَجَ عَلَى حَلقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ : ( مَا أَجْلَسَكُمْ ؟ قَالُوا جَلَسْنَا نَذْكُرُ الله وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلإِسْلاَمِ وَمَنَّ بِهِ عَلَيْنَا ، قَالَ : الله مَا أَجْلَسَكُمْ إِلاَّ ذَاكَ قَالُوا : وَالله مَا أَجْلَسَنَا إِلاَّ ذَاكَ قَالَ : أَمَا إني لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ وَلَكِنَّهُ أتاني جِبْرِيلُ فأخبرني أَنَّ الله عَزَّ وَجَل يُبَاهِي بِكُمُ المَلاَئِكَةَ ) (284) ، والاسم يدل باللزوم على الحياة والقيومية والسمع والبصر والعلم والكرم والسعة والعطاء والرحمة ، وغير ذلك من صفات الكمال ، واسم الله المنان دل على صفة من صفات الأفعال .
74- ( ( القادر :(33/173)
اسم الله القادر يدل على ذات الله وصفة التقدير بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى الصفة وحدها بالتضمن ، قال تعالى : ? وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ? [الحجر:21] ، وقال : ? وَالقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالعُرْجُونِ القَدِيمِ ? [يس:39] ، وقال : ? إِنَّا كُل شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَر ٍ? [القمر:49] ، وقال سبحانه : ? إِنَّ الله بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ الله لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ? [الطلاق:3] .
وعند البخاري من حديث عمر ( لما رجع عن البلد التي فيها الطاعون قال له أبو عبيدة ( : ( أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ الله ؟ فَقَالَ عُمَرُ : لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ ، نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ الله إِلَى قَدَرِ الله ، أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ إِبِلٌ هَبَطَتْ وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ إِحْدَاهُمَا خَصِبَةٌ ، وَالأُخْرَى جَدْبَةٌ ، أَلَيْسَ إِنْ رَعَيْتَ الخَصْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ الله ، وَإِنْ رَعَيْتَ الجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ الله ، فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ، وَكَانَ مُتَغَيِّبًا في بَعْضِ حَاجَتِهِ فَقَالَ : إِنَّ عندي في هَذَا عِلمًا سَمِعْتُ رَسُولَ الله يَقُولُ : إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ ، قَالَ : فَحَمِدَ الله عُمَرُ ثُمَّ انْصَرَفَ ) (285) .(33/174)
وعند مسلم من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( المُؤْمِنُ القَوِي خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى الله مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِالله وَلاَ تَعْجِزْ ، وَإِنْ أَصَابَكَ شيء فَلاَ تَقُل لَوْ أَنِّي فَعَلتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا ، وَلَكِنْ قُل قَدَرُ الله وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ ) (286) ، والاسم يدل باللزوم على الحياة والقيومية والسمع والبصر ، والعلم والحكمة والغنى والعزة ، وغير ذلك من صفات الكمال واسم الله القادر دل على صفة من صفات الذات والأفعال .
75- ( ( الخلاق :
الاسم يدل بالمطابقة والتضمن واللزوم على ما دل عليه اسمه الخالق غير أن الخلاق مبالغة في الدلالة على الوصف لكثرة الفعل ، فالخالق هو الذي ينشئ الشيء من العدم بتقدير وعلم ثم بتصنيع وخلق عن قدرة وغنى ، أما الخلاق فهو الذي يبدع في خلقه كما وكيفا على مثال وغير مثال ، والاسمان يدلان على صفة من صفات الأفعال .
76- ( ( المالك :
اسم الله المالك يدل على ذات الله وعلى صفة الملكية بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى الصفة وحدها بالتضمن ، قال تعالى : ? قُلِ اللهمَّ مَالِكَ المُلكِ تُؤْتِي المُلكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ المُلكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ? [آل عمران:26] ، والاسم يدل باللزوم على الحياة والقيومية فلا يمكن أن يكون المالك ميتا أو غافلا عن ملكه وإلا زال بعضه أو كله ، وكذلك فإن اسم الله المالك يدل باللزوم على العلم والمشيئة والقدرة ، والعزة والعظمة والقوة والقبض والبسط ، والإعطاء والمنع ، والسمع والبصر ، والحكمة والخبرة .(33/175)
والله عز وجل لما ذكر في الآية السابقة ملكيته للأشياء وأنه الذي يمنحها لمن يشاء ذكر بعدها القدرة كلازم لذلك ، فاسم الله المالك يدل على هذه الصفات وغيرها من صفات الكمال باللزوم ، والاسم دل على صفة ذات .
77- ( ( الرزاق :
اسم الله الرزاق يدل بالمطابقة والتضمن واللزوم على ما دل عليه اسمه الرازق غير أن اسمه الرزاق مبالغة في الدلالة على الوصف لكثرة الفعل ، فالرازق هو الذي قدر أرزاق الخلائق على الجملة في التقدير الأزلي قبل وجودهم ، وتكفل باستكمالها لهم حين خلقهم ، والرزاق سبحانه هو الذي يتولى تنفيذ العطاء لهم في التقدير المفصل سواء العمري أو السنوي أو اليومي ، أو ما يخص كل فرد من كل جنس على اختلاف تنوعه في الوجود زمانا ومكانا ، والاسمان يدلان على صفة من صفات الأفعال .
78- ( ( الوكيل :(33/176)
الاسم يدل على ذات الله وعلى صفة التوكل بالغير بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى الصفة وحدها بالتضمن ، روى أحمد في المسند وصححه الألباني من حديث أبي هريرة ( أن النبي S قال : ( تَوَكَّلَ الله عَزَّ وَجَل بِحِفْظِ امْرِئٍ خَرَجَ في سَبِيلِ الله لاَ يُخْرِجُهُ إِلاَّ الجِهَادُ في سَبِيلِ الله وَتَصْدِيقٌ بِكَلِمَاتِ الله حَتَّى يُوجِبَ لَهُ الجَنَّةَ أَوْ يُرْجِعَهُ إِلَى بَيْتِهِ أَوْ مِنْ حَيْثُ خَرَجَ ) (287) ، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث ابن حوالة ( أن النبي S قال : ( عَلَيْكَ بِالشَّامِ فَإِنَّهَا خِيَرَةُ الله مِنْ أَرْضِهِ ، يَجْتَبِي إِلَيْهَا خِيَرَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ ؛ فَأَمَّا إِنْ أَبَيْتُمْ فَعَلَيْكُمْ بِيَمَنِكُمْ ، وَاسْقُوا مِنْ غُدُرِكُمْ ، فَإِنَّ الله تَوَكَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ ) (288) ، وقال تعالى : ? وَلِلهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِالله وَكِيلاً ? [النساء:132] ، وقال : ? إِنِّي تَوَكَّلتُ عَلَى الله رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ? [هود:56] ، والاسم يدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والسيادة والصمدية ، والعظمة والأحدية ، والسمع والبصر ، والعلم والقدرة ، والغنى والقوة ، والعزة والحكمة ، وغير ذلك من صفات الكمال ، واسم الله الوكيل دل على صفة من صفات الأفعال .
79- ( ( الرقيب :(33/177)
اسم الله الرقيب يدل على ذات الله وعلى صفة الرقابة بدلالة المطابقة ، وعلى أحدهما بالتضمن ، ولم يرد الوصف نصا وإن ورد بالمعنى عند أبي داود وصححه الألباني من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( كَانَ رَجُلاَنِ في بَنِي إِسْرَائِيلَ مُتَآخِيَيْنِ ، فَكَانَ أَحَدُهُمَا يُذْنِبُ وَالآخَرُ مُجْتَهِدٌ في الْعِبَادَةِ ، فَكَانَ لاَ يَزَالُ الْمُجْتَهِدُ يَرَى الآخَرَ عَلَى الذَّنْبِ ، فَيَقُولُ : أَقْصِرْ ، فَوَجَدَهُ يَوْمًا عَلَى ذَنْبٍ ؛ فَقَالَ لَهُ : أَقْصِرْ ، فَقَالَ خَلِّنِي وَرَبِّي ، أَبُعِثْتَ عَلَىَّ رَقِيبًا ؟ فَقَالَ : وَاللَّهِ لاَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ ، أَوْ لاَ يُدْخِلُكَ اللَّهُ الْجَنَّةَ فَقُبِضَ أَرْوَاحُهُمَا ؛ فَاجْتَمَعَا عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، فَقَالَ لِهَذَا الْمُجْتَهِدِ : أَكُنْتَ بِي عَالِمًا أَوْ كُنْتَ عَلَى مَا فِي يَدِي قَادِرًا ، وَقَالَ لِلْمُذْنِبِ : اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي ، وَقَالَ لِلآخَرِ اذْهَبُوا بِهِ إِلَى النَّارِ ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ ( : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَوْبَقَتْ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ ) (289) ، والاسم يدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والسمع والبصر والعلم والإحاطة وغير ذلك من صفات الكمال ، واسم الله الرقيب دل على صفة من صفات الذات .
80- ( ( المحسن :(33/178)
الاسم يدل على ذات الله وعلى صفة الإحسان بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن وعلى الصفة وحدها بالتضمن ، قال تعالى : ? خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ المَصِيرُ ? [التغابن:3] ، وقال : ? الذِي أَحْسَنَ كُل شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلقَ الإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ ? [السجدة:7] ، وقال : ? ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلقا آخَرَ فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخَالِقِينَ ? [المؤمنون:14] ، وقال عن يوسف ( : ? قَالَ مَعَاذَ الله إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ? [يوسف:23] ، وقال عن قوم قارون لما خرج عليهم في زينته : ? وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ الله الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ الله إِلَيْكَ ? [القصص:77] ، والاسم يدل باللزوم على الحياة والقيومية والسمع والبصر والعلم والقدرة والغني والعزة واللطف والرحمة والكرم والرأفة ، وغير ذلك من صفات الكمال ، واسم الله المحسن دل على صفة من صفات الذات إن كان مشتقا من الفعل اللازم ، وإن كان من أحسن المتعدي فهو من صفات الأفعال .
81- ( ( الحسيب :(33/179)
اسم الله الحسيب يدل على ذات الله وعلى الحسب كوصف ذات والمحاسبة كوصف فعل بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى الصفة وحدها بالتضمن ، قال تعالى : ? لِلهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ الله فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَالله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ? [البقرة:284] ، وقال تعالى : ? فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً ? [الانشقاق:7/8] ، وعند البخاري من حديث عمر بن الخطاب ( أنه قال : ( إِنَّ أُنَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بالوحي في عَهْدِ رَسُولِ الله S ، وَإِنَّ الوحي قَدِ انْقَطَعَ ، وَإِنَّمَا نَأْخُذُكُمُ الآنَ بِمَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ ، فَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَمِنَّاهُ وَقَرَّبْنَاهُ ، وَلَيْسَ إِلَيْنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شيء الله يُحَاسِبُهُ في سَرِيرَتِهِ ، وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءًا ، لَمْ نَأْمَنْهُ ، وَلَمْ نُصَدِّقْهُ ، وَإِنْ قَالَ إِنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ ) (290) ، وعند البخاري في من حديث أبي بكرة ( أنه قال : ( أَثْنَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ عِنْدَ النبي فَقَالَ : وَيْلَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ ، قَطَعْتَ عُنَقَ صَاحِبِكَ مِرَارًا ، ثُمَّ قَالَ : مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَادِحًا أَخَاهُ لا مَحَالَةَ فَليَقُل أَحْسِبُ فُلاَنًا ، وَالله حَسِيبُهُ ، وَلاَ أُزَكِّي عَلَى الله أَحَدًا ، أَحْسِبُهُ كَذَا وَكَذَا إِنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهُ ) (291) ، والاسم يدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والعلم الأحدية والقدرة والصمدية ، والغنى والقوة ، والعزة والعظمة وغير ذلك من صفات الكمال واسم الله الحسيب دل على صفة ذات إن كان مشتقا من الفعل اللازم ، ودل على صفة فعل إن كان مشتقا من الفعل المتعدي(33/180)
.
82- ( ( الشافي :
الاسم يدل على ذات الله وعلى صفة الشفاء بدلالة المطابقة ، وعلى أحدهما بالتضمن ، قال تعالى : ? قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ الله بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ? [التوبة:14] ، وقال تعالى عن نبيه إبراهيم S : ? وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ? [الشعراء:80] .
وعند مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ( كَانَ إِذَا اشْتَكَى رَسُولُ الله رَقَاهُ جِبْرِيلُ ، قَالَ : بِاسْمِ الله يُبْرِيكَ ، وَمِنْ كُلِّ دَاءٍ يَشْفِيكَ ، وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ وَشَرِّ كُلِّ ذي عَيْنٍ ) (292) ، وعند الترمذي وصححه الألباني من حديث ابن عباس ( أن النبي S قال : ( مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ فَقَالَ عِنْدَهُ سَبْعَ مِرَارٍ : أَسْأَلُ الله العَظِيمَ رَبَّ العَرْشِ العَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ إِلاَّ عَافَاهُ الله مِنْ ذَلِكَ المَرَضِ ) (293) ، والاسم يدل باللزوم على الحياة والقيومية والسمع والبصر والعلم والقدرة والخبرة والحكمة والغنى والقوة وغير ذلك من صفات الكمال ، واسم الله الشافي دل على صفة من صفات الأفعال .
83- ( ( الرفيق :(33/181)
اسم الله الرفيق يدل على ذات الله وعلى صفة الرفق بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى الصفة وحدها بالتضمن ، روى مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله S قال : ( اللهمَّ مَنْ وَلِيََ مِنْ أَمْرِ أمتي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ ، وَمَنْ وَلِي مِنْ أَمْرِ أمتي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ ) (294) ، وقال تعالى : ? وَإِذِ اعْتَزَلتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلا الله فَأْوُوا إِلَى الكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً ? [الكهف:16] ، والاسم يدل باللزوم على الحياة والقيومية ، واللطف والرحمة والإحسان والحكمة وغير ذلك من صفات الكمال ، واسم الله الرفيق دل على صفة من صفات الأفعال .
84- ( ( المعطي :(33/182)
اسم الله المعطي يدل على ذات الله وعلى صفة العطاء بدلالة المطابقة ، وعلى أحدهما بالتضمن ، قال تعالى : ? كُلاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً ? [الإسراء:20] ، وقال سبحانه : ? قَالَ رَبُّنَا الذِي أَعْطَى كُل شَيْءٍ خَلقَهُ ثُمَّ هَدَى َ? [طه:50] ، وقال : ? جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَاباً ? [النبأ:36] ، وقال : ? إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الكَوْثَرَ ? [الكوثر:1] ، وعند البخاري من حديث معاوية ( أن النبي S قال : ( مَنْ يُرِدِ الله بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ ، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَيُعْطِي الله .. الحديث ) (295) ، وعند مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أن الرسول S قال : ( يَا عَائِشَةُ إِنَّ الله رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لاَ يُعْطِي عَلَى العُنْفِ وَمَا لاَ يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ ) (296) ، وعند البخاري من حديث المغيرة ( أن النبي S كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة : ( لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهْوَ عَلَى كُلِّ شيء قَدِيرٌ ، اللهمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ ، وَلاَ مُعْطِىَ لِمَا مَنَعْتَ ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ ) (297) ، والاسم يدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والسيادة والصمدية والعزة والأحدية ، والسمع والبصر والعلم القدرة والغنى ، والقوة والحكمة ، وغير ذلك من صفات الكمال ، واسم الله المعطي دل على صفة من صفات الأفعال .
85- ( ( المقيت :(33/183)
اسم الله المقيت يدل على ذات الله وعلى وصف الإقاتة بدلالة المطابقة ، وعلى أحدهما بالتضمن ، ولم أقف على نص صريح فيه ذكر الوصف ، وإن كان الاسم يتضمنه ، وورد بالمعنى عند الإمام البخاري من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( اللَّهُمَّ ارْزُقْ آلَ مُحَمَّدٍ قُوتًا ) (298) ، وفي رواية مسلم : ( اللَّهُمَّ اجْعَل رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا ) (299) ، والاسم يدل باللزوم على الحياة والقيومية والغني والقوة والسيادة والصمدية وغير ذلك من أوصاف الكمال التي دل عليها اسمه الرزاق والمعطي ، واسم الله المقيت دل على صفة من صفات الأفعال .
86- ( ( السيد :
الاسم يدل على ذات الله وعلى صفة السيادة بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى الصفة وحدها بالتضمن ، ويدل باللزوم على الحياة والقيومية والعزة الأحدية ، والسمع والبصر والقوة ، والعلم والمشيئة والقدرة ، والعدل والحكمة وغير ذلك من أوصاف الكمال ، واسم الله السيد دل على صفة من صفات الذات .
87- ( ( الطيب :
اسم الله الطيب يدل على ذات الله وعلى وصف الطيبة بدلالة المطابقة ، وعلى أحدهما بالتضمن ، ولم يرد الوصف في السنة إلا في روايات ضعيفة كما ورد عند أبي داود من حديث ابن عباس ( مرفوعا : ( إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضِ الزَّكَاةَ إِلاَّ لِيُطَيِّبَ مَا بَقِي مِنْ أَمْوَالِكُمْ وَإِنَّمَا فَرَضَ المَوَارِيثَ لِتَكُونَ لِمَنْ بَعْدَكُمْ .. الحديث ) (300) .(33/184)
وورد عند البخاري من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلاَ يَقْبَلُ اللَّهُ إِلاَّ الطَّيِّبَ وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ ) (301) ، وعنده أيضا من حديثه ( أن النبي S قال : ( وَلَخَلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ ) (302) .
وقال تعالى : ? وَسِيقَ الذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ? [الزمر:73] ، وقال : ? قُل مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله التِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُل هِيَ لِلذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ القِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ? [لأعراف:32] ، والاسم يدل باللزوم على الحياة والقيومية ، وجميع أنواع الكمال في الصفات الإلهية كالعلم والأحدية والقدرة والصمدية والغنى والعزة والجلال والعظمة ، وسائر ما علمنا وما لم نعلم من أسمائه وصفاته ، واسم الله الطيب دل على صفة من صفات الذات والفعل معا .
88- ( ( الحكم :(33/185)
اسم الله الحكم يدل على ذات الله وعلى وصف الحكم بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى الصفة وحدها بالتضمن ، قال تعالى : ? ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ الله وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالحُكْمُ لِلهِ العَلِيِّ الكَبِيرِ ? [غافر:12] ، وقال سبحانه : ? قَالَ الذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ الله قَدْ حَكَمَ بَيْنَ العِبَادِ ? [غافر:48] ، وقال تعالى : ? إِنَّ الله يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ ? [المائدة:1] ، وقال : ? وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ الله وَهُوَ خَيْرُ الحَاكِمِينَ ? [يونس:109] ، وعند البخاري من حديث سهل بن حنيف أن عمر بن الخطاب ( قال للنبي S يوم الحديبية : ( فَعَلَى مَا نُعْطِي الدَّنِيَّةَ في دِينِنَا ، أَنَرْجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمِ الله بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ .. الحديث ) (303) ، وعند مسلم من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( مَا مِنْ صَاحِبِ كَنْزٍ لاَ يُؤَدِّي زَكَاتَهُ إِلاَّ أُحْمِىَ عَلَيْهِ في نَارِ جَهَنَّمَ فَيُجْعَلُ صَفَائِحَ فَيُكْوَى بِهَا جَنْبَاهُ وَجَبِينُهُ حَتَّى يَحْكُمَ الله بَيْنَ عِبَادِهِ في يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلفَ سَنَةٍ ، ثُمَّ يُرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ ) (304) .
والاسم يدل باللزوم على الحياة والقيومية والأولية والآخرية والسمع والبصر والعلم والقدرة ، والعزة والعظمة ، والغنى والقوة ، والعدل والحكمة ، والإحاطة والخبرة وغير ذلك من صفات الكمال ، واسم الله الحكم دل على صفة من صفات الأفعال .
89- ( ( الأكرم :(33/186)
اسم الله الأكرم يدل بالمطابقة والتضمن واللزوم على ما دل عليه اسمه الكريم غير أن اسمه الأكرم يدل مع وصف الكرم على علو الشأن فيه وسموه على كل كرم ، فهو المنفرد المتوحد بأنواع الكرم الذاتي والفعلي ، وله العلو المطلق على خلقه في عظمة الوصف وحسنه ، فالاسم دل جمال الكمال وكمال الجمال ، والاسمان يدلان على صفة من صفات الذات والأفعال .
90- ( ( البر :
يدل الاسم على ذات الله وعلى صفة البر والإبرار بدلالة المطابقة ، وعلى أحدهما بالتضمن ، وقد ورد الوصف عند البخاري من حديث أنس بن مالك ( أن النبي S قال : ( إِنَّ مِنْ عِبَادِ الله مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى الله لأَبَرَّهُ ) (305) ، والاسم يدل باللزوم على الحياة والقيومية والعلم والأحدية والقدرة والصمدية والسمع والبصر والحكمة والغنى والقوة والرحمة ، والود واللطف والرفق ، والكرم والرأفة والبسط ، وغير ذلك من صفات الكمال ، واسم الله البر دل على صفة من صفات الأفعال .
91- ( ( الغفار :
اسم الله الغفار يدل بالمطابقة والتضمن واللزوم على ما دل عليه اسمه الغفور غير أن الغفار مبالغة في الدلالة على الوصف لأنه من جهة الاشتقاق اللغوي للأسماء فإن وزن فعَّال أدل على المبالغة من فَعُول ، كما أن وزن فعَّال مرتبط بمعنى التكرار والوقوع وقتا بعد وقت ، أما فعول فيد على قوة الوصف وثباته ، ولذلك قيل : إن الغفور هو من يغفر الذنوب العظام ، والغفار هو من يغفر الذنوب الكثيرة ، غفور للكيف في الذنب وغفار للكم فيه ، والاسمان يدلان على صفة من صفات الأفعال .
92- ( ( الرءوف :(33/187)
اسم الله الرءوف يدل على ذات الله وعلى صفة الرأفة بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى صفة الرأفة وحدها بدلالة التضمن ، ولم أقف على نص صحيح في التصريح بالوصف ، وقد وردت رواية شديدة الضعف من حديث جابر بن عبد الله ( أن رسول الله S قال : ( فكيف بكم إذا لم يرأف الله بكم ولم يرحمكم ؟ قالوا : وكائن ذلك يا رسول الله ؟ قال : أي والذي بعث محمدا بالحق إذا استعمل عليكم شراركم فقد تخلى الله عنكم ) (306) ، وهذه الرواية لا يصح الاحتجاج بها ، وقد ذكر الله تعالى أنه جعل الرأفة في قلوب بعض عباده فقال : ? وَجَعَلنَا فِي قُلُوبِ الذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً ? [الحديد:27] ، والاسم يدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والعلم والرحمة واللطف والإحسان ، وغير ذلك من أوصاف الكمال ، واسم الله الرءوف دل على صفة من صفات الأفعال .
93- ( ( الوهاب :(33/188)
اسم الله الوهاب يدل على ذات الله وعلى صفة الوهب بدلالة المطابقة ، وعلى أحدهما بالتضمن ، روى البيهقي في سننه وصححه الألباني من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله S قال : ( إِنَّ أَوْلاَدَكُمْ هِبَةُ اللَّهِ لَكُمْ ، يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ ؛ فَهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ لَكُمْ إِذَا احْتَجْتُمْ إِلَيْهَا ) (307) ، وقال تعالى : ? وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ العَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ? [ص:30] ، وقال سبحانه : ? وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً ? [مريم:53] ، وقال : ? فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاً جَعَلنَا نَبِيّاً ? [مريم:49] ، والاسم يدل باللزوم على الحياة والقيومية والسيادة والصمدية ، والسمع والبصر ، والعلم والقدرة ، والغنى والعزة ، والملك والعظمة ، والقوة والحكمة ، وغير ذلك من صفات الكمال ، واسم الله الوهاب دل على صفة من صفات الأفعال .
94- ( ( الجواد :
الاسم يدل على ذات الله وعلى صفة الجود بدلالة المطابقة ، وعلى أحدهما بالتضمن ، وقد ورد الوصف في حديث ضعيف رواه البيهقي من حديث أنس بن مالك ( أن رسول الله S قال : ( هل تدرون من أجود جودا ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم قال : الله تعالى أجود جودا ، ثم أنا أجود بني آدم ، وأجودهم من بعدي رجل علم علما فنشره يأتي يوم القيامة أميرا وحده ، أو قال أمة وحده ) (308) ، قال ابن القيم :
وهو الجواد فجوده عم الوجود جميعه بالفضل والإحسان
وهو الجواد فلا يخيب سائلا ولو أنه من أمة الكفران (309) .(33/189)
واسم الله الجواد يدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والسمع والبصر ، والعلم والقدرة ، والغنى والعزة ، والجلال والقوة ، وغير ذلك من أوصاف الكمال ، والاسم دل على صفة من صفات الذات إن كان تقدير معناه اتصاف الله بالحسن الذاتي والكمال الإلهي ، ووصف فعل إن كان تقدير معناه الإفاضة بالنعم على الخلائق .
95- ( ( السبوح :
اسم الله السبوح يدل على ذات الله وعلى وصف السُّبْحَة بدلالة المطابقة ، وعلى أحدهما بالتضمن ، روى مسلم من حديث أَبِي موسى ( أنه قال : ( قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ S بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ ، وذكر منها ، حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ ) (310) ، وقال تعالى : ? فَسُبْحَانَ الذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ? [يس:83] ، وقال سبحانه : ? فَسُبْحَانَ الله حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ? [الروم:17] ، وقد نزه الله نفسه وسبحها عن وصف العباد له إلا ما وصف المرسلون فقال تعالى : ? سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ? [الصافات:180/181] ، وقال : ? وَقَالُوا اتَّخَذَ الله وَلَداً سُبْحَانَهُ بَل لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ ? [البقرة:116] ، وقال تعالى : ? سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبِّ العَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ? [الزخرف:82] ، والاسم يدل باللزوم على الحياة والقيومية والكمال المطلق في الذات والصفات والأفعال ، واسم الله السبوح دل على صفة من صفات الذات إن كان تقدير معناه المنزه في ذاته وأوصافه وأفعاله ، ووصف فعل إن كان تقدير معناه الذي نزه نفسه عن كل نقص وعيب .
96- ( ( الوارث :(33/190)
اسم الله الوارث يدل على ذات الله وعلى صفة الوراثة بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى الصفة وحدها بالتضمن ، قال تعالى : ? وَلِلهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ? [آل عمران:180] ، وقال : ? وَمَا لَكُمْ أَلا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ? [الحديد:10] ، وهاتان الآيتان أقرب في الدلالة على صفة الذات ، فاسم الله الوارث إن كان تقدير معناه الباقي الدائم الذي يؤول إليه الإرث دل على وصف ذات ، وإن كان معناه الوارث لجميع الأشياء بعد زوال من شاء من خلقه ، أو توريث من شاء ما شاء في ملكه دل على وصف فعل قال تعالى : ? وَقَالُوا الحَمْدُ لِلهِ الذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ العَامِلِينَ ? [الزمر:74] ، وقال : ? وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرائيلَ الكِتَابَ ? [غافر:53] ، وقال سبحانه : ? قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِالله وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ ? [الأعراف:128] ، والنصوص في ذلك كثيرة ، والاسم يدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والقوة والأحدية ، والقدرة والصمدية ، والكبرياء والعزة ، والملك والعظمة ، وغير ذلك من أوصاف الكمال .
97- ( ( الرب :(33/191)
الرب اسم يدل على ذات الله وعلى صفة الربوبية بدلالة المطابقة وعلى ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى الصفة وحدها بالتضمن ، ويدل باللزوم على الحياة والقيومية والسمع والبصر والعلم ، والمشيئة والقدرة ، والملك والغنى والقوة ، والإحياء والإبقاء والهداية ، والرزق والإمداد والعطاء ، والرعاية والإحاطة ، والعزة والرحمة ، والحكمة والخبرة ، وكل ما يلزم لتخليق الشيء وتصنيعه وإيجاده واختراعه ، فصفة الخالق أن يستغني بنفسه فلا يحتاج إلى غيره وأن يفتقر وإليه كل من سواه ، قال ابن القيم : ( دل البرهان الضروري والعقل الصريح على استغنائه سبحانه بنفسه ، وأنه الغني بذاته عن كل ما سواه ؛ فغناه من لوازم ذاته ولا يكون غنيا على الإطلاق إلا إذا كان قائما بنفسه ؛ إذ القيام بالغير يستلزم فقر القائم إلى ما قام به ) (311) .
والله عز وجل لما نفى الألوهية عمن سواه بين أن الرب المعبود الذي يخلق لا بد أن يتصف بالحياة والقوة ، والمشيئة والقدرة ، وكل ما يلزم للقيام بالنفس قبل إقامة الآخرين ، قال تعالى : ? وَالذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ? [النحل:20/21] ، وقال أيضا : ? يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ الله لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالمَطْلُوبُ مَا قَدَرُوا الله حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ الله لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ? [الحج:73/74] .(33/192)
واسم الله الرب يدل باللزوم أيضا على انفراد الله بتدبير أمر المخلوقات وتقدير أحوالهم ، والقيام على شئونهم ، واللطف بهم ، والعناية والهداية إلى ما يصلحهم والقضاء والحكم بينهم ، وتهيئة الكون لتحقيق الغاية من خلقهم ، وغير ذلك من صفات الكمال ، واسم الله الرب دل على صفة من صفات الذات والأفعال .
98- ( ( الأعلى :
اسم الله الأعلى يدل على ذات الله وعلى علو الشأن بدلالة المطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى الصفة وحدها بالتضمن ، ويدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والأحدية والصمدية ، وانتفاء الشبيه والمثلية ، واسم الله الأعلى يدل باللزوم على مطلق الجلال في الأسماء والصفات والأفعال ، وقد تقدم أن الجلال يدل على الكمال والجمال ، فأسماء الله كلها حسنى وكلها عظمى لأنه سبحانه الأعلى في كل وصف ، قال تعالى : ? تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الجَلالِ والإكرام ? [الرحمن:78] ، وفيها قراءتان كما تقدم (312) ؛ فالاسم نفسه موصوف بالجلال والإكرام أو يكون المسمى نفسه موصوفا بالجلال والإكرام ، فاسم الله الأعلى دل على مطلق الجلال في الذات والصفات والأفعال ، وليس ذلك إلا لرب العزة والجلال ، هو الملك العلي الأعلى ، له علو الذات والفوقية ، وله علو الشأن في كماله وجماله (313) .
99- ( ( الإله :(33/193)
اسم الله الإله يدل على ذات الله وعلى صفة الإلهية بالمطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى الصفة وحدها بالتضمن ، ويدل باللزوم على انفراده بالربوبية ، والحياة والقيومية ، والعظمة والصمدية ، وجلال الذات والأسماء والصفات الإلهية ، واسم الله الإله دل على صفة من صفات الذات ، وقد يذكر البعض أن توحيد الإلهية يتضمن توحيد الربوبية كقول ابن أبي العز شارح الطحاوية : ( فعلم أن التوحيد المطلوب هو توحيد الإلهية الذي يتضمن توحيد الربوبية ) (314) ، وهو لا يعني الدلالة اللفظية والوضعية لمقصود المتكلم والتي ذكرناها في أنواع الدلالات ، ولكنه يعني الدلالة الإيمانية ، وأن الذي يؤمن بتوحيد الإلهية سيؤمن حتما بتوحيد الربوبية .
قال أَبو الهيثم في قوله تعالى : ? مَا اتَّخَذَ الله مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ الله عَمَّا يَصِفُونَ ? [المؤمنون:91] ، ( لا يكون إِلهاً حتى يكون مَعْبوداً وحتى يكونَ لعابده خالقاً ورازقاً ومُدَبِّراً ، وعليه مقتدراً ، فمن لم يكن كذلك فليس بإِله ، وإِن عُبِدَ ظُلماً بل هو مخلوق ومُتَعَبَّد ) (315) .
خاتمة البحث
************************
من خلال الحديث عن أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة ودلالتها على الصفات علمنا أن طريقة السلف الصالح مبنية على إثبات ما أثبته الله لنفسه وما أثبته رسوله S ، من غير أن يقحموا عقولهم في مهالك التمثيل والتكييف ، أو يكلفوا أنفسهم تأويلا يؤدي إلى التعطيل والتحريف ، فهم آمنوا بأسماء الله على الحقيقة ، وأنها أعلام تدل على ذاته وأوصاف تدل على جلاله وكماله ، وأنها توقيفية على ما وردت به النصوص الصحيحة ، وأن الله منفرد بأسمائه وما دلت عليه من أوصافه وأفعاله ، فهو سبحانه ليس كمثله شيء في كل ما أثبته لنفسه .(33/194)
كما أنهم لم يتكلموا في المسائل التي ابتدعها المخالفون إلا اضطرارا وإلزاما لبيان الحجة ودحض الشبهة ، لاسيما أن المسائل الكلامية الحادثة لا دليل عليها من كلام السابقين في عصر خير القرون ، ولما تناول المخالفون مسألة الاسم والمسمى اعتصم أتباع السلف بالقرآن والسنة وقالوا بأن الاسم للمسمى عملا بقوله تعالى : ? وَللهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ? [الأعراف:180] ، ومن قال منهم بغير ذلك فكلامه يحمل على نيته في القول ومراده ، وقد كان قصدهم في ذلك الرد على من عطل أوصاف الله وزعم أن الله تعالى لم يكن له في الأزل اسم ولا وصف ثم اكتسب الأسماء والأوصاف بعد أن لم تكن ؛ وأن الأسماء الحسنى والأوصاف العليا من أقوال المسميين الواصفين المحدثين ، فبين أتباع السلف بردودهم المختلفة أن رب العزة والجلال ما زال بأسمائه وصفاته له الكمال والجمال أزلا وأبدا ، وأن الأسماء في حقه دالة على العلمية والوصفية ، فهي علمية من جهة الدلالة على الذات ، ووصفية من جهة المعنى الذي تضمنه كل اسم ، وأنه لا بد لكل مسلم أن يفرق بين الاسم ودلالته الوضعية عندما يستعمل في حق المخلوق ، والاسم ودلالته في حق الخالق .
كما أن الله عز وجل له الجلال في أسمائه وصفاته ، وجلاله يدل على كماله وجماله فالكمال بلوغ الوصف أعلاه والجمال بلوغ الحسن منتهاه ، وليس ذلك بإطلاقه إلا لله ، ومن حكمته سبحانه أنه إن أعطى أحدا من عباده كمالا ابتلاه في الجمال ، وإن أعطاه جمالا ابتلاه في الكمال ، وإن أعطاه كمالا وجمالا ابتلاه في دوام الحال ، كل ذلك ليكون الانفراد بالكمال والجمال على الدوام خاص برب العزة والجلال الذي ليس كمثله شيء .(33/195)
وعلمنا أيضا أن اسم الله الأعظم ليس كما يصوره البعض شيئا مخفيا أو سرا مكنونا وغيبا مصونا لا يعلمه إلا خاصة الأولياء العارفين بالتلقي عن مشايخهم ، فهذا كلام لا دليل عليه من كتاب أو سنة ، بل الدليل قائم على أن أسماء الله كلها حسنى وكلها عظمى على اعتبار ما يناسبها من أحوال العباد ، فكل اسم هو الأعظم في موضعه وعلى حسب حال العبد وما ينفعه ، أما القصص الواهية حول الاسم الأعظم فلا محل لها عند الموحدين الصادقين ، بل نظرتهم تتوجه إلى ما ثبت عن النبي S في الروايات الصحيحة ، وكيف يدركون من خلالها عظمة الله وبالغ حكمته عندما يذكر اسما له مقرونا بآخر ، وكيف أن الأعلى في الكمال من الأسماء المقترنة هو الأعظم على هذا الاعتبار ، وقد علمنا أيضا أن مسألة اشتقاق الأسماء الحسنى من الصفات لا بد أن نفرق فيها بين عدة جوانب أساسية توضح المسألة وتبين القضية ، ففرق بين الجانب التكليفي التوقيفي والحكم الشرعي في تجاوزه ، وبين الجانب الاعتقادي في توحيد الأسماء والصفات ، أو الجانب اللغوي في دراسة اللفظ ومشتقاته ، وقد علمنا أنه لا تعارض بين هذه الجوانب في دلالة الأسماء على الصفات .
وقد تحدثنا أيضا على أنواع الدلالات اللفظية وشرح معنى دلالة المطابقة والتضمن واللزوم ثم طبقناها على الأسماء الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة بصورة تفصيلية ، وقد ظهر لنا أن الأسماء الدالة على صفات الذات عددها اثنان وعشرون اسما هي بترتيب ورودها : الملك الأول الآخر القدير الخبير الوتر الجميل الكبير الواحد القوي المتين العلي الحكيم الأحد الصمد الحميد المليك المالك الرقيب السيد الأعلى الإله .(33/196)
وكذلك فإن الأسماء الدالة على صفات الفعل عددها اثنان وأربعون اسما هي بترتيب ورودها : الرحمن الرحيم الخالق المصور المولى النصير العفو اللطيف الحيي الستير القهار الشكور الحليم التواب المجيب الغفور الودود الولي الفتاح المقدم المؤخر المسعر القابض الباسط الرازق القاهر الديان الشاكر المنان الخلاق الرزاق الوكيل الشافي الرفيق المعطي المقيت الحكم الأكرم البر الغفار الرءوف الوهاب .
كما أن الأسماء الدالة على صفات الذات والفعل كان عددها بناء على نتيجة البحث خمسة وثلاثين اسما هي : السلام القدوس المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر البارئ الظاهر الباطن السميع البصير المتعالي الحق المبين الحي القيوم العظيم الواسع العليم الغني الكريم القريب الحفيظ المجيد الشهيد المقتدر القادر المحسن الحسيب الطيب الجواد السبوح الوارث الرب ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
أسماء ( الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
والتي انطبقت عليها شروط الإحصاء
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إَِّلا هُوَ(33/197)
الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ الأَوَّلُ الآخِرُ الظَّاهِرُ البَاطِنُ السَّمِيعُ البَصِيرُ المَوْلَى النَّصِيرُ العَفُوُّ القَدِيرُُ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ الوِتْرُ الجَمِيلُ الحَيِيُّ السِّتيرُ الكَبِيرُ المُتَعَالُ الوَاحِدُ القَهَّارُ الحَقُّ المُبِينُ القَوِيُِّ المَتِينُ الحَيُّ القَيُّومُ العَلِيُّ العَظِيمُ الشَّكُورُ الحَلِيمُ الوَاسِعُ العَلِيمُ التَّوابُ الحَكِيمُ الغَنِيُّ الكَرِيمُ الأَحَدُ الصَّمَدُ القَرِيبُ المُجيبُ الغَفُورُ الوَدودُ الوَلِيُّ الحَميدُ الحَفيظُ المَجيدُ الفَتَّاحُ الشَّهيدُ المُقَدِّمُ المُؤخِّرُ المَلِيكُ المُقْتَدِرْ المُسَعِّرُ القَابِضُ البَاسِطُ الرَّازِقُ القَاهِرُ الديَّانُ الشَّاكِرُ المَنانَّ القَادِرُ الخَلاَّقُ المَالِكُ الرَّزَّاقُ الوَكيلُ الرَّقيبُ المُحْسِنُ الحَسيبُ الشَّافِي الرِّفيقُ المُعْطي المُقيتُ السَّيِّدُ الطَّيِّبُ الحَكَمُ الأَكْرَمُ البَرُّ الغَفَّارُ الرَّءوفُ الوَهَّابُ الجَوَادُ السُّبوحُ الوَارِثُ الرَّبُّ الأعْلى الإِلَهُ .
**************************************************************************
عدد الأسماء
تسع وتسعون بدون لفظ الجلالةأسماء ( الحسنى التي جمعها الوليد بن مسلم
وما لم يثبت منها أو يوافق شروط الإحصاء
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إَِّلا هُوَ(33/198)
الرَّحمنُ الرَّحيمُ المَلِك القُدُّوسُ السَّلاَمُ المُؤْمِنُ المُهَيمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّر الخَالِقُ البَارِىءُ المُصَوِّرُ الغَفَّارُ القَهَّارُ الوَهَّابُ الرَّزَّاقُ الفتَّاحُ العَلِيمُ القَابِضُ البَاسِطُ الخافضُ الرَّافِعُ المعزُّ المذِل السَّمِيعُ البَصِيرُ الحَكَمُ العَدْلُ اللّطِيفُ الخَبِيرُ الحَلِيمُ العَظِيمُ الغَفُورُ الشَّكُورُ العَلِيُّ الكَبِيرُ الحَفِيظُ المُقِيتُ الحَسِيبُ الجَلِيلُ الكَرِيمُ الرَّقِيبُ المُجِيبُ الْوَاسِعُ الحَكِيمُ الوَدُودُ المَجِيدُ البَاعِثُ الشَّهِيدُ الحَق الوَكِيلُ القَوِيُّ المَتِينُ الوَلِيُّ الحَمِيدُ المُحْصِي المُبْدِيءُ المُعِيدُ المُحْيِي المُمِيتُ الحَيُّ القَيُّومُ الوَاجِدُ المَاجِدُ الوَاحِدُ الصَّمَدُ القَادِرُ المُقْتَدِرُ المُقَدِّمُ المُؤَخِّرُ الأوَّلُ الآخِرُ الظَّاهِرُ البَاطِنُ الوَالِي المُتَعَالِي البَرُّ التَّوَّابُ المنتَقِمُ العَفُوُّ الرَّءوف مَالِكُ المُلْكِ ذُو الجَلاَلِ وَالإكْرَامِ المُقْسِط الجَامِعُ الغَنِيُّ المُغْنِي المَانِعُ الضَّارُّ النَّافِعُ النُّورُ الهَادِي البَدِيعُ البَاقِي الوَارِثُ الرَّشِيدُ الصَّبُور .
************************************************************************
عدد الأسماء
تسع وتسعون مع لفظ الجلالةرقم الإيداع بدار الكتب 21573/ 2004
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الترقيم الدولي - I . S . B . N
9 - 1914 - 17 - 977
(1) انظر تفصيل هذه القضية في كتاب المؤلف : كيف ظهرت أنواع التوحيد ص 139 ، وكتابه المحكم والمتشابه وقضية التفويض ص 27 وما بعدها .
(2) الحسنة والسيئة ص51 ، وانظر أيضا : مجموع الفتاوى 8/94 ، 22/482.
(1) مفتاح دار السعادة 1/2، وانظر مدارج السالكين 2/125.(33/199)
(1) المقصود بالسلف الصالح هم أصحاب النبي S والتابعون من أدرك عصر خير القرون من بعدهم ، وهم المعنيون بما ورد عند البخاري من حديث عمران بن حصين ( أن النبي S قال : ( خَيْرُكُمْ قرني ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، قَالَ عِمْرَانُ : لاَ أَدْرِى أَذَكَرَ النبي S بَعْدُ قَرْنَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً ) ، رواه البخاري في الشهادات ، باب لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد 2/938 (2508) ، وعند البخاري أيضا من رواية ابن مسعود ( أن النبي S قال : ( خَيْرُ النَّاسِ قرني ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ يجيء أَقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ ، وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ ) انظر الموضع السابق (2059) ، وبصورة أكثر دقة يمكن القول : إن التعريف الاصطلاحي للسلفي هو من تحقق فيه عاملان ، أحدهما : عامل منهجي ، وهو كل من قدم النقل على العقل عند توهم التعارض ، والثاني : عامل زمني ، وهو كل من أدرك القرون الفاضلة أو عصر خير القرون ، والذي ينتهي تقريبا في المائتين والعشرين من الهجرة ؛ ويقابله أيضا مصطلح الخلف ، ويطلق أيضا على من تحقق فيه عاملان أيضا ، أحدهما : عامل منهجي وهو كل من قدم العقل على النقل أو قدم الرأي على الكتاب والسنة ، والثاني : عامل زمني وهو كل من أعقب القرون الفاضلة أو عصر خير القرون ، ويراد بهم من تبع نهج الجهمية من المعتزلة والمتكلمين ، انظر تفصيل ذلك في كتابي المحكم والمتشابه وقضية التفويض ص9 .
(1) انظر شرح السيوطي علي سنن النسائي 2/131 ، والكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي ص 16.
(2) شرح شذور الذهب في معرفة كلام العرب لابن هشام ص40 .
(3) شعب الإيمان للبيهقي 1/35 .
(4) مفتاح دار السعادة لابن القيم 1/40 .
(1) البخاري في تفسير القرآن ، باب تفسير سورة تبت يدا أبي لهب 4/1902(4687) .
(2) جزء من الحديث السابق .(33/200)
(3) ابن ماجة في الزهد ، باب ذكر القبر والبلى 2/1426 (4268) ، وانظر صحيح الجامع (1968) .
(4) البخاري في الأحكام ، باب كيف يبايع الإمام الناس 6/2634 (6778) .
(1) البخاري في الرقاق ، باب كيف كان عيش النبي S 5/2370 (6087) .
(2) مالك في الموطأ حديث رقم 1/424 (950) .
(3) انظر تفصيل المسألة في مجموع الفتاوى لابن تيمية 20/401 ، وله أيضا الرسالة التدمرية ص39 ، ومختصر الصواعق المرسلة 2/242 وما بعدها ، والتوحيد لابن خزيمة ص15 .
(1) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 1/186 .
(2) أصول المعتزلة خمسة أصول عقلية استخدموا فيها مصطلحات سلفية كالتوحيد ، والعدل ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإنفاذ الوعيد ، ووضعوها على معان كلامية تخالف منهج السلف في العقيدة ، ولهم أصل آخر أحدثوه ، هو المنزلة بين المنزلتين ، انظر شرح العقيدة الطحاوية ص589 .
(3) انظر الرسالة التدمرية لابن تيمية ضمن مجموع الفتاوى 3/69 .
(1) مجموع الفتاوى 3/10 .
(1) انظر في هذا المعنى بيان تلبيس الجهمية 1/391 .
(1) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 4/425 .
(2) مختصر العلو للعلي الغفار للحافظ الذهبي ص 264.
(3) الترغيب والترهيب 4/316 ، وهو صحيح موقوف كما ذكر الشيخ الألباني ، انظر صحيح الترغيب والترهيب (3769) ، وصحيح الجامع حديث (5410) ، والسلسلة الصحيحة 5/219 (2188) .
(4) مجموع الفتاوى 3/28 .
(1) البخاري في الشروط ، باب إن لله مائة اسم إلا واحدا 2/981 (6957) .
(1) انظر المزيد عن هذا الموضوع في المسألة المصرية في القرآن ضمن مجموع الفتاوى 12/183 ، وبيان تلبيس الجهمية 1/516 ، ودرء تعارض العقل والنقل 5/19، 5/ 34 .
(2) شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي ص127.
(3) السابق ص127 .
(1) السابق ص 137 .(33/201)
(2) الكراع هو القزم الصغير ، وهذا المثل يضرب للرجل الذليل يصير عزيزا كبيرا ، انظر مجمع الأمثال لأبي الفضل أحمد بن محمد الميداني النيسابوري 2/131 ، وكتاب جمهرة الأمثال لأبي هلال العسكري 2/141.
(3) انظر البيان والتبيين لأبي عثمان عمرو بن بحر ص 582 ، وكتاب جمهرة الأمثال 2/39 .
(1) شرح العقيدة الطحاوية ص142 .
(2) السابق ص142.
(1) الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم 5/19.
(2) الملل والنحل للشهرستاني 1/ 44 ، 1/50 .
(3) الفصل 5/27 ، وانظر فتح الباري لابن حجر 11/225 .
(1) مجموع الفتاوى 6/185 بتصرف ، وانظر أيضا : الإبانة لأبي الحسن الأشعري ص54 ، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة لأبي القاسم اللالكائي 2/212.
(2) حديث صحيح رواه أحمد 1/391 (3712) ، وابن حبان في صحيحه ، باب ذكر الأمر لمن أصابه حزن أن يسأل الله ذهابه عنه وإبداله إياه فرحا 3/253 (972) ، والحاكم في المستدرك ، 1/690 (1877) ، وانظر السلسلة الصحيحة للشيخ الألباني 1/383 .
(1) مجموع الفتاوى 6/207 .
(1) انظر الصواعق المرسلة 2/641 بتصرف .
(2) انظر الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم 5/22 ، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة لأبي القاسم اللالكائي 2/211 ، والعلو للعلي الغفار للذهبي ص 166 .
(1) مجموع الفتاوى لابن تيمية 6/195 ، والتبيان في إعراب القرآن لأبي البقاء العكبري 1/1 ، وأوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك لابن هشام 1/13.
(2) انظر معجم مقاييس اللغة 5/448 ، والتعريفات ص133 .
(3) انظر نتائج الفكر للسهيلي ص63 ، وانظر أيضا أسماء الله الحسنى دراسة في البنية والدلالة ، د. أحمد مختار عمر ص6 ، والإيضاح في علل النحو للزجاجي ص48 .
(1) السلسلة الصحيحة (236) (1378) (1627) ، وصحيح الجامع (1744) (1800) .
(2) مسلم في الإيمان ، باب تحريم الكبر وبيانه 1/93 (91) .(33/202)
(3) مسلم في الذكر والدعاء والتوبة ، باب في أسماء الله تعالى 4/2062 (2677) .
(4) مسلم في البر والصلة والآداب ، باب فضل الرفق 4/2003 (2593) .
(5) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ، انظر الأحاديث من (7114) إلى (7123) ، وانظر مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي 5/197 ، ومصنف عبد الرزاق 4/492 ، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1824) .
(6) صحيح أبي داود 2/758 (3387) .
(1) البخاري في فضائل الصحابة ، باب هجرة النبي S إلى المدينة 3/1427 (3706) .
(1) جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على محمد خير الأنام لابن قيم الجوزية ص177 .
(2) بدائع الفوائد 1/28 ، ستأتي إن شاء الله قضية الاشتقاق بالتفصيل بعد قليل .
(3) انظر حجة القراءات لأبي زرعة عبد الرحمن بن محمد بن زنجلة ص 694 ، تحقيق سعيد الأفغاني ، نشر مؤسسة الرسالة ، بيروت 1402هـ ، وانظر تفسير البغوي 4/278 .
(4) مجموع الفتاوى 16/322 .
(1) روضة المحبين 1/418 .
(1) انظر الفوائد لابن القيم ص183 ، وطريق الهجرتين ص 470 ، وروضة المحبين 1/418 .
(2) مسلم في الإيمان ، باب تحريم الكبر وبيانه 1/93 (91) .
(3) شفاء العليل ص 253 .
(1) انظر ميزان الاعتدال في نقد الرجال للذهبي 2/124 ، ولسان الميزان لابن حجر 2/104 ، والكامل في ضعفاء الرجال لأبي أحمد الجرجاني 2/169.
(2) انظر حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم الأصبهاني 7/369 ، وسير أعلام النبلاء لشمس الدين الذهبي 7/388 ، وصفوة الصفوة لابن الجوزي 4/153 .
(1) هذه المرأة كانت مرضعة ، وعند الحرب فقدت طفلها وقد سبيت ، ففعلت ذلك ليخفف عنها ألم اللبن في ثديها ؛ فأخذت تبحث عن طفلها حتى وجدته ؛ فأخذته وضمته وأرضعته ، انظر فتح الباري 10/430 .
(2) البخاري في الأدب ، باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته 5/2235 (5653) .
(1) صحيح ، رواه أحمد في المسند 1/391 (3712) ، وانظر السلسلة الصحيحة للشيخ الألباني 1/383 .(33/203)
(2) البخاري في الشروط ، باب إن لله مائة اسم إلا واحدا 6/2691 (6957) .
(1) أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة الجزء الأول الإحصاء د/ محمود عبد الرازق الرضواني ص15 .
(2) انظر تفسير القرطبي 2/52 ، وتفسير ابن جرير الطبري 1/457 ، وتفسير الثعالبي 1/93 ، وانظر كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس لإسماعيل بن محمد العجلوني 2/439 ، وكتاب القول المسدد في الذب عن المسند للإمام أحمد لأبي الفضل أحمد بن علي العسقلاني ص39 ، انظر تعليق ابن حزم على هذه القصة في الفصل 4/26 ، والإحكام في أصول الأحكام 5/154 .
(1) انظر تفسير ابن كثير 1/142 ، وضعيف الترغيب والترهيب (1416) ، قال الشيخ الألباني في رفع هذه الرواية : حديث منكر ، وقال أيضا : حديث باطل ، انظر السلسلة الضعيفة 2/313 (912) .
(2) انظر تفسير ابن جرير الطبري 9/ 126 ، وانظر أيضا البداية والنهاية 1/322 ، وانظر تعليق ابن حزم على هذه القصة في الفصل 1/140 .
(1) القدح هنا بمعنى قطعة الحجر المصقول ، انظر المغرب في ترتيب المعرب للمطرزي 2/159.
(2) انظر السيرة النبوية لابن هشام 1/ 149 ، وتاريخ الأمم والملوك لابن جرير الطبري 1/435 ، وتفسير القرطبي 19/ 291 ، وتفسير ابن كثير 4/ 495 .
(3) مسلم في الزهد والرقائق ، باب قصة أصحاب الأخدود والساحر والراهب والغلام 4/2299(3005) .
(1) ابن ماجة في فضائل القرآن والأدعية والأذكار 2/329 (3109) ، وانظر صحيح ابن ماجة حديث رقم (3845) ، وصحيح أبي داود حديث رقم (1343) .
(2) ابن ماجة في الموضع السابق 2/329 (3110) ، وصحيح ابن ماجة (3846) ، وانظر أيضا صحيح أبي داود (1327) ، والسلسلة الصحيحة 2/371 (746) .(33/204)
(3) قال الشيخ الألباني : ( قول القاسم إن الاسم الأعظم في آية : ( وعنت الوجوه للحي القيوم ) من سورة طه لم أجد في المرفوع ما يؤيده ، فالأقرب عندي أنه في قوله في أول السورة ( إني أنا الله لا إله إلا أنا .. ) فإنه الموافق لبعض الأحاديث الصحيحة فانظر الفتح 225/11) السلسلة الصحيحة 2/371 (746) .
(4) ابن ماجة في الدعاء ، باب اسم الله الأعظم 2/1267 (3857) ، وانظر صحيح أبي داود (1341) .
(1) أبو داود في الوتر ، باب الدعاء 2/79 (1495) ، وانظر صحيح ابن ماجة 2/329 (3112) .
(2) مدارج السالكين لابن القيم 1/32 بتصرف ، وانظر تفسير أسماء الله للزجاج ص24 .
(1) شرح أسماء الله الحسنى ص 91 .
(2) السابق ص 93 وما بعدها .
(1) البخاري في بدء الخلق ، باب ما جاء في قوله تعالى وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده 3/1166(3022) .
(2) مدارج السالكين 1/33 بتصرف .
(3) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 1/105.
(4) انظر فتح الباري شرح صحيح البخاري13/359 .
(5) الجامع لأحكام القرآن 1/105.
(1) مدارج السالكين 1/35 .
(2) البخاري في المزارعة ، باب من أحيا أرضا مواتا 2/283 (2210) .
(1) انظر هذه تفصيل المسألة في كتابي كيف ظهرت أنواع التوحيد ص128 .
(2) انظر مجموع الفتاوى 18/311 .
(3) الطب النبوي ص159.
(1) انظر معنى الأحد في كتاب أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة الجزء الثاني الشرح والتفسير ص65 .
(2) السابق ص67 .
(3) صحيح أبي داود 3/912(4021) ، وانظر مجموع الفتاوى 17/239 بتصرف .
(1) انظر البرهان في علوم القرآن 1/341 ، والتبيان في إعراب القرآن 1/237 .
(2) مجموع الفتاوى 17/239 بتصرف .
(3) السابق 17/220 بتصرف .
(4) الطب النبوي ص141بتصرف .(33/205)
(1) رواه البخاري من حديث أبي سعيد الخدري ( ولفظه : ( قَالَ النَّبِىُّ S لأَصْحَابِهِ : أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ في لَيْلَةٍ ؟ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَقَالُوا : أَيُّنَا يُطِيقُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ : اللَّهُ الْوَاحِدُ الصَّمَدُ ثُلُثُ الْقُرْآنِ ) انظر كتاب فضائل القرآن ، باب فضل قل هو الله أحد 4/1916 (4727) .
(2) بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية 2/459 .
(1) مفتاح دار السعادة 1/287 بتصرف .
(2) انظر بتصرف شفاء العليل ص200 ، وجلاء الأفهام ص 318 .
(1) انظر مفتاح دار السعادة 2/78 بتصرف .
(2) الصواعق المرسلة 4/1570 بتصرف .
(3) الإتقان 2/181 .
(1) البرهان في علوم القرآن 3/20 .
(2) بدائع الفوائد 2/463 .
(1) جلاء الأفهام ص318 بتصرف .
(2) طريق الهجرتين وباب السعادتين ص544 بتصرف .
(3) تفسير الطبري 19/165 .
(1) طريق الهجرتين ص540 بتصرف .
(2) السابق ص357 .
(1) السابق ص39 بتصرف .
(1) انظر أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة الجزء الأول الإحصاء ص29 .
(2) انظر بتصرف بدائع الفوائد 1/162 ، ومدارج السالكين 3/415 .
(1) انظر بتصرف كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في العقيدة 8/387 .
(2) مسند الإمام أحمد 1/191(1659) ، وانظر السلسلة الصحيحة للشيخ الألباني 2/49 (520) .
(3) انظر بتصرف بدائع الفوائد 1/169.
(1) شفاء العليل ص 277 ، ومدارج السالكين 1/37 .
(2) السابق ص 271 .
(3) انظر بتصرف مجموع الفتاوى 17/ 231 ، وشرح قصيدة ابن القيم 1/12 .
(1) بدائع الفوائد 1/27 ، وانظر أيضا حول هذه النقطة الفرق بين الفرق للبغدادي ص 327 ، والفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم 5/23 ، ودرء تعارض العقل والنقل لابن تيمية 10/231 .
(2) الفروق اللغوية ص11 .(33/206)
(3) انظر أسماء الله الحسنى دراسة في البنية والدلالة للدكتور أحمد مختار عمر ص83 ، وأنبه على أن كل ما سيأتي إلى نهاية الحديث عن الجانب اللغوي ؛ فإنه للأمانة العلمية مختصر من الفصل الثالث من هذا البحث المتميز للدكتور أحمد مختار ، ولكن بصياغة وتصرف ، وتنسيق وتخريج منهجي يتناسب مع موضوعنا ومنهجنا .
(4) مسند الإمام أحمد 1/173 (1492) ، وانظر صحيح الجامع (3986) ، ومشكاة المصابيح (1733) .
(5) الفروق اللغوية ص11 .
(1) الفروق ص35 .
(2) انظر شرح الشافية 1/83 ، وشذا العرف 38 ، 39 ، نقلا عن دكتور أحمد مختار ص 85 .
(3) أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة الجزء الثاني الشرح والتفسير ص 90 ، ص101 .
(4) كتاب الأسماء والصفات للبيهقي ص94 .
(1) انظر البرهان 2/508:507 .
(1) انظر أسماء الله الحسنى دراسة في البنية والدلالة للدكتور أحمد مختار ص95 ، ص96 بتصرف .
(2) الفروق اللغوية ص12، 13 .
(1) دكتور أحمد مختار ص96 بتصرف .
(2) الفروق اللغوية ص77.
(3) دكتور أحمد مختار ص98 بتصرف .
(1) انظر بتصرف تحرير القواعد المنطقية لقطب الدين محمود بن محمد الرازي ص 29 ، نشر مصطفى البابي الحلبي القاهرة سنة 1367هـ .
(2) الرد على المنطقيين لابن تيمية ص74 ، والإحكام في أصول الأحكام للآمدي 1/37 .
(3) منهاج السنة النبوية لابن تيمية 5/453 .
(4) درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية10/12 ، وانظر له أيضا الصفدية 2/154 .
(1) منهاج السنة النبوية لابن تيمية 5/452 .
(1) الصواعق المرسلة 2/643 .
(2) انظر بتصرف البحر المحيط للزركشي 2/272 ، وانظر أيضا شرح الكوكب المنير لتقي الدين أبي البقاء الفتوحي ص35 ، وحاشية العطار على شرح الخبيصي لأبي السعادات حسن العطار ص50 .
(3) انظر الرد على المنطقيين لابن تيمية ص76 ، وانظر أيضا التقرير والتحبير في شرح التحرير لمحمد بن محمد بن أمير حاج 1/99 .(33/207)
(1) انظر المرشد السليم في المنطق الحديث والقديم للدكتور عوض الله جاد حجازي ص47 .
(2) بدائع الفوائد ص170 .
(3) انظر التوقيف على مهمات التعاريف للمناوي ص615 .
(1) انظر حاشية الصبان على شرح الملوي ص 53 .
(1) البخاري في الرقاق باب حفظ اللسان 5/2377 (6112) .
(2) الموضع السابق حديث رقم (6113) .
(3) مجموع الفتاوى 2/217 .
(4) جمهرة خطب العرب 3/340 .
(5) السابق 3/340 .
(1) السابق 3/38 .
(2) السابق 3/342 .
(3) مجموع الفتاوى 5/306 .
(4) السابق 29/42 ، والفتاوى الكبرى 3/ 425 .
(1) انظر بتصرف القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى ص14.
(2) انظر توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة ابن القيم 2/250 ، وبدائع الفوائد 1/170.
(3) معارج القبول 1/119.
(2) تفسير القرطبي 11/291 ، والبرهان في علوم القرآن 2/504 .
(3) تفسير البيضاوي 4/95 .
(1) السابق 1/191(1659) ، وانظر السلسلة الصحيحة 2/49 (520) .
(2) البخاري في كتاب الأدب ، باب جعل الله الرحمة في مائة جزء 5/2236 (5654) .
(1) رواه الطبراني في الصغير بإسناد جيد ، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1821) .
(1) انظر صحيح الجامع حديث رقم (1858) .
(2) السابق حديث رقم (1857) .
(3) ابن ماجة في الفتن ، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 2/1329 (4010) ، وانظر تصحيح الشيخ الألباني في ظلال الجنة في تخريج السنة (582) .
(4) مسلم في كتاب المساجد ، باب استحباب الذكر بعد الصلاة 1/414 (591) .
(1) البخاري في العمرة ، باب الدواء بالعسل 5/2152 (5360) .
(2) البخاري في الطب ، باب ما يقول إذا رجع من الحج أو العمرة أو الغزو2/637 (1703) .
(3) البخاري في القدر ، باب غزوة خيبر 4/1540 (3967) .
(4) مسلم في الطلاق ، باب في الإبلاء واعتزال النساء وتخييرهن 2/ 1107 (1479) .
(5) الترمذي في الدعوات ، باب ما يقول العبد إذا مرض5/492 (3430) ، وانظر صحيح الجامع 5/492 .(33/208)
(1) أبو داود في الصلاة ، باب الإمام يقطع الخطبة للأمر يحدث 1/290 (1109) .
(1) مسلم في البر والصلة والأدب ، باب تحريم الكبر 4/2023 (2620) .
(2) البخاري في الأيمان والنذور ، باب قوله وتقول هل من مزيد4/1835 (4568) .
(3) البخاري في التوحيد ، باب قوله وكلم الله موسى تكليما 6/2731 (7079) .
(4) النسائي كتاب تحريم الدم 2/286 (3460) ، وانظر السلسلة الصحيحة 6/445 رقم (2698) .
(5) صحيح الترغيب والترهيب (2448) .
(6) مسلم في البر والصلة والأدب ، باب استحباب العفو والتواضع 4/2001 (2588) .
(1) الترمذي في المناقب ، باب في مناقب عمر ( 5/617 (3681) وانظر صحيح الجامع (3681) .
(2) أبو داود في الصلاة ، باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده 1/230 (873) ، والمشكاة (882) .
(3) الترمذي في أبواب الصلاة ، باب ما يقول بين السجدتين 2/76 (284) ، وانظر صفة الصلاة ص153 .
(4) البخاري في التفسير ، باب قوله ومن دونهما جنتان 4/1848 (4597) .
(5) مسلم في الإيمان ، باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم سبحانه وتعالى 1/163(180) .
(1) أبو داود في اللباس ، باب ما جاء في الكبر 4/59 (4090) ، وانظر صحيح الجامع ( 1908) .
(2) انظر صحيح أبي داود 1/230 (873) .
(1) البخاري كتاب الجهاد ، باب فكاك الأسير 3/1110 رقم (2883) .
(2) مسلم في البر والصلة والأدب ، باب خلق الإنسان خلقا لا يتمالك 4/ 2016 (2611) .
(3) مسلم في صلاة المسافرين ، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه 1/535 (771) .
(4) البخاري في الفتن ، باب التعوذ من الفتن 5/2340 (6001) .
