أقول: هذا في الطبقات من طريق سعد، وهو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن ابن عوف عن خالته (كذا، ولعل الصواب: عن خاليه ) أنهم دخلوا على سعد ابن أبي وقاص فسئل الخ. وأحاديث أبناء سعد عنه كثيرة، والظاهر أنه كان معهم هذه المرة من لا يأتمنه سعد، ولعلهم سألوه عن شيء يتعلق بما جرى بين الصحابة.
قال (( وعن عمرو بن ميمون قال: اختلفت إلى عبد الله بن مسعود سنة فما سمعته فيها يحدث عن رسول الله ولا يقول قال رسول الله، إلا أنه حدث ذات يوم بحديث فجرى على لسانه قال رسول الله فعلاه الكرب حتى رأيت العرق يتحدر عن جبينه ثم قال: إن شاء الله، إ ما فوق ذاك أو قريب من ذاك وإما دون ذلك، وفي رواية عند ابن سعد عن علقمة بن قيس أنه كان يقوم قائماً كل عشية خميس، فما سمعته في عشية منها يقول قال رسول الله غير مرة واحدة فنظرت إليه وهو يعتمد على عصا فنظرت إلى العصا تزعزع )).
أقول: رواية عمرو بن ميمون انفرد بها – فيما أعلم – مسلم البطين واضطرب فيها على أوجه، راجح مسند أحمد الحديث 3670، وفي بعض الطرق التقييد بيوم الخميس وذلك أن ابن مسعود كان يقوم يوم الخميس يعظ الناس بكلمات. وأما رواية علقمة هذا ولهذين وغيرهما عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة في دواوين الإسلام، وأما كرب ابن مسعود فالظاهر أنه عرض له تشكك في ضبطه لذلك الحديث.ولهذا قال (( إن شاء الله الخ )) والأحاديث الصحيحة عنه بالجزم كثيرة، وراجع ما تقدم عنه ص 13.
قال (( وسأل مالك بن دينار ميمون الكردي أن يحدث عن أبيه الذي أدرك النبي وسمع منه فقال: كان أبي لا يحدثنا عن النبي مخافة أن يزيد أم ينقص ))
أقول: لم يعزه ولم أعثر عليه، ووالد ميمون الكردي لا يكاد يعرف. وقد ذكر في أسد الغاية والإصابة باسم (( جابان )) ولم يذكروا له شيئاً إلا أنه وقع بسند
ضعيف عن ميمون عن أبيه، فذكر حديثاً لا يصح وفيه اضطراب.(153/60)
قال (( وأخرج الدارقطني عن عبد الرحمن بن كعب قال (( قلت لأبي قتادة حدثني بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أخشى أن يزل لساني بشيء لم يقله رسول الله )).
أقول: قد قدمنا أنهم كانوا لا يحبون التحديث عند عدم الحاجة، وأحاديث أبي قتادة موجودة في دواوين الإسلام.
قال (( وروى ابن الجوزي في كتاب ( دفع شبهة التشبيه ) قال: سمع الزبير رجلاً يحدث، فاستمع الزبير حتى قضى الرجل حديثه، قال له الزبير: أنت سمعت هذا من رسول الله؟ فقال الرجل: نعم. فقال: هذا وأشباهه مما يمنعني أن أتحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم. قد لعمري سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا يؤمئذ حاضر، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدأ بهذا الحديث فحدثناه عن رجل من أهل الكتاب حديثه يومئذ، فجئت أنت بعد انقضاء صدر الحديث، وذكر الرجل الذي هو من أهل الكتاب فظننت أنه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أقول: أسنده البيهقي في الأسماء والصفات (ص258ط الهند ): (( أخبرنا أبو جعفر الغرابي[في مخطوط مكتبة الحرم المكي رقم203من كتب التوحيد القسم الأول (( العزائمي )) ] أخبرنا أبو العباس الصبغي حدثنا الحسن بن علي بن زياد حدثنا ابن أبي أويس حدثني ابن أبي الزناد عبد الرحمن عن هشام بن عروة عن [عبد الله بن] [قوله ((عبد الله بن))أثبته من المخطوطة، وسقط من المطبوعة ] عروة بن الزبير أن الزبير بن العوام سمع رجلاً.. . )) أبو جعفر لم أعرفه والصبغي هو محمد بن إسحاق بن أيوب مجروح وابن أبي الزناد فيه كلام، وعبد الله بن عروة ولد بعد الزبير بمدة فالخبر منقطع. وكأنه مصنوع
قال ص32 (( وأخرج البخاري والدارقطني عن السائب بن يزيد قال: صحبت عبد الرحمن بن عوف وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص والمقداد بن الأسود فلم أسمع الواحد منهم يحدث عن رسول الله )).(153/61)
أقول: قد حدثوا، وسمع منهم غير السائب، وحدث من هو خير منهم الخلفاء الأربعة والكثير الطيب من الصحابة رضي الله عنهم. وانتظر
قال (( وأخرج أحمد وأبو يعلى على دجين الخ )).
أقول: دجين أعرابي ليس بشيء في الرواية، وترجمته في لسان الميزان وفيها نحو هذا مع اختلاف.
قال (( وقال عمران بن حصين: والله إن كنت لأرى أني لو شئت لحدثت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يومين متتابعين، ولكن بطأني من ذلك أن رجالاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعوا كما سمعت وشهدوا كما شهدت ويحدثون أحاديث ما هي كما يقول(؟) وأخاف أن يشبه لي كما شبه لهم )) فاعلمك أنهم كانوا يغلطون ( وفي نسخة: يخطئون) لأنهم كانوا يتعمدون )).
أقول: هذا ذكره ابن قتيبة في مختلف الحديث ص49- فقال (( روى مطرف بن عبد الله أن عمران بن حصين قال.. .. )) ولم يذكر سنده. وقوله (( فأعلمك الخ )) عن كلام ابن قتيبة.
/ قال (( وأخرج ابن ماجه عن عبد الله بن أبي ليلى قال: قلت لزيد بن أرقم: حدثنا عن رسول الله قال: كبرنا ونسينا، والحديث عن رسول الله شديد )).
أقول: أحاديث زيد موجودة في الكتب، وقد قدمنا أنهم كانوا لا يحبون أن يحدثوا بدون حضور حاجة، ويتأكد ذلك عند خشية الخطأ – وانتظر
قال (( وقال ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث: وكان كثير من جلة الصحابة
وأهل الخاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم كأبي بكر و الزبير وأبي عبيدة والعباس بن عبد المطلب يقلون الرواية عنه، بل كان بعضهم لا يكاد يروى عنه شيئاً كسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أحد العشرة المشهود لهم بالجنة ))
قال أبو رية (( ولو أنك تصفحت البخاري ومسلم لما وجدت فيهما حديثاً واحداً لأمين هذه الأمة أبي عبيدة عامر بن [عبد الله بن] الجراح. وليس فيهما كذلك حديث لعتبة بن غزوان وأبي كبشة مولى رسول الله وكثيرين غيرهم ))(153/62)
ثم قال أبو رية (( كان الخفاء الراشدون وكبار الصحابة وأهل الفتيا منهم كما علمت يتقون كثرة الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بل كانوا يرغبون عن روايته إذ كانوا يعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن كتابة حديثه وأنهم إذا حدثوا عنه قد لا يستطيعون أن يؤدوا كل ما سمعوه... على وجهه الصحيح لأن الذاكرة لا يمكن أن تضبط كل ما تسمع وماتحفظه مما تسمعه لا يمكن أن يبقى فيها على أصله.. . ما كانوا ليرضوا بما رضي به بعضهم ومن جاء بعدهم من رواية الحديث بالمعنى، لأنهم كانوا يعلمون أن تغيير اللفظ قد يغير المعنى، وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم ليس كغيره إذ كل لقظة من كلامه صلى الله عليه وسلم يكمن وراءها معنى بقصده )). أقول: كان الصحابة يفتون، وكل من طالت صحبته فبلغت سنة فأكثر فهو من العلماء، وإن كان بعضهم أعلم من بعض، وقد قال الشافعي في الأم 7/:244 (( أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم ممن له أن يقول في العلم )) وتبليغ الأحاديث فرض كفاية كالفتوى، فأما الصديق فقل حديثه وفتواه لأنه اشتغل بالخلافة حتى مات بعد سنتين وأشهر، وكان يكفيه غيره الفتوى والتحديث. وأما أبو عبيدة فشغل بفتح الشام حتى مات سنة 18 وكان معه في الجيش كثير من الصحابة كمعاذ بن جبل وغيره يكفونه الفتيا والتحديث. وقد جاءت عنه عدة أحاديث لم يتفق أن يكون منها ماهو على شرط الشيخين مما احتاجا إليه. وأما الزبير والعباس فكانا مشتغلين بمزارعهما غير منبسطبن لعامة الناس، فاكتفى الناس غالباً ببقية الصحابة وهم كثير. وأما سعيد / بن يزيد فكان منقبضاً ‘مقبلاً على العبادة. وأما عتبة بن غزوان فحاله كحال أبي عبيدة بقي في الجهاد والفتوح حتى مات سنة 17، وأما أبو كبشة فقديم الموت توفي يوم مات أبو بكر أو بعده بيوم. وكما قلت أحاديث هؤلاء قلت فتاواهم، مع العلم بأن الفتوى فرض كفاية، وأنه إذا لم يوجد إلا مفتٍ واحد والقضية واقعة تعينت عليه، وكما(153/63)
كانوا يتقون الفتوى في القضايا التي ليست واقعة حيننئذ حتى روي عن عمر أنه لعن من يسأل عما لم يكن. وأنه قال وهو على المنبر: وأحرج بالله على من سأل عما لم يكن، فإن الله قد بين ما هو كائن، أخرجهما الدارمي وغيره. وروى أنهم كانوا يتدافعون الفتوى، كل واحد يود أن يكفيه غيره فكذلك كان شأنهم في التحديث حين كان الصحابة متوافرين،وعامة من تقدم أنه قليل الحديث أو أنه سئل أن يحدث فامتنع، قد ثبتت عنهم أحاديث بين مكثر ومقل، وذلك يبين قطعاً أن قلة حديثهم إنما كانت لما تقدم. ويوضح ذلك أنه لم يأت عن أحد منهم ما يؤخذ منه أنه امتنع من التحديث بحديث عنده مع حضور الحاجة إليه وعدم كفاية غيره له. إ نك لا تجد بهذا المعنى حرفا ً واحداً، فاختيارهم أن لا يحدثوا إلا عند حضور الحاجة إلى تحديثهم خاصة هو السبب الوحيد لاتقاء الاكثار ولما يصح في الجملة من الرغبة عن الرواية، أما النهي عن الكتابة فقد فرغنا منه البتة فيما تقدم ص22- وأما خشية الخطأ فهذا من البواعث على تحري أن لا يحدثوا إلا عند الحاجة. راجع (ص31) قوله: إن ما وعته الذاكرة (( لا يمكن أن يبقى فيها على أصله )) إن أراد بذلك ألفاظ الأحاديث القولية فليس كما قال، بل يمكن أن يبقى بعض ذلك، بل قوله إن (( الخلفاء الراشدين وكبار الصحابة وأهل الفتيا.. . لم يكونوا ليرضوا بما رضي به بعضهم.. . من رواية الحديث بالمعنى )) اعتراف منه بأن ما ثبت عن هؤلاء روايته من الأحاديث القولية قد رووه بلفظ النبي صلى الله عليه وسلم على وجهه الصحيح. وإن أراد الأحاديث الفعلية ومعاني القولية
فباطل، بل يبقى فيها الكثير من ذلك كما لا يخفى على أحد.
قوله (( إن تغيير اللفظ قد يغير المعنى )) قلنا: قد، ولكن الغالب فيمن ضبط المعنى ضبطاً يثق به أنه لا يغير.(153/64)
قوله (( كل لفظة من كلامه صلى الله عليه وسلم يكمن وراءها معنى يقصده )) أقول نعوذ بالله من غلو يتذرع به إلى جحود، كان صلى الله عليه وسلم يكلم الناس ليفهموا عنه، فكان يتحرى إفهامهم )) إن كان ليحدث الحديث لو شاء العاد أن يحصيه أحصاه كما في سنن أبي داود عن عائشة، وأصله في الصحيحين. وكان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثاً حتى تفهم )) كما في صحيح البخاري عن أنس. ويقال لأبي رية: أمفهومة كانت / تلك المقاصد الكامنة وراء كل لفظة للصحابة، أم لا؟ إن كانت مفهومة لهم أمكنهم أن يؤدوها بغير تلك الألفاظ. وإلا فكيف يخاطبون بما لا يفهمونه؟ فأما حديث (( فرب مبلغ أوعى من سامع )) فإنما يتفق في قليل كما تفيد كلمة ((رب)) وذلك كأن يكون الصحابي ممن قرب عهده بالإسلام ولم يكن عنده علم فيؤديه إلى عالم يفهمه على وجهه، والغالب أن الصحابة أفهم لكلام النبي صلى الله عليه وسلم ممن بعدهم.
تشديد الصحابة في قبول الأخبار
قال أبو رية ص33 (( كانوا يتشددون في قبول الأخبار من إخوانهم في الصحبة مهما بلغت درجاتهم ويحتاطون في ذلك أشد الاحتياط حتى كان أبو بكر لا يقبل من أحد حديثا إلا بشهادة غيره على أنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أقول هذه دعوى لا تقبل إلا بدليل كأن يكون أبو بكر صرح بذلك، أو تكرر منه رد خبر الآحاد الذين لم يكن مع كل منهم آخر،وليس بيد أبي رية شيء من هذا، إنما ذكر الواقعة الآتية وسيأتي النظر فيها
قال (( روى ابن شهاب عن قبيصة أن الجدة جاءت أبا بكر تلتمس أن تورث فقال: ما أجد لك في كتاب الله شيئاً، وما علمت أن رسول الله ذكر لك شيئاً ثم سأل الناس، فقام المغيرة فقال: كان رسو الله صلى الله عليه ووسلم يعطيها السدس. فقال له: هل معك أحد.؟ فشهد محمد بن مسلمة بمثل ذلك، فأنفذه لها أبو بكر )).(153/65)
أقول: هذه واقعة حال واحدة ليس فيها ما يدل على أنه لو لم يكن مع المغيرة غيره لم يقبله أبو بكر. والعالم يحب تظاهر الحجج كما بينه الشافعي في الرسالة (ص432). ومما حسن ذلك هنا أن قول المغيرة (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيها السدس )) [كما نقله أبو رية]يعطي أن ذلك تكرر من قضاء النبي صلى الله عليه وسلم. وقد يستبعد أبو بكر تكرر ذلك ولم يعلمه هو مع أنه كان ألزم للنبي صلى الله عليه وسلم من المغيرة. وأيضاً الدعوى قائمة،وخير المغيرة يشبه الشهادة للمدعية ومع ذلك فهذا خبر تفرد به الزهري عن عثمان بن إسحاق بن خرشة عن قبيصة، واحد عن واحد عن واحد. فلو كان في القصة ما يدل على أن الواحد لا يكفى لعاد ذلك بالنقض على الخبر نفسه. فكيف وهو منقطع، لأن قبيصة لم يدرك أبا بكر، وعثمان بن إسحاق وإن وثق لا يعرف في الرواية إلا برواية الزهري وحده عنه هذا الخبر وحده.
قال أبو رية (( وقد وضع بعمله هذا أول شروط علم الرواية، وهو شرط الإسناد الصحيح )).
/ أقول تلك أمانيهم، وقد بين الكتاب والسنة وجوب أن يقبل خبر العدل وقرن الله تعالى تصديقه بالإيمان به سبحانه، قال تعالى في ذكر المنافقين (61:9 ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن) كلما أخبره أحد من الصحابة عنا بشر صدقه، قال تعالى ( قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن بالمؤمنين )).أي يصدقهم. وقال سبحانه (6:49 يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ) فبين سبحانه أن خبر الفاسق مناف لخبر العدل فمن حق خبر العادل أن يصدق كما صرحت به الآية الأولى، ومن حق خبر الفاسق أن يبحث عنه حتى يتبين أمره(153/66)
وأما السنة فبيانها لوجوب أن يقبل خبر الواحد العدل أوضح، وقد أطال أهل العلم في ذلك وألفوا فيه، وانظر رسالة الشافعي (ص401-458) وأحكام ابن حزم (108:1) ومن أبين ما احتجوا به ما تواتر من بعث النبي صلى الله عليه وسلم آحاد الناس إلى القبائل والأقطار يبلغ كل واحد منهم من أرسل إليه ويعلمهم ويقيم لهم دينهم. قال ابن حزم (( بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ إلى الجند وجهات من اليمن، وأبا موسى إلى جهة أخرى.. وأبا عبيدة إلى نجران، وعلياً قاضياً إلى اليمن، وكل من هؤلاء مضى إلى جهة ما معلماً لهم شرائع الإسلام. (( وكذلك بعث أميراً إلى كل جهة أسلمت.. . معلماً لهم دينهم ومعلماً لهم القرآن ومفتياً لهم في أحكام دينهم وقاضياً فيماوقع بينهم وناقلاً إليهم ما يلزمهم عن الله تعالى ورسوله، وهم مأمورون بقبول ما يخبرونهم به عن نبيهم صلى الله عليه وسلم. وبعثة هؤلاء المذكورين مشهورة بنقل التواتر من كافر ومؤمن لا يشك فيها أحد.. . ولا في أن بعثتهم إنما كانت لما ذكرنا. [و] من المحال الباطل الممتنع أن يبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من لا تقوم عليهم الحجة بتبليغه، ومن لا يلزمهم قبول ما علموهم من القرآن وأحكام الدين وما أفتوهم به في الشريعة.. .إذ لو كان ذلك لكانت بعثته لهم فضولاً، ولكان عليه السلام قائلاً للمسلمين: بعثت إليكم من لا يجب عليكم أن تقبلوا منه ما بلغكم عني، ومن حكمكم أن لا تلتفتوا إلى ما نقل إليكم عني.. . ومن قال بهذا فقد فارق الإسلام )).
والحجج في هذا الباب كثيرة، وإجماع السلف على ذلك محقق.
قال أبو رية (ص34): (( أما عمر فقد كان أشد من ذلك احتياطاً وتثبيتاً روى البخاري عن أبي سعيد الخدري قال: كنت في مجلس من مجالس الأنصار إذ جاء أبوموسى كأنه مذعور، فقال: استأذنت على عمر ثلاثاً فلم يؤذن لي، فرجعت، قال عمر: ما منعك؟ قلت: استأذنت ثلاثا فلم يؤذن لي فرجعت، وقال رسول الله صلى(153/67)
الله عليه وسلم / (( إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع )). فقال: والله لتقيمين عليه بينة. ( زاد مسلم: وإلا أوجعتك. وفي رواية ثالثة: فوالله لأوجعن ظهرك وبطنك أو لتأتين بمن يشهد لك على هذا ) أمنكم أحد سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال أبي بن كعب: والله لا يقوم معك إلا أصغر القوم. فكنت أصغر القوم، فقمت معه فأخبرت عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك )) قال أبو رية (( فانظر كيف تشدد عمر في أمر ليس فيه حلال ولا حرام، وتدبر ماذا يكون الأمر لو كان الحديث في غير ذلك من أصول الدين أو فروعه. وقد استند إلى هذه القصة من يقولون إن عمر كان لا يقبل خبر الواحد. واستدل به من قال إن خبر العدل بمفرده لا يقبل حتى ينضم إليه غيره... )). أقول: قد ثبت عن عمر الأخذ بخبر الواحد في أمورعديدة، من ذلك أنه كان لايورث المرأة من دية زوجها حتى أخبره الضحاك بن سفيان الكلابي أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إليه أن يورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها. فرجع إليه عمر. وعمل بخبر عبد الرحمن بن عوف وحده في النهي عن دخول بلد فيها الطاعون وعمل بخبره وحده في أخذ الجزية من المجوس. وهذا كله ثابت، راجع رسالة الشافعي 426: وفي صحيح البخاري وغيره عن عمر أنه قال لابنه عبد الله: (( إذا حدثك سعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء فلا تسأل عنه غيره. وكان سعد حدث عبد الله حديثاً في مسح الخفين، فأما قصة أبي موسى فإنما شدد عمر لأن الاستئذان مما يكثر وقوعه، وعمر أطول صحبة للنبي صلى الله عليه وسلم وأكثر ملازمة وأشد اختصاصاً، ولم يحفظ هو ذاك الحكم فاستغربه، ولهذا لما أخبره أبو سعيد عاد عمر باللائمة على نفسه فقال (( خفي علي هذا من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم )) ألهاني عنه الصفق بالأسواق )). وهذا ثابت في الصحيحين. وأنكر أبي بن كعب على عمر تشديده على أبي موسى وقال (( فلا تكن يا ابن الخطاب عذاباً على أصحاب(153/68)
رسول الله صلى الله عليه وسلم )) فقال عمر (( إنما سمعت شيئاً فأحببت أن أتثبت )) وهذا في صحيح مسلم. وقد كان عمر يسمى أبياً: سيد
المسلمين. وفي الموطأ أن عمر قل لأبي موسى (( أما إني لم أتهمك، ولكني أردت أن لا يتجرأ الناس على الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم )). قال ابن عبد البر (( يحتمل أن يكون حضر عنده من قرب عهده بالإسلام فخشي أن أحدهم يختلق الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرغبة والرهبة طالباً للمخرج مما يدخل فيه. فأراد أن يعلمهم أن من فعل شيئاً من ذلك ينكر عليه حتى يأتي بالمخرج )) وقد نقل أبو رية شيئاً من فتح الباري وترك ما يتصل به من الجواب الواضح عنه، فإن شئت فراجعه.(153/69)
/وقال أبو رية (ص8): (( وكان علي يستحلف الصحابي على ما يرويه له )) وقد رده البخاري وغيره كما في ترجمة أسماء من تهذيب التهذيب. وتوقيق العجلي وجدته بالاستقراء،كتوثيق ابن حبان أو أوسع، فلا يقاوم إنكار البخاري وغيره على أسماء. على أنه لو فرض ثبوته فإنما هو مزيد الاحتياط، لا دليل على اشتراطه.هذا من المتواتر عن الخلفاء الأربعة أن كلا منهم كان يقضي ويفتي بما عنده من السنة بدون حاجة إلى أن تكون عند غيره. وأنهم كان ينصبون العمال من الصحابة وغيرهم ويأمرونهم أن يقضي ويفتي كل منهم بما عنده من السنة بدون حاجة إلى وجودها عند غيره. هذا مع أن المنقول عن أبي بكر وعمر وجمهور العلماء أن القاضي لا يقضي بعلمه. وقال أبو بكر(( لو وجدت رجلاً على حد ما أقمته عليه حتى يكون معي غيري )) وقال عكرمة: قال عمر لعبد الرحمن بن عوف (( لو رأيت رجلاً على حد زنا أو سرقة وأنا أمير؟ )) فقال (( شهادتك شهادة رجل من المسلمين )) قال: (( صدقت )). (راجع فتح الباري 139:13و141). ولوكان عندهم أن خبر الواحد العدل ليس بحجة تامة لما كان للقاضي أن يقضي بخبر عنده حتى يكون معه غيره، ولا كان للمفتي أن يفتي بحسب خبر عنده ويلزم المستفتي العمل به حتى يكون معه غيره. فتدبر هذا فإنه إجماع. وقد مضي به العمل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه الغنى.
