كما نجد الشيخ محمد جواد مغنية الرافضي ينتقد ولاية الفقيه في كتاب أسماه ( الخميني و الدولة الإسلامية ) الذي قال فيه : ( إن التفاوت في المنزلة يستدعي التفاوت في الآثار لا محالة و من هنا كان للمعصوم الولاية على الكبير والصغير حتى على المجتهد العادل ، و لا ولاية للمجتهد على البالغ الراشد ، و ما ذاك إلا لأن نسبة المجتهد إلى المعصوم تماماً كنسبة القاصر إلى المجتهد العادل ) (1).
لذلك يصل جواد مغنية الرافضي ومن أخذ برأيه إلى نتيجة مفادها أنه : ( لا دليل على وجوب طاعة الفقيه كالإمام المعصوم ، رغم ورود أخبار تبين أن العلماء كالأئمة فالإنصاف يقتضي الجزم بأن مقام العلماء لنشر الأحكام الشرعية ، لا كون العلماء كالأنبياء و الأئمة المعصومين ) (2).
الخاتمة :
و مما سلف يتبين لنا النتائج التالية :
إن أصحاب عقيدة ولاية الفقيه يرون أن تولي الفقيه لمصالح الناس إنما هو تنفيذ لأوامر الله و رسوله و إمامهم الغائب المزعوم ، لأن الإمام عند الرافضة معين من قبل الله تعالى و حيث إن هذا الإمام غائب و أن رجعته غير معلومة ، فإن الفقيه نائب عن ذلك الإمام الغائب في كل صلاحياته و مميزاته .
إن بدعة ولاية الفقيه ما هي من حيث النظرية و التطبيق إلا الابن التوءم لعقيدة البهائية الذين يعتقدون أن إمامهم ناطق بعلم الإمام المستور و أنه الباب إليه .(3)
من خلال استقراء آراء مخالفي عقيدة ولاية الفقيه ( من الشيعة الروافض أنفسهم ) يتبين لنا أنه لا يوجد عند الشيعة ما يدل على وجوب طاعة الفقيه طاعة عامة مطلقة كطاعة إمامهم الغائب ومما يعني عدم شرعية ولاية الفقيه و بالتالي بطلان تأسيس ما يسمى بجمهورية إيران الإسلامية بحسب قواعد الشيعة أنفسهم .
__________
(1) - الخميني والدولة الإسلامية ، ص 61- 62.
(2) - المصدر السابق ص 63.
(3) - انظر تاريخ المذاهب الإسلامية ، محمد أبو زهرة ، ص 212.(195/24)
إن إثبات عقيدة ولاية الفقيه تنتهي عند الشيعة إلى مساواة الفقيه بإمامهم المعصوم صاحب المقامات العليا التي تتغلب حتى على الأنبياء و هذا مخالف لكل منقول و معقول .
إن الفكر الشيعي المعاصر يعيش في مأزق خطير يتمثل في استحالة التوفيق بين بدعة الإمام المعصوم و عودته و بدعة ولاية الفقيه بصلاحياته المطلقة (1).
إن عقيدة الشيعة قائمة على أن الدولة الشيعية لا تقوم بشكل شرعي إلا بظهور الإمام الغائب مما يعني أن تلك العقيدة أصبحت من الأوهام الخيالية عند أصحاب بدعة ولاية الفقيه الذين ضربوا بعرض الحائط كل آمال الشيعة و تاريخهم في الإمام الغائب و عودته . ذلك أن إعطاء الحق للأمة في اختيار الفقيه النائب عن الإمام الغائب يعتبر مناقضاً لأصول الشيعة في إنكارهم حق الأمة في اختيار إمامها باعتبار أن الإمامة لطف إلهي أوجبه الله على ذاته – و العياذ بالله تعالى – فلا يجوز بأي حال من الأحوال فعله و هم الذين أنكروا على الصحابة الكرام - رضوان الله عليهم – اختيارهم للخلفاء الراشدين بالشورى بين أهل الحل و العقد . و هاهم اليوم بعد كل هذه الفتن التي حاكوها ضد أهل السنة و الجماعة يعطون الحق للأمة في اختيار إمامها .
و أخيراً أختم هذا البحث بقول شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله تعالى عندما قال في الرافضة :
( هم أعظم ذوي الأهواء جهلاً و ظلماً يعادون خيار أولياء الله تعالى ، من النبيين ، من السابقين الأوليين من المهاجرين و الأنصار و الذين اتبعوهم بإحسان – رضي الله عنهم و رضوا عنه – يوالون الكفار و المنافقين من اليهود و النصارى و المشركين و أصناف الملحدين ، …. ) (2).
__________
(1) - عقيدة العصمة بين الإمام المعصوم و الفقيه عند الشيعة ، د. محمد الخطيب ، ص 225.
(2) -منهاج السنة النبوية ، ج1/20.(195/25)
( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ* لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) ( سورة البقرة : 286-285 ) .
كتبه
العبد الفقير إلى ربه
مسلم محمد جودت اليوسف
الأحد 13 ذي الحجة 1425هـ الموافق لـ 23/1/2005م
abokotaiba@hotmail.com
http://saaid.net/Doat/moslem(195/26)
بسم الله الرحمن الرحيم
نصائح وفتاوى إسلامية
حقائق عن
الشيعة الرافضة الإمامية
إعداد
شريف بن علي الراجحي
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
... الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وأصحابه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .. أما بعد :
... فكم هو ثقيل على المسلم ، وعسير عليه ، أن يرى أقواماً يتدينون بسب سلف هذه الأمة ، ولعنهم ، والبراءة منهم ، ومن أتباعهم ، ثم يرى من أهل السنة من يدافع عن أولئك الأقوام ، بل ويدعوا إلى التعاون معهم ، بل قد يزعم أن الخلاف بيننا وبينهم خلاف سياسي قديم ، وفرعي ، وربما في بعض الأصول ، بل إنك ليزداد عجبك ، وتطول حيرتك ، من ورع البعض البارد العجيب ، في عدم التشنيع على الشيعة الرافضة ، وعدم مؤاخذتهم بما في كتبهم وأشرطتهم وبما يقوله علماءهم !! وإنك لتذهل وتدهش من رقة شعور وأحاسيس بعض أهل السنة ، حينما يصورون - رداً - ما - على طائفة الرافضة ، بأن فيه زيادة في إهانتهم ، لربما فسرت بأنها ناتجة عن حقد وكراهية. فلو خفف اللفظ ، وغُير هذا وبُدل هذا !! وسبحان الله أليس الله تعالى يقول : { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } ويقول : { ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل } فحينما تبين وتوضح ، وترد ، ولا تعتدي ولا تتجاوز ، فمهما بلغت القوة والقسوة فلا تثريب ولا عيب ، ما دمت مدافعاً عن الحق وناصراً له ، ضد أعداء الله وأعداء الإسلام والمسلمين ؛ ويالله : من يرضى أن يُكفر أباه ويسب ويشتم ويوصف بالخنزير وولد الزنا واللعين وغير ذلك ؟! من يرضى بذلك لوالده ؟! ومن يرضى أن تكفر أمه وتوصف بالشيطانة وتلعن ويقال عنها فاجرة وكذابة ومتآمرة وغير ذلك ؟! من يرضى ذلك لأمه ووالدته ؟! وما هو موقفه ممن قال ذلك في والديه وإخوانه ، ونشر ذلك وتبناه ؟! والجواب معروف ولا شك ، إنه العداوة له ، والبغض له ، والكراهية له ! فإذن من تكلم(196/1)
في الصحابة – رضي الله عنهم – وتكلم في أمهات المؤمنين وخصوصاً عائشة وحفصة – رضي الله عنهن – بما سبق ذكره وأكثر ، ما هو الموقف منه ؟ إن الموقف منه يكون على قدر إيماننا ، وصحة عقيدتنا ، وكيف لا نغار ولا ندافع عن خير القرون ، وخير الأصحاب. وخير الأمهات !! وكيف لا ندافع عمن شهد الله لهم بالإيمان ، وأشهد عباده أنه رضي عنهم !! ليت أولئك الذين يدافعون عن الشيعة الرافضة ، ليتهم يصمتون ، ليتهم يخجلون ! إن كان اعتقاد أولئك الأشرار في الأصحاب والأمهات الأبرار ، لم يحرك فيكم غيرة إيمانية ، أو حرقة إسلامية ، أو شهامة ونخوة دينية ، فبؤساً والله لكم وتعسا ، فالله الله في أنفسكم ، راجعوا دينكم ، وإسلامكم ، وعقيدتكم ، وتوبوا إلى الله من موالاة أعداءه ، وتوبوا إلى الله ، من التقرب والتودد والتلطف الذي تصنعونه مع أعداء الله ، والذين لن يرضيهم إلا أن تسيل دماء أهل السنة ، كما سالت في بغداد بمعاونتهم للتتار ، وكما سالت في لبنان ، وكما سالت في إيران !! وإلى الله المشتكى .
ولا تغرنك المقولة الساذجة : بأنهم أحمال وديعة ودوابٌ سليمة ، فإنهم إذا تمكّنوا لا يتّقون ، كما نبه إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – والعاقل من اتعظ بغيره.
مقتطفات من كتب الشيعة الرافضة
الناصبي عندهم من أقر بخلافة الشيخين أبي بكر وعمر – رضي الله عنهما – ص321 جـ2 – الصراط المستقيم.
السني عندهم اتخذ الشياطين أولياء من دون الله بتوليه للخلفاء الأربعة. ص279 – جـ2 – الصراط المستقيم.
من شروط الإسلام عندهم البراءة من الشيخين – ص88 – جـ2 – الصراط المستقيم.
الشيخين عند الرافضة أولاد زنا. ص95 – جـ2- الصراط المستقيم.
أبو بكر – رضي الله عنه – عندهم هو خليفة الشيطان – ص299 – جـ2 – الصراط المستقيم.(196/2)
يقولون "الأول والثاني – يعني الشيخين – عليهما لعائن الله كلها كانا والله كافرين مشركين بالله العظيم – ص333 – جـ2 – الصراط المستقيم.
أبو بكر وعمر وعثمان عندهم هم العجل وفرعون والسامري – ص343 – جـ2 – الصراط المستقيم.
أبو بكر وعمر وعثمان عندهم ، هم كلاب الجحيم وخنازيرها – ص344 جـ2 – الصراط المستقيم.
أئمتهم حينما يرمون الجمرات في الحج فإنهم إنما يرمون أبا بكر وعمر – ص274 – بصائر الدرجات.
أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – عندهم هي أم الشرور – ص465 – جـ2 – الصراط المستقيم.
أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – عندهم هي قرن الشيطان – ص468 – جـ2 – الصراط المستقيم.
يكفرون عائشة وحفصة – رضي الله عنهن – ص472 – جـ2 – الصراط المستقيم.
يصرحون بأن الله لم يبرئ عائشة – رضي الله عنها – من الزنا – ص469 جـ2 – الصراط المستقيم.
يلقبونها – رضي الله عنها – بالفاجرة – ص350 جـ2 – الصراط المستقيم.
الحجاج من غير الشيعة الرافضة قردة وخنازير – ص305 – تفسير العسكري.
الرافضي إذا صافح سنياً فهو مأمور أن يغسل يده – ص475 – جـ2 – الأصول من الكافي.
السني عندهم أشر من ولد الزنا – ص462 – جامع الأخبار.
السني عندهم أشر من الكلب – ص362 – جـ2 – الصراط المستقيم.
السني عندهم شر من عابد وثن – ص362 – جـ2 – الصراط المستقيم.
السني عندهم كعابد وثن – ص334 – بصائر الدرجات.
السني عندهم في النار – ص362 – جـ2 – الصراط المستقيم.
أهل السنة ذباب وبق – ص404 – معاني الأخبار.
أهل السنة كلاب - ص362 – جـ2 – الصراط المستقيم.
أهل السنة غثاء – ص26 – جـ1 – الأصول من الكافي.
أهل السنة مخلوقون من طين سجين – ص32 – بصائر الدرجات.
أهل السنة مخلوقون من طينة خبال من حمأ مسنون – ص33 – بصائر الدرجات.
أهل السنة مخلوقون من طينة النار – ص33 – بصائر الدرجات.(196/3)
علي – عندهم – يدخل الجنة من شاء ويدخل النار من شاء – ص386 – بصائر الدرجات.
علي – عندهم – معه مفاتيح الجنة ومقاليد النار – ص386 – بصائر الدرجات.
* ليعلم أن هذه الكتب سالفة الذكر ، لها مقام رفيع عند الشيعة الرافضة ، ولها عندهم قبول وتقدير ، ويكيلون لمؤلفيها الثناء والدعاء ، والمدح والإطراء.
* ليعلم أن من أهل السنة من وصل حاله إلى الغفلة والسذاجة ، ويسيمها البعض – طيبة زائدة – فهذه النقول لعلها أن توقظهم وتنبههم.
* ليعلم أن ما ذكر ما هو إلا قليل ، وليس المراد سوى التذكير ببعض ما عند القوم، وما خفي كان أعظم !! وفيما سبق ، ما تنهد الجبال من سوءه ووقاحته ، وخبثه، ونجاسته ، وإلى الله المشتكى ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، ورضي الله عن الصحابة أجمعين ، وعن أمهاتنا أمهات المؤمنين ، ولعن الله أعداء ذلك الجيل الفريد خير القرون ، ولعن الله الشيعة الرافضة المنتهكين لاعراض المسلمين السابقين واللاحقين…آمين.
فتاوى
1- س : ما حكم عوام الروافض الإمامية الاثنى عشرية ؟ وهل هناك فرق بين علماء أي فرقة من الفرق الخارجة عن الملة وبين أتباعها من حيث التكفير أو التفسيق؟
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه … وبعد :(196/4)
جـ- من شايع من العوام إماماً من أئمة الكفر والضلال ، وانتصر لسادتهم وكبرائهم بغياً وعدواً حكم له بحكمهم كفراً وفسقاً ، قال الله تعالى : { يسألك الناس عن الساعة } إلى أن قال : { وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا . ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعناً كبيراً } واقرأ الآية رقم 165،166،167 من سورة البقرة ، والآية رقم 37،38،39 من سورة الأعراف ، والآية : رقم 21،22 من سورة إبراهيم ، والآية رقم 28،29 من سورة الفرقان ، والآيات رقم 62،63،64 من سورة القصص والآيات رقم 31،32،33 من سورة سبأ ، والآيات رقم 20 حتى 36 من سورة الصافات ، والآيات 47 حتى 50 من سورة غافر وغير ذلك في الكتاب والسنة كثير ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قاتل رؤساء المشركين وأتباعهم وكذلك فعل أصحابه ولم يفرقوا بين السادة والأتباع .وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء(1)
عضو
عضو
نائب رئيس اللجنة
الرئيس
عبدالله بن قعود
عبدالله بن غديان
عبدالرزاق عفيفي
عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
2- س: هل الطريقة الشيعة الإمامية من الإسلام ؟ ومن الذي اخترعها ؟ لأنهم أي الشيعة ينسبون مذهبهم لسيدنا علي كرم الله وجهه ، وأيضاً إذا لم يكن مذهب الشيعة من الإسلام ما الخلاف بينه وبين الإسلام ؟ وأرجو من فضيلتكم وإحسانكم بياناً واضحاً شافياً بالأدلة الصحيحة خصوصاً مذهب الشيعة وعقائدهم وبيان بعض الطرق المخترعة في الإسلام؟
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه … وبعد :
مذهب الشيعة الإمامية مذهب مبتدع في الإسلام أصوله وفروعه ، ونوصيك بمراجعة كتاب "الخطوط العريضة" و "مختصر التحفة الاثنى عشرية" و "منهج السنة" لشيخ الإسلام ، وفيها بيان الكثير من بدعهم .
__________
(1) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ، جـ2 العقيدة. ص267-268.(196/5)
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء(1)
عضو
نائب رئيس اللجنة
الرئيس
عبدالله بن غديان
عبدالرزاق عفيفي
عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
قال الشيخ عبدالعزيز بن باز – رحمه الله - :
3- "إن كانت هذه الطائفة تعبد أهل البيت كعلي وفاطمة والحسن والحسين – رضي الله عنهم – أو غيرهم من أهل البيت ، بدعائهم والاستغاثة بهم ، وطلب المدد ونحو ذلك ، أو كانت تعتقد أنهم يعلمون الغيب ، أو نحو ذلك مما يوجب خروجهم من الإسلام ، فإنهم والحال ما ذكر : كفار ، لا تجوز مناكحتهم ولا موادتهم ولا أكل ذبائحهم ، بل يجب بغضهم والبراءة منهم حتى يؤمنوا بالله وحده"(2).
وقال غفر الله له :
4- "من مات على سب أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنهم – أو على تهمة أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – فقد مات على غير الإسلام ، لأنه مكذب لله سبحانه ، ولرسوله صلى الله عليه وسلم لأنه سبحانه قد أثنى على الصحابة ورضي عنهم وبرأ عائشة من التهمة في كتابه الكريم"(3).
وقال رحمه الله :
5- "من عرف بدعاء الاموات والاستغاثة بهم والنذر لهم ونحو ذلك من أنواع العبادة فهو : مشرك كافر ، لا تجوز مناكحته ولا دخوله المسجد الحرام ولا معاملته معاملة المسلمين ولو ادعى الجهل حتى يتوب إلى الله من ذلك… ولا يلتفت إلى كونهم جهالاً ، بل يجب أن يُعاملوا معاملة الكفار حتى يتوبوا إلى الله من ذلك"(4).
الإمام الحافظ ابن كثير – رحمه الله – قال :
__________
(1) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ، جـ2 العقيدة ، ص268.
(2) الأجوبة المفيدة عن بعض مسائل العقيدة – العلامة عبدالعزيز بن باز – ص25-26.
(3) الأجوبة المفيدة عن بعض مسائل العقيدة – العلامة عبدالعزيز بن باز – ص45.
(4) فتاوى مهمة تتعلق بالعقيدة – الشيخ ابن باز ، ص49-50.(196/6)
6- "ومن ظن بالصحابة – رضوان الله عليهم – ذلك -(1) فقد نسبهم بأجمعهم إلى الفجور والتواطئ على معاندة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومضادته في حكمه ونصّه ، ومن وصل من الناس إلى هذا المقام : فقد خلع ربقة الإسلام ، وكفر بإجماع الأئمة الأعلام ، وكان إراقة دمه أحل من من إراقة المدام"(2).
وقال السرخسي – رحمه الله - :
7- "فمن طعن في الصحابة فهو ملحد منابذ للإسلام ، دواءه السيف إن لم يتب"(3).
* ومحمد صديق – رحمه الله – يقول :
8- "فمن نال من الصحابة أو طعن فيهم أو سبهم فلا شك ولا ريب أنه من أصحاب النار ، لأنه عارض الله في كتابه ، وإخباره بمزيد فضلهم ، برأيه الفاسد ، ولم يقبل دليل القرآن ، ومن أنكر حرفاً من القرآن فقد خرج عن الإسلام ودخل في الكفر بلا ارتياب ، فسحقاً للرافضة اللاعنين لهم ، والسابّين إياهم .. وقد قال سبحانه { ليغيظ بهم الكفار}(4).
* مجموعة من العلماء – رحمهم الله - :
__________
(1) ذلك : أي أنهم تآمروا على علي – رضي الله عنه – وصرفوا الخلافة عنه.
(2) البداية والنهاية ، جـ5 ، ص264.
(3) عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام – رضي الله عنهم – د. ناصر الشيخ – جـ2 ، ص857.
(4) الدين الخالص – محمد صديق ، جـ3 ، ص260.(196/7)
9- "أما الرافضة فأفتينا الإمام أن يلزموا بالبيعة على الإسلام ، ويمنعهم من إظهار شعائر دينهم الباطل ، وعلى الإمام أيده الله : أن يأمر نائبه على الأحساء يحضرهم عند الشيخ ابن بشر ويبايعونه على دين الله ورسوله ، وترك الشرك ، من دعاء الصالحين من أهل البيت وغيرهم ، وعلى ترك سائر البدع ، من اجتماعهم على مآتمهم وغيرها مما يقيمون به شعائر مذهبهم الباطل ، ويُمنعون من زيارة المشاهد ، وكذلك يُلزمون بالاجتماع للصلوات الخمس هم وغيرهم في المساجد ، ويرتب فيهم أئمة ومؤذنين ونواباً من أهل السنة ، ويُلزمون تعلم ثلاثة الأصول ، وكذلك إن كان لهم محال بُنيت لإقامة البدع فيها فتهدم ، ويمنعون من إقامة البدع في المساجد وغيرها، ومن أبى قبول ما ذكر فينفى عن بلاد المسلمين. وأما الرافضة من أهل القطيف ، فيأمر الإمام أيده الله الشيخ يسافر إليهم ويُلزمهم ما ذكرنا"(1)* .
* الشيخ محمد بن عبداللطيف – رحمه الله – يقول :
10- "مؤاكلة الرافضي والانبساط معه ، وتقديمه في المجالس ، والسلام عليه : لا يجوز لأنه موالاة وموادة ، والله تعالى قد قطع الموالاة بين المسلمين والمشركين"(2).
* وقال أسكنه الله الجنة :
11- "انظر رحمك الله إلى كلام السلف الصالح وتحذيرهم من مجالسة أهل البدع والإصغاء إليهم ، وتشديدهم في ذلك ، ومنعهم من السلام عليهم ، فكيف بالرافضة الذين أخرجهم أهل السنة والجماعة من الثنتين والسبعين فرقة ؟ مع ما هم عليه من الشرك البواح ، من دعوة غير الله في الشدة والرخاء كما هو معلوم من حالهم ؛ ومؤاكلتهم والسلام عليهم – والحالة هذه – من أعظم المنكرات وأقبح السيئات ، فيجب هجرهم والبعد عنهم"(3).
* وقال عفا الله عنه :
__________
(1) الدرر السنية في الاجوبة النجدية ، جمع الشيخ عبدالرحمن بن قاسم – رحمه الله – جـ9 ، ص316.
(2) المصدر السابق ، جـ8 ، ص439.
(3) المصدر السابق ، جـ8 ، ص440.(196/8)
12- "فحال الرافضة الآن أقبح وأشنع ، لأنهم أضافوا الغلو في الأولياء والصالحين من أهل البيت وغيرهم ، واعتقدوا فيهم النفع والضر في الشدة والرخاء ، ويرون أن ذلك قربة تقربهم إلى الله ، ودين يدينون به. فمن توقف في كفرهم – والحالة هذه – وارتاب فيه ، فهو جاهل بحقيقة ما جاءت به الرسل ونزلت به الكتب فليراجع دينه قبل حلول رمسه"(1).
* وقال :
13- "أما مجرد السلام على الرافضة ومصاحبتهم ومعاشرتهم ، مع اعتقاد كفرهم وضلالتهم ، فخطر عظيم ، وذنب وخيم ، يخاف على مرتكبه من موت قلبه وانتكاسه"(2).
* وقال محمد صدّيق – رحمه الله - :
14- "وقد نص جمع جمٌّ من أهل السنة والعلم بالحديث والقرآن ، أن الرافضة كفار، لإنكارهم ضروريات الدين ، وما علم من شرع الرسول صلى الله عليه وسلم بالقطع اليقين ، وتكفيرهم للصحابة السابقين والآخرين ، وهم أفضل الأمة وأبرها وأكرمها على الله بأدلة من الكتاب والسنة ، فمن خالف الله ورسوله في إخبارهما وعصاهما بسوء العقيدة في خلَّص عباده ، ونخبة عبّاده ، فكفره بواح لا ستر عليه"(3).
* وقال :
15- "فمن سب أحداً من الصحابة فإنه لم يسبه إلا لغيظ في قلبه منه ، والغيظ من أمارة الكفر ، والكافر يقتل عند الردة ، فما أحق سابهم بالقتل إلا أن يتوب ، قال تعالى : { ليغيظ بهم الكفار}"(4).
* الشيخ محمد بن إبراهيم – رحمه الله - :
16- "ورافضة هذه الأزمان مرتدون عبدة أوثان … لكن إذا أٌلزموا بالاسلام والتزموه ، وتركوا الشرك ظاهراً ، فالظاهر أن حكمهم حكم المنافقين"(5) .
* الشيخ عبدالله بن جبرين – حفظه الله - :
__________
(1) المصدر السابق ، جـ8 ، ص450.
(2) المصدر السابق ، جـ8 ، ص451.
(3) الدين الخالص ، جـ3 ، ص260.
(4) المصدر السابق ، جـ3 ، ص355.
(5) مجموع فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم ، جـ8 ، ص189.(196/9)
17- "أما ما يتعلق بأحوال هؤلاء الرافضة وأعمالهم ، فهم وأعمالهم – والعياذ بالله – في ضلال ، نبرأ إلى الله منهم ومن عقائدهم ومن أعمالهم السيئة"(1).
* الشيخ سفر الحوالي – وفقه الله - :
18- "والاثنى عشرية إذا دقق المدقق ، وحقق المحقق ، ورأى ما في كتبهم ، وما كتبه عنهم علماء الإسلام الثقات المعروفون ، فإنهم ولا شك من حيث العقيدة والمبدأ الذي هم عليه ، هذه عقيدة خارجة عن الملة ، ومبدأ خارج عن الملة ، وأما الباطنية فهم أشد منهم كفراً وأشد إيغالاً في الرفض ، ولا غرابة ، فأنتم تعلمون أن الكفر بعضه أشد من بعض … وما من باب تخرج منه الرافضة الإمامية الأثنى عشرية من الملة إلا والباطنية أولى وأشد وأكثر خروجاً منهم"(2).
19- سماحة الوالد الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن جبرين حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فنحن مجموعة من الموظفين نعمل في دائرة حكومية واحدة ويعمل معنا موظف من (الرافضة).
والسؤال هو : ما حدود العلاقة الشرعية مع هذا الموظف؟ هل يعامل معاملة المسلمين في السلام ورده ؟ والتهنئة بالأعياد ، وغيرها من شعائر الإسلام؟ أم يحاور في مذهبه ؟ أم يقاطع نهائياً ويضيق عليه؟ أفتونا مأجورين .
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته وبعد :
فلابد من إظهار مقته وتحقيره وبغضه وإهانته ولا يجوز تهنئته ولا بدؤه بالسلام وإذا سلم يرد عليه (وعليكم) والأولى الحرص على التضييق عليه حتى يشعر من نفسه بالصغار والذل والاحتقار من أهل السنة ، والله أعلم وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
كتبه عبدالله الجبرين : في 4/1/1415هـ.
* الشيخ العلامة عبدالله بن جبرين :
20- الرافضة بلا شك كفار لأربعة أدلة :
__________
(1) حقيقة الرافضة ، شريط.
(2) عقدية الشيعة ، شريط.(196/10)
الأول : طعنهم في القرآن ، وادعاؤهم أنه قد حذف منه أكثر من ثلثيه ، كما في كتابهم الذي ألفه النوري وسماه فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب، وكما في كتاب الكافي ، وغيره من كتبهم ، ومن طعن في القرآن فهو كافر مكذب لقوله تعالى : { وإنا له لحافظون} .
الثاني : طعنهم في السنة وأحاديث الصحيحين ، فلا يعملون بها ، لأنها من رواية الصحابة الذين هم كفار في اعتقادهم ، حيث يعتقدون أن الصحابة كفروا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم إلا علي وذريته ، وسلمان وعمار ، ونفر قليل ، أما الخلفاء الثلاثة ، وجماهير الصحابة الذي بايعوه فقد ارتدوا ، فهم كفار ، فلا يقبلون أحاديثهم ، كما في كتاب الكافي وغيره من كتبهم .
الثالث : تكفيرهم لأهل السنة ، فهم لا يصلون معكم ، ومن صلى خلف السني أعاد صلاته ، بل يعتقدون نجاسة الواحد منا ، فمتى صافحناهم غسلوا أيديهم بعدنا ، ومن كفر المسلمين فهو أولى بالكفر ، فنحن نكفرهم كما كفرونا وأولى .
الرابع : شركهم الصريح بالغلو في علي وذريته ، ودعاؤهم مع الله ، وذلك صريح في كتبهم ، وهكذا غلوهم ووصفهم له بصفات لا تليق إلا برب العالمين ، وقد سمعنا ذلك في أشرطتهم. ثم إنهم لا يشتركون في جمعيات أهل السنة ، ولا يتصدقون على فقراء أهل السنة ، ولو فعلوا فمع البغض الدفين ، يفعلون ذلك من باب التقية ، فعلى هذا من دفع إليهم الزكاة فليخرج بدلها ، حيث أعطاها من يستعين بها على الكفر ، وحرب السنة ، ومن وكل في تفريق الزكاة حرم عليه أن يعطي منها رافضياً، فإن فعل لم تبرأ ذمته ، وعليه أن يغرم بدلها ، حيث لم يؤد الأمانة إلى أهلها، ومن شك في ذلك فليقرأ كتب الرد عليهم ، ككتاب القفاري في تفنيد مذهبهم ، وكتاب الخطوط العريضة للخطيب وكتاب إحسان إلهي ظهير وغيرها والله الموفق(1).
هل تعلم
__________
(1) اللؤلؤ المكين من فتاوى فضيلة الشيخ العلامة عبدالله بن جبرين ص40-41.(196/11)
أن : "دين الشيعة مختلف كلياً عن الإسلام"(1).
أن : "دين الشيعة نسج من الأكاذيب"(2).
أن : "دين الشيعة مليء بالمتناقضات"(3).
أن : "الرافضة طائفة مخذولة وفرقة مرذولة"(4).
أن : "شيعة اليوم أكثر سوءاً من شيعة الامس"(5).
أن : "التشيع مأوى لكل من أراد هدم الإسلام واستغلال البشر"(6).
أن : "كتب التاريخ مزدحمة بالأدلة التي تثبت خيانة الرافضة واستدراجهم لعلي وخذلهم للحسين – رضي الله عنهما –"(7).
أنه : "ما اقتتل يهودي ومسلم ، ولا نصراني ومسلم ، ولا مشرك ومسلم ، إلا كان الرافضي مع اليهودي والنصراني والمشرك"(8).
أن : "الرافضة آمرون بالمنكر ، ناهون عن المعروف ، واقعون في الضلال ، والإضلال ، وسوء الاعتقادات ، وفساد الإرادات ، يتبعون خطوات الشيطان ، ويفرون من شرائع الإسلام وأحكام الإيمان"(9).
أن : "الرافضة شركهم واضح جلي"(10).
أن : "الرافضي مشرك"(11).
أنه : "ليس في الدنيا رافضي إلا وهو يسب الصحابة … وهو كفر بواح"(12).
أن : "أسوأ الناس اعتقاداً في الأصحاب ، طائفة الرفض ، أفناهم الله وأبادهم"(13).
أن : "الرافضة أعداء لله وأعداء للإسلام والمسلمين"(14).
أن : "الرافضة ليس لهم سعي إلا في هدم الإسلام ونقض عراه وإفساد قواعده"(15).
__________
(1) الشيعة والمتعة ، محمد مال الله ، ص10.
(2) المصدر السابق ، ص99.
(3) المصدر السابق ، ص143.
(4) البداية والنهاية ، ابن كثير ، جـ5 ، ص300.
(5) الخميني بين التطرف والاعتدال ، عبدالله الغريب ، ص16.
(6) المصدر السابق ، ص38.
(7) المصدر السابق ، ص15.
(8) مختصر منهاج السنة – ابن تيمية جـ1 ، ص138.
(9) الدين الخالص ، محمد صديق القنوجي ، جـ3 ، ص263.
(10) الدين الخالص ، جـ3 ، ص266.
(11) المصدر السابق ، جـ3 ، ص279.
(12) المصدر السابق ، جـ3 ، ص284.
(13) المصدر السابق ، جـ3 ، ص274.
(14) حقيقة الرافضة – شريد الشيخ العلامة عبدالله بن جبرين.
(15) مختصر منهاج السنة – ابن تيمية – جـ2 ، ص781.(196/12)
أن : "للشيعة الرافضة في صفة مصرع الحسين كذب كثير وأخبار باطلة"(1).
أن : "الرافضة يرون أن قتل المسلم من أعظم القربات ، حتى جاء في (كتابهم) – رجال الكشي – نص يقول : عليكم بالاغتيال ، عليكم بالاغتيال ، عليكم بالاغتيال".
ولذلك قال الشوكاني في كتاب له اسمه طلب العلم : لا أمانة لرافضي على من يخالفه في الدين قط ، بل يستحل دمه وماله عند أدنى فرصة تلوح له . فدماؤنا وأموالنا حلال عندهم !! وهم الآن منبثون في العالم الإسلامي وغيره ، والديانة مسلم !! فالخطر منهم أشد وأخطر"(2).
أن : "شيخهم ابن بابويه رئيس المحدثين عندهم قال : بأن منكر الإمام الغائب أشد كفراً من إبليس"(3)
أن : "أحد شيوخهم د. محمد مهدي صادقي يقول : مكة المكرمة حرم الله الآمن يحتلها شرذمة أشد من اليهود"(4).
أنهم : "في سبيل الوصول لأغراضهم قد يدخلون في الجهات الأمنية في الدول الإسلامية ، ليتمكنوا بواسطة ذلك من التسلط على عباد الله الصالحين ، وإلحاق الضرر والأذى بمخالفيهم"(5).
أنهم : "يعيشون في وسط المسلمين ، ويتسمون باسم الإسلام ، وهم يتحينون أدنى فرصة للقتل"(6).
أنه : "مهما بذل المسلم لهم من المال ، أو أسدى لهم من المعروف ، أو قدم من البر والصلة فإنه لا يستطيع أن يزيل ذلك الحقد الأسود المرير ، أو يمتص تلك الضغينة أو يذيب جبالاً من الكراهية والبغضاء غرستها تربية الأيام والليالي في الصغر وكونتها آلآف من الصفحات السود في مدونات جعلوا لها صفة القداسة، وصاغتها مناسك الزيارات وأدعيتها ، وليالي الحسينيات وتمثيليات العزاء في المحرم ، مما لا يخطر على بال من لم يخض في تراث الروافض وواقعهم"(7).
__________
(1) البداية والنهاية ، جـ8 ، ص599.
(2) الخطر الباطني المعاصر – شريط – د. ناصر القفاري.
(3) بروتوكولات آيات قم د. عبدالله الغفاري ، ص58.
(4) المصدر السابق ، ص75.
(5) المصدر السابق ، ص90.
(6) المصدر السابق ، ص93.
(7) المصدر السابق ، ص95.(196/13)
أنهم : "حين يعيشون في دول سنية ، أو دول لا تدين بمعتقدهم ، يتجه جهدهم إلى العمل والتخطيط للتمكين لمذهبهم وبني جنسهم ، وإلحاق الضرر بغيرهم ، ومن يقرأ ما فعله ابن يقطين بالمساجين والمساكين ، ويرى محاولات الروافض الدائبة في التسلل إلى أجهزة الأمن من مخابرات وشرطة ومباحث ، وكذلك التغلغل في جيوش الدول الإسلامية يعرف أن هدفهم من ذلك ليس خدمة الدولة ولا الدفاع عنها ضد خطر أعدائها ، ولكن استغلال هذه الأجهزة في العدوان على المسلمين ، ونصرة الرافضة ومذهبهم كلما لاحت الفرصة"(1).
أنهم يقولون : "سنحرر الكعبة والقدس وفلسطين من أيدي الكفار"(2).
"أن أهل السنة في إيران غرباء ، يعانون من مضايقات كثيرة متنوعة ، ومحرومون من أبسط حقوقهم"(3) وأنه "من الطبيعي أن يقتل الرجال والنساء والأطفال ، وأن تنتهك حرمات البيوت ، وأن يروع الآمنون ، وأن يعيشوا الذعر والفزع والهلع في النفوس ، فكل هذه الوسائل قد تؤدي في نظرهم القاصر إلى تحويل أهل السنة كلهم أو بعضهم إلى المذهب الشيعي"(4)
تنبيه
"إعلم وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى ، أنه لا يستقيم للعبد إسلام ولا دين ، إلا بمعاداة أعداء الله ورسوله ، وموالاة أولياء الله ورسوله صلى الله عليه وسلم "(5).
"والواجب على من أحب نجاة نفسه ، وسلامة دينه ، أن يعادي من أمره الله ورسوله بعداوته ولو كان أقرب قريب ، فإن الإيمان لا يستقيم إلا بذلك ، والقيام به ، لأنه من أهم المهمات ، وآكد الواجبات"(6).
__________
(1) المصدر السابق ، ص97.
(2) الفتنة الخمينية… محمد عبدالقادر ، ص9.
(3) الخميني والوجه الآخر.. د. زيد العيص ، ص194.
(4) المرجع السابق ، ص202.
(5) الدرر السنية - جـ 8 ، ص437 ـ الشيخ محمد بن عبداللطيف – رحمه الله -.
(6) المصدر السابق - جـ 8 ، ص438 ـ الشيخ محمد بن عبداللطيف – رحمه الله -.(196/14)
"فلا يستقيم الإسلام ، ويقوم قائم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ويرتفع علم الجهاد ، إلا بالحب في الله والبغض فيه ، وموالاة أوليائه ، ومعاداة أعدائه ، والآيات على ذلك أكثر من أن تحصر ، وأما الأحاديث فأشهر من أن تذكر"(1).
"فليحذر العبد كل الحذر : من الانهماك مع أعداء الله ، والانبساط معهم ، وعدم الغلظة عليهم ، أو أن يتخذهم بطناء وأصحاب ولايات ، ويستنصح منهم، فإن ذلك موجب لسخط الله ومقته"(2).
"فلا يستقيم للإنسان إسلام ولو وحد الله وترك الشرك إلا بعداوة المشركين والتصريح لهم بالعداوة والبغضاء"(3).
تذكير
"من يقدر على إنكار صنيع الرافضة ولم يفعل ، فقد رضي أن تنتهك حرمة الإسلام وأهله وسكت على ما هو كفر"(4).
"من سكت عن إنكار الكفر مع القدرة عليه ، فقد أهمل ما أمر الله به في كتابه : من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وترك الإنكار على ما هو كفر بواح ، وأهمل ما هو أعظم أعمدة الدين وأكبر أساطينه ، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فلا بكتاب الله عمل ، ولا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتدى"(5).
"فالواجب علينا إذا رأينا إعلاناتهم هذه وأعمالهم ، أن ننكر عليهم ، وأن نسعى إلى ولاة الأمور ونأمرهم بأن يأخذوا على أيديهم فلا يظهروا بدعتهم في بلاد الإسلام ، ومن أراد أن يظهر بدعته فليذهب إلى البلاد التي يحكمها الرافضة … هنالك يفعلون ما يريدون ، أما بلاد تحكم بالشريعة فلا يجوز أن يمكّنوا من إظهار هذه البدعة"(6).
متفرقات
__________
(1) المصدر السابق - جـ 8 ، ص447 ـ الشيخ محمد بن عبداللطيف – رحمه الله -.
(2) المصدر السابق - جـ 8 ، ص449 ـ الشيخ محمد بن عبداللطيف – رحمه الله -.
(3) المصدر السابق - جـ 8 ، ص331 ـ الشيخ محمد بن عبداللطيف – رحمه الله -.
(4) الدين الخالص – جـ3 ، ص277.
(5) المصدر السابق – جـ3 ، ص277.
(6) حقيقة الرافضة – شريط.(196/15)
"جملة من الأوجه في كون سب الصحابة ناقضاً من نواقض الإيمان :
أ- أن في سب الصحابة – رضي الله عنهم – تكذيباً للقرآن الكريم ، وإنكاراً لما تضمنته الآيات القرآنية من تزكيتهم والثناء الحسن عليهم.
ب- أن سب الصحابة – رضي الله عنهم – يستلزم نسبة الجهل إلى الله تعالى ، أو العبث في تلك النصوص الكثيرة التي تقرر الثناء الحسن على الصحابة وتزكيهم.
ج- من سب الصحابة – رضي الله عنهم – ورماهم بالكفر أو الفسق ، فقد تنقص الرسول صلى الله عليه وسلم وآذاه ، لأنهم أصحابه الذين رباهم وزكاهم ، ومن المعلوم أن تنقص الرسول صلى الله عليه وسلم كفر وخروج عن الملة.
د- أن سب الصحابة – رضي الله عنهم – والطعن في دينهم هو طعن في الدين ، وإبطال للشريعة ، وهدم لأصله ، لعدم توافر الناقل المأمون له.
هـ- أن سب الصحابة – رضي الله عنه – يستلزم تضليل الأمة المحمدية ، ويتضمن أن هذه الأمة شر الأمم ، وأن سابقي هذه الأمة شرارها ، وكفر هذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام"(1).
"الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، قال يوماً لرجل من الرافضة : والله إن قتلك لقربة إلى الله عز وجل ، فقال له الرجل : إنك تمزح فقال : والله ما هذا مني بمزح ولكنه الجد"(2).
"قال أبو بكر الباقلاني : وفيما ذهب إليه الرافضة إبطال لدين الإسلام بتمامه"(3)*.
"فمن له أدنى خبرة بدين الإسلام يعلم أن مذهب الرافضة مناقض له "(4).
"دمر الله على أعداء الإسلام من الروافض وغيرهم ، ممن يظن أن الشيخين غصبا حق أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم "(5).
__________
(1) نواقض الإيمان القولية والعملية – د. عبدالعزيز بن محمد العبداللطيف ص426-435- باختصار.
(2) البداية والنهاية – جـ9 ، ص202.
(3) الدين الخالص – جـ3 ، ص310.
(4) مختصر منهاج السنة جـ2 ، ص908.
(5) الدين الخالص – جـ3 ، ص342.(196/16)
"الرافضة نصبوا للصحابة العداوة ، وألصقوا بهم التهم ، وحملوا عليهم كل الجرائم ، ورموهم بالقذائف ، ورموهم بالكفر ، ووسموهم بالنفاق كذباً وبهتاناً"(1).
"في الحديث "أن الشيطان يفر من ظل عمر" ، وفيه دليل واضح على أن الروافض شياطين ، يفرون من اسمه الشريف ، ويسلكون غير فجه ، وهذا مشاهد ، ونفرتهم عنه وعداوتهم له لا تخفى على أحد"(2).
"التشيع بذرة نصرانية ، غرستها اليهودية ، في أرض مجوسية"(3).
"قال الشوكاني – رحمه الله - : وقد جربنا وجرب من قبلنا فلم يجدوا رجلاً رافضياً يتنزه عن محرمات الدين كائناً من كان"(4).
10- وصار لأهل الرفض والشرك صولة
وقام بهم سوق الردى والمناكر
وعاد لديهم للواط وللخنا
معاهد يغدو نحوها كل فاجر
وشتت شمل الدين وانبتّ حبله
وصار مضاعاً بين شر العساكر
وأذن بالناقوس والطبل أهلها
ولم يرض بالتوحيد حزب المزامر
وأصبح أهل الحق بين معاقب
وبين طريد في القبائل صائر(5)
"وقولك : إنا أخذنا كربلاء وذبحنا أهلها ، وأخذنا أموالها ، فالحمد لله رب العالمين ، ولا نتعذر من ذلك ، ونقول : "وللكافرين أمثالها"(6).
"وباستعمال أهل النفاق والخيانة والظلم يزول الملك ، ويضعف الدين ، ويسود القبيلة شرارها ، ويصير على ولاة الأمر كفعل من فعل ذلك ، فالسعيد من وعظ بغيره ، وبما جرى له وعليه ، وأهل الدين هم أوتاد البلاد ورواسيها ، فإذا قعلت وكسرت مادت وتقلبت"(7) .
* الشيخ علي الحذيفي :
__________
(1) حقيقة الرافضة – شريط.
(2) الدين الخالص – جـ3 ، ص296.
(3) عقيدة الشيعة – شريط. / (3) بروتوكولات آيات قم ، ص94.
(5) الدرر السنية – جـ8 ، ص400 – الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن – رحمه الله -.
(6) المصدر السابق جـ9 ، ص284 – الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود – رحمه الله-.
(7) المصدر السابق جـ9 ، ص296 – الشيخ عبدالرحمن بن حسن – رحمه الله -.(196/17)
13."وكيف يكون هناك تقريب بين السنة والشيعة !! أهل السنة الذين حملوا القرآن الكريم وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفظ الله بهم الدين وجاهدوا لإعلاء منارة الإسلام وصنعوا تاريخه المجيد ، والرافضة الذين يلعنون الصحابة ويهدمون الإسلام ، فإن الصحابة – رضي الله عنهم – هم الذين نقلوا الدين لنا فإذا طعن أحد فيهم فقد هدم الدين.
كيف يكون تقريب بين أهل السنة والرافضة وهم يسبون الخلفاء الثلاثة !! وسبهم لو كان لهم عقول يفضي إلى الطعن في الرسول صلى الله عليه وسلم فإن أبا بكر وعمر – رضي الله عنهما – صهران لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ووزيراه في حياته ، وضجيعاه بعد موته ، ومن ينال هذه المنزلة ، من ينال هذه المنزلة ، وجاهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع غزواته ويكفي هذا الدليل لبطلان الرفض . وعثمان رضي الله عنه زوج ابنتين للرسول صلى الله عليه وسلم والله لا يختار لرسوله صلى الله عليه وسلم ألا أفضل الأصهار ، فكيف لم يبين النبي صلى الله عليه وسلم عداوة الخلفاء الثلاثة للإسلام ويحذر منهم إن كانوا صادقين بزعمهم ؟! بل سب هؤلاء الثلاثة طعن في علي – رضي الله عنه – فقد بايع أبا بكر في المسجد راضياً وزوج عمر ابنته أم كلثوم وبايع عثمان مختاراً وكان وزيراً لهم محباً ناصحاً – رضي الله عنهم أجمعين – فهل يصاهر علي – رضي الله عنه – كافراً أو يبايع كافراً "سبحانك هذا بهتان عظيم".(196/18)
ولعنهم لمعاوية – رضي الله عنه – طعن في الحسن – رضي الله عنه – الذي تنازل بالخلافة لمعاوية ابتغاء وجه الله وقد وفق لذلك ومدحه صلى الله عليه وسلم على ذلك ، فهل يتنازل سبط رسول الله لكافر يحكم المسلمين "سبحانك هذا بهتان عظيم" فإن قالوا بأن علياً والحسن كانا مكرهين فلا عقول لهم لأن هذا تنقص لهما ما بعده تنقص أبداً . وكيف يلعنون أم المؤمنين عائشة التي نص الله في كتابه على أنها أم المؤمنين في قوله تبارك وتعالى : { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم } ولا شك أن من يلعنها فإنها ليست له بأم وأما من كانت أماً له فإنه لا يلعنها بل يحبها .
وكيف يكون بين تقريب أهل السنة والرافضة ، وقد جعلوا الخميني إمام الضلالة معصوماً حيث أقروه على أنه نائب مهديهم الخرافة الذي قالوا بأنه دخل سرداب سامراً ، والنائب له حكم المستنيب فإذا كان المهدي معصوماً فالخميني معصوماً لأنه نائب له فما هذا التناقض !!
إن الرافضة في قولهم بولاية الفقيه قد نسفوا مذهبهم من أساسه ، والباطل يحطم بعضه بعضاً ويشتمل ويتضمن على الردود وتحطيم نفسه بنفسه ، وأهل البيت براء منهم ومن هذا القول ، والأدلة على بطلان مذهب الرافضة شرعاً وعقلاً لا تحصى إلا بالمشقة ، ألا فليدخلوا في الإسلام وأما نحن أهل السنة فلن نقترب منهم شعرة واحدة أو أقل من ذلك فهم أضر على الإسلام من اليهود والنصارى ، ولا يوثق بهم أبداً ، وعلى المسلمين أن يقفوا لهم بالمرصاد قال تعالى : { هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون }(1).
__________
(1) من خطبة جمعة في المسجد النبوي عام 1418هـ.(196/19)
14. "فلا يجوز نسبة شيء من الأقوال والأفعال المكفرة وغير المكفرة لأحد من المسلمين بمجرد الظن والتخرص ثم بناء الأحكام عليها إلا أن يكون من طائفة تتدين بالكتمان والتقية كطوائف الباطنية والرافضة ، فإن الواحد من هؤلاء له حكم الطائفة المنتسب إليها وإن لم يظهر معتقدها ، لأن هؤلاء يتدينون بالنفاق وإظهار الموافقة للمسلمين مع المخالفة لهم في الباطن"(1).
15. "وأما إن كان أهل البدع معروفين بغشهم للمسلمين وعدم نصحهم لهم فلا تجوز الاستعانة بهم مطلقاً ، سواء أكان ذلك الغش ناتجاً عن خلق يختص به بعض الأفراد ، أو ناتجاً عن دين تتدين به بعض الطوائف المخالفة للسنة مثل طوائف الباطنية بأنواعها ، وطائفة الرافضة ، فإن هذه الطوائف تتدين بأذية المسلمين وغشهم والإضرار بهم بل يستبيحون دماءهم وأموالهم"(2).
16. "وقد رأينا بعض أهل السنة اليوم قد اتخذوا من الرافضة – ممن ابتلينا بمجاورتهم في هذه المدينة النبوية – طهرها الله منهم – أخداناً وأصدقاء ، يلقون إليهم بالمودة ويزورونهم في بيوتهم ، ويشاركونهم في المأكل والمشرب ، حتى وصل الأمر ببعضهم أن يختم صيامه في بعض أيام رمضان بإفطاره على موائد الرافضة ، تلك الموائد التي يشتم ويلعن عليها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأمهات المؤمنين ، وقبل ذلك وبعده لربما وضعوا لهم ودسوا في الطعام من الأنجاس والقاذورات ما يتضررون به في أبدانهم بعد ذلك الضرر الكبير الذي لحقهم في دينهم ، فيخرج هؤلاء المساكين بفساد القلوب والأبدان ، فنعوذ بالله من عمى البصيرة والخذلان"(3)*.
__________
(1) موقف أهل السنة والجماعة من أهل الأهواء والبدع – د. إبراهيم الرحيلي – جـ1 ، ص426.
(2) المصدر السابق – جـ2 ، 705.
(3) المصدر السابق – جـ2 ، ص481.(196/20)
17. "أما طلب الرافضة أن يعينوا كمدرسين في المدارس ، فهذا لا يجوز ، ولو كان ذلك في المواد غير الدينية"(1).
18. "ويجب أن يحال بين الرافضي وبين أولاده في حال حياتهم ، لأنه لابد أن يفسد دينهم"(2).
19. "الرافضة إذا تولوا التدريس فالغالب أنهم لا يدرسون تدريساً صحيحاً في العقيدة لأبناء المسلمين بل إما أن يشككوهم في عقيدتهم ، وإما أن يتركوهم على جهلهم بالعقيدة الصحيحة السليمة ، وهم إذا تولوا مثلاً الطب ، فلا يؤمنون إذا عالجوا أهل السنة أن يمكروا بهم وأن يكيدوا لهم ما يسبب زيادة المرض أو الموت أو العقم أو ما أشبه ذلك ، وكذلك إذا تولوا توليد النساء لم يؤمن في الأطفال المواليد أن يضروهم كما ذكر ذلك في كثير من المولدين ونحوهم"(3).
20. "(الرافضة والباطنية) "سوف يضللون هذه الأمة فلا تفيق!! فإذا جاءتهم فترة انتهاء التقية وابتداء فترة الظهور إلا ونحن لا وجود لنا ولا كيان ، وإذا بهم قد غزونا من كل ناحية ، وقد ظهروا علينا من كل جانب"(4).
21. "ووسائل الرافضة لتنفيذ مخططاتهم متنوعة حتى قال عنها الخبير بمذهبهم ، والعارف بحالهم – عبدالعزيز شاه ولي الله الدهلوي – بأنها "كثيرة جداً لا تدري اليهود بعشرها"(5).
22. "فيجب أن نكون على وعي وعلى بصيرة ، وعلى إدراك ومعرفة بما يخطط لنا أولئك الأعداء"(6).
23. "وإن الغفلة عن الخطر تقود إلى الوقوع فيه ، وإن التغافل لن ينجي من الشر، ولا يحمي من النار ، فالغفلة والتغافل كلاهما شر مستطير ، والتغافل ليس سياسة ولا كياسة ولا فطنة ، فاتقاء الخطر لا يكون بالتغافل عنه ، ولكن يكون بمواجهته إن لم يكن هناك سبيل إلا مواجهته"(7).
__________
(1) مجموع فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم – رحمه الله – جـ2 ، ص321.
(2) مختصر فتاوى ابن تيمية – محمد البعلي ، ص510.
(3) حقيقة الرافضة – شريط.
(4) عقيدة الشيعة – شريط.
(5) بروتوكولات آيات قم ، ص7.
(6) عقيدة الشيعة – شريط.
(7) الفتنة الخمينية ، ص7.(196/21)
24. "فعلى المسلم أن يعرف أعداء الله وأن لا ينخدع بدعاياتهم وبأقوالهم وبما هم عليه"(1).
دعوة ونداء
حتى متى عبرات العين تنحدر
والقلب من زفرات الشوق يستعر
والنفس طائرة ، والعين ساهرة
كيف الرقاد لمن يعتاده السهر
يا أيها الناس إني ناصح لكم
كونوا على حذرٍ قد ينفعُ الحذرُ
إني اخاف عليكم أن يحل بكم
من ربكم غيرٌ ما فوقها غبر
ما للروافض أضحت بين أظهركم
تسير آمنةً ينزو بها البطرُ
تؤذي وتشتمُ أصحاب النبي وهم
كانوا الذين بهم يستنزل المطرُ
مهاجرون لهم فضلٌ بهجرتهم
وآخرون هم آووا وهم نصروا
كيف القرارُ على من قد تنقصهم
ظلماً وليس لهم في الناس منتصرُ
إنا إلى الله من ذلّ أراه بكم
ولا مرد لأمرٍ ساقهُ القدر
حتى رأيتُ رجالاً لا خلاق لهم
من الروافض قد ضلوا وما شعروا
إني أحاذر أن ترضوا مقالتهم
أوْ لا فهل لكم عذر فتعتذروا
رأيُ الروافض شتم المهتدين فما
بعد الشتيمة للأبرار يُنتظر
لا تقبلوا أبداً عذراً لشاتمهم
إن الشتيمة أمر ليس يُغتفر
ليس الإله براضٍ عنهم أبداً
ولا الرسولُ ولا يرضى به البشرُ
الناقضون عرى الإسلام ليس لهم
عند الحقائق إيرادٌ ولا صدرُ
والمنكرون لأهل الفضل فضلهم
والمفترون عليهم كُلما ذُكروا
قد كان عن ذا لهم شُغلٌ بأنفسهم
لو أنهم نظروا فيما به أُمروا
لكن لشقوتهم والحينُ يصرعُهم
قالوا ببدعتهم قولاً به كفروا
قالوا وقلنا ، وخيرٌ القول أصدقه
والحق أبلجُ والبهتانُ منشمر
وفي عليَّ وما جاء الثقاتُ به
من قوله عبرٌ لو أغنتِ العبرُ
قال الأميرُ عليٌ فوق منبره
والراسخون به في العلم قد حضروا
خيرُ البرية من بعد النبي أبو
بكر وأفضلُهم من بعده عمر
هذا مقالُ عليٌ ليس ينكرهُ
__________
(1) حقيقة الرافضة – شريط.(196/22)
إلا الخليعُ وإلا الماجنُ الأشرُ
فارضوا مقالته أوْ لا فموعدُكم
نارٌ تُوقد لا تُبقي ولا تذرُ
وإن ذكرتُ لعثمانٍ فضائلهُ
فلن يكون من الدنيا لها خطرُ
وما جهلتٌ علياً في قرابته
وفي منازل يعشو دونها البصرُ
إن المنازل أضحت بين أربعةٍ
هم الائمةُ والاعلامُ والغررُ
أهلُ الجنانٍ كما قال الرسولُ لهم
وعداً عليه فلا خُلفٌ ولا غُدرُ
وفي الزبير حواريٍّ النبيِّ إذا
عُدت مآثره زلفى ومفتخرُ
واذكر لطلحة ما قد كنت ذاكره
حُسن البلاء وعند الله مُدكَّرُُ
إن الروافض تُبدي من عداوتها
أمراً تُقصرُ عنه الرومُ والخزرُ
ليست عداوتها فينا بضائرةٍ
لا بل لها وعليها الشينُ والضررُ
لا يستطيعُ شفا نفسٍ فيشفيها
من الروافض إلا الحيةُ الذكرُ
ما زال يضربها بالذل خالقها
حتى تطاير عن أفحاصها الشعرُ
داو الروافض بالإذلال إن لها
داء الجنون إذا هاجت بها المررُ
كل الروافض حُمرٌ لا قلوب لها
صمٌ وعميٌ فلا سمعٌ ولا بصرُ
ضلوا السبيل أضل الله سعيهمُ
بئس العصابة إن قلوا وإن كثروا
شًينُ الحجيج فلا تقوى ولا ورعٌ
إن الروافض فيها الداءُ والدبرُ
لا يقبلون لذي نصح نصيحته
فيها الحميرُ وفيها الابلُ والبقرُ
والقوم في ظلمٍ سودٍ فلا طلعت
مع الأنام لهم شمس ولا قمرُ
لا يُأمنون وكلُّ الناس قد أمنوا
ولا أمان لهم ما أورق الشجرُ
لا بارك الله فيهم لا ولا بقيت
منهم بحضرتنا أنثى ولا ذكر(1)
خاتمة
__________
(1) المغني عن مجالس السوء – خالد أبو صالح – جـ2 ، ص178-179-180.(196/23)
من المسلّم به ، أن كل إنسان يسعى إلى تحقيق مصلحته ، ولكن المسلم المتمسك بدينه ، الراجي عفو ربه ، لا يسعى إلى تحقيق مصلحته ، ما دامت لا تتحقق إلا بسخط الله ومقته ، بل متى ما أراد أن يقدم على أمر ، فإنه ينظر أولاً : هل هو مخالف لأوامر الله أم لا ؟ هل فيه إضرار بدينه ؟ أو بنفسه ؟ أو بالمسلمين ؟ ومن المتقرر أن : دفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة ، وأنه لا ضرر ولا ضرار ، وأن الغاية لا تبرر الوسيلة. ومن هذا المنطلق فإن الواجب على المسلمين ، أن لا تكون الدنيا أكبر همهم ، ومبلغ علمهم ، بل يجب أن تكون أوامر الله ونواهيه هي المقدمة عندهم في جميع شؤونهم وأمورهم ، ومن ذلك : التعامل مع الخلق ، فإن هذا التعامل لابد أن يكون مضبوطاً بضابط الشرع والدين ..
وعلى كل مسلم أن يتعلم كيف يعامل الناس ، فإن للعلماء معاملة ، وللصالحين معاملة ، ولعامة المسلمين معاملة ، وللحاكم معاملة ، وللعصاة الفساق معاملة ، ولأعداء الدين معاملة .. ومن علم فلابد أن يعمل.
... ولقد تبين فيما سبق من صفحات ، كيفية التعامل مع طائفة الشيعة الرافضة – أعداء الإسلام والمسلمين – وذلك بالأدلة والبراهين ..
فحري بكل مسلم أن يعاملهم بتلك الكيفية ، وأن يبين خطرهم ، ويحث من حوله على الحذر منهم ، والتقرب إلى الله بمقتهم وبغضهم والبراءة منهم ..
وإن كابر مكابر ، وعاند معاند ، وأصرّ مُصرّ ، على أنهم إخواننا !! وأنهم مسلمون !! برغم معرفته بمعتقداتهم وأحوالهم ، فجوابه القولُ الصائب :
وليس يصح في الأذهان شيء
إذا احتاج النهار إلى دليل
... وهو في عمله هذا ، على خطر عظيم ، وليراجع نواقض الإسلام ، فإن من نواقضه عدم تكفير الكافرين .(196/24)
... اللهم ثبت على الحق قلوبنا ، ووفقنا والمسلمين إلى ما تحب وترضى ، وخذ بنواصينا إلى البر والتقوى ، اللهم فرج عن المستضعفين من المسلمين ، واكفنا شرور أعداء الدين ، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك صلى اله عليه وسلم وعبادك المؤمنين. اللهم بصّرنا وإخواننا بما يخطط ويكاد لنا ، ووفقنا لإبطاله وإزهاقه ، اللهم رد كيد الكائدين في نحورهم ، وأدم علينا الإيمان والأمان… آمين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
المراجع
م
اسم الكتاب
اسم المؤلف
الناشر
تاريخ الطبعة
1
الدرر السنية في الأجوبة النجدية
جمع عبدالرحمن بن قاسم رحمه الله
دار العربية للطباعة والنشر بيروت الطبعة الثانية. الطبعة الخامسة بدون اسم ناشر
الثانية 1402هـ الخامسة 1416هـ
2
البداية والنهاية
الإمام الحافظ إسماعيل ابن كثير
دار المعرفة بيروت
الأولى 1416هـ
3
الدين الخالص
محمد صديق حسن القنوجي البخاري
دار الكتب العلمية بيروت
الأولى 1415هـ
4
الخميني بين التطرف والاعتدال
عبدالله محمد الغريب
5
الفتنة الخمينية. حقيقة الثورة الإيرانية
رسالة الشيخ محمد عبدالقادر آزاد رئيس مجلس علماء باكستان إلى حكام الدول الإسلامية وعلمائها
6
الأجوبة المفيدة عن بعض مسائل العقيدة
سماحة الشيخ العلامة عبدالعزيز بن باز رحمه الله
دار الوطن
الأولى 1414هـ
7
الشيعة والمتعة
محمد مال الله
دار الصحوة الإسلامية
الأولى 1407هـ
8
الخطر الباطني المعاصر – شريط -
د. ناصر القفاري
9
اللؤلؤ المكين من فتاوى فضيلة الشيخ العلامة عبدالله الجبرين
عبدالله الحوطي وعبدالله العجلان
دار الفرقان بالرياض
الأولى 1417هـ
م
اسم الكتاب
اسم المؤلف
الناشر
تاريخ الطبعة
10
المغني عن مجالس السوء جـ2
خالد أبو صالح
دار الصميعي الرياض
الأولى 1418هـ
11(196/25)
بروتوكولات آيات قم حول الحرمين الشريفين
د. عبدالله الغفاري
1411هـ
12
حقيقة الرافضة -شريط-
الشيخ العلامة عبدالله الجبرين
13
عقيدة الشيعة – شريط-
الشيخ د. سفر الحوالي
14
عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام –رضي الله عنهم-
د. ناصر بن علي الشيخ
مكتبة الرشد. الرياض
الأولى 1413هـ
15
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
جمع وترتيب الشيخ أحمد بن عبدالرزاق الدويش
الرئاسة العامة لادارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والارشاد
1411هـ
16
فتاوى مهمة تتعلق بالعقيدة
سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز
دار القاسم
الثالثة 1416هـ
17
موقف أهل السنة والجماعة من أهل الأهواء والبدع
د. إبراهيم الرحيلي
مكتبة الغرباء
الأولى 1415هـ
18
مختصر منهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية
اختصره الشيخ عبدالله الغنيمان
مكتبة الكوثر. دار الأرقم. الرياض
الأولى 1411هـ
19
مختصر فتاوى ابن تيمية
محمد البعلي
دار الكتب العلمية. بيروت
20
مجموع فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم
جمع وترتيب وتحقيق محمد بن عبدالرحمن بن قاسم
مطبعة الحكومة بمكة المكرمة
الطبعة الأولى 1399هـ
م
اسم الكتاب
اسم المؤلف
الناشر
تاريخ الطبعة
21
نواقض الإيمان القولية والعملية
د. عبدالعزيز العبداللطيف
دار الوطن. الرياض
الأولى 1414هـ
22
الخميني والوجه الآخر في ضوء الكتاب والسنة
د. زيد العيص
دار اليقين. المنصورة
الأولى 1413هـ
كتب الرافضة
(ولعلك تلاحظ الثناء والمبالغة في مدح مؤلفيها من قبل متأخري الشيعة الرافضة)
م
اسم الكتاب
اسم المؤلف
الناشر
تاريخ الطبعة
1
الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم
العلامة المتكلم الشيخ زين الدين أبي محمد علي بن يونس العاملي النباطي البياضي
مؤسسة أهل البيت – بيروت
الأولى 1409هـ
2
الأصول من الكافي(196/26)
أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني صححه وقابله الشيخ نجم الدين الآملي قدم له وعلق عليه علي أكبر الغفاري
المكتبة الإسلامية – طهران
1388هـ
3
التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري
الحسن العسكري
تحقيق ونشر مدرسة الإمام المهدي ، قم المقدسة
الأولى 1409هـ
4
جامع الأخبار أو معارج اليقين في أصول الدين
الشيخ محمد بن محمد السبزواري من أعلام القرن السابع الهجري تحقيق علاء آل جعفر
مؤسسة آل البيت لإحياء التراث ببيروت
الأولى 1413هـ
5
فضائل أهل البيت المسمى ببصائر الدرجات
للثقة الجليل والمحدث النبيل أبو جعفر محمد بن الحسن بن فروخ الصفار من أصحاب الإمام الحسن العسكري. من تراث الشيعة. تقديم وتعليق وتصحيح العلامة الحجة الحاج ميرزا محسن
مؤسسة النعمان- بيروت
الثانية مصححة ومنقحة وصف جديد 1412هـ
م
اسم الكتاب
اسم المؤلف
الناشر
تاريخ الطبعة
6
معاني الأخبار
للشيخ الجليل الأقدم الصدوق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي.
عني بتصحيحه علي أكبر الغفاري
دار المعرفة – بيروت
1399هـ(196/27)
بسم الله الرحمن الرحيم
نصائح وفتاوى إسلامية
حقائق عن
الشيعة الرافضة الإمامية
إعداد
شريف بن علي الراجحي
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
... الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وأصحابه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .. أما بعد :
... فكم هو ثقيل على المسلم ، وعسير عليه ، أن يرى أقواماً يتدينون بسب سلف هذه الأمة ، ولعنهم ، والبراءة منهم ، ومن أتباعهم ، ثم يرى من أهل السنة من يدافع عن أولئك الأقوام ، بل ويدعوا إلى التعاون معهم ، بل قد يزعم أن الخلاف بيننا وبينهم خلاف سياسي قديم ، وفرعي ، وربما في بعض الأصول ، بل إنك ليزداد عجبك ، وتطول حيرتك ، من ورع البعض البارد العجيب ، في عدم التشنيع على الشيعة الرافضة ، وعدم مؤاخذتهم بما في كتبهم وأشرطتهم وبما يقوله علماءهم !! وإنك لتذهل وتدهش من رقة شعور وأحاسيس بعض أهل السنة ، حينما يصورون - رداً - ما - على طائفة الرافضة ، بأن فيه زيادة في إهانتهم ، لربما فسرت بأنها ناتجة عن حقد وكراهية. فلو خفف اللفظ ، وغُير هذا وبُدل هذا !! وسبحان الله أليس الله تعالى يقول : { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } ويقول : { ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل } فحينما تبين وتوضح ، وترد ، ولا تعتدي ولا تتجاوز ، فمهما بلغت القوة والقسوة فلا تثريب ولا عيب ، ما دمت مدافعاً عن الحق وناصراً له ، ضد أعداء الله وأعداء الإسلام والمسلمين ؛ ويالله : من يرضى أن يُكفر أباه ويسب ويشتم ويوصف بالخنزير وولد الزنا واللعين وغير ذلك ؟! من يرضى بذلك لوالده ؟! ومن يرضى أن تكفر أمه وتوصف بالشيطانة وتلعن ويقال عنها فاجرة وكذابة ومتآمرة وغير ذلك ؟! من يرضى ذلك لأمه ووالدته ؟! وما هو موقفه ممن قال ذلك في والديه وإخوانه ، ونشر ذلك وتبناه ؟! والجواب معروف ولا شك ، إنه العداوة له ، والبغض له ، والكراهية له ! فإذن من تكلم(197/1)
في الصحابة – رضي الله عنهم – وتكلم في أمهات المؤمنين وخصوصاً عائشة وحفصة – رضي الله عنهن – بما سبق ذكره وأكثر ، ما هو الموقف منه ؟ إن الموقف منه يكون على قدر إيماننا ، وصحة عقيدتنا ، وكيف لا نغار ولا ندافع عن خير القرون ، وخير الأصحاب. وخير الأمهات !! وكيف لا ندافع عمن شهد الله لهم بالإيمان ، وأشهد عباده أنه رضي عنهم !! ليت أولئك الذين يدافعون عن الشيعة الرافضة ، ليتهم يصمتون ، ليتهم يخجلون ! إن كان اعتقاد أولئك الأشرار في الأصحاب والأمهات الأبرار ، لم يحرك فيكم غيرة إيمانية ، أو حرقة إسلامية ، أو شهامة ونخوة دينية ، فبؤساً والله لكم وتعسا ، فالله الله في أنفسكم ، راجعوا دينكم ، وإسلامكم ، وعقيدتكم ، وتوبوا إلى الله من موالاة أعداءه ، وتوبوا إلى الله ، من التقرب والتودد والتلطف الذي تصنعونه مع أعداء الله ، والذين لن يرضيهم إلا أن تسيل دماء أهل السنة ، كما سالت في بغداد بمعاونتهم للتتار ، وكما سالت في لبنان ، وكما سالت في إيران !! وإلى الله المشتكى .
ولا تغرنك المقولة الساذجة : بأنهم أحمال وديعة ودوابٌ سليمة ، فإنهم إذا تمكّنوا لا يتّقون ، كما نبه إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – والعاقل من اتعظ بغيره.
مقتطفات من كتب الشيعة الرافضة
الناصبي عندهم من أقر بخلافة الشيخين أبي بكر وعمر – رضي الله عنهما – ص321 جـ2 – الصراط المستقيم.
السني عندهم اتخذ الشياطين أولياء من دون الله بتوليه للخلفاء الأربعة. ص279 – جـ2 – الصراط المستقيم.
من شروط الإسلام عندهم البراءة من الشيخين – ص88 – جـ2 – الصراط المستقيم.
الشيخين عند الرافضة أولاد زنا. ص95 – جـ2- الصراط المستقيم.
أبو بكر – رضي الله عنه – عندهم هو خليفة الشيطان – ص299 – جـ2 – الصراط المستقيم.(197/2)
يقولون "الأول والثاني – يعني الشيخين – عليهما لعائن الله كلها كانا والله كافرين مشركين بالله العظيم – ص333 – جـ2 – الصراط المستقيم.
أبو بكر وعمر وعثمان عندهم هم العجل وفرعون والسامري – ص343 – جـ2 – الصراط المستقيم.
أبو بكر وعمر وعثمان عندهم ، هم كلاب الجحيم وخنازيرها – ص344 جـ2 – الصراط المستقيم.
أئمتهم حينما يرمون الجمرات في الحج فإنهم إنما يرمون أبا بكر وعمر – ص274 – بصائر الدرجات.
أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – عندهم هي أم الشرور – ص465 – جـ2 – الصراط المستقيم.
أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – عندهم هي قرن الشيطان – ص468 – جـ2 – الصراط المستقيم.
يكفرون عائشة وحفصة – رضي الله عنهن – ص472 – جـ2 – الصراط المستقيم.
يصرحون بأن الله لم يبرئ عائشة – رضي الله عنها – من الزنا – ص469 جـ2 – الصراط المستقيم.
يلقبونها – رضي الله عنها – بالفاجرة – ص350 جـ2 – الصراط المستقيم.
الحجاج من غير الشيعة الرافضة قردة وخنازير – ص305 – تفسير العسكري.
الرافضي إذا صافح سنياً فهو مأمور أن يغسل يده – ص475 – جـ2 – الأصول من الكافي.
السني عندهم أشر من ولد الزنا – ص462 – جامع الأخبار.
السني عندهم أشر من الكلب – ص362 – جـ2 – الصراط المستقيم.
السني عندهم شر من عابد وثن – ص362 – جـ2 – الصراط المستقيم.
السني عندهم كعابد وثن – ص334 – بصائر الدرجات.
السني عندهم في النار – ص362 – جـ2 – الصراط المستقيم.
أهل السنة ذباب وبق – ص404 – معاني الأخبار.
أهل السنة كلاب - ص362 – جـ2 – الصراط المستقيم.
أهل السنة غثاء – ص26 – جـ1 – الأصول من الكافي.
أهل السنة مخلوقون من طين سجين – ص32 – بصائر الدرجات.
أهل السنة مخلوقون من طينة خبال من حمأ مسنون – ص33 – بصائر الدرجات.
أهل السنة مخلوقون من طينة النار – ص33 – بصائر الدرجات.(197/3)
علي – عندهم – يدخل الجنة من شاء ويدخل النار من شاء – ص386 – بصائر الدرجات.
علي – عندهم – معه مفاتيح الجنة ومقاليد النار – ص386 – بصائر الدرجات.
* ليعلم أن هذه الكتب سالفة الذكر ، لها مقام رفيع عند الشيعة الرافضة ، ولها عندهم قبول وتقدير ، ويكيلون لمؤلفيها الثناء والدعاء ، والمدح والإطراء.
* ليعلم أن من أهل السنة من وصل حاله إلى الغفلة والسذاجة ، ويسيمها البعض – طيبة زائدة – فهذه النقول لعلها أن توقظهم وتنبههم.
* ليعلم أن ما ذكر ما هو إلا قليل ، وليس المراد سوى التذكير ببعض ما عند القوم، وما خفي كان أعظم !! وفيما سبق ، ما تنهد الجبال من سوءه ووقاحته ، وخبثه، ونجاسته ، وإلى الله المشتكى ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، ورضي الله عن الصحابة أجمعين ، وعن أمهاتنا أمهات المؤمنين ، ولعن الله أعداء ذلك الجيل الفريد خير القرون ، ولعن الله الشيعة الرافضة المنتهكين لاعراض المسلمين السابقين واللاحقين…آمين.
فتاوى
1- س : ما حكم عوام الروافض الإمامية الاثنى عشرية ؟ وهل هناك فرق بين علماء أي فرقة من الفرق الخارجة عن الملة وبين أتباعها من حيث التكفير أو التفسيق؟
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه … وبعد :(197/4)
جـ- من شايع من العوام إماماً من أئمة الكفر والضلال ، وانتصر لسادتهم وكبرائهم بغياً وعدواً حكم له بحكمهم كفراً وفسقاً ، قال الله تعالى : { يسألك الناس عن الساعة } إلى أن قال : { وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا . ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعناً كبيراً } واقرأ الآية رقم 165،166،167 من سورة البقرة ، والآية رقم 37،38،39 من سورة الأعراف ، والآية : رقم 21،22 من سورة إبراهيم ، والآية رقم 28،29 من سورة الفرقان ، والآيات رقم 62،63،64 من سورة القصص والآيات رقم 31،32،33 من سورة سبأ ، والآيات رقم 20 حتى 36 من سورة الصافات ، والآيات 47 حتى 50 من سورة غافر وغير ذلك في الكتاب والسنة كثير ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قاتل رؤساء المشركين وأتباعهم وكذلك فعل أصحابه ولم يفرقوا بين السادة والأتباع .وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء(1)
عضو
عضو
نائب رئيس اللجنة
الرئيس
عبدالله بن قعود
عبدالله بن غديان
عبدالرزاق عفيفي
عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
2- س: هل الطريقة الشيعية الإمامية من الإسلام ؟ ومن الذي اخترعها ؟ لأنهم أي الشيعة ينسبون مذهبهم لسيدنا علي كرم الله وجهه ، وأيضاً إذا لم يكن مذهب الشيعة من الإسلام ما الخلاف بينه وبين الإسلام ؟ وأرجو من فضيلتكم وإحسانكم بياناً واضحاً شافياً بالأدلة الصحيحة خصوصاً مذهب الشيعة وعقائدهم وبيان بعض الطرق المخترعة في الإسلام؟
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه … وبعد :
مذهب الشيعة الإمامية مذهب مبتدع في الإسلام أصوله وفروعه ، ونوصيك بمراجعة كتاب "الخطوط العريضة" و "مختصر التحفة الاثنى عشرية" و "منهج السنة" لشيخ الإسلام ، وفيها بيان الكثير من بدعهم .
__________
(1) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ، جـ2 العقيدة. ص267-268.(197/5)
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء(1)
عضو
نائب رئيس اللجنة
الرئيس
عبدالله بن غديان
عبدالرزاق عفيفي
عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
قال الشيخ عبدالعزيز بن باز – رحمه الله - :
3- "إن كانت هذه الطائفة تعبد أهل البيت كعلي وفاطمة والحسن والحسين – رضي الله عنهم – أو غيرهم من أهل البيت ، بدعائهم والاستغاثة بهم ، وطلب المدد ونحو ذلك ، أو كانت تعتقد أنهم يعلمون الغيب ، أو نحو ذلك مما يوجب خروجهم من الإسلام ، فإنهم والحال ما ذكر : كفار ، لا تجوز مناكحتهم ولا موادتهم ولا أكل ذبائحهم ، بل يجب بغضهم والبراءة منهم حتى يؤمنوا بالله وحده"(2).
وقال غفر الله له :
4- "من مات على سب أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنهم – أو على تهمة أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – فقد مات على غير الإسلام ، لأنه مكذب لله سبحانه ، ولرسوله صلى الله عليه وسلم لأنه سبحانه قد أثنى على الصحابة ورضي عنهم وبرأ عائشة من التهمة في كتابه الكريم"(3).
وقال رحمه الله :
5- "من عرف بدعاء الاموات والاستغاثة بهم والنذر لهم ونحو ذلك من أنواع العبادة فهو : مشرك كافر ، لا تجوز مناكحته ولا دخوله المسجد الحرام ولا معاملته معاملة المسلمين ولو ادعى الجهل حتى يتوب إلى الله من ذلك… ولا يلتفت إلى كونهم جهالاً ، بل يجب أن يُعاملوا معاملة الكفار حتى يتوبوا إلى الله من ذلك"(4).
الإمام الحافظ ابن كثير – رحمه الله – قال :
__________
(1) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ، جـ2 العقيدة ، ص268.
(2) الأجوبة المفيدة عن بعض مسائل العقيدة – العلامة عبدالعزيز بن باز – ص25-26.
(3) الأجوبة المفيدة عن بعض مسائل العقيدة – العلامة عبدالعزيز بن باز – ص45.
(4) فتاوى مهمة تتعلق بالعقيدة – الشيخ ابن باز ، ص49-50.(197/6)
6- "ومن ظن بالصحابة – رضوان الله عليهم – ذلك -(1) فقد نسبهم بأجمعهم إلى الفجور و التواطئ على معاندة الرسول صلى الله عليه وسلم ، و مضادته في حكمه ونصّه ، ومن وصل من الناس إلى هذا المقام : فقد خلع ربقة الإسلام ، وكفر بإجماع الأئمة الأعلام ، وكان إراقة دمه أحل من إراقة المدام"(2).
وقال السرخسي – رحمه الله - :
7- "فمن طعن في الصحابة فهو ملحد منابذ للإسلام ، دواءه السيف إن لم يتب"(3).
* ومحمد صديق – رحمه الله – يقول :
8- "فمن نال من الصحابة أو طعن فيهم أو سبهم فلا شك ولا ريب أنه من أصحاب النار ، لأنه عارض الله في كتابه ، وإخباره بمزيد فضلهم ، برأيه الفاسد ، ولم يقبل دليل القرآن ، ومن أنكر حرفاً من القرآن فقد خرج عن الإسلام ودخل في الكفر بلا ارتياب ، فسحقاً للرافضة اللاعنين لهم ، و السابّين إياهم .. وقد قال سبحانه { ليغيظ بهم الكفار}(4).
* مجموعة من العلماء – رحمهم الله - :
__________
(1) ذلك : أي أنهم تآمروا على علي – رضي الله عنه – وصرفوا الخلافة عنه.
(2) البداية والنهاية ، جـ5 ، ص264.
(3) عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام – رضي الله عنهم – د. ناصر الشيخ – جـ2 ، ص857.
(4) الدين الخالص – محمد صديق ، جـ3 ، ص260.(197/7)
9- "أما الرافضة فأفتينا الإمام أن يلزموا بالبيعة على الإسلام ، ويمنعهم من إظهار شعائر دينهم الباطل ، وعلى الإمام أيده الله : أن يأمر نائبه على الإحساء يحضرهم عند الشيخ ابن بشر ويبايعونه على دين الله ورسوله ، وترك الشرك ، من دعاء الصالحين من أهل البيت وغيرهم ، وعلى ترك سائر البدع ، من اجتماعهم على مآتمهم وغيرها مما يقيمون به شعائر مذهبهم الباطل ، ويُمنعون من زيارة المشاهد ، وكذلك يُلزمون بالاجتماع للصلوات الخمس هم وغيرهم في المساجد ، ويرتب فيهم أئمة ومؤذنين ونواباً من أهل السنة ، ويُلزمون تعلم ثلاثة الأصول ، وكذلك إن كان لهم محال بُنيت لإقامة البدع فيها فتهدم ، ويمنعون من إقامة البدع في المساجد وغيرها، ومن أبى قبول ما ذكر فينفى عن بلاد المسلمين. وأما الرافضة من أهل القطيف ، فيأمر الإمام أيده الله الشيخ يسافر إليهم ويُلزمهم ما ذكرنا"(1)* .
* الشيخ محمد بن عبداللطيف – رحمه الله – يقول :
10- "مؤاكلة الرافضي والانبساط معه ، وتقديمه في المجالس ، والسلام عليه : لا يجوز لأنه موالاة و موادة ، والله تعالى قد قطع الموالاة بين المسلمين والمشركين"(2).
* وقال أسكنه الله الجنة :
11- "انظر رحمك الله إلى كلام السلف الصالح وتحذيرهم من مجالسة أهل البدع والإصغاء إليهم ، وتشديدهم في ذلك ، ومنعهم من السلام عليهم ، فكيف بالرافضة الذين أخرجهم أهل السنة والجماعة من الثنتين والسبعين فرقة ؟ مع ما هم عليه من الشرك البواح ، من دعوة غير الله في الشدة والرخاء كما هو معلوم من حالهم ؛ و مؤاكلتهم والسلام عليهم – والحالة هذه – من أعظم المنكرات وأقبح السيئات ، فيجب هجرهم والبعد عنهم"(3).
* وقال عفا الله عنه :
__________
(1) الدرر السنية في الأجوبة النجدية ، جمع الشيخ عبدالرحمن بن قاسم – رحمه الله – جـ9 ، ص316.
(2) المصدر السابق ، جـ8 ، ص439.
(3) المصدر السابق ، جـ8 ، ص440.(197/8)
12- "فحال الرافضة الآن أقبح وأشنع ، لأنهم أضافوا الغلو في الأولياء والصالحين من أهل البيت وغيرهم ، واعتقدوا فيهم النفع والضر في الشدة والرخاء ، ويرون أن ذلك قربة تقربهم إلى الله ، ودين يدينون به. فمن توقف في كفرهم – والحالة هذه – وارتاب فيه ، فهو جاهل بحقيقة ما جاءت به الرسل ونزلت به الكتب فليراجع دينه قبل حلول رمسه"(1).
* وقال :
13- "أما مجرد السلام على الرافضة ومصاحبتهم ومعاشرتهم ، مع اعتقاد كفرهم وضلالتهم ، فخطر عظيم ، وذنب وخيم ، يخاف على مرتكبه من موت قلبه وانتكاسه"(2).
* وقال محمد صدّيق – رحمه الله - :
14- "وقد نص جمع جمٌّ من أهل السنة والعلم بالحديث والقرآن ، أن الرافضة كفار، لإنكارهم ضروريات الدين ، وما علم من شرع الرسول صلى الله عليه وسلم بالقطع اليقين ، وتكفيرهم للصحابة السابقين والآخرين ، وهم أفضل الأمة وأبرها وأكرمها على الله بأدلة من الكتاب والسنة ، فمن خالف الله ورسوله في إخبارهما و عصاهما بسوء العقيدة في خلَّص عباده ، ونخبة عبّاده ، فكفره بواح لا ستر عليه"(3).
* وقال :
15- "فمن سب أحداً من الصحابة فإنه لم يسبه إلا لغيظ في قلبه منه ، والغيظ من أمارة الكفر ، والكافر يقتل عند الردة ، فما أحق سابهم بالقتل إلا أن يتوب ، قال تعالى : { ليغيظ بهم الكفار}"(4).
* الشيخ محمد بن إبراهيم – رحمه الله - :
16- "ورافضة هذه الأزمان مرتدون عبدة أوثان … لكن إذا أٌلزموا بالاسلام و التزموه ، وتركوا الشرك ظاهراً ، فالظاهر أن حكمهم حكم المنافقين"(5) .
* الشيخ عبدالله بن جبرين – حفظه الله - :
__________
(1) المصدر السابق ، جـ8 ، ص450.
(2) المصدر السابق ، جـ8 ، ص451.
(3) الدين الخالص ، جـ3 ، ص260.
(4) المصدر السابق ، جـ3 ، ص355.
(5) مجموع فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم ، جـ8 ، ص189.(197/9)
17- "أما ما يتعلق بأحوال هؤلاء الرافضة وأعمالهم ، فهم وأعمالهم – والعياذ بالله – في ضلال ، نبرأ إلى الله منهم ومن عقائدهم ومن أعمالهم السيئة"(1).
* الشيخ سفر الحوالي – وفقه الله - :
18- "و الإثنى عشرية إذا دقق المدقق ، وحقق المحقق ، ورأى ما في كتبهم ، وما كتبه عنهم علماء الإسلام الثقات المعروفون ، فإنهم و لا شك من حيث العقيدة والمبدأ الذي هم عليه ، هذه عقيدة خارجة عن الملة ، و مبدأ خارج عن الملة ، و أما الباطنية فهم أشد منهم كفراً و أشد إيغالاً في الرفض ، و لا غرابة ، فأنتم تعلمون أن الكفر بعضه أشد من بعض … و ما من باب تخرج منه الرافضة الإمامية الإثنى عشرية من الملة إلا والباطنية أولى وأشد وأكثر خروجاً منهم"(2).
19- سماحة الوالد الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن جبرين حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فنحن مجموعة من الموظفين نعمل في دائرة حكومية واحدة ويعمل معنا موظف من (الرافضة).
والسؤال هو : ما حدود العلاقة الشرعية مع هذا الموظف؟ هل يعامل معاملة المسلمين في السلام ورده ؟ والتهنئة بالأعياد ، وغيرها من شعائر الإسلام؟ أم يحاور في مذهبه ؟ أم يقاطع نهائياً ويضيق عليه؟ أفتونا مأجورين .
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته وبعد :
فلابد من إظهار مقته وتحقيره وبغضه وإهانته ولا يجوز تهنئته ولا بدؤه بالسلام وإذا سلم يرد عليه (وعليكم) والأولى الحرص على التضييق عليه حتى يشعر من نفسه بالصغار والذل والاحتقار من أهل السنة ، والله أعلم وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
كتبه عبدالله الجبرين : في 4/1/1415هـ.
* الشيخ العلامة عبدالله بن جبرين :
20- الرافضة بلا شك كفار لأربعة أدلة :
__________
(1) حقيقة الرافضة ، شريط.
(2) عقدية الشيعة ، شريط.(197/10)
الأول : طعنهم في القرآن ، وادعاؤهم أنه قد حذف منه أكثر من ثلثيه ، كما في كتابهم الذي ألفه النوري وسماه فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب، وكما في كتاب الكافي ، وغيره من كتبهم ، ومن طعن في القرآن فهو كافر مكذب لقوله تعالى : { وإنا له لحافظون} .
الثاني : طعنهم في السنة وأحاديث الصحيحين ، فلا يعملون بها ، لأنها من رواية الصحابة الذين هم كفار في اعتقادهم ، حيث يعتقدون أن الصحابة كفروا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم إلا علي وذريته ، وسلمان وعمار ، ونفر قليل ، أما الخلفاء الثلاثة ، وجماهير الصحابة الذي بايعوه فقد ارتدوا ، فهم كفار ، فلا يقبلون أحاديثهم ، كما في كتاب الكافي وغيره من كتبهم .
الثالث : تكفيرهم لأهل السنة ، فهم لا يصلون معكم ، ومن صلى خلف السني أعاد صلاته ، بل يعتقدون نجاسة الواحد منا ، فمتى صافحناهم غسلوا أيديهم بعدنا ، ومن كفر المسلمين فهو أولى بالكفر ، فنحن نكفرهم كما كفرونا وأولى .
الرابع : شركهم الصريح بالغلو في علي وذريته ، ودعاؤهم مع الله ، وذلك صريح في كتبهم ، وهكذا غلوهم ووصفهم له بصفات لا تليق إلا برب العالمين ، وقد سمعنا ذلك في أشرطتهم. ثم إنهم لا يشتركون في جمعيات أهل السنة ، ولا يتصدقون على فقراء أهل السنة ، ولو فعلوا فمع البغض الدفين ، يفعلون ذلك من باب التقية ، فعلى هذا من دفع إليهم الزكاة فليخرج بدلها ، حيث أعطاها من يستعين بها على الكفر ، وحرب السنة ، ومن وكل في تفريق الزكاة حرم عليه أن يعطي منها رافضياً، فإن فعل لم تبرأ ذمته ، وعليه أن يغرم بدلها ، حيث لم يؤد الأمانة إلى أهلها، ومن شك في ذلك فليقرأ كتب الرد عليهم ، ككتاب القفاري في تفنيد مذهبهم ، وكتاب الخطوط العريضة للخطيب وكتاب إحسان إلهي ظهير وغيرها والله الموفق(1).
هل تعلم
__________
(1) اللؤلؤ المكين من فتاوى فضيلة الشيخ العلامة عبدالله بن جبرين ص40-41.(197/11)
أن : "دين الشيعة مختلف كلياً عن الإسلام"(1).
أن : "دين الشيعة نسج من الأكاذيب"(2).
أن : "دين الشيعة مليء بالمتناقضات"(3).
أن : "الرافضة طائفة مخذولة وفرقة مرذولة"(4).
أن : "شيعة اليوم أكثر سوءاً من شيعة الامس"(5).
أن : "التشيع مأوى لكل من أراد هدم الإسلام واستغلال البشر"(6).
أن : "كتب التاريخ مزدحمة بالأدلة التي تثبت خيانة الرافضة واستدراجهم لعلي وخذلهم للحسين – رضي الله عنهما –"(7).
أنه : "ما اقتتل يهودي ومسلم ، ولا نصراني ومسلم ، ولا مشرك ومسلم ، إلا كان الرافضي مع اليهودي والنصراني والمشرك"(8).
أن : "الرافضة آمرون بالمنكر ، ناهون عن المعروف ، واقعون في الضلال ، والإضلال ، وسوء الاعتقادات ، وفساد الإرادات ، يتبعون خطوات الشيطان ، ويفرون من شرائع الإسلام وأحكام الإيمان"(9).
أن : "الرافضة شركهم واضح جلي"(10).
أن : "الرافضي مشرك"(11).
أنه : "ليس في الدنيا رافضي إلا وهو يسب الصحابة … وهو كفر بواح"(12).
أن : "أسوأ الناس اعتقاداً في الأصحاب ، طائفة الرفض ، أفناهم الله وأبادهم"(13).
أن : "الرافضة أعداء لله وأعداء للإسلام والمسلمين"(14).
أن : "الرافضة ليس لهم سعي إلا في هدم الإسلام ونقض عراه وإفساد قواعده"(15).
__________
(1) الشيعة والمتعة ، محمد مال الله ، ص10.
(2) المصدر السابق ، ص99.
(3) المصدر السابق ، ص143.
(4) البداية والنهاية ، ابن كثير ، جـ5 ، ص300.
(5) الخميني بين التطرف والاعتدال ، عبدالله الغريب ، ص16.
(6) المصدر السابق ، ص38.
(7) المصدر السابق ، ص15.
(8) مختصر منهاج السنة – ابن تيمية جـ1 ، ص138.
(9) الدين الخالص ، محمد صديق القنوجي ، جـ3 ، ص263.
(10) الدين الخالص ، جـ3 ، ص266.
(11) المصدر السابق ، جـ3 ، ص279.
(12) المصدر السابق ، جـ3 ، ص284.
(13) المصدر السابق ، جـ3 ، ص274.
(14) حقيقة الرافضة – شريط الشيخ العلامة عبدالله بن جبرين.
(15) مختصر منهاج السنة – ابن تيمية – جـ2 ، ص781.(197/12)
أن : "للشيعة الرافضة في صفة مصرع الحسين كذب كثير وأخبار باطلة"(1).
أن : "الرافضة يرون أن قتل المسلم من أعظم القربات ، حتى جاء في (كتابهم) – رجال الكشي – نص يقول : عليكم بالاغتيال ، عليكم بالاغتيال ، عليكم بالاغتيال".
ولذلك قال الشوكاني في كتاب له اسمه طلب العلم : لا أمانة لرافضي على من يخالفه في الدين قط ، بل يستحل دمه وماله عند أدنى فرصة تلوح له . فدماؤنا وأموالنا حلال عندهم !! وهم الآن منبثون في العالم الإسلامي وغيره ، والديانة مسلم !! فالخطر منهم أشد وأخطر"(2).
أن : "شيخهم ابن بابويه رئيس المحدثين عندهم قال : بأن منكر الإمام الغائب أشد كفراً من إبليس"(3)
أن : "أحد شيوخهم د. محمد مهدي صادقي يقول : مكة المكرمة حرم الله الآمن يحتلها شرذمة أشد من اليهود"(4).
أنهم : "في سبيل الوصول لأغراضهم قد يدخلون في الجهات الأمنية في الدول الإسلامية ، ليتمكنوا بواسطة ذلك من التسلط على عباد الله الصالحين ، وإلحاق الضرر والأذى بمخالفيهم"(5).
أنهم : "يعيشون في وسط المسلمين ، ويتسمون باسم الإسلام ، وهم يتحينون أدنى فرصة للقتل"(6).
أنه : "مهما بذل المسلم لهم من المال ، أو أسدى لهم من المعروف ، أو قدم من البر والصلة فإنه لا يستطيع أن يزيل ذلك الحقد الأسود المرير ، أو يمتص تلك الضغينة أو يذيب جبالاً من الكراهية والبغضاء غرستها تربية الأيام والليالي في الصغر وكونتها آلاف من الصفحات السود في مدونات جعلوا لها صفة القداسة، وصاغتها مناسك الزيارات و أدعيتها ، و ليالي الحسينيات وتمثيليات العزاء في المحرم ، مما لا يخطر على بال من لم يخض في تراث الروافض و واقعهم"(7).
__________
(1) البداية والنهاية ، جـ8 ، ص599.
(2) الخطر الباطني المعاصر – شريط – د. ناصر القفاري.
(3) بروتوكولات آيات قم د. عبدالله الغفاري ، ص58.
(4) المصدر السابق ، ص75.
(5) المصدر السابق ، ص90.
(6) المصدر السابق ، ص93.
(7) المصدر السابق ، ص95.(197/13)
أنهم : "حين يعيشون في دول سنية ، أو دول لا تدين بمعتقدهم ، يتجه جهدهم إلى العمل والتخطيط للتمكين لمذهبهم وبني جنسهم ، وإلحاق الضرر بغيرهم ، ومن يقرأ ما فعله ابن يقطين بالمساجين والمساكين ، ويرى محاولات الروافض الدائبة في التسلل إلى أجهزة الأمن من مخابرات وشرطة ومباحث ، وكذلك التغلغل في جيوش الدول الإسلامية يعرف أن هدفهم من ذلك ليس خدمة الدولة ولا الدفاع عنها ضد خطر أعدائها ، ولكن استغلال هذه الأجهزة في العدوان على المسلمين ، ونصرة الرافضة ومذهبهم كلما لاحت الفرصة"(1).
أنهم يقولون : "سنحرر الكعبة والقدس وفلسطين من أيدي الكفار"(2).
"أن أهل السنة في إيران غرباء ، يعانون من مضايقات كثيرة متنوعة ، ومحرومون من أبسط حقوقهم"(3) وأنه "من الطبيعي أن يقتل الرجال والنساء والأطفال ، وأن تنتهك حرمات البيوت ، وأن يروع الآمنون ، وأن يعيشوا الذعر والفزع والهلع في النفوس ، فكل هذه الوسائل قد تؤدي في نظرهم القاصر إلى تحويل أهل السنة كلهم أو بعضهم إلى المذهب الشيعي"(4)
تنبيه
"إعلم وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى ، أنه لا يستقيم للعبد إسلام ولا دين ، إلا بمعاداة أعداء الله ورسوله ، وموالاة أولياء الله ورسوله صلى الله عليه وسلم "(5).
"والواجب على من أحب نجاة نفسه ، وسلامة دينه ، أن يعادي من أمره الله ورسوله بعداوته ولو كان أقرب قريب ، فإن الإيمان لا يستقيم إلا بذلك ، والقيام به ، لأنه من أهم المهمات ، و آكد الواجبات"(6).
__________
(1) المصدر السابق ، ص97.
(2) الفتنة الخمينية… محمد عبدالقادر ، ص9.
(3) الخميني والوجه الآخر.. د. زيد العيص ، ص194.
(4) المرجع السابق ، ص202.
(5) الدرر السنية - جـ 8 ، ص437 ـ الشيخ محمد بن عبداللطيف – رحمه الله -.
(6) المصدر السابق - جـ 8 ، ص438 ـ الشيخ محمد بن عبداللطيف – رحمه الله -.(197/14)
"فلا يستقيم الإسلام ، ويقوم قائم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ويرتفع علم الجهاد ، إلا بالحب في الله والبغض فيه ، وموالاة أوليائه ، ومعاداة أعدائه ، والآيات على ذلك أكثر من أن تحصر ، وأما الأحاديث فأشهر من أن تذكر"(1).
"فليحذر العبد كل الحذر : من الانهماك مع أعداء الله ، والانبساط معهم ، وعدم الغلظة عليهم ، أو أن يتخذهم بطناء وأصحاب ولايات ، ويستنصح منهم، فإن ذلك موجب لسخط الله ومقته"(2).
"فلا يستقيم للإنسان إسلام ولو وحد الله وترك الشرك إلا بعداوة المشركين والتصريح لهم بالعداوة والبغضاء"(3).
تذكير
"من يقدر على إنكار صنيع الرافضة ولم يفعل ، فقد رضي أن تنتهك حرمة الإسلام وأهله وسكت على ما هو كفر"(4).
"من سكت عن إنكار الكفر مع القدرة عليه ، فقد أهمل ما أمر الله به في كتابه : من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وترك الإنكار على ما هو كفر بواح ، وأهمل ما هو أعظم أعمدة الدين وأكبر أساطينه ، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فلا بكتاب الله عمل ، ولا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتدى"(5).
"فالواجب علينا إذا رأينا إعلاناتهم هذه وأعمالهم ، أن ننكر عليهم ، وأن نسعى إلى ولاة الأمور ونأمرهم بأن يأخذوا على أيديهم فلا يظهروا بدعتهم في بلاد الإسلام ، ومن أراد أن يظهر بدعته فليذهب إلى البلاد التي يحكمها الرافضة … هنالك يفعلون ما يريدون ، أما بلاد تحكم بالشريعة فلا يجوز أن يمكّنوا من إظهار هذه البدعة"(6).
متفرقات
__________
(1) المصدر السابق - جـ 8 ، ص447 ـ الشيخ محمد بن عبداللطيف – رحمه الله -.
(2) المصدر السابق - جـ 8 ، ص449 ـ الشيخ محمد بن عبداللطيف – رحمه الله -.
(3) المصدر السابق - جـ 8 ، ص331 ـ الشيخ محمد بن عبداللطيف – رحمه الله -.
(4) الدين الخالص – جـ3 ، ص277.
(5) المصدر السابق – جـ3 ، ص277.
(6) حقيقة الرافضة – شريط.(197/15)
"جملة من الأوجه في كون سب الصحابة ناقضاً من نواقض الإيمان :
أ- أن في سب الصحابة – رضي الله عنهم – تكذيباً للقرآن الكريم ، وإنكاراً لما تضمنته الآيات القرآنية من تزكيتهم والثناء الحسن عليهم.
ب- أن سب الصحابة – رضي الله عنهم – يستلزم نسبة الجهل إلى الله تعالى ، أو العبث في تلك النصوص الكثيرة التي تقرر الثناء الحسن على الصحابة وتزكيهم.
ج- من سب الصحابة – رضي الله عنهم – ورماهم بالكفر أو الفسق ، فقد تنقص الرسول صلى الله عليه وسلم وآذاه ، لأنهم أصحابه الذين رباهم وزكاهم ، ومن المعلوم أن تنقص الرسول صلى الله عليه وسلم كفر وخروج عن الملة.
د- أن سب الصحابة – رضي الله عنهم – والطعن في دينهم هو طعن في الدين ، وإبطال للشريعة ، وهدم لأصله ، لعدم توافر الناقل المأمون له.
هـ- أن سب الصحابة – رضي الله عنه – يستلزم تضليل الأمة المحمدية ، ويتضمن أن هذه الأمة شر الأمم ، وأن سابقي هذه الأمة شرارها ، وكفر هذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام"(1).
"الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، قال يوماً لرجل من الرافضة : والله إن قتلك لقربة إلى الله عز وجل ، فقال له الرجل : إنك تمزح فقال : والله ما هذا مني بمزح ولكنه الجد"(2).
"قال أبو بكر الباقلاني : وفيما ذهب إليه الرافضة إبطال لدين الإسلام بتمامه"(3)*.
"فمن له أدنى خبرة بدين الإسلام يعلم أن مذهب الرافضة مناقض له "(4).
"دمر الله على أعداء الإسلام من الروافض وغيرهم ، ممن يظن أن الشيخين غصبا حق أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم "(5).
__________
(1) نواقض الإيمان القولية والعملية – د. عبدالعزيز بن محمد العبداللطيف ص426-435- باختصار.
(2) البداية والنهاية – جـ9 ، ص202.
(3) الدين الخالص – جـ3 ، ص310.
(4) مختصر منهاج السنة جـ2 ، ص908.
(5) الدين الخالص – جـ3 ، ص342.(197/16)
"الرافضة نصبوا للصحابة العداوة ، وألصقوا بهم التهم ، وحملوا عليهم كل الجرائم ، ورموهم بالقذائف ، ورموهم بالكفر ، ووسموهم بالنفاق كذباً وبهتاناً"(1).
"في الحديث "أن الشيطان يفر من ظل عمر" ، وفيه دليل واضح على أن الروافض شياطين ، يفرون من اسمه الشريف ، ويسلكون غير فجه ، وهذا مشاهد ، ونفرتهم عنه وعداوتهم له لا تخفى على أحد"(2).
"التشيع بذرة نصرانية ، غرستها اليهودية ، في أرض مجوسية"(3).
"قال الشوكاني – رحمه الله - : وقد جربنا وجرب من قبلنا فلم يجدوا رجلاً رافضياً يتنزه عن محرمات الدين كائناً من كان"(4).
10- وصار لأهل الرفض والشرك صولة
وقام بهم سوق الردى و المناكر
وعاد لديهم للواط و للخنا
معاهد يغدو نحوها كل فاجر
وشتت شمل الدين وانبتّ حبله
وصار مضاعاً بين شر العساكر
وأذن بالناقوس والطبل أهلها
ولم يرض بالتوحيد حزب المزامر
وأصبح أهل الحق بين معاقب
وبين طريد في القبائل صائر(5)
"وقولك : إنا أخذنا كربلاء وذبحنا أهلها ، وأخذنا أموالها ، فالحمد لله رب العالمين ، ولا نتعذر من ذلك ، ونقول : "وللكافرين أمثالها"(6).
"وباستعمال أهل النفاق والخيانة والظلم يزول الملك ، ويضعف الدين ، ويسود القبيلة شرارها ، ويصير على ولاة الأمر كفعل من فعل ذلك ، فالسعيد من وعظ بغيره ، وبما جرى له وعليه ، وأهل الدين هم أوتاد البلاد ورواسيها ، فإذا قعلت وكسرت مادت وتقلبت"(7) .
* الشيخ علي الحذيفي :
__________
(1) حقيقة الرافضة – شريط.
(2) الدين الخالص – جـ3 ، ص296.
(3) عقيدة الشيعة – شريط. / (3) بروتوكولات آيات قم ، ص94.
(5) الدرر السنية – جـ8 ، ص400 – الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن – رحمه الله -.
(6) المصدر السابق جـ9 ، ص284 – الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود – رحمه الله-.
(7) المصدر السابق جـ9 ، ص296 – الشيخ عبدالرحمن بن حسن – رحمه الله -.(197/17)
13."وكيف يكون هناك تقريب بين السنة والشيعة !! أهل السنة الذين حملوا القرآن الكريم وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفظ الله بهم الدين وجاهدوا لإعلاء منارة الإسلام وصنعوا تاريخه المجيد ، والرافضة الذين يلعنون الصحابة ويهدمون الإسلام ، فإن الصحابة – رضي الله عنهم – هم الذين نقلوا الدين لنا فإذا طعن أحد فيهم فقد هدم الدين.
كيف يكون تقريب بين أهل السنة والرافضة وهم يسبون الخلفاء الثلاثة !! وسبهم لو كان لهم عقول يفضي إلى الطعن في الرسول صلى الله عليه وسلم فإن أبا بكر وعمر – رضي الله عنهما – صهران لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ووزيراه في حياته ، و ضجيعاه بعد موته ، ومن ينال هذه المنزلة ، من ينال هذه المنزلة ، و جاهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع غزواته ويكفي هذا الدليل لبطلان الرفض . وعثمان رضي الله عنه زوج ابنتين للرسول صلى الله عليه وسلم والله لا يختار لرسوله صلى الله عليه وسلم ألا أفضل الأصهار ، فكيف لم يبين النبي صلى الله عليه وسلم عداوة الخلفاء الثلاثة للإسلام ويحذر منهم إن كانوا صادقين بزعمهم ؟! بل سب هؤلاء الثلاثة طعن في علي – رضي الله عنه – فقد بايع أبا بكر في المسجد راضياً وزوج عمر ابنته أم كلثوم وبايع عثمان مختاراً وكان وزيراً لهم محباً ناصحاً – رضي الله عنهم أجمعين – فهل يصاهر علي – رضي الله عنه – كافراً أو يبايع كافراً "سبحانك هذا بهتان عظيم".(197/18)
ولعنهم لمعاوية – رضي الله عنه – طعن في الحسن – رضي الله عنه – الذي تنازل بالخلافة لمعاوية ابتغاء وجه الله وقد وفق لذلك ومدحه صلى الله عليه وسلم على ذلك ، فهل يتنازل سبط رسول الله لكافر يحكم المسلمين "سبحانك هذا بهتان عظيم" فإن قالوا بأن علياً والحسن كانا مكرهين فلا عقول لهم لأن هذا تنقص لهما ما بعده تنقص أبداً . وكيف يلعنون أم المؤمنين عائشة التي نص الله في كتابه على أنها أم المؤمنين في قوله تبارك وتعالى : { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم } ولا شك أن من يلعنها فإنها ليست له بأم وأما من كانت أماً له فإنه لا يلعنها بل يحبها .
وكيف يكون بين تقريب أهل السنة والرافضة ، وقد جعلوا الخميني إمام الضلالة معصوماً حيث أقروه على أنه نائب مهديهم الخرافة الذي قالوا بأنه دخل سرداب سامراً ، والنائب له حكم المستنيب فإذا كان المهدي معصوماً فالخميني معصوماً لأنه نائب له فما هذا التناقض !!
إن الرافضة في قولهم بولاية الفقيه قد نسفوا مذهبهم من أساسه ، والباطل يحطم بعضه بعضاً ويشتمل ويتضمن على الردود وتحطيم نفسه بنفسه ، وأهل البيت براء منهم ومن هذا القول ، والأدلة على بطلان مذهب الرافضة شرعاً وعقلاً لا تحصى إلا بالمشقة ، ألا فليدخلوا في الإسلام وأما نحن أهل السنة فلن نقترب منهم شعرة واحدة أو أقل من ذلك فهم أضر على الإسلام من اليهود والنصارى ، ولا يوثق بهم أبداً ، وعلى المسلمين أن يقفوا لهم بالمرصاد قال تعالى : { هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون }(1).
__________
(1) من خطبة جمعة في المسجد النبوي عام 1418هـ.(197/19)
14. "فلا يجوز نسبة شيء من الأقوال والأفعال المكفرة وغير المكفرة لأحد من المسلمين بمجرد الظن والتخرص ثم بناء الأحكام عليها إلا أن يكون من طائفة تتدين بالكتمان والتقية كطوائف الباطنية والرافضة ، فإن الواحد من هؤلاء له حكم الطائفة المنتسب إليها وإن لم يظهر معتقدها ، لأن هؤلاء يتدينون بالنفاق وإظهار الموافقة للمسلمين مع المخالفة لهم في الباطن"(1).
15. "وأما إن كان أهل البدع معروفين بغشهم للمسلمين وعدم نصحهم لهم فلا تجوز الاستعانة بهم مطلقاً ، سواء أكان ذلك الغش ناتجاً عن خلق يختص به بعض الأفراد ، أو ناتجاً عن دين تتدين به بعض الطوائف المخالفة للسنة مثل طوائف الباطنية بأنواعها ، وطائفة الرافضة ، فإن هذه الطوائف تتدين بأذية المسلمين وغشهم والإضرار بهم بل يستبيحون دماءهم وأموالهم"(2).
16. "وقد رأينا بعض أهل السنة اليوم قد اتخذوا من الرافضة – ممن ابتلينا بمجاورتهم في هذه المدينة النبوية – طهرها الله منهم – أخداناً وأصدقاء ، يلقون إليهم بالمودة ويزورونهم في بيوتهم ، ويشاركونهم في المأكل والمشرب ، حتى وصل الأمر ببعضهم أن يختم صيامه في بعض أيام رمضان بإفطاره على موائد الرافضة ، تلك الموائد التي يشتم ويلعن عليها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأمهات المؤمنين ، وقبل ذلك وبعده لربما وضعوا لهم ودسوا في الطعام من الأنجاس والقاذورات ما يتضررون به في أبدانهم بعد ذلك الضرر الكبير الذي لحقهم في دينهم ، فيخرج هؤلاء المساكين بفساد القلوب والأبدان ، فنعوذ بالله من عمى البصيرة والخذلان"(3)*.
__________
(1) موقف أهل السنة والجماعة من أهل الأهواء والبدع – د. إبراهيم الرحيلي – جـ1 ، ص426.
(2) المصدر السابق – جـ2 ، 705.
(3) المصدر السابق – جـ2 ، ص481.(197/20)
17. "أما طلب الرافضة أن يعينوا كمدرسين في المدارس ، فهذا لا يجوز ، ولو كان ذلك في المواد غير الدينية"(1).
18. "ويجب أن يحال بين الرافضي وبين أولاده في حال حياتهم ، لأنه لابد أن يفسد دينهم"(2).
19. "الرافضة إذا تولوا التدريس فالغالب أنهم لا يدرسون تدريساً صحيحاً في العقيدة لأبناء المسلمين بل إما أن يشككوهم في عقيدتهم ، وإما أن يتركوهم على جهلهم بالعقيدة الصحيحة السليمة ، وهم إذا تولوا مثلاً الطب ، فلا يؤمنون إذا عالجوا أهل السنة أن يمكروا بهم وأن يكيدوا لهم ما يسبب زيادة المرض أو الموت أو العقم أو ما أشبه ذلك ، وكذلك إذا تولوا توليد النساء لم يؤمن في الأطفال المواليد أن يضروهم كما ذكر ذلك في كثير من المولدين ونحوهم"(3).
20. "(الرافضة والباطنية) "سوف يضللون هذه الأمة فلا تفيق!! فإذا جاءتهم فترة انتهاء التقية وابتداء فترة الظهور إلا ونحن لا وجود لنا ولا كيان ، وإذا بهم قد غزونا من كل ناحية ، وقد ظهروا علينا من كل جانب"(4).
21. "ووسائل الرافضة لتنفيذ مخططاتهم متنوعة حتى قال عنها الخبير بمذهبهم ، والعارف بحالهم – عبدالعزيز شاه ولي الله الدهلوي – بأنها "كثيرة جداً لا تدري اليهود بعشرها"(5).
22. "فيجب أن نكون على وعي وعلى بصيرة ، وعلى إدراك ومعرفة بما يخطط لنا أولئك الأعداء"(6).