(1) مسلم في الذكر والدعاء والتوبة ، باب ما يقول ثم النوم وأخذ المضجع 4/2084 (2713) .
(2) أبو داود في السنة ، باب في القدر 4/225 (4700) ، وانظر صحيح الجامع (2018) .
(3) تقدم في الاسم السابق .
(1) جزء من حديث أبي هريرة ، تقدم تخريجه ص82 .(33/209)
(2) مسلم في الإيمان ، باب في قوله عليه السلام إن الله لا ينام 1/161 (179) .
(1) البخاري : التفسير ، باب قوله وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم 4/1818 (4539) .
(2) أبوداود في الصلاة ، باب في الاستعاذة 2/92 (1548) ، وانظر صحيح الجامع (1297) .
(1) البخاري في أحاديث الأنبياء ، باب كيف يعرض الإسلام على الصبي 3/1113 (2892) .
(2) مسلم في الفتن وأشراط الساعة ، باب ذكر الدجال وصفة وما معه4/2248 (2933) .
(3) البخاري في المساقاة ، باب قول الله تعالى وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة 6/ 2710 (7008) .
(1) الحاكم في المستدرك 4/ 291 (7676) ، وانظر صحيح الجامع حديث رقم (4330) .
(1) أبو داود في الصلاة ، باب استحباب الوتر 2/61 (1416) .
(1) ابن ماجة في الأدب ، باب فضل التسبيح 2/ 1252 (3809) ، وانظر السلسلة الصحيحة (3358) .
(2) أبو داود في كتاب الصلاة ، باب الدعاء 2/78 (1488) ، وصحيح ابن ماجة 2/331 (3117) .
(3) البخاري في المظالم ، باب لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه 2/862 (2310) .
(4) مسلم في البر والصلة والأدب ، وانظر فيض القدير 2/228 ، وعون المعبود 11/34 .
(5) البخاري في الأدب ، باب ستر المؤمن على نفسه 5/2254 (5721) .
(1) البخاري في الإيمان ، باب علامة الإيمان حب الأنصار 1/15 (18) .
(2) البخاري في المظالم ، باب قول الله تعالى ألا لعنة الله على الظالمين 2/862 (2309) .
(3) البخاري في الأذان ، باب ما يذكر في الفخذ 1/145 (364) .
(4) مسلم في الصلاة ، باب استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه 1/289 (385) .
(1) الصواعق المرسلة 2/464 ، وانظر حز الغلاصم في إفحام المخاصم ص31 ، وشرح الطحاوية ص79 .
(2) أحمد في المسند 2/87 (5608) .
(1) شرح قصيدة ابن القيم 2/232 .
(1) البخاري في كتاب الدعوات ، باب الدعاء إذا انتبه بالليل 5/2328 (5958) ، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين 1/532 (769) ، واللفظ لمسلم .(33/210)
(1) البخاري في كتاب الدعوات ، باب الدعاء إذا علا عقبة 5/2346 (6021) .
(1) شرح قصيدة ابن القيم 2/236 .
(2) توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم 1/ 259 .
(1) انظر الفصول المفيدة في الواو المزيدة ، لأبي سعيد خليل بن عبد الله العلائي ص95 .
(2) وانظر أيضا :سورة الأعراف:54 ، ويونس:3 ، والرعد:2 ، والسجدة:4 ، والحديد:4 .
(3) انظر حول هذا المعنى : اجتماع الجيوش الإسلامية 1/93، 1/107 ، ومجموع الفتاوى 5/54 .
(4) البخاري في التوحيد باب ذرية من حملنا مع نوح 4/1746 (4435) .
(5) أبو داود في اللباس ، باب ما جاء في الكبر 4/59 (4090) ، وانظر صحيح الجامع ( 1908) .
(1) أبو داود : كتاب الصلاة ، باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده 1/230 (873) .
(2) مسند الإمام أحمد 3/ 156 (12610) ، وانظر صحيح الجامع (6291) .
(3) البخاري في الوضوء ، باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان 1/75 (171) .
(4) البخاري في الأذان ، باب فضل التهجير إلى الظهر 1/233 (624) .
(1) البخاري في التوحيد ، باب قول الله تعالى وكان الله سميعا بصيرا 6/ 2689 (6951) .
(2) البخاري في الصلاة ، باب الصلاة في القميص والسراويل 1/143 (358) .
(3) مسلم في الطلاق ، باب في الإبلاء واعتزال النساء وتخييرهن 2/1112 (1479) .
(4) مسلم في الإمارة ، باب من قاتل للرياء والسمعة استحق النار 3/ 1513 (1905) .
(5) مسلم في الجنائز ، باب الدعاء للميت في الصلاة 2/662 (963) .
(1) مسند أحمد 10/257 ، والسلسلة الصحيحة (1658) ، وصحيح الجامع (1869) .
(2) البخاري في العلم ، باب ما يستحب للعالم إذا سئل 1/57 (122) .
(1) البخاري في المغازي ، باب حديث الإفك 4/ 1521 (3910) .
(2) مسلم في الذكر والدعاء والتوبة ، باب استحباب الاستغفار والاستكثار منه 4/ 2076 (2703) .
(3) ضعيف كما في ضعيف الجامع (2009) ، وموضوع كما في السلسلة الضعيفة 3/673(1482) .(33/211)
(4) انظر زاد المسير 8/89 ، وفتح القدير 5/121 .
(1) مسلم في الزهد والرقاق ، باب من أشرك في الله 4/ 2289 (2985) .
(2) البخاري في الزكاة ، باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى 2/519 (1362) .
(1) مسلم في الجنائز ، باب الدعاء للميت 2 /662 (963) .
(2) البخاري في الجنائز ، باب الدخول على الميت 1/419 (1186) .
(3) مسلم في اللعان 2/1135 (1498) .
(1) بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية 1/493 .
(2) البخاري في الجهاد ، باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير 3/1091 (2830) .
(1) مسلم في الذكر والدعاء والتوبة ، باب استحباب خفض الصوت بالذكر 4/2077 (2704) .
(2) مسلم في الصلاة ، باب ما يقال في الركوع والسجود 1/350 (482) .
(3) الترمذي في الدعوات5/569 (3579) ، وانظر صحيح الجامع (1173) .
(4) البخاري في التوحيد ، باب السؤال بأسماء الله تعالى 6/ 2694 (6970) .
(1) البخاري في الأدب ، باب لم يكن النبي S فاحشا ولا متفحشا 5/ 2243 (5683) .
(2) البخاري في الدعوات ، باب الدعاء والصلاة من آخر الليل 1/384 (1094) .
(3) الموضع السابق ، باب يستجاب للعبد ما لم يعجل 5/ 2335 (5981) .
(4) مسلم في الصلاة ، باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود 1/348 (479) .
(5) البخاري في كتاب الدعوات ، باب الدعاء قبل السلام 1/286 (799) .
(1) المستدرك 1/67 (49) ، وانظر صحيح الجامع (3021) .
(1) البخاري في الدعوات باب فضل التسبيح 5/ 2352 (6042) .
(2) البخاري في الأذان باب الدعاء في الركوع 1/274 (761) .
(3) مسلم في الصلاة ، باب قضاء الصلاة الفائتة1/472 (681) .
(4) الترمذي في صفة القيامة 4/667 (2516) .
(5) أبو داود في الأدب ، باب ما يقول إذا أصبح4/318 (5074) .
(1) الحاكم في المستدرك 1/706 (1924) ، وانظر صحيح الجامع (1260) .
(2) مسلم في الصلاة ، باب اعتدال أركان الصلاة 1/343 (471) .(33/212)
(3) الموضع السابق ، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة 1/296 (395) .
(4) مسلم في صلاة المسافرين ، باب إسلام عمرو بن عبسة 1/570 (832) .
(5) مسند أحمد 2/87 (5608) ، وانظر صحيح ابن ماجة1/39 (164) .
(1) البخاري في الجهاد ، باب دعاء النبي S إلى الإسلام والنبوة 3/1077 (2783) .
(2) البخاري في التفسير ، باب ذرية من حملنا مع نوح 4/ 1746 (4435) .
(3) البخاري في أحاديث الأنبياء ، باب قصة يأجوج ومأجوج 3/1221 (3169) .
(1) البخاري في الحج ، باب الخطبة أيام منى 2/620 (1654) .
(2) مسند أحمد 3/27 (11232) ، وانظر صحيح الجامع حديث رقم (1557) .
(3) توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم 2/241 .
(1) مسلم في الصلاة ، باب تسوية الصفوف وإقامتها 1/325 (438) .
(2) أبو داود في الصلاة ، باب صف النساء 1/181 (679) ، وانظر صحيح الجامع (7699) .
(3) مسلم في القدر ، باب بيان أن الآجال والأرزاق وغيرها لا تزيد ولا تنقص 4/2050 ( 2663) .
(1) الترمذي في الزهد ، باب ما جاء في الرياء 4/591 (2382) ، وصحيح الترغيب والترهيب (1335) .
(1) البخاري في التفسير ، باب يقبض الله الأرض يوم القيامة 5/ 2389 (6154) .
(2) مسلم في البر والصلة والأدب ، باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها 4/1982 (2557) .
(3) مسلم في التوبة ، باب قبول التوبة من الذنوب 4/2113 (2759) .
(4) مسلم في صلاة المسافرين ، باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل 1/522 (758) .
(1) ابن ماجة في التجارات ، باب الاقتصاد في طلب المعيشة 2/725(2144) ، والسلسلة الصحيحة (2866) .
(2) مسلم في البيوع ، باب تحريم بيع الحاضر للبادي 3/1157 (1522) .
(3) انظر ضعيف الجامع (2369) ، والسلسلة الضعيفة 4/77 (1576) .
(1) مسلم في الذكر والدعاء والتوبة ، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن 4/ 2075 (2701) .
(1) البخاري في الطب ، باب ما يذكر في الطاعون 5/ 2163 (5397) .(33/213)
(2) مسلم في القدر ، باب في الأمر بالقوة وترك العجز 4/2052 (2664) .
(1) مسند أحمد 2/398 (9163) ، وانظر صحيح الجامع حديث رقم (5851) .
(1) أبو داود في الجهاد ، باب في سكنى الشام 3/4 (2483) ، وصحيح الجامع (3659) .
(2) أبو داود كتاب الأدب باب في النهي عن البغي 4/275 (4901) .
(1) البخاري في الشهادات ، باب الشهداء العدول 2/934 (2498) .
(2) الموضع السابق ، باب إذا زكى رجل رجلا 2/946 (2519) .
(1) مسلم في السلام ، باب رآه والمرض والرقى 4/ 1718 (2185) .
(2) الترمذي في الطب 4/410 (2083) ، وانظر صحيح الجامع (5766) .
(3) مسلم في الإمارة ، باب فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر 3/ 1458 (1828) .
(1) البخاري في الاعتصام ، باب من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين 1/39 (71) .
(2) مسلم في البر والصلة والأدب ، باب فضل الرفق 4/2003 (2593) .
(3) البخاري في الأذان ، باب الذكر بعد الصلاة 1/289 (808) .
(4) البخاري في الرقاق ، باب كيف كان عيش النبي S وأصحابه 5/2372 (6095) .
(5) مسلم في الزهد والرقائق 4/2281 (1055) .
(1) أبو داود في الزكاة ، باب في حقوق المال 2/126 (1664) ، وانظر ضعيف الجامع (1643) .
(2) البخاري في الزكاة ، باب قول الله تعالى تعرج الملائكة والروح إليه 6/ 2702 (6993) .
(3) البخاري في التوحيد ، باب ما يذكر في المسك 5/ 2215 (5583) .
(1) البخاري في الجزية ، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب 2/978 (2581) .
(2) مسلم في الزكاة ، باب إثم مانع الزكاة 2/682 (987) .
(3) البخاري في الصلح ، باب الصلح في الدية 2/961 (2556) .
(1) كتاب الضعفاء الكبير للعقيلى 2/303 ترجمة رقم (880) .
(1) البيهقي في سننه 7/480 ، وانظر السلسلة الصحيحة (2564) .
(2) انظر توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم لأحمد بن إبراهيم 2/229.(33/214)
(3) شعب الإيمان 2/281 (1767) ، ومشكاة المصابيح (259) ، وضعيف الترغيب والترهيب (851) .
(1) مسلم في كتاب الإيمان ، باب في قوله عليه السلام إن الله لا ينام 1/161 (179) .
(1) الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة لابن القيم 4/1331 .
(1) انظر ص31 .
(2) انظر في هذا المعنى للعلامة ابن قيم الجوزية في بدائع الفوائد 2/366 ، وطريق الهجرتين ص47 ، ومفتاح دار السعادة 2/90 ، وشفاء العليل ص222 .
(3) شرح العقيدة الطحاوية ص81 .
(4) لسان العرب 13/467 .
??
??
??
??
10
((((((((((((((((((((((((((((((((((((( ((((((( أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
9
www.asmaullah.com الجزء الثالث - دلالتها على الصفات ((((((( (((((((((((((((((((33/215)
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى ، الحمد لله ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شاء من شيء بعد ، أهل الثناء والمجد ، أحق ما قال العبد ، وكلنا لك عبد ، لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد ، اللهم ربنا لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم ، اللهم صلي على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه ، اللهم وأحينا على سنته وتوفنا على ملته غير مبدلين ولا مفرطين ، ولا مفتونين بفضلك وسعة كرمك يا أرحم الراحمين ، أما بعد .
فقد ألمحت في الجزء الثالث إلى أن بعض إخواننا الباحثين وبعض الدعاة المحبين لمنهج السلف وطريقة المحدثين - والذين يعتبرون كل ما ورد عن شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم أمرا مسلما لا يمكن تتبعه بالنظر والتعقيب - وقعوا في حيرة عندما وجدوا بعض الأسماء المشهورة التي لم تثبت ، والتي أدرجها الوليد بن مسلم عند الترمذي ، وجدوها مذكورة في كلامهما كقول ابن تيمية : ( وكذلك الأسماء التي فيها ذكر الشر لا تذكر إلا مقرونة ، كقولنا : الضار النافع المعطي المانع المعز المذل أو مقيدة كقوله : ? إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ ? [السجدة:22] ) (1) ، فذكر الضار النافع المانع المعز المذل ، وهي إنما وردت أفعال ، ولا دليل من الكتاب والسنة على أنها أسماء ، وكقول ابن قيم الجوزية : ( وأيضا فإنه سبحانه له الأسماء الحسنى فمن أسمائه الغفور الرحيم العفو الحليم الخافض الرافع المعز المذل المحيي المميت الوارث الصبور ، ولا بد من ظهور آثار هذه الأسماء ) (2) ، فذكر الخافض الرافع المعز المذل المميت الصبور وهي أيضا أفعال وليست من الأسماء الحسنى ، أما المحي فلم يرد إلا مقيدا .(34/1)
ومع أن شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم لهما في قلبي حب راسخ رسوخ الجبال ، بل لم أجد في بحثي هذا بأجزائه المتعددة مرجعا يمكن النقل عنه بدقة علمية وراحة نفسية وطمأنينة قلبية إلا ما ورد في تراثهما وما عندهما من بديع الأقوال ، وربما يأخذ البعض علينا كثرة النقل عن ابن القيم على وجه الخصوص ولكن أشهد الله أنني كنت أقارن وأبحث في الموسوعات الإلكترونية والمراجع العلمية عن بديل أو مشارك في الكمية أو الكيفية بحيث أتلاشى هذا المأخذ ولكني أقولها بثقة : لم أجد بديلا نقيا يتخذ منهجا قرآنيا نبويا بحجم ما كتبه ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ، اللهم إلا مقتطفات يسيرة من بديع ما ذكره العلماء .
لكن ما يعنينا الآن أن الباحث المحب لهذين الحبرين العظيمين ينبغي عليه أن يتقيد أولا بأصولهما في اعتقاد السلف ، ثم إن وجد في بعض كلامهما شيئا يختلف تلمس لهما العذر ، أولا لأنهما بشر ، ثم لأنه من المسلمات عند هذين الحبرين أن أصول العقيدة السلفية مبنية على الأدلة النقلية دون الفلسفات العقلية والمناهج الكلامية ، وأن دور العقل حيال النقل هو العلم به والتعرف إليه ، وليس العقل عندهما أصلا في ثبوت النقل كما ادعى كثير من المتكلمين ، وهما يقرران أن العقل الصريح لا يعارض النقل الصحيح بل يشهد له ويؤيده ؛ إذ أن مصدرهما واحد فالذي خلق العقل هو الذي أرسل إليه النقل ومن المحال أن يرسل إليه ما يفسده .
وهناك أصول كثيرة تجدها بين أميال طويلة مما سُطِّر في تراثهما ، ومن ثم لا بد أن يراعي الباحث في بحثه أصول الرجلين قبل إلزامهما بشيء يخالفها ، وقد ذكرنا في الجزء الثالث قضية لازم القول هل هو حجة أو قول ؟ فليراجع ..(34/2)
أما عن العلة التي يمكن تلمسها لذكرهما بعض الأسماء التي لا دليل عليها فيمكن القول : إن كل عالم يمر عبر حياته بمراحل علمية متعددة ، فلم يولد ابن تيمية وهو يكتب منهاج السنة النبوية ، ولم يولد ابن القيم الجوزية ومعه شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل ، بل كان حالهما كحال بقية أهل العلم في كل زمان ومكان ، وإن كان لهما تميز مخصوص في المواهب العلمية والقدرات الذهنية ، ومن ثم فقد يُنقل عن ابن تيمية في بداية حياته بعض الأسماء التي لم تثبت في رواية الوليد نظرا لشهرتها الطويلة بين العامة ، بل إن أغلب العلماء في عصرنا وهم أسائذة في أعرق الجامعات ما زالوا يتناقلونها وهم يظنون أنها من كلام النبي S ، وأنها عقيدة مسلمة لا شكك فيها ، وقد صرح بعضهم لي شخصيا بذلك وأن الأمر بعد قراءته للبحث كان مفاجئا له ، لكن لا يستطيع أي باحث أن يحدد متى ذكر ابن تيمية وابن القيم في كلامهما أن الضار النافع الخافض الرافع المعز المذل من الأسماء الحسنى ، هل كان ذلك في أول حياتهما أم في آخرها ؟ .(34/3)
وفضلا على ذلك أن الأصول التي قررها هذان الحبران تفيد بلا شك أن الأسماء الحسنى توقيفية على النص ، ويؤكدان في غير موضع أنه لا يجوز أن نسمي الله بما لم يسم به نفسه في كتابه أو في سنة رسوله S ، قال شيخ الإسلام : ( وأما تسميته سبحانه بأنه مريد وأنه متكلم ؛ فإن هذين الاسمين لم يردا في القرآن ولا في الأسماء الحسنى المعروفة ، ومعناهما حق ، ولكن الأسماء الحسنى المعروفة هي التي يدعى الله بها ، وهي التي جاءت في الكتاب والسنة ، وهي التي تقتضي المدح والثناء بنفسها ) (3) ، وقال في موضع آخر : ( وقد اتفق أهل المعرفة بالحديث على أن هاتين الروايتين - يعني رواية الترمذي وابن ماجة - ليستا من كلام النبي S وإنما كل منهما من كلام بعض السلف ، فالوليد ذكرها عن بعض شيوخه الشاميين كما جاء مفسرا في بعض طرق حديثه ؛ ولهذا اختلف أعيانهما عنه فروى عنه في إحدى الروايات من الأسماء بدل ما ذكر في الرواية الأخرى ؛ لأن الذين جمعوها قد كانوا يذكرون هذا تارة وهذا تارة .. وهذا كله مما يبين لك أنها من الموصول المدرج في الحديث عن النبي S .. فتعيينها ليس من كلام النبي S باتفاق أهل المعرفة بحديثه ) (4) ، وقال ابن القيم : ( السابع أن ما يطلق عليه في باب الأسماء والصفات توقيفي وما يطلق عليه من الأخبار لا يجب أن يكون توقيفيا كالقديم والشيء والموجود والقائم بنفسه ؛ فهذا فصل الخطاب في مسألة أسمائه : هل هي توقيفية أو يجوز أن يطلق عليه منها بعض ما لم يرد به السمع ؟ ) (5) .
وقال أيضا : ( فعليك بمراعاة ما أطلقه سبحانه على نفسه من الأسماء والصفات والوقوف معها ، وعدم إطلاق ما لم يطلقه على نفسه ما لم يكن مطابقا لمعنى أسمائه وصفاته ، وحينئذ فيطلق المعنى لمطابقته له دون اللفظ ، ولاسيما إذا كان مجملا أو منقسما إلى ما يمدح به وغيره فإنه لا يجوز إطلاقه إلا مقيدا ) (6) .(34/4)
وذكر أيضا أنه لم يجيء في الأسماء الحسنى المريد كما جاء فيها السميع البصير ولا المتكلم ولا لآمر الناهي لانقسام مسمى هذه الأسماء ، بل وصف نفسه بكمالاتها وأشرف أنواعها ، ثم قال : ( ومن هنا يعلم غلط بعض المتأخرين وزلقه الفاحش في اشتقاقه له سبحانه من كل فعل أخبر به عن نفسه اسما مطلقا فأدخله في أسمائه الحسنى ؛ فاشتق له اسم الماكر والخادع والفاتن والمضل والكاتب ونحوها ) (7) ، ثم بين أن هذا خطأ من وجوه :
الأول : أنه سبحانه لم يطلق على نفسه هذه الأسماء ؛ فإطلاقها عليه لا يجوز .
الثاني : أنه سبحانه أخبر عن نفسه بأفعال مختصة مقيدة ؛ فلا يجوز أن ينسب إليه مسمى الاسم عند الإطلاق .
الثالث : أن مسمى هذه الأسماء منقسم إلى ما يمدح عليه المسمى به وإلى ما يذم فيحسن في موضع ويقبح في موضع ؛ فيمتنع إطلاقه عليه من غير تفصيل .
الرابع : أن هذه ليست من الأسماء الحسنى التي يسمي بها سبحانه نفسه ، والتي يحب أن يُثني عليه ويحمد بها دون غيرها .
الخامس : أن هذا القائل لو سمي بهذه الأسماء وقيل له : هذه مدحتك وثناء عليك فأنت الماكر الفاتن المخادع المضل اللاعن الفاعل الصانع ونحوها لما كان يرضى بإطلاق هذه الأسماء عليه ويعدها مدحة ، ولله المثل الأعلى سبحانه وتعالى عما يقول الجاهلون به علوا كبيرا .
السادس : أن هذا القائل يلزمه أن يجعل من أسمائه اللاعن والجائي والآتي والذاهب والتارك والمقاتل والصادق والمنزل والنازل والمدمدم والمدمر وأضعاف ذلك فيشتق له اسما من كل فعل أخبر به عن نفسه وإلا تناقض تناقضا بينا ولا أحد من العقلاء طرد ذلك ؛ فعلم بطلان قوله والحمد لله رب العالمين (8) .(34/5)
ونحن لو تتبعنا ما ذكره ابن تيمية وابن القيم في أن الأسماء الحسنى توقيفية على النص ، وأنه لا يجوز أن نسمي الله بما لم يسم به نفسه ، أو أن نصفه بما لم يصف به نفسه في كتابه أو في سنة رسوله S لعجزنا عن ذلك (9) ، فهذه أصول لا يردها أو يناقش فيها إلا من لم يدرك منهج هذين الحبرين ، وهي أيضا حجة عليهما قبل غيرهما ، ومن ثم لو نقل عن ابن تيمية قوله : ( أسماء الله المقترنة كالمعطي المانع والضار النافع المعز المذل الخافض الرافع ، فلا يفرد الاسم المانع عن قرينه ولا الضار عن قربنه لأن اقترانهما يدل على العموم ) (10) ، ونقل أيضا عن ابن القيم قوله : ( فإنه سبحانه له الأسماء الحسنى ، فمن أسمائه الغفور الرحيم العفو الحليم الخافض الرافع المعز المذل المحيي المميت الوارث الصبور ، ولا بد من ظهور آثار هذه الأسماء ؛ فاقتضت حكمته سبحانه أن ينزل آدم وذريته دارا يظهر عليهم فيها أثر أسمائه ) (11) ، لو نقل عنهما مثل ذلك ، فإن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام : على أي دليل استندا الحبران إلى تسمية الله بالضار النافع المعز المذل الخافض الرافع المميت إلى غير ذلك ، وهي لم ترد إلا أفعالا ، ولا دليل على كونها من الأسماء الحسنى ؟ فهل كل منهما يشتق لله اسما من كل فعل ؟ وكيف يكون ذلك وقد تقدم توبيخهما لمن فعل ذلك ؟ والذي أرجحه كما تقدم أنهما إما ذكرا ذلك في بداية حياتهما أو على اعتبار أن من أخذ بالمشهور في رواية الوليد ينبغي عليه أن يحتاط فيلتزم بما ذكرا ؛ فلا يفرد الاسم عن قرينه من الأسماء المتقابلة .
وقد تتبعت هذه الأسماء جميعها فوجدت أنه لم يثبت منها وفق ضوابط الإحصاء إلا المعطي العفو الأول الآخر الظاهر الباطن المقدم المؤخر ، وهذه كلها دالة بمفردها على الكمال المطلق ، ويجوز الدعاء بها ، ويجوز أيضا إطلاقها في حق الله أو اقترانها بمقابلها أو غيره كما هو الحال في جميع الأسماء المقترنة .(34/6)
أما ما ذكره ابن القيم في دعاء الله بالأسماء المتقابلة حيث قال : ( السابع عشر أن أسماءه تعالى منها ما لا يطلق عليه بمفرده بل مقرونا بمقابله كالمانع والضار والمنتقم ؛ فلا يجوز أن يفرد هذا عن مقابله ؛ فإنه مقرون بالمعطي والنافع والعفو فهو المعطي المانع الضار النافع المنتقم العفو المعز المذل ، لأن الكمال في اقتران كل اسم من هذه بما يقابله .. وأما أن يثنى عليه بمجرد المنع والانتقام والإضرار فلا يسوغ ، فهذه الأسماء المزدوجة تجري الأسماء منها مجرى الاسم الواحد الذي يمتنع فصل بعض حروفه عن بعض .. ولذلك لم تجيء مفردة ولم تطلق عليه إلا مقترنة فاعلمه ، فلو قلت : يا مذل يا ضار يا مانع وأخبرت بذلك لم تكن مثنيا عليه ولا حامدا له حتى تذكر مقابلها ) (12) ، قلت : هذا الكلام فيه نظر لأنه قد يصح لو ثبتت هذه الأسماء ، ولكن بعد البحث تبين أنه لم يثبت غير المعطي والعفو ، فليس من أسمائه الضار ولا النافع ولا المنتقم ولا المانع ولا المعز ولا المذل ولا دليل عليها من كتاب أو سنة ، فالقاعدة التي ذكرها مبينة في الأصل على أساس واه .
وتجدر الإشارة إلى أن غلب أهل العلم على اختلاف طوائفهم الكلامية والذوقية يكاد يتطابق منهجهم في الأسماء الحسنى مع الطريقة السلفية ؛ فهم يؤكدون على أنها توقيفية ، وأنه لا يجوز تسمية الله إلا بما ثبت في الأدلة النقلية .(34/7)
قال ابن حجر : ( واختلف في الأسماء الحسنى : هل هي توقيفية بمعنى أنه لا يجوز لأحد أن يشتق من الأفعال الثابتة لله أسماء إلا إذا ورد نص إما في الكتاب أو السنة ؟ فقال الفخر : المشهور عن أصحابنا أنها توقيفية ، وقالت المعتزلة والكرامية : إذا دل العقل على أن معنى اللفظ ثابت في حق الله جاز إطلاقه على الله ، وقال القاضي أبو بكر والغزالي : الأسماء توقيفية ، قال : وهذا هو المختار واحتج الغزالي بالاتفاق على أنه لا يجوز لنا أن نسمي رسول الله S باسم لم يسمه به أبوه ولا سمى به نفسه وكذا كل كبير من الخلق ، قال : فإذا امتنع ذلك في حق المخلوقين فامتناعه في حق الله أولى ) (13) ، وقال الإمام النووي : ( وأسماء الله توقيفية لا تطلق إلا بدليل صحيح ) (14) ، وقال السيوطي : ( اعلم أن أسماء الله تعالى توقيفية بمعنى أنه لا يجوز أن يطلق اسم ما لم يأذن له الشرع ، وإن كان الشرع قد ورد بإطلاق ما يرادفه ، وإليه ذهب الأشعري ) (15) .
وقال أبو القاسم القشيري : ( الأسماء تؤخذ توقيفا من الكتاب والسنة والإجماع ، فكل اسم ورد فيها وجب إطلاقه في وصفه ، وما لم يرد لم يجز ولو صح معناه ) (16) ، وقال العجلوني : ( أسماء الله تعالى توقيفية لا يجوز لنا أن ندعو إلا بما ورد في الكتاب والسنة ، فنقول : يا كريم ، ولا نقول : يا سخي ، ونقول يا عالم ، ولا نقول : يا عاقل ) (17) ، وقال المناوي في بيان العلة على تأكيد النبي S بقوله مائة إلا واحدا : ( ولما كانت معرفة أسمائه توقيفية لا يعلم إلا من طريق الوحي والسنة ، ولم يكن لنا التصرف فيها بما لم يهتد إليه مبلغ علمنا ومنتهى عقولنا ، وقد نهينا عن إطلاق ما لم يرد به توقيف .. وكان الاحتمال في رسم الخط واقعا باشتباه تسعة وتسعين في زلة الكاتب وهفوة القلم بسبعة وتسعين أو تسعة وسبعين ؛ فينشأ الاختلاف في المسموع من المسطور أكده S حسما للمادة ، وإرشادا للاحتياط بقوله : مائة إلا واحدا ) (18) .(34/8)
وقال الزركشي : ( اعلم أن أسماء الله تعالى توقيفية لا تؤخذ قياسا واعتبارا من جهة العقول ، وقد زل في هذا الباب طوائف من الناس ) (19) ، وقال عضد الدين الإيجي : ( تسميته تعالى بالأسماء توقيفية ، أي يتوقف إطلاقها على الإذن فيه وذلك للاحتياط احترازا عما يوهم باطلا لعظم الخطر في ذلك ) (20) ، وقال ابن المرتضى : ( فأسماء الله وصفاته توقيفية شرعية ، وهو أعز من أن يطلق عليه عبيده الجهلة ما رأوا من ذلك ) (21) ، وقال جمال الدين الغزنوي : ( وأسماء الله عز وجل تؤخذ توقيفا ولا يجوز أخذها قياسا ) (22) ، وقال السفاريني : ( أسماؤه ثابتة عظيمة لكنها في الحق توقيفيه ، لنا بذا أدلة وفيه) (23) .
والأقوال في ذلك كثيرة يعز إحصاؤها ، وكلها تدل على أن الأسماء الحسنى توقيفية ، وأن هذه عقيدة أهل السنة والجماعة ، وأنه لابد في كل اسم من دليل نصي صحيح يذكر فيه الاسم بلفظه ، وأن المحدثين اتفقوا على أن سرد الأسماء في رواية الوليد عند الترمذي من إدراج الرواة ، وليس من كلام النبي S .
والقصد أن المسلم لاسيما إن كان داعيا ينبغي أن يكونا واثقا في عقيدته وعلى بصيرة في منهجيته ، متمسكا بأصول السلف الصالح ، ولا يخيفه شهرة فلان أو ظهوره المتكرر في وسائل الإعلام أو منصبه العلمي أيا كان ، فكل يأخذ من كلامه ويرد إلا المعصوم S .
وبخصوص الجزء الرابع المتعلق بأسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة وكيف ندعو الله بها دعاء مسألة ؟ فسوف أتناول فيه بإذن الله البحث عما ثبت في الكتاب والسنة من دعاء في كل اسم على حده ، سواء بالاسم المطلق أو المقيد أو الدعاء بالوصف الذي دل عليه الاسم ، أو الدعاء بمقتضاه على ما سنبين ذلك مفصلا في الباب الأول ، وقد ساعدت التقنية الحاسوبية وسرعة الكمبيوتر في استخراج النصوص الصحيحة وجمع كل ما تعلق بدعاء المسألة ، وقد قسمت الموضوع بعد المقدمة إلى بابين وخاتمة ، وقد جاءت الخطة على النحو التالي :(34/9)
المقدمة : واشتملت وخطة البحث .
الباب الأول : دعاء المسألة كيفيته وأنواعه وآدابه ، وقد اشتمل على المحاور الآتية :
( دعاء المسألة لغة واصطلاحا .
( معاني الدعاء في القرآن والسنة .
( دعاء المسألة ودعاء العبادة .
( دعاء المسألة أعلى أنواع التوسل إلى الله .
( أنواع دعاء المسألة وتعلقها بالأسماء الحسنى .
( آداب دعاء المسألة .
( الشرك في الدعاء والإلحاد في الأسماء .
الباب الثاني : الدعاء بكل اسم من الأسماء دعاء مسألة .
خاتمة البحث : وقد اشتملت على ملخص البحث وأهم النتائج .
أسأل الله البر الرحيم الواسع العليم التواب الحكيم الغني الكريم أن يوفقنا في الاقتداء بهدي سيد الأنبياء وخاتم المرسلين ، وأن نكون على ثقة ويقين وبصيرة في الدين ، والحمد لله الذي شرح صدورنا للرشاد ووفقنا للتمسك بهذا الاعتقاد وهو حسبنا ونعم الوكيل ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
وكتبه أبو عبد الرزاق
د/ محمود عبد الرازق الرضواني
السعودية مدينة أبها
ليلة العاشر من ذي الحجة سنة 1425هـ
الباب الأول
دعاء المسألة كيفيته وأنواعه وآدابه
*********************
( دعاء المسألة لغة واصطلاحا :
أصل الدعاء إمالة الشيءَ إليك بكلام يكون منك طلبا أو نداءً ، أو رغبة أو رجاءً ، أو سؤالا وابتهالا ، يقال : دعا الرجل دعوا ، ودعاء ناداه ، والاسم الدعوة ، ودعوت فلانا أي صحت به واستدعيته (24) ، قال عنترة بن شداد :
يدعون عنتر والرماح كأنها : أشطان بئر في لبان الأدهم(34/10)
يقولون : يا عنتر ، وتداعى القوم دعا بعضهم بعضا حتى يجتمعوا (25) ، وهو داع وهم دعاة ينادون في الناس بتوحيد الله وعبادته ، وعند البخاري من حديث جابر بن عبد الله ( أن الملائكة قالت عن النبي S : ( إِنَّ لِصَاحِبِكُمْ هَذَا مَثَلاً فَاضْرِبُوا لَهُ مَثَلاً .. فَقَالُوا : مَثَلُهُ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى دَارًا ، وَجَعَلَ فِيهَا مَأْدُبَةً وَبَعَثَ دَاعِيًا فَمَنْ أَجَابَ الدَّاعِيَ دَخَلَ الدَّارَ وَأَكَلَ مِنَ الْمَأْدُبَةِ ، وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّاعِيَ لَمْ يَدْخُلِ الدَّارَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنَ الْمَأْدُبَةِ ، فَقَالُوا : أَوِّلُوهَا لَهُ يَفْقَهْهَا ، فَقَالَ : بَعْضُهُمْ إِنَّهُ نَائِمٌ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ ، فَقَالُوا : فَالدَّارُ الْجَنَّةُ وَالدَّاعِي مُحَمَّدٌ S ، فَمَنْ أَطَاعَ مُحَمَّدًا S فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ ، وَمَنْ عَصَى مُحَمَّدًا S فَقَدْ عَصَى اللهَ ، وَمُحَمَّدٌ S فَرْقٌ بَيْنَ النَّاسِ ) (26) ، والتداعي أن يدعو بعضهم بعضا للاجتماع على شيء ، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث ثوبان ( أن رسول الله S قال : ( يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا ..الحديث ) (27) .
ويُقال : دعوتُ الله أدعوه دعاءً ابتهلت إليه بالسؤال ورغبت فيما عنده من الخير ، ودعا لفلان طلب له الخير ، ودعا على فلان طلب له الشر (28) .
أما الدعاء من جهة الشرع فقد عرفه الخطابي بقوله : ( معنى الدعاء استدعاء العبدِ ربَّه عزَّ وجل العناية َ، واستمدادُه منه المعونة ، وحقيقته إظهار الافتقار إلى الله تعالى ، والتبرّؤ من الحول والقوة ، وهو سمة العبودية واستشعارُ الذلة البشريَّة ، وفيه معنى الثناء على الله عزَّ وجل ، وإضافة الجود والكرم إليه ) (29) .
( معاني الدعاء في القرآن والسنة :(34/11)
1- النداء : كما في قوله تعالى : ? يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ? [الأنفال:24] ، وعند البخاري من حديث سعيد بن المعلى ( أنه قال : ( كُنْتُ أُصَلِّي في الْمَسْجِدِ فَدَعَانِي رَسُولُ اللهِ S فَلَمْ أُجِبْهُ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي ، فَقَالَ : أَلَمْ يَقُلِ اللهُ : اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ ) (30) .
2- الطلب والسؤال : كما في قوله تعالى : ? وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ? [البقرة:186] ، وقوله سبحانه : ? قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى ? [طه:36] ، وعند البخاري من حديث جابر بن عبد الله ( أن رسول الله S قال : ( مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ : اللهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلاَةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الذِي وَعَدْتَهُ ، حَلتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) (31) ، وعند مسلم من حديث عبد الله بن عمرو ( أن النبي S قال : ( إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَي ؛ فَإِنَّهُ مَنْ صَلى عَلَي صَلاَةً صَلى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لاَ تَنْبَغِي إِلاَّ لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ ، فَمَنْ سَأَلَ لِيَ الْوَسِيلَةَ حَلتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ ) (32).(34/12)
3- العبادة : لما روى عند الترمذي وصححه الألباني من حديث النعمان ( أن رسول الله S قال : ( الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ ، ثُمَّ قَرَأَ : ? وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ? [غافر:60] ) (33) .
4- الاستغاثة : كما في قوله تعالى : ? قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ ?للهِ أَوْ أَتَتْكُمْ ?لسَّاعَةُ أَغَيْرَ ?للهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ ? [الأنعام:40/41] ، وقوله : ? أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ ? [النمل:62] .(34/13)
وورد الدعاء بمعان أخرى أغلبها يعود لما سبق كالحث على الشيء والاستفهام والقول والتسمية وغيرها (34) ، أما المسألة لغة فأصلها استدعاء الشيء وطلب معرفته والسؤال عنه ، فاستدعاء المال أو ما يؤدي إليه طلبه والحرص عليه وسؤال الآخرين منه ، واستدعاء المعرفة طلبها والحرص على حصولها ، روى الترمذي وصححه الألباني من حديث عبد الله بن عمرو ( أن النبي S قال : ( لاَ تَحِل الْمَسْأَلَةُ لِغَنِي وَلاَ لِذِي مِرَّةٍ سَوِي ) (35) ، وعند البخاري من حديث أنس بن مالك ( قال : ( بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ النَّبِيِ S فِي الْمَسْجِدِ دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى جَمَلٍ فَأَنَاخَهُ فِي الْمَسْجِدِ ، ثُمَّ عَقَلَهُ ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ : أَيُّكُمْ مُحَمَّدٌ ؟ ، وَالنَّبِيُّ S مُتَّكِئٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ فَقُلْنَا : هَذَا الرَّجُلُ الأَبْيَضُ الْمُتَّكِئُ ، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ : ابْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ S : قَدْ أَجَبْتُكَ ، فَقَالَ الرَّجُلُ لِلنَّبِيِّ S : إِنِّي سَائِلُكَ فَمُشَدِّدٌ عَلَيْكَ فِي الْمَسْأَلَةِ فَلاَ تَجِدْ عَلَي فِي نَفْسِكَ ، فَقَالَ : سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ ؟ فَقَالَ : أَسْأَلُكَ بِرَبِّكَ وَرَبِّ مَنْ قَبْلَكَ آللهُ أَرْسَلَكَ إِلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ ؟ فَقَالَ : اللهُمَّ نَعَمْ .. الحديث ) (36) .(34/14)
والسؤال إن كان من العبد لربه كان طلبا ورجاء ومدحا وثناء ، ورغبة ودعاءا واضطرارا والتجاء ، وإن كان من الله لعبده كان تكليفا وابتلاءا ، ومحاسبة وجزاءا وتشريفا وتعريفا ، فمن النوع الأول قوله تعالى : ? وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ? [البقرة:186] ، وقوله تعالى : ? قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى ? [طه:36] لما طلب منه آخاه هارون وزيرا ، وقوله : ? وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ? [إبراهيم:34] ، أي من كل حوائجكم وما تطلبونه بلسان حالكم أو مقالكم (37) ، وقوله تعالى : ? قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ? [هود:46/47] ، وقوله : ? يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُل يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ? [الرحمن:29] ، والسؤال في الآية يشمل كل أوجه المعاني المذكورة (38) ، وعند مسلم من حديث سعد بن أبي وقاص ( أن رسول الله S قال : ( سَأَلْتُ رَبِّي ثَلاَثًا فَأَعْطَانِي ثِنْتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً ، سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ لاَ يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ فَأَعْطَانِيهَا ، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لاَ يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالْغَرَقِ فَأَعْطَانِيهَا ، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لاَ يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا ) (39) .(34/15)
ومن الثاني ما ورد في قول الله تعالى : ? إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ ? [محمد:37] ، أي لا يأمركم بإخراج جميعها في فريضة الزكاة تكليفا وابتلاء (40) ، وقوله تعالى : ? فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ? [الحجر:92] ، سؤال محاسبة وجزاء ، ومثله قوله سبحانه : ? ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ? [التكاثر:8] ، وفي سؤال التشريف وتعريف الفضل والمكانة روى مسلم من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِالليْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ وَصَلاَةِ الْعَصْرِ ، ثُمَّ يَعْرُجُ الذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ ، فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ : كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي ؟ فَيَقُولُونَ : تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ ) (41) .
( دعاء المسألة ودعاء العبادة :(34/16)
أمر الله عباده أن يدعوه بأسمائه الحسنى فقال جل شأنه : ? وَللهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ? [الأعراف:180] ، قال القرطبي : ( فادعوه بها أي اطلبوا منه بأسمائه فيطلب بكل اسم ما يليق به ، تقول : يا رحيم ارحمني ، يا حكيم احكم لي ، يا رزاق ارزقني ) (42) ، وقال ابن القيم في معنى الدعاء بها : ( وهو مرتبتان : إحداهما دعاء ثناء وعبادة ، والثاني دعاء طلب ومسألة ، فلا يثنى عليه إلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى ، وكذلك لا يسأل إلا بها ، فلا يقال : يا موجود ، أو يا شيء ، أو يا ذات اغفر لي وارحمني ؛ بل يسأل في كل مطلوب باسم يكون مقتضيا لذلك المطلوب ؛ فيكون السائل متوسلا إليه بذلك الاسم ، ومن تأمل أدعية الرسل ولاسيما خاتمهم وإمامهم وجدها مطابقة لهذا ) (43) .
ويمكن القول إن أمره تعالى للمكلفين أن يدعوه بأسمائه الحسنى يشمل المعاني السابقة للدعاء التي وردت في الكتاب والسنة ، وهي نداء الله بها ، والطلب والسؤال بذكرها ، والثناء عليه ومدحه بها ، وظهور الداعي بسلوك العبودية الذي يوحد الله في كل منها ، وبصورة أخرى يصح القول بأن دعاء الله بأسمائه يكون بلسان المقال أو بلسان الحال ، فلسان المقال هو المدح والثناء والطلب والسؤال ، ولسان الحال هو الخضوع وتوحيد العبودية لله في الأقوال والأفعال ، وعلى هذا المعنى قسم المحققون من العلماء ما ورد في الآية من الأمر بالدعاء إلى نوعين :(34/17)
الأول : دعاء مسألة ويكون بلسان المقال ، وهو طلب ما ينفع الداعي من جلب منفعة أو دفع مضرة ، فيسأل الله بأسمائه الحسنى التي تناسب حاجته وحاله ومطلبه ويتوسل إلى الله بذكرها وذكر ما تضمنته من كمال الأوصاف وجلالها ، فيردد في دعائه من أسماء الله ما يناسبه عند تقلب الأحوال ، ويظهر في دعائه وأقواله إيمانه بالتوحيد وأوصاف الكمال ، ففي حال فقره يدعو ويستعين ويثني ويستغيث بالمعطي الجواد المحسن الواسع الغني ، وفي حال ضعفه يبتهل إلى القادر القدير المقتدر المهيمن القوي ، وفي حال الذلة وقلة الحيلة يناسبه أن يلتجأ في دعائه وابتهاله إلى ربه بذكر أسمائه العزيز الجبار المتكبر الأعلى المتعالي العلي ، وعند الندم بعد الخطأ واقتراف الذنب يناسبه الدعاء باسمه الرحمن الرحيم اللطيف التواب الغفور الغفار الحيي الستير ، وفي حال السعي والكسب يدعو الرازق الرزاق المنان السميع البصير ، وفي حال الجهل والبحث عن أسباب العلم والفهم يناسبه الدعاء باسمه الحسيب الرقيب العليم الحكيم الخبير ، وفي حال الحرب وقتال العدو فنعم المولى ونعم النصير ، وهكذا يدعو ويتوسل ويبتهل ويتضرع إلى ربه بذكر ما يناسب مقامه وموضعه وحاله وما ينفعه من أسماء الله الحسنى ، أو بعبارة أخرى يقدم بين يدي سؤاله الثناء على الله بأسمائه وأوصافه وأفعاله ما يتناسب مع أحواله فيثني على الله ويلح في التجائه وندائه ، ويصدق في مناجاته وسؤاله ودعائه ، وغير ذلك مما سيأتي عنه مزيد من التفصيل .(34/18)
الثاني : دعاء العبادة ، ويكون بلسان الحال ، وهو تعبد لله يظهر التوحيد في كل اسم من أسمائه وكل وصف من أوصافه ، فهو دعاء سلوكي ومظهر أخلاقي وحال إيماني يبدوا فيه المسلم موحدا لله في كل اسم من الأسماء الحسنى بحيث تنطق أفعاله أنه لا معبود بحق سواه ، وتسابق أقواله في شهادته ألا إله إلا الله ، وأنه سبحانه المتوحد في أسمائه وأوصافه لا سمي له في علاه ، فقد يكون العبد الموحد في ذروة غناه مبتلى بالمال فيما استخلفه الله واسترعاه ؛ فيظهر بمظهر الفقر والتواضع لعلمه أن الله هو الغني المتوحد في غناه ، وأن المال ماله وهو مستخلف عليه مخول فيه مبتلى به في هذه الحياة ، فتجده يلين لإخوانه ولا يعرف بينهم بالغني من شدة توحيده وإيمانه .
ولو كان الموحد شريفا حسيبا عليا نسيبا بدت عليه بدعاء العبادة مظاهر الذل والافتقار ، وخضع بجنانه وبنيانه وكيانه إلى الحسيب الجبار القهار المتعال ، لعلمه أن المتوحد في الحسب والكبرياء وما تضمنته هذه الأسماء هو الله ، وأن الحسيب لا يكون حسيا إذا عبد هواه أو تكبر واستعلى على خلق الله ، فسلوكه سلوك المخلصين من العبيد ، وأفعاله بدعاء العبادة تنطق بشهادة التوحيد ، وسوف يأتي عن هذا الموضوع في الجزء الخامس المزيد والمزيد إن شاء الله .(34/19)
وقد أفرد ابن القيم رحمه الله فصلا في بيان دعاء العبادة ودعاء المسألة ، وبين أن الدعاء في القرآن يراد به هذا تارة ، وهذا تارة ، ويراد به مجموعهما ، وهما متلازمان ، فإن دعاء المسألة هو طلب ما ينفع الداعي وطلب كشف ما يضره أو دفعه ، وكل من يملك الضر والنفع فإنه المعبود حقا ، والمعبود لا بد أن يكون مالكا للنفع والضرر ، ولهذا أنكر الله تعالى على من عبد من دونه مالا يملك ضرا ولا نفعا ؛ لأن المعبود يدعى للنفع والضر دعاء مسألة ، ويدعي خوفا ورجاء دعاء عبادة ؛ فعلم أن النوعين متلازمان ؛ فكل دعاء عبادة مستلزم لدعاء المسألة ، وكل دعاء مسألة متضمن لدعاء العبادة (44) ، وقد ذكر ابن القيم الأدلة القرآنية على هذين النوعين والتي يمكن تلخيصها في النقاط التالية :
1- ما ورد في قول الله عز وجل : ? ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ? [الأعراف:55/56] ، فهاتان الآيتان مشتملتان على آداب نوعي الدعاء ، دعاء العبادة ، ودعاء المسألة ، وقد نفى الله سبحانه عمن عبد من دونه إمكانية النفع والضر القاصر والمتعدي ؛ فهم لا يملكونه لأنفسهم ولا لعابديهم قال تعالى : ? وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً ? [الفرقان:3] ، وإذا كان هذا حالهم ؛ فإن الذي يدعى ويسأل للنفع والضرر هو المعبود حقا .(34/20)
2- قوله تعالى : ? وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلهُمْ يَرْشُدُونَ ? [البقرة:186] ، وهذا يتناول نوعي الدعاء وبكل منهما فسرت الآية ، فقيل : أعطيه إذا سألني ، وقيل : أثيبه إذا عبدني والقولان متلازمان ، وليس هذا من استعمال اللفظ المشترك في معنييه كليهما ، أو استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه ، بل هذا استعمال له في حقيقته الواحدة المتضمنة للأمرين جميعا .
3- ما ورد في قوله تعالى : ? قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً ? [الفرقان:77] ، قيل : لولا دعاؤكم إياه ، وقيل دعاؤه إياكم إلى عبادته فيكون المصدر مضافا إلى المفعول ، وعلى الأول مضافا إلى الفاعل ، وهو الأرجح من القولين ، وعلى هذا فالمراد به نوعا الدعاء ، وهو في دعاء العبادة أظهر ، أي ما يعبأ بكم ربي لولا أنكم تعبدونه ، وعبادته تستلزم مسألته ؛ فالنوعان داخلان فيه .
4- قوله تعالى : ? وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ? [غافر:60] ، فالدعاء يتضمن النوعين ، وهو في دعاء العبادة أظهر ؛ ولهذا عقبه بقوله : ? إِنَّ الذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ? [غافر:60] ، فالدعاء هو دعاء العبادة ، وقد فسر الدعاء في الآية بهذا وهذا ، وعند الترمذي وصححه الألباني من حديث النعمان ( أن رسول الله S قال : ( الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ ، ثُمَّ قَرَأَ : ? وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ? [غافر:60] ) (45).(34/21)
5- قوله تعالى عن خليله إبراهيم S : ? الْحَمْدُ لِلهِ الذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ ? [إبراهيم:39] ، فالمراد بالسمع هنا السمع الخاص ، وهو سمع الإجابة والقبول لا السمع العام لأنه سميع لكل مسموع ، وإذا كان كذلك فالدعاء هنا يتناول دعاء الثناء ودعاء الطلب ، وسمع الرب تبارك وتعالى له إثابته على الثناء ، وإجابته للطلب فهو سميع لهذا وهذا .
6- قوله تعالى عن زكريا ( : ? قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً ? [مريم:4] ، فقد قيل : إنه دعاء المسألة ، والمعنى إنك عودتني إجابتك وإسعافك ولم تشقني بالرد والحرمان ، فهو توسل إليه تعالى بما سلف من إجابته وإحسانه ، وقدم ذلك أمام طلبه الولد وجعله وسيلة إلى ربه فطلب منه أن يجاريه على عادته التي عوده من قضاء حوائجه إذا ما سأله .(34/22)
7- قول الله تعالى : ? قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ? [الإسراء:110] ، فهذا الدعاء دعاء المسألة ، وقد ذكر في سبب النزول عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ( كان رسول الله S ثم البيت فجهر بالدعاء فجعل يقول : يا الله يا رحمن ؛ فسمعته أهل مكة ؛ فأقبلوا عليه ؛ فأنزل الله : ? قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ? إلى آخر الآية ) (46) ، وروى عن ابن عباس ( قال : ( كان النبي S ساجدا يدعو يا رحمن يا رحيم فقال المشركون : هذا يزعم أنه يدعو واحدا وهو يدعو مثنى مثنى ؛ فأنزل الله تعالى : ? قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ? الآية ) (47) ، وقيل : إن الدعاء هاهنا بمعنى التسمية كقولهم : دعوت ولدي سعيدا ، وادعه بعبد الله ونحوه ، والمعنى سموا الله أو سموا الرحمن ؛ فالدعاء هاهنا بمعنى التسمية ، وليس ذلك عين المراد ، بل المراد بالدعاء معناه المعهود المطرد في القرآن ، وهو دعاء السؤال ودعاء الثناء ، ولكنه متضمن معنى التسمية ، فليس المراد مجرد التسمية الخالية عن العبادة والطلب بل التسمية الواقعة في دعاء الثناء والطلب ؛ فعلى هذا المعنى يصح أن يكون في تدعوا معنى تسموا ، والمعنى أيا ما تسموا في ثنائكم ودعائكم وسؤالكم .(34/23)
8- قوله تعالى : ? إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ ? [الطور:28] ، فهذا أظهر في دعاء العبادة المتضمن للسؤال رغبة ورهبة ، والمعنى إنا كنا من قبل نخلص له العبادة ، وبهذا استحقوا أن وقاهم عذاب السموم لا بمجرد السؤال المشترك بين الناجي وغيره ؛ فإن الله سبحانه يسأله من في السموات ومن في الأرض ، والفوز والنجاة إنما هي بإخلاص العبادة لله لا بمجرد السؤال والطلب ، وكذلك قوله عن فتية أصحاب الكهف : ? إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً ? [الكهف:14] ، وكذلك قوله تعالى : ? أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ ? [الصافات:125] ، فهذا أظهر في دعاء العبادة (48) .
( دعاء المسألة أعلى أنواع التوسل إلى الله :
إذا كان مدح المخلوق قبل سؤاله بذكر القليل من أوصاف كماله يعد سببا للإجابة وتحقيق المطلوب ؛ فإن مدح الخالق قبل سؤاله بذكر أسمائه وصفاته وأفعاله يعد أساسا متينا في دعاء المسألة من باب أولى ، لاسيما أن المخلوق يمدح بوصف مكتسب لا يدوم ، وربما يمدح بما لا يستحق ، وربما يمدح نفاقا وكذبا ، كما أن مدح المسئول قبل السؤال يعود النفع فيه على السائل والمسئول ، أما رب العزة والجلال فما زال بأسمائه وصفاته أولا قبل خلقه ، لم يزدد بكونهم شيئا لم يكن قبلهم من صفته ، وكما كان بأسمائه وصفاته أزليا كذلك لا يزال عليها أبديا ، هو الغني بذاته عن العالمين ، كل شيء إليه فقير ، وكل أمر عليه يسير ، لا يحتاج إلى شيء : ? لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ? (49) ، فالله عز وجل أهل الثناء والمجد ، مهما بالغت في مدحه فلن توفيه شيئا من حقه وما ينبغي لجلال وجهه وجمال وصفه وكمال فعله .(34/24)
كما أن المادح لربه هو المستفيد من ثنائه ومدحه ، أما رب العزة والجلال فهو غني عن مدح العالمين ، ولما أمرنا سبحانه أن نمدحه ونسأله وندعوه فإن ذلك لنفعنا وليس لنفعه ، روى مسلم من حديث أبي ذر ( أن النبي S قال فيما روى عن الله تبارك وتعالى : ( يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِالليْلِ وَالنَّهَارِ ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي ، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا ، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا ، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُل إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ ، يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِي أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا ، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللهَ ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ(34/25)
نَفْسَهُ ) (50) .
وقد وردت نصوص نبوية كثيرة تدل على أن الداعي يتوجب عليه أن يثني على ربه قبل السؤال والدعاء ، وأن يصلي أيضا على خاتم الأنبياء S ، روى أبو داود وصححه الألباني من حديث فضالة بين عبيد ? أنه قال : ( سَمِعَ رَسُولُ اللهِ S رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلاتِهِ ، لَمْ يُمَجِّدِ اللهَ تَعَالَى ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ S ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ S : عَجِلَ هَذَا ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ : إِذَا صَلى أَحَدُكُمْ ، فَلْيَبْدَأْ بِتَمْجِيدِ رَبِّهِ جَل وَعَزَّ ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ S ثُمَّ يَدْعُو بَعْدُ بِمَا شَاءَ ) (51) .
وروى النسائي وصححه الألباني من حديث زيد بن خارجة ? أن رسول الله S قال : ( صَلُّوا عَلَيَّ وَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ ، وَقُولُوا : اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ ) (52) ، وروى الترمذي وحسنه الألباني من حديث عبد الله بن مسعود ? قَالَ : ( كُنْتُ أُصَلِّي وَالنَّبِيُّ S وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ مَعَهُ ، فَلَمَّا جَلَسْتُ بَدَأْتُ بِالثَّنَاءِ عَلَى اللهِ ، ثُمَّ الصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ S ، ثُمَّ دَعَوْتُ لِنَفْسِي ، فَقَالَ النَّبِيُّ S : سَلْ تُعْطَهْ سَلْ تُعْطَهْ ) (53) .(34/26)
والله عز وجل يحب أن يثني عليه عبده بأسمائه وصفاته قبل سؤاله ودعائه ، روى البخاري من حديث ابن مسعود ? أن رسول الله S قال : ( لاَ أَحَدَ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ وَلِذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ، وَلاَ شَيْءَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللهِ لِذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ ) (54) ، وفي حديث الشفاعة عند البخاري من حديث أنس ? أن النبي S قال : ( فيَأْتُونِي فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّى في دَارِهِ ، فَيُؤْذَنُ لِي عَلَيْهِ ، فَإِذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا ؛ فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَدَعَنِي ، فَيَقُولُ : ارْفَعْ مُحَمَّدُ ، وَقُلْ يُسْمَعْ ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ ، وَسَلْ تُعْطَ ، قَالَ : فَأَرْفَعُ رَأْسي فَأُثْنِي عَلَى رَبِّي بِثَنَاءٍ وَتَحْمِيدٍ يُعَلّمُنِيهِ ) (55) ، وعند مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي S قال : ( اللهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ ، لاَ أُحْصِى ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ ) (56) .(34/27)
وأنواع التوسل التي شرعها الله تعالى لعباده وحث عليها ثلاثة أنواع أعلاها وأشرفها التوسل إليه بأسمائه الحسنى وصفاته وأفعاله ، كما في قول يوسف ( : ? رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ المُلكِ وَعَلمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ? [يوسف:101] ، وعند مسلم من حديث علي ( في دعاء النبي S إذا قام إلى الصلاة : ( اللهُمَّ أَنْتَ المَلِكُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ ، أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ ظَلَمْتُ نفسي وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لي ذُنُوبِي جَمِيعًا إِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ .. الحديث ) (57) ، وروى النسائي وصححه الألباني من حديث محجن بن الأدرع ( أنه قال : ( دَخَلَ رَسُول اللهِ S المَسْجِدَ إذَا رَجُلٌ قَدْ قَضَى صَلاَتَهُ وَهُوَ يَتَشَهَّدُ ، فَقَال َ: اللهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ يَا أَللهُ بِأَنَّكَ الوَاحِدُ الأَحَدُ الصَّمَدُ الذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي إنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ S : قَدْ غُفِرَ لَهُ ثَلاَثاً ) (58) .(34/28)
فهذا أعلى أنواع التوسل إلى الله وهو تنفيذ وطاعة لقوله عز وجل : ? وَللهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ? [الأعراف:180] ، والمعنى ادعوا الله تعالى متوسلين إليه بأسمائه الحسنى ، والأسماء كما علمنا تدل على الصفات بالتضمن واللزوم ، ومن ذلك أيضا ما رواه النسائي وصححه الشيخ الألباني من حديث أنس بن مالك ( قال : ( كُنْتُ مَعَ رَسُولِ الله S جَالِسًا وَرَجُلٌ قَائِمٌ يُصَلِّي ، فَلَمَّا رَكَعَ وَسَجَدَ وَتَشَهَّدَ دَعَا فَقَالَ فِي دُعَائِهِ : اللهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لكَ الحَمْدَ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ المَنَّانُ ، بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ، يَا ذَا الجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ إِنِّي أَسْأَلُكَ ، فَقَالَ النَّبِيُ S لأَصْحَابِهِ : تَدْرُونَ بِمَا دَعَا ؟ قَالُوا : الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَقَدْ دَعَا الله بِاسْمِهِ العَظِيمِ الذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى ) (59) .(34/29)
أما النوع الثاني من التوسل فهو التوسل إلى الله تعالى بفعل العمل الصالح وهو من دعاء العبادة ،كأن يقول المسلم : اللهم بإيماني بك ومحبتي لك واتباعي لرسولك اغفر لي ، أو يقول : اللهم إني أسألك بحبي لمحمد S وإيماني به أن تفرج عني ، ومنه أن يذكر الداعي عملا صالحا ذا بال فيه خوفه من الله سبحانه وتقواه إياه وإيثاره رضاه على كل شيء ، وطاعته له جل شأنه ثم يتوسل به إلى ربه في دعائه ليكون أرجى لقبوله وإجابته ، وهذا توسل جيد وجميل قد شرعه الله وارتضاه ويدل على مشروعيته قوله تعالى : ? الذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ? [آل عمران:16] ، وقوله سبحانه :? رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ ? [آل عمران:193] ، وأمثال هذه الآيات الكريمات المباركات ، وعند البخاري من حديث عبد الله بن عمر ( أنه رسول الله S قال : ( انْطَلَقَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى أَوَوُا الْمَبِيتَ إِلَى غَارٍ فَدَخَلُوهُ ، فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الْغَارَ فَقَالُوا إِنَّهُ لاَ يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلاَّ أَنْ تَدْعُوا اللهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ ..الحديث ) (60) .(34/30)
وأما النوع الثالث فهو التوسل إلى الله تعالى بدعاء الأحياء من المؤمنين الصالحين كأن يقع المسلم في ضيق شديد أو تحل به مصيبة كبيرة ، ويعلم من نفسه التفريط في جنب الله تبارك وتعالى ، فيطلب ممن يعتقد فيه الصلاح والتقوى أو الفضل والعلم بالكتاب والسنة أن يدعوا له ربه ليفرج عنه كربه ويذهب عنه همه ، فهذا نوع آخر من التوسل المشروع دلت عليه الشريعة المطهرة وأرشدت إليه ، وقد وردت أمثلة عليه في صحيح السنة ، فعند البخاري من حديث أنس بن مالك ( قال : ( بَيْنَمَا النَّبِيُّ S يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذْ قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، هَلَكَ الْكُرَاعُ وَهَلَكَ الشَّاءُ ، فَادْعُ اللهَ أَنْ يَسْقِيَنَا ، فَمَدَّ يَدَيْهِ وَدَعَا ) (61) ، وروى أيضا من حديث أنس ( : ( أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ : اللهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا ، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا ، قَالَ : فَيُسْقَوْنَ ) (62) ، ومعنى قول عمر ( إنا كنا نتوسل إليك بنبينا S وإنا نتوسل إليك بعم نبينا أننا كنا نقصد نبينا S ونطلب منه أن يدعو لنا ونتقرب إلى الله بدعائه ، والآن وقد انتقل S إلى الرفيق الأعلى ، ولم يعد من الممكن أن يدعو لنا فإننا نتوجه إلى عم نبينا العباس ونطلب منه أن يدعو لنا (63) .