وذكر شيئاً عن أبي هريرة، وسيأتي في ترجمته رضي الله عنه.
الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال أبو رية (ص6):لما قرأت حديث ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) غمرني الدهش لهذا القيد الذي لا يمكن أن يصدر من رسول جاء بالصدق وأمر به، ونهى عن الكذب وحذر منه، إذ ليس بخاف أن الكذب هو الإخبار بالشيء على خلاف ما هو عليه، سواء أكان عمداً أم غير عمد )).(153/70)
ثم ذكر (ص9) أنه كلمة (متعمداً ) (( لم تأت في روايات كبار الصحابة قال: ويبدو أن هذه الكلمة قد تسللت إلى هذا الحديث على سبيل الإدراج لكي يتكئ عليها الرواة فيما يروونه عن غيرهم من جهة الخطأ أو الوهم أو الغلط.. . ذلك بأن المخطيء غير مأثوم. أو أن هذه الكلمة وضعت ليسوغ الذين يضعون الأحاديث عن غير عمد عملهم ))
ثم أ طال الكلام (ض36) فزعم أن (( الروايات الصحيحة التي جاءت عن كبار الصحابة ومنهم ثلاثة من الخلفاء الراشدين / تدل على أن هذا الحديث لم تكن فيه تلك الكلمة (متعمداً)، قال: وكل ذي لب يستبعد أن يكون النبي نطق بها، لمنافة ذلك للعقل والخلق اللذين كان الرسول متصفاً بالكمال فيهما )).
أقول: أما الرواية فقد جاءت عن كبار الصحابة وغيرهم بلفظ (( من كذب على فلبيتبوأ الخ )) وبما يؤدي معناه مثل (( من قال علي ما ألم أقل الخ )) وجاءت بلفظ(( من كذب علي متعمداً فليتبوأ الخ )) وبما يؤدي معناه مثل (( من تعمد علي كذبا الخ )) راجع البخاري من فتح الباري وصحيح مسلم ومسند أحمد وتاريخ بغداد وكنز العمال 22:5 ومشكل الآثار للطحاوي 164:1-176. وقد يمكن للترجيح بالنظر إلى الرواية عن صحابي معين، فأما على الاطلاق فلا، وكما أن الله عزوجل كرر في القرآن بيان شدة الإثم في افتراء الكذب عليه فمعقول أن يكرر رسوله وها هنا بحثان:
البحث الأول في البرهان العقلي الذي اعتمد عليه أبو رية إذ قال: عن هذا القيد (متعمداً) (( لا يمكن أن يصدر من رسول الله جاء بالصدق الخ )) وقال (( وكل ذي لب يستبعد أن يكون النبي قد نطق بهالمنافة ذلك للعقل الخ ))(153/71)
أقول: ماعسى أن يقول أبو رية في قول الله عزوجل (( ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذب بآياته )) واقرأ (93:6و 144) و (37:7) و (17:10)و (18:11) و (15:18)و (68:29) و (70:61) كل هذه الآيات تذكر افتراء الكذب على الله، وافتراء الكذب هو تعمده والكذب على النبي صلى الله عليه وسلم لا يزيد على الكذب على الله، فلماذا لا يعقل أن يقيد النبي صلى الله عليه وسلم كما قيد القرآن؟
وقال الله سبحانه(286:2لا يكلف الله نفساً إلا وسعها[واقرأ (233:2)و(152:6)و(41:7)و(62:23)و(7:65)]لها ماكسبت وعليها ما اكتسب ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ) وقد اعترف أبو رية (ص8) بأنه ليس في وسع من سمع الحديث أن لا يقع منه في تبليغه خطأ البتة، وعبارته (( وتركه يذهب بغير قيد إلى أذهان السامعين، تخضعه الذاكرة لحكمها القاهر، الذي لا يستطيع إنسان مهما كان أن ينكره أو ينازع فيه من سهو أو غلط أو نسيان )). وإذا كان الله عزوجل لا يكلف نفساً إلا وسعها فبماذا يستحق من وقع منه ما ليس في وسعه أن لا يقع أن يتبوأ منزلاً من جهنم؟ وقد علم الله عباده أن يقولوا (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا)وماعلمهم إلا ليستجيب لهم. وقد ثبت في الصحيح أن الصحابة لما قالوها قال الله تعالى (( قد فعلت )) وقال الله تبارك وتعالى (5:33 وليس عليكم جناح فيما
أخطأتم به. ولكن ماتعمدت قلوبكم ) وقال سبحانه (106:16 من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان، ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم ) المخطيء أولى بالعذر من المكره.
قد يقول أبو رية: كان للصحابة مندوحة عن الوقوع في الخطأ، وذلك بأن يدعوا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم البتة.(153/72)
قلت: أني لهم ذلك وهم مأمورون أن يبلغ شاهدهم غائبهم، كان ذلك في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعده، وكان أصحابه يبلغ بعضهم بعضاً،وكان يتناوبون كما في الصحيح عن عمر كنت أنا وجار لي من الأنصار.. . وكنا نتناوب النزول على رسول اله صلى الله عليه وسليم ينزل يوماً وأنزل يوماً، فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره، وإذا نزل فعل مثل ذلك.. )وقد قال تعالى (122:9 وما كان المؤمنون لينفروا كافة، فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم ولعلهم يحذرون) وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث الرسل والأمراء ويأمرهم أن يبلغوا من أرسلوا إليهم ويجيء أفراد من القبائل فيسلمون ويتعلمون ويسمعون ويرجعون إلى قبائلهم فيبلغونهم. وقد علموا أن محمداً رسول الله إلى الناس كافة إلى يوم القيامة، وأن شريعته للناس كافة إلى يوم القيامة وأن الله تعالى أمر الناس كافة باتباعه وطاعته والتأسي به وأخذ ما أتى به والانتهاء عما نهى، وجعله المبين عنه لما أنزله بقوله وفعله، وأنهم مأمورون بتبليغ الكتاب وبيانه،إذ كل ذلك دين الناس كافة إلىيوم القيامة،وأنهم مأمورورن بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،و التعاون على البر والتقوى، والدلالة على الخير والنصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولعباده. وعلموا الوعيد الشديد على كتمان الحق،وكتمان ما أنزل الله من البينات والهدى، مع علمهم بأن كتمان بيان الكتاب بمنزلة كتمان الكتاب. وحسبنا أنهم كانوا أعلم بالله ودينه وما لهم وعلهيم، وأتبع للحق وأحرص على النجاة من كل من جاء بعدهم، وقد حدث أفاضلهم وخيارهم ما بين مكثر ومقل، ولم يكن المقل يعيب على المكثر إلا أن يرى بعضهم أن الإكثار جداً خلاف الأولى، وهذا عمر الذي نسب إ ليه كراهية الإكثار قد جاءت عنه – مع تقدم وفاته—أكثر من خمسمائة حديث، وله في صحيح البخاري وحده ستون حديثاً، وقد نسب إ ليه الوهم كما نسب إلى غيره،(153/73)
فالحق الذي لا يرتاب فيه عاقل أنهم كانوا مأمورين بالتبليغ عند الحاجة، مأذونا لهم أن يحدثوا مطلقاً، مع العلم بشدة حرمة الكذب في جميع الأحوال، فمعنى ذلك أن عليهم ولهم أن يحدثوا بما يعتقدون أنهم صادقون فيه، ومع العلم بأن أحدهم إذا حدث معتقداً أنه صادق فقد يقع له خطأ، وإن من وقع له ذلك مع بذله وسعه في التحري والتحفظ فهو معذور، وهذا هو الذي تقتضيه القضايا العقلية والنصوص القرآنية، حتى لو فرض أنه لم يأت في الحديث / لفظ ( متعمداً) ولا ما يؤدي معناه، فإن الأدلة القطعية توجب أن يكون هذا مراداً في المعنى.
ولا يتوهمن أحد أن كلمة متعمداً تخرج من حدث جازماً وهو شاك، كلا فإن هذا متعمد بالإجماع، ولا نعلم أحد من الناس حتى من أهل الجهل والضلالة زعم أن كلمة (( متعمداً )) تخرج هذا، وإنما وجد من أهل الجهل والضلال من تشبت بكلمة (( علي )) فقال: نحن نكذب له لا عليه. فلو شكك أبو رية في كلمة (( علي )) لكان أقرب
وذكر أبو رية (ص38) حديث الزبير، ودونك تلخيص حاله: أشهر طرقه ر واية شعبة عن جامع بن شداد بن عامر عن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن الزبير، رواه عن شعبة جماعة بدون كلمة (( متعمداً )) ورواه معاذ بن معاذ – وهو من جبال الحفظ – فذكرها. فنظرنا في رواية غندر عن شعبة- فإن غندراً ضبط كتابه عن شعبة وعرضه عليه وحققه، قال ابن المبارك: إذا اختلف الناس في حديث شعبة فكتاب غندر حكم بينهم. فوجدنا الإمام أحمد رواه في مسنده عن غندر عن شعبة وفيه الكلمة (( متعمداً )). وكذلك رواه أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن بشار بندار(153/74)
عن غندر، وراه ابن ماجه عنهما، لكن في الفتح أن الإسماعيلي أخرجه من طريق غندر بدونها. وفي الفتح أن الزبير بن بكار روى الخبر في كتاب النسب من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير بدونها، ولا أدري كيف سنده. وكذلك أخرجه الدارمي بدونها من طريق أخرى عن ابن الزبير، في سندها عبد الله بن صالح كاتب الليث، وفيه كلام. وقد أخرجه أبو داد بسند صحيح عن عامر بن عبد الله بن الزبير بسنده وفيه الكلمة. وقال المنذري في اختصاره لسنن أبي داود (( والمحفوظ في حديث الزبير أنه ليس فيه ( متعمداً ) )) نظر فيه العلامة أحمد محمد شاكر رحمه الله في تعليقه على المسند فذكر أن ابن سعد روىالخبر في طبقاته 3/1/ 74 عن عفان ووهب بن جرير وأبي الوليد، ثلاثتهم عن شعبة. فذكر الحديث وفي أخره (( قال وهب بن جرير في حديثه عن الزبير: والله ما قال (( متعمداً )) وأنتم تقولون (( متعمداً )) رأى أحمد شاكر أن هذا من قول وهب بن جرير لزملائه الذين رووا معه عن شعبة، يريد وهب: والله ما قال شعبة الخ:. فنسبتها إلى الزبير وهم.(153/75)
أقول أما ظاهر قول ابن سعد (( قا ل وهب بن جرير في حديثه عن الزبير )) فإنه يقتضي أن وهباً ذكرها في الحديث نفسه. وفي مشكل الآثار للطحاوي 1/166 (( حدثنا يزيد بن سنان حدثنا أبو داود ووهب بن جرير حدثنا شعبة )) فذكر الحديث وقال في آخره (( زاد وهب في حديثه: والله ما قال متعمداً وأنتم تقولون متعمداً،لكن يعلوا على ذلك أن الحديث روى من عدة طرق عن شعبة وغيره، وليس فيه هذه الزيادة ((والله ما قال الخ)) ولا هي موجودة في رواية غندر عن شعبة،فيشبه أن تكون من كلام وهب قالها متصلة فحسبها السامع منه فقال (( قال وهب بن جرير في حديثه عن الزبير الخ)) فأما قول ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث ص49: (( وروى عن الزيبر أنه/ رواه وقال: أراهم يزيدون فيه متعمداً، والله ما سمعته قال متعمداً )) فأخشى أن يكون ابن قتيبة إنما أخذه من ابن سعد وتغيير اللفظ من الرواية بالمعنى،
وعلى فرض صحة هذه الرواية عن الزبير فإنما يفيد ذلك خطأ من ذكر الكلمة في حديث الزبير، ثم تكون هذه الزيادة نفسها حجة على صحة الكلمة في الجملة لأن الزبير ذكر أنه سمع إخوانه من الصحابة يذكرونها في الحديث، والظاهر كما تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم كرر التشديد في عدة مواقع، والحمل على أنه ترك الكلمة في موقع فسمعه جماعة منهم الزبير وذكرها في موقع آخر فسمعه آخرون، أوضح وأحق من الحمل على الغلط(153/76)
والغريب ما علقه أبو رية في حاشية ص 39 من الهجر وفيه (( ولعنة الله على الكاذبين متعمدين وغير متعمدين ومن يروجه لهم من الشيوخ الحشويين، )) مع أنه ذكر ص49 وقوع الخطأ من عمر وابن عمر وعتبان بن مالك أحد البدريين وأبي الدرداء وأبي سعيد وأنس وغيرهم، والمخطيء عنده كاذب، بل مر في كلامه ما يقتضي أن كل من حدث من الصحابة – ومنهم الخلفاء الأربعة وبقية العشرة وأمهات المؤمنين وغيرهم - لا بد أن يكون وقع في الخطأ، فكلهم عنده كاذبون تنالهم لعنته.وأشد من هذا وأمر ما مرت الإشارة إليه ص(18-17)، وهذه من فوائد عداوة السنة وأهلها.(153/77)
البحث الثاني في حقيقة الكذب: بنى أبو رية على أنه (( ليس بخاف أن الكذب هوا لإخبار بالشيء علىخلاف ما هو عليه، سواء أكا ن عن عمد أم غير عمد )) وهو يعلم – فيما يظهر – أن هذا مخالف لقول شيخيه اللذين يقدسهما، وإيهاما ونحوهما عنى بقوله ص4 (( العلماء والأدباء )) وقوله ص196 (( أصحاب العقول الصريحة )) وهما النظام والجاحظ، فالكذب عند النظام مخالفة الخبر لاعتقاد المخبر، وهو عند الجاحظ مخالفته لكلا الأمرين معاً: الواقع، واعتقاد الخبر، فعلى القولين ما طابق اعتقاد المخبر فليس بكذب وإن خالف الواقع.وقد ذكر أبو رية (ص50) قول عائشة الذين حدثوها عن عمر وابنه بخبر رأت أنهما وهما فيه (( إنكم لتحدثون عن غير كاذبين، ولكن السمع يخطيء ))، وقولها في خبر رواه ابن عمر (( إنه لم يكذب، ولكنه نسي أو خطأ )) والراجح ما عليه الجمهور أن الكذب مخالفة الخبر الواقع، لكن المتبادر من قولك: كذب فلان، أو: فلان كاذب ونحو ذلك أنه تعمد، فمن ثم لا يقال ذلك للمخطيء، إلا أنه ربما قيل له ذلك تنبيهاً على أنه قصر ( راجع كتاب الرد على الاخنائي ص21). ولما أرادت عائشة أن تنفي عن عمر وابنه التعمد والتقصير نفت عنهما الكذب البتة، ثم رأيت الطحاوي ذكر هذه القضية في مشكل الآثار، فذكر كثيراً من الروايات ثم قال 173 ما ملخصه: من كذب فقد تعمد، وذكر ( متعمداً ) في بعض الروايات إنما هو توكيد كقولك:،نظرت بعيني وسمعت بأذني، وفق القرآن ( والسارق والسارقة ) و ( الزاني والزانية ) (( لم يذكر في شيء من ذلك التعمد كأن هذه الأشياء لا تكون إلا عن تعمد، لأنه لا يكون كاذباً ولا يكون زانياً ولا يكون سارقاً إلا بقصده إلى ذلك وتعمده ))(153/78)
وقال أبو رية (ص41): (( حديث من كذب علي ليس بمتواتر. وقد قال الحافظ ابن حجر وهو سيد المحدثين بإجماع وأمير المؤمنين في الحديث ما يلي.. )) فذكر عن فتح الباري 168:1 اعتراض بعضهم على تواتره، وسكت،/ وفي فتح الباري بيان الجواب الواضح عن ذلك الاعترض، فراجعه.
وقال (ص42): (( الكذب على النبي قبل وفاته )). أقول: سأنظر في هذا وما يليه إلى ص53 بعد الكلام على عدالة الصحابة الذي ذكره ص310، فانتظر
الرواية بالمعنى
قال أبو رية (ص8): (( ولما رأى بعض الصحابة أن يرووا للناس من أحاديث النبي، ووجدوا أنهم لا يستطيعون أن يأتوا بالحديث عن أصل لفظه استباحوا لأنفسهم أن يرووا على المعنى ))
أقول: أنزل الله تبارك وتعالى هذه الشريعة في أمة أ مية، فاقتضت حكمته(153/79)
ورحمته أن يكفلهم الشريعة، ويكلفهم حفظها وتبليغها، في حدود ما يتيسر لهم. وتكفل سبحانه أن يرعاها بقدره ليتم ماأرده لها من الحفظ إلى قيام الساعة. وقد تقدم شيء من بيان التيسير ص20و21و22. ومن تدبر الأحاديث في إنزال القرآن على سبعة أحرف وما اتصل بذلك، بان له أن الله تعالى أنزل القرآن على حرف هو الأصل، ثم تكرر تعليم جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم لتمام سبعة أحرف، وهذه الأحرف الستة الزائدة عبارة عن أنواع من المخالفة في بعض الألفاظ للفظ الحرف الأول بدون اختلاف في المعنى[المراد بالاختلاف في المعنى هو الاختلاف المذكور في قول الله تعالى (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا]فأما أن يدل أحد الحرفين على معنى والآخر على معنى آخر وكلا المعنيين معاً حق.فليس باختلاف بهذا المعنى] فكان النبي صلى الله عليه وسلم يلقن أصحابه فيكون بين ما يلقنه ذا وما لقنه ذاك شيء من ذاك الاختلاف في اللفظ، فحفظ أصحابه كل بما لقن، وضبطوا ذلك في صدورهم ولقنوه الناس، ورفع الحرج مع ذلك عن المسلمين، فكان بعضهم ربما تلتبس عليه كلمة مما يحفظه أو يشق عليه النطق بها فيكون له أن يقرأ بمرادفها. فمن ذلك ماكان يوافق حرفاً آخر ومنه ما لا يوافق، ولكنه لا يخرج عن ذاك القبيل، وفي فتح الباري (( ثبت عن غير واحد من الصحابة أنه كان يقرأ بالمرادف ولو لم يكن مسموعاً له )). فهذا ضرب محدود من القراءة بالمعنى رخص فيه لأولئك وكتب القرآن بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم في قطع من الجريد وغيرهوتكون في القطعة الآية والآيتان أو أكثر، وكان رسم الخط يومئذ يحتمل – والله أعلم – غالب الاختلافات التي في الأحرف السبعة، إذ لم يكن له شكل ولا نقط، وكانت تحذف فيه كثير من الألفات ونحو ذلك كما تراه في رسم المصحف،وبذلك الرسم عينه نقل ما في تلك القطع إلى صحف في عهد أبي بكر، وبه كتبت المصاحف في عهد عثمان، ثم صار على الناس أن يضبطوا قراءتهم، بأن يجتمع(153/80)
فيها الأمران: النقل الثابت بالسماع من النبي صلى الله عليه وسلم، واحتمال رسم المصاحف العثمانية.