23. "وإن الغفلة عن الخطر تقود إلى الوقوع فيه ، وإن التغافل لن ينجي من الشر، ولا يحمي من النار ، فالغفلة والتغافل كلاهما شر مستطير ، والتغافل ليس سياسة ولا كياسة ولا فطنة ، فاتقاء الخطر لا يكون بالتغافل عنه ، ولكن يكون بمواجهته إن لم يكن هناك سبيل إلا مواجهته"(7).
__________
(1) مجموع فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم – رحمه الله – جـ2 ، ص321.
(2) مختصر فتاوى ابن تيمية – محمد البعلي ، ص510.
(3) حقيقة الرافضة – شريط.
(4) عقيدة الشيعة – شريط.
(5) بروتوكولات آيات قم ، ص7.
(6) عقيدة الشيعة – شريط.
(7) الفتنة الخمينية ، ص7.(197/21)
24. "فعلى المسلم أن يعرف أعداء الله وأن لا ينخدع بدعاياتهم وبأقوالهم وبما هم عليه"(1).
دعوة ونداء
حتى متى عبرات العين تنحدر
والقلب من زفرات الشوق يستعر
والنفس طائرة ، والعين ساهرة
كيف الرقاد لمن يعتاده السهر
يا أيها الناس إني ناصح لكم
كونوا على حذرٍ قد ينفعُ الحذرُ
إني اخاف عليكم أن يحل بكم
من ربكم غيرٌ ما فوقها غبر
ما للروافض أضحت بين أظهركم
تسير آمنةً ينزو بها البطرُ
تؤذي وتشتمُ أصحاب النبي وهم
كانوا الذين بهم يستنزل المطرُ
مهاجرون لهم فضلٌ بهجرتهم
وآخرون هم آووا وهم نصروا
كيف القرارُ على من قد تنقصهم
ظلماً وليس لهم في الناس منتصرُ
إنا إلى الله من ذلّ أراه بكم
ولا مرد لأمرٍ ساقهُ القدر
حتى رأيتُ رجالاً لا خلاق لهم
من الروافض قد ضلوا وما شعروا
إني أحاذر أن ترضوا مقالتهم
أوْ لا فهل لكم عذر فتعتذروا
رأيُ الروافض شتم المهتدين فما
بعد الشتيمة للأبرار يُنتظر
لا تقبلوا أبداً عذراً لشاتمهم
إن الشتيمة أمر ليس يُغتفر
ليس الإله براضٍ عنهم أبداً
ولا الرسولُ ولا يرضى به البشرُ
الناقضون عرى الإسلام ليس لهم
عند الحقائق إيرادٌ ولا صدرُ
والمنكرون لأهل الفضل فضلهم
والمفترون عليهم كُلما ذُكروا
قد كان عن ذا لهم شُغلٌ بأنفسهم
لو أنهم نظروا فيما به أُمروا
لكن لشقوتهم والحينُ يصرعُهم
قالوا ببدعتهم قولاً به كفروا
قالوا وقلنا ، وخيرٌ القول أصدقه
والحق أبلجُ والبهتانُ منشمر
وفي عليَّ وما جاء الثقاتُ به
من قوله عبرٌ لو أغنتِ العبرُ
قال الأميرُ عليٌ فوق منبره
والراسخون به في العلم قد حضروا
خيرُ البرية من بعد النبي أبو
بكر وأفضلُهم من بعده عمر
هذا مقالُ عليٌ ليس ينكرهُ
__________
(1) حقيقة الرافضة – شريط.(197/22)
إلا الخليعُ وإلا الماجنُ الأشرُ
فارضوا مقالته أوْ لا فموعدُكم
نارٌ تُوقد لا تُبقي ولا تذرُ
وإن ذكرتُ لعثمانٍ فضائلهُ
فلن يكون من الدنيا لها خطرُ
وما جهلتٌ علياً في قرابته
وفي منازل يعشو دونها البصرُ
إن المنازل أضحت بين أربعةٍ
هم الائمةُ والاعلامُ والغررُ
أهلُ الجنانٍ كما قال الرسولُ لهم
وعداً عليه فلا خُلفٌ ولا غُدرُ
وفي الزبير حواريٍّ النبيِّ إذا
عُدت مآثره زلفى ومفتخرُ
واذكر لطلحة ما قد كنت ذاكره
حُسن البلاء وعند الله مُدكَّرُُ
إن الروافض تُبدي من عداوتها
أمراً تُقصرُ عنه الرومُ والخزرُ
ليست عداوتها فينا بضائرةٍ
لا بل لها وعليها الشينُ والضررُ
لا يستطيعُ شفا نفسٍ فيشفيها
من الروافض إلا الحيةُ الذكرُ
ما زال يضربها بالذل خالقها
حتى تطاير عن أفحاصها الشعرُ
داو الروافض بالإذلال إن لها
داء الجنون إذا هاجت بها المررُ
كل الروافض حُمرٌ لا قلوب لها
صمٌ وعميٌ فلا سمعٌ ولا بصرُ
ضلوا السبيل أضل الله سعيهمُ
بئس العصابة إن قلوا وإن كثروا
شًينُ الحجيج فلا تقوى ولا ورعٌ
إن الروافض فيها الداءُ والدبرُ
لا يقبلون لذي نصح نصيحته
فيها الحميرُ وفيها الابلُ والبقرُ
والقوم في ظلمٍ سودٍ فلا طلعت
مع الأنام لهم شمس ولا قمرُ
لا يُأمنون وكلُّ الناس قد أمنوا
ولا أمان لهم ما أورق الشجرُ
لا بارك الله فيهم لا ولا بقيت
منهم بحضرتنا أنثى ولا ذكر(1)
خاتمة
__________
(1) المغني عن مجالس السوء – خالد أبو صالح – جـ2 ، ص178-179-180.(197/23)
من المسلّم به ، أن كل إنسان يسعى إلى تحقيق مصلحته ، ولكن المسلم المتمسك بدينه ، الراجي عفو ربه ، لا يسعى إلى تحقيق مصلحته ، ما دامت لا تتحقق إلا بسخط الله ومقته ، بل متى ما أراد أن يقدم على أمر ، فإنه ينظر أولاً : هل هو مخالف لأوامر الله أم لا ؟ هل فيه إضرار بدينه ؟ أو بنفسه ؟ أو بالمسلمين ؟ ومن المتقرر أن : دفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة ، وأنه لا ضرر ولا ضرار ، وأن الغاية لا تبرر الوسيلة. ومن هذا المنطلق فإن الواجب على المسلمين ، أن لا تكون الدنيا أكبر همهم ، ومبلغ علمهم ، بل يجب أن تكون أوامر الله ونواهيه هي المقدمة عندهم في جميع شؤونهم وأمورهم ، ومن ذلك : التعامل مع الخلق ، فإن هذا التعامل لابد أن يكون مضبوطاً بضابط الشرع والدين ..
وعلى كل مسلم أن يتعلم كيف يعامل الناس ، فإن للعلماء معاملة ، وللصالحين معاملة ، ولعامة المسلمين معاملة ، وللحاكم معاملة ، وللعصاة الفساق معاملة ، ولأعداء الدين معاملة .. ومن علم فلابد أن يعمل.
... ولقد تبين فيما سبق من صفحات ، كيفية التعامل مع طائفة الشيعة الرافضة – أعداء الإسلام والمسلمين – وذلك بالأدلة والبراهين ..
فحري بكل مسلم أن يعاملهم بتلك الكيفية ، وأن يبين خطرهم ، ويحث من حوله على الحذر منهم ، والتقرب إلى الله بمقتهم وبغضهم والبراءة منهم ..
وإن كابر مكابر ، وعاند معاند ، وأصرّ مُصرّ ، على أنهم إخواننا !! وأنهم مسلمون !! برغم معرفته بمعتقداتهم وأحوالهم ، فجوابه القولُ الصائب :
وليس يصح في الأذهان شيء
إذا احتاج النهار إلى دليل
... وهو في عمله هذا ، على خطر عظيم ، وليراجع نواقض الإسلام ، فإن من نواقضه عدم تكفير الكافرين .(197/24)
... اللهم ثبت على الحق قلوبنا ، ووفقنا والمسلمين إلى ما تحب وترضى ، وخذ بنواصينا إلى البر والتقوى ، اللهم فرج عن المستضعفين من المسلمين ، واكفنا شرور أعداء الدين ، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك صلى اله عليه وسلم وعبادك المؤمنين. اللهم بصّرنا وإخواننا بما يخطط ويكاد لنا ، ووفقنا لإبطاله وإزهاقه ، اللهم رد كيد الكائدين في نحورهم ، وأدم علينا الإيمان والأمان… آمين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
المراجع
م
اسم الكتاب
اسم المؤلف
الناشر
تاريخ الطبعة
1
الدرر السنية في الأجوبة النجدية
جمع عبدالرحمن بن قاسم رحمه الله
دار العربية للطباعة والنشر بيروت الطبعة الثانية. الطبعة الخامسة بدون اسم ناشر
الثانية 1402هـ الخامسة 1416هـ
2
البداية والنهاية
الإمام الحافظ إسماعيل ابن كثير
دار المعرفة بيروت
الأولى 1416هـ
3
الدين الخالص
محمد صديق حسن القنوجي البخاري
دار الكتب العلمية بيروت
الأولى 1415هـ
4
الخميني بين التطرف والاعتدال
عبدالله محمد الغريب
5
الفتنة الخمينية. حقيقة الثورة الإيرانية
رسالة الشيخ محمد عبدالقادر آزاد رئيس مجلس علماء باكستان إلى حكام الدول الإسلامية وعلمائها
6
الأجوبة المفيدة عن بعض مسائل العقيدة
سماحة الشيخ العلامة عبدالعزيز بن باز رحمه الله
دار الوطن
الأولى 1414هـ
7
الشيعة والمتعة
محمد مال الله
دار الصحوة الإسلامية
الأولى 1407هـ
8
الخطر الباطني المعاصر – شريط -
د. ناصر القفاري
9
اللؤلؤ المكين من فتاوى فضيلة الشيخ العلامة عبدالله الجبرين
عبدالله الحوطي و عبدالله العجلان
دار الفرقان بالرياض
الأولى 1417هـ
م
اسم الكتاب
اسم المؤلف
الناشر
تاريخ الطبعة
10
المغني عن مجالس السوء جـ2
خالد أبو صالح
دار الصميعي الرياض
الأولى 1418هـ
11(197/25)
بروتوكولات آيات قم حول الحرمين الشريفين
د. عبدالله الغفاري
1411هـ
12
حقيقة الرافضة -شريط-
الشيخ العلامة عبدالله الجبرين
13
عقيدة الشيعة – شريط-
الشيخ د. سفر الحوالي
14
عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام –رضي الله عنهم-
د. ناصر بن علي الشيخ
مكتبة الرشد. الرياض
الأولى 1413هـ
15
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
جمع وترتيب الشيخ أحمد بن عبدالرزاق الدويش
الرئاسة العامة لادارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والارشاد
1411هـ
16
فتاوى مهمة تتعلق بالعقيدة
سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز
دار القاسم
الثالثة 1416هـ
17
موقف أهل السنة والجماعة من أهل الأهواء والبدع
د. إبراهيم الرحيلي
مكتبة الغرباء
الأولى 1415هـ
18
مختصر منهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية
اختصره الشيخ عبدالله الغنيمان
مكتبة الكوثر. دار الأرقم. الرياض
الأولى 1411هـ
19
مختصر فتاوى ابن تيمية
محمد البعلي
دار الكتب العلمية. بيروت
20
مجموع فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم
جمع وترتيب وتحقيق محمد بن عبدالرحمن بن قاسم
مطبعة الحكومة بمكة المكرمة
الطبعة الأولى 1399هـ
م
اسم الكتاب
اسم المؤلف
الناشر
تاريخ الطبعة
21
نواقض الإيمان القولية والعملية
د. عبدالعزيز العبداللطيف
دار الوطن. الرياض
الأولى 1414هـ
22
الخميني والوجه الآخر في ضوء الكتاب والسنة
د. زيد العيص
دار اليقين. المنصورة
الأولى 1413هـ
كتب الرافضة
(ولعلك تلاحظ الثناء والمبالغة في مدح مؤلفيها من قبل متأخري الشيعة الرافضة)
م
اسم الكتاب
اسم المؤلف
الناشر
تاريخ الطبعة
1
الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم
العلامة المتكلم الشيخ زين الدين أبي محمد علي بن يونس العاملي النباطي البياضي
مؤسسة أهل البيت – بيروت
الأولى 1409هـ
2
الأصول من الكافي(197/26)
أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني صححه وقابله الشيخ نجم الدين الآملي قدم له وعلق عليه علي أكبر الغفاري
المكتبة الإسلامية – طهران
1388هـ
3
التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري
الحسن العسكري
تحقيق ونشر مدرسة الإمام المهدي ، قم المقدسة
الأولى 1409هـ
4
جامع الأخبار أو معارج اليقين في أصول الدين
الشيخ محمد بن محمد السبزواري من أعلام القرن السابع الهجري تحقيق علاء آل جعفر
مؤسسة آل البيت لإحياء التراث ببيروت
الأولى 1413هـ
5
فضائل أهل البيت المسمى ببصائر الدرجات
للثقة الجليل والمحدث النبيل أبو جعفر محمد بن الحسن بن فروخ الصفار من أصحاب الإمام الحسن العسكري. من تراث الشيعة. تقديم وتعليق وتصحيح العلامة الحجة الحاج ميرزا محسن
مؤسسة النعمان- بيروت
الثانية مصححة ومنقحة وصف جديد 1412هـ
م
اسم الكتاب
اسم المؤلف
الناشر
تاريخ الطبعة
6
معاني الأخبار
للشيخ الجليل الأقدم الصدوق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي.
عني بتصحيحه علي أكبر الغفاري
دار المعرفة – بيروت
1399هـ(197/27)
المقدمة
{ قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ } (يوسف:17).
لا شك أن الحقيقة هي ضالة الجميع .. وهي قبل غيره ضالة المؤمن، إليها يصبو ولنيلها يسعى .. ومع أنها قد تندرس زمناً إلا أنها لا ريب تعود لتظهر ثانية بفعلٍ قدري صرف أو بجهد باحثٍ مجد ..
والحقائق عموماً منها ما هو مشرِّف نبيل يسعى أهلها لإعلانها والتعريف بها، ومنها ما هو مخزٍ سقيم يحاول أصحابها جاهدين طمسها وتغييب معالمها .. بل ربما نسبوها إلى غيرهم ورموهم بسوئها، ليسلم لهم ماء الوجه ولتبقَ ساحتهم بعيدة عن مرمى سهام النقد والتقييم ..
وفي حين أن الأولى لا تحتاج إلى طول عناء لإبرازها وإماطة اللثام عنها حتى تبرز معالمها واضحة بعد إهمال، فإن الثانية تحتاج إلى جهد كبير في التنقيب عنها يوازي الجهد المبذول في قبرها وتغييبها ..
ولطالما بقيت غالب معتقدات الشيعة في إطار الثانية خصوصاً ما يتعلق منها بحقيقة معتقدهم تجاه باقي فرق المسلمين عامة وتجاه أهل السنة والجماعة على وجه الخصوص، حيث أنها ظلَّت ملقاة في جُبّ التغييب والتغريب زمناً طويلاً دون أن يعلم بها السواد الأعظم من المسلمين بل أن الأمر لم ينتهِِ معهم عند هذا الحد، فقد جاؤوا على قميص الحقيقة تلك بدمٍ كذب، وألبسوا غيرهم ثوب جرائمهم، وجاءوا الناس في كل وقت وحين يبكون ويتباكون على الوحدة الإسلامية الضائعة !! ومظلومية المذهب الشيعي مقابل تعنُّت وتجبر المذاهب الإسلامية وقسوتهم في الحكم عليه وعلى أتباعه، فصيَّروا "بإعلانهم الكاذب ومكرهم" الذئب حملاً، والحمل ذئباً .. بل برعوا في تصوير ذلك إلى الحد الذي صدَّقهم فيه أغلب الناس بما فيهم الكثير من أهل السنة أنفسهم !!(198/1)
وتعبداً مني بالأمر الشرعي القاضي بوجوب تغيير المنكر، وحتى لا يصبح الوهم حقيقة والكذب أصلاً في الأذهان، عمدت إلى خوض غمار الكتابة في هذا الموضوع- رغم ثقله على نفسي- مبيناً الواقع الذي عليه حال معتقد القوم تجاه غيرهم من المسلمين(1) مستناً فيه سابقة في أسلوب الطرح لم يتعرض لها غيري بهذا التفصيل- على حد علمي- والذي اتسم بسمتين أساسيتين أقطع بهما الطريق بوجه المراوغين والمخادعين من علمائهم ودعاتهم هما:
1-اعتمادي على تقريرات فقهية يتعبد بها الشيعة في جميع أنحاء العالم دون الاقتصار على سرد روايات- بالنص أو بالمعنى- مما قد يتيح لهم مجالاً للهرب عن طريق تضعيف أو إنكار تلك الروايات أو تأويل مقاصدها على ما جرت عليه عادتهم من قلب للحقائق وتزوير لها حين كانوا يواجَهون بنصوص ونُقُول تثبت عليهم مثلبة أو تفضح في مذهبهم زيغاً .. وهكذا كان ديدن علماء المذهب هذا في احتراف أسلوب المراوغة والتدليس هو القادح الذهني في اللجوء إلى مثل هذا الطرح الغير مسبوق في عرض موضوعة الكتاب من فقهيات علماء المذهب دون مرويات بما لا يجعل لأحد منهم أدنى فرصة للمراوغة والتحايل، و إلا فليتعبدوا إلى الله تعالى بغير مذهبهم وليتفقهوا بغير فقه علمائهم !!
__________
(1) هذا البحث مستلّ من دراسة موسعة تبين موقف الشيعة العدائي لجميع المسلمين بتفصيل ونصوص لا غنى للباحث عنها وهي بعنوان (موقف الشيعة الإمامية من باقي فرق المسلمين) وهي على أبواب النشر إن شاء الله تعالى.(198/2)
2-اعتمدت في كتابتي على نفس مؤلفات علماء المذهب ومنظريه من خلال شروحهم وفتاويهم فنقلت منها مباشرةً، ولم ألتفت مطلقاً لما كتبه غيري من ردود على الشيعة، وهذه الطريقة وإن كانت شاقة في سبر غور مؤلفاتهم والوقوف على تقريراتهم الفقهية، إلا أنها الطريقة المثلى في تناول موضوع عقائدي حساس لأنها أقرب إلى الإنصاف معهم، وأيضاً تقطع ما قد يتعلق به بعض دعاة التغرير والخداع منهم بالتظلم والتباكي من كون النقل في تقرير معتقدات الشيعة هو من كلام خصوم الشيعة وليس من نفس مصنفات علمائهم ومصادرهم(1)
__________
(1) كما تباكى خبيرهم في التباكي والتظلم عبد الحسين شرف الدين حيث طلب من المسلمين أن ينصفوا الشيعة بالنقل من كتبهم وليس من كتب خصومهم حيث قال في كتابه (الفصول المهمة في تأليف الامة) ص166: [ " القسم الرابع " جماعة قد اعتمدت في نقل تلك الدواهي والطامات عن الشيعة على من تقدمهم من علماء سلفهم ، إذ رأوهم ينقلون شيئا فنقلوه ووجدوا أثرا فاتبعوه ، ولو رجعوا في معرفة أقوال الإمامية إلى علمائهم وأخذوا مذهبهم في الأصول والفروع من مؤلفاتهم ، لكان أقرب إلى التثبت والورع وما أدري كيف نبذوا في هذا المقام كتب الإمامية على كثرتها وانتشارها واعتمدوا على نقل أعدائهم المرجفين وخصمائهم المجازفين الذين تحكموا في تضليلهم ، وسلقوهم بألسنة الافتراء وهذا عصر لا يصغى فيه إلى من يرسل نقله إرسال الكذابين أو يطلق كلامه إطلاق المموهين حتى يرشدنا إلى المأخذ ويدلنا على المستند ، وقد طبع في أماكن من فارس والهند ألوف من مصنفات أصحابنا في الفقه والحديث والكلام والعقائد والتفسير والأصول والأوراد والأذكار والسلوك والأخلاق ، فليطلبها من أراد الاستبصار ولا يعول على كتب المهولين الذين بثوا روح البغضاء في جسم المسلمين ، ونقلوا عن الشيعة كل إفك مبين]، وأقول له فلتقرَّ عينك فلن أنقل إلا ما سطره علماء المذهب ومن نفس المصدر مباشرةً دون واسطة في النقل لعل مسلسل التباكي والتظلم ينتهي إلى غير رجعة.
( ) وهناك دراسة أخرى مشابهة اعتمدت فيها على نصوص الخميني وليس الخوئي لم تتم بعد .(198/3)
.
وعليه جاءت الدراسة متكاملة ومنصفة في تقرير معتقد الشيعة من خلال أبرز أعلام مذهب الشيعة في العصر الحديث ورمز من أكبر رموزها ألا وهو آيتهم العظمى أبو القاسم الخوئي(1) حيث سطَّر خلاصة مذهب الشيعة في موقفهم من أهل السنة من خلال فقهيات وفتاوي يرجع إليها ويتعبد بها الشيعة من خلال امتثالهم وتطبيقهم لمضمونها، ولا مجال للضبابية فيها إذ الناقل مرجع من أكبر مراجع الشيعة إلا أن يتنكروا له ويصموه بالخصومة مع مذهب الشيعة ولا أراهم فاعلين.
وأخيراً أرجو من القراء والدعاة والعلماء أن لا يستهينوا بهذا المختصر لأنه من الأهمية بمكان، إذ أخرجته من بطون الكتب والحواشي التي يتعذر على المتخصصين الوقوف عليها فضلاً عن باقي القراء، أسأل الله تعالى أن تكون هذه الدراسة سبباً لتبصير المسلمين ورفع الغشاوة عن أعينهم ليعرفوا العدو من الصديق.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه
أجمعين
عبدالملك بن عبدالرحمن الشافعي
التمهيد
لقد أطبق اسم السيد أبو القاسم الخوئي آفاق عالم التشيع، واعتلى منصة الزعامة العلمية والمرجعية العليا للشيعة في العالم سنوات طويلة تزيد على عشرين عاماً وبدون منازع أو منافس - على حد علمي - لأنه تفرد بالأعلمية في المذهب، وربما يعتقد الإمامية بأنه لم يأتِ بعده - لحد الآن - من يوازيه في العلم والإطلاع في أصول المذهب وفروعه وخلافاته وترجيحاته، ومن تتبع الساحة الإمامية سيجد مصداقاً لهذا الأمر، ولذا فان أي تصريح لهذا العالم يكون له صدى واسعاً وتأثيراً عميقاً ،ورغم أنني أرى استغناءاً عن الترجمة له لعلو مكانته العلمية في المذهب، لكن مع هذا قررت أن أنقل بعض ما قاله عنه علماء المذهب ومراجعه لأن البعض من أهل السنة لا يعرفون شيئاً عن وزنه ومكانته في المذهب، فممن ترجم له وأثنى عليه من مراجع المذهب ما يلي:(198/4)
1- قال عنه الميرزا محمد علي التوحيدي التبريزي:[ إلى ان القت العلوم الدينية زعامتها وأسندت رئاستها إلى سيدنا واستاذنا علم الاعلام آية الله الملك العلام فقيه العصر وفريد الدهر البحر اللجي واسطة قلادة الفضل والتحقيق محور دائرة الفهم والتدقيق إمام أئمة الاصول وزعيم أساتذة المعقول والمنقول المبين لاحكام الدين والمناضل عن شريعة جده سيد المرسلين قدوة العلماء الراسخين اسوة الفقهاء العاملين المولى الاعظم والحبر المعظم مولانا وملاذنا الحاج السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي النجفي ادام الله أيام افاضاته ومتع الله المسلمين بطول بقائه وهو أدامه الله قد تعرض إلى الكتاب أثناء الدراسة الخارجية في الحوزة المقدسة العلوية وأوسعه تهذيبا وتنقيحا وكشف النقاب عن غوامضه وأبان الموارد المعضلة منه وأخذ بتلك المسائل والآراء التي قيلت أو يمكن أن يقال فصهرها في بوتقة خياله الواسع وفكره الجامع وأفرغها في قوالب رصينة وشيدها على أسس متينة وكان النتاج درة لماعة على مفرق التشريع الإسلامي والفقه الجعفري وكنت ممن وفقه الله للاستفادة من محضره الشريف والارتواء من منهله العذب ](1).
2- قال عنه آيتهم العظمى الميرزا جواد التبريزي:[ وكان من أبرز من حمل راية الشريعة في هذ العصر الامام آية الله في العالمين استاذ الفقهاء والمجتهدين السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي( قدس سره ) الذي تصدى للمرجعية العامة مدة تزيد على عشرين سنة ](2).
__________
(1) مصباح الفقاهة - السيد الخوئي ج1 ص3-4 مقدمة الكتاب .
(2) صراط النجاة - ج1 ص5 .(198/5)
3- ترجم له آيتهم العظمى السيد محمد صادق الحسيني الروحاني الذي يلقبوه فقيه العصر المجاهد:[وبعد فلما كانت رسالة منهاج الصالح فتاوى مرجع المسلمين زعيم الحوزة العلمية افضل علماء العالم آية الله العظمى السيد ابو القاسم الموسوي الخوئي مد ظله جامعة لشتات المسائل المبتلى بها سهلا تناولها ](1).
4- يقول عنه فقيه المذهب ومحققه الأصولي المدقق محمد إسحاق الفياض:[ مشتمل على ما استفدته من تحقيقات عالية ومطالب شامخة وأفكار مبتكرة من مجلس درس سيدنا الأستاذ الأفخم فقيه الطائفة سماحة آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي ، إذ عكفت ضمن المئات من الطلاب على مجلس درسه الشريف في جامعة العلم الكبرى " النجف الأشرف " التي أسندت إليه زعامتها ، وألقت بين يديه مقاليدها، فقام بالعبء خير قيام في محاضراته وبحوثه ، وتربى على يديه الكريمتين جيل بعد جيل من الأفاضل الأعلام ](2).
__________
(1) منهاج الصالحين - السيد محمد صادق الروحاني ج1 ص5 .
(2) محاضرات في أصول الفقه - تقرير بحث الخوئى للفياض ج1 ص6 .(198/6)
5- وأخيراً ترجم له أبرز مراجع المذهب الأحياء وهو آيتهم العظمى علي السيستاني- الذي تتلمذ على يد الخوئي- ، فقال عنه:[ وبعد : ان رسالة المسائل المنتخبة للسيد الأستاذ آية الله العظمى المغفور له السيد ابو القاسم الموسوي الخوئي قدس سره لما كانت مشتملة على أهم ما يبلى به المكلف من المسائل الشرعية في العبادات والمعاملات ](1)، وقال عنه أيضاً:[ وبعد . إن رسالة ( منهاج الصالحين ) التي ألفها آية الله العظمى السيد محسن الطباطبائي الحكيم قدس سره وقام من بعده آية الله العظمى السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي قدس سره بتطبيقها على فتاويه مع إضافة فروع جديدة وكتب أخرى إليها ، لهي من خيرة الكتب الفتوائية المتداولة في الاعصار الاخيرة ، لاشتمالها على شطر وافر من المسائل المبتلى بها في أبواب العبادات والمعاملات ](2).
وكانت وفاته عام 1413هـ الموافق 1993م
الفصل الأول
الوقوف على معنى مصطلح "المخالفين" في كلامهم
إن الخوئي لم يصرح في بحوثه بلفظ أهل السنة عند بيانه لموقفه القاسي منهم، بل أطلق عليهم لفظاً آخر وهو: (المخالفين)، حتى لا يثير انتباه أهل السنة، لذا رأيت من الموضوعية أن نبين معنى مصطلح المخالف عند علماء الإمامية بمن فيهم الخوئي وكما يلي:
معنى المخالفين
إنَّ أدقَّ معنى لتعريف المخالف عندهم هو كل من عدا الشيعي الإمامي من بقية فرق المسلمين، فيدخل في ذلك بالأصالة وبالدرجة الاولى جميع فرق أهل السنة كالمعتزلة والاشاعرة والمتصوفة والمرجئة والسلفية او الوهابية كما يسمونهم، ويدخل فيه ايضا بالتبع جميع فرق الشيعة غير الإمامية كالزيدية والإسماعيلية، ويمكننا أن نقف على هذا التعريف من خلال تصريحات علمائهم أو تلميحاتهم، واليك بيان ذلك من خلال مجموعتين وكما يلي:
المجموعة الأولى
__________
(1) المسائل المنتخبة- السيد علي السيستاني ص5 .
(2) منهاج الصالحين - السيد علي السيستاني ج1 ص5 .(198/7)
وهي التي صرحوا فيها بمعنى المخالف والذي ينطبق تماماً على أهل السنة بجميع فرقهم ومذاهبهم، فممن صرح بذلك:
1- قال آيتهم العظمى وزعيم الحوزة العلمية محمد رضا الكلبايكاني جواباً على سؤالٍ نصه: [من هو المخالف، هل هو من خالف معتقد الشيعة في الإمامة أو من خالف بعض الأئمة ووقف على بعضهم، فيدخل في ذلك الزيدية وغيرهم، وهل حكم المخالف حكم " الخارج والناصب والغالي " أم لا ؟ فأجاب بقوله: بسمه تعالى: المخالف في لساننا يطلق على منكر خلافة أمير المؤمنين "عليه السلام" بلا فصل(1)، وأما الواقف على بعض الائمة "عليهم السلام" فهو وإن كان معدودا من فرق الشيعة إلا أن أحكام الاثني عشرية لا تجري في حقه](2).
2- يقول السيد محمد كلانتر محقق كتاب اللمعة الدمشقية: [المخالف وهو غير الاثنى عشري من فرق المسلمين](3).
__________
(1) ومقصده من هذا القيد(بلا فصل) في تعريف الإمامي ومخالفه هو ان الإمامي يعتقد ان علياً - رضي الله عنه - الخليفة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - مباشرةً بلا فصل أي انه الخليفة الاول بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو متضمن النفي لخلافة أبي بكر التي نالها بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - مباشرةً، وأما أهل السنة (المخالفون) فيعتقدون أن علياً - رضي الله عنه - خليفةً للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولكنه الرابع بعد الخلفاء الثلاثة (أبي بكر وعمر وعثمان- رضي الله عنهم -) وليس الأول.
(2) إرشاد السائل- السيد الگلپايگاني ص199 رقم السؤال742.
(3) اللمعة الدمشقية ج1 ص248 لشهيدهم الثاني وهو محمد بن جمال الدين مكي العاملي المتوفي سنة 966هـ.(198/8)
3- يقول محدثهم يوسف البحراني: [لأنا لا نعقل من المخالف متى أُطلق إلا المخالف في الإمامة والمُقَدِّم فيها](1)، وقال ايضاً: [ومخالفيه هم الذين لم يأخذوا بأحكامه، ولم يعتقدوا إمامته وعصمته، بل جعلوه من سائر الخلفاء](2).
4- ويبين آيتهم العظمى محسن الحكيم الذين يشملهم عنوان المخالف بقوله: [ولاينافي الطعن فيه بما سبق، إذ يكون حاله حال جماعة من العامة(3)، والفطحية والواقفية وغيرهم من المخالفين للفرقة المحقة](4)، فقد عبَّر عن أهل السنة بالعامة وعدهم من المخالفين للامامية.
5- ان آيتهم العظمى المعاصر الذي يقطن النجف الآن محمد سعيد الحكيم قد صرح بمعنى مصطلحي "العامة" و"المخالفين" بأنهم الذين يتولون الشيخين ـ ابا بكر وعمر رضي الله عنهما ـ ويعتقدون بأن خلافتهما شرعية وصحيحة بمعنى آخر أن المخالفين والعامة هم أهل السنة بجميع فرقهم ومذاهبهم فقال ما نصه:[الظاهر أن المراد بالعامة المخالفون الذين يتولون الشيخين ويرون شرعية خلافتهما على اختلاف فرقهم، لان ذلك هو المنصرف إليه العناوين المذكورة في النصوص](5) .
__________
(1) الشهاب الثاقب للبحراني ص254، ومراده من المُقَدِّم فيها أي الذي يقدم أبا بكر وعمر على علي (رضي الله عنهم جميعاً) في الخلافة.
(2) نفس المصدر السابق ص228.
(3) ومراده بالعامة هم المخالفين أي أهل السنة بجميع فرقهم كما سيظهر بجلاء في الكلام التالي لآيتهم العظمى محمد سعيد الحكيم عند تعريفه للعامة والمخالفين فتدبر.
(4) مستمسك العروة الوثقى للحكيم ج5 ص366.
(5) المحكم في أصول الفقه - السيد محمد سعيد الحكيم ج6،ص194،وهكذا فأينما وردت لفظة "العامة" فالمقصود بها أهل السنة ، وهنا أود الإشارة إلى ضرورة التفريق بين هذه اللفظة وبين لفظة "العوام" فإن المقصود بها البسطاء من الشيعة الإمامية .(198/9)
6- يقول الخوئي:[والمخالف مسلم–غير مضمر للكفر– إلا انه لا يعتقد بالولاية(1)](2).
7- ان الطوسي صرح بما يفهم من كلامه معنى المخالف، حيث قال في معرض حديثه عن عدد تكبيرات صلاة الجنازة : ["وأما ما يتضمن من الأربع تكبيرات محمول على التقية لأنه مذهب المخالفين.."](3)، إذ يفهم من كلامه إطلاق لفظ المخالفين على أهل السنة خاصة لأنهم يكبرون أربع تكبيرات على الجنائز.
فهذه هي المجموعة الأولى التي صرحوا فيها بمعنى المخالف.
المجموعة الثانية
وهي تبين معنى المخالف من خلال خطوتين هما:
الخطوة الأولى:
وهي الوقوف على معنى مصطلح المؤمن في كلامهم إذ مرادهم منه هو الشيعي الإمامي فقط لأنه يؤمن بمعتقدهم في الإمامة والعصمة(4)، فممن صرح بذلك:
يقول محمد بن علي الموسوي العاملي: [المؤمن هو المسلم الذي يعتقد امامة الأئمة الاثنى عشر](5).
__________
(1) مقصود الخوئي بالولاية التي لا يؤمن بها أهل السنة هي بمعنى حصر الخلافة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - في اثنى عشر والياً (اماماً) ومنعها عن غيرهم من كبار السابقين من المهاجرين والأنصار ،وهذا المعنى للولاية لا يؤمن به أهل السنة قطعاً ، إلا أن هناك معنىً آخر للولاية وهو محبة أهل البيت وإجلالهم وتوقيرهم وهذا ثابت عند أهل السنة ، وسوف نستعرض معنيي الولاية في الفصل الحادي عشر من هذا الكتاب بشيء من الاختصار ومن أراد التفصيل فليرجع الى الدراسة الأصلية.
(2) كتاب الطهارة ج9 ص94.
(3) تهذيب الاحكام ج3 ص316.
(4) ومعنى معتقدهم في الإمامة والعصمة باختصار هو اعتقادهم بأن الإمامة كالنبوة منصب إلهي يكون بالنص وليس بالشورى وأهم شرط في الإمام هو أن يكون معصوماً كالنبي ، لذا فهي عندهم محصورة في اثنى عشر شخصاً وممنوعة عن غيرهم، وهم علي بن أبي طالب وأبناءه الحسن والحسين وتسعة بعدهم مخصوصون من ولد الحسين ليكون عددهم اثنى عشر .
(5) مدارك الاحكام ج4 ص150.(198/10)
يقول محدثهم يوسف البحراني: [المؤمن وهو المسلم المعتقد لإمامة الأئمة الاثنى عشر](1).
يقول محمد جواد العاملي: [اذ لا خلاف بين الأصحاب في ان من اعتقد معتقد الشيعة الإمامية مؤمن](2).
يقول محمد حسن النجفي: [المؤمن أي الإمامي المعتقد لإمامة الأئمة الاثنى عشر](3).
يقول الخميني: [المراد بالمؤمن الشيعة الإمامية الاثنى عشرية](4).
6- وأخيراً يقول أبو القاسم الخوئي: [أقول: المراد من المؤمن هنا من آمن بالله وبرسوله وبالمعاد وبالأئمة الاثنى عشر (ع) أولهم علي بن أبي طالب (ع) وآخرهم القائم الحجة المنتظر (عج)](5)، وذكر ايضاً: [س:لقب المؤمن خاص لشيعة أهل البيت (ع)، هل يقال للشيعي مؤمن حتى لو ترك الواجبات كالصلاة مثلاً،الخوئي: نعم يقال له مؤمن](6).
فالمراد بالمؤمن حصراً هو الشيعي الإمامي الاثنى عشري كما ظهر ذلك بجلاء من كلام علمائهم.
الخطوة الثانية:
وهي التي نستطيع من خلالها أن نحدد معنى المخالف بأنه كل من عدا الإمامي، وذلك لأنهم غالباً ما يذكرون المخالف في مقابل المؤمن، أي انه غير المؤمن، وبما أن مرادهم من المؤمن هو الإمامي الاثنى عشري كما تقدم في الخطوة الأولى، فالمراد بالمخالف الذي يقابله هو غير الإمامي مطلقاً من المسلمين، فمن أقوالهم في هذا على سبيل المثال ما يلي:
1- يقول علامتهم المعتمد محمد حسن النجفي: [وجوب غسل المؤمن أي الإمامي المعتقد لامامة الأئمة الاثنى عشر ع …… وأما من لم يكن كذلك كالعامة(7) وقد يلحق بهم فرق الامامية المبطلة كالواقفية والفطحية والناووسية](8).
__________
(1) الحدائق الناضرة ج10 ص359.
(2) مفتاح الكرامة ج4 ص182.
(3) جواهر الكلام ج4 ص80.
(4) المكاسب المحرمة - للخميني ج1 ص250.
(5) مصباح الفقاهة ج1 ص323.
(6) صراط النجاة ج2 ص438 سؤال رقم(1375).
(7) أي جميع فرق أهل السنة كما تقدم بيانه.
(8) جواهر الكلام ج4 ص80.(198/11)
2- يقول أبو القاسم الخوئي: [تجب الصلاة على كل ميت مسلم، ذكراً كان أم أنثى، حراً أم عبداً، مؤمناً أم مخالفاً](1).
3- يقول آيتهم العظمى الگلپايگاني: [يعتبر في المصلي أن يكون مؤمناً، فلا تجزي صلاة المخالف فضلاً عن الكافر](2).
4- يقول الخميني: [الأول: الإيمان، فلا يعطى الكافر ولا المخالف للحق وان كان من فرق الشيعة](3)، وقال أيضاً: [يعتبر في المصلي أن يكون مؤمناً، فلا تجزي صلاة المخالف فضلاً عن الكافر](4).
5- يقول السيد علي السيستاني: [تجب الصلاة ـ وجوباً كفائياً ـ على كل ميت مسلمٍ ذكراً كان أم أنثى، حراً أم عبداً، مؤمناً أم مخالفاً](5).
6- يقول محققهم الكركي: [وكتب الحديث والتأريخ مشحونة بذلك من طرق المؤمنين والمخالفين](6).
وهكذا ظهر لنا من خلال المجموعتين معنى المخالف بدقة وصراحة من كلام علمائهم ومراجعهم بأنه كل من عدا الإمامي والمقصود به أولاً وأصالةً هم أهل السنة، ثم باقي فرق الشيعة من غير الشيعة الإمامية الاثني عشرية ثانياً وتبعاً.
الفصل الثاني
تجويز غيبة أهل السنة وسبِّهم ولعنهم
وذلك في مبحث طويل أثبت فيه حرمة غيبة المؤمن ـ أي الإمامي ـ وجوَّز غيبة المخالف ـ أي أهل السنة ـ واليك عباراته(7) وكما يأتي:
__________
(1) منهاج الصالحين ج1 ص83.
(2) هداية العباد ج1 ص77 مسألة (387).
(3) تحرير الوسيلة ج1 ص339.
(4) تحرير الوسيلة ج1 ص79 مسألة (2).
(5) منهاج الصالحين ج1 ص106-107.
(6) رسائل الكركي - المحقق الكركي ج2 ص226.
(7) نقلنا هذا المبحث من كتاب (مصباح الفقاهة) ج1 ص323-324 للخوئي.(198/12)
1- حصر الحرمة بالامامي فقال في معرض شرحه لكتاب المكاسب لشيخهم الأنصاري: [حرمة الغيبة مشروطة بالإيمان قوله: (ثم إن ظاهر الأخبار اختصاص حرمة الغيبة بالمؤمن). أقول: المراد من المؤمن هنا من آمن بالله وبرسوله وبالمعاد وبالائمة الاثنى عشر عليهم السلام: أولهم علي بن ابي طالب " ع "، وآخرهم القائم الحجة المنتظر عجل الله فرجه، وجعلنا من أعوانه وأنصاره ومن أنكر واحدا منهم جازت غيبته]، وقال أيضاً: [على ان الظاهر من الأخبار الواردة في تفسير الغيبة هو اختصاص حرمتها بالمؤمن فقط وسيأتي].
2- عندما أثبت جواز غيبة المخالفين تعرض للآية التي تحرم الغيبة بين المسلمين لأنهم أخوة وهي قوله تعالى: { وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ } (الحجرات: من الآية12)، فصرح بعدم شمولها للمخالف لأنه في نظره ليس بأخٍ للامامي، إذ يرفض الخوئي أي أُخُوَّة مع المخالفين فقال: [أن المستفاد من الآية والروايات هو تحريم غيبة الأخ المؤمن، ومن البديهي انه لا أخوة ولا عصمة بيننا وبين المخالفين. وهذا هو المراد ايضا من مطلقات أخبار الغيبة]، فهو ينفي أي وجود للتقارب الأخوي مع أهل السنة ـ بل ويجعل هذا النفي أمراً بديهياً ثابتاً ومُسَلَّماً به في المذهب ـ ليفضح المتباكين من الإمامية بأن موقف علمائهم هو المحبة والتآخي مع أهل السنة، كما قال تعالى: { وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً } (المجادلة: من الآية2).(198/13)
3- لقد أعترف بأن الثابت في المذهب بالأخبار والأدعية والزيارات هو لعن المخالفين وسبهم والبراءة منهم، فقال: [أنه ثبت في الروايات والأدعية والزيارات جواز لعن المخالفين، ووجوب البراءة منهم، وإكثار السب عليهم، واتهامهم، والوقيعة فيهم: أي غيبتهم، لأنهم من أهل البدع والريب].
4- صرح بأن السيرة المتفق عليها بين علماء الإمامية وعوامهم هو غيبة المخالفين ولعنهم وسبهم، فقال: [قيام السيرة المستمرة بين عوام الشيعة وعلمائهم على غيبة المخالفين، بل سبهم ولعنهم في جميع الاعصار والأمصار، بل في الجواهر أن جواز ذلك من الضروريات].
وهكذا يعلنها الخوئي بكل صراحة من غير تقية ولا مداراة لأهل السنة بأن غيبتهم وسَبِّهم ولعنهم أمرٌ ثابت مُسَلَّم بعدما ثبت بالأخبار واتفقت عليه سيرة علمائهم وعوامهم حتى عدَّهُ النجفي -في كتاب الجواهر- بأنه من الضروريات في مذهب الإمامية كما اعترف الخوئي بذلك في القول السابق.
الفصل الثالث
تجويز هجاءَ أهل السنة والوقيعة فيهم
واليك فقرات مباحثه(1) في ذلك وكما يلي:
1- من الضروري معرفة معنى الهجاء لنقف على خطورته، فقد عرَّفه الخوئي قائلاً: [أقول: الهجو في اللغة عد معائب الشخص، والوقيعة فيه، وشتمه].
2- أثبت حرمته فقال: [ولا خلاف بين المسلمين في حرمة هجاء المؤمن، وإن اختلفت الشيعة مع غيرهم في ما يراد بكلمة المؤمن].
3- ذكر أن وجه تحريمه هو لكونه مشتمل على الهمز واللمز والإهانة والهتك، فقال: [وقد استدل المصنف على حرمته بالأدلة الأربعة بدعوى أنه ينطبق عليه عنوان الهمز واللمز وأكل اللحم والتعيير و إزاحة الستر،وكل ذلك كبيرة موبقة، وجريمة مهلكة،بالكتاب والسنة والعقل والإجماع]،وقال أيضاً:[وقد دلت الروايات المتواترة على حرمة هتك المؤمن وإهانته، ونطق القرآن الكريم بحرمة الهمز واللمز].
__________
(1) نقلنا هذا المبحث من كتاب مصباح الفقاهة- للخوئي ج1 ص456-457.(198/14)
4- بعد أن بيَّن لنا معنى الهجاء وفداحته وشناعته أطلق حكمه الجائر بتحريمه في حق المؤمن- الإمامي- وجَوَّزه في حق من عداه من المخالفين بمن فيهم أهل السنة، فقال:[وأما هجو المخالفين أو المبدعين في الدين فلا شبهة في جوازه، لأنه قد تقدم في مبحث الغيبة أن المراد بالمؤمن هو القائل بإمرة الائمة الاثنى عشر، وكونهم مفترضي الطاعة ومن الواضح أن ما دل على حرمة الهجو مختص بالمؤمن من الشيعة، فيخرج غيرهم عن حدود حرمة الهجو موضوعا، وقد تقدم في المبحث المذكور ما يرضيك في المقام، ويقنعك بتخصيص حرمة الهجو بما ذكرناه].
الفصل الرابع
عند اختلافهم جعلوا الحق دائماً بمخالفة قول أهل السنة
ان الخوئي قد طبَّق الأصل الثابت عندهم وهو:(198/15)
[ان الإمامية عند اختلافهم في حكم مسالة ما ولم يترجح عندهم قول في ضوء المرجحات المذكورة عند التعارض، فعندها أوجبوا على أنفسهم أن يرجعوا إلى قول أهل السنة لكي يأخذوا بخلافه لاعتقادهم بأن الحق والرشد هو في مخالفة أهل السنة دائماً](1)
__________
(1) وهذا الأصل ثابت عندهم بالروايات وأقوال العلماء، فمنها ما رواه الصدوق في (عيون أخبار الرضا) ج2 ص249: [عن على بن اسباط قال: قلت للرضا عليه السلام: يحدث الامر لا أجد بُدّاً من معرفته وليس في البلد الذي انا فيه أحد استفتيه من مواليك قال: فقال: إيت فقيه البلد فاستفته في امرك فإذا افتاك بشئ فخذ بخلافه فإن الحق فيه]، وروى الكليني في (اصول الكافي) ج1 ص67-68 نفس هذا المعنى فقال: [عن داود بن الحصين، عن عمر بن حنظلة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام……… قلت: فإن كان الخبران عنكما (يعني الباقر والصادق عليهما السلام) مشهورين قد رواهما الثقات عنكم؟ قال: ينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة وخالف العامة فيؤخذ به ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنة ووافق العامة، قلت: جعلت فداك أرأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنة ووجدنا أحد الخبرين موافقا للعامة والآخر مخالفا لهم بأي الخبرين يؤخذ؟ قال: ما خالف العامة ففيه الرشاد. فقلت: جعلت فداك فإن وافقهما الخبران جميعا. قال: ينظر إلى ماهم إليه أميل، حكامهم وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالآخر]، ويقول محدثهم يوسف البحراني في (الشهاب الثاقب) ص77-78 مثبتاً هذا الأصل: [استفاضة الأخبار بأنهم ـ خذلهم الله تعالى ـ خارجون عن جادّة الدين المبين، وأنهم ليسوا من الحَنَفيّة على شيء، وأنه لم يبقَ في? يَدِهِم إلا استقبال القبلة، وأنهم ليسوا إلا مثل الجدر، حتى وردت الأخبار عنهم -صلوات الله عليهم- أنه عند اختلاف الأخبار الواردة في الأحكام تعرض على مذهبهم ويؤخذ بما خالفه، بل ورد ما هو أعظم من ذلك، وهو أنه اذا وردت عليك قضيّة لا تعرف حكمها ولم يكن في البلد من تستفتيه عنها، فاستفتِ قاضي البلد وخذْ بخلافه، رواه الصدوق في كتاب عيون أخبار الرضا عليه السلام والشيخ في التهذيب ، ولله درُّ شيخنا أبي الحسن (هو العلامة الشيخ سليمان البحراني صاحب كتاب الأربعون حديثاً في إثبات إمامة أمير المؤمنين عليه السلام وله مؤلفات كثيرة قد ذكرناها في مقدمة الأربعون فراجع) أفاض الله تعالى عليه سوانح المنن، حيث قال في بعض فوائده بعد نقل الخبر المشار إليه ما صورته: انظر أيّدك الله بإرشاده، وجعلك من خواص عباده، إلى هذا الخبر بعين البصيرة، وتناوله بيدٍ غير قصيرة، وتأمل كيف سوّغ عليه السلام الأخذ بخلاف ما يفتي به أهل الضلال مطلقاً، تنبيهاً على أنهم -خذلهم الله تعالى- في كل أحوالهم وفي جميع أقوالهم وأعمالهم ناكبون عن الصراط القويم والمنهاج المستقيم، يعوِّلون في جليل الأمور ودقيقها على الآراء الباطلة، وأهوائهم السخيفة، وعقولهم الضعيفة، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً انتهى ، ولنعم ما قال أيضاً صاحب الفوائد المدنية -رحمه الله تعالى بألطافه السنيّة- حيث قال بعد إيراد الخبر المشار إليه، أقول: من جملة نعم الله تعالى على الطائفة المحقّة أنّه خلّى بين الشيطان وبين علماء العامة ليضلّهم عن الحق في كل مسألة نظرية ليكون الأخذ بخلافهم لنا ضابطة كلية، انتهى]، ويقول شيخهم حسين بن شهاب الدين الكركي في"هداية الأبرار إلى طريق الأئمة الأطهار" ص102: ["إن العامة كان بناء أمرهم على التلبيس وستر الحق بالباطل وإظهار الباطل في صورة الحق وتحليته بما يوافق طباع العوام ومن جرى مجراهم ممن يميل إلى المزخرفات والتمويهات حرصا على إصلاح دنياه وإن أوجب ذلك ضياع دينه وكان القدماء منهم ما بين منافق يظهر الإسلام ويستر الكفر وكذاب متصنع بإظهار الزهد يأخذ دينه وبليد الفهم عديم الشعور ينقل كل ما سمعه ويصدق به سواء كان له أو عليه"].(198/16)
.
إذ أثبته الخوئي في أكثر من موطن في كتبه، فتارةً يثبته باللفظ وأخرى يطبق معناه بأخذه بما يخالف أهل السنة، وكما يلي:
الموطن الأول:
وهو الذي ذكر فيه الأصل باللفظ، فمن أقواله هي:
1- قال: [وأما ما ذكره من أن تعليل الأخذ بمخالف العامة -بأن الرشد في خلافهم- يدل على لزوم ترجيح كل ما فيه مزية على الأخر…… فلا إشكال في أن الرشد في مخالفة العامة غالبي، حيث إنهم اعتمدوا كثيرا في استنباط الاحكام الشرعية على الاستحسانات والاقيسة، واستغنوا بذلك عن المراجعة الى الأئمة (عليهم السلام) ووقعوا في مخالفة الأحكام الشرعية كثيرا](1).
2- قال: [إلا ان حكمه يعلم من خبر صحيح رواه الراوندي بسنده عن الصادق (عليه السلام) انه (ع) قال: "إذا ورد عليكم حديثان مختلفان، فاعرضوهما على كتاب الله، فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فردوه، فان لم تجدوه في كتاب الله فاعرضوهما على أخبار العامة، فما وافق اخبارهم، فذروه وما خالف اخبارهم فخذوه"](2)، وقد عبَّر عن هذه الرواية ص419 بقوله: [صحيحة الراوندي].
الموطن الثاني:
وهو الذي طبَّق فيه مضمون الأصل، فمن أقواله ما يلي:
1- قال: [والرجوع إلى أصالة الإباحة، بل يقدم ما دل على حرمة الغناء، لكونه مخالفا للعامة، ويترك ما دل على الجواز لموافقته لهم](3).
__________
(1) مصباح الأصول - تقرير بحث الخوئى للبهسودي ج3 ص421-422.
(2) مصباح الأصول - تقرير بحث الخوئى للبهسودي ج3 ص415.
(3) مصباح الفقاهة - للسيد الخوئي ج1 ص317.(198/17)
2- قال: [إذا لم نقل بذلك وناقشنا في دلالتهما على الطهارة بالمعنى المصطلح عليه كما قدمناه سابقا فلا محالة تصل النوبة إلى المرجح الثاني وهو مخالفة العامة. وقد مر ان المذاهب الأربعة مطبقة على انفعال ماء البئر بالملاقاة وكذا غيرها من المذاهب على ما وقفنا عليه من أقوالهم، فالترجيح أيضا مع ما دل على طهارة البئر لأنها مخالفة للعامة فلا مناص حينئذ من حمل أخبار النجاسة على التقية](1).
3- قال: [الطائفتان متعارضتان متقابلتان فلابد من علاجها بالمرجحات وهي تنحصر في موافقة الكتاب ومخالفة العامة على ما قدمناه في محله وكلا المرجحين مفقود في المقام: أما موافقة الكتاب فلما مر من انه ليس في الكتاب العزيز ما يدل على نجاسة الخمر أو طهارتها. وأما مخالفة العامة فلان كلا من الطائفتين موافقة للعامة من جهة ومخالفة لهم من جهة فان العامة - على ما نسب إليهم وهو الصحيح - ملتزمون بنجاستها وعليه فروايات الطهارة متقدمة لمخالفتها مع العامة إلا ان ربيعة الرأي الذي هو من أحد حكامهم وقضاتهم المعاصرين لابي عبد الله عليه السلام ممن يرى طهارتها](2).
4- قال: [فالصحيحة إذا موافقة للعامة ومخالفة العامة من المرجحات وبذلك تحمل الصحيحة على التقية(3)](4).
__________
(1) كتاب الطهارة - للسيد الخوئي ج1 ص297.
(2) كتاب الطهارة - للسيد الخوئي ج2 ص91.
(3) ومعنى التقية باختصار هي إظهار الإنسان شئ مع أن باطنه يعتقد بخلافه بسبب الخوف وغيره وهم يحملون الأخبار التي ترد عن الأئمة وفيها موافقة لأهل السنة بأنها خرجت من الأئمة تقية وهم في حقيقتهم يعتقدون بخلافها ، وهذا واضح من تقرير الخوئي في النقطتين الأخيرتين(5،4) بأن ورود بعض الأحكام عن الأئمة بما يوافق حكم العامة(أي أهل السنة) يحمل على التقية .
(4) كتاب الطهارة - للسيد الخوئي ج2 ص371-372.(198/18)
5- قال: [ومعه تحمل الرواية على التقية لموافقتها لمذهب العامة كما هو الحال في غيرها من الأخبار الواردة بهذا المضمون](1).
بهذه القسوة جعل الحق في وادٍ وأهل السنة في وادٍ آخر بحيث لا يجتمعان أبداً، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
الفصل الخامس
التصريح بفسق أهل السنة وبطلان عباداتهم
وكأن السب واللعن والوقيعة بأهل السنة لم تشفِ غليله، فزاد عليه بأنهم فساق وان جميع عباداتهم التي يتقربون بها إلى الله تعالى -من صلاة وصيام وزكاة وحج وجهاد- باطلة ليس لهم فيها أجر عند الله عز وجل، بل ليس لهم فيها إلا المشقة والعناء، فمصيرهم كمصير من لم يدخل الإسلام ومن لم يعبد الله طرفة عين، لأن نتيجتهم واحدة وهي الإفلاس من الأجر والثواب يوم القيامة، فمن أقواله الظالمة لأهل السنة في ذلك ما يلي:
1- قال: [أن المخالفين بأجمعهم متجاهرون بالفسق. لبطلان عملهم رأسا، كما في الروايات المتظافرة، بل التزموا بما هو أعظم من الفسق، كما عرفت،وسيجئ أن المتجاهر بالفسق تجوز غيبته]، فهو يعترف بتظافر الروايات ببطلان عمل أهل السنة ثم أشار إلى المصدر الذي وردت به تلك الأخبار فقال: (راجع ج1 الوسائل باب 29 بطلان العبادة بدون ولاية الأئمة من مقدمات العبادات ص 19).
2- قال: [وأما المخالف فليس بكافر قطعا…….…. بل يعاقبون كالكافر ولا يثاب بأعمالهم الخيرية الصادرة منهم في الدنيا كالصلاة وغيرها](2).
3- قال: [قدمنا في كتاب الطهارة عند التكلم حول غسل الميت اعتبار كون المغسل مؤمنا استنادا إلى الروايات الكثيرة الدالة على ان عمل المخالف باطل عاطل لا يعتد به،وقد عقد صاحب الوسائل بابا لذلك في مقدمة العبادات](3)
__________
(1) كتاب الطهارة - للسيد الخوئي ج2 ص242.
(2) مصباح الفقاهة - السيد الخوئي ج 5 ص94.
(3) كتاب الصلاة - السيد الخوئي ج 2 ص360.(198/19)
4- قال أيضاً: [اشتراط الإيمان في المصلي: للاخبار الدالة على عدم مقبولية عمل غير المؤمن فانها كما تدل على عدم كفاية عمل المخالف في مقام الامتثال، كذلك تقتضي عدم كفايته في الاجزاء فلا يجزي عمله عن المكلفين، وفي بعضها ان الله سبحانه شانع أو يشنع عمل المخالف أي يبغضه فلا يقع مقبولا امتثالا واجزاءا](1).
5- أكد معتقد الشيعة في بطلان عبادة المخالفين لهم من المسلمين من خلال بحثه لشروط صحة الصيام وإليك ما ذكره بعدة فقرات(2) :
أ- أثبت أن الإسلام والإيمان- بمفهومه عند الشيعة أي الإيمان بالولاية- شرط في صحة الصوم فلا يصح من غير المسلم- الكافر- ولا من غير المؤمن- غير الشيعي من المسلمين- فقال:[ فصل " في شرائط صحة الصوم " وهي أمور : الأولى : الإسلام والإيمان فلا يصح من غير المؤمن ولو في جزء من النهار فلو أسلم الكافر في أثناء النهار ولو قبل الزوال لم يصح صومه وكذا لو ارتد ثم عاد إلى الإسلام بالتوبة، فلا يصح الصوم كغيره من العبادات من الكافر وإن كان مستجمعا لسائر الشرائط، كما لا يصح ممن لا يعترف بالولاية من غير خلاف].
ب- اعترف بأن إجماع الشيعة متحقق على بطلان العبادة من دون الولاية، والنصوص الكثيرة تثبته فقال:[ تكفينا بعد الإجماع المحقق كما عرفت النصوص الكثيرة الدالة على بطلان العبادة من دون الولاية].
__________
(1) كتاب الطهارة - السيد الخوئي ج 9 ص27.
(2) نقلنا هذا المبحث من كتابه (الصوم) جزء1 ص423-425.(198/20)
ج- أورد رواية كشاهد على عقيدتهم وهي:[ كصحيحة محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : كل من دان الله عزوجل بعبادة يجهد فيها نفسه ولا إمام له من الله فسعيه غير مقبول وهو ضال متحير والله شانئ لأعماله]، ثم استنبط منها عقيدتهم في البطلان فقال:[ فان من يكون الله شانئا لاعماله ومبغضا لافعاله كيف يصح التقرب منه وهو ضال متحير لا يقبل سعيه ، فكل ذلك يدل على البطلان . وفي ذيل الصحيحة أيضا دلالة على ذلك كما لا يخفي على من لاحظها ، فإذا بطل العمل ممن لا إمام له وكان كالعدم ، فمن لا يعترف بالنبي بطريق أولى ، إذ لا تتحقق الولاية من دون قبول الإسلام . ومما ذكرنا يظهر الحال في اعتبار الإيمان في صحة الصوم وانه لا يصح من المخالف لفقد الولاية].
د- أثبت هذه العقيدة في مبحث غسل الميت، حيث قرر فيه أن تغسيل الميت من قبل الكافر ومن المخالف- المسلم الذي لا يؤمن بالولاية- باطل لا يصح فقال:[ وقد تعرضنا لهذه المسألة بنطاق أوسع في بحث غسل الميت ، عند التكلم حول اعتبار الإيمان في الغاسل الذي هو فرع الإسلام ، فلو لم يكن مسلما أو كان ولكن لم يكن بهداية الإمام وإرشاده لم يصح تغسيله فراجع ان شئت].
الفصل السادس
التصريح بأن أهل السنة جميعاً كفار مخلدون في النار
فقد اعترف الخوئي بصحة رواياتهم التي تُكَفِّر المخالف للإمامة وادعى تواترها بل واعتقد بمضمونها إلا انه حمل الكفر فيها على الآخرة من حيث شدة عذاب أهل السنة وخلودهم في نار الجحيم، فمن أقواله هي:
1- قال: [فالصحيح الحكم بطهارة جميع المخالفين للشيعة الاثنى عشرية وإسلامهم ظاهرا بلا فرق في ذلك بين أهل الخلاف وبين غيرهم وان كان جميعهم في الحقيقة كافرين وهم الذين سميناهم بمسلم الدنيا وكافر الآخرة](1).
__________
(1) كتاب الطهارة - السيد الخوئي ج 2 ص87.(198/21)
2- قال: [وأما المخالف فليس بكافر قطعا……… لإقرارهم بالشهادتين ظاهرا وباطنا واما ما دل على كفرهم فلا يراد بظاهرها، فقد قلنا في أبحاث الطهارة ان المراد من الكفر ترتب حكمه عليه في الاخرة وعدم معاملة المسلم معهم فيها، بل يعاقبون كالكافر ولا يثاب باعمالهم الخيرية الصادرة منهم في الدنيا كالصلاة وغيرها](1).
3- بعد أن اعترف بأن الروايات التي تُكَفِّر المخالف في الامامة كثيرة وبالغة حد الاستفاضة، حمل الكفر فيها على ما يقابل الايمان(2)، فقال: [وما يمكن أن يستدل به على نجاسة المخالفين وجوه ثلاثة: "الاول": ما ورد في الروايات الكثيرة البالغة حد الاستفاضة من أن المخالف لهم –عليهم السلام- كافر وقد ورد في الزيارة الجامعة: " ومن وحده قبل عنكم " فانه ينتج بعكس النقيض ان من لم يقبل منهم فهو غير موحد لله سبحانه فلا محالة يحكم بكفره. والأخبار الواردة بهذا المضمون وان كانت من الكثرة بمكان إلا أنه لا دلالة لها على نجاسة المخالفين إذ المراد فيها بالكفر ليس هو الكفر في مقابل الإسلام وإنما هو في مقابل الإيمان كما أشرنا إليه سابقا](3).
__________
(1) مصباح الفقاهة - السيد الخوئي ج 5 ص94.
(2) وهو الذي يكون صاحبه مسلم في الدنيا وكافر مخلد في النار يوم القيامة، فقال في كتاب الطهارة من كتابه (التنقيح في شرح العروة الوثقى) ج2 ص63-64 مبيناً من معاني الكفر ما يقابل الإيمان: [… و"منها": ما يقابل الإيمان ويحكم بطهارته واحترام دمه وماله وعرضه كما يجوز مناكحته وتوريثه إلا ان الله سبحانه يتعامل معه معاملة الكافر في الآخرة وقد كنا سمينا هذه الطائفة في بعض أبحاثنا بمسلم الدنيا وكافر الآخرة].
(3) كتاب الطهارة - السيد الخوئي ج 2 ص84-85.(198/22)
4- قال: [هذا لا للأخبار الواردة في كفر المخالفين كما تأتي جملة منها عن قريب لان الكفر فيها إنما هو في مقابل الإيمان ولم يرد منه ما يقابل الإسلام](1).
الفصل السابع
تكفير أهل السنة جميعاً لمخالفتهم لهم في الولاية والإمامة
لقد صرَّح الخوئي بأن كفر المخالفين أمر ثابت عنده بما لا يقبل الشك أو مما لاتعتريه أدنى شبهة، فقال(2): [أنه ثبت في الروايات والأدعية والزيارات جواز لعن المخالفين…….. بل لا شبهة في كفرهم]، ان الخوئي أعقب الحكم بكفرهم بذكره للأدلة التي يثبت بها حكمه ـ عَلَّهُ يشفي بذلك غليله تجاه أهل السنة ـ ومنها ما يلي:
1- قال: [لان إنكار الولاية والأئمة حتى الواحد منهم، والاعتقاد بخلافة غيرهم، وبالعقائد الخرافية، كالجبر ونحوه يوجب الكفر والزندقة].
2- قال: [وتدل عليه الأخبار المتواترة الظاهرة في كفر منكر الولاية، وكفر المعتقد بالعقائد المذكورة، وما يشبهها من الضلالات]، وقد أشار إلى المصدر الذي وردت فيه تلك الأخبار فقال: (راجع ج3 الوسائل باب 6 جملة ما يثبت به الكفر والارتداد من أبواب المرتد ص 457).
3- قال: [ويدل عليه ايضا قوله " ع " في الزيارة الجامعة: (ومن جحدكم كافر)، وقوله " ع " فيها أيضا: (ومن وحده قبل عنكم). فانه ينتج بعكس النقيض ان من لم يقبل عنكم لم يوحده، بل هو مشرك بالله العظيم].
__________
(1) كتاب الطهارة - السيد الخوئي ج 2 ص75-76.
(2) نقلنا هذا المبحث من كتاب (مصباح الفقاهة) للخوئي ج1 ص323-324.(198/23)
4- لقد أراد الخوئي أن يستدل على كفر المخالف في الإمامة بأمر ثابت عندهم وهو أن المستبصر -وهو من كان يعتنق غير مذهب الإمامية ثم أصبح أماميا- لا يقضي الصلاة التي عليه وعللوه بأن الحال التي كان عليها -وهي مخالفة الإمامة- أعظم من ترك الصلاة، وبما ان ترك الصلاة كفر، فتكون المخالفة في الإمامة أعظم كفراً، فقال: [وفي بعض الأحاديث الواردة في عدم وجوب قضاء الصلاة على المستبصر (إن الحال التي كنت عليها أعظم من ترك ما تركت من الصلاة)].
وقد أشار إلى المصدر الذي وردت فيه تلك الأحاديث، فقال: (راجع ج1 الوسائل باب 31 عدم وجوب قضاء المخالف عبادته إذا استبصر من مقدمات العبادة ص20).
الفصل الثامن
اللعن لأموات أهل السنة وإبعادهم لهم عن رحمة الله
وموقف الخوئي هذا وطعنه أبلغ في تمزيق قلوب أهل السنة من كل ما تقدم من المطاعن، لأنه لم يظهر فيه الحقد واللعن تجاه الأحياء منهم، وإنما أظهره تجاه الأموات ـ في صلاة الجنازة ـ الذين هم أحوج ما يكونون فيها إلى الدعاء بالرحمة والمغفرة لأنهم قد أفضوا إلى لقاء الله تعالى والحساب(1)، فقد روى الإمامية بأن العلة من الصلاة على الميت هي كي يشفعوا له ويطلبوا له الرحمة والمغفرة لأنه يكون بأمسِّ الحاجة لذلك، فقد روى الحر العاملي:(وفي (عيون الأخبار) و (العلل) …… عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام قال: إنما امروا بالصلاة على الميت ليشفعوا له وليدعوا له بالمغفرة لأنه لم يكن في وقت من الأوقات أحوج إلى الشفاعة فيه والطلبة والاستغفار من تلك الساعة)(2).
__________
(1) كما روى البخاري في صحيحه: (عن عائشة قالت قال النبي صلى الله عليه وسلم لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا)، ينظر صحيح البخاري ج7 ص193.
(2) وسائل الشيعة (الإسلامية) - الحر العاملي ج2 ص776.(198/24)
ولكن قَلْبَ الخوئي القاسي(1) - الذي لا يعرف الرحمة والرأفة تجاه المخالفين له من المسلمين- لم يَرِقّ لهم حتى في هذه اللحظات التي غادروا فيها الدنيا إلى لقاء الله تعالى، فبدل أن يستغفر لهم ويدعو لهم بالرحمة راح يلعنهم ويدعو عليهم بالبعد عن رحمة الله في صلاة الجنازة، واليك أقواله القاسية بحق الأموات من أهل السنة وكما يلي:
ذكر موقفه من الميت المخالف وكيفية الصلاة عليه بعدة فقرات(2) إليك بيانها:
أ- قارن بين كيفية صلاة الجنازة على كل من المؤمن –الإمامي- والمخالف -أهل السنة- من حيث التشابه والاختلاف، فقرر بأن وجه الشبه هو بالتكبير على كل منهما خمس تكبيرات، وأما وجه الخلاف فهو بأن يُدْعى للميت الإمامي فيها، واما المخالف فلا يدعو له الخوئي فيها، بل يدعو عليه، فقال: [فالمتحصل ان الصلاة على المخالف كالصلاة على المؤمن من حيث وجوب التكبير خمسا، (حكم الصلاة على المخالف من حيت الدعاء): وأما من حيث الدعاء فيختلفان حيث يدعى على الميت المخالف ويدعى له في المؤمن].
ب-أشار إلى الرواية التي ورد فيها صيغة الدعاء على الميت المخالف، فقال:
[وقد ورد في صحيحة الحلبي الامر بالدعاء على الميت….والمخالف… فتشمله الصحيحة كما عرفت].
ج- أشار إلى المصدر والمرجع الذي وردت فيه الرواية -صحيحة الحلبي كما أسماها- فقال: [الوسائل: ج2 باب4 من أبواب صلاة الجنازة ح1].
__________
(1) وهذه القسوة لم تأتِ قطعاً من الفراغ أو من موقف شخصي وإنما أملاها عليه مذهبه ومعتقده الذي استقاه من مصادرهم التي تدعوا إلى بغض أهل السنة ولعنهم والبراءة منهم كما وقفنا عليه أعلاه، فقد أفتى بلعن أموات أهل السنة بناءاً على الروايات التي نصت عليها مصادر المذهب ومراجعه.
(2) نقلنا فقرات هذا المبحث من كتاب الطهارة للخوئي ج9 ص(74-75).(198/25)
د- ولعل القارئ متلهف لمعرفة صيغة الدعاء الذي يقرؤونه على الميت من أهل السنة، وهذا ما فعلته ، إذ رجعت إلى المصدر المشار إليه وهو كتاب وسائل الشيعة للحر العاملي بنفس عنوان الباب ورقم الرواية كي أقف عليها بيقين وبصورة قطعية، فإليك نصها: [محمد بن على بن الحسين بإسناده عن عبيدالله بن علي الحلبي(1)، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا صليت على عدو الله فقل: اللهم إنا لا نعلم منه إلا أنه عدو لك ولرسولك، اللهم فاحش قبره نارا، واحش جوفه نارا، وعجل به إلى النار، فإنه كان يوالي أعداءك، ويعادي أوليائك، ويبغض أهل بيت نبيك، اللهم ضيق عليه قبره، فإذا رفع فقل: اللهم لا ترفعه ولا تزكه. ورواه الكليني عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي مثله](2).
__________
(1) وسميت بصحيحة الحلبي على اسم الراوي لها وهو عبيد الله بن علي الحلبي.
(2) وسائل الشيعة (الإسلامية) - الحر العاملي ج2 ص(769-770)، باب(4)، ح1.(198/26)
هـ بما أن الرواية لم يُذْكَر فيها لفظ (المخالف)، وإنما ذكر فيها لفظ (عدو الله)، فهناك احتمال عدم شمولها للمخالف لعدم التصريح بذلك، إلا ان الخوئي حاول أن يثبت شمولها للمخالفين(1) ليسلم له معتقده ـ بلعن الأموات من أهل السنة ـ وهذا مما جعله يقسو عليهم مرةً اخرى، وذلك حين صرح بأن المخالف عدوٌ لله، فقال: [وقد ورد في صحيحة الحلبي الأمر بالدعاء على الميت إذا كان عدو الله والمخالف لو لم يكن مبغضا لأهل البيت (ع) إلا أنه بالاخرة يبغض عدو عدو أهل البيت فهو عدو الله(2) فتشمله الصحيحة كما عرفت].
__________
(1) والذي يظهر من الحر العاملي صاحب كتاب (وسائل الشيعة) هو اختياره أيضاً بكون الدعاء في الرواية يشمل المخالفين، وذلك لأنه ذكرها ضمن الباب الذي فيه لفظ المخالف، وهو باب (كيفية الصلاة على المخالف، وكراهة الفرار من جنازته إذا كان يظهر الإسلام).
(2) ومراده بهذه المتسلسلة هو أن عدو أهل البيت في نظره هم الخلفاء، والأمامية يبغضون الخلفاء قطعاً، فهم عدو لعدو أهل البيت، وأما أهل السنة فهم يبغضون الأمامية ويعادوهم بسبب معاداتهم للخلفاء، فتكون النتيجة هي أن أهل السنة يبغضون عدو عدو أهل البيت، فينزلهم الخوئي بهذا منزلة أعداء أهل البيت، وقريب من هذه المعادلة المتسلسلة ذكرها علمهم نصير الدين الطوسي كما ينقلها محدثهم يوسف البحراني بقوله: [هذا وقد قرَّر المحقق الطوسي فيما نقل عنه دليلاً على بغضهم لأهل البيت عليهم السلام هكذا:المخالفون يبغضون كل من أبغض أبا بكر وعمر وعثمان كائناً من كان، من عرف اسمه ونسبه أم لا،? وأئمتنا أبغضوا أبا بكر وعمر وعثمان بغضاً ظاهراً، ونسبوا إليهم جميع الشرور والقبائح التي وقعت بين الأمة، ينتج أنهم مبغضون أئمتنا عليهم السلام]، ينظر الشهاب الثاقب ص137.(198/27)
و- حاول أن يثبت لعن أموات أهل السنة بدليل آخر وهو الرواية المتضمنة للعن جاحد الحق، فراح يصرح بكل قسوة بأن المخالف ـ عالماً أو جاهلاً ـ هو جاحدٌ للحق، فقال: [على أنه ورد الدعاء على الميت إذا كان جاحدا للحق ولا إشكال في صدق هذا العنوان على المخالف إذ لا يعتبر في الجحد إلا إنكار الحق -علم به أم لم يعلم-].
ولعل القارئ في شوق أيضاً لمعرفة صيغة الدعاء هذه على أموات المخالفين كما يدَّعيها الخوئي، فاليك بيانها: [وعنه، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: إن كان جاحدا للحق فقل: اللهم املا جوفه نارا وقبره نارا، وسلّط عليه الحيات والعقارب، وذلك قاله أبو جعفر عليه السلام لامرأة سوء من بني امية صلى عليها أبي، وقال: هذه المقالة: واجعل الشيطان لها قرينا(1). الحديث](2).
__________
(1) واني لادعوا القارئ إلى التأمل في تكملة الحديث المؤلمة وهي: [قال محمد بن مسلم: فقلت له: لأي شيء يجعل الحيات والعقارب في قبرها؟ فقال: إن الحيات يعضضنها والعقارب يلسعنها والشياطين تقارنها في قبرها قلت: تجد ألم ذلك؟ قال: نعم شديدا]، ينظر الكافي- للشيخ الكليني ج3 ص189-190.
(2) وسائل الشيعة (الإسلامية) - الحر العاملي ج2 ص771، وهي مذكورة في نفس الباب الذي ذكرت فيه صحيحة الحلبي المتقدمة برقم (5).(198/28)
هكذا يُعَبِّر الخوئي عن مؤاخآته ومحبته لأهل السنة بأبشع صور الحقد والعداء، وإني لأدعو القارئ أن يتصور معي الميت من أهل السنة مُكَفَّنٌ في تابوته وموضوع باتجاه القبلة عند المحراب -وأهله من حوله يذرفون الدموع الحارة الممزوجة بالدعاء على فراقه وعلى مصيره إما الى الجنة أو النار- فيأتي الخوئي ليصلي عليه فيقول في الدعاء الذي ورد في الروايتين بلفظه وهو: [اللهم احشُ جوفه ناراً، اللهم املأ قبره ناراً، اللهم عَجِّل به الى النار، اللهم سَلِّطْ عليه الحيات والعقارب، اللهم اجعل الشيطان له قرينا].
بهذا الدعاء يُوَدِّع أموات أهل السنة إلى قبورهم للقاء الله تعالى(1)، فهل بقي هناك أمل للتقارب والإخاء، بعد أن قطع الخوئي جميع الآمال بحقده ولعنه لأهل السنة أحياءً وأمواتاً ؟!!!!!!!!!!.
الفصل التاسع
المنع من توجيه المحتضرين من أهل السنة نحو القبلة حتى لا يحظوا برحمة الله وإقبال الملائكة عليهم
فقد كتب بحثاً يتعلق بالأموات حال احتضارهم بعنوان(توجيه الميت إلى القبلة) ذكر بين طياته موقفه من أموات المخالفين(2) وكما يلي:
أ- قال ص28-29: [وأما الكلام في وجوب الاستقبال بالمعنى المذكور وأن الميت يجب أن يوجه نحو القبلة أو يوجه هو نفسه إليها لو كان متمكنا منه ولم يكن عنده أحد، أو لا يجب؟ فقد نسب القول بالوجوب إلى المشهور والأشهر واستدل عليه بوجوه].
__________
(1) بل لو تركهم بغير صلاة لكان والله أخفُّ وطأةً وأرحم حالاً، لاسيما بعدما عرفنا من الحديث ألم الحيات والعقارب والشياطين من بقية الرواية بقوله: [قال محمد بن مسلم: فقلت له: لأي شئ يجعل الحيات والعقارب في قبرها؟ فقال: إن الحيات يعضضنها والعقارب يلسعنها والشياطين تقارنها في قبرها قلت: تجد ألم ذلك؟ قال: نعم شديدا].
(2) نقلنا هذا المبحث من كتاب (الطهارة) للخوئي ج8 ص28-35.(198/29)
ب- ذكر أن علة التوجيه نحو القبلة هو لكي يقبل الله وملائكته على الميت بالرحمة والمغفرة فقال ص30-31: [و(منها): وهو العمدة ما رواه الصدوق مرسلا تارة ومسندا أخرى كما في الوسائل عن الصادق (ع) انه سئل عن توجيه الميت فقال: استقبل بباطن قدميه القبلة قال: وقال أمير المؤمنين (ع) دخل رسول الله صلى الله عليه وآله على رجل من ولد عبد المطلب وهو في السوق وقد وجه إلى غير القبلة فقال صلى الله عليه وآله: وجهوه إلى القبلة فإنكم إذا فعلتم ذلك أقبلت عليه الملائكة وأقبل الله عزوجل عليه بوجهه فلم يزل كذلك حتى يقبض](1)، وذكر هذه العلة ايضاً فقال ص35: [والعمدة هو مرسلة الصدوق أو مسنده، والتعليل الوارد في رواية الصدوق ظاهر في أن الغرض من التوجيه تجليل الميت وتعظيمه بحيث يقبل الله وملائكته إليه في آخر حياته]، وقال أيضا ص30: [وذلك لدلالة التعليل على أن توجيه الميت نحو القبلة حال الاحتضار إحسان إليه حتى تقبل الله وملائكته عليه في آخر حياته].
ج- ان المتن الذي يشرحه الخوئي وهو العروة الوثقى للسيد كاظم اليزدي ذكر فيه مصنفه حول توجيه المحتضر نحو القبلة فقال: [ولا فرق بين الرجل والإمرأة والصغير والكبير بشرط أن يكون مسلما](2)، فأخذ الخوئي يعلق على أشتراط الإسلام معترضاً على المصنف تحت عنوان (اختصاص الوجوب بالمؤمن) يثبت فيه بأن الذي يجب توجيهه الى القبلة هو الإمامي فقط، فقال ص34: [هل الوجوب بناءا على القول به يعم المؤمن والمسلم والكافر أو يختص بالمؤمن ؟ الصحيح هو الاختصاص].
__________
(1) ذكر مصدر الرواية فقال: (الوسائل: الجزء 2 باب 35 من أبواب الاحتضار ح5–6).
(2) العروة الوثقى (ط.ج) - السيد اليزدي ج 2 ص18-19.(198/30)
د- بَيَّن الخوئي سبب حصره للتوجيه بالامامي بأن العلة من ذلك -وهي اقبال الله وملائكته على الميت- لم يجد لها عنده وجهاً مقنعاً كي يفعلها مع أموات المخالفين -أهل السنة- بمعنى آخر هو يرى حرمانهم من إقبال الله وملائكته ومن التجليل والتعظيم، فقال ص35: [والعمدة هو مرسلة الصدوق أو مسنده، والتعليل الوارد في رواية الصدوق ظاهر في أن الغرض من التوجيه تجليل الميت وتعظيمه بحيث يقبل الله وملائكته إليه في آخر حياته وهذا مختص بالمؤمن فالتعدي عنه إلى المسلم فضلا عن الكافر وغيره مما لا وجه له].
وهكذا يؤكد لنا الخوئي في هذا المبحث مرةً بعد أخرى قسوته على أموات أهل السنة.
الفصل العاشر
التصريح بكراهية المشي أمام جنازة الأموات من أهل السنة لأن ملائكة العذاب تستقبلها من الأمام
لقد ذكر الخوئي في موضوع تشييع الجنازة والمشي معها عدة عبارات إليك بيانها:
أ- ذكر بأن المشي خلف الجنازة أفضل من المشي بطرفيها -بجانبيها-، ثم ذكر كراهة المشي أمامها فقال: [ان يمشي خلف الجنازة أو طرفيها ولا يمشي قدامها، والأول أفضل من الثاني، والظاهر كراهة الثالث](1).
ب- ذكر أن كراهة المشي أمامها تتأكد بصورة أقوى في جنازة غير المؤمن -كل من عدا الإمامي من جميع المخالفين- فقال في تكملة العبارة السابقة: [الظاهر كراهة الثالث خصوصا في جنازة غير المؤمن].
ج- لم يذكر لنا علة كراهة المشي أمام جنازة غير الإمامي -أموات أهل السنة- وقد حاولت معرفة العلة في ذلك، وبعد البحث وجدت أحد أعلامهم وهو الشهيد الثاني يذكرها وهي لكون ملائكة العذاب تستقبل جنازة المخالف من الأَمام، فقال: [وأوجب التأخر لرواية أبى بصير عن الصادق عليه السلام بمنع المشى أمام جنازة المخالف لاستقبال ملائكة العذاب](2).
__________
(1) كتاب الطهارة - السيد الخوئي ج8 ص452-453.
(2) روض الجنان- للشهيد الثاني محمد جمال الدين مكي العاملي ص314.(198/31)
د- رأيت من تمام الفائدة أن يقف القارئ على نص رواية أبي بصير عن الصادق التي أشار إليها شهيدهم الثاني وهي: [محمد بن الحسن بإسناده عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن الحسين، عن وهيب بن حفص، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) كيف أصنع إذا خرجت مع الجنازة؟ أمشي أمامها أو خلفها أو عن يمينها أو عن شمالها ؟ فقال: إن كان مخالفا فلا تمش أمامه، فإن ملائكة العذاب يستقبلونه بأنواع العذاب](1).
فهو يحكم -كعادته في القسوة- لأموات أهل السنة بمصير مشؤوم وهو استقبالهم بملائكة العذاب، فلم يترك لهم أي أمل برحمة الله الواسعة لجميع الخلائق، بل جزم بهلاكهم وعذابهم ولذا حكم بكراهة المشي أمام جنازتهم.
فهذه حقيقة موقف الخوئي من أهل السنة والذي صرح فيه بالحقد واللعن والعداء من غير مداراة ولا تقية من خلال مباحثه الفقهية والتي كان أغلبها دروساً يلقيها على طلبته في الحوزة العلمية تقدر أعدادهم بالمئات أو الآلاف ليرثوا عنه هذا الحقد وينشروه بين أبناء جلدتهم من العوام والمثقفين، لتتأكد الحقيقة المرة وهي عدم إمكانية التقارب والإخاء مع من يلعننا ويرفض التآخي معنا، اللهم هل بلغت اللهم فاشهد.
الفصل الحادي عشر
ما هو الذنب العظيم الذي يلعن بسببه أهل السنة هكذا ؟!
بعد أن وقفنا على قسوة الخوئي في لعنه وتكفيره لأهل السنة أحياءً وأمواتاً، نريد في هذه الخاتمة أن نعرف السبب الذي لأجله استحق أهل السنة عندهم كل هذا اللعن والتكفير، وبعبارة أخرى ما هو الذنب الكبير والجرم العظيم الذي ارتكبه أهل السنة كي يُصَبَّ عليهم اللعن والتكفير صبّاً؟!!!
__________
(1) وسائل الشيعة (آل البيت)- الحر العاملي ج3 ص150-151، باب (جواز المشي قدام الجنازة على كراهية مع عدم التقية وتتأكد في جنازة المخالف) الحديث رقم (5).(198/32)
والجواب هو أن الذنب الوحيد الذي اقترفه أهل السنة واستحقوا به كل هذه النعوت والأوصاف هو أنهم خالفوا الشيعة الإمامية في مسألة الإمامة -أو مسألة الولاية كما يحلو لهم أن يسموها- فلم يعتقدوها كما يعتقدها الإمامية، وخير دليل على ذلك هو كلام الخوئي نفسه وغيره من علمائهم فإن مداره حول الولاية فمن اعتقدها صار مؤمناً واستحق أوصاف المؤمنين وأحكامهم ومن خالفها وُصِمَ بالمخالف وتَنَزَّلت عليه أحكام المخالفين وأوصافهم ، كما تبين ذلك بجلاء في هذه الدراسة من الوقوف على معنى مصطلحي المؤمن والمخالف، فميزان الحب والبغض والإيمان والكفر هو مسألة الإمامة والولاية، فيقول محدثهم يوسف البحراني مصرحاً بهذه الحقيقة: [ولا ريب ان مراد ابن ادريس بالحق (أي المخالف للحق) الذي صرح بنجاسة من لم يعتقده إنما هو الولاية كما سيأتيك بيانه ان شاء الله تعالى في الأخبار فإنها معيار الكفر والإيمان في هذا المضمار](1).
ولكن ما هي الولاية التي يعتقدها الشيعة الإمامية في أئمتهم والتي خالفهم فيها أهل السنة، لأن الولاية اذا أُطلِقَت فهي محتملة لمعنيين لابد من معرفتها لكي نقف بدقة على نقطة الخلاف حتى لا يُظْلَم أهل السنة ويُتَّهَموا بما ليس فيهم. واليك بيان هذين المعنيين وكما يلي:
أولاً: بمعنى محبة الأئمة من أهل البيت(2)
__________
(1) الحدائق الناضرة ج5 ص179.
(2) وهو المعنى المتبادر للذهن أول مرة .(198/33)
فلا شك بأنهم لم يخالفوا الإمامية في محبة أهل البيت النبوي بل هم والله يحبونهم حباً شديداً ويتقربون إلى الله تعالى بهذه المحبة لأنها عندهم من الطاعات التي أمرنا الشرع الحكيم بها فقد روى الإمام مسلم في صحيحه: [عن عدى بن ثابت عن زر قال قال علي و الذي فلق الحبة وبرأ النسمة انه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إليَّ ان لا يحبنى الا مؤمن ولا يبغضني الا منافق](1)، ولنترك ما سطره أئمة أهل السنة من حب وفضائل الأئمة، ونقف على تصريحات أبرز مراجع الإمامية الذين اعترفوا بمحبة أهل السنة للأئمة، ومنهم:
1- يقول آيتهم العظمى أبو القاسم الخوئي: [لان الضروري(2) من الولاية إنما هي الولاية بمعنى الحب والولاء، وهم(3) غير منكرين لها - بهذا المعنى - بل قد يظهرون حبهم لأهل البيت عليهم السلام…](4).
2- يقول آيتهم العظمى محمد رضا الگلپايگاني: [حيث ان أهل السنة ايضا على كثرتهم وتفرقهم واختلاف نحلهم وآرائهم - الا الخوارج والنواصب - معترفون(5) بعظمة مقام على عليه السلام وعلو شأنه ورفعة مناره وكونه من العشرة المبشرة بل هو عند بعضهم أفضل أصحاب الرسول وأعلمهم](6).
__________
(1) صحيح مسلم - مسلم النيسابوري ج1 ص61.
(2) ومقصد الخوئي بالضروري وهو ما يجب على كل مسلم أن يعتقده من معنيي الولاية ويقصد معنى محبة اهل البيت فهو واجب وضروري وأعترف بأن موجود عند أهل السنة وتحقق فيهم .
(3) مرادهم بقوله(وهم) المخالفين أي أهل السنة، لأن المبحث كله خصصه لموضوع كفر المخالفين وطهارتهم بين النفي والإثبات.
(4) كتاب الطهارة - السيد الخوئي ج 2 ص86.
(5) وهذه شهادة منصف بأن أهل السنة معترفون بفضل علي وعلو شأنه ومحبون له وكذلك اعترف الخوئي قبل هذا القول بأن أهل السنة يظهرون المحبة لأهل البيت فالحمد لله الذي أنطق مخالفينا بالحق المبين.
(6) نتائج الأفكار، الأول- السيد الگلپايگاني ص176.(198/34)
3- وهنا سنذكر واقعة حقيقية تُعَدُّ في غاية الأهمية ويجب على كل منصف محب للحق أن يتدبرها لأنها تنصف أهل السنة في بلاد الحرمين ـ السلفيين ـ وتعرض موقفهم ومحبتهم للأئمة وتقديرهم لهم ولتسقط بذلك كل تهمة وجهت إليهم كذباً وزوراً بأنهم نواصب يبغضون الأئمة ولا يعترفون بعلو مكانتهم فضلاً عن محبتهم لهم، فهذه الواقعة تثبت بأن السلفيين في بلاد الحرمين يقرون ويعترفون بالولاية لأهل البيت بمعنى محبتهم من خلال إعترافهم بأن علياً بن أبي طالب هو من أولياء الله الصالحين فهم يعتقدون بهذه المقولة (أشهد أن علياً ولي الله) إلا أنهم يعترضون فقط على إدخالها في آذان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ لم تكن موجودة في عهده - صلى الله عليه وسلم - بل أضيفت بعد عصره، وهذه الواقعة التي تبرئ السلفيين ليست من نسج الخيال بل عاش أحداثها ورواها لنا مرجع من أكبر مراجعهم وآية من آياتهم العظمى في المذهب وهو زعيم الحوزة في وقته السيد محمد رضا الگلپايگاني ـ المتوفي عام 1994هـ ـ حيث يقول: [وقد وقعت - في المرة الأولى من تشرفي بحج بيت الله الحرام - قضية لطيفه يناسب ذكرها في المقام وهى انه: عندما تشرفنا بالمدينة الطيبة لزيارة قبر النبي الأقدس وقبور الأئمة عليهم السلام فقد سمحت بنا الظروف وساعدنا الامر فكنا نصلى بالناس جماعة في مسجد النبي صلى الله عليه وآله واذن مؤذننا واجهر بشهادة الولاية فأفضى المخبر الدولي هذه القضية إلى قاضى القضاة واخبره ان مؤذن جماعة الشيعة قال في اذانه: اشهد ان عليا ولى الله، ولكن القاضى اجابه: وانا ايضا أقول: اشهد ان عليا وليا لله افهل انت تقول اشهد ان عليا عدو الله؟ فاجابه بقوله: لا والله وأنا ايضا أقول: انه ولى الله وعلى الجملة فقاضيهم ايضا قد صرح بأننا نقول انه ولى الله غاية الامر انا لا نقول به في الاذان، وبذلك قضى على الأمر وأطفئت نائرة الفتنة](1)
__________
(1) نتائج الأفكار، الأول- السيد الگلپايگاني ص243-244.(198/35)
.
فهذه الشهادة من علمائهم بأن أهل السنة لا يخالفون الإمامية في الولاية بمعنى المحبة لأهل البيت لأنهم يحبونهم ويجلونهم ويوقروهم ويشهدون لهم بالفضل والإيمان والولاية في الدين.
ولكن وما أدراك ما لكن، فبالرغم من هذا الاعتراف من قبل مراجعهم بمحبة أهل السنة لأهل البيت، إلا أن هذا لم يخفف من هجمة الإمامية القاسية علينا، ولم تشفع لنا في مذهبهم، لأن مصيرنا عندهم ثابت لاشك فيه وهو الخلود في نار الجحيم كما نقلنا اتفاقهم على ذلك في أكثر من موضع من هذه الدراسة.
ثانياً: بمعنى حصر الخلافة في الأئمة
أن الذي يعتقده الإمامية في قضية الخلافة والإمامة هو أن منصب الخلافة بعد النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - يكون من حق الأئمة الاثنى عشر(1) حقاً خالصاً محصوراً فيهم ليس لغيرهم حق فيه ابداً مهما بلغت درجته من التقوى والإيمان، فالذي يثبت إمامة الاثنى عشر فقط لا يُعَدُّ أماميا حتى ينفيها عن غيرهم ممن تقلد منصب الخلافة، فيقول في ذلك محدثهم نعمة الله الجزائري: [فمن قال أن علياً إمام ولم ينفِ إمامة من ادعاها ونازعه عليها وغصبها فليس بمؤمن عند أهل البيت ع](2).
فالخلاف اذاً بين أهل السنة و الإمامية يكون حول هذه النقطة وهي حصر منصب الخلافة في الأئمة ومنعه عن غيرهم، والتي لابد من بيانها بدقة وكما يلي:
إن أهل السنة لا يختلفون مع الإمامية في جدارة أهل البيت واستحقاقهم للخلافة، إلا أنهم يخالفونهم في حصر الاستحقاق والجدارة فيهم ومنع اثباتهما -أي الاستحقاق والجدارة- لغيرهم من الصحابة - رضي الله عنه - .
__________
(1) وقد سبق المقصود بالأئمة الاثنى عشر .
(2) الأنوار النعمانية ج2 ص279.(198/36)
ومعنى ذلك هو ان أهل السنة لا يختلفون مع الإمامية في استحقاق أهل البيت للإمامة من حيث النفي والإثبات، لأنهما متفقان على استحقاقهم لها وجدارتهم بها وكونهم أهلاً لها، فهما متفقان على ان الخلافة تليق بهم وهم يليقون بها، فكل هذا يقره ويعتقده أهل السنة بيقين ـ كما يعتقدون بصحة خلافة علي وأهليته وجدارته بها ـ ولا يخالفون فيه الإمامية أبداً، إلا أن نقطة الخلاف تكمن في سؤال هو: هل أن هناك جمع من الصحابة ـ إلى جانب أهل البيت ـ يليقون لمنصب الخلافة مؤهلون لها ممن عُرفوا بالإيمان والتقوى والهجرة والجهاد وخدموا الإسلام ونصروه بأموالهم وأنفسهم كأبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم من كبار الصحابة والسابقين للإسلام أم أنها ممنوعةٌ عنهم لأن لياقتها محصورة في أهل البيت فقط؟
فهنا موطن الخلاف مع الإمامية، إذ يرى أهل السنة أهلية هؤلاء الصحابة وجدارتهم لمنصب الخلافة كجدارة علي - رضي الله عنه - وأهليته لها، بينما لا يرى الإمامية في الصحابة أحداً جديراً بها وأهلاً لها غير أهل البيت.
فتأمل نقطة الخلاف جيداً لأنها دقيقة:-
- إذ فيها تُبَرَّأ ساحة أهل السنة لاعتقادهم أهلية أهل البيت وجدارتهم لمنصب الخلافة - كما يعتقدون ذلك في صحة خلافة علي - رضي الله عنه - وجدارته لها - لأنهم المؤمنون الصادقون المجاهدون الذين لهم فضل الإسلام والقربى من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.(198/37)
- وبالمقابل تبقى ساحة الإمامية متهمة وغير مُبَرَّأة وذلك لنفيها استحقاق كبار صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبالتحديد أبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنه - لمنصب الخلافة(1) مع أنهم من السابقين للإسلام والناصرين له بأموالهم وأنفسهم وكانوا أحب وأقرب الصحابة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أنه صاهرهم وصاهروه(2) وقد رضي الله عنهم بصريح القرآن الكريم وأخبرنا بأنهم في الجنة في عدة آيات كقوله تعالى: { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } (التوبة:100).
وقد ذكرت هذه الحقيقة المهمة لأن الكثير من أهل السنة لا يعرفون حقيقة الخلاف مع الإمامية في موضوع الخلافة بهذه الصورة الدقيقة، لذا تراهم مشتتين في كلامهم وبحوثهم بعيدين عن النقطة الجوهرية في الخلاف والمتمثلة باستحقاق أبي بكر وعمر وعثمان لمنصب الخلافة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
__________
(1) فيقول علامتهم العاملي البياضي مثبتاً عقيدتهم في ذلك: [فهذه نبذة من مخازي الثلاثة متخرجة… تدل بأدنى فكر على عدم استحقاقهم الخلافة]، ينظر الصراط المستقيم (3/38).
(2) فهذا عثمان - رضي الله عنه - قد تزوج بنتا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو شرفٌ لم ينله أحدٌ من الصحابة غيره ولذا لُقِّب بذي النورين لابنتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، واما أبو بكر فقد تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابنته عائشة، وأما عمر فقد تزوج رسول الله ابنته حفصة رضي الله عنهم أجمعين، وهو بدوره -أي عمر- رضي الله عنه -- قد تزوج من أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - .(198/38)
وبعد أن وقفنا على نقطة الخلاف ظهر لنا بجلاء ما هو ذنب أهل السنة الذي لعنهم الإمامية وكفروهم لأجله وهو تجويزهم منصب الخلافة لغير الأئمة ممن عُرِفوا بالإيمان والهجرة ونصرة الدين أمثال أبي بكر وعمر وعثمان، واعتقادهم انها خلافة شرعية مرضية عند الله ورسوله.
وهنا أستحلف القراء الكرام وكل عقلاء الدنيا ومنصفيها بالله العظيم هل يستحق أهل السنة كل هذا التكفير واللعن ـ الأحياء منهم والأموات ـ لاعتقادهم بصحة خلافة غير الأئمة الاثنى عشر، بل والله ما أراه إلا البغي والعدوان من الإمامية على أهل السنة، إذ حتى لو سلمنا لهم بخطأهم في هذا الاعتقاد فهل يستحقون الخلود في نار الجحيم يوم القيامة، فيكون حكمهم وعقوبتهم كمن كفر بالله ورسوله فلم يؤمن بالله طرفة عين، ولم يؤمن بالإسلام مطلقاً من الوثنيين كالهندوز والسيخ والبوذيين، لأن مصير هؤلاء الكفرة الوثنيين معلوم لجميع المسلمين وهو الخلود في نار الجحيم، و الإمامية قد اعترفوا ومنهم الخوئي بأن أهل السنة كفار في الآخرة مخلدون في النار كما تقدم، فاتقوا الله في أهل السنة وكونوا منصفين معهم يا علماء الإمامية، لأنكم ستسألون يوم القيامة عن هذا الحكم الجائر وأذكركم بقول الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } ( ق: 18 ) .
الخاتمة
تناقض الخوئي ومخالفته لحكم العقل والشرع
وهذه مفارقة عجيبة بل مبكية والله العظيم وهي أن الخوئي قد أظهر معتقده تجاه أهل السنة بكل حزم وجرأة رغم كونه مليء بلعنهم وتكفيرهم وغيبتهم وسبهم وتخليدهم في نار الجحيم ـ كما تبين في فصول هذه الدراسة ـ وكل ذنبهم في نظر الخوئي هو أنهم خالفوه في معتقده بالإمامة ولذا سماهم المخالفين كما بينا في الفصل السابق.(198/39)
وبالرغم من كونهم لا يستحقون كل هذه القسوة والتخليد بالنار لأنهم مؤمنون بالله ورسوله واليوم الآخر ويصلون ويصومون، ومع هذا حكم عليهم بكل القسوة المتقدمة، نجده بالمقابل يقلب كل الموازين ويلغي كل أحكام العقل والشريعة والتي تفرض عليه أن يتخذ موقفاً قاسياً وشديداً تجاه من يعتقد بتحريف القرآن ونقصه من علماء الإمامية أمثال محمد باقر المجلسي(1) الذي يستحق التكفير واللعن والتخليد في النار أكثر بكثير مما يستحقه أهل السنة(2)، لأن ذنب اعتقاد تحريف القرآن أعظم وأشد
__________
(1) وهو من أبرز علماء الإمامية الذين اعتقدوا وصرحوا بتحريف القرآن ونقصه وهو صاحب بحار الأنوار ومرآة العقول في شرح الكافي، حيث صرح بكل جرأة ووضوح بعقيدته في تحريف القرآن ونقصه بل وأظهر صلابة شديدة وتمسكاً قوياً في ذلك بحيث لم يستطع أحد أن يثنيَه عنها حتى وصلت به الجرأة إلى أن هاجم من لم يوافقه من علماء الشيعة أنفسهم وعدَّهم مخطئين في نفيهم لتحريف القرآن، واليك تصريحه وذلك في معرض شرحه لحديث ورد في اصول الكافي وهو: (عن هشام بن سالم عن أبي عبدالله - عليه السلام - قال:إن القرآن الذي جاء به جبرائيل - عليه السلام - على محمد - صلى الله عليه وسلم - سبعة عشر ألف آية)، فقال عنه : [موثق وفي بعض النسخ عن هشام إبن سالم موضع هارون إبن سالم، فالخبر صحيح، ولا يخفى إن هذا الخبر وكثير من الأخبار الصحيحة صريحة في نقص القرآن وتغييره، وعندي إن الأخبار في هذا الباب متواترةٌ معنى، وطرح جميعها يوجب رفع الاعتماد عن الأخبار رأساً، بل ظني إن الأخبار في هذا الباب لا يقصر عن أخبار الأمامة فكيف يثبتونها بالخبر] [ مرآة العقول للمجلسي ج12 ص525 ].
(2) ونحن هنا نتكلم بلسان الإمامية الذين يوجبون لأهل السنة اللعن والسب والخلود في النار وإلا فلسان النقل والعقل يوجبه لغيرنا ممن سخف عقله وركن الى غير ما أنزل الله تعالى وجاء به رسوله - صلى الله عليه وسلم - .(198/40)
أضعافاً مضاعفة من (ذنب!) مخالفة عقيدة الإمامة باعتراف كل عقلاء العالم فضلاً عن المسلمين، ومع هذا فإن الخوئي سكت عن تكفيره ولعنه وهذه تُعَدُّ جناية عظيمة يرتكبها بحق القرآن وأدنى الذنوب في حقه هو عدم تعظيمه للقرآن وعدم ثورته وهجومه على من يطعن به ويعتقد تحريفه وهي جريمة عظمى يرتكبها الخوئي بحق كتاب الله تعالى وسيحاسب عليها حساباً عسيراً في سكوته وعدم هجومه على القائلين بالتحريف، فكيف سيكون جرمه وعِظَمُ ذنبه اذا علمنا انه لم يسكت فقط عن لعنه وتكفيره، بل وفوق هذا أثنى عليه ومدحه بأزكى عبارات المدح والثناء ودعا له بالرحمة، ونترك الحكم للقارئ يتصور فداحة الذنب وبشاعة الفعل الذي جناه الخوئي.
ولعل بعض القراء ينكر ثناء الخوئي على القائلين بالتحريف، فنهدي إليه بعض نصوصه في الثناء عليهم وكما يلي:
ثناؤه على محمد باقر المجلسي :
1-ان الخوئي قد ترجم له بقوله: [9940 - محمد باقر بن محمد تقي: قال الشيخ الحر في تذكرة المتبحرين (733): " مولانا الجليل محمد باقر ابن مولانا محمد تقي المجلسي: عالم، فاضل، ماهر، محقق، مدقق، علامة، فهامة، فقيه، متكلم، محدث، ثقة ثقة، جامع للمحاسن والفضائل، جليل القدر، عظيم الشأن، أطال الله بقاءه. له مؤلفات كثيرة مفيدة، منها: كتاب بحار الأنوار في أخبار الأئمة الأطهار، يجمع أحاديث كتب الحديث كلها، إلا الكتب الأربعة.(198/41)
وقال الاردبيلي في جامعه: "محمد باقر بن محمد تقي بن المقصود علي، الملقب بالمجلسي مد ظله العالي: أستاذنا وشيخنا، وشيخ الإسلام والمسلمين، خاتم المجتهدين، الإمام العلامة، المحقق المدقق، جليل القدر، عظيم الشأن، رفيع المنزلة، وحيد عصره، فريد دهره، ثقة، ثبت، عين، كثير العلم، جيد التصانيف، وأمره في علو قدره، وعظم شأنه، وسمو رتبه، وتبحره في العلوم العقلية والنقلية، ودقة نظره، وإصابة رأيه، وثقته وأمانته، وعدالته أشهر من أن يذكر، وفوق ما يحوم حوله العبارة، وبلغ فيضة وفيض والده رحمه الله تعالى دينا ودنيا لاكثر الناس من العوام والخواص، جزاه الله تعالى أفضل جزاء المحسنين، له كتب نفيسة جيدة، قد أجازني دام بقاؤه وتأييده أن أروي عنه جميعها،منها: كتاب بحار الأنوار المشتمل على جل أخبار الأئمة الأطهار وشرحها](1).
2-وقال عنه الخوئي ايضاً في مواضع متفرقة من كتابه (معجم رجال الحديث) عند ورود ذكره، بما يلي:
أ- قال: [مولانا محمد باقر المجلسي]، ج19 ص92.
ب- قال: [ماذكره الفاضل المجلسي]، ج1 ص278.
ج- قال: [المجلسي قدس سره]، ج20 ص93.
قال: [ومال الى ذلك شيخنا المجلسي قدس الله روحه]، ج19 ص106.
هـ-قال: [ذكر المجلسي قدس الله نفسه في المرآة]، ج11 ص231.
و-قال: [ماذكره المجلسي رحمه الله في المرآة]، ج5 ص37.
فانظر إلى ثورته وتكفيره له من اجل عظمة القرآن في قلبه، إذ كَفَّره بقوله [رحمه الله، قدس الله روحه، قدس الله نفسه، ثقة ثقة، جامع للمحاسن والفضائل، جليل القدر، عظيم الشأن، أطال الله بقاءه، أستاذنا وشيخنا، وشيخ الإسلام والمسلمين، خاتم المجتهدين، الإمام العلامة، المحقق المدقق، جليل القدر، عظيم الشأن، رفيع المنزلة] !!!
__________
(1) ينظر معجم رجال الحديث - السيد الخوئي ج15 ص221.(198/42)
فلينظر القراء بعين الإنصاف كيف أعرض الخوئي عن حكم العقل والشرع وضرب به عرض الحائط لأنه يتضمن تكفير ولعن علماء طائفته وتخليدهم بالنار، في حين لم يتردد لحظة في لعن وتكفير أهل السنة وتخليدهم في النار بل أعلن ذلك وكرره بكل صراحة وجرأة كما وقفنا على نصوصه في ذلك، وما هذا إلا الجور والتعصب وعدم الإنصاف في إطلاقه للأحكام، ولن يسامحه أهل السنة ولا العقلاء ولا التاريخ على جنايته هذه ابداً.
ولا ادري يقيناً ما هي عقوبة الخوئي يوم القيامة بثنائه على عدو القرآن، ولكن ندعوا له صادقين أن يحشره الله مع المجلسي والمرء يحشر مع من احب(1).
ومعلوم لكل المسلمين - جهلتهم قبل علمائهم - أين مصير الذي يعتقد وقوع التحريف في القرآن الكريم الذي تعهد الله تعالى بحفظه وصيانته، إذ أقولها بعقيدة ثابتة وراسخة لن يشمَّ ريح الجنة فضلاً عن أن يدخلها.
وختاماً لا نملك إزاء هذه المصيبة والجور على أهل السنة إلا أن نقول كما علمنا الله تعالى في محكم كتابه بقوله عزّ وجل: { الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } (البقرة:156-157).
فإنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرنا في مصيبتنا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا.
وصلى الله وسلم وبارك
على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
مصادر الشيعة الإمامية
1. إرشاد السائل فتاوى للمرجع الدينى الأعلى آية الله العظمى السيد محمد رضا الموسوي الگلپايگاني دار الصفوة بيروت - لبنان الطبعة الأولى 1413 ه1993.
__________
(1) ونفس هذا المصير ينتظر مرجعهم علي الميلاني الذي صرح بعدم جواز الطعن فيمن يعتقد بتحريف القرآن ـ والذي ذكرنا أقواله في الدراسة الأصلية فلتراجع ـ فهو لن يحشر مع القرآن يوم القيامة، بل يحشر مع أعداء القرآن من المجلسي ومن اعتقد بمعتقده.(198/43)
الأصول من الكافي تأليف ثقة الإسلام أبى جعفر محمد بن يعقوب بن اسحاق الكليني الرازي- صححه وعلق عليه على اكبر الغفاري- الناشر دار الكتب الإسلامية مرتضى آخوندى تهران- بازار سلطاني- الطبعة الثالثة (1388).
الأنوار النعمانية- السيد نعمة الجزائري- مطبعة شركت بنجاب- تبريز- ايران.
تحرير الوسيلة- روح الله الموسوي الخميني طبعه الآداب في النجف الاشرف الطبعة الثانية مطبعة الآداب - النجف الاشرف 1390 .
5. التنقيح في شرح العروة الوثقى تقريرا لبحث آية الله العظمى السيد أبو القاسم الموسوي الخوئى دام ظله. المؤلف: العلامه الميرزا على الغروى التبريزي الناشر: دار الهادى للمطبوعات قم الطبعة: الثالثة ذي حجة 1410 هـ.
تهذيب الاحكام- شيخ الطائفة الطوسي- دار الكتب الاسلامية- الطبعة الرابعة.
جواهر الكلام " في شرح شرائع الإسلام " تأليف شيخ الفقهاء وإمام المحققين الشيخ محمد حسن النجفي حققه وعلق عليه الشيخ عباس القوچاني تاريخ انتشار: پائيز 1367 دار الكتب الإسلامية: تهران، بازار سلطاني.
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة تأليف العالم البارع الفقيه المحدث الشيخ يوسف البحراني قام بنشره الشيخ على الاخوندى مؤسسة النشر الإسلامي (التابعة) لجماعة المدرسين. بقم المشرفة (إيران).
رسائل المحقق الكركي - المجموعة الأولى * المؤلف: المحقق الثاني الشيخ علي بن الحسين الكركي * تحقيق: الشيخ محمد الحسون * الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي قم * الطبع: مطبعة الخيام قم * الطبعة: الأولى * التاريخ: 1409هـ. ق.
10. روض الجنان- الشهيد الثاني- الناشر مؤسسة آل البيت- الطبعة الحجرية 1404هـ.
الشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب- يوسف البحراني- تحقيق السيد مهدي الرجائي- الطبعة الاولى 1419هـ- قم- ايران.(198/44)
12.الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم تأليف العلامة المتكلم الشيخ زين الدين أبي محمد على بن يونس العاملي النباطي البياضي المتوفى 877 صححه وحققه وعلق عليه محمد الباقر البهبودي الجزء الأول عنيت نبشره- المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية حقوق الطبع بهذه الصورة محفوظة الطبعة الأولى-1384.
13. صراط النجاة استفتاءات لآية الله العظمى الخوئي (قدس سره) مع تعليقة وملحق لاية الله العظمى التبريزي (دام ظله الوارف) الناشر: دفتر نشر برگزيده المطبعة: سلمان الفارسي الطبعة: الأولى في الجمهورية الإسلامية الإيرانية جمادي الأول 1416هـ.
العروة الوثقى لآية الله العظمى السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي- تعليق: عدة من الفقهاء العظام قدس سرهم- الطبعة: الأولى- التاريخ: 1417 هـ- مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.
عيون أخبار الرضا للشيخ الأقدم والمحدث الأكبر أبي جعفر الصدوق محمد بن على بن الحسين بن بابويه القمى قده المتوفى سنه 381 صححه وقدم له وعلق عليه العلامة الشيخ حسين الاعلمي الجزء الأول منشورات مؤسسة الاعلمي للمطبوعات بيروت - لبنان- الطبعة الأولى 1404هـ.
كتاب الصلاة- التنقيح في شرح العروة الوثقى تقريرا لبحث آية الله العظمى السيد أبو القاسم الموسوي الخوئى دام ظله المؤلف: العلامة الميرزا على الغروى التبريزي الناشر: دار الهادى للمطبوعات قم الطبعة: الثالثة ذي حجة 1410 هجري المطبعة: صدر قم.
اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد: محمد بن جمال الدين مكي العاملي (الشهيد الأول) قدس سره الطبعة الثانية منقحة ومزيدة بتحقيقات واسعة بتحقيق وتعليق السيد محمد كلانتر أول ناشر: انتشارات داورى- قم الطبعة الثانية- 1398.(198/45)
مدارك الاحكام في شرح شرائع الاسلام - السيد محمد بن على الموسوي العاملي. تحقيق: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام لاحياء التراث - مشهد المقدسة الطبعة: الاولى - محرم 1410 هـ. المطبعة: مهر – قم.
مستمسك العروة الوثقى تأليف فقيه العصر آية الله العظمى السيد محسن الطباطبائي الحكيم الطبعة الرابعة مطبعة الآداب - النجف الاشرف.
مصباح الاصول- تقريرات السيد الخوئي للسيد محمد سرور واعظ الحسيني البهسودي- المطبعة العلمية- قم- الطبعة الخامسة 1417هـ.
مصباح الفقاهة من تقرير بحث الاستاذ الاكبر آية الله العظمى الحاج السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي دامت افاضاته لمؤلفه الميرزا محمد علي التوحيدي التبريزي الجزء الاول المطبعة الحيدرية النجف 1374 هـ- 1954م.
معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة للامام الاكبر زعيم الحوزات العلمية السيد ابو القاسم الموسوي الخوئى قدس سره الشريف- الطبعة الخامسة طبعة منقحة ومزيدة السنة 1413 هـ- 1992م.
مفتاح الكرامة- الفقيه المتتبع السيد محمد جواد العاملي قدس سره تحقيق: الشيخ محمد باقر الخالصي طبع ونشر: الفقه الطبعة: الأولى التاريخ: 1419 هـ.ق. مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.
المكاسب المحرمة المؤلف: الامام الخمينى قدس سره الشريف الناشر: مؤسسه اسماعيليان: قم الطبعة: الثالثه تاريخ النشر: 1410 هجري.
منهاج الصالحين- السيد الخوئي- الطبعة الثامنة والعشرين- المطبعة مهر- قم.
منهاج الصالحين- السيد علي السيستاني- الطبعة الأولى 1416هـ- المطبعة ستاره- قم.
نتائج الأفكار في نجاسة الكفار تقرير أبحاث سماحة آية الله العظمى زعيم الحوزة العلمية الحاج السيد محمد رضا الگلپايگاني مد ظله بقلم سماحة الحجة الشيخ علي الكريمي الجهرمي دار القرآن الكريم الطبعة الأولى التاريخ: غره محرم الحرام 1413 هـ.ق.(198/46)
هداية العباد فتاوي سماحة المرجع الديني الاعلى آية الله العظمى السيد محمد رضا الموسوي الگلپايگاني مد ظله الناشر: دار القرآن الكريم الطبعة: الأولى التاريخ: جمادى الاولى 1413 قم المشرفة - إيران.
وسائل الشيعة- الحر العاملي- الطبعة الإسلامية- تحقيق الشيخ عبدالرحيم الرباني الشيرازي- الناشر دار إحياء التراث العربي- بيروت.
وسائل الشيعة- الحر العاملي- تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت لأحياء التراث- الطبعة الثانية 1404هـ، المطبعة قم مهر.
مصادر أهل السنة
1. صحيح البخاري الامام أبي عبد الله محمد بن اسماعيل بن ابراهيم ابن المغيرة بن بردزبة البخاري الجعفي، للناشر 1401 هـ- 1981م، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج النيسابوري، دار الفكر- بيروت.(198/47)
المقدمة
{ قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ } (يوسف:17).
لا شك أن الحقيقة هي ضالة الجميع .. وهي قبل غيره ضالة المؤمن، إليها يصبو ولنيلها يسعى .. ومع أنها قد تندرس زمناً إلا أنها لا ريب تعود لتظهر ثانية بفعلٍ قدري صرف أو بجهد باحثٍ مجد ..
والحقائق عموماً منها ما هو مشرِّف نبيل يسعى أهلها لإعلانها والتعريف بها، ومنها ما هو مخزٍ سقيم يحاول أصحابها جاهدين طمسها وتغييب معالمها .. بل ربما نسبوها إلى غيرهم ورموهم بسوئها، ليسلم لهم ماء الوجه ولتبقَ ساحتهم بعيدة عن مرمى سهام النقد والتقييم ..
وفي حين أن الأولى لا تحتاج إلى طول عناء لإبرازها وإماطة اللثام عنها حتى تبرز معالمها واضحة بعد إهمال، فإن الثانية تحتاج إلى جهد كبير في التنقيب عنها يوازي الجهد المبذول في قبرها وتغييبها ..
ولطالما بقيت غالب معتقدات الشيعة في إطار الثانية خصوصاً ما يتعلق منها بحقيقة معتقدهم تجاه باقي فرق المسلمين عامة وتجاه أهل السنة والجماعة على وجه الخصوص، حيث أنها ظلَّت ملقاة في جُبّ التغييب والتغريب زمناً طويلاً دون أن يعلم بها السواد الأعظم من المسلمين بل أن الأمر لم ينتهِِ معهم عند هذا الحد، فقد جاؤوا على قميص الحقيقة تلك بدمٍ كذب، وألبسوا غيرهم ثوب جرائمهم، وجاءوا الناس في كل وقت وحين يبكون ويتباكون على الوحدة الإسلامية الضائعة !! ومظلومية المذهب الشيعي مقابل تعنُّت وتجبر المذاهب الإسلامية وقسوتهم في الحكم عليه وعلى أتباعه، فصيَّروا "بإعلانهم الكاذب ومكرهم" الذئب حملاً، والحمل ذئباً .. بل برعوا في تصوير ذلك إلى الحد الذي صدَّقهم فيه أغلب الناس بما فيهم الكثير من أهل السنة أنفسهم !!(199/1)
وتعبداً مني بالأمر الشرعي القاضي بوجوب تغيير المنكر، وحتى لا يصبح الوهم حقيقة والكذب أصلاً في الأذهان، عمدت إلى خوض غمار الكتابة في هذا الموضوع- رغم ثقله على نفسي- مبيناً الواقع الذي عليه حال معتقد القوم تجاه غيرهم من المسلمين(1) مستناً فيه سابقة في أسلوب الطرح لم يتعرض لها غيري بهذا التفصيل- على حد علمي- والذي اتسم بسمتين أساسيتين أقطع بهما الطريق بوجه المراوغين والمخادعين من علمائهم ودعاتهم هما:
1-اعتمادي على تقريرات فقهية يتعبد بها الشيعة في جميع أنحاء العالم دون الاقتصار على سرد روايات- بالنص أو بالمعنى- مما قد يتيح لهم مجالاً للهرب عن طريق تضعيف أو إنكار تلك الروايات أو تأويل مقاصدها على ما جرت عليه عادتهم من قلب للحقائق وتزوير لها حين كانوا يواجَهون بنصوص ونُقُول تثبت عليهم مثلبة أو تفضح في مذهبهم زيغاً .. وهكذا كان ديدن علماء المذهب هذا في احتراف أسلوب المراوغة والتدليس هو القادح الذهني في اللجوء إلى مثل هذا الطرح الغير مسبوق في عرض موضوعة الكتاب من فقهيات علماء المذهب دون مرويات بما لا يجعل لأحد منهم أدنى فرصة للمراوغة والتحايل، و إلا فليتعبدوا إلى الله تعالى بغير مذهبهم وليتفقهوا بغير فقه علمائهم !!
__________
(1) هذا البحث مستلّ من دراسة موسعة تبين موقف الشيعة العدائي لجميع المسلمين بتفصيل ونصوص لا غنى للباحث عنها وهي بعنوان (موقف الشيعة الإمامية من باقي فرق المسلمين) وهي على أبواب النشر إن شاء الله تعالى.(199/2)
2-اعتمدت في كتابتي على نفس مؤلفات علماء المذهب ومنظريه من خلال شروحهم وفتاويهم فنقلت منها مباشرةً، ولم ألتفت مطلقاً لما كتبه غيري من ردود على الشيعة، وهذه الطريقة وإن كانت شاقة في سبر غور مؤلفاتهم والوقوف على تقريراتهم الفقهية، إلا أنها الطريقة المثلى في تناول موضوع عقائدي حساس لأنها أقرب إلى الإنصاف معهم، وأيضاً تقطع ما قد يتعلق به بعض دعاة التغرير والخداع منهم بالتظلم والتباكي من كون النقل في تقرير معتقدات الشيعة هو من كلام خصوم الشيعة وليس من نفس مصنفات علمائهم ومصادرهم(1)
__________
(1) كما تباكى خبيرهم في التباكي والتظلم عبد الحسين شرف الدين حيث طلب من المسلمين أن ينصفوا الشيعة بالنقل من كتبهم وليس من كتب خصومهم حيث قال في كتابه (الفصول المهمة في تأليف الامة) ص166: [ " القسم الرابع " جماعة قد اعتمدت في نقل تلك الدواهي والطامات عن الشيعة على من تقدمهم من علماء سلفهم ، إذ رأوهم ينقلون شيئا فنقلوه ووجدوا أثرا فاتبعوه ، ولو رجعوا في معرفة أقوال الإمامية إلى علمائهم وأخذوا مذهبهم في الأصول والفروع من مؤلفاتهم ، لكان أقرب إلى التثبت والورع وما أدري كيف نبذوا في هذا المقام كتب الإمامية على كثرتها وانتشارها واعتمدوا على نقل أعدائهم المرجفين وخصمائهم المجازفين الذين تحكموا في تضليلهم ، وسلقوهم بألسنة الافتراء وهذا عصر لا يصغى فيه إلى من يرسل نقله إرسال الكذابين أو يطلق كلامه إطلاق المموهين حتى يرشدنا إلى المأخذ ويدلنا على المستند ، وقد طبع في أماكن من فارس والهند ألوف من مصنفات أصحابنا في الفقه والحديث والكلام والعقائد والتفسير والأصول والأوراد والأذكار والسلوك والأخلاق ، فليطلبها من أراد الاستبصار ولا يعول على كتب المهولين الذين بثوا روح البغضاء في جسم المسلمين ، ونقلوا عن الشيعة كل إفك مبين]، وأقول له فلتقرَّ عينك فلن أنقل إلا ما سطره علماء المذهب ومن نفس المصدر مباشرةً دون واسطة في النقل لعل مسلسل التباكي والتظلم ينتهي إلى غير رجعة.
( ) وهناك دراسة أخرى مشابهة اعتمدت فيها على نصوص الخميني وليس الخوئي لم تتم بعد .(199/3)
.
وعليه جاءت الدراسة متكاملة ومنصفة في تقرير معتقد الشيعة من خلال أبرز أعلام مذهب الشيعة في العصر الحديث ورمز من أكبر رموزها ألا وهو آيتهم العظمى أبو القاسم الخوئي(1) حيث سطَّر خلاصة مذهب الشيعة في موقفهم من أهل السنة من خلال فقهيات وفتاوي يرجع إليها ويتعبد بها الشيعة من خلال امتثالهم وتطبيقهم لمضمونها، ولا مجال للضبابية فيها إذ الناقل مرجع من أكبر مراجع الشيعة إلا أن يتنكروا له ويصموه بالخصومة مع مذهب الشيعة ولا أراهم فاعلين.
وأخيراً أرجو من القراء والدعاة والعلماء أن لا يستهينوا بهذا المختصر لأنه من الأهمية بمكان، إذ أخرجته من بطون الكتب والحواشي التي يتعذر على المتخصصين الوقوف عليها فضلاً عن باقي القراء، أسأل الله تعالى أن تكون هذه الدراسة سبباً لتبصير المسلمين ورفع الغشاوة عن أعينهم ليعرفوا العدو من الصديق.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه
أجمعين
عبدالملك بن عبدالرحمن الشافعي
التمهيد
لقد أطبق اسم السيد أبو القاسم الخوئي آفاق عالم التشيع، واعتلى منصة الزعامة العلمية والمرجعية العليا للشيعة في العالم سنوات طويلة تزيد على عشرين عاماً وبدون منازع أو منافس - على حد علمي - لأنه تفرد بالأعلمية في المذهب، وربما يعتقد الإمامية بأنه لم يأتِ بعده - لحد الآن - من يوازيه في العلم والإطلاع في أصول المذهب وفروعه وخلافاته وترجيحاته، ومن تتبع الساحة الإمامية سيجد مصداقاً لهذا الأمر، ولذا فان أي تصريح لهذا العالم يكون له صدى واسعاً وتأثيراً عميقاً ،ورغم أنني أرى استغناءاً عن الترجمة له لعلو مكانته العلمية في المذهب، لكن مع هذا قررت أن أنقل بعض ما قاله عنه علماء المذهب ومراجعه لأن البعض من أهل السنة لا يعرفون شيئاً عن وزنه ومكانته في المذهب، فممن ترجم له وأثنى عليه من مراجع المذهب ما يلي:(199/4)
1- قال عنه الميرزا محمد علي التوحيدي التبريزي:[ إلى ان القت العلوم الدينية زعامتها وأسندت رئاستها إلى سيدنا واستاذنا علم الاعلام آية الله الملك العلام فقيه العصر وفريد الدهر البحر اللجي واسطة قلادة الفضل والتحقيق محور دائرة الفهم والتدقيق إمام أئمة الاصول وزعيم أساتذة المعقول والمنقول المبين لاحكام الدين والمناضل عن شريعة جده سيد المرسلين قدوة العلماء الراسخين اسوة الفقهاء العاملين المولى الاعظم والحبر المعظم مولانا وملاذنا الحاج السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي النجفي ادام الله أيام افاضاته ومتع الله المسلمين بطول بقائه وهو أدامه الله قد تعرض إلى الكتاب أثناء الدراسة الخارجية في الحوزة المقدسة العلوية وأوسعه تهذيبا وتنقيحا وكشف النقاب عن غوامضه وأبان الموارد المعضلة منه وأخذ بتلك المسائل والآراء التي قيلت أو يمكن أن يقال فصهرها في بوتقة خياله الواسع وفكره الجامع وأفرغها في قوالب رصينة وشيدها على أسس متينة وكان النتاج درة لماعة على مفرق التشريع الإسلامي والفقه الجعفري وكنت ممن وفقه الله للاستفادة من محضره الشريف والارتواء من منهله العذب ](1).
2- قال عنه آيتهم العظمى الميرزا جواد التبريزي:[ وكان من أبرز من حمل راية الشريعة في هذ العصر الامام آية الله في العالمين استاذ الفقهاء والمجتهدين السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي( قدس سره ) الذي تصدى للمرجعية العامة مدة تزيد على عشرين سنة ](2).
__________
(1) مصباح الفقاهة - السيد الخوئي ج1 ص3-4 مقدمة الكتاب .
(2) صراط النجاة - ج1 ص5 .(199/5)
3- ترجم له آيتهم العظمى السيد محمد صادق الحسيني الروحاني الذي يلقبوه فقيه العصر المجاهد:[وبعد فلما كانت رسالة منهاج الصالح فتاوى مرجع المسلمين زعيم الحوزة العلمية افضل علماء العالم آية الله العظمى السيد ابو القاسم الموسوي الخوئي مد ظله جامعة لشتات المسائل المبتلى بها سهلا تناولها ](1).
4- يقول عنه فقيه المذهب ومحققه الأصولي المدقق محمد إسحاق الفياض:[ مشتمل على ما استفدته من تحقيقات عالية ومطالب شامخة وأفكار مبتكرة من مجلس درس سيدنا الأستاذ الأفخم فقيه الطائفة سماحة آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي ، إذ عكفت ضمن المئات من الطلاب على مجلس درسه الشريف في جامعة العلم الكبرى " النجف الأشرف " التي أسندت إليه زعامتها ، وألقت بين يديه مقاليدها، فقام بالعبء خير قيام في محاضراته وبحوثه ، وتربى على يديه الكريمتين جيل بعد جيل من الأفاضل الأعلام ](2).
__________
(1) منهاج الصالحين - السيد محمد صادق الروحاني ج1 ص5 .
(2) محاضرات في أصول الفقه - تقرير بحث الخوئى للفياض ج1 ص6 .(199/6)
5- وأخيراً ترجم له أبرز مراجع المذهب الأحياء وهو آيتهم العظمى علي السيستاني- الذي تتلمذ على يد الخوئي- ، فقال عنه:[ وبعد : ان رسالة المسائل المنتخبة للسيد الأستاذ آية الله العظمى المغفور له السيد ابو القاسم الموسوي الخوئي قدس سره لما كانت مشتملة على أهم ما يبلى به المكلف من المسائل الشرعية في العبادات والمعاملات ](1)، وقال عنه أيضاً:[ وبعد . إن رسالة ( منهاج الصالحين ) التي ألفها آية الله العظمى السيد محسن الطباطبائي الحكيم قدس سره وقام من بعده آية الله العظمى السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي قدس سره بتطبيقها على فتاويه مع إضافة فروع جديدة وكتب أخرى إليها ، لهي من خيرة الكتب الفتوائية المتداولة في الاعصار الاخيرة ، لاشتمالها على شطر وافر من المسائل المبتلى بها في أبواب العبادات والمعاملات ](2).
وكانت وفاته عام 1413هـ الموافق 1993م
الفصل الأول
الوقوف على معنى مصطلح "المخالفين" في كلامهم
إن الخوئي لم يصرح في بحوثه بلفظ أهل السنة عند بيانه لموقفه القاسي منهم، بل أطلق عليهم لفظاً آخر وهو: (المخالفين)، حتى لا يثير انتباه أهل السنة، لذا رأيت من الموضوعية أن نبين معنى مصطلح المخالف عند علماء الإمامية بمن فيهم الخوئي وكما يلي:
معنى المخالفين
إنَّ أدقَّ معنى لتعريف المخالف عندهم هو كل من عدا الشيعي الإمامي من بقية فرق المسلمين، فيدخل في ذلك بالأصالة وبالدرجة الاولى جميع فرق أهل السنة كالمعتزلة والاشاعرة والمتصوفة والمرجئة والسلفية او الوهابية كما يسمونهم، ويدخل فيه ايضا بالتبع جميع فرق الشيعة غير الإمامية كالزيدية والإسماعيلية، ويمكننا أن نقف على هذا التعريف من خلال تصريحات علمائهم أو تلميحاتهم، واليك بيان ذلك من خلال مجموعتين وكما يلي:
المجموعة الأولى
__________
(1) المسائل المنتخبة- السيد علي السيستاني ص5 .
(2) منهاج الصالحين - السيد علي السيستاني ج1 ص5 .(199/7)
وهي التي صرحوا فيها بمعنى المخالف والذي ينطبق تماماً على أهل السنة بجميع فرقهم ومذاهبهم، فممن صرح بذلك:
1- قال آيتهم العظمى وزعيم الحوزة العلمية محمد رضا الكلبايكاني جواباً على سؤالٍ نصه: [من هو المخالف، هل هو من خالف معتقد الشيعة في الإمامة أو من خالف بعض الأئمة ووقف على بعضهم، فيدخل في ذلك الزيدية وغيرهم، وهل حكم المخالف حكم " الخارج والناصب والغالي " أم لا ؟ فأجاب بقوله: بسمه تعالى: المخالف في لساننا يطلق على منكر خلافة أمير المؤمنين "عليه السلام" بلا فصل(1)، وأما الواقف على بعض الائمة "عليهم السلام" فهو وإن كان معدودا من فرق الشيعة إلا أن أحكام الاثني عشرية لا تجري في حقه](2).
2- يقول السيد محمد كلانتر محقق كتاب اللمعة الدمشقية: [المخالف وهو غير الاثنى عشري من فرق المسلمين](3).
__________
(1) ومقصده من هذا القيد(بلا فصل) في تعريف الإمامي ومخالفه هو ان الإمامي يعتقد ان علياً - رضي الله عنه - الخليفة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - مباشرةً بلا فصل أي انه الخليفة الاول بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو متضمن النفي لخلافة أبي بكر التي نالها بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - مباشرةً، وأما أهل السنة (المخالفون) فيعتقدون أن علياً - رضي الله عنه - خليفةً للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولكنه الرابع بعد الخلفاء الثلاثة (أبي بكر وعمر وعثمان- رضي الله عنهم -) وليس الأول.
(2) إرشاد السائل- السيد الگلپايگاني ص199 رقم السؤال742.
(3) اللمعة الدمشقية ج1 ص248 لشهيدهم الثاني وهو محمد بن جمال الدين مكي العاملي المتوفي سنة 966هـ.(199/8)
3- يقول محدثهم يوسف البحراني: [لأنا لا نعقل من المخالف متى أُطلق إلا المخالف في الإمامة والمُقَدِّم فيها](1)، وقال ايضاً: [ومخالفيه هم الذين لم يأخذوا بأحكامه، ولم يعتقدوا إمامته وعصمته، بل جعلوه من سائر الخلفاء](2).
4- ويبين آيتهم العظمى محسن الحكيم الذين يشملهم عنوان المخالف بقوله: [ولاينافي الطعن فيه بما سبق، إذ يكون حاله حال جماعة من العامة(3)، والفطحية والواقفية وغيرهم من المخالفين للفرقة المحقة](4)، فقد عبَّر عن أهل السنة بالعامة وعدهم من المخالفين للامامية.
5- ان آيتهم العظمى المعاصر الذي يقطن النجف الآن محمد سعيد الحكيم قد صرح بمعنى مصطلحي "العامة" و"المخالفين" بأنهم الذين يتولون الشيخين ـ ابا بكر وعمر رضي الله عنهما ـ ويعتقدون بأن خلافتهما شرعية وصحيحة بمعنى آخر أن المخالفين والعامة هم أهل السنة بجميع فرقهم ومذاهبهم فقال ما نصه:[الظاهر أن المراد بالعامة المخالفون الذين يتولون الشيخين ويرون شرعية خلافتهما على اختلاف فرقهم، لان ذلك هو المنصرف إليه العناوين المذكورة في النصوص](5) .
__________
(1) الشهاب الثاقب للبحراني ص254، ومراده من المُقَدِّم فيها أي الذي يقدم أبا بكر وعمر على علي (رضي الله عنهم جميعاً) في الخلافة.
(2) نفس المصدر السابق ص228.
(3) ومراده بالعامة هم المخالفين أي أهل السنة بجميع فرقهم كما سيظهر بجلاء في الكلام التالي لآيتهم العظمى محمد سعيد الحكيم عند تعريفه للعامة والمخالفين فتدبر.
(4) مستمسك العروة الوثقى للحكيم ج5 ص366.
(5) المحكم في أصول الفقه - السيد محمد سعيد الحكيم ج6،ص194،وهكذا فأينما وردت لفظة "العامة" فالمقصود بها أهل السنة ، وهنا أود الإشارة إلى ضرورة التفريق بين هذه اللفظة وبين لفظة "العوام" فإن المقصود بها البسطاء من الشيعة الإمامية .(199/9)
6- يقول الخوئي:[والمخالف مسلم–غير مضمر للكفر– إلا انه لا يعتقد بالولاية(1)](2).
7- ان الطوسي صرح بما يفهم من كلامه معنى المخالف، حيث قال في معرض حديثه عن عدد تكبيرات صلاة الجنازة : ["وأما ما يتضمن من الأربع تكبيرات محمول على التقية لأنه مذهب المخالفين.."](3)، إذ يفهم من كلامه إطلاق لفظ المخالفين على أهل السنة خاصة لأنهم يكبرون أربع تكبيرات على الجنائز.
فهذه هي المجموعة الأولى التي صرحوا فيها بمعنى المخالف.
المجموعة الثانية
وهي تبين معنى المخالف من خلال خطوتين هما:
الخطوة الأولى:
وهي الوقوف على معنى مصطلح المؤمن في كلامهم إذ مرادهم منه هو الشيعي الإمامي فقط لأنه يؤمن بمعتقدهم في الإمامة والعصمة(4)، فممن صرح بذلك:
يقول محمد بن علي الموسوي العاملي: [المؤمن هو المسلم الذي يعتقد امامة الأئمة الاثنى عشر](5).
__________
(1) مقصود الخوئي بالولاية التي لا يؤمن بها أهل السنة هي بمعنى حصر الخلافة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - في اثنى عشر والياً (اماماً) ومنعها عن غيرهم من كبار السابقين من المهاجرين والأنصار ،وهذا المعنى للولاية لا يؤمن به أهل السنة قطعاً ، إلا أن هناك معنىً آخر للولاية وهو محبة أهل البيت وإجلالهم وتوقيرهم وهذا ثابت عند أهل السنة ، وسوف نستعرض معنيي الولاية في الفصل الحادي عشر من هذا الكتاب بشيء من الاختصار ومن أراد التفصيل فليرجع الى الدراسة الأصلية.
(2) كتاب الطهارة ج9 ص94.
(3) تهذيب الاحكام ج3 ص316.
(4) ومعنى معتقدهم في الإمامة والعصمة باختصار هو اعتقادهم بأن الإمامة كالنبوة منصب إلهي يكون بالنص وليس بالشورى وأهم شرط في الإمام هو أن يكون معصوماً كالنبي ، لذا فهي عندهم محصورة في اثنى عشر شخصاً وممنوعة عن غيرهم، وهم علي بن أبي طالب وأبناءه الحسن والحسين وتسعة بعدهم مخصوصون من ولد الحسين ليكون عددهم اثنى عشر .
(5) مدارك الاحكام ج4 ص150.(199/10)
يقول محدثهم يوسف البحراني: [المؤمن وهو المسلم المعتقد لإمامة الأئمة الاثنى عشر](1).
يقول محمد جواد العاملي: [اذ لا خلاف بين الأصحاب في ان من اعتقد معتقد الشيعة الإمامية مؤمن](2).
يقول محمد حسن النجفي: [المؤمن أي الإمامي المعتقد لإمامة الأئمة الاثنى عشر](3).
يقول الخميني: [المراد بالمؤمن الشيعة الإمامية الاثنى عشرية](4).
6- وأخيراً يقول أبو القاسم الخوئي: [أقول: المراد من المؤمن هنا من آمن بالله وبرسوله وبالمعاد وبالأئمة الاثنى عشر (ع) أولهم علي بن أبي طالب (ع) وآخرهم القائم الحجة المنتظر (عج)](5)، وذكر ايضاً: [س:لقب المؤمن خاص لشيعة أهل البيت (ع)، هل يقال للشيعي مؤمن حتى لو ترك الواجبات كالصلاة مثلاً،الخوئي: نعم يقال له مؤمن](6).
فالمراد بالمؤمن حصراً هو الشيعي الإمامي الاثنى عشري كما ظهر ذلك بجلاء من كلام علمائهم.
الخطوة الثانية:
وهي التي نستطيع من خلالها أن نحدد معنى المخالف بأنه كل من عدا الإمامي، وذلك لأنهم غالباً ما يذكرون المخالف في مقابل المؤمن، أي انه غير المؤمن، وبما أن مرادهم من المؤمن هو الإمامي الاثنى عشري كما تقدم في الخطوة الأولى، فالمراد بالمخالف الذي يقابله هو غير الإمامي مطلقاً من المسلمين، فمن أقوالهم في هذا على سبيل المثال ما يلي:
1- يقول علامتهم المعتمد محمد حسن النجفي: [وجوب غسل المؤمن أي الإمامي المعتقد لامامة الأئمة الاثنى عشر ع …… وأما من لم يكن كذلك كالعامة(7) وقد يلحق بهم فرق الامامية المبطلة كالواقفية والفطحية والناووسية](8).
__________
(1) الحدائق الناضرة ج10 ص359.
(2) مفتاح الكرامة ج4 ص182.
(3) جواهر الكلام ج4 ص80.
(4) المكاسب المحرمة - للخميني ج1 ص250.
(5) مصباح الفقاهة ج1 ص323.
(6) صراط النجاة ج2 ص438 سؤال رقم(1375).
(7) أي جميع فرق أهل السنة كما تقدم بيانه.
(8) جواهر الكلام ج4 ص80.(199/11)
2- يقول أبو القاسم الخوئي: [تجب الصلاة على كل ميت مسلم، ذكراً كان أم أنثى، حراً أم عبداً، مؤمناً أم مخالفاً](1).
3- يقول آيتهم العظمى الگلپايگاني: [يعتبر في المصلي أن يكون مؤمناً، فلا تجزي صلاة المخالف فضلاً عن الكافر](2).
4- يقول الخميني: [الأول: الإيمان، فلا يعطى الكافر ولا المخالف للحق وان كان من فرق الشيعة](3)، وقال أيضاً: [يعتبر في المصلي أن يكون مؤمناً، فلا تجزي صلاة المخالف فضلاً عن الكافر](4).
5- يقول السيد علي السيستاني: [تجب الصلاة ـ وجوباً كفائياً ـ على كل ميت مسلمٍ ذكراً كان أم أنثى، حراً أم عبداً، مؤمناً أم مخالفاً](5).
6- يقول محققهم الكركي: [وكتب الحديث والتأريخ مشحونة بذلك من طرق المؤمنين والمخالفين](6).
وهكذا ظهر لنا من خلال المجموعتين معنى المخالف بدقة وصراحة من كلام علمائهم ومراجعهم بأنه كل من عدا الإمامي والمقصود به أولاً وأصالةً هم أهل السنة، ثم باقي فرق الشيعة من غير الشيعة الإمامية الاثني عشرية ثانياً وتبعاً.
الفصل الثاني
تجويز غيبة أهل السنة وسبِّهم ولعنهم
وذلك في مبحث طويل أثبت فيه حرمة غيبة المؤمن ـ أي الإمامي ـ وجوَّز غيبة المخالف ـ أي أهل السنة ـ واليك عباراته(7) وكما يأتي:
__________
(1) منهاج الصالحين ج1 ص83.
(2) هداية العباد ج1 ص77 مسألة (387).
(3) تحرير الوسيلة ج1 ص339.
(4) تحرير الوسيلة ج1 ص79 مسألة (2).
(5) منهاج الصالحين ج1 ص106-107.
(6) رسائل الكركي - المحقق الكركي ج2 ص226.
(7) نقلنا هذا المبحث من كتاب (مصباح الفقاهة) ج1 ص323-324 للخوئي.(199/12)
1- حصر الحرمة بالامامي فقال في معرض شرحه لكتاب المكاسب لشيخهم الأنصاري: [حرمة الغيبة مشروطة بالإيمان قوله: (ثم إن ظاهر الأخبار اختصاص حرمة الغيبة بالمؤمن). أقول: المراد من المؤمن هنا من آمن بالله وبرسوله وبالمعاد وبالائمة الاثنى عشر عليهم السلام: أولهم علي بن ابي طالب " ع "، وآخرهم القائم الحجة المنتظر عجل الله فرجه، وجعلنا من أعوانه وأنصاره ومن أنكر واحدا منهم جازت غيبته]، وقال أيضاً: [على ان الظاهر من الأخبار الواردة في تفسير الغيبة هو اختصاص حرمتها بالمؤمن فقط وسيأتي].
2- عندما أثبت جواز غيبة المخالفين تعرض للآية التي تحرم الغيبة بين المسلمين لأنهم أخوة وهي قوله تعالى: { وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ } (الحجرات: من الآية12)، فصرح بعدم شمولها للمخالف لأنه في نظره ليس بأخٍ للامامي، إذ يرفض الخوئي أي أُخُوَّة مع المخالفين فقال: [أن المستفاد من الآية والروايات هو تحريم غيبة الأخ المؤمن، ومن البديهي انه لا أخوة ولا عصمة بيننا وبين المخالفين. وهذا هو المراد ايضا من مطلقات أخبار الغيبة]، فهو ينفي أي وجود للتقارب الأخوي مع أهل السنة ـ بل ويجعل هذا النفي أمراً بديهياً ثابتاً ومُسَلَّماً به في المذهب ـ ليفضح المتباكين من الإمامية بأن موقف علمائهم هو المحبة والتآخي مع أهل السنة، كما قال تعالى: { وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً } (المجادلة: من الآية2).(199/13)
3- لقد أعترف بأن الثابت في المذهب بالأخبار والأدعية والزيارات هو لعن المخالفين وسبهم والبراءة منهم، فقال: [أنه ثبت في الروايات والأدعية والزيارات جواز لعن المخالفين، ووجوب البراءة منهم، وإكثار السب عليهم، واتهامهم، والوقيعة فيهم: أي غيبتهم، لأنهم من أهل البدع والريب].
4- صرح بأن السيرة المتفق عليها بين علماء الإمامية وعوامهم هو غيبة المخالفين ولعنهم وسبهم، فقال: [قيام السيرة المستمرة بين عوام الشيعة وعلمائهم على غيبة المخالفين، بل سبهم ولعنهم في جميع الاعصار والأمصار، بل في الجواهر أن جواز ذلك من الضروريات].
وهكذا يعلنها الخوئي بكل صراحة من غير تقية ولا مداراة لأهل السنة بأن غيبتهم وسَبِّهم ولعنهم أمرٌ ثابت مُسَلَّم بعدما ثبت بالأخبار واتفقت عليه سيرة علمائهم وعوامهم حتى عدَّهُ النجفي -في كتاب الجواهر- بأنه من الضروريات في مذهب الإمامية كما اعترف الخوئي بذلك في القول السابق.
الفصل الثالث
تجويز هجاءَ أهل السنة والوقيعة فيهم
واليك فقرات مباحثه(1) في ذلك وكما يلي:
1- من الضروري معرفة معنى الهجاء لنقف على خطورته، فقد عرَّفه الخوئي قائلاً: [أقول: الهجو في اللغة عد معائب الشخص، والوقيعة فيه، وشتمه].
2- أثبت حرمته فقال: [ولا خلاف بين المسلمين في حرمة هجاء المؤمن، وإن اختلفت الشيعة مع غيرهم في ما يراد بكلمة المؤمن].
3- ذكر أن وجه تحريمه هو لكونه مشتمل على الهمز واللمز والإهانة والهتك، فقال: [وقد استدل المصنف على حرمته بالأدلة الأربعة بدعوى أنه ينطبق عليه عنوان الهمز واللمز وأكل اللحم والتعيير و إزاحة الستر،وكل ذلك كبيرة موبقة، وجريمة مهلكة،بالكتاب والسنة والعقل والإجماع]،وقال أيضاً:[وقد دلت الروايات المتواترة على حرمة هتك المؤمن وإهانته، ونطق القرآن الكريم بحرمة الهمز واللمز].
__________
(1) نقلنا هذا المبحث من كتاب مصباح الفقاهة- للخوئي ج1 ص456-457.(199/14)
4- بعد أن بيَّن لنا معنى الهجاء وفداحته وشناعته أطلق حكمه الجائر بتحريمه في حق المؤمن- الإمامي- وجَوَّزه في حق من عداه من المخالفين بمن فيهم أهل السنة، فقال:[وأما هجو المخالفين أو المبدعين في الدين فلا شبهة في جوازه، لأنه قد تقدم في مبحث الغيبة أن المراد بالمؤمن هو القائل بإمرة الائمة الاثنى عشر، وكونهم مفترضي الطاعة ومن الواضح أن ما دل على حرمة الهجو مختص بالمؤمن من الشيعة، فيخرج غيرهم عن حدود حرمة الهجو موضوعا، وقد تقدم في المبحث المذكور ما يرضيك في المقام، ويقنعك بتخصيص حرمة الهجو بما ذكرناه].
الفصل الرابع
عند اختلافهم جعلوا الحق دائماً بمخالفة قول أهل السنة
ان الخوئي قد طبَّق الأصل الثابت عندهم وهو:(199/15)
[ان الإمامية عند اختلافهم في حكم مسالة ما ولم يترجح عندهم قول في ضوء المرجحات المذكورة عند التعارض، فعندها أوجبوا على أنفسهم أن يرجعوا إلى قول أهل السنة لكي يأخذوا بخلافه لاعتقادهم بأن الحق والرشد هو في مخالفة أهل السنة دائماً](1)
__________
(1) وهذا الأصل ثابت عندهم بالروايات وأقوال العلماء، فمنها ما رواه الصدوق في (عيون أخبار الرضا) ج2 ص249: [عن على بن اسباط قال: قلت للرضا عليه السلام: يحدث الامر لا أجد بُدّاً من معرفته وليس في البلد الذي انا فيه أحد استفتيه من مواليك قال: فقال: إيت فقيه البلد فاستفته في امرك فإذا افتاك بشئ فخذ بخلافه فإن الحق فيه]، وروى الكليني في (اصول الكافي) ج1 ص67-68 نفس هذا المعنى فقال: [عن داود بن الحصين، عن عمر بن حنظلة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام……… قلت: فإن كان الخبران عنكما (يعني الباقر والصادق عليهما السلام) مشهورين قد رواهما الثقات عنكم؟ قال: ينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة وخالف العامة فيؤخذ به ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنة ووافق العامة، قلت: جعلت فداك أرأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنة ووجدنا أحد الخبرين موافقا للعامة والآخر مخالفا لهم بأي الخبرين يؤخذ؟ قال: ما خالف العامة ففيه الرشاد. فقلت: جعلت فداك فإن وافقهما الخبران جميعا. قال: ينظر إلى ماهم إليه أميل، حكامهم وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالآخر]، ويقول محدثهم يوسف البحراني في (الشهاب الثاقب) ص77-78 مثبتاً هذا الأصل: [استفاضة الأخبار بأنهم ـ خذلهم الله تعالى ـ خارجون عن جادّة الدين المبين، وأنهم ليسوا من الحَنَفيّة على شيء، وأنه لم يبقَ في? يَدِهِم إلا استقبال القبلة، وأنهم ليسوا إلا مثل الجدر، حتى وردت الأخبار عنهم -صلوات الله عليهم- أنه عند اختلاف الأخبار الواردة في الأحكام تعرض على مذهبهم ويؤخذ بما خالفه، بل ورد ما هو أعظم من ذلك، وهو أنه اذا وردت عليك قضيّة لا تعرف حكمها ولم يكن في البلد من تستفتيه عنها، فاستفتِ قاضي البلد وخذْ بخلافه، رواه الصدوق في كتاب عيون أخبار الرضا عليه السلام والشيخ في التهذيب ، ولله درُّ شيخنا أبي الحسن (هو العلامة الشيخ سليمان البحراني صاحب كتاب الأربعون حديثاً في إثبات إمامة أمير المؤمنين عليه السلام وله مؤلفات كثيرة قد ذكرناها في مقدمة الأربعون فراجع) أفاض الله تعالى عليه سوانح المنن، حيث قال في بعض فوائده بعد نقل الخبر المشار إليه ما صورته: انظر أيّدك الله بإرشاده، وجعلك من خواص عباده، إلى هذا الخبر بعين البصيرة، وتناوله بيدٍ غير قصيرة، وتأمل كيف سوّغ عليه السلام الأخذ بخلاف ما يفتي به أهل الضلال مطلقاً، تنبيهاً على أنهم -خذلهم الله تعالى- في كل أحوالهم وفي جميع أقوالهم وأعمالهم ناكبون عن الصراط القويم والمنهاج المستقيم، يعوِّلون في جليل الأمور ودقيقها على الآراء الباطلة، وأهوائهم السخيفة، وعقولهم الضعيفة، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً انتهى ، ولنعم ما قال أيضاً صاحب الفوائد المدنية -رحمه الله تعالى بألطافه السنيّة- حيث قال بعد إيراد الخبر المشار إليه، أقول: من جملة نعم الله تعالى على الطائفة المحقّة أنّه خلّى بين الشيطان وبين علماء العامة ليضلّهم عن الحق في كل مسألة نظرية ليكون الأخذ بخلافهم لنا ضابطة كلية، انتهى]، ويقول شيخهم حسين بن شهاب الدين الكركي في"هداية الأبرار إلى طريق الأئمة الأطهار" ص102: ["إن العامة كان بناء أمرهم على التلبيس وستر الحق بالباطل وإظهار الباطل في صورة الحق وتحليته بما يوافق طباع العوام ومن جرى مجراهم ممن يميل إلى المزخرفات والتمويهات حرصا على إصلاح دنياه وإن أوجب ذلك ضياع دينه وكان القدماء منهم ما بين منافق يظهر الإسلام ويستر الكفر وكذاب متصنع بإظهار الزهد يأخذ دينه وبليد الفهم عديم الشعور ينقل كل ما سمعه ويصدق به سواء كان له أو عليه"].(199/16)
.
إذ أثبته الخوئي في أكثر من موطن في كتبه، فتارةً يثبته باللفظ وأخرى يطبق معناه بأخذه بما يخالف أهل السنة، وكما يلي:
الموطن الأول:
وهو الذي ذكر فيه الأصل باللفظ، فمن أقواله هي:
1- قال: [وأما ما ذكره من أن تعليل الأخذ بمخالف العامة -بأن الرشد في خلافهم- يدل على لزوم ترجيح كل ما فيه مزية على الأخر…… فلا إشكال في أن الرشد في مخالفة العامة غالبي، حيث إنهم اعتمدوا كثيرا في استنباط الاحكام الشرعية على الاستحسانات والاقيسة، واستغنوا بذلك عن المراجعة الى الأئمة (عليهم السلام) ووقعوا في مخالفة الأحكام الشرعية كثيرا](1).
2- قال: [إلا ان حكمه يعلم من خبر صحيح رواه الراوندي بسنده عن الصادق (عليه السلام) انه (ع) قال: "إذا ورد عليكم حديثان مختلفان، فاعرضوهما على كتاب الله، فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فردوه، فان لم تجدوه في كتاب الله فاعرضوهما على أخبار العامة، فما وافق اخبارهم، فذروه وما خالف اخبارهم فخذوه"](2)، وقد عبَّر عن هذه الرواية ص419 بقوله: [صحيحة الراوندي].
الموطن الثاني:
وهو الذي طبَّق فيه مضمون الأصل، فمن أقواله ما يلي:
1- قال: [والرجوع إلى أصالة الإباحة، بل يقدم ما دل على حرمة الغناء، لكونه مخالفا للعامة، ويترك ما دل على الجواز لموافقته لهم](3).
__________
(1) مصباح الأصول - تقرير بحث الخوئى للبهسودي ج3 ص421-422.
(2) مصباح الأصول - تقرير بحث الخوئى للبهسودي ج3 ص415.
(3) مصباح الفقاهة - للسيد الخوئي ج1 ص317.(199/17)
2- قال: [إذا لم نقل بذلك وناقشنا في دلالتهما على الطهارة بالمعنى المصطلح عليه كما قدمناه سابقا فلا محالة تصل النوبة إلى المرجح الثاني وهو مخالفة العامة. وقد مر ان المذاهب الأربعة مطبقة على انفعال ماء البئر بالملاقاة وكذا غيرها من المذاهب على ما وقفنا عليه من أقوالهم، فالترجيح أيضا مع ما دل على طهارة البئر لأنها مخالفة للعامة فلا مناص حينئذ من حمل أخبار النجاسة على التقية](1).
3- قال: [الطائفتان متعارضتان متقابلتان فلابد من علاجها بالمرجحات وهي تنحصر في موافقة الكتاب ومخالفة العامة على ما قدمناه في محله وكلا المرجحين مفقود في المقام: أما موافقة الكتاب فلما مر من انه ليس في الكتاب العزيز ما يدل على نجاسة الخمر أو طهارتها. وأما مخالفة العامة فلان كلا من الطائفتين موافقة للعامة من جهة ومخالفة لهم من جهة فان العامة - على ما نسب إليهم وهو الصحيح - ملتزمون بنجاستها وعليه فروايات الطهارة متقدمة لمخالفتها مع العامة إلا ان ربيعة الرأي الذي هو من أحد حكامهم وقضاتهم المعاصرين لابي عبد الله عليه السلام ممن يرى طهارتها](2).
4- قال: [فالصحيحة إذا موافقة للعامة ومخالفة العامة من المرجحات وبذلك تحمل الصحيحة على التقية(3)](4).
__________
(1) كتاب الطهارة - للسيد الخوئي ج1 ص297.
(2) كتاب الطهارة - للسيد الخوئي ج2 ص91.
(3) ومعنى التقية باختصار هي إظهار الإنسان شئ مع أن باطنه يعتقد بخلافه بسبب الخوف وغيره وهم يحملون الأخبار التي ترد عن الأئمة وفيها موافقة لأهل السنة بأنها خرجت من الأئمة تقية وهم في حقيقتهم يعتقدون بخلافها ، وهذا واضح من تقرير الخوئي في النقطتين الأخيرتين(5،4) بأن ورود بعض الأحكام عن الأئمة بما يوافق حكم العامة(أي أهل السنة) يحمل على التقية .
(4) كتاب الطهارة - للسيد الخوئي ج2 ص371-372.(199/18)
5- قال: [ومعه تحمل الرواية على التقية لموافقتها لمذهب العامة كما هو الحال في غيرها من الأخبار الواردة بهذا المضمون](1).
بهذه القسوة جعل الحق في وادٍ وأهل السنة في وادٍ آخر بحيث لا يجتمعان أبداً، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
الفصل الخامس
التصريح بفسق أهل السنة وبطلان عباداتهم
وكأن السب واللعن والوقيعة بأهل السنة لم تشفِ غليله، فزاد عليه بأنهم فساق وان جميع عباداتهم التي يتقربون بها إلى الله تعالى -من صلاة وصيام وزكاة وحج وجهاد- باطلة ليس لهم فيها أجر عند الله عز وجل، بل ليس لهم فيها إلا المشقة والعناء، فمصيرهم كمصير من لم يدخل الإسلام ومن لم يعبد الله طرفة عين، لأن نتيجتهم واحدة وهي الإفلاس من الأجر والثواب يوم القيامة، فمن أقواله الظالمة لأهل السنة في ذلك ما يلي:
1- قال: [أن المخالفين بأجمعهم متجاهرون بالفسق. لبطلان عملهم رأسا، كما في الروايات المتظافرة، بل التزموا بما هو أعظم من الفسق، كما عرفت،وسيجئ أن المتجاهر بالفسق تجوز غيبته]، فهو يعترف بتظافر الروايات ببطلان عمل أهل السنة ثم أشار إلى المصدر الذي وردت به تلك الأخبار فقال: (راجع ج1 الوسائل باب 29 بطلان العبادة بدون ولاية الأئمة من مقدمات العبادات ص 19).
2- قال: [وأما المخالف فليس بكافر قطعا…….…. بل يعاقبون كالكافر ولا يثاب بأعمالهم الخيرية الصادرة منهم في الدنيا كالصلاة وغيرها](2).
3- قال: [قدمنا في كتاب الطهارة عند التكلم حول غسل الميت اعتبار كون المغسل مؤمنا استنادا إلى الروايات الكثيرة الدالة على ان عمل المخالف باطل عاطل لا يعتد به،وقد عقد صاحب الوسائل بابا لذلك في مقدمة العبادات](3)
__________
(1) كتاب الطهارة - للسيد الخوئي ج2 ص242.
(2) مصباح الفقاهة - السيد الخوئي ج 5 ص94.
(3) كتاب الصلاة - السيد الخوئي ج 2 ص360.(199/19)
4- قال أيضاً: [اشتراط الإيمان في المصلي: للاخبار الدالة على عدم مقبولية عمل غير المؤمن فانها كما تدل على عدم كفاية عمل المخالف في مقام الامتثال، كذلك تقتضي عدم كفايته في الاجزاء فلا يجزي عمله عن المكلفين، وفي بعضها ان الله سبحانه شانع أو يشنع عمل المخالف أي يبغضه فلا يقع مقبولا امتثالا واجزاءا](1).
5- أكد معتقد الشيعة في بطلان عبادة المخالفين لهم من المسلمين من خلال بحثه لشروط صحة الصيام وإليك ما ذكره بعدة فقرات(2) :
أ- أثبت أن الإسلام والإيمان- بمفهومه عند الشيعة أي الإيمان بالولاية- شرط في صحة الصوم فلا يصح من غير المسلم- الكافر- ولا من غير المؤمن- غير الشيعي من المسلمين- فقال:[ فصل " في شرائط صحة الصوم " وهي أمور : الأولى : الإسلام والإيمان فلا يصح من غير المؤمن ولو في جزء من النهار فلو أسلم الكافر في أثناء النهار ولو قبل الزوال لم يصح صومه وكذا لو ارتد ثم عاد إلى الإسلام بالتوبة، فلا يصح الصوم كغيره من العبادات من الكافر وإن كان مستجمعا لسائر الشرائط، كما لا يصح ممن لا يعترف بالولاية من غير خلاف].
ب- اعترف بأن إجماع الشيعة متحقق على بطلان العبادة من دون الولاية، والنصوص الكثيرة تثبته فقال:[ تكفينا بعد الإجماع المحقق كما عرفت النصوص الكثيرة الدالة على بطلان العبادة من دون الولاية].
__________
(1) كتاب الطهارة - السيد الخوئي ج 9 ص27.
(2) نقلنا هذا المبحث من كتابه (الصوم) جزء1 ص423-425.(199/20)
ج- أورد رواية كشاهد على عقيدتهم وهي:[ كصحيحة محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : كل من دان الله عزوجل بعبادة يجهد فيها نفسه ولا إمام له من الله فسعيه غير مقبول وهو ضال متحير والله شانئ لأعماله]، ثم استنبط منها عقيدتهم في البطلان فقال:[ فان من يكون الله شانئا لاعماله ومبغضا لافعاله كيف يصح التقرب منه وهو ضال متحير لا يقبل سعيه ، فكل ذلك يدل على البطلان . وفي ذيل الصحيحة أيضا دلالة على ذلك كما لا يخفي على من لاحظها ، فإذا بطل العمل ممن لا إمام له وكان كالعدم ، فمن لا يعترف بالنبي بطريق أولى ، إذ لا تتحقق الولاية من دون قبول الإسلام . ومما ذكرنا يظهر الحال في اعتبار الإيمان في صحة الصوم وانه لا يصح من المخالف لفقد الولاية].
د- أثبت هذه العقيدة في مبحث غسل الميت، حيث قرر فيه أن تغسيل الميت من قبل الكافر ومن المخالف- المسلم الذي لا يؤمن بالولاية- باطل لا يصح فقال:[ وقد تعرضنا لهذه المسألة بنطاق أوسع في بحث غسل الميت ، عند التكلم حول اعتبار الإيمان في الغاسل الذي هو فرع الإسلام ، فلو لم يكن مسلما أو كان ولكن لم يكن بهداية الإمام وإرشاده لم يصح تغسيله فراجع ان شئت].
الفصل السادس
التصريح بأن أهل السنة جميعاً كفار مخلدون في النار
فقد اعترف الخوئي بصحة رواياتهم التي تُكَفِّر المخالف للإمامة وادعى تواترها بل واعتقد بمضمونها إلا انه حمل الكفر فيها على الآخرة من حيث شدة عذاب أهل السنة وخلودهم في نار الجحيم، فمن أقواله هي:
1- قال: [فالصحيح الحكم بطهارة جميع المخالفين للشيعة الاثنى عشرية وإسلامهم ظاهرا بلا فرق في ذلك بين أهل الخلاف وبين غيرهم وان كان جميعهم في الحقيقة كافرين وهم الذين سميناهم بمسلم الدنيا وكافر الآخرة](1).
__________
(1) كتاب الطهارة - السيد الخوئي ج 2 ص87.(199/21)
2- قال: [وأما المخالف فليس بكافر قطعا……… لإقرارهم بالشهادتين ظاهرا وباطنا واما ما دل على كفرهم فلا يراد بظاهرها، فقد قلنا في أبحاث الطهارة ان المراد من الكفر ترتب حكمه عليه في الاخرة وعدم معاملة المسلم معهم فيها، بل يعاقبون كالكافر ولا يثاب باعمالهم الخيرية الصادرة منهم في الدنيا كالصلاة وغيرها](1).
3- بعد أن اعترف بأن الروايات التي تُكَفِّر المخالف في الامامة كثيرة وبالغة حد الاستفاضة، حمل الكفر فيها على ما يقابل الايمان(2)، فقال: [وما يمكن أن يستدل به على نجاسة المخالفين وجوه ثلاثة: "الاول": ما ورد في الروايات الكثيرة البالغة حد الاستفاضة من أن المخالف لهم –عليهم السلام- كافر وقد ورد في الزيارة الجامعة: " ومن وحده قبل عنكم " فانه ينتج بعكس النقيض ان من لم يقبل منهم فهو غير موحد لله سبحانه فلا محالة يحكم بكفره. والأخبار الواردة بهذا المضمون وان كانت من الكثرة بمكان إلا أنه لا دلالة لها على نجاسة المخالفين إذ المراد فيها بالكفر ليس هو الكفر في مقابل الإسلام وإنما هو في مقابل الإيمان كما أشرنا إليه سابقا](3).
__________
(1) مصباح الفقاهة - السيد الخوئي ج 5 ص94.
(2) وهو الذي يكون صاحبه مسلم في الدنيا وكافر مخلد في النار يوم القيامة، فقال في كتاب الطهارة من كتابه (التنقيح في شرح العروة الوثقى) ج2 ص63-64 مبيناً من معاني الكفر ما يقابل الإيمان: [… و"منها": ما يقابل الإيمان ويحكم بطهارته واحترام دمه وماله وعرضه كما يجوز مناكحته وتوريثه إلا ان الله سبحانه يتعامل معه معاملة الكافر في الآخرة وقد كنا سمينا هذه الطائفة في بعض أبحاثنا بمسلم الدنيا وكافر الآخرة].
(3) كتاب الطهارة - السيد الخوئي ج 2 ص84-85.(199/22)
4- قال: [هذا لا للأخبار الواردة في كفر المخالفين كما تأتي جملة منها عن قريب لان الكفر فيها إنما هو في مقابل الإيمان ولم يرد منه ما يقابل الإسلام](1).
الفصل السابع
تكفير أهل السنة جميعاً لمخالفتهم لهم في الولاية والإمامة
لقد صرَّح الخوئي بأن كفر المخالفين أمر ثابت عنده بما لا يقبل الشك أو مما لاتعتريه أدنى شبهة، فقال(2): [أنه ثبت في الروايات والأدعية والزيارات جواز لعن المخالفين…….. بل لا شبهة في كفرهم]، ان الخوئي أعقب الحكم بكفرهم بذكره للأدلة التي يثبت بها حكمه ـ عَلَّهُ يشفي بذلك غليله تجاه أهل السنة ـ ومنها ما يلي:
1- قال: [لان إنكار الولاية والأئمة حتى الواحد منهم، والاعتقاد بخلافة غيرهم، وبالعقائد الخرافية، كالجبر ونحوه يوجب الكفر والزندقة].
2- قال: [وتدل عليه الأخبار المتواترة الظاهرة في كفر منكر الولاية، وكفر المعتقد بالعقائد المذكورة، وما يشبهها من الضلالات]، وقد أشار إلى المصدر الذي وردت فيه تلك الأخبار فقال: (راجع ج3 الوسائل باب 6 جملة ما يثبت به الكفر والارتداد من أبواب المرتد ص 457).
3- قال: [ويدل عليه ايضا قوله " ع " في الزيارة الجامعة: (ومن جحدكم كافر)، وقوله " ع " فيها أيضا: (ومن وحده قبل عنكم). فانه ينتج بعكس النقيض ان من لم يقبل عنكم لم يوحده، بل هو مشرك بالله العظيم].
__________
(1) كتاب الطهارة - السيد الخوئي ج 2 ص75-76.
(2) نقلنا هذا المبحث من كتاب (مصباح الفقاهة) للخوئي ج1 ص323-324.(199/23)
4- لقد أراد الخوئي أن يستدل على كفر المخالف في الإمامة بأمر ثابت عندهم وهو أن المستبصر -وهو من كان يعتنق غير مذهب الإمامية ثم أصبح أماميا- لا يقضي الصلاة التي عليه وعللوه بأن الحال التي كان عليها -وهي مخالفة الإمامة- أعظم من ترك الصلاة، وبما ان ترك الصلاة كفر، فتكون المخالفة في الإمامة أعظم كفراً، فقال: [وفي بعض الأحاديث الواردة في عدم وجوب قضاء الصلاة على المستبصر (إن الحال التي كنت عليها أعظم من ترك ما تركت من الصلاة)].
وقد أشار إلى المصدر الذي وردت فيه تلك الأحاديث، فقال: (راجع ج1 الوسائل باب 31 عدم وجوب قضاء المخالف عبادته إذا استبصر من مقدمات العبادة ص20).
الفصل الثامن
اللعن لأموات أهل السنة وإبعادهم لهم عن رحمة الله
وموقف الخوئي هذا وطعنه أبلغ في تمزيق قلوب أهل السنة من كل ما تقدم من المطاعن، لأنه لم يظهر فيه الحقد واللعن تجاه الأحياء منهم، وإنما أظهره تجاه الأموات ـ في صلاة الجنازة ـ الذين هم أحوج ما يكونون فيها إلى الدعاء بالرحمة والمغفرة لأنهم قد أفضوا إلى لقاء الله تعالى والحساب(1)، فقد روى الإمامية بأن العلة من الصلاة على الميت هي كي يشفعوا له ويطلبوا له الرحمة والمغفرة لأنه يكون بأمسِّ الحاجة لذلك، فقد روى الحر العاملي:(وفي (عيون الأخبار) و (العلل) …… عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام قال: إنما امروا بالصلاة على الميت ليشفعوا له وليدعوا له بالمغفرة لأنه لم يكن في وقت من الأوقات أحوج إلى الشفاعة فيه والطلبة والاستغفار من تلك الساعة)(2).
__________
(1) كما روى البخاري في صحيحه: (عن عائشة قالت قال النبي صلى الله عليه وسلم لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا)، ينظر صحيح البخاري ج7 ص193.
(2) وسائل الشيعة (الإسلامية) - الحر العاملي ج2 ص776.(199/24)
ولكن قَلْبَ الخوئي القاسي(1) - الذي لا يعرف الرحمة والرأفة تجاه المخالفين له من المسلمين- لم يَرِقّ لهم حتى في هذه اللحظات التي غادروا فيها الدنيا إلى لقاء الله تعالى، فبدل أن يستغفر لهم ويدعو لهم بالرحمة راح يلعنهم ويدعو عليهم بالبعد عن رحمة الله في صلاة الجنازة، واليك أقواله القاسية بحق الأموات من أهل السنة وكما يلي:
ذكر موقفه من الميت المخالف وكيفية الصلاة عليه بعدة فقرات(2) إليك بيانها:
أ- قارن بين كيفية صلاة الجنازة على كل من المؤمن –الإمامي- والمخالف -أهل السنة- من حيث التشابه والاختلاف، فقرر بأن وجه الشبه هو بالتكبير على كل منهما خمس تكبيرات، وأما وجه الخلاف فهو بأن يُدْعى للميت الإمامي فيها، واما المخالف فلا يدعو له الخوئي فيها، بل يدعو عليه، فقال: [فالمتحصل ان الصلاة على المخالف كالصلاة على المؤمن من حيث وجوب التكبير خمسا، (حكم الصلاة على المخالف من حيت الدعاء): وأما من حيث الدعاء فيختلفان حيث يدعى على الميت المخالف ويدعى له في المؤمن].
ب-أشار إلى الرواية التي ورد فيها صيغة الدعاء على الميت المخالف، فقال:
[وقد ورد في صحيحة الحلبي الامر بالدعاء على الميت….والمخالف… فتشمله الصحيحة كما عرفت].
ج- أشار إلى المصدر والمرجع الذي وردت فيه الرواية -صحيحة الحلبي كما أسماها- فقال: [الوسائل: ج2 باب4 من أبواب صلاة الجنازة ح1].
__________
(1) وهذه القسوة لم تأتِ قطعاً من الفراغ أو من موقف شخصي وإنما أملاها عليه مذهبه ومعتقده الذي استقاه من مصادرهم التي تدعوا إلى بغض أهل السنة ولعنهم والبراءة منهم كما وقفنا عليه أعلاه، فقد أفتى بلعن أموات أهل السنة بناءاً على الروايات التي نصت عليها مصادر المذهب ومراجعه.
(2) نقلنا فقرات هذا المبحث من كتاب الطهارة للخوئي ج9 ص(74-75).(199/25)
د- ولعل القارئ متلهف لمعرفة صيغة الدعاء الذي يقرؤونه على الميت من أهل السنة، وهذا ما فعلته ، إذ رجعت إلى المصدر المشار إليه وهو كتاب وسائل الشيعة للحر العاملي بنفس عنوان الباب ورقم الرواية كي أقف عليها بيقين وبصورة قطعية، فإليك نصها: [محمد بن على بن الحسين بإسناده عن عبيدالله بن علي الحلبي(1)، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا صليت على عدو الله فقل: اللهم إنا لا نعلم منه إلا أنه عدو لك ولرسولك، اللهم فاحش قبره نارا، واحش جوفه نارا، وعجل به إلى النار، فإنه كان يوالي أعداءك، ويعادي أوليائك، ويبغض أهل بيت نبيك، اللهم ضيق عليه قبره، فإذا رفع فقل: اللهم لا ترفعه ولا تزكه. ورواه الكليني عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي مثله](2).
__________
(1) وسميت بصحيحة الحلبي على اسم الراوي لها وهو عبيد الله بن علي الحلبي.
(2) وسائل الشيعة (الإسلامية) - الحر العاملي ج2 ص(769-770)، باب(4)، ح1.(199/26)
هـ بما أن الرواية لم يُذْكَر فيها لفظ (المخالف)، وإنما ذكر فيها لفظ (عدو الله)، فهناك احتمال عدم شمولها للمخالف لعدم التصريح بذلك، إلا ان الخوئي حاول أن يثبت شمولها للمخالفين(1) ليسلم له معتقده ـ بلعن الأموات من أهل السنة ـ وهذا مما جعله يقسو عليهم مرةً اخرى، وذلك حين صرح بأن المخالف عدوٌ لله، فقال: [وقد ورد في صحيحة الحلبي الأمر بالدعاء على الميت إذا كان عدو الله والمخالف لو لم يكن مبغضا لأهل البيت (ع) إلا أنه بالاخرة يبغض عدو عدو أهل البيت فهو عدو الله(2) فتشمله الصحيحة كما عرفت].
__________
(1) والذي يظهر من الحر العاملي صاحب كتاب (وسائل الشيعة) هو اختياره أيضاً بكون الدعاء في الرواية يشمل المخالفين، وذلك لأنه ذكرها ضمن الباب الذي فيه لفظ المخالف، وهو باب (كيفية الصلاة على المخالف، وكراهة الفرار من جنازته إذا كان يظهر الإسلام).
(2) ومراده بهذه المتسلسلة هو أن عدو أهل البيت في نظره هم الخلفاء، والأمامية يبغضون الخلفاء قطعاً، فهم عدو لعدو أهل البيت، وأما أهل السنة فهم يبغضون الأمامية ويعادوهم بسبب معاداتهم للخلفاء، فتكون النتيجة هي أن أهل السنة يبغضون عدو عدو أهل البيت، فينزلهم الخوئي بهذا منزلة أعداء أهل البيت، وقريب من هذه المعادلة المتسلسلة ذكرها علمهم نصير الدين الطوسي كما ينقلها محدثهم يوسف البحراني بقوله: [هذا وقد قرَّر المحقق الطوسي فيما نقل عنه دليلاً على بغضهم لأهل البيت عليهم السلام هكذا:المخالفون يبغضون كل من أبغض أبا بكر وعمر وعثمان كائناً من كان، من عرف اسمه ونسبه أم لا،? وأئمتنا أبغضوا أبا بكر وعمر وعثمان بغضاً ظاهراً، ونسبوا إليهم جميع الشرور والقبائح التي وقعت بين الأمة، ينتج أنهم مبغضون أئمتنا عليهم السلام]، ينظر الشهاب الثاقب ص137.(199/27)
و- حاول أن يثبت لعن أموات أهل السنة بدليل آخر وهو الرواية المتضمنة للعن جاحد الحق، فراح يصرح بكل قسوة بأن المخالف ـ عالماً أو جاهلاً ـ هو جاحدٌ للحق، فقال: [على أنه ورد الدعاء على الميت إذا كان جاحدا للحق ولا إشكال في صدق هذا العنوان على المخالف إذ لا يعتبر في الجحد إلا إنكار الحق -علم به أم لم يعلم-].
ولعل القارئ في شوق أيضاً لمعرفة صيغة الدعاء هذه على أموات المخالفين كما يدَّعيها الخوئي، فاليك بيانها: [وعنه، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: إن كان جاحدا للحق فقل: اللهم املا جوفه نارا وقبره نارا، وسلّط عليه الحيات والعقارب، وذلك قاله أبو جعفر عليه السلام لامرأة سوء من بني امية صلى عليها أبي، وقال: هذه المقالة: واجعل الشيطان لها قرينا(1). الحديث](2).
__________
(1) واني لادعوا القارئ إلى التأمل في تكملة الحديث المؤلمة وهي: [قال محمد بن مسلم: فقلت له: لأي شيء يجعل الحيات والعقارب في قبرها؟ فقال: إن الحيات يعضضنها والعقارب يلسعنها والشياطين تقارنها في قبرها قلت: تجد ألم ذلك؟ قال: نعم شديدا]، ينظر الكافي- للشيخ الكليني ج3 ص189-190.
(2) وسائل الشيعة (الإسلامية) - الحر العاملي ج2 ص771، وهي مذكورة في نفس الباب الذي ذكرت فيه صحيحة الحلبي المتقدمة برقم (5).(199/28)
هكذا يُعَبِّر الخوئي عن مؤاخآته ومحبته لأهل السنة بأبشع صور الحقد والعداء، وإني لأدعو القارئ أن يتصور معي الميت من أهل السنة مُكَفَّنٌ في تابوته وموضوع باتجاه القبلة عند المحراب -وأهله من حوله يذرفون الدموع الحارة الممزوجة بالدعاء على فراقه وعلى مصيره إما الى الجنة أو النار- فيأتي الخوئي ليصلي عليه فيقول في الدعاء الذي ورد في الروايتين بلفظه وهو: [اللهم احشُ جوفه ناراً، اللهم املأ قبره ناراً، اللهم عَجِّل به الى النار، اللهم سَلِّطْ عليه الحيات والعقارب، اللهم اجعل الشيطان له قرينا].
بهذا الدعاء يُوَدِّع أموات أهل السنة إلى قبورهم للقاء الله تعالى(1)، فهل بقي هناك أمل للتقارب والإخاء، بعد أن قطع الخوئي جميع الآمال بحقده ولعنه لأهل السنة أحياءً وأمواتاً ؟!!!!!!!!!!.
الفصل التاسع
المنع من توجيه المحتضرين من أهل السنة نحو القبلة حتى لا يحظوا برحمة الله وإقبال الملائكة عليهم
فقد كتب بحثاً يتعلق بالأموات حال احتضارهم بعنوان(توجيه الميت إلى القبلة) ذكر بين طياته موقفه من أموات المخالفين(2) وكما يلي:
أ- قال ص28-29: [وأما الكلام في وجوب الاستقبال بالمعنى المذكور وأن الميت يجب أن يوجه نحو القبلة أو يوجه هو نفسه إليها لو كان متمكنا منه ولم يكن عنده أحد، أو لا يجب؟ فقد نسب القول بالوجوب إلى المشهور والأشهر واستدل عليه بوجوه].
__________
(1) بل لو تركهم بغير صلاة لكان والله أخفُّ وطأةً وأرحم حالاً، لاسيما بعدما عرفنا من الحديث ألم الحيات والعقارب والشياطين من بقية الرواية بقوله: [قال محمد بن مسلم: فقلت له: لأي شئ يجعل الحيات والعقارب في قبرها؟ فقال: إن الحيات يعضضنها والعقارب يلسعنها والشياطين تقارنها في قبرها قلت: تجد ألم ذلك؟ قال: نعم شديدا].
(2) نقلنا هذا المبحث من كتاب (الطهارة) للخوئي ج8 ص28-35.(199/29)
ب- ذكر أن علة التوجيه نحو القبلة هو لكي يقبل الله وملائكته على الميت بالرحمة والمغفرة فقال ص30-31: [و(منها): وهو العمدة ما رواه الصدوق مرسلا تارة ومسندا أخرى كما في الوسائل عن الصادق (ع) انه سئل عن توجيه الميت فقال: استقبل بباطن قدميه القبلة قال: وقال أمير المؤمنين (ع) دخل رسول الله صلى الله عليه وآله على رجل من ولد عبد المطلب وهو في السوق وقد وجه إلى غير القبلة فقال صلى الله عليه وآله: وجهوه إلى القبلة فإنكم إذا فعلتم ذلك أقبلت عليه الملائكة وأقبل الله عزوجل عليه بوجهه فلم يزل كذلك حتى يقبض](1)، وذكر هذه العلة ايضاً فقال ص35: [والعمدة هو مرسلة الصدوق أو مسنده، والتعليل الوارد في رواية الصدوق ظاهر في أن الغرض من التوجيه تجليل الميت وتعظيمه بحيث يقبل الله وملائكته إليه في آخر حياته]، وقال أيضا ص30: [وذلك لدلالة التعليل على أن توجيه الميت نحو القبلة حال الاحتضار إحسان إليه حتى تقبل الله وملائكته عليه في آخر حياته].
ج- ان المتن الذي يشرحه الخوئي وهو العروة الوثقى للسيد كاظم اليزدي ذكر فيه مصنفه حول توجيه المحتضر نحو القبلة فقال: [ولا فرق بين الرجل والإمرأة والصغير والكبير بشرط أن يكون مسلما](2)، فأخذ الخوئي يعلق على أشتراط الإسلام معترضاً على المصنف تحت عنوان (اختصاص الوجوب بالمؤمن) يثبت فيه بأن الذي يجب توجيهه الى القبلة هو الإمامي فقط، فقال ص34: [هل الوجوب بناءا على القول به يعم المؤمن والمسلم والكافر أو يختص بالمؤمن ؟ الصحيح هو الاختصاص].
__________
(1) ذكر مصدر الرواية فقال: (الوسائل: الجزء 2 باب 35 من أبواب الاحتضار ح5–6).
(2) العروة الوثقى (ط.ج) - السيد اليزدي ج 2 ص18-19.(199/30)
د- بَيَّن الخوئي سبب حصره للتوجيه بالامامي بأن العلة من ذلك -وهي اقبال الله وملائكته على الميت- لم يجد لها عنده وجهاً مقنعاً كي يفعلها مع أموات المخالفين -أهل السنة- بمعنى آخر هو يرى حرمانهم من إقبال الله وملائكته ومن التجليل والتعظيم، فقال ص35: [والعمدة هو مرسلة الصدوق أو مسنده، والتعليل الوارد في رواية الصدوق ظاهر في أن الغرض من التوجيه تجليل الميت وتعظيمه بحيث يقبل الله وملائكته إليه في آخر حياته وهذا مختص بالمؤمن فالتعدي عنه إلى المسلم فضلا عن الكافر وغيره مما لا وجه له].
وهكذا يؤكد لنا الخوئي في هذا المبحث مرةً بعد أخرى قسوته على أموات أهل السنة.
الفصل العاشر
التصريح بكراهية المشي أمام جنازة الأموات من أهل السنة لأن ملائكة العذاب تستقبلها من الأمام
لقد ذكر الخوئي في موضوع تشييع الجنازة والمشي معها عدة عبارات إليك بيانها:
أ- ذكر بأن المشي خلف الجنازة أفضل من المشي بطرفيها -بجانبيها-، ثم ذكر كراهة المشي أمامها فقال: [ان يمشي خلف الجنازة أو طرفيها ولا يمشي قدامها، والأول أفضل من الثاني، والظاهر كراهة الثالث](1).
ب- ذكر أن كراهة المشي أمامها تتأكد بصورة أقوى في جنازة غير المؤمن -كل من عدا الإمامي من جميع المخالفين- فقال في تكملة العبارة السابقة: [الظاهر كراهة الثالث خصوصا في جنازة غير المؤمن].
ج- لم يذكر لنا علة كراهة المشي أمام جنازة غير الإمامي -أموات أهل السنة- وقد حاولت معرفة العلة في ذلك، وبعد البحث وجدت أحد أعلامهم وهو الشهيد الثاني يذكرها وهي لكون ملائكة العذاب تستقبل جنازة المخالف من الأَمام، فقال: [وأوجب التأخر لرواية أبى بصير عن الصادق عليه السلام بمنع المشى أمام جنازة المخالف لاستقبال ملائكة العذاب](2).
__________
(1) كتاب الطهارة - السيد الخوئي ج8 ص452-453.
(2) روض الجنان- للشهيد الثاني محمد جمال الدين مكي العاملي ص314.(199/31)
د- رأيت من تمام الفائدة أن يقف القارئ على نص رواية أبي بصير عن الصادق التي أشار إليها شهيدهم الثاني وهي: [محمد بن الحسن بإسناده عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن الحسين، عن وهيب بن حفص، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) كيف أصنع إذا خرجت مع الجنازة؟ أمشي أمامها أو خلفها أو عن يمينها أو عن شمالها ؟ فقال: إن كان مخالفا فلا تمش أمامه، فإن ملائكة العذاب يستقبلونه بأنواع العذاب](1).
فهو يحكم -كعادته في القسوة- لأموات أهل السنة بمصير مشؤوم وهو استقبالهم بملائكة العذاب، فلم يترك لهم أي أمل برحمة الله الواسعة لجميع الخلائق، بل جزم بهلاكهم وعذابهم ولذا حكم بكراهة المشي أمام جنازتهم.
فهذه حقيقة موقف الخوئي من أهل السنة والذي صرح فيه بالحقد واللعن والعداء من غير مداراة ولا تقية من خلال مباحثه الفقهية والتي كان أغلبها دروساً يلقيها على طلبته في الحوزة العلمية تقدر أعدادهم بالمئات أو الآلاف ليرثوا عنه هذا الحقد وينشروه بين أبناء جلدتهم من العوام والمثقفين، لتتأكد الحقيقة المرة وهي عدم إمكانية التقارب والإخاء مع من يلعننا ويرفض التآخي معنا، اللهم هل بلغت اللهم فاشهد.
الفصل الحادي عشر
ما هو الذنب العظيم الذي يلعن بسببه أهل السنة هكذا ؟!
بعد أن وقفنا على قسوة الخوئي في لعنه وتكفيره لأهل السنة أحياءً وأمواتاً، نريد في هذه الخاتمة أن نعرف السبب الذي لأجله استحق أهل السنة عندهم كل هذا اللعن والتكفير، وبعبارة أخرى ما هو الذنب الكبير والجرم العظيم الذي ارتكبه أهل السنة كي يُصَبَّ عليهم اللعن والتكفير صبّاً؟!!!
__________
(1) وسائل الشيعة (آل البيت)- الحر العاملي ج3 ص150-151، باب (جواز المشي قدام الجنازة على كراهية مع عدم التقية وتتأكد في جنازة المخالف) الحديث رقم (5).(199/32)
والجواب هو أن الذنب الوحيد الذي اقترفه أهل السنة واستحقوا به كل هذه النعوت والأوصاف هو أنهم خالفوا الشيعة الإمامية في مسألة الإمامة -أو مسألة الولاية كما يحلو لهم أن يسموها- فلم يعتقدوها كما يعتقدها الإمامية، وخير دليل على ذلك هو كلام الخوئي نفسه وغيره من علمائهم فإن مداره حول الولاية فمن اعتقدها صار مؤمناً واستحق أوصاف المؤمنين وأحكامهم ومن خالفها وُصِمَ بالمخالف وتَنَزَّلت عليه أحكام المخالفين وأوصافهم ، كما تبين ذلك بجلاء في هذه الدراسة من الوقوف على معنى مصطلحي المؤمن والمخالف، فميزان الحب والبغض والإيمان والكفر هو مسألة الإمامة والولاية، فيقول محدثهم يوسف البحراني مصرحاً بهذه الحقيقة: [ولا ريب ان مراد ابن ادريس بالحق (أي المخالف للحق) الذي صرح بنجاسة من لم يعتقده إنما هو الولاية كما سيأتيك بيانه ان شاء الله تعالى في الأخبار فإنها معيار الكفر والإيمان في هذا المضمار](1).
ولكن ما هي الولاية التي يعتقدها الشيعة الإمامية في أئمتهم والتي خالفهم فيها أهل السنة، لأن الولاية اذا أُطلِقَت فهي محتملة لمعنيين لابد من معرفتها لكي نقف بدقة على نقطة الخلاف حتى لا يُظْلَم أهل السنة ويُتَّهَموا بما ليس فيهم. واليك بيان هذين المعنيين وكما يلي:
أولاً: بمعنى محبة الأئمة من أهل البيت(2)
__________
(1) الحدائق الناضرة ج5 ص179.
(2) وهو المعنى المتبادر للذهن أول مرة .(199/33)
فلا شك بأنهم لم يخالفوا الإمامية في محبة أهل البيت النبوي بل هم والله يحبونهم حباً شديداً ويتقربون إلى الله تعالى بهذه المحبة لأنها عندهم من الطاعات التي أمرنا الشرع الحكيم بها فقد روى الإمام مسلم في صحيحه: [عن عدى بن ثابت عن زر قال قال علي و الذي فلق الحبة وبرأ النسمة انه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إليَّ ان لا يحبنى الا مؤمن ولا يبغضني الا منافق](1)، ولنترك ما سطره أئمة أهل السنة من حب وفضائل الأئمة، ونقف على تصريحات أبرز مراجع الإمامية الذين اعترفوا بمحبة أهل السنة للأئمة، ومنهم:
1- يقول آيتهم العظمى أبو القاسم الخوئي: [لان الضروري(2) من الولاية إنما هي الولاية بمعنى الحب والولاء، وهم(3) غير منكرين لها - بهذا المعنى - بل قد يظهرون حبهم لأهل البيت عليهم السلام…](4).
2- يقول آيتهم العظمى محمد رضا الگلپايگاني: [حيث ان أهل السنة ايضا على كثرتهم وتفرقهم واختلاف نحلهم وآرائهم - الا الخوارج والنواصب - معترفون(5) بعظمة مقام على عليه السلام وعلو شأنه ورفعة مناره وكونه من العشرة المبشرة بل هو عند بعضهم أفضل أصحاب الرسول وأعلمهم](6).
__________
(1) صحيح مسلم - مسلم النيسابوري ج1 ص61.
(2) ومقصد الخوئي بالضروري وهو ما يجب على كل مسلم أن يعتقده من معنيي الولاية ويقصد معنى محبة اهل البيت فهو واجب وضروري وأعترف بأن موجود عند أهل السنة وتحقق فيهم .
(3) مرادهم بقوله(وهم) المخالفين أي أهل السنة، لأن المبحث كله خصصه لموضوع كفر المخالفين وطهارتهم بين النفي والإثبات.
(4) كتاب الطهارة - السيد الخوئي ج 2 ص86.
(5) وهذه شهادة منصف بأن أهل السنة معترفون بفضل علي وعلو شأنه ومحبون له وكذلك اعترف الخوئي قبل هذا القول بأن أهل السنة يظهرون المحبة لأهل البيت فالحمد لله الذي أنطق مخالفينا بالحق المبين.
(6) نتائج الأفكار، الأول- السيد الگلپايگاني ص176.(199/34)
3- وهنا سنذكر واقعة حقيقية تُعَدُّ في غاية الأهمية ويجب على كل منصف محب للحق أن يتدبرها لأنها تنصف أهل السنة في بلاد الحرمين ـ السلفيين ـ وتعرض موقفهم ومحبتهم للأئمة وتقديرهم لهم ولتسقط بذلك كل تهمة وجهت إليهم كذباً وزوراً بأنهم نواصب يبغضون الأئمة ولا يعترفون بعلو مكانتهم فضلاً عن محبتهم لهم، فهذه الواقعة تثبت بأن السلفيين في بلاد الحرمين يقرون ويعترفون بالولاية لأهل البيت بمعنى محبتهم من خلال إعترافهم بأن علياً بن أبي طالب هو من أولياء الله الصالحين فهم يعتقدون بهذه المقولة (أشهد أن علياً ولي الله) إلا أنهم يعترضون فقط على إدخالها في آذان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ لم تكن موجودة في عهده - صلى الله عليه وسلم - بل أضيفت بعد عصره، وهذه الواقعة التي تبرئ السلفيين ليست من نسج الخيال بل عاش أحداثها ورواها لنا مرجع من أكبر مراجعهم وآية من آياتهم العظمى في المذهب وهو زعيم الحوزة في وقته السيد محمد رضا الگلپايگاني ـ المتوفي عام 1994هـ ـ حيث يقول: [وقد وقعت - في المرة الأولى من تشرفي بحج بيت الله الحرام - قضية لطيفه يناسب ذكرها في المقام وهى انه: عندما تشرفنا بالمدينة الطيبة لزيارة قبر النبي الأقدس وقبور الأئمة عليهم السلام فقد سمحت بنا الظروف وساعدنا الامر فكنا نصلى بالناس جماعة في مسجد النبي صلى الله عليه وآله واذن مؤذننا واجهر بشهادة الولاية فأفضى المخبر الدولي هذه القضية إلى قاضى القضاة واخبره ان مؤذن جماعة الشيعة قال في اذانه: اشهد ان عليا ولى الله، ولكن القاضى اجابه: وانا ايضا أقول: اشهد ان عليا وليا لله افهل انت تقول اشهد ان عليا عدو الله؟ فاجابه بقوله: لا والله وأنا ايضا أقول: انه ولى الله وعلى الجملة فقاضيهم ايضا قد صرح بأننا نقول انه ولى الله غاية الامر انا لا نقول به في الاذان، وبذلك قضى على الأمر وأطفئت نائرة الفتنة](1)
__________
(1) نتائج الأفكار، الأول- السيد الگلپايگاني ص243-244.(199/35)
.
فهذه الشهادة من علمائهم بأن أهل السنة لا يخالفون الإمامية في الولاية بمعنى المحبة لأهل البيت لأنهم يحبونهم ويجلونهم ويوقروهم ويشهدون لهم بالفضل والإيمان والولاية في الدين.
ولكن وما أدراك ما لكن، فبالرغم من هذا الاعتراف من قبل مراجعهم بمحبة أهل السنة لأهل البيت، إلا أن هذا لم يخفف من هجمة الإمامية القاسية علينا، ولم تشفع لنا في مذهبهم، لأن مصيرنا عندهم ثابت لاشك فيه وهو الخلود في نار الجحيم كما نقلنا اتفاقهم على ذلك في أكثر من موضع من هذه الدراسة.
ثانياً: بمعنى حصر الخلافة في الأئمة
أن الذي يعتقده الإمامية في قضية الخلافة والإمامة هو أن منصب الخلافة بعد النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - يكون من حق الأئمة الاثنى عشر(1) حقاً خالصاً محصوراً فيهم ليس لغيرهم حق فيه ابداً مهما بلغت درجته من التقوى والإيمان، فالذي يثبت إمامة الاثنى عشر فقط لا يُعَدُّ أماميا حتى ينفيها عن غيرهم ممن تقلد منصب الخلافة، فيقول في ذلك محدثهم نعمة الله الجزائري: [فمن قال أن علياً إمام ولم ينفِ إمامة من ادعاها ونازعه عليها وغصبها فليس بمؤمن عند أهل البيت ع](2).
فالخلاف اذاً بين أهل السنة و الإمامية يكون حول هذه النقطة وهي حصر منصب الخلافة في الأئمة ومنعه عن غيرهم، والتي لابد من بيانها بدقة وكما يلي:
إن أهل السنة لا يختلفون مع الإمامية في جدارة أهل البيت واستحقاقهم للخلافة، إلا أنهم يخالفونهم في حصر الاستحقاق والجدارة فيهم ومنع اثباتهما -أي الاستحقاق والجدارة- لغيرهم من الصحابة - رضي الله عنه - .
__________
(1) وقد سبق المقصود بالأئمة الاثنى عشر .
(2) الأنوار النعمانية ج2 ص279.(199/36)
ومعنى ذلك هو ان أهل السنة لا يختلفون مع الإمامية في استحقاق أهل البيت للإمامة من حيث النفي والإثبات، لأنهما متفقان على استحقاقهم لها وجدارتهم بها وكونهم أهلاً لها، فهما متفقان على ان الخلافة تليق بهم وهم يليقون بها، فكل هذا يقره ويعتقده أهل السنة بيقين ـ كما يعتقدون بصحة خلافة علي وأهليته وجدارته بها ـ ولا يخالفون فيه الإمامية أبداً، إلا أن نقطة الخلاف تكمن في سؤال هو: هل أن هناك جمع من الصحابة ـ إلى جانب أهل البيت ـ يليقون لمنصب الخلافة مؤهلون لها ممن عُرفوا بالإيمان والتقوى والهجرة والجهاد وخدموا الإسلام ونصروه بأموالهم وأنفسهم كأبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم من كبار الصحابة والسابقين للإسلام أم أنها ممنوعةٌ عنهم لأن لياقتها محصورة في أهل البيت فقط؟
فهنا موطن الخلاف مع الإمامية، إذ يرى أهل السنة أهلية هؤلاء الصحابة وجدارتهم لمنصب الخلافة كجدارة علي - رضي الله عنه - وأهليته لها، بينما لا يرى الإمامية في الصحابة أحداً جديراً بها وأهلاً لها غير أهل البيت.
فتأمل نقطة الخلاف جيداً لأنها دقيقة:-
- إذ فيها تُبَرَّأ ساحة أهل السنة لاعتقادهم أهلية أهل البيت وجدارتهم لمنصب الخلافة - كما يعتقدون ذلك في صحة خلافة علي - رضي الله عنه - وجدارته لها - لأنهم المؤمنون الصادقون المجاهدون الذين لهم فضل الإسلام والقربى من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.(199/37)
- وبالمقابل تبقى ساحة الإمامية متهمة وغير مُبَرَّأة وذلك لنفيها استحقاق كبار صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبالتحديد أبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنه - لمنصب الخلافة(1) مع أنهم من السابقين للإسلام والناصرين له بأموالهم وأنفسهم وكانوا أحب وأقرب الصحابة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أنه صاهرهم وصاهروه(2) وقد رضي الله عنهم بصريح القرآن الكريم وأخبرنا بأنهم في الجنة في عدة آيات كقوله تعالى: { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } (التوبة:100).
وقد ذكرت هذه الحقيقة المهمة لأن الكثير من أهل السنة لا يعرفون حقيقة الخلاف مع الإمامية في موضوع الخلافة بهذه الصورة الدقيقة، لذا تراهم مشتتين في كلامهم وبحوثهم بعيدين عن النقطة الجوهرية في الخلاف والمتمثلة باستحقاق أبي بكر وعمر وعثمان لمنصب الخلافة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
__________
(1) فيقول علامتهم العاملي البياضي مثبتاً عقيدتهم في ذلك: [فهذه نبذة من مخازي الثلاثة متخرجة… تدل بأدنى فكر على عدم استحقاقهم الخلافة]، ينظر الصراط المستقيم (3/38).
(2) فهذا عثمان - رضي الله عنه - قد تزوج بنتا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو شرفٌ لم ينله أحدٌ من الصحابة غيره ولذا لُقِّب بذي النورين لابنتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، واما أبو بكر فقد تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابنته عائشة، وأما عمر فقد تزوج رسول الله ابنته حفصة رضي الله عنهم أجمعين، وهو بدوره -أي عمر- رضي الله عنه -- قد تزوج من أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - .(199/38)
وبعد أن وقفنا على نقطة الخلاف ظهر لنا بجلاء ما هو ذنب أهل السنة الذي لعنهم الإمامية وكفروهم لأجله وهو تجويزهم منصب الخلافة لغير الأئمة ممن عُرِفوا بالإيمان والهجرة ونصرة الدين أمثال أبي بكر وعمر وعثمان، واعتقادهم انها خلافة شرعية مرضية عند الله ورسوله.
وهنا أستحلف القراء الكرام وكل عقلاء الدنيا ومنصفيها بالله العظيم هل يستحق أهل السنة كل هذا التكفير واللعن ـ الأحياء منهم والأموات ـ لاعتقادهم بصحة خلافة غير الأئمة الاثنى عشر، بل والله ما أراه إلا البغي والعدوان من الإمامية على أهل السنة، إذ حتى لو سلمنا لهم بخطأهم في هذا الاعتقاد فهل يستحقون الخلود في نار الجحيم يوم القيامة، فيكون حكمهم وعقوبتهم كمن كفر بالله ورسوله فلم يؤمن بالله طرفة عين، ولم يؤمن بالإسلام مطلقاً من الوثنيين كالهندوز والسيخ والبوذيين، لأن مصير هؤلاء الكفرة الوثنيين معلوم لجميع المسلمين وهو الخلود في نار الجحيم، و الإمامية قد اعترفوا ومنهم الخوئي بأن أهل السنة كفار في الآخرة مخلدون في النار كما تقدم، فاتقوا الله في أهل السنة وكونوا منصفين معهم يا علماء الإمامية، لأنكم ستسألون يوم القيامة عن هذا الحكم الجائر وأذكركم بقول الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } ( ق: 18 ) .
الخاتمة
تناقض الخوئي ومخالفته لحكم العقل والشرع
وهذه مفارقة عجيبة بل مبكية والله العظيم وهي أن الخوئي قد أظهر معتقده تجاه أهل السنة بكل حزم وجرأة رغم كونه مليء بلعنهم وتكفيرهم وغيبتهم وسبهم وتخليدهم في نار الجحيم ـ كما تبين في فصول هذه الدراسة ـ وكل ذنبهم في نظر الخوئي هو أنهم خالفوه في معتقده بالإمامة ولذا سماهم المخالفين كما بينا في الفصل السابق.(199/39)
وبالرغم من كونهم لا يستحقون كل هذه القسوة والتخليد بالنار لأنهم مؤمنون بالله ورسوله واليوم الآخر ويصلون ويصومون، ومع هذا حكم عليهم بكل القسوة المتقدمة، نجده بالمقابل يقلب كل الموازين ويلغي كل أحكام العقل والشريعة والتي تفرض عليه أن يتخذ موقفاً قاسياً وشديداً تجاه من يعتقد بتحريف القرآن ونقصه من علماء الإمامية أمثال محمد باقر المجلسي(1) الذي يستحق التكفير واللعن والتخليد في النار أكثر بكثير مما يستحقه أهل السنة(2)، لأن ذنب اعتقاد تحريف القرآن أعظم وأشد
__________
(1) وهو من أبرز علماء الإمامية الذين اعتقدوا وصرحوا بتحريف القرآن ونقصه وهو صاحب بحار الأنوار ومرآة العقول في شرح الكافي، حيث صرح بكل جرأة ووضوح بعقيدته في تحريف القرآن ونقصه بل وأظهر صلابة شديدة وتمسكاً قوياً في ذلك بحيث لم يستطع أحد أن يثنيَه عنها حتى وصلت به الجرأة إلى أن هاجم من لم يوافقه من علماء الشيعة أنفسهم وعدَّهم مخطئين في نفيهم لتحريف القرآن، واليك تصريحه وذلك في معرض شرحه لحديث ورد في اصول الكافي وهو: (عن هشام بن سالم عن أبي عبدالله - عليه السلام - قال:إن القرآن الذي جاء به جبرائيل - عليه السلام - على محمد - صلى الله عليه وسلم - سبعة عشر ألف آية)، فقال عنه : [موثق وفي بعض النسخ عن هشام إبن سالم موضع هارون إبن سالم، فالخبر صحيح، ولا يخفى إن هذا الخبر وكثير من الأخبار الصحيحة صريحة في نقص القرآن وتغييره، وعندي إن الأخبار في هذا الباب متواترةٌ معنى، وطرح جميعها يوجب رفع الاعتماد عن الأخبار رأساً، بل ظني إن الأخبار في هذا الباب لا يقصر عن أخبار الأمامة فكيف يثبتونها بالخبر] [ مرآة العقول للمجلسي ج12 ص525 ].
(2) ونحن هنا نتكلم بلسان الإمامية الذين يوجبون لأهل السنة اللعن والسب والخلود في النار وإلا فلسان النقل والعقل يوجبه لغيرنا ممن سخف عقله وركن الى غير ما أنزل الله تعالى وجاء به رسوله - صلى الله عليه وسلم - .(199/40)
أضعافاً مضاعفة من (ذنب!) مخالفة عقيدة الإمامة باعتراف كل عقلاء العالم فضلاً عن المسلمين، ومع هذا فإن الخوئي سكت عن تكفيره ولعنه وهذه تُعَدُّ جناية عظيمة يرتكبها بحق القرآن وأدنى الذنوب في حقه هو عدم تعظيمه للقرآن وعدم ثورته وهجومه على من يطعن به ويعتقد تحريفه وهي جريمة عظمى يرتكبها الخوئي بحق كتاب الله تعالى وسيحاسب عليها حساباً عسيراً في سكوته وعدم هجومه على القائلين بالتحريف، فكيف سيكون جرمه وعِظَمُ ذنبه اذا علمنا انه لم يسكت فقط عن لعنه وتكفيره، بل وفوق هذا أثنى عليه ومدحه بأزكى عبارات المدح والثناء ودعا له بالرحمة، ونترك الحكم للقارئ يتصور فداحة الذنب وبشاعة الفعل الذي جناه الخوئي.
ولعل بعض القراء ينكر ثناء الخوئي على القائلين بالتحريف، فنهدي إليه بعض نصوصه في الثناء عليهم وكما يلي:
ثناؤه على محمد باقر المجلسي :
1-ان الخوئي قد ترجم له بقوله: [9940 - محمد باقر بن محمد تقي: قال الشيخ الحر في تذكرة المتبحرين (733): " مولانا الجليل محمد باقر ابن مولانا محمد تقي المجلسي: عالم، فاضل، ماهر، محقق، مدقق، علامة، فهامة، فقيه، متكلم، محدث، ثقة ثقة، جامع للمحاسن والفضائل، جليل القدر، عظيم الشأن، أطال الله بقاءه. له مؤلفات كثيرة مفيدة، منها: كتاب بحار الأنوار في أخبار الأئمة الأطهار، يجمع أحاديث كتب الحديث كلها، إلا الكتب الأربعة.(199/41)
وقال الاردبيلي في جامعه: "محمد باقر بن محمد تقي بن المقصود علي، الملقب بالمجلسي مد ظله العالي: أستاذنا وشيخنا، وشيخ الإسلام والمسلمين، خاتم المجتهدين، الإمام العلامة، المحقق المدقق، جليل القدر، عظيم الشأن، رفيع المنزلة، وحيد عصره، فريد دهره، ثقة، ثبت، عين، كثير العلم، جيد التصانيف، وأمره في علو قدره، وعظم شأنه، وسمو رتبه، وتبحره في العلوم العقلية والنقلية، ودقة نظره، وإصابة رأيه، وثقته وأمانته، وعدالته أشهر من أن يذكر، وفوق ما يحوم حوله العبارة، وبلغ فيضة وفيض والده رحمه الله تعالى دينا ودنيا لاكثر الناس من العوام والخواص، جزاه الله تعالى أفضل جزاء المحسنين، له كتب نفيسة جيدة، قد أجازني دام بقاؤه وتأييده أن أروي عنه جميعها،منها: كتاب بحار الأنوار المشتمل على جل أخبار الأئمة الأطهار وشرحها](1).
2-وقال عنه الخوئي ايضاً في مواضع متفرقة من كتابه (معجم رجال الحديث) عند ورود ذكره، بما يلي:
أ- قال: [مولانا محمد باقر المجلسي]، ج19 ص92.
ب- قال: [ماذكره الفاضل المجلسي]، ج1 ص278.
ج- قال: [المجلسي قدس سره]، ج20 ص93.
قال: [ومال الى ذلك شيخنا المجلسي قدس الله روحه]، ج19 ص106.
هـ-قال: [ذكر المجلسي قدس الله نفسه في المرآة]، ج11 ص231.
و-قال: [ماذكره المجلسي رحمه الله في المرآة]، ج5 ص37.
فانظر إلى ثورته وتكفيره له من اجل عظمة القرآن في قلبه، إذ كَفَّره بقوله [رحمه الله، قدس الله روحه، قدس الله نفسه، ثقة ثقة، جامع للمحاسن والفضائل، جليل القدر، عظيم الشأن، أطال الله بقاءه، أستاذنا وشيخنا، وشيخ الإسلام والمسلمين، خاتم المجتهدين، الإمام العلامة، المحقق المدقق، جليل القدر، عظيم الشأن، رفيع المنزلة] !!!
__________
(1) ينظر معجم رجال الحديث - السيد الخوئي ج15 ص221.(199/42)
فلينظر القراء بعين الإنصاف كيف أعرض الخوئي عن حكم العقل والشرع وضرب به عرض الحائط لأنه يتضمن تكفير ولعن علماء طائفته وتخليدهم بالنار، في حين لم يتردد لحظة في لعن وتكفير أهل السنة وتخليدهم في النار بل أعلن ذلك وكرره بكل صراحة وجرأة كما وقفنا على نصوصه في ذلك، وما هذا إلا الجور والتعصب وعدم الإنصاف في إطلاقه للأحكام، ولن يسامحه أهل السنة ولا العقلاء ولا التاريخ على جنايته هذه ابداً.
ولا ادري يقيناً ما هي عقوبة الخوئي يوم القيامة بثنائه على عدو القرآن، ولكن ندعوا له صادقين أن يحشره الله مع المجلسي والمرء يحشر مع من احب(1).
ومعلوم لكل المسلمين - جهلتهم قبل علمائهم - أين مصير الذي يعتقد وقوع التحريف في القرآن الكريم الذي تعهد الله تعالى بحفظه وصيانته، إذ أقولها بعقيدة ثابتة وراسخة لن يشمَّ ريح الجنة فضلاً عن أن يدخلها.
وختاماً لا نملك إزاء هذه المصيبة والجور على أهل السنة إلا أن نقول كما علمنا الله تعالى في محكم كتابه بقوله عزّ وجل: { الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } (البقرة:156-157).
فإنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرنا في مصيبتنا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا.
وصلى الله وسلم وبارك
على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
مصادر الشيعة الإمامية
1. إرشاد السائل فتاوى للمرجع الدينى الأعلى آية الله العظمى السيد محمد رضا الموسوي الگلپايگاني دار الصفوة بيروت - لبنان الطبعة الأولى 1413 ه1993.
__________
(1) ونفس هذا المصير ينتظر مرجعهم علي الميلاني الذي صرح بعدم جواز الطعن فيمن يعتقد بتحريف القرآن ـ والذي ذكرنا أقواله في الدراسة الأصلية فلتراجع ـ فهو لن يحشر مع القرآن يوم القيامة، بل يحشر مع أعداء القرآن من المجلسي ومن اعتقد بمعتقده.(199/43)
الأصول من الكافي تأليف ثقة الإسلام أبى جعفر محمد بن يعقوب بن اسحاق الكليني الرازي- صححه وعلق عليه على اكبر الغفاري- الناشر دار الكتب الإسلامية مرتضى آخوندى تهران- بازار سلطاني- الطبعة الثالثة (1388).
الأنوار النعمانية- السيد نعمة الجزائري- مطبعة شركت بنجاب- تبريز- ايران.
تحرير الوسيلة- روح الله الموسوي الخميني طبعه الآداب في النجف الاشرف الطبعة الثانية مطبعة الآداب - النجف الاشرف 1390 .
5. التنقيح في شرح العروة الوثقى تقريرا لبحث آية الله العظمى السيد أبو القاسم الموسوي الخوئى دام ظله. المؤلف: العلامه الميرزا على الغروى التبريزي الناشر: دار الهادى للمطبوعات قم الطبعة: الثالثة ذي حجة 1410 هـ.
تهذيب الاحكام- شيخ الطائفة الطوسي- دار الكتب الاسلامية- الطبعة الرابعة.
جواهر الكلام " في شرح شرائع الإسلام " تأليف شيخ الفقهاء وإمام المحققين الشيخ محمد حسن النجفي حققه وعلق عليه الشيخ عباس القوچاني تاريخ انتشار: پائيز 1367 دار الكتب الإسلامية: تهران، بازار سلطاني.
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة تأليف العالم البارع الفقيه المحدث الشيخ يوسف البحراني قام بنشره الشيخ على الاخوندى مؤسسة النشر الإسلامي (التابعة) لجماعة المدرسين. بقم المشرفة (إيران).
رسائل المحقق الكركي - المجموعة الأولى * المؤلف: المحقق الثاني الشيخ علي بن الحسين الكركي * تحقيق: الشيخ محمد الحسون * الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي قم * الطبع: مطبعة الخيام قم * الطبعة: الأولى * التاريخ: 1409هـ. ق.
10. روض الجنان- الشهيد الثاني- الناشر مؤسسة آل البيت- الطبعة الحجرية 1404هـ.
الشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب- يوسف البحراني- تحقيق السيد مهدي الرجائي- الطبعة الاولى 1419هـ- قم- ايران.(199/44)
12.الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم تأليف العلامة المتكلم الشيخ زين الدين أبي محمد على بن يونس العاملي النباطي البياضي المتوفى 877 صححه وحققه وعلق عليه محمد الباقر البهبودي الجزء الأول عنيت نبشره- المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية حقوق الطبع بهذه الصورة محفوظة الطبعة الأولى-1384.
13. صراط النجاة استفتاءات لآية الله العظمى الخوئي (قدس سره) مع تعليقة وملحق لاية الله العظمى التبريزي (دام ظله الوارف) الناشر: دفتر نشر برگزيده المطبعة: سلمان الفارسي الطبعة: الأولى في الجمهورية الإسلامية الإيرانية جمادي الأول 1416هـ.
العروة الوثقى لآية الله العظمى السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي- تعليق: عدة من الفقهاء العظام قدس سرهم- الطبعة: الأولى- التاريخ: 1417 هـ- مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.
عيون أخبار الرضا للشيخ الأقدم والمحدث الأكبر أبي جعفر الصدوق محمد بن على بن الحسين بن بابويه القمى قده المتوفى سنه 381 صححه وقدم له وعلق عليه العلامة الشيخ حسين الاعلمي الجزء الأول منشورات مؤسسة الاعلمي للمطبوعات بيروت - لبنان- الطبعة الأولى 1404هـ.
كتاب الصلاة- التنقيح في شرح العروة الوثقى تقريرا لبحث آية الله العظمى السيد أبو القاسم الموسوي الخوئى دام ظله المؤلف: العلامة الميرزا على الغروى التبريزي الناشر: دار الهادى للمطبوعات قم الطبعة: الثالثة ذي حجة 1410 هجري المطبعة: صدر قم.
اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد: محمد بن جمال الدين مكي العاملي (الشهيد الأول) قدس سره الطبعة الثانية منقحة ومزيدة بتحقيقات واسعة بتحقيق وتعليق السيد محمد كلانتر أول ناشر: انتشارات داورى- قم الطبعة الثانية- 1398.(199/45)
مدارك الاحكام في شرح شرائع الاسلام - السيد محمد بن على الموسوي العاملي. تحقيق: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام لاحياء التراث - مشهد المقدسة الطبعة: الاولى - محرم 1410 هـ. المطبعة: مهر – قم.
مستمسك العروة الوثقى تأليف فقيه العصر آية الله العظمى السيد محسن الطباطبائي الحكيم الطبعة الرابعة مطبعة الآداب - النجف الاشرف.
مصباح الاصول- تقريرات السيد الخوئي للسيد محمد سرور واعظ الحسيني البهسودي- المطبعة العلمية- قم- الطبعة الخامسة 1417هـ.
مصباح الفقاهة من تقرير بحث الاستاذ الاكبر آية الله العظمى الحاج السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي دامت افاضاته لمؤلفه الميرزا محمد علي التوحيدي التبريزي الجزء الاول المطبعة الحيدرية النجف 1374 هـ- 1954م.
معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة للامام الاكبر زعيم الحوزات العلمية السيد ابو القاسم الموسوي الخوئى قدس سره الشريف- الطبعة الخامسة طبعة منقحة ومزيدة السنة 1413 هـ- 1992م.
مفتاح الكرامة- الفقيه المتتبع السيد محمد جواد العاملي قدس سره تحقيق: الشيخ محمد باقر الخالصي طبع ونشر: الفقه الطبعة: الأولى التاريخ: 1419 هـ.ق. مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.
المكاسب المحرمة المؤلف: الامام الخمينى قدس سره الشريف الناشر: مؤسسه اسماعيليان: قم الطبعة: الثالثه تاريخ النشر: 1410 هجري.
منهاج الصالحين- السيد الخوئي- الطبعة الثامنة والعشرين- المطبعة مهر- قم.
منهاج الصالحين- السيد علي السيستاني- الطبعة الأولى 1416هـ- المطبعة ستاره- قم.
نتائج الأفكار في نجاسة الكفار تقرير أبحاث سماحة آية الله العظمى زعيم الحوزة العلمية الحاج السيد محمد رضا الگلپايگاني مد ظله بقلم سماحة الحجة الشيخ علي الكريمي الجهرمي دار القرآن الكريم الطبعة الأولى التاريخ: غره محرم الحرام 1413 هـ.ق.(199/46)
هداية العباد فتاوي سماحة المرجع الديني الاعلى آية الله العظمى السيد محمد رضا الموسوي الگلپايگاني مد ظله الناشر: دار القرآن الكريم الطبعة: الأولى التاريخ: جمادى الاولى 1413 قم المشرفة - إيران.
وسائل الشيعة- الحر العاملي- الطبعة الإسلامية- تحقيق الشيخ عبدالرحيم الرباني الشيرازي- الناشر دار إحياء التراث العربي- بيروت.
وسائل الشيعة- الحر العاملي- تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت لأحياء التراث- الطبعة الثانية 1404هـ، المطبعة قم مهر.
مصادر أهل السنة
1. صحيح البخاري الامام أبي عبد الله محمد بن اسماعيل بن ابراهيم ابن المغيرة بن بردزبة البخاري الجعفي، للناشر 1401 هـ- 1981م، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج النيسابوري، دار الفكر- بيروت.(199/47)
هذه نصيحتي إلى كل شيعي
تأليف فضيلة الشيخ أبي بكر جابر الجزائري
الإهداء
إلي كل شيعي حر الضمير والفكر محب للحق والخير يرغب في العلم والمعرفة.أهدي هذه الكلمة القصيرة ، ولا آمل منه أكثر من أن يقرأها ، معتقدا أني قدمت له فيها نصيحة كما اعتقدت أنا ذلك.والسلام،،،الجزائري
مقدمه
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله والحمد لله ، والصلاة والسلام علي رسول الله نبينا محمد وآله وصحبه .
وبعد:
فإني كنت- والحق يقال- لا اعرف عن شيعة آل البيت إلا أنهم جماعة من المسلمين يغالون في حب آل البيت، وينتصرون لهم ، وأنهم يخالفون أهل السنة في الفروع الشرعية بتأويلات قريبة أو بعيدة ولذلك كنت امتعض كثيرا بل أتألم لتفسيق بعض الإخوان لهم ، ورميهم أحيانا بما يخرجهم من دائرة الإسلام غير أن الأمر لم يدم طويلا حتى أشار علي أحد الإخوان بالنظر في كتاب لهذه الجماعة لاستخلاص الحكم الصحيح عليها ووقع الاختيار علي كتاب الكافي وهو عمدة القوم في إثبات مذهبهم وطالعته وخرجت منه بحقائق علمية جعلتني أعذر من كان يخطئني في عطفي علي القوم وينكر علي ميلي إلي مداراتهم رجاء زوال بعض الجفوة التي لاشك في وجودها بين أهل السنة وهذه الفئة التي تنتسب إلي الإسلام بحق أو بباطل وها أنا ذا أورد تلك الحقائق المستخلصة من أهم كتاب تعتمد عليه الشيعة في إ ثبات مذهبها وإني لأهيب بكل شيعي أن يتأمل هذه الحقائق بإخلاص وإنصاف وأن يصدر حكمه بعد ذلك علي مذهبه وعلي نسبته إليه فإن كان الحكم قاضيا بصحة هذا المذهب وسلامة النسبة إليه أقام الشيعي علي مذهبه واستمر عليه وإن كان الحكم قاضيا ببطلان المذهب وفساده وقبح النسبة إليه وجب علي كل شيعي نصحا لنفسه وطلبا لمنجاتها أن يتركه ويتبرأ منه وليسعه ما وسع ملايين المسلمين كتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم.(200/1)
كما أنني أعيذ بالله تعالي كل مسلم يتبين له الحق ثم يصر علي الباطل جمودا وتقليدا أو عصبية شعوبية أو حفاظا علي منفعة دنيوية فيعيش غاشا لنفسه سالكا معها مسلك النفاق والخداع فتنة لأولاده وإخوانه ولأجيال تأتي من بعده يصرفهم عن الحق بباطلة ويبعدهم عن السنة ببدعته وعن الإسلام الصحيح بمذهبه القبيح.
وهاك أيها الشيعي هذه الحقائق العلمية التي هي أصل مذهبك وقواعد نحلتك كما وضعتها لك ولأجيال خلت من قبلك يد الإجرام الماكرة ونفوس الشر الفاجرة لتبعدك وقومك عن الإسلام باسم الإسلام وعن الحق باسم الحق . هكها يا شيعي سبعا من الحقائق تضمنها كتاب الكافي الذي هو عمدة مذهبك ومصدر شيعتك فأجل فيها النظر وأعمل فيها الفكر وأسأل الله تعالي أن يريك فيها الحق وأن يعينك علي انتحاله ويقدرك علي احتماله إنه لا إله إلا هو ولا قادر إلا سواه.
الحقيقة الأولي
استغناء آل البيت عن القران الكريم بما عند آل البيت من الكتب الإلهية الأولى هي التوراة والإنجيل!(200/2)
إن الذي يثبت هذه الحقيقة ويؤكدها ويلزمك أيها الشيعي بها : هو ما جاء في كتاب الكافي ج1 كتاب الحجة ص 207 ومن قول مؤلفه [ باب إن الأئمة عليهم السلام عندهم جميع الكتب التي نزلت من الله عز وجل وأنهم يعرفونها كلها علي اختلاف ألسنتها ] مستدلا علي ذلك بحديثين يرفعهما إلي أبي عبد الله وأنه كان يقرأ الإنجيل والتوراة والزبور بالسريانية. وقصد المؤلف من وراء هذا معروف وهو أن آل البيت وشيعتهم تبع لهم يمكنهم الاستغناء عن القرآن الكريم بما يعلمون من كتب الأولين . وهذه خطوة عظيمة في فصل الشيعة عن الإسلام والمسلمين إذ ما من شك في أن من اعتقد الاستغناء عن القرآن الكريم بأي وجه من الوجوه فقد خرج من الإسلام وانسلخ من جماعة المسلمين أليس من الرغبة عن القرآن الذي يربط الأمة الإسلامية بعقائده وأحكامه وآدابه فيجعلها أمة واحدة ؟ أليس من الرغبة عنه دراسة الكتب المحرفة المنسوخة والعناية بها والعمل بما فيها ؟!
وهل الرغبة عن القرآن لا تعد مروقا من الإسلام وكفرا ؟ وكيف تجوز قراءة تلك الكتب المنسوخة المحرفة والرسول صلي الله عليه وسلم يري عمر بن الخطاب رضى الله عنه وفي يده ورقه من التوراة فينتهره قائلا : ألم آتكم بها بيضاء نقيه ؟!
إذا كان الرسول صلي الله عليه وسلم لم يرض لعمر مجرد النظر في تلك الورقة من التوراة
فهل يعقل أن أحدا من آل البيت الطاهرين يجمع كل هذه الكتب القديمة ويقبل عليها يدرسها بألسنتها المختلفة ولماذا ؟! أ لحاجة إليها أم لأمر ما يريده منها ؟(200/3)
اللهم إنه لاذا ولا ذاك وإنما هو افتراء المبطلين علي آل بيت رسول الله رب العالمين من أجل القضاء علي الإسلام والمسلمين . وأخيرا فإن الذي ينبغي أن يعرفه كل شيعي هو أن اعتقاد الاستغناء عن القرآن الكريم كتاب الله الذي حفظه الله في صدور المسلمين وهو الآن بين أيديهم لم تنقص منه كلمة ولم تزد فيه أخرى ولا يمكن ذلك أبدا لأن الله تعهد بحفظه في قوله: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } سورة الحجر الآية:9 وهو كما نزل به جبريل الأمين علي سيد المرسلين وكما قرأه رسول الله صلي الله عليه وسلم وقرأه عنه آلاف أصحابه وقرأه من بعدهم من ملايين المسلمين متواترا إلي يومنا هذا . إن اعتقاد امرئ الاستغناء عنه أو عن بعضه بأي حال من الأحوال هو ردة عن الإسلام ومروق منه لا يبقيان لصاحبها نسبة إلي الإسلام ولا إلي المسلمين .