* أنواع دعاء المسألة وتعلقها بالأسماء الحسنى :(34/31)
1- أن يكون الدعاء بالاسم المطلق وهو أعلاه لأنه يدل بالتضمن على وصف كمال مطلق ، بحيث يكون الاسم في منتهى الحسن ، ومن ذلك استعاذة مريم ابنة عمران : ? قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّا ً? [مريم:18] ، وقوله تعالى عن إبراهيم ( والذين معه : ? رَبَّنَا لا تَجْعَلنَا فِتْنَةً لِلذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيم ُ? [الممتحنة:5] ، ومما ورد في السنة من الدعاء بالاسم المطلق ما رواه البخاري من حديث أبي بكرٍ ( أنه قال للنبي S: ( عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاَتِي ، قَالَ : قُلِ اللهمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (64) ، وعند مسلم من حديث علي ( في دعاء النبي S إذا قام إلى الصلاة : ( اللهُمَّ أَنْتَ المَلِكُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ ، أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ ظَلَمْتُ نفسي وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لي ذُنُوبِي جَمِيعًا إِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ .. الحديث ) (65) .(34/32)
وروى الإمام مسلم من حديث أبي هريرة ( أن النبي S كان إذا آوى إلى فراشه قال : ( اللهمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ وَرَبَّ الأَرْضِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شيء فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى ، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شيء أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ ، اللهمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شيء ، وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شيء وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شيء وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شيء ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَاغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ ) (66) ، فهذه النصوص ورد فيها دعاء مسألة باسم الله الرحمن والعزيز الحكيم ، والغفور الرحيم ، والملك ، والأول الآخر الظاهر الباطن .(34/33)
2- أن يكون دعاء المسألة بالاسم المقيد وهذا النوع شأنه شأن الدعاء بجميع الأسماء المقيدة ، ومن ذلك قوله تعالى عن زكريا ( : ? قَال رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ? [آل عمران:38] ، فاسم الله السميع من الأسماء الحسنى المطلقة ولكنه ورد مقيدا في هذا الموضع ، ومثله أيضا الدعاء باسم الله البصير حال التقييد كما في قول موسى ( : ? وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى ? [طه:25/35] ، وكذلك اسم الله المولى في قوله : ? رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى القَوْمِ الكَافِرِينَ ? [البقرة:286] ، وأيضا اسم الله النصير فيما رواه أبو داود وصححه الألباني من حديث أنس ( أنه قال : ( كَانَ رَسُولُ الله S إِذَا غَزَا قَالَ : اللهمَّ أَنْتَ عَضُدِي وَنَصِيرِي بِكَ أَحُولُ وَبِكَ أَصُولُ وَبِكَ أُقَاتِلُ ) (67) ، وعند الترمذي وصححه الألباني أن أبا بكر ( قال : يا رسول الله مرني بشيء أقوله إذَا أصبحت وإذا أمسيت قال : ( قُل اللهُمَّ عَالِمَ الغَيْبِ وَالشّهَادَةِ ، فَاطِرَ السَّمَاواتِ والأَرْضِ ، رَبَّ كُلّ شَيءٍ وَمَلِيكَهُ أشْهَدُ أَن لاَ إِله إِلاّ أنْتَ ، أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وشِرْكِهِ ، قَالَ : قُلهُ إذَا أَصْبَحْتَ وَإذَا أَمْسَيْتَ ، وإِذَا أخَذْتَ مَضْجَعَكَ ) (68) .(34/34)
3- الدعاء بالوصف الذي دل عليه الاسم سواء كان وصف ذات أو وصف فعل ، فمن دعاء المسألة بوصف الذات الدعاء بالعزة التي دل عليها اسم الله العزيز فيما رواه مسلم من حديث ابن عباس ( أن رسول الله S كان يقول : ( اللهمَّ إني أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ أَنْ تضلني ، أَنْتَ الحي الذي لاَ يَمُوتُ وَالْجِنُّ وَالإِنْسُ يَمُوتُونَ ) (69) ، وكذلك الدعاء بالعظمة التي دل عليها اسمه العظيم فيما رواه أبو داود وصححه الألباني من حديث ابن عمر ( أنه قال : ( لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ S يَدَعُ هَؤُلاَءِ الدَّعَوَاتِ حِينَ يُمْسِي وَحِينَ يُصْبِحُ .. وذكر منها : وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أغتَالَ مِنْ تَحْتِي ) (70) .(34/35)
أما الدعاء بوصف الفعل فكالدعاء بالفتح الذي دل عليه اسم الله الفتاح في دعاء نوح ( : ? قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَن مَّعِي مِنَ المُؤْمِنِينَ ? [الشعراء:118] ، والدعاء بفعل الإجابة الذي دل عليه اسم الله المجيب في قوله تعالى : ? أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ? [النمل:62] ، وكذلك الدعاء بفعل الإبراء الذي دل عليه البارئ سبحانه فيما رواه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ( كَانَ إِذَا اشْتَكَى رَسُولُ اللهِ S رَقَاهُ جِبْرِيلُ ، قَالَ : بِاسْمِ اللهِ يُبْرِيكَ وَمِنْ كُلِّ دَاءٍ يَشْفِيكَ .. ) (71) ، والدعاء بوصف المغفرة والرحمة والمعافاة والإكرام والتوسيع وكلها أوصاف دل عليها اسم الله الغفار الرحيم العفو الكريم الواسع روى مسلم من حديث عوف بن مالك ( أنه قال : صلى رسول الله S على جنازة ، فحفظت من دعائه : ( اللهمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ .. ) (72) ، والدعاء بفعل القبض الذي تضمنه اسم الله القابض فيما رواه الترمذي وصححه الألباني من حديث ابن عباس ( أن رسول الله S قال : ( اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ ، وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ ، وَإِذَا أَرَدْتَ بِعِبَادِكَ فِتْنَةً فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونٍ ) (73) .(34/36)
4- أن يكون الدعاء والمدح والثناء بلسان المقال ، ويكون دعاء المسألة بلسان الحال ، ومن ذلك ما رواه البخاري من حديث ابن عباس ( قال : ( كَانَ النَّبِيُّ S يَدْعُو عِنْدَ الكَرْبِ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله العَظِيمُ الحَلِيمُ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ، رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ ) (74) ، وكذلك ما ورد عند الترمذي وصححه الألباني من حديث علي ( قال : قال رسول الله S : ( أَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ إِذَا قُلتَهُنَّ غَفَرَ الله لَكَ وَإِنْ كُنْتَ مَغْفُورًا لَكَ ، قَالَ قُل : لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله العَلِي العَظِيمُ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله الحَلِيمُ الكَرِيمُ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله ، سُبْحَانَ الله ربِّ السَّماوات السَّبْع وربِّ العَرشِ العَظِيمِ ، الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ ) (75) .
5- الدعاء بمقتضى الاسم فهذا يشمله دعاء المسألة ، والمقصود الدعاء بمقتضى الطلب أو الخبر في سياق النص الذي ورد فيه ذكر الاسم أو الوصف كقول الله تعالى : ? إِنَّ الذِينَ آمَنُوا وَالذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ الله أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ الله وَالله غَفُورٌ رَحِيمٌ ? [البقرة:218] ، وقوله : ? وَمَنْ يَعْمَل سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ الله يَجِدِ الله غَفُوراً رَحِيماً ? [النساء:110] ، وقوله سبحانه : ? أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى الله وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَالله غَفُورٌ رَحِيمٌ ? [المائدة:74] ، فالمسلم يقول : اللهم إني أرجو رحمتك إنك أنت الغفور الرحيم ، اللهم إني عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم ، اللهم إني أتوب إليك وأستغفرك يا غفور يا رحيم .(34/37)
وأيضا قوله تعالى : ? وَعَلَى الثَّلاثَةِ الذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلجَأَ مِنَ الله إلا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ الله هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ? [التوبة:118] ، فلو تخلف مسلم عن تنفيذ أمر الله ورسوله S ففعل محرما أو ترك واجبا ، أو أحس بمرارة الذنب ، وندم وأسف على ما سبق من الود والحب ، وضاقت عليه الأرض بما رحبت ، فله أن يدعو دعاء مسألة بمقتضى حال الثلاثة الذين خلفوا عن غزة تبوك ، فيقول مثلا : اللهم ضاقت علي الأرض بما رحبت ، وضاقت علي نفسي ، وأيقنت أنه لا ملجأ منك إلا إليك ؛ فتب علي إنك أنت التواب الرحيم .
وكذلك قوله تعالى عن نبيه شعيب ( لما قال لقومه : ? وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ ? [هود:90] ، فالموحد لله في أسمائه يقول في دعاء المسألة : اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك إنك أنت الرحيم الودود .(34/38)
ويمكن الدعاء أيضا بمقتضى الاسم المطلق في قوله تعالى : ? وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ? [الحج:78] ، فالموحد يطلب من ربه أن يمسكه بشرعه ، وأن ينير له سبل الهداية والصلاح ، وأن يبصره بأسباب النجاح والفلاح وأن يجعل له بصيرة في قلبه وعصمة في قربه ، وأن يتولاه بحفظه وينصره على عدوه ، وكذلك الدعاء بمقتضى قوله تعالى : ? وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً ? [الفرقان:58] ، وقوله : ? قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً ? [الإسراء:96] ، يقول في دعائه : اللهم يا خبير يا بصير ، سبحانك وبحمدك ، توكلت عليك في مسألتي وأنت عليم بذنبي فاغفر لي وعافني وارزقني ، واقض حاجتي ويسر أمري ويسمي لربه ما يشاء .(34/39)
وقس على ذلك ما ورد في قوله تعالى عن آدم ( وحواء : ? قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ ? [الأعراف:23] ، وقوله سبحانه عن نبيه نوح ( : ? وَإلا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الخَاسِرِينَ ? [هود:47] ، وقوله لسيدنا محمد S : ? وَاسْتَغْفِرِ الله إِنَّ الله كَانَ غَفُوراً رَحِيماً ? [النساء:106] ، فالمسلم يتأول القرآن قولا وفعلا وينفذ مقتضى الطلب أو الخبر ، ويقول في دعاء المسألة : اللهم اغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم ، وفي دعاء العبادة كما سيأتي تفصيله بحول الله يصدق مع ربه بالإخلاص في التوبة والاستغفار ، وقد كان النبي يتأول القرآن على هذا النحو كما ورد عند البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ( كَانَ النَّبِيُّ S يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ : سُبْحَانَكَ اللهمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللهمَّ اغْفِرْ لِي ، يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ ) (76) ، وتعني أنه كان ينفذ أمر الله له في سورة النصر : ? إِذَا جَاء نَصْرُ الله وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ الله أَفْوَاجاً فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً ? [النصر:1/3] ، والمراد بالتأويل الحقيقة التي يؤول إليها الكلام وهذا المقصود بالتأويل في عرف السلف ، فتأويل الأمر عندهم تنفيذه ، أو فعل المأمور به وترك المنهي عنه ، وتأويل الخبر عندهم وقوعه وحدوثه مطابقا لما ذكره المتكلم سواء في الماضي أو الحاضر والمستقبل (77) .(34/40)
والقصد أن الدعاء عبودية لله تعالى ، وافتقار إليه ، وتذلل بين يديه ، فكلما كثره العبد وطوله ، وأعاده وأبداه ، ونوع جمله ، كان ذلك أبلغ في عبوديته وإظهار فقره وتذللِه وحاجته ، وكان ذلك أقرب له من ربه وأعظم لثوابه ، وهذا بخلاف المخلوق ، فإنك كلما كثرت سؤاله وكررت حوائجك إليه أبرمته وأثقلت عليه ، وهان أمرك بين يديه ، وكلما تركت سؤاله كان أعظم عنده وأحب إليه ، والله سبحانه كلما سألته كنت أقرب إليه وأحب إليه ، وكلما ألححت عليه في الدعاء أحبك ، ومن لم يسأله يغضب عليه ، فالله يغضب إن تركت سؤاله ، وبني آدم حين يسأل يغضب ، فالمطلوب يزيد بزيادة الطلب وينقص بنقصانه (78) ، ومن ثم سوف نستقصي في بحثنا ما استطعنا من أدعية مأثورة على تفصيل هذه الأنواع المذكورة في كل اسم من الأسماء الحسنى .
( آداب دعاء المسألة :
إذا اقترن دعاء المسألة بالآداب الشرعية كان من أعظم الأسباب الإيمانية وأقواها في تحصيل المنافع الدنيوية والدرجات العلية في الآخرة ، بل يكون الداعي في توسله من حيث نوع التوسل ورفعته وحقيقته وكيفيته في أعلى درجات القرب من الله عز وجل ، فلو أن الموحد في دعائه لربه باسمه ووصفه كان مخلصا في دعائه متقيدا بطريقة نبيه S ، وعلى ثقة في إجابة مطلبه ملتزما بآداب الدعاء الشرعية فقد تأول بحق قوله تعالى : ? وَللهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ? [الأعراف:180] .(34/41)
والله عز وجل أمرنا بالإخلاص في الدعاء فقال : ? هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ? [غافر:65] ، وأن يكون الداعي على ثقة ويقين بأن الإجابة حاصلة ، وأن الله تعالى يستحي من عبده إذا صدق في دعائه أن يخيب رجاءه ويرده صفر اليدين ، فعند أبي داود وصححه الألباني من حديث سلمان الفارسي ( أن رسول الله S قال : ( إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا ) (79) ، وعند الترمذي وحسنه الألباني من حديث أبي هريرة ( أن النبي S قال : ( ادْعُوا اللهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ لاَ يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لاَهٍ ) (80) .
ومن الآداب أيضا استحضار القلب بالخشوع والرغبة في الثواب ، والخوف والرهبة من العقاب ، قال تعالى في وصف نبيه زكريا ( : ? فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ? [الأنبياء:90] ، يضاف إلى ذلك قوة العزم والجزم في الدعاء ولا يعلقه بالمشيئة ، روى الإمام البخاري من حديث أنس بن مالك ( أن رسول الله S قال : ( إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلْيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ ، وَلاَ يَقُولَنَّ اللهُمَّ إِنْ شِئْتَ فَأَعْطِنِي ؛ إِنَّهُ لاَ مُسْتَكْرِهَ لَهُ ) (81) ، فهذه من الآداب الشرعية والتوجيهات النبوية .(34/42)
وإذا كان الدعاء بالأسماء الحسنى مطلوبا في كل زمان ومكان إلا أنه في بعض المواطن التي تضيق فيها الأسباب بالإنسان أقوى مسألة وأسرع استجابة ، فالله عز وجل يحب العبد الملح في الدعاء ، والإلحاح فيه يزداد مع الاضطرار وصدق الالتجاء ، قال تعالى : ? أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ ? [النمل:62] ، فإذا ضاقت بالعبد السبل وانقطعت بالمكروب الحيل ، فأول ما يفعله يستغيث بربه ، ويلجأ إلى الله بما يناسب حاله من الأسماء ، ويضرع إليه ويبتهل في الدعاء ، قال تعالى : ? هُوَ الذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ? [يونس:22] .(34/43)
وعند البخاري من حديث عبد الله بن عباس ( أن النبي S قال وهو في قبة له يوم بدر : ( أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ ، اللهُمَّ إِنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ بَعْدَ الْيَوْمِ أَبَدًا ، فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ وَقَالَ : حَسْبُكَ يَا رَسُولَ اللهِ ؛ فَقَدْ أَلْحَحْتَ عَلَى رَبِّكَ ، وَهُوَ فِي الدِّرْعِ فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ : سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ، بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ) (82) ، وروى أحمد وصححه الألباني من حديث ابن مسعود ( أن رسول الله S قال : ( مَا أَصَابَ أَحَداً قَطُّ هَمٌّ وَلاَ حَزَنٌ فَقَالَ : اللهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِي حُكْمُكَ عَدْلٌ فِي قَضَاؤُكَ ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ ، أَوْ عَلمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي ، وَنُورَ صَدْرِي ، وَجَلاَءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي ، إِلاَّ أَذْهَبَ اللهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجاً ، قَالَ : فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ : أَلاَ نَتَعَلمُهَا فَقَالَ : بَلَى ، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلمَهَا ) (83) .(34/44)
ومن آداب الدعاء ألا يدعو بقطيعة أرحام أو بمحرم أو إثم أو زور أو بهتان ، أو ما شابه ذلك من أنواع العصيان ، فعند مسلم من حديث أبي هريرة ? أن النبي S قال : ( لا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ ، مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ ، أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ ، مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ قِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ : مَا الاسْتِعْجَالُ ؟ قَالَ : يَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ ، وَقَدْ دَعَوْتُ ، فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي ؛ فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ ) (84) ، كما أن الداعي ينبغي ألا يُحَجِّر رحمة الله في الدعاء ، أو يبخل بدعائه على إخوانه ضنا بالفضل لنفسه ومنعا للأجر لغيره ، فرحمت الله تعالى وسعت كل شيء ، روى البخاري من حديث أبي هريرة ? أنه قال : ( قَامَ رَسُولُ اللهِ S فِي صَلاةٍ وَقُمْنَا مَعَهُ ، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ وَهُوَ فِي الصَّلاةِ : اللهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا ، وَلا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا ، فَلَمَّا سَلمَ النَّبِيُّ S قَالَ لِلأَعْرَابِيِّ : لَقَدْ حَجَّرْتَ وَاسِعًا ، يُرِيدُ رَحْمَةَ اللهِ ) ، وعند مسلم من حديث جندب ? أن رسول الله S حَدَّثَ : ( أَنَّ رَجُلا قَالَ : وَاللهِ لا يَغْفِرُ اللهُ لِفُلانٍ ، وَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ : مَنْ ذَا الذِي يَتَأَلى عَلَيَّ أَنْ لا أَغْفِرَ لِفُلانٍ ، فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلانٍ وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ ، أَوْ كَمَا قَالَ ) (85) .(34/45)
ومن آداب الدعاء أن يدعو وقت السحر في جوف الليل قبيل الفجر ؛ فهو أعظم وقت لنيل المغفرة والثواب ، فالله عز وجل ينزل إلى السماء وينادي على العباد : هل من تائب ؟ هل من مستغفر ؟ وروى البخاري من حديث أبي هريرة ? أن رسول الله S قال : ( يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُل لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ الليْلِ الآخِرُ ، يَقُولُ : مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ ؟ ) (86) ، وعند الترمذي وحسنه الألباني من حديث أبي أمامة ? أنه قال : ( قِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ : أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ ؟ قَالَ : جَوْفَ الليْلِ الآخِرِ ، وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ ) (87) .(34/46)
والمسلم إذا دعا الله دعاء مسألة فيستحب أن يكرر دعاءه ثلاث مرات ، أو يزيد عن ذلك عند الضيق والكربات ، فعند مسلم من حديث عبد الله بن مسعود ? أنه قال : ( بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ S يُصَلِّي عِنْدَ الْبَيْتِ ، وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ وَقَدْ نُحِرَتْ جَزُورٌ بِالأَمْسِ ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ : أَيُّكُمْ يَقُومُ إِلَى سَلا جَزُورِ بَنِي فُلانٍ فَيَأْخُذُهُ فَيَضَعُهُ فِي كَتِفَيْ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ ؟ فَانْبَعَثَ أَشْقَى الْقَوْمِ ، فَأَخَذَهُ ؛ فَلَمَّا سَجَدَ النَّبِيُّ S وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ ، فَاسْتَضْحَكُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَمِيلُ عَلَى بَعْضٍ ، وَأَنَا قَائِمٌ أَنْظُرُ ، لَوْ كَانَتْ لِي مَنَعَةٌ طَرَحْتُهُ عَنْ ظَهْرِ رَسُولِ اللهِ S ، وَالنَّبِيُّ S سَاجِدٌ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ ، حَتَّى انْطَلَقَ إِنْسَانٌ فَأَخْبَرَ فَاطِمَةَ ، فَجَاءَتْ وَهِيَ جُوَيْرِيَةٌ ، فَطَرَحَتْهُ عَنْهُ ، ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ تَشْتِمُهُمْ ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ S صَلاتَهُ ، رَفَعَ صَوْتَهُ ، ثُمَّ دَعَا عَلَيْهِمْ ، وَكَانَ إِذَا دَعَا دَعَا ثَلاثًا ، وَإِذَا سَأَلَ سَأَلَ ثَلاثًا ، ثُمَّ قَالَ : اللهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ ، فَلَمَّا سَمِعُوا صَوْتَهُ ، ذَهَبَ عَنْهُمُ الضِّحْكُ ، وَخَافُوا دَعْوَتَهُ ، ثُمَّ قَالَ : اللهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ ، وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ ، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ ، وَذَكَرَ السَّابِعَ وَلَمْ أَحْفَظْهُ ، فَوَ الذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا S بِالْحَقِّ ، لَقَدْ رَأَيْتُ الذِينَ سَمَّى صَرْعَى يَوْمَ بَدْرٍ ، ثُمَّ سُحِبُوا إِلَى الْقَلِيبِ ، قَلِيبِ بَدْرٍ ) (88) .(34/47)
ويستحب للداعي أن يدعو في بعض المواضع التي حث النبي S عليها كالدعاء في السجود ، وبين الأذان والإقامة ، وإذا شعر بالظلم ، روى مسلم من حديث أبي هريرة ? أن رسول S قال : ( أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ ) (89) ، روى أيضا من حديث ابن عباس ? قال : ( كَشَفَ رَسُولُ اللهِ S السِّتَارَةَ ، وَالنَّاسُ صُفُوفٌ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ ، فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ ، يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ ، أَلا وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا ، فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَل ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ ) (90) ، وعند أحمد وصححه الألباني من حديث أنس ? أن رسول الله S : ( إِنَّ الدُّعَاءَ لا يُرَدُّ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ فَادْعُوا ) (91) ، وعند البخاري من حديث ابن عباس ? في وصية النبي S لمعاذ ? : ( وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ ) (92) .(34/48)
وينبغي للداعي في دعاء مسألته أن يكون على طاعة لله عز وجل وتوحيد له في العبودية وأن يمتثل للأوامر الشرعية وألا يفعل شيئا حرمه الله ، لأن ذلك من موانع الإجابة وتأخير الاستجابة لمطلبه ، روى مسلم من حديث أبي هريرة ? أن رسول S قال : ( أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا ، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ : ? يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ? [المؤمنون:51] ، وَقَالَ : ? يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُم ? [البقرة:172] ، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ : يَا رَبِّ يَا رَبِّ ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ ، وَغُذِىَ بِالْحَرَامِ ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ ) (93) .(34/49)
ومن محذورات دعاء المسألة ألا يتعجل في إجابة الدعاء ، وألا يجهر بالنداء اتقاءً للفتنة والرياء ، وأن يحذر أيضا من التجاوز والاعتداء في الدعاء ، ولا يتمنى الموت عند الضرر والبلاء ، فعند البخاري من حديث أبي هريرة ? أن رسول S قال : ( يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ يَقُولُ : دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لي ) (94) ، وعند أحمد وصححه الألباني من حديث أبي سعيد ? أن النبي S قال : ( ما مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلاَ قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلاَّ أَعْطَاهُ اللهُ بِهَا إِحْدَى ثَلاَثٍ : إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الآخِرَةِ ، وَإِمَّا أَنُْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا ، قَالُوا : إِذاً نُكْثِرُ ، قَالَ : اللهُ أَكْثَرُ ) (95) ، وعند البخاري من حديث أبي موسى الأشعري ? أنه قال : ( لَمَّا غَزَا رَسُولُ اللهِ S خَيْبَرَ ، أَوْ قَالَ : لَمَّا تَوَجَّهَ رَسُولُ اللهِ S أَشْرَفَ النَّاسُ عَلَى وَادٍ ، فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّكْبِيرِ : اللهُ أَكْبَرُ ، اللهُ أَكْبَرُ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ S : أرْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ ، إِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا ، إِنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا وَهْوَ مَعَكُمْ .. ) (96) ، فينبغي على الداعي أن يكون وسطاً في دعوته كما أنه وسط في منهجيته ؛ فلا يؤذي أحدا بصوته ولا يشق عليه في متابعته بالتأمين .(34/50)
وروى أبو داود وقال الألباني : حسن صحيح من حديث أبي نعامة عن ابن لسعد ? أنه قال : ( سَمِعَنِي أَبِى وَأَنَا أَقُولُ : اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَنَعِيمَهَا وَبَهْجَتَهَا ، وَكَذَا وَكَذَا ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَسَلاَسِلِهَا وَأَغلاَلِهَا ، وَكَذَا وَكَذَا فَقَالَ : يَا بُنَيَ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ : سَيَكُونُ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الدُّعَاءِ ، فَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ ، إِنْ أُعْطِيتَ الْجَنَّةَ أُعْطِيتَهَا وَمَا فِيهَا مِنَ الْخَيْرِ ، وَإِنْ أُعِذْتَ مِنَ النَّارِ أُعِذْتَ مِنْهَا وَمَا فِيهَا مِنَ الشَّرِّ ) (97) ، ومن الاعتداء في الدعاء أن يشمل ما يناقض المشيئة والحكمة ، كالدعاء ببقاء الدنيا أبد الآبدين ، أو إهلاك كل الناس أجمعين ، أو يدعوا بإباحة ما حرمه الله على المكلفين أو ما شابه ذلك .
وعند مسلم من حديث أنس ( أن رسول الله S قال : ( لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ ؛ فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ مُتَمَنِّيًا فَلْيَقُلِ : اللهُمَّ أحيني مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لي وتوفني إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لي ) (98) ، فتمني الموت من التجاوز في الدعاء لأنه يكون عن خلل في الإيمان بالقضاء والقدر ، فلا بد من الصبر على البلاء والشكر على النعماء ، والاستعانة بالله والإلحاح في الدعاء .(34/51)
هذه بعض آداب الدعاء إذا انضمت إلى دعاء الله بالأسماء الحسنى مع فهم دقيق وإيمان عميق واتصال وثيق بالله ، كان ذلك من أقوى الأسباب تأثيرا ، وأرجى عند الله إجابة وقبولا ، قال ابن القيم : ( وكذلك الدعاء فإنه من أقوى الأسباب في دفع المكروه وحصول المطلوب ، ولكن قد يتخلف عنه أثره ؛ إما لضعفه في نفسه بأن يكون دعاء لا يحبه الله لما فيه من العدوان ؛ وإما لضعف القلب وعدم إقباله على الله وجمعيته عليه وقت الدعاء ؛ فيكون بمنزلة القوس الرخو جدا ؛ فإن السهم يخرج منه خروجا ضعيفا ، وإما لحصول المانع من الإجابة من أكل الحرام والظلم ورين الذنوب على القلوب واستيلاء الغفلة والسهو واللهو وغلبتها عليها ) (99) .
( الشرك في الدعاء والإلحاد في الأسماء :
من الأمور المهلكة والكبائر الموبقة أن يجعل الإنسان شريكا لله في الربوبية والعبودية والأسماء والصفات ، قال تعالى : ? إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ? [المائدة:72] ، وروي البخاري من حديث عبد الله بن مسعود ( أنه قال : ( سَأَلتُ رَسُول اللهِ S : أَيُّ الذَّنْبِ عِنْدَ اللهِ أَكْبَرُ ؟ قَال : أَنْ تَجْعَل للهِ نِدًّا وَهُوَ خَلقَكَ ) (100) ، وأصل الشرك التشارك في شيء ، أو مخالطة الشريكين ، والشريك المشارك ، وشاركت فلانا صرت شريكه ، وأشرك بالله جعل له شريكا فيما انفرد به ، والشرك بالله مبناه على منازعة الله في أوصافه بالتشبيه (101) ، فمن تشبه بالله في أسمائه وأوصافه وتعالى عن حد العبودية فقد أشرك بالله في الربوبية ، ومن شبه المخلوق بالخالق ووصفه بأوصاف العظمة التي لا تنبغي إلا لله فقد وقع في شرك العبودية ، ومن شبه الخالق بالمخلوق فمثل وكيف وعطل وحرف فقد وقع في شرك الأسماء والصفات .(34/52)
وكثيرا ما يُذكر دعاء المشركين لآلهتهم في القرآن كتعبير عن دعاء المسألة والعبادة معا ، وإن كان دعاؤهم يغلب عليه دعاء المسألة في بعض المواضع ، وفي مواضع أخرى يغلب عليه دعاء العبادة ، فقوله تعالى : ? إِنَّ الذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ? [الأعراف:194] ، الأغلب فيه دعاء المسألة لأنه يردا به النداء والطلب والسؤال ، وهذه المعبودات لا تستجيب لانتفاء صفات الإلوهية اللازمة للإجابة ، وكذلك قوله : ? إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ? [فاطر:14] ، وقوله : ? وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَل مَنْ تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإنسان كَفُوراً ? [الإسراء:67] ، الأغلب فيه دعاء المسألة لأنه قوله : لا يسمعوا دعاءكم ، وقوله : ضل من تدعون ، هو دعاء مسألة واستغاثة ، ولما أيقن المشركون أنه لا يجيب المضطر إذا دعاه إلا الله وحدوه وأخلصوا له في دعاء المسألة ، روي النسائي وصححه الألباني من حديث سعد بن أبي وقاص ( أنه قال : ( لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ ، أَمَّنَ رَسُولُ اللهِ S النَّاسَ إِلاَّ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَامْرَأَتَيْنِ ، وَقَالَ : اقْتُلُوهُمْ وَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمْ مُتَعَلِّقِينَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ .. قال : وَأَمَّا عِكْرِمَةُ فَرَكِبَ الْبَحْرَ فَأَصَابَتْهُمْ عَاصِفٌ ، فَقَالَ أَصْحَابُ السَّفِينَةِ : أَخْلِصُوا فَإِنّ آلِهَتَكُمْ لاَ تُغْنِى عَنْكُمْ شَيْئًا هَا هُنَا ، فَقَالَ عِكْرِمَةُ : وَاللهِ لَئِنْ لَمْ يُنَجِّنِي مِنَ الْبَحْرِ إِلاَّ الإِخْلاَصُ لاَ يُنَجِّينِي فِي الْبَرِّ غَيْرُهُ ،(34/53)
اللهُمَّ إِنَّ لَكَ عَلَىَّ عَهْدًا إِنْ أَنْتَ عافيتني مِمَّا أَنَا فِيهِ أَنْ آتِىَ مُحَمَّدًا S حَتَّى أَضَعَ يدي في يَدِهِ فَلأَجِدَنَّهُ عَفُوًّا كَرِيمًا ، فَجَاءَ فَأَسْلَمَ ) (102) .
وقد يكون دعاء المشركين محمول على دعاء العبادة كقوله تعالى : ? قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ ? [الزمر:38] ، فمعنى ما تدعون أي ما تعبدون ، وقال تعالى عن خليله إبراهيم S : ? وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيّاً فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاً جَعَلْنَا نَبِيّاً ? [مريم:48/49] ، فالدليل ظاهر في دعاء العبادة المتضمن دعاء المسألة ، والقصد أن دعاء المشركين لأوثانهم ، يراد به دعاء العبادة تارة ، ودعاء المسألة تارة أخرى ، وإن كان شيخ الإسلام قد جعله في دعاء العبادة المتضمن دعاء المسألة ، قال ابن تيمية : ( وكل موضع ذكر فيه دعاء المشركين لأوثانهم ، فالمراد به دعاء العبادة المتضمن دعاء المسألة ، فهو في دعاء العبادة أظهر لوجوه ثلاثة :
أحدها : أنهم قالوا : ? مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى ? [الزمر:3] ، فاعترفوا بأن دعاءهم إياهم عبادتهم لهم .(34/54)
الثاني : أن الله تعالى فسر هذا الدعاء في موضع آخر ، كقوله تعالى : ? وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ ? [الشعراء:92/93] وقوله : ? إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ? [الأنبياء:98] وقوله تعالى : ? لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ? [الكافرون:2] ، فدعاؤهم لآلهتهم هو عبادتهم .
الثالث : أنهم كانوا يعبدونها في الرخاء ؛ فإذا جاءتهم الشدائد دعوا الله وحده وتركوها ، ومع هذا فكانوا يسألونها بعض حوائجهم ويطلبون منها ، وكان دعاؤهم لها دعاء عبادة ودعاء مسألة ) (103) .
والله عز وجل كما أمر عباده أن يدعوه بأسمائه الحسنى فإنه حذر من الإلحاد فيها ؛ فقال جل شأنه : ? وَللهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ? [الأعراف:180] ، قال ابن القيم : ( والإلحاد في أسمائه هو العدول بها وبحقائقها ومعانيها عن الحق الثابت لها ، وهو مأخوذ من الميل كما يدل عليه مادته لحد ؛ فمنه اللحد وهو الشق في جانب القبر الذي قد مال عن الوسط ، ومنه الملحد في الدين المائل عن الحق إلى الباطل ، تقول العرب التحد فلان إلى فلان إذا عدل إليه ) (104) .(34/55)
ويمكن القول على المعنى الظاهر في آية الأعراف أن الله عز وجل أمر بإخلاص الدعاء له بأسمائه الحسنى وأوصافه العليا ، وأمر ألا يصرف شيء من ذلك إلى غيره وهو المعنى الظاهر للإلحاد فيها ، فإن دعاء غير الله يستلزم وصفه بما لا يجوز إلا في حقه من أنواع الكمال التي تضمنتها الأسماء ، فالذي يدعو غير الله من القباب والأوثان ، ويطلب منه الرحمة والمدد والغفران ، ويصرف إليه دعاء المسألة أو دعاء العبادة ؛ فقد شبه المخلوق بالخالق ، وسوى بينهما في صفات الكمال ، ووقع في شرك الإلوهية ؛ لأن دعاءهم يستلزم تشبيه من لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا بمن كانت أزمة الأمور بيديه ومرجعها إليه فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن (105) .(34/56)
ومن ثم فإن صرف دعاء المسألة للأموات إلحاد في توحيد الأسماء والصفات من جهة ، ومن جهة أخرى شرك ظاهر في العبادة ، فالذي يستغيث ويطلب المدد من غير الله يثبت له بدلالة اللزوم صفة الحياة ؛ لأنه لو اعتقد أنه ميت ما توجه إليه بالنداء والدعاء ، ويثبت أيضا أنه يسمع ويبصر ويعلم ويقدر ، ويثبت أيضا أنه قوي غنى ، فالفقير الضعيف لا يدعى ولا يقصد ، قال الله عز وجل : ? ذَلِكُمْ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ المُلكُ وَالذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ? [فاطر:13/14] ، فنفي الله عنهم أوصاف الكمال التي انفرد بها عمن سواه وقال سبحانه : ? يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ? [الحج:73] ، فمن السميع لما ذهب هذا المشرك إلي أصم أبكم ؟ ومن البصير لما استغاث بعاجز عم ؟ ومن الغنى لما توجه إلي فقير معدم ؟ ومن العلي القدير لما عكف على ضريح ميت ضعيف فقير ؟ قال تعالى : ? وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالبَصِيرُ وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ وَلا الظِّلُّ وَلا الحَرُورُ وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي القُبُورِ ? [فاطر:22/23] .
ودعاء المسألة وكذلك دعاء العبادة توجه لله بأسمائه وصفاته ، وإفراده سبحانه بالتعظيم والدعاء ، والحب الخوف والرجاء ، فإذا صرف شيئا من ذلك لغير الله فإنه إلحاد وميل وشرك .(34/57)
وينبغي على كل مسلم في عصرنا ألا يفتن بما يراه من أفعال بعض الجهلة من المسلمين ، حيث يراهم متوجهين إلي الأضرحة والقباب ، ويطوفون حولها خاشعين مقبلين العمائم والأعتاب ، يدعونهم ويضرعون إليهم ، ويطلبون المدد منهم ويقدمون من أنواع النذور أجود ما عندهم ، مستبيحين حرمة الأدلة في النهي عن بناء القبور علي المساجد ، وشد الرحال إلي الأضرحة والموالد ، زاعمين أن الأولياء يتحكمون في المنافذ والطرقات ، ويحمون زوارهم ولو كانوا علي أبعد المسافات ، وهذا كله شرك بالله وإلحاد .
وقد أمر النبي S جميع المسلمين قبل موته ألا يتخذوا القبور مساجد سدا لذرائع الشرك وحتى لا يدعى فيها غير الله تعالى ، فعند مسلم من حديث جندب ( قال : ( سَمِعْتُ النَّبِي S قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِخَمْسٍ وَهُوَ يَقُولُ : أَلاَ وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ ، أَلاَ فَلاَ تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ ) (106) .
وقال تعالى : ? وَأَنَّ المَسَاجِدَ لِلهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدً ? [الجن:18] ، وقال في موضع آخر : ? فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالغُدُوِّ وَالآصَالِ ? [النور:36] ، فالشرك في الدعاء له صلة وثيقة بالإلحاد في الأسماء لأنه تشبيه للمخلوق بالخالق وتسوية بينهما فيما انفرد به الله من الأسماء والصفات .(34/58)
قال قتادة في معني ? يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ? : يشركون (107) ، وقال عطاء : الإلحاد هو المضاهاة (108) ، والله عز وجل يسأل المشركين وهم معذبون في جهنم تبكيتا لهم على إلحادهم وشركهم به : ? وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ تَاللهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَمَا أَضَلنَا إِلا المُجْرِمُونَ ? [الشعراء:92/99] ، وقد بلغ من إلحاد المشركين القدماء أنهم اشتقوا من أسماء الله أسماء للأصنام ، كما فعلوا في اشتقاق العزى من العزيز ، واشتقاق اللات من الإله (109) .
ومن الإلحاد في الأسماء التشبه بالخالق فيما انفرد به من أوصاف الكمال كمن تعاظم وتكبر ، ودعا الناس إلى إطرائه بالمدح والتعظيم ، وتعليق القلوب به خوفاً ورجاءً ، واستغاثة والتجاءً وغير ذلك من دعاء المسألة والعبادة ، فهذا قد تشبه بالله وألحد في أسمائه ونازعه في ربوبيته ، فالعبد إذا خلع عن نفسه رداء العبودية فإنه سينازع الله في أوصاف الربوبية ، ويتشبه به في العلو والكبرياء ، وعظمة الأوصاف والأسماء ، روى أبو داود من حديث أبى هريرة ( أن رسول الله S قال : ( يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَل : الكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالعَظَمَةُ إِزَارِي ، فَمَنْ نَازَعَنِي شَيْئًا مِنْهُمَا أَلقَيْتُهُ فِي جَهَنَّمَ ) (110) ، وعند مسلم من حديث عبد الله بن مسعود ( أن النبي S قال : ( لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ) (111) .(34/59)
ومن ثم فإن العبد لا يبلغ درجة التوحيد إلا إذا خلع عن نفسه رداء الربوبية واكتسي بثوب العبودية ، واعتقد أنه عبد في ملك سيده ، مستخلف في أرضه أمين على ملكه ، مبتلى فيما خوله واسترعاه ، وأنه سبحانه المتوحد في ملكه لا معبود بحق سواه ؛ فيتوجه إليه بالمدح والثناء ، والاستغاثة والدعاء .
وكذلك من الإلحاد في الأسماء والميل بها عما يجب لها التشبه به سبحانه في الاسم الذي لا ينبغي إلا له وحده ، كملك الأملاك ، وحاكم الحكام ، ومن وصف نفسه بالمعالي والتعالي والسمو ، وغير ذلك من المصطلحات التي لا تليق بمقام العبودية ، وفي صحيح الإمام مسلم من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( أَغْيَظُ رَجُلٍ عَلى اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ ، وَأَخْبَثُهُ وَأَغْيَظُهُ عَليْهِ ، رَجُلٍ كَانَ يُسَمَّى مَلكَ الأَمْلاكِ ، لا مَلكَ إِلا اللهُ ) (112) .
ومن الإلحاد في الأسماء تشبيه الخالق بالمخلوق وهو شرك الأسماء والصفات فالتوحيد في باب الصفات يقصد به إفراد الله سبحانه وتعالى بذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله عن الأقيسة والقواعد والقوانين التي تحكم ذوات المخلوقين وصفاتهم وأفعالهم ، قال تعالى : ? لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ? [الشورى:11] ، وباب الأسماء الحسنى لم يسلم من إلحاد الملحدين ، وتعطيل المبطلين بحجج عقلية سقيمة وآراء فكرية عقيمة ، فمن ذلك تعطيل الجهمية وأتباعهم لأسماء الله عن معانيها وجحد حقائقها ، كقولهم : إنها ألفاظ مجردة لا تتضمن صفة ولا معنى ، فيزعمون أنه سميع بلا سمع ، وبصير بلا بصر ، وحي بلا حياة، ورحيم بلا رحمة ، وهذا من أعظم الإلحاد فيها عقلا وشرعا ولغة وفطرة ، وهو يقابل إلحاد المشركين ؛ فإن أولئك أعطوا من أسمائه وصفاته لآلهتهم وهؤلاء سلبوا كماله وجحدوها وعطلوها وكلاهما ألحد في أسمائه .(34/60)
ومما ينبغي التحذير منه تعطيل أوصاف الله بحجة أن إثباتها تشبيه للخالق بالمخلوق ، فقد يتوهم كثير من الناس في بعض الصفات أو أكثرها أو كلها أنها تماثل صفات المخلوقين ، ثم يريد أن ينفي ذلك الذي فهمه ، فيقع عدة محاذير مركبة ، أولها أنه مثل ما فهمه من النصوص من صفات الله بصفات المخلوقين وظن أن مدلولها هو التمثيل ، وثانيها أنه إذ جعل ذلك هو مفهومها وعطله بقيت النصوص معطلة عما دلت عليه من إثبات الصفات اللائقة بالله ، فيبقى مع جنايته على النصوص وظنه السيئ الذي ظنه بالله ورسوله S ؛ حيث ظن أن ما يفهم من كلامهما هو التمثيل الباطل ، يبقى وقد عطل ما أودع الله ورسوله S في كلامهما من إثبات الصفات لله ، والمعاني الإلهية اللائقة بجلاله ، ولا يكتفي بذلك بل ينفي تلك الصفات عن الله عز وجل بغير علم ؛ فيكون معطلا لما يستحقه الرب ، كما أنه يصف ربه بنقيض تلك الصفات من صفات الأموات والجمادات أو صفات المعدومات ، أو يلوى عنق النصوص بتأويل باطل مجرد عن الدليل فيكون قد عطل ومثل ، ووقع في تحريفات مغلفة بأنواع من التأويلات ، فيجمع بين التحريف والتعطيل والتكييف والتمثيل ، فيكون ملحدا في أسماء الله وصفاته وآياته (113) .
ومن الشرك والإلحاد في الأسماء الحسني أيضا أن يسمى الله بما لم يسم به نفسه كتسمية النصارى له أبا وتسمية الفلاسفة له موجبا بذاته أو علة فاعلة بالطبع ونحو ذلك ، وكذلك وصفه بما يتعالى عنه ويتقدس كقول اليهود إنه فقير ، وقولهم إنه استراح بعد أن خلق خلقه ، وقولهم يد الله مغلولة ، وأمثال ذلك مما هو إلحاد في أسمائه وصفاته (114) .
الباب الثاني
الدعاء بكل اسم من الأسماء دعاء مسألة
************************
1- ( ( الرحمن :(34/61)
ورد الدعاء بالاسم المطلق في استعاذة مريم ابنة عمران عندما تمثل لها جبريل ( بشرا سويا ، وبشرها بعيسى ( قال تعالى : ? قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّا ً? [مريم:18] ، وهي تعني إن كنت تقيا تتقي الله وتخشى الاستعاذة وتعظمها فإني عائذة منك بالرحمن ، أو فتتعظ بتعويذي ولا تتعرض لي ؛ فجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله (115) ، وورد الدعاء أيضا بالاسم المطلق في قوله تعالى : ? قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ المُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ? [الأنبياء:112] .
وروى أحمد وصححه الألباني من حديث عبد الرحمن التميمي ( أن رجلا سأله كيف صنع رسول الله S حِين كادته الشياطين ؟ قال : ( جَاءَتِ الشَّيَاطِينُ إِلَى رَسُولِ الله S مِنَ الأَوْدِيَةِ ، وَتَحَدَّرَتْ عَلَيْهِ مِنَ الجِبَالِ ، وَفِيهِمْ شَيْطَان مَعَهُ شُعْلَة مِنْ نَارٍ يُرِيدُ أَنْ يُحْرِقَ بِهَا وَجْهَ رَسُولِ اللهِ S ، فَهَبَطَ إِلَيْهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ قُل ، قَالَ مَا أَقُولُ ، قَالَ : قُل أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَذَرَأَ وَبَرَأَ ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَعْرُجُ فِيهَا ، وَمِنْ شَرِّ فِتَنِ الليْلِ وَالنَّهَارِ ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ طَارِقٍ إِلاَّ طَارِقاً يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ ، قَالَ : فَطَفِئَتْ نَارُهُمْ ، وَهَزَمَهُمْ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ) (116) .(34/62)
وورد الدعاء بالاسم المضاف عند الطبراني وحسنه الألباني من حديث أنس بن مالك ( أن رسول الله S قال لمعاذ بن جبل ( : ( ألا أعلمُك دعَاء تدعو به لوْ كان عَليْك مثل جبل أحد دَيْنا لأدَّاه الله عنكْ ، قل يا مُعاذ : اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ ، تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ ، وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ ، وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ ، بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، رَحمَن الدنْيا والآخِرَة ورحِيمَهُما ، تُعطِيهما مَنْ تَشَاء وتمنَعُ مِنْهمَا مَنْ تَشَاء ارْحَمْني رَحمَة تُغْنيني بها عَن رِحْمَة مَنْ سِواك ) (117) .
أما دعاء المسألة بوصف الرحمة العامة الذي دل عليه اسمه الرحمن ؛ فقد ورد في نصوص كثيرة ، منها قوله تعالى : ? وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى القَوْمِ الكَافِرِينَ ? [البقرة:286] ، وقوله في البر بالوالدين على العموم : ? وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً واخَْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً ? [الإسراء:23/24] .(34/63)
وقال سبحانه في وصف عباده الموحدين : ? إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ? [المؤمنون:109] ، وقال تعالى : ? وَقُل رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ? [المؤمنون:118] ، وقال تعالى : ? قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَالله خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ? [يوسف:64] ، وروى البخاري من حديث عبد الله بن عمر ( أن رسول الله S قال : ( اللهمَّ ارْحَمِ المُحَلِّقِينَ ، قَالُوا وَالمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ الله ، قَالَ : اللهمَّ ارْحَمِ المُحَلِّقِينَ ، قَالُوا : وَالمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ الله ، قَالَ وَالمُقَصِّرِينَ ) (118) ، وجميع ما تقدم تعد أدلة صريحة في دعاء الله باسمه الرحمن دعاء مسألة ، أو الدعاء بالوصف الذي دل عليه الاسم ، فيدعو المسلم بما يناسب حاجته ومطلبه ؛ فيقول : اللهم إني أسألك يا رحمن أن ترحمني وأن ترحم والدي وسائر عبادك المسلمين يا أرحم الراحمين ، أو يقول : أعوذ بالرحمن وأستعين به من كل سوء وبلاء ، ومن كل شر وشقاء ، وغير ذلك مما يناسب حاله ومسألته .
2- ( ( الرحيم :(34/64)
ورد دعاء المسألة بالاسم المطلق في قوله تعالى عن إبراهيم وولده إسماعيل عليهما السلام : ? رَبَّنَا وَاجْعَلنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ? [البقرة:128] ، وقوله تعالى في شأن موسى ( : ? قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ ? [القصص:16] ، وقوله سبحانه عن أهل الجنة : ? إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ البَرُّ الرَّحِيمُ ? [الطور:28] ، ودعاء أهل الجنة يشمل دعاء المسألة ودعاء العبادة .(34/65)
ومما ورد في السنة من الدعاء بالاسم المطلق ما رواه البخاري من حديث أبي بكرٍ ( أنه قال للنبي S: ( عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاَتِي ، قَالَ : قُلِ اللهمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (119) ، وعند النسائي وصححه الشيخ الألباني من حديث حنظلة بن علي ( أن محجن بن الأدرع حدثه : ( أَنَّ رَسُولَ اللهِ S دَخَلَ المَسْجِدَ ، إذَا رَجُلٌ قَدْ قَضَى صَلاَتَهُ وَهُوَ يَتَشَهَّدُ ، فَقَال َ: اللهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ يَا أَللهُ بِأَنَّكَ الوَاحِدُ الأَحَدُ الصَّمَدُ الذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي إنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ S : قَدْ غُفِرَ لَهُ ثَلاَثاً ) (120) ، وعند أبي داود وصححه الألباني عن واثلة بن الأسقع ( أنه قال : ( صَلى بِنَا رَسُولُ اللهِ S عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : اللهُمَّ إِنَّ فُلاَنَ بْنَ فُلاَنٍ فِي ذِمَّتِكَ وَحَبْلِ جِوَارِكَ ، فَقِهِ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ النَّارِ وَأَنْتَ أَهْلُ الْوَفَاءِ وَالْحَمْدِ ، اللهُمَّ فَاغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (121) ، وعنده أيضا وصححه الألباني من دعاء ابن مسعود ( : ( اللهمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلاَمِ ، وَنَجِّنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ، وَجَنِّبْنَا الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ، وَبَارِكْ لَنَا فِي أَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُلُوبِنَا وَأَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا ، وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ،(34/66)
وَاجْعَلنَا شَاكِرِينَ لِنِعْمَتِكَ مُثْنِينَ بِهَا قَابِلِيهَا وَأَتِمَّهَا عَلَيْنَا ) (122) .
ومما ورد من الدعاء بوصف الرحمة الخاصة الذي تضمنه اسم الله الرحيم قوله تعالى في شأن موسى ( : ? قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ? [الأعراف:151] ، وقوله عن أيوب ( : ? وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ? [الأنبياء:83] ، وعند البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ( سَمِعَ النبي S رَجُلاً يَقْرَأُ في المَسْجِدِ ؛ فَقَالَ : رَحِمَهُ الله ، لَقَدْ أذكرني كَذَا وَكَذَا آيَةً ، أَسْقَطْتُهُنَّ مِنْ سُورَةِ كَذَا وَكَذَا ) (123) ، وعنده في رواية أخرى قالت عائشة : (تَهَجَّدَ النبي S في بيتي فَسَمِعَ صَوْتَ عَبَّادٍ يُصَلِّي في المَسْجِدِ فَقَالَ : يَا عَائِشَةُ ، أَصَوْتُ عَبَّادٍ هَذَا ؟ ، قُلتُ : نَعَمْ ، قَالَ : اللهمَّ ارْحَمْ عَبَّادًا ) (124) .
ومما يدل على دعاء المسألة مقتضى الطلب أو الخبر الذي يتضمنه كما ورد في قوله تعالى : ? إِنَّ الذِينَ آمَنُوا وَالذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ الله أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ الله وَالله غَفُورٌ رَحِيمٌ ? [البقرة:218] ، فالمسلم يقول : اللهم إني أرجو رحمتك إنك أنت الغفور الرحيم ، وقوله : ? وَمَنْ يَعْمَل سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ الله يَجِدِ الله غَفُوراً رَحِيماً ? [النساء:110] ، فيقول : اللهم إني عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم ، وقوله تعالى : ? أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى الله وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَالله غَفُورٌ رَحِيمٌ ? [المائدة:74] ، اللهم إني أتوب إليك وأستغفرك إنك أنت الغفور الرحيم .
3- ( ( الملك :(34/67)
ورد الدعاء بالاسم المطلق فيما رواه مسلم من حديث علي بن أبي طالب ( في دعاء النبي S إذا قام إلى الصلاة : ( اللهُمَّ أَنْتَ المَلِكُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ ، أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ ، ظَلَمْتُ نفسي وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي ، فَاغْفِرْ لي ذُنُوبِي جَمِيعًا ، إِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ .. الحديث ) (125) ، وفي دعاء المسألة بالوصف قال الله تعالى : ? قُلِ اللهمَّ مَالِكَ المُلكِ تُؤْتِي المُلكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ المُلكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ? [آل عمران:26] ، وقال عن يوسف ( : ? رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ المُلكِ وَعَلمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ? [يوسف:101] ، وفي دعاء سليمان ( : ? قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلكاً لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ ? [ص:35] .(34/68)
وعند البخاري من حديث المغيرة بن شعبة ( أن رسول الله S كان يقول في دبر كل صلاة إذا سلم : ( لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهْوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، اللهمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ ، وَلاَ مُعْطِي لِمَا مَنَعْتَ ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ ) (126) ، وروى مسلم من حديث ابن مسعود ( أن رسول الله S كان إذا أمسى قال : ( أَمْسَيْنَا وَأَمْسَى المُلكُ للهِ ، وَالحَمْدُ للهِ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .. الحديث ) (127) ، وعند ابن ماجة وصححه الألباني من حديث جابر ( في وصف حجة رسول الله S أنه قال : ( ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْبَيْتِ ، فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ ، ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ إِلَى الصَّفَا ، حَتَّى إِذَا دَنَا مِنَ الصَّفَا قَرَأَ : ? إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ ? [البقرة:158] ، نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ الله بِهِ ، فَبَدَأَ بِالصَّفَا ، فَرَقِىَ عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ فَكَبَّرَ الله وَهَللَهُ وَحَمِدَهُ ، وَقَالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شيء قَدِيرٌ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ أَنْجَزَ وَعْدَهُ ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ ، ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ ) (128) .
4- ( ( القدوس :(34/69)
ورد الدعاء بالاسم المطلق عند أبي داود وقال الألباني : حسن صحيح من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ( كَانَ رَسُولُ اللهِ S إِذَا هَبَّ مِنَ الليْلِ كَبَّرَ عَشْرًا وَحَمِدَ عَشْرًا ، وَقَالَ : سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ عَشْرًا ، وَقَالَ : سُبْحَانَ المَلِكِ القُدُّوسِ عَشْرًا وَاسْتَغْفَرَ عَشْرًا ، وَهَللَ عَشْرًا ، ثُمَّ قَالَ : اللهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ ضِيقِ الدُّنْيَا وَضِيقِ يَوْمِ القِيَامَةِ عَشْرًا ، ثُمَّ يَفتَتِحُ الصَّلاَةَ ) (129) ، وعند مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله S كان يقول في ركوعه وسجوده : ( سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ المَلاَئِكَةِ وَالرُّوحِ ) (130) ، وهو دعاء ثناء ومدح له وجه في دعاء المسألة .
ومما ورد في الدعاء بالوصف الذي تضمنه الاسم ما رواه البيهقي وصححه الألباني من حديث بريدة ( قال : ( لَمَّا قَدِمَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ لَقِيَهُ النبي S فقال : أخبرني بِأَعْجَبِ شيء رَأَيْتَهُ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ ، قَالَ : مَرَّتِ امْرَأَةٌ عَلَى رَأْسِهَا مِكْتَلٌ فِيهِ طَعَامٌ ؛ فَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ عَلَى فَرَسٍ فَأَصَابَهَا فَرَمَى بِهِ ؛ فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهَا وَهِي تُعِيدُهُ في مِكْتَلِهَا ، وَهِي تَقُولُ : وَيْلٌ لَكَ يَوْمَ يَضَعُ الْمَلِكُ كُرْسِيَّهُ فَيَأْخُذُ لِلمَظْلُومِ مِنَ الظالِمِ فَضَحِكَ النبي S حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ ؛ فَقَالَ : كَيْفَ تُقَدَّسُ أَمَّةٌ لاَ تَأْخُذُ لِضَعِيفِهَا مِنْ شَدِيدِهَا حَقَّهُ وَهُوَ غَيْرُ مُتَعْتَعٍ ) (131) ، وفي رواية قال بريدة : ( كيف يقدس الله أمة لا يأخذ ضعيفها حقه من قويها ) (132) .
5- ( ( السلام :(34/70)
ورد دعاء المسألة بالاسم المطلق عند مسلم من حديث ثوبان ( أنه قال : ( كَانَ رَسُولُ اللهِ S إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلاَتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلاَثًا وَقَالَ : اللهُمَّ أَنْتَ السَّلاَمُ وَمِنْكَ السَّلاَمُ تَبَارَكْتَ ذَا الجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ ) (133) .
وورد الدعاء بالوصف الذي دل عليه الاسم فيما رواه البخاري من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( فَيَأْتِيهِمُ الله فَيَقُولُ : أَنَا رَبُّكُمْ ، فَيَقُولُونَ : أَنْتَ رَبُّنَا فَيَدْعُوهُمْ فَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظهراني جَهَنَّمَ ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَجُوزُ مِنَ الرُّسُلِ بِأُمَّتِهِ وَلاَ يَتَكَلمُ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ إِلاَّ الرُّسُلُ ، وَكَلاَمُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ اللهمَّ سَلّمْ سَلّمْ ) (134) ، وعند مسلم من حديث حذيفة بن اليمان ( أن رسول الله S قال : ( وَنَبِيُّكُمْ قَائِمٌ عَلَى الصِّرَاطِ يَقُولُ : رَبِّ سَلمْ سَلمْ ، حَتَّى تَعْجِزَ أَعْمَالُ الْعِبَادِ ، حَتَّى يجيء الرَّجُلُ فَلاَ يَسْتَطِيعُ السَّيْرَ إِلاَّ زَحْفًا ) (135) ، ومن الدعاء بمقتضى الاسم ما رواه الترمذي وصححه الألباني من حديث طلحة بن عبيد الله ( أن النبي S كان إذا رأى الهلال قال : ( اللهمَّ أَهْلِلْهُ عَلَيْنَا بِالْيُمْنِ وَالإِيمَانِ وَالسَّلاَمَةِ وَالإِسْلاَمِ ، رَبِّي وَرَبُّكَ الله ) (136) .
6- ( ( المؤمن :(34/71)
لم أجد دعاء مأثورا بالاسم المطلق ولكن ورد الدعاء بالوصف ، فعلى اعتبار أن معنى المؤمن هو المجير الذي يؤمن عباده المؤمنين وينصرهم على من ظلمهم ، ورد دعاء المسألة في سؤال إبراهيم ( لربه : ? وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِير ُ? [البقرة:126] ، وقال سبحانه : ? وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ ? [إبراهيم:35] ، وعند أحمد وصححه الألباني من حديث عبد الله الزرقي ( أنه قَالَ : ( لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ ، وَانْكَفَأَ الْمُشْرِكُونَ قَالَ رَسُولُ الله S : اسْتَوُوا حَتَّى أُثْنِي عَلَى رَبِّى ، فَصَارُوا خَلْفَهُ صُفُوفاً .. وذكر في دعائه .. اللهمَّ إني أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ يَوْمَ الْعَيْلَةِ ، وَالأَمْنَ يَوْمَ الْخَوْفِ ، اللهمَّ إني عَائِذٌ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا أَعْطَيْتَنَا وَشَرِّ مَا مَنَعْتَ ، اللهمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ في قُلُوبِنَا ، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ ، اللهمَّ تَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ وَأَحْيِنَا مُسْلِمِينَ وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ غَيْرَ خَزَايَا وَلاَ مَفْتُونِينَ ، اللهمَّ قَاتَلِ الْكَفَرَةَ الذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ ، وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رَجْزَكَ وَعَذَابَكَ ، اللهمَّ قَاتَلِ الْكَفَرَةَ الذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَهَ الْحَقِّ ) (137) .(34/72)
وعلى اعتبار أن معنى المؤمن هو الذي يصدق المؤمنين إذا وحدوه ، ويوفقهم إلى الإيمان ، ويصدق معهم في وعده ، فقد ورد دعاء المسألة بمقتضى الوصف في قوله تعالى عن الحواريين أتباع عيسى ( : ? رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ? [آل عمران:53] ، وقوله تعالى عمن آمن برسول الله S من القسسين والرهبان : ? وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا جَاءنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبَّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ فَأَثَابَهُمُ اللّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ ? [المائدة:83/85] ، وكذلك قوله تعالى : ? إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ ? [المؤمنون:109/111] .(34/73)
وقد روى ابن حبان وصححه الألباني من حديث فضالة بن عبيد ( أن رسول الله S قال : ( اللهم من آمن بك وشهد أني رسولك ؛ فحبب إليه لقاءك وسهل عليه قضاءك ، وأقلل له من الدنيا ، ومن لم يؤمن بك ويشهد أني رسولك ؛ فلا تحبب إليه لقاءك ولا تسهل عليه قضاءك وأكثر له من الدنيا ) (138) ، وروى الحاكم وصححه الألباني من حديث عبد الله بن عمرو ( أن رسول الله S قال : ( إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب ، فاسألوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم ) (139) ، وعند البخاري من حديث أبي هريرة ( أن النبي S قال : ( إِذَا أَمَّنَ الإِمَامُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ) (140) ، ودعاء المسألة في الجملة أن يذكر الداعي الاسم كوسيلة لتحقيق مطلبه ؛ فيدعو به المظلوم على اعتبار أن معنى المؤمن هو المجير ، ويدعو به الصادق إذا كذبه الناس أو افتروا عليه ، ويدعو به أيضا من يرجو نعمة ربه ويخاف عذابه أن يؤمنه في الدنيا والآخرة .
7- ( ( المهيمن :(34/74)
لم أجد دعاء بالاسم أو بالوصف ، ويمكن الدعاء بمعنى الاسم ومقتضاه ، فالمهيمن هو الرقيب الذي أحاط بكل شيء من كل وجه ، روى البخاري من حديث البراء بن عازب ( أن النبي S قال له : ( إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ ، ثُمَّ قُلِ اللهمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ وَأَلجَأْتُ ظَهْري إِلَيْكَ ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ ، لاَ مَلجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ ، اللهمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الذِي أَنْزَلتَ ، وَبِنَبِيِّكَ الذِي أَرْسَلتَ ، فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ فَأَنْتَ عَلَى الفِطْرَةِ وَاجْعَلهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلمُ بِهِ ) (141) ، وروى البيهقي وحسنه الشيخ الألباني من حديث مصعب بن سعد عن أبيه ( أن أعرابيا قال للنبي S : ( علمني دعاء لعل الله أن ينفعني به قال : قل اللهم لك الحمد كله وإليك يرجع الأمر كله ) (142) ، ومما ورد في دعاء المسألة مما روى عن السلف ما جاء في دعاء يحيى بن معاذ الرازي :
جلالك يا مهيمن لا يبيد وملكك دائم أبدا جديد
وحكمك نافذ في كل أمر وليس يكون إلا ما تريد
ذنوبي لا تضرك يا إلهي وعفوك نافع وبه تجود
فنعم الرب مولانا وإنا لنعلم أننا بئس العبيد
وينقص عمرنا في كل يوم ولا زالت خطايانا تزيد
قصدت إلى الملوك بكل باب عليه حاجب فظ شديد
وبابك معدن للجود يا من إليه يقصد العبد الطريد (143) .
8- ( ( العزيز :(34/75)
ورد الدعاء بالاسم المطلق في قوله تعالى عن إبراهيم ( والذين معه : ? رَبَّنَا لا تَجْعَلنَا فِتْنَةً لِلذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيم ُ? [الممتحنة:5] ، وقول إبراهيم ( أيضا : ? رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ? [البقرة:129] ، وقال عيسى ( : ? إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ? [المائدة:118] ، وورد في دعاء حملة العرش للمؤمنين : ? رَبَّنَا وَأَدْخِلهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ التِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُريَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيم ُ? [غافر:8] ، وكذلك ما ورد عند ابن حبان وصححه الشيخ الألباني من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي S كان إذا تضور من الليل قال : ( لا إله إلا الله الواحد القهار ، رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار ) (144) .(34/76)
وقد ورد الدعاء بالوصف في نصوص كثيرة ، منها ما ورد في قوله تعالى : ? قُلِ اللهمَّ مَالِكَ المُلكِ تُؤْتِي المُلكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ المُلكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ? [آل عمران:26] ، وعند ابن ماجة وصححه الألباني من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله S قال : ( اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب خاصة ) (145) ، وعند الترمذي وصححه الألباني من حديث ابن عمر ( أن رسول الله S قال ( اللهمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ بِأَحَبِّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ ؛ بأبي جَهْلٍ أَوْ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ) (146) ، وروى أبو داود وصححه الألباني من حديث عثمان بن أبي العاص ( أنه قال : أتيت النبي S وبي وجع قد كاد يهلكني ، فقال رسول الله S : ( امْسَحْهُ بِيَمِينِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَقُلْ : أَعُوذُ بِعِزَّةِ الله وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ ، قَالَ : فَفَعَلْتُ ذَلِكَ ، فَأَذْهَبَ الله عَزَّ وَجَل مَا كَانَ بِي ، فَلَمْ أَزَلْ آمُرُ بِهِ أهلي وَغَيْرَهُمْ ) (147) .(34/77)
وروى الترمذي وصححه الألباني من حديث أنس بن مالك ( أن رسول الله S قال له : ( إِذَا اشْتَكَيْتَ ؛ فَضَعْ يَدَكَ حَيْثُ تَشْتَكِي وَقُلْ : بِسْمِ الله أَعُوذُ بِعِزَّةِ الله وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ مِنْ وجعي هَذَا ، ثُمَّ ارْفَعْ يَدَكَ ، ثُمَّ أَعِدْ ذَلِكَ وِتْرًا ) (148) ، وعند مسلم من حديث ابن عباس ( أن رسول الله S كان يقول : ( اللهمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ وَبِكَ آمَنْتُ ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ ، وَبِكَ خَاصَمْتُ ، اللهمَّ إني أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ أَنْ تضلني أَنْتَ الحي الذي لاَ يَمُوتُ وَالْجِنُّ وَالإِنْسُ يَمُوتُونَ ) (149) ، وروى الحاكم وصححه الألباني من حديث أنس ( أن رسول الله S قال : ( من قال إذا أوى إلى فراشه : الحمد لله الذي كفاني وآواني ، الحمد لله الذي أطعمني وسقاني ، الحمد لله الذي من علي وأفضل ، اللهم إني أسألك بعزتك أن تنجني من النار ، فقد حمد الله بجميع محامد الخلق كلهم ) (150).