وبذلك خرجت من القراءات الصحيحة تلك التغييرات التي كان يترخص بها بعض الناس وبقي من الأحرف الستة المخالفة للحرف الأصلى ما احتمله الرسم/ ولعله غالبها إن لم يكن جميعها مع أنه وقع اختلاف يسير بين المصاحف العثمانية، وكأنه تبعاً للقطع التي كتب فيها القرآن بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، كأن توجد الآية في قطعتين كتبت الكلمة في إحداهما بوجه وفي الأخرى بالآخر، فبقي هذا الاختلاف في القراءات الصحيحة. ونخرج مما تقدم بنتيجتين: الأولى أن حفظ الصدور لم يكن كما يصوره أبو رية بل قد اعتمد عليه في القرآن وبقي الاعتماد عليه وحده بعد حفظ الله عزوجل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعمر وسنين من عهد عثمان، لأن تلك القطع التي كتب فيها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانت مفرقة عند بعض أصحابه لا يعرفها إلا من هي عنده، وسائر الناس غيره يعتمدون على حفظهم، ثم لما جمعت في عهد أبي بكر لم تنشر هي ولا الصحف التي كتبت عنها، بل بقيت عند أبي بكر ثم عند عمر ثم عند ابنته حفصة أم المؤمنين حتى طلبها عثمان، ثم اعتمد عليه في عامة الواضع التي يحتمل فيها الرسم وجهين أو أكثر، واستمر الاعتماد عليه حين استقر تدوين القراءات الصحيحة.(153/81)
النتيجة الثانية: أن حال الأميين قد اقتضت الترخيص لهم في الجملة في القراءة بالمعنى، وإذا كان ذلك في القرآن مع أن ألفاظه مقصودة لذاتها لأنه كلام رب العالمين بلفظه ومعناه، معجر بلفظه ومعناه، متعبد بتلاوته، فما بالك بالأحاديث التي مدار المقصود الديني فيها على معانيها فقط؟ وإذا علمنا ما تقدم أول هذا الفصل من التيسير مع ما تقدم ص20 , 21و 32، وعلمنا ما دلت عليه القواطع أن النبي صلى الله عليه وسلم مبين لكتاب الله ودينه بقوله وفعله، وأن كل ما كان منه مما فيه بيان للدين فهو خالد بخلود الدين إلى يوم القيامة، وأن الصحابة مأمورون بتبليغ ذلك في حياة النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته (راجع ص12و 36و 45و49) وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم بكتابة الأحاديث وأقرهم على عدم كتابتها، بل قيل إنه نهاهم عن كتابتها كما مر بما فيه، ومع ذلك كان يأمرهم بالتبليغ لما علموه وفهموه، وعلمنا أن عادة الناس قاطبة فيمن يلقى إليه كلام المقصود منه معناه ويؤمر بتبليغه أنه إذا لم يحفظ لفظه على وجهه وقد ضبط معناه لزمه أن يبلغه بمعناه ولا يعد كاذباً ولا شبه كاذب، علمنا يقيناً أن الصحابة إنما أمروا بالتبليغ على ماجرت به العادة: من بقي منهم حافظاً على وجهه فليؤده كذلك، ومن بقي ضابطاً للمعنى ولم يبق ضابطاً للفظ فليؤده بالمعنى. هذا أمر يقيني لا ريب فيه، وعلى ذلك جرى عملهم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته.(153/82)
فقول أبي رية (( لما رأى بعض الصحابة.. استباحوا لأنفسهم )) إن أراد أنهم لم يؤمروا بالتبليغ ولم يبح لهم أن يرووا بالمعنى إذا كانوا ضابطين له دون اللفظ، فهذا كذب عليهم وعلى الشرع/ والعقل كما يعلم ما مر. وتشديده صلى الله عليه وسلم في الكذب عليه إنما المراد به الكذب في المعاني، فإن الناس يبعثون رسلهم ونوابهم ويأمرونهم بالتبليغ عنهم. فإذا لم يشترط عليهم المحافظة على الألفاظ فبلغوا المعنى فقد صدقوا: ولو قلت لابنك اذهب فقل للكاتب: أبي يدعوك. فذهب وقال له: والدي- أو الوالد – يدعوك، أو يطلب مجيئك إليه، أو أمرني أن أدعوك له، لكان مطيعاً صادقاً، ولو اطلعت بعد ذلك على ما قال فزعمت أنه عصى أو كذب وأردت أن تعاقبه لأنكر العقلاء عليك ذلك. وقد قص الله عزوجل في القرآن كثيراً من أ قوال خلقه بغير ألفاظهم، لأن من ذلك ما يطول فيبلغ الحد المعجز، ومنه ما يكون عن لسان أعجمي، ومنه ما يأتي في مواضع بألفاظ وفي آخر بغيرها، وقد تتعدد الصور كما في قصة موسى، ويطول في موضع ويختصر في آخر. فبالنظر إلى أداء المعنى كرر النبي صلى الله عليه وسلم بيان شدة الكذب عليه، وبالنظر إلى أداء اللفظ اقتصر على الترغيب فقال (( نصر الله امرءاً سمع منا شيئاً فأداه كما سمعه، فرب مبلغ أوعى من سامع )) جاء بهذا اللفظ أو معناه مطولا ومختصرا من حديث ابن مسعود وزيد بن ثابت وأنس وجبير بن مطعم وعائشة وسعد وابن عمر وأبي هريرة وعمير بن قتادة ومعاذ بن جبل والنعمان بن بشير وزيد بن خالد وعبادة بن الصامت، منها الصحيح وغيره. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى معونتهم على الحفظ والفهم كما مر ص43(153/83)
واعلم أن الأحاديث الصحيحة ليست كلها قولية، بل منها ما هو إخبار عن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم وهي كثيرة. ومنها ما أصله قولي، ولكن الصحابي لا يذكر القول بل يقول: أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بكذا، أو نهانا عن كذا، أو قضى بكذا، أو أذن في كذا.. وأشباه هذا. وهذا كثير أيضاً. وهذان الضربان ليسا محل نزاع، والكلام في مايقول الصحابي فيه: قال رسول الله كيت وكيت، أو نحو ذلك. ومن تتبع هذا في الأحاديث التي يرويها صحابيان أو أكثر ووقع اختلاف فإنما هو في بعض الألفاظ، وهذا يبين أن الصحابة لم يكونوا إذا حكوا قوله صلى الله عليه وسلم يهملون ألفاظه البتة، لكن منهم من يحاول أن يؤديها فيقع له تقديم وتأخير أو إبدال الكلمة بمرادفها ونحو ذلك. ومع هذا فقد عرف جماعة من الصحابة كانوا يتحرون ضبط الألفاظ، وتقدم ص42 قول أبو رية:إن الخلفاء الأربعة وكبار الصحابة وأهل الفتيا لم يكونوا ليرضوا أن يرووا بالمعنى. وكان ابن عمر ممن شدد في ذلك، وقد آتاهم الله من جودة الحفظ ما آتاهم.وقصة ابن عباس مع عمر بن أبي ربيعة مشهورة. ويأتي في ترجمة أبي هريرة ما ستراه، فعلى هذا ما كان من أحاديث المشهورين بالتحفظ فهو بلفظ النبي صلى الله عليه وسلم وما كان من حديث غيرهم فالظاهر ذلك، لأنهم كلهم كانوا يتحرون ما أمكنهم، ويبقى النظر في تصرف من بعدهم.
/ الحديث ورواته ونقد الأئمة للرواة
قال أبو رية (( ثم سار على سبيلهم كل من جاء من الرواة بعدهم. فيتلقى المتأخر عن المتقدم ما يرويه عن الرسول بالمعنى، ثم يؤديه إلى غيره بما استطاع أن يمسكه ذهنه معه )).
أقول: هذه حكاية من يأخذ الكلمات من هنا وهناك، ويقيس بذهنه بدون خبره بالواقع، فإن كثيراً من الأحاديث الصحيحة إن لم نقل غالبها يأتي الحديث منها عن صحابيين أو أكثر، وكثيراً ما يتعدد الرواة عن الصحابي ثم عن التابعي، وهلم جرا
فأما الصحابة فقد تقدم حالهم(153/84)
وأما التابعون فقد يتحفظون الحديث كما يتحفظون القرآن كماجاء عن قتادة أنه (( كان إذا سمع الحديث أخذه العويل والزويل حتى يحفظه )) هذا مع قوة حفظه، ذكروا أن صحيفة جابر على كبرها قرئت عليه مرة واحدة- وكان أعمى – فحفظها بحروفها، حتى قرأ مرة سورة البقرة فلم يخطيء حرفاً ثم قال: لأنا الصحيفة جابر أحفظ مني لسورة البقرة )) وكان غالبهم يكتبون ثم يتحفظون ما كتبوه، ثم منهم من يبقى كتبه- راجع ص28 – ومنهم من إذا أتقن المكتوب حفظاً محا الكتاب، وهؤلاء ونفر لم يكونوا يكتبون، غالبهم ممن رزقوا جودة الحفظ وقوة الذاكرة كالشعبي والزهري وقتادة.وقد عرف منهم جماعة بالتزام رواية الحديث بتمام لفظه كالقاسم بن محمد بن أبي بكر ومحمد بن سيرين ورجاء بن حيوة.
أما أتباع التابعين فلم يكن فيهم راو مكثر إلا كان عنده كتب بمسموعاته يراجعها ويتعاهدها ويتحفظ حديثه منها. ثم منهم من لم يكن يحفظ، وإنما يحدث من كتابه، ومنهم من جرب عليه الأئمة أنه يحدث من حفظه فيخطيء، فاشترطولصحة روايته أن يكون السماع منه من كتابه.ومنهم من عرف الأئمة أنه حافظ، غير أنه قد يقدم كلمة أو يؤخرها، ونحو ذلك مما عرفوا أنه لا يغير المعنى، فيوثقونه ويبينون أن السماع منه من كتابه أثبت.
فأما من بعدهم فكان المتثبتون لا يكادون يسمعون من الرجل إلا من أصل كتابه. كان عبد الرزاق الصنعاني ثقة حافظاً، ومع ذلك لم يسمع منه أحد بن حنبل
ويحيى بن معين إلا من أصل كتابه(153/85)
هذا، وكان الأئمة يعتبرون حديث كل راو فينظرون كيف حدث به في الأوقات المتفاوته فإذا وجدوه يحدث مرة كذا ومرة كذا بخلاف لا يحتمل ضعفوه. وربما سمعوا الحديث من الرجل ثم يدعونه مدة طويلة ثم يسألونه عنه. ثم يعتبر حرف مرواياته برواية من روى عن شيوخه وعن شيوخ شيوخه، فإذا رأوا في روايته مايخالف رواية الثقات حكموا عليه بحسبها. وليسوا يوثقون الرجل لظهور صلاحه في دينه فقط.، بل معظم اعتمادهم علىحاله في حديثه كما مر، وتجدهم يجرحون الرجل بأنه يخطيء ويغلط، وباضطرابه في حديثه، / وبمخالفته الثقات، وبتفرده، وهلم جرا. ونظرهم عند تصحيح الحديث أدق من هذا، نعم، إن هناك من المحدثين من يسهل ويخفف، لكن العارف لا يخفى عليه هؤلاء من هؤلاء. فإذا رأيت المحققين قد وثقوا رجلاً مطلقاً فمعنى ذلك أنه يروي الحديث بلفظه الذي سمعه، أو على الأقل إذا روى المعنى لم يغير المعنى، وإذا رأيتهم قد صححوا حديثاً فمعنى ذلك أنه صحيح بلفظه أو على الأقل بنحو لفظه، مع تمام معناه، فإن بان لهم خلاف ذلك نبهوا عليه كما تقدم ص18.
وذكر أبو رية ص54 فما بعدها كلاماً طويلاً في هذه القضية. وذكر اعتقاد شيوخ الدين أن الأحاديث كآيات القرآن (( من وجوب التسليم لها وفرض الإذعان لأحكامها بحيث يأثم أو يرتد أو يفسق من خالفها ويستتاب من أنكرها أو شك فيها ))
أقول: أما ما لم يثبت منها ثبوتاً تقوم به الحجة فلا قائل بوجوب قبوله والعمل به. وأما الثابت فقد قامت الحجج القطعية على وجوب قبوله والعمل به،وأجمع علماء الأمة عليه كما تقدم مراراً، فمنكر وجوب العمل بالأحاديث مطلقاً تقام عليه الحجة، فإن أصر بأن كفره، ومنكر وجوب العمل ببعض الأحاديث إن كان له عذر
من الأعذار المعروفة بين أهل العلم وما في معناها فمعذور، وإلا فهو عاصٍ لله ورسوله، والعاصي آثم فاسق. وقد يتفق ما يجعله في معنى منكر وجوب العمل بالأحاديث مطلقاً وقد مر.(153/86)
وذكر (ص55فما بعدها) الخلاف في جواز الرواية بالمعنى
أقول: الذين قالوا لا تجوز إنما غرضهم ما ينبغي أن يعمل به في عهدهم وبعدهم: فأما ما قد مضى فلا كلام فيه، لا يطعن في متقدم بأنه كان يروى بالمعنى ولا في روايته، لكن إن وقع تعارض بين مرويه ومروي من كان يبالغ في تحرى الرواية باللفظ فذلك مما يرجح الثاني. وهذا لا نزاع فيه.
ومدار البحث هو أن الرواية بالمعنى قد توقع في الخطأ، وهذا معقول، لكن لا وجه للتهويل، فقد ذكر أبو رية (ص59): (( قال ابن سيرين: كنت أسمع الحديث من عشرة، المعنى واحد والألفاظ مختلفة )) وكان ابن سيرين من المتشددين في أن لا يروى إلا باللفظ ومع هذا شهد للذين سمع منهم أنهم مع كثرة اختلافهم في اللفظ لم يخطيء أحد منهم المعنى- ولهذا لما ذكر له أن الحسن والشعبي والنخعي يروون بالمعنى اقتصر على قوله (( إنهم لو حدثوا كما سمعوا كان أفضل )) انظر الكفاية للخطيب ص206
ومن تدبر ما تقدم من حال الصحابة وأنهم كانوا كلهم يراعون الرواية باللفظ، ومنهم من كان يبالغ في تحري/ ذلك. وكذا في التابعين وأتباعهم، وأن الحديث الواحد قد يرويه صحابيان أو أكثر، ويرويه عن الصحابي تابعيان فأكثر وهلم جرا، وأن التابعين كتبوا، وأن أتباعهم كتبوا ودونوا، وأن الأئمة اعتبروا حال كل راو في روايته لأحاديثه في الأوقات المتفاوته فإذا وجدوه يروي الحديث مرة بما يحيل معناه في روايته له مرة أخرى جرحوه، ثم اعتبروا رواية كل راوٍ برواية الثقات فإذا وجدوه يخالفهم بما يحيل المعنى جرحوه، ثم بالغ محققوهم في العناية بالحديث عند التصحيح،(153/87)
فلا يصححون ما عرفوا له علة نعم قد يذكرون في المتابعات والشواهد ما وقعت فيه مخالفة ما وينبهون عليه، من تدبر هذا ولم يعمه الهوى اطمأن قلبه بوفاء الله تعالى بما تكفل به من حفظ دينه، وبتوفيقه علماء الأمة للقيام بذلك، ولله الحمد، ويؤكد ذلك أن أبا رية حاول أن يقدم شواهد على اختلاف ضار وقع بسبب الرواية فكان أقصى جهده ما يأتي: قال (ص6): (( صيغ التشهدات ))، وذكر اختلافها. أقول: يتوهم أبو رية – أو يوهم – أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما علمهم تشهداً واحداً، ولكنهم أو بعضهم لم يحفظوه فأتوا بألفاظ من عندهم مع نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهذا باطل قطعاً فإن التشهد يكرر كل يوم بضع عشرة مرة على الأقل في الفريضة والنافلة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحفظ أحدهم حتى يحفظ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقريء الرجلين السورة الواحدة هذا بحرف وهذا بآخر، فكذلك علمهم مقدمة التشهد بألفاظ متعددة، هذا بلفظ وهذا بآخر، ولهذا أجمع أهل العلم على صحة التشهد بكل ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما ذكر عمر التشهد على المنبر، وسكوت الحاضرين فإنما وجهه المعقول تسليمهم أن التشهد الذي ذكره صحيح مجزيء. وقد كان عمر يقرأ في الصلاة وغيرها القرآن ولا يرد عليه أحد، مع أن كثيراً منهم تلقوا عن النبي صلى الله عليه وسلم بحرف غير الحرف الذي تلقى به عمر، ومثل هذا كثير. ومن الجائز أن يكونوا – أو بعضهم – لم يعرفوا اللفظ الذي ذكره عمر، ولكنهم قد عرفوا أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أصحابه بألفاظ مختلفة وعمر عندهم ثقة، وأما قول بعضهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم (( السلام على النبي، بدل (( السلام عليك أيها النبي )) فقد يكون النبي صلى الله عليه وسلم خيره بين اللفظين، وقد يكون فعل ذلك باجتهاد خشية أن يتوهم جاهل أن الخطاب على حقيقته، أما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فالتحقيق أنها موجودة في(153/88)
التشهدات كلها بلفظ (( ورحمة الله )) والقائل بوجوبها عقب التشهد بلفظ الصلاة لم يجعلها من التشهد بل هي عنده أمر مستقل، والكلام في ذلك معروف، لا علاقة له بالرواية بالمعنى
/ قال أبو رية (ص64): (( وكلمة التوحيد ))، وذكر ما لا علاقة له بالرواية بالمعنى ثم قال(66): (( حديث الإسلام والإيمان )) فذكر عن صحيح مسلم حديث طلحة (( جاء رجل من أهل نجد )) وحديث جبريل برواية أبي هريرة، وحديث أبي أيوب (( جاء رجل إلى النبي فقال دلني على عمل الخ ))،وحديث أبي هريرة (( أن اعرابياً جاء الخ )) ثم ذكر عن النووي (( اعلم أنه لم يأت في حديث طلحة ذكر الحج، ولاجاء ذكره في حديث جبريل من رواية أبي هريرة، وكذا غير هذه الأحاديث لم يذكر في بعضها الصوم ولم يذكر في بعضها الزكاة، وذكر في بعضها صلة الرحم، وفي بعضها أداء الخمس، ولم يقع في بعضها ذكر الإيمان... وقد أجاب القاضي عياض وغيره رحمهم الله بجواب لخصه أبو عمرو بن الصلاح وهذبه فقال ((.. . هو من ثقات الرواة في الحفظ والضبط، فمنهم من قصر فاقتصر على ما حفظه.. . )) أقول: أما هذه الأحاديث فلا يتعين فيها ذاك الجواب بل لا يتجه، فإن واقعة حديث جبريل لا علاقة لما ببقية الأحاديث، وذكر الإيمان فيه لأن جبريل أراد بيان جمهرة الدين، وبقية الأحاديث ليس بواجب أن يذكر فيها الإيمان اكتفاء بعلم السائل به مع أن ما في ذكر له ما يستلزمه، وحديث طلحة وحديث أبي هريرة في الأعرابي يظهر أنها واقعة واحدة يحتمل أنها وقعت قبل أن ينزل فرض الحج فلذلك لم يذكر، وحديث أبي أيوب يحتمل أن يكون واقعة أخرى وقعت قبل فرض الحج والصوم فلذلك لم يذكرا فيه، وأما صلة الرحم وأداء الخمس فليسا من الأركان العظمى فلا يجب ذكرهما في كل حديث. هذا وحديث جبريل قد ورد من رواية عمر بن الخطاب وثبت في بعض طرقه ذكر الحج، وصحح ابن حجر ذلك في الفتح بأنه قد جاء في رواية أن الواقعة كانت في أواخر حياة النبي صلى الله عليه(153/89)
وسلم. فعلى هذا فسقوطه من رواية أبي هريرة من عمل بعض الرواة كأنه كان عنده أيضاً حديث أبي هريرة مع الأعرابي وليس فيها ذكر الحج فحمل هذه عليها، والله أعلم. ومثل هذا ليس من الرواية بالمعنى، إنما هو من ترك الراوي شيئاً من الحديث نسيه أو شك فيه، ولا يقتضي تركه إحالة لمعنى الحديث، وكثيراً ما يقع في الكتاب والسنة ترك بيان بعض الأمور في موضع لائق به اعتمادا على بيانه في موضع آخر، وليس هذا بأكثر من مجيء عموم أو إطلاق في القرآن ومجيء تخصيصه أو تقييده في السنة.
/ قال 0(ص68): (( حديث زوجتكها بما معك )) ذكر أنه روى على ثمانية أوجه: (1- قد زوجتكها بما معك من القرآن، 2- زوجتكها على ما معك الخ، 3- أنكحتكها بما الخ، 4- قد ملكتكها بما الخ، 5- قد أملكتكها بما الخ، 6- قد أمكتا كها الخ، 7- أنكحتكها على أن تقرئها وتعلمها، 8- خذها بما معك الخ )
أقول: الثامنة لم تذكر في فتح الباري، والسابعة سندها واه، السادسة صوابها على ما استظهره في الفتح أملكنا كها، والست الأولى معناها واحد، وكذا حكمها عند جمهور أهل العلم. وقال قوم:لا يصح العقد إلا بلفظ التزويج أو الإنكاح كما في الثلاث الأولى، فأما الثلاث التي تليها فلا يصح التزويج بها. وأجابوا عن هذه الروايات بأن أرجحها وأثبتها عن النبي صلى الله عليه وسلم هي التي بلفظ التزويج،فنحصل من هذا أن الرواية بالمعنى وقعت، ولكن لم يترتب عليها مفسدة،ولله الحمد. على أن المعنى الأهم في الحديث وهو التزويج بتعليم القرآن لم تختلف فيه الروايات.