الحقيقة الثانية
اعتقاد أن القرآن الكريم لم يجمعه ولم يحفظه أحد من أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم إلا علي والأئمة من آل البيت! .
هذا الاعتقاد أثبته صاحب كتاب الكافي ( ج1 كتاب الحجة ص26) جازما به مستدلا عليه بقوله: عن جابر قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: ما ادعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كله إلا كذاب وما جمعه وحفظه كما نزل إلا علي بن أبي طالب والأئمة من بعده . والآن فعلم أيها الشيعي هداني الله وإياك إلي الحق وصراطه المستقيم أن اعتقادا كهذا وهو عدم وجود من جمع القرآن وحفظه من المسلمين إلا الأئمة من آل البيت وشيعتهم وكفى بذلك فسادا وباطلا وشرا والعياذ بالله تعالي . وإليك بيان ذلك.(200/4)
تكذيب كل من ادعى حفظ كتاب الله وجمعه في صدره أو في مصحفه كعثمان، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن مسعود وغيرهم من مئات أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم وتكذيبهم يقتضي فجورهم وإسقاط عدالتهم ، وهذا مالا يقوله أهل البيت الطاهرون، وإنما يقوله أعداء الإسلام وخصوم المسلمين؛ للفتنة والتفريق.
ضلال عامة المسلمين ماعدا شيعة آل البيت وذلك أن من عمل ببعض القرآن دون البعض لاشك في كفره وضلاله لأنه لم يعبد الله تعالي بكل ما شرع، إذ من المحتمل أن يكون بعض القرآن الذي لم يحصل عليه المسلمون مشتملا علي العقائد والعبادات والآداب والأحكام. هذا الاعتقاد لازمه تكذيب الله في قوله{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} وتكذيب الله تعالي كفر ، وأي كفر ؟ هل يجوز لأهل البيت أن يستأثروا بكتاب الله تعالي وحدهم دون المسلمين إلا من شاءوا من شيعتهم ؟! أليس هذا احتكارا لرحمة الله، واغتصابا لها ينزه عنه آل البيت ؟ اللهم إنا لنعلم أن آل بيت رسولك براء من هذا الكذب ، فالعن اللهم من كذب عليهم وافترى.
3- لازم هذا الاعتقاد أن طائفة الشيعة هم وحدهم أهل الحق والقائمون عليه لأنهم هم الذين بأيديهم كتاب الله كاملا غير منقوص فهم يعبدون الله بكل ما شرع وأما من عداهم من المسلمين فهم ضالون لحرمانهم من كثير من كتاب الله تعالي وهدايته فيه !! يا أيها الشيعي إن مثل هذا الهراء ينزه عنه الرجل العاقل فضلا عمن ينسب إلي الإسلام والمسلمين إنه ما مات رسول الله صلي الله عليه وسلم حتى أكمل الله تعالي نزول كتابه وأتم بيانه وحفظه المسلمون في صدورهم وسطورهم وانتشر فيهم وعمهم وحفظه الخاص والعام ولم يكن آل البيت في شأن القرآن وجمعه وحفظه إلا كسائر المسلمين وسواء بسواء فكيف يقال : إنه لم يجمع القرآن ولم يحفظه أحدا إلا آل البيت ومن ادعى ذلك فهو كاذب!!(200/5)
أرأيت لو قيل لهذا القائل : أرنا هذا القرآن الذي خص به آل البيت شيعتهم أرنا منه صورة أو صورا يتحداه في ذلك فما يكون موقفه؟ سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم.
الحقيقة الثالثة
استئثار آل البيت وشيعتهم دون المسلمين بآيات الأنبياء كالحجر والعصا
يشهد لهذه الحقيقة ويثبتها ما أورده صاحب الكافي بقوله : عن أبي بصير عن جعفر عليه السلام قال: خرج أمير المؤمنين عليه السلام في ليلة مظلمة وهو يقول: همهمة ، همهمة، وليلة مظلمة، خرج عليكم الإمام عليه قميص آدم، وفي يده خاتم سليمان، وعصا موسى!!. وأورد أيضا قوله في ج1 كتاب الحجة ص227 عن أبي حمزة عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول ألواح موسى عندنا وعصا موسى عندنا ، ونحن ورثة النبيين !! . وبعد أيها الشيعي إن هذا المعتقد في الحقيقة بالذات يلزمك أمورا في غاية الفساد والقبح ، ولا يمكنك وأنت العاقل إلا أن تبرأ منها ولا تعترف بها وهى:
1-تكذيب علي رضى الله عنه في قوله: وقد سئل : هل خصكم رسول الله صلي الله عليه وسلم ، آل البيت بشيء ؟ فقال : لا . إلا ما كان في قرا ب سيفي هذا ، فأخرج صحيفة مكتوب فيها أمور أربع، ذكرها أهل الحديث كالبخاري ومسلم .
2-الكذب عليه رضى الله عنه بنسبة هذا القول إليه
3-الازدراء من نفس صاحب هذا المعتقد والدلالة القاطعة علي تفاهة فهمه ، ونقصان عقله وعدم احترامه لنفسه ، إذ لو قيل له : أين الخاتم وأين العصا ، وأين الألواح مثلا ؟ لما حار جوابا ، ولما استطاع أن يأتي بشيء من ذلك. وبه يتبين كذب القصة من أولها إلي آخرها . وأوضح من ذلك : فإنه قد يقال لو كان ما قيل حقا لم لا يستخدم آل البيت هذه الآيات كالعصا والخاتم في تدمير أعدائهم والقضاء عليهم وهم قد تعرضوا لكثير من الشر قبلهم ؟!(200/6)
4-إن الهدف من هذا الكذب المرذول هو إثبات هداية الشيعة وضلال من عداهم من المسلمين ، والقصد من وراء ذلك الإبقاء علي المذهب الشيعي ذا كيان مستقل عن جسم الأمة الإسلامية ، ليتحقق لرؤساء الطائفة ، ولمن وراءهم من ذوى النيات الفاسدة والأطماع الخبيثة ما يريدونه من العيش علي حساب هدم الإسلام وتمزيق شمل المسلمين ، وإذا كان هذا المعتقد يحقق مثل هذا الفساد والشر فبئس من معتقد هو ، وبئس من يعتقده ، أو يرضى به .
الحقيقة الرابعة
اعتقاد اختصاص آل البيت وشيعتهم بعلوم ومعارف نبوية وإلهية دون سائر المسلمين(200/7)
ومستند هذه الحقيقة ما أورده صاحب الكافي في ج1 كتاب الحجة ص 138 بقوله: عن أبي بصير قل دخلت علي أبي عبد الله عليه السلام فقلت جعلت فداك إن شيعتك يتحدثون أن رسول الله صلي الله عليه وسلم ، علم عليا عليه السلام ألف باب من العلم يفتح منه ألف باب قال : فقال : يا أبا محمد علم رسول الله صلي الله عليه وسلم : عليا عليه السلام ألف باب يفتح له من كل باب ألف باب . فال: قلت: هذا بذاك ، قال: ثم قال يا أبا محمد وإن عندنا الجامعة وما يدريك ما الجامعة ؟ قال: قلت : جعلت فداك وما الجامعة ؟ قال: صحيفة طولها سبعون ذراها بذراع النبي صلي الله عليه وسلم ، وأملاه من فلق فيه ، وخط علي بيمينه كل حلال وحرام وكل شيء يحتاج له الناس حتى الإرش والخدش . قال: قلتك هذا والله العلم ! قال: إنه لعلم وليس بذاك، ثم سكت ساعة ، ثم قال: عندنا الجفر ما يدريكم ما الجفر ؟ قال: وعاء من أدم فيه علم النبيين والوصيين وعلم العلماء الذين مضوا من بني إسرائيل ، قال: قلت : إن هذا العلم ! قال: إنه العلم وليس بذاك ، ثم سكت ساعة ، ثم قال: وإن عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام ،وما يدريهم ما مصحف فاطمة؟ قال : قلت : وما مصحف فاطمة ؟ قال : مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات ! والله مافية من قرآنكم هذا حرف واحد ! قال : قلت : هذا والله العلم ! قال : وإن عندنا علم ما كان ، وما هو كائن إلي أن تقم الساعة!!. انتهى بالحرف الواحد .
وبعد إن النتيجة الحقيقية لهذا الاعتقاد الباطل لا يمكن أن تكون إلا كما يلي :
الاستغناء عن كتاب الله تعالي وهو كفر صراح
اختصاص آل البيت بعلوم ومعارف دون سائر المسلمين، وهو خيانة صريحة تنسب إلي النبي صلي الله عليه وسلم ، ونسبة الخيانة إليه صلي الله عليه وسلم ، كفر لاشك فيه ولا جدال .
3-تكذيب علي رضى الله عنه في قوله الثابت الصحيح : لم يخصنا رسول الله آل البيت بشيء ، وكذب على علي ، كالكذب على غيره ، حرام لا يحل أبدا .(200/8)
4-الكذب علي رسول الله صلي الله عليه وسلم ، وهو من أعظم الذنوب ، وأقبحها عند الله ؛ إذ قال عليه الصلاة والسلام : [إن كذبا علي ليس ككذب علي أحدكم من كذب علي متعمدا فل يلج النار].
5-الكذب علي فاطمة رضى الله عنها، بأن لها مصحفا خاصا يعدل القرآن ثلاث مرات، وليس فيه من القرآن حرف واحد .
6-صاحب هذا الاعتقاد لا يمكن ، أن يكون من المسلمين ، أو يعد من جماعتهم ، وهو يعيش علي علوم ومعارف ، وهداية ليس للمسلمين منها شيء .
7-وأخيرا فهل مثل هذا الهراء ، الباطل والكذب السخيف ، تصح نسبته إلي الإسلام ، دين الله الذي لا يقبل الله دينا غيره ؟!.
{ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }
وعليه فقل أيها الشيعي معي لننجو معا من هذه الورطة الكبيرة: اللهم إنا نبرأ إليك مما صنع هؤلاء الكاذبون عليك وعلي رسولك وآل بيته الطاهرين . من أجل إظلال عبادك ، وإفساد دينك ،وتمزيق شمل أمة نبيك ورسولك محمد صلي الله عليه وسلم.
الحقيقة الخامسة
اعتقاد أن موسى الكاظم فد فدى الشيعة بنفسه !!!
أورد صاحب الكافي هذه الحقيقة في ج1 كتاب الحجة ص260 بقوله :إن أبا الحسن الكاظم [ وهو الإمام السابع من أئمة الشيعة الاثنى عشرية ] قال : الله عز وجل ، غضب علي الشيعة فخيرني نفسي أو هم ، فوقيتهم نفسي. والآن أيها الشيعي فما هو مدلول هذه الحكاية التي ألزموك باعتقادها ، بعد ما فرضوا عليك الإيمان بها وتصديق مدلولها حسب ألفاضها قطعا ؟ .(200/9)
إن موسى الكاظم رحمه الله تعالي ، قد رضي بقتل نفسه ، فداء لأتباعه ، من أجل أن يغفر الله لهم ، ويدخلهم الجنة بغير حساب . تأمل أيها الشيعي ، وفقني الله وإياك لما يحبه ويرضاه : من صالح المعتقد والقول واعمل ، تأمل هذه الفرية ولا أقول غير الفرية ، لمجا نبتها الحق وبعدها كل البعد عن الواقع ،والصدق ، تأملها فإنك تجدها تلزم معتقدها بأمور عظيمة ، كل واحد منها لا ترضى أن ينسب إليك ، أو تنسب أنت إليه ، ما دمت ترضى بالله ربا وبالإسلام دينا ، وبمحمد نبيا ورسولا ، وتلك الأمور هي :
1-الكذب علي الله عز وجل في انه أوحى إلي موسى الكاظم بأنه غضب علي الشيعة ، وأنه خيره نفسه أو شيعته ، وأنه فداهم بنفسه ، فهذا والله لكذب عليه عز وجل ، وهو يقول { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ }
2-الكذب علي موسى الكاظم رحمه الله ، وما هو والله بنبي ، ولا رسول فقول المفتري : إن الله أخبر موسى الكاظم بأنه غضبان علي الشيعة ! وانه يخيره بين نفسه وشيعته ، ورضي لنفسه بالقتل فداء لهم ، يدل دلالة واضحة بمنطوقه ومفهومه علي نبوة موسى الكاظم!! مع العلم بأن المسلمون مجمعون علي كفر من اعتقد نبوة أحد بعد النبي محمد صلي الله عليه وسلم ، وذلك لتكذيبه بصريح قوله تعالى { مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً } الأحزاب:40(200/10)
4-اتحاد الشيعة والنصارى في عقيدة الصلب والفداء ، فكما أن النصارى يعتقدون أن عيسى فدا البشرية بنفسه ؛ إذ رضى بالصلب تكفيرا عن خطيئة البشرية ، وفداء لها من غضب الرب وعذابه ، فكذلك الشيعة يعتقدون بحكم هذه الحقيقة ، أن موسى الكاظم خيره ربه بين إهلاك شيعته ، أو قتل نفسه ، فرضى بالقتل وفدى الشيعة من غضب الرب ، وعذابه ، فالشيعة إذا والنصارى عقيدتهما واحدة . والنصارى كفار بصريح كتاب الله عز وجل ، فهل يرضى الشيعي بالكفر بعد الإيمان ؟!.
قد هيؤوك لأمر لو فطنت له
فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
وأخير ا ، أنفذ نفسك أيها الشيعي وتبرا من هذه الخزعبلات والأباطيل ، ودونك صراط الله وسبيل المؤمنين.
الحقيقة السادسة
اعتقاد أن أئمة الشيعة ، بمنزلة رسول الله صلي الله عليه وسلم : في العصمة ، والوحي ، والطاعة ، وغيرها ، إلا في أمر النساء ، فلا يحل لهم ما يحل له صلي الله عليه وسلم .
هذا المعتقد الذي يجعل أئمة الشيعة بمنزلة رسول الله صلي الله عليه وسلم ، أثبته صاحب الكافي بروايتين .
أولهما[ ما جاء في كتاب الحجة ص229 ] أنه قال : قال كان المفضل عند أبي عبد الله فقال له : جعلت فداك ، أيفرض الله طاعة عبد علي العباد ويحجب عنه خبر السماء ؟ فقال له أبو عبد الله -الإمام- لا ، الله أكرم وأرحم وأرأف بعباده ، من أن يفرض طاعة عبد علي العباد ثم يحجب عنه خبر السماء صباحا ومساء . فهذه الرواية تثبت بمنطو قها أن أئمة الشيعة ، قد فرض الله طاعتهم علي الناس مطلقا ، كما فرض طاعة الرسول عليه الصلاة والسلام ، وأنهم- أئمة الشيعة- يوحي إليهم ، ويتلقون خبر السماء صباحا مساء ، وهم بذلك أنبياء مرسلين سواء بسواء .(200/11)
واعتقاد نبي يوحي إليه بعد النبي محمد صلي الله عليه وسلم ، ردة في الإسلام ، وكفر بإجماع المسلمين ، فسبحان الله كيف يرضى الشيعي المغرور بعقيدة تفتري له افتراء ، ويلزم اعتقادها ليعيش بعيدا عن الإسلام كافرا من حيث أنه ما اعتقد هذا الباطل إلا من أجل الإيمان والإسلام ليفوز بهما ويكون من أهلهما . .. .. .. اللهم اقطع يد الإجرام الأولي التي قطعت هؤلاء الناس عنك ، وأظلتهم عن سبيلك .
وثانيهما[ ما جاء ج1 كتاب الحجة ص229 ] قال : عن محمد بن سالم قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : الأئمة بمنزلة رسول الله صلي الله عليه وسلم ، إلا أنهم ليسوا بأنبياء ، ولا يحل لهم من النساء ما يحل للنبي ، فأما مال خلا ذلك فهم بمنزلة رسول الله صلي الله عليه وسلم .
هذه الرواية ، فإنها وإن كان في ظاهرها بعض التناقض ، فإنها كسابقتها ، تقرر عصمة الأئمة ووجوب طاعتهم ، وأنهم يوحي إليهم ؛ لأن عبارة الأئمة بمنزلة رسول الله إلا في موضوع النساء ، صريحة في أنهم معصومون ، وأن طاعتهم واجبة ، وأن لهم جميع الكمالات والخصائص التي هي للنبي صلي الله عليه وسلم . والقصد الصحيح من وراء هذا الاختلاف والكذب الملفق -أيها الشيعي - هو دائما فصل أمة الشيعة عن الإسلام والمسلمين ، للقضاء علي الإسلام والمسلمين بحجة أن أمة الشيعة ، في غني عما عند المسلمين من وحي الكتاب الكريم ، وهداية السنة النبوية ، علي صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم وذلك بما لديها من مصحف فاطمة الذي يفوق القرآن الكريم ، والجفر والجامعة ، وعلوم النبيين السابقين ووحي الأئمة المعصومين الذين هم بمنزلة الرسول صلي الله عليه وسلم ، إلا في مسألة نكاح أكثر من أربع نسوة ، وما إلي ذلك مما سلخ أمة الشيعة من المسلمين انسلاخ الشعرة من العجين .(200/12)
ألا قاتل الله روح الشر ، التي اقتطعت قطعة عزيزة من جسم أمة الإسلام ، باسم الإسلام وأبعدت خلقا كثيرا عن طريق آل البيت باسم نصرة آل البيت .
الحقيقة السابعة
اعتقاد ردة وكفر أصحاب الرسول صلي الله عليه وسلم ، بعد وفاته ما عدا آل البيت ونفرا قليلا كسلمان ، وعمار ، وبلال
هذا المعتقد ، يكاد يجمع عليه رؤساء الشيعة : من فقهائهم ، وبذلك تنطق تأليفهم وتصرح كتبهم ، ومات ترك الإعلان به أحد منهم غالبا إلا من باب التقية الواجبة عندهم .
وتدليلا علي هذه الحقيقة وتوكيدا لها نورد النصوص الآتية :
1-جاء في كتاب روضة الكافي للكليني صاحب كتاب الكافي صفحة 202 قوله : عن حنان عن أبيه عن أبي جعفر قال : هم المقداد ، وسلمان ، وأبو ذر ، كما جاء في تفسير الصافي - والذي هو من أشهر وأجل تفاسير الشيعة وأكثرها اعتبارا - روايات كثيرة تؤكد هذا المعتقد وهو أن أصحاب رسول الله قد ارتدوا بعد وفاته إلا آل البيت ونفرا قليلا كسلمان وعمار وبلال رضى الله تعالي عنهم.
2-أما بخاصة الشيخين أبي بكر وعمر رضى الله تعالي عنهما ففي كتب القوم نصوص لا تحصى كثيرة ، في تكفير الشيعة لهم ، ومن ذلك ما جاء في كتاب الكليني صفحة 20 حيث قال : سألت أبا جعفر عن الشيخين فقال : فارقا الدنيا ولم يتوبا ، ولم يتذكرا ما صنعا بأمير المؤمنين فعليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين .!!!
3-وأورد أيضا في صفحة 107 قوله : تسألني عن أبي بكر وعمر ؟ فلعمري لقد نافقا وردا علي الله كلامه وهزئا برسوله، وهما الكافران عليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين . !!!(200/13)
وبعد , أيها الشيعي فهل من المعقول الحكم بالكفر والردة علي أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم ،وهم حواريوه وأنصار دينه ، وحملة شريعته ، رضي الله عنهم : في كتابه وبشرهم بجنته علي لسان نبيه صلي الله عليه وسلم ، حمى الله بهم الدين ، وأعز بهم الدين ، وخلد لهم ذكرا في العالمين ، وإلي يوم الدين ، فقل لي بربك أيها الشيعي ، ألم يكن لهذا التكفير واللعن والبراء لأصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم هدف وغاية ؟ بلي أيها الشيعي ، إن الهدف هو القضاء علي الإسلام خصم اليهودية والمجوسية وعدو كل شرك ووثنية . !!
وإن الغاية هي إعادة دولة المجوس الكسروية بعد أن هدم الإسلام أركانها ، وقوض عروشها ، ومحا أثر وجودها ، وإلي الأبد إن شاء الله تعالي ، وهاك إشارة مغنية عن عبارة : ألم يقتل ثاني خليفة للمسلمين بيد غلام مجوسي ؟
ألم يحمل راية الفتنة ضد الخليفة عثمان فيذهب ضحيتها ، وتكون أول بذرة للشر والفتنة في ديار المسلمين ، اليهودي عبد الله بن سبأ ؟ وفي هذه الرحم المشؤومة ، تخلق شيطان الشيعة ، وولد من ساعته ، يحمل راية بدعة [ الولاية والإمامة ] كسيفين مصلتين علي رأس الإسلام والمسلمين . . . . . وبالدعوة إلي الولاية ، كفر أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم ، ولعنوا وكفروا كل من يرضى عنهم أو يترضى عليهم من المسلمين . . . . . وببدعة الإمامة حيكت المؤامرات ضد خلافة المسلمين وأثيرت الحروب الطاحنة بين المسلمين وسفكت دماء ، وهدم بناء ، وعاش الإسلام مفكك الأوصال ، مزعزع الأركان ، أعداؤه منه كأعدائه من غيره ، وخصومه من المنتسبين إليه ، كخصومه من الكافرين به .(200/14)
علي هذا الأساس أيها الشيعي ، وضعت عقائد الشيعة ، وسن مذهبها ، فكان دينا مستقلا عن دين المسلمين ، له أصوله ومبادئه ، وكتابه وسنته ، وعلومه ومعارفه . وقد تقدم في هذه الرسالة مصداق ذلك وشاهده . فارجع إليه وتأمله ،إن كنت فيه من الممترين ولولا القصد السيئ ، والغرض الخبيث ، لما كان للولاية من معنى يفرق المسلمين ، ويبذر بذرة الشر ، والفتنة ، والعداء فيهم .
إذ المسلمون أهل السنة والجماعة والذين هم وحدهم يطلق عليهم بحق كلمة المسلمون ، لا يوجد بينهم فرد واحد يكره آل بيت رسول الله ، فلماذا تمتاز طائفة الشيعة بوصف الولاية ، وتجعلها هدفا وغاية . وتعادى من أجلها المسلمين بل وتكفرهم وتلعنهم كما سبق أن عرفت وقدمناه ؟ !.
والإمامة أيضا : أليس من السخرية والعبث ، أن يترك الإسلام للمسلمين أمر اختيار من يحكمهم بشريعة الإله ربهم ، وهدى نبيهم فيختارون من شاءوا ، ممن يرونه صالحاً لإمامتهم ، وقيادتهم ، بحسب كفاءته ومؤهلاته ، فتقول جماعة الشيعة لا ، لا ، يجب أن يكون موصى به ، منصوصا عليه ، ومعصوما ً ويوحي إليه ، ومتى يجد المسلمون هذا الإمام ؟ أمن أجل هذا تنحاز الشيعة جانباً ، تلعن المسلمين وتعاديهم .
فهلا تربأ بنفسك فتعتقها من أسر هذه العقيدة الباطلة ، وتخلصها من هذا المذهب المظلم الهدام !!
أيها الشيعي أعلم أنك مسؤول عن نفسك ونجاة أسرتك ، فابدأ بإنقاذهما من عذاب الله ، واعلم أن ذلك لا يكون إلا بالإيمان الصحيح ، والعمل الصالح لا تجدها إلا في كتاب الله ، وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم ، وأنك - وأنت محصور في سجن المذهب الشيعي المظلم لا يمكنك أن تظفر بمعرفة الإيمان الصحيح ، ولا العمل الصالح إلا إذا فررت إلي ساحة أهل السنة والجماعة ، حيث تجد كتاب الله خالياً من شوائب التأويل الباطل ، الذي تعمده المغرضون من دعاة الشيعة للإضلال والإفساد .(200/15)
وتجد السنة النبوية الصحيحة خالية من الكذب والتشيع ، وبذلك يمكنك أن تفوز بالإيمان الصحيح والعقيدة الإسلامية السليمة ، وبالعمل الصالح الذي ، شرعه الله تعالي لعباده يزكي به أنفسهم ، ويعدهم به للفوز والفلاح . فهاجر أيها الشيعي إلي رحاب كتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم ، فإنك تجد مرا غما كثيراً .
وأعلم أخيراً أني لم أتقدم إليك بهذه النصيحة طمعاً فيما عندك ، أو عند غيرك من بني الناس ، أو خوفاً منك أو من غيرك من البشر ، كلا والله ، وإنما هو الإخاء الإسلامي وواجب النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ، هذا الذي حملني علي أن أقدم إليك هذه النصيحة راجياً من الله تعلي أن يشرح صدرك لها ، وأن يهديك بها إلي ما فيه سعادتك في دنياك وأخرتك .
وسلام علي المرسلين والحمد لله رب العالمين(200/16)
الفهرس:
المقدمة
حول المحاضرات
الإهداء
مفتاح الكتاب
المحاضرة الأولى
الفكرة الأولى
تنبيه على أمرٍ هام
على ماذا يقوم دين الرفض
أساليب هدم الروافض للدين:
الأسلوب الأول
الأسلوب الثاني
الفكرة الثانية
الفكرة الثالثة
الأدلة على بطلان دين الروافض
الأدلة من الكتاب
الأدلة من السّنة
الأدلة من أقوال السلف
مفارقة آل سلول
الأدلة من كتب الروافض
الفكرة الرابعة
الفكرة الخامسة
أسباب إدارج خيانة الروافض الأولى
السبب الأول
السبب الثاني
أوّل جريمة سياسية
ثاني جريمة سياسية
خيانات و جرائم الرافضة
خيانة الرّوافض لعلي بن أبي طالب
خيانة الروافض للحسنِ بن علي بن أبي طالب
خيانة الروافض للحسين بن علي بن أبي طالب
خيانات الروافض في العهد العبّاسي
جرائم الرافضة في الحجيج
الدويلات الرافضية
القرامطة
البويهيون
العبيديون
التآمر مع الحملة الصليبية الأولى
حراسة وفد زيارة ضريح السيد المسيح
الاتفاق المشؤوم بين الخلافة الفاطمية و الجيوش الصليبية
دعم حصار أنطاكية
احتلال مدينة صور
إسناد الجيوش الصليبية في بيت المقدس
إسكات محاولات إعلان الجهاد
الصحوة ضد الرافضة في مصر
عملية دحر الروافض في افريقيا
محاولات اغتيال صلاح الدين الأيوبي
نهاية الشريط الأول
المحاضرة الثانية
الطور العباسي الثاني
حكاية ابن العلقمي
سقوط بغداد - المأساة
الإرهاب الباطني
الرافضة في العهد العثماني
الجريمة السياسية- الصفوية
الجريمة العقَدية
البهائيون
القاديانيون
النصيريون
الدروز
الرافضة بعد انهيار الدولة العثمانية – العصر الحديث
الخميني و الثورة الخمينية
المواقف الستة المغايرة بعد قيام الجمهورية
الدور الإيراني في المنطقة
الدور الإيراني في لبنان
حزب اللات "حزب الله"
تلميع حزب اللات إعلامياً
الرافضة مع العراق و بلاد الأفغان
الجرائم الأخلاقية للرافضة
زواج المتعة
نتائج زواج المتعة(201/1)
إعارة الفروج
إتيان المرأة من دبرها
سبب السقوط الأخلاقي للروافض – الجزاء من جنس العمل
نهاية الشريط الثاني
المحاضرة الثالثة
تذكير هام
مواقف من خير السلف في البراءة من الروافض
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
الحسن بن علي
الحسين بن علي
الخليفة المهدي العباسي
السلاجقة الأتراك
السلطان ملك شاه
السلطان بارتيار
السلطان سنجر
السلطان محمد السلجوقي
السلطان محمود السلجوقي
الأمير عباس "صاحب الري"
شهاب الدين الغوري
الدولة الخوارزمية
القائد صلاح الدين الأيوبي
شيخ الإسلام ابن تيمية
الموقف الأول
الموقف الثاني
المظفر قطز
خلاصة دين الروافض و ديدنهم في نقاط
أولاً : الإساءة إلى الله تعالى و جينه
شرك العبادة
الغلو في الصفات
تحريف القرآن
الطعن في السنة
ثانياً : معاداة أهل البيت
ثالثاً : موالاة الكفار
رابعاً : تأخير نصر المسلمين
خامساً : التضارب مع العقيدة و حال دعاة التقارب
نتيجة التقريب بين دين الرفض و الإسلام
أصناف دعاة التقارب
سادساً : أساس دين الرافضة
سابعاً : ملة الرفض واحدة
ثامناً : أصول الروافض و أصول اليهود
أمثلة من واقعنا
تاسعاً : سياسة الاغتيال أصل في دين الرافضة
شواهد من كتبهم و أئمتهم
أمثلة من واقع العراق
عاشراً : الانتقاص و النقص في الانتصار للرسول صلى الله عليه و سلم
حادي عشر : ابتداع منهج التكفير
أكذوبة تفجير المراقد
نداء استنهاض لأهل السنة
تهديد و وعيد لمقتدى الصدر
نهاية الشريط
المقدّمة:
يشهدُ الإعلامُ المُجاهِد ثورةً و تطوّراً غير مسبوقينِ في الفترة الأخيرةِ بسببِ تبلوُرِ دور الإعلام المُجاهد في نُصرة قضايا الجِهاد و أيضاً لتزايُدِ عدد أنصار الجهادِ الإعلامي و ضخِّ المزيدِ من الخبراتِ فيه.(201/2)
و مما لا شكَّ فيهِ أنّ توثيقَ المُحاضرات و الخُطب المرئيّة و الصوتيّة عملٌ هام جداً و لا يجوزُ الاستغناء عنهُ لأن المادّة المكتوبة تبقى المرجع و الأساس، كما أن تناقلها أسرع و أسهل بكثير لصغرِ حجمها، و لا خيرَ في أمّةٍ لا تَكتبُ و لا تَقرأ.
و بالرّغم من كونِ تفريغ النصوص واقعاً في المنتديات المُجاهدة، و ذلك لهبوب عددٍ لا يُستهان به من الإخوة الكرام أخذوا على عاتقهم هذه المُهمّة المُتعبة، إلا أن تفريغ مادّةٍ ما يبقى العمل الأصعب و لا يُعقل أن يبقى عملاً فردياً في ظلّ ازدياد عدد الإصدارات.
فهو عملٌ متعبٌ و طويلٌ و بحاجةٍ إلى صبرٍ و تركيز، فكان لإخوتكم أن يبتدروا – و للمرّة الأولى- ببدء مشروعِ تحويل التفريغ إلى عملٍ جماعيٍ مرتب و موجّه و منظّم، و الله الله في عملِ الجماعةِ ... كيف يجْسرُ هوّة الزّمن و يُزيلُ جبالاً راسيةً من المصاعبِ و العقبات، قال تعالى :{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ} [الصف:4]، و قال تعالى:
{وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ}[آل عمران:103].
و قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : "يدُ الله معَ الجمَاعة"، و قد نهى الرسول صلى الله عليه وسلّم وصحابته رضوانُ الله عليهم في مواضِع كثيرةٍ عن التّفرق و التّفرّد لأنها دُروبُ الشياطين.
و إنّ من أشدّ ما يُغيظُ الشيطان و أولياءه أن يجتمعَ المسلمون على خير، و الحقّ يقالُ إنّ عمل تفريغِ المواد المرئيّةِ و المسموعة عملٌ جماعيٌّ بطبيعته.
و قد آن للإخوة من أهل المنتديات المُجاهِدة أن ينتقلوا من موضع المتصّفح المتفرّج إلى موضع المُشارِك المُبدِع المُساند لإخوانه ،،،
حول المحاضرات:(201/3)
هيَ مجموعةٌ من ثلاثِ محاضراتٍ صوتيّةٍ تتناول قضيّة الرافضة في العالمِ الإسلامي من وجهٍ تأصيليٍّ شرعي و وجهٍ سياسيٍّ حاضرٍ و مستقبليّ.
ألقاها الشيخُ المجاهد أسدُ الإسلامِ في هذا الزّمان المعتزّ بدينه أبو مُصعبٍ الزّرقاويّ تقبله الله في الشهداء، و نشرتها الهيئةُ الإعلاميّة لمجلسِ شورى المُجاهدينَ بتاريخ 6 جمادى الأولى 1427هـ الموافق 1-6-2006م (الجمعة).
و تعدّ هذه السلسلة من أقوى محاضرات الشيخِ و أطولها، و هيَ آخرُ تسجيلٍ له قبل مقتله شهيداً بإذن الله تعالى.
و تتركّزُ أهمية السلسلةِ في ما يلي:
تعدّ تلخيصاً لمنهجِ و موقفِ المجاهدين الموحّدين في أرض الرّافدين من الرّوافض.
تعتبرُ من أهمّ ما قيلَ في الرّوافضِ لأن مُلقي المحاضرة عايشَهم في الحرب و الشدّة و هو من أخبرِ الشيوخ الذين حذروا الأمة من خطرهم.
تعتبرُ ردّ إثباتٍ أمام كل من يدلّس على المسلمين مدّعياً أن المجاهدين ليس لهم بيّنة واضحة في حربهم على الرافضة، و هم يقاتلونهم عصبيةً و سفكاً للدم بغير علم.
تُظهرُ موفور العلم الشّرعي الذي أنعمَ الله بهِ على الشيخ تقبله الله.
تعتبرُ حلقة الوصل العمليّة و الشرعية بين ماضي الروافض و حاضِرِهم، و بالتالي كشفِ حقيقتهم السوداء التي لم تتغير على مرّ الزمان.
مفتاح الكتاب:
لقد تم وضع نسق عامٍ للكتاب يسهّل التعاطي معه و بلوغ الحدّ الأقصى من الاستفادة منه، و لكي تكون على علمٍ بالأسس التي تم اتباعها عند العمل و تستطيع قراءة الكتاب و فهمه بنجاح فيرجى مراجعة هذا الوصف الشكلي للكتاب:
خط النص المحاضرة هو (Traditional Arabic/Bold/16)، و نص كلام الأخ المعلق مكتوبٌ بخط (Tahoma/Bold/10).(201/4)
هناك سهمٌ على أول كل فقرة ( ) و هو سهم التأشير، و غرضه ضبط الزمن الذي قيلت في الفقرة، مثلاًً: الفقرة التي بدأت عند الدقيقة 12 و الثانية 44 من كلام الشيخ يكوم سهم التأشير لها ، و الهدف من ذلك سهولة الرجوع للنص الكتابي المعنيّ من قبل الأخ السامع للمحاضرة بغرض نقلها أو نسخها.
النص الملوّن بالأحمر يُقصد به كلامٌ هام و في الغالب يكون مرتبطاً بدالةٍ من الفهرس.
النص المحفوف بخط أسفله يعبر عن استنتاج أو خلاصةٍ من القول.
الأقواس المتعرجة {} المتبوعة بأقواس مربعة[] تكون لآياتٍ قرآنية كريمة مع اسم السورة و رقم الآية.
النص الملوّن بالرمادي يكون لحديثٍ شريف و يحدّه قوسان ().
النص المضموم بأقواس ثنائية "" يكون لكلامٍ مقتبس من شخصٍ أو كتاب، أو لاسم علمٍ أو مكان.
النص المضموم بأقواس مربعة [] يكون لاسم كتاب أو مرجع.
النص المتبوع برقم1 يكون لنصٍ مقترن بحاشية.
النص المكتوب في خلايا جدول:
إذا ذُكِرَ الشِركَ بِمَجلِسٍ
**
لَضاءَت وُجوهِ بَني بَرمَكِي
وإِن تُلَيَت عِندَهُم آيةٌ
**
أَتَوا بِالحديثِ عَن مَزدَكِي
يكون لأبيات الشعر.
بسم الله الرحمن الرحيم
أوجِعِينِي يَا جِرَاحِيْ أَوْجِعينِيْ
**
لا تُراعِي مِنْ بُكَاءِي وَ أَنِينِيْ
أوْجِعينِي و اضرِبِي في كُلِّ قُطْرٍ
**
بِقَتِيلٍ أو طَرِيدٍ أو سَجِينِ
أوْجِعِينِي إنّنِي رُغَمَ مُصَابِي
**
غَافِلٌ مَا زِلْتُ لَمْ يَعْرَقْ جَبِينِي
أوْجِعِينِي لَمْ أعُدْ أخْشَاكِ إِنّي
**
بِتُّ أهْوَاكِ إذَا مَا تَهْتَوِينِي
امْنَعِي طَيْرِي مِنَ التّحْلِيقِ هَاتِي
**
كُلَّ مَا عِنْدَكِ مِنْ جَوْرِ السِّنينِ
و أرِيْ عَيّنَيَّ أصْنَافَ المآسِي
**
كَرِّرِيْ المَشْهَدَ و اسْتَبكِي عُيُونِي
مَزِّقِيْ قَلْبِيْ بِأنْوَاعِ المَنَايَا
**
و اجْعَلِيْ الهَمَّ رَفِيقِيْ و قَرِيْنِي(201/5)
رَوِّعِي طِفْلِي بِمَا أوْتِيتِ حتّى
**
تَقْتُلِي الرَّحمَةَ في القَلْبِ الحَزِينِ
وَ اخْدِشِي عِرْضِي فإِنَّ العِرْضَ غالٍ
**
أتَمنَّى دُوْنَهُ لَوْ تذْبَحِيْنِي
اثْقِلِيْ قَيْدِي إِذَا مَا شِئْتِ عَسْفَاً
**
وَ اسْتَحلِّيْ مَوْطِنِيْ دُوسِي عَرِيْنِي
{وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}[المنافقون:4]
<المعلّق>
الهيئة الإعلامية لمجلس شورى المجاهدين في العراق تقدم: محاضرةً للشيخ المجاهد أبي مصعب الزرقاوي عضو مجلس شورى المجاهدين في العراق و أمير تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، و المحاضرة بعنوان "هل أتاك حديث الرافضة"، و للعلم فإن مادة هذه المحاضرة في ثلاثة أشرطة ..
فإليكم الشريط الأول..
بِسْمِ اللهِ الذِيْ لَهُ الحُكْمُ وَ الأَمْرُ كُلّهُ وَ إِلَيهِ المَعَاد, وَ الحَمْدُ للهِ الذِيْ قَدَّرَ الافْتِراقَ لِهَذهِ الأمّةِ فِرقَاً فَلا تَقَارُبَ وَ لا يَكَاد, وَ الصّلاةُ وَ السّلامُ عَلَى مَن اسْتَثنى مِنْ هَذِهِ الِفرَقِ بِالنَّجَاةِ وَاحِدَةً وَ مَنْ عَدَاهُم وَ عَادَاهُمْ يُكَاد, وَ بَعْد:(201/6)
فَلَقَد قَرأنَا التّارِيْخَ وَ اسْتَقْرَأْناهُ فَلَمْ نَجِد فِي مَاضِيْهِ وَ حَاضِرِه وَ لا حَتّى إِرْهَاصَاتِ مُسْتَقْبَلِه كَمِثل سِيْرةِ بَل سَوءَةِ أَصَحَابِ الرّفْض, رَفَضَهُم الله كَمَا لَفَظُوا دِيْنَه وَ مِنْهَاجَهُ القَوِيْم و اسْتَبْدَلُوْهُ بِالّذِي هُو أَدْنَى مِن خَلِيطِ حِقْدِ وَ خُزَعْبلاتِ الفُرْسِ وَ تَضَالِيْلِ اليَهُودِ وَ ضَلالِ النَّصَارَى ليِتَناسَبَ مَعْ جَمِيْعِ أَصْحَابِ الدّيَانَاتِ المُعَادِيْنَ لأهْلِ الإِسْلام, فَخَرَجُوا بِدِينٍ مَمْسُوخٍ يُوجِّبُونَ فِيهِ عَلَى الأُمّة أَنْ يَلْعَن آخِرُهَا أَوّلها, وَ أَنْ يَكُفَر بِالكِتَابِ كُلِّه, وَ أْن تُعَطّلَ شَرَائِعُه, وَ أَنْ يُشْرَكَ مَعْ قِبْلَةِ المُسْلِمِينَ بَلْ تُغيّر هَذِه القِبْلَة مِنْ مَكّة فَتُشَدّ الرِّحَالَ إِلى كَرْبَلاءَ وَ مَشْهَد, وَ أنْ تَشِيعَ الفَاحِشَةُ بَينَ المُسْلِمِينَ بِاسْمِ الدّيْنِ, وَ لِذَا كَانَ لِزَامَاً عَلَينَا أَنْ نُذَكِّرَ بِطَرْفٍ مِنْ جَرَائِمِ القَوْمِ مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُم وَ لَعَلّهُم يَتّقُوْن.
وَ قَبْلَ الخَوْضِ فِي ذِكْرِ جُمْلةٍ مِنْ خِيَانَاتِ الرّافِضَةِ عَبْر التّارِيخِ وَ اسْتِعْراضٍ لأَبْرَزِ جَرَائِمِهِم لا بُدّ مِنَ التنبيه على أمر:
ألا وَ هُوَ أنَّنا حِيْنَ نُطْلِقُ لَفْظَ الرّافِضَةِ فَإِنّمَا نُرِيْدُ بِهِم السَّوَادَ الأَعْظَمَ المَوْجُوْدَ مِنْهُمْ فِي هَذِهِ الأَيّامِ أَلا وَ هُمُ الشِّيْعَةُ الجَعْفَرِيةُ الإِثنَي عَشْرية. وَ يُلاحَظُ أنّ أَئِمّتَهُم اعْتَبَروا جَمِيع هَذِهِ الفِرق المُغَالية عِنْدَهُم مِنْ مَا يُنْسَبُ إِلى الإِمَامِيّةِ فَإِذَا تَحَدّثُوا عَنْ طَائِفَتهِم وَ رِجَالَهَا و دُوَلهَا نَسَبُوا لَها كُلّ الفِرَقِ و الدُّوَلِ وَ الرّجَال المُنْتَمِينَ للتّشَيُّعِ وَ إِنْ كَانُوا مِنْ:(201/7)
الإِسْمَاعِيلِيّةِ وَ البَاطِنِيةِ أَو مِنَ الزَّنَادِقَةِ الدّهْرِيّةِ أَوْ مِنَ المُجَسِّمَةِ الغُلاة فَهُمْ إِذَا تَحَدَّثُوا مَثلَاً عَنْ دُوَلِ الشِّيْعِيةِ ذَكَرُوا الدَّوْلةَ الفَاطِمِيَّةَ فِيْ صَدْر دُوَلِهِم مَعْ أَنها غَيرُ الإِثْني عشرية, و بَعْدَ هَذَا نَقُولُ وَ بِالله التَّوْفِيق:
أولاً: إِنّ الرَّفْضَ دِيْنٌ يَخْتَلِفُ تَمَاماً عَنِ الإِسْلامِ الذِيْ جَاءَ بِهِ النّبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلّم وَ لا يُمْكِنُ أَنْ يَلْتَقِيَ مَعَهُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الفُرُوعِ وَ الأُصُول, كَيْفَ لا وَكِبَارُ آياتِهِم وَ عُلَمَائِهِم قَدْ قَعَدُوا لَهُم قَاعِدَةً في التّرْجِيحِ بَينَ الأدِلّةِ إِذا اخْتَلَفَت عِنْدَهُم أَو تَعَارَضتْ بِأنَّ مَا خَالَفَ قَوْلَ أَهْلِ السُّنةِ (وَ يُسَمُّونَهُم العَامّة) هُوَ القَوْلُ الأَقْرَبُ للصَّوَابِ مُسْتَنِدِينَ عَلَى رِوَايَاتٍ مَكْذُوْبَةٍ عِنْدَهُمْ كَأصْلٍ لِهَذهِ القَاعِدَةِ التِيْ تَدُلُّ عَلَى مُخَالفَةِ دِيْنِهِم أَصُولاً وَ فُرُوعَاً لِدِينِ الإِسْلامِ مِن حَيثُ مَنْهَجِ الحَقّ.
فَفِيْ بَابٍ عَقَدَهُ "الحُرُّ العَامِلِيُّ" وَ هُوَ مِنْ عُلَمَاءِ الرَّافِضَةِ فِيْ كِتَابِهِ [وَسَائِلُ الشِّيْعة] تَحْت عِنْوان: عَدَمُ جَوَازُ العَمَلِ بِمَا يُوَافِقُ العَامّةُ وَ يُوَافِقُ طَرِيْقَتَهُمْ، قَالَ فِيه: (والأحاديث في ذلك متواترة) (أي في عدم جواز العمل بما يوافق العامة) فمن ذلك قول الصادق عليه السلام في الحديثين المختلفين اعرضوهما على أخبار العامة أي أهل السنة والجماعة فما وافق أخبارهم فذروه وما خالف أخبارهم فخذوه وقال عليه السلام خذ بما فيه خلاف العامة فما خالف العامة ففيه الرشاد).(201/8)
وَ جَاءَ فِيْ [عُيُونِ أَخْبَارِ الرِّضَى] : (روى الصَّدوق عن علي ابن أسباط قال قلت للرضى عليه السلام يحدث الأمر لا أجد بد من معرفته وليس في البلد الذي أنا فيه من أستفتيه من مواليك قال:فقال: إيتي فقيه البلد فاستفته في أمرك فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه فإن الحق فيه).
وَ مَعْلُوْمٌ أَنّ الإِسْلامَ قَائِمٌ جُمْلَةً وَ تَفْصِيْلاً عَلى تَوْحِيدِ الخَالِقِ وَ تَعْبِيدِ المَخْلُوقَاتِ كُلّها للهِ تَعَالى وَ عَلى الاقْتِدَاءِ بِالنّبِي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَ سَلَّمْ اقْتَدَاء مُتّبعٍ لا مُبْتَدِعٍ وَ كُلُّ هَذَا مَبْنيٌّ عَلَى مَا جَاءَ بِالكِتَابِ وَ السُّنةِ وَ الرَّفْضُ أَسَاساً يَقُومُ عَلى الإِشْرَاكِ بِاللهِ وَ تَعْبِيدِ الخَلْقِ لِغَيرِ الله تَوسُّلاً وتَضَرّعاً وتأليهاً, كما يَقومُ عَلى رَفضِ الكِتابِ بدعوى تحريفهِ بالنّقصانِ والزّيادةِ فيه, وعلى رفضِ سنّةِ النَّّبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلم, ولا سيَّما صحَيحَهَا بتكذيبِ وتخوينَ من نَقلها لنَا وَهُمْ أشرافُ الأمَّةِ و أخصُّ صحابَتِِهِ حَتَّى رَفَضُوا أَصَحَّ كُتُبِ الأَحَادِيثِ التي تَلقَّتهَا الأُمَّةُ بالقبُولِ, لمَّا كانَ رُواتُها مِنْ أشدِّ الناسِ حِرصاً وتوثقاً عمَّنْ ينقلونَها عَنهُم, وعَلى رأسِ هَذهِ الكُتبِ صَحِيحَا البخاريِّ ومُسلِم, فَكانَ مَا عَدَاهُمَا مِنَ الكُتبِ أَولَى بالرَّفضِ عِنْدَهُم.
كما يقومُ دينهم على رفضِ إمامةِ وَخِلافةِ من أجمعَ الناسُ حِينَها عَلى إمَامَتِهِ وَخِلافَتِهِ, الذين نَعتهم رسول الله صَلى اللهُ عَليهِ وسَلمَ بالرَّاشِدِين, وحَضَّ على التَّمسُّكِ بِسُنَّتِهم بَل وَقَرَنها بِالتَّمسُّكِ بِسُنَّتِه, إِنَّ دِينَ الرَّفْض يَرفُضُ تَبرئَةَ أُمِّ المؤمنينَ عَائِشةَ مِمَّا بَرَّأَهَا اللهُ تَعَالى فِي كِتَابِهِ الكَرِيمْ وَعَاقَبَ بِجَلدِ مَنْ اتَّهَمَهَا أَو خَاضَ فِي عِرضِهَا.(201/9)
يَقُولُ نِعَمةُ اللهِ الجزائِريّ في [الأَنوارِ النُّعمَانِّية]: (بَابٌ نُورٌ في حقِيقَةِ دِينِ الإمَامِيَّة وَالعِلَّةِ التي مِنْ أَجلِهَا يَجِبُ الأَخذُ بِخِلافِ مَا تَقُولُهُ العَامَّة) :" إِنَّا لا نَجتَمِعُ مَعَهُم - أَي مَعَ السُّنَّة - عَلَى إِنَاءٍ وَلا عَلَى نَبِيٍّ وَلا عَلى إِمَامْ, وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ أَنَّ رَبَّهُم هَوَ الذِي كَانَ مُحمَّدُ نَبيُّه وَخَلِيفَتُهُ مِن بَعدِهِ أَبي بَكر وَنَحنُ لا نَقُولُ بهذَا الرَّبِّ وَلا بِذَلِكَ النَّبي بَل نَقُولُ إِنَّ الرَّبَّ الذِي خَلِيفَةُ نَبِيِّهِ أَبُو بَكرٍ ليسَ رَبَّنَا وَلا ذَلكَ النَّبِيُّ نَبِيَّنَا ".
وَيقُولُ السَّيدُ حُسينٌ الموسَويُّ _ وَهَوَ أَحَدُ عُلَمَائِهِمُ القَلائِلُ الذِينَ نَقَّى اللهُ فِطرَتَهُ فَمَجَّت بَاطِلَهُم _ مُعَلِّقَاً عَلَى مَوقفِ الرَّافِضة في كِتَابِهِ [لله ثُمَّ لِلتَّارِيخْ]:" وَيَتَبَادَرُ إِلى الأَذهَانِ السُّؤَالُ الآتِي: لَو فَرَضنَا أَنَّ الحَقَّ كَانَ مَعَ العَامَّةِ فِي مَسْأَلةٍ ما, أَيَجِبُ عَلينَا أَنْ نَأْخُذَ بِخِلافِ قَولِهِم؟
أَجَابَنِي السَّيِّدُ مُحَمَّدٌ بَاقِرُ الصَّدرِ مَرَّةً فَقَالَ: نَعَمْ يَجِبُ القَولُ بخلافِ قَولِهِم لإِنَّ القَولَ بِخِلافِ قَولِهِمْ وَإِنْ كَانَ خَطأً فَهُوَ أَهوَنُ مِنْ مُوَافَقَتِهِمْ عَلَى افْتِراضِ وُجُودِ الحَقِّ عِنْدَهُمْ فِي تِلكُمُ الَمسْأَلةِ".
ثَانِيَاً:(201/10)
إِنَّ دِينَ الرَّفضِ لم يَقُمْ أَسَاسَاً وَمُنذُ بِدَايَةِ ظُهُورِهِ, وَعَلَى مَرِّ الأزمَانِ وَحَتَّى أَيَّامِنَا هَذَهِ, إِلا لِغَرَضِ هَدْمِ الإِسْلامِ وَبَثِّ الفِتنَةِ وَالفُرقَةِ بَينَ المسلِمِينَ وَتقْوِيضِ دَولَةِ الإِسْلامِ, مِنْ خِلالِ مُحَارَبَةِ أَهلِ السُّنًّةِ وَالجَمَاعَةِ, أَعنِي بِهِمُ الجَمَاعَةَ الأُولَى التِي استَثنَاهَا الرَّسُولُ صَلى اللهُ عَليهِ وسَلمَ مِنَ الثَّلاثِ وَالسَّبعِينَ فِرقَةً بِالنَّجَاةِ مِنَ النَّارِ وَمَن سَارَ عَلى نَهجِهِمْ وَلَيسَ هَذَا كَلامَاً مُبَالغَاً أَو مُتَوَهَّمَاً وَلا هُوَ مُنكَرٌ مِنِ القَولِ وَزُورَاً بَل هَذَا مَا قَرَّرَهُ عُلَمَاءُ السَّلفِ وَالخَلفِ, فَهُو مُخَطَّطٌ دُبِّرَ بِلَيلٍ لمْ يَقُمْ مِنَ الأَسَاسِ إِلا لِغَرَضِ هَدمِ الدِّينِ مِنْ خِلالِ أَمرينِ هَامَّينِ:
الأَوَّلُ: التَّشكِيكُ فِي حَقِيقِةِ هَذَا الدِّينِ وَزَعْزَعِةِ العَقِيدَةِ, إِمَّا بِبَثِّ الشُبُهَاتِ عَلى مَذهَبِ أَهلِ الحَقِّ وَالتي تُشَكِّكُ في أُصُولِ هَذَا الدِّينِ وَتَصُدُّ عَنهُ بِالكُلِّيِّةِ, وَإِمَّا بِتَحرِيفِ كَثِيرٍ مِنْ أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ ليَكَونَ دِينَاً مَسخَاً.(201/11)
وَالأَمرُ الثَّانِي: يَتَمَثَّلُ في الجَانِبِ السِّياسِيّ وَذَلكَ عَنْ طَريقِ زَعزَعْةِ أَركَانِ الدَّولةِ الإِسلامِيَّةِ مِنَ الدَّاخِلِ وَالخَارِجِ عَلى السَّوَاءِ, فَأَمَّا مِنَ الدَّاخِلِ فَمِنْ خِلالِ استِثَارَةِ الشَّعْبِ وَلا سِيَّمَا ضِعَافُ النُّفُوسِ وَأَصحَابُ المَطَامِعِ وَتَحرِيضَهُمْ عَلى الخُروجِ عَلى خَليفَةِ وَإِمَامَ المُسلِمِينَ أَو اغتِيالِهِ بَدَعَاوَى وَشُبُهَاتٍ بَاطِلةٍ أَوْ غَيرِ مُسَوَّغَةٍ, وَأَمَّا مِن الخَارِجِ فَمِنْ خِلالِ التَّعَاونِ مَعَ أَعدَاءِ الدِّينِ وَالتَّحَالفِ مَعَهُمْ, حَتَّى يَتَمَكَّنُوا مِن اسقَاطِ الدَّولةِ الإِسْلامِيَّةِ.(201/12)
وَهَذَانِ الأَمرَانِ هُمَا المَنهَجُ وَالخُطَّةُ الأَسَاسَّيةُ التي قَامَ عَليهِمَا دِينُ الرَّفضِ مُنذُ بِدَايَةِ نَشأَتِهِ وَتَأسِيسِهِ عَلى يَدِ اليَهَودِيِّ المعرُوفِ عَبدُ الله بن سَبأَ الذي لم يَجِدْ أَفضَلَ وَلا أَجْدَى مِنَ التَّسَتِّرِ بِلِبِاسِ التَّشَيُّعِ وَالتَّشَيُّعِ بِحُبِّ آلِ البَيتِ بَعدَ أَنْ أَظهَرَ الإِسلامَ وَأَبطَنَ الكُفرَ وَالدَّسِيسَةَ لهَذَا الدِّينِ, وَلما وَجَدَ أَتبَاعُ هَذَا اليَهَودِيِّ أَنَّ هَذَا المنهَجَ الذِي رَسَمَهُ ابنُ سَبأ قَدْ نَجَحَ فِي استِقطَابِ أَصحَابِ الهَوَى وَتَأليبِ الكثَيِرِ مِن ضِعَافِ النُّفُوسِ وَأَصحَابِ المَطَامِعِ ضِدّ أمِيرِ المُؤمِنينَ عُثمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَأَرضَاهُ وَلَمَّا وَجَدُوهُ نَجَحَ في التَّعَاونِ مَعَ أَعدَاءِ الدِّينِ مِن خَارجِ عَاصِمةِ الخِلافَةِ وَإِثَارَةِ الفِتَنِ وَالشُّبَهِ حَتى قَتَلُوا الخَلِيفَةَ وَفَتَنُوا رَعِيَّتَهُ وَلما وَجَدُوهُ نَجَحَ كَذلكَ فِي التّفرِيقِ بَينَ الصَّحَابَةِ عَلى أَسَاسِ العَصَبِيَّةِ القَبَليَّةِ التي جَاءَ الدِّينُ أَسَاسَاً وَقَامَ عَلى هَدمِهَا, يَرُومُونَ فِتنَةَ آلِ البَيتِ وَفِتنَةَ النَّاسِ ِبهم, وَصَدَّ النَّاسِ وَتَشكِيكَهُم في مِصْدَاقِيَّةِ وَأَمَانَةِ نَقَلَةِ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنَ الصَّحَابَةِ رِضوانُ الله عَليهِمْ, مِنْ خِلالِ مُنَادَاتِهمْ بِمُوَالاةِ بَلْ بِالمُغَالاةِ فَي آلِ البَيتِ وَإِدِّعَاءِ العِصمَةِ فِيهمْ, حَتَّى تَطَوَّرَ الأَمْرُ فِيهِم إِلى تَألِيهِ عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ كَمَا عِندَ السَّبَأِيَّةِ.(201/13)
أَقَولُ لما رَأَى أَتباعُ ابنُ سَبأٍ أنَّهُ نَجَحَ في ذَلكَ كُلَّهِ استَمَرَّ هَؤلاءِ الأَتبَاعُ في نَفسِ السِّيرةِ وَعَلى نَفسِ المَنهَجِ الأَوَّلِ عَلى مَرِّ الزَّمَانِ وَإِلى أَيامِنَا هَذِهِ وَلقَدْ أَفَاضَ عُلمَاءُ السَّلفِ وَاسْتَفَاضَ في كُتُبِهِم بَيَانُ حَقِيقَةِ الرَّافِضِةِ وَحَقِيقَةِ دِينِهِم.
وَمِنْ ذَلكَ مَا قَالهُ شَيخُ الإِسلامِ ابنُ تَيمِيَّةَ رَحمهُ اللهُ فِي [مِنْهَاجِ السُّنَّةِ]:" وَالرَّافِضِةُ ليسَ لَهُم سَعيٌ إِلا فِي هَدمِ الإِسلامِ وَنَقْضِ عُرَاهُ وَإِفسَادِ قَوَاعِدِهِ" وَقَالَ أَيضَاً:" وَلا يَطعَنُ عَلى أَبِي بَكرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا إِلا أَحَدُ رَجُلينِ: إِمَّا رَجُلٌ مُنَافِقٌ زِندِيقٌ مُلحِدٌ عَدُوٌّ للإِسلامِ يَتَوَصَّلُ في الطَّعنِ فِيهمَا إِلى الطَّعنِ فِي الرَّسُولِ وَدِينِ الإِسلامِ, وَهَذَا حَالُ المُعلِّمِ الأولِ للرَّافِضَةِ أَوّلَ مَن ابتَدَعَ الرَّفضَ وَحالُ أَئِمَّةِ البَاطِنِيَّةِ, وإِمَّا جَاهِلٌ مُفرِطٌ في الجَهلِ وَالهَوَى وَهُوَ الغَالبُ عَلى عَامَّةِ الشِّيعَةِ إِذْ كَانُوا مُسلِمِينَ فِي البَاطِنْ, " وَقَالَ فِي فَتَاوِيهِ:" قَالَ الإِمَامُ أَحمَدَ فِي رِسَالةِ عَبدُوسٍ بنِ مَالك, أُصُولُ السٌّنَّةِ ِعندَنَا التَّمَسٌّكُ بِمَا كَانَ عَليهِ أَصحَابُ رَسُولِ اللهِ وَالإِقتِدَاءُ بِهم, وَتَركُ البِدَعِ وَكُلُّ بِدعَةٍ ضَلالةٌ والسُّنةُ عِندَنَا آثارُ رسول اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلم والسُّنةُ تُفسِّرُ القُرآنَ وَهِيَ دَلاءٌ للقرآنِ أيْ دَلالاتٌ عَلى مَعنَاهُ وَلهذَا ذَكَرَ العُلمَاءُ أَنَّ الرَّفضَ أَسَاسُ الزَّندَقَةِ وَأَنَّ أَوَّلَ مَن ابتَدَعَ الرَّفضَ إِنما كَانَ مُنَافِقِاً زِندِيقَاً, وَهُوَ عَبدُ اللهِ بنُ سَبأ فَإِنَّهُ قَدْ قَدَحَ في السَّابِقِينَ الأَوَّلينَ وَقَد قَدَحَ فِي نَقلِ الرِّسَالةِ أَو في(201/14)
فَهمِهَا أَو فِي اتِّبَاعِهَا, فَالرَّافِضَةُ تَقدَحُ تَارةً في عِلمِهِمْ بِها وَتَارَةً في اتِّبَاعِهِم لَها, وَتُحِيلُ ذَلكَ عَلَى أَهلِ البَيتِ وَعَلى المَعصُومِ الذِي لَيسَ لَه وُجُودٌ فِي الوجُودِ" انتَهَى كَلامُهُ رَحِمَهُ اللهُ.
وَجَاءَ فِي [المُنتَقَى مِن مِنهَاجِ الإِعْتِدَالِ]:" وَمِن جَهلِ الرَّافِضَةِ أَنَّهُمْ يُوجِبُونَ عِصمَةَ وَاحِدٍ مِنَ المُسلِمِينَ وَيُجَوِّزُونَ عَلى مَجْمُوعِ المُسلِمِينَ إِذَا لم يَكُنْ فِيهِمْ مَعصُومٌ الخَطَأَ, وَقَدْ ذَكَرَ غَيرُ وَاحدٍ أَنَّ أَوَّلَ مَن ابتَدَعَ الرَّفْضَ وَالقَولَ بِالنَّصِّ عَلى عَليٍّ وَعِصمَتِهِ كَانَ زِندِيقَاً أَرَادَ افسَادَ الدِّينَ وَأرَادَ أَنْ يَصنَعَ بِالمُسْلمِينَ كَمَا صَنَعَ بُولُصُ بِالنَّصَارَى, وَأَكبَرُ دَلِيلٍ عَلى بُطلانِ أَصلِ هَذَا المَذهَبِ وَخُرَافَتِهِ أنَّ عَلِيَّاً رَضِيَ اللهُ عَنهُ تَبَرَّأَ مِنهُ وَمِنْ أَصحَابِهِ بَل وَعَاقَبَ مَنْ يَعتَنِقُهُ كُلٌ بَحَسَبِ بِدعَتِهِ, فَمنْ كَانَ يَسُبُّ الشَيخَينِ أَبَا بَكرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا يُجلَدُ حَدَّ المُفتَرِي, وَمَنْ غَالى فِيهِ حَرَّقَهُ بِالنَّارِ".
ثَالِثَاً: إِنَّ جَمهَرَةً مِن عُلمَاءِ السَّلفِ رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالى بَيَّنُوا لنَا القَولَ الفَصْلَ فِي حُكمِ الشَّرعِ عَلى الرَّافِضَةِ وَهُوَ القَولُ بِكُفرِهِمْ وَوُجُوبِ قِتَالِ مَن أَظهَرَ بِدْعَتَهُ مِنهُمْ خَاصَّةً وَإِنْ كَانَ بِطَائِفَةٍ مُمْتَنِعَةٍ مِنهُم، وَ في تَكفيرِهم وَ وجوبِ قِتالِهم أدِلَّةٌ منَ الكِتابِ وَ السُّنَّةِ.
بَلْ حتّى كُتُبُ الرَّافِضَةِ أنفُسِهِم تنقِلُ لَنا الرواياتِ في تبرُّؤِ آلِ البيتِ مِنهُم، ونِسبةِ ذلك إلى النبيّ صلى الله عليه و سلَّم، وَ إِخراجِهِم منَ الإسلامِ.(201/15)
فَأمَّا الأدلّة من الكتابِ فقولًهً تَعالَى : {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الكُفَّارَ} [الفتح:29]، قال ابنُ كثيرٍ (1)رَحِمَهُ الله : وَمِنُ هَذِهِ الآيَةِ انتَزَعَ الإمامُ مالكٌ رَحِمَه الله في رِوَايَةٌ عنهُ بِتَكفيرِ الرَّاوَفِض، الذين يَبْغَضُونَ الصَّحَابَةَ رَضيَ الله عنهُم، قالَ لأنَّهُم يُغيظُونَهُم، وَ مَنْ غَاظَ الصَّحَابةَ رَضِي الله عَنهُم فهو كافرٌ بِهَذِه الآيةِ، وَ وَافَقَه طائفةٌ مِنَ العلماءِ رضيَ الله عَنهُم علَى ذلِك.
وَ قالَ القُرْطُبِيّ(2) رَحِمَهُ الله في تَفْسِيرِه : رَوَى أبُو عُرْوَةَ الزُّبَيْرِيّ مِنْ وَلَدِ الزُّبَيْر، كُنَّا عِند مالكِ بن أَنَس، فَذَكَرُوا رَجُلًا يَنتَقِصُ من أصحابِ رسولِ الله صلَّى الله عليهِ وَ سَلَّمَ فقرَأَ مالكٌ هَذِهِ الآيةَ : {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ ...} [الفتح:29] ، حتَّى بلَغَ .. {يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الكُفَّارَ} [الفتح:29]، فقالَ مالكٌ مَن أصبَحَ منَ النَّاسِ في قَلْبِهِ غَيْظٌ عَلَى أحدٍ من أصحابِ رسولِ الله صلَّى الله عليهِ وَ سَلَّمَ أَصَابَتْهُ هذهِ الآيةُ.ذكَرَه الخطيبُ أبو بكرٍ.
__________
(1) تفسير ابن كثير / {الفتح:29}
(2) أحكام القرآن للقرطبيّ / {الفتح:29}(201/16)
قلتُ - و القولُ للقُرطُبِيّ - لَقَدَ أحسَنَ مالكٌ فِي مَقَالَتِه، وَ أصَابَ في تَأويلِه فَمَنْ نَقَّصَ واحِدًا منهُم، أَوْ طَعَنَ في رِوَايَتِه فقد ردَّ على اللهِ ربّ العالمينَ، وَ أبْطَلَ شَرائِعَ المسلمين. انتهَى كَلَامُهُ رَحِمَهُ الله.
وَ كَذلكَ استدلُّوا منْ قَولِهِ تَعالَى : {وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ(16) يَعِظُكُمَ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ(17)}. [النور:16-17]، قالَ ابنُ عبدِ القَوِيّ عَنِ الإمامِ أحمَد : وَ كانَ الإمامُ أحمدُ يُكَفِّرُ مَنْ تَبَرَّأَ منهُم - أيْ الصَّحَابَة - وَ منْ سبَّ عَائِشَةَ أمَّ المؤمِنينَ، و رَمَاهَا مِمَّا بَرَّأهَا الله مِنهُ .. وَ كانَ يَقرأُ {يَعِظُكُمَ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [النور:17].
وَ قَالَ القُرطُبِيُّ (1)رَحِمَهُ الله : قالَ هِشامُ بنُ عَمَّار سَمِعْتُ مالِكًا يَقولُ : مَن سبَّ أبا بكرٍ وَ عُمَرَ أُدِّبَ، وَ مَنْ سَبَّ عَائِشَةَ قُتِلَ لأنَّ الله تَعالى يَقولُ :{يَعِظُكُمَ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [النور:17]، فَمَن سبَّ عائشَةَ فقدْ خَالَفَ القرءَانَ، وَ مَن خَالَفَ القرءانَ قًتِلَ.
__________
(1) أحكام القرآن للقرطبيّ / {النور:17}.(201/17)
قالَ ابنُ العَرَبِيّ (1)
__________
(1) الْآيَةُ التَّاسِعَةُ قَوْله تَعَالَى : { يَعِظُكُمْ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } . فِيهَا مَسْأَلَةٌ : قَوْله تَعَالَى : ( لِمِثْلِهِ ) يَعْنِي فِي عَائِشَةَ ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يَكُونُ إلَى نَظِيرِ الْقَوْلِ فِي الْمَقُولِ عَنْهُ بِعَيْنِهِ ، أَوْ فِيمَنْ كَانَ فِي مَرْتَبَتِهِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إذَايَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عِرْضِهِ وَأَهْلِهِ ، وَذَلِكَ كُفْرٌ مِنْ فَاعِلِهِ . قَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ : سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ : مَنْ سَبَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ أُدِّبَ ، وَمَنْ سَبَّ عَائِشَةَ قُتِلَ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ : { يَعِظُكُمْ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } فَمَنْ سَبَّ عَائِشَةَ فَقَدْ خَالَفَ الْقُرْآنَ ، وَمَنْ خَالَفَ الْقُرْآنَ قُتِلَ . قَالَ الْفَقِيهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ : قَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ : مَنْ سَبَّ عَائِشَةَ أُدِّبَ ، كَمَا فِي سَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَلَيْسَ قَوْله تَعَالَى : { إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } فِي عَائِشَةَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُفْرٌ ، وَإِنَّمَا هُوَ كَمَا قَالَ : { لَا يُؤْمِنُ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ } . وَلَوْ كَانَ سَلْبُ الْإِيمَانِ فِي سَبِّ عَائِشَةَ حَقِيقَةً لَكَانَ سَلْبُهُ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ } حَقِيقَةً . قُلْنَا : لَيْسَ كَمَا زَعَمْتُمْ ؛ إنَّ أَهْلَ الْإِفْكِ رَمَوْا عَائِشَةَ الْمُطَهَّرَةَ بِالْفَاحِشَةِ ، فَبَرَّأَهَا اللَّهُ ، فَكُلُّ مَنْ سَبَّهَا بِمَا بَرَّأَهَا اللَّهُ مِنْهُ فَهُوَ مُكَذِّبٌ لِلَّهِ ، وَمَنْ كَذَّبَ اللَّهَ فَهُوَ كَافِرٌ . فَهَذَا طَرِيقُ قَوْلِ مَالِكٍ . وَهِيَ سَبِيلٌ لَائِحَةٌ لِأَهْلِ الْبَصَائِرِ ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا سَبَّ عَائِشَةَ بِغَيْرِ مَا بَرَّأَهَا اللَّهُ مِنْهُ لَكَانَ جَزَاؤُهُ الْأَدَبَ . أحكام القرآن لابن العربيّ، سورةُ النّور .(201/18)
: قالَ أصحابُ الشَّافِعِيّ : مَن سبَّ عائشَةً رضيَ الله عَنهَا أُدِّبَ كَما في سائرِ المؤمنين، وَ ليسَ قولُه {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [النور:17] في عائَِشَة؛ لأنَّ ذلكَ كُفرٌ، وَ إنَّمَا هُوَ كَمَا قالَ عليه السَّلام ( لَا يُؤمِنُ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارَهُ بَوَائِقَهُ) وَ لَو كانَ سَلْبُ الإيمانِ في سبَّ مَن سبَّ عائشَةً حقيقَةً، لكان سَلْبُهُ في قَولِهِ ( لا يزنِي الزَّاني حينَ يَزْنِي وَ هُوَ مُؤمِنٌ) حقيقةً، قُلنَا : ليسَ كَمَا زَعَمْتُم، فإنَّ أهلَ الإفكِ رَمُوا عائشَةَ المُطَهَّرَةَ بالزِّنَى، فَكُلُّ مَنْ سَبَّهَا بمَا بَرَّأَها اللهُ منهُ مُكَذِّبٌ لله، وَ مَنْ كَذَّبَ اللهَ فَهُوَ كافرٌ، فَهَذَا طَرِيقُ قَوْلِ مَالِكٍ . وَهِيَ سَبِيلٌ لَائِحَةٌ لِأَهْلِ الْبَصَائِرِ ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا سَبَّ عَائِشَةَ بِغَيْرِ مَا بَرَّأَهَا اللَّهُ مِنْهُ لَكَانَ جَزَاؤُهُ الْأَدَبَ . انتهَى كَلَامُهُ.
وَ قَولُه تَعَالَى : {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} [الأنعام:89]، و بقولِهِ
تَعالَى : {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة:143]، يقولُ الإمامُ أبو المحاسنِ الواسِطيّ في استدلالِهِ من هذهِ الآياتِ علَى كفرِ من يُكَفِّرْ أوْ ينتَقِصْ من عدالةِ الصَّحَابَةِ الثَّابتةِ بالكتابِ، أنَّهُم يكْفُرُون؛ لتكفيرِهم لصحابةِ رسول الله صلّى الله عليه و سلَّمَ الثابتِ تعديلُهُم وَ تزْكِيَتُهُم في القرآن، في قولِه تَعالَى : {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة:143]، و بِشَهَادةِ اللهِ تعالَى لهُم أنَّهُم لا يكْفُرُونَ بقولِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} [الأنعام:89].(201/19)
وَ أمَّا السُّنَّة، فَبِمَا جاءَ في مَجْمَعِ الزَّوائِدِ (1)بإسنادٍ حَسَنٍ، عن ابن عبَّاسٍ قَالَ: كُنتُ عِندَ النَّبِيّ صلَّى الله عليهِ وَ سَلَّمَ وَ عِندَهُ عَلِيّ، فقَالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وَ سَلَّمَ ( يَا عَلِيّ سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي قَوْمٌ، يَنتَحِلونَ حبَّ أهلِ البيتِ، لَهُم نِبْذٌ، يُسَمَّونَ الرَّافِضَة، قَاتِلوهُم فَإنَّهم مُشْرِكون ).
__________
(1) رقم الحديث: 16434 )عن ابن عباس قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم وعنده علي فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " يا علي سيكون في أمتي قوم ينتحلون حب أهل البيت، لهم نبز يسمون الرافضة، قاتلوهم فإنهم مشركون ") . رواه الطبراني وإسناده حسن. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد لعليّ بن أبي بكر الهيثمي.(201/20)
وَ مَا أخرَجَهُ الإمامُ أحمدُ في مُسْنَدِه(1)، وَ البَزَّارُ عَن إبراهيمَ بن الحسنِ بن عَلِيّ بن أبي طالِب عَنْ أبيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قالَ عليُّ بن أبي طالب رضِيَ اللهُ عَنْهُ: قَالَ رسولُ اللهِ صَلَّى الله عليهِ وَ سَلَّم ( يَظْهَرُ في آخرِ الزَّمان قَوْمٌ يُسَمَّونَ الرَّافِضَة يرفِضونَ الإسلامَ).
و العجيبُ أنَّ ذلك النَّبْذَ - أعني الرَّافِضة - قدْ نقَلَه أيْضًا أئِمَّةُ الرَّافِضَة في أًصُولِهِم المُعتَبَرَةِ عنِ الحُسَيْن بن عليّ بن أبي طالِب رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا.
__________
(1) رقم الحديث 810 حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْوَرَكَانِيُّ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ حَدَّثَنَا أَبُو عَقِيلٍ يَحْيَى بْنُ الْمُتَوَكِّلِ ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ لُوَيْنٌ فِي سَنَةِ أَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ حَدَّثَنَا أَبُو عَقِيلٍ يَحْيَى بْنُ الْمُتَوَكِّلِ عَنْ كَثِيرٍ النَّوَّاءِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَسَنِ بْنِ حَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - {قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَظْهَرُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ يُسَمَّوْنَ الرَّافِضَةَ يَرْفُضُونَ الْإِسْلَامَ} م1/ مسند الخلفاء الرّاشدين.(201/21)
فَقدْ نَقَلَ لنَا صاحبُ كتابِ للهِ ثُمَّ للتَّاريخِ عَنْ كِتَابِ الكافِي رِوايَةً عَنْ أبي عبدِ اللهِ عليهِ السَّلَام، أنَّهم جَاءُوا إليهِ - أي الرَّافِضَةُ - فقالُوا لَهُ : إنَّا قَدْ نُبِذْنَا نَبْذًا أَثْقَلَ ظُهُورَنا، وَ ماتَتْ لَهُ أَفْئِدَتُنَا، وَ اِسْتَحَلَّتْ لَهُ الولاةُ دِماءَنَا.. في حديثٍ رَوَاهُ لَهُم فُقَهَاءُهُم، فقالَ لَهُم أبو عبدِ اللهِ عليهِ السَّلَام: الرَّافِضَة، قالوا: نعَمْ، فقالَ: لا والله مَا هُمْ سمَّوْكُم، وَ لَكِنَّ اللهَ سَمَّاكُم بهِ.
وَ يَقُولُ السَّيد حُسَيْن بن مُوسَوِيّ مُعَلِّقًا علَى ذلِكَ: فَبَيَّنَ أبُو عبدِ اللهِ أنَّ اللهَ سمَّاهُمُ الرَّافِضَةَ وَ لَيْسَ أهْلُ السُّنَّة.
وَ مِمَّا اُستُفِيضَ مِنْ أَقْوَالِ السَّلَف في الحُكِمٍ بِكُفْرِهِمْ، فَمِمَّا وَرَدَ عنِ الإمَامِ أحمدِ رَحِمَهُ الله، ما رَوَى الخَلَّال عَنْ أَبِي بَكْرٍ المِرْوَدِيّ، قالَ سألتُ أبَا عبدِ الله عَمَّنْ يَشْتِمُ أبَا بَكْرٍ وَ عُمَرَ وَ عَائِشَة، قالَ: ( مَا أَراهُ علَى الإسْلَامِ )، وَ قالَ الخَلَّال: أخْبَرَني عبدُ المَلِكِ بن عبدِ الحميدِ، قالَ سَمِعْتُ أبَا عبدِ اللهِ قَالَ: ( مَنْ شَتَمَ أخافُ عليهِ الكُفْرَ مِثْلَ الرَّوافِضِ ) ثًمَّ قالَ ( مَنْ شَتَمَ أصحابَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وَ سَلَّمَ لَا نَأْمَنُ أنْ يَكُونَ قدْ مَرَقَ عَنِ الدِّين).
وَ جاءَ في كتابِ السُّنّةِ للإمامِ أحمَدِ قَولُهُ عَنِ الرَّافِضَةِ، هُمُ الذين يَتَبَرَءونَ مِن أصحابِ محَمَّدٍ صلَّى الله عليهِ و سلَّمَ، وَ يَسُبُّونَهُم، وَ يَنْتَقِصُونَهُم، وَ يَسُبُونَ الأئِمَّةَ إلا أَرْبَعَ، عَلِيَّا وَ عَمَّارَ وَ المِقْدادَ و سَلْمَان، وَ لَيسَتُ الرَّافِضَةُ من الإسْلامِ فِي شيء.(201/22)
وَ قَالَ الإمامُ البُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى في خَلْقِ أَفْعَالِ العِبادِ: (مَا أُبَالي صَلَّيْتُ خَلْفَ الجَهْمِيّ وَ الرَّافِضيّ أمِ صلَّيْتُ خَلْفَ اليَهُودُ و النَّصَارَى، وَ لَا يُسَلَّمُ علَيْهِم، وَ لَا يُعادُونَ، وَ لَا يُناكَحُون، وَ لَا يُشَهَّدُونَ وَ لَا تُؤْكَلُ ذَبائِحُهُم).
وَ قَالَ الإمامُ أحمَدُ بن يُونُس، الذي قالَ عنهُ الإمامُ أحمَدُ بن حَنبَلْ وَ هُوَ يُخاطِبُ رَجُلًا: ( اُخْرُج إلى أحمدُ بن يُونس فإنَّه شيخُ الإسلامِ) ، قالَ - أي الإمام أحمدُ بن يونس- لَوْ أنَّ يِهُودِيًّا ذَبَحَ شاةً، وَ ذَبَح رافِضِيٌّ لَاًكًلْتُ ذَبِيحَةَ اليَهُودِيّ، وَ لمْ آكلْ ذبيحَةَ الرَّافِضِيّ، لأنَّهُ مُرْتَدٌّ عَنِ الإسلامِ.
وَ قالَ الإمامُ بن حَزْمٍ رحِمَهُ الله تَعَالى في رَدِّهِ علَى النَّصَارَى الذين يَسْتَدِلُّونَ بِتَحريفِ القُرءان مِنْ أقْوالِ الرَّافِضَةِ، فقَالَ ( وَ أمَّا قَولُهُم - يُعنِي النَّصَارَى - في دَعْوَى الرَّوافِضِ تَبْديل القرءان، فَإنَّ الرَّوَافِضَ لَيسُوا منَ المُسلِمين.(201/23)
وَ قَالَ شَيْخُ الإسلامِ بن تَيْمِيَّة رَحِمَهُ الله تَعَالَى في الصَّارِمُ المَسْلُول: ( مَن زَعِمَ أنَّ القُرءَانَ نُقِصَ مِنْه آياتٍ، أوْ كُتِمَت، أوْ زَعَم أنَّ لَهُ تأويلًاتٍ باطنةً تُسْقِطُ الأعمالَ المَشْرُوعَة، فَلا خِلًافَ في كُفْرِهِمْ، وَ مِنْ زَعَمَ أنَّ الصَّحابَةَ ارْتَدُّوا بعدَ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وَ سَلَّمَ إلا نفرًا قليلًا لا يبْلُغُونَ بِضْعَةَ عَشْرَ نَفْسًا، أضوْ أنَّهُم فَسَّقُوا عَامَّتَهُم، فَهَذا لَا رَيْبَ أيضًا في كُفْرِهِ، لأنَّهُ مُكَذِّبٌ لِما نَصَّهُ القُرْءان في غَيْرِ مَوضِعٍ من الرِّضَى عَنهُم، وَ الثَّناءِ عَليِهم. بلْ مَنْ يَشُكُّ في كُفْرِ مثلِ هَذا فَإنَّ كُفْرَهُ مُتَعَيِّنٌ، فَإنَّ مضمونَ هذهِ المَقَالًة أنَّ نَقَلَةَ الكتابِ
و السُّنَّةِ كُفَّارٌ أَوْ فُسَّاق، وَ أنَّ هذهِ الآيةَ التي هيَ : {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110]،
وَ خَيْرُهَا هُوَ القَرْن الأوَّلُ كانَ عامَّتَهُم كُفَّارًا أوْ فُسَّاقًا، وَ مَْضمُونُها أنَّ هذهِ الأمَّةَ شَرُّ الأُمَمِ، وَ أنَّ سابِقِي هذه الأمَّة هُم شِرَارُهَا، وَ كُفْرُ هذا مِمَّا يُعلَمُ بالاضطرارِ مِنْ دينِ الإسْلًامِ).
وَ قالَ أيضًا عن الرَّافِضَة، إنَّهُم شرٌّ من عامَّةِ أهلِ الأهواءِ، وَ أَحَقُّ بالقِتالِ من الخوَارِجِ.
وَ قالَ الإمامُ السَّمْعَانيّ رَحِمَهُ الله في الأنسَابِ: ( وَ اجْتَمَعَتْ الأمَّة على تكفيرِ الإماميَّةِ لأنَّهم يعتقدونَ تضليلَ الصحَّابَة ، و ينكرونَ إجماعَِهَم ، وَ ينسِبونهُم إلى ما لا يَليِقُ بهِم.(201/24)
وَ منْ عَجيبِ التناقُضَاتِ و المفارَقَاتِ، أنَّ الحكومةَ السّعودِيَّةَ و قِس عَلَيْهَا غَيْرَها ممَّن كانوا يُنادونَ بالعدَاءِ و يُطلِقون التحذيراتِ من الخَطَرَ القادِمِ من الرَّافِضَة، نراهُمُ اليومَ يُقَرِّبونَهُم، وَ يجلِسونَ معهَم، وَ يَتَحَاوَرُونَ في مَجَالِسِ محاوراتِهِم الرَّسمِيَّة. فَهَاهي لَجْنَتُهُم الدَّائمَة للبحوثِ و الإفتَاءِ، كانَتْ قد أفْتَتْ بتكفِيرِ الرَّافِضَة إثرَ سؤالٍ وُجِّهَ للجْنَةِ آنَذَاك من قِبِلِ سائلٍ يِقُولُ: أنا من قبيلةٍ تسكُن في الحدودِ الشَّمَاليَّة، وَ مخْتَلِطِين نحنُ و قَبَائلُ من العراقِ، وَ مَذهَبُهُم شيعةٌ وثَنِيَّة، يَعبُدونَ قُبَبَا وَ يُسَمُّونَها بالحسن، و الحسين، و عليّ، و إذا قامَ، قالَ يا عليّ، يا حُسَيْن، وَ قدْ خالطَهُم البعضُ من قبَائلِنا في النِّكَاحِ، وَ في كلِّ الأحوالِ ، وَ قدْ وَعَظْتُهُم وَ لمْ يَسْمَعُوا، وَ هم في القرَايَا و المنَاصيب، وَ أَنَا مَا عندي أعظُهُم بعِلْمٍ، وَ لَكنِّي أكْرَهُ ذلكَ وَ لَا أُخالِطُهُم، وَ قدْ سَمِعْتُ أنَّ ذَبْحَهُم لَا يُؤْكَل، وَ هؤُلَاء يَأكُلونَ ذبحَهُم، وَ لَا يَتَقَيَّدُوا، وَ نطلبُ من سماحتِكم توضيحَ الواجبِ نحوَ مَا ذَكَرْنَا.(201/25)
فَكَانَ ردُّ اللّجنَة: إذَا كانَ الواقِعُ ما ذكرتَ من دعائِهِم عليًّا وَ الحَسَن، وَ نَحْوَهُم فَهُم مُشْرِكُونَ شِركًا أكبر، يُخرجُ من ملَّةِ الإسلامِ، فَلًا يحِلُّ أنْ نُزَوِّجَهُمُ المُسْلِمَاتِ، وَ لًا يَحِلُّ لَنَا أنْ نَتَزَوَّجَ من نِسَائِهِم، وَ لَا يحِلُّ لَنَا أنْ نَأكُلَ من ذبائِحِهِم، قالَ اللهُ تَعَالَى: {وَلَا تَنْكِحُوا المُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا المُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللهُ يَدْعُو إِلَى الجَنَّةِ وَالمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [البقرة:221]، وَ باللهِ التوفِيقُ، وَ صَلَّى اللهُ على نبيِّنَا محَمَّدٍ، وَ على آلِهِ، وَ صَحْبِهِ وَ سَلَّمَ. اللّجنةُ الدائمَةُ للبحوثِ العلميَّةِ و الإفتاءِ.
وَ مِمَّا جاَء في كتبٌ الرَّافِضَة أنفُسِهِم في تَبَرؤِِ آلِ البيتِ، وَ الرّسولِ صَلَّى الله عليهِ وَ سَلَّمَ منهُم، وَ إخْراجِهِم من هذه الأمَّة مَا جَاءَ في كِتَابِ الاحْتِجَاجِ قَالَ الإمامُ زَيْنِ العَابِدينَ عليهِ السَّلَام لأهْلِ الكُوفَة : (هَل تَعْلَمُونَ أنَّكم كتَبْتُم إلى أبي وَ خَدَعْتُمُوه، وَ أَعْطَيْتُمُوه من أنفُسِكُم العَهْدَ وَ المِيثَاق، ثُمَّ قَتَلتُمُوه وخَذَلْتُمُوه، بأيّ عينٍ تَنظرونَ إلى رسولِ اللهِ صلَّى عليهِ وَ سلَّمَ وَ آلِه وَ هُوَ يَقولُ لَكُم : ( قَاتَلتْم فِطْرَتِي، وَ انتَهَكْتُم حُرْمَتي، فَلَسْتُم من أمَّتي )(201/26)
رَابِعًا: إنَّنَا حينَ نَسْتَشهِدُ بروَايَاتٍ وَ أَقْوَالٍ من كُتُبِ الرَّافضةِ المعتبَرَةِ المعتَمَدَةِ عندَهُم، فَإنَّنَا لا نقِرُّ بالضَّرورة بهذهِ الأقوالِ و الرِّوايَاتِ، وَ إنَّمَا نحنُ نَسْتَأنسُ بِهَا من بابِ وَ شَهِدُوا على أنفُسِهِم. وَ قدْ استَشْهَدنَا بكثيرٍ من هذه الرّوايَاتِ.
خَامِسًا: إنَّ جَرَائمَ الرَّافِضَة وَ خِيَانَاتِهِم عَبْرَ التَّاريخ، كانتْ كلُّهَا جَرَائِم من حيث المعتقد الدينيّ ، لكِّنَنَا تنَاولْنا كلُّ منهَا بحسبِ جانِبِهَا، وَ بحَيْثِيَّاتٍ متعدِّدة، فَهُنَاكَ جرائمَ دينِيَّة مَحضَة تتعلَّقُ بجانبِ العِبادات، وَ شَعَائر لهدمِ الدِّين أو تحريفِه، وَ هُناكَ جرائم سِيَاسِيَّة من خلالِ الغدرِ و الاغتيالاتِ من الدَّاخِلِ، وَ المؤامرةِ مع العدوّ من الخارِجِ لزَعْزَعَةِ الدَّولَةِ الإسلاميَّةِ، وَ هُنَاكَ جَرَائمَ اجتِمَاعِيَّة وَ أخلاقِيَّة لِنَشْرِ الرَّذيلَة لتفكيكِ الأسرةِ المُسلِمَةِ، وَ تفكيكِ البُنْيَةِ التَّحْتِيَّة للأمَة الإسلاميّة باسم المُتْعَةِ في الدِّين فَذَكَرْنَا كلًّا في مَحَلِّه، وض هيَ في مَجْمُوعِها بالجُملَة لا تَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهَا جَرائِمَ دينيَّة.(201/27)
وَ بعدَ أنْ قَرَّرْنَا مَا سَبَقَ تَوضيحُهُ نَقُولُ، لَقَدْ رَصَدَ لنا التَّاريخُ منذ عهد الخِلافَة الراشِدَة مرورًا بالعهد الأمويّ، وَ العَبَّاسِيّ وَ العُثْمَانيّ، وَ حتَّى هَذَا العصر كَمًّا هَائلًا من خياناتِ القومِ و جرائمِهِم، وَ غَدَرَاتِهِم ، لَوْ أرَدْنَا حصرِهَا استيفَاءًا، وَ تَتَبُّعُهَا استقْرَاءًا ،لاحتَجْنَا لِمحاضراتٍ وَ مُحاضَراتٍ، بَل و إلى أسفار مُتَتَالياتٍ، وَ حسْبُنَا هُنا أن نَذْكُرَ وَ نُذَكِّر بجُمْلَةٍ من أَبْرَزِ خِيَانَاتِهِم، وَ جَرَائِمِهِم عبرَ التَّاريخِ من خِلالِ ذكْرِ ماضي خِيَانَاتِهم، وَ الرَّبطِ بَيْنَهَا وَ بَيْنَ حَاضِرِهِا ، حَتَّى تَكُونَ الصُّورَةَ حاضرةٌ في أذْهَانِنا، لا مُجَرَّدَ سَردٍ تاريخِيّ من ماضٍ تَليدٍ مُنقطع عَن حَاضِرِهِ.(201/28)
فَأَمَّا في عهْدِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَة، فقدْ بَدَت أولى جرائمِهِم وَ خِيَانَاتِهم، في عَهْدِ الخليفة العَادِل الرَّاشد الذي أعزّ الله بهِ الإسْلامِ؛ بِبَرَكَةِ دَعْوَةِ نبيِّنَا صلَّى الله عليهِ وَ سَلَّمَ لَهُ، عُمَرَ بن الخَطَّاب رضيَ الله عنهُ، مُتَمَثِّلَة الجانبِ السِّياسيّ منهَا خَاصَّة، إذ لمْ يَكُن الفِكْر و المُخَطَّطُ الرَّافِضِيّ تَبَلْوَرَ تَمَامًا، وَ قدْ مَثَّلَ هذه الخِيَانَة المَجُوسِيّ، الفَارِسِيّ أبُو لؤلؤَة، الذي كَانَ من سَبيِ فَارِسٍ بعد أنْ فَتَحَها اللهُ على المسلمين في عَهْدِ الفاروقِ عُمَر، فَمَا كانَ من هذا المَجُوسيّ الفَارسيّ بعدَ أنْ فَاضَ بالحقدِ قَلْبَهُ، وَ استَفَاضَ بالغدرِ هَمَّه إلَّا أنْ دَبَّرَ مؤامَرَةً معَ منْ يُقَاسِمونَه الكَرَاهِيّة وَ العداءَ لِهَذَا الدِّين، وَ هُمَا الهُرمُزَان وَ جُفَيْنَة، فَالهُرْمُزان الذي كانَ مَيْمَنَة القائدِ الفارِسيّ رُسْتُم في القادِسِيَّة، ثُمَّ هَرَبَ بعد هَلَاكِ رُسْتُم، ثُمَّ مَلَكَ خُوزِشْسْتان، وَ قَاتَلَ المُسلِمين، وَ لَمَّا رَأى عَجْزَه، طَلَبَ الصُّلْحَ فَأُجِيبَ إليهِ، وَ لَكِّنَّه غَدَرَ، وَ قَتَلَ المَجْزَأةَ بن ثَوْر وَ البراء بن مالكٍ، فَقَاتَلَه المُسلمونَ وَ أَسَرُوهُ وَ سَاقُوهُ إلى عُمَرَ بن الخطَّابِ، فَأَظْهَرَ الإسلامَ وَ حُسْنَ الطَّوِيَّة، وَ عاشَ في المَدِينَةِ.(201/29)
وَ جُفَيْنَة النَّصْرَانيّ من أهلِ الحِيرَة، كَانَ ظِئرًا لسعدِ ين مالكٍ، أَقْدَمَه للمدينَة للصُلْحِ الذي بَينَنَا وَ بَيْنَهُم، وَ لِيُعَلِّمَ أَهْلَ المدينَةِ الكِتَابَة. وَ بالرّغمِ أنَّ أميرَ المُؤمنينَ، وَ جَميعَ المُسلمينَ أَحْسَنُوا إليهم إلَّا أنَّ الحقدَ المَجُوسيّ الفَارسيّ على الدِّينِ، وَ على دولةِ الإسلام ، كانَتْ أَكْبَرَ بكثيرٍ من هَذَا الإحسَانِ، فَحَاكُوهَا مؤامرةً كُبْرَى، و خِيَانَةً في حُكْمِ الشَّرْعِ عُظْمَى، حَيْثُ سَنُّوا أوَّلَ سُنَّة سَيِّئَة في الإسلام، وَ أوَّلَ لَبِنَة أساسٍ من مُخطَّاطاتِ الرَّافضَة في مِجَالِ الغدْرِ و الخِيَانَة، أَلَا وَ هيَ سُنَّةُ الخُروجِ على الحاكِمِ المُسلِم، وَ سُنَّةُ اغتيالِ الخليفِة، وَ الذي بموتِه أو بالخروجِ عليهِ تضطَرِبُ البِلادُ وِ يَفْتَتِن العِبادُ.
وَ نَحنُ هُنَا نُدْرِجُ هذه الخِيَانَةَ، وَ هَذِه الجَريمَةَ، وَ نَعُدُّهَا أُولَى جَرَائمِ الرَّافِضَة، بالرَّغْمِ من أنَّ دينَ الرَّفْضِ لَمْ يَكُن قدْ ظَهَرَ بالفِعلْ كَمنهَجٍ وَ كَدِينٍ، وَ كَفِكْرٍ لِسَبَبَيْنِ، الأوَّلُ هُوَ أنَّ هذا المَجُوسيّ هو أوَّلَ مَنْ سَنَّ جَريمَة الاغتيَال السيَاسِيّ المُوَجَّهَة ضِدَّ الحَاكِمِ المُسلِمِ؛ نتيجَةَ للحقدِ على الإسْلَامِ وَ أهْلِهِ، فَكَانتْ هيَ النَّبْرَاس الذي بهِ اهْتَدَى بقيَّةُ الرَّافِضَة من بَعْدِه.(201/30)
وَ الثَّاني أنَّ الرَّافِضَة بعدَ ذلكَ اعتبَرُوهُ رَمْزًا مِنْ رُمُوزِهِم، وَ اعتَبَروا سُنَّتَه في الاغتيال أسَاسًا من أُسُسِهِم، وَ أَدَبِيَّاتِ جَرائِمِهِم، لدَرَجَةٍ أنَّهُم يَتَرَضَّوْنَ عَنْهُ في كُتُبِهِم، بَلْ وَصَلَ بهمُ الأمْرُ في تَعْظِيمِه أنْ بَنَوْا لَهُ قَبْرًا، وَ مَزَارًا في مُستَقَرِّ وَقْرِهِم في إيران، يَطوفُنَ بِهِ وَ يُقدِّمونَ عِندَهُ القَرَابين. وَ في ذلكَ يَقولُ صاحبُ كتابِ للهِ ثُمَّ للتَّاريخِ: ( وَ اعْلَمْ أنَّ في مدينةِ كَاشان الإيرانية في مَنْطِقَةِ تُسَمَّ باغيثين مَشْهَدًا عَلَى غِرارِ الجُنْدِيّ المَجْهُولِ، فيهِ قَبْرٌ وَهْمِيّ لأبي لُؤلؤة فَيْرُوز الفَارِسيّ المَجوسيّ، قَاتِل الخَليفَةِ الثَّاني عُمَرَ بن الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنهُ وَ أرْضَاه، حَيْثُ أطلَقُوا عليهِ مَا معنَاه بالعربِيَّة: مَرْقَدْ بابا شُجاعِ الدِّين، وَ بَابا شُجاعِ الدِّين، هُوَ لقبٌ أطْلَقُوهُ على أبي لؤلؤة لِقَتْلِهِ عُمَرَ بن الخطَّابِ، وَ قدْ كُتِبَ عَلى جُدْرانِ هذا المشهدِ بالفارِسيّ ( مَرْك بَرْ أبو بكر - وَ مرْكبَرْ عُمَر - وَ مَرْكْبَرْ عُثمان ) وَ معناهُ بالعربِيَّة ( الموتُ لأبي بَكْرٍ، الموتُ لِعُمَرَ ، الموتُ لِعُثمَان ).
وَ هذا المَشْهَدُ يُزارُ من قِبَلِ الإيرانيين، وَ تُلقَى فيهِ الأموالُ و التَّبَرُّعاتُ، وَ قدْ رأيتُ هذا المَشْهَدُ بنَفسِي، وَ كانتْ وَزَارَةُ الإرشادِ الإيرانيَّة قدْ بَاشَرَتْ بِتَوْسِيعِهِ، وَ تَجْدِيدِه، وَ فَوْقَ ذلك قَاموا بطبعِ صورة المَشْهَدِ على كارتات تُستَخدَم في تَبادُلِ الرَّسَائلِ وَ المَكاتيبِ. انتهَى كلامُه.(201/31)
وَ يَقُولُ الإمامُ ابن تَيْمِيَّة رحِمَهُ الله تَعَالَى في مِنْهَاجُ السُّنَّة النَّبَوِيَّة : ( وَ لِهَذَا تَجِدُ الشِّيعَة يَنتَصِرونَ لأعداءِ الإسلامِ المُرتَدِّين، كَبني حَنِيفَةَ أتْبَاعِ مُسيْلَمَةَ الكذَّاب، وَ يَقُولونَ إنَّهُم كانوا مَظْلومينَ)، كَمَا ذكَرَ صاحبُ هذا الكتابِ ( وَ يَنْتَصِرونَ لأبي لؤلؤةَ الكافرِ المَجوسيّ، وَ منهُم من يَقُول (اللهمَّ ارضَ عَن أبي لؤلؤة واحْشُرنِي مَعَه)، وَ منهُم مَن يقولُ في بعض ما يَفعَله منْ مُحارَبَتِهِم (وَ ثَارَاتِ أبي لُؤلؤة). كَمَا يَفعَلُونَهُ في الصُّورَةِ التّي يُقدّرون فيها صورةَ عُمرَ من الجِبْسِ أو غَيرِه، وَ أبو لؤلؤة كافرٌ باتِّفاقِ أهلِ الإسلامِ، كانَ مَجُوسِيًَّا مِن عُبَّادِ النِّيرانِ، وَ كانَ مَمْلوكًا للمغيرة بن شُعْبَة، وَ كان يصنعُ الأرحَاء، وَ عليهِ خَراج للمغيرَةِ كُلَّ يومٍ أربعَ دراهِم، وَ كانَ قدْ رَأى ما عَمِلَهُ المُسْلِمونَ بأهْلِ الذِّمَّة، وَ إذَا رَأَى سَبْيَهُم يَقْدُمُ المَدينة يَبُقى من ذلك في نَفْسِهِ شَيء) انتَهى كًلًامُهُ رَحِمَهُ اللهُ.(201/32)
ثُمّ ظَهَرَتْ ثَانِي جَرِيمَةٍ سِياسِيّةٍ مِنْ جَرَائِمِ الرّافِضةِ أَلا وَ هِي جَريمةُ مَقتَل الخَلِيفة عُثمان رَضِيَ الله عنه، بَعدَ بَثِّ الشُّبََهِ و استِثارَةِ الشَّعب ضِدَّه. لكِنْ هَذِهِ المرّة، الجَرِيمَة مُستَنِدَةٌ على مخطَّطٍ و فِكرٍ مُتَبلوِرٍ وَ نَاضِجٍ وَ أَكْثَرُ حِبْكَةً مِنْ سابِقَتها، عَلَى يَدِ المؤَسِّس الحَقِيْقِيِّ لمَذهَبِ الرَّفض، اليَهُودِيُّ بنُ سَبَأ. حَتى أنَّ فِرقَةً مِنْ فِرَقِ الرّافِضَةِ انْتَسَبَتْ لَهُ وَ سُمُّوا بِالسَبَأِيَّة، وَ عَبْدُ اللهِ بنُ سَبَأ هَذا وَ إِنْ كَان يَتَبَرَّأ مِنْه الرّافِضَةُ اليومَ ظَاهِرَاً إِلا أنَّهُ يَرْسَخُ في أمَّهَاتِ كُتبِهمْ بَاطِنَاً. حَتَّى أنَّ المحقِّقِين مِنْ عُلمائِهِم أكًّّدُوْا أَنَّ هَذِهِ الشَّخصيةَ مُثْبتَةٌ فِيْ أُمّهاتِ كُتُبِ الرّافِضَة، بَلْ وَ فِي كُتُبٍ مُتنَوّعةٍ وَ مَصَادِرَ مُخْتلفةٍ، بَعضُها في كُتُب الرِّجَالِ و بَعْضُهَا في الفِقْهِ وَ بَعْضُهَا فِيْ الفِرَق. وَ مِنْ ذَلِكَ مَا جَاءَ فِيْ كِتَابِ [شَرحِ نَهْجِ البَلاغَة] مَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِيْ الحَدِيْدِ أَنَّ عَبْدُ اللهِ ابْنُ سَبَأ قَامَ إلَى عَليِّ وَ هُوَ يَخْطِب، وَ مِنْ كِتَابِ [الأنْوَارِ النُّعْمَانِيّةِ] مَا ذَكَرَهُ سَيِّدُهم "نِعمةُ الله الجَزَائريّ" قَالَ عَبْدُ اللهِ ابْنُ سَبَأ لِعلِيّ: "أنت الإله حقاً" .(201/33)
وَ مَع أنَّ هَذا اليَهُوْدِيَّ الأَصْلَ، الرَّافِضِيَّ المَنْهَجِ وَ الدَّعْوَةِ قَدْ نَجَحَ فِيْ بَثِّ الِفتَنِ وَ تَشْكِيْكِ النّاسِ في شَرعِيَّةِ خِلافَةِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَ مَعْ أنَّه تَمَّ وَ بإيْعِازٍ مِنْهُ قَتْلُ الخَلِيفَةِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، إِلا أنََّه لَمْ يَهْدَأ لَهُ بَالٌ بِذَلِك. لأنَّه حَقِيقَةً، لا يَقْصِدُ عَزْلَ أَمِيرٍ و تَنصِيبَ آخَر، بَلْ أَرَادَ أَنْ يَفْتِنَ المُسْلِمِينَ وَ يُلَبِّسَ عَلِيهِم دِيْنَهُم، فَاسْتَمرَّ يَحِيكُ المُؤامَرات، وَ يَفتِلُ حَبَائِلَهَا حَتّى فِي زَمَنِ أَمِيْر المُؤْمِنِينَ عَليّ بُنِ أَبي طَالِب رَضِيَ الله عَنْهُ. فَبَعْدَ أنْ كَادَتْ تَخْمد فِتْنَةُ "وَقْعَة الجَمَل" وَ يَصْطَلِحَ الفَرِيقَانِ وَ يُسَلِّمُوْنَ لأمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ عَلِي، وَ إذَا بِهِ وَ بِأَتْبَاعِهِ يَغدِرُوُن و يُّصِرّوْنَ عَلَى قِتَالِ المُسْلِمِين. فَيَهْجُمُونَ عَلَى أَصْحَابِ "الجَمَل" وَ يَبْدَأونَ بِقِتَالِهِم لِيُوقِعُوا الحَرْبَ التِي كَادَتْ أَنْ تَنْطَفِئَ دُونَ قِتال. لَيْسَ هَذَا فَحَسْب، بَلْ إنّ الذّينَ أَظهَرُوْا تَشَيُّعَهُم لأمِيْر المؤمنينَ عَليٍّ رَضِيَ الله عَنْهُ فِيْ ذَلِكَ الوَقْت، وَ طَلَبُوا مِنْهُ الخُرُوْجَ إِلى العِرَاقِ وَ تَحْوِيْلَ عَاصِمَةَ الخِلافَةِ إلَى الكُوْفَةِ خَذَلُوهُ وَ تَخَلّوا عَنْه مِرَارَاً. فَحِين عَزَمَ عَلى الخُرُوجِ إلى أَهْلِ الشَّام، ليُمسِكَ بِزِمَامِ أُمُوْرِ المُسْلِمِينَ حَتَّى لا تَكُونَ فُرقَةٌ وَ اخْتِلافٌ وَ لِتتَوحَّد كَلِمَةُ المُسْلِمِيْن، تَسَلّلوا مِنْ مُعَسْكَرِهِ دُوْنَ عِلْمِهِ عَائِدِينَ إِلَى بُيُوتِهِم، حَتَّى بَاتَ مُعسْكَرَهُ خَالِياً. حَتّى قَالَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِيهِم: "مَا أَنْتُم إلا أُسُوْدُ الشَّرَى في الدَّعَة، وَ ثَعَالبٌ(201/34)
رَوَّاغَةٌ حِين تُدْعَوْن إلى بَأْس ،وَ مَا أَنْتُم لِيْ بِثِقَة". حتّى قال:
"و ما أنتم برَكْبٍ ُيصَال بكم،ولا ذي عزٍّ يُعتَصَم إليه. لَعَمرُ الله لَبَأْسَ حَشَاشُ الحَرْبِ أَنْتُم. إِنّكُم تُكَادُونَ وَ لا تَكِيْدُوْن، وَ تُنتَقَصُ أَطْرَافُكُم وَ لا تَتَحَاشَون".
وَ خَانُوُهُ كَذَلِكَ وَ خَذَلُوْهُ تَارَةً أُخْرَى لَمَّا أَقْدَمَتْ جُيُوشُ خَالِ المؤْمِنِين رُغْمَ أَنْفِ الرَّافِضَة، مُعَاوِيةَ رَضِيَ الله عَنْهُ مُتَوَجِّهة لِعَيْنِ التَّمْرِ مِنْ أَطْرَافِ العِرَاْق. فَاسْتَنْهَضَهُم للدِّفَاعِ عَنْ أَرضِ العِرَاقِ فَلَمْ يُجِيبُوْه. حَتّى قَالَ فِيْهِم: " يَا أَهلَ الكُوْفَة، كُلّما سَمِعْتُم بِمَنْسِرٍ من مَناسِرِ أَهْل الشَّامِ انْجَحَرَ كُلُّ امْرئٍ مِنْكُمْ فِيْ بَيْتِه، وَ أَغْلَقَ بَابَهُ انْجِحَارَ الضَّبِّ فِيْ جُحْرِهِ وَ الضّبعِ في وَزَارِهَا، المَغْرُورُ مَن غَرَرْتُمُوه، وَ لِمَن فَازَ بِكُمَ فَازَ بِالسَّهْمِ الأَخْيَبْ. لا أَحْرَارٌ عِنْدَ النِّدَاء، وَ لا إِخوانُ ثِقَةٍ عِنْدَ النَّجَاة. إِنّا للهِ وَ إنّا إِلَيْهِ رَاجِعُوْن".(201/35)
وَ لمّا رَأَى ذَلِكَ اليَهُودِيُّ الرّافِضيُّ أنَّ الأمُورَ السّياسِيّةَ فِي البِلادِ صَارَتْ كَمَا خَطّطَّ لَهَا، لَمْ يَكْتَفيْ بِذَلِك. فَأرَادَ أَنْ يَهدِمَ مِن الدِّيْنِ جَانِبَهُ الأَصِيلُ حَتَّى لا يَكُونَ للمُسْلِمِينَ مَرَدٌّ يَرُدُّهُم لِلحَقِّ إِذَا مَا تَنَازَعُوا سِياسِيّاً. فَبَدَأَ بِالجَانِبِ الدِّينيِّ الذّيْ يَمَسُّ عَقِيْدَةَ الإِسْلامِ يَرُومُ زَعزَعَتَهُ كَمَا زَعْزَعَ سِيَاسَةَ البِلادِ فِيْ أَرْكَانِهَا. فَكَانَ مِنْ جَرَائِمِه الدّيْنيّةِ التّي كَانَ سَنَّها حتّى صَارَتْ دِيناً وَ أْصْلاً مِنْ أُصُولِ الرَّافِضَةِ فِيْمَا بَعْد، الطَّعنُ و السَّبُّ في الصَّحَابَةِ الكِرَام، وَ كَانَ أَوّلُ مَنْ دَعَا إِلَى القَوْلِ بتَأْليْهِ عَليّ بن أَبي طَالِب رَضِيَ الله عَنْه حَتَّى هَمَّ بتَحْرِيقِهِ ثُّمّ نَفاهُ وَ حَرَّقَ السَّبَأِيَّة الّذِينَ اتّبعُوا قَوْلَهُ وَ تمسَّكُوا بِتَأليْهِهِ بَعْدَ أَنْ رَفَضُوْا اسْتِتابَتَهُ لَهُم، وَ أَخَذَ هَذَا اليَهُودِيُّ الرَّافِضِيُّ يُرَوِّجُ لِخَليطٍ مِنْ فَاسِدِ مُعْتَقَدَاتٍ يَهُوْدِيَّة وَ نَصْرَانيّة وَ مَجُوسِيّة، حَتّى ثَبتَتْ هَذِهِ المُعْتَقَداتِ في نُفُوسِ أَصْحَابها. فَكَانَتْ أُسُسَ و أُصُولَ مَذْهَبِ الرّوافِضِ عَلَى جَمِيْعِ فِرَقِهم.(201/36)
وَ هَا هِيَ خِيَانَتُهُم تَتَواصَلُ حَتَّى بَعْدَ مَوْتِهِ لِتَصِلَ إِلى ابْنَيْهِ الحسَنِ و الحَُسَين سِبْطَي رَسُولِ الله صلى الله عليه و سلّم وَ سَيِّدَيْ شَبَابِ أَهْلِ الجنّةِ. فَخَانُوا الحَسَنَ حِيْنَ أَصَرّوا عَلَيْهِ مُحَرّضِينَ لَهُ بِالخُرُوجِ إِلى الشَّامِ لِقِتَالِ مُعَاوِيَة رَضِيَ اللهُ عَنْه. فَمَا كَانَ مِنْهُ وَ هُوَ الّذِي خَبَرَ مَكرَهُم وَوَافَقَهُم مُسَايَرةً لَهُم لإِخْرَاجِ خَبِيئَتِهِم وَ هُوَ يَمِيْلُ بِرَأيِهِ إِلى مُصَالحَة مُعَاوِيةَ إِلاّ أَنْ جَهَّزَّ جَيْشاً عَلِى رَأسِهِ قَيسُ بنُ عُبَادَة، فلمّا نَادى مُنَادٍ بِمَقْتلِ قَيْس سَرَتْ فِيْهِمُ الفَوْضَى وَ أَظْهَرُوا حَقِيْقَتَهُم وَ عَدَمَ ثَبَاتِهِم. فَانْقَلَبُوا عَلى الحَسَنِ يَنهَبونَ مَتَاعَهُ حَتَّى نَازَعُوهُ البِسَاطَ الذِّي كَانَ تَحْتَهُ بَعْدَ أَنْ طَعَنُوْهُ وَ جَرَحُوْه. بَلْ وَصَلَتْ خِيَانَتُهُمْ إِلى أَبْعَدَ مِنْ ذَلِكَ، فَقَد فَكَّرَ المُخْتَارُ بنُ أَبي عُبَيْد الثَّقَفي وَ هُوَ أَحَدُ شِيْعَةِ العِرَاقِ بِأَنْ يُهَادِنَ مُعَاوِيَةَ مُقَابِلَ تَسْلِيْمِ الحَسَن، فَعَرَضَ عَلى عَمّهِ سَعْد بن مَسْعُود الذّي كَانَ وَالِياً عَلَى المَدَائِنِ بِقَوْلِهِ: "هَلْ لَكَ فِي الغِنى وَ الشَّرَف؟ " فقال له عَمُّه "وما ذاك؟ " قال "تُوثِقُ الحَسَنَ و تَستَأمِنُ بِهِ إلى مُعَاوِية. " فقال له عَمُّّه: "عَلَيْكَ لَعْنةُ الله، أَثِبُ عَلَى ابْنِ بِنْتِ رسول الله صلّى الله عليه و سلم فَأُوثِقَه، بِئسَ الرَّجل أنت".(201/37)
وَ هَا هُوَ الحَسَنُ رَضِيَ الله عَنْهُ يَحْكِي خِيانَتَهُم لَهُ مُفَضِّلاً الصُّلحَ مَعْ مُعاوِيةَ رَضِيَ الله عَنْه، وَ التّنازُلَ لَهُ وَ حِفْظَ بَيضَةِ و هَيبَةِ آلِ البَيْتِ قَائِلاً: "أَرَى مُعَاوِيةَ خَيراً لِيْ مِنْ هَؤُلاء، يَزْعُمُونَ أنّهم لي شِيعَة، ابتَغَوا قَتْلِي وَ أَخَذُوا مَالِي. و الله لإِن آخُذ مِنْ مُعَاوِية مَا أَحْقِنُ بِهِ دَمِيَ في أَهْلِي وَ آمَنُ بِهِ في أَهْلِي خَيرٌ مِن أَنْ يَقْتُلُونِيْ فَيَضِيعُ أَهْلُ بِيْتِي وَ أَهْلِي. وَ الله لَو قَاتَلْتُ مُعَاوِيَةَ لأَخَذُوا بِعُنُقِي حَتَّى يَدفَعوا بِي إِليْهِ سِلْمَا، وَ الله لإِن أُسَالِمَهُ وَ أنا عَزِيزٌ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَقْتُلَنِي وَ أنا أسيرٌ."(201/38)
و أمّا في عَهْدِ الدّوْلَةِ الأُمَوِيّةِ الّذِيْنَ اسْتَمَرّ حُكمُهُم مِنْ 41 الى 132 للهجرة. فَلَقد بَرَزَتْ خِيَانَاتُهُم فِيْ جَانِبِهَا السِّيَاسي أَكْثَر مِنَ الجَانِبِ العَقَدِي، ذَلِكَ لأنّهُم يَعلَمُونَ أَنّهُ مَتَى كَانَ للمُسْلِمِينَ خَلِيْفَةٌ مُسْلِمٌ يُحْسِنُ حِرَاسَةَ دِيْنِهِم وَ سِيَاسَةَ دُنْيَاهُم فَإِنّه لَنْ يَكُونَ للجَانِبِ العَقَدِيِّ أَيُّ أَثَرٍ يُذْكَر، لأنّه سَاعٍ في قَمْعِ وَ إِخْمَادِ كُلِّ فتنةٍ وَ شُبْهَة. فَكَانَ لا بُدّّ لَهُم فِيْ هَذِهِ المَرْحَلَةِ مِنْ التّرْكِيْزِ وَ الاهْتِمَامِ أَوّلاً وَ بِشَكلٍ أَكْبَر عَلى خَلخَلَةِ الجانِبِ السّياسِيِّ وَ التّي مِنْ خِلالها يَتَخَلخَلُ الدِّيْن. فَرَاحُوْا يَسْتَثِيْرُونَ حَمِيّة الحُسَيْنِ بنِ عَلي رَضِيَ الله عَنْهُمَا عَلَى دِيْنِه بِأَخْبَارٍ وَ رِوَايَاتٍ مُبَالَغٍ فِيْهَا و مَكذوبَةٍ عَنْ يَزِيْدَ بِن مُعَاوِيَة مِن أنّه ظَلَمَ الخلقَ وَ عَطَّلَ الشَّريعَةَ الحَقّةَ حتّى بادَرَ بِإِرْسَالِ ابْنِ عَمِّه مُسلمٍ بنِ عَقيل ليَتَحقَّقَ الأَمْر، وَ مَا إِنْ وَصَلَ وَ عَلِمَ بِهِ أَهلُ الكُوفَةِ حَتّى سَارَعُوا إِليْه، فَأَخَذَ البيعَةَ مِنْهُمْ ثمّ أَرَسَلَ بِبَيعَةِ أَهلِ الكُوْفَةِ إِلَى الحُسين. فَلَمَّا عَلِمَ وَالِيْ الكُوْفَة عُبَيدُ الله ابنُ زِيَاد بِأَمرِ البَيعَةِ جَاء فقَتَلَ مُسلِماً بِن عَقِيل كَمَا قَتَلَ مُضِيفَه هَانِئَ بن عُروةَ المُرادِيّ على مَرْأَى وَ مَسْمَع مِنْ شِيْعَة أَهْلِ الكَوْفَةِ الذّينَ كَانُوا للتَّو مُبَايِعِينَ وَ مُتَحَمِّسِين وَ مُحَمِّسِين للبَيْعَة.