9- ( ( الجبار :
ورد دعاء المسألة بالوصف الذي تضمنه الاسم فيما رواه الترمذي وصححه الشيخ الألباني من حديث عبد الله بن عباس ( أن رسول الله S كان يقول بين السجدتين : ( اللهمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاجْبُرْنِي وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي ) (151) ، وعند الطبراني وحسنه الألباني من حديث أبي أمامة ( قال : ( ما صليت خلف رسول الله S وأنا قريب منه إلا سمعته يقول في دبر كل صلاة : اللهم اغفر لي ذنوبي وخطاياي كلها ، اللهم أنعشني واجبرني واهدني لصالح الأعمال والأخلاق ؛ فإنه لا يهدي لصالحها ولا يصرف سيئها إلا أنت ) (152) .(34/78)
ومما ورد من الدعاء بمقتضى الاسم وأن الله ليس كمثله شيء في اسمه ووصفه ما رواه البخاري من حديث أبي هريرة ( أن النبي S قال : ( لَمْ يَتَكَلمْ في الْمَهْدِ إِلاَّ ثَلاَثَة .. وذكر منهم ... وَكَانَتِ امْرَأَةٌ تُرْضِعُ ابْنًا لَهَا مِنْ بني إِسْرَائِيلَ ، فَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ رَاكِبٌ ذُو شَارَةٍ ، فَقَالَتِ : اللهمَّ اجْعَلِ ابني مِثْلَهُ ، فَتَرَكَ ثَدْيَهَا ، وَأَقْبَلَ عَلَى الرَّاكِبِ فَقَالَ : اللهمَّ لاَ تجعلني مِثْلَهُ ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ثَدْيِهَا يَمَصُّهُ .. فَقَالَتْ : لِمَ ذَاكَ ؟ فَقَالَ : الرَّاكِبُ جَبَّارٌ مِنَ الْجَبَابِرَةِ .. الحديث ) (153) ، والحديث يدل على أن الطفل استجار في دعائه من كل جبار لعلمه أن الجبروت لله وحده .
10- ( ( المتكبر :
ورد الدعاء بالوصف الذي تضمنه الاسم ؛ فعلى اعتبار أن المتكبر هو العظيمُ المتعالي القاهِرُ لعُتَاةِ خَلقِهِ يمكن الاستشهاد بما ورد عند مسلم من حديث مصعب بن سعد عن أبيه ( أنه قال : ( جَاءَ أعرابي إِلَى رَسُولِ اللهِ S فَقَالَ : علمني كَلاَمًا أَقُولُهُ قَالَ قُل : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا ، وَالحَمْدُ لِلهِ كَثِيرًا ، سُبْحَانَ اللهِ رَبِّ العَالَمِينَ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ ، قَالَ : فَهَؤُلاَءِ لِرَبِّي فَمَا لي ؟ قَالَ : قُلِ اللهُمَّ اغْفِرْ لي وارحمني وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي ) (154) .
وورد دعاء المسألة بالاسم عند الديلمي موقوفا على أبي هريرة وفي ثبوته نظر أنه ( قال في دعائه : ( اللهم إني أسألك يا الله يا عزيز يا جبار يا متكبر ، أنت الذي سجد لك ضوء النهار وشعاع الشمس وحفيف الشجر ودوي الماء ونور القمر ، يا الله لا شريك لك ، أسألك بهذه الأسماء أن تصلي على محمد عبدك ورسولك وعلى آل محمد ) (155) .(34/79)
وقد استجار موسى ( في دعائه من كل متكبر ، لأن التكبر لا ينبغي إلا لله وحده ، قال تعالى : ? وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الحِسَابِ ? [غافر:27] .
11- ( ( الخالق :
ورد دعاء المسألة بالوصف الذي تضمنه الاسم في كثير من نصوص الكتاب والسنة ، قال تعالى : ? إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ الليْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ الذِينَ يَذْكُرُونَ الله قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ? [آل عمران:190/191] .(34/80)
وعند النسائي وصححه الألباني من حديث حميد بن عبد الرحمن بن عوف ( أن رجلا من أصحاب النبي S قال : ( قُلْتُ وَأَنَا في سَفَرٍ مَعَ رَسُولِ الله S : وَاللهِ لأَرْقُبَنَّ رَسُولَ اللهِ S لِصَلاَةٍ حَتَّى أَرَى فِعْلَهُ ، فَلَمَّا صَلى صَلاَةَ الْعِشَاءِ وَهِي الْعَتَمَةُ ، اضْطَجَعَ هَوِيًّا مِنَ الليْلِ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ فَنَظَرَ في الأُفُقِ فَقَالَ : ? رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا ً? حَتَّى بَلَغَ : ? إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ? .. الحديث ) (156) ، وقال سبحانه : ? قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ? [الفلق:1/2] ، وعند النسائي وصححه الألباني من حديث عقبة بن عامر ( أنه قال : ( أُهْدِيَتْ للنبي S بَغْلَةٌ شَهْبَاءُ فَرَكِبَهَا ، وَأَخَذَ عُقْبَةُ يَقُودُهَا بِهِ ، فَقَالَ رَسُول الله S لِعُقْبَةَ : اقْرَأْ ، قَالَ : وَمَا أَقْرَأُ يَا رَسُولَ الله ؟ قَالَ : اقْرَأْ ? قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ? ، فَأَعَادَهَا عَلَي حَتَّى قَرَأْتُهَا فَعَرَفَ أَنِّي لَمْ أَفْرَحْ بِهَا جِدًّا ، قَالَ : لَعَلكَ تَهَاوَنْتَ بِهَا فَمَا قُمْتُ ، يَعْنِي بِمِثْلِهَا ) (157) ، وفي رواية أخرى عند النسائي وصححها الشيخ الألباني من حديث عقبة ( قال : ( قال لي رسول الله S : قل ، قلت : وما أقول ؟ قال : قل هو الله أحد ، قل أعوذ برب الفلق ، قل أعوذ برب الناس ، فقرأهن رسول الله S ثم قال : لم يتعوذ الناس بمثلهن ، أو لا يتعوذ الناس بمثلهن ) (158) .(34/81)
وعند البخاري من حديث شداد بن أوس ( أن النبي S قال : ( سَيِّدُ الاِسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ : اللهمَّ أَنْتَ رَبِّي ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ ، وَأنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ .. الحديث ) (159) ، وعند مسلم من حديث ابن عمر ( أنه أمر رجلا إذا أخذ مضجعه أن يقول : ( اللهمَّ خَلَقْتَ نفسي وَأَنْتَ تَوَفَّاهَا ، لَكَ مَمَاتُهَا وَمَحْيَاهَا ، إِنْ أَحْيَيْتَهَا فَاحْفَظْهَا ، وَإِنْ أَمَتَّهَا فَاغْفِرْ لَهَا اللهمَّ إني أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ ، فَقَالَ لَهُ رَجُل : أَسَمِعْتَ هَذَا مِنْ عُمَرَ ؟ فَقَالَ : مِنْ خَيْرٍ مِنْ عُمَرَ مِنْ رَسُولِ الله S ) (160) .
وروى أبو داود وصححه الألباني من حديث أبي صالح ( قال : ( سمعت رجلا من أسلم قال : كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ S فَجَاءَ رَجُل مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ لُدِغْتُ الليْلَةَ ؛ فَلَمْ أَنَمْ حَتَّى أَصْبَحْتُ ، قَالَ : مَاذَا ؟ قَالَ : عَقْرَبٌ ، قَالَ : أَمَا إِنَّكَ لَوْ قُلْتَ حِينَ أَمْسَيْتَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ الله التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ تَضُرَّكَ إِنْ شَاءَ اللهُ ) (161) .
12- ( ( البارئ :(34/82)
لم يرد الدعاء بالاسم المطلق ولكن ورد دعاء المسألة بالوصف فيما رواه أحمد وصححه الألباني من حديث عبد الرحمن التميمي ( أن جبريل ( علم رسول الله S أن يقول : ( أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ الله التَّامَّاتِ التي لاَ يُجَاوزُهُنَّ بَرٌّ وَلاَ فَاجِرٌ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَذَرَأَ وَبَرَأَ وَمِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمِنْ شَرِّ مَا يَعْرُجُ فِيهَا .. الحديث ) (162) ، وروى مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت : (كَانَ إِذَا اشْتَكَى رَسُولُ اللهِ S رَقَاهُ جِبْرِيلُ قَالَ بِاسْمِ اللهِ يُبْرِيكَ وَمِنْ كُلِّ دَاءٍ يَشْفِيكَ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ وَشَرِّ كُلِّ ذِي عَيْنٍ ) (163) .(34/83)
وقد ورد دعاء المسألة بمقتضى المعنى المناسب للاسم ، وطلب المسلم من ربه البراءة من كل إثم وما يغضب الله من الأقوال والأفعال ، ومن ذلك ما رواه البخاري من حديث سالم عن أبيه ( قال : ( بَعَثَ النبي S خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى بني جَذِيمَةَ فَدَعَاهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ ؛ فَلَمْ يُحْسِنُوا أَنْ يَقُولُوا أَسْلَمْنَا ، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ صَبَأْنَا ، وَجَعَلَ خَالِدٌ قَتْلاً وَأَسْرًا ، فَدَفَعَ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ أَسِيرَهُ حَتَّى إِذَا أَصْبَحَ يَوْمُنَا ، أَمَرَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ أَنْ يَقْتُلَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرَهُ ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ : فَقُلْتُ وَالله لاَ أَقْتُلُ أسيري وَلاَ يَقْتُلُ أَحَدٌ .. فَقَدِمْنَا عَلَى النبي S فَذُكِرَ لَهُ صُنْعُ خَالِدٍ ، فَقَالَ النبي S وَرَفَعَ يَدَيْهِ : اللهمَّ إني أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ ، مَرَّتَيْنِ ) (164) ، وعند البخاري من حديث أنس ( أن عمه أنس بن النضر ( غاب عن قتال بدر فقال : ( غِبْتُ عَنْ أَوَّلِ قِتَالٍ قَاتَلَهُ رَسُولُ الله S الْمُشْرِكِينَ ، لَئِنِ الله أشهدني قِتَالاً لِلْمُشْرِكِينَ لَيَرَيَنَّ الله كَيْفَ أَصْنَعُ ؟ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ فَقَالَ : اللهمَّ إني أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ هَؤُلاَءِ ، يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ ، وَأَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا يَصْنَعُ هَؤُلاَءِ يَعْنِي أَصْحَابَهُ ، ثُمَّ تَقَدَّمَ فَلَقِيَهُ سَعْدٌ فَقَالَ : يَا أخي مَا فَعَلْتَ ؟ أَنَا مَعَكَ ، فَلَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَصْنَعَ مَا صَنَعَ ، فَوُجِدَ فِيهِ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ مِنْ ضَرْبَةٍ بِسَيْفٍ وَطَعْنَةٍ بِرُمْحٍ وَرَمْيَةٍ بِسَهْمٍ فَكُنَّا نَقُولُ فِيهِ وَفِي أَصْحَابِهِ نَزَلَتْ : ? فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ? ) (165).(34/84)
وروى مسلم من حديث جندب ( قال سمعت النبي S قبل أن يموت بخمس وهو يقول : ( إني أَبْرَأُ إِلَى الله أَنْ يَكُونَ لي مِنْكُمْ خَلِيلٌ ، فَإِنَّ الله تَعَالَى قَدِ اتخذني خَلِيلاً كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أمتي خَلِيلاً لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاً ، أَلاَ وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ ، أَلاَ فَلاَ تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ إني أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ ) (166) .
13- ( ( المصور :
ورد الدعاء بالوصف فيما رواه مسلم من حديث علي ( أن رسول الله S كان إذا سجد قال : ( اللهمَّ لَكَ سَجَدْتُ ، وَبِكَ آمَنْتُ ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ ، سَجَدَ وَجْهِي للذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ ، تَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخَالِقِينَ ) (167) ، فالرسول ذكر في دعاء المسألة بين يدي مطلبه الوصف الذي تضمنه الاسم ، ثم طلب من الله ما شاء فقال: ( أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ ، ظَلَمْتُ نَفْسِي ، وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي ، فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا إِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ ، وَاهْدِنِي لأَحْسَنِ الأَخْلاَقِ لاَ يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إِلاَّ أَنْتَ وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لاَ يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلاَّ أَنْتَ ) (168) ، وروى الطبراني وصححه الألباني من حديث أسامة بن زيد ( أن النبي S دخل البيت ؛ فرأى صورا ؛ فدعا بماء فجعل يمحوها ويقول : ( قاتل الله قوما يصورون ما لا يخلقون ) (169) .
14- ( ( الأول :(34/85)
ورد الدعاء بالاسم المطلق عند مسلم من حديث أبي هريرة ( أن النبي S كان إذا آوى إلى فراشه قال : ( اللهمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ وَرَبَّ الأَرْضِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شيء ، فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى ، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شيء أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ ، اللهمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شيء ، وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شيء ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شيء وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شيء ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَاغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ ) (170) ، وعند الحاكم وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه من حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي S كان يدعو بهؤلاء الكلمات : ( اللهم أنت الأول لا شيء قبلك ، وأنت الآخر فلا شيء بعدك ، أعوذ بك من شر كل دابة ناصيتها بيدك ، وأعوذ بك من الإثم والكسل ومن عذاب القبر ومن فتنة القبر ، وأعوذ بك من المأثم والمغرم ، اللهم نق قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس ، اللهم باعد بيني وبين خطيئتي كما بعدت بين المشرق والمغرب ) (171) .
15- ( ( الآخر :(34/86)
النصوص الواردة في اسم الله الأول شواهد لدعاء المسألة باسم الله الآخر ، وهي أيضا شواهد لاسميه الظاهر والباطن ، ويمكن الدعاء بالمعنى الذي دل عليه الاسم لأن معنى الآخر هو الذي تنتهي إليه الأمور ، وهو الذي بيده تصريف المقادير ، وكل دعاء حول هذا المعنى يدخل تحت دعاء المسألة ، كما ورد عند أبي داود وحسنه الألباني من حديث أنس بن مالك ( أن رسول الله S كان إذا غزا قال : ( اللهمَّ أَنْتَ عَضُدِي وَنَصِيرِي ، بِكَ أَحُولُ وَبِكَ أَصُولُ وَبِكَ أُقَاتِلُ ) (172) ، وعنده أيضا وصححه الألباني من حديث أبي هريرة ( أن النبي S كان يقول إذا أصبح : ( اللهمَّ بِكَ أَصْبَحْنَا ، وَبِكَ أَمْسَيْنَا ، وَبِكَ نَحْيَا ، وَبِكَ نَمُوتُ ، وَإِلَيْكَ النُّشُورُ ، وَإِذَا أَمْسَى قَالَ : اللهمَّ بِكَ أَمْسَيْنَا و بِكَ أَصْبَحْنَا ، وَبِكَ نَحْيَا ، وَبِكَ نَمُوتُ ، وَإِلَيْكَ النُّشُورُ ) (173) .
16- ( ( الظاهر :(34/87)
دعاء المسألة بالاسم المطلق ورد في حديث أَبِي هريرة ( الذي تقدم في دعاء النبي S في اسم الله الأول : ( وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَليْسَ فَوْقَكَ شيء ، وَأَنْتَ البَاطِنُ فَليْسَ دُونَكَ شيء ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَاغْنِنَا مِنَ الفَقْرِ ) (174) ، ويمكن الدعاء أيضا بالمعنى الذي تضمنه الاسم ، فالظاهر هو المعين والسند والظهير ، والعلي والملجأ والنصير ، ومن ذلك ما رواه البخاري من حديث البراء بن عازب ( أن النبي S قال له : ( إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ ، ثُمَّ قُلِ : اللهمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ وَأَلجَأْتُ ظَهْري إِلَيْكَ ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ ، لاَ مَلجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ ، اللهمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الذِي أَنْزَلتَ ، وَبِنَبِيِّكَ الذِي أَرْسَلتَ ، فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ فَأَنْتَ عَلَى الفِطْرَةِ وَاجْعَلهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلمُ بِهِ ) (175) .
17- ( ( الباطن :(34/88)
دعاء المسألة بالاسم المطلق ورد في حديث أَبِي هريرة ( الذي تقدم ، كما يمكن دعاء الله بالمعنى الذي دل عليه الاسم وما يناسبه من حال العبد ، ومعنى الباطن هو العليم القريب الذي يسمع السر وأخفى ، وهو أقرب إلى عبده من حبل الوريد ، ومما يمكن ذكره في هذا المقام ما رواه الترمذي وحسنه الألباني من حديث ابن عباس ( أنه قال : ( قَالَ رَسُولُ الله S لِلْعَبَّاسِ : إِذَا كَانَ غَدَاةُ الاِثْنَيْنِ فأتني أَنْتَ وَوَلَدُكَ حَتَّى أَدْعُوَ لَهُمْ بِدَعْوَةٍ يَنْفَعُكَ الله بِهَا وَوَلَدَكَ ، فَغَدَا وَغَدَوْنَا مَعَهُ وَأَلْبَسَنَا كِسَاءً ثُمَّ قَالَ : اللهمَّ اغْفِرْ لِلْعَبَّاسِ وَوَلَدِهِ مَغْفِرَةً ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً لاَ تُغَادِرُ ذَنْبًا ، اللهمَّ احْفَظْهُ في وَلَدِهِ ) (176) ، وعند مسلم من حديث عَلِي بْنِ أَبِي طَالِبٍ ( أنْ رَسُولِ الله S قَالَ : ( اللهمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ ، وَمَا أَسْرَفْتُ ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي ، أَنْتَ المُقَدِّمُ وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ ) (177) .
18- ( ( السميع :(34/89)
ورد دعاء المسألة بالاسم المطلق في كثير من النصوص منها ما ورد في قوله تعالى عن إبراهيم ( : ? وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّل مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ ? [البقرة:127] ، وعند البخاري من حديث ابن عباس ( أن إبراهيم ( قَال : ( يَا إِسْمَاعِيلُ ، إِنَّ اللهَ أَمَرَنِي بِأَمْرٍ ، قَال : فَاصْنَعْ مَا أَمَرَكَ رَبُّكَ ، قَال : وَتُعِينُنِي قَال : وَأُعِينُكَ ، قَال : فَإِنَّ اللهَ أمرني أَنْ أَبْنِىَ هَا هُنَا بَيْتًا ، وَأَشَارَ إِلى أَكَمَةٍ مُرْتَفِعَةٍ عَلى مَا حَوْلهَا ، فَعِنْدَ ذَلِكَ رَفَعَا القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ ، فَجَعَل إِسْمَاعِيلُ يأتي بِالحِجَارَةِ وَإِبْرَاهِيمُ يَبْنِي حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَ البِنَاءُ جَاءَ بِهَذَا الحَجَرِ فَوَضَعَهُ لهُ ، فَقَامَ عَليْهِ وَهْوَ يَبْنِي ، وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الحِجَارَةَ ، وَهُمَا يَقُولاَنِ : ? رَبَّنَا تَقَبَّل مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ ? ، فَجَعَلاَ يَبْنِيَانِ حَتَّى يَدُورَا حَوْل البَيْتِ وَهُمَا يَقُولاَنِ : ? رَبَّنَا تَقَبَّل مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ ? ) (178) .
ومثال الدعاء بالاسم المطلق أيضا ما ورد في قوله تعالى : ? إِذْ قَالتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّل مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ ? [آل عمران:35] ، وكذلك قوله تعالى عن دعاء زكريا ( : ? قَال رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ? [آل عمران:38] .(34/90)
وروى أبو داود وصححه الألباني من حديث أبي سعيد ( أنه قال : ( كَانَ رَسُولُ الله S إِذَا قَامَ مِنَ الليْلِ كَبَّرَ ثُمَّ يَقُولُ : سُبْحَانَكَ اللهمَّ وَبِحَمْدِكَ وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلاَ إِلَهَ غَيْرُكَ ، ثُمَّ يَقُولُ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله ، ثَلاَثًا ثُمَّ يَقُولُ : الله أَكْبَرُ كَبِيرًا ثَلاَثًا ، أَعُوذُ بِالله السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ ، ثُمَّ يَقْرَأُ ) (179) ، وعند الترمذي وصححه الألباني من حديث أبان بن عثمان عن أبيه ( أن رسول الله S قال : ( مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ في صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ : بِسْمِ الله الذي لاَ يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شيء في الأَرْضِ وَلاَ في السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَيَضُرُّهُ شيء ، وَكَانَ أَبَانُ قَدْ أَصَابَهُ طَرَفُ فَالَجِ ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ ، فَقَالَ لَهُ أَبَانُ : مَا تَنْظُرُ ؟ أَمَا إِنَّ الْحَدِيثَ كَمَا حَدَّثْتُكَ ، وَلَكِنِّي لَمْ أَقُلْهُ يَوْمَئِذٍ لِيُمْضِي اللهُ عَلَي قَدَرَهُ ) (180).(34/91)
وعند النسائي وحسنه الألباني من حديث أبي سكينة عن رجل من أصحاب النبي S أنه قال : ( لَمَّا أَمَرَ النبي S بِحَفْرِ الْخَنْدَقِ عَرَضَتْ لَهُمْ صَخْرَةٌ حَالَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْحَفْرِ ؛ فَقَامَ رَسُولُ الله S وَأَخَذَ الْمِعْوَلَ وَوَضَعَ رِدَاءَهُ نَاحِيَةَ الْخَنْدَقِ وَقَالَ : تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ، فَنَدَرَ ثُلُثُ الْحَجَرِ وَسَلْمَانُ الفارسي قَائِمٌ يَنْظُرُ (181) ؛ فَبَرَقَ مَعَ ضَرْبَةِ رَسُولِ الله S بَرْقَةٌ ، ثُمَّ ضَرَبَ الثَّانِيَةَ وَقَالَ : تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ، فَنَدَرَ الثُّلُثُ الآخَرُ فَبَرَقَتْ بَرْقَةٌ ؛ فَرَآهَا سَلْمَانُ ، ثُمَّ ضَرَبَ الثَّالِثَةَ وَقَالَ : تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ، فَنَدَرَ الثُّلُثُ الباقي ، وَخَرَجَ رَسُولُ الله S فَأَخَذَ رِدَاءَهُ وَجَلَسَ قَالَ سَلْمَانُ : يَا رَسُولَ الله رَأَيْتُكَ حِينَ ضَرَبْتَ مَا تَضْرِبُ ضَرْبَة إِلاَّ كَانَتْ مَعَهَا بَرْقَةٌ ؟ قَالَ لَهُ رَسُولُ الله S : يَا سَلْمَانُ رَأَيْتَ ذَلِكَ ؟ فَقَالَ : إي والذي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ يَا رَسُولَ الله قَالَ : فإني حِينَ ضَرَبْتُ الضَّرْبَةَ الأُولَى رُفِعَتْ لي مَدَائِنُ كِسْرَى وَمَا حَوْلَهَا وَمَدَائِنُ كَثِيرَةٌ حَتَّى رَأَيْتُهَا بِعَيْنَيَ ، قَالَ لَهُ مَنْ حَضَرَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ : يَا رَسُولَ الله ادْعُ الله أَنْ يَفْتَحَهَا عَلَيْنَا وَيُغَنِّمَنَا دِيَارَهُمْ وَيُخَرِّبَ بِأَيْدِينَا بِلاَدَهُمْ ، فَدَعَا رَسُولُ الله S بِذَلِكَ ، ثُمَّ ضَرَبْتُ الضَّرْبَةَ الثَّانِيَةَ فَرُفِعَتْ لي مَدَائِنُ قَيْصَرَ وَمَا(34/92)
حَوْلَهَا حَتَّى رَأَيْتُهَا بعيني ، قَالُوا : يَا رَسُولَ الله ادْعُ الله أَنْ يَفْتَحَهَا عَلَيْنَا وَيُغَنِّمَنَا دِيَارَهُمْ وَيُخَرِّبَ بِأَيْدِينَا بِلاَدَهُمْ ، فَدَعَا رَسُولُ الله S بِذَلِكَ ، ثُمَّ ضَرَبْتُ الثَّالِثَةَ فَرُفِعَتْ لي مَدَائِنُ الْحَبَشَةِ وَمَا حَوْلَهَا مِنَ الْقُرَى حَتَّى رَأَيْتُهَا بِعَيْنَي ، قَالَ رَسُولُ الله S عِنْدَ ذَلِكَ : دَعُوا الْحَبَشَةَ مَا وَدَعُوكُمْ ، وَاتْرُكُوا التُّرْكَ مَا تَرَكُوكُمْ ) (182) .(34/93)
ومما ورد في دعاء المسألة بالوصف ما رواه مسلم من حديث أبو موسى الأشعري ( أنه قال : ( وَإِذَا قَالَ : سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا : اللهمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ ، يَسْمَعِ الله لَكُمْ ؛ فَإِنَّ الله تَعَالَى قَالَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ S : سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ ) (183) ، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S كان يقول : ( اللهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الأَرْبَعِ ، مِنْ عِلمٍ لاَ يَنْفَعُ وَمِنْ قَلبٍ لاَ يَخْشَعُ ، وَمِنْ نَفْسٍ لاَ تَشْبَعُ ، وَمِنْ دُعَاءٍ لاَ يُسْمَعُ ) (184) ، وعند مسلم من حديث ابن عباس ( أن رسول الله S خرج إلى الصلاة وهو يقول : ( اللهمَّ اجْعَل فِي قَلبِي نُورًا ، وَفِي لِسَانِي نُورًا ، وَاجْعَل فِي سَمْعِي نُورًا ، وَاجْعَل فِي بَصَرِي نُورًا ، وَاجْعَل مِنْ خَلفِي نُورًا ، وَمِنْ أَمَامِي نُورًا ، وَاجْعَل مِنْ فَوْقِي نُورًا ، وَمِنْ تَحْتِي نُورًا اللهمَّ أَعْطِنِي نُورًا ) (185) ، وعند البخاري في الأدب المفرد من حديث عبد الرحمن بن يزيد قال : ( كان الربيع يأتي علقمة يوم الجمعة ، فإذا لم أكن ثمة أرسلوا إلى ، فجاء مرة ولست ثمة ، فلقيني علقمة وقال لي : ألم تر ما جاء به الربيع ؟ قال : ألم تر أكثر ما يدعو الناس وما أقل إجابتهم ؟ وذلك أن الله عز وجل لا يقبل إلا الناخلة من الدعاء ، قلت : أو ليس قال ذلك عبد الله ، قال : وما قال ؟ قال : قال عبد الله : لا يسمع الله من مسمع ، ولا من مراء ولا لاعب إلا داع دعا بتثبت من قلبه ، قال : فذكر علقمة ؟ قال : نعم ) (186) .
19- ( ( البصير :(34/94)
ورد دعاء المسألة بالاسم المضاف في قوله تعالى عن موسى ( : ? قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى ? [طه:25/35] ، وقول مؤمن آل فرعون : ? وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ تَدْعُونَنِي لأَكْفُرَ بِاللهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ? [غافر:41/44] .(34/95)
ومن دعاء المسألة أيضا الدعاء بمعنى الاسم ومقتضاه كسؤال العبد ربه أن ينير له بصره وبصيرته في قول أو فعل يتناسب مع حاجته كما في قول إبراهيم ( وهو يطلب من ربه أن يبصره بنسكه وحجه : ? رَبَّنَا وَاجْعَلنَا مُسْلِمَيْنِ لكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَليْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ? [البقرة:128] ، وقال أيضا في شأنه ( عندما طلب من ربه طلبا خاصا يزداد به قربة إليه من خلال النظر إلى أفعال المحبوب : ? وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ ? [البقرة:260] ، وكان هذا أيضا حال موسى ( عندما طلب من ربه طلبا خاصا يزداد به قربة من خلال النظر إلى المحبوب : ? وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ? [الأعراف:143] .(34/96)
وكذلك أمر الله نبيه S أن يتوكل على الذي يراه حين يقوم من الليل : ? وَتَوَكَّل عَلى العَزِيزِ الرَّحِيمِ الذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ? [الشعراء:219] ، فكان من دعائه S : ( اللهمَّ اجْعَل فِي قَلبِي نُورًا ، وَفِي لِسَانِي نُورًا ، وَاجْعَل فِي سَمْعِي نُورًا وَاجْعَل فِي بَصَرِي نُورًا ، وَاجْعَل مِنْ خَلفِي نُورًا ، وَمِنْ أَمَامِي نُورًا ، وَاجْعَل مِنْ فَوْقِي نُورًا وَمِنْ تَحْتِي نُورًا ، اللهمَّ أَعْطِنِي نُورًا ) (187) ، وروى أبو داود وحسنه الألباني من حديث عمر بن الخطاب ( أن رسول الله S قال : ( إِنَّ مُوسَى قَالَ : يَا رَبِّ أَرِنَا آدَمَ الذي أَخْرَجَنَا وَنَفْسَهُ مِنَ الْجَنَّةِ ، فَأَرَاهُ الله آدَمَ فَقَالَ : أَنْتَ أَبُونَا آدَمُ ؟ فَقَالَ لَهُ آدَمُ : نَعَمْ ، قَالَ : أَنْتَ الذي نَفَخَ الله فِيكَ مِنْ رُوحِهِ وَعَلمَكَ الأَسْمَاءَ كُلهَا وَأَمَرَ الْمَلاَئِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ ؟ قَالَ نَعَمْ ، قَالَ : فَمَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ أَخْرَجْتَنَا وَنَفْسَكَ مِنَ الْجَنَّةِ ؟ .. الحديث ) (188).
20- ( ( المولى :(34/97)
ورد دعاء المسألة باسم الله المولى مقيدا بالإضافة في قوله تعالى عن المؤمنين : ? رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِل عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلتَهُ عَلَى الذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى القَوْمِ الكَافِرِينَ ? [البقرة:286] ، وقوله تعالى لنبيه S : ? قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ الله لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ? [التوبة:51] ، وروى النسائي وصححه الألباني من حديث زيد بن الأرقم ( أن رسول الله S قال : ( اللهمَّ إني أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ وَالْهَرَمِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ ، اللهمَّ آتِ نفسي تَقْوَاهَا ، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا ، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاَهَا ، اللهمَّ إني أَعُوذُ بِكَ مِنْ قَلْبٍ لاَ يَخْشَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لاَ تَشْبَعُ وَعِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ وَدَعْوَةٍ لاَ يُسْتَجَابُ لَهَا ) (189).(34/98)
وورد الدعاء بالوصف الذي تضمنه الاسم عند الترمذي وصححه الألباني من حديث ابن عباس ( أنه قال : ( كَانَ رَسُولُ الله S يُعَلِّمُنَا دُعَاءً نَدْعُو بِهِ في الْقُنُوتِ مِنْ صَلاَةِ الصُّبْحِ : اللهمَّ اهْدِنَا فِيمَنْ هَدَيْتَ ، وَعَافِنَا فِيمَنْ عَافَيْتَ ، وَتَوَلنَا فِيمَنْ تَوَليْتَ ، وَبَارِكْ لَنَا فِيمَا أَعْطَيْتَ ، وَقِنَا شَرَّ مَا قَضَيْتَ ، إِنَّكَ تَقْضِي وَلاَ يُقْضَى عَلَيْكَ ، إِنَّهُ لاَ يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ ) (190) ، وعند ابن ماجة وصححه الألباني من حديث البراء بن عازب ( أن رسول الله قال في دعائه لعلي بن أبي طالب ( : ( اللهمَّ وَالِ مَنْ وَالاَهُ اللهمَّ عَادِ مَنْ عَادَاهُ ) (191) .
21- ( ( النصير :
ورد الدعاء بالاسم المضاف فيما رواه أبو داود وصححه الألباني من حديث أنس بن مالك ( أنه قال : ( كَانَ رَسُولُ الله S إِذَا غَزَا قَالَ : اللهمَّ أَنْتَ عَضُدِي وَنَصِيرِي بِكَ أَحُولُ وَبِكَ أَصُولُ وَبِكَ أُقَاتِلُ ) (192) ، وورد الدعاء بالوصف في قوله تعالى : ? وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ? [البقرة:250] ، وقوله : ? وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ? [آل عمران:147] ، وقال تعالى عن نبيه نوح ( : ? قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ ? [المؤمنون:26] ، وكذلك نبي الله لوط ( : ? قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ ? [العنكبوت:30] .(34/99)
وورد دعاء المسألة بالوصف عند مسلم من حديث عبد الله بن أبي أوفى ( أن رسول الله S قال : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ لاَ تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ ، وَاسْأَلُوا الله الْعَافِيَةَ ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلاَلِ السُّيُوفِ ، ثُمَّ قَامَ النبي S وَقَالَ : اللهمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ وَمُجْرِي السَّحَابِ وَهَازِمَ الأَحْزَابِ اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ ) (193) ، وروى الحاكم وصححه الألباني من حديث أبي هريرة ( قال : ( كَانَ رَسُولُ الله S يَدْعُو فَيَقُولُ : اللهمَّ مَتِّعْنِي بِسَمْعِي وَبَصَرِي وَاجْعَلْهُمَا الْوَارِثَ مِنِّي ، وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ يَظْلِمُنِي وَخُذْ مِنْهُ بِثَأْرِي ) (194) .(34/100)
وروى أبو داود وصححه الألباني من حديث ابن عباس ( أن النبي S كان يدعو : ( رَبِّ أَعِنِّي وَلاَ تُعِنْ عَلَي ، وَانْصُرْنِي وَلاَ تَنْصُرْ عَلَي ، وَامْكُرْ لِي وَلاَ تَمْكُرْ عَلَي وَاهْدِنِي وَيَسِّرْ هُدَاي إِلَي ، وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغَى عَلَي .. الحديث ) (195) ، وعند البخاري من حديث أنس ( قال : ( وَجَعَلُوا يَنْقُلُونَ الصَّخْرَ وَهُمْ يَرْتَجِزُونَ وَرَسُولُ الله S مَعَهُمْ وَهُمْ يَقُولُونَ : اللهمَّ لاَ خَيْرَ إِلاَّ خَيْرُ الآخِرَةِ ، فَانْصُرِ الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَةَ ) (196) ، وروى الترمذي وحسنه الشيخ الألباني أن ابن عمر ( قال : قلما كان رسول الله S يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه : ( اللهمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ ، وَمِنَ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا ، وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا ، وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا ، وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا ، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا وَلاَ تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا في دِينِنَا ، وَلاَ تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا وَلاَ مَبْلَغَ عِلْمِنَا ، وَلاَ تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لاَ يَرْحَمُنَا ) (197) .
22- ( ( العفو :
ورد دعاء المسألة بالاسم المطلق فيما رواه الترمذي من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ( يَا رَسُولَ اللهِ : أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ القَدْرِ ، مَا أَدْعُو ؟ قَالَ : تَقُولِينَ اللهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي ) (198) .(34/101)
وورد الدعاء بالوصف في قوله تعالى : ? وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ? [البقرة:286] ، وعند أحمد وصححه الألباني أن أبا بكر الصديق ( قال وهو يخطب الناس حين استخلف : ( إِنَّ رَسُولَ اللهِ S قَامَ عَامَ الأَوَّلِ مَقَامِي هَذَا ، وَبَكَى أَبُو بَكْرٍ ، فَقَالَ : أَسْأَلُ اللهَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ ، فَإِنَّ النَّاسَ لَمْ يُعْطَوْا بَعْدَ اليَقِينِ شَيْئاً خَيْراً مِنَ العَافِيَةِ ) (199) .
وعند أبي داود وصححه الشيخ الألباني من حديث عبد الله بن عمر ( أنه قال : لم يكن رسول الله S يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح : ( اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ العَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَاي وَأَهْلِي وَمَالِي .. الحديث ) (200) ، وروى النسائي وصححه الألباني من حديث عوف بن مالك ( أنه قال : ( سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ S يُصَلِّي عَلَى مَيِّتٍ فَسَمِعْتُ مِنْ دُعَائِهِ وَهُوَ يَقُولُ : اللهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ ، وَأَوْسِعْ مُدْخَلَهُ ، وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ ، وَنَقِّهِ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ ) (201).
23- ( ( القدير :(34/102)
ورد الدعاء بالاسم المقيد بالإضافة في قوله تعالى : ? قُلِ اللهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ? [آل عمران:26] ، وعند البخاري من حديث عبادة بن الصامت ( أنِ النبي S قال : ( مَنْ تَعَارَّ مِنَ الليْلِ فَقَالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ المُلكُ ، وَلَهُ الحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ؛ الحَمْدُ للهِ ، وَسُبْحَانَ الله ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَالله أَكْبَرُ ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِالله ؛ ثُمَّ قَالَ ، اللهمَّ اغْفِرْ لِي ، أَوْ دَعَا اسْتُجِيبَ ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلى قُبِلَتْ صَلاَتُهُ ) (202) ، وعند البخاري من حديث أبي موسى الأشعري ( أن النبي S كان يدعو بهذا الدعاء : ( رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي ، وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي كُلِّهِ ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي ، اللهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطَايَاي وَعَمْدِي وَجَهْلِي وَهَزْلِي ، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي ، اللهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ أَنْتَ المُقَدِّمُ ، وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (203) ، وعند مسلم من حديث ابن مسعود ( أن رسول اللهِ S كان إذا أمسى قال : ( أَمْسَيْنَا وَأَمْسَى المُلكُ للهِ ، وَالحَمْدُ للهِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، اللهُمَّ أَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذِهِ الليْلَةِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ هَذِهِ الليْلَةِ وَشَرِّ مَا بَعْدَهَا ، اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الكَسَلِ وَسُوءِ الكِبَرِ ، اللهُمَّ(34/103)
إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ وَعَذَابٍ في القَبْرِ ) (204) .
وورد دعاء المسألة بالوصف الذي تضمنه الاسم فيما رواه النسائي وصححه الشيخ الألباني من حديث عطاء بن السائب عن أبيه ( أنه قال : ( صَلى بِنَا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ صَلاَةً فَأَوْجَزَ فِيهَا ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْقَوْمِ : لَقَدْ خَفَّفْتَ أَوْ أَوْجَزْتَ الصَّلاَةَ ، فَقَالَ : أَمَّا عَلَى ذَلِكَ ، فَقَدْ دَعَوْتُ فِيهَا بِدَعَوَاتٍ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ S ؛ فَلَمَّا قَامَ تَبِعَهُ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ - هُوَ أَبِي غَيْرَ أَنَّهُ كَنَي عَنْ نَفْسِهِ - فَسَأَلَهُ عَنِ الدُّعَاءِ ثُمَّ جَاءَ فَأَخْبَرَ بِهِ الْقَوْمَ : اللهمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ ، أحيني مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لي ، وتوفني إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لي ، اللهمَّ وَأَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ في الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ، وَأَسْأَلُكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ في الرِّضَا وَالْغَضَبِ ، وَأَسْأَلُكَ الْقَصْدَ في الْفَقْرِ وَالْغِنَى ، وَأَسْأَلُكَ نَعِيمًا لاَ يَنْفَدُ ، وَأَسْأَلُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لاَ تَنْقَطِعُ ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَاءَ بَعْدَ الْقَضَاءِ ، وَأَسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ في غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلاَ فِتْنَةٍ مُضِلةٍ ، اللهمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الإِيمَانِ ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ ) (205) ، وعند البخاري من حديث جابر بن عبد الله ( أن النبي S كان يقول في الاستخارة : ( اللهمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيمِ ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ ، وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ ، وَأَنْتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ ..(34/104)
الحديث ) (206) .
24- ( ( اللطيف :
لم أجد دعاء المسألة مأثورا بالاسم أو الوصف إلا ما ورد عند الطبراني وضعفه الألباني من حديث أبي هريرة ( مرفوعا : ( اللهم الطف بي في تيسير كل عسير ؛ فإن تيسير كل عسير عليك يسير ، وأسألك اليسر والمعافاة في الدنيا والآخرة ) (207) ، ويمكن الدعاء بمقتضى ما ورد في قوله تعالى عن يوسف ( : ? وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ? [يوسف:100] ، كأن يقول : اللهم إنك لطيف لما تشاء وأنت العليم الحكيم ، ارفع عني البلاء والشقاء وأعذني من الشيطان الرجيم .(34/105)
وتجد الإشارة إلى ما اشتهر بين العامة في دعائهم : اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه ، فهذا الدعاء ليس دعاءا مأثورا ولكنه مما اشتهر على ألسنة الناس ، وقد منعه البعض وقال ببطلانه وفي ذلك نظر ؛ لأن قول القائل : لا أسألك رد القضاء لو كان محمولا على اعتقاده في عدم نفع الدعاء لتعارضه مع القضاء لكان ذلك باطلا ، ولكنه دعا الله بطلب اللطف فيه ، ولن يدعو بذلك إلا إذا اعتقد النفع فيه ، ويتضح الأمر بشكل جلي لو علمنا أن أنواع التقدير منها ما لا يقبل المحو والإثبات والتغيير ومنها ما يقبل ذلك ؛ فالتقدير الأزلي والميثاقي لا يقبلان محوا ولا تغيرا ، ولا يعلمهما ملك مقرب ولا نبي مرسل ، وقد ضن ربنا بهما إلا أن يطلع نبيا من الأنبياء لحكمة ما ، كما أخبر نبينا S أن أبا لهب سيصلى نارا ذات لهب ، وهذا القضاء قضاء مبرم لا يرد ، أما بقية أنوع التقدير التي تتعلق بالأسباب الغيبية أو الأسباب المشهودة فهي تقبل المحو والتعديل وتقبل التغير والتبديل ؛ لأن الأسباب يدفع بعضها بعضا كالتقدير العمري والتقدير السنوي والتقدير اليومي ، أو كل ما تعلق بالأسباب من أنواع التقدير فهي من القضاء المعلق ، فلما كانت الأسباب يدفع بعضها بعضا ، والدعاء من الأسباب ، فإن سؤال الله اللطف من أنواع الدعاء ، فإن كان القائل يقصد بدعائه طلب التلطف في ترابط الأسباب وتدافعها من قبل مقلبها اعتقادا منه أن الله وحده هو الذي يقلبها ، وأنه سيسلم من المكروه إذا دعاه بها ، مع إيمانه بأن كل شيء بقضاء وقدر ، وأن ما كتبه الله سوف يكون ؛ فهذا لا بأس به كأن يدعوا باسمه اللطيف أن يلطف به من موت محقق كادت أن تصطدم فيه سيارتان ، أو هلاك ظاهر في الوجه تذهب فيه العينان ، أو ما شابه ذلك مما يحدث لكل إنسان ، فليس في ذلك سوء أدب مع الله كما أشار البعض والله أعلم .
25- ( ( الخبير :(34/106)
لم أجد دعاء مسألة بالاسم أو الوصف ، ولكن ورد الدعاء بالمعنى الذي دل عليه الاسم كما ورد عند مسلم من حديث عبد الله بن عمرو ( : ( أَنَّ النبي S تَلاَ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَل في إِبْرَاهِيمَ : ? رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ? [إبراهيم:36] ، وَقَالَ عِيسَى ( : ? إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ? [المائدة:118] ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ : اللهُمَّ أمتي أمتي وَبَكَى ، فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَل : يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ ، فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ S بِمَا قَالَ ، وَهُوَ أَعْلَمُ ، فَقَالَ اللهُ : يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ إِنَّا سَنُرْضِيكَ في أُمَّتِكَ وَلاَ نَسُوءُكَ ) (208) ، وكذلك دعاء الاستخارة الذي رواه البخاري من حديث جابر بن عبد الله ( قال : ( كَانَ رَسُولُ الله S يُعَلِّمُنَا الاِسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ ، يَقُولُ : إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَليَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلِ اللهمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيمِ ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ ، اللهمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاقْدُرْهُ لي وَيَسِّرْهُ لي ثُمَّ بَارِكْ لي فِيهِ ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ(34/107)
أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لي في ديني وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ في عَاجِلِ أمري وَآجِلِهِ ، فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ ، وَاقْدُرْ لِي الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ أَرْضِنِي ، وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ ) (209) .
ويمكن الدعاء أيضا بمقتضى قوله تعالى : ? وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً ? [الفرقان:58] ، وقوله : ? قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً ? [الإسراء:96] ، يقول في دعائه : اللهم يا خبير يا بصير سبحانك وبحمدك توكلت عليك في مسألتي وأنت عليم بذنبي فاغفر لي وعافني وارزقني واقض حاجتي ويسر أمري ، ويسمي ما يشاء من حوائجه .
26- ( ( الوتر :(34/108)
لم أجد دليلا على الدعاء بالاسم أو الوصف ، ويمكن الدعاء بمقتضى الاسم ومعناه ، فالوتر سبحانه هو المنفرد عن الشريك والمثلية وكل معاني الزوجية من الصاحبة والولد أو أن يكون له كفوا أحد ، وقد أمر الله نبيه أن يحمد الله على اتصافه بالوترية ، وأن يكبره تكبيرا في كل أوصاف الأحدية ، قال الله عز وجل : ? وَقُلِ الْحَمْدُ لِلهِ الذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً ? [الإسراء:111] ، وروى الإمام مسلم من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( لأَنْ أَقُولَ سُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ لِلهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ أَحَبُّ إِلَي مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ ) (210) ، وروى النسائي وصححه الشيخ الألباني من حديث محجن بن الأدرع ( أنه قال : ( دَخَلَ رَسُول اللهِ S المَسْجِدَ ، إذَا رَجُلٌ قَدْ قَضَى صَلاَتَهُ وَهُوَ يَتَشَهَّدُ ، فَقَال َ: اللهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ يَا أَللهُ بِأَنَّكَ الوَاحِدُ الأَحَدُ الصَّمَدُ الذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي ، إنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ S : قَدْ غُفِرَ لَهُ ثَلاَثاً ) (211) .
27- ( ( الجميل :(34/109)
لم أجد دليلا في دعاء المسألة بالاسم ، وورد الدعاء بالمعنى فيما رواه النسائي من حديث عمار بن ياسر ( في دعاء النبي S الذي فيه : ( وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ في غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلاَ فِتْنَةٍ مُضِلةٍ ، اللهمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الإِيمَانِ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ ) (212) ، وورد الدعاء بالوصف في فيما روى عن عبد الله بن عمر وقيل عن الحسن بن علي ( أنه قال في دعائه : ( اللهم اغنني بالعلم وزيني بالحلم وأكرمني بالتقوى وجملني بالعافية ) (213) .
ويمكن أن يستشهد بما تجمل يعقوب ( من الصبر الجميل في دعائه بمقتضى الاسم حيث قال : ? فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَالله المُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ? [يوسف:18] ، وأيضا ما ورد في قوله تعالى : ? قَالَ بَل سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى الله أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ العَلِيمُ الحَكِيمُ ? [يوسف:83] ، وعند البخاري في حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي S في حادثة الإفك : ( إِنِّي وَالله لَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّكُمْ سَمِعْتُمْ مَا يَتَحَدَّثُ بِهِ النَّاسُ ، وَوَقَرَ في أَنْفُسِكُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ ، وَلَئِنْ قُلتُ لَكُمْ : إِنِّي بَرِيئَةٌ وَالله يَعْلَمُ إِنِّي لَبَرِيئَةٌ لاَ تُصَدِّقُونِي بِذَلِكَ ، وَلَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ وَالله يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ لَتُصَدِّقُنِّي ، وَالله مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلاً إِلاَّ أَبَا يُوسُفَ إِذْ قَالَ : ? فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَالله المُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ? ) (214).
28- ( ( الحيي :(34/110)
ورد دعاء المسألة بالاسم المطلق في سنن أبي داود وصححه الألباني من حديث سلمان الفارسي ( أن رسول الله S قال : ( إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خائبتين ) (215) ، وورد الدعاء بمقتضى الاسم عند مسلم من حديث أنس ( أن رسول الله S قال : ( فَنَزَلْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى مُوسَى S فَأَخْبَرْتُهُ ، فَقَالَ : ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ S فَقُلْتُ : قَدْ رَجَعْتُ إِلَى رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ ) (216) .
وعند الطبراني وصححه الألباني من حديث عبد الله بن مسعود ( مرفوعا في شأن الذي يمر على الصراط ، وقد أعطي نوره على إبهام قدميه ، يحبو على وجهه ويديه ورجليه ، تخر رجل وتعلق رجل ويصيب جوانبه النار ، فلا يزال كذلك حتى يخلص ؛ يقول رسول الله S في شأنه : ( قال : رب أعطني ذلك المنزل ، فيقول الله تبارك وتعالى له : فلعلك إن أعطيتكه تسأل غيره ؟ فيقول : لا وعزتك يا رب ، وأي منزل أحسن منه ، فيعطاه فينزله ، ثم يسكت ، فيقول لله جل ذكره : ما لك لا تسأل ؟ فيقول : رب قد سألتك حتى استحييتك ، وأقسمت حتى استحييتك ، فيقول الله جل : ذكره : ألم ترض أن أعطيك مثل الدنيا منذ خلقتها إلى يوم أفنيتها وعشرة أضعافه ؟ فيقول : أتهزأ بي وأنت رب العزة ، فيضحك الرب تبارك وتعالى من قوله ) (217) .
29- ( ( الستير :(34/111)
ورد دعاء المسألة بالوصف الذي تضمنه الاسم عند أبي داود وصححه الألباني من حديث ابن عمر ( أنه قال : ( لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ S يَدَعُ هَؤُلاَءِ الدَّعَوَاتِ حِينَ يُمْسِي وَحِينَ يُصْبِحُ : اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ العَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَاي وَأَهْلِي وَمَالِي ، اللهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَتِي ، أو عَوْرَاتِي ، وَآمِنْ رَوْعَاتِي ، اللهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَي وَمِنْ خَلفِي ، وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي ، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي ) (218) ، وعند الطبراني وحسنه الشيخ الألباني من حديث خباب الخزاعي ( قال : سمعت رسول الله S يقول : ( اللهم استر عورتي ، وآمن روعتي واقض عني ديني ) (219) ، وعند أحمد من حديث أَبِي سعيد الخدري ( قال : ( قُلْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ : يَا رَسُولَ اللهِ هَلْ مِنْ شيء نَقُولُهُ فَقَدْ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الحَنَاجِرَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، اللهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا ، وَآمِنْ رَوْعَاتِنَا ، قَالَ : فَضَرَبَ اللهُ عَزَّ وَجَل وُجُوهَ أَعْدَائِهِ بِالرِّيحِ ، فَهَزَمَهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَل بِالرِّيحِ ) (220) .(34/112)
ومن الدعاء بمقتضى الوصف ما رواه البخاري من حديث صفوان بن محرز المازني ( قال : ( بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي مَعَ ابْنِ عُمَرَ ( آخِذٌ بِيَدِهِ إِذْ عَرَضَ رَجُلٌ ، فَقَالَ : كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ S فِي النَّجْوَى ؟ فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ S يَقُولُ : إِنَّ اللهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ : أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا ؟ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا ؟ فَيَقُولُ : نَعَمْ أي رَبِّ ، حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى في نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ ، قَالَ : سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ في الدُّنْيَا ، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ فَيُعْطَي كِتَابَ حَسَنَاتِهِ ، وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاَءِ الذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) (221) ، يقول المسلم : اللهم استرني بين يديك واغفر لي ذنبي .
30- ( ( الكبير:
ورد دعاء المسألة بالاسم المطلق فيما دل عليه مقتضى قوله تعالى في الرد على أهل النار وطلبهم الخروج منها : ? ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ ? [غافر:12] ، فالواجب على الموحدين أن يدعوا الله العلي الكبير الذي له الحكم في الدنيا والآخرة قبل أن يقفوا هذا الموقف الأليم ، وهذا الدعاء يشمل دعاء المسألة والعبادة معا .(34/113)
وورد الدعاء بالوصف الذي تضمنه الاسم عند مسلم من حديث مصعب بن سعد ( عن أَبِيهِ أنه قال : ( جَاءَ أعرابي إِلَى رَسُولِ اللهِ S فَقَالَ علمني كَلاَمًا أَقُولُهُ ، قَالَ قُل : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا ، وَالحَمْدُ لِلهِ كَثِيرًا ، سُبْحَانَ اللهِ رَبِّ العَالَمِينَ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ ، قَالَ : فَهَؤُلاَءِ لِرَبِّي فَمَا لي ؟ قَالَ : قُلِ اللهُمَّ اغْفِرْ لي وارحمني وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي ) (222) ، وروى أيضا من حديث ابن عمر ( أنه قَالَ : ( بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ S إِذْ قَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ : اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالحَمْدُ لِلهِ كَثِيرًا وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلا ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ S : مَنِ القَائِلُ كَلِمَةَ كَذَا وَكَذَا ؟ ، قَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ : أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : عَجِبْتُ لَهَا ، فُتِحَتْ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ S يَقُولُ ذَلِكَ ) (223) .(34/114)
وعند البخاري من حديث أبي صالح عن أبي هريرة ( أنه قال : ( جَاءَ الفُقَرَاءُ إِلَى النَّبِيِّ S فَقَالُوا : ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ - الأغنياء - مِنَ الأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ العُلاَ وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا وَيَعْتَمِرُونَ وَيُجَاهِدُونَ وَيَتَصَدَّقُونَ ، قَالَ : أَلاَ أُحَدِّثُكُمْ بِأَمْرٍ إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ ، وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ إِلاَّ مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ ، تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ ، وَتُكَبِّرُونَ خَلفَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ ، فَاخْتَلَفْنَا بَيْنَنَا ، فَقَالَ بَعْضُنَا : نُسَبِّحُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ ، وَنَحْمَدُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ ، وَنُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ . فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ ، فَقَالَ : تَقُولُ سُبْحَانَ اللهِ وَالحَمْدُ لِلهِ وَاللهُ أَكْبَرُ حَتَّى يَكُونَ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ ، قَالَ أَبُو صَالِحٍ : فَرَجَعَ فُقَرَاءُ المُهَاجِرِينَ إِلَى رَسُولِ اللهِ S فَقَالُوا : سَمِعَ إِخْوَانُنَا أَهْلُ الأَمْوَالِ بِمَا فَعَلنَا فَفَعَلُوا مِثْلَهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ S : ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ) (224) .
31- ( ( المتعال :(34/115)
لم أجد دليلا في دعاء المسألة بالاسم ، ويمكن الدعاء بالمعنى فالمتعَالي سبحانه هو القاهرُ لخلقِهِ بقدرتِهِ التَّامَّةِ الذي ليس فوقه شيء في قهره وقوته ، فلا غالب له ولا منازع ، وكل شيء تحت سلطانه وعظمته ، وقد دعا موسى ( فقال : ? إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الحِسَاب ? [غافر:27] ، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث عبد الله ( أن النبي S كان إذا خاف قوما قال : ( اللهمَّ إِنَّا نَجْعَلُكَ فِي نُحُورِهِمْ وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ ) (225) ، وعند ابن ماجة وصححه الألباني من حديث ابْنَ عُمَرَ ( أنه قال : لم يكن الله S يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح : ( اللهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ العَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، اللهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَاي وَأَهْلِي وَمَالِي ، اللهمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي ، اللهمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَي وَمِنْ خَلفِي ، وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي ، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي ) (226) .
والمسلم يذكر هذا الاسم في دعائه بما يناسب حاجته ومطلوبه ، كأن يدعو به لطلب العزة إن كان ذليلا مقهورا ، وأن يفرج الله كربه إن كان مظلوما .
32- ( ( الواحد :
ورد دعاء المسألة بالاسم المطلق في قوله تعالى : ? قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدا ً? [الكهف:110] ، وقوله سبحانه : ? قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ ? [فصلت:6] .(34/116)
وعند النسائي وصححه الألباني من حديث محجن بن الأدرع ( : ( أَنَّ رَسُولَ اللهِ S دَخَلَ المَسْجِدَ إذَا رَجُلٌ قَدْ قَضَى صَلاَتَهُ وَهُوَ يَتَشَهَّدُ ، فَقَال َ: اللهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ يَا أَللهُ بِأَنَّكَ الوَاحِدُ الأَحَدُ الصَّمَدُ الذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي إنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ S : قَدْ غُفِرَ لَهُ ثَلاَثاً ) (227) ، وورد عند ابن حبان وصححه الألباني من حديث عن عائشة رضي الله عنها أن النبي S كان إذا تضور من الليل قال : ( لا إله إلا الله الواحد القهار ، رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار ) (228) .
وورد الدعاء بالوصف عند البخاري من حديث المغيرة بن شعبة ( أن رسول الله S كان يقول في دبر كل صلاة إذا سلم : ( لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ المُلكُ ، وَلَهُ الحَمْدُ ، وَهْوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، اللهمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ ، وَلاَ مُعْطِي لِمَا مَنَعْتَ ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ ) (229) ، وروى البخاري من حديث عبادة بن الصامت ( أنِ النبي S قال : ( مَنْ تَعَارَّ مِنَ الليْلِ فَقَالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، الحَمْدُ للهِ وَسُبْحَانَ الله ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَالله أَكْبَرُ ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِالله ؛ ثُمَّ قَالَ : اللهمَّ اغْفِرْ لِي ، أَوْ دَعَا اسْتُجِيبَ ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلى قُبِلَتْ صَلاَتُهُ ) (230) .
33- ( ( القهار :(34/117)
ورد دعاء المسألة بالاسم المطلق فيما رواه ابن حبان وصححه الشيخ الألباني من حديث عن عائشة رضي الله عنها أن النبي S كان إذا تضور من الليل قال : ( لا إله إلا الله الواحد القهار ، رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار ) (231) ، وروى الطبراني من حديث علي بن أبي طالب ( أنه قال : ( كان رسول الله S إذا أمسى قال : أمسينا وأمسى الملك لله الواحد القهار ، الحمد لله الذي ذهب بالنهار وجاء بالليل ونحن في عافية .. الحديث ) (232) ، وقال تعالى عن يوسف ( : ? يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ? [يوسف:39] ، وهو استفهام تقريري أراد به يوسف ( دعاء الله وحده لا شريك له وعبادته وخلع ما سواه من الأوثان التي يعبدها قومهما ، فهل دعاء الذي ذل كل شيء لعز جلاله وعظمة سلطانه خير أم التي يعبدونها ويسمونها آلهة من تلقاء أنفسهم والتي تلقاها خلفهم عن سلفهم ؟ (233) .
34- ( ( الحق :(34/118)
وورد دعاء المسألة بالاسم المطلق في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي S كان إِذَا قام من الليل يتهجد قال : ( اللهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ ، وَلَكَ الْحَمْدُ ، لَكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ، وَلَكَ الْحَمْدُ ، أَنْتَ الْحَقُّ ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ ، وَالنَّارُ حَقٌّ وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ ، وَمُحَمَّدٌ S حَقٌّ وَالسَّاعَةُ حَقٌّ .. الحديث ) (234) ، ومن دعاء المسألة بمقتضى الاسم قوله تعالى : ? قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ المُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ? [الأنبياء:112] ، وقوله عن شعيب ( وقومه : ? رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الفَاتِحِينَ ? [الأعراف:89] وعند مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : كان نبي الله S إذا قام من الليل افتتح صلاته : ( اللهمَّ رَبَّ جِبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ ، فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذْنِكَ ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (235) .
35- ( ( المبين :(34/119)
ورد الدعاء بالوصف الذي تضمنه الاسم في قول الله تعالى عن بعض قوم موسى ( : ? قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ ? [البقرة:68] ، وقوله : ? قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ? [البقرة:69] ، وقوله : ? قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ ? [البقرة:70] ، وعند البخاري من حديث ابن عباس ( : ( أَنَّهُ ذُكِرَ التَّلاَعُنُ عِنْدَ النبي S فَقَالَ عَاصِمُ بْنُ عَدِي في ذَلِكَ قَوْلاً ، ثُمَّ انْصَرَفَ ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ يَشْكُو إِلَيْهِ أَنَّهُ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلاً ، فَقَالَ عَاصِمٌ : مَا ابْتُلِيتُ بِهَذَا إِلاَّ لقولي ، فَذَهَبَ بِهِ إِلَى النبي S فَأَخْبَرَهُ بالذي وَجَدَ عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ ، وَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مُصْفَرًّا قَلِيلَ اللحْمِ سَبْطَ الشَّعَرِ ، وَكَانَ الذي ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ وَجَدَهُ عِنْدَ أَهْلِهِ خَدْلاً آدَمَ كَثِيرَ اللحْمِ ، فَقَالَ النبي S : اللهُمَّ بَيِّنْ ، فَجَاءَتْ شَبِيهًا بِالرَّجُلِ الذي ذَكَرَ زَوْجُهَا أَنَّهُ وَجَدَهُ ، فَلاَعَنَ النبي S بَيْنَهُمَا ، قَالَ رَجُلٌ لاِبْنِ عَبَّاسٍ في الْمَجْلِسِ : هي التي قَالَ النبي S : لَوْ رَجَمْتُ أَحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ رَجَمْتُ هَذِهِ ؟ فَقَالَ : لاَ تِلْكَ امْرَأَةٌ كَانَتْ تُظْهِرُ في الإِسْلاَمِ السُّوءَ ) (236) .(34/120)
وروى أبو داود وصححه الشيخ الألباني من حديث عمر بن الخطاب ( أنه قال : ( لَمَّا نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ ، قَالَ عُمَرُ : اللهُمَّ بَيِّنْ لَنَا في الْخَمْرِ بَيَانًا شِفَاءً ؛ فَنَزَلَتِ الآيَةُ التي في الْبَقَرَةِ : ? يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الآياتِ لَعَلكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ? [البقرة:219] ، قَالَ : فَدُعِيَ عُمَرُ ؛ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ ، قَالَ : اللهُمَّ بَيِّنْ لَنَا في الْخَمْرِ بَيَانًا شِفَاءً فَنَزَلَتِ الآيَةُ التي في النِّسَاءِ : ? يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ? [النساء:43] ، فَكَانَ مُنَادِي رَسُولِ اللهِ S إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ يُنَادِي : أَلاَ لاَ يَقْرَبَنَّ الصَّلاَةَ سَكْرَانُ فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : اللهُمَّ بَيِّنْ لَنَا في الْخَمْرِ بَيَانًا شِفَاءً ؛ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ : ? إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ? [المائدة:91] ، قَالَ عُمَرُ : انْتَهَيْنَا ) (237) .(34/121)
ومن الدعاء بالمعنى أيضا قوله تعالى : ? رَبَّنَا وَاجْعَلنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ? [البقرة:128] ، فالمسلم يدعو بما شاء مما يناسب اسم الله المبين ، لاسيما إن كان مظلوما ولا يجد دليلا لبراءته أو كان عاجزا عن بيان حجته ؛ فدعاء المسألة أن يذكر الاسم في دعائه يتقرب به إلى ربه طلبا لحاجته كقوله : اللهم أنت الحق المبين فرج كربي وارفع الظلم عني ، ومن دعاء ابن الجوزي : ( لا اله إلا الله توحيدا يباين عقائد المشركين ، لا اله إلا الله تنزيها يناقض دعاوى المبطلين ، لا اله إلا الله إقرارا بما أنكرته عقول الجاحدين لا اله إلا الله إيقانا لا يشوبه تردد الشاكين ، لا اله إلا الله الملك الحق المبين ) (238) .
36- ( ( القوي :(34/122)
ورد دعاء المسألة بالوصف في قول الله تعالى : ? وَلوْلا إِذْ دَخَلتَ جَنَّتَكَ قُلتَ مَا شَاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إِلا بِاللهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَل مِنْكَ مَالاً وَوَلداً فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً ? [الكهف:39/40] ، وكذلك في قوله عن نبيه هود ( : ? وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلوْا مُجْرِمِينَ ? [هود:52] ، وروى مسلم من حديث مصعب بن سعد ( عن أبيه أنه قال : جاء أعرابي إِلى النبي S فقال علمني كلاما أقوله ، قال : ( قُل لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ ، اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا ، وَالحَمْدُ لِلهِ كَثِيرًا سُبْحَانَ اللهِ رَبِّ العَالمِينَ لاَ حَوْل وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ ، قَال : فَهَؤُلاَءِ لِرَبِّي فَمَا لي ؟ قَال : قُلِ اللهُمَّ اغْفِرْ لي وارحمني وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي ) (239) .