قال (ص68): (( حديث الصلاة في بني قريظة )) ذكر أنه وقع عند البخاري (( لا يصلين أحدكم العصر إلا.. . )) وعند غيره: لا يصلين أحدكم الظهر إلا.. .. )) مع اتحاد المخرج(153/90)
أقول: في الفتح إن الذي عند أهل المغازي (( العصر )) وكذلك جاء من حديث عائشةومن حديث كعب بن مالك. ووراه جويرية بن أسماء عن نافع عن ابن عمر، قال أبو حفص السلمي عن جويرية: (( العصر )) وقال أبو غسان عن جويرية: (( الظهر )). ورواه أبو عبد الله بن محمد بن أسماء عن جويرية، فقال البخاري عنه: العصر وقال مسلم وغيره عنه: الظهر فذكر ابن حجر احتمالين: حاصل الأول بزيادة أن جويرية قال مرة (( العصر )) كما رواه أبو حفص السلمي، ومرة (( الظهر )) كما رواه عنه أبو غسان، وكتبه عبد الله بن محمد بن أسماء عن جويرية على الوجهين فسمعه البخاري من عبد الله على أحدهما، ومسلم وغيره على الآخر. وكأن البخاري راجع عبد الله في ذلك ففتش عبد الله أصوله فوجد الوجه الذي فيه العصر فأخذ به البخاري لعلمه أنه الصواب. الاحتمال الثاني أن يكون البخاري إنما سمعه من عبد الله بلفظ (( الظهر )) ولم يكتبه البخاري إلا بعد مدة من حفظه(( العصر )) أخطأ لفظ شيخه وأصاب الواقع
أما ما ذكر أن البخاري كان يحفظ ثم يكتب من حفظه فإن صح ذلك فهذا صحيحه فيه آلاف الأحاديث وقل حديث منها إلا وقد رواه جماعة غيره عن شيخه وعن شيخ شيخه، وقد تتبع ذلك المستخرجون عليه وشرا حه فإذا لم يقع له خطأ إلا هذا الموضع- على فرض أنه أخطأ- كان هذا من أدفع الحجج لتشكيك أبي رية
قال أبو رية (ص69): ((وبلغ من أمرهم أنهم كانوا يروون الحديث بألفاظهم وأسانيدهم، ثم يعزونه إلى كتب السنة ))
أقول: حاصله أن البيهقي يروى عن كتبه الأحاديث بأسانيده إلى شيخ البخاري أو شيخ شيخه ومن فوقه، ويقع/ في لفظه مخالفة للفظ البخاري مع اتفاق المعنى، ومع ذلك يقول ((أخرجه البخاري عن فلان))ولا يبين اختلاف اللفظ، وكذا يصنع البغوي. وأقول: العذر في هذا واضح، وهو اتفاق المعنى مع جريان العادة بوقوع الاختلاف في بعض الألفاظ، وكتاب البخاري متواتر فأقل طالب حديث يشعر بالمقصود(153/91)
وذكر قول النووي في حديث الأئمة من قريش (( أخرجه الشيخان )) مع أن لفظها (( لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان )). أقول: المعنى قريب، وقد يكون النووي رحمه الله وهم، ومثل هذا لا يقدم ولا يؤخر، لأن الصحيحين متواتران
قال أبو رية (ص70): (( ضرر رواية الحديث بالمعنى )) وساق عبارة طويلة لابن السيد البطليوسي في أسباب الاختلاف. وفيها (ص72-73) ما يخشى منها،وقد قدمنا ص21-22-و55 ما فيه الكفاية
وذكر (ص74) حديث (( إن يكن الشؤم ففي ثلاث )) وسيأتي النظر فيه بعد النظر في عدالة الصحابة الذي ذكره أبو رية في كتابه ص 310-327
وقال (ص75) (( ضرر الرواية بالمعنى من الناحية اللغوية والبلاغية... )) أقول: قد قدمت ما يعلم منه أن من الأحاديث ما يمكن أن يحكم العارف بأنه بلفظ النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها ما يمكن أن يحكم بأنه بلفظ الصحابي، ومنها ما يمكن أن يحكم بأنه على لفظ التابعي، فهذه يمكن الاستفادة منها في العربية، وما عدا ذلك ففي القرآن وغيره ما يكفي
وذكر (ص78): (( تساهلهم فيما يروي في الفضائل، وضرر ذلك ))
أقول: معنى التساهل في عبارة الأئمة هو التساهل بالرواية، كان من الأئمة من إذا سمع الحديث لم يروه حتى يتبين له أنه صحيح أو قريب من الصحيح أو يوشك أن يصح إذا وجد ما يعضده، فإذا كان دون ذلك لم يروه البتة، ومنهم من إذا وجد
الحديث غير شديد الضعيف وليس فيه حكم ولا سنة، إنما هو في فضيلة عمل متفق عليه كالمحافظة على الصلوات في جماعة ونحو ذلك لم يمتنع من روايته، فهذا هوالمراد بالتساهل في عباراتهم. غير أن بعض من جاء بعدهم فهم منها التساهل فيما يرد في فضيلة لأمر خاص قد ثبت شرعه في الجملة كقيام ليلة معينة فإنها داخلة في جملة ما ثبت من شرع قيام الليل. فبنى على هذا جواز أو استحباب العمل بالضعيف، وقد بين الشاطبي في الاعتصام خطأ هذا الفهم، ولي في ذلك رسالة لا تزال مسودة.(153/92)
على أن جماعة من المحدثين جاوزوا في مجامعيهم ذاك الحد، فأثبتوا فيهاكل حديث سمعوه ولم يتبين لهم عند كتابته أنه باطل، وأفرط آخرون فجمعوا كل ما سمعوه، معتذرين بأنهم لم يلتزموا إلا أن يكتبوا ما سمعوه ويذكروا سنده، وعلى الناس أن لا يثقوا بشيء من ذلك حتى يعرضوه على أهل المعرفة بالحديث ورجاله،ثم جاء المتأخرون فزادوا الطين بلة بحذف الأسانيد. والخلاص من هذا أسهل. وهو أن تبين للناس الحقيقة، ويرجع إلى أهل العلم و التقوى والمعرفة. لكن المصيبة حق المصيبة إعراض الناس عن هذا العلم العظيم، ولم يبق إلا أفراد يلمون بشيء من ظواهره، ومع ذلك فالناس لا يرجعون إليهم، بل في الناس من يمقتهم وببغضهم ويعاديهم ويتفنن في سبهم عند كل مناسبة ويدعي لنفسه ما يدعي، ولا ميزان عنده إلا هواه لا غيره، وما يخالف هواه لا يبالي به ولو كان في الصحيحين عن جماعة من الصحابة، ويحتج بما يحلو له من الروايات في أي كتاب وجد، وفيما يحتج به الواهي والساقط والموضوع، كما ترى التنبيه عليه في مواضع من كتابي هذا والله المستعان
الوضع
وقال أبو رية (ص80-89): (( الوضع في الحديث وأسبابه.. . ))(153/93)
أقول: نقل عبارات في هذا المعنى، وهو واقع في الجملة، ولكن المستشرقين والمنحرفين عن السنة يطولون في هذا ويهولون ويهملون ما يقابله، ومثلهم مثل من يحاول منع الناس من طلب الحقيقي الخالص من الأقوات والسمن والعسل والعقاقير والحرير والصوف والذهب والفضة واللؤلؤ والمسك والعنبر وغير ذلك بذكر ما وقع من التزوير والتلبيس والتدليس والغش في هذه الأشياء، ويطيل في ذلك. والعاقل يعلم أن الحقيقي الخالص من هذه الأشياء لم يرفع من الأرض، وأن في أصحابها وتجارها أهل صدق وأمانة، وأن في الناس أهل خبرة ومهرة يميزون الحقيقي الخالص من غيره فلا يكاد يدخل الضرر إلا على من لا يرجع إلى أهل الخبرة من جاهل ومقصر ومن لا يبالي ما أخذ، والمؤمن يعلم أن هذه ثمرة عناية الله عزوجل بعباده في دنياهم، فما الظن بعنايته بدينهم؟ لابد أن تكون أتم وأبلغ، ومن تتبع الواقع وتدبره وأنعم النظر تبين له ذلك غاية البيان
أما الصحابة فقد زكاهم الله في كتابه وعلى لسان رسوله، والأحاديث إنما ثبتت من رواية من زكاه الله ورسوله عينا، أو لا ريب في دخوله فيمن زكاه الله ورسوله جملة. نعم جاءت أحاديث قليلة عن بعض من قد يمكن الشك فيه، لكن أركان الدين من سلف هذه الأمة تدبروا أحاديث هذا الضرب واعتبروها، فوجدوها قد ثبتت هي أو معناها برواية غيرهم، وبعد طول البحث والتحقيق تبين لأئمة السنة أن الصحابة كلهم عدول في الرواية، وسيأتي مزيد لهذا في فصل (( عدالة الصحابة ))
وأما التابعون فعامة من وثقه الأئمة منهم ممن كثرت أحاديثه هم ممن زكاه الصحابة ثم زكاه أقرانه من خيار التابعين،ثم اعتبر الأئمة أحاديثه وكيف حدث بها في الأوقات المتفاوتة، واعتبروا أحاديثه بأحاديث غيره من الثقات، فاتضح لهم بذلك كله صدقه وأمانته وضبطه. وهكذا من بعدهم(153/94)
وكان أهل العلم يشددون في اختيار الرواة أبلغ التشديد، جاء عن بعضهم – أظنه الحسن بن صالح بن حي– أنه قال: كنا إذا أردنا أن نسمع الحديث من رجل سألنا عن حاله حتى يقال: أتريدون أن تزوجوه؟ وجاء جماعة إلى شيخ ليسمعوا منه فرأوه خارجاً وقد انفلتت بغلته وهو يحاول إمساكها وبيده مخلاة يريها إياها، فلاحظوا أن المخلاة فارغة، فرجعوا ولم ييسمعوا منه. قالوا هذا يكذب على البغلة فلا نأمن أن يكذب في الحديث. وذكروا أن شعبة كان يتمنى لقاء رجل مشهور ليسمع منه. فلما جاءه وجده يشتري شيئاً ويسترجح في الميزان. فامتنع شعبة من السماع منه.وتجد عدة نظائر لهذا ونحوه في كفاية الخطيب (ص110-114).وكان عامة علماء القرون الأولى وهي قرون الحديث مقاطين للخلفاء والأمراء، حتى كان أكثرهم لا يقبل عطاء الخلفاء والأمراء ولا يرضى بتولي القضاء، ومنهم من كان الخلفاء يتطلبونهم ليكونوا بحضرتهم ينشرون العلم. فلا يستجيبون، بل يفرون ويستترون. وكان أئمة النقد لا يكادون يوثقون محدثاً يداخل الأمراء أو يتولى لهم شيئاً، وقد جرحوا بذلك كثيراً من الرواة ولم يوثقوا ممن داخل الأمراء إلا أفراد علم الأئمة يقيناً سلامة دينهم وأنه لا مغمز فيهم البتة. وكان محمد بن بشر الزنبري محدثاً يسمع منه الناس، فاتفق أن خرج أمير البلد لسفر فخرج الزنبري يشيعه، فنقم أهل الحديث عليه ذلك وأهانوه ومزقوا ما كان كتبوا عنه. وكثيراً ما كانوا يكذبون الرجل ويتركون حديثه لخبر واحد يتهمون فيه. وتجد من هذا كثيراً في ميزان الذهبي وغيره. وكذلك إذا سمعوه حدث بحديث ثم حدث به بعد مدة علىوجه ينافي الوجه الأول، وفي الكفاية (ص113) عن شعبة قال (( سمعت من طلحة بن مصرف حديثاً واحداً وكنت كلما مررت به سألته عنه.. أردت أن أنظر إلى حفظه، فإن غير فيه شيئاً تركته )) وكان أحدهم يقضي الشهر والشهرين يتنقل في البدلان يتتبع رواية حديث واحد كما وقع لشعبة في حديث عبد الله بن عطاء عن عقبة(153/95)
بن عامر، وكما وقع لغيره في الحديث الطويل في فضائل السور. ومن تتبع كتب
التراجم / وكتب العلل بأن له من جدهم واجتهادهم ما يحير العقول
وكان كثير من الناس يحضرون أولادهم مجالس السماع في صغرهم ليتعودوا ذلك ثم يكبر أحدهم فيأخذ في السماع في بلده. ثم يسافر إلى الأقطار ويتحمل السفر الطويل والمشاق الشديدة، وقد لايكون معه إلا جراب من خبز يابس يحمله على ظهره، يصبح فيأخذ كسرة ويبلها بالماء ويأكلها ثم يغدو للسماع، ولهم في هذا قصص كثيرة، فلا يزال أحدهم يطلب ويكتب إلى أن تبلغ سنة الثلاثين أو نحوها فكون أمنيته من الحياة أ، يقبله علماء الحديث ويأذنوا للناس أن يسمعوا منه، وقد عرف أنهم إن اتهموه في حديث واحد أسقطوا حديثه وضاع مجهوده طول عمره وربح سوء السمعة واحتقار الناس، وتجد جماعة من ذرية أكابر الصحابة قد جرحهم الأئمة، وتجدهم سكتوا عن الخلفاء العباسيين وأعمامهم لم يرووا عنهم شيئاً مع أنهم قد كانوا يروون أحاديث، ومن تتبع أخبارهم وأحوالهم لم يعجب من غلبة الصدق على الرواة في تلك القرون بل يعجب من وجود كذابين منهم ومن تتبع تشدد الأئمة في النقد ليعجب من كثرة من جرحوه وأسقطوا حديثه، بل يعجب من سلامة كثير من الرواة وتوثيقهم لهم مع ذلك التشدد
وبالجملة فهذا الباب يحتمل كتاباً مستقلاً.وأرجو أن يكون فيما ذكرته ما يدفع ما يرمي إليه المستشرقون وأتباعهم – بإفاضتهم في ذكر الوضع من تشكيك المسلمين في دينهم وإيهامهم أن الله تعالى أخل بما تكفل به من حفظ دينه، وأن سلف الأمة لم يقوموا بما عليهم أو عجزوا عنه فاختلط الحق بالباطل، ولم يبق سبيل إلى تمييزه.كلا بل حجة الله تعالى لم تزل ولن تزال قائمة، وسبيل الحق مفتوحاً لمن يريد أن يسلكه ولله الحمد. وفي تهذيب التهذيب (152:1) (( قال إسحاق بن إبراهيم: أخذ الرشيد زنديقاً فأراد قتله، فقال: أين أنت من ألف حديث وضعتها؟ فقال له: أين أنت يا(153/96)
عدو الله من أبي إسحاق الفزاري وابن المبارك ينخلانها حرفاً حرفاً )). وفي فتح المغيث (ص109): (( قيل لابن المبارك: هذه الأحاديث المصنوعة؟ قال:تعيش لها الجهابذة، ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )
وذكر (ص91) أحاديث فيها إنها موضوعة، ولم يذكر من حكم بوضعها من أهل العلم والحديث. وذكر فيها حديث (( فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على [سائر] الطعام )) وقد افترى من زعم هذا موضوعاً،بل هو في غاية الصحة، أخرجه الشيخان في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري ومن حديث أنس رضي الله عنهما
معاوية الشام
وقال ص91 (( معاوية والشام...))
ذكر عن أئمة السنة إسحاق بن راهوية وأحمد بن حنبل والبخاري والنسائي، ثم ابن حجر، ماحاصله أنه لم يصح في فضل معاوية حديث
أقول: هذا لا ينفي الأحاديث الصحيحة التي تشمله وغيره، ولا يقتضى أن يكون كل ما روي في فضله خاصة مجزوماً بوضعه.وبعد ففي القضية برهان دامغ لما يفتريه أعداء السنة على الصحابة وعلى معاوية وعلى الرواة الذين وثقهم أئمة الحديث، وعلى أئمة الحديث، وعلى قواعدهم في النقد(153/97)
أما الصحابة رضي الله عنهم ففي هذه القضية برهان على أنه لا مجال لاتهام أحد منهم بالكذب على النبي صلى الله عليه وسلم وذلك أن معاوية كان عشرين سنة أميراً على الشام وعشرين سنة خليفة، وكان في حزبه وفيمن يحتاج إليه جمع كثير من الصحابة منهم كثير ممن أسلم ويوم فتح مكة أوبعده وفيهم جماعة من الأعراب وكانت الدواعي إلى التعصب له والتزلف إليه متوفرة فلو كان ثم مساغ لأن يكذب على النبي صلى الله عليه وسلم أحد لقيه وسمع منه مسلماً لأقدم بعضهم على الكذب في فضل معاوية وجهر بذلك أما أعيان التابعين فينقل ذلك جماعة ممن يوثقهم أئمة السنة فيصح عندهم ضرورة. فإذا لم يصح خبر واحد ثبت صحة القول بأن الصحابة كلهم عدول في الرواية وأنه لم يكن منهم أحد مهما خفت منزلته وقوي الباعث له محتملاً منه أن يكذب على النبي صلى الله عليه وسلم
وأما معاوية فكذلك، فعلى فرض أنه كان يسمح بأن يقع كذب على النبي صلى الله عليه وسلم ما دام في فضيلة له وأنه لم يطمع في أن يقع ذلك من أحد غيره ممن له صحبة، أو طمع ولكن لم يجده ترغيب ولا ترهيب في حمل أحد منهم على ذلك فقد كان في وسعه أن يحدث هو عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد حدث عدد كبير من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم بفضائل لأنفسهم وقبلها منهم الناس ورووها وصحتها أئمة السنة.ففي تلك القضية برهان على أن معاوية كان من الدين والأمانة بدرجة تمنعه من أن يفكر في أن الكذب أو يحمل غيره على الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم مهما اشتدت حاجته إلى ذلك. ومن تدبر هذا علم أن عدم صحة حديث عند أهل الحديث في فضل معاوية أدل على فضله من أن تصح عندهم عدة أحاديث(153/98)
وأما الرواة الذين وثقهم أئمة الحديث فقد كان من حزب معاوية والموالين له عدد منهم كان في وسعهم أن يكذبوا على بعض الصحابة الذين لقوهم ورووا عنهم فيرووا عنه حديثاً أو أكثر في فضل معاوية / وينشروا ذلك فيمن يليهم من الثقات فيصححه أهل الحديث فعدم وقوع شيء من ذلك يدل على أن الرواة الذين يوثقهم أئمة الحديث ثقات في نفس الأمر
وأما أئمة الحديث فهم معروفون بحسن القول في الصحابة عامة وخصوصهم ينقمون عليهم ذلك كما تراه في فصل عدالة الصحابة من كتاب أبي رية، ويرمونهم بالنصب ومحبة أعداء أهل البيت والتعصب لهم. وتلك القضية براءة لهم فلو كانوا من أهل الهوى لأمكنهم أن يصححوا عدة أحاديث في فضل معاوية،أو يسكتوا على الأقل عن التصريح بأن كل ماروي في ذلك غير صحيح
وأما قواعدهم في النقد فلا ريب أن نجاحها في هذا الأمر- وهو من أشد معتركات الأهواء- من أقوى الأدلة على وفائها بما وضعت له(153/99)
وأما الشام فلا ريب أن الموضوعات في فضلها كثيرة ولكن ليس من الحق في شيء أن تعد دلالة الخبر على فضلها دليلاً على وضعه، فإن فضلها ثابت بالقرآن، وكذلك الحال في بيت المقدس قال الله تعالى (17: سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله ) وأخبر الله عزوجل عن الشام بقوله ( الأرض التي باركنا فيها ) اقرأ (136:7) و (71:21 و 81) وبقوله (81:34 القرى التي باركنا فيها ). وكذلك من الباطل أن تعد دلالة الخير على أمر بأنه سيقع دليلاً علىوضعه ما دمنا نؤمن بأن محمداً رسول الله يطلعه الله من غيبه على ما يشاء، فأما أن يكون مثل هذا مما يسترعى النظر ليبحث عن الخبر من جهة إسناده وما يتصل به ليحكم عليه بحسب ذلك فلا بأس، وحديث ((الخلافة بالمدينة والملك بالشام)) رواه هشيم ( وهو ثقة يدلس ) عن العوام بن حوشب (وهو ثقة) عن سلميان بن أبي سليمان عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى لاله عليه وسلم أخرجه الحاكم في المستدرك 72:3 وقال (( صحيح على شرط مسلم )) تعقبه الذهبي فقال (( سليمان وأبوه مجهولان )) وهو في فتح البخاري 3/ 2/ 17 ذكر الجملة الأولى فقط
وقال ص94 (( أصل فرية الأبدال ))
أقول: سترى الكلام على تلك الأخبار في موضوعات الشوكاني وتعليقي عليه إن شاء الله
قال (( روى الواقدي أن معاوية لما عاد من الشام... ))
/ أقول: كرهت إثبات الخبر لفرط سماجته، وأبو رية يتظاهر بالشكوى من الموضوعات ثم يحتج بهذا الموضوع الذي إن لم يكن كذباً فليس في الدنيا كذب. أما سنده فعزاه أبو رية إلى شرح النهج لابن أبي الحديد، وابن أبي الحديد حاله معروفة، ولا ندري ما سنده إلى الواقدي بل أكاد أقطع أن الواقدي لم يقل هذا وأما الخبر نفسه فكذب مكشوف لا يخفى على من يعرف معاوية وعقل معاوية ودهاء معاوية وتحفظ معاوية ولو معرفة بسيطة، وقد تقدم ما علمت
وقال ص101 (( كيف استجازوا وضع الأحاديث.. . ))(153/100)
ثم قال (( أخرج الطحاوي في المشكل عن أبي هريرة.. . ))
أقول لم أظفر به في مشكل الآثار للطحاوي المطبوع، وإنما عزي في كنز العمال 323:5 إلى الحكيم الترمذي، وقد ذكر أبو رية هذا الخبر من مصدر آخر ص164 كما ذكر الخبرين الذين عقبه وسأنظر في ذلك هناك إن شاء الله تعالى ويتبين براءة أبي هريرة منها كلها
وقال ص102 (( الوضاع الصالحون....... وقالوا نحن نكذب لا عليه. وإنما الكذب على من تعمده
أقول قوله (( وإنما الكذب على من تعمده )) ليست من قولهم ولا تتعلق بهم وقال ص 104 الوضع بالإدراج 000 إلى أن قال 000في حديث الكسوف وهو في الصحيح إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته – فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله والصلاة.. قال العراقي هذه الزيادة لم يصح نقلها فوجب تكذيبب قائلها ))
أقول تحصل من كلامه أن (( فإذا رأيتم الخ )) طعن فيها العراقي وقال ما قال. وهذا من تخليط أبي رية إنما الكلام في زيادة أخرى وقعت عند ابن ماجه لفظها (( إن
الله إذا تجلى لشيء خشع له )) والطاعون فيهاهو الغزالي لا العراقي راجع توجيه النظر ص172 وفتح الباري 445:2 وبهذا وغيره يتبين أن أبا رية غير موثوق بنقله. ولم أتمكن من مراجعة جميع مصادره مع أنه كثيراً ما يهمل ذكر المصدر. وإنما ذكرت هذا لئلا يغتر بسكوتي عن بعض ما ينقله
ثم قال (( هل يمكن معرفة الموضوع؟ ذكر المحققون أموراً كلية.. ...))
/ أقول كان عليه أن ينص على من ذكر هذه الأمور ويبين مصدرها. ومن الأمور التي ذكرها مايحتاج إلىبيان وإيضاح ومخالفة ظاهر القرآن قد تقدم ما يتعلق بها ص14. والاشتمال علىتواريخ الأيام المستقبلة علامة إجمالية تدعو إلى التثبت لكثرة ماوضع في هذا الباب، وإلا فقد أطلع الله تعالى رسوله علىكثير من الغيب وأخبره به، وتجارب العلم الثابتة، إنما يعتد بها إذا كانت قطعية وناقضت الخبر مناقضة محققة ولعله يأتي ما يتعلق بها(153/101)
وقال ص105 (( وأخرج البيهقي بسنده.. .. ))
أقول لم يبين أبو رية من كتاب أخذ هذا الأمر، وأحسب البيهقي نفسه قد بين سقوطه من جهة السند، أما المتن فسقوطه واضح، راجع ص14
وذكر ص105 (( هل يمكن معرفة الموضوع بضابط )) ثم ذكر ص106 (( للقلب السليم إشراف الخ ))
أقول: ينبغي مراجعة الأصول التي نقل عنها
الإسرائيليات
ذكرها أبو رية ص108 وذكر فيها كعب الأخبار ووهب بن منبه، وسيأتي ما يتعلق بها
ثم ذكر ص110 عن أحمد أمين (( اتصل بعض الصحابة بوهب بن منبه وكعب
الأحبار وعبد الله بن سلام واتصل التابعون بابن جريج وهؤلاء كانت لهم معلومات يروونها عن التوراة والإنجيل الخ )) ثم قال أبو رية ((.. أخذ أولئك الأحبار يثبتون في الدين الإسلامي أكاذيب وترهات يزعمون مرة أنها في كتابهم ومن مكنون عليهم ويدعون أخرى أنها مما سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الحقيقة من مفترياتهم ))
أقول:أما عبد الله بن سلام فصحابي جليل أسلم مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وشهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة كما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث سعد بن أبي وقاص وغيره وحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قليلاً جداً وقلماذكر عن كتب أهل الكتاب وما ثبت عنه من ذلك فهو مصدق به حتماً وإن لم يوجد في كتب أهل الكتاب الآن إذ قد ثبت أن كثيرا ً من كتبهم أنقرض. ولا يسئ الظن بعبد الله بن سلام إلا جاهل أو مكذب لله ورسوله.