وَمَعَ ذلِك فَلَم يُحَرِكُوا سَاكِناً لِلدِِفاعِ عَنْ مُسلِم وَلا عَنْ هانِئ بَعدَ إن إشتِرى عُبيدُاللهِ ابنَ زِياد ذِمَمَهُم بِاللأَموال.(201/39)
فَلَيّتَ شِعري أيُّ عَهد، بَلّ أيُّ بَيعَةٍ هذِهْ الّلتي نَقَضُوها قَبلَ أن يُقِيمُوها, وَلَيّتَ شِعري أيُ تاريخٍ هَذا الَّلذي يُسَطِرَ خِيانَةَ القَومِ لِيُعيدَ نَفسَه كَما هُوَ فِي أيَّامِنا هذِه, فَهذِهِ الذِمَمَ أَرخَصُ ماتَكُون عِندَ أَصحابِ الرَّفضِ فِي هذِهِ الأَيّام كَما فِي سالِفِها حَتى أنَّهُم لَيَبِيعُونَها بِثَمَنٍ بَخسٍ دَراهِمَ مَعدُودَه, نَقُولُ مَعَ هذا كُلّهِ أَبى الحُسَين رَضِيَ الله عَنه إلاَّ أن هَرَعَ لِنَجدَتِهِم على ما ادَعَوهُ مِن وُقوعِ الظُلمِ بِهِم وإستِباحَة الحُرُمات وَتَعطيلِ الحُدود مِن قِبَلِ عُمَّالَ يَزيدٍ ابنَ مُعاوِيَه وإرسالِهِم بِالبَيعَةِ لَه فَخَرَجَ على قِلَّةٍ مِن أَصحِابِهِ المُتابِعِين وَكَثرةٍ منَِ المُحَذِرينَ لَهُ مِن عَدَمِ الخُروج وَبِما حَصَلَ لِلأَبِيهِ وَأَخِيهِ مِن غَدرَتِهِم مُذَكِرين وَلكِن أَبَى الله إلاَّ أن يُتِمَ أَمرَه فَلَما عَلِمَ يَزيد بِمَقدَمِ الحُسَين أَرسَلَ إِليهِ جُندَهُ لِيَصُدُّوه وَيَحِيلوا بَينَه وَبَينَ صَدِعِ كَلِمَةِ المُسلِمين فَلَمّا رَأَى الحُسَينُ أنَّهُ قَد أُحِيطَ بِه و رأى خُذلانَ شيعَتِه له, وَ خُذلانُهُم عَن مُناصَرَتِه عَلِمَ أنَّهُ وَقَعَ فِي فَخِ خِيانَتِهِم فَعَرَضَ على قائِدِ جُندِ يَزيدَ أَحَدَ ثَلاثة:
إمَّا أَن يَعُودَ مِن حَيثُ أتى أَو يَترُكُوه يَمضِي لِيُقابِلَ يَزِيدَ بِنَفسِه وإلاّ فَيَدَعُوهُ يَلحَق بِأَهلِ الثُغورِ مُجاهِداً مُرابِطاً ولكن عبيد اللهِ ابن زِياد أبى إِلاّ أن يُقاتِلَهُ حتى قُتِل.(201/40)
وَمِن غرائِب وَعَجائِب وَقاحَتِهِم أنَّ عُلَمائَهُم يُسَطّرونَ الرِواياتِ عَنِ الحُسَين فِي ذَمّهِ لَهُم وَالدُّعاءِ عَلَيِهِم ََقَبلَ مَقَتلِه فَقَد جاءَ فِي كِتابِ [إعلامِ الوَرى] لِلطَبرُسِيّ دُعاءُ الحُسَين على شِيعَتِهِ قَبلَ إستِشهادِهِ: "الّلهُمَّ إن مَتَعتَهُم فَفَرِقهُم فِرَقا، وَ َاجعَلهُم طرائِقَ قِدَدَا وَلا تُرضي الوُلاةَ عَنهُم أبَدا، فإِنَهُم دَعَونا لِيَنصُرونا ثُمَّ عَدَوا عَلَينا فَقَتَلونا".
وَ إنَّنا هُنا نَقِفُ وَقفَةَ المُتَفَكِر وَنَتَأمَّل لِهذِهِ الخِياناتِ لِلأَهلِ البَيّت تَأَمُّلَ المُعتَبِر فإِذا كانَ هذا حاُلُهُم مَعَ مَن يدَّعُونَ مَحَبَتِهِم بَل وَالمُبالَغَةَ وَالغُلوَّ فِي مَحَبَتِهِم فَكَيفَ يَكُونُ حَاَلَهُم مَعَ غَيرِهِم وَلإِن طالَت مُحِبيهِم خِياناتَهُم فَمِن بابِ أولى ان تَطالَ غَيرَهُم مِنَ المُسلِمينَ على ما نَراهُ اليَومَ مِن مُسارَعَتِهِم إلى الكُفَّارِ وَمُوالاتِهِم وَمُخاذَنَتِهِم .
وَ مِن أهَمّ الخِياناتِ الَّتي تَمَّت في عَصرِ بَني أُمَيُّة ماذُكِرَ في وَفَياتِ الأَعيان أَنَّهُم ساهَموا فِي خُروجِ بَني العَبَّاسِ على الخِلافَةِ الأُمَوِيَّة، و إِسقاطِها بِسُقوطِ خُراسَان على يَدِ "أبي مُسلِمٍ الخُراسانِيّ" والَّذي أَخَذ يَدعوا بِبَيعةِ إبراهيمَ بنِ مُحَمَّد فَلما عَلِمَ نَصرُ إبنَ سِيّاط نائِبُ مَروانَ إِبنَ مُحَمَّد آخِر مُلوكِ بَنِي أُمَيَّة بِخُراسان كَتَبَ إلى مَروان يُعلِمَه بِأمرِ البَيعَةِ فَكََتَبَ مَروانُ إلى نائِبِهِ بِدِمَشق بِإِحضارِ إِبراهيم مُوثَقاً فَأَحضَرَهُ وَ قامَ بِحَبسِهِ وَلمّا تَحَقَقَ أَنَّ مَروانَ لابُدَّ قاتِلَه أوصى إلى اخِيه السَّفّاح وَهُوَ أوَّلُ مَن وُلِيَّ الخِلافَةِ مِن أَولاد العَبّاس وَبَقِيَ إبراهيمُ بِالحَبِسِ شَهريّنِ حتى مات وَقِيلَ قُتِل.(201/41)
وَ أمّا فِي العَهدِ العَبّاسِيّ وّالّّذِي إِستَمَرَ حُكمُهُم فِيهِ مابَينَ سَنَةِ مِئَةٍ واثنَينِ وَثلاثين، إلى سِتُ مِئَةٍ وَسِتٌ وَخَمسينَ لِلهِجرة، فَحَدّث وَلا حَرَج عَن ظُهورِ أمرِ الرّافِضَة وَ تَشَعُبُ خِياناتِهِم وَتَفَنُنِهِم في أسالِيبِها، وَمِن جَميعِ الجَوانِب سِياسِيَّةً كانَت أَو دِينِيَّة أَو أَخلاقِيَّة. فَأمَّا الإَغتِيالاتِ فَأكثَرُ مِن أَن تُحصى وأمَّا قلاقِلُ الإِنقِساماتِ وَ الدُويّلاتِ الخارِجَةِ عَنِ الخِلافَةِ أشّدُ مِن أن تُرسَى فَكانَت بِدايةُ جَرائِمِهِم في هذا العَصر سِياسِيَّة تَروم إِسْقاطِ الخِلافةِ الأُمَوِيَّةِ وَالخُروجَ عَلى وِلايةِ الحاكِم الأُمَوِيّ ثُمَّ بَعدَ ذلِك التَسَتُر بِدَعوى أحَقِيةِ بَنِي العَبَّاسِ فِي الخِلافَه والَّتي نَادى وَدَعَى إِليّها أبو مُسلِم الخُراسانِيّ لِيَتَمَكَنوا مِنَ السَيطَرةِ عَلى مَقالِيدِ البِلاد بَعدَ أن أظهَرُوا مُوالاتِهِم وَمُشايَعَتِهِم لِبَني العَبَّاسِ زُورا, فَبَدَأوا بِخُراسان الَّتِي كانَت أَوَّلَ ما سَقَطَ مِنَ البِلاد عَلى يَدِ أبِي مُسلِم وَ مَع بِدايَة العَهدِ العَبّاسِيّ فَأَخَذَ الفُرسُ الحاقِدونَ يَشفُونَ غَلِيلَهُم مِن العَرَب المُسلِمين هُناكَ فَأَشبَعُوهُم قَتلاً وَ بَطشاً وَتَنكِيلا.
وَحاوَلَ أبو مُسلِم نَفسَهَ شَقَّ عَصَا الطاعَة عَلى المَنصُور الَّذي وَلِيَ الخِلافَة بَعدَ مَوتِ أَخِيهِ السَّفّاح وَحاوَلَ أن يَغدُرَ بِهِ وَلكِنَّ المَنصُور بِدَهاءِهِ وَفِطنَتِهِ تَنَبَهَ لِما يُحِيكَهُ أَبومُسلِمٌ لَهُ فَاستَدرَجَه حَتى تَمَكَنَ مِن قَتلِهِ شَرَّ قَتَلَه وَدارت بَعَدَ ذلِكَ مُحاولاتٌ فاشِلَه مِن أنصارِ أَبِي مُسلم لِلإِنتِقامِ لَه تارةً مِن خِلالِ الفِتَنِ السِياسِيَّة وَ تارةً مِن خِلالِ بَثِّ الشُبُهات.(201/42)
وَ ِمِن هذِه المُحاولات خُروج "سَِنباب" الَّذي طَالَبَ بِبَدَنِ أَبِي مُسلم فَأَرسَل لَهُ المَنصور جَيشاً فَهَزَمَهُ ثُمَّ ظَهَرَت "الراوِنديَّة" قُربَ أَصفَهان أَيضاً مِن جماعَةِ أبِي مُسلم يَدعُونَ لِمُعتَقَداتٍ فاسِدةٍ فَنادَوا بأُلوهِيَّة المَنصور وَأَرادوا بِذلِكَ خِداعَهُ والإِيقاعَ بِهِ لِقَتلِه وَلكِنَّهُ حارَبَهُم وانتَصَر عَلَيهِم ثُم ظَهَرَ بَعدَ ذلِك مِنهُم رَجلٌ لَقَّبَ نَفسَه بِالمُقَنَّع زَعَم أنَّ الله سُبحانَه وَتعالى حَلَّ فِي آدم ثُمَّ في نوح ثُمَّ في أبِي مُسلِم ثُمَّ حَلَّ بِه أخيراً، وَ استَطاعَ أَن يُكَوِنَ لَهُ جماعة وَتَغَلَّبَ عَلى بِلادِ ماوراءِ النَّهر مُتَحَصِناً بِقَلعَةِ "كَش" ولكِن الخلِيفةُ المَهدِيّ وِالَّذي إِشتَهَرَ بِشِدَّتِهِ على المَلاحِدة والزَنادِقَة، تَعَقَبَهُ فأَرسَلَ لهُ جَيشاً يُحاصِرَهُ فَلمّا تَيَقَنَ هلَكَتهُ سَقى نَفسَه و أَهلَ بَيتِهِ السُمَّ وَ هَلَك.(201/43)
وَ مَع ذلِك فَلَم يَستَطِع المهدِيّ أن يَقضِيَ على فِتنَتِهِم نَظَراً لِتَسَتُرِهِم الدّائِم بالتَقِّيةِ وَالسِّريَّة فَهُم دائِماً يَعمَلونَ وَيُخَطِطُون بِالخَفاء مُستَخدِمينَ النِّفاقَ الإِجتِماعِيّ بِالتَقَرُبِ وَالتَزَلُف إلى كِبارِ رِجالاتِ الدّولَةِ فِي الخِلافَةِ العَبَّاسِيَّةِ حَتى تَمَكَنوا مِن الوُصولِ لِلمَناصِب الوِزارِيَّة فَاستَوزَرَ كَثيرٌ مِن خُلَفاءِ بَنِي العَبّاس هؤلاءِ الرّافِضَةَ المَجُوس؛ كالبَرامِكَةِ و أبي مُسلِم الخُرَسانِيّ وَالمَجوسِيّ الفَضل إبن سَحَل الَّذي كَانَ وَزِيراً لِلمَأمُون وَقائِداً لِجَيشِهِ وَكانَ يُلَقَّب بِذِي الرِياسَتَين (أي الحَربِ والسِياسَة), بَل وَزَوَجوا أَبنائَهُم مِن بناتِ الفُرس فأُمُ المَأمُون مَرَاجِلُ فارسِيَّة ما أدّى إلى تَأَثُرِهِ وَظُهورِ هذا الأَثَر عِندَما إنتَهى الحُكمُ إِليه حَيثُ إِتَّخَذَ مِن "مَرْوَى" عاصِمَةً للخِلافَة بَدَلاً مِن بَغداد ونادى بِأَفكارٍ وَفَلسفاتٍ غَريبةٍ عَنِ الإِسلام كَقَولِه بِخَلقِ القُرآن. وَ جَاءَتْ هَذِهِِ الدَعوَةُ مِن رَواسِبِ تَربِيَتِهِ الفارسِيَّة المَجوسِيَّه فَكانَ نَتيجة هذا التَقارُب أن تَمَكَن رافِضةُ المَجوسِ مِن بَثِّ أفكارِهِم وَمُعتَقَداتِهِم بَينَ المُسلِمين وَراحُوا يَدِسّونَ الأَحاديثَ المَكذُوبَة، وَ يَلصِقُونَها بِالدّين َوراحوا يُصَوِرونَ التَّاريخَ الإِسلاميّ على أنَّهُ تاريخُ فِتَن وَخُصومةٍ بَينَ الصّحابَة وَ يطعَنُونَ بِأَبِي بَكرٍ وعُمَرَ خاصَّه وَفِي الصَّحابِةِ عامَّه بَل إنبَرى شُعَرائُهُم يَتَفاخَرون بِمَجدِ فارس القَدِيم مِمّا حَدَى بالأَصمَعِيّ هِجاءِهِ بِقَولِه:
إذا ذُكِرَ الشِركَ بِمَجلِسٍ
**
لَضاءَت وُجوهِ بَني بَرمَكِي
وإِن تُلَيَت عِندَهُم آيةٌ
**
أَتَوا بِالحديثِ عَن مَزدَكِي(201/44)
بَل نَتَجَ عَن هذا التَقارُب ماهُو أشَدُّ على دَولَةِ الإِسلام وَدِينِهِ أَلا وَهُوَ تآمُرُهم على الخلافةِ و خُرُوجَهَم و إستِقلاَلَهُم في مَناطِقَ مُتَعَدِدَة.
فَكَانَ أوّلُ من خَرَجَ على الخلافَةِ العبّاسِيّة، هُوَ ما قَامَ بِهِ طَاهِرُ بْنُ الحُسين الخُزَاعِيّ، حيثُ اسْتَقلّ بِخُراسانَ كَمَا فَعَلَ من قَبْلُ "أبو مُسْلم" و تَوَالَتْ بعْدَ ذلِكَ الانْقِسامَاتُ عنِ الخِلافَةِ وَ ظَهَرَتِ الخِيَانَاتُ وَالجَرَائِمُ العَظِيمَةُ مِنْ هَذِهِ الدُّوَيلاتِ, فَكَانَ القَرَامِطَةُ فِي الأَحسَاءِ وَالبَحْرَينِ وَاليَمَنِ وَعُمَانَ وَفِي بِلادِ الشَّامِ, وَالبُوَيهِيُّونَ فِي العِرَاقِ وَ فَارِس, وَالعُبَيدِيُّونَ فِي مِصْرَ وَالشَّامْ, وَلكِنْ مِنْ فَضْلِ اللهِ تَعَالى أَنَّهُ لمْ يَكُنْ يَظهَرُ للرَّافِضَةِ يَدٌ وَدَولَةٌ إِلا وَيُظهِرُ اللهُ عَليهِمْ مَنْ يَقُومُ بِجِهَادِهِمْ وَيَسُومُهُمْ العَذابَ, فَقُيَِِّضَ للرَّافِضَةِ فِي تِلكَ الفَترَةِ السَّلاجِقََةُ الأَترَاكِ السُّنِّيِّينَ, الذِينَ كَانَ وَلاءُهُمْ تَابِعَاً للعَبَّاسِيِّينَ وَ لكِنَّهُمْ كانُوا أَشِدَّاءَ عَلى الرَّافِضَةِ فَقَامَتْ هَذِهِ الدُّوَيلاتِ الرَّافِضَةِ بِالتَّعَاوُنِ مَعَ الصَّلِيبِيَّينَ وَمَكَّنَتْهُمْ مِنَ الدُّخُولِ إِلى بِلادِ المُسلِمِينَ للقَضَاءِ عَلى أَهلِ السُّنَّةِ الذَينَ عَجَزُوا عَنْ الصُّمُودِ فِي مُجَالدَتِهِمْ.
فَمِنْ جَرَائِمِ القَرَامِطَةِ التِي رَصَدَهَا لنَا التَّارِيخُ فِي العَهدِ العَبَّاسِيَّ, فِي المَجَالِ السِيَاسِيَّ :(201/45)
خُرُوجُهُمْ عَلى الدَّولةِ العَبَّاسِيَّةِ وَمُنَاوَءَتِهَا, وَتحرِيقِهِمْ مَنَازِلَ بَنِي عَبدِ قَيسٍ ثُمَّ اجتِيَاحُهُمُ الكُوفَةَ عَامَ 293 للهِجرَةِ, وَقِيَامِهِم بِالمَذَابِحِ الرَّهِيبَةِ التي حَدَثَتْ فِي ذَلكَ العَامِ حَتَّى أَرَّخَ لهَا المُؤَرِّخُونَ, وَمِنْ جَرَائِمِهِمْ فِي جَانِبِ العَقِيدَةِ وَشَعَائِرِ الدِّينِ:
أَنَّهُمْ نَشَرُوا العَقَائِدَ الفَاسِدَةَ ابتِدَاءً بِدَعوَى التَّشَيُّعِ لآلِ البَيتِ, ثُمَّ قَالوا بِالرَّجعَةِ وَعِلمِ عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لِلغَيبِ, ثُمَّ التَّنَكُّرُ لآلِ البَيتِ, وَذِكرِ مَثَالبِ عَليٍّ وَأَولادِهِ, وَ بُطلانِ هَذَا الدِّينِ, وَلِذَلكَ فَإِنَّ القَرَامِطَةَ كانُوا يُقَرِّبُونَ الفَلاسِفَةَ وَ يَعتَمِدُونَ عَلى نَظَرِيَّاتِهِمْ وَكُتُبِهِمْ, وَ يُوصُونَ دُعَاتَهُم :"وَإِنْ وَجَدتَ فَيلسُوفَاً فَهُمْ عُمْدَتُنَا لأَنَّنَا نَتَّفِقُ وَهُمْ عَلى إِبْطَالِ النَّوامِيسِ وَالأنبِيَاءِ وَعَلى قِدَمِ العَالمِ".
وَ فِي سَنَةِ 294 للهِجرَةِ قَامَ القَرَامِطَةُ الإسمَاعِيليُّونَ بِالإعتِدَاءِ عَلى حُجَّاجِ بَيتِ اللهِ الحَرامِ بَعدَ أَنْ أَمَّنُوهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ, فَقَتَلوا جَمِيعَ القَوَافِلَ, وَتَعَقَّبُوا مَنْ فَرَّ مِنْهُمْ حَتَّى أنَّ نِسَاءَ القَرَامِطَةِ كُنَّ يَقِفْنَ بَيْنَ القَتْلَى يَعرِضْنَ المَاءَ فَمَنْ كانَ بِهِ رَمَقٌ يَقُمنَ بِالإِجهَازِ عَليهِ, وَلمْ يَكتَفُوا بِقَتْلِ الحَجِيجِ, بَل رَاحُوا يُفْسِدُونَ مِيَاهَ الآبَارِ بِالجِيَفِ وَالتَّرَابِ وَالحِجَارَةِ.(201/46)
وَ فِي عَامِ 321 للهِجرَةَ قَامُوا كَذَلِكَ بِاعتِرَاضِ قَوَافِلِ الحَجِيجِ وَقَتلِ الرِّجَالِ, وَسَبيِ النَّسَاءِ وَالذُّريِّةِ, وَهَذَا يُذَكِّرُنَا بِجَرِيمَتِهِمْ فِي هَذَا العَصْرِ, حِينَمَا أَرسَلتْ إيرَانُ مَجْمُوعَةً مِنْ شِيعَةِ الكُوَيتِ لِتَروِيعِ الحُجَّاجِ فِي مَكَّةَ عَامَ 1409 للهِجرَةِ, فَقَامُوا بِزَرعِ المُتَفَجِّرَاتِ المُدَمِّرَةِ فِي أَحَدِ الجُسُورِ بِمَكَّةَ المُكَرَّمَةِ, بَعدَ أَنْ سَلمَهُمْ إِيَّاهَا السَّفِيرُ الإيرَانِيُّ فِي الكُوَيتِ, وَهَرَّبُوهَا إِلى مَكَّةَ, وَقَدْ فَجَّرُوا مِنُهَا حَولَ المَسْجِدِ مَسَاءَ يَومِ السَّابِعِ مِنْ شَهْرِ ذِي الحِجَّةِ مِنْ ذَلِكَ العَامِ, مِمَّا أدَّى إلى مَقْتَلِ رَجُلٍ وَإِصَابَةِ 16 شَخْصَاً بِجُرُوحٍ عَدَا الخَسَائِرِ المَّادِيَّةِ.
وَ مِنْ فَظَائِعِ جَرَائِمِهِمُ الدِّينِيَّةِ أَنَّهُمْ تَطَاوَلوا حَتَّى عَلى بَيتِ اللهِ الحَرَامِ وَعَلى الكعبَةِ المُشَرَّفَةِ, فَسَرَقُوا مِنْهَا الحَجَرَ الأسْوَدَ, وَبَقِيَ عِندَهُمْ حَتَّى عَامِ 335 للهِجرَةِ, وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ ابنُ كثِيرٍ فِي [البِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ] :" ذِكرُ أخذِ القَرَامِطَةِ الحَجَرَ الأسْوَدَ إلى بِلادِهِمْ:(201/47)
فِيهَا خَرَجَ رَكبُ العِرَاقِ, وَأميرُهُمْ مَنْصُورٌ الدَّيلَمِيّ, وَوَصَلوا إلى مَكَّةَ سَالِمِينَ, وَتوَافَتِ الرُّكُوبُ هُنَاكَ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَجَانِبٍ وَفَجٍ, فَمَا شعَرُوا إِلا بِالقَرمَطِيِّ قَدْ خَرَجَ عَليهِمْ فِي جَمَاعِتهِ يَومَ التَّروِيَةِ, فَانتَهَبَ أمْوَالهُمْ, وَاسْتَبَاحَ قِتَالهُمْ, فَقَتَلَ فِي رِحَابِ مَكَّةَ وَشِعَابِهَا وَفِي المَسْجِدِ الحَرَامِ وَفِي جَوفِ الكَعْبَةِ مِنَ الحُجَّاجِ خَلقَاً كَثِيرََاً, وَجَلسَ أمِيرُهُمْ أَبُو طَاهِرْ - لعَنَهُ اللهُ - عَلى بَابِ الكعْبَةِ وَالرَّجَالُ تُصرَعُ حَولهُ, وَالسُّيُوفُ تَعمَلُ فِي النَّاسِ فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ فِي يَومِ التَّروِيَةِ, الذِي هُوَ مِنْ أشْرَفِ الأيَّامِ وَهُوَ يَقُولُ: أنَا للهِ وَ بِاللهِ, أنَا اللهُ أخْلُقُ الخَلقَ وَأَفْنِيهِم, وَكَانَ النَّاسُ يَفِرُّونَ مِنهُمْ فَيَتَعَلقُونَ بِأستَارِ الكعبَةِ فَلا يُجْدِي ذَلكَ عَنْهُمْ شَيئَاً يُقْتَلونَ وَهُمْ كذَلِكَ, وَيَطُوفُونَ فَيُقتَلونَ فِي الطَّوَافِ, فَلمَّا قَضَى القَرْمَطِيُّ أمرَهُ, وَفعَلَ مَا فَعْلَ فِي الحَجِيجِ مِنَ الأفَاعِيلِ القبِيحَةِ, أمَرَ أنْ تُدفَنَ القَتلى فِي بِئْرِ زَمْزَمْ, وَدَفَنَ كَثيراً مِنهُمْ فِي أَمَكِانِهِمْ مِنَ الحَرَمِ, وَفِي المَسجِدِ الحَرَامِ, وَيَا حَبَّذَا تِلكَ القِتْلةِ وَتِلكَ الضَّجْعَةِ, وَذلكَ المَدْفَنْ وَالمَكانِ, وَمَعَ هَذَا لمْ يُغَسَّلوا وَلمْ يُكفَّنُوا وَلمْ يُصَّلى عَليهِم, لإنَّهُمْ مُحْرِمُونَ شُهَدَاءَ فِي نَفسِ الأمْرِ, وَهَدَمَ قُبَّةَ زَمْزَمْ, وَأمَرَ بِقَلعِ الكَعْبَةِ وَنزعِ كِسْوَتِهَا عَنْهَا, وَشَقَّقَهَا بَينَ أصحَابِهِ, وَأمَرَ رَجُلاً أنْ يَصْعَدَ إلى مِيزَابِ الكَعْبَةِ فَيقتَلِعَهُ, فَسَقَطَ عَلى أُمِّ رَأسِهِ فَمَاتَ إلى النَّارِ, فَعِندَ ذَلكَ إنْكَفَّ الخَبِيثُ(201/48)
عَنِ المِيزَابِ, ثُمَّ أمَرَ بِأنْ يُقلعَ الحَجُرُ الأسْودُ, فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَضَرَبَهُ بِمِثْقَلٍ فِي يَدِهِ, وَقالَ: أينَ الطَّيرُ الأبَابِيلْ, أَينَ الحِجَارُةُ مِنْ سِجِّيلْ.
ثُمَّ قَلعَ الحَجَرَ الأسْوَدَ, وَأخَذُوهُ حِينَ رَاحُوا مَعَهُمْ إلى بِلادِهِمْ, فَمَكثَ عِنْدَهُمْ 22 سَنَةً حَتَّى رَدُّوهُ, فَإِنَّا للهِ وَإنَّا إليهِ رَاجِعُونَ," انتَهَى كلامُهُ رَحِمَهُ اللهُ.
وَ أمَّا البُوَيهِيُّونَ فَكَذَلِكَ خَرَجُوا عَلى الخِلافَةِ العَبَّاسِيَّةِ, وَاستَولوَا عَلى العِرَاقِ عَامَ 334 للهِجْرَةِ, وَخَلعُوا الخَلِيفَةَ العَبَّاسِيَّ المُسْتَكفِي بِاللهِ, وَجَاؤُوا بِالفَضْلِ بنِ المُقتَدِرِ, فََنَصَّبُوهُ خَلِيفَةً, وَلقَّبُوهُ بِالمُطِيعِ للهِ, وَمِنْ جَرَائِمِهِمُ الدِّينِيَّةِ أنَّهُمْ فَرَضُوا التَّشَيُّعَ دِينَاً, وَ اتَّخَذُوهُ سِتَارَاً لِنَشرِ الأفْكَارِ وَالمُعتَقَدَاتِ المَجُوسِيَّةِ, وَبَثُّوا الفِتَنَ بَينَ المُسلِمِينَ عَلى أسَاسِ التَّفرِيقِ بَينَ أهلِ السُّنَّةِ وَبَينَ الشيعَةِ, وَانتَشَرَ فِي عَهْدِهِم سَبُّ الصَّحَابَةِ, وَهُمْ أوَّلُ مَنْ أَظهَرَ بِدعَةَ إِغلاقِ الأسْوَاقِ فِي يَومِ عَاشُورَاءَ مِنَ المُحَرَّمِ, وَنصبِ القِبَابِ, وَأظهَرُوا مَعَالِمَ الحُزنِ, وَأخْرَجُوا النِّسَاءَ يَلطُمنَ وَيَنُحْنَ عَلى الحُسَينِ, وَهُنَّ سَافِرَاتٌ نَاشِرَاتٌ لِشُعُورِهِنَّ, وَتَجَرَّأُوا عَلى ذَاتِ اللهِ تَعَالى, حَيثُ تسَمَّى آخِرُ مُلوكِهِم بِالمَلِكِ الرَّحِيمِ, مُنَازَعَةً للهِ فِي اسْمِهِ.(201/49)
وَ أمَّا العُبَيدِيُّونَ, الذِينَ يَنسُبُونَ أنفُسَهُمْ زُورَاً إلى نَسْلِ فَاطِمَةَ بِنتِ نَبِيَّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلمَ, فَحَدِّثْ وَلا حَرَجَ عَنْ جَرَائِمِهِمْ, فَقَدْ خَرَجُوا عَلى الخِلافِةِ العَبَّاسِيَّةِ, بَعدَ أنْ مَهَّدُوا لِهَذَا الخُرُوجِ بِمَرحَلةٍ سِرِّيَّةٍ بَثوا مِنْ خِلالهَا دَعْوَتَهُمْ, مُتَسَتَّرِينَ وَمُتَمَسَّحِينَ بِمَسُوحِ آلِ البَيتِ, فِي بِلادِ المَغرِبِ, ثُمَّ لمَّا تَمَكنُوا مِنَ السَّيطَرَةِ عَلى بِلادِ المَغْرِبِ, انتقلوا إلى مِصْرَ فَاستَولَوا عَليهَا, وَخَلعُوا الخَلِيفَةَ هُنَاكَ, وَكَانَ مِنْ أبْرَزِ جَرَائِمِهِمْ فِي الجَانِبِ العَقَدِيِّ:
أنَّ حَاكِمَهُمْ وَقَبْلَ دُخُولِهِمُ لِمِصرَ أَرْسَلَ مَبْعُوثَهُ لأهلِ مِصْرَ يَقطَعُ عَلى نَفسِهِ العُهُودَ بِعَدَمِ إِظهَارِ البِدَعِ وَإبقَاءِ السُّنَّةِ وَإحيَائِهَا, وَلكِنَّهُمْ بَعدَ دُخُولِهِمْ غَدَرُوا بِأهلِ مِصرَ, وَفَرَضُوا التَّشَيُّعَ وَألزَمُوا النَّاسَ بِإظهَارِهِ, وَاستَخدَمُوا مَنَابِرَ المَسَاجِدِ للدِّعَايَةِ إلى مَذهَبِهِم, وَنشرِ بِدَعِهِمْ, وَصَارَ يُنَادَى فِي الأذَانِ بِحَيَّ عَلى خَيرِ العَمَلِ, وَظَهَرَ مِنهُمُ الحَاكِمِ بَأمِرِ اللهِ, الذِي ادَّعَى الألوهِيَّةَ, وَبَثَّ دُعَاتَهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ مِنْ مَمْلكتِهِ, يُبَشَّرُونَ بِمُعتقدَاتِ المَجُوسِ, كالتَّنَاسُخِ وَالحُلولِ, وَيَزعُمُونَ أنَّ رُوحَ القُدُسِ انتقلتْ مِنْ آدَمَ إلى عَليٍّ ثُمَّ انتقلت رُوحُ عَليٍّ إلى الحَاكِمِ بِأمرِ اللهِ, وَكانَ مِنْ أبْرَزِ دُعَاتِهِ مُحَمَّدٌ بن اسمَاعِيلَ الدُّرزِيِّ المَعرُوفِ "بِأنُشتَكينْ", وَحمزَةَ بنَ عَليٍّ الزَّوزَنِيّ, وَهُوَ فَارِسِيٌّ مِنْ مُقاطَعَةِ "زُوزَنْ", وَجَاءَ إلى القَاهِرَةِ لِهَذِهِ المُهِمَّةِ, أي لِبَثِّ الدَّعوَةِ إلى ألوهِيَّةِ الحَاكِمِ.(201/50)
وَ مِنْ جَرَائِمِهِمُ الدِّينِيَّةِ كذلِكَ, مُحَاوَلتُهُمْ نَبشَ قَبرِ النَّبِيِّ وَنقلِ جُثمَانِهِ الطَّاهِرِ مَرَّتَينِ فِي زَمَنِ الحَاكِمِ بِأمرِ اللهِ الذي ادَّعَى الألوهِيَّةِ, المُحَاوَلةُ الأولى: يَومَ أنْ أشَارَ عَليهِ بَعضُ الزَّنَادِقَةِ بِنَقلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلمَ مِنَ المَدِينَةِ إلى مِصرَ فَقَامَ فَبَنَى حَائِزَاً بِمصرَ, وَأنفَقَ عَليهِ مَالاً جَزِيلاً, وَبَعَثَ أبَا الفُتُوحِ لِنَبشِ المَوضِعِ الشَّريفِ فَهَاجَ عَليهِ النَّاسُ وَحَصَل لهُ مِنَ الهَمَّ وَالغَمِّ مَا مَنَعَهُ مِنْ قَصدِهِ وَللهِ الحَمْدُ وَالمِنَّةِ, الثانِيَةِ: حِينَمَا أرْسَلَ مَنْ يَنْبِشُ قَبَرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلمَ, حَيثُ سَكَنَ هَذَا الرَّسُولُ بِقُربِ المَسْجِدِ, وَحَفَرَ تَحتَ الأرْضِ, لِيَصِلَ إلى القَبرِ فَاكتَشَفَ النَّاسُ أَمرَهُ فَقَتَلوهُ.(201/51)
ثُمَّ لمَّا قَيَّضَ اللهُ السَّلاجِقَةَ الأترَاكَ يَرُومُونَ نَشرَ السُّنَّةِ وَالقَضَاءَ عَلى دِينِ الرَّافِضَةِ شَعَرَ العُبَيدِيُّونَ بِعَزِيمَةِ وَقُوَّةِ هَؤُلاءِ الأبْطَالِ, وَعَلِمُوا مِنْ أنْفُسْهُمُ العَجْزَ عَنْ مُوَاجَهَتِهِم, فَلجَئوا إلى خُطَّتِهِمُ القَدِيمَةِ وَمَكرِهِمُ السَّالِفِ, حَيثُ أرسَلوا لأعْدَاءِ الدِّينِ مِنَ الصَّلِيبِيَّينَ, وَأغْرُوهُمْ بِدُخُولِ بِلادِ المُسْلِمِينَ وَالتَّوطِينِ لهُمْ, مُفَضِّلِينَ استِيلاءَ النَّصَارَى عَلى بِلادِ المُسْلِمِينَ عَلى أنْ يَنْتَشِرَ مَذهَبُ السُّنَّةِ, وَيَظهَرُ السَّلاجِقَةُ, وَكانَ مِمَّنْ وَطَّنَ لهُمْ وَكَاتَبَهُمْ وَأرسَلَ لهُمْ, أَمِيرُ الجُيوشِ الفَاطِمِيُّ الأَفْضَلْ, وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ ابنُ الأثِيرِ:" إِنَّ أَصحَابَ مِصرَ مِنَ العَلَوِيَّينَ لَمَّا رَأَوْا قُوَّةَ الدَّولَةِ السُّلجُوقِيَّةِ, وَتَمَكُّنِهَا وَاستِيلائِهَا عَلى بِلادِ الشَّامِ إِلى غَزَّةَ, وَلم يَبقَ بَينَهُم وَبَينَ مِصرَ وِلايةٌ أُخرَى تَمنَعُهُم وَدُخُولَ الإِقسِيسِ إِلى مِصْرَ وَ حَصرَهَا, فَخَافُوا وَأَرسَلُوا إِلى الإِفرَنجِ يَدعُونَهُمْ إِلى الخُرُوجِ إِلى الشَّامِ لِيملِكُوهُ".(201/52)
وَ يَقُولُ الدُّكتُورُ مُصطَفَى العَنَانِيّ, نَقلاً عَن المُؤَرَّخِ اللاتِينِيَّ المُعَاصِرِ لِلحَملَةِ الصَّليبِيَّةِ الأُولى "كفَارُو الكَاسكِي": لِيَكُن مَعلُومَاً لدَى الجَمِيع الآن, وَفِي المُستَقبَلِ وَفِي عَهْدِ البَابَا "أُوربَان الثَّانِي" الطَّيبِ الذِّكرِ, أَنَّ الدُّونَ "جُون فرِيد" بِصُحبَةِ الكُونت "فرَاند لِينِيس" وَعَدَدٌ آخَرُ مِنَ النُّبَلاءِ وَالسَّادَةِ, الذِينَ رَغِبُوا فِي زِيَارَةِ ضَرِيحِ السَّيِّدِ المَسِيح -عَليهِ السَّلامُ- قَدْ ذَهَبُوا إِلى مَدِينَةِ "جَنَوَة" وَمِنهَا رَكِبُوا السَّفِينَةَ الجُندِيَّةَ المَعرُوفَةَ بِاسمِ "بُومِيلّا" لِيُبحِرُوا إِلى الإِسكَنْدَرِيَّةِ, وَلمَّا وَصَلَ الوَفدُ إِلى مِينَاءِ الإِسكَندَرِيَّة, اتَّجَهُوا بِصُحبَةِ الجُنُودِ الفَوَاطِمِ إِلى مِينَاءِ مَدِينَةِ بَيتِ المَقدِسِ -أَي يَافَا- وَعِندَمَا أَرَادُوا دُخُولَ المَدِينةَ عَبرَ بَوَّابَتِهَا, لِزِيَارَةِ ضَرِيحِ السَّيِّدِ المَسِيحِ رَفَضَ حُرَّاسُ المَدِينَةِ دُخُولَهُم إِلا أَنْ يَدفَعُوا الرُّسُومَ المَفرُوضَةَ عَليهِمْ حَسْبَ مَا هُوَ مُقَرَّرٌ كَالعَادَةِ, وَمِقدَارُهَا بِيزَنْطٌ وَاحِدٌ لِيتَمَكَّنُوا مِنَ الدُّخُولِ ".(201/53)
وَ يُفَسِّرُ الدُّكتُورُ العَنَانِيُّ هَذَا الحَدَثَ بِقَولِهِ: "إِنَّ هَذِهِ الرِّحلَةَ التِي قَامَ بِهَا الأُمَرَاءُ الصَّلِيبِيُّونَ لَم تَأتِ مِنْ فَرَاغٍ, وَبِلا اعتِقَادَاتٍ وَاتِّصَالاتٍ مُسبَقَةٍ, بَينَ هَؤُلاءِ الأُمَرَاءِ الفَاطِمِيِّينَ في مِصرَ, فَلا يُعقَلُ أَن يَقُومَ هَؤُلاءِ الأُمَراءُ الصَّلِيبِيُّونَ بِزِيَارَةِ مِينَاءِ الإِسكَندَرِيِّةِ دُونَ أَن يَستَقبِلَهُمْ مَسؤُولُوا الأَمنِ فِي المِينَاءِ, وَدُونَ وُجُودِ اتِّصَالاتٍ سَابِقَةٍ وَتَرتِيبٍ سَالِفٍ, وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا قَامَ بِهِ الفَاطِمِيُّونَ مِنْ ارسَالِ جُندِ حِرَاسَةٍ اصطَحَبُوا السَّفِينَةَ "بُومِيلا" إِلى مِينَاءِ بَيتِ المَقدِسِ, وَكَانَ الهَدَفُ مِنْ ذَلِكَ حِمَايَةُ هَؤُلاءِ الأُمَرَاءِ مِنْ خَطَرِ السَّلاجِقَةِ, إِبَّانَ رِحلَةِ الذَّهَابِ وَالعَودَةِ مِنَ الإِسكَنْدَرِيَّةِ إِلى بَيتِ المَقدِسِ, التي استَغرَقَتْ أَكثَرَ مِنْ عَامَينِ.(201/54)
وَ بَعدَ أَنْ تَحَرَّكَت الجُيُوشُ الصَّلِيبِيَّةُ قَادِمَةً مِنْ أُورُوبَّا فِي أُولَى الحَمَلاتِ الصَّلِيبِيَّةِ عَلى بِلادِ المُسلِمِينَ, وَأَثنَاءَ مُرُورِهَا بِمَضِيقِ "البُسفُورِ" فِي أَرَاضِي الدَّولَةِ البِيزَنطِيَّةِ, أََخَذَ مِنهُمُ الإِمبرَاطُورُ "كُوفِين" يَمِينَ الوَلاءِ وَالطَّاعَةِ, وَكَانَ فِيمَا أَمَرَهُمْ بِهِ أَنْ يَسعَوْا لِلوُصُولِ إِلى الإِتِّفَاقِ مَعَ الفَاطِمِيِّينَ فِي مِصرَ, لأَنَّهُم كَانُوا أَشَدَّ النَّاسِ خُصُومَةً لِلتُّركِ السَّلاجِقَةِ السُّنِّيينَ, وَلا يَقبَلُونَ مُطلَقَاً مُصَالحَتَهُم, بَينَمَا عُرِفَ عَنهُم التَّسَامُحُ مَعَ الرَّعَايَا المَسِيحِيِّينَ, وَكَانُوا دَائِمَاً مُستَعِدِّينَ للتَّفَاهُمِ مَعَ الدُّوَلِ المَسِيحِيَّةِ, وَذَلكَ يَدُلُّ عَلَى مَدَى التَّوَاطُئِ الذِي كَانَ بَينَ الرَّافِضَةِ العُبَيدِيِّينَ وَبَينَ الصَّليبِيِّينَ.
وَ هَذَا نَفسُهُ مَا حَصَلَ بَينَ رَافِضَةِ إِيرَانَ وَالأَمرِيكَان فِي مُسَاعَدَتِهِم عَلى الإِطَاحَةِ بِدَولَةِ طَالِبَان, بِالتَّنسِيقِ مَعَ رَافِضَةِ الشَّمَالِ فِي أَفغَانِستَانَ, وَكَذَلِكَ تَعَاوُنُ رَافِضَةُ إِيرَانَ مَعَ الأَمرِيكَان فِي احتِلالِ العِرَاقِ بِتَنسِيقٍ وَمُعَاوَنَةٍ مِنْ رَافِضَةِ العِرَاقِ.(201/55)
وَلَيتَهُمُ اكتَفَوا بِمَوَاقِفِهِمُ السَّلبِيَّةِ تِجَاهَ الغَزوِ الصَّلِيبيِّ لِبِلادِ المُسلِمِينَ, وَلكِنَّهُم لمَّا رَأَوا أَنَّ مُدَّةَ حِصَارَ "أَنطَاكيا" قَدْ طَالَت, خَافُوا مِن أَن يَتَسَلَّلَ المَلَلُ وَاليَأسُ إِلى نُفُوسِ الجُنُودِ الصَّليبِيِّينَ فَيتراجِعُونَ وَ ينتَصِرَ السَّلاجِقَةُ, مِمَّا حَدَا بِالأَفضَلِ إِلى ارسَالِ سُفَرَاءَ مَخصُوصِينَ يَحُضُّونَ القَادَةَ الصَّليبِيِّينَ عَلى مُوَاصَلَةِ الحِصَارِ, وَأَكَّدُوا لَهُم أَنَّهُم سَيُرسِلُونَ لَهُم أَيْ الصَّلِيبِيِّينَ كُلَّ مَا يَحتَاجُونَ لَهُ مِنَ الإِمدَادَاتِ العَسكَرِيَّةِ وَالغِذَائِيَّةِ, فَاستَقبَلَهُمُ القَادَةُ الصَّليبِيُّونَ بِحَفَاوَةٍ بَالِغَةٍ, وَعقَدُوا مَعَهُم عِدَّةَ اجتِمَاعَاتٍ تَسَلمُوا خِلالَهَا رِسَالةَ الأَفضَلِ, وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ "وِليام صُورِي" الذِي نَقَلَهُ الدُّكتُورُ يُوسُف الغَوانِمَةِ :"إِنَّ مُحَاصَرَةَ الصَّلِيبِيِّينَ لأَنطَاكيَا أَثلَجَتْ صَدْرَ الأَفضَلِ, وَاعتَبَرَ أَنَّ خَسَارَةَ الأَترَاكِ السَّلاجِقَةِ لأَيِّ جُزءٍ مِنْ أَملاكِهِم إِنَّمَا هُوَ نَصرٌ لَهُ نَفسُهُ, وَلمَّا قَفَلَتْ سَفَارَةُ الأَفضَلِ رَاجِعَةً صَحِبَتهُم سَفَارَةٌ صَلِيبِيَّةٌ, تَحمِلُ الهَدَايَا للتَّبَاحُثِ مَعَ الأَفضَلِ فِي الأُمُورِ التِي تَمَّ الإِتِّفَاقُ عَليهَا, وَأَرسَلُوا مَعَ السَّفَارَةِ الفَاطِمِيَّةِ العَائِدَةِ مِنْ ضِمنِ الهَدَايَا حُمَولَةَ أَربَعَةِ جِيادٍ مِنْ رُؤُوسِ القَتلَى السَّلاجِقَةِ هَدِيَّةً لِخَلِيفَةِ مِصرَ.(201/56)
و لَم يكتَفِ الأفضلُ بذلكَ، بلِ استَغَلَّ فُرصَةَ انشِغَالِ السّلاجِقَةِ مِنْ أهلِ السُّنّةِ بِقتَالِهِم و جِهَادِهِمْ لِلصَّلِيبيّينَ، فأرْسَلَ قُوّاتَهُ إلى "صُوْر" و فَتَحَها بِالقُوّةِ ثُمّ أرْسَلَ قوّاتَهُ مِنَ العامِ التّالي إِلى بَيْتِ المَقْدِسِ و انْتَزَعَهُ مِنْ أصْحَابِهِ الأرَاتِقَةِ، ثُمَّ سُرعانَ ما تَوَجّهَ الصّلِيبِيُّونَ لِبَيْتِ المَقدِسِ كَأنّهَا مُؤَامَرةٌ وَ اتّفَاقِيّةٌ بَينَ الطّرَفَينِ، يَسْتَوْلِيْ الأَفْضَلُ عَلَى بَيْتِ المَقْدِسِ، لِيَتِمَّ تَسْلِيمُ البِلادِ بِدمٍ باردٍ إِلى يَدِ الصّليبيينَ، و ليسَ أدَلُّ على ذَلِكَ مِنْ أنَّ الأفْضَلَ لمَّا عَلِمَ بِتَوَجُّهِ الصليبيينَ إلى بيتِ المَقْدِسِ توجَّهَ عائِداً إِلى الْقَاهِرَة.(201/57)
وَ كانتِ القُوَّاتُ الصَّلِيبيَّةُ التِّي حَاصَرَتْ بيتَ المَقْدِسِ، في غايةِ التَّعَبِ و الإنْهَاكِ من شِدَّةِ الحَرَارَةِ التّي لَمْ يَعْتَادُوا عَلَيهَا في بِلَادِهم، حتَّى أنَّ الماشِيَةَ وَ الأغْنَامِ هَلَكَ عددٌ كبيرٌ منهَا، بَلْ إنَّ عددَ الجيشِ الصليبيّ الذي كَانَ مُتوَجِّهًا لحِصَارِ بيتِ المقدِس لمْ يكُن كبيرًا، بِحَيْثُ يستطيعُ أنْ يصمُدَ في ظلِّ هذِهِ الظُّروفِ لَولًا خيانَة الرَّافضَة، وَ تَوَاطُئُهم معَ الصَّلِيبين. إذ بَلَغَ عدَدُهُم ألفًا وَ خَمْسَ مائةَ فارِسٍ، وَ عشرين ألفًا من المُشَاةِ، حتّى أنَّ المُؤَرِّخَةَ ابن تَغْرِيبَرْدِي قَالَ مُتَعَجِّبًا: "وَ العَجَبُ أنَّ الإفْرَنْج لمَّا خَرَجُوا إلى المُسلمينَ كانُوا في غايةِ الضَّعْفِ من الجوعِ وَ عدَمِ القوتِ، حتى أنَّهُم أَكَلُوا المَيْتَةَ، وَ كانتْ عسَاكِرُ الإسلامِ في غايَةِ القُوَّةِ وَ الكَثْرَةِ ، فَكَسَرُوا - أي الصَّليبيون - المسلمين وَ فَرَّقُوا جَمْوعَهُم". وَ بعدَ حِصَارٍ دامَ أربعين يَوْمًا تمكَّنَ الصلِيبيُّونَ من دُخولِ بيتِ المَقْدِسِ وَ احْتِلالِهَا في شَهْرِ شَعْبًان، في سَنةِ أرْبع مائةِ و اثْنَتَيْنِ وَ تسعينَ لِلْهِجْرَةِ.
وَ راحُوا يُقتِّلونَ المسلمينَ، وَ يُحَرِّقونَ مَا كَانَ ببيتِ المَقْدِسِ من مَصَاحِفٍ وَ كُتُبٍ، حتّى بلَغَ عددُ القَتْلَى مَا يَزِيدُ عَلَى سَبْعِينَ ألفٍ منَ المُسلمينَ منهُم الأئمَّةُ و العلماءِ وَ العُبَّادِ. وَ ظَلُّوا على هذهِ الحَالَةِ منَ التَقْتِيلِ و التنْكيلِ أُسْبُوعًا كامَِلًا لدرجة أنَّهُ لماّ أراَد قَائدُهُم الصَّليبي رِيمُونْد زِيارَة سَاحَة المَعبَدِ أَخَذَ يتلَمَّسُ طَريقَهُ تَلَمُّسًا من كثرةِ الجُثَثِ و الدِّماء التي بَلَغَت رُكبَتَيْهِ.(201/58)
وَ كان من جَرَائمِ الخلَفَاء العُبَيديين أنَّهُم يتَخَلَّصُونَ من كل وَزيرٍ يُنادِي بفريضَةِ الجِهادِ، وَ يرفَعُ لُوَاءَهُ على وجهِ السُّرعَة، وَ يظْهَرُ ذلكَ من خِلًالِ الفَتْرَةِ التي حَكَمُوا بها. فَهَذا الوزيِرُ الأفضلُ لمَّا كانَ مُتحَالِفًا مع الصَّليبيينَ كانَ منهُم مُقَرَّبا، وَ لَمَّا بدَأَ يَتَحَالَفُ معَ الدَّماَشِقَة الأترَاك لمواجَهَةِ الصليبيّينَ، قَامُوا باغتيَالِهِ في عَهْدِ الخَليفَةِ الآمِر.
وَ هذَا الوزير رِضوَان بن الوَلْخَشِيّ كَان من أشدِّ النَّاسِ تَحَمُّسًا للجِهَادِ ضِدَّ الصليبيين حتّى أنَّهُ أَنْشَأَ ديوَانًا جَدِيدًا، أَطْلَقَ عليهِ اسم ديوانِ الجِهادِ، وَ أخَذَ يُطارِدُ الأَرْمَن، و يُقصيهِم من مَنَاصبِهِم التي توَلُّوهَا من قِبلِ الرَّافِضَة العُبَيديين، بَل إنَّهُ نَدَّدَ بالخَلِيفَةِ الحَافِظ العُبَيْدِيّ آنذاك علَى مواقِفِهِ المُستكِينًة تُجاهَ الصليبيينَ بالشَّامِ، فَعَمَدَ الخليفةِ الحافِظِ إلى تمكينِ الأرمَنِ و التَّعاون معهُم سِرًا، وَ أخَذَ يثُيرُ طوائفَ الجَيْشِ الفَاطِميّ ضدَّ الوزير ابن الوَلْخَشِيّ، الأمرُ الذي أعَاقَ سيرَ حركَةِ الجِهَادِ التّي عَزَمَ ابن الوَلْخَشِيّ على إدارَتِهَا، فَاضْطَّرَّ إلى الفِرارِ متَحَيِّزًا نَحْوَ الشَّمالِ حَيْثُ يُوجَدُ أَسَدٌ من أُسُودِ الجِهادِ وَ هُوً عِمادُ الدِّينِ زِنْكِيّ، لِيَستَعينَ بهِ في جِهَادِهِ ضدَّ الصليبيينَ.
وَ هذَا الوزيرُ ابنُ السَّلَار السُّنِّيّ الشَّافِعِيّ بَذَلَ قُصَارى جُهْدِه لموَاجَهَة الصَّليبيينَ، وَ حاولَ التّعاونَ مع نورِ الدِّينِ و الاتِّصالَ بهِ ليتمَكَّنوا من مُشَغَالَةِ الإفرِنجِ في جِهَةٍ، وَ ضَرْبِهِم في الجِهَةٍ أُخْرَى، إلا أنَّ الخليفَةَ آنَذَاك الظَّافِرْ دَبَّرَ لَهُ مُؤامَرَةً فاغْتَالَهُ في عامِ خَمسِ مائة وَ ثَمانيةٍ وَ أربَعِينَ للهِجْرَةِ.(201/59)
وَ هذا الوزيرُ العادِل طلائعُ بنُ رُزَيْك الذي مَا لبثَ بعد تولِّيهِ الوِزَارَة أنْ رفعَ رايَةَ الجِهادِ، وَ جَهَّزَ الأساطيل و السَّرَايا لمهَاجَمَة الصليبيينَ، لكنَّه ما لَبثَ أنْ قُتِلَ قبلَ أنْ يُحَقِّقَ حُلْمَهُ في تحريرِ بيتِ المَقْدِسِ، من قِبَلِ مُؤامرة دَبَّرها له "شَاوَر السَّعْدِيّ" الذي كانَ والِيًا على الصّعيدِ في عهدِ الخلفَةِ العَاضِد عام خَمْسِ مائةٍ وَ ثمَانيَة وَ خَمْسينَ للهِجْرَةِ. وَ لمَّا خرجَ أحد قادةِ الجَيْشِ وَ هُوَ أبو الأشْبًالِ الضّرْغَام على شَاورٍ، وَ انتزَع منه الوَزَارَة وَ قَتلَ ولَدَه الأكبر طَيّ بن شَاوَر، اضطَّرّ شاوَر إلى أنْ يُرسِلَ إلى الملكِ العادِل نور الدِّين محمود زِنْكِي يَستَجيرُ بهِ، وَ يطلبُ منهُ النَّجْدَة على أنْ يُعْطِيَهُ ثُلُثَ خَرَاجِ مِصر، وَ أن يكونُ نائِبَهُ بِهَا حيثُ قالَ: " أكونُ نائِبَكَ بِها وَ أقْنَعُ بما تُعَيّنُ لي من الضِّياعِ وَ الباقي لكَ"، وَ معَ أنَّ نورَ الدِّينِ كَانَ مترَدِّدًا في إرسالِ حملَة عسكَرِّيَّةٍ مع شَاورَ إلا أنَّه استخَارَ فَأرسَلَ لَه أكبرَ قُوَّادِهِ أسدَ الدِّينِ شِرْكُوهْ، وَ أرسلَ معهُ ابن أخيهِ صَلَاح الدِّين، وَ أمرَ بإعادَةِ شَاوَرَ إلى مَنصِبِه، واستطاع أسدُ الدِّين في حَملَتِه أنْ يقضيَ على ضِرغَام، وأن يُعيدَ الوِزَارةَ إلى شَاوَر في شَهْرِ رَجَب عام خمسِ مائةٍ وَ تسعَةٍ وَ خَمْسينَ للْهِجْرَةِ.(201/60)
وَ لكِنَّ الغَدرَ و الخِيانَةَ بَدَت فِي مُحَيّا "شَاوَر"، فَأَسَاءَ مُعَامَلَةَ النّاسَ و تَنَكّبَ عَنْ وُعُودِهِ المَعْسُولَةِ لِنُورِ الدّين، و أرَادَ أنْ يَغْدِرَ بِأَسَدِ الدِّيْنِ شِركُوه حَيثُ طَلَبَ مِنْهُ الرّجُوعَ إِلى الشّام، دُونَ أنْ يُرسِلَ إِلَيهِ ما كانَ قدِ اسْتَقرَّ بَينَهُ و بَيْنَ نُورِ الدّين، وَ لما رَفَضَ أَسَدُ الدِّينِ الرُّجُوعَ إِلى الشَّامِ أَرْسَلَ نُوّابَهُ إِلى مَدِيْنَةِ "بَلْبِيس" فَتَسلَّمَهَا و تَحَصَّنَ بِهَا، فَمَا كَانَ مِن "شَاوَر" إِلا أَنْ يَغْدِرَ كَما هِيَ عَادَةُ الرَّافِضَةِ، فَأَرْسَلَ إِلَى مَلِكِ بَيْتِ المَقْدِسِ الصّلِيبِي يَسْتَنْجِدَهُ على "شِرْكُوه" وَ يُطَمِعُهُ فِي مُلْكِ مِصْرَ إِنْ هُمْ سَاعَدُوهُ فِيْ إِخْرَاجِ "شِركُوه"، وَ بِالفِعْلِ سَارَعَ الصَّلِيْبِيُّونَ بِالتَّوَجُّهِ إِلى مِصْرَ وَ مِن ثُمَّ التَقَوا بِـ"شَاور" وَ عَسَاكِرَه حَتّى تَوَجَّهُوا جَمِيْعَاً إِلى "بَلْبيس" وَ حَاصَرُوا أَسَد الدِّيْنِ فِيهَا وَ لَكِن مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تَعَالَى أَنَّهُ وَ أَثْنَاء حِصَارِهِمْ لَهُم؛ وَصَلَتْهُم الأَنْبَاءُ بِهَزيْمَةِ الإِفْرَنْجِ عَلَى "حَارِم" و تَمَلُّكِ نُورِ الدِّينِ لها، وَ تَقَدُّمِهِ إِلى "بَانِيْسَا" لأَخْذِهَا فَأَصَابَهُم الرُّعْبُ وَ اضْطُرُّوا إِلَى أنْ يُرَاسِلُوا أسَدَ الدّينِ المُحَاصَرِ في "بَلْبيس" يَطْلُبُونَ مِنْهُم الصُّلْحَ وَ تَسْلِيمِ مَا أَخَذَهُ سِلْمَاً، فَاضْطُرَّ لِمُوَافَقَتِهِم عَلَى ذَلِك، إِذْ أَنّ الأَقْوَاتَ قَلَّتْ عِنْدَهُم وَ عَلِمَ عَجْزَهُ عَنْ مُقَاوَمَةِ الفَرِيْقَينِ فَصَالَحَهُم وَ خَرَجَ مِن "بَلْبيس" عام خمسمائة وتسعة وخمسين للهجرة وهو في غَايَةِ القَهْر.(201/61)
هَذَا الأَمْرُ وَ هَذِهِ الخِيَانَةُ مِنْ قِبَلِ "شَاوَر" وَ تَحَالُفِهِ مِعَ الصّلَيْبِيين جَعَلَ المَلِكَ الصّالِحَ نُوْرُ الدّيْنِ مَحْمُود، يُوَجِّهُ نَظَرَهُ إِلى غَزْوِ مِصْرَ ثَانِيَةً لِلْقَضَاءِ عَلَى مَصْدَرِ الفُرْقَةِ فِيْ العَالَمِ الإِسْلامِيِّ وَ مَنْبَعِ الخَيَانَةِ لِلأُمّة أَلا وَ هِيَ الخِلافَةُ الفَاطِمِيَّةُ بِالإِضَافَةِ إِلَى رَغْبَتِهِ فِيْ نَشْرِ المَذْهَبِ السُّنّي وَ القَضَاءِ عَلَى مَذْهَبِ الرَّفْضِ فَخَرَجَت حَمْلةٌ مِنْ "دِمْشْقَ" فِي مُنْتَصفِ شَهْرِ رَبيعٍ الأَوّل مِن عَامِ خمسُمَائة و اثْنَين وَ سِتِّينَ لِلْهِجْرَةِ بِقِيادَةِ أَسَدِ الدِّيْنِ وَ ابْنِ أَخِيْهِ صَلاحِ الدِّينِ وَ كَانُوا عَلَى مَوْعِدٍ مَعَ النَّصْرِ، وَ مِنْ مُقَدِّمَاتِ هَذَا النَّصْرِ وَ إِرْهَاصَاتِهِ أَنْ قَذَفَ اللهُ الرُّعْبَ فِيْ قُلُوبِ أَعْدَاءِه مِنَ الصَّليبيينَ و الرّافِضِةِ المُرْتَدّين، وَ برِغمِ تَحَالُفِ "شَاوَر" و قُوّاتِهِ مَعِ قُوَّاتِ الصّلِيبيين وَ اسْتِنْجَادَهُ بِهِمْ إِلا أَنَّهم قَدمُوا وَ الرَّجَاءُ يَقُوْدُهُمْ وَ الخَوْفُ يَسُوْقُهُم.
فَبَدَأَتْ أُوْلَى المَعَارِكِ بَيْنَ قُوّاتِ أَسَدِ الدِّيْنِ وَ قُوَّاتِ الصّليبيّينَ المُتَحَالِفِينَ مَعْ "شَاور" فِي مِنْطَقَةِ الصَّعِيدِ بِمَكَانٍ يُعْرَفُ بِاسْمِ "البَابَيْنِ" فَدَارَت مَعْرَكةٌ حَاسِمَةٌ انْتَهَتْ بِهَزِيمَة الصّلِيبيينَ وَ الفَاطِمِيّينَ أَمَامَ جُنُودِ "شِرْكُوه"، فَكَانَ مِنْ أَعْجَبِ مَا يُؤَرَّخُ أَنّ أَلْفِي فَارِس عَدَدُ أَفْرَادِ جَيْشِ "شِركوه" تَهْزِمُ عَسَاكِرَ مِصْرَ وَ فِرِنْجَ السّاحل.(201/62)
وَ اسْتَمَرَّ الكَرُّ وَ الفَرُّ بَيْنَ الفَرِيْقَينِ حَتّى كَانَ مِنْ فَضْلِ اللهِ تَعَالَى أَنْ بَثَّ اللهُ الفُرْقَةَ وَ النِّزَاعَ بَيْنَ "شَاور" وَ الخَلِيفَةِ الفَاطِمِيّ "العَاضُد" مِنْ جِهَةٍ وَ تَنَكُّرِ الصّلِيبيْينَ للوَزِيْرِ "شَاور" مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى.
كُلُّ ذَلِكَ بِالإِضَافَةِ إِلَى العَزْمِ الصَّادِقِ عَلَى جِهَادِ الصَّليبيّينَ وَ نَشَرِ الدِّيْنِ الإِسْلامِيّ الصَّافِيْ عَلَى مَنْهَجِ الجَمَاعَةِ الأُوْلَى, مَا عَلَيْهِ الرَّسُوْلُ صَلى الله عَلَيهِ وَ سَلّم وَ أَصْحَابَهُ أَدّى بِالنّهَايةِ إِلى انْتِصَارِ حَمْلَةِ نُورِ الدّيْنِ بِقِيادِةِ أسَدِ الدّيْنِ وَ ابْن أخِيْهِ صَلاحِ الدِّيْنِ وَ اسْتِيْلائِهِم عَلَى مِصْرَ فِيْ نِهَايَةِ المَطَافِ، وَ لَكِنَّ الحِقْدَ الرَّافِضِيَّ لَمْ يَنْتَهِي إِلى هَذَا الحَدِّ بَلْ رَاحَ الرَّافِضَةُ يُدَبِّرُونَ المُؤَامَرَاتِ وَ المَكَائِد بَعْدَ سُقُوطِ الدّوْلَةِ العُبَيدِيّةِ الفَاطِمِيّةِ للتّخَلُّصِ مِنْ أَسَدِ الدِّيْنِ الذِيْ تَولّى الوَزَارَةَ فِيْ مِصْرَ وَ مَنْ بَعْدِهِ ابنُ أخَيهِ صَلاح الدِّيْنِ الذِيْ قَطَع الخُطْبَةَ للخَلِيفَةِ الفَاطِمِيِّ فِيْ ثَانِيْ جُمْعةٍ مِنْ المُحَرَّمِ عَام خَمْسمائةٍ وَ سَبعةٍ وَ سِتّينَ للهِجْرةِ وَ خَطَبَ للخَلِيْفَةِ العَبَّاسِي المُسْتَضِيءِ بِأمْرِ الله.(201/63)
فَتَمَّتْ عِدّةُ مُحَاوَلاتٍ لاغْتِيالِ القَائِدِ صَلاحِ الدّين، فَفِيْ عَامِ خمْسِمَائة وَ أَرْبعةٍ وَ سَبْعينَ لِلهِجْرِةِ مِنْ شَهْرِ ذِيْ القِعْدَةِ اتَّفَقَ مُؤْتِمِنُ الخِلافَةِ وَ هُوَ خَصِيٌّ كَانَ بِقَصْرِ العَاضُدِ وَ كَانَ الحُكْمُ فِيْ القَصْرِ إِليْهِ مَعْ جَمَاعَةٍ مِنَ المِصْرِييْنَ عَلَى مُكَاتَبَةِ الإِفْرَنْجِ مَعْ شَخْصٍ يَثِقُوْنَ بِهِ يَقْتَرِحُوْنَ فِيْهِ عَلَيْهِم أَنَّ يَتَوجَّهَ الصّلِيبيّون إِلى الدِّيَارِ المِصْرِيّة، فَإِذَا وَصَلُوا إِلَيْهَا وَ أَرَادَ صَلاحُ الدّينِ الخُرُوجَ إِلَيْهِم قَامَ هُوَ وَ مَنْ مَعَهُ مِنَ المِصْرِيينَ فِيْ الدَّاخِلِ بِقَتْلِ مُخَالِفِيهِمْ مِنْ أَنْصَارِ صَلاح الدّين، ثُمَّ يَخْرُجُوْنَ جَمِيْعَاً فِيْ إِثْرِهِ حَتَّى يَأْتُوْنَهُ مِنَ الخَلْفِ فَيَقْتُلُونَهُ وَ مَنْ مَعَهُ مِنَ الَعَسْكَر، وَ لَكنَّ الله تَعَالى أَفْشَلَ مُخَطّطهُم ذَلكَ وَ انْكَشَفَ حَامِلُ الرِّسَالة، فَأَرْسَل صَلاحُ الدِّينِ مِنْ فَوْرِهِ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِهِ إِلى مُؤْتَمِنِ الخِلافَة، حَيثُ كَانَ يَتَنزّهُ فِي قَرْيَةٍ لَهُ فَأَخَذُوهُ و قَتَلُوهُ وَ أَتَوا بِرَأْسِهِ وَ عَزَلَ جَمِيعَ الخَدَمِ الذينَ يَتَولّونَ أَمْرَ قَصْرِ الخِلافَة.(201/64)
ثُمّ جَاءَتِ المُحَاوَلَةُ الثّانِيَةُ لاغْتِيالِ صَلاح الدّيْنِ مِنْ قِبَلِ الرّافِضَةِ لَمّا ثَارَ جُنْدُ السُّودَانِ الذين كَانُوا بِمِصْرَ لمَقْتَل مُؤْتَمن الخِلافة لأَنّه كَانَ يَتَعصَّبُ لَهُم فَجَمَعُوا خَمْسِين ألفاً مِنْ رِجَالِهِم وَ سَارُوا لِحَرْبِ صَلاحِ الدِّينِ فَدَارَتْ بَيْنَهُم عِدّةُ مَعَارِك وَ كَثُر القَتْلُ فِيْ الفَرِيقَينِ، فَأرْسَل صلاح الدّيْنِ إِلى مَحَلّتِهِم المَعرُوفَةِ بِالمنْصُورَةِ فَأَحْرَقَها عَلَى أَمْوَالِهِم وَ أَوْلادِهِم وَ حَرَمِهِم، فَلَمّا عَلِمُوا بِذَلِكَ وَلّوا مُنْهَزِمِينَ فَرَكِبَهُم السَّيْفُ وَ ظَلّ القَتْلُ فِيْهِمْ مُسْتَمِرّاً إِلى أَنْ قَضَى عَلَى آخِرِهِمْ "تُورَان شَاه" أَخُو صَلاحِ الدّين فِيْ مِنْطَقَةِ الجيزة.(201/65)
وَ لَمْ يَسْتَكِنْ الرّافِضَةَ إِلَى هَذَا الحَد بَلْ اتّفقَ جَمَاعَةٌ مِنْ شِيْعَةِ العَلَوييّنَ بِمِصْرَ وَ مِنْهُم "عَمارة اليَمَنيّ" الشّاعِرُ المَعْرُوفُ وَ "عَبْدُ الصّمد" الكَاتِبُ وَ القَاضِيْ "العُوَيْرِسِيّ" وَ دَاعِيْ الدُّعَاة "عَبْد الجَبّارِ بْن إِسْمَاعِيْل بن عَبْدِ القَوِي" وَ قَاضِيْ القُضَاةِ هِبةُ اللهِ بْنُ كَامِل وَ مَعَهُمْ جَمَاعَةٌ مِنْ أُمَرَاءِ صَلاحِ الدّينِ وَ جُنْدِهِ وَ اتّفَقَ رَأْيُهُم عَلى اسْتِدْعَاءِ الفِرِنِج مِنْ "صِقِلّيةِ" وَ مِنْ سَاحِلِ الشّامِ إِلى الدِّيَارِ المِصْرِيّةِ عَلَى شَيءٍ يَبْذُلُونَهُ لَهُمْ مِنَ المَالِ وَ البِلادِ، فِإِذَا قَصَدُوا البِلادَ وَ خَرَجَ إِلَيْهِمْ صَلاحُ الدِّيْنِ لمِقَاتَلَتِهم ثَارُوا هُمْ مِنَ الدَّاخِلِ فِيْ القَاهِرَةِ وَ مِصْرَ وَ أَعَادُوا الدَّوْلَةَ الفَاطِمِيَّةَ، وَ لَكِنْ مِنْ لُطْفِ اللهِ تَعَالَى بِأُمّةِ الإِسْلامِ أَنْ كُشِفَ مُخَطّطَهُم قَبْلَ أَنْ يَتِمَّ حَيْثُ كَانَ مِنْ ضِمْنِ مَنْ أَدْخَلَوهُ مَعَهُمْ فِيْ المُؤَامَرَةِ وَ أَطْلَعُوهُ عَلَى خَبِيْئَتِهِم الأمَيرُ زَيْنُ الدِّيْنِ عَليّ بنُ الوَاعِظِ الذِيْ أَبَتْ نَفْسُهُ أَن تَقْبَلَ بِهَذِهِ الدّنِيْئِة، وَ هَذِهِ الخَيَانَةُ فَأَخْبَرَ صَلاحَ الدّينِ بِمَا تَعَاقَدَ عَلَيه القَوْمُ فَكَافَأهُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ اسْتَدْعَاهُمْ وَاحَداً وَاحَدا، وَ قَرَّرَهُم بِذَلِكَ فَأقرُّوا ثُمَّ اعْتَقَلَهُم وَ اسَتَفْتَى الفُقَهَاءَ فِيْ أَمْرِهِمْ فَأفتُوهُ بِقَتْلِهِم، فَقَتَل رُؤوسَهُم وَ أَعْيَانَهُم وَ عَفَى عَنْ أَتْبَاعِهِم وَ غُلْمَانِهِم وَ أَمَر بِنَفْيِ مَنْ بَقِيَ مِنْ جَيْشِ العُبَيْدِيينَ إِلَى أَقْصَى البِلاد.(201/66)
وَ بِذَلِكَ تَكُوْنُ مِصَر قَدْ بَدَأتْ صَفْحَةً مُنِيْرَةً مِنْ تَارِيْخِِها، إِذْ أَعَادَ صَلاحُ الدِّيْنِ البَلادَ إِلَى المَذْهَبِ السُّنّي مِنْ جَدِيد وَ أَرْجَعَ تَبَعِيَّتَهَا للدّوْلَةِ العَبّاسِيّةِ ثُمّ رَاحَ يُرَتّبُ صُفُوفَهُ مِنْ جَديدٍ وَ لولا مُشَاغَلَةُ الرّافِضَةِ لَهُ وَ مُحَاوَلَاتَهُم العَدِيدَةَ فِيْ تَدْبِيرِ المُؤْامَرَاتِ لاغْتِيَالِه لمَا تَأخّرَ بَعْدَ ذلَكَ النّصْرُ الكَبِيرُ لِلأمّةِ الإِسْلامِيّةِ إلى عَامِ خمسمائة وَ ثَلاثةٍ وَ ثَمَانِينَ للهِجْرَةِ حَيْثُ انْشَغَلَ صَلاحُ الدّيْنِ بِقِتَالِ الرّافِضَةِ وَ لمَّا تَمَكّنَ مِنَ القَضَاءِ عَلَيَهِمْ كَدَولَةٍ وَ كَقُوّةٍ اسْتَطَاعَ بَعْدَهَا أَنْ يَتَفرَّغَ لِقِتَالِ الصّليبيينَ، وَ مِنْ ثَمَّ اسْتِعَادَةِ بَيْتِ المَقْدِسِ مِنْ أَيْدِيهِمْ فِيْ مَوْقِعَةِ "حِطّيْنَ" الفَاصِلَةِ وَ لِهَذَا كُلَّه فِإِنّ شَخْصِيةَ صَلاحِ الدّيْنِ رَحِمَهُ الله تَعَالى بِقَدْرِ مَا هِي تُمَثّلُ الرَّمْزَ النّاصِرَ لِدِينِ اللهِ و المُجِدِّدَ لعِزّ هَذِهِ الأمّةِ عِنْدَ أَهْلِ السّنةِ.. بِقْدرِ مَا تَغِيظَ مِنْهَا رُؤُوسُ الرّافِضَةِ وَ بِقَدْرِ مَا يُبغِضُونَ هَذِهِ الشّخْصِيّة.
<المعلّق>
أخِي المُستمعَ الكريم:
انْتَهَت مادّةُ هذا الشريط، شاكرينَ لكم حسن استماعكِم...
<المعلّق>
الهيئة الإعلامية لمجلس شورى المجاهدين في العراق تقدم: محاضرةً للشيخ المجاهد أبي مصعب الزرقاوي عضو مجلس شورى المجاهدين في العراق و أمير تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، و المحاضرة بعنوان "هل أتاك حديث الرافضة"، و للعلم فإن مادة هذه المحاضرة في ثلاثة أشرطة ..
فإليكم الشريط الثاني.. ...(201/67)
بِسْمِ اللهِ, وَالحَمدُ للهِ, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِ الخَلقِ مُحَمَّد, وَعَلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ الكِرَامِ, وَمَنْ تَبِعَهُمْ إِلى يَومِ القِيَامَةِ مِنَ الأَخيَارِ ... أمَّا بَعد:
فَفِي أَثْنَاءِ الطَّورِ الثَّانِي لِلخِلافَةِ العَبَّاسِيَّةِ نَجِدُ أَنَّ الرَّافِضَةَ يَظهَرُونَ مِنْ جَدِيدٍ, وَلكِنْ بِلِبَاسِ التَّقيَّةِ التِي يَدِينُونَ بِهَا حَتَّى تَظهَرَ لَهُم الدَّولَةُ وَاليَد؛ كَالثَّعلَبِ يَلبَسُ جِلدَ الشَّاةِ فَلا يَنخَدِعُ بِهِ إِِلا الرَّاعِي المُضيِّعُ لِرَعِيَّتِهِ, وَالغَافِلُ بِأُمُورِ دُنيَاهُ عَنْ أُمُورِ دِينِهِ..
فَرَاحُوا يَتَمَلَّقُونَ وَيَتَقَرَّبُونَ نِفَاقَاً مِنْ كِبَارِ المَسؤُولِينَ فِي الدَّولَةِ, وَيُعلِنُونَ الوَلاءَ وَالطَّاعَةَ جَهْرَاً , وَيُبيِّتُونَ مَا لا يَرضَى مِنَ القَولِ سِرَّاً, حَتَّى انخَدَعَ بِهِم كَثِيرٌ مِنَ الخُلَفَاءِ العَبَّاسِيِّينَ...
فَنَرَاهُمْ يُقَلِّدُونَهُمْ المَنَاصِبَ الهَامَّةَ وَالحَسَّاسَةَ فِي الدَّولَةِ... وَمِثلُ هَذَا الرَّافِضِيُّ الشَّهِيرُ "ابنُ العَلقَمِيّ" الذِي قَلَّدَهُ الخَلِيفَةُ المُستَعصِمُ الوَزَارَةَ غَفلَةً مَنهُ وَتَضيِيعًا, وَإِلا.. أَمَا كَانَت تَكفِيهِ العِبرُ مِنَ التَّارِيخِ القَرِيبِ مِمَّا فَعَلَهُ الرَّافِضَةُ بِأَجدَادِهِ..؟(201/68)
وَلكِنْ لِيقضِيَ اللهُ أَمرًَا كَانَ مَفعُولاً, وَلِيَرصُدَ لنَا التَّارِيخُ جَرائِمَ القَومِ وَخِيَانَاتِهِم, وَقُعُودَهُمْ لأَهلِ السُّنَّةِ كُلَّ مَرصَدٍ, وَهُم يَتَرَقَّبُونَ بِهِمُ الدَّوَائِرَ.. فَمَاذَا كَانَ جَزَاءُ الخَلِيفَةِ العَبَّاسِيّ إِلا أَنْ تَآمَرَ الحَاقِدُ "ابنُ العَلقَمِيّ" مَعَ شَيخِهِ الرَّافِضِيِّ "نَصِيرُ الدِّينِ الطُّوسِيّ" عَلى هَدمِ البِلادِ وَقَتلِ العِبَادِ وَخَلعِ الخَلِيفَةِ بَعدَ أَنْ رَاسَلُوا "هُولاكُو" مَلِكَ التَّتَارِ بِدُخُولِ بَغدَادَ, وَوَعَدُوهُ بِمُنَاصَرَتِهِ وَالتَّوطِينِ لَهُ مِنْ خِلالِ خِطَّةٍ وَحِيلَةٍ مَكَرَ بِهَا ابنُ العَلقَمِيّ؛ حَيثُ أَوهَمَ الخَلِيفَةَ العَبَّاسِيَّ بِأَنَّ عَدَدَ الجُنُودِ كَثُرَ وَزَادَ عَلى دِيوَانِ الجُندِ حَتّى بَاتُوا مِنْ كَثرَتِهِم يُشَكِّلُونَ عِبئَاً اقتِصَادِيًّا عَلى الدَّولَةِ, وَأَنَّ الدَّولَةَ تَحتَاجُ فِي مَرَافِقِهَا الأُخرَى أَكثَرَ مِن حَاجَتِهَا فِي الجُندِ...
فَأَشَارَ عَلِيهِ أَنْ يُقَلِّلَ نِسبَةَ الجُندِ...
فَمَا إِن وَافَقَ عَلَى هَذِهِ الفِكرَةِ وَهَذَا المَبدَأِ؛ حَتَّى رَاحَ يُسَرِّحُ الكَتَائِبَ تِلوَ الكَتَائِب.. فَبَعدَ أَنْ كَانَ عَدَدُ الجُنُودِ مَا يُقَارِبُ المائَةَ أَلفٍ, صَارُوا قُرَابَةَ العَشرَةِ آلافِ جُندِيٍّ..(201/69)
وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ ابنُ كَثِيرٍ: "وَكَانَ الوَزِيرُ ابنُ العَلقَمِيِّ قَبلَ هَذِهِ الحَادِثَةِ يَجتَهِدُ فِي صَرفِ الجُيُوشِ وَإِسقَاطِ اسمِهِم مِنَ الدِّيوَانِ، فَكَانَتِ العَسَاكِرُ فِي آخِرِ أَيَّامِ المُستَنصِرِ قَرِيبَاً مِنْ مَائَةِ أَلفٍ مِنهُمُ مِنَ الأُمَرَاءِ مَنْ هُوَ كَالمُلُوكِ الأَكَابِرِ الأَكَاسِرِ، فَلَمْ يَزَلْ يَجتَهِدُ فِي تَقلِيلِهِمْ إِلى أَنْ لَم يَبقَ سِوَى عَشرَةِ آلافٍ ، ثُمَّ كَاتَبَ التَّتَارَ وَأَطمَعَهُم فِي أَخذِ البِلادِ ، وَسَهَّلَ عَليهِم ذَلِكَ، وَحَكَى لَهُمْ حَقِيقَةَ الحَالِ، وَكَشَفَ لَهُمْ ضَعفَ الرِّجَالِ؛ وَذَلِكَ كُلِّهِ طَمَعَاً مِنهُ أَنْ يُزِيلَ السُّنَّةَ بِالكُلِّيَّةِ، وَ أَنْ يَظهَرَ البِدْعَةَ الرَّافِضِيَّةِ، وَأَنْ يُقِيمَ خَلِيفَةً مِنَ الفَاطِمِيِّينَ، وَأَنْ يُبِيدَ العُلَمَاءَ وَالمُفتِينَ، وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمرِهِ." ا.هـ.
حِينَهَا أَرسَلَ ابنُ العَلقَمِيِّ إِلى "هُولاكُو" يُبلِغُهُ مَدَى الضَّعفِ الذِي حَلَّ بِالدَّولَةِ وَبِالخَلِيفَةِ.
وَخَرَجَ هُولاكُو لاجتِيَاحِ بَغدَادَ, حَتَّى إِذَا صَارَ عَلَى حُدُودِ البِلادِ؛ خَرَجَ لَهُ ابنُ العَلقَمِيّ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ خَاصَّتِهِ وَأَهلِهِ وَاجتَمَعُوا بِهُولاكُو , وَأَشَارَ ابنُ العَلقَمِيّ عَلَى أَنْ تُدَبَّرَ لِلخَلِيفَةِ خِطَّةٌ لاستِخرَاجِهِ وَكِبَارِ قَادَتِهِ وَأُمَرَائِهِ وَخَاصَّتِهِ مِنْ حَوَاشِيهِ خَارِجَ البَلَدِ لِيَسهُلَ القَضَاءُ عَليهِ, وَ يَسهُلَ عَليهِم اجتِيَاحَ بَغدَادَ..
فَجَاءَ ابنُ العَلقَمِيّ يَنسِجُ خُيُوطَ المَكرِ وَالخِيَانَةِ لِلخَلِيفَةِ المُستَعصِمِ, وَيُشُيرُ عَليِهِ بَأَنْ يَخرُجَ لِهُولاكُو لِيَعقِدَ مَعَهُ اجتِمَاعَ صُلحٍ يَصطَحِبُ فِيهِ خَاصَّتَهُ مِنَ الحَاشِيَةِ وَالأُمَرَاءِ وَالقُضَاةِ وَالقَادَةِ...(201/70)
وَ بِالفِعلِ وَثِقَ الخَلِيفَةُ بِوَزِيرِهِ الرَّافِضِيّ... كَيفَ لا, وَهُوَ الذِي قَرَّبَهُ إِليهِ وَعَيَّنَهُ لَهُ وَزِيرَاً .. فَمَاذَا كَانَتْ نَتِيجَةُ هَذَا التَّقَارُبُ السُّنِّيُّ الرَّافِضِيّ الشَّهِير؟
النَّتِيجَةُ هِيَ مَا استَمرَأَ عَليِهِ الرَّافِضَةُ وَأَلِفُوهُ.. إِنَّهُ الغَدرُ وَالخِيَانَةُ, حَتَّى أَنَّ الخَلِيفَةَ لَمَّا قَدِمَ عَلى هُولاكُو لم يَكُنْ هُولاكُو عَازِمَاً عَلى قَتلِهِ بَل تَهَيَّبَ ذَلِكَ, وَلكِنَّ ابنَ العَلقَمِيّ وَالطُّوسِيّ شَجَّعَاهُ عَلى ذَلِكَ, وَنَصَحَاهُ بِقَتلِهِ وَقَتلِ مَنْ جَاءَ مَعَهُ حَتَّى تَمَّ لَهُم ذَلِكَ بِالفِعلِ..
وَ دَخَلَ التَّتَارُ إِلى بَغدَادَ فَأَوَقَعُوا فِيهَا مَذبَحَةً عَظِيمَةً فِي النُّفَوسِ, وَمِحرَقَةً هَائِلَةً فِي الكُتُبِ وَ المَكتَبَاتِ , فَلَم يَنجُ مِنْ ذَلِكَ إِلا أَهلُ الذِّمَّةِ مِنَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى وَمَنْ التَجَأَ إِلى بَيتِ ابنِ العَلقَمِيّ.
وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ الإِمَامُ الذَّّهَبِيّ:(201/71)
"وَفِي سَنَةِ 656 هـ , أَحَاطَ أَمرُ اللهِ بِبَغدَادَ فَأَصبَحَتْ خَاوِيَةً عَلى عُرُوشِهَا, وَبَقِيَتْ حَصِيدَاً كَأَنْ لَم تَغنَ بِالأَمسِ, فَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِليهِ رَاجِعُونَ, نَازَلَهَا المَغُولُ فِي أَخلاطٍ مِنَ السُفَّلِ وَأَوبَاشٍ مِنَ المُنَافِقِينَ, وَكُلِّ مَنْ لم يُؤمِنْ بِالرَّبِّ, وَكَانَ ابنُ العَلقَمِيّ الوَزِيرُ وَاليًا عَلى المُسلِمِينَ وَكَانَ رَافِضِيًّا جَلِدًا فَلمَّا استَدَارُوا بِبَغدَادَ, وَخَارَتْ القُوَى وَجَفَّ الرِّيقُ, وانخَلَعَت الأَفئِدَةُ أَشَارَ الوَزِيرُ عَلى الخَلِيفَةِ المُستَعصِمِ بِاللهِ بِمُصَانَعَةِ العَدُوِّ, وَقَالَ دَعنِي أَخرُجْ إِليهِم فِي تَقرِيرِ الصُّلحِ, فَخَرَجَ وَاستَوثَقَ لِنَفسِهِ وَلِمَن أَرَادَ, وَجَاءَ إِلى الخَلِيفَةِ وَقَالَ إِنَّ المَلِكَ قَد رَغِبَ أَنْ يُزَوِّجَ ابنَتَهُ بِابنِكَ أَبِي بَكرٍ, وَيُبقِيَكَ فِي الخِلافَةِ كَمَا كَانَ الخُلَفَاءُ مَعَ السُّلجُوقِيَّةِ, وَيَرحَلَ عَنكَ فَأَجِبهُ إِلى ذَلِكَ فَإِنَّ فِيهِ حَقنُ الدِّمَاءِ , وَأَرَى أَنْ تَخرُجَ إِليهِ".(201/72)
فَخَرَجَ الخَلِيفَةُ فِي جَمعٍ مِنَ الأَعيَانِ إِلى السُّلطَانِ هُولاكُو, فَأَنزَلَهُ فِي خَيمَةٍ, ثُمَّ دَخَلَ الوَزِيرُ فَاستدعَى الأَكَابِرَ لِحُضُورِ العَقدِ, فَحَضَرُوا وَضُرِبَتْ أَعنَاقُهُمْ, وَصَارَ كَذَلِكَ يُخرِجُ طَائِفَةً بَعدَ طَائِفَةٍ فَيُقتَلُونَ, ثُمَّ صِيحَ فِي البَلَدِ, وَبُذِلَ السَّيفُ وَاستَمَرَّ القَتلُ وَ السَّبيُ وَالحَرِيقُ وَالنَّهبُ , وَقَامَتْ قِيَامَةُ بَغدَادَ فَلا حَولَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللهِ بِضعَا وَثَلاثِينَ يَومًا, كُلَّ صَبَاحٍ يُدخَلُ فِرقَةٌ مِنَ التَّتَارِ فَيحصُدُونَ مَحِلَّةً حَتَّى جَرَت السُّيُولُ مِنَ الدِّمَاءِ, وَرُدِمَتْ فِجَاجُ المَدِينَةِ مِنَ القَتلَى, حَتَّى قِيلَ إِنَّهُ رَاحَ تَحتَ السَّيفِ أَلفُ أَلفٍ وَثمَاَنمُاِئَةِ أَلفٍ... وَالأَصَحُّ أَنَّهُم بَلَغُوا نَحوًا مِن ثَمَانِمَائَةِ أَلفٍ, وَهَذَا شَيءٌ لا يَكَادُ يَنضَبطُ فَإِنَّهُم قَتَلُوا فِي الطُّرُقِ وَالجَوامِعِ وَالبُيُوتِ وَالأَسطِحَةِ وَبِظَاهِرِ البَلَدِ مَا لا يُحصَى, بَل هِيَ مَلحَمَةٌ مَا جَرى قَطٌّ فِي الإِسلامِ مِثلَهَا, وَسَبَوا مِنَ النِّسَاءِ وَالصِّغَارِ مَا مَلأَ الفَضَاءَ.. وَمِمَّنْ أُسِرَ وَلَدُ الخَلِيفَةِ الصَّغِيرُ وَإِخوَانُهُ, وَقُتِلَ الخَلِيفَةُ وَابنَاهُ أَحمَدٌ وَعبدُالرَّحمَنِ, وَمِمَّنْ قُتِلَ مَعَ الخَلِيفَةِ مِنَ الأَعيَانِ: أَعمَامُهُ عَليٌّ وَالحُسَينُ وَيُوسُفُ, وَجَمَاعَةٌ مِن أَهلِ البَيتِ .(201/73)
وَ أَخْرَجَ الصَّاحِبُ مُحْيِي الدِّينِ الرًئيسَ العلامَةَ ابنُ الجَوْزِيّ وَ بَنُوهُ عَبْدَ اللهِ وَعبدَ الرَّحْمَنِ وَ عَبْدَ الكَرِيمِ, فَضُرِبَتْ أَعْنَاَقِهِم, وَ مِمَنْ قُتِلَ صَبْرًا جَمَاعَةٌ مُستَكْثِرُونَ مِنَ العُلمَاءِ وَ الأُمْرَاءِ وَ الأَكَابِرِ, وَ خَلَتْ بَغْدَادُ منَ أهلها, وَ دُثِرَتِ المَحَالُ, وَ اسْتَوْلَى عليْهَا الحريقُ, وَ احْتَرَقَتْ دارُ الخِلَافَةِ, و الجَامِعُ الكَبيرُ, حتَّى وَصَلَتْ النَّارُ إلى خَزَاَنَةِ الكُتُبِ, وَ عَمَّ الحَرِيقُ جميعَ البِلادِ, وَ ما سَلِمَ إلا مَا فيهِ من هؤلاءِ الملاعينَ ) ا.هـ.(201/74)
وَ لم يقِفْ هؤلاء الرَّوَافِضُ الحاقدينَ في جَرَائِمِهمُ السِّيَاسِيَةِ عندَ حدِّ الإضْرَارِ بالخَلِيَفَةِ وَ حَاشيتِهِ لإسقاط الدَّوْلَةِ الإِسْلَامِيَّةِ وَ حَسْب؛ بَلْ تمادَى ضَرَرُهُم إلى عَامَّةِ المُسْلِمِينَ, فَأَخَذُوا يقْطَعُونَ الطُّرُقَ، وَ يَقْتُلُونَ الآمِنِينَ منَ النَّاسِ، وَ يأخُذُونَ القَوَافِلَ, بَلْ أخَذُوا يَبْتَكِرُونَ وَسَائِلَ مختَلِفَةً للْفَتْكِ بِالنَّاسِ وَ نَشْرِ الرُّعْبِ بَيْنَهُم, فَقَدْ بَلَغَ مِنْ جُرْأَةِ هَؤُلاء المُفْسِدِينَ أنَّهُم كَانُوا يَخْطِفُونَ النَّاسَ منَ الشَّوَارِعِ وَ الحَارَاتِ بأغرب الطُّرُقِ, وَ كَانَ الرَّجُلُ يَتْبَعُ خَاطِفَهُ مِن سُكُونٍ وَ الخَوْفُ مُلْجِمِهُ وَ الوَيْلُ لَهُ إنْ أَبْدَى مُقَاوَمَةً أو تحرَّكَ لِسَانُهُ طلبًا للنَّجْدَةِ، فَإِذَا فَعَلَ ذلك استقرَّّ خِنجرُ خاطِفِهِ في قَلْبِهِ. فَكَانَ الِإنْسَانُ إِذَا تَأَخَّرَ عنْ بَيْتِهِ عَنْ الْوَقْتِ المُعْتَادِ لرُجُوعِهِ تَيَقَّنَ أهلُهُ بأنَّ البَاطنِيَّةَ قَتَلُوهُ، فَيَقْعُدُوا للعَزَاءِ بِهِ, وَ يَسُودُهُمُ الحُزْنُ، وَ الأسَى حَتَّى يَرْجِعَ. فَأَصْبَحَ النَّاسُ لا يمْشُونَ في الشَّوَارِعِ مُنْفَرِدِينَ، وَ كَانُوا عَلَى غَايَةٍ منَ الحَذَرِ.(201/75)
وَ يُصوِّرُ لَنَا المؤرِّخُ ابنُ الأثِيرِ (1)صُوَرةً لما فعلَهُ البَاطِنِيَّةُ بمؤذنٍ خَطَفُوهُ فيقولُ: (2)(وَ أَخَذُوا - البَاطِنِيَّة ُ- في بَعْضِ الأيَّامِ مُؤذِّنًا أَخَذَهُ جَارٌ لَهُ بَاطنيّ فَقَامَ أهلُهُ للنِّيَاحَةِ عليه, فَأَصْعَدَهُ الباطنية إلى سَطْحِ دَارِهِ وَ أَرُوهُ أهْلَهُ كَيْفَ يَلْطمُونَ، وَ يَبْكُونَ وَ هَوُ لا يَقْدِرُ أنْ يَتَكَلِّمَ خوفًا منْهُم .) ا.هـ.
__________
(1) هو علي بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد، العلاّمة عزّ الدين، أبو الحسن بن الأثير أبي الكرم الشيباني الجَزَري، الحافظ المؤرخ، أخو مجد الدين وضياء الدين. ولد بالجزيرة العمريَّة سنة خمس وخمسين وخمس مائة. تحوَّل به وبأخويه والدهم إلى الموصل، فسمعوا بها، واشتغلوا، وسمع بالموصل من الخطيب أبي الفضل، ويحي الثَّقفي، ومسلم بن علي السِّيحي، وغيرهم. وسمع ببغداذ لما سار إليها رسولاً من عبد المنعم بن كُليب، ويعيش بن صدقة الفقيه، وعبد الوهاب بن سُكينة. وكان إماماً نسَّابةً مؤرّخاً أخباريًّا أديباً نبيلاً محتشماً، وبيته مأوى الطلبة. أقبل آخر عمره على الحديث، وسمع العالي والنازل، حتَّى إنَّه سمع من أبي القاسم بن صَصْرَى وزين الأُمناء بدمشق. وصنَّف التاريخ المشهور المسمَّى ب: الكامل على الحوادث والسنين، واختصر الأنساب للسمعاني، وهذَّبه، وأفاد فيه أشياء، وهو في مقدار النصف أو أقل. وصنَّف كتاباً حافلاً في معرفة الصحابة، وجمع فيه بين كتاب ابن مَنْدَه وكتاب أبي نُعيم وكتاب ابن عبد البرّ وكتاب أبي موسى في ذلك، وزاد وأفاد، وشرع في تاريخ الموصل. وحدَّث بدمشق وحلب، وروى عن الدُّبَيْثي، والقُوصي شهاب الدين، والمجد بن أبي جرادة، ووالده أبو القاسم في تاريخه. توفي في الخامس والعشرين من شعبان سنة ثلاثين وست مائة على قول القاضي سعد الدين الحارثي.
(2) الكامل في التّاريخ لابن الأثير، فصل ذكر قتل الباطنية.(201/76)
وَ مِنْ أسَالِيبِهم الأُخرَى الْتِّي استَخْدَمُوهَا لِلْفَتْكِ بأفْرَادِ المُجْتَمَعِ الإسْلَامِيّ، وَ نَشْرِ الرُّعْبِ بينَهُم أنَّهُم كَانُوا يَخْطِفُونَ النَّاسَ بحيلٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَ يُحْمَلُون َإلى منازِلَ وَ دُورٍ غيرِ مَعْرُوفَةٍ، حيثُ يَسْجُنونُهُم أوْ يقتُلُونَهُم, وَ كَانَ إِذَا مَرَّ بهمُ إِنْسَانٌ أَخَذُوهُ إِلَى إِحْدَى تِلْكَ الدُّورِ، وَ هُنَاك يُعَذِّبُونَهُ ثمَّ يَقْتُلُونَهُ وَ يَرْمُونَهُ في بِئْرٍ في تلك الدَّارِ أُعِدَّتْ لِذَلِكَ الغَرَضِ.(201/77)
وَ كَانَتْ طَرِيقَتُهُم فِي خَطْفِ النَّاسِ (1)أنَّهُ كَانَ يَجْلِسُ عَلَى أوَّلِ الدَّرْبِ المُؤَدِيَّةِ إلى إحْدَى هَذِهَ الدُّورِ رَجُلٌ ضَرِيرٌ منَ البَاطِنِيَّةِ, فَإِذَا مَرَّ بهِ إنسانٌ سَأَلَهُ أَنْ يَقُودَهُ خُطُوَاتٍ في هَذَا الدَّرْبِ، فَتَأْخُذَهُ الرَّأْفَةُ وَ الإحْسَانُ لِعَمَلِ الخَيْرِ، فَيَقُودَهُ في هَذَا الدَّرْبِ حَتَّى إِذَا وَصَلَ إِلَى دَارٍ مِنْ دُورِهمُ قَبَضُوا عليهِ وَ قَتَلُوهُ، وَ رَمَوْهُ في البئرِ. وَ لَكِنْ لم يَلْبَثْ أَنْ اكْتَشَفَ النَّاسُ حِيلَةَ البَاطِنَيَّةِ هذِه، فَفَتَكُوا بِهِم وَ قَتَلُوهُم. فَفِي أحدِ الأيَّامِ صَادَفَ أنْ رَجُلاً دَخَلَ دَارَ صَدِيقٍ لَهُ فَرَأَى فَيهَا ثِيَاباً، وَ أحْذِيَةً، وَ مَلَابِسَ لم يَعْهَدْهَا، فَخَرَجَ منْ عِنْده، وَ تَحَدَّثَ لِلْنَاسِ بِمَا رَآهُ فَدَاهَمَ النَّاسُ البيتَ، وَ كَشَفُوا عَنِ المَلَابِسِ، وَ الثِّيَابَ فَعَرَفُوا أنَّهَا مِنَ المَقْتُولِينَ، فَثَارَ النَّاسُ وَ أَخَذُوا يَبْحَثُونَ عَمَّنْ قُتِلَ مِنْهُم, وَ تَجَرَّدُوا لِلانتِقَامِ منَ البَاطِنِيَّةِ بِقِيَادةِ العَالِمِ أبي القَاسِمِ مَسْعُودٍ بنِ مُحَمَّدٍ الخِجْنَدِيّ الفَقِيهِ الشَّافِعِيّ, فَجَمَعَ النَّاسَ بالأسْلِحَةِ، وَ أَمَرَ بحَفْرِ الأخَادِيدِ, وَ أَوْقَدَ فيهَا النِّيَران، وَ أَمَرَ العَامَّةَ منَ النَّاسِ بأنْ يَأْتُوا بالبَاطِنِيَّةِ أفْوَاجاً، وَ مُنْفَرِدِين فَيُلْقُونَهُم في النَّارِ حَتَّى قَتَلُوا منهم خَلْقًا كَثيراً.
__________
(1) الكامل في التّاريخ لابن الأثير، فصل ذكر ما فعلَ بهم العامّة بأصبَهان.(201/78)
وَ للعِلْمِ فإنَّ مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ منْ تاريِخِهِمُ الأَسْوَدِ في قَطْعِ الطَّرِيقِ، وَ قَتْلِ الآمنينَ وَ خَطْفِهِم، وَ خَوْفِ النَّاسِ وَ انقِطَاعِ رَجَائِهِم في مَنْ يَفْتَقِدُونَهُ من أَهْلِيهِم هُوَ ذَاتُ مَا يَحْدُثُ اليَوْمَ في أَرْضِ العِرَاقِ وَ بِلَادِ الرَّافِدَيْنِ منْ قِبَلِ الرَّوَافِض, بَلْ إنَّهُم يَتَسَتَّرُونَ في لِبَاسِ الجَيْشِ وَ الشُّرْطَةِ ليَكُونَ لهُمُ السُّلْطَة جِهَارًا نهارًا في اقْتِيَادِ الرِّجَالِ منَ بُيُوتِهم وَ مِنْ ثمَّ تَعْذِيبَهًم، وَ قَتْلَهِم, وَ الاعْتِدَاءَ عَلَى النِّسَاءِ، وَ نَهْب البُيُوتِ بحُجَّةِ تَفْتِيشِهَا, فَلَا يَستَطِيعُ أحَدٌ مَنْعَهُم. بَلْ إنّ جَرَائِمَهُم صَارَتْ تَتَقَصَّى أَصْحَابَ المُؤَهِّلَاتِ وَ الكَوَادِرِ العِلْمِيَّةِ خَاصّة, فَمَنْ يقومُ بِجَرَائِمِ اغْتِيَالِ الأَسَاتِذَةِ الأكَادِيميينَ، وَ القُضَاةِ، وَ العُلَمَاءِ منَ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَ مَنْ يَتَصَيَّدَهُم غَيْر هؤلاءِ الرَّوَافِضِ وَ بِأَوَامِرٍ من مَرْجِعِيَّاِتِهم تُعْطَى لِفَيَالِقِهِم عَلَى شَكْلِ بَيَانَاتٍ مَنْسُوخَةٍ, وَ قَدْ تَسَرَّبَتْ نُسَخٌ من هَذِهِ البَيَانَاتِ عَبْرَ الإنْتَرْنِتْ فَقَرَأَهَا القَاصِي وَ الدَّانِي, وَ لا مَجَالَ لِإِنْكَارِهَا.(201/79)
وَ فِي عَهْدِ العُثْمَانِيينَ الذِّينَ جَدَّدُوا حَرَكَةَ الجِهَادِ الإِسْلَامِيّ، وَ بَدَؤُوا يَجْتَاحُونَ العَالَمَ حتَّى وَصَلُوا إِلَى أُورُبَّا مُسْتَعِيدينَ بذلك البِلَادَ الإسْلَامِيَّة التّي خَسَرَهَا المُسْلِمُونَ أَثْنَاءَ الغَزْوِ الصَّلِيبِيّ؛ قَامَتْ يَدِ الغَدْرِ وَ الخِيَانَةِ الرَّافِضِيَّةِ الفِكْرِ، وَ المَنْهَجِ، اليَهُودِيَّةِ الأصْلِ، وَ المِنْشَأ، وَ التِّي اعْتَادَتْ أنْ تَطْعَنَ ظَهْرَ الأمَّةِ لتَحُولَ بينَ المُسْلِمِينَ وَ بينَ جِهَادِهِم ضِدّ الكُفْرِ وَ الكُفَّارِ, امْتَدَّتْ مِنْ جَدِيد لتَسْتَغِلَّ انْشِغَالَ العُثْمَانِيينَ أَثْنَاء تَوَغُّلِهِم في قَلْبِ أُورُبَّا مُجاهِدِينَ لِيَقُومُوا بحركاتٍ انفِصَالِيَّةٍ خَارجِينَ عَنْ الخِلَافةِ الإسْلَامِيَّةِ العُثْمَانِيّة براءةً، وَ مُتَحَالِفِينَ مَعَ أَعْدَاءِ الإسْلَامَ ولاءًً. فَتَعَاَوَنُوا معَ البرِيَطاِنيينَ، وَ البُْرُتَغاليينَ، وَ الفِرِنسيينَ، وَ الرُّوس، حتَّى أَضْعَفُوا الخِلَافة َاِلعثمانِيَّةَ وأنهكُوهَا فَكَانُوا مِنْ أَكْبَرِ أَسْبَابِ سُقُوطِهَا حيثُ شَكَّلُوا عِدَّةَ جَبَهَاتٍ، وَ عِدَّةَ حَرَكَاتٍ انفِصَاليةٍ؛ فَكَانَ الصَفَوِيُّونَ في شَرْوَان، وَ العِرَاقِ، وَ فَارِس، وَ البَهَائِيُّونَ في بِلَادِ فَارِسٍ, وَ لَهُم نَشَاطَاتٌ في مَنَاطقِ مُتَفَرِّقَة, وَ القَادْيَانَّية في الهِنْدِ، وَ النُّصَيْرِيَّة، وَ الدُّرُوز في بلادِ الشَّامِ .(201/80)
فَمِنْ جَرَائِمِ الصَفَوِيينَ في الجَانِبِ السَّيِاسِيّ خُرُوجُهُم عَلَى الخِلَافَةِ العُثْمَانِيَّةِ, وَ تأسَيسُ دَوْلَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ لَهُم عَامَ ألفٍ وَ خَمْسِ مائةٍ لِلْمِيلَادِ 1500 م، مُعْلِنِينَ دِينَ الرَّفْضِ عَلَى البِلَادِ كَدِينٍ أَسَاس, وَ لم يَكْتَفُوا بِهَذَا, بَلْ حَارَبُوا أَهْلَ السُّنَّةِ الّذينَ كَانُوا يُشَكِّلُونَ أَكْثَرِيَّةً فِيهَا, حيثُ بَلَغَتْ نِسْبَتُهُم مَا يُقَارِبُ بِخَمْسٍ وَ سِتّينَ بِالمائةِ 65 %. ثُمَّ تَحَالَفُوا بَعْدَ ذَلكَ مَعَ الإنْجِلِيز في عَهْدِ الشَّاه عَبَّاسٍ الصَّفَوِيّ عامَ ألفٍ و خمْسِ مائةٍ و ثمانيةٍ و ثمانينَ لِلْمِيلَادِ 1588 م، وَ مكِّنُوا لَهُم في البِلَادِ، وَ جَعَلُوا لَهُم فِيهَا أَوْكَارًا يَتِمُّ الاجْتِمَاعُ فيهَا مَعَهُم لِلْتَآمُرِ ضِدّ الخِلَافَةِ العُثمانِيَّةِ لدَرَجَةِ أنْ مُسْتَشَارِيهِ كَانُوا مِنَ الإنْجلِيز, وَ أَشْهَرَهُم السِّير أَنْطُونِي, وَ رُوبَرْت تشِيرْلِي.
وَ أَمَّا جَرَائِمُهُم في مَا يَتَعَلَّقُ بِجَانِبِ الدَّينِ وَ العَقِيدَةِ؛ فَمِنْهَا صَرْفُهُم الحُجَّاجَ الإيرَانِيينَ منَ الحَجِّ إلى مَشْهَدْ، بَدَلَ أنْ يَحُجُّوا إلَى بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ في مَكَّةَ المُكَرِّمَةِ.
حَيثُ قَامَ شَاهُ عَبَّاس الصَّفَوِيّ بِالحَجِّ إِلى مَشهَدَ مُبتَدِءَاً بِنَفسِهِ سَيرًا عَلى الأَقدَامِ؛ لِيَصرِفَ النَّاسَ عَنْ الحَجِّ إِلى مَكَّةَ وَلِيَكُونَ قُدوَتَهُمْ, وَمِنْ ذَلِكَ الحِين أَصبَحَتْ مَشهَدُ مَدِينَةً مُقَدَّسَةً لَدَى الرَّافِضَةِ الإِيرَانِيِّينَ.