وعند أبي داود وحسنه الألباني من حديث عائشة رضي الله عنها في دعاء الاستسقاء : ( اللهمَّ أَنْتَ الله لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الْغَنِي وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ ، أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْتَ لَنَا قُوَّةً وَبَلاَغًا إِلَى حِينٍ ) (240) وعنده أيضا وصححه الألباني من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : ( كَانَ رَسُولُ الله S يَقُولُ في سُجُودِ الْقُرْآنِ بِالليْلِ يَقُولُ في السَّجْدَةِ مِرَارًا : سَجَدَ وجهي للذي خَلَقَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ ) (241).(34/123)
وروى البخاري من حديث عبادة بن الصامت ( أنِ النبي S قال : ( مَنْ تَعَارَّ مِنَ الليْلِ فَقَالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ المُلكُ ، وَلَهُ الحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ؛ الحَمْدُ للهِ ، وَسُبْحَانَ الله ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ الله ، وَالله أَكْبَرُ ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِالله ثُمَّ قَالَ : اللهمَّ اغْفِرْ لِي ، أَوْ دَعَا اسْتُجِيبَ ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلى قُبِلَتْ صَلاَتُهُ ) (242) ، وعند أبي داود وحسنه الألباني من حديث أنس ( أن رسول الله S قال : ( مَنْ أَكَلَ طَعَامًا ثُمَّ قَالَ : الْحَمْدُ لِلهِ الذي أطعمني هَذَا الطَّعَامَ وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلاَ قُوَّةٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ ، وَمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا فَقَالَ : الْحَمْدُ لِلهِ الذي كساني هَذَا الثَّوْبَ وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلاَ قُوَّةٍ ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ ) (243).
37- ( ( المتين :(34/124)
المتين سبحانه هو القوي الشديد القدير المحيط المتناهي في القوة والقدرة ، ولم يرد دعاء المسألة بالاسم أو الوصف ، ولكن ورد الدعاء بالمعنى الذي دل عليه الاسم كما ورد في قوله تعالى : ? وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ ? [يونس:88] ، وقوله عن موسى ( أيضا : ? قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى ? [طه:25/35] ، ودعاء المسألة باسم الله المتين يدعو به كل مؤمن ضعيف أو مهزوم أو مقهور أو مظلوم أن يعينه الله ويقويه ويمنحه ويعطية ، وأن يفرغ عليه صبرا ويخرجه من كل بلاء وقع فيه ، روى الترمذي وصححه الألباني من حديث شداد بن أوس ( قَال : ( كَانَ رَسُولُ اللهِ S يُعَلِّمُنَا أَنْ نَقُول : اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الأَمْرِ ، وَأَسْأَلُكَ عَزِيمَةَ الرُّشْدِ ، وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ ، وَأَسْأَلُكَ لِسَانًا صَادِقًا ، وَقَلبًا سَلِيمًا ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلمُ وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلمُ ، وَأَسْتَغْفِرُكَ مِمَّا تَعْلمُ ، إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ ) (244).
38- ( ( الحي :(34/125)
ورد دعاء المسألة بالاسم المطلق في قوله تعالى : ? هُوَ الحَيُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الحَمْدُ لِلهِ رَبِّ العَالَمِينَ ? [غافر:65] .
وفي سنن أبي داود وصححه الألباني من حديث يسار بن زيد عن أبيه ( أنه سمع النبي S يَقُولُ : ( مَنْ قالَ : أسْتَغْفِرُ الله الذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ ، غُفِرَ لَهُ وَإِن كَانَ فَرَّ مِنَ الزَّحْف ) (245) ِ، وعند مسلم من حديث ابن عباس ( أن رسول الله Sكان يقولُ : ( اللهمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ وَبِكَ آمَنْتُ ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلتُ ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ ، وَبِكَ خَاصَمْتُ ، اللهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ أَنْ تُضلنِي ، أَنْتَ الحَيُ الذِي لاَ يَمُوتُ وَالجِنُّ وَالإِنْسُ يَمُوتُونَ ) (246) ، وروى النسائي وصححه الألباني من حديث أنس بن مالك ( قال : ( كُنْتُ مَعَ رَسُولِ الله S جَالِسًا وَرَجُلٌ قَائِمٌ يُصَلِّي ، فَلَمَّا رَكَعَ وَسَجَدَ وَتَشَهَّدَ دَعَا فَقَالَ فِي دُعَائِهِ : اللهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الحَمْدَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ المَنَّانُ بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَا ذَا الجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ إِنِّي أَسْأَلُكَ ، فَقَالَ النَّبِيُ S لأَصْحَابِهِ : تَدْرُونَ بِمَا دَعَا ؟ قَالُوا : الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ دَعَا الله بِاسْمِهِ العَظِيمِ الذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى ) (247) ، وقد ثبت من حديث أَنَسِ ( أيضا أنه قَالَ : ( كَانَ النبي S إِذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ ، وفي رواية أخرى إذا حزبه أمر قَالَ : يَا حَيُ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيث ) (248) .(34/126)
وقد ورد الدعاء بالوصف في قوله تعالى عن إبراهيم ( : ? وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ ? [البقرة:260] ، وروى ابن ماجة وصححه الألباني من حديث جابر بن عبد الله ( أن رسول الله S قال : ( يَا جَابِرُ ، أَلاَ أُخْبِرُكَ مَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَل لأَبِيكَ ؟ قُلْتُ : بَلَى ، قَالَ : مَا كَلمَ اللهُ أَحَدًا إِلاَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ، وَكَلمَ أَبَاكَ كِفَاحًا ، فَقَالَ : يَا عبدي ، تَمَنَّ عَلَي أُعْطِكَ ، قَالَ : يَا رَبِّ تحييني فَأُقْتَلُ فِيكَ ثَانِيَةً ، قَالَ : إِنَّهُ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لاَ يُرْجَعُونَ ، قَالَ : يَا رَبِّ فَأَبْلِغْ مَنْ ورائي ) (249) ، وعند مسلم من حديث أنس ( أن رسول الله S قال : ( لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ ؛ فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ مُتَمَنِّيًا فَلْيَقُلِ : اللهُمَّ أحيني مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لي وتوفني إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لي ) (250) ، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث أبي هريرة ( قال : صلى رسول الله S على جنازة فقال : ( اللهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا ، وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا ، وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا ، وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا ، اللهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الإِيمَانِ ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الإِسْلاَمِ ، اللهُمَّ لاَ تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلاَ تُضِلنَا بَعْدَهُ ) (251) .
39- ( ( القيوم :(34/127)
ورد دعاء المسألة بالاسم المطلق مقترنا باسم الله الحي في الأحاديث السابقة ، أما دعاء المسألة بالوصف فقد ورد عند البخاري من حديث ابن عباس ( قال : ( كَانَ النَّبِيُّ S إِذَا قَامَ مِنَ الليْلِ يَتَهَجَّدُ قَالَ : اللهمَّ لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ وَلَكَ الحَمْدُ .. اللهمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ ، وَبِكَ آمَنْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلتُ ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ ، وَبِكَ خَاصَمْتُ ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ أَنْتَ المُقَدِّمُ وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ أَوْ لاَ إِلَهَ غَيْرُكَ ) (252) ، وروى أحمد وصححه الألباني من حديث البراء ( أن رسول الله S قال الميت المؤمن في قبره : ( وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ حَسَنُ الثِّيَابِ طَيِّبُ الرِّيحِ فَيَقُولُ : أَبْشِرْ بالذي يَسُرُّكَ ، هَذَا يَوْمُكَ الذي كُنْتَ تُوعَدُ فَيَقُولُ لَهُ : مَنْ أَنْتَ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يجيء بِالْخَيْرِ ؟ فَيَقُولُ : أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ فَيَقُولُ : رَبِّ أَقِمِ السَّاعَةَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أهلي ومالي ) (253).
40- ( ( العلي :(34/128)
دعاء المسألة أن يثني على الله ويمدحه بالاسم أو الوصف في حاجته ومطلبه ، وقد ورد الدعاء بالاسم المطلق عند ابن ماجة وصححه الألباني من حديث عبادة ( أن رسول الله S قال : ( مَنْ تَعَارَّ مِنَ الليْلِ فَقَالَ حِينَ يَسْتَيْقِظُ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شيء قَدِيرٌ ، سُبْحَانَ الله ، وَالحَمْدُ للهِ ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ الله ، وَالله أَكْبَرُ ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِالله العَلِي العَظِيمِ ، ثُمَّ دَعَا : رَبِّ اغْفِرْ لي ، غُفِرَ لَهُ ) (254) ، وروى الحافظ المنذري وصححه الشيخ الألباني من حديث أبي هريرة ( أن النبي S قال : ( من قال حين يأوي إلى فراشه : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، غفرت له ذنوبه أو خطاياه ، وإن كانت مثل زبد البحر ) (255) ، وقد سبق أيضا في دعاء النبي S عند الكرب : ( لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله العَلِي العَظِيمُ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله الحَلِيمُ الكَرِيمُ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَرَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ ) (256) ، وعند الترمذي وصححه الألباني من حديث علي بن أبي طالب ( أن رسول الله S قال : ( أَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ إِذَا قُلتَهُنَّ غَفَرَ الله لَكَ وَإِنْ كُنْتَ مَغْفُورًا لَكَ ، قَالَ : قُل لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله العَلِىُّ العَظِيمُ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله الحَلِيمُ الكَرِيمُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله سُبْحَانَ الله ربِّ السَّماوات السَّبْع وربِّ العَرشِ العَظِيمِ ، الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ ) (257) .
41- ( ( العظيم :(34/129)
دعاء المسألة بالاسم المطلق ورد مقرونا باسم الله العلي فيما سبق ، وورد الدعاء بالوصف عند مسلم من حديث ابن عباس ( أن النبي S قال : ( اللهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا ، وَفِي بَصَرِي نُورًا وَفِي سَمْعِي نُورًا ، وَعَنْ يَمِينِي نُورًا ، وَعَنْ يَسَارِي نُورًا وَفَوْقِي نُورًا ، وَتَحْتِي نُورًا ، وَأَمَامِي نُورًا وَخَلْفِي نُورًا ، وَعَظِّمْ لِي نُورًا ) (258) ، وفي رواية أبي داود وصححها الألباني : ( اللهم وأعظم لي نورا ) (259) ، وعند أحمد وصححه الألباني من حديث أنس ( أن النبي S قال : ( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُعَظِّمَ اللهُ رِزْقَهُ ، وَأَنْ يَمُدَّ في أَجَلِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ) (260) ، وروى أبو داود وصححه الألباني من حديث ابن عمر ( قال : ( لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ S يَدَعُ هَؤُلاَءِ الدَّعَوَاتِ حِينَ يُمْسِي وَحِينَ يُصْبِحُ : اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَاي وَأَهْلِي وَمَالِي اللهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي ، اللهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَي وَمِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي ، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي ) (261) .(34/130)
وروى النسائي وصححه الألباني من حديث ابن عباس ( قال : ( كَشَفَ رَسُولُ اللهِ S السِّتْرَ وَرَأْسُهُ مَعْصُوبٌ فِي مَرَضِهِ الذِي مَاتَ فِيهِ فَقَالَ : اللهُمَّ قَدْ بَلغْتُ - ثَلاَثَ مَرَّاتٍ - إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلاَّ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْعَبْدُ أَوْ تُرَى لَهُ ، أَلاَ وَإِنِّي قَدْ نُهِيتُ عَنِ الْقِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ، فَإِذَا رَكَعْتُمْ فَعَظِّمُوا رَبَّكُمْ وَإِذَا سَجَدْتُمْ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ فَإِنَّهُ قَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ ) (262) ، وعند مسلم من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلاَ يَقُلِ : اللهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ وَلَكِنْ لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ ، وَلْيُعَظِّمِ الرَّغْبَةَ ؛ فَإِن اللهَ لاَ يَتَعَاظَمُهُ شيء أَعْطَاهُ ) (263) .(34/131)
وكذلك ورد الدعاء بمقتضى الاسم والوصف كالدعاء بذكر فضل الله العظيم وعرشه العظيم ، فإن الله استوى على عرشه وأضافه إليه ، كما أن فضله على الخلائق فضل عظيم ؛ فلا يضاف العظيم إلا إلى العظيم ، روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة ( أن النبي S كان إذا أراد أن ينام يضطجع على شقه الأيمن ثم يقول : ( اللهمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ وَرَبَّ الأَرْضِ وَرَبَّ العَرْشِ العَظِيمِ ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ فَالِقَ الحَبِّ وَالنَّوَى ، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالفُرْقَانِ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ ، اللهمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ ، وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيءٌ ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ ، وَأَنْتَ البَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَاغْنِنَا مِنَ الفَقْرِ ) (264) ، وعند البخاري من حديث جَابِرٍ ( قَالَ : ( كَانَ النَّبِي S يُعَلِّمُنَا الاِسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا كَالسُّورَةِ مِنَ القُرْآنِ : إِذَا هَمَّ بِالأَمْرِ فَليَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ يَقُولُ : اللهمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلمِكَ ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيمِ ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ ، وَأَنْتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ .. الحديث ) (265) .(34/132)
وعند البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني من حديث عبد الله بن مسعود ( قال : ( إذا كان على أحدكم إمام يخاف تغطرسه أو ظلمه فليقل : اللهم رب السماوات السبع ورب العرش العظيم كن لي جارا من فلان بن فلان وأحزابه من خلائقك أن يفرط علي أحد منهم أو يطغى ، عز جارك وجل ثناؤك ولا اله إلا أنت ) (266) ، وروى ابن ماجة وصححه الشيخ الألباني من حديث أسماء بنت يزيد رضي الله عنها أنها قالت : ( لَمَّا تُوُفِّي ابْنُ رَسُولِ اللهِ S إِبْرَاهِيمُ ، بَكَى رَسُولُ اللهِ S فَقَالَ لَهُ الْمُعَزِّي - إِمَّا أَبُو بَكْرٍ وَإِمَّا عُمَرُ - : أَنْتَ أَحَقُّ مَنْ عَظَّمَ اللهَ حَقَّهُ ، قَالَ رَسُولُ اللهِ S : تَدْمَعُ الْعَيْنُ وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ ، وَلاَ نَقُولُ مَا يُسْخِطُ الرَّبَّ لَوْلاَ أَنَّهُ وَعْدٌ صَادِقٌ وَمَوْعُودٌ جَامِعٌ ، وَأَنَّ الآخِرَ تَابِعٌ لِلأَوَّلِ لَوَجَدْنَا عَلَيْكَ يَا إِبْرَاهِيمُ أَفْضَلَ مِمَّا وَجَدْنَا ، وَإِنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ ) (267) .
42- ( ( الشكور :(34/133)
لم يرد دعاء المسألة بالاسم المطلق ولكن ورد بمقتضاه في نصوص كثيرة منها قوله تعالى عن سليمان ( : ? فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ التِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ? [النمل:19] ، وقال تعالى : ? وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ التِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ المُسْلِمِينَ ? [الأحقاف:15] ، وقال تعالى : ? وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ? [إبراهيم:7] .
وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث معاذ ( أن رسول الله S أخذ بيده وقال: ( يا معاذ والله إني لأحبك ، والله إني لأحبك فقال : أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لاَ تَدَعَنَّ في دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ تَقُولُ : اللهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ ) (268) .(34/134)
وعند الترمذي وصححه الألباني من حديث شداد بن أوس ( قال : ( كَانَ رَسُولُ اللهِ S يُعَلِّمُنَا أَنْ نَقُولَ : اللهُمَّ إني أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ في الأَمْرِ ، وَأَسْأَلُكَ عَزِيمَةَ الرُّشْدِ وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ ، وَأَسْأَلُكَ لِسَانًا صَادِقًا وَقَلْبًا سَلِيمًا ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ ، وَأَسْتَغْفِرُكَ مِمَّا تَعْلَمُ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ) (269) .
وروى أبو يعلى وحسنه الألباني من حديث أبي سعيد الخدري ( قال : ( رأيت فيما يرى النائم كأني تحت شجرة ، وكأن الشجرة تقرأ ص ، فلما أتت على السجدة سجدت ، فقالت في سجودها : اللهم اغفر لي بها ، اللهم حط عني بها وزرا ، وأحدث لي بها شكرا ، وتقبلها مني كما تقبلت من عبدك داود سجدته ، فغدوت على رسول الله S فأخبرته فقال : سجدت يا أبا سعيد ؟ قلت : لا ، قال : فأنت أحق بالسجود من الشجرة ثم قرأ رسول الله S سورة ص ، ثم أتى على السجدة ، فسجد وقال في سجوده : ما قالت الشجرة في سجودها ) (270) .
43- ( ( الحليم :
ورد دعاء المسألة بالاسم المطلق فيما رواه البخاري من حديث عبد الله بن عباس ( قال : ( كَانَ النَّبِيُّ S يَدْعُو عِنْدَ الكَرْبِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله العَظِيمُ الحَلِيمُ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ ) (271) ، وروى الترمذي وحسنه الألباني عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت كان رسول S يقول : ( اللهُمَّ عَافِنِي فِي جَسَدِي وَعَافِنِي فِي بَصَرِي وَاجْعَلهُ الوَارِثَ مِنِّي ، لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ الحَلِيمُ الكَرِيمُ ، سُبْحَانَ اللهِ رَبِّ العَرْشِ العَظِيمِ وَالحَمْدُ لِلهِ رَبِّ العَالمِينَ ) (272) .(34/135)
ومن دعاء المسألة بمقتضى الاسم ما ورد في قوله تعالى : ? تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً ? [الإسراء:44] ، فيقول المسلم : اللهم يا حليم يا غفور سبحانك وبحمدك ، أسألك حلمك ومغفرتك ، وروى النسائي وصححه الألباني من حديث سليمان بن يسار ( عن رجل من الأنصار أن النبي S قال : ( قال نوح لابنه : إني موصيك بوصية وقاصرها لكي لا تنساها ، أوصيك باثنتين وأنهاك عن اثنتين ، أما اللتان أوصيك بهما فيستبشر الله بهما وصالح خلقه ، وهما يكثران الولوج على الله : أوصيك بلا إله إلا الله ، فإن السموات والأرض لو كانتا حلقة قصمتهما ، ولو كانتا في كفة وزنتهما وأوصيك بسبحان الله وبحمده ؛ فإنهما صلاة الخلق ، وبهما يرزق الخلق ، وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا ، وأما اللتان أنهاك عنهما فيحتجب الله منهما وصالح خلقه ، أنهاك عن الشرك والكبر ) (273) .
44- ( ( الواسع :(34/136)
ورد دعاء المسألة بالوصف في قوله تعالى عن نبيه شعيب ( : ? قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُل شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ? [الأعراف:89] ، وقوله تعالى : ? الذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُل شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ? [غافر:7] ، وعند مسلم من حديث عوف بن مالك ( أنه قال : صلى رسول الله S على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول : ( اللهمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ وَاغْسِلهُ بِالمَاءِ وَالثَّلجِ وَالبَرَدِ .. الحديث ) (274) َ.
وروى أيضا من حديث ابن عباس عن عمر ( أنه قال : ( قلت : يا رسول الله ادْعُ الله يَا رَسُولَ الله أَنْ يُوَسِّعَ عَلَى أُمَّتِكَ ؛ فَقَدْ وَسَّعَ عَلَى فَارِسَ وَالرُّومِ وَهُمْ لاَ يَعْبُدُونَ الله ؛ فَاسْتَوَى جَالِسًا ثُمَّ قَالَ : أَفِي شَكٍّ أَنْتَ يَا ابْنَ الخَطَّابِ ؟ أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا ، فَقُلتُ اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ الله ) (275) ، وعند الترمذي وحسنه الألباني من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( اللهمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي وَوَسِّعْ لِي فِي رِزْقِي وَبَارِكْ لِي فِيمَا رَزَقْتَنِي ) (276) .
45- ( ( العليم :(34/137)
ورد دعاء المسألة بالاسم المطلق في قوله تعالى عن إبراهيم وإسماعيل عليهما وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام : ? وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ? [البقرة:127] ، وقوله : ? إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ? [آل عمران:35] .
وقوله تعالى لسيدنا محمد S : ? وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ? [الأعراف:200] ، وقوله عن يعقوب ( : ? قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ? [يوسف:83] ، وقوله سبحانه وتعالى عن يوسف ( : ? فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ? [يوسف:34] ، وروى أبو داود وصححه الألباني من حديث أبي سعيد الخدري ( أنه قال : ( كَانَ رَسُولُ الله S إِذَا قَامَ مِنَ الليْلِ كَبَّرَ ثُمَّ يَقُولُ : سُبْحَانَكَ اللهمَّ وَبِحَمْدِكَ وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلاَ إِلَهَ غَيْرُكَ ، ثُمَّ يَقُولُ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله ، ثَلاَثًا ثُمَّ يَقُولُ : الله أَكْبَرُ كَبِيرًا ثَلاَثًا ، أَعُوذُ بِالله السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ ، ثُمَّ يَقْرَأُ ) (277) .(34/138)
ومن دعاء المسألة بالوصف دعاء الكرب وقد تقدم ، وكذلك ما ورد في حديث الاستخارة : ( إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَليَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلِ اللهمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيمِ ؛ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ ، وَأَنْتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ .. الحديث ) (278) ، وعند مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : (كَانَ النبي S إِذَا قَامَ مِنَ الليْلِ افْتَتَحَ صَلاَتَهُ : اللهمَّ رَبَّ جِبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ ، فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (279) ، وعند البخاري من حديث ابن عباس ( قال : ( ضمني النبي S إِلَى صَدْرِهِ وَقَالَ : اللهُمَّ عَلِّمْهُ الْحِكْمَةَ ) (280) .
46- ( ( التواب :(34/139)
ورد الدعاء بالاسم المطلق في قوله تعالى : ? رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ? [البقرة:128] ، روى أبو داود وصححه الشيخ الألباني من حديث عبد الله بن عمر ( أنه قال : ( إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللهِ S في الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةَ مَرَّةٍ : رَبِّ اغْفِرْ لي وَتُبْ عَلَي إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) (281) ، وعند النسائي وصححه الألباني من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : ( صلى رسول الله S الضحى ثم قال : اللهم اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم ، حتى قالها مائة مرة ) (282) ، وروى أبو داود وصححه الألباني من حديث ابن مسعود ( أن رسول الله S : ( اللهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا ، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلاَمِ ، وَنَجِّنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ، وَجَنِّبْنَا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَبَارِكْ لَنَا في أَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُلُوبِنَا وَأَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا ، وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ وَاجْعَلْنَا شَاكِرِينَ لِنِعْمَتِكَ مُثْنِينَ بِهَا قَابِلِيهَا وَأَتِمَّهَا عَلَيْنَا ) (283) .
وورد الدعاء بالوصف عند الترمذي وصححه الألباني من حديث عمر ( أن رسول الله S قال : ( مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ ثُمَّ قَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، اللهمَّ اجْعَلنِي مِنَ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلنِي مِنَ المُتَطَهِّرِينَ فُتِحَتْ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابِ الجَنَّةِ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ ) (284) .(34/140)
ومن الدعاء بالمقتضى قوله عز وجل : ? وَعَلَى الثَّلاثَةِ الذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ? [التوبة:118] ، وقوله تعالى : ? وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ? [البقرة:54] ، قوله : ? فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً ? [النصر:3] .
47- ( ( الحكيم :(34/141)
ورد دعاء المسألة بالاسم المطلق في قول الله تعالى : ? رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ? [الممتحنة:5] ، وقوله عز وجل : ? رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ التِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ? [غافر:8] ، وقوله : ? رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ? [البقرة:129] ، وقوله : ? وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ? [البقرة:260] ، وقوله تعالى عن الملائكة : ? قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ? [البقرة:32] ، وقوله تعالى عن نبيه يعقوب ( : ? قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ? [يوسف:83] .(34/142)
وعند مسلم من حديث عبد الله بن عمرو ( : ( أَنَّ النبي S تَلاَ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَل في إِبْرَاهِيمَ : ? رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ? [إبراهيم:36] ، وَقَالَ عِيسَى ( : ? إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ? [المائدة:118] ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ : اللهُمَّ أمتي أمتي ، وَبَكَى فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَل : يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ ، فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ َسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ S بِمَا قَالَ ، وَهُوَ أَعْلَمُ ، فَقَالَ اللهُ : يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ إِنَّا سَنُرْضِيكَ في أُمَّتِكَ وَلاَ نَسُوءُكَ ) (285)، وعنده من حديث مصعب بن سعد ( عن أبيه أنه قال : ( جَاءَ أعرابي إِلَى رَسُولِ اللهِ S فَقَالَ : عَلِّمْنِي كَلاَمًا أَقُولُهُ ، قَالَ : قُل لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالحَمْدُ لِلهِ كَثِيرًا سُبْحَانَ اللهِ رَبِّ العَالَمِينَ ، لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ ، قَالَ : فَهَؤُلاَءِ لِرَبِّي ، فَمَا لي ؟ قَالَ : قُلِ اللهُمَّ اغْفِرْ لي وارحمني وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي ) (286).
48- ( ( الغني :(34/143)
ورد دعاء المسألة بالاسم المطلق عند أبي داود وحسنه الألباني من حديث عائشة رضي الله عنها أَن النبي S قال : ( وَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ عَزَّ وَجَل أَنْ تَدْعُوهُ وَوَعَدَكُمْ أَنْ يَسْتَجِيبَ لكُمْ ، ثُمَّ قَال : الحَمْدُ لِلهِ رَبِّ العَالمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ ، لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ اللهُمَّ أَنْتَ اللهُ لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ الغَنِي وَنَحْنُ الفُقَرَاءُ أَنْزِل عَليْنَا الغَيْثَ وَاجْعَل مَا أَنْزَلتَ لنَا قُوَّةً وَبَلاَغًا إِلى حِينٍ ) (287) .(34/144)
ومن الدعاء بالوصف ما رواه أبو داود وصححه الألباني من حديث أبي هريرة ( أن النبي S كان يقول إذا أوى إلى فراشه : ( اللهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ وَرَبَّ الأَرْضِ وَرَبَّ كُلِّ شيء ، فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى ، مُنَزِّلَ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ ذِي شَرٍّ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ ، أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شيء ، وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شيء وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شيء ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شيء ، زَادَ وَهْبٌ في حَدِيثِهِ اقْضِ عَنِّي الدَّيْنَ وَأَغْنِنِي مِنَ الْفَقْرِ ) (288) ، وعند البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله S كان يقول : ( اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الكَسَلِ وَالهَرَمِ ، وَالمَأْثَمِ وَالمَغْرَمِ ، وَمِنْ فِتْنَةِ القَبْرِ وَعَذَابِ القَبْرِ ، وَمِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَعَذَابِ النَّارِ ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الغِنَى وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الفَقْرِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ ، اللهُمَّ اغْسِل عَنِّي خَطَايَاي بِمَاءِ الثَّلجِ وَالبَرَدِ ، وَنَقِّ قلبي مِنَ الخَطَايَا ، كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ ، وَبَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ ) (289) .
49- ( ( الكريم :(34/145)
دعاء المسألة بالاسم المطلق ورد عند الترمذي وصححه الألباني من حديث علي بن أبي طالب ( أن رسول الله S قال : ( أَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ إِذَا قُلتَهُنَّ غَفَرَ الله لَكَ وَإِنْ كُنْتَ مَغْفُورًا لَكَ ، قَالَ : قُل لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله العَلِي العَظِيمُ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله الحَلِيمُ الكَرِيمُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله سُبْحَانَ الله ربِّ السَّماوات السَّبْع وربِّ العَرشِ العَظِيمِ ، الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ ) (290) .
ومن الدعاء بالوصف ما رواه أبو داود وصححه الشيخ الألباني من حديث عمرو بن العاص ( أن النبي S كان إذا دخل المسجد قال : ( أَعُوذُ بِالله العَظِيمِ ، وَبِوَجْهِهِ الكَرِيمِ ، وَسُلطَانِهِ القَدِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ، فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ قَالَ الشَّيْطَانُ حُفِظَ مِنِّي سَائِرَ اليَوْم ) (291) ِ، وعند مسلم من حديث عوف بن مالك ( أنه قال : صلى رسول الله S على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول : ( اللهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ ، وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ ، وَنَقِّهِ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ ) (292) ِ.
50- ( ( الأحد :(34/146)
ورد دعاء المسألة بالاسم المطلق عند ابن ماجة وصححه الألباني من حديث بريدة بن الحصيب ( أنه قال : ( سَمِعَ النَّبِيُّ S رَجُلاً يَقُولُ : اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّكَ أَنْتَ اللهُ الأَحَدُ الصَّمَدُ الذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ لَقَدْ سَأَلَ اللهَ بِاسْمِهِ الأَعْظَمِ الذِي إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ ) (293) ، وعند ابن ماجة وحسنه الألباني من حديث ابن مسعود ( قال : ( كَانَ أَوَّلَ مَنْ أَظْهَرَ إِسْلاَمَهُ سَبْعَةٌ رَسُولُ اللهِ S وَأَبُو بَكْرٍ وَعَمَّارٌ وَأُمُّهُ سُمَيَّةُ وَصُهَيْبٌ وَبِلاَلٌ وَالْمِقْدَادُ ، فَأَمَّا رَسُولُ اللهِ S فَمَنَعَهُ اللهُ بِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ ، وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَمَنَعَهُ اللهُ بِقَوْمِهِ ، وَأَمَّا سَائِرُهُمْ فَأَخَذَهُمُ الْمُشْرِكُونَ وَأَلْبَسُوهُمْ أَدْرَاعَ الْحَدِيدِ وَصَهَرُوهُمْ في الشَّمْسِ ؛ فَمَا مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَقَدْ وَاتَاهُمْ عَلَى مَا أَرَادُوا إِلاَّ بِلاَلاً فَإِنَّهُ قَدْ هَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ في اللهِ ، وَهَانَ عَلَى قَوْمِهِ فَأَخَذُوهُ فَأَعْطَوْهُ الْوِلْدَانَ ؛ فَجَعَلُوا يَطُوفُونَ بِهِ في شِعَابِ مَكَّةَ وَهُوَ يَقُولُ : أَحَدٌ أَحَدٌ ) (294) .
ومن الدعاء بالوصف ما ورد عند أبي داود وصححه الألباني من حديث سعد بن أبي وقاص ( قال : ( مَرَّ عَلَىَّ النبي S وَأَنَا أَدْعُو بِأُصْبُعَيَّ فَقَالَ : أَحِّدْ أَحِّدْ ، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ ) (295) ، ومعنى أحد أحد ، أي أشر بواحدة ليوافق التوحيد المطلوب بالإشارة فهو تكرار للتأكيد في التوحيد ، فالنبي S يأمره أن يشر بأصبع واحدة لأن الذي يدعوه واحد سبحانه (296) .
51- ( ( الصمد :(34/147)
ورد دعاء المسألة بالاسم المطلق مقرونا باسم الله الأحد في غير موضع كحديث بريدة بن الحصيب ( الذي تقدم ، وهو دعاء مسألة لأنه أثنى على الله بذكر أسمائه في طلبه ودعائه ، وقد أقره النبي S ومدحه بذلك ، وعند النسائي وصححه الشيخ الألباني من حديث حنظلة بن علي ( أن محجن بن الأدرع حدثه : ( أَنَّ رَسُولَ اللهِ S دَخَلَ المَسْجِدَ إذَا رَجُلٌ قَدْ قَضَى صَلاَتَهُ وَهُوَ يَتَشَهَّدُ ، فَقَال َ: اللهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ يَا أَللهُ بِأَنَّكَ الوَاحِدُ الأَحَدُ الصَّمَدُ الذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي إنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ S : قَدْ غُفِرَ لَهُ ثَلاَثاً ) (297) .
52- ( ( القريب :
ورد الدعاء بالاسم المطلق في قوله تعالى : ? وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَليَسْتَجِيبُوا لِي وَليُؤْمِنُوا بِي لَعَلهُمْ يَرْشُدُونَ ? [البقرة:186] .
وورد الدعاء بالوصف عند أحمد وصححه الألباني من حديث ابن رفاعة الزرقي ( أن النبي S كان يدعو : ( اللهمَّ لاَ قَابِضَ لِمَا بَسَطْتَ ، وَلاَ بَاسِطَ لِمَا قَبَضْتَ ، وَلاَ هَادِي لِمَا أَضْلَلتَ وَلاَ مُضل لِمَنْ هَدَيْتَ ، وَلاَ مُعْطِي لِمَا مَنَعْتَ ، وَلاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلاَ مُقَرِّبَ لِمَا بَاعَدْتَ ، وَلاَ مُبَاعِدَ لِمَا قَرَّبْتَ ، وأعوذ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا أَعْطَيْتَنَا ، وَشَرِّ مَا مَنَعْتَ منا ) (298) .(34/148)
وعند مسلم من حديث أبي هريرة ( أن النبي S قال : ( اللهُمَّ إِنِّي أَتَّخِذُ عِنْدَكَ عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ ؛ فأي الْمُؤْمِنِينَ آذَيْتُهُ شَتَمْتُهُ لَعَنْتُهُ جَلَدْتُهُ فَاجْعَلْهَا لَهُ صَلاَةً وَزَكَاةً وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا إِلَيْك يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) (299) ، وروى الترمذي وصحح إسناده الألباني من حديث أنس ( أن رسول الله S قال : ( اللهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ : لِمَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : إِنَّهُمْ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ أَغْنِيَائِهِمْ بِأَرْبَعِينَ خَرِيفًا ، يَا عَائِشَةُ ، لاَ تَرُدِّي الْمِسْكِينَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ يَا عَائِشَةُ ، أَحِبِّي الْمَسَاكِينَ وَقَرِّبِيهِمْ فَإِنَّ اللهَ يُقَرِّبُكِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) (300) ، وروى الترمذي وصححه الألباني من حديث معاذ بن جبل ( أن رسول الله S قال : ( اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ ، وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ ، وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ ، وَأَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي ، وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةَ قَوْمٍ فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ ، أَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ ، وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلَى حُبِّكَ ، قَالَ رَسُولُ اللهِ S : إِنَّهَا حَقٌّ فَادْرُسُوهَا ثُمَّ تَعَلمُوهَا ) (301) ، وروى الطبراني وصححه الألباني من حديث أبي وائل ( عن أبي نحيلة ( رجل من أصحاب النبي S رمى بسهم فقيل له : ( انزعه فقال : اللهم انقص من الوجع ولا تنقص من الأجر فقيل له : ادع ، فقال : اللهم اجعلني من المقربين ، واجعل أمي من الحور العين ) (302) .(34/149)
وروى ابن ماجه وصححه الألباني من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله S علمها أن تقول : ( اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ ، اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَاذَ بِهِ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ كُل قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ لِي خَيْرًا ) (303) .
53- ( ( المجيب :(34/150)
ورد دعاء المسألة بالاسم المطلق في قوله تعالى : ? وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ ? [الصافات:75] ، وورد الدعاء بالوصف في قوله سبحانه : ? أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ ? [النمل:62] ، وقوله تعالى : ? رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ? [آل عمران:193/195] ، وقوله : ? إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ ? [الأنفال:9] ، وقوله تعالى : ? فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ? [يوسف:34] ، وقال : ? وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الذِينَ لا يَعْلَمُونَ ? [يونس:89] ، وقال تعالى : ? وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَليَسْتَجِيبُوا لِي وَليُؤْمِنُوا بِي لَعَلهُمْ يَرْشُدُونَ ?(34/151)
[البقرة:186] .
وروى البخاري من حديث عبادة بن الصامت ( أنِ النبي S قال : ( مَنْ تَعَارَّ مِنَ الليْلِ فَقَالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ المُلكُ ، وَلَهُ الحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ؛ الحَمْدُ للهِ ، وَسُبْحَانَ الله ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ الله ، وَالله أَكْبَرُ ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِالله ثُمَّ قَالَ ، اللهمَّ اغْفِرْ لِي ، أَوْ دَعَا اسْتُجِيبَ ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلى قُبِلَتْ صَلاَتُهُ ) (304) ، وعنده أيضا من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُل لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ الليْلِ الآخِرُ يَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ ) (305) ، وروى أبو داود وحسنه الألباني من حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : ( شكى النَّاسُ إِلَى رَسُولِ الله S قُحُوطَ المَطَرِ فَأَمَرَ بِمِنْبَرٍ فَوُضِعَ لَهُ فِي المُصَلى وَوَعَدَ النَّاسَ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ قَالَتْ عَائِشَةُ : فَخَرَجَ رَسُولُ الله S حِينَ بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ فَقَعَدَ عَلَى المِنْبَرِ فَكَبَّرَ S وَحَمِدَ الله عَزَّ وَجَل ثُمَّ قَالَ : إِنَّكُمْ شَكَوْتُمْ جَدْبَ دِيَارِكُمْ وَاسْتِئْخَارَ المَطَرِ عَنْ إِبَّانِ زَمَانِهِ عَنْكُمْ وَقَدْ أَمَرَكُمُ الله عَزَّ وَجَل أَنْ تَدْعُوهُ وَوَعَدَكُمْ أَنْ يَسْتَجِيبَ لَكُمْ ) (306) ، وروى الترمذي وصححه الألباني من حديث سعد ( أن رسول الله S قال : ( اللهمَّ اسْتَجِبْ لِسَعْدٍ إِذَا دَعَاكَ ) (307) .(34/152)
وعند الطبراني في الكبير أنه قيل لسعد بن أبي وقاص ( متى أصبت الدعوة قال ثم يوم بدر كنت أرمي بين يدي النبي S فأضع السهم في كبد القوس أقول : اللهم زلزل أقدامهم ، وأرعب قلوبهم ، وافعل بهم وافعل ؛ فيقول النبي S : ( اللهم استجب لسعد ) (308) ، وروى الترمذي وصححه الألباني من حديث أبي هريرة ( أن النبي S قال : ( ادْعُوا الله وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الله لاَ يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلبٍ غَافِلٍ لاَهٍ ) (309) ، وعند أحمد وحسنه الألباني من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله S قَالَ : ( القُلُوبُ أَوْعِيَةٌ وَبَعْضُهَا أَوْعَى مِنْ بَعْضٍ ؛ فَإِذَا سَأَلتُمُ الله عَزَّ وَجَل أَيُّهَا النَّاسُ فَاسْأَلُوهُ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ ؛ فَإِنَّ الله لاَ يَسْتَجِيبُ لِعَبْدٍ دَعَاهُ عَنْ ظَهْرِ قَلبٍ غَافِلٍ ) (310) .
وعند مسلم من حديث زيد بن الأرقم ( أن رسول الله S قال : ( اللهمَّ إني أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ وَالْهَرَمِ ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ اللهمَّ آتِ نفسي تَقْوَاهَا ، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا ، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاَهَا ، اللهمَّ إني أَعُوذُ بِكَ مِنْ قَلْبٍ لاَ يَخْشَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لاَ تَشْبَعُ وَعِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ وَدَعْوَةٍ لاَ يُسْتَجَابُ لَهَا ) (311) ، وعند البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني من حديث عمر بن الخطاب ( أنه قام يدعو عام الرمادة فقال : (اللهم اجعل رزقهم على رؤوس الجبال ؛ فاستجاب الله له وللمسلمين فقال حين نزل به الغيث : الحمد لله ، فوالله لو أن الله لم يفرجها ما تركت أهل بيت من المسلمين لهم سعة إلا أدخلت معهم أعدادهم من الفقراء ، فلم يكن اثنان يهلكان من الطعام على ما يقيم واحدا ) (312) .
54- ( ( الغفور :(34/153)
ورد الدعاء بالاسم المطلق قوله تعالى عن موسى ( : ? قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ? [القصص:16] ، وقول الله عز وجل عن امرأة العزيز : ? وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ? [يوسف:53] ، وقوله تعالى عن إبراهيم ( : ? رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ? [إبراهيم:36] ، وقوله : ? قُلْ يَا عِبَادِيَ الذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم ُ? [الزمر:53] ، وقوله تعالى : ? وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً ? [النساء:110] ، قوله تعالى عن يعقوب ( : ? قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ? [يوسف:98] .(34/154)
ومما ورد في السنة من الدعاء بالاسم المطلق ما رواه البخاري من حديث أبي بكرٍ الصديق ( أنه قال للنبي S : ( عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاَتِي ، قَالَ : قُلِ اللهمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (313) ، وروى أبو داود وصححه الألباني من حديث واثلة بن الأسقع ( أن النبي S قال : ( اللهُمَّ إِنَّ فُلاَنَ بْنَ فُلاَنٍ فِي ذِمَّتِكَ وَحَبْلِ جِوَارِكَ ، فَقِهِ مِنْ فِتْنَةِ القَبْرِ وَعَذَابِ النَّارِ ، وَأَنْتَ أَهْلُ الوَفَاءِ وَالحَمْدِ ، اللهُمَّ فَاغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (314) .(34/155)
ومما ورد من الدعاء بالوصف الذي تضمنه الاسم ما رواه مسلم من حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت : ( دَخَلَ رَسُولُ اللهِ S عَلَى أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ فَأَغْمَضَهُ ثُمَّ قَالَ : إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ ، فَضَجَّ نَاسٌ مِنْ أَهْلِهِ فَقَالَ : لاَ تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ بِخَيْرٍ فَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ ، ثُمَّ قَالَ : اللهُمَّ اغْفِرْ لأَبِى سَلَمَةَ وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمَهْدِيِّينَ وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الْغَابِرِينَ وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ ، وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ ) (315) ، وعند البخاري من حديث أبي هريرة ( أن النبي S ٌقال : ( اللهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ ، قَالُوا : وَلِلْمُقَصِّرِينَ ، قَالَ : اللهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ قَالُوا : وَلِلْمُقَصِّرِينَ ، قَالَهَا ثَلاَثًا ، قَالَ : وَلِلْمُقَصِّرِينَ ) (316) ، وروى أبو داود وصححه الألباني من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قال ( الإِمَامُ ضَامِنٌ وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ اللهُمَّ أَرْشِدِ الأَئِمَّةَ وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ ) (317) .(34/156)
وعند البخاري من حديث زيد بن أرقم أنه سمع رسول الله S قال : ( اللهُمَّ اغْفِرْ لِلأَنْصَارِ وَلأَبْنَاءِ الأَنْصَارِ ، وَشَكَّ ابْنُ الْفَضْلِ فِي أَبْنَاءِ أَبْنَاءِ الأَنْصَارِ ) (318) ، وعند مسلم من حديث أنس ( أن النبي S قال : ( اللهُمَّ اغْفِرْ لِلأَنْصَارِ وَلأَبْنَاءِ الأَنْصَارِ وَأَبْنَاءِ أَبْنَاءِ الأَنْصَارِ ) (319) ، وعنده أيضا من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : (كَانَ رَسُولُ اللهِ S كُلمَا كَانَ لَيْلَتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ S يَخْرُجُ مِنْ آخِرِ الليْلِ إِلَى الْبَقِيعِ فَيَقُولُ : السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَأَتَاكُمْ مَا تُوعَدُونَ غَدًا مُؤَجَّلُونَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لاَحِقُونَ اللهُمَّ اغْفِرْ لأَهْلِ بَقِيعِ الْغَرْقَدِ ) (320) ، وعند البخاري ومسلم من حديث ابن مسعود ( قال : كأني أنظر إلى رسول الله S : ( يَحْكِى نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فَأَدْمَوْهُ ، وَهْوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ ، وَيَقُولُ : اللهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ) (321).
55- ( ( الودود :(34/157)
لم يرد الدعاء بالاسم أو الوصف إلا في روايات ضعيفة كالتي وردت عند الترمذي وابن خزيمة من حديث ابن عباس ( مرفوعا : ( اللهُمَّ ذَا الحَبْلِ الشَّدِيدِ وَالأَمْرِ الرَّشِيدِ ، أَسْأَلُكَ الأَمْنَ يَوْمَ الوَعِيدِ ، وَالجَنَّةَ يَوْمَ الخُلُودِ ، مَعَ المُقَرَّبِينَ الشُّهُودِ ، الرُّكَّعِ السُّجُودِ المُوفِينَ بِالعُهُودِ ، إِنَّكَ رَحِيمٌ وَدُودٌ ، وَأَنْتَ تَفْعَلُ مَا تُرِيدُ ) (322) ، ويمكن الدعاء بمعنى الاسم فالودود هو المحبوب الذي يستحق أن يحب ، وأن يكون أحب إلى العبد من سمعه وبصره وجميع محبوباته ، ومما ورد في ذلك ما رواه الترمذي وصححه الألباني من حديث معاذ ( أن رسول الله S قال : ( اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ ، وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ ، وَأَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي ، وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةَ قَوْمٍ فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ ، أَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ ، وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلَى حُبِّكَ ، قَالَ رَسُولُ اللهِ S : إِنَّهَا حَقٌّ فَادْرُسُوهَا ثُمَّ تَعَلمُوهَا ) (323) .
ومن دعاء أبى معلق الأنصاري ( وكان قد تعرض للهلاك على يد سارق فنجاه الله : ( يا ودود ، يا ذا العرش المجيد ، يا فعالا لما يريد ، أسألك بعزتك التي لا ترام وملكك الذي لا يضام ، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك أن تكفيني شر هذا اللص ) (324) .
56- ( ( الولي :(34/158)
ورد دعاء المسألة بالاسم المقيد بالإضافة في قوله تعالى عن يوسف (: ? رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ المُلكِ وَعَلمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ? [يوسف:101] ومن حديث أنس بن مالك ( أن رسول الله S كان يقول ( يا ولي الإسلام وأهله ثبتني حتى ألقاك ) (325) ، وفي رواية أخرى عنه كان من دعاء رسول الله S : ( يا ولي الإسلام وأهلِه مسكني بالإسلام حتى ألقاك عليه ) (326) .
وعند أحمد وضعفه الألباني من حديث أَبِي الدرداء ( عن زيد بن ثابت ( أن رسول الله S علمه دعاء وأمره أن يتعاهد به أهله كل يوم فكان منه : ( اللهمَّ وَمَا صَليْتُ مِنْ صَلاَةٍ فَعَلَى مَنْ صَليْتُ ، وَمَا لَعَنْتُ مِنْ لَعْنَةٍ فَعَلَى مَنْ لَعَنْتُ ، إِنَّكَ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ) (327) .
57- ( ( الحميد :
ورد دعاء المسألة بالاسم المطلق عند البخاري من حديث كعب بن عجرة ( أنه قَالَ : ( سَأَلْنَا رَسُولَ اللهِ S فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللهِ ، كَيْفَ الصَّلاَةُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ فَإِنَّ اللهَ قَدْ عَلمَنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ ؟ قَالَ : قُولُوا : اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَليْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ) (328) .(34/159)
ومن الدعاء بالوصف ما ورد عند البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت : كان النبي S يقول في ركوعه وسجوده : ( سُبْحَانَكَ اللهمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللهمَّ اغْفِرْ لِي ) (329) ، وعند مسلم من حديث عمر ( أنه كان يجهر بهؤلاء الكلمات : ( سُبْحَانَكَ اللهمَّ وَبِحَمْدِكَ تَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلاَ إِلَهَ غَيْرُك ) (330) .
وروى البخاري من حديث عبد الله بن عباس ( قال : كان النبي S إذا قام من الليل يتهجد قال : ( اللهمَّ لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ ، وَلَكَ الحَمْدُ لَكَ مُلكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ الحَقُّ ، وَوَعْدُكَ الحَقُّ ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ ، وَالنَّارُ حَقٌّ وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ ، وَمُحَمَّدٌ S حَقٌّ ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ ، اللهمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ ، وَبِكَ آمَنْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلتُ ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ ، وَبِكَ خَاصَمْتُ ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ ، أَنْتَ المُقَدِّمُ وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ ) (331) ، وعند الترمذي وصححه الألباني من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ فَكَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ : سُبْحَانَكَ اللهمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ ، إِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ ) (332) .
58- ( ( الحفيظ :(34/160)
ورد دعاء المسألة بالوصف في قوله تعالى : ? قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ? [يوسف:64] ، وعند البخاري من حديث أبي هريرة ( أن النبي قال : ( إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ فَلْيَنْفُضْ فِرَاشَهُ بِدَاخِلَةِ إِزَارِهِ ، فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ : بِاسْمِكَ رَبِّ وَضَعْتُ جَنْبِي ، وَبِكَ أَرْفَعُهُ ، إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا ، وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ الصَّالِحِينَ ) (333) .(34/161)
وورد عند مسلم حديث يشمل نوعي الدعاء ، دعاء المسألة ودعاء العبادة فمن حديث أَبِي قتادة ( أنه قال : ( خَطَبَنَا رَسُولُ الله S فَقَالَ : إِنَّكُمْ تَسِيرُونَ عَشِيَّتَكُمْ وَلَيْلَتَكُمْ وَتَأْتُونَ المَاءَ إِنْ شَاءَ الله غَدًا ، فَانْطَلَقَ النَّاسُ لاَ يَلوِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ ، قَالَ أَبُو قَتَادَةَ : فَبَيْنَمَا رَسُولُ الله S يَسِيرُ حَتَّى ابْهَارَّ الليْلُ وَأَنَا إِلَى جَنْبِهِ ، قَال َ: فَنَعَسَ رَسُولُ الله S ، فَمَالَ عَنْ رَاحِلَتِهِ ، فَأَتَيْتُهُ فَدَعَمْتُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ أُوقِظَهُ ، حَتَّى اعْتَدَلَ عَلَى رَاحِلَتِهِ قَالَ : ثُمَّ سَارَ حَتَّى تَهَوَّرَ الليْلُ مَالَ عَنْ رَاحِلَتِهِ ، قَالَ : فَدَعَمْتُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ أُوقِظَهُ ، حَتَّى اعْتَدَلَ عَلَى رَاحِلَتِهِ ، قَالَ : ثُمَّ سَارَ حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ السَّحَرِ مَالَ مَيْلَةً هِيَ أَشَدُّ مِنَ المَيْلَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ ، حَتَّى كَادَ يَنْجَفِلُ ، فَأَتَيْتُهُ فَدَعَمْتُهُ ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ ، فَقَالَ : مَنْ هَذَا ؟ قُلتُ : أَبُو قَتَادَةَ ، قَالَ : مَتَى كَانَ هَذَا مَسِيرَكَ مِنِّي ؟ قُلتُ : مَا زَالَ هَذَا مَسِيرِي مُنْذُ الليْلَةِ ، قَالَ : حَفِظَكَ الله بِمَا حَفِظْتَ بِهِ نَبِيَّهُ ، ثُمَّ قَالَ : هَل تَرَانَا نَخْفَى عَلَى النَّاسِ ؟ ، ثُمَّ قَالَ : هَل تَرَى مِنْ أَحَدٍ ؟ قُلتُ : هَذَا رَاكِبٌ ، ثُمَّ قُلتُ : هَذَا رَاكِبٌ آخَرُ ، حَتَّى اجْتَمَعْنَا فَكُنَّا سَبْعَةَ رَكْبٍ ، قَالَ : فَمَالَ رَسُولُ الله S عَنِ الطَّرِيقِ فَوَضَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ احْفَظُوا عَلَيْنَا صَلاَتَنَا ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ رَسُولُ الله S وَالشَّمْسُ فِي ظَهْرِهِ ، قَالَ : فَقُمْنَا فَزِعِينَ ، ثُمَّ قَالَ : ارْكَبُوا ، فَرَكِبْنَا فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ(34/162)
نَزَلَ ، ثُمَّ دَعَا بِمِيضَأَةٍ كَانَتْ مَعِي فِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ ، قَالَ فَتَوَضَّأَ مِنْهَا وُضُوءًا دُونَ وُضُوءٍ ، قَالَ : وَبَقِىَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ ، ثُمَّ قَالَ لأَبِي قَتَادَةَ : احْفَظْ عَلَيْنَا مِيضَأَتَكَ فَسَيَكُونُ لَهَا نَبَأٌ ، ثُمَّ أَذَّنَ بِلاَلٌ بِالصَّلاَةِ فَصَلى رَسُولُ الله S رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ صَلى الغَدَاةَ فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُل يَوْمٍ قَالَ : وَرَكِبَ رَسُولُ الله S وَرَكِبْنَا مَعَهُ ، قَالَ : فَجَعَلَ بَعْضُنَا يَهْمِسُ إِلَى بَعْضٍ : مَا كَفَّارَةُ مَا صَنَعْنَا بِتَفْرِيطِنَا فِي صَلاَتِنَا ؟ ثُمَّ قَالَ : أَمَا لَكُمْ فِيَّ أُسْوَةٌ ؟ ثُمَّ قَالَ : أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ ، إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلاَةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلاَةِ الأُخْرَى - فينام - فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَليُصَلِّهَا حِينَ يَنْتَبِهُ لَهَا ، فَإِذَا كَانَ الغَدُ فَليُصَلِّهَا عِنْدَ وَقْتِهَا ، ثُمَّ قَالَ : مَا تَرَوْنَ النَّاسَ صَنَعُوا ؟ .. قَالَ : فَانْتَهَيْنَا إِلَى النَّاسِ حِينَ امْتَدَّ النَّهَارُ وَحَمِي كُلُّ شَيْءٍ ، وَهُمْ يَقُولُونَ : يَا رَسُولَ الله هَلَكْنَا عَطِشْنَا ، فَقَالَ : لاَ هُلكَ عَلَيْكُمْ ، ثُمَّ قَالَ أَطْلِقُوا لِي غُمَرِي - هو القدح الصغير- قَالَ : وَدَعَا بِالمِيضَأَةِ فَجَعَلَ رَسُولُ الله S يَصُبُّ وَأَبُو قَتَادَةَ يَسْقِيهِمْ ، فَلَمْ يَعْدُ أَنْ رَأَى النَّاسُ مَاءً فِي المِيضَأَةِ تَكَابُّوا عَلَيْهَا ، فَقَالَ رَسُولُ الله S أَحْسِنُوا المَلأَ كُلُّكُمْ سَيَرْوَى ، قَالَ : فَفَعَلُوا فَجَعَلَ رَسُولُ الله S يَصُبُّ ، وَأَسْقِيهِمْ حَتَّى مَا بَقِىَ غَيْرِي وَغَيْرُ رَسُولِ الله S ، قَالَ : ثُمَّ صَبَّ رَسُولُ الله S فَقَالَ لِي اشْرَبْ : فَقُلتُ لاَ(34/163)
أَشْرَبُ حَتَّى تَشْرَبَ يَا رَسُولَ الله ، قَالَ : إِنَّ سَاقِيَ القَوْمِ آخِرُهُمْ شُرْبًا ، قَالَ : فَشَرِبْتُ وَشَرِبَ رَسُولُ الله S ، قَالَ : فَأَتَى النَّاسُ المَاءَ جَامِّينَ رِوَاءً ) (334) .
وروى الحاكم وصححه الشيخ الألباني من حديث ابن مسعود ( أن رسول الله S كان يدعو : ( اللهم احفظني بالإسلام قائما ، واحفظني بالإسلام قاعدا ، واحفظني بالإسلام راقدا ولا تشمت بي عدوا حاسدا ، اللهم إني أسألك من كل خير خزائنه بيدك وأعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك ) (335) ، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث عبد الله بن عمر ( أنه قال : ( لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ S يَدَعُ هَؤُلاَءِ الدَّعَوَاتِ حِينَ يُمْسِي وَحِينَ يُصْبِحُ : اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ العَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَاي وَأَهْلِي وَمَالِي ، اللهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَتِي ، أو عَوْرَاتِي ، وَآمِنْ رَوْعَاتِي ، اللهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَي وَمِنْ خَلفِي ، وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي ) (336) .
59- ( ( المجيد :(34/164)
ورد دعاء المسألة بالاسم المطلق في حديث كعب بن عجرة ( عند البخاري والذي تقدم ذكره في اسم الله الحميد (337) ، ومن الدعاء بالوصف ما رواه مسلم من حديث أبي هريرة ( أن النبي S قال : ( مَنْ صَلى صَلاَةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ القُرْآنِ فَهْيَ خِدَاجٌ ، ثَلاَثًا ، غَيْرُ تَمَامٍ ، فَقِيلَ لأَبِي هُرَيْرَةَ : إِنَّا نَكُونُ وَرَاءَ الإِمَامِ ، فَقَالَ : اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله S يَقُولُ : قَالَ الله تَعَالَى : قَسَمْتُ الصَّلاَةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ ، فَإِذَا قَالَ العَبْدُ : ? الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ ? قَالَ الله تَعَالَى : حَمِدَنِي عَبْدِي ، وَإِذَا قَالَ : ? الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ? قَالَ الله تَعَالَى : أَثْنَى عَلَي عَبْدِي وَإِذَا قَالَ : ? مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ? ، قَالَ : مَجَّدَنِي عَبْدِي ، وَقَالَ مَرَّةً : فَوَّضَ إِلَي عَبْدِي فَإِذَا قَالَ : ? إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ? ، قَالَ : هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ فَإِذَا قَالَ : ? اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ? ، قَالَ : هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ ) (338) .(34/165)
وروى أبو داود وصححه الألباني من حديث أَبِي سعيد الخدري ( قال : كان رسول الله S إذا قام من الليل كبر ثم يقول : ( سُبْحَانَكَ اللهمَّ وَبِحَمْدِكَ وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلاَ إِلَهَ غَيْرُكَ ، ثُمَّ يَقُولُ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله ثَلاَثًا ، ثُمَّ يَقُولُ : الله أَكْبَرُ كَبِيرًا ، ثَلاَثًا ، أَعُوذُ بِالله السَّمِيعِ العَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ ) (339) ، وعند مسلم من حديث أبي سعيد الخدري ( أن رسول الله S كان إذا رفع رأسه من الركوع قال : ( رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ ، مِلءَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ، وَمِلءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالمَجْدِ ، أَحَقُّ مَا قَالَ العَبْدُ ، وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ ، اللهمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ ، وَلاَ مُعْطِي لِمَا مَنَعْتَ ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ ) (340).
60- ( ( الفتاح :(34/166)
ورد دعاء المسألة بالوصف في قوله تعالى عن نوح ( : ? قَالُوا لَئِن لمْ تَنتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ المَرْجُومِينَ قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَن مَّعِي مِنَ المُؤْمِنِينَ فَأَنجَيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الفُلكِ المَشْحُونِ ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ البَاقِينَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ? [الشعراء:118] ، وقال تعالى عن شعيب ( وقومه : ? قَالَ المَلأُ الذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي ملتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى الله كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي ملتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا الله مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلا أَنْ يَشَاءَ الله رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُل شَيْءٍ عِلماً عَلَى الله تَوَكَّلنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الفَاتِحِينَ ? [الأعراف:89] .(34/167)
وعند مسلم من حديث أبي حميد ( أن رسول الله S قال : ( إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيَقُلِ : اللهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ ، وَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلِ اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ ) (341) ، وروى أيضا من حديث عبد الله ( قال : ( إِنَّا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فِي الْمَسْجِدِ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ : لَوْ أَنَّ رَجُلاً وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلاً فَتَكَلمَ جَلَدْتُمُوهُ أَوْ قَتَلَ قَتَلْتُمُوهُ ، وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى غَيْظٍ ، وَاللهِ لأَسْأَلَنَّ عَنْهُ رَسُولَ اللهِ S ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَى رَسُولَ اللهِ S فَسَأَلَهُ فَقَالَ : لَوْ أَنَّ رَجُلاً وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلاً فَتَكَلمَ جَلَدْتُمُوهُ أَوْ قَتَلَ قَتَلْتُمُوهُ أَوْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى غَيْظٍ ، فَقَالَ : اللهُمَّ افْتَحْ ، وَجَعَلَ يَدْعُو فَنَزَلَتْ آيَةُ اللِّعَانِ ? وَالذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ ? هَذِهِ الآيَاتُ ؛ فَابْتُلِىَ بِهِ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ ، فَجَاءَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ S فَتَلاَعَنَا ؛ فَشَهِدَ الرَّجُلُ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ، ثُمَّ لَعَنَ الْخَامِسَةَ أَنَّ لَعْنَةَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ، فَذَهَبَتْ لِتَلْعَنَ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ S : مَهْ ، فَأَبَتْ فَلَعَنَتْ فَلَمَّا أَدْبَرَا قَالَ : لَعَلهَا أَنْ تَجِىءَ بِهِ أَسْوَدَ جَعْدًا ، فَجَاءَتْ بِهِ أَسْوَدَ جَعْدًا ) (342).
61- ( ( الشهيد :(34/168)
ورد الدعاء بالوصف في قوله تعالى عن عيسى ( وأتباعه من الحواريين : ? فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى الله قَالَ الحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ الله آمَنَّا بِالله وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ? [آل عمران:52] ، وقال تعالى : ? وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُون َ? [المائدة:111] ، وعند الحاكم وصححه الألباني من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( مَنْ قَالَ : اللهمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ وَأُشْهِدُ مَلاَئِكَتَكَ وحَمَلَةَ عَرْشِكَ ، وأشهد من في السماوات ومن في الأرض أَنَّكَ أَنْتَ الله لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ ، وحدك لا شريك لك ، وأشهد أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ من قالها مرة اعتق الله ثلثه من النار ، ومن قالها مرتين أعتق الله ثلثيه من النار ، ومن قالها ثلاثا أعتق الله كله من النار ) (343) ، وروى أبو داود وصححه الألباني من حديث سليمان بن عمرو عن أبيه ( قال : سمعت رسول الله S في حجة الوداع يقول : ( أَلاَ إِنَّ كُل رِبًا مِنْ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ ، لَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ ، أَلاَ وَإِنَّ كُل دَمٍ مِنْ دَمِ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ ، وَأَوَّلُ دَمٍ أَضَعُ مِنْهَا دَمُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، كَانَ مُسْتَرْضَعًا فِي بَنِي لَيْثٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ ، قَالَ : اللهُمَّ هَلْ بَلغْتُ ، قَالُوا : نَعَمْ ، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ قَالَ : اللهُمَّ اشْهَدْ ، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ) (344) .(34/169)
وروى النسائي وصححه الألباني من حديث الأحنف بن قيس ( قال : ( خَرَجْنَا حُجَّاجًا فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَنَحْنُ نُرِيدُ الْحَجَّ ؛ فَبَيْنَا نَحْنُ فِي مَنَازِلِنَا نَضَعُ رِحَالَنَا إِذْ أَتَانَا آتٍ فَقَالَ : إِنَّ النَّاسَ قَدِ اجْتَمَعُوا فِي الْمَسْجِدِ وَفَزِعُوا ، فَانْطَلَقْنَا فَإِذَا النَّاسُ مُجْتَمِعُونَ عَلَى نَفَرٍ فِي وَسَطِ الْمَسْجِدِ ، وَإِذَا عَلِي وَالزُّبَيْرُ وَطَلْحَةُ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ ، فَإِنَّا لَكَذَلِكَ إِذْ جَاءَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ عَلَيْهِ مُلاَءَةٌ صَفْرَاءُ ، قَدْ قَنَّعَ بِهَا رَأْسَهُ فَقَالَ : أَهَا هُنَا عَلِي ، أَهَا هُنَا طَلْحَةُ أَهَا هُنَا الزُّبَيْرُ ، أَهَا هُنَا سَعْدٌ ؟ قَالُوا : نَعَمْ قَالَ : فَإِنِّي أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ الذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ S قَالَ : مَنْ يَبْتَاعُ مِرْبَدَ بَنِي فُلاَنٍ غَفَرَ اللهُ لَهُ ، فَابْتَعْتُهُ بِعِشْرِينَ أَلْفًا أَوْ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ أَلْفًا ؛ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ S فَأَخْبَرْتُهُ ، فَقَالَ : اجْعَلْهَا فِي مَسْجِدِنَا وَأَجْرُهُ لَكَ ، قَالُوا : اللهُمَّ نَعَمْ ، قَالَ : فَأَنْشُدُكُمْ بِاللهِ الذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ S قَالَ : مَنْ يَبْتَاعُ بِئْرَ رُومَةَ غَفَرَ اللهُ لَهُ ، فَابْتَعْتُهُ بِكَذَا وَكَذَا ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ S فَقُلْتُ : قَدِ ابْتَعْتُهَا بِكَذَا وَكَذَا ؟ قَالَ : اجْعَلْهَا سِقَايَةً لِلْمُسْلِمِينَ وَأَجْرُهَا لَكَ ، قَالُوا : اللهُمَّ نَعَمْ ، قَالَ : فَأَنْشُدُكُمْ بِاللهِ الذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ S نَظَرَ فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ فَقَالَ : مَنْ جَهَّزَ هَؤُلاَءِ اللهُ غَفَرَ لَهُ ، يَعْنِي جَيْشَ الْعُسْرَةِ ، فَجَهَّزْتُهُمْ(34/170)
حَتَّى مَا يَفْقِدُونَ عِقَالاً وَلاَ خِطَامًا ؟ ، قَالُوا : اللهُمَّ نَعَمْ ، قَالَ : اللهُمَّ اشْهَدِ ، اللهُمَّ اشْهَدْ ) (345) .