وأما وهب بن منبه فولد في الإسلام سنة 34هـ وأدرك بعض الصحابة ولم يعرف أن أ حداً منهم سمع منه أوحكى عنه وإنما يحكي عنه من بعدهم. وسيأتي بيانه حاله(153/102)
/ وأما كعب فأسلم في عهد عمر وسمع منه ومن غيره من الصحابة وحكى عنه بعضهم وبعض التابعين ويأتي بيان حاله. وأما ابن جريج فيأتي ص148 أنه (( الذي مات سنة 150 )) وهو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج (( وإنما هو من أتباع التابعين ولا شأن له بالاسرائيليات، وكأن الدكتور اغتر باسم (( جريج )) فحشرة في زمن هؤلاء، فجاء حاطب الليل فقال ص148 (( وممن كان يبث في الدين الإسلامي مما يخفيه قلبه ابن جريج الرومي الذي مات سنة 150 وكان البخاري لا يوثقه وهو على حق في ذلك )) وهذا مخالف للواقع فلم يعرف ابن جريج بالاسرائيليات إلا أن يروي شيئا عمن تقدمه وهو إ مام جليل يوثقه ويحتج به البخاري وغيره ولم يجد أبو رية ما يحكيه عنه مما زعمه. ومن العجائب قوله في حاشية ص216 (( ابن جريج كان من النصارى )) هكذا يكون العلم. ثم قال ص110 ((.. .. وتلقى الصحابة ومن تبعهم كل ما يلقيه هؤلاء الدهاة بغير نقد أو تمحبص معتبر ين أنه صحيح لا ريب فيه )) أقول: وهذا مخالف للواقع، فقد علم الصحابة وغيرهم من كتاب الله عزوجل أن أهل الكتاب قد حرفوا كتبهم وبدلوا. ورووا عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله (( لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم )) كما في صحيح البخاري عن أبي هريرة. وفيه عن ابن عباس أنه قال (( كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدث، تقرؤنه محضاً لم يشب، وقد حدثكم أن أهل الكتاب بدلوا كتاب الله وغيروه )) وفيه أن معاوية ذكر كعب الأحبار فقال (( إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين عن أهل الكتاب، وإن كنا من ذلك لنبلو عليه الكذب، وكان عند عبد الله بن عمرو بن العاص صحيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسميها (( الصادقة ))تميزاً لها عن صحف كانت عنده من كتب أهل الكتاب. وزعم كعب أن ساعة الإجابة إنما تكون في السنة مرة أو في الشهر مرة، فرد عليه أبو هريرة وعبد الله بن سلام بخبر النبي صلى الله عليه وسلم(153/103)
أنها في كل يوم جمعة[انظر سنن النسائي في أبواب الجمعة] وبلغ حذيفة أ ن كعباً يقول: إن السماء تدورعلى قطب كقطب الرحي، فقال حذيفة (( كذب كعب.... ))[ترجمة كعب من الإصابة]وبلغ ابن عباس أن نوفاً البكالي – وهو من أ صحاب كعب – يزعم أن موسى صاحب الخضر غير موسى بن عمران،فقال ابن عباس (( كذب عدو الله.. .)) [صحيح البخاري تفسير سورة الكهف]ولذلك نظائر. أما ما رواه كعب ووهب عن النبي صلى الله عليه وسلم فقليل جداً، وهو مرسل لأنهما لم يدركاه، والمرسل ليس بحجة، وقد كان الصحابة ربما توقف بعضهم عن قبول خبر بعض إخوانه من الصحابة حتى يستثبت فما بالك بما يرسله كعب، فأما وهب فمتأخر، وأما ما روياه عن بعض الصحابة أو التابعين / فإن أهل العلم نقدوه كما ينقدون رواية سائر التابعين، ويأتي لهذا مزيد قال(ص111): (( كعب الأحبار ))(153/104)
أقول: لكعب ترجمة في تهذيب التهذيب، وليس فيها عن أحد من المتقدمين توثيقه، إنما فيها ثناء بعض الصحابة عليه بالعلم، وكان المزي علم عليه علامة الشيخين مع أنه إنما جرى ذكره في الصحيحين عرضاً لم يسند من طريقه شيء من الحديث فيهما. ولا أ عرف له رواية يحتاج إليها أهل العلم.. فأما ما كان يحكيه عن الكتب القديمة فليس بحجة عند أحد من المسلمين، وإن حكاه بعض السلف لمناسبته عنده لما ذكر في القرآن، وبعد فليس كل ما نسب إلى كعب في الكتب بثابت عنه، فإن الكذابين من بعده قد نسبوا إليه أشياء كثيرة لم يقلها. وما صح عنه من الأقوال ولم يوجد في كتب أهل الكتاب الآن ليس بحجة واضحة على كذبه. فإن كثيراً من كتبهم انقرضت نسخها ثم لم يزالوا يحرفون ويبدلون، وممن ذكر ذلك السيد رشيد رضا في مواضع من التفسير وغيره. واتهامه بالاشتراك في المؤامرة على قتل عمر لا يثبت، وكعب عربي النسب، وإن كان قبل أن يسلم يهودي النحلة. وقول أبي رية (( فاستصفاه معاوية وجعله من مستشاريه )) من عندياته،والذي عند ابن سعد وغيره أنه سكن حمص حتى مات بها سنة 32، وذكر أبو رية في الحاشية (( قال لقيس بن خرشة، ما من الأرض شبر.. .. ))
أقول: هذه الحكاية منقطعة حاكيها عن كعب ولد بعده بنحو عشرين سنة وأول الحكاية أن كعبا مر بصفين فوقف ساعة ثم قال (( لا إله إلا الله، ليهراقن بهذه البقعة من دماء المسلمين شيء لا يهراق ببقعة في الأرض.. .)) وكان ذلك قبل وقع صفين بسنتين، فهل يصدق أبو رية ها كما صدق بقية الحكاية؟ على أن فيها غريبة أخرى لا أراه يصدق بها. قال (ص112) (( افتجر هذا الكاهن لاسلامه سبباً عجيباً.. .. قد أخرج ابن سعد بسند صحيح.. . فقال: إن أبي كتب لي كتاباً من التواراة.. .وختم على سائر كتبه.. . ففتحتها فإذا صفة محمد وأمته، فجئت الآن مسلماً )) أقول: أما السند فليس بصحيح، فيه علي بن زيد وهو كما قال ابن حجر(153/105)
في التقريب (( ضعيف )) ولم يخرج له أحد من الشيخين إلا أن مسلماً أخرج حديثاً عن حماد بن سلمة عن ثابت البناني وعلي بن زيد. والاعتماد على ثابت وحده، / لكن لما وقع في سياق السند ذكر علي بن زيد لم ير مسلم أن يحذفه، ولمسلم من هذا نظائر. وأما القصة فلا أدري ما ينكر المسلم منها وهو يقرأ قول الله عزوجل في كتابه (157:7 الذين يتبعون الرسل النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوارة والإنجيل ) الآية[انظر تفسير المنار 230:9-300] وقوله سبحانه (29:48 محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود، ذلك مثلهم في التوارة)الآية: وآيات أخرى معروفة، فلينظر المسلم من الأولى بأن يقال: فجر وافتجر؟
ثم ذكر حكاية عن حياة الحيوان، وحسبها أنه لم يجد لها مصدراً إلى حياة الحيوان، على أن الحكاية نفسها ليس فيها ما ينكره المؤمن بالقرآن
ثم قال (ص113): (( ووهب بن منبه.. ... ))
أقول: قد قدمت شيئاً من حال وهب، وقد وثقه الحفاظ وضعفه عمرو ابن علي الفلاس، أخرج البخاري حديثاً من طريقه ثم قال (( تابعه معمر )) وله في صحيح مسلم شيء تابعه عليه معمر أيضاً، ومعمر هو ابن راشد أحد الأئمة المجمع عليهم
وقال: (( روى عنه كثير من الصحابة، منهم أبوهريرة وعبد الله بن عمرو وابن عباس وغيرهم ))
أقول هذه من مجازفات أبي رية، وإنما ذكر أهل العلم أن وهبا روى عنه هؤلاء، وإنما ولد سنة 34 كما مر، وإنما اشتهر بعد وفاة هؤلاء
قال (( أخرج الترمذي عن عبد الله بن سلام – وهو أحد أحبار اليهود الذين
أسلموا- إنه مكتوب في التوراة في السطر الأول: محمد رسول الله عبده المختار، مولده مكة مهاجره طيبة.وأخرج كذلك: مكتوب في التوراة صفة النبي وعيسى بن مرييم يدفن معه ))(153/106)
أقول:لم أجد الخبر الأول في جامع الترمذي،ولا ذكره صاحب ذخائر المواريث، وسيأتي ما يتعلق به. وأما السند ففي سنده عثمان بن الضحاك مجهول، ومحمد بن يوسف بن عبد الله، ولم يوثقا توثيقاً يعتد به، وقد ذكر البخاري في ترجمة محمد من التاريخ 2631:1 طرفاً من هذا الخبر وقال (( هذا لا يصح عندي، ولا يتابع عليه ))
قال أبورية (( وهذا.. . قد أحكمه الداهية كعب، فقد روى الدارمي عنه في صفة النبي في التوارة قال: في السطر الأول: محمد رسول الله عبده المختار، مولده مكة ومهاجره طيبة وملكه الشام/ وقد بحثنا عن السطر الثاني من هذه الأسطورة حتى وجدناه في سنن الدارمي كذلك عن الداهية الأكبر كعب فقد روى ذكوان عنه: في السطر الأول محمد رسول- الله عبده المختار...، وهذا الكلام قد أورده ابن سعد في طبقاته عن ابن عباس في جواب لكعب، وقد أمتدت هذه الخرافة إلى أحد تلاميذ كعب، عبد الله بن عمرو بن العاص فقد روى البخاري من عبد الله[الصواب عن هلال]بن يسار.،وزاد ابن كثير: قال ابن يسار: ثم لقيت كعبا الخبر فسألته فما ا ختلفا في حرف )) قال أبو رية (( وكيف يختلفان وكعب هو الذي علمه ))
أقول: خبر عبد الله بن عمرو نسبه بعضهم إلى عبد الله بن سلام كما ذكره البخاري، وذكر ابن حجر أنه لا مانع من صحته عنهما. وقد بحثت عن هذا الخبر بطرقه المذكورة هنا وغيره ونظرت في الأسانيد، فترجح عندي صحته عن عبد الله(153/107)
بن عمرو، فأما نسبته إلى عبد الله بن سلام ففي صحتها نظر، وكذلك نسبته إلى كعب، وبيان ذلك يطول، وهذا الذي ظهر لي هو الظاهر من صنيع البخاري[وفي خبر عبد الله بن عمرو أجل والله إنه لموصوف.. علق عليه أبو رية (( هكذا يورطه أستاذه حتى يقسم بالله )) وهذا من افتراء أبي رية فإن عبد الله بن عمرو كان عنده جملة من صحف أهل الكتاب كما اعترف به أبو رية، فإقسامه يدل على أنه شاهد تلك ا لصفة في تلك الصحف]هذا وفي بعض روايات الخبر أنه من التوراة، فإن صح ذلك في الرواية فقد يراد به الكتب المنسوبة إلى موسى وقد يراد به ما يعم كتبه وكتب أنبياء بني إسرائيل وهو ما يسمى عند القوم (( العهد القديم )) وذلك إطلاق شائع كما يؤخذ من إظهار الحق 1: 38 وفي تفسير ابن كثير7:7 56يقع في كلام كثير من السلف إطلاق التوارة على كتب أهل الكتاب، وقد ورد في بعض الأحاديث ما يشبه هذا )). وعلى كل حال فالرويات تعطي وجود معنى تلك العبارة في بعض كتب أهل الكتاب، وأبو رية يزعم أن الخبر (( أسطورة، خرافة )) فإن بنى ذلك على ا متناع أن يكون في كتب الأنبياء السابقين أخبار بأمور مستقبلة كبعثة محمد صلى الله عليه وسلم وصفته فهذا تكذيب صريح للقرآن وتكذيب بكتب الله ورسله، فإن كان أبو رية ينطوي على هذا فليجهر به حتى يخاطب بحسبه. وإن بنى على استبعاد صحة الخبر لأنه لا يوجد في كتب أ هل الكتاب الآن ما يؤدي ذاك المعنى، ولم يكن موجوداً فيها منذ ألف سنة تقريباً عندما شرع بعض علماء المسلمين يطلعون عليها وينقلون عنها، فهذا يبنيء عن جهل أو تجاهل بتاريخ كتب أهل الكتاب وأحوالهم فيها، واقتصر هنا على عبارات عن كتاب (( إظهار الحق )) للشيخ رحمة الله الهندي ففيه 220:1 عن الدكتور كني كات وهو من أعظم محققي كتب العهدين قال (( إن نسخ العهد العتيق التي هي موجودة كتبت ما بين ألف وألف وأربعمائة.. .)) وقال (( إن جميع النسخ التي كانت كتبت في المائة السابعة ((153/108)
الميلادية ) أو الثامنة أعدمت بأمر محفل الشورى لليهود لأنها كانت تخالف مخالفة كثيرة للنسخ التي كانت معتمدة عندهم)) وحكى عن ( والتن) ما يوافق ذلك.و يعلم منه أن اليهود / تتبعوا نسخ كتبهم التي كتبت قبل الإسلام أو في صدر الإسلام إلى نحو مائتي سنة فأتلفوها لمخالفتها الكثيرة لما يهوونه.وانظر إ ظهار الحق 242:1-245 وفيه 227:1-229 إن لأهل الكتاب نحو عشرين كتاباً مفقودة،وبعضها منسوب إلى موسى فيكون من التوارة الحقيقة عندهم. وقد تكون ثم كتب أخرى مفقودة لم يعثر المتأخرون على أسمائها. وذكر من شيوع التحريف القصدي في اليهود والنصارى قديماً وحديثاً ما يجاوز الوصف.وحق على من يبتلى بسماع شبهات دعاة النصرانية والإلحاد أن يقرأ ذاك الكتاب ( إظهار الحق) ليتضح له غاية الوضوح أن الفساد لم يزل يعترى كتب أهل الكتاب جملة وتفصيلا، ومحققوهم حيارى ليس بيدهم إلا التظنى والتمني والتحسر والتأسف، ومن ثم يتبين السر الحقيقي لمحاولتهم الطعن في الأحايث النبوية، لأن دهاتهم حاولوا الطعن في القرآن فتبين لهم أنه ما إلى ذلكم من سبيل، فأقبلوا على النظر في الأحاديث فوجدوا أنه قد روي في جملة ما روي كثير من الموضوعات، وحيرهم المجهود العظيم الذي قام به علماء الأمة لاستخلاص الصحيح ونفي الواهي والساقط والموضوع حتى قال بعضهم (( لتفتخر المسلمين بعلم حديثهم ما شاءوا )). ولكنهم اغتنموا انصراف المسلمين عن علم الحديث وجهل السواد الأعظم منهم بحقيقته فراحوا يشككون ويتهجمون، ولا غرابة أن يوقعهم الحسد في هذا وأكثر منه، وإنما الغرابة في تقليد بعض المسلمين لهم نعم اتضح ما تقدم عن إظهار الحق أنه لا مانع من أنه كان في كتب أهل الكتاب عند ظهور الإسلام ما تواطئوا بعد ذلك على تحريفه أو إسقاطه أو فقد ذاك الكتاب باتلافهم عمداً أو غيره. وقد كان اليهود في بلاد العرب منذ زمن طويل قبل الإسلام فلا يستبعد أنه كان بقي عندهم مالم يكن عند النصارى،[ومن(153/109)
الهين جداً على اليهود حين قرووا إتلاف النسخ أن يتلقوا جميع ما كان تبقى منها بأيدي المسلمين من أعقاب كعب ووهب وغيرهما لأنها تصير إلى مسلم لا يحسن قراءتها وقد يكره بقاءها عنده فقد يتلفها وقد يعطيها يهودياً بغير ثمن أو بثمن بخس، ويتأكد ذلك عند سعي اليهود في جمعها، وحسبك برهاناً على ذلك وما في معناها فقد النسخ من العالم سوى ما بأيدي اليهود من النسخ الحديثة] وإذا لا مانع وقد صحت الرواية فالواجب تصديقها، ومن تدبر القرآن ومحاورات النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لليهود وما حكي عنهم قبل البعثة وما حكاه من أسلم منهم بان له صحة ما قلناه.وقد صحت الرواية عن عبد الله بن عمرو وهو صحابي فاضل، وقدكان عارفاً بكتب أهل الكتاب، ووقعت له عدة منها. فالظاهر أنه أخذ العبارة منها. وإن صحت عن عبد الله بن سلام فالأمر أوضح، فإنه كان من أحبار اليهود وأسلم مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وكان من خيار الصحابة وشهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة كما رواه كبار الصحابة وإن صحت عن كعب فالظاهر صدقه لأنه إذا كان صادق الإسلام / نقياً كما هو الظاهر ولم يتيبن خلافه فالأمر واضح، وإن كان كما زعمه بعضهم منافقا مصراً على الباطن على اليهودية متعصباً لها فليس من المعقول أن يكذب للمسلمين بما يزيدهم ثباتاً على الإسلام وحنقا على اليهود، وما يقال إن كعباً كان يستدرج المسلمين ليثقوا به ليس بشيء، لأنه يعلم أن غاية ما يفيده وثوقهم هو تصديقهم له في أن ما يحكيه عن كتب أهل الكتاب موجود فيها، وماذا يفيده هذا وإن كان منافقاً وقد علم أنهم يعتقدون أن كتب أهل الكتاب محرفة مبدلة، وقد تقدم إيضاح ذلك. وما يزعمه أبو رية من مكايد كعب لم يتحقق منها شيء. والله والمستعان
ثم ذكر (ص115) حكايات معضلة لا تعرف أسانيدها، ومثل ذلك لا يصح أن يبنى عليه شيء
مكيدة مهولة(153/110)
ثم قال (( لما قدم كعب إلى المدينة في عهد عمر وأظهر إسلامه أخذ يعمل في
دهاء ومكر لما أسلم من أ جله من إفساد الدين وافتراء الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم.. .. )) [قوله على النبي صلى الله عليه وسلم هذا أساس المكيدة المهولة الآتية] أقول: هذه مكيدة مهولة يكاد بها الإسلام والنسة، اخترعها بعض المستشرقين فيما أرى ومشت على بعض الأكابر وتبناها أبو رية وارتكب لترويجها ما ارتكب كما ستعلمه، وهذا الذي قاله هنارجم بالغيب وتظن للباطل وحط لقوم فتحوا العالم ودبروا الدنيا أحكم تدبير إلى أ سفل درجات التغفيل، كأنهم رضي الله عنهم لم يعرفوا النبي صلى الله عليه وسلم ودينه وسنته وهديه فقبلوا ما يفتريه عليه وعلى دينه إنسان لم يعرفه، وقد ذكر أبورية في مواضع حال الصحابة في توقف بعضهم عما يخبره أخوه الذي يتيقن صدقه وإيمانه وطول صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم،فهل تراهم مع هذا يتهالكون على رجل كان يهودياً فأسلم بعد النبي صلى الله عليه وسلم بسنين فيقبلون منه ما يخبرهم عن النبي صلى الله عليه وسلم مما يفسد دينه؟ كان الصحابة رضي الله عنهم في غنى تام بالنسبة إلى سنة نبيهم، إن احتاج أحد منهم إلى شيء رجع إلى إخوانه الذين صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم وجالسوه، وكان كعب أعقل من أن يأتيهم فيحدثهم عن نبيهم فيقولوا: من أخبرك؟ فإن ذكر صحابياً سألوه فيبين الواقع، وإن لم يذكر أحدا كذبوه ورفضوه، إنما كان كعب يعرف الكتب القديمة فكان يحدث عنها بآداب وأشياء في الزهد والورع أو بقصص وحكايات تناسب أشياء في القرآن أو السنة، فما وافق الحق قبلوه، وما رأوا باطلاً قالوا: من أكاذيب أهل الكتاب، وما رأوه محتملاً أخذوه على الاحتمال كما أمرهم نبيهم صلى الله عليه وسلم ذلك كان فن كعب وحديثه. ولم يرو عنه أحد من الصحابة إلا ما كان من هذا القبيل. نعم ذكر أصحاب التراجم أنه سئل عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى عن عمر وصهيب وعائشة.(153/111)
وعادتهم أن يذكروا مثل ذلك وإن كان خبراً واحداً في صحته عن كعب نظر / فهذه كتب الحديث والآثار موجودة لا تكاد تجد فيها خبراً يروى عن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن وجد فلن تجده إلا من رواية بعض التابعين عن كعب، ولعله مع ذلك لا يصح عنه. وكذا روايته عن عمر. وكذا روايته عن صهيب وعائشة مع أنه مات قبلها بزمان.وعامة ما روي عنه حكايات عن أهل الكتاب ومن قوله
قال (( ومما أغراه بالرواية أن عمر بن الخطاب كان في أول أمره يستمع إليه، فتوسع في الرواية الكاذبة ما شاء أن يتوسع، قال ابن كثير: لما أسلم كعب في الدولة العمرية جعل يحدث عمر رضي الله عنه، فربما استمع له عمر، فترخص الناس في استماع ما عنده و نقلوا ما عنده من غث وسمين )) [عزاه أبو رية إلى تفسير ابن كثير 17:4 ولم أجده هناك فلينظر]
أقول: الذي عنده هو الحكايات عن صحف أهل الكتاب وأشياء من قوله في الحكمة والموعظة، وقوله (( الرواية الكاذبة )) لا ريب أن في صحف أهل الكتاب التي كان كعب يحكي عنها ما هو كذب، فمن صحفهم ما أصله من كتب الأنبياء ولكن حرف وزيد فيه ونقص، ومنها ما هو منسوب إلى بعض الأنبياء كذباً، وعندهم عدة كتب كذلك، ومنها ما هو من كتب أحبارهم، فأما أن يكون كعب كذب فهذا لم يثبت، وسيأتي الكلام فيه