وَفَتَحَ الصَّفَوِيُّونَ فِي عَهدِ الشَّاهِ عَبَّاسٍ بِلادَهُم لِلمُبَشِّرِينَ الغَربِيِّينَ حَتَّى سَمَحُوا لَهُمْ بِبِنَاءِ الكَنَائِسِ وَمَدِّ جُسُورٍ مِنَ التَّعَاونِ الاقتِصَادِيِّ وَالعَسكَرِيِّ وَالسِّيَاسِيِّ.(201/81)
وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ "سَلِيمُ وَاكِيمُ" فِي كِتَابِهِ "إِيرَانُ فِي الحَضَارَةِ": وَإِثرَ ظُهُورِ البُرتُغَالِيِّينَ فِي المِنطَقَةِ بَدَأَتْ إِيرَانُ عَلاقَاتٍ تِجَارِيَّةً مَعَ إِنجِلتِرَا وَفَرَنسَا وَهُولندَا, وَمَهَّدَتَ هَذِهِ العَلاقَاتُ إِلى اتِّصَالاتٍ عَلى مُستَوىً دُبلُومَاسِيٍّ وَثَقَافِيٍّ وَدِينِيٍّ عِندَ اعتِلاءِ شَاهِ عَبَّاس الأَوَّلَ عَرشَ فَارِسَ عَامَ 1587 م , وَسُجِّلت تَغيِيراتٌ أَسَاسِيَّةٌ فِي البِلادِ وَفِي عَلاقَاتِهَا مَعَ الغَربِ, وَكَانَ مِن نَتَائِجِ التَّحَوُّلِ السِّيَاسِيِّ الذِي أَحدَثَهُ شَاهُ عَبَّاس أَنْ غَصَّ بَلاطُهُ بِالمُبَشِّرِينَ وَالقِسَسُ, فَضلاً عَنْ التُّجَّارِ وَالدُّبلومَاسِيِّينَ وَالصُّنَّاعِ وَالجُنودِ المُرتَزَقَةِ؛ فَبَنَى الغَربِيُّونَ الكَنَائِسَ فِي إِيرَانَ.
وَأَمَّا البَهَائِيُّونَ فَقَد خَرَجُوا عَلَى الدَّولَةِ العُثمَانِيَّةِ وَتَعَاوَنُوا مَعَ الاستِعمَارِ الإِنجلِيزِيّ, وَنَادُوا بِتَعطِيلِ الجِهَادِ بَل إِلغَائِهِ أَمَامَ زَحفِ الاستِعمَارِ الإِنجِليزِيّ, مِمَّا يَعنِي الاستِسلامَ وَالخُنَوعَ للاسِتعمَارِ, وَكَانُوا مُرتَبِطِينَ بِالمَحَافِلِ الصُّهيُونِيَّةِ؛ كَالمَاسُونِيَّةِ السِّريَّةِ وَالتِي يُدَارُ مِن خِلالِهَا التَّآمُرُ عَلى دِينِ الإِسلامِ وَدَولَتِهِ حَتَّى لا تَقُومَ لَهُ قَائِمَةٌ, وَيُدَبَّرُ لِقَادَةِ الإِسلامِ وَالجِهَادِ خُطَطُ الاغتِيَالاتِ وَالقَتلِ..(201/82)
وَأَمَّا القَادِيَانِيُّونَ فَقَد تَعَاوَنُوا مَعَ الإِنجلِيزِ, بَل إِنَّ الإِنجلِيزَ هُمْ الذِينَ سَاهَمُوا فِي نَشأَتِهِم, فَخَرَجَ زَعِيمُهُمْ "غُلام أَحمَد" يَدَّعِي أَنَّهُ المَهدِيّ المُنتَظَر, ثُمَّ استَمَرَّ حَتَّى ادَّعَى النُّبُوَّة, وَأَمَرَ بِتَعطِيلِ الجِهَادِ حَتَّى يُخَذِّلَ أَتبَاعَهُ عَنْ جِهَادِ الإِنجليز الذي كَانَ عَلى أَشُدِّه, الأَمرُ الذِي يَدُلُّ عَلى أَنَّهُم مَا أُنشِئُوا إِلا مِن أَجلِ تَعطِيلِ الجِهَادِ, فَلِذَا نَجِدُ أَتبَاعَهُمْ اليَومَ يَنشُطُونَ أَكثَرَ فِي فِلسطِينَ حَتَّى يُخَذِّلُوا عَنْ الجِهَادِ ضِدَّ اليَهُودِ المُحتَلِّينَ.
وَأَمَّا النُّصَيرِيُّونَ فَكَذَلِكَ تَعَاوَنُوا مَعَ الصَّلِيبِيِّينَ أَثنَاءَ الغَزوِ الصَّلِيبيِّ, وَكَانُوا سَبَبَاً فِي سُقُوطِ بِلادِ الشَّامِ وَبَيتَ المَقدِسِ, كَمَا تَعَاوَنُوا مِن قَبْلُ مَعَ التَّتَارِ ضِدَّ المُسلِمِينَ وَكَانُوا سَبَبًا فِي اجتِيَاحِ بِلادِ الشَّامِ..
وَأَمَّا الدُّرُوزُ .. فَقَد تَطَوَّعَ عَدَدٌ كَبِيرٌ مِنْ أَبنَائِهِم فِي جَيشِ الدِّفاَعِ الصَّهيُونِيّ طَمَعَاً فِي انشَاءِ دَولَةٍ مُستَقِلَّةٍ لهُم فِي كُلٍّ مِنْ سُورِيَّا وَلبنَانَ, وَفِي حَربِ سَنَةِ 1967 م ذَاقَ المُسلِمُونَ فِي الجُولانِ وَالأُردُنِّ الوَيلاتِ مِنَ الدُّرُوزِ العَامِلِينَ فِي جَِيشِ الدِّفَاعِ الإِسرَائِيلِيّ وَلَم يَرحَمُوا شَيخًا كَبِيرَاً وَلا طِفلاً صَغِيرَاً.(201/83)
وَ عَلى أَنقَاضِ الدَّولَةِ العُثمَانِيَّةِ, وَبَعدَ تَفتِيتِ العَالَمِ الإِسلامِيِّ إِلى دُوَيلاتٍ قَومِيَّةٍ كَمَا خَطَّطَ لَهَا الصَّهَايِنَةُ وَالصَّلِيبِيُّونَ, وَعَلَى رَأسِهِم الرَّافِضَة, تَشَكَّلَت فِي بِلادِ فَارِسَ إِيرَان, وَتَبَلوَرَتْ دَولَةٌ مَركَزِيَّةٌ لِلرَّافِضَةِ, وَلِمَرجِعِيَّاتِهِم الدِّينِيَّةِ, وَصَارَت المَقَرَّ الرَّئِيسَ للاجتِمَاعَاتِ الدَّورِيَّةِ التِي تَجرِي بَينَ فَترَةٍ وَأُخرَى كُلَّمَا استَجَدَّ للرَّافِضَةِ أَمرٌ مِن أُمُورِهِم الهَامَّة, أَو كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخرُجُوا بِفَتَاوَىً جَدِيدَةً لِعَوَامِهِم تَتَوَافَقُ مَعَ مُجرَيَاتِ الأُمُورِ, التِي يُوَاجِهُونَهَا فِي دُوَلِهِم المُختَلِفَةِ فِي العَالَمِ.. تَمَامًا كَاليَهُودِ فِي اجتِمَاعَاتِهِم السِّريَّةِ الدَّورِيَّةِ مُتَّخِذِينَ مِنْ هَذِهِ الدَّولَةِ الأُمِّ مَركَزًا وَمُستَنَدَاً لِتَصدِيرِ المَذهَبِ وَالمَنهَجِ الفِكرِيِّ أَوَّلاً, ثُمَّ بَعدَ ذَلِكَ إِعَادَةُ بَسطِ النُّفُوذِ وَالسَّيطَرَةِ السِّيَاسِيَّةِ..
وَإِلى هَذِهِ الحَقِيقَةِ .. أَشَارَ "الخُمَينَيّ" فِي كِتَابِهِ [الحُكُومَةُ الإِسلامِيَّةِ], وَصَرَّحَ بِذَلِكَ مَا يُسَمَّى بِآيَةِ اللهِ "شَرِيعةَ مَدَارِي" فِي لِقَاءٍ لَهُ مَعَ صَحِيفَةِ "السِّيَاسَة"ِ الكُوَيتِيَّةِ بِتَارِيخِ 26 يُونيُو عَامَ 1987 م, وَقَالَ بِالحَرفِ الوَاحِدِ: "إِنَّ زَعَامَةَ الشِّيعَةِ فِي إِيرَانَ وَفِي قُمَّ بِالذَّاتِ" وَأَضَافَ قَائِلاً "لابُدَّ مِن مَجلِسٍ أَعلَى لِلشِّيعَةِ فِي العَالمِ".(201/84)
وَهَذَا بِالفِعلِ مَا قَامَ بِه ِآيَتُهُمْ وَإِمَامُهُم "الخُمَينِيُّ" حِينَ نَادَى بِإِسقَاطِ حُكمِ الشَّاهِ مُتَذَرِّعَاً بِعِلمَانِيَّتِهِ, وَأَنَّهُ لابُدَّ مِن قِيَامِ ثَورَةٍ إِسلامِيَّةٍ لِنَشرِ مَبَادِئِ الإِسلامِ عَليهَا, وَهُوَ يَقصِدُ بِذَلِكَ الإِسلامَ الرَّافِضِيَّ -لا الإِسلامَ الحَقِيقِيّ..
بَل حَتَّى تَفَاعَلَ مَعَهُ الكَثِيرُ مِنْ أَهلِ السُّنَّةِ مُتَغَافِلِينَ عَن تَارِيخِهِم الإِسلامِيّ, وَكَأَنَّهُم حِينَ يَقرَؤُونَ وَيَدرُسُونَ فِي كُتُبِ المِلَلِ وَالعَقَائِدِ وَالنِّحَلِ عَنْ أَخبَارِ وَأَحكَامِ الرَّافِضَةِ يَعُدُّونَهُم مِنَ القُرُونِ الخَالِيَةِ وَالأُمَمِ الغَابِرَةِ التِي لا وُجُودَ لَهَا وَلا امتِدَادَ لأُصُولِهَا فِي حَاضِرِنَا, حَتَّى إِذَا مَا جِئتَ تَسأَلُهُم عَنْ أَحكَامِ الرَّافِضَةِ يُفَصِّلُونَ لَكَ الجَوَابَ فَيَحكُمُونَ لَكَ بِكُفرِهِم وَوُجُوبِ قِتَالِهِم مِنَ النَّاحِيَةِ النَّظَرِيَّةِ, وَعَمَلِيَّاً يَدعُونَكَ إِلى التَّقَارُبِ مَعهُم فِي مَا يُمكِنُ أَن يُتَّفَقَ عَليِهِ .. علمًا بِأَنَّ الخُمَينِيَ مَا هُوَ إِلا صَنِيعَةٌ أَمرِيكِيَّةٌ, طُبِخَتْ ثُمَّ أُعِدَّ لَهَا مِنْ مَنفَاهُ فِي فَرَنسَا .. وَهَكَذَا دَأَبَت أَمرِيكَا بَل الصُّهيُونِيَّةُ عَلَى تَبدِيلِ وَتَغيِيرِ عُمَلائِهَا مِن فَترَةٍ لأُخرَى..
إِمَّا لأَنَّ تَارِيخَ صَلاحِيَّةَ أَحَدِهِم يَكُونُ قَدْ انتَهَى, وَإِمَّا لِلحِفَاظِ عَلى العَمِيلِ لِلَعِبِ دَورٍ آخَرَ.
وَفِي النِّهَايَةِ.. آليَّةُ تَبدِيلِ العُمَلاءِ تُعطِي شَيئًا مِنَ الجِدِّ وَتَفعِيلِ حَرَكَةِ المَصَالِحِ التِي تَربِطُ العُمَلاءَ بِأَسيَادِهِم لِيَكُونَ العَمِيلُ الجَدِيدُ أَفضَلَ عَطَاءً وَأَكثَرَ حَمَاسَاً..(201/85)
وَمِمَّا جَاءَ فِي كِتَابِ "وَجَاءَ دَورُ المَجُوسِ": "مَلأَ الخُمَينِيُّ وَأَنصَارُهُ الدُّنيَا صَرَخَاتٍ ضِدَّ الوِلايَاتِ المُتَّحِدَةِ, فََقَالُوا: أَمرِيكَا وَرَاءَ اضِّطهَادِ مُعظَمِ شُعُوبِ العَالمِ شَرقِيَّةً وَغَربِيَّةً. وَوَعَدَ الخُمَينِيُّ بِتَقلِيمِ أَظَافِرِ أَمَرِيكَا , وَظَنَّ النَّاسُ أَنَّ هُنَاكَ طَحنًا وَرَاءَ الجَعجَعَةِ.. وَعِندَمَا قَامَتْ جُمهُورِيَّتهُ فُوجِئَ النَّاسُ بِمَواقِفَ مُغَايِرَةً لِمَا كَانَ الثُّوَّارُ يَتَحَدَّثُونَ عَنهَا:
أَوَّلاً: كَانَتْ أَمَرِيكَا فِي طَلِيعَةِ الدُّوَلِ التِي سَارَعَت في الاعتِرَافِ بِهَذَا النِّظَامِ الجَدِيدِ.
ثَانِيًا: لم تُغلِق ثَورَةُ الخُمَينِيِّ سَفَارَةَ أَمَرِيكَا.
ثَالِثًا: عَادَ النِّفطُ الإِيرَانِيُّ يَتَدَفَّقُ عَلى مُستَودَعَاتِ التَّخزِينِ فِي أَمَرِيكَا, وَمِن ثَمَّ إِلى إسرَائِيل.
رَابِعًا: عَودَةُ الجِنِرَالاتِ الأَمرِيكَانِ إِلى أَمَاكِنِ عَمَلِهِم, وَقَدَّرَتهُم بَعضُ الصُّحُفِ بِسبعَةِ آلافِ خَبِيرٍ.
خَامِسًا: عَقَدَ "برُوسلنجِين" القَائِمِ بِالأَعمَالِ الأَمرِيكِيّ ثَلاثَةَ لِقَاءَاتٍ مَعَ الخُمَينِيّ وَ لم يُكشَف النِّقَابُ عَن حَقِيقَةِ هَذِهِ اللقَاءَاتِ.(201/86)
سَادِسًا: قَالَ الشَّاهُ فِي مُذَكَّرَاتِهِ أَنَّهُ عَلِمَ بِوُجُودِ الجِنِرَالِ "هويزر", وَ "هويزر" هُوَ نَائِبُ رَئِيسِ أَركَانِ القِيَادَةِ الأَمرِيكِيَّةِ فِي أُورُبَّا, وَقَالَ الشَّاهُ: "إِنَّ جِنِرَالاتِي لم يَكُونُوا يَعلَمُوا شَيئَاً عَن زِيَارَةِ "هويزر", وَعِندَمَا انتَشَرَ خَبَرُ زِيَارَتِهِ قَالَت أَجهِزَةُ الإِعلامِ السُّوفيَيتِيَّةِ: "إِنَّ هويزر وَصَلَ لِطَهرَانَ لِتَدبِيرِ انقِلابٍ عَسكَرِيٍّ", وَأَنَا أَعرِفُ أَنَّ "هويزر" كَانَ مُنذُ فَترَةٍ عَلى اتِّصَالٍ بِمَهدِي بَازِنقَان, المُهندِسُ النَّاجِحُ الذِي تَزَعَّمَ ثَورَةَ الخُمَينِيُّ, وَعَيَّنَهُ الخُمَينَيُّ رَئِيسَاً لِلوُزَرَاءِ بَعدَ الإِطَاحَةِ بِي, وَمَهدِي بَازِرقَان وَهوِيزَر يَعلَمَانِ جَيَّدَاً فِيمَا إِذَا كَانَت طَبخَةٌ كَانَت تَمَّت مِنْ وَرَاءِ الجَمِيع".(201/87)
ثُمَّ إِنَّ الخُمينِيّ وَبَعدَ أَن سَبَقَ ثَورتَهُ مِن مُستَقَرِّ مَنفاه بِفَرنسا بِدِعاية دِينِيَّة كاذِبة, وَبَعدَ أَن تَفاعَلَ مَعَهُ وَمَعَ ثَورَتَهُ الإِسلاميَّة جَميع طوائِف الرّافضة, وَكَثيرٌ مِن أَهلِ السُنَّة, وَبَعدَ أَن تَمَكَنَ مِن خَلعِ الشّاه, وَبسْطِ نُفوذَهُ وَيَدَه على البِلاد, وإِذا بِهِ لا يَخرُج عَن فَلَكِ أَسلافَهُ مِنَ العَبيدِيين والقرامِطة, يَمكُر بِأَهلِ السُنَّة وَيُلبِسَهُم لِباسَ الهَوانِ فِي دَولَتِه وَيُنادي في مجالِسِه الخاصَّة بِإستِباحَةِ دِمائِهِم وَأَموالِهِم وَفُروجَ نِسائِهِم, وَيدعو إِلى تَصدير ثَورتِه بِالقُوَّة حَتى أَنَّ الإِشاعة الَّتي زَعَموا بأَنَّ النِظام العِراقي البائِد هُوَ الَّذِي أَعلَنَ الحربَ على إِيران فإِنَّها مُجانَبَةٌ لِلحَقِيقَه والصَواب, ذلِكَ أَنَّ الخُمَينِيّ هُوَ الَّذِي أَرادَها حربًا لِضَمِّ العِراق إِلى بِلادِ فارس كما كانت عليه قَبلَ أَن يَستَوليَ عَليها المُسلِمونَ الأَوائِل.
فَقَد قامَت إِيران بِبَثِّ عُمَلائِها داخِلَ العِراق بَعدَ وُصول الخُمَيّنِيّ إِلى الحُكمِ بِقَليل, وَقامَ النِّظام الإِيرانِيّ بإِعتِداءاتٍ مُتَكَرِره على المَغافِر العِراقِيَّه.
هذا هُوَ ماضي الرّافِضَة وَتاريخَهُم الَّذي يَرتَكِزون عَلَيهِ اليَوم فِي حاضِرِهِم وَمُستَقبَلِهم, وَيَستَقون مِنهُ, وَيَقتفونَ نَهجَ أسلافِهِم في الجَّرِيمَة والخِيانَه, وَيَعتَبِرونَهُ سِفرًا يَتَزودون مِنهُ لِمُتَغيراتِ عَصرِهِم... نَفس التَقِيَّة, وَنَفس المُخَطَطاتِ السِريَّة, وَنفس المُعتَقَدات.(201/88)
وَزِد على ذلِك أنَّ رافِضَة هذا العَصر لَهُم دَولة وَسِيادة سِياسِيَّة مُوَحَدة, وَمَرجِعِيَّة مَركَزِيَّة تُصدِر لَهُم الأَوامِر والفتاوى الَّتي يَلتَزِمونَ بِها, وَقَد بَرَزوا وَبَرَزَت خِياناتِهِم اليومَ لِلناظِرين, وَأَوضَح ما تكون في أفغانِستان بِمُساعَدة الدولة الأُمّ إِيران, وَفِي العِراق بِمُساعَدَة إِيران كذلِك, وَفي بِلادِ الشّام ولا سِيَّما رافِضة لُبنان و الَّذينَ يُمَثِلَهُم حِزبُ الله, وَكَذلِك مُستَمِدين قُوَتِهم وَتَعاليمَهُم مِن إِيران مَركَزِ الشر وَمَحضَن أَتباع مَهدِيَّهُم المُنتَظَر المَسيح الدَجّال..(201/89)
فَأَما فِي لُبنان؛ فَقَد كان ما تَمَخضَتهُ هذِه الدولة الأُم أَن قامَت بِتَصدير ثورتِها في بِلادِ الشِّام, وَفِي لُبنان على وَجهِ الخُصوص, عِبرَ حَركة أَمل الشِيعِيَّة المُسلَّحَة, والَّتي أَسَسَها مُوسى الصّدِر, تِلميذ الخُمَيّنِيّ وَصِهرَهُ مِنطلقًا مِن إِيران وَ مُستَقِراً في لُبنان لِيَحصَلَ على الجِنسِيَّة الُلبنانِيَّة حتى تُمَكِنَه أَن يُمارِسَ نَشاطاتِه داخل الأَراضي الُلبنانِيَّة بِسُهولة, وِبِما أَنَّ مَنشأَ هذِهِ الحَرَكة إِيران فإِنّها بِالضرورةِ هِيَ المُتَكفِلة بِدعم هذه الحَركَةِ مِن أَجْلِ القَضَاءِ عَلَى أَهْلِ السُنَّة فِي المُخيَّماتِ الفِلِسطينِيَّة فِي لُبنان بَعدَ إِستِبعادِهِم مِن أَراضِيهِم في فِلسطين, وَبَعدَ ضَغطِ دُوَل الجِوار على لُبنان لِيَتِم احتضان أهالي المُخيَّمات, فَتحالَفَ الرّافِضة مُتَمثِلين فِي هذِهِ الحَرَكَة المُغرضة مَعَ الكِيان الصُهيونِيّ ضِدَّ أَبناءِ هذِهِ المُخيَّمات حَتى يَتِم القضاء على أَيّ ثَورة وَأَيّ تَمَرُد ضِدَ اليهود الصهايِنَة, وَيَتِم مِن خِلالَهُم حمِاية ظَهر العدو, وَكذلِك حَتى لا تقوم لأِهلِ السُنَّة مِنَ الفِلسطينِيين الَّذين يَسكُنونَ المُخيَّمات أَيّةُ قائِمَة؛ فَقاموا بِمَذابِحَ عديدة.. مِنها هُجُومَهُم على مُخَيَّم عَين الرُمّانة, وَمُخَيَمَيّ صِبرا وشاتيلا عام 1982 م, وَقَد تَحدَثَت صُحف العَالمِ آنَ ذاك عَن فَظَائِع حَرَكَة أَمل الرّافِضَة, فَقَد ذَكَرَت صَحِيفَة الوَطَن فِي عَدَدِها 3688 الصادر في 27 مايو 1985م نَقلاً عَن صحيفة "ليبو" الإيطالية أنَّ فِلسطِينِيَّاً مِنَ المُعاقين لم يَكُن يَستَطيع السَير مُنذُ سَنَوات رَفَع يَديه مُستَغِيثاً فِي شاتيلا أَمام عَناصِر أَمَل طالِباً الرّحمَة، وَكان الرَدُّ عَليه قَتلَهُ بِالمُسَدسات مِثل الكِلاب.. وَقالَت الصَّحِيفة إِنّها الفَظاعة بِعينِها.(201/90)
وَ قال مُراسِل الصنداي تايمز: إنِّهُ مِنَ الإِستِحالة نَقل أَخبار المَجازِر بِدقَّة لأن حَرَكَة أَمَل تَمنَع المُصَورين مِن دُخولِ المُخيَّمات, وَ بعضَهُم تَلَقى تَهدِيداً بِالمَوت وَقَد جَرى سَحب العَديد مِنَ المُراسِلين خَوفاً عَلَيهِم مِنَ الإِختِطاف والقَتل , وِمَن تَبَقى مِنهُم في لُبنان يَجِدونَ صُعوبة في العمل.
وَ ذَكرت صَحِيفة الصنداي تايمز أيضاً أَنَّ عَدَدا مِنَ الفِلِسطينِيين قُتِلوا في مُستَشفيات بَيروت, وَأَنَّ مَجمُوعة مِنَ الجُثَث الفِلِسطينِيَّة ذُبِحَ أَصحابُها مِنَ الأعناق.
وَنَقَلَت وِكالة الأَنباء في 6 يونيو 1985 م عن رَئيسِ الإِستِخبارات العَسكَرِيَّة اليَهودِيَّة إيهود باراك قَولَهُ: إِنَّه على ثِقَة تامَّة مِن أَنَّ أَمَل سَتَكون الجَبهة الوَحِيدة المُهيمِنَة فِي مَنطَقةِ الجَنوب الُّلبنانِيّ, وَأَنَّها سَتمنَع رِجال المُنَظمات والقُوى الوَطَنِيَّة الُلبنانِيَّة مِنَ التواجُد في الجَنوب وَالعَمل ضِدَ الأَهداف الإِسرائِيلِيَّة..
وَبعدَ أن تَكَشَفَ لِلِعالَم عِوار هذِهِ الحَرَكة الخَبِيثَة, وَظَهَرَ لِلِعِيان مَدى بَشاعَة ما ارتَكَبُوهُ مِن جرائِم وَمَجازِر فِي حَقِ أهلِ السُنَّة مِن الفِلسطينِيين فَقَد مجّها النّاس, واحتَرَق الكَرتُ الَّذي تَلعَب بِهِ إِيران, لِذا كان لِزاماً عَليّها أَن تَستَحدِثَ طريقَة أُخرى, وَحَركة أُخرى تَختَلِف عَن ظاهِر تَوجُهِها عَن حَرَكة أمل..(201/91)
هذِه المرَّة لابُدَّ مِن الَّلعِب على وَترِ التّقارُب الشِيعِيّ السُنِيّ, وَ الدَعوةِ إلى الوِحدة و إِعلانِ الحَرب على إِسرائِيل, والمُطالَبة بِتحرير فِلِسطين مِن إِسرائيل؛ فَتَمَّت إجتِماعات سِريَّة فِي إِيران تَمَّ مِن خِلالَها التَحضِير لِولاَدَة حَرَكة جَديدِة قَرّرتها إِيران الأُم.. يَتَرَأَسُها أَعضاء جُدُد لامِعينَ وَمَفوَهِين, فَعِلاقَة حِزبُ الله بِإِيران عِلاقَة الفَرع بِالأَصل, فَفِي البيان التأسِيسِيّ لِلحِزب, والَّذي جاء بِعنوان: مَن نَحنُ وَما هِيَ هَوِيَتُنا" عَرَّف الحِزبُ بِنَفسِه فَقال: "نَحنُ أَبناءُ أُمَّةِ حِزبُ الله الَّتي نَصر الله طَليعَتَها في إِيران وأَسَّسَت مِن جَديد نَواة دولةِ الإِسلام المَركَزِيَّة فِي العالم نَلتَزِم بِأَوامِر قِيادَة واحِدة حَكِيمة عادِلَة تَتَمَثَل بالوَلِيَّ الفَقِيه الجامِع لِلِشرائِع وَتَتَجَسَّد حاضِراً بِالإِمام المُسَدّد آيةُ الله العِظمى روح الله الموسوي الخُمَيّنِيّ دَامَ ظِلّه, مُفَجِّر ثِورة المُسلِمين وباعِث نَهضَتَهُم المَجيدة".
وَ قَدّ عَبِّر إِبراهيم الأَمين وَهُوَ قِياديّ فِي الحِزب عَن هذا التَوجُه فَقال: "نحن لا نقول إِنَنَا جُزءٌ مِن إِيران.. نحَنُ إِيران فِي لُبنان, ولُبنان فِي إيران" !(201/92)
نَقُول إِذا كانت الثورة الإِيرانِيَّة بِقِيادَة الخُمَيّنِيّ قَد وَقَفَت مواقِف العَداءِ مِن أَهل ِالسُنَّة وَقامَت بإِحداث بلابِل وَفَوضَى وتَفجيراتٍ داخِل عَدَد مِن البُلدان كَما حَصَل فِي البَحريّنِ وَ الكُوَيّت وِاليَمَن وَأَفغانِستان والعِراق, وَفِي مَكة المُكَّرَمةِ فِي الشَهرِ الحَرامِ و في البَلَدِ الحرام, فإِنَّ هذِهِ السِياسة تُعتَبَر ديناً يُدينُ بِهِ رافضةُ إِيران والَّذي يَتَفَرع مِنهُ حِزبُ الله الَّذي إعتَرَفَ مِن خِلالِ قِيادَتِه بإِنتمائِه وموافَقَتِه لإِيران, فَكُلُ عَدو لإِيران هُوَ عَدُو لِحزبِ الله.. فَحِزْبُ الله عَدو لأِهل السُنَّة, وإِن تَسَتَر بِمائة تَقِيَّة, لا يَنخَدعُ بِهِ إلا غافل صاحِب هوى, أَو ساذَجٌ أَخو جَهَل, فَعَلى هامِش المُؤتمَرَ الأَوَّل لِلمُستَضعفِين اجتَمَعَ الخُميّنِيّ بِعَدَد مِن عُلَماء وَدُعاة الشِيعة الَّذين شاركوا فِي هذا المُؤتَمَر, وَكان مِن بَينِهم محمد حسين فضل الله, وَصُبحي الطُّفَيلِي, وَمُمَثِل حَركَة أَمَل فِي طهرانَ إبراهيم أمين, وَ تَدارَسَ مَعَهُم الخُطوات الأولى الِّلازِمة مِن أَجل إِنشاء هذا الحِزب الجَديد, ثُمَّ عَاد الوَفدُ إلى لُبنان وَكَثَّفَ مِن إتِصالاتِه مَعَ وُجَهاءِ وَ عُلماءِ الطائِفة الَّذين لَم يُشارِكوا فِي لِقاء طهران, ثُمَّ تَكَرَرَ لِقاؤُهُم بالخُمَيّنِيّ , وَ وَضعوا وإِيّاهُ الخُطوطَ العَريضَةَ لحزْبِ الله.(201/93)
يَقُولُ أَحمَدٌ المُوسَوِيّ فِي مَقَالٍ لَهُ بِمَجَلَّةِ [الشِّرَاعِ]: "مَنْ أَنتُمْ؟ حِزبُ اللهِ" : "ثُمَّ استُكمِلَتْ الخُطُوطُ التَّنظِيمِيَّةُ الأُولى بِاختِيَارِ هَيئَةٍ قِيَادِيَّةٍ لِلحِزبِ ضَمَّت 12 عُضوَاً هُمْ: عَبَّاسٌ المُوسَوِيّ, وَصُبحِي الطُّفَيلِي, وَحُسَينٌ المُوسَوِيّ, وَحَسَن نَصرُ اللهِ, وَحُسين خَلِيل, وَإِبرَاهِيم أَمِين, وَرَاغِب حَرب, وَمُحَمَّد يَزبَك, وَنَعِيم قَاسِم, وَعَلِي كُورَانِي, وَمُحَمَّد رَعد, وَمُحَمَّد فَنِيش".
وَلم يَكُن هَؤُلاءِ وَحدَهُم نُوَاةَ التَّأسِيسِ لِحِزبِ اللهِ, إِنَّمَا كَانَ مَعَهُم عَشَرَاتٌ مِنَ الكَوَادِرِ وَالشَّخصِيَّاتِ الإِسلامِيَّةِ الأُخرَى مِنْ حَرَكَةِ أَمَلْ, وَحِزبِ الدَّعوَةِ, وَقِوَىً وَمَجمُوعَاتٍ تَبَلوَرَت شَخصِيَّتُهَا الإِسلامِيَّةُ السَّيَاسِيَّةُ مَعَ الثَّورَةِ الإِسلامِيَّةِ , وَقَائِدِهَا الإِمَامُ الخُمَينِيُّ, وَكَوَادِرَ أَمنِيَّةً أُخرَى مَازَالَت أَسمَاؤُهُا طَيَّ الكِتمَانِ.
وَبِالفِعلِ قَامَت إِيرَانُ بَتَأسِيسِ حِزبِ اللهِ وَقَامَت بِتَموِيلِ هَذَا الحِزبُ وَتَأمِينِ كَافَّةِ احتِيَاجَاتِهِ عَسكَرِيَّاً وَاجتِمَاعِيَاً, وَأَغدَقَتٍ عَليهِ الأَموَالَ الطَّائِلَةَ, وَهِيَ تُعَوِّلُ عَلَى هَذَا الحِزِبِ الآمَالُ الكِبَارُ, وَبَلَغَ دَعمُ إِيرَانَ لِلحِزبِ أَوجَهُ فِي هَذِهِ المَرحَلةِ, وَقَد جَاءَ فِي تَقرِيرٍ وَجَّهَهُ أَحَدُ الدُّبلومَاسِيِّينَ الأُورُبِيِّينَ إِلى حُكُومَتِهِ فِي مَطلَعِ صَيفِ 1986 م وَكَشَفَ فِيهِ كَذَلِكَ الدَّورَ السُّورِيَّ فِي رِعَايَتِهِ لِهَذَا الحِزبِ, مَا يَلِي:(201/94)
" تَقُومُ طَائِرَاتُ الشَّحنِ الإِيرَانِيَّةِ مِن طِرَازِ بُوِينج 747 بِالإِقلاعِ وَالهُبُوطِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ فِي الأُسبُوعِ عَلى طَرَفِ مَدرَجِ مَطَارِ دِمَشقَ نَاقِلَةٍ حُمُولاتٍ غَامِضَةً؛ فَالبَضَائِعُ التي تُفَرَّغ عِبَارَةٌ عَن أَسلِحَة خَفِيفَة مُرسَلَة إِلى حُرَّاسِ الثَّورَةِ الذِينَ يُشرِفُونَ عَلى تَدرِيبِ أَتبَاعِ حِزبِ اللهِ فِي مُعسكَرِ الزَّبَدَانِي بِالقُربِ مِنْ دِمَشقَ, أَو فِي المُعَسكَرَاتِ الكَائِنَةِ فِي مَنطِقَةِ بَعلبَك.
أَمَّا البَضَائِعُ المُحَمَّلة فَهِيَ مَدَافِعُ هَاون, وَصَوَارِيخُ مُضَادَّةٌ لِلطَّيَرَانِ مِنْ طِرَازِ "سَات".
كَذَلِكَ يَحفَلُ مِينَاءُ اللاذِقِيَّةِ بِنَشَاطٍ مِن هَذَا النَّوعِ".
وَقَد بَلَغَ مِقدَارُ التَّكَالِيفِ المَّادِيَّةِ التِي تَصُبُّهَا إِيرَانُ لِصَالِحِ حِزبِ اللهِ عَامَ 1990 للميلاد بِثَلاثَةِ مَلايِينِ دُولارٍ وَنِصفِ المَليُونِ, حَسَبَ بَعضِ التَّقدِيرَاتِ.(201/95)
وَخَمسِينَ مِليُونٍ عَام 1991 م وَقُدِّرَت بِمَائَةٍ وَعِشرِينَ مِليُونًَا فِي عَام 1992 م , وَ ماِئَةٍ وَسِتِّينَ فِي عَامِ 1993 م , وَتُشِيرُ بَعضُ المَصَادِرِ إِلى ارتِفَاعِ مِيزَانِيَّةِ حِزبِ اللهِ فِي عَهدِ رَفسنجَانِي إِلى 280 مِليونَ دُولار, هَذِهِ المِيزَانِيَّةُ الكَبِيرَةُ؛ جَعَلَتْ الحِزبَ يَهتَمُّ فَقَط بِالأَوَامِرِ التي تمُلى عَليهِ دُونَ التَّدَخُّلِ فِي نِزَاعَاتٍ دَاخِلِيَّةٍ ضَيِّقَةٍ, وَسَاعَدَتهُ عَلَى تَوسِيعِ قَاعِدَتِهِ المُقَاتِلَةِ وَالشَّعبِيَّةِ؛ فَاشتَرَى وَلاءَ النَّاسِ وَحَاجَتَهُم, وَضَمِنَ وَلاءَهُم وَ إِخلاصَهُم لَهُ فَهُمَ مِنهُ وَهُوَ مِنهمُ, وقَد ظَهَرَ أَثَرُ ضَخَامَةِ تِلكَ التَّكَالِيفِ عَلَى وَاقِعِهِم المَعِيشِيّ حَتَّى بَاتُوا يُشَكِّلُونَ دَولَةً مُستَقِلَّةً دَاخِلَ لُبنَانَ؛ فَظَهَرَت المُؤَسَّسَاتُ الصِّحيَّةُ وَالاجتِمَاعِيَّةُ وَالتَّربَويَّةُ.(201/96)
وَ قَد تَزَامَنَ تَأسِيسُ هَذِهِ الحَرَكَةِ, وَهَذَا الحِزبُ عَام 1982 م مَعَ الاجتِيَاحِ الصُّهيُونَيّ لِلُبنَانَ؛ مَا يُعطِي دَلالَةً خَطِيرَةً عَلى العَلاقَةِ بَينَ الحِزبِ وَبَينَ إِسرَائِيل, وَذَلكَ حَتَّى تَكُونَ الغِطَاءَ الوَاقِيَ الذِي يَستُرُ الجَيشَ الصَّهيُونِيّ مِنَ ضَرَبَاتِ المُجَاهِدِينَ فِي لُبنَانَ, وَلكِن بِطَرِيقَةٍ تَختَلِفُ تَمَامَاً عَن حَرَكَةِ أَمَلٍ المَحرُوقَةِ.. فَهَذِهِ المَرَّة زَعَمَ حِزبُ اللهِ بِأَنَّهُ القَادِرُ عَلى التَّصَدِّي لِضَرَبَاتِ الكَيَانِ الصَّهيُونِيِّ, وَإِخرَاجِهِ مِن جَنُوبِ لُبنَانَ, وَرَاحُوا يَرفَعُونَ شِعَارَاتٍ كَاذِبَةً يُنَادُونَ فِيهَا بِتَحرِيرِ فِلسطِينَ , كُلِّ فِلَسطِينَ, وَتَوَعَّدِ الكِيَانَ الصَّهيُونِيَّ بِالوَيلِ وَالثُّبُورِ ... بَينَمَا هُم فِي الوَاقِعِ يَقِفُونَ كَحَاجِزٍ أَمنِيٍّ لا يَسمَحُونَ لأَهلِ السُّنَّةِ بِتَخَطِّي الحُدُودِ, وَلا مُوَاجَهَةَ الإِسرَائِيليينَ.
وَقَد قَامَ الحِزبُ بِافتِعَالِ بَعضِ الأَكَاذِيبِ وَ الفُقَاعَاتِ الدِّعَائِيَّةِ الكَاذِبَةِ لِتَلمِيعِ الحِزبِ إِعلامِيًا, وَشَدِّ الجَمَاهِيرِ إِليهِ.
وَمِن ذَلِكَ:(201/97)
أَوَّلاً: أُكذُوبَةُ تَحرِيرِ جَنُوبِ لُبنَانَ وَدَحرِ المُحتَلِّ الصَّهيُونِيِّ, عِلمَاً بِأَنَّ كِبَارَ ضُبَّاطِ الجِيشِ الصَّهيُونِيّ اعتَرَفُوا عَلى المَلأ وَفِي وَسَائِلِ الإِعلامِ المُختَلِفَةِ بِأَنَّ انسِحَابِهُم مِن الجَنُوبِ لم يَكُن بِسَبَبِ قُوَّةِ حِزبِ اللهِ, وَإِنَّمَا جَاءَت أَوَامِرُ القِيَادَةِ وَالأَلوِيَةِ بِالانسِحَابِ وَالخُرُوجِ, عِندَ ذَلِكَ دَخَلَ حِزبُ اللهِ... إِذَن؛ بَعدَ الانسِحَابِ الصَّهيُونِيّ, وَ لَيسَ قَبلَهُ وَ لا أَثنَاءَهُ دَخَلَ حِزبُ اللهِ لِلجَنُوبِ اللبنَانِيّ يَصطَحِبُ مَعَهُ هَالَةً إِعلامِيَّةً مَأْجُورَةً مِن أَجلِ التَّصوِيرِ الدِّعَائِيِّ لِلحِزبِ عَلى أَنَّهُ مِنَ المُحَارِبِينَ الفَاتِحِينَ.
ثَانِيًا: أُكذُوبَةُ القَتلَى الذِينَ يَسقُطُونَ مِنَ الطَّرَفِينِ, حِزبُ اللهِ وَ الكَيَانُ الصَّهيُونِيّ, وَذَلِكَ حَقِيقَةٌ لا خَيَالٌ, وَلكِنَّ هَؤُلاءِ القَتلَى الذِينَ يَسقُطُونَ هُم مِنَ الجُنُودِ الذِينَ لا يَعرِفُونَ بِمُخَطَّطَاتِ أَسيَادِهِم وَقَادَتِهِم, وَهُم وَ عَدَدُهُم مَحدُودٌ جِدًّا بِالنِّسبَةِ لِقَتلَى الأَطرَافِ المُتَحَارِبَةِ الحَقِيقِيَّةِ, وَمَا هُم إِلا كَبشُ فِدَاءٍ يُضَحُّونَ بِهِم مِن أَجلِ استِدَامَةِ مَصَالِحِهِم غَيرِ المُعلَنَةِ بَاطِنًا, وَمِن أَجلِ إِظهَارِهِم كَطَرَفَي حَربٍ ظَاهِرَاً.(201/98)
وَهَاهُوَ القِنَاعُ بَادِيَاً فِي الانكِشَافِ وَالسُّقُوطِ لِمَن كَانَ لَهُ قَلبٌ أَو أَلقَى السَّمعَ وَهُوَ شَهِيدٌ.. فَبَعدَ أَن كَانَ حَسنُ نَصرُ اللهِ يُدَندِنُ فِي خُطَبِهِ عَلى وَتَرِ القَضِيَّةِ الفِلسطِينِيَّةِ, وَ يُنَادِي بِتَحرِيرِ فِلَسطِينَ كُلَّهَا بَدَأَ الخِطَابُ بِالتَّرَاجُعِ وَالانكِمَاشِ, وَهاهُوَ الحِزبُ يُعلِنُ عِدَّةَ مَرَّاتٍ أَنَّهُ لا دَخلَ لَهُ فِي الشُّؤُونِ الخَارِجِيَّةِ, وَأَنَّ مُهِمَتُهُ هِيَ تَحرِيرُ أَرضِهِ وَلَيسَ تَحرِيرُ فِلَسطِينَ, وَبَعدَ أَن كَانَ الخِطَابُ مُتَوَجِّهَاً إِلى تَحرِيرِ فِلَسطِينَ كُلَّهَا حَصَرَ الأَمرَ عَلَى الاكتِفَاءِ بِبَيتِ المَقدِسِ, وَاتَّخَذُوا مِن ذَلِكَ مُجَرَّدَ شِعَارٍ رَمزِيٍّ دِعَائِيٍّ لِيَستَمِرَّ كَذِبُهُم عَلى الجَمَاهِيرِ السَّاذَجَةِ وَاكتَفُوا بِالاكتِفَاءِ بِمَا يُسَمَّى يَومَ القُدسِ العَالمِي, وَيَجعَلُونَ مِن هَذَا اليَومِ يَومَ استِعَراضٍ عَسكَرِيٍّ.
لِمَاذَا يُستَثنَى حِزبُ اللهِ, فَلا تُطَبَّقُ عَليهِ بُنُودُ اتِّفَاقِيَّةِ الطَّائِفِ, وَالتِي تَقضِي بِنَزعِ سِلاحِ جَمِيعِ المِليشيَاتِ وَمِن وَرَاءِ الأَمرِ بِإِبقَاءَ بَل بِجَلبِ السِّلاحِ لَهُ؟.(201/99)
يَقُولُ المَثَلُ: إِذَا اختَلَفَ السُرَّاقُ ظَهَرَ المَسرُوقُ, وَيُقَالُ, الاعتِرَافُ سَيِّدُ الأَدِلَّةِ.. وَلا أَحسَنَ مِن شَهَادَةِ مَن يَشهَدُ بِالحَقِّ عَلَى أَهلِهِ, فَاستَمِعُوا إِلى الكَلامِ الخَطِيرِ الذِي قَالَهُ الأَمِينُ العَام الأَوَّل لِحِزبِ اللهِ "صُبحِي الطُّفَيلِي" بَعدَ أَن عَارَضَ الحِزبَ فِي كَثِيرٍ مِن تَوَجُّهَاتِهِ, فِي لِقَاءٍ لَهُ مَعَ قَنَاةِ الجَزِيرَةِ الفَضَائِيَّةِ: "لَو كَانَ أُنَاسٌ غَيرَ حِزبِ اللهِ عَلى الحُدُودِ, يَقصِدُ الفِلَسطِينِيِّينَ وَأَهلَ السُّنَّةِ, لما تَوَقَّفُوا عَن قِتَالِ إسرَائِيلَ مُطلَقَاً, وَالآن إِذَا أَرَادُوا الذَّهَابَ يَعتَقِلُهُم الحِزبُ, وَيُسَلِّمَهُم إِلى الأَمنِ اللبنَانِيّ, وَتَقُولُونَ لِي إِنَّهُ لا يُدَافِعُ عَن إسرَائِيل" أ.هـ.(201/100)
وَ تَزَامَنَ هَذَا الكَلامُ الخَطِيرُ مَعَ مَقَالٍ لِلعَمَيدِ "سُلطان أبي العَينَين", أَمِين سِر حَرَكَةْ فَتِح فِي لُبنَانَ نَشَرَتهُ جَرِيدَةُ القُدسِ العَرَبِيّ فِي 5/4/2004 م بِعُنوَان :"حِزبُ اللهِ يُحبِط عَمَلِيَّاتِ المُقَاوَمَةِ الفِلَسطِينِيَّةِ مِنَ الجَنُوبِ" قَالَ فِيهِ: " حِزبُ اللهِ قَالَ سَنَكُونُ إِلى جَانِبِكُم عِندَ المِحَنِ وَلَكِنَّنَا مُنذُ ثَلاثَةِ أَعوَامٍ نَعِيشُ الشَّدَائِدَ وَلم نَعُدْ نَقبَلُ شِعَارَاتٍ مُزَيَّفَةً مِن أَحَدٍ, فَفِي الأُسبُوعِ الأَخِيرِ أَحبَطَ حِزبُ اللهِ أَربَعَ مُحَاوَلاتٍ فِلَسطِينِيَّةً عَلى الحُدُودِ, وَقَامَت عَنَاصِرُ حِزبُ اللهِ بِاعتِقَالِ المُقَاوِمِينَ الفِلَسطِينِيِّينَ, وَتَقدِيمِهِم لِلمُحَاكَمَةِ" وَأَكَّدَ أَبُو العَينَيينِ أَنَّ الانسِحَابَ الإِسرَائِيلِيّ مِنَ الجَنُوبِ اللُّبنَانِيِّ فِي أَيَّارَ تَمَّ بِتَرتِيبَاتٍ أَمنِيَّةٍ وَاتِّفَاقٍ أَمنِيٍّ بِأَنْ لا تُطلَقَ طَلقَةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى شَمَالِ فِلَسطِينَ مِن جَنُوبِ لُبنَانَ, وَهَذَا الاتِّفَاقُ يُطَبَّقُ مُنذُ الانسِحَابِ الإِسرَائِيلِيِّ, فَلَم يَتَمَكَّن أَيُّ مُقَاوِمٍ مِنَ اختِرَاقِ الحُدُودِ الشَّمَالِيَّةِ, وَجَرَت أَكثَرَ مِنْ مُحَاوَلَةٍ مِن جَمِيعِ الفَصَائِلِ الفِلَسطِينِيَّةِ, وَجَمِيعُهَا أُحبِطَتْ مِن حِزبِ اللهِ وُقُدِّمَت إِلى المَحكَمَةِ" وَأَضَافَ, "إِنَّ حِزبَ اللهِ يُريدُ المُقَاوَمَةَ كَوَكَالَةٍ حَصرِيَّةٍ لَهُ, وَحَصرًا فِي مَزَارِعِ شِبعَا, وَلا يَنتَظِرُ أَحَدٌ مِن حِزبِ اللهِ أَن يَقُومَ بِقَصفِ شَمَالِ فِلَسطِينَ بِالصَّوَارِيخِ, وَأَنَا شَاهِدٌ عَلَى مَا يَجرِي, وَأَشَارَ إِلى أَنَّ سَيطَرَةَ حِزبِ اللهِ عَلَى المُقَاوَمَةِ مِنَ الجَنُوبِ اللبنَانِيّ نَابِعَةٌ مِنَ اتِّفَاقِيَّاتٍ وَتَرتِيبَاتٍ أَمنِيَّةً, أَي اتِّفَاقَاتٍ مَعَ(201/101)
إسرَائِيلَ بِوَاسِطَةِ طَرَفٍ ثَالِثٍ" وَقَالَ: " عَلَى الشَّعبِ الفِلَسطِينِيِّ أَن لا يُعَوِّلَ عَلى حِزبِ اللهِ وَلا عَلَى حَزبِ الشَّيطَانِ, بَل عَليهِ الاتِّكَالُ عَلَى نَفسِهِ فَقَط لأَنَّ لِحِزبِ اللهِ أَولَوِيَّاتَهُ وَمَوَاقِفَهُ السِّيَاسِيَّةَ, وَهُوَ يُرُيدُ أَن يُقَاتِلَ بِآخِرِ فِلَسطِينِيٍّ مِنَّا عَلَى آخِرِ فِلَسطِينِ, وَنَحنُ نُرِيدُ مِن حِزبِ اللهِ مَوقِفَاً صَرِيحَاً وَوَاضِحَاً" أ.هـ.
وَ أخَيِرًا نَقُوْلُ؛ هَلْ يُعقَل أَنْ يَكونَ الحِزْبُ عدوًّا لَدُوداً للكِيانِ الصِّهْيُونيُ كَما يزعُمُونَ ,ثُم يَقومُ هَذَا الحِزْبُ بِاسْتِعْرَاضٍ عَسْكَريٍ حَاشِدٍ فِي مَيْدَانٍ وَاسِعٍ في بَيْرُوتَ تنَقلهُ القنواتُ الفَضَائِيّة نَقْلاً مُبَاشِراً يَجْلسُ فِيهِ حَسَن نَصُر الله على مِنَصَّتِهِ وَ حَولهُ حَاشِيَتَهُ وَ ضُيُوفَهُ وَ تمرُّ مِنْ أَمَامِهِ الفِرَقُ وَ الكَتَائبُ وَ السَّرَايَا العَسْكَرية تَهتِفُ وَ تَتَوعّدَ بِالموتِ لإسرائيلَ, ثُم تَقِفُ إِسْرَائِيْلُ طِيْلَةَ هَذِهِ السَّنَواتِ مَوْقِفَ المُتفرََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََجِ وَ مَكْتُوفَةَ الأَيْدِي عَاجِزَةً عَن صُنعِ أيِّ شَيءٍ حِيَالَ هَذَا العَدُوّ القَادِم؟ وَ هِي التي لَمْ تَحْتَمِل رَجُلًا مُقعَداً عَلى كُرسِيهُِ الصَّغِير المُتحرِّك؛ فَاغْتَالتهُ عَنْ بُعدٍ في ظُلْمَةِ الفَجْرِ...!.(201/102)
ثُمَّ لماذَا كُلّ هَذَا الاهْتِمَامِ مِنْ جَانِبِ الدَّولَةِ الرَّافِضِيةٌ بِلُبنَانِ؟ يُجِيْبُ عَنْ هَذَا التَّسَاؤُل حُجّةُ إِسلامِهم رَوحَانِي سَفِيرُ إِيرانَ فِيْ لُبنانَ فِيْ مُقَابَلةٍ أَجرتَها مَعهُ صَحِيفَةُ "إطِلاعات" الإِيْرَانِية فِي نِهَايةِ الشَّهرِ الأوّلِ من عَامِ 1984 م، يَقُولُ رَوْحَاني عن لُبنان: "لُبنان يُشْبِهُ الآنَ إِيرانَ عامِ 1977م, وَ لَوْ نُراقبُ و نَعملُ بِدقةٍ وَ صَبْرٍ فإِنهُ إِن شاءَ الله سيجيءُ إِلى أَحْضَانِنا, وَ بِسَببِ مَوْقِع لُبنانِ و هُوَ قَلبُ المنطِقةِ, وَ أَحدُ همِ المراكِزِ العَالميةِ فَإِنهُ عِنْدَما يَأْتِي لُبنان إِلى أَحْضَانِ الجُمْهُورِيَّةِ الإِسْلامِيّةِ فَسَوفَ يَتْبَعهُ البَاقُوْن وَ يَقُولُ: "لقد تَمكنَا عَن طَرِيقِ سَفَارَتِنا في بَيْرُوتَ مِنْ تَوحِيدِ آراءِ السُّنُة وَ الشِّيْعةِ حَوْلَ الجُمْهُوريّةِ الإِسْلامِيّةِ وَ الإِمامِ الخُميني, وَ الآنَ غَالبِيَّةُ خُطَبَاءِ السّنُة يَمتَِدِحُونَ الإِمامَ الخُميني فِيْ خُطَبِهِم" ا.هـ.(201/103)
وَ أمَّا عَنْ جَرَائِمِ الرَّافِضَةِ اليَوْمَ ضِدَّ المُسُلِمِينَ مِنْ أَهْلِ السّنةِ فِيْ أَفْغَانِسْتان وَ العِرَاقَ؛ فَحدِّثْ وَ لا حَرَج, فَهَاهِيَ أَمْرِيكَا اليَوْمَ تُقِرُّ بِالتَّعَاوُنِ وَ الدَّعْمِ الإِيْرَانِيِّ الرَّافِضِي خِلالَ حربِها على أفغانستان والعِراق... قاَلَتْ وَزيرِةُ الخَارِجِيةِ الأَمْرِيكِيّة, "كُوندَاليزَا رَايسْ" فِي مُقَابَلةٍ معَ إِحْدَى وِكَالاتِ الأنْبَاء: "أنَّ الأُممَ المُتحِدَةَ قَدْ قَامَتْ بِتَيْسِيْرِ اتّصَالاتٍ بَيْنَ الوِلايَاتِ المُتحدة وَ إِيْرَانَ بِصُوْرةٍ مُنتظمةٍ عبَرَ مَا يُطلَقُ عَلِيه اسْمُ عَمَليةَ "جِنِيف", لِمُناقَشَةِ مَسَائلَ عَمليّةٍ كَانَتْ تَتعلَّقَ أصْلًا بِأفْغَانِسْتانَ, ثُمَّ اتَّسَعَ نِطاقُهَا لِتَشْمَلَ العِرَاق, وَ قَدْ أشَارَتْ "رَايْس" قَبْلَ فَتْرَةٍ وَجِيْزةٍ إِلى أَنَّ مبْعُوثَ الرّئيسِ الأمْريكيِ "زلمَاي خَليل زَاد" قَدْ شَارَكَ فِيْ مُحَادَثَاتٍ مَعَ مَسئُولِينَ مِن إِيرَانَ التي انْبِثقتْ مُباشَرَةً- كَمَا قَالَتْ رَايْس- مِنَ الحَاجَةِ إلى معالَجةِ أمِر بَعضِ المسَائِلِ العمليةِ المُتَعلّقَةِ بِأفغَانِستانَ, ثُم وَسَّعْنا ذَلِكَ ليشْمَلَ العِرَاق".(201/104)
وَ هَاهُمُ الرّافِضةُ يَعْتَرفِونَ, بَلْ يَفْتخِرونَ, بَهذَا التّعاونِ وَ الدَّعمَ الذِي قَدَّمُوهُ لأمْرِيكا, حَيثُ يَقُول محمد علي أبطحي, نائبُ الرّئيس الإِيراني للشؤونِ القانونيةِ وَ البرلمانيةِ الذِي وَقَفَ بِفخْرٍ فِي خِتامِ أَعْمَالِ مُؤْتَمرِ الخَلِيجِ وَ تَحدِّياتِ المُسْتَقبلِ الذِيْ يُنَظّمُه مَرْكَزُ الِإمارَاتِ للدِّرَاسَاتِ وَ البُحُوثِ الإِسْتراتِيْجِيةِ سَنَويّاً بِإِمارةِ أبي ظبي مَسَاء الثُلاثاءِ 2004/1/15 م, ليعُلنَ أنّ بِلادهُ قَدّمتِ الكَثِيرَ مِنَ العَوْنِ للأمْرِيكِيينَ فِيْ حَربَيهِم ضِدَ أفغانستانَ والعِراق, وُ مُؤكِّداً أنَّهُ لَوْلا التَّعَاونِ الإِيْرَاني لَمّا سَقَطتْ "كابول" وَ بَغْدَاد بِهذهِ السهولة.
وَ قَدْ نَقَلتْ جَرِيدَةُ الشَّرْقِ الأَوْسَطِ في 2002/2/9 م, عَنْ رَئِيسِ مَجْلِسِ تَشْخِيصِ مَصْلَحةِ النِّظَامِ "رفسنجاني" قَوْلَه فِي خُطْبتهِ بِجَامعةِ طهران:" إِنَّ القُوّاتَ الإِيْرَانِيةَ قَاتَلتِ طَالِبان وَ سَاهَمتْ فِي دَحْرهِا, وَ أَنهُ لَو لَمْ تُسَاعِد قُوَّاتُِهُم فِي قِتالِ طَالِبان لغِرقَ الأمْرِيْكِيُّونَ في المُسْتَنقعِ الأَفْغاني". وَ تَابَعَ قَائِلاً: "يَجِبُ على أمريكا أنْ تَعْلَم أنهُ لَوْلا الجيشُ الإِيْرَانيُ الشَّعبي مَا اسْتَطَاعَتْ أَمريكا أن تُسقِطَ طالِبان.(201/105)
بَلْ هَذَا مَا وَصَّى بِهِ الخُمَيْنِي حِزْبَ الوِحْدَةِ الشِّيْعِي, عقِبَ خُروجِ الرُّوسِ مِنْ أفغانستان مَدْحُوْرِين حَيْثُ قَال: "يَا حِزبَ الوِحْدَةِ يَا شِيْعةَ أفغانستان؛ جِهادُكُم يَبدأُ بَعْد خُرُوجِ الروس, و يَقْصِدُ بِذَلكَ جِهَادَ أَهْلِ السّنُة وَ إِيْقَاعِ الفِتَنِ وَ الاضِطِرَابَاتِ الدَّاخِليةِ فِيْ البِلاد". وَ بالفِعلِ هذا مَا حَصَل عَلَى أَرْضِِ الوَاقِعِ, حَتى إِنَّ دَوْلةَ طَالِبَانَ قَامَت بِقَتْلِ ما لا يقِلُ عن 6000 مُقاتلٍ مِنَ الخَوَنةِ الرَّوافِضِ مِمَّن حَاوَلُوا التَّمرُدَ عَلى حُكمِ طالِبان, فكُل هَذا التآمُر عَلَى دولةِ أفغانستان وَ مَدُّ يَدِ العَوْنَ لأَمْرِيكا وَ حُلفَائَها خَوْفاً مِنْ أَنْ يَكُونَ لإِيْرَانَ الرَّافِضِيةِ جَارةً سنيُةً قَوِية, لأَنّ حَربهُم الأسَاسِية لَيْسَت مَعَ اليَهُودِ وَ لا مَعَ النَّصَارَى بَل حَربُهُم الأْوْلَى وَ الأخِيْرةُ هِي مَع أَهْلِ السنُة. و هَذَا مَا صَرَّحَ بِه قَدِيماً الدّكتور "علي ولايتي" بِقوله: " لَن نسمحَ أن تكون هُناك دولةٌ وهابيةٌ في أفغانستان". أي دولةً سنُية وفق لمصْطَلحاتِ الرافِضة الشائعةِ الآن..! أليْسَ هَذَا المَوْقِفُ نَفْسُهُ الذِي وَقَفَهُ خُلفاءُ وَ وُزراءُ الدّولةِ العُبَيدِيةِ الفَاطِمِيةِ منَ السَّلاجِقةِ الأتراك السنُيينَ يَومَ أَن حَارَبوهم وَ نَاصَرُوا الصّليبيين..؟(201/106)
وَ قَدْ أَفَادَ عَدِيدٌ مِنَ الخُبراءِ العسكريين بِأنَّ الطِائراتِ التي انْطَلقَت مِن قَواعِدَ أَمْرِيكيّةٍ فِيْ الدُّولِ العَرَبيةِ لا يُمْكِنُ أَنْ تَعبُرَ لأفْغَانِسْتَان إِلا عَنْ طَرِيقِ الأَجْوَاءِ الإِيْرَانِيِّة فِيْ وَقْتٍ كَان المَسْؤُولُونَ الإِيْرَانِيونَ يُشَدِّدُونَ عَلى دِعَايَةِ حُرْمَة الأَجْوَاءِ الإِيْرَانِيةّ إِلا عَلَى الطّائِراتِ المُضْطَرةِ للهُبِوطِ اضْطِرَارِياً فِيْ إِيرَانَ وَ أشَارَتْ مَصَادرُ عَسْكَرِية في الاسْتِخبَارَاتِ الأمْرِيْكِية فِيْ الوَقْتِ ذَاتِه أَنْ عَنَاصِرَ مِنْ القُوَّاتِ الخَاصِةِ الأَمْرِيكِيةِ المَوْجُودَةِ فِيْ مَدينةِ هيرات غِربِ أفغانستان قُربَ الحُدُود الإِيرَانِية أفَادَتْ بِأَنّ عُمَلاءََ إِيْرَانيين يَتَسللون إِلى المنطقةِ وَ يُهَدِّدُونَ زُعَماءَ القبَائِل. وَ هَذَا مَا أَكّدَتْهُ مُنظَّمَةُ حُقُوقِ الإِنْسَان الأمْرِيكِية "هيومان رايت ووتش" فِيْ أكْتُوبَر 2001 م, مِنْ أَنّ ثَمةَ تَقَارِير صَحَفِيّة تُفِيدُ أَنَّ الحُكُومَةَ الإِيْرَانية وَضَعَتْ أَعْدَادَاً إِضَافِيةً مِنَ الجُنُودِ عَلَى حُدُودِهِا بَعْدَ بِدْءِ الضَّرَباتِ العَسْكَرِيِّة, وَ أَنهُا بَدَأتْ فِيْ تَرْحِيلِ مِئَاتِ الِلاجِئين إِلى أفغانستان, وَ هَذَا تَمامَاً مَا يَفْعَلهُ العُمَلاءَ الإِيْرَانِيُّونَ وَ عَنَاصِرُ مِنَ الاسْتِخْبَارَاتِ الإِيْرَانِيّةِ فِيْ العِرَاق, وَ بِعِلْمٍ وَ رِضىً مِنَ القُوّاتِ الأَمْرِيْكِيةِ وَ حُلَفَائَهِا فِي الحَرْبِ عَلَى العِرَاقِ, فَفِي الوَقْتِ الذِي نَرَى فِيهِ التَّشْدِيدَ وَ التّضْيِيقَ عَلَى المَنَاطقِ الحُدُودِيةِ مَعَ العِراقِ مَعَ جَمِيعِ البُلْدَانِ التي يُمْكِنُ أنْ يَنْفُذَ عَبْرَهَا المُجَاهِدُونَ لِمسُاعَدةِ إِخِوانِهم في العِراقِ ضِدَّ المُحْتل الأَمْرِيْكِي؛ نَجِدُ أنَّ الحُدُودَ الإِيْرَانِيةَ(201/107)
العِرَاقِيةَ تُفْتَحُ على مِصْرَاعَيْهَا لِتَسَلُّلِ عَدَدٍ كَبيرٍ مِنَ العُمَلاءِ لأغْرَاضٍ سِياسِيةٍ رَافِضِيةَ, وَ عَلى رَأسِِها تَغْيُير نِسْبةِ التَّركيبَةُ السُّكانيةُ لِأهِلِ العِراقِ لِصالحِِ الرَّافِضَةُ, وَ لا سِيِّما بَعْدَ المجَازرِ وَ المَذَابِح الجَمَاعيّة التي تَمّتْ لِأهْلِ السنُة, حَتَّى يَتَمكَّنوا مِنْ فَرْضِ سَيْطَرتِهِمْ عَلَى جَنُوبِ العِرَاقِ عَلَى الأقَلِ مَا دَامَ لَمْ يتَمَكّنُوا مِن بِسْطِ نفُوذِهِم عَلَى العِراقِ كُلِه, بِالإِضَافَةِ إِلى الأَغْرَاضِ الإِسْتِخْبارَاتِيّة التِي تَرُومُ تتبُع المُجَاهِدِينَ وَ مُتابَعةِ المصَالِحِ الإِيْرَانِيّة, وَ التّنسيقِ بَيْنَها وَ بَينَ الأَحْزَابِ وَ الحَرَكَاتِ الشِّيعيةِ الُأخْرَى دَاخِلَ العِراق.
عِلْماً بِأنَّ الرَّافِضة, كَمَا هِيَ عَادَتهُمُ, كَانُوا يُعْلِنُونَ مُعَادَاةَ أمْريكا, وَ يَرْفَعونَ شِعارَ الموتُ لأمريكاَ, وَ يُسَمُّونَهَا بِالشَّيطَانِ الأكْبَر, بَلْ إِنَّ وَزيرَ الدِّفَاعِ الإِيْرانِيّ "علي شمخاني" خِلالَ تَحْضِيرات أمريكا للهُجوم على طالِبانِ؛ أطلقَ تَصْريْحَاتٍ مُدويةٍ هَدَّدَ فِيها بِإِسْقاطِ أَي طَائِرةٍ أَمْرِيكِية تَعبُر الأَجْواءَ الإِيْرَانِية, وَ بَعْدَ عِدّةِ أيامٍ ظَهَرت للعَيانِ اتفَاقِيةٌ تَمّت تَحْتَ طَاوِلةِ المُفاوضَاتِ الأَمْريكيّةِ الإِيْرَانِيةِ يَقُومُ الإِيْرَانيّونَ بِموْجِبِها بِإِعَادَةِ أي أمْرِيكي يُفقَدُ أَوْ يُسْقَطُ في إيران إلى أمريكا سَالماً مُعَافى.
وَ لا يَفُوتَني أَن أذْكُرَ كَلامَ الرّئِيسِ الإِيْرَانِيّ الحَالي "أحمدي نجاد", وَ الذِي يُفْصِحُ فِيْهِ على أنهُم اليَومَ يَسِيرون عَلى مخُطّطاتِ آبائهمُ الرّافِضة, حَيْثُ قَالَ مَا مَفَادهُ: لَقَدْ جَاءَتْ حُكُومتي لِتُمهِدَ الطّريقَ لاسْتِقْبالِ المهْدِي.(201/108)
وَ أمّا فِيْمَا يَتَعلّقُ بجرائمهم وخياناتهم الأخلاقية؛ فَحدِّثْ وَ لا حَرَج ..
فَهَاهِي مجُتمَعَاتهُم تَغُصُ بِالرّذِيلةِ وَ الخَنَا وَ الفُجُورِ, و تَنتَشرُ فِيهِم الفَواحِشُ ظَاهِراً وَ بَاطِنا, و لا تَجدُ مُجْتَمعاً مُلَوّثاً بِهَذِهِ الرَّزَايَا إِلا وَ الرّافِضةُ قَدْ فَاقهُ فُحشاً وفجوراً.. كُلّ ذَلك يتمُ من خِلالِ شَرِيعةِ الرافِضة وَ دِينهِم وَ بِفَتوىً مِنْ مَرجِعِياتِهم و آيَاتِهم !فكيف ذاك..؟(201/109)
أَوَّلاً: زَوَاجُ المُتعَةِ الذِي أَبَاحَهُ الشَّرعُ فَترَةً مِنَ الزَّمَنِ, وَلِلضَّرُورَةِ مَعَ غَيرِ المُسلِمَاتِ قَبلَ تَقسِيمِ مُلكِ اليَمِينِ وَالأَخذِ بِهِ, حَيثُ كَانَ الصَّحَابَةُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ يَغزُونَ بِلادَاً بَعِيدَةً, وَتَطُولُ بِهِم مُدَّةُ السَّفَرِ ذَهَابَاً وَإِيَابَاً وَإِقَامَةً, فَرُفِعَ عَنهُم الحَرَجُ وَالمَشَقَّةُ, فَي نِكَاحِ التَّمَتُّعِ لإِبعَادِهِم عَن مَظَنَّةِ الوُقُوعِ فِي المَحظُورِ, وَلَمَّا تَغَيَّرَ الحَالُ, وَزَالت الضَّرُورَةُ بِانتِشَارِ الإِسلامِ وَتَفَرُّقِ المُسلِمِينَ في البِلادِ نُسِخَ حُكمُ المُتعَةِ نَظَرَاً لِمَا يَحوِيهِ مِن مَفَاسِدَ أَكبَرُ مِن مَصَالِحِهِ, وَلِكَونِهِ يُنَافِي مَقَاصِدَ الزَّوَاجِ الذِي أَحَلهُ اللهُ تَعَالى, وَالذِي مِنهَا استِدَامَةُ الزَّوَاجِ وَ بِنَاءُ الأُسرَةِ المُسلِمَةِ, وإِنجَابُ الوَلَدِ وَالقِيَامِ عَلى تَربِيَتِهِ, فَإِنَّ الرَّافِضَةَ يَتَعَلقُونَ بِهَذَا الزَّواجِ الذِي هُوَ مِفتَاحٌ لِلزِّنَا وَلِكُل شَرٍّ.. وَ هُم لا يَقُولُونَ بِإِبَاحَتِهِ وَجَوَازِهِ فَحَسبْ؛ بَل إِنَّهُم يَعتَبِرُونَ مَن لا يَتَمَتَّعُ وَمَن يَرَى حُرمَةَ هَذَا الزَّوَاجَ بِأَنَّهُ كَافِرٌ بِنَاءً عَلَى رِوَايَاتٍ مَكذُوبَةٍ نَسَبُوهَا إِلى الأَئِمَّةِ مِن آلِ البَيتِ كَمَا جَاءَ فِي كِتَابِ [مَن لا يَحضُرُهُ الفَقِيهُ]: "رَوَى الصَّدُوقُ عَن الصَّادِقِ عَليهِ السَّلام قَالَ: إِنَّ المُتعَةَ دِينِي وَدِينَ آبَائِي , فَمَن عَمِلَ بِهَا عَمِلَ بِدِينِنِا, وَمَن أَنكَرَهَا أَنكَرَ دِينَنَا وَاعتَقَدَ بِغَيرِ دِينِنِا".(201/110)
بَل يَتَوَسَّعُونَ فِيهِ لِيَشمَلَ التَّمَتُّعَ حَتَّى بِالرَّضِيعَةِ, وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ الخُمَينِيُّ فِي كِتَابِهِ "تَحرِيرُ الوَسِيلَةِ": "لا بَأسَ بِالتَّمَتُّعِ بِالرَّضِيعَةِ ضَمًّا وَتَفخِيذًا وَتَقبِيلاً".
وَ يذكُرُ لَنَا صَاحِبُ كِتَابِ [للهِ ثُمَّ لِلتَّارِيخِ] حَادِثَةً وَقَعَت أَمَامَ نَاظِرَيهِ حِينَ كَانَ الخُمَينِيُّ مُقِيمًا فِي العِرَاقِ, وَكَانَ فِي زِيَارَةٍ لِشَخصٍ إِيرَانِيٍّ يُدعَى "سَيّد صَاحِب", فَيَقُولُ: "فَرِحَ سَيّد صَاحِب بِمَجِيئِنَا وَكَانَ وُصُولُنَا إِليهِ عِندَ الظُّهرِ. فَصَنَعَ لَنَا غَدَاءً فَاخِرَاً، وَاتَّصَلَ بِبَعضِ أَقَارِبِهِ فَحَضَرُوا، وَازدَحَمَ مَنزِلُهُ احتِفَاءً بِنَا، وَطَلَبَ "سَيّدُ صَاحِب" إِلينَا المَبِيتَ عِندَهُ تِلكَ الليلَةِ، فَوَافَقَ الإِمَامُ، ثُمَّ لما كَانَ العِشَاءُ، أَتَونَا بِالعَشَاءِ، وَكَانَ الحَاضِرُونَ يُقَبِّلُونَ يَدَ الإِمَامِ وَيَسأَلُونَهُ وَيُجِيبُ عَن أَسئِلَتِهِم، وَ لَمَّا حَانَ وَقتُ النَّومِ، وَكَانَ الحَاضِرُونَ قَد انصَرَفُوا إِلا أَهلَ الدَّارِ، أَبصَرَ الإِمَامُ الخُمَينِيُّ صَبِيَّةً بِعُمرِ أَربَعِ سَنَوَاتٍ أَو خَمسٍ وَلكِنَّهَا جَمِيلَةٌ جِدَّاً، فَطَلَبَ الإِمَامُ مِن أَبِيهَا "سَيِّد صَاحِب" إِحضَارَهَا لِلتَّمَتُّعِ بِهَا، فَوَافَقَ أَبُوهَا بِفَرَحٍ بَالِغٍ، فَبَاتَ الإِمَامُ الخُمَينِي وَالصَّبِيَّةُ فِي حِضنِهِ وَنَحنُ نَسمَعُ بَكَاءَهَا وَصَرِيخِهَا, المُهِمُّ أَنَّهُ أَمضَى تِلكَ الليلَةَ, فَلمَّا أَصبَحَ الصَّبَاحُ وَجَلَسنَا لِتَنَاوُلِ الإِفطَارِ، نَظَرَ إِليَّ فَوَجَدَ عَلامَاتِ الإِنكَارِ وَاضِحَةً فِي وَجهِي، إِذ كَيفَ يَتَمَتَّعُ بِهَذِهِ الطِّفلَةِ الصَّغِيرَةِ وَفِي الدَّارِ شَابَّاتٌ بَالغَاتٌ رَاشِدَاتٌ. كَانَ بِإِمكَانِهِ التَّمتُّعُ بِإِحدَاهِنَّ(201/111)
فَلَم يَفعَل، فَقَالَ لي: سَيّد حُسَين مَا تَقُولُ فِي التَّمتُّعِ بِالطِّفلَةِ؟ فَقُلتُ لَهُ: سَيِّد القَولُ قَولُكَ وَالصَّوَابُ فِعلُكَ وَأَنتَ إِمَامٌ مُجتَهِد، وَلا يُمكِنٌ لِمِثلِي أَن يَرَى أَو يَقُولَ إِلا مَا تَرَاهُ أَنتَ أَو تَقُولُهُ. وَ مَعلُومٌ أَنِّي لا يُمكِنُنِي الاعتِرَاضُ وَقتَ ذَاك. فَقَالَ: "سَيِّد حُسِين، إِنَّ التَّمَتُّع بِهَا جَائِزٌ وَلَكِن بِالمُدَاعَبَةِ وَالتَّقبِيلِ وَالتَّفخِيذِ أَمَّا الجِمَاع فَإِنَّهَا لا تَقوى عَليهِ". ا.هـ.
وَ تَتَوسَّعُ دَائِرَةُ التَّمَتُّعِ عِندَ الشِّيعَةِ لِتَشمَلَ حَتَّى التَّمَتُّعَ بِالنِّسَاءِ المُتَزَوِّجَاتِ وَهَذَا مَا تُحَرِّمُهُ جَمِيعُ الشَّرَائِعِ السَّمَاوِيَّةِ, بَل وَلا تُقِرُّهُ حَتَّى غِيرَةُ العُقَلاءِ مِنَ الكُّفَّارِ.. فَالرَّافِضَةُ يجِيزُونِ التَّمتُّعَ بِالمرأَةِ المُحصَنَةِ زَوجَةَ الغَيرِ دُونَ عِلمِ زَوجِهَا وَدُونَ رِضَاهُ, عِلمَاً بِأَنَّ بَعضَ فُقَهَاءَ الشِّيعَةِ يُقِرُّونَ بِتَحرِيمِ نِكَاحِ المُتعَةِ, كَمَا جَاءَ فِي [وَسَائِلُ الشِّيعَةِ], وَفِي [التَّهذِيبِ] وَ فِي [الاستِبصَارِ]:" قَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ صَلَواتُ اللهِ عَليهِ: حَرَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ وَآلهِ يَوِمَ خَيبَرَ لُحُومُ الحُمُرِ الأَهلِيَّةَ وَنِكَاحَ المُتعَةِ".
وَ جَاءَ فِي [التَّهذِيب] : "وَسُئِلَ أَبُو عَبدِ اللهِ عَليهِ السَّلام: كَانَ المُسلِمُونَ عَلى عَهدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ يَتَزَوَّجُونَ بِغَيرِ بَيِّنَةٍ؟ قَالَ: لا".
وَيَقُولُ السَّيدُ حُسينٌ المُوسَوِيّ مُعَلِّقَاً: "لا شَكَّ أَنَّ هَذَينِ النَّصَّينِ حُجَّةٌ قَاطِعَةٌ فِي نَسخِ حُكمِ المُتعَةِ وَإِبطَالِهِ".(201/112)
وَجَاءَ فِي [وَسَائِلِ الشِّيعَةِ]: "وَعَن عَمَّارٍ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبد اللهِ عَليهِ السَّلام لي, وَلِسُليمَانَ بن خَالِد: ( قَد حُرِّمَتُ عَليكُمَا المُتعَةُ).
وَ قَد نَقَلَ الدُّكتُورُ "نَاصِرٌ القَفَارِيّ" في كِتَابِهِ [أُصُولُ مَذهَبِ الشِّيعَةِ الإِمَامِيَّةِ الاثنَي عَشرِيَّةِ] عَن الأَلُوسِي قَولَهُ: "مَن نَظَرَ إِلى أَحوَالِ الرَّافِضَةِ في المُتعَةِ في هَذَا الزَّمَانِ لا يَحتَاجُ فِي حُكمِهِ عَليهِم بِالزِّنَا إِلى بُرهَانٍ، فَإِنَّ المرأَةَ الوَاحِدَةَ تَزنِي بِعشرِينَ رَجُلاً فِي يَومٍ وَ لَيلَةٍ، وَتَقُولُ إِنَّهَا مُتَمَتِّعَةٌ، وَقَد هُيِّئَت عِندَهُم أَسوَاقٌ عَدِيدَةٌ لِلمُتعَةِ تُوقَفُ فِيهَا النِّساءُ وَلَهُنَّ قَوَّادُونَ يَأتُونَ بِالرِّجَالِ إِلى النِّسَاءِ وَبِالنِّسَاءِ إِلى الرِّجَالِ فَيَختَارُونَ مَا يَرضُونَ وَ يُعَيِّنُونَ أُجرَةَ الزِّنَا وَيَأخُذُونَ بِأَيدِيهِنَّ إِلى لَعنَةِ اللهِ تَعَالى وَغَضَبِهِ" ا.هـ.
فَمَاذَا نَتَجَ عَن زَوَاجِ المُتعَةِ, وَمَا هِيَ آثَارُهُ عَلَى المُجتَمَعِ الرَّافِضِيِّ؟.
فَمِن آثَارِهِ: اختِلاطُ الأَنسَابِ, وَالذِي بِسَبَبِهِ حَرَّمَ اللهُ الزِّنَا, وَذَلِكَ مِن خِلالِ التَّمَتُّعِ بِزَوجَاتِ الغَيرِ, وَدُونَ عِلمِ أَزوَاجِهِنَّ, فَتَحمِلُ المَرأَةُ, وَلا تَدرِي هَذَا الوَلَدُ مَن يَكُونُ وَالِدُهُ, وَمِن ذَلِكَ كَثُرَ بِسَبَبِهِ الزَّواجُ مِنَ المَحَارِمِ, فَمِن كَثرَةِ مَا يَتَمَتَّعُونَ صَارَ الرَّجُلُ يَتَمَتَّعُ بِالمَرأَةِ, وَقَد تَكُونُ ابنَتُهُ مِن زَوجَةٍ سَابِقَةٍ كَانَ قَد تَمَتَّعَ بِهَا, أَو تَكُونُ زَوجَةَ ابنِهِ الذِي سَبَقَ أَن تَمَتَّعَ بِهَا, أَو زَوجَةَ أَبِيهِ.(201/113)
وَ فِي ذَلِكَ يَقُولُ السَّيدُ حُسَينٌ المُوسَوِيّ: "جَاءَتنِي امرَأَةٌ تَستَفسِرُ مِنِّي عَن حَادِثَةٍ حَصَلَت مَعَهَا، إِذ أَخبَرتنِي أَنَّ أَحدَ السَّادَةِ وَهُوَ السَّيدُ "حُسينٌ الصَّدرَ" كَانَ قَد تَمَتَّعَ بِهَا قَبلَ أَكثَرِ مِن عِشرِينَ سَنَةً، فَحَمَلَت مِنهُ، فَلَمَّا أَشبَعَ رَغبَتَهُ مِنهَا فَارَقَهَا، وَ بَعدَ مُدَّةٍ رُزِقَتْ بِبِنتٍ، وَأَقسَمَت أَنَّهَا حَمَلت مِنهُ هُوَ, إِذ لم يَتَمَتَّع بِهَا وَقَتَذَاكَ أَحَدٌ غَيرُهُ. وَ بَعدَ أَن كَبُرَت البِنتُ وَصَارَت شَابَّةً جَمِيلَةً مُتَأَهِلَةً لِلزَّوَاجِ، اكتَشَفَت الأُمُّ أَنَّ ابنَتَهَا حُبلى، فَلمَّا سَأَلَتهَا عَن سَبَبِ حَملِهَا؛ أَخبَرَتها البِنتُ أَنَّ السَّيدَ المَذكُورَ استَمتَعَ بَهَا فَحَمِلَت مِنهُ، فَدُهِشَت الأُمُّ وَفَقَدَت صَوَابَهَا، إِذ أَخبَرَت ابنَتَهَا أَنَّ هَذَا السَّيدَ هُوَ أَبُوهَا، وَأَخبَرَتها القِصَّةَ، فَكَيفَ يَتَمَتَّعُ بِالأُمِّ، وَاليَومَ يَأتِي لِيَتَمَتَّعَ بِابنَتِهَا التِي هِيَ ابنَتَهُ هُوَ؟".
وَمِن آثَارِهِ؛ استِغلالُ أَربَابِ الهَوَى وَالفَسَادِ المُتعَةَ فِي إِشبَاعِ الغَرَائِزِ لِدَرَجَةٍ وَصَلَت حَدَّ الجُنوحِ إِلى الفُجُورِ, وَإِلصَاقِ ذَلِكَ بِالدِّينِ مِن خِلالِ المُتعَةِ.(201/114)
وَ مِن آثَارِهِ أَيضًا؛ أَنَّ السَّادَةَ وَالمَرجِعِيَّاتِ الذِينَ يُبِيحُونَ هَذَا الزَّوَاجَ لِيَتِمَّ لهم مِن خِلالِهِ التَّمَتُّعَ بِبَنَاتِ النَّاسِ, يَمنَعُونَ بَنَاتَهُم وَأَخَوَاتَهُم وَقَرِيبَاتَهُم مِنَ التَّمَتُّعِ لأَنَّهُم يَستَقذِرُونَهُ لَهُم, وَيَرَونَهُ كَالزِّنَا عَلى مَا يَشعُرُونَ هُم بِهِ مِن خِلالَ تَمَتُّعِهِم بِبَنَاتِ الغَيرِ, وَعَن ذَلِكَ يَروِي لَنَا السَّيدُ حُسَينٌ المُوسَوِيّ رِوَايَةً وَقَعَت مَعَهُ هُوَ حَيثُ يُقُولُ: "فَدَخَلَ عَلينَا شَابَّانِ يَبدُوا أَنَّهُمَا اختَلَفَا فِي مَسأَلَةٍ فَاتَّفَقَا عَلى سُؤَالِ الإِمَامِ الخُوئِيّ لِيَدُلهُمَا عَلى الجَوَابِ.
فَسَأَلَهُ أَحَدُهُمَا قَائِلاً: سَيِّدٌ؛ مَا تَقُولُ فِي المُتعَةِ أَحَلالٌ هِيَ أَم حَرَامٌ؟
نَظَرَ إِليهِ الإِمَامُ الخُوئِيّ وَقَد أَوجَسَ مِن سُؤَالِهِ أَمرَاً ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَينَ تَسكُن؟
قَالَ الشَّابُّ السَّائِلُ: أَسكُنُ المُوصِلَ وَأُقُيمُ هُنَا فِي النَّجَفِ مُنذُ شَهرَينِ تَقرِيباً.
قَالَ لَهُ الإِمَامُ: أَنتَ سُنِّيٌ إِذَن؟
قَالَ الشَّاب: نَعَم.
قَالَ الإِمَامُ: المُتعَةُ عِندَنَا حَلالٌ وَعِندَكُم حَرامٌ.
فَقَالَ لَهُ الشَّاب: أَنَا هُنَا مُنذُ شَهرَيِنِ تَقرِيباً غَرِيبٌ فِي هَذِهِ الدِّيَار فَهَلا زَوَّجتَنِي ابنَتَكَ لأَتَمَتَّعَ بَِها رَيثَمَا أَعُودُ إِلى أَهلِي؟
فَحَملَقَ فِيهِ الإِمَامُ هُنَيهَةً ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَنَا سَيِّدٌ, وَهَذَا حَرَامٌ عَلى السَّادَةِ وَحَلالٌ عِندَ عَوَامِ الشِّيعَةِ.
وَ نَظَرَ الشَّابُّ إِلى السَّيدِ الخُوئِي وَهُوَ مُبتَسِمٌ وَنَظرَتُهُ تُوحِي أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ الخُوئِي قَد عَمِلَ بِالتُّقيَةِ.(201/115)
ثُمَّ قَامَا فَانصَرَفَا، فَاستَأذَنتُ الإِمَامَ الخُوئِيّ فِي الخُرُوجِ فَلَحِقتُ بِالشَّابَينِ فَعَلِمتُ أَنَّ السَّائِلَ سُنِّيٌّ وَصَاحِبَهُ شِيعِيّ اختَلَفَا فِي المُتعَةِ أَحَلالٌ أَم حَرَامٌ فَاتَّفَقَا عَلََََى سُؤَالِ المَرجِعِ الدِّينِيّ الإِمَامُ الخُوئِيّ، فَلَمَّا حَادَثتُ الشَّابَينِ انفَجَرَ الشَّابُّ الشِّيعِيُّ قَائِلاً: يَا مُجرِمِينَ تُبِيحُونَ لأَنفُسِكُم التَّمَتُّعَ بِبَنَاتِنَا وُتُخبِرُونَنَا بِأَنَّهُ حَلالٌ وَأَنَّكُم تَتَقَرَّبُونَ بِذَلِكَ إِلى اللهِ، وَتُحَرِّمُونَ عَلينَا التَّمَتُّعَ بِبَنَاتِكُم؟
وَ رَاحَ يَسُبّ، وَ يَشْتُم، وَ أَقْسَمَ أَنْ سَيَتَحَوَّلَ إلى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّة، فَأَخَذْتُ أُهَدِئُ بِهِ، ثُمَّ أَقْسَمْتُ لَهُ أَنَّ المُتْعَةَ حَرَامٌ، وَ بَيَّنْتُ لَهُ الأدِلَّةَ عَلَى ذلك".
وَ مِنْ آثَارِهِ أيضًا؛ قَطِيعَةُ الأَرْحَامِ، وَ الوَشَائِجِ, وَ ذلكَ لِأَنَّ كثيرًا من الرَّافِضَةِ لا يَعْرِفُونَ أَنْسَاَبهَمُ، وَ لا آبَاءَهُمُ, وَ لِهَذَا قَدْ يَكُون لِلْرَجُلِ إِخْوَةٌ، وَ أَخَوَاتٌ، وَ مَحَارِم لا يَعْرِفُهُم, لِأَنَّهُ أَصْلًا لَا يَعْرِفُ مَنْ يكون وَالِدَهُ.(201/116)
وَ مِنَ الآثَارِ الأُخْرَى الخَطِيرَةِ لِزَوَاجِ المُتْعَةِ الذّي يَحِلُّهُ الرَّافِضَةُ، وَ يَتَسَامَحُ مَعَهُم وَ يَتَغَاضَى عَنْ الاخْتِلَافِ مَعَهُم فَيهَ كَثِيرٌ مِن دُعَاةِ التَّقَارُبِ اليَوْمَ، أَنَّهُ وَ مِنْ خِلَالِ إِبَاحَةِ المُتْعَةِ اسْتَطَاعَ كَثِيرٌ منْ دُعَاتِهِم بَثّ دَعْوَتِهِم وَ نَشْرِ مذَهْبَ الرَّفْضِ بَيْنَ كَثِيرٍ مِنْ قَبَائِلِ أَهْلِ السُّنَّةِ , وَ مَا ذَلِكَ إلا مِنْ خِلَال إِغْرَائِهِم بِهَذَا الزَّوَاجِ, وَ مُدَاعَبَةِ أَهْوَائِهِم بالقَوْلِ بِإِبَاحتِهِ. فَقَدْ نَشَرَتْ مَجَلَةُ [المَنَارِ] في المُجَلَّدِ السَّادِسِ عَشْر رِسَالَةً لِلْشَيْخِ مُحَمَّدِ كَامِل الرَّافِعِيّ كَانَ قَدْ أَرْسَلَهَا مِنْ بَغْدَاد لِصَدِيقِهِ الشَّيْخِ رَشيد رِضا فِي سنةِ ألفٍ وَ ثَلاث مائةٍ وَ سِتٍّ وَ عشرين للهجرَةِ 1326 هـ, كَشَفَ لَهُ أَثْنَاءَ سِيَاحَتِهِ فِي تِلْكَ الدِّيَارِ مَا يَقُومُ بِهِ عُلَمَاءُ الرَّافِضَةِ مِنْ دَعْوَةِ الأَعْرَابِ إلى الدُّخُولِ فِي دِينِ الرَّفْضِ، وَ اسْتِعَانَتِهِم فِي ذَلِكَ بِإِحْلَالِ مُتْعَةِ النِّكَاحِ لِمَشَايِخِ قَبَائِلِهِم الذِينَ يَرْغَبُونَ الاسْتِمْتَاعَ بِكَثِيرٍ مِنَ النِّسَاءِ فِي كُلِّ وَقْتٍ.(201/117)
وَ ذَكَرَ لَنَا د. نَاصِرُ القَفَارِيّ, فِي كِتَابِهِ [أُصُولُ مَذْهَبِ الشِّيَعَة الإِمَامِيَّةِ] عَنْ الحَيْدَرِيّ بَيَانًا خَطِيرًا بِالقَبَائِلِ السُّنِّيَّةِ التّي تَرَفَّضَتْ بِجُهُودِ الرَّوَافِضِ، وَ خِدَاعِهِم فِي كِتَابِهِ : [عُنْوَانُ المَجْدِ فِي بَيَانِ أَحْوَالِ بَغْدَادَ وَ البَصْرَةِ وَ نَجْد], فَيَقُولُ: (وَ أَمَّا العَشَائِرُ العِظَامُ فِي العِرَاقِ الَّذِينَ تَرَفَّضُوا مِنْ قَرِيبٍ فَكَثِيُروَن, مِنْهُم: رَبِيعَة تَرَفَّضُوا مُنْذ سَبْعِينَ سَنَةٍ, وَ تميمٌ؛ وَ هي عَشِيرَةٌ عَظِيمَةٌ تَرَفَّضُوا فِي نَوَاحِ العِرَاقِ مُنْذُ سِتِّينَ سَنَةٍ بِسَبَبِ تَرَدُّدِ شَيَاطِينَ الرَّافِضَةِ إليهِم, وَ الخَزَاعِلُ تَرَفَّضُوا مُنْذ أَكْثَرَ مِنْ سِتَّينَ سَنَةٍ بتَرَدُّدِ الرَّافِضَةِ إلَيْهِم وَ عَدَمِ العُلَمَاءِ عِنْدَهُم. وَ مِنَ العَشَائِرِ المُتَرَفِّضِةِ: بَنُو عمير, وَ هُمْ بَطْنٌ مِنْ تَمِيم, وَ الخَزْرَج وَ هُم بَطْنٌ مِنَ الأَزْدِ, وَ شَمََّر وَ هي كَثِيرَةٌ, وَ غَيْرُهَا. وَ مِنَ المُتَرَفِّضَةِ أيضًا عَشَائِرُ العُمَارَةِ آلُ مُحَمَّدِ, وَ هِيَ لِكَثْرَتِهَا لا تُحْصَى, وَ تَرَفَّضُوا َمِن قَرِيبٍ. وَ عَشِيرَةُ بَنِي لام, وَ هِيَ كَثِيرَةُ العَدَدِ, وَ عَشَائِرُ الدِّيوَانِيَّة، وَ هِيَ خَمْسُ عَشَائِرٍ؛ آلُ أَقْرَع, وآلُ بُدَيْر, وَ عَفْجٌ , وَ الجِبُورِ, وَ جُلَيْحَة.(201/118)
ثانيًا: إِعَارَةُ الفُرُوجِ؛ وَ مَا أَدْرَاكَ مَا إِعَارَةُ الفُرُوجِ, فَإِنَّهُ وَ إِنْ كَانَ هُوَ الزِّنَا بِعَيْنِهِ مِنْ حَيْثُ الحُكْمِ الشَّرْعِيّ, إِلَّا أَنِّهُ مِنْ حَيْثُ طَرِيقَة مُبَاشَرَتِهِ، فَهُوَ أَفْظَعٌ، وَ أَقْبَحٌ, حَيْثُ أَنَّ الزَُّناَةَ يَتَسَتَّرُونَ وَ يَسْتَشْعِرُونَ الخَطِيئَةَ وَ الذَّنْبَ الذِي يَرْتَكِبُونَهُ، أَمَّا فِي إِعَارَةِ الفُرُوجِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَرَادَ السَّفَرَ يَأْتِي بِزَوْجَتِه عِنْدَ صَدِيقِهِ أَوْ جَارِهِ أَوْ قَرِيبِهِ أَوْ مَنْ شَاءَ فَيُبْقِيهَا عِنْدَهُ وَ يُبِيحُ لَهُ أَنْ يَصْنَعَ بِهَا مَا شَاءَ طِيِلَةِ فَتْرَةِ سَفَرِهِ, وَ يَأْذَنَ لَهُ التَّمَتُّعَ بِهَا لِكَيّ يَطْمَئِنَّ عَلَى زَوْجَتِهِ مِنَ الوُقُوعِ فِي الزِّنَا. وَ هُنَاكَ حَالَةٌ أُخْرَى يَعِيُروَن فِيهَا الفُرُوجَ, وَ هِيَ إِذَا حَلّ الرَّجُلُ ضَيْفًا فَإِنَّ مِنْ دَوَاعِ إِكْرَامِ هَذَا الضَّيْفِ أَنْ يُقَدِّمَ زَوْجَتِهِ لِلْضَيْفِ، وَ يَرْوُونَ فِي ذَلِكَ رِوَايَاتٍ مَكْذُوبَةٍ، يَنْسِبُونَهَا إلى الإمَامِ الصَّادِقِ, وَ إِلَى أَبِيهِ أَبِي جَعْفَر عَلَيْهِمُ السَّلِامُ.
رَوَى الطُّوسِيّ فِي [الاسْتِبْصَارِ] عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي جَعْفَر عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: قُلْتُ لَهُ: الرَّجُلُ يُحِلُّ لِأَخِيهِ فَرْجَ جَارِيَتِهِ؟ قَالَ: نَعَم، لا بَأْسَ لَهُ مَا أَحَلَّ لَهُ مِنْهَا.
وَ رَوَى الكُلَيْنِيّ فِي [فُرُوعِ الكَافِي] عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ قَالَ: يَا مُحَمَّدَ, خُذْ هَذِهِ الجَارِيَةَ تَخْدُمُك، وَ تُصُيبُ مِنْهَا, فَإِذَا خَرَجْتَ فَارْدُدْهَا إِلَيْنَا.(201/119)
وَ هَذَا الأَمْرُ أَفْتَى بِهِ عُلَمَاءُ الرَّافِضَةِ فِي إيران وَ العِرَاقِ, وَ هُوَ مُنْتَشِرٌ بِنَاءً عَلَى فَتَاوٍ كَثِيرَةٍ مِنْ سَادَاتِ وَ مَرْجِعِيَّاتِ الرَّافِضَةِ, يَقُولُ السَّيِّدُ حُسَين المُوسَوِيّ: (زُرْنَا الحُوزَةَ القَائِمِيَّةَ فِي إِيرَان، فَوَجَدَنَا السَّادَةَ هُنَاكَ يُبِيحُونَ إِعَارَةَ الفُرُوجِ.
وَ مِمَّنْ أَفْتَى بِإِبَاحَةِ ذَلِكَ السَّيِّدُ لُطْفُ الله الصَّنَافِيّ وَ غَيْرُهُ، وَ لِذَا فَإِنَّ مَوْضُوعَ إِعَارَةِ الفَرْجِ مُنْتَشِرٌ فِي عُمُومِ إيرَان، وَ اسْتَمَرَّ العَمَلُ بِهِ حَتَّى بَعْدَ الإِطَاحَةِ بِالشَّاهِ مُحَمَّدٍ الرِّضَا بَهْلَوِىّ وَ مَجِيء آيَةِ اللهِ العُظْمَى الإِمَامِ الخُمَيْنِيّ الموُسَوِيّ، وَ بَعْدَ رَحِيلِ الإمَامِ الخُمَيْنِيّ اِسْتَمَرَّ العَمَلُ عَلَيْهِ")، وَ قَالَ: (وَ مِمَّا يُؤْسَفُ لَهُ أَنَّ السَّادَةَ هُنَا - يُعنِي العِراق- أفْتَوْا بِجَوَازِ إِعَارَةِ الفَرْجِ، وَ هُنَاكَ كَثِيرٌ مِنَ العَوَائِلِ في جَنُوبِ العِرَاقِ وَ فِي بَغْدَادَ، وَ فِي مَنْطِقَةِ الثَّوْرَةِ مَمَّنْ يُمَارِسُ هَذَا الفِعْلَ بِنَاءً على فَتَاوَى كَثَيِرٍ مِنَ السَّادَةِ مِنْهُم : السِّيسْتَانِيّ، وَ الصَّدْرِ، وَ الشَّيرَازِي، وَ الطَّبْطَبَائِيّ وَ غَيْرهُم، وَ كَثِيرٌ مِنْهُم إِذَا حَلَّ ضَيْفاً عِنْدَ أَحَدٍ مِنْهُم اِسْتَعَارَ مِنْهُ اِمْرَأَتَهُ إِذَا رَآهَا جَمِيلَةً، وَ تَبْقَى مُسْتَعَارةً عِنْدَهُ حَتّى مُغَادَرَتِهِ). ا.هـ.
ثالثاً: إِتْيَانُ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنّ
وَ الَّذِي لَا يُخْفَى عَلَى عَاقِلٍ مَدَى الأَََضْرَارِ الجَسِيمَةِ التّي تَلْحَقُ بِالمُجْتَمَعِ عَامَّةً جَرَّاءَ الوُطْءِ فِي الدُّبُرِ عَدَى اِنْتِكَاسَة الفِطْرَةِ وَ العِيَاذُ بِالله.(201/120)
وَ هُنَاكَ الأَحَادِيثُ الصًحَيِحةَ ُوَ الصَّرِيحَةُ فِي لَعْنِ فَاعِلِهَا وَ تَحْرِيمِ إِتْيَانِ النَّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ, وَ اللهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي المَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ} [البقرة:222]، فَهَذِهِ الآيَةُ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ يَحِلُّ إِتْيَانَ المَرْأَة فِي دُبُرِهَا؛ إَذْ لَوْ كَانَ جَائِزًا لمَاَ كَانَ لِأَمْرِ اللهِ تَعَالَى فِي اِعْتَزَالِ النِّسَاءِ فِي المَحِيضِ مَعْنًى, فَلَيْسَ الحَيْضُ فِي الدُبُرِ وَ إِنَّمَا فِي القُبُلِ, وَ الأَمْرُ بِاعْتِزَالِهَا يَدُلُّ عَلَى أمْرِ اعْتِزَالِ وُطْئِهَا فِي القُبُلِ, وَ الرَّافِضِةُ -رَفَضَهُمُ اللهُ- يَحِلُّونَ ذَلِكَ, وَ يَأْتُونَ بِرِوَايَاتٍ يَزْعُمُونَ زُورًا وَ كَذِبًًا نِسْبَتِهَا إِلَى أَئِمَّةِ آلِ البَيْتِ كَمَا يَتَأَوَّلُونَ آياتِ القُرْآن بِالبَاطِلِ من بَعَدْ ِمَا جَاءَتْهُمُ البَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُم.(201/121)
وَ ِمَّما جَاءَ عِنْدَهُم فِي ذَلِكَ مَا ذُكِرَ فِي [الاسْتِبْصَارِ], مَا رَوَاهُ الطُّوسِيّ عَنْ عبدَ الله ِبن أَبِي اليَعْفُور: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ عَلِيْهِ السَّلَام عَنْ الرَّجُلِ يَأْتِي المَرْأَةَ مِنْ دُبُرِهَا قَالَ : لَا بَأْسَ إِذَا رَضِيَتْ، قُلْتُ : فَأِيْنَ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ} [البقرة:222]، فَقَالَ : هَذَا فِي طَلَبِ الوَلَدَ، فَاطْلُبُوا الوَلَدَ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ ، إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة:223]. وَ رَوَى الطُّوسِيّ أَيْضًا عَنْ مُوسَى بن عَبْدِ المَلِكِ عَنْ رَجُلٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الحَسَنِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلِام عَنْ إِتْيَانِ الرَّجُل المَرْأَةَ مِنْ خَلْفِهَا فِي دُبُرِهَا فَقَالَ: أَحَلَّتْهَا آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى، قَوْلِ لُوطٍ عَلَيْهِ السَّلَام: {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} [هود:78]، فَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُم لَا يُرِيدُونَ الفَرْجَ. ا.هـ. وَ العِيَاذُ باللهِ.(201/122)
فَانْظُرْ كَيْفَ يَتَأَوَّلُونَ كَلَامَ اللهِ بِالبَاطِلِ لِيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللهُ, فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يَحِلُّ الخَبَائِثَ وإتيانُ الدُّبُرِ مِنَ الخَبَائِثِ التّي حَرَّمَهَا اللهُ بِالجُمْلَةِ, وَ قَدْ أَوْرَدَ السَّيِّدُ حُسَيْن المُوسَوِيّ رَدًّا شَافِيًا عَلَى تَأَوَّلِهِم هَذَا بِقَوْلِهِ: (إِنَّ تَفْسِيرَ الآيَةِ قَوْل اللهِ تَعَالَى: {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} [هود:78]، قَدْ وَرَدَ فِي آيَةٍ أُخْرَى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ العَالَمِينَ(28) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ (29) }. [العنكبوت]، وَ قَطْعُ السَّبِيلَ لَا يُعْنِي مَا يَفْعَلُهُ قُطَّاعِ الطُّرُقِ وَحْدَهُم ، لَا.. وَ إِنَّمَا مَعْنَاهُ أَيْضًًا قَطْعُ النَّسْلِ بِالإِتْيَانِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ طَلَبِ الوَلَدِ أَيّ فِي الأَدْبَارِ، فَلَو اِسْتَمَرَّ النَّاسُ فِي إِتْيَانِ الأَدْبَارِ -أَدْبَارِ الرِّجَالِ وَ النِّسَاءِ- وَ تَرَكُوا أَيْضًا طَلَبَ الوَلَدِ لَانْقَرَضَتْ البَشَرِيَّةُ وَ انقَطَعَ النَّسْلُ، فَالآيةُ الكَرِيمَةُ تُعْطِي هَذَا المَعْنَى أَيْضًاً وَ بِخَاصَّة إِذَا لَاحَظْنَا سِيَاقَ الآيَةِ مِمَّا قَبْلَهَا. وَ لا مِرْيَةَ أَنَّ هَذَا لَا يَخْفَى عَلَى الإِمَامِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلَام, فَثَبَتَ بِذَلِكَ كَذِبُ نِسْبَةِ تِلْكَ الرِّوَايَة إلَيْهِ.) ا.هـ(201/123)
وَ لَقَدْ تَفَكَّرْتُ فِي حَالِ هَؤُلَاءِ طَوِيلاً, وَ مَا الَّذِي أَوْصَلَهُم إلى هَذَا الحَدِّ المُرِيعِ مِنَ الفَسَادِ, إِذْ هُمْ فِي الظَّاهِرِ يَدَّعُونَ الإسْلَامِ, وَ بِالتَِّالي يَدَّعُونَ العِفَّةَ، وَ الطَّهَارَةِ. وَ هُمْ مِنْ قَبَائِلَ عَاشَتْ بَيْنِ أَهْلِ الإِسْلَامِ, وَ تَزَيَّتْ بِزِيِّ الاحْتِشَامِ, فَقَدْ وَصَل بِهِمْ الفَسَادُ إِلَى حَدِّ لَمْ تَصِلْ إِلَيْهِ أُمَّةٌ مِنْ الأُمَمِ، فَلَوْ نَظَرْنَا إِلَى أَكْثَرِ المَنَاطِقِ إِبَاحِيَّةٍ فِي أُورُوبَّا وَ أَمرِيكَا وَ غَيْرِهَا, وَجَدْنَا هَؤُلَاء الرَّوَافِضَ قَدْ سَبَقُوهُم سَبْقًا بَعِيدا، بَلْ وَ نَجِدُ أَنَّ كَثِيرا مِنَ القَوَانِينَ التِّي تَحْكُمُ هَؤُلَاء تَسْتَقْذِرُ وَ تَسْتَنْكِرُ كَثِيرًا مِنْ هَذِهِ الأَفْعَالِ المُخْزِيَةِ وَ المُخْجِلَةِ وَ إِنْ فَعَلَتْهَا شُعُوبُهُم!.
فَمَثلاً؛ نِكَاحُ المَحَارِمِ مَمْنُوعٌ فِي تِلْكَ القَوَانِينَ, وَ كَذَلِكَ الخِيَانَةُ الزَّوْجِيَّةُ فَضْلًا عَنِ الشُّذُوذِ الجِنْسِيّ وَ غَيْرِهِ, وَ إِنْ مَارَسُوهُ، فَإِنَّهُم يُمَارِسُونَهُ شَهْوَةً لَا دِيناً.
أَمَّا هَؤُلاءِ الرَّاوَفِض المَلاعِين فَكُلُّ شَيءٍ مُبَاحٌ بِاسمِ الدِّينِ؛ فَتَجِدُ في البَيتِ الوَاحِدِ في كَثِيرٍ مِنَ الأَحيَانِ عَدَدَاً مِنَ الأَبنَاءِ, وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنهُم مِن أَبٍ مُختَلِفٍ نَتِيجَةَ المُتعَةِ التي أَبَاحُوهَا بِاسمِ الدِّينِ.
وَلِذَلِكَ تَلحَظُ أَنَّ قَطِيعَةَ الرَّحِمِ ظَاهِرَةٌ في هَذِهِ الطَّائِفَةِ. بَل إِنَّهُم مِن أَغلَظِ النَّاسِ قُلُوبًا فِيمَا بَينَهُم!.
كَيفَ لا! وَقَد اختَلَطَت مِيَاهُ الأَنسَابِ بَينَهُم.. فَمَا كَانَ وَمَا سَيَكُونُ في أُمَّةٍ مِنَ الأُمَمِ السَّابِقَةِ وَاللاحِقَةِ مِنَ الفَسَادِ الأَخلاقِي؛ فَفِي الرَّافِضَةِ أَضعَافُ أَضعَافِهِ!(201/124)
بَل إِنَّ البَهَائِمَ العَجمَاوَاتِ تَستَقبِحُ وَتَرفُضُ فِطرَتها أَن تَفعَلَ مِثلَ مَا يَفعَلُ هَؤُلاءِ.
وَ قَد حَدَّثَنِي أَحَدُ إِخوَاني الثِّقَاتِ بِحَادِثَةٍ رَآهَا بِأُمِّ عَينَيْهِ فَيَقُولُ: "رَأَيتُ في مُقتَبَلِ حَيَاتِي حَادِثَةً لم أَرَ مِثلَهَا قَطّ في غِيرَةِ ثَورٍ قَتَلَ نَفسَهُ بَعدَ أَن عُصِبَت عَينَاهُ لِيَطَأَ أُمَّهُ, فَجَاءَت بِهِ جَدَّتي تَجُرُّهُ إِلى وَالِدَتِهِ , وَهُوَ لا يَعلَمُ أَنَّهَا أُمَّهُ , لأَنَّهُ مَعصُوبُ العَينَينِ.
وَ بَعدَ عَمَلِيَّةِ التَّلقِيحِ كَشَفَت عَينَهِ, وَأَيقَنَ بِأَنَّهُ أَتَى أُمَّهُ... فَمَا كَانَ مِن ذَلِكَ الثَّورِ إِلا أَن قَامَ هَائِجاً وَثَائِراً يُنَاطِحُ الجِدَارَ بِرَأسِهِ حَتَّى سَالَت مِنهُ الدِّمَاءُ الغَزِيرَةُ وَهُوَ يَتَحَرَّكُ بِجُنُونٍ وَهَيَجَانٍ, ثم اتَّجَهَ إِلى نَهرِ دِجلَةَ وَالدَّمُ يَقطُرُ مِن جَسَدِهِ, وَأَلقَى بِنَفسِهِ في النَّهرِ حَتَّى غَرِقَ وَمَاتَ مِن جَرَّاءِ ذَلِكَ..!.
لأَنَّّ الغِيرَةَ أَخَذَتهُ عَلَى أُمِّهِ, وَهُوَ دَابَّةٌ قَد استُبِيحَ لها ذَلِكَ فِطرَةً وَجِبلِّةً , فَقُلتُ في نَفسِي آنَ ذَاكَ : البَهَائِمُ تَأنَفُ الزِّنَا بِالمَحَارِمِ , وَتَغَارُ عَلى حَرِيمِهَا ؛ فَكَيفَ بِالبَشَرِ لا يَعقِلُ ذَلِكَ ؟ ".
وَ قَد أَخرَجَ البُخَارِيُّ عَن مَيمُونٍ بنُ مَهرَانٍ أَنَّهُ رَأَى في الجَاهِلِيَّةِ قِردَةً زَنَت فَاجتَمَعَ عَليهَا القِرَدَةُ فَرَجَمُوهَا .
وَرَوَى مُسلِمٌ مِثلَهُ عَن أَبي رَجَاءٍ العَطَارِدِيّ..
فَنَعُوذُ بِاللهِ مِن أُمَّةِ البَهِائِمِ العَجمَاوَاتِ التي لا تَعقِلُ, فِطرَتُهَا أَصفَى وَأَنقَى مِنهَا .(201/125)
وَ عَلِمَ اللهُ أَنَّنِي تَفَكَّرتُ في حَالِ هَؤُلاءِ طَوِيلاً, وَمَا الذِي أَوصَلَهُم إِلى هَذَا الحَدِّ كَمَا أَسلَفتُ؛ فَتَبَيَّنَ لي أَنَّ الذِي أَوصَلَ هَؤُلاءِ إِلى هَذَا المُستَنقَعِ الآسِنِ هُوَ أَنَّ الجَزَاءَ مِن جِنسِ العَمَلِ, وَمِثلَمَا تُدِينُ تُدَانُ, فَعِندَمَا تَجَرَّأَ هَؤُلاءِ عَلى الطَّعنِ في خَيرِ بَيتٍ وُجِدَ عَلى وَجهِ الأَرضِ, أَلا وَهُوَ بَيتُ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ , إِذ تَجَرَّؤُوا عَلَى ذَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ إِذ قَالُوا كَمَا نَقَلَ السَّيدُ "حُسينٌ المُوسَوِيّ" عَن "عَلِيٍّ الغُرَوِيّ", أَحَدُ أَكبَرِ العُلَمَاءِ في الحَوزَةِ: "إنِّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَ آلِه، لابُدَّ أَن يَدخُلَ فَرجُهُ النَّارَ لأَنَّهُ وَطِئَ بَعضَ المُشرِكَاتِ" ! يُرِيدُ بِذَلِكَ زَوَاجَهُ مِن عَائِشَةَ وَحَفصَةَ.
وَ هَذَا كَمَا هُوَ مَعلُومٌ بِهِ إِسَاءَةٌ إِلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ, وَسُوءَ ظَنٍّ بِهِ وَبِاللهِ سُبحَانَهُ الذِي أَرسَلَهُ, وَكُلُّ ذَلِكَ كُفرٌ وَضَلالٌ لم يَتَجَرَّأ عَلَى قَولِهِ كَافِرٌ سِوَاهُم.
كَمَا اتَّهَمُوا أُمَّهَاتِ المُؤمِنِينَ, وَعَلَى رَأسِهِنَّ أُمُّنَا المُبَرَّأَةُ المُطَهَّرَةُ الصَّافِيَةُ النَّقِيَّةُ الصِّدِّيقَةُ بِنتُ الصِّدِّيقِ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنهَا, وَلم يُرَاعُوا حُرمَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ في عَرضِهِ وَبَيتِهِ.
فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ مَزَّقَ اللهُ أَعرَاضَهُم شَرَّ تَمزِيقٍ, فَلَيسَ هُنَاكَ أُمَّةٌ مِنَ الأُمَمِ ابتُلِيَت بِعِرضِهَا كَمَا هُم الرَّوَافِض , وَلِذَلِكَ تَرَى أَنَّ عِرْضَ الرَّافِضِيّ لا يُسَاوِي عِندَهُ شَيئًا, وَإِن أَظهَرَ خِلافَ ذَلِكَ.(201/126)
وَ لا يَفُوتُنَا أَن نُثبِتَ هُنَا أَنَّ مَن يَذُبُّ وَيُدَافِعُ عَن صَحَابَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ, وَنَخُصُّ مِنهُم أُمَّهَاتُ المُؤمِنِينَ فَسَيَذُبُّ اللهُ عَنهُ وَعَن عِرضِهِ, وَيَحفَظَهُ لَهُ بِإِذنِ اللهِ؛ لِدِفَاعِهِ هَذَا.