62- ( ( المقدم :
ورد الدعاء بالاسم المطلق عند مسلم من حديث علي ( أنه قال : كان رسول الله S إذا سجد قال : ( اللهمَّ لَكَ سَجَدْتُ ، وَبِكَ آمَنْتُ ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ ، سَجَدَ وَجْهِي للذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ فَأَحْسَنَ صُورَتَهُ ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخَالِقِينَ ، وَإِذَا سَلمَ مِنَ الصَّلاَةِ قَالَ : اللهمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أَسْرَفْتُ ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي أَنْتَ المُقَدِّمُ وَالمُؤَخِّرُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ ) (346) .(34/171)
ومما ورد من الدعاء بالوصف ما رواه البخاري من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( ثُمَّ يَفْرُغُ اللهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ ، وَيَبْقَى رَجُلٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَهْوَ آخِرُ أَهْلِ النَّارِ دُخُولاً الْجَنَّةَ ، مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ قِبَلَ النَّارِ فَيَقُولُ : يَا رَبِّ اصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا ، وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا ؟ فَيَقُولُ : هَلْ عَسَيْتَ إِنْ فُعِلَ ذَلِكَ بِكَ أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَ ذَلِكَ ؟ فَيَقُولُ : لاَ وَعِزَّتِكَ ؛ فَيُعْطِي اللهَ مَا يَشَاءُ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ فَيَصْرِفُ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ ، فَإِذَا أَقْبَلَ بِهِ عَلَى الْجَنَّةِ رَأَى بَهْجَتَهَا سَكَتَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَسْكُتَ ، ثُمَّ قَالَ : يَا رَبِّ قَدِّمْنِي عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ ، فَيَقُولُ اللهُ لَهُ : أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ الْعُهُودَ وَالْمَوَاثِيقَ أَنْ لاَ تَسْأَلَ غَيْرَ الذِي كُنْتَ سَأَلْتَ ؟ فَيَقُولُ : يَا رَبِّ لاَ أَكُونُ أَشْقَى خَلْقِكَ ، فَيَقُولُ : فَمَا عَسَيْتَ إِنْ أُعْطِيتَ ذَلِكَ أَنْ لاَ تَسْأَلَ غَيْرَهُ ؟ فَيَقُولُ : لاَ وَعِزَّتِكَ لاَ أَسْأَلُ غَيْرَ ذَلِكَ ، فَيُعْطِي رَبَّهُ مَا شَاءَ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ ، فَيُقَدِّمُهُ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ ، فَإِذَا بَلَغَ بَابَهَا ، فَرَأَى زَهْرَتَهَا وَمَا فِيهَا مِنَ النَّضْرَةِ وَالسُّرُورِ فَيَسْكُتُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَسْكُتَ فَيَقُولُ : يَا رَبِّ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ ، فَيَقُولُ اللهُ : وَيْحَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ ، أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ أَنْ لاَ تَسْأَلَ غَيْرَ الذِي أُعْطِيتَ ؟ فَيَقُولُ : يَا رَبِّ لاَ تَجْعَلْنِي أَشْقَى خَلْقِكَ ، فَيَضْحَكُ اللهُ عَزَّ وَجَل مِنْهُ ، ثُمَّ يَأْذَنُ لَهُ فِي دُخُولِ(34/172)
الْجَنَّةِ فَيَقُولُ : تَمَنَّ فَيَتَمَنَّى حَتَّى إِذَا انْقَطَعَتْ أُمْنِيَّتُهُ ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَل : تَمَنَّ كَذَا وَكَذَا ، أَقْبَلَ يُذَكِّرُهُ رَبُّهُ حَتَّى إِذَا انْتَهَتْ بِهِ الأَمَانِي ، قَالَ اللهُ تَعَالَى : لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ ) (347) .
ومن الدعاء بالمعنى ما رواه البخاري من حديث أنس بن مالك ( قال : ( كَانَ رَسُولُ اللهِ S يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ ، فَتُطْعِمُهُ ، وَكَانَتْ أُمُّ حَرَامٍ تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ S فَأَطْعَمَتْهُ وَجَعَلَتْ تَفْلِي رَأْسَهُ ، فَنَامَ رَسُولُ اللهِ S ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ ، قَالَتْ : فَقُلْتُ وَمَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَي ، غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللهِ ، يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا الْبَحْرِ ، مُلُوكًا عَلَى الأَسِرَّةِ ، أَوْ مِثْلُ الْمُلُوكِ عَلَى الأَسِرَّةِ - شَكَّ إِسْحَاقُ - قَالَتْ : فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ ، فَدَعَا لَهَا رَسُولُ اللهِ S ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ ، فَقُلْتُ وَمَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَي غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللهِ ، كَمَا قَالَ فِي الأَوَّلِ ، قَالَتْ : فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ ، ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ ، قَالَ : أَنْتِ مِنَ الأَوَّلِينَ ، فَرَكِبَتِ الْبَحْرَ فِي زَمَانِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ ، فَصُرِعَتْ عَنْ دَابَّتِهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنَ الْبَحْرِ فَهَلَكَتْ ) (348) .
63- ( ( المؤخر :(34/173)
ورد دعاء المسألة بالاسم المطلق عند البخاري من حديث علي الذي تقدم في اسم الله المقدم (349) ، وعنده أيضا من حديث أبي موسى الأشعري ( أن النبي S كان يدعو بهذا الدعاء : ( رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي ، وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي كُلِّهِ ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي ، اللهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطَايَاي وَعَمْدِي ، وَجَهْلِي وَهَزْلِي ، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي ، اللهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ ، وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ ) (350) .
وروى مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ( قُلْتُ : كَيْفَ أَقُولُ لَهُمْ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : قُولِي : السَّلاَمُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَيَرْحَمُ اللهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَلاَحِقُونَ ) (351) .
64- ( ( المليك :
ورد دعاء المسألة بالاسم المقيد عند الترمذي وصححه الألباني من حديث أبي هريرة ( أن أبا بكر الصديق ( قال : يا رسول الله مرني بشئ أقوله إذا أصبحت وإذا أمسيت قال : ( قُل اللهُمَّ عَالِمَ الغَيْبِ وَالشّهَادَةِ ، فَاطِرَ السَّمَاواتِ والأَرْضِ ، رَبَّ كُلِّ شَيءٍ وَمَلِيكَهُ أشْهَدُ أَن لاَ إِله إِلاّ أنْتَ أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وشِرْكِهِ ، قَالَ : قُلهُ إذَا أَصْبَحْتَ وَإذَا أَمْسَيْتَ وإِذَا أخَذْتَ مَضْجَعَكَ ) (352) .(34/174)
وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث ابن عمر ( أن رسول الله S كان يقول إذا أخذ مضجعه : ( الْحَمْدُ لِلهِ الذِي كَفَانِي وَآوَانِي وَأَطْعَمَنِي وَسَقَانِي ، وَالذِي مَنَّ عَلَي فَأَفْضَلَ ، وَالذِي أَعْطَانِي فَأَجْزَلَ ، الْحَمْدُ لِلهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، اللهُمَّ رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ وَإِلَهَ كُلِّ شَيْءٍ ، أَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ ) (353) ، أما دعاؤه بالوصف الذي دله عليه اسمه المليك ، فقد تقدم في الدعاء باسم الله المالك والملك .
65- ( ( المقتدر :
لم أجد دعاءا ثابتا بالاسم المطلق ، إلا ما أثر عن بعض السلف الصالح كما روى عن سعيد بن المسيب أنه كان يدعو به ويقول : ( اللهم إنك مليك مقتدر وإن ما تشاء من أمر يكون ، قال سعيد : فما سألت الله شيئا بها إلا استجاب لي ) (354) .(34/175)
أما الدعاء بالوصف فالمقتدر سبحانه وتعالى هو الذي يقدِّر الأشياء بعلمه وينفذها بقدرته ، وهو يجمع دلالة اسم الله القادر واسمه القدير معا ، ومن الدعاء الجامع بين الأمرين ما ورد عند البخاري من حديث جابر بن عبد الله ( قال : ( كَانَ رَسُولُ الله S يُعَلِّمُنَا الاِسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ ، يَقُولُ : إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَليَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلِ اللهمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيمِ ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ ، اللهمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاقْدُرْهُ لي وَيَسِّرْهُ لي ثُمَّ بَارِكْ لي فِيهِ ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لي في ديني وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ في عَاجِلِ أمري وَآجِلِهِ ، فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ ، وَاقْدُرْ لِي الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ أَرْضِنِي ، وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ ) (355) .(34/176)
وروى النسائي وصححه الألباني من حديث عمار بن ياسر ( أن رسول الله S قال : ( اللهمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ أحيني مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لي وتوفني إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لي ، اللهمَّ وَأَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ في الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَأَسْأَلُكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ في الرِّضَا وَالْغَضَبِ ، وَأَسْأَلُكَ الْقَصْدَ في الْفَقْرِ وَالْغِنَى ، وَأَسْأَلُكَ نَعِيمًا لاَ يَنْفَدُ ، وَأَسْأَلُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لاَ تَنْقَطِعُ ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَاءَ بَعْدَ الْقَضَاءِ ، وَأَسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ في غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلاَ فِتْنَةٍ مُضِلةٍ ، اللهمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الإِيمَانِ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ ) (356) .
66- ( ( المسعر :(34/177)
لم يرد دعاء بالاسم ولكن ورد بالوصف عند أحمد في المسند بإسناد حسن من حديث أبي هريرة ( أن رجلا قال : ( سَعِّرْ يَا رَسُولَ الله ، قَالَ : إِنَّمَا يَرْفَعُ الله وَيَخْفِضُ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَلقَى الله عَزَّ وَجَل وَلَيْسَ لأَحَدٍ عِنْدِي مَظْلَمَةٌ ، قَالَ آخَرُ : سَعِّرْ ، فَقَالَ : ادْعُو الله عَزَّ وَجَل ) (357) ، وأمر النبي S لهم بالدعاء هو دعاء مسألة يطلبوا فيه من ربهم أن يبسط أرزاقهم وأن ييسر أسباب الحياة لهم ؛ فتكثر النعم وتفيض فتنخفض الأسعار ولا ترتفع ، لأن ارتفاع السعر أو انخفاضه مرتبط من حيث الأصل بمشيئة الله وحكمته ؛ ليتوجه الناس إلى دعاء الله وعبادته ، ولذلك فكل دعاء بطلب الرزق أو البسط فيه شاهد بالمعنى لدعاء المسألة باسم الله المسعر ، ومن ذلك ما رواه مسلم من حديث أَبي مالِكٍ الأشجعي ( أنه قال : (كان الرَّجُل إِذَا أَسْلَمَ عَلمَهُ النَّبِيُّ S الصَّلاَةَ ، ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَ بِهَؤُلاَءِ الكَلِمَاتِ : اللهمَّ اغْفِرْ لي وارحمني وَاهْدِنِي وَعَافِنِي وَارْزُقْنِي ) (358) .
67- ( ( القابض :(34/178)
ورد دعاء المسألة بالوصف الذي تضمنه الاسم عند أحمد وصححه الألباني من حديث ابن رفاعة الزرقي ( أن النبي S كان يدعو : ( اللهمَّ لاَ قَابِضَ لِمَا بَسَطْتَ وَلاَ بَاسِطَ لِمَا قَبَضْتَ ، وَلاَ هَادِي لِمَا أَضْلَلتَ وَلاَ مُضل لِمَنْ هَدَيْتَ ، وَلاَ مُعْطِي لِمَا مَنَعْتَ وَلاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ ، وَلاَ مُقَرِّبَ لِمَا بَاعَدْتَ وَلاَ مُبَاعِدَ لِمَا قَرَّبْتَ ، وأعوذ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا أَعْطَيْتَنَا وَشَرِّ مَا مَنَعْتَ منا ) (359) ، وروى الترمذي وصححه الألباني من حديث ابن عباس ( أن رسول الله S قال : ( اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ ، وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ ، وَإِذَا أَرَدْتَ بِعِبَادِكَ فِتْنَةً فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونٍ ) (360).
وعند الطبراني وحسنه الألباني من حديث فضالة بن عبيد وتميم الداري رضي الله عنهما أن النبي S قال : ( من قرأ عشر آيات في ليلة كتب له قنطار ، والقنطار خير من الدنيا وما فيها ، فإذا كان يوم القيامة يقول ربك عز وجل : اقرأ وارق بكل آية درجة حتى ينتهي إلى آخر آية معه ، يقول الله عز وجل للعبد : اقبض فيقول العبد بيده يا رب أنت أعلم ، يقول : بهذه الخلد وبهذه النعيم ) (361) ، وروى ابن حبان وحسنه الألباني من حديث عائشة رضي الله عنها قالت في قصة سعد لما حكم في بني قريظة : ( فقال رسول الله S : لقد حكمت فيهم بحكم الله عز وجل وحكم رسوله ، قالت : ثم دعا سعد قال : اللهم إن كنت أبقيت على نبيك S من حرب قريش شيئا فأبقني لها ، وإن كنت قطعت الحرب بينه وبينهم فاقبضني إليك ) (362).
68- ( ( الباسط :(34/179)
ورد دعاء المسألة بالوصف في قوله تعالى : ? وَأَصْبَحَ الذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ? [القصص:82] ، وكلامهم ندم وتوبة ورجاء ، فندموا أن تمنوا مكان قارون وزعموا أنه ذو حظ عظيم ، وتابوا إلى الله عن تمني الدنيا إلا بحقها وأن الله حكيم في بسطها وقبضها ، وكان رجاءهم في ربهم أن يحفظهم بالإيمان وألا يجعلهم مفتونين كما فتن قارون لما بسط الله له الدنيا (363) .(34/180)
وعند أحمد وصححه الألباني من حديث ابن رفاعة الزرقي ( الذي تقدم ذكره في اسم الله القابض وفيه بتمامه أكثر من دعاء بالوصف حيث قال ( : ( لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَانْكَفَأَ الْمُشْرِكُونَ قَالَ رَسُولُ الله S : اسْتَوُوا حَتَّى أُثْنِي عَلَى رَبِّى، فَصَارُوا خَلْفَهُ صُفُوفاً فَقَالَ : اللهمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ ، اللهمَّ لاَ قَابِضَ لِمَا بَسَطْتَ ، وَلاَ بَاسِطَ لِمَا قَبَضْتَ وَلاَ هَادِي لِمَا أَضْلَلْتَ ، وَلاَ مُضِل لِمَنْ هَدَيْتَ وَلاَ مُعْطِي لِمَا مَنَعْتَ ، وَلاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلاَ مُقَرِّبَ لِمَا بَاعَدْتَ ، وَلاَ مُبَاعِدَ لِمَا قَرَّبْتَ ، اللهمَّ ابْسُطْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ وَرِزْقِكَ ، اللهمَّ إني أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الذِي لاَ يَحُولُ وَلاَ يَزُولُ ، اللهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ يَوْمَ الْعَيْلَةِ وَالأَمْنَ يَوْمَ الْخَوْفِ ، اللهمَّ إِنِّي عَائِذٌ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا أَعْطَيْتَنَا وَشَرِّ مَا مَنَعْتَ ، اللهمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا ، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ ، اللهمَّ تَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ وَأَحْيِنَا مُسْلِمِينَ وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ غَيْرَ خَزَايَا وَلاَ مَفْتُونِينَ ، اللهمَّ قَاتَلِ الْكَفَرَةَ الذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ ، وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رَجْزَكَ وَعَذَابَكَ ، اللهمَّ قَاتَلِ الْكَفَرَةَ الذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَهَ الْحَقِّ ) (364) .
69- ( ( الرازق :(34/181)
ورد الدعاء المسألة بالاسم المقيد في قول الله تعالى : ? قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللهمَّ رَبَّنَا أَنْزِل عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ? [المائدة:114] ، ورد الدعاء بالوصف في قوله : ? وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَل هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِالله وَاليَوْمِ الآخِرِ ? [البقرة:126] ، وقال عن إبراهيم ( أيضا : ? رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَل أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلهُمْ يَشْكُرُونَ ? [إبراهيم:37] .(34/182)
ومما ورد في السنة ما رواه مسلم من حديث سعد ( أنه قال : ( جَاءَ أعرابي إِلَى رَسُولِ اللهِ S فَقَالَ : عَلِّمْنِي كَلاَمًا أَقُولُهُ ، قَالَ : قُل لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالحَمْدُ للهِ كَثِيرًا ، سُبْحَانَ اللهِ رَبِّ العَالَمِينَ ، لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ ، قَالَ : فَهَؤُلاَءِ لِرَبِّي ، فَمَا لي ؟ قَالَ : قُلِ اللهُمَّ اغْفِرْ لي وارحمني وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي ) (365) ، وعند البخاري من حديث أنس بن مالك ( أن النبي S دخل على أم سليم ، فأتته بتمر وسمن فقال : ( أَعِيدُوا سَمْنَكُمْ في سِقَائِهِ ، وَتَمْرَكُمْ في وِعَائِهِ فَإِنِّي صَائِمٌ ، ثُمَّ قَامَ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ البَيْتِ ، فَصَلى غَيْرَ المَكْتُوبَةِ ، فَدَعَا لأُمِّ سُلَيْمٍ ، وَأَهْلِ بَيْتِهَا ، فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ : يَا رَسُولَ الله إِنَّ لِي خُوَيْصَةً ، قَالَ : مَا هِي ؟ قَالَتْ : خَادِمُكَ أَنَسٌ ، فَمَا تَرَكَ خَيْرَ آخِرَةٍ وَلاَ دُنْيَا إِلاَّ دَعَا لِي بِهِ ، قَالَ : اللهمَّ ارْزُقْهُ مَالاً وَوَلَدًا ، وَبَارِكْ لَهُ ، فَإِنِّي لَمِنْ أَكْثَرِ الأَنْصَارِ مَالاً ) (366) ، وعند البخاري من حديث ابن عباس ( أن النبي S قال : ( لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ قَالَ : بِاسْمِ اللهِ ، اللهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا ، فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا ) (367) .
70- ( ( القاهر :(34/183)
لم أجد دعاء المسألة بالاسم أو الوصف ، ويمكن الدعاء بمعنى الاسم ؛ فالقاهر هو العلي في قهره وقوته ؛ فكل شيء تحت قهره وسلطانه ، وكل شيء خضع لجلاله وعظمته وكبريائه وقدرته ، روى أبو داود وصححه الألباني من حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما أنه قال : ( عَلمَنِي رَسُولُ اللهِ S كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ : اللهُمَّ اهْدِني فِيمَنْ هَدَيْتَ ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ ، وَتَوَلنِي فِيمَنْ تَوَليْتَ ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ ، إِنَّكَ تَقْضِي وَلاَ يُقْضَى عَلَيْكَ ، وَإِنَّهُ لاَ يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ وَلاَ يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ ) (368) .
71- ( ( الديان :
لم أجد دعاء المسألة بالاسم المطلق في نص صحيح ، وورد عند ابن أبي الدنيا وضعفه الألباني من حديث حجاج بن فرافصة أن رسول الله S قال : ( ما من مريض يقول : سبحان الملك القدوس الرحمن الملك الديان ، لا إله إلا أنت مسكن العروق الضاربة ومنيم العيون الساهرة إلا شفاه الله تعالى ) (369) ، أما الدعاء بالمعنى فالديان هو الذي يدين العباد أجمعين ويفصل بينهم ويحاسبهم يوم الدين ، وعلى هذا المعنى يحمل دعاء المسألة في قوله تعالى عن إبراهيم ( : ? وَالذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ? [الشعراء:82] ، وقوله تعالى : ? هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ? [غافر:65] .(34/184)
وعند مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ( قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ ابْنُ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ، فَهَلْ ذَاكَ نَافِعُهُ ؟ قَالَ : لاَ يَنْفَعُهُ إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ) (370) ، ومن حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ، ثم يعرج الذين باتوا فيكم ، فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم : كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون : أتيناهم وهم يصلون ، وتركناهم وهم يصلون ، فاغفر لهم يوم الدين ) (371) .
72- ( ( الشاكر :
لم يرد الدعاء بالاسم ولكن ورد الدعاء بمقتضى الاسم كقوله تعالى : ? فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ ? [البقرة:152] ، وقوله تعالى : ? رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلهُمْ يَشْكُرُونَ ? [ابراهيم:37] .
وروى أحمد والحاكم وصححه الألباني من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( أَتُحِبُّونَ أَنْ تَجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ ، قُولُوا : اللهُمَّ أَعِنَّا عَلَى شُكْرِكَ وَذِكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ ) (372) ، ويضاف إلى ذلك أيضا ما تقدم في الدعاء باسم الله الشكور .
73- ( ( المنان :(34/185)
ورد دعاء المسألة بالاسم المطلق في سنن أبي داود وصححه الألباني من حديث أنس بن مالك ( أنه كان مع رسول الله S جالسا ورجل يصلي ثم دعا : ( اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدَ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الْمَنَّانُ ، بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ S : لَقَدْ دَعَا اللهَ بِاسْمِهِ الْعَظِيمِ الذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى ) (373) ، وروى النسائي وحسنه الشيخ الألباني من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : ( كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ S إِذْ أَتَتْهُ وَفْدُ هَوَازِنَ ، فَقَالُوا يَا مُحَمَّدُ : إِنَّا أَصْلٌ وَعَشِيرَةٌ ، وَقَدْ نَزَلَ بِنَا مِنَ الْبَلاَءِ مَا لاَ يَخْفَى عَلَيْكَ فَامْنُنْ عَلَيْنَا مَنَّ اللهُ عَلَيْكَ ، فَقَالَ : اخْتَارُوا مِنْ أَمْوَالِكُمْ أَوْ مِنْ نِسَائِكُمْ وَأَبْنَائِكُمْ ، فَقَالُوا : قَدْ خَيَّرْتَنَا بَيْنَ أَحْسَابِنَا وَأَمْوَالِنَا ، بَلْ نَخْتَارُ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا .. الحديث ) (374).
74- ( ( القادر :
ورد الدعاء بالاسم المطلق عند البخاري من حديث جابر ( قال : ( لَمَّا نَزَلَتْ : ? قُل هُوَ القَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ ? قَالَ رَسُولُ الله S : ( أَعُوذُ بِوَجْهِكَ ، قَالَ : ? أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ? قَالَ S : أَعُوذُ بِوَجْهِكَ ? أَوْ يَلبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ? ، قَالَ رَسُولُ الله S: هَذَا أَهْوَنُ أَوْ هَذَا أَيْسَرُ ) (375) .(34/186)
ومما ورد من الدعاء بالوصف ما رواه البخاري من حديث جابر ( قال : ( كَانَ النَّبِي S يُعَلِّمُنَا الاِسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا كَالسُّورَةِ مِنَ القُرْآنِ : إِذَا هَمَّ بِالأَمْرِ فَليَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ يَقُولُ : اللهمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلمِكَ ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيمِ ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ ، وَأَنْتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ ، اللهمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي ، أَوْ قَالَ عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاقْدُرْهُ لي وَيَسِّرْهُ لي ثُمَّ بَارِكْ لي فِيهِ ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لي في ديني وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ في عَاجِلِ أمري وَآجِلِهِ ، فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ ، وَاقْدُرْ لِي الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ أَرْضِنِي ، وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ ) (376) .
وعند البخاري من حديث ابن عباس ( أن النبي S قال : ( لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِي أَهْلَهُ قَالَ : بِاسْمِ اللهِ ، اللهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا ، فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا ) (377) .
75- ( ( الخلاق :(34/187)
ورد دعاء المسألة بالاسم المطلق فيما أثر جابر بن عبد الله ( أنه قال : ( اللهم إنك خلاق عظيم ، إنك سميع عليم ، إنك غفور رحيم ، إنك رب العرش العظيم ، إنك البر الجواد الكريم ، اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني واجبرني وارفعني واهدني ولا تضلني وأدخلني الجنة برحمتك يا أرحم الراحمين ) (378) ، وعند ابن ماجة وصححه الألباني من حديث علي ( أن النبي S قال : ( اللهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ ، وَبِكَ آمَنْتُ ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ أَنْتَ رَبِّي ، سَجَدَ وَجْهِي لِلذِي شَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ ، تَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ) (379).
76- ( ( المالك :
ورد دعاء المسألة بالاسم المقيد في قوله تعالى : ? قُلِ اللهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ? [آل عمران:26] ، وقوله تعالى : ? الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ? [الفاتحة:2/7] ، وعند الطبراني وحسنه الألباني من حديث أنس ( أن رسول الله S قال لمعاذ ( : ( ألا أعلمك دعاء تدعو به لو كان عليك مثل جبل أحد دينا لأداه الله عنك ، قل يا معاذ : اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير ، رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما ، تعطيهما من تشاء وتمنع منهما من تشاء ، ارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك ) (380) .(34/188)
ومن الدعاء بالوصف قوله تعالى : ? تَبَارَكَ الذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ? [الملك:1] ، ومن الدعاء بمقتضى الوصف قوله تعالى : ? قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلا مَا شَاءَ الله وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ? [الأعراف:188] .
77- ( ( الرزاق :
ورد دعاء المسألة بالوصف في نصوص كثيرة تقدم بعضها في دعاء المسألة باسم الله الرازق ، وعند البخاري من حديث أَبِي هريرة ( أن النبي S قال : ( لاَ يَقُل أَحَدُكُمُ : اللهمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ ، ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ ، ارْزُقْنِي إِنْ شِئْتَ ، وَليَعْزِمْ مَسْأَلَتَهُ إِنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ، لاَ مُكْرِهَ لَهُ ) (381) ، وعند البخاري من حديث عمر ( قال : ( اللهمَّ ارْزُقْنِي شَهَادَةً في سَبِيلِكَ ، وَاجْعَل مَوْتِي في بَلَدِ رَسُولِكَ S ) (382) ، وعند مسلم من حديث أبي هريرة ( مرفوعا : ( اللهمَّ اجْعَل رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا ) (383) ، وفي رواية عمرو ( : ( اللهمَّ ارْزُقْ ) ، وعنده حديث أَبي مالك الأشجعي ( أنه قال : ( كان الرَّجُل إِذَا أَسْلَمَ عَلمَهُ النَّبِيُّ S الصَّلاَةَ ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَ بِهَؤُلاَءِ الكَلِمَاتِ : اللهمَّ اغْفِرْ لي وارحمني وَاهْدِنِي وَعَافِنِي وَارْزُقْنِي ) (384) .
78- ( ( الوكيل :(34/189)
ورد الدعاء بالاسم المطلق في قوله تعالى : ? الذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا الله وَنِعْمَ الوَكِيلُ ? [آل عمران:173] ، وعند البخاري من حديث ابن عباس ( قال : ( كَانَ آخِرَ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ حِينَ أُلْقِي فِي النَّارِ حَسْبِي اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) (385) ، وعنده من حديث أبي هريرة ( أنه سمع رسول الله S يقول : ( بَيْنَمَا امْرَأَةٌ تُرْضِعُ ابْنَهَا إِذْ مَرَّ بِهَا رَاكِبٌ وَهْي تُرْضِعُهُ ، فَقَالَتِ اللهمَّ لاَ تُمِتِ ابْنِي حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ هَذَا ، فَقَالَ اللهمَّ لاَ تَجْعَلنِي مِثْلَهُ ، ثُمَّ رَجَعَ فِي الثَّدْيِ ، وَمُرَّ بِامْرَأَةٍ تُجَرَّرُ وَيُلعَبُ بِهَا فَقَالَتِ اللهمَّ لاَ تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهَا ، فَقَالَ : اللهمَّ اجْعَلنِي مِثْلَهَا فَقَالَ : أَمَّا الرَّاكِبُ فَإِنَّهُ كَافِرٌ ، وَأَمَّا المَرْأَةُ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ لَهَا : تَزْنِي ، وَتَقُولُ : حَسْبِي الله ، وَيَقُولُونَ : تَسْرِقُ وَتَقُولُ : حَسْبِي الله ونعم الوكيل ) (386) .
ومما ورد من الدعاء بالوصف قوله تعالى : ? فَإِنْ تَوَلوْا فَقُلْ حَسْبِيَ الله لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ? [التوبة:129] ، وقوله عز وجل : ? عَلَى الله تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ? [الأعراف:89] ، وقوله سبحانه : ? إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى الله رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ? [هود:56] ، وقوله : ? قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ? [الملك:29] .(34/190)
وعند أبي داود وحسنه الشيخ الألباني من حديث أبي بكرة ( أن رسول الله S قال : ( دَعَوَاتُ المَكْرُوبِ : اللهمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو فَلاَ تَكِلنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ ) (387) ، وفي مستدرك الحاكم وصححه الألباني من حديث أنس ( أن رسول الله S قال لفاطمة : ( ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به أن تقولي إذا أصبحت وإذا أمسيت : يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث وأصلح لي شأني كله ، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا ) (388).
79- ( ( الرقيب :(34/191)
ورد دعاء المسألة بالاسم المقيد في قوله تعالى عن عيسى ( : ? وَكُنْتُ عَليْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَليْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شيء شَهِيدٌ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيم ? [المائدة:117] ، وعند البخاري من حديث ابن عباس ( أن رسول الله S قال : ( تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً ، ثُمَّ قَرَأَ : ? كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ? فَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى إِبْرَاهِيمُ ، ثُمَّ يُؤْخَذُ بِرِجَالٍ مِنْ أصحابي ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ، فَأَقُولُ : أصحابي فَيُقَالُ : إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ ، فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ? وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا توفيتني كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شيء شَهِيدٌ ? إِلَى قَوْلِهِ : ? الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ? ) (389) ، وفي خطبة الحاجة كما ورد عند أبي داود وصححه الألباني من حديث عبد اللهِ بن مسعود ( قَال : علمنا رسول اللهِ S خطبة الحاجة : ( إِنَّ الحَمْدَ للهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلاَ مُضِل لهُ ، وَمَنْ يُضْلِل فَلاَ هَادِي لهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ الذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَليْكُمْ رَقِيبًا ) (390) .
80- ( ( المحسن :(34/192)
ورد دعاء المسألة بالوصف عند مسلم من حديث علي ( أنه قال : كان رسول الله S إذا سجد قال : ( اللهمَّ لَكَ سَجَدْتُ ، وَبِكَ آمَنْتُ ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ ، سَجَدَ وَجْهِي للذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ فَأَحْسَنَ صُورَتَهُ ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ ، وَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخَالِقِينَ .. الحديث ) (391) ، وروى النسائي وصححه الألباني من حديث جابر بن عبد الله أنه قال : ( كَانَ النبي S إِذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلاَةَ كَبَّرَ ثُمَّ قَالَ : إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، اللهُمَّ اهْدِني لأَحْسَنِ الأَعْمَالِ وَأَحْسَنِ الأَخْلاَقِ لاَ يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إِلاَّ أَنْتَ ، وَقِنِي سَيِّئَ الأَعْمَالِ وَسَيِّئَ الأَخْلاَقِ لاَ يَقِي سَيِّئَهَا إِلاَّ أَنْتَ ) (392) ، وروى أحمد وصححه الألباني من حديث عائشة أن رسول الله S كان يقول : ( اللهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي فَأَحْسِنْ خُلُقِي ) (393) .
81- ( ( الحسيب :(34/193)
ورد الدعاء بالوصف في قوله تعالى : ? الذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا الله وَنِعْمَ الوَكِيلُ ? [آل عمران:173] ، وعند البخاري من حديث أبي بكرة ( قال : ( أَثْنَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ عِنْدَ النبي S فَقَالَ : وَيْلَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ ، قَطَعْتَ عُنَقَ صَاحِبِكَ ، مِرَارًا ، ثُمَّ قَالَ : مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَادِحًا أَخَاهُ لا مَحَالَةَ فَليَقُل أَحْسِبُ فُلاَنًا ، وَالله حَسِيبُهُ ، وَلاَ أُزَكِّي عَلَى الله أَحَدًا ، أَحْسِبُهُ كَذَا وَكَذَا إِنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهُ ) (394) ، وعنده أيضا من حديث أبي هريرة ( أنه سمع رسول الله S يقول : (بَيْنَمَا امْرَأَةٌ تُرْضِعُ ابْنَهَا إِذْ مَرَّ بِهَا رَاكِبٌ وَهْي تُرْضِعُهُ ، فَقَالَتِ اللهمَّ لاَ تُمِتِ ابْنِي حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ هَذَا ، فَقَالَ اللهمَّ لاَ تَجْعَلنِي مِثْلَهُ ، ثُمَّ رَجَعَ فِي الثَّدْيِ ، وَمُرَّ بِامْرَأَةٍ تُجَرَّرُ وَيُلعَبُ بِهَا فَقَالَتِ اللهمَّ لاَ تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهَا ، فَقَالَ : اللهمَّ اجْعَلنِي مِثْلَهَا فَقَالَ : أَمَّا الرَّاكِبُ فَإِنَّهُ كَافِرٌ ، وَأَمَّا المَرْأَةُ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ لَهَا : تَزْنِي ، وَتَقُولُ : حَسْبِي الله ، وَيَقُولُونَ : تَسْرِقُ وَتَقُولُ : حَسْبِي الله ونعم الوكيل ) (395) ، وعند الترمذي وصححه الألباني من حديث أبي سعيد الخدري ( أن رسول الله S قال : ( كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ القَرْنِ قَدِ التَقَمَ القَرْنَ وَاسْتَمَعَ الإِذْنَ متى يُؤْمَرُ بِالنَّفْخِ فَيَنْفُخُ ، فَكَأَنَّ ذَلِكَ ثَقُلَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِي S فَقَالَ لَهُمْ : قُولُوا حَسْبُنَا الله وَنِعْمَ الوَكِيلُ ، عَلَى الله تَوَكَّلنَا ) (396).
82- ( ( الشافي :(34/194)
ورد دعاء المسألة بالاسم المطلق عند مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله S كان إذا عاد مريضا يقول : ( أَذْهِبِ البَاسَ رَبَّ النَّاسِ ، اشْفِهِ أَنْتَ الشَّافِي ، لاَ شِفَاءَ إِلاَّ شِفَاؤُكَ ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا ) (397) ، وفي سنن أبي داود وصححه الألباني من حديث ابن مسعود ( قال : سمعت رسول الله S يقول : ( إِنَّ الرُّقَي وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ ، فقالت له زوجته : لِمَ تَقُولُ هَذَا ؟ وَالله لَقَدْ كَانَتْ عَيْنِي تَقْذِفُ وَكُنْتُ أَخْتَلِفُ إِلَى فُلاَنٍ اليَهُودِي يَرْقِينِي ؛ فَإِذَا رَقَانِي سَكَنَتْ ، فَقَالَ عَبْدُ الله : إِنَّمَا ذَاكِ عَمَلُ الشَّيْطَانِ كَانَ يَنْخَسُهَا بِيَدِهِ ؛ فَإِذَا رَقَاهَا كَفَّ عَنْهَا ، إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكِ أَنْ تَقُولِي كَمَا كَانَ رَسُولُ الله S يَقُولُ : أَذْهِبِ البَاسَ رَبَّ النَّاسِ اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي ، لاَ شِفَاءَ إِلاَّ شِفَاؤُكَ ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا ) (398) ، والتولة نوع من السحر يحبب المرأة إلي زوجها .
وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث ابن عباس ( أن النبي S قال : ( مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ فَقَالَ عِنْدَهُ سَبْعَ مِرَارٍ : أَسْأَلُ اللهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ إِلاَّ عَافَاهُ اللهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ ) (399) ، وعند مسلم من حديث أبي سعيد ( أن جبريل أتى النبي S فقال : ( يَا مُحَمَّدُ اشْتَكَيْتَ فَقَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ مِنْ كُلِّ شيء يُؤْذِيكَ ، مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ ، اللهُ يَشْفِيكَ ، بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ ) (400) .(34/195)
وعند مسلم أيضا من حديث صهيب ( مرفوعا في قصة أصحاب الأخدود قال وزير الملك : ( مَا هَاهُنَا لك أَجْمَعُ إِن أَنْتَ شَفَيْتَنِي ، فقال : إِنِّي لا أَشْفِي أَحَدًا إِنَّمَا يَشْفِي الله ، فإِن أَنْتَ آمَنْتَ بِاللهِ دَعَوْتُ اللهَ فَشَفَاكَ ، فَآمَنَ بِاللهِ فَشَفَاهُ اللهُ ) (401) ، وروى أحمد وصححه الألباني من حديث أبي هريرة ( قال : (جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النبي S بِهَا لَمَمٌ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللهِ ادْعُ اللهَ أَنْ يَشْفِيَنِي ، قَالَ : إِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللهَ أَنْ يَشْفِيَكِ وَإِنْ شِئْتِ فاصبري وَلاَ حِسَابَ عَلَيْكِ ، قَالَتْ : بَلْ أَصْبِرُ وَلاَ حِسَابَ عَلَي ) (402) .
83- ( ( الرفيق :
ورد دعاء المسألة بالوصف الذي تضمنه الاسم عند مسلم من حديث عبد الرحمن بن شماسة ( قال : ( أَتَيْتُ عَائِشَةَ أَسْأَلُهَا عَنْ شيء ، فَقَالَتْ : مِمَّنْ أَنْتَ ؟ فَقُلْتُ : رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ ، فَقَالَتْ : كَيْفَ كَانَ صَاحِبُكُمْ لَكُمْ في غَزَاتِكُمْ هَذِهِ ؟ فَقَالَ : مَا نَقَمْنَا مِنْهُ شَيْئًا ، إِنْ كَانَ لَيَمُوتُ لِلرَّجُلِ مِنَّا الْبَعِيرُ فَيُعْطِيهِ الْبَعِيرَ ، وَالْعَبْدُ فَيُعْطِيهِ الْعَبْدَ ، وَيَحْتَاجُ إِلَى النَّفَقَةِ فَيُعْطِيهِ النَّفَقَةَ ، فَقَالَتْ : أَمَا إِنَّهُ لاَ يمنعني الذي فَعَلَ في مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أخي أَنْ أُخْبِرَكَ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ S يَقُولُ في بيتي هَذَا : اللهُمَّ مَنْ وَلِي مِنْ أَمْرِ أمتي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ ، وَمَنْ وَلِي مِنْ أَمْرِ أمتي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ ) (403) .(34/196)
ومن دعاء المسألة أيضا ما ورد في صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ( كَانَ رَسُولُ الله S إِذَا اشْتَكَى مِنَّا إِنْسَانٌ مَسَحَهُ بِيَمِينِهِ ثُمَّ قَالَ : أَذْهِبِ البَاسَ رَبَّ النَّاسِ وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لاَ شِفَاءَ إِلاَّ شِفَاؤُكَ شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا ، فَلَمَّا مَرِضَ رَسُولُ الله S وَثَقُلَ أَخَذْتُ بِيَدِهِ لأَصْنَعَ بِهِ نَحْوَ مَا كَانَ يَصْنَعُ ، فَانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ يَدِي ثُمَّ قَالَ : اللهمَّ اغْفِرْ لِي وَاجْعَلنِي مَعَ الرَّفِيقِ الأَعْلَى قَالَتْ : فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ فَإِذَا هُوَ قَدْ قَضَى ) (404) ، وفي رواية البخاري : ( اللهمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَأَلحِقْنِي بِالرَّفِيقِ الأَعْلَى ) (405) ، وكذلك يمكن الاستشهاد بقوله تعالى عن أهل الكهف : ? وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلا الله فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً ? [الكهف:16] ، على اعتبار أنهم قالوا قبل ذلك : ? رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً ? [الكهف:14] ، وهم يرجون أن يبسط الله لهم من رحمته ورفقه ما يسهل عليهم اجتياز محنتهم وييسر لهم أمرهم (406) .
84- ( ( المعطي :(34/197)
ورد الدعاء بالوصف عند مسلم من حديث أَبي سعيد ( أن رسول الله S كان إِذَا رفع رأسه من الركوع قال : ( رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ ، مِلءَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ، وَمِلءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ ، أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالمَجْدِ ، أَحَقُّ مَا قَالَ العَبْدُ ، وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ ، اللهمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ ، وَلاَ مُعْطِي لِمَا مَنَعْتَ ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ ) (407) ، وعند أحمد وصححه الألباني من حديث عبد الرحمن بن جبير أنه حدثه رجل خدم النبي S ثمان سنين قال : ( كَانَ النبي S إِذَا قُرِّبَ لَهُ طَعَامٌ قَالَ : بِسْمِ اللهِ ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ قَالَ : اللهُمَّ أَطْعَمْتَ وَأَسْقَيْتَ ، وَأَغْنَيْتَ وَأَقْنَيْتَ ، وَهَدَيْتَ وَاجْتَبَيْتَ ، فَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا أَعْطَيْتَ ) (408) ، وعند مسلم من حديث أبي سعيد ( أن رسول الله S قال ( .. ثُمَّ يَقُولُ : ادْخُلُوا الْجَنَّةَ فَمَا رَأَيْتُمُوهُ فَهُوَ لَكُمْ ، فَيَقُولُونَ : رَبَّنَا أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ، فَيَقُولُ لَكُمْ عندي أَفْضَلُ مِنْ هَذَا فَيَقُولُونَ : يَا رَبَّنَا أي شيء أَفْضَلُ مِنْ هَذَا ؟ فَيَقُولُ : رضاي فَلاَ أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا ) (409) ، وعند الترمذي وصححه الألباني من حديث ابن عباس ( أنه قال : ( كَانَ رَسُولُ الله S يُعَلِّمُنَا دُعَاءً نَدْعُو بِهِ في الْقُنُوتِ مِنْ صَلاَةِ الصُّبْحِ : اللهمَّ اهْدِنَا فِيمَنْ هَدَيْتَ ، وَعَافِنَا فِيمَنْ عَافَيْتَ ، وَتَوَلنَا فِيمَنْ تَوَليْتَ ، وَبَارِكْ لَنَا فِيمَا أَعْطَيْتَ ، وَقِنَا شَرَّ مَا قَضَيْتَ ، إِنَّكَ تَقْضِي وَلاَ يُقْضَى عَلَيْكَ ، إِنَّهُ لاَ يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ ) (410) .(34/198)
وعند البخاري من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( ثُمَّ يَفْرُغُ اللهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ ، وَيَبْقَى رَجُلٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، وَهْوَ آخِرُ أَهْلِ النَّارِ دُخُولاً الْجَنَّةَ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ قِبَلَ النَّارِ فَيَقُولُ : يَا رَبِّ اصْرِفْ وجهي عَنِ النَّارِ قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا ، وأحرقني ذَكَاؤُهَا ؟ فَيَقُولُ : هَلْ عَسَيْتَ إِنْ فُعِلَ ذَلِكَ بِكَ أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَ ذَلِكَ ؟ فَيَقُولُ : لاَ وَعِزَّتِكَ فَيُعْطِي اللهَ مَا يَشَاءُ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ ، فَيَصْرِفُ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ ، فَإِذَا أَقْبَلَ بِهِ عَلَى الْجَنَّةِ رَأَى بَهْجَتَهَا سَكَتَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَسْكُتَ ، ثُمَّ قَالَ : يَا رَبِّ قَدِّمْنِي عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ اللهُ لَهُ : أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ الْعُهُودَ وَالْمَوَاثِيقَ أَنْ لاَ تَسْأَلَ غَيْرَ الذِي كُنْتَ سَأَلْتَ ؟ فَيَقُولُ : يَا رَبِّ لاَ أَكُونُ أَشْقَى خَلْقِكَ ، فَيَقُولُ : فَمَا عَسَيْتَ إِنْ أُعْطِيتَ ذَلِكَ أَنْ لاَ تَسْأَلَ غَيْرَهُ ؟ فَيَقُولُ : لاَ وَعِزَّتِكَ لاَ أَسْأَلُ غَيْرَ ذَلِكَ ، فَيُعْطِي رَبَّهُ مَا شَاءَ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ فَيُقَدِّمُهُ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ ، فَإِذَا بَلَغَ بَابَهَا ، فَرَأَى زَهْرَتَهَا وَمَا فِيهَا مِنَ النَّضْرَةِ وَالسُّرُورِ فَيَسْكُتُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَسْكُتَ ، فَيَقُولُ : يَا رَبِّ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ ، فَيَقُولُ اللهُ : وَيْحَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ ، أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ أَنْ لاَ تَسْأَلَ غَيْرَ الذي أُعْطِيتَ ؟ فَيَقُولُ : يَا رَبِّ لاَ تجعلني أَشْقَى خَلْقِكَ ، فَيَضْحَكُ اللهُ عَزَّ وَجَل مِنْهُ ، ثُمَّ يَأْذَنُ لَهُ في دُخُولِ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ : تَمَنَّ ، فَيَتَمَنَّى(34/199)
حَتَّى إِذَا انْقَطَعَتْ أُمْنِيَّتُهُ ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَل : تَمَنَّ كَذَا وَكَذَا ، أَقْبَلَ يُذَكِّرُهُ رَبُّهُ ، حَتَّى إِذَا انْتَهَتْ بِهِ الأَمَانِيُّ ، قَالَ اللهُ تَعَالَى : لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ ) (411) ، وعند البخاري من حديث أنس ( قال : ( قَالَتْ أمي يَا رَسُولَ اللهِ خَادِمُكَ أَنَسٌ ادْعُ اللهَ لَهُ ، قَالَ : اللهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ ، وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتَهُ ) (412) .
وعند أحمد من حديث عبد الله الزرقي ( قال : ( لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَانْكَفَأَ الْمُشْرِكُونَ قَالَ رَسُولُ الله S : اسْتَوُوا حَتَّى أُثْنِىَ عَلَى رَبِّى، فَصَارُوا خَلْفَهُ صُفُوفاً ، فَقَالَ : اللهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ ، اللهُمَّ لاَ قَابِضَ لِمَا بَسَطْتَ ، وَلاَ بَاسِطَ لِمَا قَبَضْتَ ، وَلاَ هَادِي لِمَا أَضْلَلْتَ وَلاَ مُضِل لِمَنْ هَدَيْتَ ، وَلاَ مُعْطِي لِمَا مَنَعْتَ ، وَلاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ ، وَلاَ مُقَرِّبَ لِمَا بَاعَدْتَ وَلاَ مُبَاعِدَ لِمَا قَرَّبْتَ .. الحديث ) (413) .
85- ( ( المقيت :(34/200)
لم أجد دعاء المسألة بالاسم المطلق في نص صحيح وإن كان ما ورد عند مسلم من حديث أبي هريرة ( مرفوعا : ( اللهمَّ ارْزُقْ آلَ مُحَمَّدٍ قُوتًا ) (414) ، يمكن أن يحمل على الدعاء بالوصف ، أما الدعاء بالمعنى فالمقيت هو الذي يعطي كل مخلوق قوته ورزقه على ما حدده سبحانه من زمان ، أو مكان أو كم أو كيف وبمقتضى المشيئة والحكمة ، قال تعالى عن إبراهيم ( : ? رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَل أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلهُمْ يَشْكُرُونَ ? [إبراهيم:37] ، وروى ابن ماجة وحسنه الألباني من حديث ابن عباس ( أن رسول الله S قال : ( مَنْ أَطْعَمَهُ اللهُ طَعَامًا فَلْيَقُلِ : اللهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَارْزُقْنَا خَيْرًا مِنْهُ ، وَمَنْ سَقَاهُ اللهُ لَبَنًا فَلْيَقُلِ : اللهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَزِدْنَا مِنْهُ فإني لاَ أَعْلَمُ مَا يُجْزِئُ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إِلاَّ اللبَنُ ) (415) .
86- ( ( السيد :
لم أجد دعاء المسألة بالاسم المطلق في نص صحيح ، إن كان الدعاء بمعنى الاسم مما يستشهد به في دعاء المسألة ، كالدعاء باسم الله الصمد فإن الصمد يأتي بمعنى السيد الذي كمل سؤدده في كل شيء ، ومن ذلك ما رواه النسائي وصححه الألباني من حديث محجن بن الأدرع : ( أَنَّ رَسُولَ اللهِ S دَخَلَ المَسْجِدَ إذَا رَجُلٌ قَدْ قَضَى صَلاَتَهُ وَهُوَ يَتَشَهَّدُ ، فَقَال َ: اللهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ يَا أَللهُ بِأَنَّكَ الوَاحِدُ الأَحَدُ الصَّمَدُ الذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ، أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي إنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ S : قَدْ غُفِرَ لَهُ ثَلاَثاً ) (416) .(34/201)
ومن أدعية السلف المأثورة بالاسم المطلق ما ورد في دعاء الإمام أحمد لما جاءه خادم المأمون وهو يمسح دموعه بطرف ثوبه ويقول : يعز علي أبا عبد الله ، إن المأمون قد سل سيفا لم يسله قبل ذلك وأقسم إن لم تجبه إلى القول بخلق القرآن ليقتلنك بذلك السيف ، فجثي الإمام أحمد على ركبتيه ورمق بطرفه إلى السماء وقال : سيدي غر حلمك هذا الفاجر حتى تجرأ على أولياءك بالضرب والقتل ، اللهم فإن لم يكن القرآن كلامك غير مخلوق فاكفنا مؤنته ، فجاءهم الصريخ بموت المأمون في الثلث الأخير من الليل (417) ، وتلا يحيي بن معاذ الرازي هذه الآية : ? اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ? [طه:43/44] ، قال : ( إلهي وسيدي ، هذا رفقك بمن يزعم أنه إله ، فكيف رفقك بمن يقول أنت الإله ؟ ) (418) .
87- ( ( الطيب :
ورد دعاء المسألة بالوصف عند مسلم من حديث ابن عباس ( أن رسول الله S كان يقول : ( التَّحِيَّاتُ المُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ للهِ السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ الله الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله ) (419) .(34/202)
وورد الدعاء بالمقتضى عند أحمد وصححه الألباني من حديث عبد الرحمن بن عايش ( أن رسول الله S قال : ( اللهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الطَّيِّبَاتِ وَتَرْكَ المُنْكَرَاتِ ، وَحُبَّ المَسَاكِينِ وَأَنْ تَتُوبَ عَلَي ، وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةً في النَّاسِ فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ ) (420) ، وعند البخاري من حديث أبي أمامة ( أن النبي كان إذا رفع مائدته قال : ( الْحَمْدُ لِلهِ كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ ، غَيْرَ مَكْفِيٍ ، وَلاَ مُوَدَّعٍ وَلاَ مُسْتَغْنًي عَنْهُ ، رَبَّنَا ) (421) ، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث رفاعة بن رافع الزرقي ( قال : ( كُنَّا يَوْمًا نُصَلِّي وَرَاءَ رَسُولِ اللهِ S فَلَمَّا رَفَعَ رَسُولُ اللهِ S رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَالَ : سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ قَالَ : رَجُلٌ وَرَاءَ رَسُولِ اللهِ S : اللهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ S قَالَ : مَنِ الْمُتَكَلِّمُ بِهَا آنِفًا ، فَقَالَ الرَّجُلُ : أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ S : لَقَدْ رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلاَثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلَ ) (422) ، وعند ابن ماجة وصححه الألباني من حديث أم سلمة أن النبي S كان يقول إذا صلى الصبح حين يسلم : ( اللهُمَّ إني أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا ، وَرِزْقًا طَيِّبًا وَعَمَلاً مُتَقَبَّلاً ) (423) .
88- ( ( الحكم :(34/203)
ورد دعاء المسألة في قوله تعالى : ? قُلِ اللهمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ? [الزمر:46] ، وعند مسلم من حديث عبد الرحمن بن عوف ( قال : ( سَأَلتُ عَائِشَةَ أُمَّ المُؤْمِنِينَ بِأَي شَيءٍ كَانَ نَبِي الله S يَفْتَتِحُ صَلاَتَهُ إِذَا قَامَ مِنَ الليْلِ ؟ قَالَتْ : كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ الليْلِ افْتَتَحَ صَلاَتَهُ : اللهمَّ رَبَّ جِبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ ، فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ، عَالِمَ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَي صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (424) .(34/204)
وروى أحمد وصححه الألباني من حديث عبد الله بن مسعود ( أن رسول الله S قال : ( مَا أَصَابَ أَحَداً قَطُّ هَمٌّ وَلاَ حَزَنٌ فَقَالَ : اللهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِي حُكْمُكَ عَدْلٌ فِي قَضَاؤُكَ ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ ، أَوْ عَلمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي ، وَنُورَ صَدْرِي ، وَجَلاَءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي ، إِلاَّ أَذْهَبَ اللهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجاً قَالَ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ : أَلاَ نَتَعَلمُهَا فَقَالَ : بَلَى يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلمَهَا ) (425) ، وعند البخاري من حديث عبد الله بن عباس ( قَالَ : ( كَانَ النَّبِيُّ S إِذَا قَامَ مِنَ الليْلِ يَتَهَجَّدُ قَالَ : اللهمَّ لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ ، وَلَكَ الحَمْدُ .. اللهمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ ، وَبِكَ آمَنْتُ ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلتُ وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ ، وَبِكَ خَاصَمْتُ ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ ، أَنْتَ المُقَدِّمُ وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ أَوْ لاَ إِلَهَ غَيْرُكَ ) (426) .
89- ( ( الأكرم :(34/205)
ورد الدعاء بالاسم المطلق عند البيهقي في أصح الروايات عن ابن مسعود ( أنه كان يدعو في السعي : ( اللهمَّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ الأَعَزُّ الأَكْرَمُ ) (427) ، وفي رواية أخرى : ( اللهمَّ اغْفِرْ وَارْحَمْ ، وَاعْفُ عَمَّا تَعْلَمُ ، وَأَنْتَ الأَعَزُّ الأَكْرَمُ ، اللهمَّ آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِى الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) (428) ، وقال الشيخ الألباني : ( وإن دعا في السعي بقوله : رب اغفر وارحم إنك أنت الأعز الأكرم فلا بأس لثبوته عن جمع من السلف ) (429) ، ومما ورد في الدعاء بالوصف ما رواه مسلم من حديث عوف بن مالك ( أنه قال : ( سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ S يُصَلِّي عَلَى مَيِّتٍ فَسَمِعْتُ مِنْ دُعَائِهِ وَهُوَ يَقُولُ : اللهُمَّ اغفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ وَأَكرِمْ نُزُلَهُ ، وَأَوْسِعْ مُدْخَلهُ ، وَاغسِلهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ ، وَنَقّهِ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ ) (430) ، وروى البخاري من حديث أنس ( قال : ( كَانَتِ الأَنْصَارُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ تَقُولُ : نَحْنُ الذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا عَلَى الْجِهَادِ مَا حَيِينَا أَبَدَا فَأَجَابَهُمُ النبي S فَقَالَ اللهُمَّ لاَ عَيْشَ إِلاَّ عَيْشُ الآخِرَهْ فَأَكْرِمِ الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ ) (431) .
90- ( ( البر :(34/206)
ورد الدعاء بالاسم المطلق في قول الله تعالى : ? إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ ? [الطور:28] ، ويمكن أن يسشهد بما رواه ابن أبي شيبة من حديث مسروق عن عائشة رضي الله عنها : ( أنها مرت بهذه الآية : ? فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ ? [الطور:27] فقالت : اللهم من علينا وقنا عذاب السموم إنك أنت البر الرحيم فقيل للأعمش : في الصلاة ؟ فقال : في الصلاة ) (432) ، وروى ابن ماجة وضعفه الألباني في دعاء عائشة رضي الله عنها : ( اللَّهُمَّ إني أَدْعُوكَ اللهَ وَأَدْعُوكَ الرَّحْمَنَ وَأَدْعُوكَ الْبَرَّ الرَّحِيمَ ، وَأَدْعُوكَ بِأَسْمَائِكَ الْحُسْنَى كُلِّهَا ، مَا عَلِمْتُ مِنْهَا وَمَا لَمْ أَعْلَمْ أَنْ تَغْفِرَ لي وَتَرْحَمَنِي ) (433) ، وروي عن علي بن أبي طالب ( أنه كان يقول : ( صلوات الله البر الرحيم ، والملائكة المقربين ، والنبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وما سبح لك من شيء يا رب العالمين على محمد بن عبد الله ، خاتم النبيين وإمام المتقين ) (434) .
ومن الدعاء بالمقتضى ما ورد عند مسلم من حديث ابن عمر ( أن رسول الله S كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر كبر ثلاثا ثم قال : ( سُبْحَانَ الذي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ ، اللهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ في سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى ، اللهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا .. الحديث ) (435) ، فالبر هو أهل البر والعطاء الذي يحسن إلى عباده ببره في الأرض والسماء ، والرسول S سأل الله بمقتضى الاسم وأن يبره في سفره بعطائه وأن يعينه على وعثائه .
91- ( ( الغفار :(34/207)
ورد الدعاء بالاسم المطلق عند ابن حبان وصححه الألباني من حديث عن عائشة رضي الله عنها أن النبي S كان إذا تضور من الليل ، قال : ( لا إله إلا الله الواحد القهار رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار ) (436) ، وبالنظر إلى أن الغفار سبحانه هو كثير المغفرة باعتبار الكم وكثرة المغفرة في الجزء ، وتعدد النوع والفرد ؛ فأغلب الشواهد التي سنذكرها في دعاء المسألة فيها تخصيص المغفرة لفرد بعينه ، أما الشواهد التي فيها ذكر المغفرة لنوع ما أو كيف ما أو على الجملة فيستشهد بها في اسم الله الغفور .
ومن الدعاء بالوصف ما رواه أحمد وصححه الألباني من حديث ضمرة بن ثعلبة ( أنه أتى النبي S وعليه حلتان من حلل اليمن فقال له : ( يَا ضَمْرَةُ ، أَتَرَى ثَوْبَيْكَ هَذَيْنِ مُدْخِلِيكَ الْجَنَّةَ ؟ فَقَالَ : لَئِنِ اسْتَغْفَرْتَ لِي يَا رَسُولَ اللهِ لاَ أَقْعُدُ حَتَّى أَنْزِعَهُمَا عَنِّي فَقَالَ النبي S : اللهُمَّ اغْفِرْ لِضَمْرَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ ، فَانْطَلَقَ سَرِيعاً حَتَّى نَزَعَهُمَا عَنْهُ ) (437) .(34/208)
وعند الطبراني وصححه الألباني من حديث شداد بن أوس ( قال : ( قال لي رسول الله S : يا شداد بن أوس ، إذا رأيت الناس قد اكتنزوا الذهب والفضة فاكنز هؤلاء الكلمات : اللهم إني أسألك الثبات في الأمر ، والعزيمة على الرشد ، وأسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك ، وأسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك ، وأسألك قلبا سليما ولسانا صادقا ، وأسألك من خير ما تعلم ، وأعوذ بك من شر ما تعلم ، وأستغفرك لما تعلم إنك أنت علام الغيوب ) (438) ، وروى النسائي وصححه الألباني من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : ( فَقَدْتُ رَسُولَ اللهِ S مِنْ مَضْجَعِهِ ، فَجَعَلْتُ أَلْتَمِسُهُ ، وَظَنَنْتُ أَنَّهُ أَتَى بَعْضَ جَوَارِيهِ ، فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَيْهِ وَهُوَ سَاجِدٌ ، وَهُوَ يَقُولُ : اللهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ ) (439) .(34/209)
وعند مسلم من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قال : ( صَلاَةُ الرَّجُلِ في جَمَاعَةٍ تَزِيدُ عَلَى صَلاَتِهِ في بَيْتِهِ وَصَلاَتِهِ في سُوقِهِ بِضْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً ، وَذَلِكَ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ، ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ لاَ يَنْهَزُهُ إِلاَّ الصَّلاَةُ لاَ يُرِيدُ إِلاَّ الصَّلاَةَ ، فَلَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلاَّ رُفِعَ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ حَتَّى يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ ، فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كَانَ في الصَّلاَةِ مَا كَانَتِ الصَّلاَةُ هِي تَحْبِسُهُ ، وَالْمَلاَئِكَةُ يُصَلُّونَ عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ في مَجْلِسِهِ الذِي صَلى فِيهِ يَقُولُونَ : اللهُمَّ ارْحَمْهُ اللهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ ) (440) ، وورد عند البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ( كَانَ النَّبِيُّ S يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ : سُبْحَانَكَ اللهمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللهمَّ اغْفِرْ لِي ، يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ ) (441) .(34/210)
وعند مسلم من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S كان يقول في سجوده : ( اللهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلهُ دِقَّهُ وَجِلهُ وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ وَعَلاَنِيَتَهُ وَسِرَّهُ ) (442) ، وروى أبو داود وصححه الألباني من حديث عبيد بن خالد السلمي ( قال : ( آخَى رَسُولُ اللهِ S بَيْنَ رَجُلَيْنِ ، فَقُتِلَ أَحَدُهُمَا وَمَاتَ الآخَرُ بَعْدَهُ بِجُمُعَةٍ أَوْ نَحْوِهَا ، فَصَليْنَا عَلَيْهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ S : مَا قُلْتُمْ ؟ فَقُلْنَا : دَعَوْنَا لَهُ وَقُلْنَا : اللهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَأَلْحِقْهُ بِصَاحِبِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ S: فَأَيْنَ صَلاَتُهُ بَعْدَ صَلاَتِهِ وَصَوْمُهُ بَعْدَ صَوْمِهِ شَكَّ شُعْبَةُ في صَوْمِهِ : وَعَمَلُهُ بَعْدَ عَمَلِهِ إِنَّ بَيْنَهُمَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ) (443).(34/211)
وعند مسلم من حديث أم سلمة رضي الله عنه أنها قالت : ( دَخَلَ رَسُولُ اللهِ S عَلَى أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ ، فَأَغْمَضَهُ ثُمَّ قَالَ : إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ ، فَضَجَّ نَاسٌ مِنْ أَهْلِهِ فَقَالَ : لاَ تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ بِخَيْرٍ ، فَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ ثُمَّ قَالَ : اللهُمَّ اغْفِرْ لأَبِى سَلَمَةَ ، وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ في الْمَهْدِيِّينَ ، وَاخْلُفْهُ في عَقِبِهِ في الْغَابِرِينَ وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ ، وَافْسَحْ لَهُ في قَبْرِهِ ، وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ ) (444) ، وروى أيضا من حديث عبد الله بن بسر ( قال : ( نَزَلَ رَسُولُ اللهِ S عَلَى أَبِى ، فَقَرَّبْنَا إِلَيْهِ طَعَامًا وَوَطْبَةً ، فَأَكَلَ مِنْهَا ثُمَّ أُتِىَ بِتَمْرٍ ، فَكَانَ يَأْكُلُهُ وَيُلْقِى النَّوَى بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ وَيَجْمَعُ السَّبَّابَةَ وَالْوُسْطَى .. ثُمَّ أُتِىَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَهُ ثُمَّ نَاوَلَهُ الذي عَنْ يَمِينِهِ ، فَقَالَ أَبِى : وَأَخَذَ بِلِجَامِ دَابَّتِهِ ادْعُ اللهَ لَنَا ، فَقَالَ : اللهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ في مَا رَزَقْتَهُمْ وَاغْفِرْ لَهُمْ وَارْحَمْهُمْ ) (445).(34/212)
وروى أبو داود وصححه الألباني من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ( أنه قال : ( كَلِمَاتٌ لاَ يَتَكَلمُ بِهِنَّ أَحَدٌ في مَجْلِسِهِ عِنْدَ قِيَامِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ إِلاَّ كُفِّرَ بِهِنَّ عَنْهُ وَلاَ يَقُولُهُنَّ في مَجْلِسِ خَيْرٍ وَمَجْلِسِ ذِكْرٍ إِلاَّ خُتِمَ لَهُ بِهِنَّ عَلَيْهِ كَمَا يُخْتَمُ بِالْخَاتَمِ عَلَى الصَّحِيفَةِ سُبْحَانَكَ اللهُمَّ وَبِحَمْدِكَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ ) (446) ، وروى أيضا وصححه الألباني من حديث أبي الأزهر الأنماري ( أن رسول الله S كان إذا أخذ مضجعه من الليل قال : ( بِسْمِ اللهِ وَضَعْتُ جَنْبِي ، اللهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي وَأَخْسِئْ شَيْطَانِي وَفُكَّ رِهَانِي وَاجْعَلْنِي في النَّدِي الأعلى ) (447) .(34/213)
روى الترمذي وصححه الألباني من حديث ابن عباس ( أن النبي قال : ( إِنْ تَغْفِرِ اللهُمَّ تَغْفِرْ جَمَّا وَأَي عَبْدٍ لَكَ لاَ أَلَمَّا ) (448) ، وعند الطبراني من حديث أبي أمامة ( أنه قال : ( إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النبي S فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ : ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا ؟ فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ وَقَالُوا : مَهْ مَهْ ، فَقَالَ : ادْنُهْ فَدَنَا مِنْهُ قَرِيباً ، قَالَ : فَجَلَسَ ، قَالَ : أَتُحِبُّهُ لأُمِّكَ ؟ قَالَ : لاَ وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاكَ ، قَالَ : وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأُمَّهَاتِهِمْ قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لاِبْنَتِكَ ؟ قَالَ : لاَ وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاكَ ، قَالَ : وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ ، قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لأُخْتِكَ ؟ قَالَ : لاَ وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاكَ ، قَالَ : وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأَخَوَاتِهِمْ ، قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ ؟ قَالَ : لاَ وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاكَ ، قَالَ : وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ ، قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ ؟ قَالَ : لاَ وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاكَ ، قَالَ وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالاَتِهِمْ ، قَالَ : فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ ، وَقَالَ : اللهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ وَحَصِّنْ فَرْجَهُ قَالَ : فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ ) (449) .