قال (( ثم لم يلبث عمر أن تفطن لكيده وتبين له سوء دخلته، فنهاه عن الرواية عن النبي[قوله عن النبي عن رسول الله هو أساس المكيدة كما مرت الإشارة إلى مثله ص73 يحاول أبو رية أن يمكنه] وتوعده إن لم يترك الحديث عن رسول الله أو ليحقنه بأرض القردة ))(153/112)
أقول: هذا من دجل أبي رية، لم يتبين لعمر من كعب كيد ولا سوء دخلة، ولا كان كعب يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم، ,إنما كان يحكي عن صحف أهل الكتاب، فإن كان عمر نهاه فعن ذلك. وا لحكاية التي تشبث بها أبورية عزاها إلى البداية والنهاية 106:8 وهي هناك (( وقال لكعب الأحبار: لتتركن الحديث عن الأول أو لألحقنك بأرض القردة )) قال (( عن الأول )) فأبدلها الشاطر أبو رية بقوله
(( عن النبي – عن رسول الله )).[وهكذا يزور أبو رية لتمكين أساس تلك المكيدة] ومعها في البداية والنهاية كلمة تتعلق بأبي هريرة ذكرها أبو رية ص163 وسيأتي هناك بيان سقوط هذه الرواية مع الكشف عن بعض أفاعيل أبي رية
على أن كلام أبي رية متناقض، فسيحكي قريباً أن عمر لم يزل إلى آخر حياته معتداً بكعب، والصحيح أن كعباً كان رجلاً عريباً ذا رأي، قد قرأ الكتب واستفاد منها أشياء في الحكمة والزهد والورع، وهذه كانت وسيلته إلى عمر. ويحكي الناس عنه أشياء من الأخبار عن الأمور المستقبلة مسنداً له إلى صحف / أهل الكتاب، ولا أدري ما يصح عنه من ذلك
قال (( على أن عمر ظل يترقب هذا الداهية بحزمه وحكمته وينفذ إلى أغراضه الخبيثة بنور بصيرته كما نرى في قصة الصخرة ))(153/113)
أقول: قد سرح عمر من المدينة إلى العراق نصر بن حجاج لغير ذنب إلا أنه كان بارع الجمال وكان بالمدينة كثير من النساء، يغيب أزواجهن في الجهاد وقد ذكرت إحداهن نصرا في شعر لها، وجلد عمر صبيغ بن عسل ونفاه إلى العراق وكتب أن لا يجالسه أحد لأمر واحد وهو أنه يكثر من السؤال عن كلمات من القرآن لا تتعلق بالأحكام، ونصر سلمى وصبيغ تميمي لم يكن لهما عرق في يهودية ولا نصرانية. وكعب حميري حديث العهد باليهودية لا منعة له و لاحاجة بالمسلمين إليه، فهل يعقل أن يشعر الفاروق منه بأن إسلامه مدخول وأنه داهية ذو أغراض خبيثة ثم يدعه معه بالمدينة يدخل إليه مع أصحابه ويتكلم في مجلسه وربما يستشيره لا يحذره ولا يحذر الناس منه؟ أما قصة الصخرة فرواها الإمام أحمد من طرق حماد بن سلمة عن أبي سنان [عيسى بن سنان القسملي] عن عبيد بن آدم قال (( سمعت عمر يقول لكعب: أين ترى أن أصلي؟ قال: إن أخذت عني صليت خلف الصخرة،
وكانت القدس كلها بين يديك. فقال عمر: ضاهيت اليهودية، لا، ولكن أصلى حيث صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم(153/114)
عبيد هذا لم يذكر له راو إلا أبو سنان، وأبو سنان ضعفه الإمام أحمد نفسه وابن معين وغيرهما، وقال أبو زرعة (( مخلط ضعيف الحديث))، ولا ينفعه ذكر ابن حبان في الثقات لماعرف من تساهل ابن حبان، ولا قول العجلي (( لا بأس به )) فإن العجلي قريب من ابن حبان أو أشد، عرفت ذلك بالاستقرار. ومع هذا فليس في القصة ما يشعر بسوء دخيله،عرف كعب فضيلة بيت المقدس في الإسلام بنص القرآن، وعلم أنه كان قبلة المسلمين أولاً فظن أنه الأفضل للمصلى هناك أن يجعله كله بينه وبين الكعبة، ورأى عمر أن في هذا مضارعة أي مشابهة لليهودية، فيما علم من الإسلام خلافه، وهو صلاة النبي صلى الله عليه وسلم. هذا على فرض صحة الرواية. وذكر أبورية (ص126-127) رواية أخرى عن تاريخ الطبري. وهي في التاريخ منقطعة الأول وا لآخر، إنما قال (( وعن رجاء بن حيوة عمن شهد )) والسند إلى رجاء مجهول، وشيخ رجاء مجهول، ومثل هذا لا يثبت به شيء
قال أبو رية (( فإن شدة دهاء هذا اليهودي غلبت على فظنه عمر وسلامة نيته )) كذا رجع أبورية فسلب عمر ما ذكره أولا بقوله (( بحزمه وحكمته وينفذ.. . بنور بصيرته ))، وهذا شأن من يتظنى الباطل[والملجئ لأبي رية إلى هذا هو محاولته بالتمكين لتلك المكيدة
/ قال (( فظل يعمل بكيده في السر والعلن ))
أقول كلمة (( العلن )) هذه تأتي على بقية ما جعله لعمر سابقاً وتبين أن مقصوده بقوله (( سلامة نيته )) الغفلة. قال (( حتى انتهى الأمر بقتل عمر بمؤامرة اشترك فيها هذا الدهي ))
ذكر بعد هذا ما حكى عن المسور بن مخرمة، وعزاها إلى تاريخي ابن جرير وابن(153/115)
الأثير، والثاني مستمد من الأول، وأرى أن أحكيها كما هي عند ابن جرير في أخبار سنة 23قال (( حدثني سلمة (الصواب: سلم )) بن جنادة قال حدثنا سليمان بن عبد العزيز بن أبي ثابت [عمران]ابن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف قال:حدثنا أبي عن عبد الله بن جعفر عن أبيه عن المسور بن مخرمة.. . قال: خرج عمر بن الخطاب يطوف في السوق فلقيه أبو لؤلؤة.. . قال [أبو لؤلؤة]: لئن سلمت لأعملن لك رحى يتحدث بها من بالمشرق والمغرب، ثم انصرف. فقال عمر: لقد توعدني العبد آنفاً. قال ثم انصرف عمر إلى منزله فلما كان من الغد جاء كعب الأحبار فقال له: يا أمير المؤمنين اعهد فإنك ميت في ثلاثة أيام. قال: وما يدريك؟ قال: أجده في كتاب الله عزوجل التوراة. قال عمر: آلله أنك لتجد عمر بن الخطاب في التوراة؟ قال: اللهم لا، ولكن أجد صفتك وحليتك... فلما كان من الغد جاء كعب فقال:.. . بقي يومان. قال: ثم جاء من غد الغد فقال:.. .بقي يوم وليلة وهي لك إلى صبيحتها.. . )) وقال فيه (( فضرب عمر ست ضربات )) وفي آخرها (( ثم توفي ليلة الأربعاء لثلاث بقين من ذي الحجة ))(153/116)
أقول: هل يسمع عمر هذا الوعيد الشديد من عبد كافر ثم لا يحترس منه ولا يأمر بالقبض عليه وسجنه أو ترحيله من المدينة؟ أو على الأقل يضع عليه عيوناً تراقبه، فقد كان لعمر عيون على الناس ترقب أقل من هذا، وكان له عيون على عماله في البلدان البعيدة، أو ليس عمر هو الذي رجع عن بلد الطاعون فقال له أبو عبيدة: أفراراً من قدر الله؟ فقال عمر: لو غيرك يا أبا عبيدة قالها. نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله. هب أن عمر لم يبال نفسه، أفلم يكن بقاء ذلك العبد الكافر بين ظهراني المسلمين خطراً عليهم، وقد جاهر الخليفة بالتوعد، فما عسى أن يكون حاله مع غيره؟ قد يقال يمكن أن تكون وضعت عليه عيون راقبته مدة فلم ير منه ما ينكر، قترك. لكن / هذه الحكاية تجعل التوعد يوم الجمعة 22 ذي الحجة سنة 23 والقتل بعد ذلك بأربعة أيام.
أضف إلى ذلك أنه قد ثبت أن عمر قال في خطبته في تلك الجمعة (( رأيت ديكا نقرني ثلاث نقرات، ولا أراه إلى حضور أجلي )) وفي بعض الروايات أنه ذكر أن الرؤيا عبرت بأن رجلاً من الأعاجم يعتدي عليه. راجع فتح الباري 50:7 هل يخبر عمر بهذه الرؤيا في اليوم الذي توعده فيه الأعجمي ثم لا يحترس ولا يقبض على ذاك الأعجمي؟
وفوق هذا تزعم الحكاية أن كعباً جاء إلى عمر بعد الإخبار بالرؤيا وإيعاد الأعجمي بيوم واحد فقال لعمر ما تقدم. أفلم يكن في اقتران هذه الثلاثة ما يدعو إلى الاحتراس؟
أمر آخر: تقدم (ص46) تشديد عمر على أبي موسى لما أخبر بخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهل يعقل أن عمر هذا الذي شدد على أخيه المؤمن الصادق المهاجر القديم الإسلام لا يشدد على كعب حديث العهد باليهودية ولا صحبة ولا هجرة، مع أن خبره أولى وأحق بأن يستنكر؟(153/117)
أمر ثالت: عهدنا بهذا الحميري داهياً فهل يعقل أن يكون واقفاً على المؤامرة ثم يقع منه ما حكته الحكاية؟ المعقول أن يسكت إن كان له هوى في قتل عمر، وأن يخبره بالمؤامرة على وجهها إن لم يكن له هوى في قتله. أما السكوت فخشية أن يؤدي كلامه إلى حبوط المؤامرة بأن يحترس عمر ويقبض على أبي لؤلؤة، وقد يجر إلى اكتشاف المؤامرة ووقوع كعب نفسه، وأما الإخبار بالمؤامرة على وجهها فلأنه بذلك يكون له يد عند عمر والمسلمين ينال بها جاها ومكانه. وكلا هذين الغرضين أهم وأعظم من حبه إيهام اطلاعه على بعض أمور المستقبل، على أن هذا قد كان حاصلاً في الجملة، فقد كانوا يعرفون معرفته بصحف أهل الكتاب ويعرفون أن فيها أشياء من ذلك.
ومن قابل هذه الحكاية بالروايات الصحيحة وجد مخالفة: منها عدد الطعنات،
اتفقت الروايات الصحيحة على أنها ثلاث فقط، ووقع في هذه الحكاية أنها ست فأنت ترى أن النظر في متن هذه الحكاية يبين أنها مدخولة لا يمكن الاعتماد عليها في شيء، ويؤكد ذلك سقوط سندها، فإن سليمان مجهول لم نجد له ترجمة وأبوه ساقط الحديث كما بينه جمع من الأئمة، وعبد الله بن جعفر لا بأس به، فأما أبوه جعفر بن المسور فلا يعرف برواية أصلاً،ولا يدرى أدرك أباه أم لا
/ وقال ص 117: (( ووقع في رواية أبي إسحاق عند ابن سعد: وأتى كعب عمر فقال: ألم أقل لك إنك لا تموت إلا شهيداً، وإنك تقول من أين وإني في جزيرة العرب ))(153/118)
أقول: هي عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون وأبو إسحاق مشهور بالتدليس ولم يذكر سماعا وروى غيره القصة عن عمرو بن ميمون كما في صحيح البخاري وغيره بدون هذه الزيادة. ومع هذا فأي شيء فيها؟ أما الشهادة فقد كان عمر مبشراً بها يقيناً، ففي الصحيحين وغيرهما من حديث أنس (( أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحداً وأبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم فقال: اثبت أحد، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان )). وصح معناه من حديث عثمان وبريدة وأبي هريرة وسهل بن سعد. راجع فتح الباري 32:7
وفي الصحيحين وغيرهما سؤال عمر لحذيفة عن الفتنة،وقول حذيفة (( لا بأس عليك يا أمير المؤمنين، إن بينك وبينها بابا ًمغلقاً )) قال عمر (( يفتح الباب أو يكسر )) ؟ قال حذيفة (( لا بل يكسر )). قيل لحذيفة (( علم عمر بالباب ))؟قال ((نعم، كما أن دون غد الليلة، إني حدثته حديثاً ليس بالأغاليط )) ثم بين حذيفة أن الباب هو عمر نفسه. فالمراد بقوله (( يفتح أو يكسر )): يموت أو يقتل
وثم أخبار أخرى كرؤيا عوف بن مالك في عهد أبي بكر، وفيها في ذكر عمر
((شهيد مستشهد )). وفي صحيح البخاري أن عمر قال (( اللهم ارزقني شهادة في سبيلك وموتاً في بلد رسولك )) وراجع فتح الباري 86:4 و 446:6 ولا ريب أن كعبا كان عارفاً بصحف أهل الكتاب وأن فيها أخباراً عن المستقبل، وأنه كان يوجد في صحفهم في عهد الإسلام ما لا يوجد عندهم الآن، راجع ما تقدم ص72. وشأن عمر من أعظم الشئون في العالم وأحقها أن يبشر به الأنبياء السابقون عند تبشيرهم بالنبي صلى الله عليه وسلم، ومع هذا فليس في رواية أبي إسحاق ذكر التوراة، فقد يكون استند إلى تلك الأخبار الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم(153/119)
قال أبو رية (( وإليك خبراً عجيباً من أخبار ذلك الكاهن لعله يمتلخ منك عرق الشك في اشتراكه في هذه المؤامرة، فقد أخرج الخطيب عن مالك أن عمر دخل على أم كلثوم بنت علي وهي زوجته فوجدها تبكي، فقال: ما يبكيك؟ قالت: هذا اليهودي- أي كعب الأحبار – يقول إنك من أبواب جهنم. فقال عمر: ما شاء الله. ثم خرج فأرسل إلى كعب، فجاءه فقال: ياأمير المؤمنين والذي نفسي بيده لا ينسلخ ذو الحجة حتى تدخل الجنة، فقال عمر: ما هذا؟ مرة في الجنة ومرة في النار! قال كعب: إنا لنجدك في كتاب الله على باب من أبوب جهنم تمنع الناس أن يقتحموا فيها، فإذا مت اقتحموا وقد صدقت يمينه.. . فقد قتل عمر في ذي الحجة سنة 23هـ
أقول: ذكر ابن حجر في فتح الباري هذه الحكاية في شرح حديث حذيفة الذي فيه وصف عمر بأنه باب مغلق دون الفتنة، وقد تقدم قريباً. وفي الفتح أيضاً 446:2 حديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى عمر وقال: هذا غلق الفتنة، لا يزال بينكم وبين الفتنة باب شديد الغلق ما عاش، وأن أبا ذر قال لعمر (( يا غلق الفتنة )) فغير منكر أن يكون في صحف أهل الكتاب إشارة إلى هذا المعنى بنحو ما في الحكاية – إن صحت- وإنما الذي يستنكر أن يكون فيها بيان وقت موت عمر على
التحديد. وقد كان عمر في شهر ذي الحجة سنة23 حاجاً واتفق هناك علامات تؤذن بقرب موته، منها أن رجلاً ناداه يا خليفة. فقال آخر من حزاةالعرب: إنا لله،ناداه باسم ميت. ثم لما كان يرمي الجمرات أصابت حصاة جهة عمر فأدمته، فقال ذاك الحازي: إنا لله، أشعر أمير المؤنين. والإشعار تدمية البعير الذي يهدى لينحر. وجاء عن عائشة أنها سمعت عقب ذاك الحج منشداً ينشد:
لا الأرض العضاء باسوق
أبعد قتيل بالمدينة أظلمت
يد الله في ذاك الأديم الممزق..
عليك سلام من إمام وباركت(153/120)
ولما انصرف عمر من الحج دعا الله تعالى فقال (( اللهم كبرت سني وضعفت قوتي وانتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط )). فلما قدم المدينة خطب الناس وقال في خطبته (( رأيت ديكاً نقرني ثلاث نقرات، ولا أراه إلا حضور أجلي ))
فمن الجائز إن صحت تلك الحكاية أن يكون كعب استند إلى بعض هذه العلامات أو شبهها، وقد يكون مع ذلك وجد في صحفه إشارة فهم منها بطريق الرمز مع النظر إلى القرائن والعلامات السابقة أن عمر لا يعيش في تلك السنة
وبعد فسند الحكاية غير صحيح، تفرد بها عن مالك رجل يقال له (( عبد الوهاب بن موسى )) لا يكاد يعرف وليس من رجال شيء من كتب الحديث المشهورة، ولا ذكر في تاريخ البخاري ولا كتاب ابن أبي حاتم، بل قال الذهبي في الميزان (( لا يدري من ذا الحيوان الكذاب )) وفي مقدمة صحيح مسلم (( الذي نعرف من مذهبهم في قبول ما يتفرد به المحدث من الحديث أن يكون قد شار ك الثقات من أهل العلم والحفظ في بعض ما رووا وأمعن في ذلك على الموافقة لهم، فإذا وجد كذلك ثم زاد بعد ذلك شيئا ًليس عند أصحابه قبل منه.. . ))
وهذا الرجل لم يمعن في المشاركة فضلاً عن أن يكون ذلك على / الموافقة. لكن هذا الشرط لا يتقيد به بعض المتأخرين كابن حبان والدارقطني،ومن ثم- الله أعلم - وثق الدارقطني عبد الوهاب هذا وزعم أن الخبر صحيح عن مالك. أما بقية سنده عن مالك فهو عن عبد الله بن دينار عن سعد الجاري، وسعد الجاري غير مشهور ولا موثق، ولا يدرى أدركه عبد الله بن دينار أم لا(153/121)
ومقطع الحق أن ليس بيد من يتهم كعباً بالمؤامرة غير كلمات يروي أن كعباً قالها لعمر. وقد كان عمر والصحابة أ علم بالله ورسوله وكتبه منا، وأعلم بعد أن طعن عمر بالمؤامرة وقد انكشفت وهو حي، وأعلم بحال كعب لأنه صحبهم وجالسهم. والمعقول أنه لو كان في ما خطب به عمر ما يوجب اتهامه لاتهموه، وقد علمنا أنهم لم يتهموه لا قبل انكشاف المؤامرة ولا بعده، فوجب الجزم بأنه لم يقع منه ما يقتضي اتهامه
قال أبورية ص118 (( حديث الاستسقاء.. ))
حكى أن كعباً في عام الرمادة قال لعمر (( إن بني إسرائيل كانوا إذا أصابهم مثل هذا استسقوا بعصبة الأنبياء ))
أقول لم يعز إل كتاب لينظر في سنده.. . ولا أراه إلا ساقطا
قال (( ومما لا مراء فيه أن هذا اليهودي قد أراد بقوله هذا أن يخدع عمر عن أول أساس جاء عليه الدين الإسلامي وهو التوحيد الخالص، ليزلقه إل هوة التوسل الذي هو الشرك بعينه ))
أقول: أما المسلمون الذي يعرفون الإسلام فالذي لا مراء فيه عندهم أن أبا رية مجازف، وأنه على فرض صحة هذه الحكاية ليس فيها ما يدل على سوء طوية كعب، وإن استسقاء عمر بالعباس رضي الله عنهما لا علاقة بالشرك البتة، بل هو أمر يقره الشرع إجماعاً، ويؤيده الكتاب والسنة، قال الله تعالى (64:4 ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً ))
وقال سبحانه (5:63 وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون)) وقال تعالى في يعقوب وبنيه97:12- قالوا ياأبانا استغفر لنا ذنوبنا إناكنا خاطئين: قال سوف أ ستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم )) وتواتر في السنة طلب الصحابة من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لهم بالسقيا وغيرها، وأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نسلم عليه في التشهد، وبالصلاة عليه والدعاء له عقب الأذان، وغير ذلك مما صورته طلب الدعاء.(153/122)
ثم ذكر خبر أنس الذي في صحيح البخاري أن عمر قال (( اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم / فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا )) وزعم أنه لا يصح، وعارضه بروايات منها عن خوات قال (( خرج عمر يستسقي بهم فصلى ركعتين فقال: اللهم إنا نستغفرك ونستسقيك، فما برح من مكا نه حتى مطروا ))
أقول: لا أدري ما سنده، ولو صح فلا يعارض خبر أنس، فقد تكون واقعة أخرى، فإن عمر لبث خليفة عشر سنين، وقد تكون واقعة واحدة اختصر خوات في ذكرها
قال (( وعن الشعبي قال: خرج عمر يستسقي بالناس فما زاد على الاستغفار ))
أقول: الشعبي لم يدرك عمر، وعمر لبث خليفة عشر سنين، فلم يكن استسقاؤه مرة واحدة
قال (( وقال الجاحظ:ولما صعد (عمر) على المنبر قابضاً على يد العباس.. . )) فذكر نحو خبر الشعبي، وذكر أبو رية أن الطبري أخرجه في تفسيره، وأن ابن قتيبة ذكره في الشعر والشعراء
أقول: نعم، ولكن لم يقل أحد (( قابضاً على يد العباس )) إلا الجاحظ، فأراه زادها توهما قال (( قال معاوية لكعب.. .. )) عزا هذا إلى تفسير ابن كثير 101:3
وإنما هو فيه 323:5 قال في سنده (( ابن لهيعة حدثني سالم بن غيلان عن سعيد بن أبي هلال أن معاوية الخ )) وابن لهيعة ضعيف، وسعيد بن أبي هلال ولد بعد موت كعب بنحو أربعين سنة
قال (( وذكر القرطبي في تفسير سورة غافر عن خالد بن معدان عن كعب ..))