فَكَمَا هُوَ مَعرُوفٌ شَرعًا؛ الجَزَاءُ مِن جِنسِ العَمَلِ.
وَ لا نَنسَى هُنَا أَن نَذكُرَ كَلامَ الإِمَامِ الشَّوكَانِيِّ حَولَ مُشَاهَدَاتِهِ الشَّخصِيَّةِ وَتَجَارِبِهِ مِن خِلالِ مُعَايَشَتِهِ لِرَافِضَةِ اليَمَنِ, فَكَشَفَ لَنَا أُمُورَاً عَجِيبَةً وَخَطِيرَةً في كِتَابِهِ [طَلَبُ العَلمِِ وَطَبَقَاتُ المُتَعَلِّمِينَ], نَقلاً عَن د. "القَفَارِي" مِن كِتَابِهِ "أُصُولُ مَذهَبِ الشِّيعَةِ الإِمَامِيَّةِ", فَقَالَ: "لا أَمَانَةَ لِرَافِضِيٍّ قَطّ عَلى مَن يُخَالِفُهُ في مَذهَبِهِ وَيَدِينُ بِغَيرِ الرَّفضِ، بَل يَستَحِلُّ مَالَهُ وَدَمَهُ عِندَ أَدنَى فُرصَةٍ تَلُوحُ لَهُ، لأنَّهُ عِندَهُ مُبَاحُ الدَّمِ وَالمَالِ، وَكُلُّ مَا يُظهِرُهُ مِنَ المَوَدَّةِ فَهُوَ تُقيَةٌ يَذهَبُ أَثَرُهُ بِمُجَرَّدِ إِمكَانِ الفُرصَةِ"(201/127)
وَ يَقُولُ: "وَقَد جَرَّبنَا هَذَا تَجرِيباً كَثِيراً فَلَم نَجِد رَافِضِيَّاً يُخلِصُ المَوَدَّةَ لِغَيرِ رَافِضِيٍّ، وَإِنْ آثَرَهُ بِجَمِيعِ مَا يِملِكُهُ، وَتَوَدَّدَ إِليهِ بِكُلِّ ممكن، وَلم نَجِد فِي مَذهَبٍ مِنَ المَذَاهِبِ المُبتَدَعَةِ وَلا غَيرِهَا مَا نَجِدُهُ عِندَ هَؤُلاءِ مِنَ العَدَاوَةِ لِمَن خَالَفَهُم، ثُمَّ لا نَجِدُ عِندَ أَحَدٍ مَا نَجِدُ عِندَهُم مِنَ التَّجَرُّئِ عَلى شَتمِ الأَعرَاضِ المُحتَرَمَةِ، فَإِنَّهُ يَلعَنُ أَقبَحَ اللَّعنِ، وَيَسَبُّ أَفظَعَ السَّبِّ, كُلَّ مَن تَجرِي بَينَهُ وَبَينَهُ أَدنَى خُصُومَةٍ وَأَحقَرَ جِدَالٍ، وَأَقَلَّ اختِلافٍ، وَلَعَلَّ سَبَبَ هَذَا وَاللهُ أَعلَمُ أَنَّهُم لما تَجَرَّؤُا عَلََى سَبِّ السَّلَفِ الصَّالحِ هَانَ عَليهِم سَبُّ مَن عَدَاهُم، وَلا جَرَمَ، فَكُلُّ شَدِيدِ ذَنبٍ يُهَوِّنُ مَا دُونَهُ".
وَ قَد أَشَارَ الشَّوكَانِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ - إِلى أَنَّهُم لا يَتَوَرَّعُونَ مِن اقتِرَافِ أَيِّ جَرِيمَةٍ في المُجتَمَعِ الإِسلامِيِّ، وَلا يَتَنَزَّهُونَ عَن فِعلِ أَيِّ مُحَرَّمٍ، فَقَالَ: "وَقَد جَرَّبنَا وَجَرَّبَ مَن قَبلَنَا فَلَم يَجِدُوا رَجُلاً رَافِضِيَّاً يَتَنَزَّهُ عَن مُحَرَّمَاتِ الدِّينِ كَائِنَاً مَن كَانَ وَلا تَغتَرَّ بِالظَّوَاهِرِ؛ فَإِنَّ الرَّجُلَ قَد يَترُكُ المَعصِيَةَ في المَلأ وَيَكُونُ أَعَفَّ النَّاسِ عَنهَا في الظَّاهِرِ، وَهُوَ إِذَا أَمكَنَتهُ فُرصَةٌ انتَهَزَهَا انتِهَازَ مَن لا يَخَافُ نَارَاً وَلا يَرجُو جَنَّةً" أ.هـ.
فَلا تَكَادُ تَجِدُ بَيتَاً رَافِضِيًّا إِلا وَقَد عَاقَبَ اللهُ أَهلَهُ في أَعرَاضِهِم, وَ الجَزَاءُ مِن جِنسِ العَمَلِ.
(المعلّق) أخِي المُستمعَ الكريم:
انْتَهَت مادّةُ هذا الشريط، شاكرينَ لكم حسن استماعكِم...
<المعلّق>(201/128)
الهيئة الإعلامية لمجلس شورى المجاهدين في العراق تقدم: محاضرةً للشيخ المجاهد أبي مصعب الزرقاوي عضو مجلس شورى المجاهدين في العراق و أمير تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، و المحاضرة بعنوان "هل أتاك حديث الرافضة"، و للعلم فإن مادة هذه المحاضرة في ثلاثة أشرطة ..
فإليكم الشريط الثاني..
بِسمِ اللهِ, وَالحمدُ للهِ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلى سَيِّدِ الأَنبِيَاءِ وَالمُرسَلِينَ, مُحَمَّدٌ وَعَلى آلِهِ وَصَحبِهِ الأَحرَارِ, وَمَن تَبِعَهُم وَسَارَ عَلَى نَهجِهِم مِنَ المُسلِمِينَ الأَبرَارِ... وَبَعد:
فَلا بُدَّ بَعدَ هَذَا الاستِعرَاضَ التَّارِيخِيَّ لِجُملَةٍ مِن فَضَائِحِ وَخِيَانَاتِ الرَّافِضَةِ؛ أَن نُنَوِّهَ لأَمرٍ مُهِمٍّ جِدًّا, أَلا وَهُوَ أَنَّنَا حِينَ نَذكُرُ طَرَفًا مِن خِيَانَاتِ وَجَرَائِمِ الرَّافِضَةِ وَنُذَكِّرُ بِأَصلِ عَقِيدَتِهِم الفَاسِدَةِ, وَأَنَّ المُؤَسِّسَ لهَذَا الدِّينَ هُوَ اليَهُودِيُّ الحَاقِدُ ابنَ سَبَأ, وَحِينَ نَربِطُ فُرُوعَهُم الحَالِيةَ بِأُصُولهِم المَاضِيَةَ, وَحِينَ نَقُومُ إِزَاءَ هَذِهِ الجَرَائِمِ بَمَا نَقُومُ بِهِ مِن تَحكِيمٍ لِدِينِ اللهِ تَعَالى فِيهِم قَتلاً وَتَنكِيلاً؛ فَإِنَّنَا وَالحَالَةُ هَذِهِ, لَسنَا وَاللهِ بِدَعاً مِنَ المُجَاهِدِينَ, وَإِنَّمَا نَحنُ نُطَبِّقُ عَليهِم حُكمَ اللهِ كَمَا طَبَّقَهُ فِيهِم خِيرَةُ أَسلافِنَا.
فَهَاهُو أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَليٌّ رَضِيَ اللهُ عنهُ لم يُجَامِل, وَلم يُهَادِن في دِينِ اللهِ, وَلم يَبحَث عَن أَنصَافِ الحُلُولِ إِزَاءَ مَن ادَّعُوا مَحَبَّتَهُ وَمُشَايَعَتَهُ, بَل إِنَّهُ حَرَّق الغَالِيَةَ مِنهُم الذِينَ يَدَّعُونَ فِيهِ الأُلُوهِيَّةَ, أَو جُزءَاً مِنهَا .(201/129)
وَ هَا هُوَ يَحكُمُ بِجَلدِ مَن يَسُبُّ صَاحِبَي الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ؛ أَبِي بَكرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا.
وَ هَا هُوَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ يَنبُذُهُم كَمَا نَبَذُوا عُهُودَهُم, يَتَبَرَّأُ مِنهُم وَيَتَنَازَلُ عَن الخِلافَةِ لِمُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ, فَيُبَايِعَهُ حَقنًا لِدِمَاءِ المُسلِمِينَ, وَمُخُالَفَةً لأَهوَائِهِم وَشَهَوَاتِهِم, حَيثُ طَالَبُوهُ بِمُقَاتَلَتِهِ.
وَ هَذَا الحُسَينُ يَدعُو عَليهِم وَمِن مَصَادِرِهِم بَعدَ أَن خَذَلُوهُ وَتَخَلوا عَنهُ قَبلَ مَقتَلِهِ فَيَقُولُ: "اللهُمَّ إِن مَتَّعتَهُم إِلى حِينٍ فَفَرِّقهُم فِرَقًا, وَاجعَلهُم طَرَائِقَ قِدَدَاً, وَلا تُرضِ الوُلاةَ عَنهُم أَبَدًا؛ فَإِنَّهُم دَعُونَا لِيَنصُرُونَا ثُمَّ عَدُوا عَلَينَا فَقَتَلُونَا".
وَ هَذَا الخَلِيفَةُ المَهدِيِّ العَبَّاسِيِّ, عُرِفَ بِشِدَّتِهِ عَلى مُبتَدِعِيهِم وَزَنَادِقَتِهِم, حَيثُ انتَشَرَت في العَهدِ العَبَّاسِيِّ بِدَعُهُم وَرَاجَت سُوقُهُم , حَتَّى إِنَّهُ كَلَّفَ الجَدَلِيِّينَ مِنَ المُتَكَلِّمِينَ بِتَألِيفِ الكُتُبِ في الرَّدِّ عَليهِم وَدَحضِ شُبَهِهِم, وَلم يَكتفِ بِذَلكَ؛ بَل أَنشَأَ هَيئَةً مُتَخَصِّصَةً في مُلاحَقَةِ الزَّنَادِقَةِ, وَجَعَلَ لها رَئِيسَاً أَطلَقَ عَليهِ اسمَ "صَاحَبُ الزَّنَادِقَةِ" يُلاحِقُهُم وَيَقتُلُ كَلَّ مَن دَاهَنَ عَن الدِّينِ أَو أَلحَدَ فِيهِ.
و َفَوقَ ذَلِكَ, كَلَّفَ ابنَهُ "الهَادِي" بِتَتَبُّعِ الزَّنَادِقَةِ وَالبَطش بهم.(201/130)
قَالَ "المَسعُودِيُّ" في "المَهدِيِّ": " إِنَّهُ أَمعَنَ في قَتلِ المُلحِدِينَ وَالمُدَاهِنِينَ عَن الدِّينِ لِظُهُورِهِم في أَيَّامِهِ وَإِعلانهِم عَن مُعتَقَدَاتِهِم في خِلافَتِهِ, لمَّا انتَشَرَ مِن كُتُبِ "ماني" و"ابن ذي صانا" و"مرقيون" ممَّا نَقَلَهُ عَبدُ اللهِ بنُ المُقَفَّعِ وَغَيرُهُ وَتَرجَمَهُ مِن الفَارِسِيَّةِ وَالفَهلَوِيَّةِ إِلى العَرَبِيَّةِ.
وَ مَا صَنَّفَ في ذَلِكَ "ابنُ أَبي العَوْجَاءِ" و"حَمَّادٌ" و"يحيَى بنُ زِيَادٍ" و"مُطِيعٌ بنُ إِيَاسٍ" مِن تَأيِيدِ المَذَاهِبِ "المَانَوِيَّةِ" و"َالدَّيصَانِيَّةِ" و"المَرقُونِيَّةِ", فَكَثُرَ بِذَلِكَ الزَّنَادِقَةُ, وَظَهَرَت آرَاؤُهُم في النَّاسِ, وَكَانَ المَهدِيُّ أَوَّلَ مَن أَمَرَ الجَدَلِيِّينَ مِن أَهلِ البَحثِ مِنَ المُتَكَلِّمِينَ بِتَصنِيفِ الكُتُبِ في الرَّدِّ عَلى المُلحِدِينَ ممَّن ذَكَرنَا مِنَ الجَاحِدِينَ وَغَيرِهِم, وَأَقَامُوا البَرَاهِينَ عَلَى المُعَانِدِينَ, وَأَزَالُوا شُبَهَ المُلحِدِينَ فَأَوضَحُوا الحَقَّ لِلشَّاكِينَ" ا.هـ.(201/131)
وَ أَمَّا السَّلاجِقَةُ الأَترَاكُ مِن أَهلِ السُّنَّةِ فَقَد كَانَ لهُم كَذَلِكَ مَوَاقِفُ حَاسِمَةٌ مِنَ الرَّافِضَةِ البَّاطِنِيَّةِ وَقِتَالهِم... وَمِن ذَلِكَ مَا كَانَ مِن السُّلطَانِ "مَلِك شَاه" مِن إِرسَالِ أَحَدِ عُلَمَائِهِ لِمُنَاظَرَةِ "الحَسَنِ بِن صَالح الصَّبَاح" المُؤَسِّسُ الحَقِيقِيُّ لِلمَزَارِيَّةِ الإِسمَاعِيلِيةِ, وَرَئِيسِهَا الفِعلِيِّ, بَعدَ استِيلائِهِ عَلى قَلعَةِ "آلموت" عَامَ 483 هـ, وَبَعدَ أَن نَشَرَ جَيشَهُ مِنَ الفِدَائِيَّةِ الذِينَ كَانُوا يَعِيثُونَ في الأَرضِ فَسَادًا؛ يَغتَالُونَ الآمِنِينَ, وَينهَبُونَ أَموَالهُم؛ فَأَرسَلَ إِليهِ أَولاً مَن يُنَاظِرُهُ فِكرِيًّا لِرَدِّهِ إِلى جَادَّةِ الصَّوَابِ لَو كَانَ مُرِيدَ حَقٍّ وَصَاحِبَ شُبهَةٍ.
وَ لمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ صَاحِبُ هوَىً وَشَهوَةٍ وَرَأَى امتِنَاعَهُ؛ قَرَّرَ السُّلطَانُ "مَلِك شَاه" رَدعَهُ بِالقِتَالِ؛ فَأَرسَلَ لَهُ جَيشَاً عَامَ 485 هـ فَحَاصَرَ قَلعَتَهُ "أَلمُوت", فَاستَنجَدَ "الصَّبَاحُ" في قَزوِينَ "بِدَهدَار أَبي عَلِيّ" الذِي بِدَورِهِ هَبَّ لِنَجدَتِهِ مِمَّا أَلحقَ الهَزِيمَةَ بِجَيشِ "مَلِكِ شَاه", وَمَعَ ذَلِكَ لم يَتَوَقَّف "مَلِكُ شَاه" مِن مُوَاصَلَةِ جِهَادِهِ ضِدَّ هَذَا البَاطِنِيِّ؛ بَل رَاحَ يُجَهِّزُ حَمَلاتٍ أُخرَى لِلقَضَاءِ عَلَى البَاطِنِيَّةِ, إِلا أَنَّ المَوتَ حَالَ دُونَهُ وَدُونَ إكمَالِ هَذِهِ الحَربِ.(201/132)
وَ بَعدَ مَوتِ "مَلِك شَاه"؛ تَوَلى ابنَهُ السُّلطَانُ "بَارِتيَار" السُّلطَةَ, فَكَانَ مِن أَهَمِّ أَعمَالِهِ أَن طَهَّرَ جَيشَهُ مِن هَؤُلاءِ الذِينَ كَانُوا يَندَسُّونَ بَينَ صُفُوفِ الجُنُودِ وَهُم يَحمِلُونَ الفِكرَ وَالحِقدَ البَاطِنِيَّ؛ فَقَتَلَ كُلَّ مَن ثَبَتَ عَليهِ تُهمَةُ الانتِسَابِ لِلبَاطِنِيَّةِ, أَو حَتَّى مَن حَامَت حَولَهُ الشُّبَهُ, ثُمَّ هَاجَمَ البَاطِنِيَّةَ في كُلِّ مَكَانٍ فَأُخِذُوا مِن خِيَامِهِم وَمَنَازِلهِم, وَقُتِلُوا في مَيدَانٍ عَامٍّ, وَلم يُفلِت مِنهُم إِلا مَن لم يُعرَف, وَبَلَغَ عَدَدُ القَتلَى مِنهُم ثَلاثُمَائَةِ وَنَيِّفاً.
وَ لم يَكتَفِ بِذَلِكَ؛ بَل إِنَّهُ أَذِنَ لِلنَّاسِ أَن يَقتُلُوهُم أَينَمَا ثَقِفُوهُم؛ فَأَخَذَ النَّاسُ يَتَتَبَّعُونَ البَاطِنِيَّةَ وَيَقتُلُونَهُم, حَتَّى أَنَّ أَحَدَ فُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ, وَاسمُهُ "أَبي القَاسِمِ مَسعُودٌ بنُ مُحَمَّدٍ الخَجَندِيِّ" كَانَ يَحفِرُ الأَخَادِيدَ, وَيُوقِدُ فِيهَا النِّيرَانَ وَيحرِقُ البَاطِنِيَّةَ فِيهَا فُرَادَى وَجَمَاعَاتٍ, حَتَّى أَنَّهُ أَوعَزَ لِعُمَّالِهِ وَأُمَرَائِهِ في الأَقَالِيمِ التَّابِعَةِ لهُ بِتَتَبُّعِ البَاطِنِيَّةِ وَالفَتكِ بِهِم؛ فَفَتَكَ بهم الأَمِيرُ "جَاولي" مَا يُقَارِبُ الثَّلاثِمَائَةَ وَذَلكَ بِحِيلَةٍ دَبَّرَهَا مَعَ أَصحَابِهِ مِن دَاخِلِ صُفُوفِ البَاطِنِيَّةِ؛ حَتَّى استَطَاعَ أَن يَظفَرَ بهِم وَيَقتُلَهُم.
ثُمَّ إِنَّهُ أَرسَلَ إِلى الخَلِيفَةِ العَبَّاسِيِّ في بَغدَادَ يُشِيرُ عَليهِ بِأَن يَتَتَبَّعَ البَاطِنِيَّةَ في بِلادِهِ, فَأَمَرَ بِالقَبضِ عَلَى كُلِّ مَن يَظُنُّ فِيهِم ذَلِكَ.(201/133)
وَ في ذَلِكَ يَقُولُ ابنُ الجَوزِيِّ في [المُنتَظَمِ]: "وَلَم يَتَجَاسر أَحَدٌ أَن يَشفَعَ في أَحَدٍ لِئَلا يُظَنَّ مَيلُهُ إِلى ذَلِكَ المَذهَبِ".
وَتَعَاوَنَ مَعَ أَخِيهِ السُّلطَانُ "سَنجَر" في مُحَارَبَةِ البَاطِنِيَّةِ وَالقَضَاءِ عَليهِم.
وَ في عَامِ 521 هـ, أَغَارَ السُّلطَانُ "سَنجَر" عَلَى البَاطِنِيَّةِ في قَلعَةِ "آَلمُوت"؛ فَقَتَلَ مِنهُم مَا يُقَارِبُ الإِثنَيْ عَشَرَ أَلفَاً.
وَ في عَامِ 456 هـ , أَرسَلَ السُّلطَانُ "سَنجَر" أَحَدَ أُمَرَائِهِ, الأَمِيرُ "قَجَق" عَلَى رَأسِ جَيشٍ كَبِيرٍ إِلى قَلعَةِ "طُرَيثِيثَ" فَأَغَارَ عَليهَا وَأَحرَقَ مَسَاكِنَهَا وَسَبَى مَا وَقَعَ عَليهِ يَدَيهِ, وَفَعَلَ بهِم الأَفَاعِيلَ العَظِيمَةَ, ثُمَّ عَادَ سَالِمَاً.(201/134)
وَ أَمَّا في عَهدِ السُّلطَانِ "مُحَمَّدٌ السَّلجُوقِيَّ", وَالذِي عُرِفَ بِغِيرَتِهِ الدِّينِيَّةِ وَجِهَادِهِ في سَبِيلِ اللهِ, وَتَفَانِيهِ في نَشرِ المَذهَبِ السُّنِّيِّ, وَالقَضَاءِ عَلى دِينِ الرَّافِضَةِ وَ الفِكرِ البَاطِنِيِّ, فَقَد أَدرَكَ مُنذُ تَوَليهِ السُّلطَةَ أَنَّهُ لا يُمكِن أَن تَسلَمَ بِلادُ المُسلِمِينَ وَيَعلُوهَا دِينُ اللهِ إِلا بِالقَضَاءِ أَوَّلاً عَلَى البَاطِنِيَّةِ وَهَدمِ مَعَاقِلِهِم, وَأَنَّ مِن أَهَمِّ الأَعمَالِ التِي يَجِبُ عَليهِ القِيَامُ بهَا هُوَ القَضَاءُ عَليهِم, فَكَانَ مِن أَهَمِّ أَعمَالِهِ التي قَامَ بهَا؛ إِرسَالُهُ حَملَةً عَسكَرِيَّةً بِقِيَادَةِ الأَمِيرِ "آق سَنقر" لِمُحَاصَرَةِ قَلعَةِ "تَكرِيتَ" البَاطِنِيَّةَ, ثُمَّ قَامَ بِالقَبضِ عَلى وَزِيرِهِ "أَبي المَحَاسِنِ الآبِيِّ" لِتَوَاطُئِهِ مَعَ البَاطِنِيَّةِ, وَتَقدِيمِهِ العَونَ وَالدَّعمَ لهُم, الأَمرُ الذِي تَسَبَّبَ في تَأخِيرِ سُقُوطِ قَلعَةِ "أَصبَهَان"؛ فَعَاقَبَهُ وَأَربَعَةً مِن أَعوَانِهِ فَقَتَلَهُم ثُمَّ صَلَبَهُم عَلى بَابِ "أَصبَهَان", وَقَامَ بِمُحَاصَرَةِ قَلعَةِ "أَصبَهَانَ" بِنَفسِهِ؛ حَيثُ سَارَ إِليهَا عَلَى رَأسِ جَيشٍ كَبِيرٍ بَعدَ أَن كَثُرَ بِهَا أَذَى البَاطِنِيَّةِ, حَتَّى أَنَّ دَاعِيَهُم زَعِيمُ البَاطِنِيَّةِ "أَحمدٌ بنُ عَطَّاشٍ" الذِي كَانَ يُرسِلُ أَتبَاعَهُ مِنهَا لِقَطعِ الطَّرِيقِ عَلى النَّاسِ فَيَقتُلَ الأَبرِيَاءَ, وَيَنهَبَ الأَموَالَ مُستَحِلِّينَ تِلكَ النُّفُوسِ وَالأَموَالِ بِدِينِهِم, حَتَّى أَنَّهُم جَعَلُوا عَلى القُرَى المُجَاوِرَةِ لَهُ وَ أَملاكَ النَّاسِ الضَّرَائِبَ التِي تُجبَى مُقَابِلَ أَن يَكُفُّوا بَأسَهُم عَنهَا.(201/135)
فَحَاصَرَهُم السُّلطَانُ "مُحَمَّدٌ" في هَذِهِ القَلعَةِ لمُدَّةِ أَربَعَةِ أَشهُرٍ, وَأَثنَاءَ الحِصَارِ؛ لجِئُوا إِلى حِيلَةٍ خَبِيثَةٍ يَرومُونَ مِن خِلالهِا إِثَارَةَ البَلبَلَةِ وَالشُّبَهِ حَولَ مَوقِفِ السُّلطَانِ "مُحَمَّد" مِن قِتَالهِم... تمَامًا كَمَا هُوَ حَالُهُم اليَومَ مِنَ المُجَاهِدِينَ, وَتَمَامًا كَمَا هُوَ مَوقِفُ مَن يَدَّعُونَ العِلمَ مِن مَشَايِخِ الفَضَائِيَّاتِ؛ فَأَرسَلُوا لِفُقَهَاءِ المُسلِمِينَ يَستَفتُونهُم بِطَرِيقَةٍ مُلتَوِيَةٍ في قَومٍ يُؤمِنُونَ بِاللهِ وَكِتَابِهِ وَرَسُولِهِ وَاليَومِ الآخِرِ, وَلكِن يُخَالِفُونَ في الإِمَامِ؛ هَل يَجُوزُ لِلسُّلطَانِ مُهَادَنَتِهِم وَمُوَادَعَتِهِم, وَأَن يَقبَلَ طَاعَتَهُم, وَيَحرُسَهُم مِن كُلِّ أَذَى ؟
وَ كَادَت هَذِهِ الحِيلَةُ بِالفِعلِ أَن تُفَرِّقَ كَلِمَةَ المُسلِمِينَ, وَتُغَيِّرَ المَوقِفَ لِصَالحِ البَاطِنِيَّةِ حِينَ أَجَابَهُم أَكثَرُ الفُقَهَاءِ بِجَوَازِ ذَلِكَ .. لكِن البَعض تَوَقَّفَ .
وَ لكِنَّ السُّلطَانَ محَمَّدَاً بِحِكمَتِهِ وَفِقهِهِ وَحِنكَتِهِ؛ جَمَعَ الفُقَهَاءَ وَدَعَاهُم لِلمُنَاظَرَةِ؛ فَانتَصَرَ رَأيُ الفَقِيهِ الشَّافِعِيِّ "أَبي الحَسَن عَلِيّ بِن عَبدِ الرَّحمَنِ السَّمَنقَاني" الذِي أَفتَى بِوُجُوبِ قِتَالهِم وَسَفكِ دِمَائِهِم, وَأَنهُم لا يَنفَعُهُم التَّلَفُّظُ بِالشَّهَادَتَينِ لِرَأيِهِم في الإِمَامِ الذِي يَستَطِيعُ أَن يُحَرِّمَ عَليهِم مَا أَحَلَّ اللهُ, وَيُحِلُّ لَهُم مَا حَرَّمَ اللهُ, وَتَكُونُ طَاعَتَهُ لهُم في هَذِه الحَالَةِ حَسَبَ اعتِقَادِهِم فِيهِ وَاجِبَةً؛ فَتُبَاحُ دِمَاؤُهُم بهَذَا السَّبَبِ بِالإِجمَاعِ.(201/136)
وَ حَاوَلَ بَعدَ ذَلِكَ السُّلطَانُ "محمَّد" أَن يُسقِطَ قَلعَةَ "آلمُوت", وَيُقَاتِلَ "الحَسَنَ بنَ الصَّبَاحِ" الذِي كَانَ مُتَحَصِّنَاً فِيهَا أَكثَرَ مِن مَرَّةٍ, إِلا أَنَّ المَنِيَّةَ وَافَتهُ عَامَ 511 هـ أَثنَاءَ حِصَارِ جَيشِهِ بِقِيَادَةِ "أَنُشتَكِين" وَالتِي دَامَ مُدَّةَ حِصَارُهَا مَا يُقَارِبُ السِّتَ سَنَوَاتٍ؛ فَاضطرَّ القَائِدُ "أَنُشتَكِين", وَبَعدَ ضَغطِ جُندِهِ إِلى الانسِحَابِ.
وَ بَعدَ وَفَاةِ السُّلطَانِ "محمَّد"؛ تَسَلَّمَ السُّلطَةَ مِن بَعدِهِ ابنُهُ "مَحمُود", وَالذِي وَاصَلَ سِيَاسَةَ وَالِدِهِ, وَكَانَ يحمِلُ نَفسَ الهَمِّ وَالمَنهَجِ في مُلاحَقَةِ وَقِتَالِ الرَّافِضَةِ البَاطِنِيِّينَ وَالرَّغبَةِ في تَطهِيرِ البِلادِ مِن رِجسِهِم وَأَذَاهُم؛ فَحَاصَرَ قَلعَةَ "آلموت" حَتَّى سَقَطَت في يَدِهِ عَامَ 524 هـ , وَلَكِنَّهُم استَطَاعُوا أَن يَستَرجِعُوهَا بَعدَ وَفَاتِهِ عَام ِ525 هـ.
وَ كَانَ مِن حُكَّامِ الوِلايَاتِ آنَذَاكَ الأَمِيرُ "عَبَّاس" صَاحِبُ "الرَّي", وَكَانَ مِن غِلمَانِ السُّلطَانِ "محمُودٌ", وَكَانَ مِنَ المُجَاهِدِينَ المُخلِصِينَ؛ فَاستَطَاعَ أَن يَفتِكَ بِالبَاطِنِيَّةِ الذِينَ عِندَهُ؛ فَقَتَلَ مِنهُم خَلقًا كَثِيرًا حَتَّى أَنَّهُ بَنَى مَنَارَةً مِن رُؤُوسِهِم بِالرَّيِّ, كَمَا أَنَّهُ حَاصَرَ مُجَدَّدًا قَلعَةَ "آلموت", وَاستَطَاعَ أَن يَدخُلَ قَريَةً مِن قُرَاهُم, فَقَذَفَهَا بِالنَّارِ وَأَحرَقَ كَلَّ مَن فِيهَا مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالصِّبيَانِ.(201/137)
وَ كَانَ لِلدَّولَةِ "الغُورِيَّةِ" كَذَلِكَ مَوقِفٌ حَازِمٌ تِجَاهَ الرَّافِضَةِ البَاطِنِيَّةِ, وَمِن ذَلِكَ مَا حَصَلَ في عَامِ 597 هـ حِينَ سَارَ "شِهَابُ الدِّينِ الغُورِيُّ" إِلى "قَهِستَان" لمحَاصَرَتِهَا وَمَن فِيهَا مِنَ البَاطِنِيَّةِ, وَحِينَ مَرَّ في طَرِيقِهِ بِقَريِةٍ ذُكِرَ لَهُ بِأَنَّ أَهلَهَا إسمَاعِيلِيَّةُ بَاطِنِيَّةٌ؛ أَمَرَ بِقَتلِ المُقَاتِلَةِ وَسَبيِ النِّسَاءِ, وَنهبِ الأَموَالِ غَنِيمةً, وَخَرَّبَ القَريَةَ وَجَعَلَهَا خَاوِيَةً عَلى عُرُوشِهَا, وَوَاصَلَ سَيرَهُ إِلى "كنبَاد", وَهِيَ مِن مُدُنِ البَاطِنِيَّةِ فَنَزَلَ عَليهَا وَحَاصَرَهَا.
وَ حِينَ أَرسَلَ إِليهِ صَاحِبُ "قَهِستَان" البَاطِنِيّ إِلى مَلِكِ "غور" يَشكُو إِليهِ أَخَاهُ "شِهَابُ الدِّينِ" وَيَقُولُ: "بَينَنَا عَهدٌ فَمَا الذِي بَدَا مِنَّا حَتَّى تُحَاصِرَ بَلَدِي؟ " وَمَعَ ذَلِكَ شَدَّدَ "شِهَابُ الدِّينِ" الحِصَارَ عَلى المَدِينَةِ؛ فَلَمَّا اشتَدَّ خَوفُهُم طَلَبُوا الأَمَانَ لِيَخرُجُوا, فَأَمَّنَهُم وَأَخرَجَهُم مِنَ المَدِينَةِ, وَاستَولَى عَليهَا وَأَقَامَ فِيهَا الصَّلاةَ وَشَعَائِرَ الإِسلامِ.
وَ كََذَلِكَ كَانَ لِلدَّولَةِ "الخَوَارِزمِيَّةِ" مَوقِفٌ حَازِمٌ تِجَاهَ البَاطِنِيَّةِ, وَمِن ذَلِكَ مَا حَصَلَ في عَامِ 624 هـ, حِينَ عَظُمَ شَرُّ البَاطِنِيَّةِ وَتَعَدَّى ضَرَرُهُم, حَتَّى أَنَّهُم قَتَلُوا أَمِيرًا مِنَ أُمَرَاءِ "جَلالِ الدِّينِ" ابنِ "خَوَارِزمَ شَاه", فَسَارَ بِعَسكَرِهِ مِن بِلادِهِم مِن حُدُودِ "آلموت" إِلى "كَردِيكُوك" بخُرَاسَان, فَخَرَّبَهَا جَمِيعًا فَقَتَلَ أَهلَهَا وَغَنِمَ أَموَالهُم وَسَبَى الحَرِيمَ, وَاستَرَقَّ الأَولادَ, وَقَتَلَ الرِّجَالَ وَعَمِلَ بهِم الأَعمَالَ العَظِيمَةَ.(201/138)
وَ أَمَّا مَوقِفُ "صَلاحُ الدِّينِ الأَيُّوبي" مِنَ الرَّافِضَةِ؛ فَكَانَ مِن أَشَدِّ المَواقِفِ وَأَقسَاهَا عَليهِم, حَيثُ أَسقَطَ دَولَتَهُم المَنِيعَةَ, وَالتي عَمَّرَت طَوِيلاً مِن قَبل, مَعَ أَنَّ القَادَةَ قَبلَهُ وَالأُمَرَاءَ مِن السَّلاجِقَةِ وَغَيرَهُم كَانَ لهُم صَولاتٍ مَعَهُم وَجَوَلاتٍ, وَكَانَت هُنَاكَ مُوَاجَهَاتٌ وَحُرُوبٌ وَقَتلٌ وَسَبيٌ, وَلكِنَّ الضَّرَبَاتِ التي تَلَقَّوهَا مِن "صَلاحِ الدِّينِ" كَانَت أَشَدُّ عَلى نُفُوسِهِم؛ حَيثُ فَرَّقَ جَمعَهُم, وَهَدَّمَ صَرحَهُم الكَبِير, وَقَضَى عَلَى كُلِّ أَحلامِهِم بِامتِلاكِ دَولَةٍ مُستَقِلَّةٍ ذَاتِ سِيَادَةٍ, وَنشرَ مَذهَبَ السُّنَّةِ بَعدَ أَن كَانَ دِينُ الرَّفضِ هُوَ السَّائِدُ, وَلِذَلكَ حَاوَلوا مِرَارًا قَتلَهُ وَاغتِيَالَهُ, وَلكِنَّهُم بِفَضلِ اللهِ وَحدَهُ فَشِلُوا في كُلِّ مُحَاوَلاتِهِم.
وَ كَانَ مما قَامَ بِهِ "صَلاحُ الدِّينِ" تِجَاهَ الرَّافِضَةِ عَلى مَا ذَكَرنَا سَابِقًا, وَبَعدَ مُحَاوَلاتِ اغتِيَالِهِ العَدِيدَةِ؛ اعتَقَلَ المُتَآمِرِينَ عَليهِ في مِصرَ, وَالذِينَ حَاوَلُوا الاتِّصَالَ بِالإِفرَنجِ لإِسقَاطِ مِصرَ, فَقَرَّرَهُم وَاحِدًا وَاحِدًا, وَبَعدَ أَن استَفتَى الفُقَهَاءَ في أَمرِهِم قَتَلَ رُؤُوسَهُم وَأَعيَانَهُم دُونَ أَتبَاعِهِم وَغِلمَانِهِم, وَحَاصَرَ قَلعَةَ "مِصيَافٍ" الرَّافِضِيَّةِ بَعدَ مُحَاوَلَتِهِم اغتِيَالَهُ حِينَ كَانَ مُحَاصِرًا لِحَلَبَ, فَقَصَدَ قَلعَتَهُم عَامَ 572 هـ, وَحَاصَرَهَا وَنَصَبَ عَليهَا المِنجَنِيقَاتِ فَأَحرَقَهَا وَخَرَّبَهَا, وَأَوسَعَ أَهلَهَا قَتلاً وَأَسرَاً, وَغَنِمَ أَموَالهُم وَدَوَابَهُم, وَلم يَترُكهُم إِلا بَعدَ أَن أَدَّبَهُم وَلَقَّنَهُم دَرسَاً قَاسِيًا.(201/139)
وَ لمَّا ثَارَ عَليهِ الرَّافِضَةُ مِن جُندِ السُّودَانِ المُمتَعِضِينَ لِمَوتِ مُؤتَمِنِ الخِلافَةِ, غَضَبًا لمَقتَلِهِ أَرسَلَ لمحِلَّتِهِم المَعرُوفَةِ بِالمَنصُورَةِ فَأَحرَقَهَا عَلى أَموَالهم وَأَولادِهِم وَحَرَمِهِم, فَلَمَّا عَلِمُوا بِذَلِكَ وَلَّوا مُدبِرِينَ فَأَجرَى عَليهِم السَّيفَ, وَظَلَّ فِيهِم القَتلُ حَتَّى قَضَى أَخُو "صَلاحُ الدِّينِ" "تورَان شَاه" عَلى آخِرِهم في مَنطِقَةِ "الجِيزَةِ".
وَ أَمَّا مَوقِفُ شَيخِ الإِسلامِ "ابنِ تَيمِيَّةَ" وِجِهَادِهِ للرَّافِضَةِ فَقَد كَانَ وَاضِحًا في مَوقِفَينِ؛
المَوقِفُ الأَوَّلُ: بَرَزَ في جَانِبِ التَّألِيفِ العِلمِيِّ للرَّدِّ عَلى بِدَعِهِم وَكُفرِيَّاتِهِم, وِكشفِ حَقِيقَةِ الرَّوَافِضِ وَبَيَانِ أَحوَالهِم وَحُكمِ الشَّرعِ فِيهِم, كَكِتَابِ "مِنهَاجُ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ" وَغَيرِهِ.
وَ المَوقِفُ الثَّانِي: بَرَزَ في قِتَالِهِ العَمَلِيِّ لهُم حِينَ فَرَغَ مِن قِتَالِهِ لِلتَّتَارِ تَأدِيبًا لهُم لِمُشَارَكَتِهِم وَتَحَالُفِهِم مَعَ التَّتَارِ ضِدَّ المُسلِمِينَ.
وَ أَمَّا المَلِكُ المُظَفَّرُ "قُطُز"؛ فَقَاتَلَهُم في الشَّامِ بَعدَ انتِصَارِ المُسلِمِينَ عَلَى التَّتَارِ في وَقعَةِ "عَينِ جَالوت", فَقَد كَانَ لهم أَيضًا دَورٌ كَبِيرٌ في مُحَارَبَةِ وَمُعَاقَبَةِ الرَّافِضَةِ, حيثُ قَرَّرُوا الانتِقَامَ مِنَ الخَوَنَةِ مِنَ النَّصَارَى وَالرَّافِضَةِ الذِينَ مَالَؤُوا التَّتَارَ وَصَانَعُوهُم عَلى أَموَالِ المُسلِمِينَ وَقَتلِ العَامَّةِ.
إِذَن وَ بَعدَ هَذَا الاستِعرَاضِ التَّارِيخِيِّ المُجمَلِ, وَالمُجمَلِ جِدًّا, لجَرَائِمِ وَخِيَانَاتِ الرَّافِضَةِ نَستَطِيعُ أَن نَخلُصَ إِلى عِدَّةِ أُمُورٍ مُهِمَّةٍ وَكَمَا يَأتِي:(201/140)
أولاً: النَّاظِرُ وَالبَاحِثُ في عَقَائِدِ الرَّافِضَةِ يجِدُ أَنَّهُم قَد أَشرَكُوا وَأَسَاؤُوا إِلى مَقَامِ اللهِ تَعَالى الوَاحِدِ الأَحَدِ. وَمِن ذَلِكَ وَصفَهُم اللهَ تَعَالى بِصِفَاتِ الحَوَادِثِ وَالنَّقصِ كَحُلُولِهِ تَعَالى -حَاشَاهُ - بِبَعضِ أَجسَادِ الأَئِمَّةِ وَرِجَالاتِهِم, وَالذِينَ عَبَدُوهُم مِن دُونِ اللهِ .
وَكَذَا شَرَّكُوا الإِلَهَ الوَاحِدَ بِالعِبَادِةِ المُستَحَقَّةِ للهِ تَعَالى وَحدَهُ غَيرَهُ, مِن نَذرٍ وَ دُعَاءٍ وَتَقَرُّبٍ بِالعِبَادَةِ للأَئِمَّةِ الذِينَ اعتَبَرُوهُم مُقَدَّسِينَ وَمَعصُومِينَ.
وَ لم يَقِف الأَمرُ إِلى هَذَا الحَدِّ بَل نَسَبُوا الصِّفَاتِ التِي يَتَّصِفُ بِهَا اللهُ تَعَالى, كَالرِّزقِ وّالعِلمِ بِالغَيبِ وَنَحوَ ذَلِكَ لهَؤُلاءِ الأَئِمَّةِ, فَلم يَكتَفُوا بِالإِسَاءَةِ لمَقَامِ اللهِ تَعَالى بِالرُّبُوبِيَّةِ وَالأُلُوهِيَّةِ فَحَسب؛ بَل تَعَدَّى ذَلِكَ نِسبَتَهُم النَّقِيصَةَ لأَنبِيَاءِ اللهِ تَعَالى وَخَاصَّةً حِينَمَا جَعَلُوهُم فِي مَقَامِ التَّفضِيلِ وَالمُقَارَنةِ لأَئِمَّتِهِم المَعصُومِينَ, فَنَسَبُوا أَوصَافًا وَمَنَاقِبَ لأَئِمَّتِهِم تَفُوقُ مَنَاقِبَ وَمَزَايَا هَؤُلاءِ الأَنبِيَاءِ وَالمُرسَلِينَ, حَتَّى أَنَّهُم ادَّعُوا أَنَّ هَؤُلاءِ المُرسَلِينَ كَانُوا مِمَّا بُعِثُوا بِهِ: عَقَيدَةَ الوِلايَةِ لِلأَئِمَّةِ الذِينَ يَزعُمُونَ أَنَّهُم مَعصُومُونَ.(201/141)
وَ مَعَ غَيَابَاتِ هَذِهِ الظُّلُماتِ أَضَافُوا لِمُعتَقَدَاتِهِم الرَّذِيلَةَ قَولَهُم بِتَحرِيفِ القُرآنِ, سَوَاءً أَكَانَ بِاللفظِ أَم بِالمَعنَى وَالشَّرحِ, وَهُم عَلَى هَذَا لم يَجعَلُوا المَرجِعِيَّة الحَقَّةَ لِلكِتَابِ وَالسُّنَّةِ, لأَنَّهُم طَعَنُوا بِالكِتَابِ عَلى أَسَاسِ أَنَّهُم لم يَجِدُوا فِيهِ نَصًّا صَرِيحًا لِعَقَائِدِهِم, فَلَم يَكتَفُوا بِمَا هُوَ مَوجُودٌ مِنهُ اليَومَ.
وَكَذَا طَعَنُوا بِالسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ مِن خِلالِ طَعنِهِم بِأَئِمَّةِ أَهلِ السُّنَّةِ مِن رِوَايَاتِ الحَدِيثِ, أَو أَخذِهِم مَروِيَّاتٍ وَضَعُوهَا كَذِبًا عَلَى أَئِمَّةِ أَهلِ البَيتِ, بِرُوَاةٍ زَنَادِقَةٍ أَصَحَابِ عَقَائِدَ مُنحَرِفَةٍ وَبَاطِلَةٍ لا تُؤَهِّلَهُم لِقَبُولِ رِوَايَاتِهِم نَاهِيكَ عَن ضَعفِهِم وَجَهَالَتِهِم.
ثانياً: إِنَّ الرَّافِضَةَ مُدَّعِي مَحَبَّةَ آلِ البَيتِ وَنُصرَةَ عُترَتِهِ وَالمُتَبَاكِينَ عَلى الحُسَينِ نِيَاحَةً وَ لَطماً, وَالذِينَ يَتَّهِمُونَ أَهلَ السُّنَّةِ بِأَنَّهُم نَوَاصِبٌ نَاصَبُوا أَهلَ البَيتِ العَدَاءَ هُم مَن قَامَ بِقَتلِ الحُسينِ مِن بَعدِ أَن كَادُوا يَقتُلُونَ الحَسَنَ وَيُسَلِّمُوهُ لِمُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا, وَذَلِكَ ثَابِتٌ في أُصُولِ مَرَاجِعِهِم وَأُمَّهَاتِ كُتُبِهِم.(201/142)
فَقَد جَاءَ في كِتَابِ [الإِرشَادِ] لِلمُفِيدِ َقولُ الإِمَامِ الحُسَين عَليهِ السَّلامُ في دُعَائِهِ عَلى شِيعَتِهِ الذِي ذَكَرنَاهُ آنِفًا, وَجَاءَ في كِتَابِ[الاحتِجَاجِ]: "لكِنَّكُم أَسرَعتُم إِلى بَيعَتِنَا كَطَيرَةِ الدِّبَاءِ، وَتَهَافَتُّم كَتَهَافُتِ الفَراشِ، ثُمَّ نَقَضُّتُمُوهَا، سِفَهاً وَبُعداً وَسُحقاً لِطَوَاغِيتِ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَبَقِيَّةِ الأَحزَابِ، وَنَبَذةِ الكِتَابِ، ثُمَّ أَنتُم هَؤُلاءِ تَتَخَاذَلُونَ عَنَّا، وَتَقتُلُونَنَا، أَلا لَعنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ".
وَ يُعَلِّقُ السَّيدُ "حُسَينٌ المُوسَوِيُّ" بَعدَ هَاتَينِ الرِّوَايَتَينِ بقولهِ: "وَهَذِهِ النُّصُوصُ تُبَيِّنُ لَنَا مَن هُم قَتَلَةُ الحُسَينِ الحَقِيقِيُّونَ، إِنُّهُم شِيعَةُُ أَهلِ الكُوفَةِ، أَيْ: أَجدَادُنَا، فَلِمَاذَا نُحَمِّلُ أَهلَ السُّنَّةِ مَسؤُولِيَّةَ مَقتَلِ الحُسَينِ ؟"!.
وَ يَقُولُ السَّيدُ "مُحسِن الأَمينُ" في كِتَابِ [أَعيَانُ الشِّيعَةِ]: "بَايَعَ الحُسَينَ مِن أَهلِ العِرَاقِ عِشرُونَ أَلفاً، غَدَرُوا بِهِ، وَخَرَجُوا عَليهِ، وَبَيعَتُهُ في أَعنَاقِهِم، وَقَتَلُوهُ".
وَ جَاءَ في كِتَابِ [الاحتِجَاجِ]: "قَالَ الإِمَامُ "زَينُ العَابِدِينَ" عَليهِ السَّلامِ, لأَهلِ الكُوفَةِ: (هَل تَعلَمُونَ أَنَّكُم كَتَبتُم إِلى أَبي وَخَدَعتُمُوهُ وَأَعطَيتُمُوهُ مِن أَنفُسِكُم العَهدَ وَالمِيثَاقَ ثُمَّ قَاتَلتُمُوهُ وَخَذَلتُمُوهُ.. بِأَيِّ عَينٍ تَنظُرُونَ إِلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ, وَهُوَ يَقُولُ لَكُم: قَاتَلتُم عترَتِي وَانتَهَكتُم حُرمَتِي, فَلَستُم مِن أُمَّتِي)".
وَ قَالَ أَيضًا عَنهُم: إِنَّ هَؤُلاءِ يَبكُونَ عَلينَا فَمَن قَتَلَنَا غَيرُهُم ؟(201/143)
وَجَاءَ في كِتَابِ [الاحتِجَاجِ] أَيضًا عَن "فَاطِمَةَ الصُّغرَى" عَليهَا السَّلامُ في خُطبَةٍ لها في أَهلِ الكُوفَةِ:
"يَا أَهلَ الكُوفَةِ، يَا أَهلَ الغَدرِ وَالمَكرِ وَالخُيَلاءِ، إِنَّا أَهلُ البَيتِ ابتَلانَا اللهُ بِكُم، وَابتَلاكُم بِنَا؛ فَجَعَلَ بَلاءَنَا حَسَنًا.. فَكَفَّرتُمُونَا وَكَذَّبتُمُونَا وَرَأَيتُم قِتَالَنَا حَلالاً وَأَموَالَنَا نَهَبًا.. كَمَا قَتَلتُم جَدَّنَا بِالأَمسِ، وَسُيُوفُكُم تَقطُرُ مِن دِمَائِنَا أَهلُ البَيتِ .. تبًا لكُم فَانتَظِرُوا اللعنَةَ وَالعَذَابَ فَكَأَنَّ قَد حَلَّ بِكُم .. وَيذِيقُ بَعضَكُم بَأسَ بَعضٍ, وَتَخلُدُونَ في العَذَابِ الأَلِيمِ يَومَ القِيَامَةِ بما ظَلمتُمُونَا، أَلا لَعنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالمِينَ. تَبَّاً لكُم يَا أَهلَ الكُوفَةِ، كَم قَرَأتُم لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلهِ قَبلَكُم، ثُمَّ غَدَرتُم بِأَخِيهِ عَلِيّ بِن أَبي طَالِبَ وَجَدِّي، وَبَنِيهِ وَعُترَتِهِ الطَّيِّبِينَ.
فَرَدَّ عَليهَا أَحَدُ أَهلِ الكُوفَةِ مُفتَخِراً, فَقَالَ:
نَحنُ قَتَلنَا عَلِياً وَابنِ عَلِيٍّ
بِسُيُوفٍ هِندِيَّةٍ وَرِمَاحِ
وَ سَبينَا نِسَاءَهُم سَبي تُركٍ
وَنَطَحنَاهُمُ فَأَيُّ نِطَاحِ
".
ثَالِثاً: يَنبَغِي عَلى المُسلِمِ الامتِثَالِ لأَمرِ اللهِ تَعَالى الآمِرِ بِالتَّفَكُّرِ وَالإتِّعَاضِ بِأَحوَالِ الأُمَمِ وَالعُصُورِ السَّالِفَةِ, فَنَأخُذَ مِنهَا الدُّرُوسَ وَالعِبَرَ .. {وَ لاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ }[التوبة:126].(201/144)
وَ وَرَدَ في الأَثَرِ: "لا يُلدَغُ المُؤمِنُ في جُحرٍ مَرَّتَينِ", وَقَد مَرَّت بِنَا نَتَائِجُ وَأَضرَارُ هَذَا التَّقرِيبُ مَعَ الرَّافِضَةِ حَيثُ تَجَلَّت لنَا خِيَانَتُهُم للهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلمُؤمِنِينَ, فَوَالَوا الكُفَّارَ وَأَعدَاءَ الدِّينِ, وَطَغَوا في البِلادِ وَأَكثَرُوا فِيهَا الفَسَادَ, فَأَوجَبَت مُوالاتَهُم هَذِهِ رِدَّتَهُم عَن الدِّينِ وَمُرُوقَهُم عَن أَمرِ رَبِّ العَالمَينَ, وَنَاهِيكَ بِفَسَادِ طَعنِهِم بِأُمَّهَاتِ المُؤمِنِينَ, وَبِخَاصَّةٍ مَن بَرَّأَهَا وَزَكَّاهَا اللهُ تَبرِئَةً قَطعِيَّةً في كِتَابِهِ العَزِيزِ.
وَ لما تَقَدَّمَ أَقُولُ مُنَبِّهًا؛ إِنَّهُ كُلَّمَا تَوَاجَهَ المُسلِمُونَ ضِدَّ الكُفَّارِ مِن اليَهُودِ وَ النَّصَارَى, وَفي كُلِّ حَربٍ عَلى مَرِّ التَّارِيخِ, وَحَتَّى في عَصرِنَا الحَاضِرِ نَجِدُ الرَّافِضَةَ يَتَسَلَّلُونَ لِوَاذًا إِلى مُعَسكَرِ الكُفرِ, وَيَمُدُّونَهُم بِجَمِيعِ أَنوَاعِ الإِمدَادَاتِ المُتَوَفِّرَةِ إِليهِم عَسكَرِيًّا وَمَعلُومَاتِيّاً, وَيُفَضِّلُونَ المَوتَ أَو انتِصَارَ الكُفرِ عِلَى أَن يَنتَصِرَ المُسلِمُونَ وَتَكُونَ لهُم اليَد العُليَا, وَهُم لا يُقَاتِلُونَ أَعدَاءَ الإِسلامِ مِنَ الكُفَّارِ الأَصلِيِّينَ, وَأَنَّهُ حَتَّى في الحَالاتِ التي كَانُوا يُظهِرُونَ أَنهُم يُقَاتِلُونُهُم إِمَّا أَن يَكُونُوا تَحتَ قِيَادَةٍ سُنِّيَّةٍ هِيَ التِي تُحَرِّكُهُم, وَمن بَابِ التُّقيَةِ يَتَحَرَّكُونَ. وَ ذَلِكَ في حَالاتٍ نَادِرَةٍ.(201/145)
أَو في حَالَةِ غَدرٍ وَاستِهتَارِ الكُفَّارِ بهِم, وَ بِأَرَاضِيهِم وَمَصَالحِهِم كَمَا حَصَلَ مَعَ الوَزِيرِ "الأَفضَلِ" حِينَ استَنجَدَ بِالدَّمَاشِقَةِ السُّنِّيِّينَ لمَّا رَأَى استِهتَارَ الصَّليبِيِّينَ بِهِ وَبِمَصَالِحِهِ, بَعدَ أَن قَدَّمِ لهُم كُلَّ التَّنَازُلاتِ المُمكِنَةِ, وَطَلَبَ مِن عَسكَرِهِ فِيمَا بَعد الانضِوَاءَ تَحتَ قِيَادَةِ "طَغتِكِينَا أَتَابك".
وَ كَمَا حَصَلَ مَعَ الخَلِيفَةِ العُبَيدِيّ "العَاضِد" لما رَأَى اجتِيَاحَ الفِرَنجِ لِبِلادِهِ وَخَشِيَ عَلَى قَصرِهِ وَنِسَائِهِ فَأَرسَلَ إِلى "نُورِ الدِّينَ" يَستَنجِدُ بِهِ, وَيَستَغِيثُ لِدَرَجَةِ أَنَّهُ أَرسَلَ شُعُورَ نِسَائِهِ قَائِلاً: "هَذِهِ شُعُورُ نِسَائِي مِن قَصرِي يَستَغِثنَ بِكَ لِتُنقِذَهُنَّ مِنَ الفِرَنجِ".(201/146)
رَابِعَاً: إِنَّهُ لا يُمكِنُ أَن يَكُونَ لِلمُسلِمِينَ نَصرٌ وَلا غَلَبَةٌ عَلى المُحَارِبِينَ الكُفَّارِ مِنَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى إِلا بَعدَ القَضَاءِ عَلَى مَن دُونَهُم مِن العُمَلاءِ المُرتَدِّينَ, وَعَلَى رَأسِهِم الرَّافِضَةُ تَمَاماً, كَمَا رَصَدَ لنَا التَّارِيخُ كَيفَ أَنَّ بَيتَ المَقدِسِ الذِي سَقَطَ بِيَدِ الصَّلِيبِيِّينَ بِمُعَاوَنَةِ الرَّافِضَةِ العُبَيدِيِّنَ لم يُستَعَد إِلا عَلَى يَدِ "صَلاحِ الدِّينِ", مَعَ أَنَّ "نُورَ الدِّينِ مَحمُوداً" كَانَ أَشَدَّ عَلَى الصَّلِيبِيِّينَ مِن "صَلاحِ الدِّين", وَلكِن قَدَرُ اللهِ تَعَالى أَن يَكُونَ النَّصرُ وَتَحرِيرُ بَيتِ المَقدِسِ عَلَى يَدِ "صَلاحِ الدِّينِ", وَلكِن مَتَى؟ بَعدَ أَن حَارَبَ الرَّافِضَةَ العُبَيدِيِّنَ لِعِدَّةِ سَنَوَاتٍ, وَقَضَى عَلى دَولَتِهِم تَمَامًا وَأَسقَطَهَا, ثُمَّ بَعدَ ذَلكَ تَفَرَّغَ لِلصَّلِيبِيِّينَ حَتَّى تَمَّ لَهُ النَّصرُ عَليهِم, وَاستَعَادَ بَيتَ المَقدِسِ الذِي ظَلَّ سَنَوَاتٍ تَحتَ قَبضَتِهِم بِسَبَبِ أَهلَ الخِيَانَةِ الرَّوَافِض.
فَهَذَا دَرسٌ مُهِمٌّ جِدَّاً يُقَدِّمُهُ لَنَا التَّارِيخُ لا يَجِبُ التَّغَافُلُ عَنهُ أَبَدًا...
لَن يَكُونَ لَنَا نَصرٌ قَطّ, عَلَى الكُفَّارِ الأَصلِيِّينَ إِلا بَعدَ قِتَالِ الكُفَّارِ المُرتَدِّينَ مَعَ الكُفَّارِ الأَصلِيِّينَ, وَمَا الفُتُوحَاتُ الإِسلامِيَّةُ التِي تَمَّت في عَهدِ الرَّاشِدِينَ إِلا بَعدَ تَطهِيرِ جَزِيرَةِ العَرَبِ مِن المُرتَدِّينَ, وَلِذَلِكَ أَبغَضُ مَا يُبغِضُهُ الرَّافِضَةُ هُوَ "صَلاحُ الدِّينِ", فَهُم يُطِيقُونَ المَوتَ وَلا يُطِيقُونَه !!.(201/147)
خَامِسَاً: مَعلُومٌ لِذَوِي الفِطرَةِ السَّلِيمَةِ أَنَّ أَسَاسَ النَّجَاةِ لِلنَّاسِ في الآخِرَةِ مُتَعَلِّقٌ بِعَقِيدَةٍ صَحِيحَةٍ سَلِيمَةٍ مِنَ الشِّركِ وَالبِدَعِ, فَكَيفَ يُمكِنُ التَّقرِيبُ بَينَ عَقِيدَةِ الحَقِّ وَ عَقِيدَةِ الرَّافِضَةِ التِي ذَكَرنَاهَا آنفًا؟
فَبِاللهِ عَليكُم كَيفَ يَتَقَرَّبُ مِنهُم عَمَليًّا بِعَقِيدَةٍ لَو أَخَذنَا بِبَعضِ مَا امتَازَت بِهِ ضَلالاتُهُم وَكُفرِيَّاتُهُم لكُنَّا في الهَلاكِ وَالخُسرَانِ الدِّينِيِّ .. فَالدِّينُ جَاءَ لِنَجَاةِ العِبَادِ بِمَا أَرَاَدَ رَبُّ العِبَادِ, فَكَيفَ تَحصُلُ النَّجَاةُ الأُخرَوِيَّةُ بِدُونِ مُقَدِّمَاتٍ مَبنِيَّةٍ عَلَى عَقِيدَةٍ صَحِيحَةٍ سَلِيمَةٍ ..؟.
فَكَمَا يُقَالُ: صِحَّةُ المُقَدِّمَاتِ تَستَلزِمُ صِحَّةَ نَتَائِجَهَا, وَفَسَادَهَا يُؤَدِّي لِفَسَادِ نَتَائِجَهَا.
وَ لَو ادَّعَى مُدَّعٍ أَنَّهُم مُوافِقُونَ لَنَا في أَصلِ الاعتِقَادِ المُنَجِّي مِن عَذَابِ اللهِ فَهَذَا عِندَهُم حِينئِذٍ إِمَّا:
مِن بَابِ عَقِيدَةِ التُّقيَةِ التِي يَدِينُونَ بهَا حَالَ استضعَافَهُم مَعَ أَهلِ السُّنَّةِ, أَو يَكُونُونَ بِهَذَا الاتِّفَاقِ العَقَدِيِّ مَعَنَا عَلَى مَذهَبِ الحَقِّ وَالصِّرَاطِ المُستَقِيمِ فَيَخرُجُوا حِينَئِذٍ مِن وَصفِ الرَّافِضَةِ وَضَلالاتِهِم, وَعَلَى هَذَا فَلا يُسَمَّى مِثلُ هَذَا تَقَارُبًا, بَل تَرجِيعًا وَعَودَةً وَإِنَابَةً مِنهُم للحَقِّ المُبِين.(201/148)
وَ لما تَقَدَّمَ أَقُولُ: إِنَّهُ لا يُمكِنُ أَن يَكُونَ هُنَاكَ أَدنَى تَقَارُبٍ عَقَدِيٍّ وَفِكرِيٍّ بَينَ أَهلِ السُّنَّةِ وَ بَينَ الرَّوَافِضِ, وَقَد رَأَينَا نَتِيجَةَ التَّقَارُبِ مَعَ الرَّافِضَةِ عَبرَ التَّارِيخِ مِن خِلالِ تَقرِيبِ الخُلَفَاءِ العَبَّاسِيِّينَ لِلرَّافِضَةِ وَجَعلِهِم لهُم وُزَرَاءَ وَقَادَةً؛ كَابن العَلقَمِيّ وَنَصِيرِ الدِّينِ الطُّوسِيّ, وَمِن خِلالِ مُصَاهَرَتِهِم كَمَا ذَكَرنَا مَعَ مَرَاجِلِ أُمِّ المَأمُونِ ... فَمَا كَانَ مِن هَذَا التَّقَارُبِ إِلا أَن عَادَ بِالهَلَكَةِ للأُمَّةِ, وَكَانَ سَبَبَ سُقُوطِ دَولَةٍ اسلامِيَّةٍ, وَقِيَامِ دُوَيلاتٍ رَافِضِيَّةٍ عَلَى أَشلائِهَا, كَمَا تَسَبَّبَ هَذَا التَّقَارُبُ في افسَادِ العَقِيدَةِ, بِإِلزَامِ النَّاسِ بِالقَولِ بمُحُدَثَاتِ الأُمُورِ وَبِدَعَهَا وَبَثِّ الشُّبَهِ بَينَ المُسلِمِينَ, حَتَّى زَعزَعَت عَقَائِدَهُم وَشَابَهَا كَثِيرٌ مِنَ الانحِرَافَاتِ، كَمَا هُوَ القَولُ بِخَلقِ القُرآنِ وَغَيرَ ذَلِكَ مِنَ الأَفكَارِ وَالعَقَائِدِ التي اكتَسَبَهَا أَبنَاءُ الخُلَفَاءِ العَبَّاسِيِّينَ مِن أُمَّهَاتِهِم الفَارِسِيَّاتِ.
وَ مَا أَجدَرَ بِنَا في هَذَا المَقَام أَن نَذكُرَ أَقوَالَ كَثِيرٍ مِنَ العُلَمَاءِ وَالمُثَقَّفِينَ الذِينَ كَانُوا يَدْعُونَ جَهلاً بِالوَاقِعِ القَرِيبِ وَالبَعِيدِ إِلى التَّقَارُبِ مَعَ الرَّافِضَةِ, ثُمَّ لما تَبَيَّنَ لهُم الحَقَّ عَادُوا إِليهِ كَرِسَالَةِ وَعظٍ وَتَذكِيرٍ وَتَنبِيهٍ لِدُعَاةِ التَّقَارُبِ اليَومَ الذِينَ يُصِرُّونَ عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُم يَعلَمُونَ.(201/149)
قَالَ الدُّكتُورُ "مُصطَفَى السِّبَاعِيّ" في كِتَابِهِ [السُّنَّةُ وَمَكَانَتُهَا في التَّشرِيعِ الإسلامِيّ] : "فَتَحتُ دَارًا لِلتَّقرِيبِ بَينَ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ بِالقَاهِرَةِ مُنذُ أَربَعَةِ عُقُودٍ لَكِنَّهُم رَفَضُوا أَن تُفتَحَ دُورٌ مُمَاثِلَةٌ في مَرَاكِزِهِم العِلمِيَّة كَالنَّجَفِ وَقُم وَغَيرَهَا, لأَنَّهُم إِنَّمَا يُرِيدُونَ تَقرِيبَنَا إِلى دِينِهِم".
وَ يَقُولُ الدُّكتُورُ "عَلي أَحمَد السَّالُوس" أُستَاذُ الفِقهِ وَأُصُولِهِ: "بَدَأتُ دِرَاسَتِي بِالدَّعوَةِ إِلى التَّقرِيبِ بَينَ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ بِتَوجِيهٍ مِن أُستَاذِيَ الجَلِيل الشَّيخُ "مُحَمَّد المَدَنِي"، عَلَى أَنَّ التَّشَيُّعَ مَذهَبٌ خَامِسٌ بَعدَ أَربَعَةِ أَهلِ السُّنَّةِ؛ غَيرَ أَنَّنِي بَعدَمَا بَدَأتُ البَحثَ وَاطَّلَعتُ عَلَى مَرَاجِعِهِم الأَصلِيَّةِ وَجَدُّتُ الأَمرَ يَختَلِفُ تَمَامًا عَمَّا سَمِعتُ.. فَدِرَاسَتِي إِذَن بَدَأَت بِتَوجِيهٍ مِنَ الشَّيخِ "المَدَنِيّ" مِن أَجلِ التَّقرِيبِ، وَلكِنَّ الدِّرَاسَةَ العِلمِيَّةَ لهَا طَابِعُهَا الذِي لا يَخضَعُ للأَهوَاءِ وَالرَّغَبَاتِ" ا.هـ.(201/150)
فَإِذَن؛ بَعدَ مَعرِفَةِ حُكمِ اللهِ فِيهِم, وَمعرِفَةِ أَنَّ دِينَ الرَّافِضَةِ لا يَلتَقِي مَعَ دِينِ الإِسلامِ لا بِفَرعٍ وَلا بِأَصلٍ, وَأَنَّهُ أُنشِئَ أَسَاساً, وَأُقِيمَ لهَدمِ الدِّينِ, نَقُولُ إِنَّهُ لا يُدَافِعُ عَن هَؤُلاءِ القَومِ وَيُنَادِي بِبِرَاءَتِهِم, وَيَدعُوا جَهَارًا نَهَارًا للتَّقَارُبِ مَعَهُم وَيَستَجدِي وِصَالَهُم, وَيَعتَذِرُ لهُم, وَيُبَرِّرُ جَرَائِمَهُم إِلا مَن هُوَ جَاهِلٌ غَافِلٌ لا يَعلَمُ مَا يَقولُ .. أَو هُوَ أَجرَمُ وَأَظلَمُ وَأَخوَنُ لِلأُمَّةِ مِنهُم, وَحُكمُهُ حُكمَهُم, بَل إِنَّهُ يَصدُقُ فِيهِ قَولُ اللهِ تَعَالى { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ }[البقرة:159].
وَ بَعْدَ مَا تَقَدَّم, نَقُولُ إِنَّ دُعَاةَ التّقْرِيبِ بينَ السُّنةِ وَ الشِّيْعةِ هُمْ أَحَدُ رَجُلَين :
1- رَجُلٌ عَلِمَ الحَقَّ فَخَانَ دِينَهُ وَ أُمَّتَه, وَ بَاعَهَا بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيا يَسِيْر.
2- وَ آخَرُ جَهِلَ هَؤُلاء, فَهُوَ جَاهِلٌ يُعَلَّم.
فَكِيْفَ يَا مَنْ تَدْعُوْنَ إِلى التَّقْرِيْبِ بَيْنَ السُّنةِ وَ الرَّافِضَة، وَ هُمْ عَلَى مَا هُوَ عَلَيهِ مِنَ الشِّرْكِ الصُّرَاح, وَ الكُفْرِ البَوَاحِ وَ الطَّعْنِ فِيْ عِرْضِ نَبيِّنا صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَ سَلَّم, وَ سَبِّ الصَّحَابَةِ الكِرَامِ الذِيْنَ مَاتَ عَنْهُمُ النّبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَ سَلَّمَ وَ هُوَ رَاضٍ عَنْهُم .
فَوَاللهِ لَوْ أَنَّ أَهْلَ أَحِد مِنْ هَؤُلاءِ طُعِنَ فِيْ عِرْضِه, وَ رُمِيَ فِيْ زَوْجَتِه؛ لأَقَامَ الدُّنْيَا وَ أَقْعَدَهَا, وَ لمَا اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ فِيْ وَجْهِ مَنْ رَمَاه !.(201/151)
فَمَا بَالُهُ يَرْضَى ذَلِكَ عَلَى عِرْضِ نَبيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَ سَلَّم ..؟
اللهُمَّ إِنَّا نُشْهِدُكَ أَنَّ عِرْضَ نَبِيِّكَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَ سَلَّمَ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ أَعْرَاضِنَا, و نُشْهِدُكَ أَنَّ شَعْرَةً فِيْ رَأْسِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها أَحَبُّ إِلَيْنا مِنْ أَنْفُسِنَا وَ أَهْلِيْنَا وَ النَّاسِ أَجْمَعِين.
وَ لا يَفُوتُنَا القَوْلُ: إِنَّهُ كُلّما أطْلَقَ الرّافِضَةُ شِعَارَاتُ العَدَاء, وَ عِبَارَاتُ المَوتِ وَ الهَلاكِ مِنَ الكُفّارِ وَ اليَهُودِ وَ النَّصَارَى وَ غَيْرِهِم ؛ كُلَّمَا عَرَفنا أنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ التّقِيّةِ التِّي يُدِيْنُونَ بِهَا وَ يَعْتَبِروْنَهَا رَكناً رَكِيناً فِيْ دِيْنِهِم, وَ بِقَدْرِ مَا تَكُونُ الشِّعَارَاتُ مُدَويَّةً أْكْثَر؛ بِقْدْرِ مَا يَكُونُ كَذِبُهُم وَ ادِّعَاؤُهُم فِيْ هَذِهِ الشِّعَارَات.
وَ أَقْرَبُ مِثَالٍ لِذَلِكَ فِيْ الوَقْتِ الحَالِيِّ مَا يَقُوْمُ بِهِ الرَّئِيسُ الإِيْرَاني الجَدِيدُ "أحمدي نجاد", حِين مَلأ الدّنيا بِصِياحِهِ بِضَرُورَةِ مَحْوِ إِسْرَائِيلَ مِنَ الخَارِطَةِ... إِيْ وَ الله, مِنَ الخَارِطَةِ فقط !!.(201/152)
سادساً(1): إِنَّ دِيْنَ الرَّافِضَةِ يَقُومُ عَلَى هَدْمِ الضَّرُوْرِيَّاتِ -كُلّ الضَّرُوْرِيَّات - التِّي جَاءَ الدِّيْنُ الإِسْلامِيُّ - بَلْ وَكُلُّ الأَدْيان - بِحِفْظِهَا وَ المُحَافَظَةِ عَلَيْهَا, فَهُم يَهْدِمُونَ الدِّيْنَ بِتَحْرِيفِهِ, وَ القَوْلِ بِالزِّيَادَةِ فِيْ القُرْآنِ وَ نَقْصِه، وَ رَفْضِهِم لِلأَحَادِيْثِ الصَّحِيْحَةِ, وَ تَكْذِيبِه وَ تَشْنِيعِهِم عَلَى الصَّحَابَة, وَ بِثِّهِم للشُّبَهِ للتّشْكِيكِ فِيْ دِيْنِ اللهِ الحَقِّ, وِ إِظْهَارِهِم للْبِدَعِ البَاطِلَة, وَ الإِلْحَادِ فِيْ دِيْنِ اللهِ وَ الزَّنْدَقَة, وَ يَهْدِمونَ النَّفْسَ وَ المَالَ بِاسْتِحْلالِ دِمَاءِ أَهْلِ السُّنةِ وَ أَمْوَالِهِمْ بِغَيْرِ حَقِّ, وَ يَهْدِمُونَ النَّسَبَ وَ كُلِّ خَلْقٍ وَ أَدَبٍ سَلِيْم؛ بِقَوْلِهِم بِجَوَازِ المُتْعَةِ وَ إِتْيانِ الدُّبُرِ وَ إِعَارَةِ الفُرُوجِ و نِكَاحِ الذّكَرَانِ العياذ بالله.
وَ يَهْدِمُونَ العَقْلَ حِيْنَ يُجِيْزُونَ اسْتِخْدَامَ الحَشَائِشِ وَ المخدِّرَاتِ مِنْ أَجْلِ اسْتِخْدَامِهَا للتَّأثِيرِ بِهَا عَلَى أَتْبَاعِهِمْ مِنَ الفِدَائِيّة قَدِيماً, وَ عَوَامِّهِم أَصْحَابَ اللطْمِ حَدِيْثاً.
وَ حِيْنَ يَضْحَكُ آيَاتُهُم عَلَى عُقُولِ العَوَامِّ وَ الجُهَّالِ بِدَعْوَى انْتِسَابِهْم لآلِ البَيْت, وَ مِنْ ثَمَّ ادِّعَاءِ الْعِصْمَة, وَ مِِنْ ثَمَّ يَبُثُّونَ فِيْهِم ضَلالاتِهِمُ المُغْرَضة وِفْقَ مَصَالِحِهِم وَ أَهْوَائِهِم الشَّخْصِيّة.
__________
(1) في التسجيل الصوتي قال الشيخ تقبله الله : "خامساً" و الصحيح أنها "سادساً" و كذا الحال إلى نهاية الترقيم. فاقتضى التصحيح و التنويه و جل من لا يسهو.(201/153)
سابعاً: إِنَّهُ لا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَ رَافِضَةِ إِيْرَانَ الصَّفَوِيّة, وَ بَيْنَ غَيْرِهِم مِنْ رَافِضَةِ العَرَب؛ كَرَافِضَةِ العِرَاقِ وَ لبْنَانَ وَ الشّام, فَدِيْنُ الرّافِضَةِ وَاحِدٌ وَ أُصُولُهُم و إِنْ تَفَرَّعَت وَاحِدَة, وَ مَرْكَزُهُم وَ مَرْجِعِيّاتُهُم وَاحِدَة, وَ عِدَاؤُهُم لأهْلِ السُّنةِ هُوَ نَفْسُ العِدَاء.
ثامناً: إِنَّ أُصُولَ الرَّافِضَةِ وَ أُصُولَ اليَهُودِ وَاحِدَة؛ وَ لِذَلِكَ فِإِنَّ تَعَالِيْمَ الرَّافِضَةِ تُشَابِهُ كَثِيْراً مِنْ تَعَالِيمِ اليَهُود, وَ اجْتِمَاعَاتِهِم وَ مُؤْتَمَراتِهِمُ السِّرْية، وَ اسْتِخْدَامِهِم للتّقِيّة التِي يُظْهِرُونَ بِهَا مَا لا يُبْطِنُونَ للمُسْلِمِين, كُلُّ ذَلِكَ يَتَعاطَاهُ إِخْوَانُهُم اليَهُود.
وَ إِنّ المُطّلِعَ عَلَى مَا جَاءَ فِيْ بُروتُوكُولاتِ اليَهُودِ وَ تَعَالِيْمِ التّلْمُودِ نَحْو الأمَمين غِيرِ اليَهَود؛ يَجِدهُ مُتَطابقاً تَمَاماً مَعْ فَتَاوَى آياتِ وَ أَسْيادِ الرَّافِضَةِ نَحْوَ المُسْلِمِيْنَ خَاصَّة.
وَ مِنْ ذَلِك, فَإِنَّ تَعَالِيْمَ اليَهُودِ تُحَرِّمُ عَلَى اليَهُودِيّ أَنْ يَتَعَامَلَ بِالرِّبَا وَ الغُشِّ مَعَ اليَهُوْدِي, وَ تُوجِبُهُ مَعْ غَيْرِ اليَهُودِي, وَكذَلِكَ فِيْ دِيْنِ الرَّافِضَةِ يُحَرِّمُونَ التَّعَامُلَ بِالرِّبَا وَ الغُشِّ فِيْمَا بَيْنهُم, وَ يَعْتَبِرُونَ أَمْوَالَهُم بَيْنَهُم حَرَام, وَ يُحِلُّونَ وَ يُوْجِبُونَ اسْتِحْلالَ أَمْوُالِ أَهْلِ السُّنّة .
وَ مِنْ تَعَالِيمِ اليَهُودِ أَنّهُ يُحَرِّمُ عَلَى اليَهُودِيّ أَنْ يُسَاعِدَ أَوْ يُنْقِذَ غَيْرِ اليَهُودِيِّ إِنْ رَآهُ فِيْ حَالَةِ غَرَقٍ أَوْ مُوشِكٌ عَلَى السُّقُوطِ؛ بَلْ يَجِبْ هَدْمُ الحَائِطِ عَلَيهِ إِنِ اسْتَطَاع.(201/154)
وَ كَذَلِكَ الرَّافِضَةُ يُفْتُونَ لِعَوَامِّهِمِ مِثْل ذَلِك, وَ مِنْ ذَلِكَ مَا جَاءَ فِيْ كِتَابِ الأَنْوَارِ النُّعْمَانِيِّةِ لِعَالِمِهِم المَعْرُوفِ بِنِعْمَة الله الجزائري, وَ كِتَابِ [نَصْبِ النَّوَاصِبِ] لمِحسن المعلم مَا نَصُّه: "وَ فِيْ الرِّوَايَاتِ أَنَّ عَلي بنَ يقطين, وَ هُوَ وَزِيرُ الرَّشِيْد, قَدِ اجْتَمَعَ فِيْ حَبْسِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ المُخَالِفِينَ, و كَانَ مِنْ خَوَاصِّ الشِّيْعَة, فَأَمَرَ غِلْمَانَهُ وَ هَدُّوْا سَقْفَ الحَبْسِ عَلَى المَحْبوسِيْن؛ فَمَاتُوا كُلُّهُم وَ كَانُوْا خَمْسمائة رَجُلٍ تَقْريباً فَأَرادُوا الخَلاصَ مِنْ تَبِعَاتِ دِمَائِهِم؛ فَأَرْسَلَ إِلَى الإمام مَوْلانَا الكَاظِم, فَكَتَبَ عَلِيهِ السَّلامُ إِلَىِ جَوابَ كِتَابِه: بِأنَّكَ لَو كُنْتَ تَقَدَّمْتَ إِليَّ قَبْلَ مقْتَلِهِم لَمَا كَانَ عَلَيكَ شَيْءٌ مِنْ دِمَائِهِمْ وَ حَيْثُ أَنّكَ لَمْ تَتَقدَّمْ إِليَّ فَكَفّرْ عَنْ كُلِّ رَجُلٍ قَتَلتَهُ مِنْهُمْ بِتَيْسٍ، وَ التَّيْسُ خَيْرٌ مِنْه".
وَ هَذَا الأَمْرُ يُطَبَّقُ حَتَّى فِيْ أَيَّامِنَا هَذِه، فَهُنَاكَ طَبِيبٌ مِنْ "تلعفر" يُدْعَى: "عباس قلندر", تَابِعٌ لِلْمَجْلِسِ الأَعْلَى لِلثَّوْرَةِ الرَّافِضِيَّةِ الذِيْ يَتَزَعَّمَهُ عَبْدُ العَزِيزِ الحَكِيم, وَ كَانَ هَذَا الطَّبِيْبُ مُرَشَّحَاً لأَنْ يَكُوْنَ قَائمَقَام "تلعفر", كَانَ قَدْ أَعْطَى لِطِفْل, وَ هَذَا العِلاجُ كَانَ يُضَاعِفُ مِنْ الآثَارِ الجَانِبِيِّة للمَرَضِ مُتَعمِّداً ذَلِكَ لِسَببٍ بَسِيطٍ هُوَ أَنَّ الطِّفْلَ اسْمُه: "عمر"!.
وَ كَانَ هُنَاكَ طَبِيْبٌ آَخَر فِيْ "بعقوبة"؛ مَرْكِز مُحَافَظِةِ "ديالى" يَرْفُضُ أَنْ يُعَالِجَ أَيَّ مَرِيضٍ اسْمُهُ "عمر", أَوْ أَيَّةَ مَرِيْضَةٍ اسْمُهَا "عائشة".(201/155)
وَ قَدْ قَامَ المُجَاهِدُونَ بِفَضْلِ اللهِ بِمُحَاوَلَةِ اغْتِيالِ هَذَا الرَّافِضِيِّ الخَبِيثِ فَأَطْلَقُوا عَلِيهِ النَّار دَاخِلَ عِيَادَتِهِ فَأُصِيْبَ إِصَابَةً بَالِغَةً فِيْ رَقَبَتِه وَ اسْتَطَاعَ بَعْدَهَا الفِرَارَ إِلَى "إيران".
تاسعاً: إِنَّهُ لا بُدَّ مِنَ التَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ الجَرَائِمَ السِّيَاسِيّةِ فِيْ مَجَالِ الغَدْرِ وَ الاغْتِيَالاتِ عِنْدَ الرَّافِضَةِ لَيْسَت جَرَائِمَ فَرْدِيَّةً وَ لا عَشْوَائِية, وَ إِنَّما هِيَ جَرَائِمُ مُعدَّةٌ مِنْ قِبَلِ عُلَمَائِهِم وَ رُمُوزِهِم وَ رُؤَسَائِهْم, وَ تَقُومُ علَى أَسَاسٍ عَقَدِيِّ سِيَاسِيّ, وَ هِيَ مُرَتّبةُ تَرْتيباً عَسْكَريّاً مُنَظّمَاً, و أَفْرَادُهُ يُعْتَبَرُونَ مِنْ أَهَمِّ فَصَائِلِ وَ أَجْنِحَة الرَّافِضَة, كَيْفَ لا؟ وَ دَوْلَتُهُم وَ حُكْمُهُم وَ دَعْوَتُهُم لا تَقُولُ إِلا عَلَى عَاتِقِهِم, وَ لِذَلِكَ فِإِنَّ أَفْرَادَ هَذِهِ الفِرَقِ - فِرَقُ الاغْتِيالات- مُنْتَقُونَ بِعِنَايَةٍ فَائِقَة, وَ يُنْفَقُ عَلَى إِعْدَادِهِم المَبَالِغُ الطّائِلَة, وَ هَمْ حَرِيْصُونَ عَلَى أَنْ تَكُونَ ثَقَافَتَهُم عَالِية, وَ أَنْ تَكُوْنَ لَدِيْهِم مَعْرِفَةٌ بِلُغَاتٍ مُتَعدِّدَة, وَ لَهُم مُخَصَّصَاتٌ وَ رَوَاتِبٌ عَالِيَة, بِالإِضَافَة إِلى التَّأثِيْرَاتِ الدِّيْنِيّةِ و الإِيْحَاءَاتِ النّفْسِيةِ الدَّافِعَةِ لِتَثْبِيتِهِم عَلَى مَا يَقُومُونَ بِهِ مِنْ جَرَائِمَ حَتَّى يَعْمَدَ إِلَى تَخْدِيْرِهِم مِنَ خِلالِ إِسْقَائِهم الحشِيشَ الأَفْيونَ كَمَا كَانَتْ قَدِيْمَاً جَمَاعةُ الفَدَائيّينَ عِنْدَ القَرَامِطَةِ الإِسْمَاعِيلِية, وَ حَدِيْثاً يُمثِّلُ هَذِهِ الفِرَقُ فُرُوعٌ مُتَعَدِّدَةٌ تَنْتَمِي جَمِيْعُهَا مِنْ حَيْثُ اسْتِقَاؤُهَا وَ تَلَقِّيْهَا للمُهِمَّاتِ السِّريةِ الخَطِيْرَةِ(201/156)
لمَرْكَزٍ وَاحِد, أَلا وَ هُوَ مَرْكَزُ الإِمَامِ أَوْ نُوَّابِه, كُلُّ فِيْ قُطْرِه مُبَاشَرَة.
وَ مِنْ ذَلِكَ أَفْرَادُ الحَرَسِ الثَّوْرِي الإِيْرَانِي, وَ قُوَّاتُ التَّعْبِئةِ العَامَّةِ بِالباسيج, وَ الحَرَكَاتُ المسَلَّحَة؛ كَحَرَكةِ "أمل", وَ فِرَقِ الاغْتِيَالاتِ فِيْ حِزْبِ الله، وَ غَيْرِه.
وَ حَتَّى إِنْ كَانَتْ هُنَاكَ جَرَائِمُ اغْتِيَالاتٍ و نَهْبٍ فَرْدِية, فَذَلكَ أَيْضاً يَرْجِعُ إِلى فَتَاوَى عُلَمِائِهِم وَ تَحْرِيْضِهِم عَلَى قَتْل أَهْلِ السُّنةِ وَ اعْتِبَارِهْم مُسْتَبَاحِيْ الدَّمِ وَ المَاْل.
فَقَدْ جَاءَ فِيْ كِتَابَيْ [وَسَائِلِ الشِّيْعة], وَ [بحار الأنوار]: عَنْ دَاوُودَ بِنِ فَرْقَد قَاْل: قُلْتُ لأبِيْ عَبْدِ اللهِ عَلِيهِ السَّلام: مَا تَقُوْلُ فِيْ قَتْلِ النَّاصِبِ؟ فَقَال: حَلالُ الدَّم. وَ لَكِنْ اتَّقِيْ عَلَيْك, فَإِنْ قَدَّرْتَ أَنْ تَقْلِبَ عَلَيْهِ حَائِط أَوْ تُغْرِقَه فِيْ مَاءٍ لِكَي لا يَشْهدَ عَلَيْكَ فَافْعَل.
وَ عَلّقَ الإِمَامُ الخُمَيْنِيُّ عَلَى هَذَا بِقَوْلِه: فِإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَأْخُذَ مَالَهُ فَخُذْهُ وَ ابْعَثْ إِليْنَا بِالخُمُس!.
يَقُولُ صَاحِبُ كِتَاب[لله ثم للتاريخ] :"لَمَّا انْتَهى حُكْمُ آل بهلوي فِيْ إِيْرَانَ علَى أَثْر قِيَامِ الثَّوْرَةِ الإِسْلامِيَّةِ وَ تَسَلُّمِ الإِمَامِ الخُمَيْنِي زِمَام الأُمُورِ فِيْهَا، تَوَجَّبَ عَلى عُلَمَاءِ الشِّيْعَة زِيَارة و تَهْنِئَة الإِمَامِ بِهَذا النَّصْرِ العَظِيْمِ لِقِيامِ أوَّلِ دَوْلَةٍ شِيْعِيةٍ فِيْ العَصْرِ الحَدِيْثِ يَحْكُمُهَا الفُقَهَاء.(201/157)
وَ كَانَ وَاجِبُ التَّهْنئةِ يَقَعُ عَليَّ شَخْصِيّاً أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِي لِعَلاقَتِيْ الوَثِيْقَةَ بِالإِمَامِ الخُمَيّنِي. فَزُرْتُ إيران بَعْدَ شَهْرٍ وَ نَصْف - وَ رُبَّما أكثر - مِنْ دُخُولِ الإِمَامِ طَهران إِثْر عَوْدَتِه مِنْ مَنْفَاهُ باريس، فَرَحَّبَ بي كثيراً، وَ كَانِتْ زِيَارِتِيْ مُنْفَرِدَةً عَن زِيَارَةِ وَفْدِ عُلَمَاءِ الشِّيْعَةِ فِيْ العِرَاق.
وَ فِيْ جَلْسَةٍ خَاصَّةٍ مَعَ الإِمَامِ قَالَ لِيْ: سَيِّد حُسين، آنَ الأوانُ لِتَنْفِيذِ وَصَايَا الأئَمّة صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِم، سَنَسْفِكُ دِمَاءَ النَّواصِبِ نَقْتُلُ أَبْنَاءَهُم وَ نَسْتْحِيي نِسَاءَهُم، وَ لَنْ نَتْرِكَ أَحَداً مِنْهُمْ يُفْلِتُ مِنَ العِقَاب، وَ سَتَكُونُ أمْوَالُهُم خَالِصَةً لِشِيْعَةِ أَهْلِ البَيْت، وَ سَنَمْحُو مَكَّةَ وَ المَدِيْنَة مِنْ وَجْهِ الأَرْضِ لأَنَّ هَاتَينِ المديْنَتِينِ صَارَتَا مَعْقَلَ الوَهَّابِيِّين، وَ لا بُدَّ أَنْ تَكُونَ كربلاء أَرْضَ الله المُبَارَكِةِ المقَدَّسَة، قِبْلَةً للنِّاسِ فِيْ الصَّلاةِ وَ سَنُحَقَّق بِذَلِكَ حُلْمَ الأَئِمّةِ عَلَيْهِم السلام.
لَقَدْ قَامَتْ دَوْلَتُنا التِيْ جَاهَدْنَا سَنَواتٍ طَويلة مِنْ أَجْلِ إِقَامَتِهَا، وَ مَا بَقِيَ إِلا التّنفِيذ!! " ا.هـ.
وَ إِذَا رَبَطْنَا هَذِهِ المَقُولَة بِوَاقِعِ الرَّافِضَةِ اليَوْمَ فِيْ العِرَاق؛ نَجِدُ أنّ فَيْلق الغدر وَ جَيْشُ المَهْدِيّ المزْعُومِ وَ غَيْرِهِما قَدْ قَامَ بِهَذِهِ المُهِمَّةِ خَيْرَ قِيَام.(201/158)
فَهُوَ يُدَاهِمُ بُيُوتَ أَهْلِ السُّنَّةِ بِحُجَّّةَ ِالبَحَثِ عَنْ المُجَاهِدِين, وَ حَتى لَوْ لمَ يَجِدُوهُم، فَإِنِهَّمُ يَقُومونَ بِقَتْلِ الرِّجَالِ، وَ اقْتِيَادِ النِّسَاءِ، وَ سَجْنِهِم، وَ اسِتَباحَةِ أَعْرِاضِهِمِ، وَ نَهْبِ كُل مَا يُمْكِنُ أَنْ يُنْتَهَبَ مِنْ بُيُوتِ أَهْلِ السُّنَّةِ، فَأَصْبَحَتْ هُنَاكَ َالعَدِيدُ مِنِ َالجَرَائِمِ، وَ الانْتِهَاكَاتِ، وَ المَآسِي التِّّي قَامَتْ بِهَا هَذِهِ العِصَابَاتِ وَ المِلِيشِيَّات الرَّافِضِيَّة بِمُفْرَدِهَا أَوْ بِمُسَاعَدَةِ القُوَّاتِ الأَمْرِيكِيَّة المُحْتَلَّةِ و بِتَحْرِيضِ مِنَهَا, وَ التّي تَدُلُّ عَلَى بَشَاعَةِ مَا حَدَثَ خِلَالَ هَذِهِ السَّنَوَاتِ العِجَافِ, فَقَتَلَ المِئاَتِ مِنْ حَمَلَةِ الشَّهَادَاتِ العُلْيَا , وَ الخِبْرَاَتِ العِلْمِيَّةِ والأََكَادِيمِيَّةِ في عُلُومِ الشَّرِيعَةِ، وَ الطِبِّ، وَ الَهَنْدَسَةِ؛ نَاهِيكَ َعَنْ المِئاَتِ مِنْ القَتْلَى مِنْ أَئِمَّةِ المَسَاجِدِ، وَ الخُطُبَاَءِ، وَ العَامِلِينَ فِي المَسَاجِدِ مِنْ مُنْتَسِبِي دِيوَانِ الوَقْفِ السُّنِيّ, وَ مِئَات المُعْتَقَلِينَ مِنْ أَئِمَّةِ المَسَاجِدِ وَ الخُطُبَاَءِ وَ أَهْلِ المَسَاجِدِ, وَ مِئَات مِنْ المَسَاجِدِ التِّي تَمَّ مُدَاهَمَتُهَا وَ إِهَانَتُهَا, وَ عَشَرَاتِ المَسَاجِدِ التي دمرت أو تَضَرَّرَتْ ضررًا كبيرًا , أَوْ التِّي اسْتُوْلِيَ عَلَيْهَا، وَ حَوَّلَتْ إلى حُسَيْنِِيِّاتٍ أَوْ أَمَاكِن لِلْتَعَذِيبِ, وَ خَاصَّةً فِي المُحَافَظَاتِ الوُسْطَى، وَ الجَنُوبِيَّةِ.(201/159)
وَ لمْ يَقِفْ بَغْيُهُم، وَ جَورُهُم عَلَى الرِّجَالِ؛ بَلْ طاَلَ اِعْتِقَالَ النِّسَاءِ، وَاِغْتِصَابَهِنَّ،وَقَتْلَ الحَوَامِلِ مِنْهُنَّ, وَكَذَلِكَ قَتْلَ الأَطْفَالِ حَتَّى الرُّضَّعِ مِنْهُم، وَلَا مِنْ نَصِير مِنْ المُسْلِمِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ, فَإِنَّا لله وَ إنَّا إليْهِ رَاجِعُونَ.
عاشراً: لَقَدْ ثَارَتْ أُمَّةُ الإِسْلَام عَلَى مَا رَسَمَهُ أَحَدُ الصَّلِيبِيِينَ مِنَ الدِّنِمَرْك مُسْتَهْزِئاً بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ, وَ هُوَ مَا يَدُلُّ عَلَى غيرَتِهَا عَلَى رَسُولها عَلَيْهِ الصَّلاةِ وَ السَّلَامِ. فَكَيْفَ لَا تَثُورُ غِيرَةُ عُلَمَاءِ الإِسْلَامِ وَ دُعَاتِهِ عَلَى شَرَفِ، وَ مقَامِ النَبَيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَمَّ الذِي يَنْتَقِصُهُ هؤلاءُ الرَّافِضَة اللِّئَامِ، الَّذِينَ يَتَسَتَّرُونَ بِثَوْبِ حُبِّ أَهْلِ البَيْتِ، وَ هُمْ مِنْهُم بُرَآءٌ؛ بِالطَّعْنِ بأزْوَاجِ النَّّبِيّ، وَ أَصْحَابِهِ، وَ حَمَلَةِ دِينِهِ إلى النَّاسِ أَجْمَعِين.
فَوَاللهِ مَنْ يَتَقَرَّبُ إلى هؤلاءِ الرَّافِضَةِ المُبْتَدِعَةِ المُفْسِدِينَ بَعْدَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ؛ مَا هُوَ إلَّاَ رَجُلٌ قَدْ قَسَى قَلْبُهُ, وَ أَظْلَمَ وَجْهُهُ، وَ جَمُدَتْ عَيْنُهُ.(201/160)
حادِي عشر: إِنّ الرَّافِضَة هُمْ أَوَّلُ مِنْ تَبَنَّى وَ أَسَّسَ المَنْهَجَ التَّكْفِيرِيّ الضَّال المُنْحَرِفَ، حَيْثُ كَفَّرُوا ابْتِدَاءً جُلَّ صَحَابَةِ النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَمَّ مِمَّنْ نَقَلُوا لَنَا الدِّينَ، وَ فَتَحَ اللهُ بِهِم الإِسْلَامَ إِلَى أَرْجَاء المَعْمُورَةِ, وَ لَمْ يَكُنْ خَطَرُ تَكْفِيرِهِم محصُوراً فِي الجَانِبِ النَّظَرِيّ فَحَسْب، بَلْ تَعَدَّى ذَلِكَ إلى الجَانِبِ العَمَلِيّ, فَهُمْ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ السُّنَّةَ السَّيِّئَةَ بِقَتْلِ أَئِمَةِ وَ خُلَفَاءِ المُسْلِمِينَ، كَمَا فَعَلُوا مَعَ سَيِّدْنَا عُمَرَ الفَاروق رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ وَ غَيْرُه. وَ تَتَمَادَى عَجَلَةُ عَقِيدَةِ التَّكْفِيرِ عِنْدَهُمُ إلى تَكْفِير أَهْلِ السُّنَّةِ كَافَّةً، مِمَّنْ يَسْمُونَهُم أَبْنَاءَ العَامَّة النَّوَاصِبَ بِحُجَّةِ إِنْكَارِ أَهْلِ السُّنَّةِ لِأَصْلٍ أَصِيلٍ عِنْدَهُمْ مِنْ أُصُولِ دِينِهِم؛ أَلَا وَ هُوَ أَصْلُ الإِمَامَةِ وَ العِصْمَةِ, وَ الذِي جَعَلُوهُ مِنْ أَهَمِّ مُرْتَكِزَاتِ وَ أُصُولِ عَقَائِدِهِم الفَاسِدِةَ.(201/161)
وَ مِمَّا يُجَسِّدُ هَذَا المعْنَى، وَاقِعَهُم العَمَلِيّ عَلَى مَرِّ الأزْمِنَةِ، فَنَرَاهُم حَيْثُ تَمَكَّنُوا وَ تَهَيَّأَ لَهُم ظَرْفُ الغَدْرِ وَالخِيَانَةِ وَالعِمَالَةِ دَعَوْا لِتَطْبِيقِ هَذَا المَنْهَجِ التَّكْفِيرِيّ المُنْحْرِفِ, وَاليَوْمِ اسْتَبَاحُوا بِمَا يُغْنِي بِهِ لِسَانُ الحَالِ عَنْ لِسَانِ المَقَالِ دِمَاءَ، وَ أَعْراضَ، وَ أْمَوالَ أَهْلِ السُّنَّةِ حَيْثُ اتَّخَذُوا ذَرِيعَةَ ضَرْبِ بَعْضِ المَرَاقِدَ الشِّرْكِيَّةِ بِنِسْبَةِ ذَلِكَ لأهْلِ السُّنَّةِ عَلَى زَعْمِهِم, عِلْمًا أَنَّ خُطُوطِهِمُ الحَمْرَاءِ قَدْ تَجَاوَزَهَا سَادَاتُهِم الأمريكان بِفَرَاسِيخَ وَأَمْيَالٍ عَدِيدَةٍ, وَلَمْ تُحَرِّكْ مَرَاجِعُهُم الهَارِبَةُ خَارِجَ البِلَادِ حِينَئِذٍ –نَاهِيكَ عَنْ عَوَامِّهِم- سَاكنًا كَمَا فَعَلَتْ اليَوْمَ مَعَ أَهْلِ السُّنَّةِ, بَلْ وَ قَابَلَ وَكَافَأَ جَيْشُ مَهْدِيهِم قُوَّاتِ الاحْتِلَالِ التِّي ضَرَبَتْ المَرْقَدَ المَزْعُومِ ِللإِمامِ ِعَلِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِتَسْلِيم أَسْلِحَتَهِمُ بِذِلَّةٍ وَصِغَارٍ لمن قَتَلَهُم وَأَذَلَّ مُقَدَّسَاتِهِم، فَكَانَت مَسْرَحِيَّة ضَرْبِ مَرْقَدَيّ الَهادِي وَالعَسْكَرِيّ المَزْعُومَيْنِ ذَرِيعةً وَاهِيَةً زَائِفَةً كَشَفَتْ عَنْ قِنَاعِ حِقْدِهِم الدَّفِين عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ السُّنَّةِ دُونَ أَنْ تُمَيِّزَ بين جَمَاعَةٍ مِنْهُم أَوْ أُخْرَى.(201/162)
وَ مِمَّا يُثِيرُ العَجَبَ، أَنَّ هَذَهِ الأَفْعَالِ الوَحْشِيَّة مِنْهُم لَمْ تَنِلْ أَعْدَاءَ الإِسْلَامِ مِنْ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى فِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ العَالمِ كَمَا نَرَاهُ اليَوْمَ، بَلْ عَلَى العَكْسِ؛ كَانُوا لهُمْ خَيْرَ عَوْنٍ وَنَصِير عَلَى مَرِّ العُصُورِ، وَ كَرَ ِّالدُّهُورِ عَلَى الإِسْلَام وَأَهْلِهِ. وَ بِهَذَا تَتَجَلَّى لِلْنَاسِ كَافَة أَنَّ ثَوْرَتَهُم الغَوْغَائِيَّة هَذِهِ بِسَبَبِ مَرَاقِدِهِم الشِّرْكِيَّة، و التي اِفْتُعِلَتْ أَزْمَتُهَا مِنْ سَادِتِهِم المجُوسِ، لَهِي خَيْرُ دَلِيل عَلَى تَعْظِيمِهِم بَلْ وَ تَقْدِيمهم حُرُمَاتِ أَئِمَّتِهِم المَعْصُومينَ عَلَى حُرُمَاتِ اللهُ وَرَسُولِهِ وَالمُسْلِمِين حِينَمَا تُنْتَهَكُ مِنْ قِبَلِ أَعْدَاءِ الدِّينِ فِي شَتَّى بِقَاعِ الأرْضِ، فَمَثلاً؛ لم تَثُرْ ثَائِرَتُهُم كَمَا نَرَاه من أفْعَالهِمُ اليَوْمَ عَلَى مَنْ نَشَرَ الصُّوَرَ المُسِيئَةَ للرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ, وَ عَلَى الْمُحْتَلِين الذين أَسَاؤوا لعَقِيدَةِ الإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ مِمّا يَدُلُّنَا عَلَى تفْضَيلِهِم أئمَّتَهَم عَلَى مَقَامِ اللهِ وَ رَسُولِهِ الْكَرِيم.
* * *(201/163)
فَيَا أَهْلَ السُّنَّةِ أَفِيقُوا وَانْتْهِضُوا, وَ اِسْتَعِدُّوا لِلَفْظِ وَ بَكَرْ ِسُمُومِ أَفَاعِي الرَّافِضَة، التِّي كَانَتْ تَلْدَغُ بِكُم وَتَسُومُكُم سُوءَ العَذَابِ مُنْذُ احْتِلَالِ العِرَاقِ, وَإِلَى يَوْمِنَا هَذَا, وَ كَفَاكُم مِنْ دَعَاوَى تَرْكِ الطَّائِفِيَّةِ وَ الوِحْدَةِ الوَطَنِيَّة, وَ التّي أَصْبَحَتْ تُسْتَخْدَم سِلَاحًا لِتَرْوِيضِكُم وَ تَثْبِيطِكُم وَ اِسْتِسْلَامِكُم, وَ تَطْبِيعِكُم عَلَى الُجْبِنِ حينَ تَتَعَرَّضُون لِكَيْدِ وَ لَؤمِ هؤلاءِ، الذِينَ كَانُوا مِنْ أَبْرَزَ مَنْ وَالَى وَ سَالمَ المُحْتَلَ, وَ سَعَى فِي تَخْريبِ وَنَهْبِ خَيْرَاتِ البِلَاد. وَ لَم يَكْتَفُوا بِهَذَا, بَلْ وَاسْتَمَرُوا بِتَنْفِيذِ مُخُطَّّطَاتِهِم وَ سُمُومِهِم عَلَيْكُم بِزِيّ الحَرَسِ وَ الشُّرْطَةِ، فَأَوْقَعُوا مَا أَوْقَعَوُا مِنْ جَرَائِمَ، وَ فِتَنٍ بَيْنَ صُفُوفِكُم مِنْ قَتْلٍ، وَ نَهْبٍ، وَ اعْتِقَالٍ لِرِجَالٍ، وَ أَطْفَالٍ، وَ نِسَاءٍ, سَوَاءٌ أَكَانَ بِمُسَانَدَتِهِم لَقُوَّاتِ الاحْتِلَال أَوْ بِمَنَاصِبِهِم الرَّّسْمِيَّةِ، وَ التي اتَّخَذُوهَا غِطَاءً يُسُومُونَكُم بِهِ سُوءَ العَذَابِ، فَيُذَبِّحُون بِهِ أَبَنَاءَكُم, وَ يَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ, وَ نَرَاهُم عَقَدُوا الخُطَطَ المُشْتَرَكَةَ َالخَبِيثَةَ، وَ تَقَاسَمُوا أَدْوَارَهَا, فَالسِيسْتَانِيّ الإيرَانِيّ وَاعِظُ المحْتَلِ إِمَامٌ لِلْكُفْرِ وَ الزَّنْدَقَةِ يُشَرْعِنْ الفَتَاوَى ذَاتِ البَلَاوَىَ عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ, وَ بِمَا يخْدُمُ مَصَالحَ المحْتَلِينَ، وَ الحَكَيِم، وَ الجَعْفَرِيّ، وَ مَنَ ْوَالَاهُم مِنِ ذِئَابِهِم يَتَسَتَّّرُون بِجُلُودِ الخِرَافِ، بِلَبْسِ ثَوْبِ العَمَلَيَّة السِيَاسِيَّة المَزْعُومَة ظاهراً, وَ هِيَ فِي الحَقِيقَةِ وَ الوَاقِعِ لتَثْبِيتِ وَ تَوْسِيعِ(201/164)
الرُّقْعَةِ الجُغْرَافِيَّةِ لِلْحُكْمِ الفَارِسِيّ الإيرَاني الرَّافِضِيّ.
وَ أَمَّا في مَا وَرَاءَ الكَوَالِيس فَيُمَارِسُونَ حمْلَةَ الإِبَادَةِ الجَمَاعِيَّةِ المُنَظَّمَةِ الشَّرِسَة مُنْذُ أَكَثْرَ ِمنْ ثَلَاثِ سَنَوَاتٍ عَلَى مُخْتَلِفِ طَبَقَات المُجْتَمَع, وَ بِخَاصَّةً الفِئَة البَنَّاءَة السُّنِّيِة في المُجْتَمَعِ من خِلَال الاغْتِيَالاتِ وَ الاعْتِقَالاتِ فِي غَيَابَات سُجُونِ الدَّاخِلِيَّة، وَ بعضِ حُسَينِيَّاتهم التّي يَسُومُونَ أَهْلَ السُّنَّةِ فيها سُوءَ العَذَابِ.(201/165)
أَمَّا جَيْشُ المَهْدِيّ المَزْعُوم عِنْدَهُم، فَقَد كَانَ تَشْكيلُه مَعْقُودًا أَسَاساً عَلَى حِمايَةِ عَقِيدَتِهم الرَّافِضِيَّة، وَ محَارَبَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ, وَ أَرَادُوا من تَهْيِأِتِهِ؛ جَعْلَهُ وَرَقَةً بَدِيلَةً يُقَامِرُونَ بِهَا لِتَمْكينِ العَقِيدَةِ الرَّافِضِيَّةِ فيما إِذَا كَانَتْ كَفَّة المُقَاوَمَة رَاجِحَة عَلَى كَفَّةِ السِيَاسِيينَ لاعْتِلَاء الحُكْم. وَ مِمِاَّ يَدُلُّنَا عَلَى عُمْقِ، وَ جُذُورِ حِقْدِهِم: مَا ذَكَرَهُ مُقْتَدَى الصَّدر فِي أَوَّلِ خُطْبَةٍ لَهُ فِي الكُوفَةِ بَعْدَ دُخُولِ الصَّلِيبيينَ، وَ تَشْكِيلِ جَيْشِهِم, قَالَ فِيهَا: ( إِنَّ هَذَا الجَيْشَ أُنشِأَ لِمُعَاقبةِ من تَخَلَّفَ عَنْ بَيْعَةِ أمِيرِ المؤْمِنِينَ عَلِيّ رَضِيَ الله عَنْهُ!)، فَتَأَمَّلُوا يَا إِخْوَتِي هَذَا الكَلَام الذِي صَدَرَ مِنْهُ قبْلَ أَنْ تطْلَقَ طَلْقَةٌ بَيْنَنَا، وَ بَيْنَهُم. وَ قد جَاءَ اليَوْمِ الذِي بَانَتْ سَوْءَتُهُم لِلْقَاصِي، وَ الدَّاني, وَ ظَهَرَتْ حَقِيقَتُهُم لِكُلِ راءٍ، وَ سَامِعٍ بِمَا لا يجْعَلُ مَجَالًا لِلْشَكِّ, لَأَنّ هَؤُلَاء الحَاقِدِينَ لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِن إِلَّاً وَ لَا ذِمَّة, وَ مَا تُخْفِي صُدُورِهِم أَكْبَر, فَفَعَلُوا مَا فَعَلُوا مِنْ بَغْيٍ، وَ ظُلْمٍ، وَ قتلِ المَشَايِخِ، وَ المُصَلِّّينَ، وَ أَبْرِياء النَّاسِ بعَمَلِيَّة دُبِّرَتْ بِلَيْلٍ بالأَمْسِ القَرِيب, وَ بِفِتْرَةً قِيَاسِيَّة عَلَى مَا يقْرُبُ مِنْ المائتَيّ مَسْجِدٍ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا العَمَلَ ِالجَبَانِ مِنْهُم كَانَ مُدَبرًا مُفُتْعَلاً، وَ مَدرُوسًا بِتَرْتِيبِ الدَّوْلَة السَّبَئِيَّة، فقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ(201/166)
لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة:114]، وَلَمْ يَقِف الأَمْرُ عِنْدَ هَذَا الحَدّ، بَلْ فَعَلُوا فِعْلَةً يَنْدَى لهَاَ جَبِين التَّارِيخِ المُعَاصِرِ بتَفَرُّدِهِم بِأَفْعَالٍ كُفْرِيَّةٍ مُشُينَةٍ فَاقُوا، و امْتَازُوا بِهَا عَنْ الكُفَّار الأَصْلِيينَ المُحَارِبِينَ لِهَذَا الدِّينِ، حَيْثُ مَزَّقُوا المَصَاحِفَ، وَ الآيَاتِ القُرْآنيَّةَ، وَ المَعَالمَ الإِسْلَامِيَّة فِي العَشَرَاتِ من بيُوتِ اللهِ حَتّى أَثْبَتُوا أَنَّهُم أَعْدَاءُ اللهِ حقًّا قَاتَلَهُم الله أنَّى يُؤْفَكُون!.
فَنَقُولُ لَهُ: لَقَد تَعَدَّيْتَ حُدُودَكَ، وَ اجْتَرَأْتَ عَلَى حِمَى أَهْلِ السُّنَّةِ, ثُمَّ بَعَدَ ذَلِكَ ادَّعَيْتَ زُوراً، وَ كَذِبًا وَ تْدِليساً، وَ تمْوِيهاً، بَأَنَّكَ مِمَّنْ أَمَر أَتْبَاعَهِ بِحِمَايَةِ مَسَاجِدِ أَهْلِ السُّنَّةِ, وَ عَلَيْهِ فَنَحْنُ قَدْ قَبِلْنَا دُخُولَ المَعْرَكَةِ مَعَكَ, وَ مَعَ قَطيعِ أَغَنَامِكَ، وَ لَكِنْ بِشَرْطَيْنِ اثَنْيْنِ, لابُدَّ أَنْ تَقُومَ بِهِمَا, وَ لَا أَخَالُكَ تَفْعَل، الشَّرْطُ الأَوَّلُ:
أَنْ تَقِفَ أَنْتَ، وَ مَنْ مَعَك وَقْفَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ تَسْتَرِّدُونَ فِيهَا أَسْلِحَتَكُم التّي بِعْتُمُوهَا لِلْصَلِيبِيينَ، وَ أَنْتُم أَذِلّة صَاغِرِينَ, يَوْم أََنْ فَرَضَ عَلَيَكْمُ شُرُوطَه، وَ قَامَ بِإِهَانَتِكُم فِي عُقْرِ دَارِكُم، وَ وَطئَتْ أَقْدَامِ جُنُودِهِ الصَّحْنَ الحيْدَرِيّ المَزْعُوم. و الشَّرْطُ الثَّاني:
أَلَّا يَخْرُجَ فِي جَيْشِكَ لِقِتَالِنَا إِلَّا مَنْ عَرَفَ وَالِدَهُ.
وَ الله غالبٌ عَلَى أَمْرِه وَ لَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ، وَ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالمَيِنَ
(المعلّق) أخِي المُستمعَ الكريم:(201/167)
انْتَهَت مادّةُ هذا الشريط، و به تنتهي المحاضرة شاكرينَ لكم حسن استماعكِم و إنصاتكم... و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
نهاية المادة المفرغة
تم بحمد الله
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
يسرّ الشبكة و الورشة أن تستقبل تعليقاتكم و توجيهاتكم بخصوص هذا العمل و أعمال أخرى
و لا تنسونا من صالح دعواتكم
سبحانك ربي رب العزة عما يصفون
و سلام على المرسلين
و الحمد لله رب العالمين
إخوانكم في
::شبكة البراق الإسلامية / ورشة عمل البراق::
www.al-boraq.com
14 جمادى الثاني 1427 هـ(201/168)
المبحث الثالث : هل يجوز لعن يزيد بن معاوية ؟
... الحقيقة أنني ترددت كثيراً في إدراج هذه المسألة في هذا البحث وذلك لسببين ، أولهما أن الأمر يحتاج إلى نفس عميق وبحث متأن حتى لا تزل القدم بعد ثبوتها ، والسبب الآخر أن هذه المسألة قد وقع فيها التخبط الكثير من الناس ، وأحياناً من الخواص فضلاً عن العوام ، فاستعنت بالله على خوض غمار هذه المسألة ونسأل الله الهداية والرشاد
وقد صنفت المصنفات في لعن يزيد بن معاوية والتبريء منه ، فقد صنف القاضي أبو يعلى كتاباً بيّن فيه من يستحق اللعن وذكر منهم يزيد بن معاوية ، وألف ابن الجوزي كتاباً سمّاه " الرد على المتعصب العنيد المانع من ذم يزيد " ، وقد اتهم الذهبي - رحمه الله- يزيد بن معاوية فقال : " كان ناصبياً، فظاً ، غليظاً ، جلفاً ، يتناول المسكر ويفعل المنكر "(1) ، وكذلك الحال بالنسبة لابن كثير – رحمه الله – حينما قال : " وقد كان يزيد فيه خصال محمودة من الكرم ، والحلم ، والفصاحة ، والشعر ، والشجاعة ، وحسن الرأي في الملك ، وكان ذا جمال وحسن معاشرة ، وكان فيه أيضاً إقبال على الشهوات ، وترك الصلوات في بعض أوقاتها ، وإماتتها في غالب الأوقات "(2)
قلت : الذي يجوز لعن يزيد وأمثاله ، يحتاج إلى شيئين يثبت بهما أنه كان من الفاسقين الظالمين الذين تباح لعنتهم ، وأنه مات مصرّاً على ذلك ، والثاني : أن لعنة المعيّن من هؤلاء جائزة .