92- ( ( الرءوف :(34/214)
ورد دعاء المسألة بالاسم المطلق في قوله تعالى : ? وَالذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجْعَل فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رءوف رَحِيمٌ ? [الحشر:10] ، وعند الطبراني من حديث يحيى بن أبي كثير في دعاء ابن مسعود في الصلاة : ( سبحانك لا إله غيرك ، اغفر لي ذنبي وأصلح لي عملي ، إنك تغفر الذنوب لمن تشاء وأنت الغفور الرحيم ، يا غفار اغفر لي يا تواب تب علي ، يا رحمن ارحمني يا عفو اعف عني ، يا رءوف ارأف بي .. ) (450) .
93- ( ( الوهاب :
ورد الدعاء بالاسم المطلق في قوله تعالى عن سليمان ( : ? قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ? [ص:35] ، وقوله تعالى عن النبي S وصحبه ( : ? رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ? [آل عمران:8] ، ومما ورد في الدعاء بالوصف قوله تعالى : ? فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ? [الأنبياء:90] .(34/215)
وروى البخاري من حديث أبي هريرة ( أن النبي S قال : ( إِنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الْجِنِّ تَفَلَّتَ عَلَىَّ الْبَارِحَةَ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا لِيَقْطَعَ عَلَىَّ الصَّلاَةَ ، فَأَمْكَنَنِي اللهُ مِنْهُ ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ إِلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ ، حَتَّى تُصْبِحُوا وَتَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ ، فَذَكَرْتُ قَوْلَ أَخِي سُلَيْمَانَ رَبِّ هَبْ لِي مُلْكًا لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِى ) (451) ، وروى أيضا من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله S : ( كان إذا استيقظ من الليل قال : لا إله إلا أنت سبحانك ، اللهم إني أستغفرك لذنبي وأسألك برحمتك ، اللهم زدني علما ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني ، وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ) (452) .
94- ( ( الجواد :
لم أجد دعاء المسألة بالاسم المطلق أو الوصف ويمكن الدعاء بمعنى الاسم ، فالجواد هو الذي ينفق على خلقه بفضله ومدده ؛ فلا تنفد خزائنه ، ولا ينقطع سحاؤه ولا يمتنع عطاؤه ، روى الحاكم وصححه الألباني من حديث ابن مسعود ( أن رسول الله S كان يدعو : ( اللهم إني أسألك من كل خير خزائنه بيدك ، وأعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك ) (453) ، وعند أبي داود وقال الألباني : حسن صحيح من حديث أبي نعامة عن ابن لسعد ? أنه قال : ( سَمِعَنِي أَبِى وَأَنَا أَقُولُ : اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَنَعِيمَهَا وَبَهْجَتَهَا ، وَكَذَا وَكَذَا ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَسَلاَسِلِهَا وَأَغلاَلِهَا وَكَذَا وَكَذَا ، فَقَالَ : يَا بُنَيَ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ : سَيَكُونُ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الدُّعَاءِ ، فَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ ، إِنْ أُعْطِيتَ الْجَنَّةَ أُعْطِيتَهَا وَمَا فِيهَا مِنَ الْخَيْرِ ، وَإِنْ أُعِذْتَ مِنَ النَّارِ أُعِذْتَ مِنْهَا وَمَا فِيهَا مِنَ الشَّرِّ ) (454) .(34/216)
ومن دعاء الجنيد بن محمد : ( اللهم إني أسألك من فضلك وسعة جودك ورحمتك التي وسعت كل شيء ؛ فإنه لا يملكها إلا أنت ، أسألك يا جواد يا كريم مغفرة كل ما أحاط به علمك من ذنوبنا ، والتجاوز عن كل ما كان منا إنك جواد تحب الجود ، اللهم بك أعوذ وبك ألوذ ، اللهم اجعل لي في اللهف إلى جودك والرضا بضمانك مندوحة عن منع البخلاء ، وغنى عما في أيدي الأغنياء ) (455) .
ولأبي القاسم الزمخشري أبيات في دعاء المسألة قال فيها :
قرب الرحيل إلى معاد الآخرة فاجعل الهي خير عمري آخره
وارحم مبيتي في القبور ووحدتي وارحم عظامي حين تبقى ناخره
فأنا المسكين الذي أيامه ولت بأوزار غدت متواترة
فلئن رحمت فأنت أكرم راحم فبحار جودك يا الهي زاخرة (456) .
95- ( ( السبوح :
ورد دعاء المسألة بالوصف عند البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ( كَانَ النَّبِيُّ S يَقُولُ في رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ : سُبْحَانَكَ اللهمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللهمَّ اغْفِرْ لِي ) (457) وعند مسلم من حديث عمر ( أنه كان يجهر بهؤلاء الكلمات يقول : ( سُبْحَانَكَ اللهمَّ وَبِحَمْدِكَ تَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلاَ إِلَهَ غَيْرُكَ ) (458) .
وروى أيضا من حديث أبي هريرة ( أن رسول الله S قَالَ : ( إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ فَليَأْخُذْ دَاخِلَةَ إِزَارِهِ فَليَنْفُضْ بِهَا فِرَاشَهُ وَليُسَمِّ الله ؛ فَإِنَّهُ لاَ يَعْلَمُ مَا خَلَفَهُ بَعْدَهُ عَلَى فِرَاشِهِ ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَضْطَجِعَ فَليَضْطَجِعْ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ وَليَقُل : سُبْحَانَكَ اللهمَّ رَبِّى بِكَ وَضَعْتُ جَنْبِي وَبِكَ أَرْفَعُهُ ، إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَاغْفِرْ لَهَا وَإِنْ أَرْسَلتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ ) (459) .
96- ( ( الوارث :(34/217)
ورد دعاء المسألة بالاسم المقيد في قوله تعالى : ? وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الوَارِثِينَ ? [الأنبياء:89] ، فقد كان يبتغي الولد مع انقطاع الأسباب فدعا الله بما ينساب حاله : ? إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيّاً قَال رَبِّ إِنِّي وَهَنَ العَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَل الرَّأْسُ شَيْباً وَلمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً وَإِنِّي خِفْتُ المَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لدُنكَ وَلِيّاً يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلهُ رَبِّ رَضِيّاً يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لمْ نَجْعَل لهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً ? [مريم:2/7] .
وروى الترمذي وحسنه الألباني من حديث أبي هريرة ( قال : كان رسول اللهِ S يدعو فيقول : ( اللَّهُمَّ مَتِّعْنِي بِسَمْعِي وَبَصَرِي ، وَاجْعَلْهُمَا الْوَارِثَ مِنِّى ، وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ يَظْلِمُنِي ، وَخُذْ مِنْهُ بِثَأْرِي ) (460) .
97- ( ( الرب :(34/218)
ورد الدعاء بالاسم المقيد في نصوص كثيرة كقوله تعالى : ? وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّل مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَليم ? [البقرة:127] ، وأيضا ما جاء في قوله تعالى : ? رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِل عَليْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلتَهُ عَلى الذِينَ مِنْ قَبْلنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلنَا مَا لا طَاقَةَ لنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلى القَوْمِ الكَافِرِينَ ? [البقرة:286] ، وقوله : ? وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً ? [الإسراء:80] وقوله : ? دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللهمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ? [يونس:10] .
وروى البخاري من حديث شدّاد بن أوسٍ ( أن النبي S قال : ( سيِّد الاستغفار اللهم أنتَ ربي لا إلهَ إلا أنت خلقتَني وأنا عبدُك ، وأنا على عهدِكَ ووعدِك ما استَطعت أبُوءُ لك بنعمتك ، وأبوءُ لك بذنبي فاغفِرْ لي ؛ فإنه لا يغفر الذنوبَ إلا أنت ، أعوذُ بك من شرِّ ما صنعت ، إذا قال حينَ يُمسي فمات ؛ دخل الجنَّة ، أو كان من أهل الجنة ، وإذا قال حِينَ يُصبح فمات من يومِه دخل الجنَّة ) (461) ، وعند البخاري من حديث أبي هريرة أن النبي قال : ( إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ فَلْيَنْفُضْ فِرَاشَهُ بِدَاخِلَةِ إِزَارِهِ ، فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِى مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ ، ثُمَّ يَقُولُ بِاسْمِكَ رَبِّ وَضَعْتُ جَنْبِي ، وَبِكَ أَرْفَعُهُ ، إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا ، وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ الصَّالِحِينَ ) (462) .(34/219)
98- ( ( الأعلى :
وورد الدعاء بالوصف الذي تضمنه الاسم ؛ فالأعلى سبحانه من له علو الشأن في أسمائه وصفاته وأفعاله ، ومما ورد في ذلك ما رواه الترمذي وصححه الألباني من حديث ابن عباس ( أنه قال : ( كَانَ رَسُولُ الله S يُعَلِّمُنَا دُعَاءً نَدْعُو بِهِ في الْقُنُوتِ مِنْ صَلاَةِ الصُّبْحِ : اللهمَّ اهْدِنَا فِيمَنْ هَدَيْتَ ، وَعَافِنَا فِيمَنْ عَافَيْتَ ، وَتَوَلنَا فِيمَنْ تَوَليْتَ ، وَبَارِكْ لَنَا فِيمَا أَعْطَيْتَ ، وَقِنَا شَرَّ مَا قَضَيْتَ ، إِنَّكَ تَقْضِى وَلاَ يُقْضَى عَلَيْكَ ، إِنَّهُ لاَ يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ ) (463) ، ومن الدعاء بالمقتضى سؤال الأعلى من الخير والفضل كما روى البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ( سَمِعْتُ النبي S وَهْوَ مُسْتَنِدٌ إِلَىَّ يَقُولُ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي وَارْحَمْنِي وَأَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ الأَعْلَى ) (464) .
وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث أبي الأزهر الأنماري ( أن النبي S كان إذا أخذ مضجعه من الليل قال : ( بِسْمِ اللهِ وَضَعْتُ جَنْبِي ، اللهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي وَأَخْسِئ شَيْطَاني ، وَفُكَّ رِهَانِي ، وَاجْعَلْنِي في النَّدِىِّ الأَعْلَى ) (465).
99- ( ( الإله :(34/220)
ورد دعاء المسألة بالاسم المطلق في قوله تعالى عن يونس ( : ? وَذَا النُّونِ إِذ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ? [الأنبياء:87] ، وعند الترمذي وصححه الألباني من حديث سعد بن أبي وقاص ( أن رسول الله S قَالَ : ( دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ في بَطْنِ الحُوتِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلاَّ اسْتَجَابَ الله لَهُ ) (466) ، وروى ابن ماجه وصححه الألباني من حديث ابن عباس ( أَنَّ رسول الله S كان يقول عند الكرب : ( لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله العَلِىُّ العَظِيمُ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله الحَلِيمُ الكَرِيمُ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَرَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ ) (467) ، وعند البخاري من حديث شداد بن أوسٍ مرفوعا : ( سيِّد الاستغفار : اللهم أنتَ ربي لا إلهَ إلا أنت خلقتَني وأنا عبدُك .. الحديث ) (468).
وورد الدعاء بالاسم المقيد عند ابن ماجة وصححه الألباني من حديث رافع بن خديخ ( أن النبي S قال : ( الحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَابْرُدُوهَا بِالمَاءِ ، فَدَخَلَ عَلَى ابْنٍ لِعَمَّارٍ ، فَقَالَ : اكْشِفِ البَاسْ رَبَّ النَّاسْ إِلَهَ النَّاسْ ) (469) ، وعند مسلم من حديث علي بن أبي طالب ( عند أبي داود ، أن رسول الله S قَالَ : ( اللهمَّ أَنْتَ المَلِكُ لاَ إِلَهَ لِي إِلاَّ أَنْتَ ، أَنْتَ رَبِّى وَأَنَا عَبْدُكَ ، ظَلَمْتُ نَفْسِي وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي ، فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا إِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ ) (470).
خاتمة البحث
************************(34/221)
هذا الجزء المتعلق بأسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة وكيفية الدعاء بها دعاء مسألة يعد من أهم الأجزاء المتعلقة بالموضوع ، وذلك لما له من ارتباط كبير بدعاء المسلم لربه وتوسله إليه بأعلى أنواع التوسل التي أمر الله عز وجل بها ، فقال سبحانه وتعالى : ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ? [المائدة:35] ، وقال : ? أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً ? [الإسراء:57] ، وقد تناول البحث الحديث عن دعاء المسألة لغة واصطلاحا ، وأن معنى الدعاء هو استدعاء العبدِ ربَّه عز وجل العناية واستمدادُه منه المعونة ، وإظهار الافتقار إليه والتبرّؤ من الحول والقوة وهو سمة العبودية واستشعار الذلة البشرية ، كما أن حقيقة السؤال إن كان من العبد لربه كان طلبا ورجاء ، ومدحا وثناء ، ورغبة ودعاءا واضطرارا والتجاء ، وإن كان من الله لعبده كان تكليفا وابتلاءا ، ومحاسبة وجزاءا وتشريفا وتعريفا .
والله عز وجل لما أمر عباده أن يدعوه بأسمائه الحسنى فقال جل شأنه : ? وَللهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ? [الأعراف:180] ، فإن أمره بذلك يشمل معاني الدعاء التي وردت في الكتاب والسنة ، وهي نداء الله بها والطلب والسؤال بذكرها ، والثناء عليه ومدحه بها ، وظهور الداعي بسلوك العبودية الذي يوحد الله في كل منها فيكون دعاؤه بلسان المقال ولسان الحال معا ، فلسان المقال هو المدح والثناء والطلب والسؤال ولسان الحال هو توحيد العبودية لله في الأقوال والأفعال .(34/222)
والدعاء في القرآن يراد به دعاء المسألة تارة ، ودعاء العبادة تارة أخري ، ويراد به مجموعهما ، وهما متلازمان فكل دعاء عبادة مستلزم لدعاء المسألة ، وكل دعاء مسألة متضمن لدعاء العبادة ، وقد عرضنا الأدلة التفصيلية على ذلك .
وقد تقدم أيضا الحديث عن أنواع دعاء المسألة وتعلقها بالأسماء الحسنى ، وبينا أن أعلى هذه الأنواع الدعاء بالاسم المطلق ؛ لأنه يدل بالتضمن على أوصاف الكمال المطلقة ومنتهى الحسن فيها ، ثم دعاء المسألة بالاسم المقيد وهذا النوع شأنه شأن الدعاء بجميع الأسماء المقيدة ، ثم الدعاء بالوصف الذي دل عليه الاسم سواء كان وصف ذات أو وصف فعل ، ثم المدح والثناء بلسان المقال مع دعاء المسألة بلسان الحال ، وبعد ذلك الدعاء بمقتضى الاسم ومعناه ، فهذا يشمله دعاء المسألة وقد ضربنا أمثلة كثيرة لذلك .
ثم تناول البحث الحديث عن آداب دعاء المسألة وأنه إذا اقترن بالآداب الشرعية كان من أعظم الأسباب الإيمانية وأقواها في تحصيل المنافع الدنيوية والدرجات العلية في الآخرة ، بل يكون الداعي في توسله من حيث نوع التوسل ورفعته وحقيقته وكيفيته في أعلى درجات القرب من الله عز وجل ، وتناول البحث أيضا الحديث عن الشرك في الدعاء والإلحاد في الأسماء ، وأنه من الأمور المهلكة والكبائر الموبقة وأن من صرف دعاء المسألة لغير الله فقد ألحد في توحيد الأسماء والصفات من جهة وأشرك في العبادة من جهة أخرى .(34/223)
وبعد العرض التفصيلي لما ورد في دعاء الله بكل اسم من أسمائه الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة دعاء مسألة ؛ فإن النتيجة التي توصل إليها البحث أن الأسماء التي ثبت الدعاء فيها بالاسم المطلق ستة وأربعون وهي الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام العزيز العليم السميع الأول الآخر الظاهر الباطن العفو الحيي الواحد القهار الحق الحي القيوم العلي العظيم الحليم التواب الحكيم الغني الكريم الأحد الصمد القريب المجيب الغفور الحميد المجيد المقدم المؤخر المنان القادر الخلاق الوكيل الشافي الأكرم البر الغفار الرءوف الوهاب الإله ، وأما الأسماء التي ثبت الدعاء فيها بالاسم حال الإضافة والتقييد فهي إحدى عشر اسما وهي البصير المولى النصير القدير الولي المليك الرزاق المالك الرقيب الوارث الرب .
أما الأسماء التي ثبت الدعاء فيها بالوصف فعددها خمسة وعشرون اسما وهي المؤمن الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور الستير الكبير المبين القوي الواسع الحفيظ الفتاح الشهيد المقتدر المسعر القابض الباسط الرازق المحسن الحسيب الرفيق المعطي الطيب الحكم السبوح الأعلى ، والأسماء التي ورد الدعاء فيها بالمعنى والمقتضى فعددها خمسة عشر اسما وهي المهيمن اللطيف الخبير الوتر الجميل المتعال المتين الشكور الودود القاهر الديان الشاكر المقيت السيد الجواد .
اللهم تقبل
أسماء ( الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة
والتي انطبقت عليها شروط الإحصاء
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إَِّلا هُوَ(34/224)
الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ الأَوَّلُ الآخِرُ الظَّاهِرُ البَاطِنُ السَّمِيعُ البَصِيرُ المَوْلَى النَّصِيرُ العَفُوُّ القَدِيرُُ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ الوِتْرُ الجَمِيلُ الحَيِيُّ السِّتيرُ الكَبِيرُ المُتَعَالُ الوَاحِدُ القَهَّارُ الحَقُّ المُبِينُ القَوِيُِّ المَتِينُ الحَيُّ القَيُّومُ العَلِيُّ العَظِيمُ الشَّكُورُ الحَلِيمُ الوَاسِعُ العَلِيمُ التَّوابُ الحَكِيمُ الغَنِيُّ الكَرِيمُ الأَحَدُ الصَّمَدُ القَرِيبُ المُجيبُ الغَفُورُ الوَدودُ الوَلِيُّ الحَميدُ الحَفيظُ المَجيدُ الفَتَّاحُ الشَّهيدُ المُقَدِّمُ المُؤخِّرُ المَلِيكُ المُقْتَدِرْ المُسَعِّرُ القَابِضُ البَاسِطُ الرَّازِقُ القَاهِرُ الديَّانُ الشَّاكِرُ المَنانَّ القَادِرُ الخَلاَّقُ المَالِكُ الرَّزَّاقُ الوَكيلُ الرَّقيبُ المُحْسِنُ الحَسيبُ الشَّافِي الرِّفيقُ المُعْطي المُقيتُ السَّيِّدُ الطَّيِّبُ الحَكَمُ الأَكْرَمُ البَرُّ الغَفَّارُ الرَّءوفُ الوَهَّابُ الجَوَادُ السُّبوحُ الوَارِثُ الرَّبُّ الأعْلى الإِلَهُ .
**************************************************************************
عدد الأسماء
تسع وتسعون بدون لفظ الجلالةأسماء ( الحسنى التي جمعها الوليد بن مسلم
وما لم يثبت منها أو يوافق شروط الإحصاء
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إَِّلا هُوَ(34/225)
الرَّحمنُ الرَّحيمُ المَلِك القُدُّوسُ السَّلاَمُ المُؤْمِنُ المُهَيمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّر الخَالِقُ البَارِىءُ المُصَوِّرُ الغَفَّارُ القَهَّارُ الوَهَّابُ الرَّزَّاقُ الفتَّاحُ العَلِيمُ القَابِضُ البَاسِطُ الخافضُ الرَّافِعُ المعزُّ المذِل السَّمِيعُ البَصِيرُ الحَكَمُ العَدْلُ اللّطِيفُ الخَبِيرُ الحَلِيمُ العَظِيمُ الغَفُورُ الشَّكُورُ العَلِيُّ الكَبِيرُ الحَفِيظُ المُقِيتُ الحَسِيبُ الجَلِيلُ الكَرِيمُ الرَّقِيبُ المُجِيبُ الْوَاسِعُ الحَكِيمُ الوَدُودُ المَجِيدُ البَاعِثُ الشَّهِيدُ الحَق الوَكِيلُ القَوِيُّ المَتِينُ الوَلِيُّ الحَمِيدُ المُحْصِي المُبْدِيءُ المُعِيدُ المُحْيِي المُمِيتُ الحَيُّ القَيُّومُ الوَاجِدُ المَاجِدُ الوَاحِدُ الصَّمَدُ القَادِرُ المُقْتَدِرُ المُقَدِّمُ المُؤَخِّرُ الأوَّلُ الآخِرُ الظَّاهِرُ البَاطِنُ الوَالِي المُتَعَالِي البَرُّ التَّوَّابُ المنتَقِمُ العَفُوُّ الرَّءوف مَالِكُ المُلْكِ ذُو الجَلاَلِ وَالإكْرَامِ المُقْسِط الجَامِعُ الغَنِيُّ المُغْنِي المَانِعُ الضَّارُّ النَّافِعُ النُّورُ الهَادِي البَدِيعُ البَاقِي الوَارِثُ الرَّشِيدُ الصَّبُور .
************************************************************************
عدد الأسماء
تسع وتسعون مع لفظ الجلالةرقم الإيداع بدار الكتب 2835/ 2004
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الترقيم الدولي - I . S . B . N
2 - 2008 - 17 - 977
(1) الحسنة والسيئة ص51 ، ومجموع الفتاوى 8/94 ، 22/482 .
(2) مفتاح دار السعادة 1/2 ، مدارج السالكين 2/125.
(1) العقيدة الأصفهانية ص19 .
(2) دقائق التفسير 2/473 .
(3) بدائع الفوائد 1/170 .
(4) طريق الهجرتين ص487 .
(1) السابق ص 488 .
(2) السابق ص 488 .(34/226)
(3) انظر في ذلك أيضا : مجموع الفتاوى 22/482 ، الحسنة والسيئة لابن تيمية ص51 ، ومدارج السالكين لابن القيم 2/125 ، وشفاء العليل ص132 ، وطريق الهجرتين ص 487 .
(1) مجموع الفتاوى 8/94 .
(2) مفتاح دار السعادة 1/2 .
(1) بدائع الفوائد 1/ 177 .
(2) فتح الباري 11/ 223 .
(3) شرح النووي على صحيح مسلم 7/ 188 ، وانظر شرح الزرقاني على الموطأ 2/ 205 .
(4) شرح سنن ابن ماجه للسيوطي ص 275 .
(5) سبل السلام شرح بلوغ المرام من أدلة الأحكام للأمير الصنعاني 4/109 .
(1) كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس للعجلوني 2/563 .
(2) فيض القدير شرح الجامع الصغير عبد الرؤوف المناوي2/ 479 .
(3) معنى لا إله إلا الله ص141 .
(4) كتاب المواقف 3/306 .
(5) إيثار الحق على الخلق في رد الخلافات إلى المذهب الحق من أصول التوحيد 1/314 .
(6) كتاب أصول الدين ص108.
(7) العقيدة السفارينية ص52 .
(1) معجم مقاييس اللغة 2/279 ، ولسان العرب 14/257 ، والقاموس المحيط 1/1655 .
(2) المغرب في ترتيب المعرب 1/289 ، وشأن الدعاء للخطابي ص3 .
(3) البخاري في الاعتصام ، باب الاقتداء بسنن رسول الله S 6/2655 (6852) .
(4) أبو داود كتاب الملاحم ، باب في تداعي الأمم على الإسلام 4/111 (4297) ، وانظر تصحيح الألباني للحديث في السلسلة الصحيحة 2/647(958) .
(5) المعجم الوسيط 1/268 .
(1) شأن الدعاء للخطابي ص4 .
(2) البخاري في التفسير ، باب ما جاء في فاتحة الكتاب4/ 1623 (4204) .
(3) البخاري في الأذان ، باب الدعاء ثم النداء 1/222 (589) .
(4) مسلم في الصلاة ، باب استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه1/ 288 (384) .
(5) الترمذي في التفسير ، باب سورة المؤمن 5/274(3247) ، صحيح الترغيب والترهيب (1627) .
(1) لسان العرب 14/258 ، والمفردات للراغب الأصبهاني ص315 ، وفتح الباري 11/94 .(34/227)
(2) الترمذي في الزكاة ، باب ما جاء من لا تحل له الصدقة 3/42(652) .
(3) البخاري في العلم ، باب ما جاء في العلم وقوله تعالى : وقل رب زدني علما 1/35 (63) .
(4) تفسير ابن كثير 2/541 .
(1) تفسير القرطبي 17/166 ، وتفسير أبي السعود 8/180 .
(2) مسلم في الفتن وأشراط الساعة ، باب هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض 4/ 2216 (2890) .
(3) تفسير القرطبي 16/257 ، وفتح القدير 5/42 .
(4) مسلم في المساجد ، باب فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما 1/439 (632) .
(5) تفسير القرطبي 7/327 ، وانظر تفسير الواحدي 1/ 423 .
(1) بدائع الفوائد 1/171 .
(1) السابق 3/513 بتصرف .
(1) الترمذي في التفسير ، باب سورة المؤمن 5/274(3247) ، صحيح الترغيب والترهيب (1627) .
(1) خلق أفعال العباد للبخاري ص82 .
(2) جامع البيان عن تأويل آي القرآن 15/ 182 .
(1) بدائع الفوائد 3/513 وما بعدها بتصرف .
(2) شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي ص127 بتصرف .
(1) مسلم في البر والصلة والأدب ، باب تحريم الظلم 4/1994 (2577) .
(2) أبو داود في كتاب الصلاة ، باب الدعاء 2/77 (1481) ، وانظر صفة الصلاة للألباني ص181 .
(3) النسائي في كتاب السهو 3/48 (1292) ، صحيح الجامع (3783) .
(4) الترمذي في أبواب الصلاة ، باب ما ذكر في الثناء على الله والصلاة على النبي S 2/448 (593) وانظر مشكاة المصابيح للشيخ الألباني (931) .
(1) البخاري في التفسير ، باب قوله ولا تقربوا الفواحش 4/ 1696 (4358) .
(2) البخاري في التوحيد ، باب قول الله تعالى وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة 6/ 2708 (7002) .
(3) مسلم في الصلاة ، باب ما يقال في الركوع والسجود 1/352 (486) .
(4) مسلم في صلاة المسافرين باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه 1/535 ( 771) .
(5) النسائي في السهو ، باب الدعاء بعد الذكر1/386 (1224) ، صحيح أبي داود 2/185(869) .(34/228)
(1) النسائي في السهو ، باب الدعاء بعد الذكر 2/52 (1300) ، مشكاة المصابيح (2290) .
(2) البخاري في كتاب الإجارة ، باب من استأجر أجيرا فترك أجره فعمل فيه المستأجر فزاد 2/793 (2152) ، وانظر التوسل أنواعه وأحكامه للشيخ الألباني ص32 ، ط 3 ، المكتب الإسلامي ، بيروت .
(1) البخاري في الجمعة ، باب رفع اليدين في الخطبة 1/315 (890) .
(2) البخاري في الاستسقاء ، باب ذكر العباس بن عبد المطلب (3/1360 (3507) .
(3) التوسل أنواعه وأحكامه للشيخ الألباني ص41 .
(4) البخاري في كتاب الدعوات ، باب الدعاء قبل السلام 1/286 (799) .
(1) مسلم في صلاة المسافرين ، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه 1/535 (771) .
(2) مسلم في الذكر والدعاء والتوبة ، باب ما يقول ثم النوم 4/2084 (2713) .
(3) أبو داود في الجهاد ، باب ما يدعى ثم اللقاء 3/42 (2632) ، وانظر الكلم الطيب (126) .
(4) الترمذي في الدعوات 5/467 (3392) ، وانظر السلسلة الصحيحة (2753) .
(1) مسلم في الذكر والدعاء والتوبة ، باب التعوذ من شر ما عمل 4/ 2086 (2717) .
(2) أبو داود في كتاب الأدب ، باب ما يقول إذا أصبح 4/318 (5074) ، صحيح الجامع (1274) .
(3) مسلم في السلام ، باب رآه والمرض والرقى 4/1718 (2185) .
(4) مسلم في الجنائز ، باب الدعاء للميت 2/662 (963) .
(5) الترمذي في التفسير ، باب ومن سورة ص 5/366 (3233) ، صحيح الجامع (59) .
(1) البخاري في كتاب الدعوات ، باب الدعاء ثم الكرب 5/2336 (5985) .
(2) الترمذي في الدعوات 5/529 (3504) ، وانظر صحيح الجامع (2621) .
(1) البخاري في كتاب الأذان ، باب التسبيح والدعاء في السجود 1/281 (784) .(34/229)
(1) ليس معنى التأويل عند السلف هو ما اشتهر عند أغلب الناس من صرف المعنى الراجح إلى آخر مرجوح بدليل أو بغير دليل ، كتأويل المتكلمين لاستواء الله على العرش بالاستيلاء والغلبة والقهر ، وتأويل اليدين بالقوة والقدرة ، أو النعمة والرحمة ، أو ما شابه ذلك ، فإن السلف لا يعرفون ذلك ، ولا قال أحد منهم بمثل هذا التأويل ، بل التأويل عندهم هو ما ورد في القرآن والسنة ، وهو بمعنى الحقيقة التي يؤول إليها الكلام ، أو التفسير والبيان ، وقد شرحناه في عدة مواضع من كتبنا ، انظر توحيد الصفات بين اعتقاد السلف وتأويلات الخلف ص42 ، ومختصر القواعد السلفية في الصفات الربانية ص35 ، والمحكم والمتشابه وقضية التأويل ص23 .
(2) انظر جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على محمد خير الأنام لابن القيم ص299 بصرف .
(1) أبو داود في كتاب الصلاة ، باب الدعاء 2/78 (1488) ، وصحيح ابن ماجة 2/331 (3117) .
(2) الترمذي 5/517 (3479) ، والسلسلة الصحيحة (594) .
(3) البخاري في الدعوات ، باب ليعزم المسألة فإنه لا مكره له 5/2334 (5979) .
(1) البخاري في الجهاد ، باب بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر 4/1846 (4596) .
(2) مسند أحمد 1/391 (3712) ، السلسلة الصحيحة (199) .
(3) مسلم في الذكر والدعاء والتوبة ، باب بيان أنه يستجاب للداعي ما لم يعجل 4/2096 (2735) .
(1) مسلم في البر والصلة والأدب ، باب النهي عن تقنيط الإنسان من رحمة الله 4/2023 (2621) .
(2) البخاري في التهجد ، باب الدعاء والصلاة من آخر الليل 1/384 (1094) .
(3) الترمذي في كتاب الدعوات 5/526 (3499) ، مشكاة المصابيح (968) .
(4) البخاري في الوضوء ، باب إذا ألقي على ظهر المصلي قذر أو جيفة لم تفسد عليه صلاته 1/94 (237) .
(1) مسلم في الصلاة ، باب ما يقال في الركوع والسجود 1/350 (482) .
(2) مسلم في الصلاة ، باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود 1/348 (479) .(34/230)
(3) المسند 3/155 (12606) ، وانظر الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب للألباني 1/198 .
(4) البخاري في الزكاة ، باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء حيث كانوا 2/544 (1425) .
(5) مسلم في الزكاة ، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب 2/703 (1015) .
(1) البخاري في الدعوات ، باب يستجاب للعبد ما لم يعجل 5/ 2335 (5981) .
(2) أحمد وصححه الألباني في تخريج العقيدة الطحاوية ص522 .
(3) البخاري في المغازي ، باب غزوة خيبر 4/ 1541 (3968) .
(4) أبو داود في كتاب الصلاة ، باب الدعاء 2/77 (1480) .
(5) مسلم في الذكر والدعاء والتوبة ، باب تمني كراهة الموت لضر نزل به 4/2064 (2680) .
(1) الجواب الكافي لابن قيم الجوزية 1/3 .
(2) البخاري في التفسير ، باب قوله تعالى : فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون 4/1626 (4207) .
(3) لسان العرب 10/ 448 ، كتاب العين 5/ 293 ، والمغرب 1/441 .
(1) النسائي في كتاب تحريم الدماء ، باب الحكم في المرتد 7/105 (4067) .
(1) مجموع الفتاوى 15/13 ، وانظر للمقارنة بدائع الفوائد لابن القيم الجوزية3/515 .
(2) بدائع الفوائد 1/179 .
(1) إغاثة اللهفان 1/101 ، والفوائد ص28 بتصرف .
(1) مسلم في كتاب المساجد ، باب النهي عن بناء المساجد على القبور 1/377 (532) .
(2) تفسير ابن أبي حاتم 5/1623 .
(3) الدر المنثور للسيوطي 3/271 .
(4) بدائع الفوائد لابن القيم 1/179 بتصرف .
(1) أبو داود في كتاب اللباس ، باب ما جاء في الكبر 4/59 (4090) ، صحيح الجامع (4311) .
(2) مسلم في الإيمان ، باب تحريم الكبر وبيانه 1/93 (91) .
(3) مسلم في الأدب ، باب تحريم التسمي بملك الأملاك وبملك الملوك 3/1688 (2143) .
(1) بدائع الفوائد 1/180 بتصرف .
(2) السابق 1/179 بتصرف .
(6) تفسير البيضاوي 4/9 ، وتفسير الطبري 16/61 .
(7) مسند الإمام أحمد 3/419 (15859) ، السلسلة الصحيحة (840) .(34/231)
(8) الطبراني في الجامع الصغير 1/336 (558) ، صحيح الترغيب والترهيب (1821) .
(5) البخاري في الحج ، باب الحلق والتقصير ثم الإحلال 2/616 (1640) .
(1) البخاري في كتاب الدعوات ، باب الدعاء قبل السلام 1/286 (799) .
(2) النسائي في السهو ، باب الدعاء بعد الذكر1/386 (1224) ، صحيح أبي داود 2/185(869) .
(3) أبو داود في الجنائز ، باب الدعاء للميت 3/211 (3202) ، صحيح أبي داود 2/617 (2742) .
(4) أبو داود في الصلاة ، باب التشهد 1/254 (969) .
(5) البخاري في الشهادات ، باب شهادة الأعمى وأمره ونكاحه وإنكاحه ومبايعته 2/940 (2512) .
(6) الموضع السابق .
(1) مسلم في صلاة المسافرين ، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه 1/535 ( 771) .
(2) البخاري في الدعوات ، باب الدعاء بعد الصلاة ، 5/2332 ( 5971) .
(3) مسلم في الذكر والدعاء ، باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل 4/2088 ( 2723) .
(1) ابن ماجة في المناسك ، باب حجة رسول الله S 2/1022 (3074) ، مشكاة المصابيح (2555) .
(2) أبو داود في الأدب ، باب ما يقول إذا أصبح 4/322 ( 5085) .
(3) مسلم في الصلاة ، باب ما يقال في الركوع والسجود1/353 (487) .
(4) سنن البيهقي الكبرى 6/95 (11294) ، وانظر ظلال الجنة في تخريج السنة لابن أبي عاصم (582) .
(5) صحيح الجامع (4597) .
(1) مسلم في كتاب المساجد ، باب استحباب الذكر بعد الصلاة 1/414 (591) .
(2) البخاري في الأذان ، باب قول الله تعالى وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة 6/2704 (7000) .
(3) مسلم في الإيمان ، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها 1/187 (195) .
(4) الترمذي في الدعوات ، باب ما يقول عند رؤية الهلال 5/405 (3451) والسلسلة الصحيحة (1816) .
(1) أحمد في المسند 3/424 ، وصححه الألباني في الأدب المفرد (699) .
(2) صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان 1/ 438 (208) ، السلسلة الصحيحة (1338) .(34/232)
(3) مستدرك الحاكم 1/45 (5) ، صحيح الجامع (1590) .
(1) البخاري في الأذان ، باب الرجعة الإمام بالتأمين 1/270 (747) .
(2) البخاري في الوضوء ، باب فضل من بات على الوضوء 1/97 ( 244) .
(3) شعب الإيمان 4/97 (4398) ، وانظر صحيح الترغيب والترهيب (1576) .
(4) شعب الإيمان 5/466(7308) .
(1) صحيح ابن حبان 12/340 (5530) ، وانظر صحيح الجامع (4693) ، ومعنى تَضَوَّر : تلوى وتتقلَّبُ ظهراً لِبَطْنٍ من شِدَّة الحمى والألم ، انظر النهاية في غريب الحديث 3/105.
(2) ابن ماجة ، باب فضل عمر رضي الله عنه1/39 (105) ، والسلسلة الصحيحة (3225) .
(3) الترمذي في المناقب ، باب في مناقب عمر ( 5/617 (3681) ، وصحيح السيرة النبوية ص193.
(4) أبو داود في الطب ، باب كيف الرقى 4/11 (3891) ، وصحيح الجامع (346) .
(6) الترمذي في الدعوات ، باب في الرقية إذا اشتكى5/574 (3588) ، والسلسلة الصحيحة (1258) .
(7) مسلم في الذكر والدعاء والتوبة ، باب التعوذ من شر ما عمل 4/ 2086 ( 2717) .
(8) مستدرك الحاكم 1/ 730 (2001) ، والسلسلة الصحيحة (3444) .
(9) الترمذي في الصلاة ، باب ما يقول بين السجدتين 2/76 (284) ، وانظر صفة صلاة ص 153.
(10) المعجم الكبير 8/227 (7893) ، صحيح الجامع (1266) .
(1) البخاري في كتاب الأنبياء ، باب واذكر في الكتاب مريم 3/1268 (3253) .
(2) مسلم في الذكر والدعاء والتوبة ، باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء 4/2072 (2696) .
(3) الفردوس بمأثور الخطاب للديلمي 1/450 (1831) ، وإن كان في تبوته عن أبي هريرة ( نظر .
(1) النسائي في القيام ، باب بأي شيء تستفتح صلاة الليل 3/213 (1626) ، مشكاة المصابيح (1209) .
(2) النسائي في الاستعاذة ، باب الاستعاذة 8/252 (5433) .
(3) السابق 4/441 (7852) .
(4) البخاري في الدعوات ، باب أفضل الاستغفار 5/2323 (5947) .(34/233)
(5) مسلم في الذكر والدعاء والتوبة ، باب ما يقول ثم النوم وأخذ المضجع 4/2083 (2712) .
(6) أبو داود في كتاب الطب ، باب كيف الرقى 4/13 (3898) .
(1) مسند الإمام أحمد 3/419 (15859) ، وصحيح الجامع (74) ، والسلسلة الصحيحة (840) .
(2) مسلم في السلام ، باب رآه والمرض والرقى 4/1718 (2185) .
(3) البخاري في المغازي ، باب بعث النبي S خالد بن الوليد إلى بني جذيمة 4/1577 (4084) .
(4) البخاري في الجهاد ، باب غزوة أحد 4/ 1487 (3822) .
(1) مسلم في المساجد ، باب النهي عن بناء المساجد على القبور 1/377 (532) .
(2) مسلم في صلاة المسافرين 1/535 (771) .
(3) الموضع السابق .
(4) المعجم الكبير 1/166 (407) ، وانظر صحيح الجامع (4292) .
(5) مسلم في الذكر والدعاء والتوبة ، باب ما يقول ثم النوم 4/2084 (2713) .
(1) الحاكم في المستدرك 1/705 ( 1922) .
(2) أبو داود في الجهاد ، باب ما يدعى ثم اللقاء 3/42 ( 2632) ، صحيح الجامع (4757) .
(3) أبو داود في الأدب ، باب ما يقول إذا أصبح 4/317 ( 5068) ، صحيح الجامع (353) .
(4) تقدم تخريجه ص54 .
(1) البخاري في الوضوء ، باب فضل من بات على الوضوء 1/97 (244) .
(2) الترمذي في المناقب ، باب مناقب العباس بن عبد المطلب ( 5/653 (3762) .
(3) مسلم في صلاة المسافرين ، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه 1/535 (771) .
(4) البخاري في أحاديث الأنبياء ، باب يزفون النسلان في المشي 3/1229 (3184) .
(1) أبو داود في الصلاة ، باب من رأى الاستفتاح بسبحانك 1/206 (775) ، مشكاة المصابيح (1217) .
(2) الترمذي في كتاب الدعوات ، باب ما جاء في الدعاء إذا أصبح وإذا أمسى 5/465 (3388) ، وانظر صحيح الجامع (5745) ، وصحيح الترغيب والترهيب (655) .
(3) ندر الشيء إذا سقط ، انظر كتاب العين 8/21 .
(1) النسائي في الجهاد ، باب غزوة الترك والحبشة 6/43 (3176) ، وصحيح الجامع (3384) .(34/234)
(2) مسلم في الصلاة ، باب التشهد في الصلاة1/303 (404) .
(3) أبوداود في الصلاة ، باب في الاستعاذة 2/92 (1548) ، صحيح الجامع (1297) .
(4) مسلم في صلاة المسافرين ، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه 1/530 ، (763) .
(5) الأدب المفرد (606) ، وانظر مصنف ابن أبي شيبة 6/34 (29270) ، والرواية لا يصح رفعها ولكنها محفوظة من كلام ابن مسعود رضي الله عنه ، انظر العلل المتناهية لابن الجوزي 2/841 .
(1) مسلم في صلاة المسافرين ، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه 1/525 (763) .
(2) أبو داود في السنة ، باب في القدر 4/226 (4702) ، السلسة الصحيحة (1702) .
(3) مسلم في الذكر والدعاء والتوبة ، باب التعوذ من شر ما عمل 4/2088 (2722) .
(4) الترمذي في أبواب الصلاة ، باب ما جاء في قنوت الوتر 2/328 (464) ، مشكاة المصابيح (1273) .
(5) ابن ماجة في فضل علي بن أبي طالب ( 1/43 (116) ، السلسلة الصحيحة (1750) .
(1) أبو داود في الجهاد ، باب ما يدعى ثم اللقاء 3/42 (2632) ، وانظر الكلم الطيب (126) ص120.
(2) مسلم في الجهاد والسير ، باب كراهة تمني لقاء العدو والأمر بالصبر 3/1362 (1742) .
(3) الحاكم في المستدرك 1/704 (1918) ، السلسلة الصحيحة (3170) .
(4) أبو داود في الصلاة ، باب ما يقول الرجل إذا سلم 2/83 (1510) ، صحيح الجامع (3485) .
(5) البخاري في الصلاة ، باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية ويتخذ مكانها مساجد ؟ 1/165 (418) .
(1) الترمذي في الدعوات 5/528 (3502) ، صحيح الجامع (1268) .
(2) السابق 5/534 (3513) ، صحيح الجامع (4423) .
(3) أحمد في المسند 1/7 ( 34) ، مشكاة المصابيح (2489) .
(4) أبو داود في الأدب ، باب ما يقول إذا أصبح 4/318 رقم (5074) ، الأدب المفرد (1200) .
(5) مسلم في الجنائز ، باب الدعاء للميت في الصلاة 2/662 (963) .
(1) البخاري في التهجد ، باب فضل من تعار من الليل فصلى 1/387 ( 1103) .(34/235)
(2) البخاري في الدعوات ، باب قول النبي S اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت 5/2350 (6035) .
(3) مسلم في الذكر والدعاء والتوبة ، باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل 4/2088 (2723) .
(1) النسائي في كتاب السهو 3/54 (1305) ، صحيح الجامع (1301) .
(2) البخاري في الدعوات ، باب الدعاء بكثرة الولد مع البركة ، 5/2345 ( 6018) .
(3) الطبراني في المعجم الأوسط 2/61 (1250) ، انظر ضعيف الجامع حديث رقم 1181 ، والحديث الضعيف عند بعض المحدثين يروى في القصص وفضائل الأعمال والمواعظ وغيرها مما لا تعلق له بالعقائد والأحكام وعلى ضوابط ذكروها ، انظر تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي للسيوطي 1/ 298 .
(1) مسلم في الإيمان ، باب دعاء النبي S لأمته وبكائه شفقة عليهم 1/191 (202) .
(1) البخاري في التوحيد ، باب ما جاء في التطوع 1/391 ( 1109) .
(2) مسلم في الذكر والدعاء والتوبة ، باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء 4/2072 (2695) .
(3) النسائي في السهو ، باب الدعاء بعد الذكر 1/386 (1224) ، صحيح أبي داود 2/185(869) .
(1) النسائي في كتاب السهو 3/54 (1305) ، صحيح الجامع (1301) .
(2) الفردوس بمأثور الخطاب 1/ 469 (1906) وفي رفعه ضعف ، انظر ضعيف الجامع (1179) .
(3) البخاري في الشهادات ، باب تعديل النساء بعضهن بعضا 2/945 (2518) .
(4) أبو داود في الطهارة ، باب الدعاء 2/78 (1488) ، صحيح الجامع (7157) .
(1) مسلم في الإيمان ، باب الإسراء برسول الله S إلى السماوات وفرض الصلوات1/146 (162) .
(2) المعجم الكبير 9/357 (9763) ، الترغيب والترهيب (3591) .
(3) أبو داود كتاب الأدب ، باب ما يقول إذا أصبح 4/318 (5074) ، صحيح الجامع (1274) .
(4) المعجم الكبير 4/81 (3710) ، صحيح الجامع (1262) .(34/236)
(5) أحمد في المسند 3/3 (11009) قال الألباني : ضعيف ، وله شاهد صحيح من رواية ابن عمر فيما كان يقوله S حين يمسي وحين يصبح ، السلسلة الصحيحة 5/29 (2018) .
(1) البخاري في المظالم ، باب قول الله تعالى ألا لعنة الله على الظالمين 2/ 862 (2309) .
(2) مسلم في الذكر والدعاء والتوبة ، باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء 4/2072 (2696) .
(3) مسلم في كتاب المساجد ، باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة 1/420 (601) .
(1) البخاري في الأذان ، باب الذكر بعد الصلاة 1/289 ( 807) .
(2) أبو داود في الصلاة ، باب ما يقول إذا خاف قوما 2/89 ( 1537) ، صحيح الجامع (4706) .
(3) أبو داود في كتاب الأدب ، باب ما يقول إذا أصبح 4/318 (5074) ، صحيح الجامع (1274) .
(1) النسائي في السهو ، باب الدعاء بعد الذكر 1/386 (1224) ، صحيح أبي داود 2/185(869) .
(2) ابن حبان 12/340 (5530) ، صحيح الجامع (4693) .
(3) البخاري في الدعوات ، باب الدعاء بعد الصلاة ، 5/2332 ( 5971) .
(4) البخاري في التهجد ، باب فضل من تعار من الليل فصلى 1/387 ( 1103) .
(1) ابن حبان 12/340 (5530) ، صحيح الجامع (4693) .
(2) المعجم الأوسط 7/334 (7657) ، وفيه الحارث الأعور وهو ضعيف ، انظر مجمع الزوائد 10/119.
(3) تفسير ابن كثير 2/480 بتصرف .
(4) البخاري في الدعوات ، باب الدعاء إذا انتبه بالليل 5/2328 (5958) ، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين ، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه 1/532 (769) ، واللفظ لمسلم .
(5) مسلم في صلاة المسافرين وقصرها ، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه 1/534 (770) .
(1) البخاري في كتاب الطلاق ، باب قول النبي S لو كنت راجما بغير بينة 5/ 2034 (5004) .
(2) أبو داود في كتاب الأشربة ، باب في تحريم الخمر 3/325 (3670) .
(1) التذكرة في الوعظ لابن الجوزي ص 47 .
(2) مسلم في الذكر والدعاء والتوبة ، باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء 4/2072 (2696) .(34/237)
(3) أبو داود في الصلاة ، باب رفع اليدين في الاستسقاء 1/304 (1173) ، صحيح الجامع (2310) .
(4) أبو داود في الصلاة ، باب ما يقول إذا سجد 2/60 (1414) ، مشكاة المصابيح (1035) .
(1) البخاري في التهجد ، باب فضل من تعار من الليل فصلى 1/387 ( 1103) .
(2) أبو داود في كتاب اللباس 4/42 (4023) ، صحيح الجامع (6086) .
(3) الترمذي في الدعوات 5/476 ( 3407) ، السلسلة الصحيحة (3228) .
(1) أبو داود في الصلاة ، باب في الاستغفار 2/85 ( 1517) ، صحيح الترغيب والترهيب (1622) .
(2) مسلم في الذكر والدعاء والتوبة ، باب التعوذ من شر ما عمل ، 4/ 2086 ( 2717) .
(3) النسائي في السهو ، باب الدعاء بعد الذكر 2/52 (1300) ، مشكاة المصابيح (2290) .
(4) الترمذي في الدعوات ، باب يا حي يا قيوم 5/539 (3524) ، صحيح الجامع (4777) .
(1) ابن ماجة ، باب فيما أنكرت الجهمية 1/68 (190) ، صحيح الجامع (7905) .
(2) مسلم في الذكر والدعاء والتوبة ، باب تمني كراهة الموت لضر نزل به 4/2064 (2680) .
(3) أبو داود في الجنائز ، باب الدعاء للميت 3/211 (3201) ، مشكاة المصابيح (1675) .
(4) البخاري في التهجد ، باب التهجد بالليل 1/377 ( 1069) .
(5) أحمد في المسند 4/ 287 ، وانظر صحيح الجامع (1676) .
(1) ابن ماجة في الدعاء ، باب ما يدعو به إذا انتبه من الليل 2/1276(3878) ، والكلم الطيب (43) .
(2) صحيح الترغيب والترهيب (607) .
(3) الترمذي في الدعوات 4/495 ( 3435) ، والسلسلة الصحيحة 5/73 (2045) .
(4) الموضع السابق الترمذي في الدعوات 5/529 (3504) ، صحيح الجامع (2621) .
(5) مسلم في صلاة المسافرين ، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه 1/525 (763) .
(6) أبو داود 2/44 (1353) وصحيح الجامع (1259) .
(1) أحمد في مسند أنس بن مالك 3/156 (12610) ، صحيح الجامع (6291).
(2) أبو داود في الأدب ، باب ما يقول إذا أصبح 4/318 (5074) ، صحيح الترغيب والترهيب (659) .(34/238)
(3) النسائي في التطبيق ، باب الأمر بالاجتهاد في الدعاء في السجود 2/217 (1120) .
(4) مسلم في الذكر والدعاء والتوبة ، باب العزم بالدعاء ولا يقل إن شئت 4/2063 (2679) .
(5) الموضع السابق ، باب ما يقول ثم النوم 4/2084 ( 2713) .
(1) البخاري في الدعوات ، باب الدعاء بكثرة الولد مع البركة 5/2345 ( 6018) .
(2) البخاري في الأدب المفرد ، باب إذا خاف السلطان 1/247 ( 707) .
(3) ابن ماجة في الجنائز ، باب البكاء على الميت1/506 (1589) ، السلسلة الصحيحة (1732) .
(4) أبو داود في كتاب الصلاة ، باب في الاستغفار 2/86 (1522) ، صحيح الجامع (7969) .
(1) الترمذي في الدعوات ، السلسلة الصحيحة (3228) .
(2) مسند أبي يعلى 2/330 (1069) ، وانظر صحيح الترغيب والترهيب (1442) .
(3) البخاري في الدعوات ، باب الدعاء ثم الكرب 5/2336 (5985) .
(4) الترمذي في الدعوات 5/518 (3480) .
(1) النسائي في السنن الكبرى 6/208 (10667) ، صحيح الترغيب والترهيب (1543) .
(2) مسلم في الجنائز ، باب الدعاء للميت 2/662 (963) .
(3) مسلم في الطلاق ، باب في الإبلاء واعتزال النساء 2/1112 (1479) .
(4) الترمذي في الدعوات 5/527 (3500) .
(1) أبو داود في الصلاة ، باب من رأى الاستفتاح بسبحانك 1/206(775) ، مشكاة المصابيح (1217) .
(2) البخاري في التوحيد ، باب ما جاء في التطوع 1/391 ( 1109) .
(3) مسلم في صلاة المسافرين ، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه 1/534 (770) .
(4) البخاري في فضائل الصحابة ، باب ذكر بن عباس رضي الله عنهما 3/1371 (3546) .
(1) أبو داود في الصلاة ، باب في الاستغفار 2/85 (1516) ، السلسلة الصحيحة (2603) .
(2) النسائي 6/32 (9935) ، وانظر الأدب المفرد 1/217 (619) .
(3) أبو داود في الصلاة ، باب التشهد 1/254 (969) ، تمام المنة ص225.
(4) الترمذي في الطهارة ، باب فيما يقال بعد الوضوء 1/78 (55) ، صحيح الجامع (6167) .(34/239)
(1) مسلم في الإيمان ، باب دعاء النبي S لأمته وبكائه شفقة عليهم 1/191 (202) .
(2) مسلم في الذكر والدعاء والتوبة ، باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء4/2072 ( 2696) .
(1) أبو داود في الصلاة ، باب رفع اليدين في الاستسقاء 1/304 (1173) ، وصحيح الجامع (2310) .
(2) أبو داود في كتاب الأدب ، باب ما يقال عند النوم 4/312 (5051) ، وصحيح الجامع (4424) .
(3) البخاري في الدعوات ، باب التعوذ من عذاب القبر 5/2341 ( 6007) .
(4) الترمذي في الدعوات 5/529 (3504) ، صحيح الجامع (2621) .
(1) أبو داود في الصلاة ، باب يقوله عند دخول المسجد 1/127 (466) صحيح الترغيب (1606) .
(2) مسلم في الجنائز ، باب الدعاء للميت في الصلاة 2/662 (963) .
(3) ابن ماجه في الدعاء ، باب اسم الله الأعظم 2/1267 (3857) ، صحيح ابن ماجة (3111) .
(4) ابن ماجة في المقدمة ، باب فضل سلمان وأبي ذر والمقداد 1/53 (150) .
(5) أبو داود في كتاب الصلاة ، باب الدعاء 2/80 (1499) ، صحيح الجامع (189) .
(1) عون المعبود شرح سنن أبي داود 4/256 ، وتحفة الأحوذي 9/ 382 .
(2) النسائي في السهو ، باب الدعاء بعد الذكر1/386 (1224) ، صحيح أبي داود 2/185(869) .
(3) المسند 3/424 (15891) وانظر ظلال الجنة (381) .
(4) مسلم في البر والصلة والأدب ، باب من لعنه النبي S أو سبه أو دعا عليه 4/2008 (2601) .
(1) الترمذي في كتاب الزهد ، باب ما جاء أن فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم 4/577 (2352) وانظر صحيح الجامع (1261) .
(2) الترمذي في تفسير القرآن ، باب ومن سورة ص 5/368 (3235) ، مشكاة المصابيح (748) .
(3) المعجم الكبير 22/ 378 (944) ، الأدب المفرد 1/177 (504) .
(4) ابن ماجه في الدعاء ، باب الجوامع من الدعاء 2/ 1264 (3846) ، صحيح الجامع (1276) .
(1) البخاري في التهجد ، باب فضل من تعار من الليل فصلى 1/387 ( 1103) .(34/240)
(2) تقدم تخريجه البخاري كتاب التهجد باب الدعاء والصلاة من آخر الليل 1/384 (1094) .
(3) أبو داود في الاستسقاء ، باب رفع اليدين في الاستسقاء1/304 (1173) ، صحيح الجامع (2310) .
(4) الترمذي في المناقب ، باب مناقب سعد بن أبي وقاص5/649 (3751) ، مشكاة المصابيح (6116) .
(1) الطبراني في المعجم الكبير 1/143 (318) ، مشكاة المصابيح (6116) .
(2) الترمذي في الدعوات 5/517 (3479) ، السلسلة الصحيحة (594) .
(3) المسند 2/177 (6655) ، صحيح الترغيب والترهيب (1652) .
(4) مسلم في الذكر والدعاء والتوبة ، باب التعوذ من شر ما عمل 4/2088 (2722) .
(5) البخاري في الأدب المفرد 1/198 (562) .
(1) البخاري في الدعوات ، باب الدعاء قبل السلام 1/286 (799) .
(2) أبو داود في الجنائز ، باب الدعاء للميت 3/211 (3202) ، صحيح أبي داود 2/617 (2742) .
(3) مسلم في الجنائز ، باب في إغماض الميت والدعاء له إذا حضر 2/634 (920) .
(4) البخاري في الحج ، باب الحلق والتقصير ثم الإحلال 2/617 (1641) .
(5) أبو داود في الصلاة باب ما يجب على المؤذن 1/143 (517) ، صحيح الجامع (2787) .
(1) البخاري في التفسير ، باب قوله هم الذين يقولون لا تنفقوا 4/1862 (4623) .
(2) مسلم في فضائل الصحابة ، باب من فضائل الأنصار رضي الله عنهم 4/1948 (2506) .
(3) مسلم في الجنائز ، باب ما يقال ثم دخول القبور والدعاء لأهلها 2/669 (974) .
(4) البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء ، باب قوله تعالى : أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا 3/1282(3290) ، ومسلم في الجهاد والسير ، باب غزوة أحد 3/ 1417(1792) .
(5) الترمذي في كتاب الدعوات 5/482 (3419) ، وابن خزيمة في صحيحه ، باب الدعاء بعد ركعتي الفجر 2/167 (1119) ، وانظر ضعيف الجامع ( 1194) .
(6) الترمذي في تفسير القرآن ، باب ومن سورة ص 5/368 (3235) ، مشكاة المصابيح (748) .(34/241)
(1) الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر 7/379 (10551) .
(2) صحيح انظر الأحاديث المختارة 6/270 ، وانظر السلسلة الصحيحة 4/438 (1823) .
(3) حسن ، السلسلة الصحيحة 4/462 (1476) .
(4) أحمد في المسند 5/191 (21710) ، ضعيف الترغيب والترهيب (397) .
(5) البخاري في أحاديث الأنبياء ، باب يزفون النسلان في المشي 3/1233 (3190) .
(1) البخاري في الأذان ، باب الدعاء في الركوع 1/274 (761) .
(2) البخاري في المغازي ، باب دخول النبي S من أعلى مكة 4/1562 (4042) .
(3) البخاري في التهجد ، باب التهجد بالليل 1/377 (1069) .
(4) الترمذي في الدعوات ، باب ما يقول إذا قام من المجلس 5/494 (3433) ، صحيح الجامع (6192) .
(5) البخاري في الدعوات ، باب السؤال بأسماء الله تعالى والاستعاذة بها 6/2691 (6958) .
(1) مسلم في المساجد ، باب قضاء الصلاة الفائتة 1/473 (681) ومعنى جامين مستجمين مستريحين .
(1) مستدرك الحاكم 1/706 (1924) ، السلسلة الصحيحة (1540) .
(2) أبو داود في كتاب الأدب ، باب ما يقول إذا أصبح 4/318 (5074) ، صحيح الجامع (1274) .
(3) تقدم تخريجه 94 .
(4) مسلم في الصلاة ، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة 1/296 (395) .
(1) أبو داود في كتاب الصلاة ، باب من رأى الاستفتاح بسبحانك اللهم وبحمدك 1/206 ( 775) ، وانظر مشكاة المصابيح (1217) .
(2) مسلم في الصلاة ، باب اعتدال أركان الصلاة 1/343 (471) .
(3) مسلم في صلاة المسافرين ، باب ما يقول إذا دخل المسجد 1/494 (713) .
(1) مسلم في كتاب اللعان 2/1133 (1495) .
(2) مستدرك الحاكم 1/704 (1920) ، السلسلة الصحيحة 1/534 (267) .
(3) أبو داود في كتاب البيوع ، باب في وضع الربا 3/244 (3334) ، وصحيح أبي داود (1700) .
(1) النسائي في الأحباس ، باب وقف المساجد 6/234 (3607) ، وانظر ظلال الجنة (1303).
(2) مسلم في صلاة المسافرين ، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه 1/535 (771) .(34/242)
(1) البخاري في الأذان ، باب فضل السجود1/278 (773) .
(2) البخاري في الجهاد ، باب الدعاء بالجهاد والشهادة للرجال والنساء 3/ 1027 (2636) .
(3) تقدم تخريجه ص100 .
(4) البخاري في الدعوات ، باب قول النبي S اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت 5/2350 (6035) .
(1) مسلم في الجنائز ، باب ما يقال ثم دخول القبور والدعاء لأهلها 2/670 (974) .
(2) الترمذي في الدعوات 5/467 (3392) ، السلسلة الصحيحة (2753) .
(3) أبو داود في الأدب ، باب ما يقال عند النوم 4/313 (5058) ، وصحيح أبي داود (4229) .
(4) كتاب الدعاء لأبي عبد الرحمن الضبي ص 242.
(1) البخاري في التوحيد ، باب ما جاء في التطوع 1/391 ( 1109) .
(2) النسائي في كتاب السهو 3/54 (1305) . وانظر صحيح الجامع (1301) .
(3) مسند الإمام أحمد 2/372 (8839) ، وانظر أيضا : القول المسدد لابن حجر العسقلاني ص82 .
(4) مسلم في الذكر والدعاء والتوبة ، باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء 4/2073 (2697) .
(1) أحمد في المسند 3/424 (15891) وانظر ظلال الجنة .
(2) الترمذي في التفسير ، باب ومن سورة ص 5/366 (3233) ، صحيح الجامع (59) .
(3) الطبراني 2/50 (1253) ، صحيح الترغيب والترهيب (638) .
(4) صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان 15/500 (7028) ، السلسلة الصحيحة (67) .
(1) زاد المسير لابن الجوزي 6/246 بتصرف .
(2) أحمد في المسند 3/424 ، وصححه الألباني في الأدب المفرد (699) .
(1) مسلم في الذكر والدعاء والتوبة ، باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء 4/2072 (2696) .
(2) البخاري في الصوم ، باب من زار قوما فلم يفطر عندهم2/699 (1881) .
(3) البخاري في الدعوات ، باب ما يقول إذا أتى أهله 5/2347 (6025) .
(4) أبو داود في كتاب الصلاة ، باب القنوت في الوتر 2/63 (1425) ، مشكاة المصابيح (1273) .
(1) ابن أبي الدنيا 4/168 (5286) .(34/243)
(2) مسلم في الإيمان ، باب الدليل على أن من مات على الكفر لا ينفعه عمل 1/196 (214) .
(3) صحيح الترغيب والترهيب (463) .
(4) أحمد في المسند 2/299 (7969) ، مستدرك الحاكم 1/677 (1838) ، صحيح الجامع (81) .
(1) أبو داود في كتاب الصلاة ، باب الدعاء 2/79 (1495) ، وانظر صحيح أبي داود (1325) .
(2) النسائي كتاب الهبة ، باب هبة المشاع 4/120 (6515) ، صحيح السيرة النبوية ص 20.
(3) البخاري في التفسير ، باب قل هو القادر 4/1694 ( 4352) .
(4) البخاري في الدعوات ، باب الدعاء بكثرة الولد مع البركة 5/2345 ( 6018) .
(1) البخاري في الدعوات ، باب ما يقول إذا أتى أهله 5/2347 (6025) .
(2) الفردوس بمأثور الخطاب 1/441 (1800) .
(3) ابن ماجة في إقامة الصلاة والسنة فيها ، باب سجود القرآن 1/335 (1054) ، الكلم الطيب (87) .
(4) المعجم الصغير1/336 (558) ، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1821) .
(1) البخاري في التوحيد ، باب في المشيئة والإرادة 6/2718 (7039) .
(2) البخاري في فضائل المدينة ، باب كراهية النبي S أن تعرى المدينة 2/668 (1791) .
(3) مسلم في الزهد والرقائق ، باب في الكفاف والقناعة 2/730 (1055) .
(4) مسلم في الذكر والدعاء والتوبة ، باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء 4/2073 (2697) .
(5) البخاري في التفسير ، باب إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم الآية 4/1662 (4288) .
(6) البخاري في أحاديث الأنبياء ، باب أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم 3/1279 (3279) .
(1) أبو داود كتاب الأدب ، باب ما يقول إذا أصبح 4/324 (5090) ، صحيح الجامع (3388) .
(2) الحاكم في المستدرك 1/730 (2000) ، السلسلة الصحيحة (227) .
(3) البخاري في أحاديث الأنبياء ، باب واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها 3/1271 (3263) .
(1) أبو داود في النكاح ، باب في خطبة النكاح 2/238 ( 2118) ، وانظر ظلال الجنة (255) .(34/244)
(2) مسلم في صلاة المسافرين ، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه 1/535 (771) .
(3) النسائي في الافتتاح ، باب نوع آخر من الدعاء 2/129 (896) ، مشكاة المصابيح (820) .