أقول: قال القرطبي (( قال ثور بن زيد عن خالد.... )) ولا أدري كيف السند إلى ثور، وخالد لم يدرك كعبا
قال (( وفي التفسير أن عبد الله بن قلابة الخ ))
أقول: عبد الله بن قلابة مجهول لا ذكر له إلا في هذه الحكاية، وفي السند إليه عبد الله بن لهيعة وهو ضعيف كثير التخليط
قال ص121 (( وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن كعب.. .. ))
أقول: كتاب العظمة تكثر فيه الرواية عن الكذابين والساقطين والمجاهيل
قال (( وعن وهب بن منبه: أربعة أملاك يحملون العرش.. .. ))(153/123)
أقول: وهذا أيضاً من كتاب العظمة
/ قال (( وقرأ معاوية الخ ))
أقول: في سنده سعيد بن مسلمة بن هشام، قال فيه البخاري (( منكر الحديث فيه نظر ))، وهذا من أشد الجرح في اصطلاح البخاري، وفي سياق القصة ما يشعر بانقطاع آخرها
قال ص122 (( وذكر الحافظ ابن حجر أن كعب الأحبار روى أن باب السماء الذي يقال له مصعد الملائكة يقابل بيت المقدس، فأخذ منه بعض العلماء أن الحكمة في الإسراء إلى بيت المقدس قبل العروج ليحصل العروج مستويا.. . )) قال أبو رية (( وهكذا تنفذ الاسرائيليات إلى معتقداتنا ))
أقول: الحكاية عن كعب لا ندري ما سندها، وذاك الأخذ إنما هو احتمال لا
تثبت به عقيدة ولا تنتفي
قال (( وقال ابن حجر بعد أن أورد تلك الخرافة.. . ))
أقول: من أين لك أنها خرافة؟
قال (( وروى كعب أن في الجنة ملكا الخ ))
أقول: ذكر بنحو ما هنا ابن القيم في حادى الأرواح المطبوع مع أعلام الموقعين 314:1 وهو من رواية شمر بن عطية عن كعب، وشمر لم يدرك كعباً وليس في الحكاية ما يستنكره المسلم
قال (( ومما يدلك على أن الصحابة كانوا يرجعون إليه[هذا من محاولات أبي رية تمكين تلك المكيدة التي مرت ص73]حتى فيما هو من علمهم، وبخاصة عند ما قال: ما من شيء إلا وهو مكتوب في التوراة. أن أبا عبد الرحمن محمد بن الحسين النيسابوري ذكر أن عمر قال لكعب – وذكر الشعر- يا كعب هل تجد للشعر ذكراً في التوراة.... ))
أقول: عزاه إلى كتاب العمدة لابن رشيق، وابن رشيق لم يلق النيسابوري والنيسابوري ضعيف جداً حتى اتهم بالوضع، تجد ترجمته في لسان الميزان 140:5 وبينه وبين عمر أكثر من ثلاثمائة سنة، وهب أن القصة صحت فأي شيء فيها يدل على تلك ا لدعوى الفاجرة؟ وما نسبه إلى كعب من قوله (( ما من شيء الخ )) لم يعزه
قال (( وروى البيهقي في الأسماء والصفات بسند صحيح عن ابن عباس [قال].. . في كل أرض نبي كنبيكم وآدم كآدمكم ونوح كنوح وإبراهيم كإبراهيم وعيسى كعيسى ))(153/124)
أقول: أما هذا فليس سنده صحيح، لأنه من طريق شريك عن عطاء بن السائب عن أبي الضحى عن / ابن عباس، وشريك يخطئ كثيراً ويدلس، وعطاء بن السائب
اختلط قبل موته بمدة وسماع شريك منه بعد الاختلاط. لكن أخرج البيهقي عقب هذا بسند آخر من طريق (( آدم بن أبي إياس حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي الضحى عن ابن عباس في قوله عزوجل (خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن ) قال: في كل أرض نحو إبراهيم )) ثم قال البيهقي (( إسناد هذا عن ابن عباس صحيح، وهو شاذ بمرة لا أعلم لأبي الضحى عليه متابعاًَ )) وأخرجه ابن جرير عن عمرو بن علي عن غندر عن شعبة فذكره بنحوه، وزاد (( ونحو ما على الأرض من الخلق ))(153/125)
وعلى هذا فالمعنى والله أعلم أن في كل أرض خلقاً كنحو بني آدم، وفيهم من يعرف الله تعالى بالنظر في آياته كما عرف إبراهيم عليه السلام، وهذا القول قد يتوصل إليه بالنظر في الآية المذكورة وسياقها وقوله تعالى ( وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق )) وقوله ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون )) وغيرها على أن بعضهم قد فسر ماجاء في الرواية الأخرى التي تقدمت أنها لا تصح، ففي روح المعاني (( لامانع عقلا ًولا شرعأً من صحته، والمراد أن في كل أرض خلقاً يرجعون إلى أصل واحد رجوع بني آدم في أرضنا إلى آدم عليه السلام، وفيهم أفراد ممتازون على سائرهم كنوح وإبراهيم فينا )) أما ما في البداية (( محمول إن صح نقله عنه على أنه أخذه ابن عباس رضي الله عنه عن الاسرائيليات )) فغير مرضي، فابن عباس – كما مر ويأتي – كان ينهى عن سؤال أهل الكتاب، فإن كان مع ذلك قد يسمع من بعض من أسلم منهم أو يسأله فإنما ذلك شأن العالم يسمع ما ليس بحجة لعله يجد فيه ما ينبهه ويلفت نظره إلى حجة، وسيأتي تمام هذا إن شاء الله وقال ص123 (( وفي تفسير الطبري أن ابن عباس سأل كعباً عن سدرة المنتهى. فقال:إنها على رءوس حملة العرش، وإليها ينتهي علم الخلائق، وليس لأحد وراءها علم، ولذلك سميت سدرة المنتهى لانتهاء العلم بها )) أقول هو من طريق الأعمش عن شمر بن عطية عن هلال بن يساف قال سأل ابن عباس كعباً وأنا حاضر )) كذا قال،
والأعمش مشهور بالتدليس، وهلال بن يساف لم يدرك كعباً
قال أبو رية (( هذا ما قاله لتلميذه الثاني، أما تلميذه الأول فهو أبو هريرة... ))
أقول: لم يتعلما من كعب شيئاً،وإنما سمعا منه شيئاً محتملاً فحكياه، أو سألاه سؤال خبير ناقد لينظرا ما يقول، ولا يضرهما تهكم أبي رية كما لم يضر النبي صلى الله عليه وسلم قول المشركين (( إنما يعلمه بشر ))
/ قال: ففي حديث له أنها شجرة من أصلها أنهار الخ ))(153/126)
أقول: هذا رواه أبو جعفر الرازي، وشك فيه فقال (( عن الربيع بن أ نس عن أبي العالية عن أبي هريرة أو غيره )) وأبو جعفر والربيع فيهما كلام، وقال ابن حبان في الربيع (( الناس يتقون من حديثه ما كان من رواية أبي جعفر عنه، لأن في أحاديثه عنه اضطراباً كثيراً ))
قال (( وفي حديث المعراج: أنه لما فرض الله خمسين صلاة على العباد في النهار وفي الليل ولم يستطع أحد من الرسل جميعاً غير موسى أن يفقه استحالة أ دائها على البشر، فهو وحده الذي فطن ذلك.. . وكأن الله سبحانه.. .. كان لا يعلم مبلغ قوة احتمال عباده.. . وكذلك لا يعلم محمد.. . حتى بصره موسى. وهكذا ترى الاسرائيليات تنفذ إلى ديننا.. . ولا تجد أحداً إلا قليلاً يزيفها.. . ))
أقول إن كانت الاسرائيليات تشمل عند أبي رية كل خبر فيه فضيلة لموسى عليه السلام ففي القرآن كثيرمنها، بل في عدة آيات منها ذكر تفضيل بني إسرائيل على العالمين وغير ذلك. وإن كانت خاصة بما ألصق بالإسلام وليس منه من مقولات أهل الكتاب فلم يزل أهل العلم يتتبعونها ويزيفونها. أما سكوتهم عن محاولة تزييف ما ثبت في أحاديث الإسراء فعذرهم واضح، وهو أنه لم يبلغ أحد منهم في العلم والعقل والحياء مبلغ أبي رية. ودونك الجواب:(153/127)
كانت الصلاة قبل الهجرة ركعتين ركعتين كما ثبت في الصحيح، فخمسون صلاة مائة ركعة،وليس أداة مائة ركعة في اليوم والليلة بمستحيل، وفي الناس الآن من يصلي في اليوم والليلة نحو مائة ركعة، ومنهم من يزيد، وفي تراجم كثيرمن كبار المسلمين أن منهم من كان يصلي أكثر من ذلك بكثير، بل إن أداء مائة ركعة في اليوم والليلة ليس بعظيم المشقة في جانب ما لله عزوجل من الحق وما عنده من عظيم الجزاء في الدنيا والآخرة، نعم قال الله تعالى (45:3 واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين، الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون )). وما وقع في كلام موسى (( إن أمتك لا تطيق )) وفي رواية (( لا تستطيع )) ليس معناه أن ذلك مستحيل، وإنما معناه أن ذلك يشق عليها، ولهذا أطلق هذه العبارة بعد بيان رجوع الصلاة إلى خمس، قال موسى (( إن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم)) راجع مفرات / الراغب ( طوع ) و ( طوف )
فأما الله تعالى فالفرض في علمه خمس صلوات فقط. ولكنه سبحانه إذا أراد أن يرفع بعض عباده إلى مرتبه هيأ له ما يستحق به المرتبة، ومن ذلك أن يهيئ ما يفهم منه العبد أنه مكلف بعمل معين شاق فيقبل التكليف ويستعد لمحاولة الأداء فحينئذ يعفيه الله تعالى من ذلك العمل ويكتب له جزاء قبوله ومحاولة الوفاء به أو الاستعداد لذلك ثواب من عمله، ومن هذا القبيل قصة إبراهيم في ذبح ابنه
وأما محمد صلى الله عليه وسلم فكان يعلم أن الأداء ممكن كما مر، وكان في ذلك المقام الكريم مستغرقاً في الخضوع والتسليم ووفقه الله عزوجل لقبول ما فهمه في فرض خمسين والاستعداد لأدائها ليكون هذا القبول والاستعداد مقتضياً لاستحقاق ما أراد الله عزوجل أن يعطيه وأمته من ثواب خمسين صلاة، وقبوله واستعداده عنه وعن أمته في حكم قبول الأمة فإنها تبع له وكان هو النائب عنها، على أنه ما من مؤمن من أمته يطلع على الحديث ويراجع نفسه إلا رأى أنه لو كان(153/128)
المفروض خمسين صلاة لبذل وسعه في أدائها والوفاء بها، فأما المراجعة للتخفيف بعد مشورة موسى فإنما كانت بعد أن استقر القبول والعزم على الأداء وعلى وجه الرجاء إن خفف فذاك وإلا فالقبول والاستعداد بحاله
ولم يذكر في الحديث أن أحداً من الرسل اطلع على فرض الصلاة وإنمافيه أنه لما مر بموسى عليهما السلام سأله موسى فأخبره فقال موسى (( إن أمتك لا تستيطع خمسين صلاة كل يوم، وإني والله قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك )) واختص موسى بالعناية لأنه أقرب الرسل حالاً إلى محمد لأن كلاًً منها رسول منزل عليه كتاب تشريعي سائس لأمة أريد لها البقاء لا أن تصطلم بالعذاب، وقضى لمحمد أن تطول معالجته لأمته كما طالت معالجة موسى لأمته، ووجوه الشبة كثيرة، ولهذا أتى القرآن بذكر موسى في مواضع كثيرة منها عقب آية الإسراء، قال الله تعالى ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلىالمسجد ا لأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير. وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلا) هذا وحديث الاسراء ثابت مستفيض عن رواية جماعة من الصحابة وعليه إجماع الأمة ولايضره أن يجهل بعض الناس حكمة عالم الغيب والشهادة في بعض مااشتمل عليه، ولا أن يكفر به من يكفر. والله الموفق
قال أبورية ص124 (( هل يجوز رواية الاسرائيليات؟
أقول: المعلوم ديناً وعقلاً أن الأخبار إنما تحظر روايتها إذا ترتبت عليها مفسدة، وقد كثر في القرآن والسنة حكاية ما هوحق من الاسرائيليات وحكاية ما هو باطل مع بيان بطلانه، فدل ذلك على جواز ما كان من هذا القبيل، وبقي المحتمل، وما لا تظهر مفسدة في روايته على أنه محتمل.(153/129)
قال أبو رية (( روى أحمد عن جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أ هل الكتاب فقرأه على النبي صلى الله عليه وسلم فغضب وقال: أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب؟ والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني. وفي رواية فغضب وقال: جئتكم بها بيضاء نقية. لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به ))
أقول: هذا من رواية مجالد عن الشعبي عن جابر، ومجالد ليس بالقوي، وأحاديث الشعبي عن جابر أكثرها لم يسمعه الشعبي من جابر كما مر ص38 وعلى فرض صحته فالغضب من المجئ بذاك الكتاب كان لسبببين الأول إشعاره بظن أن شريعتهم لم تنسخ، ولهذا دفع ذلك بقوله (( لو أن موسى كان حياً ما وسعه إلا أن يتبعني )). والثاني أنه قد سبق للمشركين قولهم في القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم ( أسأطير الأولين اكتتبها وهي تملى عليه بكرة وأصيلا ) وفي اعتياد الصحابة الاتيان بكتب أهل الكتاب وقراءتها على النبي صلى الله عليه وسلم ترويج لذاك التكذيب، والسببان منتفيان عمن اطلع على بعض كتبهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كعبد الله بن عمرو أما قوله (( لا تسألوا الخ )) فقد بين أن العلة هي خشية الكذب بحق أو التصديق باطل، والعالم المتكن من معرفة الحق من الباطل ومن المحتمل بمأمن من هذه الخشية، يوضخ ذلك أن عمر رضي الله عنه وهو صاحب القصة كان بعد النبي صلى الله عليه وسلم يسمع من مسلمي أهل الكتاب وربما سألهم، وشاركه جماعة من الصحابة ولم ينكر ذلك أحد
قال (( وروى البخاري عن أبي هريرة: لا تصدقوا الخ ))(153/130)
أقول الذي في صحيح البخاري: (( عن أبي هريرة قال: كان أهل التكاب يقرؤن التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم الخ )) / فلم ينه عن السماع والاستماع، وإنما نهى عن التصديق والتكذيب، ولا ريب أن النهي عنه هو التصديق المبني على حسن الظن بصحفهم، والتكذيب المبني على غير حجة، فلو قامت حجة صحيحة وجب العمل بها
قال (( وروى البخاري... عن ابن عباس أنه قال: كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل الله على رسول الله أحدث الكتب تقرؤنه محضاً لم يشب، وقد حدثكم أن أهل الكتاب بدلوا كتاب الله وغيروه الخ ))
أقول: هذا من قول ابن عباس، وقد علمنا أنه كان يسمع ممن أسلم من أهل الكتاب وقد روي أنه سأل بعضهم، وأبورية يسرف في هذا حتى يرمي ابن عباس بأنه (( تلميذ لكعب ))، وبالتدبير يظهر مقصوده، ففي بقية عبارته (( لا والله ما رأينا رجلاً منهم يسألكم عن الذي أنزل إليكم )) فدل هذا أن كلامه في أهل الكتاب الذين لم يسلموا، فأما الذي أسلموا فعمل ابن عباس يقتضي أنه لا بأس للعالم المحقق مثله أن يسأل أحدهم
قال (ص125): وروى ابن جرير عن عبد الله بن مسعود قال (( لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا. إما أن تكذبوا بحق أو تصدقوا بباطل ))
أقول: في سنده نظر، فإن صح فقد تقدم معناه في حديث جابر وأثر ابن عباس قال (( ولكن ما لبث الأمر أن انقلب بعد أن اغتر بعض المسلمين بمن أسلم من أحبار اليهود خدعة (؟) فظهرت أحاديث رفعوها إلى النبي تبيح الأخذ وتنسخ ما نهى عنه، فقد روى أبو هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ))
أقول: صح هذا من حديث أبي هريرة وعبد الله بن عمرو وأبي سعيد الخدري، وليس بمخالف لما تقدم، كيف والحجة مما تقدم إنما هي في حديث أبي هريرة، فأما(153/131)
حديث جابر فلم يصح، وأثر ابن عباس من قوله. وقد بينه سياقه وفعله، وأثر ابن مسعود إن صح فقد تقدم حمله، ولو كان مخالفاً لكان رأى صحابي قد خالفه غيره، فالحجة في حديث أبي هريرة فقط، وهو بين في الإذن بالسماع والاستماع، ولم ينه إلا عن التصديق أو التكذيب بلا حجة، والرواية إما في معنى السماع والاستماع فيدل الحديث على الإذن فيها، وإما مسكوت عنها فتبين أن حديث (( حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج )) غير مخالف لحجة، ولو كان مخالفاً فإيما أولى أن يؤخذ به؟ أدلة المنع قد عرفت حالها، أما أدلة الجواز فصنيع القرآن والسنن الثابتة، وحديث صحيح صريح يرويه جماعة من الصحابة، وعمل عمر وعثمان وجماعة من الصحابة
قال (( وأبو هريرة وعبد الله بن عمرو من تلاميذ كعب الأحبار ))\
أقول لما يتعلما من كعب شيئاً وأنما سمعا منه شيئاً من الحكايات ظناً أو جوزا صحتها فنقلاها، والذي يصح عنها من ذلك شيء يسير، وكأن أبا رية يريد أنهما لما سمعا من كعب أحبا أن يرويا عنه فخافا أن ينكر الناس عليهما فافتريا- والعياذ بالله – على النبي صلى الله عليه وسلم ذاك الحديث يدفعان به إنكار الناس، وساعدهما على ذلك غيرهما من الصحابة كأبي سعيد الخدري. كأن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم جماعة من اللصوص لا يزعهم دين ولا حياء وكأن صحبتهم له ومجالستهم وحفظهم للقرآن والسنن ومحافظتهم على الطاعة طول عمرهم لم تفدهم في دينهم وأخلاقهم شيئاً بل زادتهم وبالا، فقد كانوا في جاهليتهم يتحاشون من الكذب. ولا ريب أن مثل هذا لا يقوله مسلم عاقل يعرف محمداً صلى الله عليه وسلم ويؤمن بالقرآن وما فيه من الثناء البالغ على الصحابة ويعرف الصحابة أنفسهم. ولو أريد من ثلاثة معروفين من أصحاب السيد رشيد رضا أن يتفقوا على الكذب عليه لغرض من الأغراض لعز ذلك مع الفارق العظيم بين هذا وذاك من وجوه عديدة، ذا وسبيل المؤمنين الذي جرى عليه العمل في حياة النبي صلى الله عليه(153/132)
وسلم وفي عهد أصحابه قبول خبر الصحابي الواحد، فإن عرض احتمال خطأ أو نحو فقام صحابي آخر فأخبر بمثل ذاك لم يبق إلا القبول، كما يروى في خبر محمد بن مسلمة بمثل ماأخبره به المغيرة في ميراث الجدة فأمضاه أبو بكر، وكشهادة أبي هريرة لحسان بانشاده الشعر في المسجد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فأقره عمر، وكخبر أبي سعيد الخدري بمثل خبر أبي موسى في الاستئذان فاطمأن إليه عمر، وقد قال الله تبارك وتعالى (114:4 ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا )
قال أبورية ( وقد جاءت الأخبار بأن الثاني وهو عبد الله بن عمرو بن العاص أصاب يوم اليرموك زاملتين من علوم أ هل الكتاب فكان يحدث منها بأشياء كثيرة من الاسرائيليات، وقد قال فيهما الحافظ ابن كثير: إن منها المعروف والمشهور، والمنكور والمردود ))
أقول: هو نفسه رضي الله عنه لم يكن يثق بها، ولهذا كان يسمى صحيفته عن النبي صلى الله عليه وسلم ((الصادقة)) تميزا لها على تلك الصحف وإنما كان يحكي من تلك الصحف، ماقام دليل على صدقة كصفة النبي صلى الله عليه وسلم، أو كان محتملاً فيحكيه على الاحتمال
قال ((رواية بعض الصحابة عن أحبار اليهود،كان من أثر وثوق الصحابة بمسلمة أهل الكتاب واغترارهم بهم أن صدقوهم فيما يقولون ويروون عنهم ما يفترون ))(153/133)
أقول: إن أراد بالتصديق أن كعباً مثلاً كان إذا قال إني أجد في التوارة كيت وكيت، صدقوه في أن ذلك في التوراة التي بأيدي أهل الكتاب حينئذ وقد عرفوا أن فيها كثيراً من التحريف والتبديل، فهذا محتمل، لأن كعباً أسلم ثم تعلم الإسلام وبقي محافظاً على الإسلام مجتنباً للكبائر متمسكاً بالعبادة والتقوى، فكان عدلاً عندهم فيما يظهر، فعاملوه بحسب ذلك، وهذا هو الحق عليهم وإن أراد بالتصديق أن كعباً مثلاً كان لو قال: إن من صفة الله تعالى كذا، لاعتقدوا – بناء على قوله أو صحفه – أن تلك صفة الله تعالى حقاً، فهذا كذب عليهم (راجع ص68) أما أن مسلمي أهل الكتاب كانوا يفترون، فهذه دعوى يعرف حالما مما مر ويأتي
قال (( وقد نص رجال الحديث في كتبهم أن العبادلة الثلاثة وأبا هريرة ومعاوية وأنس وغيرهم قد رووا عن كعب الأحبار وإخوانه ))