وسوف نورد فيما يلي أهم الشبهات التي تعلق بها من استدل على لعن يزيد والرد عليها :
أولا: استدلوا بجواز لعن يزيد على أنه ظالم ، فباعتباره داخلاً في قوله تعالى { ألا لعنة الله على الظالمين }
الرد على هذه الشبهة :
__________
(1) سير أعلام النبلاء 4/38 .
(2) البداية والنهاية 8/233(202/1)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : " هذه آية عامة كآيات الوعيد ، بمنزلة قوله تعالى { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً }وهذا يقتضي أن هذا الذنب سبب للعن والعذاب ، لكن قد يرتفع موجبه لمعارض راجح ، إما توبة ، وإما حسنات ماحية ، وإما مصائب مكفّرة ، وإما شفاعة شفيع مطاع ، ومنها رحمة أرحم الراحمين "(1)ا.هـ .
فمن أين يعلم أن يزيد لم يتب من هذا ولم يستغفر الله منه ؟ أو لم تكن له حسنات ماحية للسيئات ؟ أو لم يبتلى بمصائب وبلاء من الدنيا تكفر عنه ؟ وأن الله لا يغفر له ذلك مع قوله تعالى { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " إن لعن الموصوف لا يستلزم إصابة كل واحد من أفراده إلا إذا وجدت الشروط ، وارتفعت الموانع ، وليس الأمر كذلك "(2)
ثانياً : استدلوا بلعنه بأنه كان سبباً في قتل الحسين – رضي الله عنه - :
الرد على هذه الشبهة:
الصواب أنه لم يكن ليزيد بن معاوية يد في قتل الحسين – رضي الله عنه - ، وهذا ليس دفاعاً عن شخص يزيد لكنه قول الحقيقة ، فقد أرسل يزيد عبيد الله بن زياد ليمنع وصول الحسين إلى الكوفة ، ولم يأمر بقتله ، بل الحسين نَفْسُه كان حسن الظن بيزيد حتى قال دعوني أذهب إلى يزيد فأضع يدي في يده . قال ابن الصلاح – رحمه الله - : " لم يصح عندنا أنه أمر بقتله – أي الحسين رضي الله عنه - ، والمحفوظ أن الآمر بقتاله المفضي إلى قتله – كرمه الله – إنما هو عبيد الله بن زياد والي العراق إذ ذاك "(3)
__________
(1) منهاج السنة النبوية 4/570-571
(2) رفع الملام ص91 .
(3) فتاوى ومسائل ابن الصلاح 1/216-219.(202/2)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : " إن يزيد بن معاوية لم يأمر بقتل الحسين باتفاق أهل النقل ولكن كتب إلى ابن زياد أن يمنعه عن ولاية العراق ، ولما بلغ يزيد قتل الحسين أظهر التوجع على ذلك وظهر البكاء في داره ، ولم يَسْبِ لهم حريماً بل أكرم أهل بيته وأجازهم حتى ردّهم إلى بلادهم ، أما الروايات التي في كتب الشيعة أنه أُهين نساء آل بيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأنهن أُخذن إلى الشام مَسبيَّات ، وأُهِنّ هناك هذا كله كلام باطل ، بل كان بنو أمية يعظِّمون بني هاشم ، ولذلك لماّ تزوج الحجاج بن يوسف فاطمة بنت عبد الله بن جعفر لم يقبل عبد الملك بن مروان هذا الأمر ، وأمر الحجاج أن يعتزلها وأن يطلقها ، فهم كانوا يعظّمون بني هاشم ، بل لم تُسْبَ هاشميّة قط " ا.هـ .(1)
قال ابن كثير – رحمه الله - : " وليس كل ذلك الجيش كان راضياً بما وقع من قتله – أي قتل الحسين – بل ولا يزيد بن معاوية رضي بذلك والله أعلم ولا كرهه ، والذي يكاد يغلب على الظن أن يزيد لو قدر عليه قبل أن يقتل لعفا عنه ، كما أوصاه أبوه ، وكما صرح هو به مخبراً عن نفسه بذلك ، وقد لعن ابن زياد على فعله ذلك وشتمه فيما يظهر ويبدو "ا.هـ.(2)
وقال الغزالي – رحمه الله - : " فإن قيل هل يجوز لعن يزيد لأنه قاتل الحسين أو آمر به ؟ قلنا : هذا لم يثبت أصلاً فلا يجوز أن يقال إنه قتله أو أمر به ما لم يثبت ، فضلاً عن اللعنة ، لأنه لا تجوز نسبة مسلم إلى كبيرة من غير تحقيق " (3)
قلت : ولو سلّمنا أنه قتل الحسين ، أو أمر بقتله وأنه سُرَّ بقتله ، فإن هذا الفعل لم يكن باستحلال منه ، لكن بتأويل باطل ، وذلك فسق لا محالة وليس كفراً ، فكيف إذا لم يثبت أنه قتل الحسين ولم يثبت سروره بقتله من وجه صحيح ، بل حُكِي عنه خلاف ذلك .
__________
(1) منهاج السنة 4/557-559 .
(2) البداية والنهاية 8/202-203.
(3) إحياء علوم الدين 3/134.(202/3)
قال الغزالي : "فإن قيل : فهل يجوز أن يقال : قاتل الحسين لعنه الله ؟ أو الآمر بقتله لعنه الله ؟ قلنا : الصواب أن يقال : قاتل الحسين إن مات قبل التوبة لعنه الله ، لأنه يحتمل أن يموت بعد التوبة ، لأن وحشياً قتل حمزة عم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قتله وهو كافر ، ثم تاب عن الكفر والقتل جميعاً ولا يجوز أن يلعن ، والقتل كبيرة ولا تنتهي به إلى رتبة الكفر ، فإذا لم يقيد بالتوبة وأطلق كان فيه خطر ، وليس في السكوت خطر ، فهو أولى "(1)
ثالثا : استدلوا بلعنه بما صنعه جيش يزيد بأهل المدينة ، وأنه أباح المدينة ثلاثاً حيث استدلوا بحديث " من أخاف أهل المدينة ظلماً أخافه الله ، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله من صرفاً ولا عدلاً "
الرد على هذه الشبهة :
__________
(1) إحياء علوم الدين 3/134.(202/4)
إن الذين خرجوا على يزيد بن معاوية من أهل المدينة كانوا قد بايعوه بالخلافة ، وقد حذّر النبي – صلى الله عليه وسلم – من أن يبايع الرجل الرجل ثم يخالف إليه ويقاتله ، فقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم - : " ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع ،فإن جاء أحد ينازعه فاضربوا رقبة الآخر "(1) ، وإن الخروج على الإمام لا يأتي بخير ، فقد جاءت الأحاديث الصحيحة التي تحذّر من الإقدام على مثل هذه الأمور ، لذلك قال الفضيل بن عياض– رحمه الله - : " لو أنّ لي دعوة مستجابة ما جعلتها إلا في إمام ، فصلاح الإمام صلاح البلاد والعباد " (2) ، وهذا الذي استقرت عليه عقيدة أهل السنة والجماعة ، ومعركة الحرة تعتبر فتنة عظيمة ، والفتنة يكون فيها من الشبهات ما يلبس الحق بالباطل ، حتى لا يتميز لكثير من الناس ، ويكون فيها من الأهواء والشهوات ما يمنع قصد الحق وإرادته ،ويكون فيها ظهور قوة الشر ما يضعف القدرة على الخير ، فالفتنة كما قال شيخ الإسلام : " إنما يعرف ما فيها من الشر إذا أدبرت فأما إذا أقبلت فإنها تُزين ، ويُظن أن فيها خيراً "(3) .
وسبب خروج أهل المدينة على يزيد ما يلي :
غلبة الظن بأن بالخروج تحصل المصلحة المطلوبة ، وترجع الشورى إلى حياة المسلمين ، ويتولى المسلمين أفضلهم .
عدم علم البعض منهم بالنصوص النبوية الخاصة بالنهي عن الخروج على الأئمة .
__________
(1) صحيح مسلم 12/233 .
(2) سير أعلام النبلاء 8/434
(3) منهاج السنة 4/409.(202/5)
قال القاضي عياض بشأن خروج الحسين وأهل الحرة وابن الأشعث وغيرهم من السلف : " على أن الخلاف وهو جواز الخروج أو عدمه كان أولاً ، ثم حصل الإجماع على منع الخروج عليهم والله أعلم "(1) ، ومن المعلوم أن أهل الحرّة متأولون ، والمتأول المخطئ مغفور له بالكتاب والسنة ، لأنهم لا يريدون إلا الخير لأمتهم ، فقد قال العلماء : " إنه لم تكن خارجة خير من أصحاب الجماجم والحرّة "(2) ، وأهل الحرة ليسوا أفضل من علي وعائشة و طلحة و الزبير وغيرهم ، ومع هذا لم يحمدوا ما فعلوه من القتال ، وهم أعظم قدراً عند الله ، وأحسن نية من غيرهم(3).
... فخروج أهل الحرة كان بتأويل ، ويزيد إنما يقاتلهم لأنه يرى أنه الإمام ، وأن من أراد أن يفرق جمع المسلمين فواجب مقاتلته وقتله ، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح(4).وكان علي – رضي الله عنه – يقول : " لو أن رجلاً ممّن بايع أبا بكر خلعه لقاتلناه ، ولو أن رجلاً ممّن بايع عمر خلعه لقاتلناه "(5)
... أما إباحة المدينة ثلاثاً لجند يزيد يعبثون بها يقتلون الرجال ويسبون الذرية وينتهكون الأعراض ، فهذه كلها أكاذيب وروايات لا تصح ، فلا يوجد في كتب السنة أو في تلك الكتب التي أُلِّفت في الفتن خاصّة ، كالفتن لنعيم بن حمّاد أو الفتن لأبي عمرو الداني أي إشارة لوقوع شيء من انتهاك الأعراض ، وكذلك لا يوجد في أهم المصدرين التاريخيين المهمين عن تلك الفترة ( الطبري والبلاذري ) أي إشارة لوقوع شيء من ذلك ، وحتى تاريخ خليفة على دقته واختصاره لم يذكر شيئاً بهذه الصدد ، وكذلك إن أهم كتاب للطبقات وهو طبقات ابن سعد لم يشر إلى شيء من ذلك في طبقاته .
__________
(1) النووي – شرح مسلم 12/229
(2) العلل ومعرفة الرجال للإمام أحمد 2/291
(3) منهاج السنة بتصرف 4/427-428
(4) انظر في ص
(5) المطالب العالية 4/296 (4458) .(202/6)
نعم قد ثبت أن يزيد قاتل أهل المدينة ، فقد سأل مهنّا بن يحيى الشامي الإمام أحمد عن يزيد فقال : " هو فعل بالمدينة ما فعل قلت : وما فعل ؟ قال : قتل أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وفعل . قلت : وما فعل ؟ قال : نهبها " وإسنادها صحيح(1) ، أما القول بأنه استباحها فإنه يحتاج إلى إثبات ، وإلا فالأمر مجرد دعوى ، لذلك ذهب بعض الباحثين المعاصرين إلى إنكار ذلك ، من أمثال الدكتور نبيه عاقل ، والدكتور العرينان ، والدكتور العقيلي (2). قال الدكتور حمد العرينان بشأن إيراد الطبري لهذه الرواية في تاريخه " ذكر أسماء الرواة متخلياً عن مسئولية ما رواه ، محملاً إيانا مسئولية إصدار الحكم ، يقول الطبري في مقدمة تاريخه(3) : " فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه أو يستشنعه سامعه ، من أجل أنه لم يعرف له وجهاً من الصحة ولا معنى في الحقيقة ، فليعلم أنه لم يؤت من قبلنا وإنما أُتي من بعض ناقليه إلينا(4) "ا.هـ.
... قلت : ولا يصح في إباحة المدينة شيء ، وسوف نورد فيما يلي هذه الروايات التي حصرها الدكتور عبد العزيز نور – جزاه الله خيراً – في كتابه المفيد " أثر التشيع على الروايات التاريخية في القرن الأول الهجري – والتي نقلها من كتب التاريخ المعتمدة التي عنيت بهذه الوقعة(5) :
__________
(1) السنة للخلال 845 .
(2) د. نبيه عاقل : تاريخ خلافة بني أمية112 ، د. العرينان : إباحة المدينة وحريق الكعبة 38-40 ، د. عمر العقيلي : يزيد بن معاوية حياته وعصره ص69.
(3) تاريخ الطبري 5/491 .
(4) إباحة المدينة للدكتور العرينان 38-39 .
(5) أثر التشيع على الروايات التاريخية في القرن الأول 383-385.(202/7)
... نقل ابن سعد خبر الحرة عن الواقدي(1) . ونقل البلاذري عن هشام الكلبي عن أبي مخنف نصاً واحداً (2)، وعن الواقدي ثلاثة نصوص (3). ونقل الطبري عن هشام الكلبي أربعة عشر مرة (4)، وهشام الكلبي الشيعي ينقل أحياناً من مصدر شيعي آخر وهو أبو مخنف حيث نقل عنه في خمسة مواضع(5) .ونقل الطبري عن أبي مخنف مباشرة مرة واحدة (6). وعن الواقدي مرتين (7). واعتمد أبو العرب على الواقدي فقط ، فقد نقل عنه أربعاً وعشرين مرة(8) .ونقل الذهبي نصين عن الواقدي(9) . وذكرها البيهقي من طريق عبد الله بن جعفر عن يعقوب بن سفيان الفسوي(10) . وأول من أشار إلى انتهاك الأعراض هو المدائني المتوفى سنة 225هـ (11) ويعتبر ابن الجوزي أول من أورد هذا الخبر في تاريخه(12) .
قلت : ممّا سبق بيانه يتضح أن الاعتماد في نقل هذه الروايات تكمن في الواقدي ، وهشام الكلبي ، وأبي مخنف ، بالإضافة إلى رواية البيهقي التي من طريق عبد الله بن جعفر .
__________
(1) الطبقات الكبرى 5/6 ، 70 ( أربع مرات ) 71 ، 145 ( مرتان ) ، 146 ( ثلاث مرات ) ، 215 ، 225 ( مرتان ) ، الجزء المتمم : 103-104، 105
(2) أنساب الأشراف 4/31.
(3) أنساب الأشراف 4/30، 37، 41 .
(4) تاريخ الطبري 5/482،487 (مرتان) ، 489( مرتان ) 491(مرتان )، 492( مرتان )، 493(ثلاث مرات) ،494.
(5) تاريخ الطبري 5/482،487،489،491،492.
(6) تاريخ الطبري 5/491
(7) تاريخ الطبري 5/485-494.
(8) المحن 159،160،161(مرتان )، 162( مرتان )163، 164(مرتان )165( ثلاث مرات )، 166 ( مرتان )176 ( ثلاث مرات ) 169، 171( مرتان )، 172(مرتان ) 182، 183( مرتان ) .
(9) تاريخ الإسلام 5/475،480.
(10) دلائل النبوة للبيهقي 6/475.
(11) مواقف المعارضة في خلافة يزيد ص433 .
(12) ابن الجوزي المنتظم 6/15 ، السمهودي وفاء الوفاء 1/134 ، وأورده ابن كثير عن المدائني مباشرة من دون إسناد 8/221 .(202/8)
... أما الروايات التي جاءت من طريق الواقدي فهي تالفة ، فالواقدي قال عنه ابن معين : " ليس بشيء " (1). وقال البخاري : " سكتوا عنه ، تركه أحمد وابن نمير "(2) . وقال أبو حاتم و النسائي : " متروك الحديث " (3).وقال أبو زرعة : " ضعيف "(4).
... أما الروايات التي من طريق أبي مخنف ، فقد قال عنه ابن معين : " ليس بثقة " ، وقال أبو حاتم : " متروك الحديث "(5). وقال النسائي : " إخباري ضعيف "(6) . وقال ابن عدي : " حدث بأخبار من تقدم من السلف الصالحين ، ولا يبعد أن يتناولهم ، وهو شيعي محترق ، صاحب أخبارهم ، وإنما وصفته لأستغني عن ذكر حديثه ، فإني لا أعلم له منة الأحاديث المسندة ما أذكره ، وإنما له من الأخبار المكروهة الذي لا أستحب ذكره " (7). وأورده الذهبي في " ديوان الضعفاء " و " المغني في الضعفاء " (8). وقال الحافظ : " إخباري تالف "(9) .
مناقشة الروايات التي جاء فيها هتك الأعراض : ...
أما الروايات التي جاء فيها هتك الأعراض ، وهي التي أخرجها ابن الجوزي من طريق المدائني عن أبي قرة عن هشام بن حسّان : ولدت ألف امرأة بعد الحرة من غير زوج ، والرواية الأخرى التي أخرجها البيهقي في دلائل النبوة من طريق يعقوب بن سفيان : قال : حدثنا يوسف بن موسى حدثنا جرير عن المغيرة قال : أنهب مسرف بن عقبة المدينة ثلاثة أيام . فزعم المغيرة أنه افتض ألف عذراء ، فالروايتان لا تصحان للعلل التالية:
__________
(1) تاريخ ابن معين 2/532
(2) التاريخ الكبير 1/178.
(3) الجرح والتعديل 8/20-21 ، الضعفاء للنسائي رقم 557.
(4) الجرح والتعديل 8/20-21
(5) الجرح والتعديل 7/1030.
(6) الضعفاء والتروكون 449.
(7) الكامل في الضعفاء لابن عدي 6/2110.
(8) ديوان الضعفاء 3500 ، المغني في الضعفاء 5122.
(9) لسان الميزان 4/6776.(202/9)
... - أما رواية المدائني فقد قال الشيباني : " ذكر ابن الجوزي حين نقل الخبر أنه نقله من كتاب الحرّة للمدائني(1) ، وهنا يبرز سؤال ملح : وهو لماذا الطبري والبلاذري ، وخليفة وابن سعد وغيرهم ، لم يوردوا هذا الخبر في كتبهم ، وهم قد نقلوا عن المدائني في كثير من المواضع من تآليفهم ؟ قد يكون هذا الخبر أُقحم في تآليف المدائني ، وخاصة أن كتب المدائني منتشرة في بلاد العراق ، وفيها نسبة لا يستهان بها من الرافضة ، وقد كانت لهم دول سيطرت على بلاد العراق ، وبلاد الشام ، ومصر في آن واحد ، وذلك في القرن الرابع الهجري ، أي قبل ولادة ابن الجوزي رحمه الله ، ثم إن كتب المدائني ينقل منها وجادة بدون إسناد " ا.هـ. (2)
... - في إسناد البيهقي عبد الله بن جعفر ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال ( 2/400) وقال : " قال الخطيب سمعت اللالكائي ذكره وضعفه . وسألت البرقاني عنه فقال : ضعّفوه لأنه روى التاريخ عن يعقوب أنكروا ذلك ، وقالوا : إنما حديث يعقوب بالكتاب قديماً فمتى سمع منه؟ "ا.هـ.
راوي الخبر هو : المغيرة بن مقسم ، من الطبقة التي عاصرت صغار التابعين ،ولم يكتب لهم سماع من الصحابة ، وتوفي سنة 136هـ ، فهو لم يشهد الحادثة فروايته للخبر مرسلة .
كذلك المغيرة بن مقسم مدلس ، ذكره ابن حجر في الطبقة الثالثة من المدلسين الذين لا يحتج بهم إلا إذا صرحوا بالسماع .
الراوي عن المغيرة هو عبد الحميد بن قرط ، اختلط قبل موته ، ولا نعلم متى نقل الخبر هل هو قبل الاختلاط أم بعد الاختلاط(3) ، فالدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال .
الرواية السالفة روِيَت بصيغة التضعيف ، والتشكيك بمدى مصداقيتها : " زعم المغيرة – راوي الخبر – أنه افتض فيها ألف عذراء .
__________
(1) ذكر الشيباني أنها في رسالة مخطوطة لابن الجوزي : رسالة في جواز لعن يزيد ق 20 أ .
(2) مواقف المعارضة في خلافة يزيد ص 433 .
(3) الكواكب النيرات 120.(202/10)
أمّا الرواية الأخرى التي جاء فيها وقوع الاغتصاب ، هي ما ذكرها ابن الجوزي أن محمد بن ناصر ساق بإسناده عن المدائني عن أبي عبد الرحمن القرشي عن خالد الكندي عن عمّته أم الهيثم بنت يزيد قالت : " رأيت امرأة من قريش تطوف ، فعرض لها أسود فعانقته وقبّلته ، فقلت : يا أمة الله أتفعلين بهذا الأسود ؟ فقالت : هو ابني وقع عليّ أبوه يوم الحرة (1)" ا.هـ.
خالد الكندي وعمّته لم أعثر لهما على ترجمة .
أمّا الرواية التي ذكرها ابن حجر في الإصابة (2)أن الزبير بن بكار قال : حدثني عمّي قال : كان ابن مطيع من رجال قريش شجاعة ونجدة ، وجلداً فلما انهزم أهل الحرة وقتل ابن حنظلة وفرّ ابن مطيع ونجا ، توارى في بيت امرأة ، فلما هجم أهل الشام على المدينة في بيوتهم ونهبوهم ، دخل رجل من أهل الشام دار المرأة التي توارى فيه ابن مطيع ، فرأى المرأة فأعجبته فواثبها ، فامتنعت منه ، فصرعها ، فاطلع ابن مطيع على ذلك فخلّصها منه وقتله "
وهذه الرواية منقطعة ، فرواوي القصة هو مصعب الزبيري المتوفى سنة 236هـ ، والحرة كانت في سنة 63هـ ، فيكون بينه وبين الحرة زمن طويل ومفاوز بعيدة .
__________
(1) النتظم 6/15 ، وفاء الوفاء 1/134 من نفس الطريق .
(2) الإصابة 5/26.(202/11)
قلت :فلم نجد لهم رواية ثابتة جاءت من طريق صحيح لإثبات إباحة المدينة ،بالرغم من أنّ شيخ الإسلام ابن تيمية (1) ، والحافظ ابن حجر(2) - رحمهما الله – قد أقراّ بوقوع الاغتصاب ، ومع ذلك لم يوردا مصادرهم التي استقيا منها معلوماتهما تلك ، ولا يمكننا التعويل على قول هذين الإمامين دون ذكر الإسناد ، فمن أراد أن يحتج بأي خبر كان فلا بد من ذكر إسناده ، وهو ما أكده شيخ الإسلام ابن تيميّه حينما قال في المنهاج : " لا بد من ذكر ( الإسناد ) أولاً ، فلو أراد إنسان أن يحتج بنقل لا يعرف إسناده في جُرْزَةِ (3)بقل لم يقبل منه ، فكيف يحتج به في مسائل الأصول(4) " ا.هـ . فكيف نقبل الحكم الصادر على الجيش الإسلامي في القرون المفضلة بأنه ينتهك العرض دون أن تكون تلك الروايات مسندة ، أو لا يمكن الاعتماد عليها ! ثم على افتراض صحتها جدلاً فأهل العلم حينما أطلقوا الإباحة فإنما يعنون بها القتل والنهب كما جاء ذلك عن الإمام أحمد (5)، وليس اغتصاب النساء ، فهذه ليست من شيمة العرب ، فمن المعلوم أن انتهاك العرض أعظم من ذهاب المال ، فالعرب في الجاهلية تغار على نسائها أشد الغيرة ، وجاء الإسلام ليؤكد هذا الجانب ويزيده قوة إلى قوته ، واستغل الرافضة هذه الكلمة – الإباحة – وأقحموا فيها هتك الأعراض ، حتى أن الواقدي نقل بأن عدد القتلى بلغ سبعمائة رجل من قريش والأنصار ومهاجرة العرب ووجوه الناس ، وعشرة آلاف من سائر الناس ! وهو الذي أنكره شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله- فقال : لم يقتل جميع الأشراف ، ولا بلغ عدد القتلى عشرة آلاف ، ولا وصلت الدماء إلى قبر النبي – صلى الله عليه وسلم –"(6) ا.هـ.
__________
(1) الوصية الكبرى 45 .
(2) الإصابة 6/295 .
(3) الجرزة : القبضة من القت ونحوه أو الحزمة – المصباح المنير – مادة جرز – ص 37 .
(4) منهاج السنة النبوية 8/110 .
(5) السنة للخلال 845.
(6) منهاج السنة 4/575-576.(202/12)
ثم إن المدينة كانت تضم الكثير من الصحابة والتابعين ، وبعضهم لم يشترك في المعركة من أمثال : ابن عمر ، وأبي سعيد الخدري ، وعلي بن الحسين ، وسعيد بن المسيِّب ، وهؤلاء لن يقفوا مكتوفي الأيدي وهم يشاهدون النساء المؤمنات يفجر بهنّ ، حتى التبس أولاد السفاح بأولاد النكاح كما زعموا ! .
كما أننا لا نجد في كتب التراجم أو التاريخ ذكراً لأي شخص قيل إنه من سلالة أولاد الحرة ( الألف ) كما زعموا .
سجّل لنا التاريخ صفحات مشرقة ما اتسم به الجندي المسلم والجيوش الإسلامية ، من أخلاق عالية وسلوك إسلامي عظيم ، حتى أدت في بعض الأحيان إلى ترحيب السكان بهم ، كفاتحين يحملون الأمن والسلام والعدل للناس .
لم ينقل إلينا أن المسلمين يفتحون المدن الكافرة ، ويقومون باستباحتها وانتهاك أعراض نسائها ! فكيف يتصور أن يأتي هذا المجاهد لينتهك أعراض المؤمنات ، بل أخوات وحفيدات الصحابة – رضوان الله عليهم – سبحانك هذا بهتان عظيم .
ومن العجيب أن هناك من نسب إلى يزيد بن معاوية أنه لما بلغته هزيمة أهل المدينة بعد معركة الحرة ، تمثل بهذا البيت(1) :
ألا ليت أشياخي ببدر شهدوا ... ... جزع الخزرج من وقع الأسل(2)
__________
(1) أنساب الأشراف – الببلاذري وذكرها بدون إسناد 4/333 .
(2) الأسل : القنا و الرماح – لسان الميزان – مادة أسل 11/15 .(202/13)
فهذا البيت قاله ابن الزبعري بعد معركة أحد ، وكان كافراً ويتشفى بقتل المسلمين(1) ، وذكره البن كثير ثم عقّب بعده بالقول : " فهذا إن قاله يزيد بن معاوية فعليه لعنة الله وعليه لعنة اللاعنين ، وإن لم يكن قاله فلعنة الله على من وضعه عليه ليشنع به عليه " ا.هـ. (2) ثمّ أنكر – رحمه الله – في موضع آخر من كتابه نسبة هذا البيت إلى يزيد ، وقال : " إنه من وضع الرافضة " (3) ا.هـ. ، وجزم شيخ الإسلام ببطلانه فقال : " ويعلم ببطلانه كل عاقل "(4)
رابعاً : استدلوا بجواز لعنه بما روي عن الإمام أحمد :
... وهي التي أخرجها أبو يعلى الفراء بإسناده(5)إلى صالح بن أحمد بن حنبل قال : قلت لأبي : إن قوماً يُنسبون إلى تولية يزيد ، فقال : يا بني وهل يتولى يزيد أحد يؤمن بالله ؟ فقلت : ولم لا تلعنه ؟ فقال : ومتى رأيتني ألعن شيئاً ، ولم لا يُلعن من لعنه الله في كتابه ؟ فقرأ قوله تعالى { أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم }(6) .
قلت : وهذه الرواية لا تصح للعلل التالية :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : " هذه الرواية التي ذكرت عن أحمد منقطعة ليست ثابتة عنه ، ثم إن الآية لا تدل على لعن المعيّن(7) " ا.هـ.
__________
(1) السيرة النبوية لابن هشام 3/102 .
(2) البداية والنهاية 8/227 .
(3) ابن كثير البداية والنهاية 8/237.
(4) منهاج السنة 4/550.
(5) الصواعق المحرقة لابن حجر ##
(6) الآية 22 من سورة محمد .
(7) منهاج السنة 4/573.(202/14)
ثبت عن الإمام أحمد النهي عن اللعن ، كما في رواية صالح نفسه ، أن أحمد قال : " ومتى رأيت أباك يلعن أحداً ، لما قيل له ألا تلعن يزيد "(1)، وحين سأل عصمة بن أبي عصمة أبو طالب العكبري الإمام أحمد عن لعن يزيد ، قال : " لا تتكلم في هذا . قال النبي – صلى الله عليه وسلم - : " لعن المؤمن كقتله " ، وقال : " خير القرون قرني ثم الذين يلونهم "(2) . وقد كان يزيد فيهم فأرى الإمساك أحب إليّ (3)" ا.هـ.
قال الخلال : " وما عليه أحمد هو الحق من ترك لعن المعيّن ، لما فيه من أحاديث كثيرة تدل على وجوب التوقي من إطلاق اللعن(4) "
قال تقي الدين المقدسي : " إن المنصوص عن أحمد الذي قرره الخلال اللعن المطلق لا المعيّن ، كما قلنا في نصوص الوعد والوعيد ، وكما نقول في الشهادة بالجنة والنار ، فإنا نشهد بأن المؤمنين في الجنة ، وأن الكافرين في النار ، ونشهد بالجنة والنار لمن شهد له الكتاب والسنة ، ولا نشهد بذلك لمعيّن إلا من شهد له النص ، أو شهدت له الاستفاضة على قول ، ثمّ إن النصوص التي جاءت في اللعن جميعها مطلقة ، كالراشي والمرتشي ، وآكل الربا وموكله ، وشاهديه وكاتبه (5)" ا.هـ.
__________
(1) منهاج السنة 4/573.
(3) السنة للخلال 521.
(4) السنة للخلال 522.
(5) ابن مفلح الآداب الشرعية 1/272-273.(202/15)
اختلاف الحنابلة – رحمهم الله – في تجويز لعن يزيد إنما جاء باعتماد بعضهم على رواية صالح المنقطعة ، والتي لا تثبت عن الإمام أحمد – رحمه الله - ، لذلك اعتمد أبو يعلى على تلك الرواية فألف كتاباً ذكر فيه بيان ما يستحق من اللعن ، وذكر منهم يزيد ، وتابعه في ذلك ابن الجوزي – رحمه الله – فألف كتاباً سمّاه " الرد على المتعصب العنيد المانع من لعن يزيد " ، وأباح فيه لعن يزيد بن معاوية .ولم يقتصر ذلك على بعض فقهاء الحنابلة بل امتد إلى غيرهم ، فتابع السيوطي(1) ابن الجوزي في ذلك ، وإلى ذلك ذهب ابن حجر – رحمه الله – وذكر أن الإمام أحمد يجيز لعن يزيد(2) ، بينما شذّ أبو المعالي حينما نقل الإتفاق على جواز لعن يزيد بن معاوية(3) .
خامسا : استدلوا بجواز لعنه بأنه كان يقارف المسكرات ، وينكح الأمهات والبنات والأخوات ، ويدع الصلوات :
__________
(1) تاريخ الخلفاء للسيوطي ص207.
(2) فتاوى ابن حجر في العقيدة ص98-101.
(3) عزاه الشيباني لكتاب " صب العذاب على من سب الأصحاب " مخطوط – مكتبة الآثار العامة ببغداد .(202/16)
... نقل الطبري روايتين عن أبي مخنف(1) . ونقل البلاذري عدة روايات عن الواقدي(2) . ونقل ابن عساكر وابن كثير عن محمد بن زكريا الغلابي نصاً واحداً (3).ونقل البيهقي وابن عساكر وابن كثير رواية واحدة من طريق الفسوي (4). ونقل ابن كثير رواية واحدة عن أبي مخنف (5).ونقل الطبري وخليفة بن خياط وأبو الحسن العبدي وابن كثير والذهبي وابن حجر على رواية جويرية بن أسماء عن أشياخ أهل المدينة (6)، ونقل ابن سعد عن الواقدي نصاً واحداً (7).ونقل البياسي عن أبي مخنف نصاً واحداً (8).ونقل ابن عساكر عن عمر بن شبة باتهام يزيد بشرب الخمر (9).
... قلت : ممّا سلف بيانه يتضح أن الاعتماد في نقل تلك الروايات تكمن في الواقدي ، وأبي مخنف ، وعوانة بن الحكم ، ورواية عمر بن شبة .
__________
(1) تاريخ الطبري 5/475-480 .
(2) أنساب الأشراف 4/21-31-304.
(3) تاريخ ابن عساكر65/403-405. ابن كثير من طريق الطبراني 9/231. قال الشيباني : ولم أجده في المطبوع من كتب الطبراني الثلاثة ا.هـ. وهو كما قال .
(4) دلائل النبوة 6/474، تاريخ دمشق 27/18، البداية والنهاية 6/234.
(5) البداية والنهاية 8/217.
(6) تاريخ خليفة بن خياط 236، البداية والنهاية 8/218، سير أعلام النبلاء 4/322، فتح الباري 13/75، تاريخ الطبري 5/495، أبو الحسن العبدي – العفو والاعتذار 1/138، تاريخ دمشق 27/427.
(7) ابن سعد الطبقات الكبرى 5/66.
(8) الإعلام بالحروب الواقعة في صدر الإسلام 2/196.
(9) تاريخ ابن عساكر 405-406-407.(202/17)
... فأما الروايات التي من طريق الواقدي وأبي مخنف فهما متروكا الحديث ، وأما عوانة بن الحكم فقد قال عنه الحافظ ابن حجر : " فكان يضع الأخبار لبني أمية (1)" .وأما رواية عمر بن شبة التي تشير إلى اتهام يزيد بشرب الخمر في حداثته ، فقد تكفل ابن عساكر – رحمه الله – في ردها فقال : " وهذه حكاية منقطعة ، فإن عمر بن شبة بينه وبين يزيد زمان (2)"
... قلت : وأقوى ما يتعلق به المتهمون يزيد بشرب الخمر بروايتين :
الرواية الأولى :
... وهي التي أخرجها ابن عساكر وغيره من طريق محمد بن زكريا الغلابي ، في أن يزيد كان يشرب الخمر في حداثته ، فأرشده أبوه إلى شربها ليلاً فقط!! ، وهذه الرواية لا تصح سنداً ولا متناً للعلل التالية :
في سندها محمد بن زكريا الغلابي ، قال عنه الدارقطني : " كان يضع الحديث (3)"، وذكره الذهبي في " المغني في الضعفاء (4)" ، وساق له حديثاً في ميزان الاعتدال ، وقال : " فهذا من كذب الغلابي (5)" .
وفي سندها ابن عائشة راوي الخبر ، وهو محمد بن حفص بن عائشة ، فقد ذكره أبو حاتم و البخاري و سكتا عنه (6)، فهو مجهول عندهما كما قرّر ذلك ابن القطان في كتابه : " بيان الوهم والإيهام " (7) .
لم تحدّد المصادر تاريخ وفاة ابن عائشة ، غير أنّ ابنه عبد الله الراوي عنه توفي سنة 228هـ(8) ، وبهذا فإن ابن عائشة ولد تقريباً بعد المائة من الهجرة ، ومن ثم تكون الرواية مرسلة ، لأن الراوي بينه وبين هذه القصة – على افتراض وقوعها – أمد بعيد .
__________
(1) لسان الميزان الترجمة 2024.
(2) تاريخ ابن عساكر 65/407.
(3) الضعفاء للدارقطني ص 368 .
(4) المغني في الضعفاء 5515
(5) ميزان الاعتدال 3/550.
(6) الجرح والتعديل 7/236، والتاريخ الكبير 1/65.
(7) بيان الوهم والإيهام 3/390.
(8) تقريب التهذيب 374.(202/18)
من ناحية المتن فكيف يرضى معاوية – رضي الله عنه – لولده بشرب الخمر ، ويشجعه عليها ليلاً ، ومعاوية هو الصحابي الجليل وأخو أم المؤمنين وكاتب الوحي المبين ، وهو رواي الحديث : " من شرب الخمر فاجلوده (1)".
قال الشيباني – حفظه الله - : " ومن الغريب أن ابن كثير – رحمه الله – بعد إيراده لهذا الخبر تعقبه بقوله : قلت : وهذا كما جاء في الحديث من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله عز وجل (2)" ويفهم من تعقيب ابن كثير كأنه مؤيد لهذه الرواية التي لا تحظى بأي نسبة من الصدق (3)" ا.هـ.
الرواية الثانية :
وهي رواية يعقوب بن سفيان البسوي : سمعت ابن عفير : أخبرنا ابن فليح أن عمرو بن حفص وفد على يزيد فأكرمه ، وأحسن جائزته ، فلمّا قدم المدينة قام إلى جنب المنبر ، وكان مرضياً صالحاً . فقال : ألم أجب ؟ ألم أكرم ؟ والله لرأيت يزيد بن معاوية يترك الصلاة سكراً. فأجمع الناس على خلعه بالمدينة فخلعوه "(4)
... قلت : هذه الرواية لا تصح سنداً ولا متناً ، وذلك للعلل التالية :
ابن فليح هو يحيى بن فليح بن سليمان المدني ، قال عنه ابن حزم : " مجهول " وقال مرة : " ليس بالقوي "(5). @@@ .
__________
(1) مصنف عبد الرزاق 11/587 ، مسند أحمد 4/95-96-101، ابن ماجه (2573) ، أبو داود (4458) الترمذي (1469)
(2) ابن كثير 5/231، الموطأ كتاب الحدود رقم 12 ص715.
(3) مواقف المعارضة في خلافة يزيد بن معاوية – محمد بن رزان الشيباني ص 381.
(4) البيهقي دلائل النبوة 6/474 ، ابن عساكر 27/18 من طريق يعقوب .
(5) لسان الميزان 6/335 (9196) ، ذيل الميزان للعراقي ص452.(202/19)
ابن فليح وأبوه أيضاً لم يدركا هذه الحادثة ،فقد ولد أبوه سنة 90 من الهجرة تقريبا(1)ً، وتوفي سنة ثمان وستين ومئة من الهجرة(2)، ومن هنا يتضح أن كان بين مولد أبيه والحادثة مفاوز طويلة وزمان بعيد ، ومن ثم تبقى الرواية منقطعة .
عندما ذهب عبد الله بن مطيع إلى محمد بن الحنفية فأرادوه على خلع يزيد فأبى ، فقال ابن مطيع : إن يزيد يشرب الخمر ويترك الصلاة ويتعدى حكم الكتاب ، فقال لهم : ما رأيت منه ما تذكرون ، وقد حضرته وأقمت عنده فرأيته مواظباً على الصلاة ، متحرياً للخير ، يسأل عن الفقه ملازماً للسنة ، قالوا : فإن ذلك كان منه تصنعاً ، فقال : وما الذي خاف مني أو رجا حتى يظهر لي الخشوع ؟ أفأطلعكم على ما تذكرون من شرب الخمر ؟ فلئن كان أطلعكم على ذلك إنكم لشركاؤه ، وإن لك يكن أطلعكم فما يحلّ لكم أن تشهدوا بما لم تعلموا (3)"
محمد بن الحنفية هو أخو الحسين بن علي ، وقد قتل أخوته وأقاربه في كربلاء ، وليس من المعقول أن يقف مع يزيد ، خاصة إذا علم أنه كان يشرب الخمر ويترك الصلاة .
كذلك أقام علي بن الحسين طويلاً عند يزيد ( قرابة الشهر ) ، وذلك بعد مقتل والده وأقاربه في كربلاء ، ومع ذلك لم نجد رواية واحدة عن علي بن الحسين يتهم فيها يزيد بن معاوية بشرب الخمر(4) .
__________
(1) سير أعلام النبلاء 7/352 .
(2) ذكر ذلك الإمام البخاري – رحمه الله – تهذيب الكمال 23/321 .
(3) الذهبي – تاريخ الإسلام – حوادث (61-80) بإسناد حسن ، وسير النبلاء 4/40 من نفس الطريق . أنساب الأشراف 3/278-279، البداية والنهاية 9/236.
(4) مواقف المعارضة في خلافة يزيد ص383 بتصرف .(202/20)
الصحابيان الجليلان النعمان بن بشير وعبد الله بن جعفر – رضي الله عنهما – من الذين كانت لهم صلة قوية بيزيد ، فالنعمان كان أميره على الكوفة ، ثم جعله مستشاراً له في أمور الدولة ، وعبد الله بن جعفر صحابي جليل كان يحبه – صلى الله عليه وسلم – وكان يقول : " وأما عبد الله فشبه خَلْقي وخُلُقي "(1)، ولم نر هذين الصحابيين الجليلين ذكرا يزيد بالخمر ، أو ترك الصلاة ، فكيف يكون لهما هذه المنزلة ولا يعرفون عن يزيد ما اطلع عليه المغرضون المتهمون يزيد بشربها .(2)
لذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : " ولم يكن يزيد مظهراً للفواحش كما يحكي عنه خصومه (3)"ا.هـ.
ونورد فيما يلي أقوال أهل السنة والجماعة في مسألة لعن يزيد :
قال ابن العربي – رحمه الله - : " فإن قيل إن يزيد كلن خمّاراً ، قلنا : لا يحلّ إلا بشاهدين ، فمن شهد بذلك عليه (4)" ا.هـ.
قال ابن حجر الهيتمي : " لا يجوز أن يلعن شخص بخصوصه ، إلا أن يعلم موته على الكفر كأبي جهل وأبي لهب ، ولأن اللعن هو الطرد من رحمة الله ، الملتزم لليأس منها ، وذلك إنما يليق بمن علم موته على الكفر(5) " ا.هـ.
__________
(1) مسند أحمد 1/240 وقال أحمد شاكر 3/192-193 رقم ( 1750) إسناده صحيح .
(2) مواقف المعارضة في خلافة يزيد ص385.
(3) الوصية الكبرى ص24.
(4) العواصم من القواصم ص233.
(5) الصواعق المحرقة ##(202/21)
قال ابن الصلاح : " لم يصح عندنا أنه أمر بقتله – أي قتل الحسين - ، والمحفوظ أن الآمر بقتاله المفضي إلى قتله – كرمه الله - ، إنما هو يزيد بن زياد والي العراق إذ ذاك ، وأما سب يزيد ولعنه فليس من شأن المؤمنين ، فإن صح أنه قتله أو أمر بقتله، وقد ورد في الحديث المحفوظ : " أن لعن المسلم كقتله (1)"، وإنما يكفر بالقتل قاتل نبي من الأنبياء – صلوات الله وسلامه عليهم - ، والناس في يزيد ثلاث فرق : فرقة تحبه وتتولاّه ، وفرقة أخرى تسبه وتلعنه ، وفرقة متوسطة في ذلك لا تتولاّه ولا تلعنه ، وتسلك به سبيل سائر ملوك الإسلام وخلفائهم غير الراشدين في ذلك وشبهه ،وهذه الفرقة هي الصائبة ، ومذهبها اللائق بمن يعرف سير الماضين ،ويعلم قواعد الشريعة الطاهرة ، جعلنا الله من خيار أهلها آمين (2)"
قال الذهبي : " ويزيد ممّن لا نسبه ولا نحبه ، وله نظراء من خلفاء الدولتين ، وكذلك من ملوك النواحي ، بل فيهم من هو شر منه ، وإنما عظم الخطب لكونه ولي بعد وفاة النبي – صلى الله عليه وسلم – بتسع وأربعين سنة ، والعهد قريب ، والصحابة موجودون ، كابن عمر الذي كان أولى منه ومن أبيه وجدّه "(3)
وقال ابن الحداد الشافعي في عقيدته : " ونترحم على معاوية ، ونكل سريرة يزيد إلى الله تعالى "(4)
__________
(1) البخاري كتاب الأدب – باب ما ينهى من السباب واللعن .
(2) فتاوى ومسائل ابن الصلاح 1/216-219.
(3) سير أعلام النبلاء 4/36.
(4) اجتماع الجيوش الإسلامية لابن القيم 66.(202/22)
وسئل الحافظ عبد الغني المقدسي عن يزيد بن معاوية فأجاب بقوله : " خلافته صحيحة ، وقال بعض العلماء : بايعه ستون من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم ، منهم ابن عمر ، وأما محبته : فمن أحبه فلا ينكر عليه ، ومن لم يحبه فلا يلزمه ذلك ، لأنه ليس من الصحابة الذين صحبوا رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، فيلزم محبتهم إكراماً لصحبتهم ، وليس ثم أمر يمتاز به عن غيره من خلفاء التابعين ، كعبد الملك وبنيه ، وإنما يمنع من التعرض للوقوع فيه ، خوفاً من التسلق إلى أبيه ، وسداً لباب الفتنة " (1)
وأفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (2)( فتوى رقم 1466) :" وأما يزيد بن معاوية فالناس فيه طرفان ووسط ، وأعدل الأقوال الثلاثة فيه أنه كان ملكاً من ملوك المسلمين ، له حسنات وسيئات ، ولم يولد إلا في خلافة عثمان – رضي الله عنه – ولم يكن كافراً ،ولكن جرى بسببه ما جرى من مصرع الحسين ، وفعل ما فعل بأهل الحرة ، ولم يكن صاحباً ، ولا من أولياء الله الصالحين ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية (3)- رحمه الله - :" وهذا قول عامة أهل العقل والعلم والسنة والجماعة ، وأما بالنسبة للعنه فالناس فيه ثلاث فرق ، فرقة لعنته ، وفرقة أحبّته ، وفرقة لا تسبه ولا تحبه ،.. وهذا هو المنصوص عن الإمام أحمد ، وعليه المقتصدون من أصحابه وغيرهم من جميع المسلمين ، وهذا القول الوسط مبني على أ،ه لم يثبت فسقه الذي يقتضي لعنه ، أو بناء على أن الفاسق المعيّن لا يلعن بخصوصه ، إما تحريماً أو تنزيهاً ، فقد ثبت في صحيح البخاري عن عمر في قصة عبد الله بن حمار الذي تكرّر منه شرب الخمر ، وجلده رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، لمّا لعنه بعض الصحابة ، قال النبي – صلى الله عليه وسلم - : " لعن المؤمن كقتله " متفق عليه
__________
(1) ذيل طبقات الحنابلة 2/34.
(2) الفتاوى 3/285.
(3) مجموع الفتاوى 3/409-414 – 4/443-484-506.(202/23)
وهذا كما أ، نصوص الوعيد عامة في أكل أموال اليتامى والزنا والسرقة فلا يشهد بها على معيّن بأنه من أصحاب النار ، لجواز تخلف المقتضى عن المقتضى ، وغير ذلك من المكفرات للذنوب ، هذا بالنسبة لمنع سبّه ولعنته .
وأما بالنسبة لترك المحبة ، فلأنه لم يصدر منه من الأعمال الصالحة ما يوجب محبته ، فبقي من الملوك السلاطين ، وحب أشخاص هذا النوع ليست مشروعة ، ولأنه صدر عنه ما يقتضي فسقه وظلمه في سيرته ، وفي أمر الحسين وأمر أهل الحرّة " ا.هـ.
ملاحظة : إنه من العجيب والغريب حقاً أن يأتي أحد طلبة العلم الغيورين متبنياً قضية معينة ، مثل هذه القضية وهي عدم صحة تلك الافتراءات على يزيد ، وتأخذه الحماسة إلى حد بعيد لدرجة أنه يطعن في بعض أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حتى يبرأ يزيد من تلك التهم ، كما حدث لمؤلف كتاب " مواقف المعارضة في خلافة يزيد " لمحمد بن رزان الشيباني – هداه الله - فأراد أن يدافع عن يزيد فطعن في ابن الزبير – رضي الله عنه فقد اتهم الشيباني – حفظه الله – عبد الله بن الزبير – رضي الله عنه – أنه هو المتسبب في إلصاق التهمة بيزيد في شربه للخمر ، فقال : " ولاحظ ابن الزبير مشاعر السخط التي عمّت أهل الحجاز عموماً بسبب قتل الحسين ، فأخذ يدعو إلى الشورى وينال من يزيد ويشتمه ، ويذكر شربه للخمر ويثبط الناس عنه " ا.هـ. (1) وقال في موضع آخر : " فأخذ يدع ويبدو أن يزيد قد علم بتلك التهمة التي ألصقت به ، وعرف أنّ ابن الزبير – رضي الله عنه – هو المتسبب في إلصاق تلك التهمة به ، ممّا جعل يزيد ينكر ذلك ، ويؤكد النفي بأمر عملي حين جهز الجيوش لحرب ابن الزبير ، وأهل المدينة ، وكأنه يقول لهم إن الذي يشرب الخمر لا يجهز جيشاً ولا يرسل بعثاً " ا.هـ. (2)
__________
(1) مواقف المعارضة في خلافة يزيد ص 520 .
(2) مواقف المعارضة ص 393 .(202/24)
قلت : وهذا الطعن لا يصح سنداً ولا متناً ، فقد اعتمد الشيباني على رواية الطبري في تاريخه ( 5/475) عن أبي مخنف ، و الأزرقي في أخبار مكة (1/201) بسند قال عنه الشيباني في الحاشية : " كل رجاله ثقات حتى ابن جريج " ، وهذه الروايات لا تصح فأبو مخنف تالف لا تحل الرواية عنه ، وأمّا رواية ابن جريج ففيها جهالة قال ابن جريج : سمعت غير واحد من أهل العلم ممّن حضر ابن الزبير حين هدم الكعبة وبناها " ، فابن جريج لم يسمِّ شيوخه ، وهو يروي عن الضعفاء ، فلا نقبل الرواية حتى يسمي شيوخه ، هذا من جهة السند أما من جهة المتن ففيه إساءة واضحة لصحابي جليل ، وهو الرجل الذي أول ما دخل جوفه ريق رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حين قام بتحنيكه(1) ، وهو من فقهاء الصحابة المعدودين ، وكان إذا ذكر ابن الزبير عند ابن عباس قال : " قارئ لكتاب الله ، عفيف في الإسلام ، أبوه الزبير وأمه أسماء وجده أبو بكر وعمته خديجة ، وخالته عائشة ، وجدته صفية ، والله إني لأحاسب له نفسي محاسبة لم أحاسب بها لأبي بكر وعمر "(2)
الخاتمة ونتيجة البحث :
لا يصح حديث " حيثما مررت بقبر مشرك فبشره بالنار "
على طالب العلم مراعاة أقوال الأئمة المتقدمين ، والأخذ بعين الاعتبار أحكام أهل العلم ونقاد الحديث على الروايات المراد بحثها ، حتى لا تصطدم أحكامنا بأحكام أهل العلم ، وأن لا ندخل بسبب ذلك على الأحاديث الحسنة أحاديث لا تصح قد فرغ الأئمة من ردها .
وجوب الرجوع إلى كتب علل الحديث المتخصصة والبحث عن أقوال أهل العلم ليس أمراً للتقليد وقفل باب الاجتهاد بل هو أخذ العلم من أهله ومعرفته من أربابه .
لا يجوز الحكم على الكافر المعيّن بأنه من أهل النار ، إلا من مات على الكفر وعلمنا حاله قبل أن يموت مثل فرعون وهامان وأبي جهل وأمثالهم .
__________
(1) البخاري 7/292 مع الفتح .
(2) البخاري مع الفتح 8/177 .(202/25)
من معتقد أهل السنة والجماعة أن لا يلعن إلا من استحق اللعنة بنص من كتاب أو سنة .
لا يعني التوقف في الحكم والتعيين على الكافر الميت بأنه من أهل النار أنه ليس بكافر ، بل كل من دان بدين غير الإسلام فهو كافر ، أما التعيين في أحكام الثواب والعقاب موكول إلى علم الله وحكمته .
يجوز اللعن بوصف عام مثل : لعنة الكافرين والظالمين والمبتدعة والفاسقين لأن المراد الجنس لا الأفراد .
لا يجوز لعن الكافر المعيّن الحي أو الميت الذي لم يظهر من شواهد الحال أنه مات على الكفر أو الإسلام .
تحريم لعن المسلم العاصي الفاسق أو الفاجر .
عدم جواز لعن يزيد بن معاوية لأنه لم يثبت في حقه أنه كان مظهراً للفواحش كما ادعى المدّعون .
لا يجوز نسبة المسلم إلى كبيرة من غير تحقيق ،فالروايات التي ذكرناها لا يمكن الاعتماد على واحدة منها ، في اتهام يزيد بشرب الخمر وإباحة المدينة ، فالأمر يتعلق بعدالة خليفة المسلمين ، الذين كان فيهم العديد من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم - ، فإذا كان التحري وعدالة الشهود أساسية في إدانة أي شخص فما بالك في خليفة المسلمين في القرن المفضّل .
عدم صحة إباحة المدينة ، وأن انتهاك الأعراض لا أساس لها من الصحة ،وتهدف إلى إظهار جيش الشام بأنه جيش بربري لا يستند لأسس دينية أو عقائدية أو أخلاقية .
بل هذا الاتهام لا يقصد به الجيش الأموي فقط ، بل يتعدى إلى ما هو أعظم وهو اتهام الجيش الإسلامي بأنه بربري ، فإذا كانت مدينة المصطفى – عليه أفضل الصلاة والتسليم – لم تفلت من البطش والنهب وانتهاك الأعراض - كما جاءت بذلك الروايات – فما بالك بالبلدان التي افتتحتها الجيوش الإسلامية لنشر الإسلام .
عدم إنكار معركة الحرّة ، ولكن ننكر التضخيم والتهويل والكذب ، والتي ذكرتها بعض المصادر التاريخية .
على افتراض أنّ يزيد كان مظهراً للفواحش ، فمن أين يعلم أنه ما تاب قبل الممات .(202/26)
في اللعن خطر جسيم ، وقد يفضي بصاحبه للمهالك ، بينما في السكوت النجاة .
لا يجوز سب الأموات لأنهم أفضوا إلى ما قدموا ، ولأن النبي – صلى الله عليه وسلم – حينما سمع رجلاً شتم أبا جهل فقال : " لا تسبوا الأموات فتؤذوا به الأحياء " – سلسلة الأحاديث الصحيحة (2379) .
لا يصح نسبة مقارفة يزيد للمسكرات وأنه ينكح الأمهات والبنات والأخوات ويدع الصلوات ، فو الله لو رميت هذه الأوصاف بمجنون لكان أولى ولصدّقناها ، فكيف يعقل من خليفة للمسلمين في القرن المفضل الذين كان بهم أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – أن تنسب إليه هذه الأوصاف القبيحة ، التي كان العربي الجاهلي يتعفف منها ، ويتنزّهون منها ، فكيف يمكن أن يقع يزيد في مثل هذه العظائم ، ولِمَ لا يتزوج أجمل النساء وأفضلهنّ جاهاً ومكانة ونسباً ؟ ويعمد إلى الزنا بأمه وأخته وبناته ؟ فلا حول ولا قوّة إلا بالله العلي العظيم !
الرواية التي نسبت للإمام أحمد بأنه يجوِّز لعن يزيد ، لا تصح فهي منقطعة .
لا يجوز لعن الكافر المعيّن ، فمن باب أولى أن لا يلعن الفاسق المعيّن .
كتبه
سعود الزمانان
...(202/27)
ولاية الفقيه
مراجع الدين يعارضون ولاية الفقيه .
صلاحيات المرشد .
احياء اسطورة السلطة الالهية .
الامام القائم يضطهد الامام القاعد .
ولاية الفقيه بدعة في الدين .
(قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ (14))
ولاية الفقيه
عندما كان الخميني في النجف الف كتابا سماه (ولاية الفقيه) ، ولم يفكر احد قط ان هذا الكتاب سيكون في يوم ما مثل (كفاحي) لادولف هتلر ويطبق على شعب ايران المسكين فلذلك لم يعر احد اهتماما بمضامينه وفحواه ، واعتبر فرضية فقية كثيرا ما نجد مثلها في مؤلفات المؤلفين ، وموضوع ولاية الفقيه من البدع التي ابتدعها الخميني في الدين الاسلامي واتخذ منه اساسا للاستبداد المطلق باسم الدين ، وهناك اتفاق تام بين فقهاء الشيعة الامامية والسنة ، ان الغرض من كلمة اولو الامر الواردة في الاية الكريمة (====) انما هو الوالي الذي نصبه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في حياته حيث يسري عليه من اطاعة الامر ما يسري على الرسول الكريم نفسه فقط ، اما ان يكون الفقيه وليا للمسلمين يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد فانه هذيان يأبى من قوله حتى المجانين .(203/1)
ولكي نعطي صورة واضحة المعالم لبشاعة هذه الفكرة التي ادخلها الخميني في الدستور الايراني نورد هنا هذا السؤال ، من هو الفقيه ؟ والجواب : ان الفقيه هو الرجل الذي يستطيع استنباط الاحكام الشرعية عن الكتاب والسنة الواردة من الرسول الكريم او الروايات التي صدرت من الائمة عليهم السلام او الاخذ بالقياس او دليل العقل في استنباط الاحكام الشرعية . فالعالم باحكام الصوم والصلواة والحج والزكاة وهكذا الاحكام المتعلقة بالمعاملات والديات وغيرها يكون فقيها ، وهذا الفقيه قد يكون عادلا وقد يكون فاسقا وقد يوجد في بلد فقيه واحد او عشرين فقيها او اقل او اكثر ، اذن الفقاهة هو الاختصاص في موضوع واحد من مواضيع العلم وهو الشريعة التي يستمد اصولها من العقيدة والايمان بالله ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ، وليت شعري ان اعرف ما هي الرابطة بين الاختصاص في الاحكام الشرعية وادارة دفة الحكم بتلك الصورة الاستبدادية المطلقة ، انها اذن تجسيد واحياء لنظرية السلطة الالهية التي كان رؤساء الكنيسة الكاثوليكية يصفون انفسهم بها في عهد محاكم التفتيش في القرن الثامن والتاسع الميلادي وارتكبوا بهذا الاسم من المجازر والاثام في اسبانيا ما لاينساه التاريخ الانساني ، واليوم وفي عهد تسخير الفضاء وهبوط الانسان على سطح القمر ، يجدد الخميني المسلم في بلد مسلم اسطورة السلطة الالهية المسيحية ولكن لتتجسد هذه المرة لا في البابا عزيعْوار المسيحي ، بل في الامام الخميني المسلم .(203/2)
ولم يقنع الخميني باعطاء هذه السلطة الالهية لنفسه بل اعطاها لكل من هو على شاكلته والذين سماهم الفقهاء او المرشدين ، وادخل هذا البند الجهنمي المشين للانسان وكرامته في الدستور الايراني بلا حياء ولا خجل من الله ورسوله والتاريخ . ان على العالم اجمع من مسلمين وغير مسلمين ان يعرفوا ان فقهاء ايران الكبار والمراجع الدينية العظام فيها عارضوا ولاية الفقيه معارضة شديدة واعلنوا انها لاتمت إلى الدين بصلة وانها بدعة وضلال ، وكاد الامام الشريعتمداري الزعيم الروحي الكبير والذي ساهم في الثورة الايرانية مساهمة عظيمة في اخر ايامها ان يدفع حياته ثمنا لمعارضته مع هذه الفكرة ، وعندما اصر الامام الشريعتمداري على موقفه المعارض ارسل الخميني عشرة الاف شخص من جلاوزته يحملون العصى والهروات إلى دار الامام يريدون قتله وقتل اتباعه وهم ينادون بصوت واحد ويشيرون إلى دار الامام (وكر التجسس هذا لابد من هدمه واحراقه) ودافع حرس الامام الشريعتمداري دفاع الابطال عن دار الامام واستشهد رجلين من اتباعه في ذلك الهجوم البربري الذي شنه امام قائم ضد امام قاعد .(203/3)
وهكذا اعطى الامام الخميني درسا لكل الائمة الاخرين الذين ارادوا الوقوف ضد ولايته ليعلموا ان مصير الامام الشريعتمداري سيكون مصيرهم اذا ما ارادوا الوقوف ضد رغبته ولم يكن نصيب الامام الطباطبائي القمي في خراسان من المحن والبلاء اقل من نظيره الامام الشريعتمداري في قم عندما عارض ولاية الفقيه معارضة الابطال ، لقد تقبل الامام القمي ما لاقاه من الاضطهاد من زميله القديم في السجن والجهاد الامام الخميني ، صابراً للله تعالى محتسبا في سبيله ، كما ابلى بلاء حسنا في مواجهة انصار الخميني الذين يسمون انفسهم (حزب الله) او كما يسميهم الناس حزب الشيطان ، اذن فان الخميني وزمرته فرضوا رغباتهم وافكارهم على ماسواهم ائمة كانوا او مامومين . اما ما يتضمن الدستور الايراني الجديد في بنده العاشر بعد المائة حول صلاحيات الولي الفقيه (المرشد) فنورده هنا نصا ليكون تجسيدا حيا لمغزى الجملة المنسوبة إلى الفيلسوف باسكال ( من اراد ان يدرك اللامتناهي فليمعن جيدا فيما يتعرض للعقل البشري من سقوط او انحطاط ) .
يقول البند 110 :
المرشد هو القائد الاعلى للقوات المسلحة وله الصلاحيات المدرجة ادناه :
تعيين الفقهاء المراقبين على صيانة الدستور والقوانين التي يسنها مجلس الشعب .
تعيين اعلى سلطة قضائية في البلاد .
نصب وعزل رئيس اركان الحرب .
نصب وعزل قائد الحرس الثوري .
صلاحية تعيين اعضاء الدفاع الوطني .
تعيين قادة القوات المسلحة (الارض ، الجو ، البحر ) .
اعلان الحرب والصلح .
تنفيذ رئاسة الجمهورية .
عزل رئيس الجمهورية اذا اقتضت مصالح الامة .
العفو عن المحكومين في حدود قوانين الاسلام وباقتراح من المحكمة العليا .
وهكذا اسفرت الثورة التي قدمت الاف الشهداء للخلاص من ملك مستبد متوج واحد النقاب عن نوايا مرشدها ، فسلط على رقاب الامة ولاة طغاة استبدلوا التيجان بالعمائم وهم يتبجحون بالسلطة الالهية المطلقة .
فمرحى لهم مرحى .(203/4)
يلزم الرافضة
إعداد
عبدالرحمن دمشقية
نشر
موقع الفرقان
www.frqan.com
يلزم الرافضة
لا تكذبوا فترووا عن النبي الرواية البتراء
يكثر الرافضة من ذكر هذا الحديث والاحتجاج به ولا وجود له في الكتب الصحيحة المعتمدة عندنا. وقد ذكره ابن حجر الهيتمي بصيغة التمريض فقال (ويرُوى) (الصواعق المحرقة2/430).
ولكن المفاجاة أنني عدت إلى أمهات مصادر كتب الشيعة وأطلت التنقيب عنها بالسند فوجدت أنهم يحكونها حكاية من دون سند.
أليس من أعجب العجيب أن تكون هذه الرواية من جملة رأسمال مذهبهم وينتقدون السنة من خلالها دائما ويلزمونهم بها بينما لا يوجد لها إسناد في كتب القوم؟؟؟
والرافضة هم الذين يجعلون صلاتهم بتراء حين يخرجون أزواج النبي من (أهل البيت) مع أن القرآن خاطب أزواج الأنبياء ووصفهن بأهل البيت.
فمفاهيمهم للفظ أهل البيت مفاهيم بتراء. فليقرأوا هذه الآيات من القرآن الكريم:
الأولى : (قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت) قالوها لامرأة إبراهيم.
الثانية: (هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم) وعنى بذلك أم موسى.
الثانية: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت) وسياق الخطاب في أبناء النبي.
لا تركبوا سفينة بلا قائد
المهدي مسئول عن كل جريمة تكون في ظل إمامته
قالوا: يزيد قتل الحسين.
فقلنا أين الدليل على أنه أصدر الأمر بقتل الحسين؟
قالوا: ألم يقتل الحسين في ظل خلافته؟ قلنا نعم. قالوا فهذا هو الدليل.
قلنا: أليس المهدي إماما عندكم وإمامته نافذة؟ قالوا نعم.
قلنا: إذن يلزمكم ما التزمتموه في يزيد.
فقد احتل التتار العراق في عهد المهدي.
بل هذا يلزم أن يخرج منذ احتلال التتار لأنهم أنهوا الدولة العباسية.
قرآننا ومصحف فاطمة(204/1)
لقد أورد المحرف الكليني لفظ (مصحف فاطمة تحت باب (أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة). (الكافي 1/178 كتاب الحجة – باب أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة) راوياً عن جعفر الصادق رضي الله عنه أنه قال:« وإن عندنا لمصحف فاطمة، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد » (الكافي 1/184 كتاب الحجة : باب فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة).
مما يؤكد أن القوم يتكلمون عن مصحف فاطمة كبديل عن المصحف الذي جمعه الصحابة. ولا تنفع هذه التقية التي يزعمون فيها أن كلمة مصحف فاطمة « لا تعني بالضرورة قرآنا بل إنه كتاب يحتوي على مصاحف» (الانتصار1/362).
ولزيادة التأكيد على أنهم يعنون بذلك قرآن فاطمة. فقد روى الكليني عن جعفر الصادق أنه قرأ هذه الآية هكذا: { سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ( بولاية علي ) ليس له دافع من الله ذي المعارج } فقيل له: إنا لا نقرؤها هكذا، فقال: هكذا والله نزل بها جبرئيل على محمد ( صلى الله عليه وآله ) وهكذا هو والله مثبت في مصحف فاطمة» (الكافي8/57-58 بحار الأنوار(بحار الأنوار35/324 و37/176 التفسير الصافي للكاشاني5/224 تفسير نور الثقلين2/531 و5/412 مدينة المعاجز لهاشم البحراني2/266).
وروى المجلسي أيضا أنه قرأ قوله تعالى ( يا ويلتى ليتني لم اتخذ فلانا خليلا ) وإنما هي في مصحف فاطمة يا ويلتي ليتني لم اتخذ الثاني خليلا» (بحار الأنوار - العلامة المجلسي30/245).
فهذا يؤكد أن المصحف المقصود عند الرافضة هو القرآن لا مجرد صحيفة.(204/2)
عن سالم بن سلمة قال: قرأ رجل على أبي عبد الله وأنا أستمع حروفا من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس. فقال أبو عبد الله: كف عن هذه القراءة . إقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم، فإذا قام القائم قرأ كتاب الله عز وجل على حده. وأخرج المصحف الذي كتبه علي. وقال: أخرجه علي إلى الناس حسن فرغ منه وكتبه فقال لهم: هذا كتاب الله عز وجل كما أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم. وقد جمعته من اللوحين. فقالوا: هوذا عندنا مصحف جماع فيه القرآن لا حاجة لنا فيه. فقال: أما والله ما ترونه بعد يومكم هذا أبدا. إنما كان علي أن أخبركم حين جمعته لتقرؤوه« (الكافي 2/463 كتاب فضل القرآن بدون باب وسائل الشيعة6/162 الحدائق الناضرة8/100 مستند الشيعة5/74 للمحقق النراقي).
عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن محمد بن سليمان عن بعض أصحابه عن أبي الحسن عليه السلام قال قلت له : جعلت فداك إنا نسمع الآيات من القرآن ليس هي عندنا كما نسمعها ، ولا نحسن أن نقرأها كما بلغنا عندكم. فهل نأثم؟
وينافح الشيعة عن هذه الطامة بقولهم بأن العديد من الصحابة كانت عندهم مصاحف كمصحف عائشة ومصحف عبد الله بن مسعود.. فلماذا تنكرون على فاطمة أن يكون عندها مصحف.
والجواب: أن العبارة واضحة في إجراء المقارنة بين مصحفنا وبين مصحفهم. ونحن لا نستنكر أن يكون لفاطمة مصحفا، وإنما نستنكر أن يقال بأن قرآننا يخالف قرآنها تماما.
موقف الخوئي من هذه الرواية
وطريقة الخوئي المراوغة والتطويل في المسائل مما يشعر القارئ بالغثيان والدواخ. فإنه صرح « بتردد الرواية الأخير (سالم بن أبي سلمة) بين الثقة والمجهول والضعيف فتسقط الرواية عن الاستدلال» غير أن محقق المعجم قال « ولكنه دام ظله رجح في المعجم8/25-24 نسخة صاحب الوسائل ووقوع التحريف في غيرها وبذلك تصبح الرواية معتبرة» (كتاب الصلاة3/476).(204/3)
فهذا يؤكد أن المقصود بمصحف فاطمة المذكور عند الكليني إنما هو القرآن الذي جمعه علي وأقسم أن يراه الناس إلى يوم القيامة أو عند ظهور المهدي المنتظر، لا سيما وأن الكليني قد صرح بأنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة. ويتضمن أسماء منافقين لا توجد الآن في القرآن الآن.
تناقض صارخ يشبه النصارى
الأئمة عندهم أصحاب قوى خارقة. يعلمون الغيب. الكون تحت سيطرتهم، جميع ذرات الكون تخضع لسيطرتهم. لهم معجزات وكرامات عظيمة. منها أن يخلقوا. ويمكن لعلي وهو بالكوفة أن ينتف لحية معاوية وهو بالشام.
ولكن: بلغ الضعف بعلي بن أبي طالب القوي إلي أن يبايع أبا بكر وعمر وعثمان مكرها وتعرضت زوجته للضرب وكسر الضلع وسقوط الجنين. وتكون كثير من فتاويهم على التقية.
وهذا شيء يشابهون به النصارى الذين جعلون للمسيح طبيعة إلهية ثم يكثرون من التباكي عليه واظهاره بمظهر الضعف وانعدام الحيلة وهذا الحزن والبكاء على المظلومية صار شعارا لمذهبهم..
هل يصلح علي لولاية المسلمين؟
من سكت عن كسر بيته وإحراقه وضرب زوجته وإسقاط جنينها.
ثم يغصب فرج ابنته قائلا له: زوجنيها. فلا يزيد على أن يقول: ‘نها صغيرة.
ماذا؟ أوقد عجز عن أن يقول له: إنك لست أهلا لأن تصاهرنا لأنك غادر خائن آثم كاذب؟؟؟
من لم يكن أهلا في الإمامة الخاصة الصغرى أعني ولاية أهله وحمايتهم والدفاع عن ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم:
كيف يطالبنا الشيعة الذين رووا روايات الجبن هذه أن نوافقهم على أن يكون علي بن أبي طالب أولى بالإمامة العامة الكبرى؟
أين الذي قتل ثمانين ألف جني
أين الذي رويتم عنه أنه كان يفاخر قائلا : " أنا الذي وضعت سيفي في الجن وقتلت منهم ثمانين ألفا". (نوادر المعجزات للطبري الرافضي ص55).(204/4)
أين الذي قلع باب خيبر الذي عجز عن قلعه خمسون رجلا (الأمالي للصدوق483 الارشاد للمفيد1/138) ثم قال « والله ما قلعت باب خيبر بقوة جسدسة بل بقدرة ربانية» (الأمالي للصدوق 604 شرح أصول الكافي للمازندراني 3/307 دلائل الإمامة 70 محمد بن جرير الطبري عبد الله الجزائري التحفة السنية87 مخطوط.).
أين سيف الله أين ذو الفقار؟ أين الذي خرق سيفه الأرضين السبع حتى صعد جبريل إلى الله وقال
أين الذي كانت تهابه صناديد قريش تغتصب ابنته ويرضى مع العلم بأن الزواج بالغصب لا ينعقد به النكاح.
ألستم معاشر الرافضة تزعمون عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا أنه قال « للإمام علامات: يكون أعلم الناس وأشجع الناس، ولا يرى له بول ولا غائط لأن الله قد وكل الأرض بابتلاع ما خرج منه ويكون رائحته أطيب من ريح المسك ويكون دعاؤه مستجابا حتى أنه لو دعا على صخرة لانشقت نصفين» (الأنوار النعمانية1/34).
فكيف تصورون عليا بهذه الصورة المتناقضة بين الذلة والخوف وبين الشجاعة.
أين الذي قلع باب خيبر الذي عجز عن قلعه خمسون رجلا (الأمالي للصدوق483 الارشاد للمفيد1/138) ثم قال « والله ما قلعت باب خيبر بقوة جسدسة بل بقدرة ربانية» (الأمالي للصدوق 604 شرح أصول الكافي للمازندراني 3/307 دلائل الإمامة 70 محمد بن جرير الطبري عبد الله الجزائري التحفة السنية87 مخطوط.).
أين سيف الله أين ذو الفقار؟ أين الذي خرق سيفه الأرضين السبع حتى صعد جبريل إلى الله وقال
أين الذي كانت تهابه صناديد قريش تغتصب ابنته ويرضى مع العلم بأن الزواج بالغصب لا ينعقد به النكاح.
اجابة الدعاء من علامات الإمام(204/5)
ألستم معاشر الرافضة تزعمون عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا أنه قال « للإمام علامات: يكون أعلم الناس وأشجع الناس، ولا يرى له بول ولا غائط لأن الله قد وكل الأرض بابتلاع ما خرج منه ويكون رائحته أطيب من ريح المسك ويكون دعاؤه مستجابا حتى أنه لو دعا على صخرة لانشقت نصفين» (الأنوار النعمانية1/34).
فكيف تصورون عليا بهذه الصورة المتناقضة بين الذلة والخوف وبين الشجاعة
المهدي إخباري وليس بأصولي
لأنه عرض عليه الكافي فقال هذا كاف لشيعتنا
سفاهة الكوراني حول سيدنا عمر
قال الكوراني: « كان عمر معجباً بثقافة اليهود ، وكان يحضر دروسهم كل سبت ! وله علاقات حسنة مع يهود بني قريظة، وقد عربوا التوراة وأعطوه إياها ليعرضها على النبي صلى الله عليه وآله ليعترف بها» (الانتصار2/358). وزعم أن عمر كان مرتبطا باليهود» (الانتصار3/440).
وهذا يلزم منه دخول اليهود في النسب النبوي. فإن عمر بن الخطاب هو زوج أم كلثوم بنت فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله.
ألم يتفق السنة والشيعة على أن النبي رفض أن يتزوج علي ابنة أبي جهل؟
فكيف ينهى عليا عن مثل هذا ويتزوج بنت يهودي يتآمر مع اليهود كل سبت للكيد للإسلام وأهله؟
الأئمة هم الله عند الكوراني
والآن أتقدم بالسؤال الذي كان يطرحه الكوراني دائما على مخالفيه قائلا: « صف لي معبودك اللي بتعبدو».
من هو معبودك يا شيخ علي الكوراني؟
لفتة صغيرة ومهمة تكفي لكشف المعبود الحقيقي عند الكوراني.
قال الكوراني « يعتقد الشيعة إجماعا أن صفات الله هي عين ذاته» (الانتصار 2/144 للكوراني).
إذن يعتقد الشيعة أيضا أن الأئمة هم أسماء الله وصفاته. فيصير الأئمة هم عين ذات الله.
والكافي عند الكوراني هو أحد الكتب الأربعة التي يفيق بسندها الذهبي الناصع كل مجنون.
وقد ورد في الكافي عن الأئمة أنهم قالوا:
« نحن والله الأسماء الحسنى» (الكافي1/144).(204/6)
وقال المجلسي عند إيراده دعاء (اللهم إني أسألك باسمك المكنون المخزون الحي القيوم) باحتمال أن يكون المراد بذلك نور الأئمة فقد ورد في الأخبار أن الأئمة عليهم السلام هم أسماء الله الحسنى" (بحار الأنوار83/221 وانظر88/178).
فهذا تشبيه كلي بالله حيث لم يقولوا أنهم بعض أسماء الله. قال تعالى { وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } 180 [الأعراف].
ويلزم منه أن يكون الأئمة هم عين الله وذاته. لأن أسماء الله وصفاته هي عين ذاته.
الكوراني يقع في فخ شبهة البسملة
نقل الكوراني عن الصدوق « وعندنا أن الضحى وألم نشرح سورة واحدة ، ولإيلاف وألم تر كيف سورة واحدة» (تدوين القرآن41).
يعني الكوراني أنه لا بسملة بين هذه السور أنها عند الرافضة باعتبار السورة الواحدة.
وبهذا يلزم الكوراني بمثل التحريف الذي ألزمنا به في كون البسملة آية في كل سورة من القرآن ام لا
فنقول له: إذا كانت البسملة جزءا من كل سورة فلماذا اختلفتم حول كون سورة الانشراح والضحى والفيل سورة واحدة: بينما النسخة الأبي بكرية العمرية العثمانية الزيدية المسعودية تتضمن هذه السورة مستقلة؟
هل حقا قرآننا هو قرآنك يا كوراني؟
فبينما يدعي الروافض أن عندهم نفس القرآن الذي عندنا. لو أننا فتحنا معهم البسملة من كل سورة لوجدنا أن البسملة ليست آية من القرآن إلا في سورة الحمد. فيلزمهم أن هذا الذي بأيدينا – وهو بأيديهم - محرف.
بينما يصرحون بانعقاد إجماعهم على أن البسملة جزء من القرآن (البيان في تفسير القرآن ص516 للخوئي جواهر الكلام10/24 للجواهري).(204/7)
وكل علماء الشيعة يقولون بأن « البسملة جزء من كل سورة فيجب قراءتها ما عدا سورة براءه (كتاب الصلاة3/352 و538 ومنهاج الصالحين1/163 تحرير الوسيلة1/165 للخميني، هداية العباد1/151 للكلبايكاني، منهاج الصاالحين1/177 والمسائل المنتخبة ص 106 كلاهما لمحمد الروحاني، العروة الوثقى1/646 و2/502 و6/174).
ونقل المجلسي عن الشهيد في الذكرى الإجماع الشيعي على أن البسملة جزء من القرآن (بحار الأنوار82/21).
وأن هذا مما تواتر عن أهل البيت عليهم السلام كما قال الخوئي (البيان في تفسير القرآن ص446 تفسير الحمد ص141 لمحمد باقر الحكيم). وصرح الخوئي بأن المخالف لذلك ليس إلا سوى شرذمة من الناس (البيان في تفسير القرآن ص446).
وصرح المحقق البحراني أن البسملة آية من كل سورة تجب قراءتها مع كل سورة (الحدائق الناضرة8/107).
وأنا أتساءل: لماذا تتمسكون بقرآننا والبسملة فيه ليست جزءا من كل سورة إلا في الفاتحة؟
بينما تجمعون على أن البسملة جزء من كل سورة إلا التوبة؟
إذهبوا ونقبوا عن القرآن الكامل مع المهدي وأخرجوه للناس؟ لا يجوز أن يبقى الناس محرومين منه مضطرين أن يأخذوا بهذا الذي جمعه أبو بكر وعمر!!!
رواية التحريف عن الأئمة حجة شرعية عند الكوراني
قال الكوراني « وحينئذ فكل ما ثبت عنهم – يعني الأئمة - بسند صحيح فهو حجة شرعية» (الانتصار1/60).
قلت: يلزمك أن تعتبر قول جعفر الصادق حجة شرعية. « إن القرآن الذي جاء به جبرئيل إلى محمد- صلى الله عليه وسلم - سبعة عشر ألف آية» حجة شرعية لأنه ثابت عنه.
رواه الكليني في (الكافي 2/463). وصحح إسناده المجلسي وقال » موثقة« (مرآة العقول الجزء الثاني عشر ص 525).
فهل الزيادة على الستة آلاف آية بما يقارب إحدى عشر ألف آية حجة شرعية أيها الكوراني؟
فيلزم تكفير إمامكم جعفر حيث صححتم نسبة تحريف القرآن إليه.(204/8)
أو قبول هذا الكفر لأن قائله إمام معصوم عندكم، والراد على الإمام كالراد على الله وهو كفر عندكم.
وإما ترك المذهب.
والقول بتحريف القرآن هو الحجة الشرعية عند الكوراني.
أليس هو القائل بأن عمر كان يكذب عليا في أن عنده القرآن الكامل؟ (تدوين القرآن 60)
أليس هو القائل: « السلطة بعد النبي صلى الله عليه وآله أسقطت آيات من القرآن ورفضت نسخة القرآن التى كتبها علي عليه السلام بإملاء النبي صلى الله عليه وآله ، والتي ذكرت بعض الروايات أن فيها زيادات في مدح أهل البيت عليهم السلام، قد تكون تفسيرا ، وقد تكون آيات منزلة» (تدوين القرآن51-52).
تكفير الكوراني لمعتقد التحريف: فليكفر نفسه
قال الكوراني « هل توافق يا ( سعودي ) على أن كل من قال بتحريف القرآن ، ولو آية واحدة منه فهو كافر؟» (الانتصار3/248)
وبناء على ما نقلناه من تصريحات الكوراني يتبين لنا أنه يعتقد وقوع التحريف في القرآن. بل قد حكاه عن مذهب الشيعة بعموم. منهم من يقول نقص منه آيات ومنهم من يقول تم تبديل آياته.
وهنا يلزمه تكفير نفسه وتكفير مذهبه.
كلام جميل للكوراني عن تحريف القرآن
سئل العاملي: « عقيدة أهل السنة والجماعة في القرآن كما يلي :
من يعتقد أن هناك مصحفاً آخر غير الذي بأيدينا فهو كافر . هل توافقون على ذلك ؟ نعم أو لا ؟
فقال الكوراني « إن الشيعة يؤمنون بهذا القرآن وحده ، ومن يؤمن بقرآن آخر بدله أو معه فهو كافر. أما نسخته الثانية التي روت مصادركم ومصادرنا أنها توجد عند أهل البيت وعند الامام المهدي عليهم السلام، فهي ليست قرآنا آخر، وهي من مسؤولية الامام المهدي الموعود، ولم نرها حتى نعرف فرقها عن هذه النسخة، ولا نقبل ادعاء أحد يدعى نسخة أخرى للقرآن غير الامام المهدي عليه السلام، ونحكم ببطلان نسخته، وبكفره ان كان يعتقد بها» (الانتصار3/190).
وهنا التناقض(204/9)
وسوف نقارن هذا القول بقول الكوراني « نعم توجد هذه الرواية وروايات أخرى في الكافي وغيره ، تدل على أن القرآن الفعلي فيه نقص عن قرآن علي عليه السلام.
قال « نعم توجد هذه الرواية وروايات أخرى في الكافي وغيره، تدل على أن القرآن الفعلي فيه نقص عن قرآن علي عليه السلام. وموقف غالبية علمائنا أنه لا بد من تأويل كل رواية تدل على وجود نقص أو زيادة في القرآن، فإن صح سندها ولم يمكن تأويلها وجب ردها، لمخالفتها للمجمع عليه عند كافة الأمة من سلامة القرآن من التحريف.. ويمكن تأويل هذه الرواية بأن مصحف علي عليه السلام كان فيه القرآن وتفسيره الذي سمعه من النبي صلى الله عليه وآله، وقد كان من عادتهم أن يكتبوا تفسير الآية مع الآية أو تحتها، كما صح عن مصحف ابن عباس وابن مسعود» (الانتصار3/241).
قلت: يلزمكم أحد اثنين: إما أن تردوا على أئمتكم.
ولكن: كيف يصح سندها الى الامام ثم تردونها؟
أليس الراد على الامام راد على الله؟ فيلزمكم عدم ردها بما أنه قد ثبت صحة إسنادها اليهم.
أو التزام التحريف.
أو تكفير الإمام لثبوت سند التحريف إليه.
أو يلزم بطلان مذهبكم ويثبت حينئذ أنكم تطعنون بالدين والأئمة.
يلزمهم ترك التأويل لأنه محتمل
الرافضة يتركون خبر الواحد لأنه لا يفيد القطع ولأنه محتمل فيلزمهم ترك التأويل لأنه محتمل أيضا. ولا يمكن أن يقولوا بأن تأويلاتنا مقطوع بها. فيلزمهم التناقض.
تفضيل الإمام على النبي
يلزم من تفضيل الإمام على النبي تفضيل منزلة الإمامة على منزلة النبوة. وهذا يلزم منه تفضيل علي على محمد وإعطاء مهمة الإمامة دورا ومنزلة أهم من منزلة النبوة.
يلزم من قولهم أن الدين لا يكمل إلا بالإمامة أن الدين لا يكتمل بالنبوة. فتكون منزلة النبوة أنقص من منزلة الامامة. وهذا يلزم منه تفضيل علي على النبي. لأن الدين لم يكتمل بنبوة محمد وإناما بإمامة علي.(204/10)
يلزم من تصحيح الرافضة لحديث (علي خير البشر ومن أبى فقد كفر) أن يحكموا على كل من فضل أنبياء الله على علي بن أبي طالب بالكفر. وهل حقا مفضل الأنبياء على علي وفاطمة وحسن وحسين قد كفر بدين الله؟
إكتمال الدين بالإمامة
هذا طعن بمهمة نبينا محمد. فإن نبوته لا تكمل الدين وإنما بإمامة علي.
وأين هذا من كتاب الله القائل: { (لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ 164 } . وقوله { وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا } . فلماذا يخلو القرآن من ذكر نعمة الإمامة؟؟؟
وقول الرافضة: بأن الدين لم يكتمل إلا بالإمامة يلزم منه أن دين الله بقي ناقصا لم يكتمل طيلة فترة إمامة أبي بكر وعمر وعثمان. وأن علي بن أبي طالب قد ساعد على نقص الدين لأنه قال (دعوني والتمسوا غيري) فأعرض عن المنصب الإمامي الذي كمل به دين الله.
نحن نعلم أن الله ذكر بني إسرائيل بنعمة النبوة ونعمة الملك التي تعترضون على معاوية من أجلها. { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن الْعَالَمِينَ 20 } فأين نعمة الإمامة: هل يذكر الله عبادة بنعمة الملك ولا يذكرهم بنعمة الإمامة؟
يلزمكم أن تتبنوا نظام الملكية(204/11)
تقولون بأن معاوية قد قلب نظام الحكم من خلافة إلى ملك. ونظام الملكية ينبني على ميراث الابن أو الأخ أو ابن العم الملك. فكيف تشنعون على معاوية ذلك وأنتم في نفس الوقت تطالبوننا بميراث الابن المعصوم لملك أبيه المعصوم.
يلزمكم التناقض.
من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية
يلزم من جهل زرارة بإمام زمانه أنه مات ميتة جاهلية. وكذلك كل الشيعة الذين انقسموا إلى ما يزيد على أربع عشرة فرقة بعد موت الإمام الحادي عشر.
لا يخلو زمان من إمام ومن لا يبايعه فهو ميت ميتة جاهلية. وهم يولدون ويموتون ولا يبايعون المهدي.
من بايع إماما باطل كان كافرا
يلزم مبايعة علي للخلفاء الثلاثة وتسمية أبنائهم بأسمائهم وتزويج ابنته لأحدهم إما مبالغة علي في الجبن وهو غير صحيح. أو أنه راض عنهم ويبطل به مذهب الرفض.
يلزم مبايعة الحسن والحسين لمعاوية أنهما كافرين لأنهما بايعا من ليس إماما معصوما.
قول علي (إنما الشورى للمهاجرينت والأنصار إبطال عقيدة الإمامة والوصاية.
تكفير علي لأنه رفض الإمامة. حيث قال للناس (دعوني والتمسوا غيري) لما انتخبوه للإمامة. السؤال: ماذا لو قال إبراهيم (دعني يا الله والتمس غيري) أيليق به أن يقول ذلك؟ الجواب كلا. وكذلك قول علي هذا لا يليق به أبدا بل يلزم كفره.
منع عمر كتابة الوصية
ويلزم من زعمهم أن عمر منع النبي من كتابة وصيته قبل موته عندما قال « إيتوني بكتف ودواة أكتب لكم وصية لن تضلوا بعدها. فقال عمر: إن رسول الله قد غلبه الوجع وإن حسبنا كتاب الله.
يلزم من زعمكم هذا أن عمر غلب الله وغلب رسوله.
فإن الله وعد نبيه أن يعصمه من الناس أي يعصمه من أن يمنعه أحد من تبليغ وحي الله له. قال تعالى (والله يعصمك من الناس).
هذه الآية ترد على من زعموا أن عمر منع الرسول - صلى الله عليه وسلم - من كتابة الوصية لأنه قال « إن رسول الله قد غلبه الوجع حسبنا كتاب الله».(204/12)
والآية نص على أنه لا أحد يستطيع ان يمنع رسول الله من تبليغ ما يريد. وفسر الشيعة الآية بمعنى أن الله يمنعك أن ينالوك بسوء (تفسير التبيان3/587 للطوسي تفسير مجمع البيان الطبرسي3/383). حتى اعترفوا بأن النبي كان له حرس فلما نزلت هذه الآية ترك الحرس (تفسير فرات الكوفي ص131).
فإما عجز الله وإما إخلاف وعده وإما بطلان مذهبكم. إختاروا واحدة.
أي قوة هذه بلغت بعمر أن يحرق بيت الشجاع ذي الفقار علي بن أبي طالب ويضرب زوجته فاطمة بنت رسول الله. فيكسر ضلعها ويقتل جنينها ثم لا يزيد علي على أن يقول لعمر:
هه سوف أنتقم منك يا عمر: هه زوجتك ابنتي أم كلثوم. هه بايعتك. هه سميت أولادي باسمك وايم أبي بكر واسم عثمان.
فيغلب عمر رسول الله فيعجز الرسول عن كتابة الوصية ويعجز علي مخالفة عمر!!!
إما أن يكون الرسول عاجزا وعلي خائفا وإما بطلان مذهبكم.
كلام المعصوم هو كلام الله
قالوا: إن كلام المعصوم هو كلام الله. فيلزم أن يتكلم الله على التقية. لأنهم يقولون قول هذا الامام: محمول على التقية. فيلزم أن يكون هذا الكلام الذي هو كلام الله محمول على التقية: فهل يتكلم ربنا على التقية؟
وكلام المعصوم منذ ولادته هو كلام الله عندهم فيلزم أن يكون قول الامام (واع واع) هو كلام الله.
انقسام الشيعة إلى أصوليين وإخباريين
ينقسم الشيعة الى إخباريين وأصوليين. الإخباريون لم يكونوا يفرقون بين الصحيح وبين الضعيف. ولا يزالون يرون هذا التفريق بدعة في الدين كما صرح به النائيني وغيره. ويلزم من ذلك ضلال الإخباريين لأنهم يؤمنون بروايات التحريف التي ملأت كتاب الكافي وغيره والتي رفعت الإمام إلى مرتبة الألوهية من غير تمييز لها بين الصحيح وبين الضعيف. فيلزم الإخباريين اعتقاد التحريف والغلو. وهي روايات من اعتقدها فقد كفر.(204/13)
فاختلاف شيوخ الإمامية المتقدمين عن متأخريهم في هذا الباب يلزم منه أن أحدهما على ضلال، وعليه « لزم ضرورة أن شيوخ الإمامية ضلوا في التوحيد إما متقدموهم وإما متأخروهم »
عبد الله وعبد الحسين
اذا كان العبد هو الخادم فيلزمهم أن يسموا خادم الكعبة والمسجد عبد الكعبة وعبد المسجد.
اذا اقترنت العبودية بالاستعانة والتضرع والتذلل لزم منها عبادة الوثنية لا عبادة الخدمة. فإننا نقول في صلاتنا (إياك نعبد وإياك نستعين). والرافضة يقبلون لفظ عبد علي عبد الحسين ويطلبون منهم الاستعانة تماما كما نفعل نحن في صلواتنا لله.
العصمة
قولهم بأن موسى نسي بمعنى ترك يلزم منه اتهام موسى بالكذب حيث قال ليوشع آتنا غداءنا. فكيف يقول له آتنا غداءنا وهو يعلم أن يوشع قد نسي الحوت حيث أووا إلىالصخرة.
قولهم بالعصمة يلزمهم القول على الله بالبداء. وقد التزموا ذلك فطعنوا بعلم الله إكراما لعقيدة العصمة. ويلزمهم بذلك الكفر. فكيف نتعجب حين نراهم يطعنون بالقرآن ويصرحون بوقوع التحريف إكراما لعقيدة الإمامية التي زعموا أن الله نص عليها لأهل البيت في القرآن الكريم؟؟؟
عقيدة التحريف
يلزم الخوئي تكفير علي بن أبي طاالب. لأن النسخ عنده تحريف. وقد قال علي (وأن القرآن معلوم في السنة نسخه. ويلزم منه اتهام سيدنا علي بالتحريف لأنه أقر بنسخ السنة للقرآن والنسخ تحريف عند الخوئي.
ويلزم منه اتهام سلف الخوئي بالتحريف لأنهم صرحوا بمشروعية نسخ القرآن بالسنة ونسخ التلاوة. قال المفيد « اتفق العلماء على جواز نسخ التلاوة دون الحكم وبالعكس ونسخهما معا خلافا لطائفة شاذة من المعتزلة» (أوائل المقالات ص219).
توثيق الشيعة لمعتقدي تحريف القرآن(204/14)
وثق الشيعة بالإجماع علي بن ابراهيم القمي والكليني وجابر الجعفي والنوري الطبرسي وكل هؤلاء معتقدين بتحريف القرآن. ويلزم من ذلك الإقرار بصحة عقيدتهم في التحريف. ونحن كنا نطالبهم بتكفير من يعتقد تحريف القرآن فرفضوا. واليوم نطالبهم على الأقل أن يحكموا ببطلان الرواية التي يروونها. وهم لن يحكموا بكفرهم في ذلك ولن يتراجعوا عن توثيق رواياتهم في ذلك.
تواتر التحريف عن الائمة يلزم كفرهم
روى الكليني في (كتاب الكافي) عن علي بن الحكم عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال « إن القرآن الذي جاء به جبرئيل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم سبعة عشر ألف آية» (الكافي2/634).
قال المجلسي تعليقا على هذه الرواية » موثقة« أي صحيحة السند. [مرآة العقول 12/525]. علماً بأن الآيات التي بين أيدينا في المصحف المتداول تبلغ ستة آلاف ومئتي وبضع آية فقط.
فيلزم من تصحيح روايات التحريف القطع والجزم بأنه قول الأئمة وعقيدتهم. وهكذا يعرض مراجع الشيعة الأئمة إلى الكفر. لأن اعتقاد وقع التحريف في القرآن كفر وقد حكى مراجع الشيعة تواتر الروايات فيه عن الأئمة. فأي حب هذا يلزم معه اتهام الأئمة الكفر؟
فيلزمكم واحدة من اثنتين لا مهرب منهما:
إما كفر الأئمة وإما كذبكم عليهم.
إذا كان وليكم إمامكم
يلزم من تفسير قوله تعالى (إنما وليكم الله) بمعنى إنما إمامكم أن نصف الله بأنه إمام. فهل حقا الآية معناها إنما إمامكم الله ورسوله وعلي بن أبي طالب؟
يلزم من تفسير قوله تعالى (إني جاعلك للناس إماما) أي خليفة وحاكما: أن يتناقض كتاب الله حيث إننا لم نعلم عن إبراهيم أنه حكم الناس. ويلزم التناقض أيضا حيث إن الله لم يجعل عشرة من الأئمة أئمة فلم يملكوا ولم يحكموا اللهم إلا علي والحسن فقط لا غير..
يلزم من اعتقاد أن علي بن أبي كان يزكي وهو راكع أن يقيم الصلاة وهو راكع.
عقيدة الكتمان(204/15)
يلزم كتمان علي للقرآن وبقاءه مكتوما عند المهدي طيلة الف ومائتي سنة أن نسأل ما هو هذا العلم الذي أخذتموه عن أهل البيت؟ أخذتم عنهم قرآنا غائبا وفتاوى على التقية؟ هل هذا إلا مذهب اليهود الذين وصفهم الله بأنهم يلبسون الحق بالباطل ويكتمون الحق؟؟؟ وهذا طعن بأهل البيت. قال تعالى { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ 159 } .
ففتاوى التقية هي لبس الحق بالباطل. وكتم الحق متمثل في قولهم القرآن الكامل مع الإمام المهدي وأن الأئمة كانوا يقرأون القرآن على خلاف ما كان الناس يقرأونه.
من كان ينازع الله عرشه حتى استولى عليه منه؟
يلزم من اعتقادهم أن الله استولى إثبات امتلاك بعد فقدانه. جردوا الله من ملكية العرش وكأنه كان في ملكية إله آخر ثم استولى الله على العرش منه. كل ذلك لينزهوا الله عما لا يليق به بزعمهم مما وصف نفسه به. فتنزيههم زخرف القول غرور من وحي الشيطان.
صحح السيستاني رواية جابر وفيها أن الأئمة من ولد فاطمة اثنا عشر ويلزم منها إما أن يكون علي بن أبي طالب من أولاد فاطمة أو يلزمهم أن يضيفوه مع أولاد فاطمة الاثني عشر فيلزمهم تصحيح رقم اسم المذهب فيقولوا: نحن إمامية ثلاث عشرية.
يلزم من اعتقاد الرافضة بعصمة الأئمة مشاركة الأنبياء في وصف العصمة. والسبب في عصمة الأنبياء نزول الوحي وعدم الخطأ في تبليغه. وهذا الوحي لا علاقة للأئمة به.
الخميني يطعن في عقيدة غيبة المهدي(204/16)
قال الخميني " قد مر على الغيبة الكبرى لإمامنا المهدي أكثر من ألف عام، وقد تمر ألوف السنين قبل أن تقتضي المصلحة قدوم الإمام المنتظر في طول هذه المدة المديدة، هل تبقى أحكام الإسلام معطلة؟ يعمل الناي من خلالها ما يشاؤون ؟ ألا يلزم من ذلك الهرج والمرج؛ القوانين التي صدع بها نبي الإسلام - صلى الله عليه وسلم - وجهد في نشرها، وبيانها وتنفيذها طيلة ثلاثة وعشرين عاماً، هل كان كل ذلك لمدة محدودة ؟ هل حدد الله عمر الشريعة بمائتي عام مثلاً ؟ الذهاب إلى هذا الرأي أسوأ في نظري من الاعتقاد بأن الإسلام منسوخ " هذا القول من الخميني يلزم منه أن الدين معطل بغياب هذا المهدي. فكيف تدعوننا إلى مبايعة إمام يعترف الخميني بأن أحكام الاسلام معطلة بسبب غيابه؟
الجهل بالإمامة جاهلية؟
لزم اعتقاد الرافضة بأن الصحابة حرفوا القرآن وحذفوا منه الآيات الدالة على ولاية أهل البيت أن الله لم يجفظ كتابه. ويلزم منه رفع الثقة بكتاب الله. وهنا مدخل خطير فتحه الرافضة لكل عدو للمسلمين.
عقيدة صنمي قريش
يلزم من اعتقاد أن أبا بكر وعمر صنمي قريش: أن النبي صاهر الأصنام وقربهم منه وأنه الآن يرقد مع الأصنام. وأن عليا بايع الأصنام وأطاعهم وكان مستشارا للجبت والطاغوت ناصحا أمينا وزيرا مطيعا للأصنام زوج إحدى بناته لأحد الصنمين. وأن أبا جعفر الصادق هو صنم وهو الجبت. فما هذا المذهب الذي يدعي حب جعفر ولعن أبيه في نفس الوقت؟
يلزم من قولكم صنما قريش أن يكون علي عابدا للأصنام فإن الطاعة عندكم هي معنى العبادة. وإذا كانت طاعة علي للأصنام تقية فماذا من هذه الشجاعة التي تعترفون بها وتأتون بما يناقضها. وكيف تقولون إن عليا لم يسجد لصنم قط بينما تعترفون بأنه كان يعبد الأصنام؟
لوازم الطعن في الصحابة(204/17)
يلزم من الطعن بالصحابة الطعن بالقرآن لأنهم سند القرآن. فكيف تدعون التصارى إلى الثقة بالقرآن وتفضيله على توراتهم وإنجيلهم المحرف وأنتم تطعنون فيمن جمعوه وبهم حفظه الله.
يلزم الطعن بأبي بكر الطعن في جعفر عليه السلام. ويلزم من الطعن بعمر الطعن بزيد عليه السلام. فإن أبا بكر هو جد جعفر باعتراف الشيعة.
لوازم استعمال الأئمة للتقية
يلزم من كثرة استعمال الأئمة التقية حتى في فتاويهم وصفهم بالجبن والخسة وخداع الناس وترك النصيحة وتبرئة الذمة. لا سيما وأن الفتاوى على التقية لم يثبت معها إكراه أحد من الناس لهم عليها. بدليل قول فقهاء الشيعة في فتاوى التقية: هذا محمول على التقية. وهذا يعني أن الإكراه محتمل وليس بمتيقن. هذه الفتاوى التي تخدع الناس فيظنون حرمة الحلال وحل الحرام لمجرد حرص الإمام على نفسه. ألم يروي الرافضة عن جعفر أنه كان يذكر وصية أبيه له قائلا « قم بالحق ولا تعرض لما نابك» (وسائل الشيعة8/430 الاختصاص ص230 بحار الأنوار71/296)؟ إن التقية من أضعف الإيمان، وأنتم تصفون الإئمة بأعلى الإيمان وأقواه. ونسبة أضعف الإيمان لهم دائما بما جعل يصدرون آلاف الفتاوى على خلاف الحق يجعلهم في أضعف مراتب الإيمان. فهل يمدح الرافضة أئمتهم أم يطعنون بهم.
هل مصلحة الإمام الشخصية أهم من مصالح الملايين في معرفة الحلال والحرام بدون تقية. أين مجاهدة الباطل والتبرؤ منه وعدم مجاراته والصراع من أجل الحق والحرص على الثبات عليه؟
هل يجوز استعمال الإمام للتقية؟(204/18)
يلزم من تصحيح الشيعة لحديث (أعظم الشهداء كلمة حق عند سلطان جائر) وحديث (الساكت عن الحق شيطان أخرس) وصف الأئمة بأنهم أسوأ من الشيطان الأخرس. فإذا كان الساكت عن الحق شيطان أخرس: فما بالك بمن يدعو الناس إلى الباطل؟ ولهذا نجد الشيعة يتساءلون هذه التساؤل: كيف يمكن الجمع بين هذا الحديث وبين أحوال الأئمة على التقية. ويوجهون مثل هذه الأسئلة إلى مشايخهم كما في السؤال رقم 1560 من كتاب صراط النجاة وكان موجها إلى شيخهم جواد التبريزي.
يلزم من مبايعة الكافر الكفر.
إمام يترك عقيدة الإمامة!!!
يلزم من قول علي (دعوني والتمسوا غيري) الكفر. فإنه رفض ما أوجبه الله عليه.
تأليه علي
زعم ابن شهر آشوب: أن الله أضاف عليا إلى نفسه حين قال (وهو العلي العظيم) (مناقب آل أبي طالب3/35). وهذا كفر بالله ويلزم منه أن يكون عليا هو الله لأن الله تعالى يقول { وأن الله هو العلي الكبير } ويقول { إن الله كان عليا كبيرا } .
ألم يقولوا بأن عليا هو لاهوت الأبد. ويصلون باسمه ركعتين. وأنه متحد بالله كما قاله الخميني؟ وفسروا الآيات المتكلمة عن الإله بأنها تعني الإمام؟
قال الرافضة في قوله تعالى { وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد } أي لا تتخذوا إمامين اثنين إنما هو إمام واحد» (تفسير العياشي2/261 بحار الأنوار23/357 و27/33 مستدرك سفينة البحار1/171). فانظر كيف بلغ بهم الغلو حتى صار معنى الإله هو الإمام.
وفي قوله تعالى { أإله مع الله } قال النمازي نقلا عن كنز جامع الفوائد « أي: إمام هدى مع إمام ضلال» (بحار الأنوار23/361 مستدرك سفينة البحار1/171).
وفي قوله { ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم } قالوا « أي من زعم أنه بإمام وليس بإمام» (مستدرك سفينة البحار1/171علي النمازي).
يلزم وصف أبي جهل بالصديق(204/19)
وزعم الشيعة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الذي وصف أبا بكر بالصديق لأنه كان يصدق بأن النبي ساحر (بصائر الدرجات الكبرى للصفار 444 تفسير القمي 1/290 والاختصاص للمفيد 19 الكافي الروضة 8/263 تفسير الصافي 1/702 والبرهان للبحراني 2/125). ويلزم من هذا أن يصف النبي أبا جهل بالصديق لما قال عنه بأنه ساحر!!
كربلاء أفضل من علي
فرووا أن النبي قال لعلي: أنت بمنزلة الكعبة تؤتى ولا تأتي. وهو موضوع كما نبه عليه في كتاب تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الموضوعة (1/399). وزعموا أنه مشهور بل متواتر كما نص عليه أحمد المحمودي (المسترشد ص394 قاله المحمودي في هامش الكتاب). وهذا تناقض منهم فإن كربلاء عندهم أفضل من الكعبة. وهذا يلزم منه أن تصير كربلاء أفضل من علي. فإذا كانت كربلاء أفضل من مكة صارت أفضل من علي بن أبي طالب.
عقيدة كسر الضلع
يلزم من تزوج النبي من ابنة عمر أن يتناقض وهو الذي رفض أن يتزوج علي من ابنة أبي جهل. يلزم من النبي من مصاهرة عمر أن يقر ضرب عمر لابنته بما أنه يعلم بعلم الغيب أن عمر سوف يكون ضارب ابنته فاطمة؟ فكيف يتزوج من ابنة عمر؟
لوازم الطعن في عائشة
يلزم من تزوج النبي من عائشة وقد كانت في سن التاسعة ولم تكن قد كفرت بعد أن يرتضي الكفر في بيته. وهل تزوح النبي من عائشة تقية وهو يعلم بما عنده من علم الغيب بزعمكم أنها سوف تكون كافرة. من يقبل بالزواج من الكافرة وهو يعلم أنها سوف تكون كافرة فهل يصح أن يكون نبيا؟
النبي متناقض وهو يعلم الغيب وقد تزوج من كذبت عليه وخانته. فالتناقض حيث أمرنا أن تختار الزوجة الصالحة مع عدم علمنا بالغيب. بينما اختار غير الصالحة مع علمه بالغيب.
العبادة والاستعانة تعني الشرك لا الخدمة.
يلزم منه أيضا التناقض حيث أمرنا أن نختار الزوجة الصالحة ثم يختار هو الكافرة.
هل يبيت نبينا في رأس الكفر(204/20)
يلزم الرافضة قولهم بأن رأس الكفر هو بيت عائشة أن يكون مستقر النبي هو رأس الكفر. فيقول النصراني للرافضي: أين يرقد نبيكم؟ فيقول له الرافضي في بيت عائشة. فيقول النصراني: يعني يبيت في رأس الكفر؟
ماذا يلزم من علم الغيب
يلزم من موت علي على يد ابن ملجم ان يكون منتحرا. لأنه يعلم الغيب وما سوف يكون في المستقبل ومع ذلك جاء طائعا مختار ملبيا لطلب ابن ملجم أن يمكنه من رقبته.
ويلزم من موت الحسين في كربلاء أن يكون قد تعمد المجيء من اجل ان يموت منتحرا ورضي أن يسلمهم رقبته.
اتهام النبي بأنه أموي
النبي أموي. لأنه تزوج أم حبيبة بنت أبي سفيان وزوج ابنتيه لعثمان وهو أموي.
لوازم فاطمة وأرض فدك
فاطمة طالبت بأرض فدك مع علمها بأن الأرض لا تحق لها للأنه لا يخفى عليها شيء. ومن جملة ما لا يخفى عليها حديث (الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا).
روى الشيعة عن جعفر الصادق رضي الله عنه أنه قال:« وإن عندنا لمصحف فاطمة، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد » (الكافي 1/184 كتاب الحجة) وهو طعن في فاطمة بأنها كان عندها قرآن عند مقارنته بقرآننا لا نجد فيه ما يشبهه ولا حرف واحد. وهذا هو المفهوم من نبرة التحدي في هذه العبارة. ويلزم منه اتهام إما لفاطمة بأنها كانت تقرأ غير قرآننا وإما أن قرآننا خلاف الصحيح.
منع عمر كتابة الوصية
ويلزم من زعمهم أن عمر منع النبي من كتابة وصيته قبل موته عندما قال « إيتوني بكتف ودواة أكتب لكم وصية لن تضلوا بعدها. فقال عمر: إن رسول الله قد غلبه الوجع وإن حسبنا كتاب الله.
يلزم من زعمكم هذا أن عمر غلب الله وغلب رسوله.
فإن الله وعد نبيه أن يعصمه من الناس أي يعصمه من أن يمنعه أحد من تبليغ وحي الله له. قال تعالى (والله يعصمك من الناس).
هذه الآية ترد على من زعموا أن عمر منع الرسول - صلى الله عليه وسلم - من كتابة الوصية لأنه قال « إن رسول الله قد غلبه الوجع حسبنا كتاب الله».(204/21)
والآية نص على أنه لا أحد يستطيع ان يمنع رسول الله من تبليغ ما يريد. وفسر الشيعة الآية بمعنى أن الله يمنعك أن ينالوك بسوء (تفسير التبيان3/587 للطوسي تفسير مجمع البيان الطبرسي3/383). حتى اعترفوا بأن النبي كان له حرس فلما نزلت هذه الآية ترك الحرس (تفسير فرات الكوفي ص131).
فإما عجز الله وإما إخلاف وعده وإما بطلان مذهبكم. إختاروا واحدة.
أي قوة هذه بلغت بعمر أن يحرق بيت الشجاع ذي الفقار علي بن أبي طالب ويضرب زوجته فاطمة بنت رسول الله. فيكسر ضلعها ويقتل جنينها ثم لا يزيد علي على أن يقول لعمر:
هه سوف أنتقم منك يا عمر: هه زوجتك ابنتي أم كلثوم. هه بايعتك. هه سميت أولادي باسمك وايم أبي بكر واسم عثمان.
فيغلب عمر رسول الله فيعجز الرسول عن كتابة الوصية ويعجز علي مخالفة عمر!!!
إما أن يكون الرسول عاجزا وعلي خائفا وإما بطلان مذهبكم.
يلعنون أبا جعفر الصادق
لعنوا أبا بكر مع اعترافهم بأنه جد جعفر الصادق. والجد أب قد علا فهم يلعنون أبا جعفر. فقد اتفقوا على أن أبا بكر هو جد لجعفر الصادق.
لوازمهم الفاسدة بشأن الصفات
قالوا بأن علي بن أبي طالب هو وجه الله يد الله. ويلزم منه وصف يد الله بالضعف. لأنه يقال لهم: ماذا فعلت يد الله عندما ضربت فاطمة؟
الحسين متكبر
يلزم من وصف الأئمة بأنهم أسماء الله الحسنى بأن يكون الحسين متكبرا لأن المتكبر من أسماء الله. فهل وصفهم بأنهم أسماء الله الحسنى فيه مدح لهم أم فيه طعن فيهم؟
الله هو الخالق فيلزم منه أن يكون الإمام هو الخالق.
الله هو الإله فيلزم أن يكون الإمام هو الإله. وقد قالوها:
قال الرافضة في قوله تعالى { وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد } أي لا تتخذوا إمامين اثنين إنما هو إمام واحد» (تفسير العياشي2/261 بحار الأنوار23/357 و27/33 مستدرك سفينة البحار1/171). فانظر كيف بلغ بهم الغلو حتى صار معنى الإله هو الإمام.(204/22)
وفي قوله تعالى { أإله مع الله } قال النمازي نقلا عن كنز جامع الفوائد « أي: إمام هدى مع إمام ضلال» (بحار الأنوار23/361 مستدرك سفينة البحار1/171).
وفي قوله { ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم } قالوا « أي من زعم أنه بإمام وليس بإمام» (مستدرك سفينة البحار1/171علي النمازي).(204/23)