(4) أحمد 1/403 (3823) ، مشكاة المصابيح (5099) ، وصحيح الترغيب والترهيب (2657) .
(5) البخاري في الشهادات ، باب إذا زكى رجل رجلا كفاه 2/946 (2519) .
(1) البخاري في أحاديث الأنبياء ، باب أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم 3/1279 (3279) .
(2) الترمذي في صفة القيامة ، باب ما جاء في شأن الصور 4/620 (2431) ، صحيح الجامع (4592) .
(3) مسلم في السلام ، باب استحباب رقية المريض 4/ 1722 (2191) .
(4) أبو داود في الطب ، باب في تعليق التمائم 4/9 (3883) ، صحيح الجامع (855) .
(5) أبو داود في الجنائز ، باب الدعاء للمريض عند العيادة 3/187 (3106) ، صحيح الجامع (6388) .
(6) مسلم في السلام ، باب رآه والمرض والرقى 4/ 1718 (2186) .
(1) مسلم في الزهد والرقائق ، باب قصة أصحاب الأخدود 4/2299(3005) .
(2) مسند الإمام أحمد ، صحيح الترغيب والترهيب (3419) .
(3) مسلم في الإمارة ، باب فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر3/1458(1828) وهي رضي الله عنها تقصد الأمير ابن حديج وكان قد قتل أخاها محمد بن أبي بكر رضي الله عنهم جميعا .
(4) مسلم في السلام ، باب معرفة طريق الرؤية 1/170 (183) .
(5) البخاري كتاب المرضى ، باب مرض النبي S ووفاته 4/ 1614 (4176) .
(1) انظر تفسير البغوي 3/153 ، وتفسير الطبري 15/209 .
(2) مسلم في الصلاة ، باب اعتدال أركان الصلاة 1/343 (471) .
(3) أحمد في المسند ، صحيح الجامع (4768) .
(4) مسلم في الإيمان ، باب معرفة طريق الرؤية1/170 (183) .
(5) الترمذي في أبواب الصلاة ، باب ما جاء في قنوت الوتر 2/328 (464) ، مشكاة المصابيح (1273) .
(1) البخاري في الأذان ، باب فضل السجود1/278 (773) .(34/245)
(2) البخاري في الدعوات ، باب الدعاء بكثرة المال والولد مع البركة5/2344 (6017) .
(3) أحمد في المسند 3/424 ، وصححه الألباني في الأدب المفرد (699) .
(4) مسلم في باب في الكفاف والقناعة 2/730 (1055) .
(1) ابن ماجة في الأطعمة ، باب اللبن 2/1103 (3322) ، السلسلة الصحيحة (2320) .
(2) النسائي في السهو ، باب الدعاء بعد الذكر 1/386 (1224) ، صحيح أبي داود (869) .
(3) البداية والنهاية 10/332 ، وحلية الأولياء 9/195.
(1) شعب الإيمان 4/121 .
(2) مسلم في الصلاة ، باب التشهد في الصلاة 1/302 (403) .
(3) أحمد في المسند 5/378 (23258) ، ظلال الجنة (388) .
(4) البخاري في الأطعمة ، باب ما يقول إذا فرغ من طعامه 5/2078 (5142) .
(5) البخاري في الأذان ، باب فضل اللهم ربنا ولك الحمد 1/275 (766) .
(6) ابن ماجة في إقامة الصلاة والسنة ، باب ما يقال بعد التسليم 1/298 (925) ، .
(1) مسلم كتاب صلاة المسافرين ، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه 1/534 (770) .
(2) مسند أحمد 1/391 (3712) ، السلسلة الصحيحة (199) .
(3) البخاري في التهجد ، باب التهجد بالليل 1/377 ( 1069) .
(4) البيهقي في السنن كتاب الحج ، باب الخروج إلى الصفا والمروة 5/95 (9134) .
(5) البيهقي في السنن كتاب الحج ، باب القول في الطواف 5/84 (9070) .
(1) مناسك الحج والعمرة في الكتاب والسنة وآثار السلف وسرد ما ألحق الناس بها من البدع ص26 .
(2) مسلم في الجنائز ، باب الدعاء للميت في الصلاة 2/662(963) .
(3) البخاري في الجهاد ، باب البيعة في الحرب أن لا يفروا 3/1081 (2801) .
(4) المصنف في الأحاديث والآثار ، باب في الرجل يصلي فيمر بآية رحمة أو آية عذاب 2/25 (6036) .
(5) ابن ماجة في الدعاء ، باب اسم الله الأعظم 2/1268(3859) ، ضعيف الترغيب والترهيب (1022) .
(6) صفة صلاة النبي S من التكبير إلى التسليم كأنك تراها للعلامة محمد ناصر الدين الألباني ص 173.(34/246)
(1) مسلم في الحج ، باب ما يقول إذا ركب إلى سفر الحج وغيره 2/978 (1342) ، ومعنى تَضَوَّر : تلوى وتتقلَّبُ ظهراً لِبَطْنٍ من شِدَّة الحمى والألم ، النهاية في غريب الحديث 3/105 .
(2) ابن حبان 12/340 (5530) ، وانظر صحيح الجامع (4693) .
(3) مسند أحمد 4/338 ، السلسلة الصحيحة (3018) .
(4) المعجم الكبير 7/ 279 (7135) ، السلسلة الصحيحة (3228) .
(1) النسائي في كتاب التطبيق 2/220 (1124) ، وصححه الألباني في صفة الصلاة .
(2) مسلم في المساجد ، باب فضل صلاة الجماعة وانتظار الصلاة 1/459 (649) .
(3) البخاري في كتاب الأذان ، باب التسبيح والدعاء في السجود برقم (784) 1/281 .
(4) مسلم في الصلاة ، باب ما يقال في الركوع والسجود 1/350 (483) .
(5) أبو داود في الجهاد ، باب في النور يرى عند قبر الشهيد 3/16 (2524) .
(1) مسلم في الجنائز ، باب في إغماض الميت والدعاء له إذا حضر 2/634 (920) .
(2) مسلم في الأشربة ، باب طلب الدعاء من الضيف الصالح وإجابته لذلك 3/1615(2042) .
(3) أبو داود في الأدب ، باب في كفارة المجلس 4/264 (4857) ، صحيح الجامع (4487) .
(4) أبو داود في الأدب ، باب ما يقال عند النوم 4/313 (5054) ، صحيح الجامع (4649) .
(5) الترمذي في تفسير القرآن ، باب ومن سورة والنجم 5/396 (3284) ، صحيح الجامع (1417) .
(1) المعجم الكبير 8/162 (7679) السلسلة الصحيحة (370) .
(2) المعجم الكبير 10/ 57 ، وانظر مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 2/ 143 .
(3) البخاري في الصلاة ، باب الأسير أو الغريم يربط في المسجد 1/176 (449) .
(4) الحاكم في المستدرك 1/724 (1981) وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .
(1) مستدرك الحاكم 1/706 (1924) ، السلسلة الصحيحة (1540) .
(2) أبو داود في كتاب الصلاة ، باب الدعاء 2/77 (1480) .
(3) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء 10/285 .(34/247)
(4) ذيل تذكرة الحفاظ لأبى المحاسن محمد بن علي بن الحسن بن حمزة الحسيني الدمشقي ص339 .
(1) البخاري كتاب المغازي باب الدعاء في الركوع 1/274 (761) .
(2) مسلم في الصلاة ، باب حجة من قال لا يجهر بالبسملة 1/299 (399) .
(3) مسلم في الذكر والدعاء والتوبة ، باب ما يقول ثم النوم وأخذ المضجع 4/2084 (2714) .
(4) الترمذي في الدعوات 5/518 (3480) ، صحيح الجامع (1310).
(1) البخاري في الدعوات ، باب أفضل الاستغفار ، 5/2323 ( 5947) .
(2) البخاري في الدعوات ، باب السؤال بأسماء الله تعالى والاستعاذة بها 6/2691 (6958) .
(3) الترمذي في أبواب الصلاة ، باب ما جاء في قنوت الوتر 2/328 (464) ، ومشكاة المصابيح (1273) .
(4) البخاري في المرضى ، باب مرض النبي S ووفاته 4/1614 (4176) .
(1) أبو داود في الأدب ، باب ما يقال عند النوم 4/313 (5054) ، صحيح الجامع (4649) .
(2) الترمذي في الدعوات ، 8/314 ( 3505) ، صحيح الترغيب والترهيب (1644) .
(3) ابن ماجه في الدعاء ، باب الدعاء ثم الكرب ، 2/1278 (3883) ، صحيح الجامع (4571) .
(4) البخاري في الدعوات ، باب أفضل الاستغفار 5/2323 ( 5947) .
(5) ابن ماجة في الطب ، باب الحمى من فيح جهنم 2/1150 (3471) ، صحيح الجامع (1223) .
(6) مسلم في صلاة المسافرين ، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه 1/535 (771) .
??
??
??
??
8
(((((((((((((((((((((((((((( (((((( أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة ـ الجزء الرابع
7
www.asmaullah.com (((((( ((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((34/248)
الحمد لله الفتاح الشهيد الحميد المجيد الذي من على أمة الإسلام بنور التوحيد وجعله وسيلة النجاة لسائر العبيد ، قال سبحانه وتعالى : ? هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ً? [غافر:65] ، وقال جل جلاله عن أهل الجنة : ? دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ً? [يونس:10] ، وقال جل شأنه وتقدس اسمه ووصفه : ? وَقَالُوا الْحَمْدُ للهِ الذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ً? [فاطر:34] ، سبح الله ( نفسه عن وصف العباد له إلا ما وصف المرسلون فقال ( : ? سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ً? [الصافات:182] .
وأصلي وأسلم على المصطفى من عباد الله أجمعين ، وصاحب المقام المحمود يوم يقوم الناس لرب العالمين ، وعلى آل بيته الطاهرين وسائر أصحابه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد .(35/1)
فأحمد الله ( أن وفقني إلى إتمام الجزء الخامس والأخير المتعلق بأسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة وكيفية الدعاء بها دعاء عبادة ؟ فما أحوجنا إلى معرفة آثارها في اعتقادنا وسلوكنا ومنهج حياتنا ، وما أجمل أن تكون كل عبادة لله في القلب أو اللسان أو سائر الجوارح والأركان صادرة عن فهم دقيق وإيمان عميق واتصال وثيق بأسماء الله الحسنى وما دلت عليه من أوصاف الجلال ، فإن السلوك التعبدي والحال الإيماني الذي يبلغ هذا الكمال له حلاوة في الجنان وطلاوة على اللسان لا يشعر بمذاقها إلا من جربها وأحس بها في وجدانه وكيانه ؛ فالتوحيد بعمومه يجعل للحياة نورا يسعى به الموحدون ، ويرون به ما لا يراه الناظرون ؛ ومن ثم كانت دعوة النبي S في مهدها تتوجه إلى غرس التوحيد في قلوب الرجال ؛ فأثر ذلك في أقوالهم وأفعالهم ومنهجهم وسائر أمورهم حتى فتح الله ( على أيديهم مشارق الأرض ومغاربها .
ولهذا كان التوحيد أول واجب على العبيد وهو حق الله عليهم ، وقد وعدهم ( ألا يعذبهم كحق لهم عليه - فرضه على نفسه تفضلا منه وتكرما - إن هم عبدوه ولم يشركوا به شيئا ، روى البخاري من حديث ابن عباس ( أنه قال : ( لَمَّا بَعَثَ رَسُول اللهِ S مُعَاذًا عَلَى الْيَمَنِ قَالَ : إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللهِ .. الحديث ) (1) ، وفي رواية أخرى عند البخاري : ( إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللهَ تَعَالَى .. ) (2) .(35/2)
وروى أيضا من حديث معاذ ( أنه قال : ( بَيْنَا أَنَا رَدِيفُ النبي S لَيْسَ بيني وَبَيْنَهُ إِلاَّ آخرة الرَّحْلِ ، فَقَالَ : يَا مُعَاذُ ، قُلْتُ : لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ : يَا مُعَاذُ ، قُلْتُ : لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ : يَا مُعَاذُ ، قُلْتُ : لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ ، قَالَ : هَلْ تَدْرِى مَا حَقُّ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ ؟ قُلْتُ : اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : حَقُّ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ : يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ ، قُلْتُ : لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ ، فَقَالَ : هَلْ تَدْرِى مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ إِذَا فَعَلُوهُ ؟ قُلْتُ : اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ أَنْ لاَ يُعَذِّبَهُمْ ) (3) ، وهذا الحديث يدل على فضل التوحيد ومكانته وعظيم أثره على العبد وسلامته .(35/3)
وإذا كان توحيد الله ( هو أن تفرده بما له من العبودية ولا تنازعه في شيء من الربوبية ؛ فإن توحيد العبد لأسمائه وصفاته وتأثير ذلك على حياته هو غاية الغايات ومنتهى الإرادات التي يسعى إليها السابقون ؛ فهم يعلمون به عظمة معبودهم ويعرفون من خلاله ما ينبغي لجلاله وعظيم سلطانه ، فتراهم بباعث العظمة والخشية يوحدون الله في كل خَطْرة أو همسة وكل حركة أو سكنة ، قال تعالى : ? إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ً? [فاطر:28] ، فعندما يسمعون خبر الله ( بأنه الإله الواحد الأحد تجدهم يتوجهون إليه في سائر شئونهم ، ويخلصون له في دعائهم ويجعلون إلههم منتهى خوفهم ورجائهم ، ومنتهى أملهم وغايتهم ، لا مجال لغيره في قلوبهم إلا ما أذن به في شرعه ، وإذا علموا أن من أسمائه الرحمن الرحيم العفو الحليم الغفور الكريم لم يقنطوا من رحمته أبدا ، وأنه في عفوه وحلمه لا يرد من عباده أحدا وأنه يغفر الذنب بكرمه مهما بلغت كثرته عددا .(35/4)
ولو علم الموحدون أن الله متكبر متعال ديان قهار عزيز جبار اهتزت قلوبهم خوفا يخمد هوى النفس ونزغ الشيطان ، واستعاذوا واستغاثوا بالله من إقدامهم على العصيان ، ولو علموا أنه المعطي المقيت الرزاق الغني المتوحد في غناه ازداد الغني منهم فقرا إلى الله ، ولم يلجأ فقيرهم لسواه ، وهكذا يصبح لكل اسم من أسماء الله أثر في كيان الإنسان ودعوة للعبادة والإيمان ، فتوحيد الأسماء والصفات ليس كما يظن البعض أنه لا أثر له في الواقع العملي أو المنحى السلوكي ، ويحاول الابتعاد عن الحديث فيه بحجج واهية لا دليل عليها ، فمثل هذا محجوب بجهله وتعطيله ، ومحروم بسوء ظنه وتأويله ، إذ كيف يكون ذكر المحبوب وتوحيده بأسمائه وصفاته لا يؤثر في قضية الإيمان ، أو لا يبدو له أثر في حياة الإنسان ؟ والله ( أخبرنا في كتابه أنه جعل طمأنينة القلب بمعرفته وذكره ، وقربه وحبه ؛ فقال ( : ? الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ً? [الرعد:28] ، فلا بد أولا من منهج سليم يعي به المسلم حقيقة الإيمان ، وكيف يوحد الله في أسمائه وأوصافه كما جاء بها القرآن ؟ فيثبت ما أثبته الله ( لنفسه تصديقا بخبره وخبر نبيه S من غير تمثيل ولا تكييف ومن غير تعطيل ولا تحريف ، ويعلم أن ما أخبر الله ( به ليس فيه لغز ولا حشو ولا أحاجي ، وإنما هو كلام عربي معجز فهمه الصحابة ( فصدقوا ربهم في خبره وأطاعوه في أمره ، وعظموه ووحدوه في أسمائه وأوصافه ، ثم بدت آثار ذلك على أقوالهم وأفعالهم وجهادهم كما سيأتي تفصيل ذلك بإذن الله عند الحديث عن دعاء العبادة بكل اسم من أسماء الله الحسنى .(35/5)
ومن هنا كانت أهمية البحث في هذا الجزء وكيفية الدعاء بكل اسم منها دعاء عبادة ؟ ولعل ما سبق من الأجزاء وما تعلق بموضوع الإحصاء وبيان الشرح ودلالة الأسماء ثم البحث عن كيفية السؤال بها والدعاء ، لعل ذلك يسهم في خدمة هذا الموضوع ، وأن يكون الإيمان بأسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة عاملا فعالا في توحيد الله ( كما ينبغي ، وسببا في توجيه الأمة الإسلامية إلى الالتزام بكتاب ربها وسنة نبيها S .
وبخصوص خطة البحث فقد قسمت الموضوع بعد المقدمة إلى بابين وخاتمة جاءت مفرداتها على النحو التالي :
المقدمة : واشتملت على خطة البحث .
الباب الأول : دعاء العبادة حقيقته ومنزلته وآدابه ، وقد اشتمل على العناصر التالية :
( دعاء العبادة لغة واصطلاحا .
( دعاء العبادة ومقتضى الأسماء الحسنى .
( التفاضل والتكامل بين دعاء العبادة ودعاء المسألة .
( حكم التسمية بأسماء الله الحسنى .
الباب الثاني : الدعاء بكل اسم من الأسماء دعاء عبادة .
* خاتمة البحث : وقد اشتملت على ملخص البحث وأهم النتائج .(35/6)
وفي خاتمة الجزء الأخير أشير إلى أن هذا الموضوع - أسماء الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة - لما أحدث ردود فعل واسعة في الوسط الإسلامي عند عامة الناس وخاصتهم ، وشق على كثير منهم أن يغيروا اعتقادهم فيما اعتادوا عليه من الأسماء المشهورة منذ أكثر من ألف ومائتي عام ، والتي لا دليل عليها من كتاب أو سنة ؛ فإن كثيرا منهم طالب برأي الأزهر الشريف في هذه الأسماء التي تحدثنا عنها في مختلف الأجزاء ، ومن ثم تقدم الناشر بطلب فحص وتدقيق وصلاحية للنشر والتداول لثلاثين محاضرة صوتية مسجلة ومكتوبة نصا على اسطوانة مدمجة تعمل على الكمبيوتر وجميع المشغلات الصوتية MP3 ، جمعت فيها هذه الأسماء والأدلة عليها وما جاء في بقية الأجزاء من الشرح والدلالة والدعاء بنوعيه دعاء المسألة والعبادة ، وبينا في المحاضرة قبل الأخيرة الأدلة على أن كثيرا من الأسماء المشهورة ليست من أسماء الله الحسنى مع ذكر العلة في ذلك ، وكيف أنها من جمع الوليد بن مسلم المدرج في رواية الترمذي ، وأنه لا يجوز أن نسم الله ( إلا بما سمى به نفسه أو سماه به رسول S لا يتجاوز في ذلك القرآن والحديث ، وبعد فحص وتدقيق من قبل الأمانة العامة لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف دام ستة أشهر ، جاءت موافقة الأزهر على ما ذكرناه في هذه المحاضرات جميعها بتاريخ 5/2/2005 ، وهذه صورة مرفقة من تصريح الأمانة العامة لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف .
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يحفظ القائمين على الأزهر الشريف دعاة للحق متمسكين بكتاب الله وسنة رسوله S ، وإني لأتوجه بالشكر لأهل العلم المراقبين في الأمانة العامة لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف الذين صبروا على سماع هذه المحاضرات وقراءتها كلمة كَلمة ، وعلى رأسهم مدير الإدارة العامة للبحوث والتأليف والترجمة حفظه الله وحفظ الأزهر منارة للحق ينير سبيل المسلمين في كل زمان ومكان .(35/7)
كما أسأله سبحانه أن يجعل هذا البحث بأجزائه الخمسة سببا في عتق رقبتي من النار ، وأن يغفر لي ذنبي وإسرافي في أمري ، وأن يرحم والديَّ ويغفر لهما ويرزقهما الجنة ، وأن يجزي زوجتي أم عبد الرزاق خيرا على ما بذلته من جهد كبير في ترتيب الأسماء وتدقيق جداولها ، وتدقيق الآيات القرآنية ومراجعتها ومراجعة الأحاديث وتخريجها وتصحيحها وعزوها إلى مصادرها ، وصبرها الطويل مع أولادي على ما تحملوه من عناء ومشقة على مدار عامين كاملين منذ أن هداني الله وشرعت في هذا البحث ؛ فأسأل الله ( لهم كامل الأجر ، وكذلك أتوجه بالشكر لكل من نصحني ووجهني من إخواني المتخصصين وغيرهم ، وكل من قرأ هذه الأجزاء وأسهم في نقلها وتبليغها وتعريف المسلمين بأسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
وكتبه أبو عبد الرزاق
د/ محمود عبد الرازق الرضواني
السعودية مدينة أبها
غرة المحرم سنة 1426هـ
الباب الأول
دعاء العبادة حقيقته ومنزلته وآدابه
*************************************
( دعاء العبادة لغة واصطلاحا :
تقدم الحديث في دعاء المسألة عن معنى الدعاء وأنه إمالة الشيءَ إليك بكلام يكون منك طلبا أو نداءً أو رغبة أو رجاءً أو سؤالا أو ابتهالا ، وأن الدعاء يرد في القرآن والسنة على معنى النداء والطلب والسؤال والاستفهام والقول والتسمية والاستغاثة والحث على الشيء (4) .
والدعاء يرد أيضا بمعنى العبادة كما روى الترمذي وصححه الألباني من حديث النعمان ( أن رسول الله S قال : ( الدُّعَاءَ هُوَ العِبَادَةُ ، ثُمَّ قَرَأَ : ? وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ? [غافر:60] ) (5) .(35/8)
والعبادة في اللغة هي الخضوع والتذليل من قولهم : طريق معبَّد أي مذلل بكثرة الوطء عليه ، يقال : تعبَّد فلان لفلان إذا تذلل له ، وكل خضوع ليس فوقه خضوع فهو عبادة ، طاعة كان للمعبود أو غير طاعة ، وكل طاعة لله على جهة المحبة والخضوع والتذلل فهي عبادة (6) .
والعبادة من جهة المعنى الشرعي تعني الخضوع التام المقترن بالإرادة وتعظيم المحبوب ، فإن كان الخضوع والطاعة بغير إرادة فلا تسمى عبادة ، بل هي في هذه الحالة إكراه وإلزام ، قال ابن القيم : ( والعبادة تجمع أصلين ، غاية الحب بغاية الذل والخضوع ، والعرب تقول : طريق معبد أي مذلل ، والتعبد التذلل والخضوع ، فمن أحببته ولم تكن خاضعا له لم تكن عابدا له ، ومن خضعت له بلا محبة لم تكن عابدا له حتى تكون محبا خاضعا ) (7) .
وقال أيضا : ( العبادة هي الحب مع الذل ؛ فكل من ذللت له وأطعته وأحببته دون الله فأنت عابد له ) (8) ، وقال ابن تيمية : ( فالإله الذي يألهه القلب بكمال الحب والتعظيم والإجلال والإكرام والخوف والرجاء ونحو ذلك ، وهذه العبادة هي التي يحبها الله ويرضاها ، وبها وصف المصطفين من عباده وبها بعث رسله ) (9) .
والمقصود بدعاء العبادة هو أثر أسماء الله ( على اعتقاد العبد وأقواله وأفعاله بحيث يراعي في سلوكه توحيد العبودية لله في كل اسم أو وصف على حدة ، فهو دعاء بلسان الحال أو دعاء سلوكي ومظهر أخلاقي وحال إيماني يبدو فيه المسلم موحدا لله في كل اسم من الأسماء الحسنى بحيث تنطق أفعاله أنه لا معبود بحق سواه وأنه بفعله هذا يشهد ألا إله إلا الله ، فالغَني يَظهر في سلوكه بمظهر الفقر توحيدا لله في اسمه الغني ، والقوي يظهر بمظهر الضعف توحيدا لله في اسمه القوي ، وهكذا يراعي كل اسم من أسماء الله في سلوكه دعاء وتعظيما وخشية وإجلالا (10) .(35/9)
والأصل في دعاء العبادة أنه لما كان مبنيا على الخضوع والتذلل والافتقار مع كمال المحبة والتعظيم ، فإنه في المقابل مبني على إثبات علو المعبود وتوحيده وتقديسه وتعظيمه ، وكلما ازداد الموحد طاعة وخضوعا وسجودا وتذللا وافتقارا كان أعلى توحيدا وأكثر تقديسا وتعظيما ، ومن ثم كان السجود للمعبود أعلى برهان على دعاء العبادة ، وأيضا فإن المسلم في سجوده يكون في أعلى درجات القرب من الله عز وجل ، روى مسلم من حديث أَبِي هريرة ( أن النبي S قال : ( أَقْرَبُ مَا يَكُونُ العَبْدُ منْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ ) (11) ، وعند أبي داود وحسنه الشيخ الألباني من حديث عقبة بن عامر ( أنه قال : ( لَمَّا نَزَلَتْ : ? فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ العَظِيمِ ? [الواقعة:74:12] ، قَالَ رَسُول اللهِ S : اجْعَلُوهَا في رُكُوعِكُمْ ، فَلَمَّا نَزَلَتْ : ? سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى ? [الأعلى:1] ، قَالَ : اجْعَلُوهَا في سُجُودِكُمْ ) (12) ، ولما كان السجود دليلا عمليا على توحيد العبادة للمعبود ، وأنهم لا ينازعون الله في اسمه الرب الأعلى الإله فإنه سبحانه وتعالى لعن إبليس وطرده من رحمته لمنازعته الربوبية والعلو والألوهية عند امتناعه عن السجود ، قال تعالى : ? قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ العَالِينَ ? [ص:75] ، وبين الله ( في سؤاله أن امتناعه كان طلبا للكبرياء أو العلو لا غير ، ولذلك طرده من رحمته وأخرجه من جنته : ? قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ? [الحجر:34/35] .(35/10)
والسجود للمعبود أو أداء الصلاة في الإسلام أمره عظيم ، ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة ، روى مسلم من حديث جابر بن عبد الله ( أنه قال : ( سَمِعْتُ النَّبِيَّ S يَقُولُ : إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالكُفْرِ تَرْكَ الصَّلاَةِ ) (13) ، وعند ابن ماجة وصححه الألباني من حديث بريدة بن الحصيب ( أن رسول الله S قال : ( العَهْدُ الذي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلاَةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ ) (14) ، وهذه الأحاديث وغيرها صريحة في أن من تركها بالكلية عامدا فقد خرج من الملة ، وقد ذكر ابن تيمية أن الكفر الوارد في ترك الصلاة بالكلية هو الكفر الأعظم وذكر وجوها كثيرة لذلك (15) .
ومن ثم فإن السجود للمعبود برهان التوحيد والطاعة والعبودية ، ونفي الاستكبار والمنازعة على الربوبية ، فالكبرياء شأن الرب وليس من شأن العبد ، ولا بد أن ينضم مع سائر المخلوقات في وصف الخضوع والسجود ، لأن الكون بأسره لا صلاح له إلا بتوحيد المعبود ، قال تعالى : ? لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ? [الأنبياء:22] ، ولذلك بين الله ( في غير موضع من القرآن وكذلك بين النبي S في السنة أن جميع الكائنات لها سجود وصلاة وتسبيح على نحو مخصوص لا يعلم كيفيته إلا الله ، قال تعالى : ? وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ? [الإسراء:44] ، وقال سبحانه أيضا : ? أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَه وَتْسبيحَه وَاللهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ? [النور:41]، وقال جل جلاله : ? وَللهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ? [النحل:49] .(35/11)
قال البغوي : ( ومذهب أهل السنة أن لله علما في الجمادات وسائر الحيوانات سوى العقلاء لا يقف عليه غيره ، ولها صلاة وتسبيح وخشية ، كما يجب على المرء الإيمان به ويكل علمه إلى الله تعالى ) (16) .
ويذكر ابن تيمية أن الاقتصار فقط على تفسير سجودها وتسبيحها بنفوذ مشيئة الرب وقدرته فيهما ودلالتها على الصانع فهو باطل ، لأن هذا وصف لازم دائم لها لا يكون في وقت دون وقت وهو مثل كونها مخلوقة محتاجة فقيرة إلى الله تعالى (17) .
وقال الشوكاني عن سجود المخلوقات وتسبيحها لله ? : ( التسبيح على حقيقته والعموم على ظاهره ، والمراد أن كل المخلوقات تسبح لله سبحانه ، هذا التسبيح الذي معناه التنزيه ، وإن كان البشر لا يسمعون ذلك ولا يفهمونه ، ويؤيد هذا قوله سبحانه : ? وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ? [الإسراء:44] ، فإنه لو كان المراد تسبيح الدلالة لكان أمرا مفهوما لكل أحد ) (18) ، وقد ذكر الله ? المقارنة بين الإنسان وغيره من المخلوقات في وصف السجود للمعبود وبين أنها تفوق عليه في هذه الصفة فقال سبحانه وتعالى : ? أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللهَ يسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ منْ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ العَذَابُ وَمَنْ يُهِنْ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء ? [الحج:18] ، فالله ? عبر عن سجودهن جميعا بالعموم فكلهن ساجدات بلا استثناء ، ولما عبر عن سجود الإنسان عبر بالخصوص ، والقصد أن دعاء العبادة مرتبط بتوحيد الله في أسمائه وصفاته وأفعاله وإثبات علو الشأن له وتعظيمه وتقديسه ، ولعل الأمر يتطلب الحديث عن دعاء العبادة وعلاقته بمقتضى الأسماء الحسنى لنصل إلى فهم دقيق لمعاني التوحيد .
( دعاء العبادة ومقتضى الأسماء الحسنى :(35/12)
لما خلق الله ? العباد خلقهم لحكمة إلهية تظهر مقتضى أسمائه الحسنى وصفاته العليا ، فلم يخلق الخلق عبثا ولم يترك العباد سدى ، قال تعالى : ? أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ ? [المؤمنون:115] ، وقال سبحانه : ? أَيَحْسَبُ الإنسان أَنْ يُتْرَكَ سُدىً ? [القيامة:36] ، فكل مخلوق مهما دق حجمه أو عظم شأنه وجوده له علة مرتبطة بأسماء رب العزة والجلال وما دلت عليه من أوصاف الكمال قال تعالى : ? وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلا بِالحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ? [الدخان:38/39] ، ومعنى الحق الحكم والغايات المحمودة التي لأجلها خلق الله ذلك كله ، وأعلى هذه الغايات أن يعبد ويعرف بأسمائه وصفاته وأفعاله وآياته ، وأن يحب ويدعى ويشكر ويذكر ، فالله ? له الكمال في أسمائه وأوصافه وأفعاله ولا بد من ظهور آثارها في العالم ؛ فمن أسمائه الرحمن الرحيم وهذا يقتضي مرحوما ورحمة ، ومن أسمائه المالك الملك المليك ، وهذا يقتضي وجود مُلك ومملوك ، ومن أسمائه المحسن ويقتضي ذلك وجود الإحسان ومن يحسن إليه من الخلق ، وهو سبحانه الرزاق ولا بد من وجود الرزق ومن يرزقه في هذا الملك ، وهو أيضا غفار حليم تواب ، جواد منان وهاب ، حفيظ لطيف وكيل رقيب ، قابض باسط قريب مجيب ، وهذه الأسماء تقتضي وجود مخلوقات تتعلق بها ، وآثار تعرف من خلالها ، فلم يكن بد من وجود متعلقاتها وآثارها وإلا تعطلت الأوصاف وبطلت الأسماء .(35/13)
ومن ثم كانت حكمة الله في وجود الخلائق وابتلائها ، وظهور الإنسانية واستخلافها ، فتظهر أنواع الكمالات للموحدين ومعنى التوحيد للخلائق أجمعين ويفهموا ثم حقيقة أمر الله ونهيه ، ودينه وشرعه ، وقضائه وقدره ، وكيف يدبر الأمر ويبرم القضاء ، ويتصرف في ملكه كيف شاء ، ويثيب ويعاقب بأنواع الجزاء فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته ، فيوجد ثم أثر عدله لأنه الحكم ، وأثر فضله لأنه المعطي المقيت ، وأثر حمده ومجده وشكره لأنه الحميد المجيد الشاكر الشكور ، وأثر لطفه وعفوه وتوبته ومغفرته لأنه اللطيف العفو التواب الغفور فيحمد على ذلك ويشكر ويذكر بالحمد في السماء والأرض يقينا من العباد أنه لا إله الله ولا معبود بحق سواه ، وأن عبادته تظهر آثار أسمائه وصفاته على تنوعها وكثرتها وعندها تشهد مخلوقاته بأن الله ربها وفاطرها ومليكها وأنه وحده إلهها ومعبودها .
والله ? من حكمته وعدله أنه جعل الإنسان خليفة في أرضه مستأمنا في ملكه لأنه قبل الأمانة حين رفضتها المخلوقات ، فقال سبحانه وتعالى : ? إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ? [الأحزاب:72] ، هذه المخلوقات في وضعها الأول قبل تهيئتها على هذا الحال شاركت الإنسان في مبدأ قبول الأمانة على شرط الجزاء والحساب والثواب والعقاب ، ومن لوازم التخيير وكمال العدل أنه كان من الممكن لهذه المخلوقات رفض الأمانة أو قبولها ، وكان من الممكن أيضا رفض الإنسان لحملها أو استجابة السماوات والأرض والجبال ، كل ذلك ليتحقق عدل الله في الكون ولا يكون لأحد حجة على خالقه ، قال تعالى : ? وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ? [الكهف:49] .(35/14)
والله ( يفعل ما يشاء في ملكه ، وكل شيء محكوم بقضائه وقدره ، إن شاء أجبر السماء على حمل أمانته ، وإن شاء أكره الأرض والجبال بقدرته ؛ إلا أن عدله من لوازم حكمته ، وتخيير المخلوقات في حمل الأمانة من كمال حجته ، واستقرار العالم على الرضا والمحبة من بديع صنعته ، ومن ثم بعد تخيير الله ( للسماوات والأرض والجبال في قبول الأمانة أو رفضها ، وبعد ممارسة حقهن في الاختيار ورفضهن لها كان من كمال عدله سبحانه أنه خيرهن مرة أخرى ، لكن التخيير هذه المرة في إظهار الرضا والطاعةِ التامة إذا كلفهن بعمل ما أو سخرهن لوظيفة ما حتى وإن كانت لصالح الإنسان الذي قبل الأمانة ؛ فاخترن جميعا الطاعة والخضوع لله ( يكلفهن بما شاء ، وسوف يلتزمن بأحكام القضاء على وجه الكمال ، وبهذا التخيير الثاني قامت المخلوقات على محبة الله تعالى والرضا بأمره في العمل على استقرار الكون وثباته وأمنه ، وذلك حتى تتحقق مسئولية الإنسان في حمل الأمانة ؛ فمن المعلوم أن أداء العمل المبني على الرضا أبلغ من العمل المبني على العدل فقط ، ولذلك خير الله المخلوقات في قضية التسخير للإنسان ، قال تعالى : ? ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ? [فصلت:11] ، والمعنى كما ذكره المفسرون استجيبا لأمر الله لتتهيأن على الوضع الذي يسمح للإنسان بأن يكون مستفيدا منكن أمينا في الأرض بينكن ، بحيث يتحقق فيكن الوضع الأكمل لاختباره وامتحانه ، ائتيا طوعا أو كرها ؟ قالتا : أتينا طائعين مسخرين خاضعين محبين راغبين تنفيذا لمراد رب العالمين .(35/15)
وبعد استجابة السماء والأرض وما عليها لمبدأ التسخير والطاعة فصل الله السماء عن الأرض وجعلها سبعا طباقا ، وزين السماء الدنيا بالنجوم والكواكب ، وثبت الأرض بالجبال بحيث لا يؤثر في استقرارها بركان أو زلزال ، كل ذلك ليتمكن الإنسان من الحياة في دار تناسب معنى الامتحان ، ويبقى مستقرا بين الكائنات في أمان إلى يوم القيامة ، لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن : كيف ظهر الكون والإنسان بحيث يتحقق فيه مقتضى الأسماء الحسنى ؟
لا بد أولا من فهم الأبعاد الاعتقادية لقضية استخلاف الإنسان في الأرض فالخلافة في اللغة تعني النيابة عن الغير ، ولا بد فيها من استخلاف المستخلِف بكسر اللام للمستخلَف بفتحها وإذنه له بها ، ولا تصح في اللغة بغير هذا البتة ، قال الراغب الأصفهاني : ( الخلافة النيابة عن الغير ، إما لغيبة المنوب عنه ، وإما لموته وإما لعجزه ، وإما لتشريف المستخلَف ، وعلى هذا الوجه الأخير استخلف الله أولياءه في الأرض ) (19).
كثير من السلف والخلف دارت أقوالهم حول رأيين اثنين ، فمنهم من يرى أن الإنسان خليفة ينوب عن الله في تنفيذ الأحكام والعمل بشريعة الإسلام ، وهذا قول ابن مسعود ( وبعض المفسرين ، ومنهم من يرى أن الخلافة هي خلافة قرن لقرن يخلف بعضهم بعضا ، وهذا قول ابن عباس ( وطائفة أخرى من المفسرين (20) .
والحقيقة أن استخلاف الإنسان في الأرض يشمل الأمرين معا ، وقد بينت ذلك تفصيلا في بحث مستقل عن بداية الكون والإنسان ، لكن يمكن القول بإيجاز إن الاستخلاف الوارد في القرآن له عند التحقيق معنيان :(35/16)
الأول : استخلاف عن نقص الأوصاف بحكم طبيعة الإنسان ، ويكون عند عجز المستخلِف عن القيام بملكه أو تدبير أمره ، إما لغيابه أو قلة علمه ، وإما لمرضه أو موته كاستخلاف القائد نائبا على جنده أو قومه ، كما ورد في قوله تعالى عن موسي ( : ? وَقَالَ مُوسَي لأخِيهِ هَارُونَ اخْلُفنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ المُفْسِدِين ? [الأعراف:142] .
الثاني : استخلاف عن كمال الأوصاف وذلك إذا كان لتشريف الإنسان وإكرامه أو اختباره وامتحانه ، وليس لعجز المستخلِف عن القيام بشؤونه كالطبيب في سنة الامتياز إذا فحص مريضا بين يدي الأستاذ ، فإن اجتاز الامتحان فقد فاز ونال الشرف بشهادة عظيمة ، وهذا معلوم في كل فطرة سليمة ، وإن لم يؤد الواجب على الوجه المطلوب فإن مصيره الرسوب طلبا للاجتهاد وتلاشي العيوب .(35/17)
إذا علم ذلك فإن الله ( وله المثل الأعلى لما قال لملائكته : ? إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ? [البقرة:30] ، تحقق في الخلافة المعنيان ، أن يخلف بعضهم بعضا على وجه النقص وتعاقب الأجيال بمرور الزمان ، وأن يكون الإنسان خليفة لله في الأرض على وجه الابتلاء والامتحان ، وبهذا يزول الإشكال ويتآلف الرأيان ، فقوله ( : ? آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ? [الحديد:7] ، يعني مستخلفين عمن سبق علي وجه النقص وتعاقب الأجيال ، ومستخلفين في أرض الله أيضا علي وجه الكمال ، وكل موضع فيه ذكر الاستخلاف فإنه يدل علي المعنيين معا ، أن الإنسان خليفة لمن سبق من الذرية عن نقص في الأوصاف البشرية ، وخليفة لله علي وجه الكمال استخلفه رب العزة والجلال لإظهار المعاني الشرعية غير أنه لا حول له ولا قوة في معاني الربوبية ، وهنا يظهر مقتضى توحيد العبد لربه في أسمائه وصفاته ، فالله استخلف الإنسان في الأرض وهو معه من فوق عرشه يتابعه ويراه ويسمعه ؛ لكنه بين أن استخلافه في هذه الدار علي وجه الابتلاء والاختبار ، وتخويله في الأمانة على وجه الترقب والانتظار ، وجزائه عند الحساب إما إلي جنة وإما إلي نار ، كما قال رب العزة والجلال : ? الذِي خَلَقَ المَوْتَ وَالحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ العَزِيزُ الغَفُورُ ? [الملك:2] ، وقال سبحانه وتعالى : ? إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ? [الإنسان:3] .(35/18)
وينبغي التنبه إلى أن استخلاف الإنسان في الأرض ليس عن غيبة المستخلِف كما يتوهم من لم يفهم الآيات علي الوجه الصحيح ، وظن أن الإنسان لو كان خليفة لله في الأرض لاقتضى ذلك معاني النقص في حق الله وأن الله ( ما غاب حتى يستخلف غيره ، وهذا يصح لو كان استخلافا مطلقا في معاني الربوبية ، لكن المقصود هو استخلاف مقيد على سبيل الابتلاء والامتحان ، كما أن الاستخلاف وإن اقتضى الغياب بين الناس في العادة إلا أنه في استخلاف الله للإنسان كان السبب المباشر في وجود عالم الغيب وعالم الشهادة ، وهذه قضيه كبيرة وحقيقة مثيرة كشفت عنها آيات كثيرة بينتها مفصلة في بحثنا بداية الكون والإنسان ، وهنا أقول وأؤكد إن استخلاف الإنسان في الأرض ترتب عليه تهيئة الكون في مرحلته الأخيرة بحيث يحقق معنى الابتلاء بوجود عالم الغيب والشهادة ، ولهذا أيضا هيأ الله الإنسان بمدارك محدودة لا يستطيع تجاوزها ، ومن ثم فإن الغيب والشهادة ليس بالنسبة لعلم الله بخلقه ولكن بالنسبة لعلم الإنسان بمخلوقات ربه فهي مسألة نسبية ، وذلك ليظهر مقتضى إيمان العبد بالغيب وتوحيده لله في أسمائه وصفاته ، فيوحد الله في اسمه العليم وما دل عليه الاسم من وصف العلم ، وأن علم الله علم مطلق شامل لكل صغيرة وكبيرة في الخلق ، قال الله ( : ? عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الكَبِيرُ المُتَعَالِ ? [الرعد:8] ، ويقر الموحد في المقابل بمحدودية علمه ولا يفتن به مهما بلغ شأنه ، قال ( : ? وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ العِلمِ إِلا قَلِيلا ? [الإسراء:85] ، ومطلوب منه أيضا ألا يدعي علم ما لا يخصه مما انفرد الله به كعلم الغيب وأمور التقدير والاطلاع على اللوح وما دون فيه من تقرير المصير ، قال تعالى : ? قُل لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ الغَيْبَ إِلا اللهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ? [النمل:65] .(35/19)
وكما وحد العبد ربه في اسمه العليم فإنه مطالب بتوحيده أيضا في اسمه السميع البصير الرقيب الخبير لأن علمه مهما بلغ محدود وحواسه لها حدود وقيود سيحاسب عليها في يوم موعود ، فمطلوب من جهة الأمر والتكليف والمدح والتشريف أن ينطق بشهادة الحق وأن يترك قول الزور ويتحرى الصدق ليكون وقافا عند حدود مداركه وينسب مطلق الكمال في الوصف إلى خالقه ، ومن ثم يوحد الله في اسمه السميع البصير الرقيب الخبير قال تعالى : ? وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا ? [الإسراء:36] ، وعند البخاري من حديث أبي بكرة عن أبيه ( أن رسول الله S قال : ( أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ ؟ قُلنَا : بَلَي يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ : الإِشْرَاكُ بِاللهِ وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ ، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقَالَ : أَلا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ أَلا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ ، فَمَا زَالَ يَقُولُهَا حتى قُلتُ : لا يَسْكُتُ ) (21) .(35/20)
ومن أجل ذلك أيضا كلف الله الإنسان بالتصديق الجازم لأركان الإيمان ، وأولها وأعلاها الإيمان بالله وربوبيته وأسمائه وصفاته واستحقاقه وحده توحيد العبودية ومعاني الألوهية ، فالموحد يجب أن يُصَدِّق الله في كل خبر عن عالم الغيب ، وينفذ ما أمره به وشرعه له في عالم الشهادة ، فالشريعة إنما هي توجيه للعبد في السلوك الأمثل تجاه ما استأمنه واسترعاه وخوله وابتلاه ، والأمانة في الأصل مرد الأمر فيها إلى ربها ومالكها ، وهكذا سيوحد المسلم ربه في أسمائه الحسنى ويعلم أن الله منفرد بها ، وأن ما منحه من أسماء وخلع عليه من أوصاف إنما كان ذلك بفضله ليشكر الله على نعمه ويوحده في اسمه ووصفه ، وأنه سبحانه ليس كمثله شيء ، فلا يتشبه بالله أو يشبه الله بخلقه ، أو يشبه المخلوق بالخالق ، لأن الشرك يُخرج العبد عن دوره في الحياة إلى منازعة الله في ربوبيته وإلوهيته وتعطيل أسمائه وصفاته ، فما منحه الله من اسم أو صف ينبغي أن يوحد الله فيه ؛ فإن خلع عليه وصف الغنى فلأن الله هو الغني وإن أكرمه بوصف القوة فلأن الله هو القوي ، وهكذا في كل وصف يناله العبد بفضل الله وكرمه وما أسبغ علينا من نعمه ، كل ذلك يدفع الموحد إلى توحيد الله في مقتضى أسمائه الحسنى وهي :(35/21)
الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ الأَوَّلُ الآخِرُ الظَّاهِرُ البَاطِنُ السَّمِيعُ البَصِيرُ المَوْلَى النَّصِيرُ العَفُوُّ القَدِيرُُ اللطِيفُ الخَبِيرُ الوِتْرُ الجَمِيلُ الحَيِيُّ السِّتيرُ الكَبِيرُ المُتَعَالُ الوَاحِدُ القَهَّارُ الحَقُّ المُبِينُ القَوِيُِّ المَتِينُ الحَيُّ القَيُّومُ العَلِيُّ العَظِيمُ الشَّكُورُ الحَلِيمُ الوَاسِعُ العَلِيمُ التَّوابُ الحَكِيمُ الغَنِيُّ الكَرِيمُ الأَحَدُ الصَّمَدُ القَرِيبُ المُجيبُ الغَفُورُ الوَدودُ الوَلِيُّ الحَميدُ الحَفيظُ المَجيدُ الفَتَّاحُ الشَّهيدُ المُقَدِّمُ المُؤخِّرُ المَلِيكُ المُقْتَدِرْ المُسَعِّرُ القَابِضُ البَاسِطُ الرَّازِقُ القَاهِرُ الديَّانُ الشَّاكِرُ المَنانَّ القَادِرُ الخَلاَّقُ المَالِكُ الرَّزَّاقُ الوَكيلُ الرَّقيبُ المُحْسِنُ الحَسيبُ الشَّافِي الرِّفيقُ المُعْطي المُقيتُ السَّيِّدُ الطَّيِّبُ الحَكَمُ الأَكْرَمُ البَرُّ الغَفَّارُ الرَّءوفُ الوَهَّابُ الجَوَادُ السُّبوحُ الوَارِثُ الرَّبُّ الأعْلى الإِلَهُ .(35/22)
ولما أدرك الموحدون هذه الحكم والغايات سعوا في تحقيق مقتضى الأسماء والصفات ، فجعلوا حياتهم لله وعقدوا قلوبهم على ترك مخالفته ومعاصيه ، هممهم مصروفة إلى القيام بما يحب ويرضى من الأقوال والأفعال ، فيقصدون من العبادة أكملها ، ومن الأوقات أولها ، امتلأت قلوبهم من معرفة الله ( ، وغُمرت بمحبته وخشيته وإجلاله ومراقبته ، فسرت المحبة في أجزائهم فلم يبق فيها عرق ولا مفصل إلا وقد دخله الحب ، قد أنساهم حبه ذكر غيره ، فامتلئوا بحبه عن حب من سواه وبذكره عن ذكر من سواه ، وبخوفه ورجائه والرغبة إليه ، والرهبة منه ، والتوكل عليه ، والإنابة إليه ، والسكون إليه ، والتذلل والانكسار بين يديه عن تعلق ذلك منهم بغيره ، فإذا صارت للموحد أسماء ربه وصفاته مشهداً لقلبه أنسته ذكر غيره وشغلته عن حب من سواه ، فحينئذ يكون الرب سبحانه سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشى بها ، فبه يسمع وبه يبصر وبه يبطش وبه يمشى ، فيبقى قلب العبد نورا لمعرفة محبوبه ومحبته وعظمته وجلاله وكبريائه ، وناهيك بقلب هذا شأْنه ، فيا له من قلب موحد خالص تقي نقي ، ما أَدناه من ربه وما أحظاه في قربه (22) .(35/23)
وإذا كانت بصيرة العبد منفتحة في معرفة الأَسماءِ والصفات والأفعال فإن شهودها الخاص يطابق ما جاءَ به الرسول S ولا يخالفه ، إذ أن المنهج الرباني هو في حقيقته توجيه من الله للعبد فيما ابتلاه واسترعاه ، والعبد مجرد أمين مخول مستخلف مبتلى ليس له في ملك سيده إلا الطاعة والخضوع التام ، والانقياد لما شرعه سيده من الأحكام ، فمن شأْن الموحدين أَن تنسلخ نفوسهم من التدبير والاختيار الذي يخالف تدبير ربهم واختياره ، بل قد سلموا إليه سبحانه التدبير كله ؛ فلا يزاحم تدبيرهم تدبيره ولا اختيارهم اختياره ، لتيقنهم أَنه الملك القاهر القابض على نواصي الخلق المتولي لتدبير الملك ، وتيقنهم مع ذلك أَنه الحكيم في أَفعاله الذي لا تخرج أَفعاله عن الحكمة والمصلحة والرحمة ، فلم يدخلوا أَنفسهم معه في تدبيره لملكه وتصريفه أُمور عباده بلو كان كذا وكذا لكان كذا وكذا ، ولا بليت ولعل وعسى ، بل ربهم ? أَجل وأَعظم في قلوبهم من أَن يعترضوا عليه أَو يتسخطوا تدبيره أو يتمنوا سواه ، وهم أَعلم بالله وأعرف بأسمائه وصفاته من أَن يتهموه في تدبيره أَو يظنوا به الإخلال بمقتضى حكمته وعدله ، بل الموحد ناظر بعين قلبه إلى باري الأَشياء وفاطرها ، ناظر إلى إتقان صنعته ، مشاهد للحكيم في حكمته ، لا يعيب إلا ما عابه الله ، ولا يذم إلا ما ذمه ، وإذا سبق إلى قلبه ولسانه عيب ما لم يعبه الله وذم ما لم يذمه الله تاب إلى الله منه ، روى البخاري من حديث أبي هريرة ( أنه قال : ( مَا عَابَ النَّبِيُ S طَعَامًا قَطُّ إِنِ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ وَإِلاَّ تَرَكَهُ ) (23) .(35/24)
والقصد أن السير إلى الله ( من طريق الأَسماءِ والصفات شأْنه عجيب لاسيما إذا اقترن بالفهم الصحيح لدور الإنسان في الحياة ، وأن الله استخلفه استخلافا مقيدا بالخضوع للتكليف وإظهار العبودية ، والعمل في أرض الله بالإرادة الشرعية ، وليس كما يفهمه البعض نيابة عن الله في معنى من معاني الربوبية ، أو مشاركة له في الأسماء والصفات الإلهية ، أو تخويلا لغيره في إرادته الكونية ، سبحانه وتعالى أن يتخذ شريكا له في ملكه ، أو يتخذ لنفسه وليا من الذل وينعزل عن خلقه ، قال تعالى : ? وقُل الحَمْدُ لِلهِ الذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي المُلكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنْ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ? [الإسراء:111] ، ومن ثم إذا ظلم الإنسان نفسه وخلع رداء العبودية لينازع ربه في وصف الربوبية ، أو يشاركه في العلو والكبرياء وعظمة الأوصاف والأسماء ، فليس للمشرك الظالم إلا الشقاء والحرمان ودوام العذاب في النيران ، وليس بعد البعد عن الجنان خسران ، روى أبو داود من حديث أبى هريرة ( أن رسول الله S قال : ( يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَل : الكِبْرِيَاءُ رِدَائِي ، وَالعَظَمَةُ إِزَارِي ، فَمَنْ نَازَعَنِي شَيْئًا مِنْهُمَا أَلقَيْتُهُ فِي جَهَنَّمَ ) (24) ، وعند مسلم من حديث عبد الله بن مسعود ( أن النبي S قال : ( لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ) (25) .(35/25)
وإذا كانت طبيعة العبد الأمين في علاقته بسيده الذي استودعه أمانة أن يرجع إليه في طلب العون والهداية ، فإن القرآن جاء بإحياء فطرة التوحيد في نفوس المستخلفين ورد الملك إلى رب العالمين ؛ لكي يبقى الإنسان في علاقته بربه دائم الصلة ، ويرجع علي الدوام إلى الذي خوله ، ويتوكل على الله في كل مسألة ؛ فيقف عند أوامر التكليف وقوف الموقنين الراسخين ، وحاله في الإيمان كحال القائلين : ? إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ً? [الفاتحة:5] ، فالتوحيد الحق أن يضع العبد في اعتقاده توحيد الربوبية ويُظهِر في سلوكه توحيد العبودية ، ويعظم الله في أسمائه وصفاته بالقلب واللسان والجوارح ، ويصرف إليه كل معاني العلو والتوحيد ، وهذا هو المقصود من دعاء العبادة ، قال تعالى : ? هُوَ الحَيُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ ً? [غافر:65] ، وقال سبحانه : ? وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ? [غافر:60] ، وقال ? أيضا : ? وَللهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّل عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ً? [هود:123] ، وروى مسلم من حديث ابن عمر ( أن النبي S كان يقول عند سفره : ( سُبْحَانَ الذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ ، اللهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا البِرَّ وَالتَّقْوَى وَمِنَ العَمَلِ مَا تَرْضَى ، اللهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ ، اللهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ ، وَالخَلِيفَةُ فِي الأهْلِ ، اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ ، وَكَآبَةِ المَنْظَرِ(35/26)
، وَسُوءِ المُنْقَلَبِ فِي المَالِ وَالأهْلِ ) (26) .
فانظر إلى قوله S والخليفة في الأهل ، فيه كمال التواضع والافتقار ؛ لأن الله لما استخلف النبي S في أهله واسترعاه فيهم وأودعهم أمانة عنده على سبيل الابتلاء والاختبار ، كان سلوك النبي S في المقابل هو طلب العون والدعاء ، وإظهار مقتضى التوحيد في الأسماء ، وأن بداية الأمر منه وتمامه عليه ومنتهاه إليه ، فطلب العون من ربه واعترف له بعجزه ، واعترف بضعفه في إبقاء الأمانة محفوظة على شرعه ، فدعا ربه أن يكون خليفته في أهله وأن يعاونه في المحافظة عليهم ، وكأنه يعيد الأمانة أو الوديعة إلى صاحبها .(35/27)
ومن هنا نعلم أثر الأسماء الحسنى وما تضمنته من الصفات ، وظهور أثر كمالها المقدس وارتباطه بحكمته سبحانه في المخلوقات ، وظهور بواعث محبته على الوجه الذي تشهد العقول والفطر بمقتضاه ؛ فتشهد حكمته الباهرة في كل فعل أو حكم قضاه ، وأنه سبحانه الجواد الذي يحب أن يجود ، والعفو الذي يحب أن يعفو والغفور الذي يحب أن يغفر ، وأنه لا بد من لوازم ذلك خلقا وشرعا ، وأن الله يحب أن يثنى عليه ، ويمدح ويمجد ، ويسبح ويعظم إلى غير ذلك من الحكم ، وقد أثنى الله على عباده المؤمنين حيث نزهوه عن إيجاد الخلق لا لشيء ولا لغاية فقال سبحانه وتعالى : ? إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ الذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ? [آل عمران:190/191] ، وأخبر أن هذا ظن أعدائه لا ظن أوليائه ، فقال : ? وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ? [ص:27] (27) ، فالله ( أبرز خلقه من العدم إلى الوجود ليجري عليه أحكام أسمائه وصفاته ؛ فيظهر كماله المقدس وإن كان لم يزل كاملا ، وإذا أدرك الموحد ذلك كانت حقيقة توحيده ودعاء العبادة في اعتقاده وأقواله وسلوكه بادية في إفراده سبحانه بكماله في خلقه وأمره ، وقضائه وقدره ، ووعده ووعيده ، ومنعه وإكرامه ، وعدله وفضله ، وعفوه وإنعامه ، وسعة حلمه وشدة بطشه ، وأن الله قد اقتضى كماله المقدس أنه كل يوم هو في شأن فمن جملة شؤونه أن يغفر ذنبا ، ويفرج كربا ، ويشفي مريضا ، ويفك عانيا ، وينصر مظلوما ويغيث ملهوفا ، ويحبر كسيرا ، ويغني فقيرا ، ويجيب دعوة ، ويقيل عثرة ويعز ذليلا ، ويذل(35/28)
متكبرا ، ويقصم جبارا ، ويميت ويحيي ، ويضحك ويبكي ويخفض ويرفع ، ويعطي ويمنع ، ويرسل رسله من الملائكة ومن البشر لتنفيذ أوامره وسوق مقاديره التي قدرها إلى مواقيتها التي وقتها ، وهذا كله لم يكن ليحصل إلا في دار ابتلاء وامتحان واستخلاف للإنسان في الأرض (28) .
قال ابن قيم الجوزية : ( لا بد من ظهور أثر هذه الأسماء ووجود ما يتعلق به ؛ فاقتضت حكمة الله أن أنزل الأبوين من الجنة ليظهر مقتضى أسمائه وصفاته فيهما وفي ذريتهما ، فلو تربت الذرية في الجنة لفاتت أثار هذه الأسماء وتعلقاتها ، والكمال الإلهي يأبى ذلك فإنه الملك الحق المبين ، والملك هو الذي يأمر وينهي ، ويكرم ويهين ، ويثيب ويعاقب ، ويعطي ويمنع ، ويعز ويذل فأنزل الأبوين والذرية إلى دار تجري عليهم هذه الأحكام ) (29) .(35/29)
وهكذا حال الإنسان لما حمل الأمانة ورفضتها المخلوقات هيأ الله الكون ليحقق معنى استخلافه في الأرض ، بحيث يقوم الأمر على وجود مستخلِف ومستخلَف ومستخلَفٍ عليه ، ومبتلِى ومبتلَى ومبتَلَى به ، وأمين وأمانة ومالك لها ، فالإنسان أمين في ملك الله وجاز أن ينسب إليه الملك على سبيل الاستخلاف والابتلاء والأمانة ، والله ( مالك للأمانة حقيقة وهو المنفرد بالخلق والأمر وتدبير الملك ، فله مطلق التدبير الكوني وله حق التدبير الشرعي على سائر العباد ، والأرض هي محل الابتلاء والأمانة التي سيسأل عنها الإنسان ، والله سيعطي من خيراتها من يشاء على سبيل الأمانة والتخويل والابتلاء ، وعلى هذا يصح القول بأن الإنسان خليفة الله في الأرض لإظهار معاني العبودية فقط ، من القيام بشرعه وتنفيذ أمره ، سواء كان على المعنى الخاص الذي يراد به الإمام أو الحاكم أو الأمير والسلطان ، أو المعنى العام الذي يتناول جنس بني الإنسان ، فإن أدى كل فرد الأمانة وأطاع ربه ووحد خالقه وكان خاضعا له على نحو ما أراده منه في دار الابتلاء ، أبقاه مكرما في الجنة ودار الجزاء على هذا الشرف الذي ناله عند عرض الأمانة في الابتداءً ، وأما إن كفر بربه ومستخلفه وظلم نفسه وأشرك به فهو ظلوم جهول خاسر في الدنيا والآخرة .(35/30)
ويذكر ابن القيم أن يوم الميعاد الأكبر هو يوم مظهر الأسماء والصفات وأحكامها ولهذا يقول سبحانه : ? يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ المُلكُ اليَوْمَ للهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ ? [غافر:16] ، وقال جل جلاله : ? المُلكُ يَوْمَئِذٍ الحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى الكَافِرِينَ عَسِيراً ? [الفرقان:26] ، وقال تعالى : ? يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ للهِ ? [الانفطار:19] ، حتى إن الله سبحانه ليتعرف إلى عباده في ذلك اليوم بأسماء وصفات لم يعرفوها في هذه الدار ، فهو يوم ظهور المملكة العظمى والأسماء الحسنى والصفات العلى ، فتأمل ما أخبر به الله ورسوله S من شأن ذلك اليوم وأحكامه وظهور عزته تعالى وعظمته وعدله وفضله ورحمته وآثار صفاته المقدسة ، وكيف أن دار الابتلاء جرى على أهلها أيضا مقتضى الأسماء ثم أعقبها دارا للجزاء يجري على أهلها أيضا أحكام الأسماء والصفات ، ومن ثم فإن تعطيل أسمائه وصفاته عن مقتضاها تعطيل لربوبية الله وعزته ، وملكه وإلوهيته ، وعدله وحكمته ، ومن فتح الله له بابا من الفقه في أحكام الأسماء والصفات أدرك بولوجه اختصاصها لآثارها واستحالة تعطيلها ، وكيف تعلقت بمقتضياتها ؟ فإنه بلغ أعظم نعمة وأكبر منة يمن بها الله على عباده ، وهذا باب عزيز من أبواب الإيمان يفتحه الله على من يشاء ويحرم منه من يشاء (30) .
( التفاضل والتكامل بين دعاء المسألة ودعاء العبادة :(35/31)
هل دعاء العبادة أفضل أم دعاء المسألة ؟ تكلم البعض في التفاضل بين نوعي الدعاء من حيث التقديم والتأخير في الدرجة والرتبة ؛ فقدم بعضهم دعاء المسألة وقد الآخرون دعاء العبادة ، والقضية بين نوعي الدعاء قضية تكامل يتكامل كل نوع مع الآخر في تحقيق توحيد العبودية ، لأن العبودية أو الإيمان تحقيقها يكون بالقلب واللسان والجوارح ، وأحكام العبودية موجهة إلى كل منها ، فدعاء المسألة غالبا ما يكون بقول اللسان ، ودعاء العبادة غالبا ما يكون بالجنان والأركان ، فالأصل في اللسان القول ووظيفته الأولى التي خلق من أجلها ومن الله على الإنسان بها هي إخراج ما في القلب من علم أو فكر أو نية أو عمل حسب المراد عند الخطاب مع الآخرين ، وهو الوسيلة الأولى للتفاهم والتفاعل معهم وبه صار متكلما ، والأصل في الجوارح الاستطاعة والعمل ثم الخضوع والطاعة والانقياد ، وأحكام العبودية موزعة على هذه الأركان بحيث تتكامل في مجموعها لأداء الغاية التي خلق من أجلها الإنسان .
قال ابن القيم : ( ورحى العبودية تدور على خمس عشرة قاعدة من كملها كمل مراتب العبودية ، وبيانها أن العبودية منقسمة على القلب اللسان والجوارح ، وعلى كل منها عبودية تخصه ، والأحكام التي للعبودية خمسة ، واجب ومستحب وحرام ومكروه ومباح ، وهي لكل واحد من القلب واللسان والجوارح ) (31) .(35/32)
والله عز وجل جعل العبودية غاية ما ينتهي إليه الموحدون فقال تعالى : ? وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ ? [الذاريات:56] ، قال ابن تيمية : ( هذه اللام ليست هي اللام التي يسميها النحاة لام العاقبة والصيرورة .. هي اللام المعروفة وهي لام كي ولام التعليل التي إذا حذفت انتصب المصدر المجرور بها علي المفعول له ، وتسمي العلة الغائية وهي متقدمة في العلم والإرادة متأخرة في الوجود والحصول ، وهذه العلة هي المراد المطلوب المقصود من الفعل .. فمقتضي اللام في قوله وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون الإرادة الدينية الشرعية ، وهذه قد يقع مرادها وقد لا يقع ، فهو العمل الذي خلق العباد له ) (32) .
ولما كانت الغاية هي تحقيق العبودية وتوحيد الله فيها فإن أداءها يتكامل في ذات العبد بين دعاء المسألة ودعاء العبادة ، وقد تقدم أن دعاء العبادة هو مقتضى قول العبد : ? إِيَّاكَ نَعْبُدُ ? [الفاتحة:5] ، ويكون بلسان الحال ، أو هو تعبد لله يظهر التوحيد في كل اسم من أسمائه وكل وصف من أوصافه ، بحيث تنطق أفعاله بشهادة لا إله إلا الله وأنه لا معبود بحق سواه ، أما دعاء المسألة فهو مقتضى قول الموحدين في دعائهم : ? وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ? [الفاتحة:5] ، وهو استعانة منهم بلسان المقال ، وطلب ما ينفع الداعي من جلب منفعة أو دفع مضرة ، فيسأل الله بأسمائه الحسنى التي تناسب حاجته وحاله ومطلبه ، ويتوسل إلى الله بذكرها وذكر ما تضمنته من كمال الأوصاف وجلالها ، ويردد في دعائه من أسماء الله ما يناسبه عند تقلب الأحوال وقد تقدم ذكر ذلك في الجزء الخاص بدعاء المسألة .(35/33)