أقول: أما الرواية عن كعب فقد ذكرت لهؤلاء ولعمر ولعلي ولابن مسعود كما في فتح المغيث للسخاوي ص405، وعادة أهل الحديث أن يقولوا (( روى عنه فلان، روى عنه فلان )) ولو لم يكن المروي إلا حكاية واحدة، وهذا هو الحال هنا تقريباً، فأنك لا تجد لهؤلاء عن كعب إلا الحرف والحرفين ونحوها، وكثير من ذلك يأتي ذكر كعب فيه عرضا، راجع ص69. وأما روايتهم عن إخوانه فمن هم؟ راجع ص70
قال ص 126 (( وكان أبو هريرة الخ ))
أقول ستأتي ترجمة أبي هريرة رضي الله عنه وتعلم براءته
قال: (( وقد استطاع أن يدس من الخرافات والأوهام والأكاذيب في الدين ما امتلأت به كتب التفسير والحديث والتاريخ فشوهها وأدخلت الشك إليها ))
أقول: إنما كعب يخبر عن صحف أهل الكتاب، وقد عرف المسلمون قاطبة أنها مغيرة مبدلة، فكل ما نسب إليه في الكتب فحكمه حكم تلك الصحف، فإن كان بعض الآخذين عنه ربما يحكي قوله ولا يسميه فغايته أن يعد قولاً للحاكي نفسه وقوله غير حجة، وماجاوز هذا من شطحات أبي رية زيفته في غير هذا الموضع (راجع ص 73)(153/134)
قال تكذيب الصحابة لكعب.. .. نهى عمر كعباً عن التحديث.. . وقال له:
لتتركن الحديث [عن الأول] أو لألحقنك بأرض القردة ))
أقول:مر ما فيه ص47 وقد أسقط أبو رية هنا كلمة ((عن الأول)) لحاجة في نفس إبليس[هي المكيدة التي تقدمت الإشارة إليها ص73و 74و 75و 82و 89] سيأتي شرحها في الكلام على ص163
قال (( وكان علي يقول إنه لكذاب ))
أقول: لم يعز أبورية هذا إلى كتاب، ولا عثرت عليه، ولو كان له أصل لذكر في ترجمة كعب من كتب الجرح والتعديل / وذكر عن معاوية أنه (( ذكر كعباً فقال: إنه من أصدق هؤلاء المحدثين عن أهل الكتاب، وأن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب )) وعلق على كلمة (( أصدق )) أن في رواية أمثل وإنما وقع بلفظ (( أمثل )) في عبارة نقلها ص128 عن اقتضاء الصراط المستقيم وعلق هناك أنها هي الرواية الصحيحة، أما رواية (( أصدق )) (( فيبدو أنها محرفة )) كذا يجازف هذا المسكين، وصاحب الاقتضاء يورد في مؤلفاته الأحايث من حفظه،وإنما الرواية (( أصدق )) كما في صحيح البخاري وغيره. هذا وقد بين أهل العلم أن مقصود معاوية بالكذب الخطأ.راجع فتح الباري 282:13 وتهذيب التهذيب، والسياق يوضح ذلك، فالكلام إنما هو في التحديث عن أهل الكتاب، أي عن كتبهم، ولم يكن معاوية ينظر في كتبهم، وإنما كان كعب وغيره يحكون تنبؤات عما يستقبل من الأمور فيعلم الصدق أو الكذب بوقوعها وعدمه، والظاهر أنه كان عند كعب صحف فيها تنبؤات من غيره، ومن أعجب ما جاء في ذلك ما جرى له مع ابن الزبير، والذي يصح عنه من ذلك قليل، غير أن الوضاعين بعده استغلوا شهرته بذلك فكذبوا عليه كثيراً لأغراضهم، وكان الكذب عليه أيسر عليهم من الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم
قال (( قصة الصخرة بين عمر وكعب الخ ))
أقول: قد تقدم النظر فيها ص75
قال ص127 ((.. روى بعضهم عن كعب الأحبار أنه ذكر عند عبد الملك بن مروان وعروة بن الزبير حاضر أن الله قال للصخرة: أنت عرشي الأدنى ))(153/135)
أقول: واضع هذا جاهل،فإن قوله (( عند عبد الملك بن مروان )) يعني في خلافته، وإنما ولى سنة 65 بعد وفاة كعب ببضع وثلاثين سنة
قال ص128 (( وفي مرآة الزمان لسبط ابن الجوزي:. . . وكان – أي عمر – يضربه بالدرة ويقول له: دعنا من يهوديتك
أقول: لم يسند السبط هذه الحكاية، وهو معروف بالمجازفة
قال (( الاسرائيليات في فضل بيت المقدس ))
ذكر أخبار عن كعب منها خبر ((أنت عرشي الأدنى)) المار قريباً ونسبها إلى بعض كتب الأدب وقد قال هو نفسه ص129(( بعد بناء قبة الصخرة ظهرت أحاديث في فضلها وفضل المسجد الأقصى )) وإنما/ بنيت قبة الصخرة بعد وفاة كعب ببضع وثلاثين سنة. وفي كتاب ( فضائل الشام ) للربعي سبع عشرة حكاية عن كعب قال فيها مخرجه الشيخ ناصر الدين الأرناؤط (( كل الأسانيد لا تصح )) وفي هذا تصديق لما قلته مراراً أن غالب ما يروى عن كعب مكذوب عليه. وبعد فلو صح شيء من ذلك فإنما كان كعب يخبر عن صحف اليهود، ومعقول أن يكون فيها أمثال ذلك
قال (( وعن أبي هريرة الخ ))
أقول هذا كذب مفترى على أبي هريرة رضي الله عنه، وقد قال أبو رية ص129 (( بعد بناء قبة الصخرة ظهرت أحاديث الخ )) وإنما بنيت بعد وفاة أبي هريرة بعدة سنين. وقوله (( تلميذ كعب الأحبار )) يطلقها ظالماً على أبي هريرة وابن عباس
وابن عمرو وغيرهم من الصحابة الذين قال الله تعالى فيهم (( ليغيظ بهم الكفار ))
قال ص129(( وفي حديث: أن الطائفة من أمته.. إنهم في بيت المقدس وأكنافه ))
أقول: روى هذا من حديث أبي أمامة بسند ضعيف، وعلى فرض صحته فليس المراد أنهم هناك دائماً، كيف ولم يكن هناك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أحد من المسلمين، وإنما المعنى أنهم يكونون هناك في آخر الزمان حين يأتي أمر الله(153/136)
وقال ((ما قيل في المسجد الأقصى:كانت الأحاديث الصحيحة أول الأمر في فضل المسجد الحرام ومسجد رسول الله، ولكن بعد بناء قبة الصخرة ظهرت أحاديث في فضلها وفضل المسجد الأقصى ))
أقول: أما الصخرة فنعم لا يثبت في فضلها نص، وأما المسجد ففضله ثابت بالكتاب والسنة والإجماع
قال (( وقد روى أبو هريرة [مرفوعاً]: لا تشد الرحال إلى إلا ثلاثة مساجد الخ ))
أقول الحديث ثابت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، و أبي بصرة الغفاري، وجاء من حديث ابن عمر رضي الله عنهم
وذكر قول ميمونة لامرأة نذرت أن تصلي في بيت المقدس (( اجلسي وصلي في مسجد رسول الله، فإني سمعت رسول الله يقول: صلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا مسجد الكعبة ))
قال أبو رية (( ولو أن المسجد الأقصى كان قد ورد فيه تلك الأحاديث لما منعت ميمونة هذه المرأة من أن توفي نذرها ))
/ أقول رأت ميمونة أن الصلاة في مسجد المدينة أفضل فلم تر فائدة لسفر وعناء لأجل صلاة يمكن أداء أفضل منها بدونها. وهذا لا ينفى أن يكون للمسجد الأقصى فضل في الجملة كما هو ثابت، وأن يكون للصلاة فيه فضل دون فضل الصلاة في مسجد المدينة. وهذا واضح
قال ص130 (( اليد اليهودية في تفضيل الشام:.. إن الشام ما كان لينال من الإشادة بذكره والثناء عليه إلا لقيام دولة بني أمية فيه.. فكان جديراً بكهنة اليهود أن ينتهزوا الفرصة.. . وكان من هذه الأكاذيب أن بالغوا في مدح الشام ))
أقو: أما فضل الشام فقد ثبت بكتاب الله عزوجل كما مر ص65، والعقل يتقبل ذلك لأنها كانت منشأ غالب الأنبياء والمرسلين، كما يتقبل أن ينوه النبي صلى الله عليه وسلم بفضلها تبياناً للواقع وترغبياً للمسلمين في فتحها والرباط فيها، أما الأخبار الكثيرة الواهية في فضل الشام وبيت المقدس والصخرة فانتظر في أسانيدها يبين أنها إنما اختلقت بعد كعب بزمان لأغراض أخرى غير اليهودية(153/137)
قال (( مر بك ذرو مما قال الكهنة في أن ملك النبي سيكون بالشام ))
أقول: جاء هذا عن كعب، فإن صح فالظاهر أنه كذلك كان في صحف أهل الكتاب، فقد أثبت القرآن ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فيها، ومن أبرز الأمور في شأنه ظهور ملك أصحابه بالشام. وراجع ص71
قال (( وأن معاوية قد زعم الخ ))
أقول: هذا باطل. راجع ص64.
قال: ص131 (( في الصحيحين: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك )) ثم قال (( روى البخاري: هم بالشام )).
أقول: الذي في صحيح البخاري ذكر الحديث من طريق عمير عن معاوية
مرفوعاً ثم قال (( قال عمير فقال مالك بن يخامر قال معاذ: وهم بالشام )) وليس لمالك بن يخامر في الصحيح سوى هذا، وجعله من قول معاذ فيما يظهر لا من الحديث، والواو فيه هي واو الحال أي أنه يأتي أمر الله وهم بالشام، وإتيان أمر الله يكون آخر الزمان وليس المراد أنهم يكونون دائماً بالشام، كيف ولم يكن بها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. والبخاري يحمل الطائفة على أهل العلم، ومعلوم أن معظمهم لم يكونوا بالشام في عصره ولا قبله
/ قال (( وفي مسلم عن أبي هريرة أن النبي قال: لا يزال أهل الغرب ظاهرين [على الحق] حتى تقوم الساعة ))
أقول: إنما هو في صحيح مسلم عن سعد بن أبي وقاص، وليس عن أبي هريرة، والظاهر أن أبا رية تعمد خلاف الرواية، ولا أدري لماذا أسقط (( على الحق ))
قال (( قال أحمد وغيره: هم أهل الشام ))
أقول: قد قيل وقيل، وأقرب الأقوال أن المراد بالغرب الحدة والشوكة في الجهاد، ففي حديث جابر بن سمرة (( لا يزال هذا الدين قائماً تقاتل عليه عصابة الخ )) وفي حديث جابر بن عبد الله ((.. .. طائفة من أمتي يقاتلون )) ونحوه في حديث معاوية وحديث عقبة بن عامر. أما ما يحكى أن بعضهم قال (( المغرب )) فخطأ محض
قال (( وفي كشف الخفا الخ ))(153/138)
أقول قد تقدم أن كعباً توفي وسط خلافة عثمان، وأنه لم يصح عنه ما نسب إليه في (( فضائل الشام )) شيء
قال (( ومن أحاديث الجامع الصغير للسيوطي التي أشير عليها بالصحة ))
أقول ليست تلك الإشارة معتمدة دائماً
وذكر حديث (( الشام صفوة الله الخ، وهو في المستدرك 509:4 قال الحاكم
((صحيح الإسناد )) تعقبه الذهبي فقال (( كلا وعفير هالك )) يعني أحد رجال سنده.
وذكر حديث (( طوبى للشام الخ )) وهذا جاء من حديث زيد بن ثابت وصححه الحاكم وغيره من المتأخرين، وفي صحته نظر
وذكر حديث (( ليبعثن الله من مدينة الشام الخ )) وهذا روي من حديث عمر، وفي سنده أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم ضعيف مختلط
وقال في حاشية ص132 (( هذا هو الحديث الصحيح الخ ))
أقول: راجع ص86
وذكر ص134 فصلا لصاحب المنار في الحط على كعب ووهب، وقد تقدم ما يكفي
وفيه ص135 ((.. . فمن المعتاد المعهود من طباع البشر أن يصدقوا كل خبر لا يظهر لهم دليل على تهمة قائله فيه ولا بطلانه في نفسه، فإذا صدق بعض الصحابة كعب الأحبار في بعض مفترياته التي كان يوهمهم/ أنه أخذها من التوراة أو من غيرها من كتب أنبياء بني إسرائيل وهو من أحبارهم أو في غير ذلك فلا يستلزم هذا إساءة الظن بهم ))
أقول: أما من أسلم من أهل الكتاب وظهر حسن إسلامه وصلاحه فأخبر عن صحف أهل الكتاب بشيء فلا إشكال في تصديق بعض الصحابة له في ذلك بمعنى ظن أن معنى ذاك الخبر موجود في صحف أهل الكتاب، وإنما المدفوع تصديق الصحابة ما في صحف أهل الكتاب حينئذ مع علمهم بأنها قد غيرت وبدلت وقول النبي صلى الله عليه وسلم:(( لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم )) وقد مر كلام ابن عباس وغيره في ذلك (راجع ص68و 89) فالحق أنهم لم يكونوا يصدقونها إلا أن يوجد دليل على صدقها، وذلك كخبر عبد الله بن عمرو عن صفة النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة ولذلك أقسم عليه (راجع ص71)، فأما ماعدا ذلك فغاية(153/139)
الأمر أنهم إذا وجدوا الخبر لا يدفعه العقل ولا الشرع ولا هو من مظنة اختلاف أهل الكتاب وتحريفهم أنسوا به، فإن كان مع ذلك مناسباً في الجملة لآية من القرآن أو حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم مالوا إلى تصديقه، وإخبار الإنسان عما يعلم السامعون أنه لم يدركه لا يعطي أنه جازم تصديقه، لأن مثل هذا الخبر كالمتضمن لقوله (( بلغني.. . ))
قال أبو رية ص137 (( الكيد السياسي الخ ))
ثم ذكر قصة عبد الله بن سبأ، وقد نقدها الدكتور طه حسين في (( الفتنة الكبرى )) فأجاد
وقال ص138 (( وقد وضع كعب يده في يد ابن سبأ الخ ))
أقول: هذا تخيل صرف
قال (( فقد روى وكيع عن الأعمش عن أبي صالح الخ ))
أقول: ينظر السند إلى وكيع، والأعمش مدلس، وأبو صالح لم يتبين إدراكه للقصة، ولو صحت لما دلت إلا على أحد أمرين: إما أن كعباً وجد ذلك في صحفه كما يشهد له ما أخبر به ابن الزبير، وإما أنه كان عميق النظر وبعيده
قال ص139 (( وصفوة القول في هؤلاء اليهود الخ ))
أقول: الكيد اليهودي المحقق كيد جولدزيهر وإخوانه المستشرقين المحاولين تصوير الصحابة في صورة مغفلين خرافيين يتلاعب بهم كعب، وأبو رية ممن سقط فريسة لهذا الكيد ثم عاد فارساً من فرسانه
المسيحيات
/ وذكر ص140 (( المسيحيات في الحديث الخ ))
وذكر تميما الداري رضي الله عنه فافترى عليه، وعلق في الحاشية أن تحوله إلى
الشام بعد قتل عثمان كان لتمكين الفتنة، والناس يعرفون أنه إنما أتاها لأنها وطنه
وذكر ص141 حديث الجساسة وكلام صاحب المنار فيه وقوله (( النبي صلى الله عليه وسلم ماكان يعلم الغيب.. . وكثيراً ما صدق المنافقين والكفار الخ ))(153/140)
أقول: قد مر ص199 أنه لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صدق كاذباً، وإنما كان إذا احتمل عنده خبر إنسان أن يكون صادقاً وأن يكون كاذباً ينبي على احتمال صدقه مالا يرى ببنائه عليه بأساً،والفرق بين القضايا التي تقدمت هناك وبين خبر الجساسة عظيم جداً، والأحاديث الثابتة في شأن الدجال كثيرة، ويعلم منها أن كثيراً من شأنه خارج عن العادة، وكما أن الملائكة قد يأذن الله تعالى لهم فيتمثلون بشراً يراهم من حضر، ثبت ذلك بالقرآن في قصى الملائكة مع إبراهيم ومع لوط وفي تمثل الملك لمريم وغير ذلك، وثبت في السنة في عدة أحاديث، فكذلك قد يأذن الله تعالى للشياطين- لحكمة خاصة- فيتمثلون في صور يراها من حضر، فأما الجساسة فشيطان وأما الدجال فقد قال بعضهم إنه شيطان،وعلى هذا فلا إشكال، كشف الله تعالى لتميم وأصحابه فرأوا الدجال وجساسته وخاطبوهما ثم عاد حالهما إلى طبيعة الشياطين من الإستتار،وإن كان الدجال إنساناً فلا أرى ذلك إلا شيطاناً مثل في صورة الدجال لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في أواخر حياته (( أرأيتكم ليلتكم هذه، فإن رأس مائة سنة لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد )) انظر فتح الباري 61:2 والحكمة في كشف الله تعالى لتميم وأصحابه عما كشف لهم عنه أن يخبروا بذلك فيكون موافقاً لماكان النبي صلى الله عليه وسلم يخبر به فيزداد المسلمون وثوقاً به وهذا بين في الحديث إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذكره لتميم (( وحدثني حديثاً وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال )) ثم قال (( ألا هل كنت حدثتكم ذلك ))؟ فقال الناس: نعم. فقال (( فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة ))(153/141)
وقال ص144 (( ومن المسيحيات في الحديث مارواه البخاري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبه حين يولد غير عيسى ابن مريم، ذهب يطعن فطعن / في الحجاب. وفي رواية.. إلا يمسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخاً، غير مريم وابنها )) ثم قال ((وفقه هذا الحديث الذي سمعه الصحابي الجليل 0000000 حتى الرسل نوح وابراهيم وموسى وغيرهم وخاتمهم محمد صلوات الله عليهم وعلى جميع النبيين. فانظر واعجب ))
أقول أما المؤمن فيعجب من جرأة أبي رية وتحكمه بجهله على رب العالمين أحكم الحاكمين عالم الغيب والشهادة. إن هؤلاء الرسل نبئوا بعد أن بلغ كل منهم أربعين سنة، وقد آتى الله تعالى يحيى وعيسى النبوة في صباهما، وقال الله تعالى في مريم وعيسى ( 29:19- فأشارت إليه، قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبياً، قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا، وجعلني مباركاً أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا، وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقيا. والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا ) هل يجحد أبو رية هذا؟ أم يجحد قول الله تعالى (75:6 وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من المؤمنين، فلما جن عليه الليل رأى كوكباً - ) الآيات؟ وقول الله تعالى لخاتم النبيين صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين (52:42 وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا، وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ) ونحوها من الآيات ؟ أما المؤمنون فيؤمنون بهذا كله، ويؤمنون بأنبياء الله كلهم، لا يفرقون بين أحد منهم ولا يخوضون في المفاضلة بينهم اتباعاً للهوى، وأرجو أن لا يكون من ذلك ما يلجئ إليه مقتضى الحال هنا مما يأتي:
إن الفضل الذي يعتد كمالاً تاماً للإنسان هو ما كان بسعيه واجتهاده، ومن(153/142)
هنا كان فضل الخليلين إبراهيم ومحمد عليهما وعلى سائر الأنبياء الصلاة والسلام. أما طعن الشيطان بيده فليس من شأنه أن يثاب العبد على سلامته منه ولا أن يعاقب على وقوعه له، بل إن كان من شأنه أن يورث في نفس الإنسان استعداداً ما لو سوسته فالذي يناله ذلك ثم يجاهد بسعيه ويخالف الشيطان ويتغلب علىه أولى بالفضل ممن لم ينله
ثم ذهب قاتله الله يسخر من حديث شق صدره صلى الله عليه وسلم، قال (( ولم يقفوا عند ذلك / بل كان من رواياتهم أن النبي لم ينج من نخسة الشيطان إلا بعد أن نفذت إلى قلبه، وكا ن ذلك بعملية جراحية.. .وكأن العملية الأولى لم تنجح فأعيد شق صدره.. . ))
أقول: لم يكن شق الصدر لا زالة أثر النخسة كما زعم، وإنما كان لتطهير القلب من شيء يخلق لكل إنسان بمقضتى أنه خلق ليبتلى، أما تكراره فقد أنكره بعضهم كما في الفتح حملاً لما ورد من ذلك على خطأ بعض الرواة، وفي صحيح مسلم ذكر وقوعه في الطفولة وعند الإسراء وقال في الأول (( أتاه جبريل.. . فاستخرج منه علقة فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله...)) وقال في حديث الإسراء (( فنزل جبريل ففتح صدري ثم غسله.. . ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا فأفرغها في صدري )) فليس في الثاني ذكر إخراج القلب ولا إخراج علقة منه، ولا ذكر حظ الشيطان، وإنما فيه ذكر الصدر وزيادة ذكر إفراغ الحكمة والإيمان فيه، فتبين أن المقصود ثانياً غير المقصود أولاً، وأن كلا من المقصودين مناسب لوقت وقوعه، وفي الفتح (( قال ابن أبي جمرة: الحكمة في شق قلبه مع القدرة على أن يمتلئ قلبه إيماناً وحكمة بدون شق: الزيادة في قوة اليقين، لأنه أعطى برؤية شق بطنه وعدم تأثره بذلك ما أمن معه من جميع المخاوف العادية، فلذلك كان أشجع الناس وأعلاهم حالاً ومقالاً، ولذلك وصف بقوله تعالى (( ما زاغ البصر وما طغى ))
أقول: وحكمة عالم الغيب والشهادة سبحانه وتعالى أدق وأخفى من أن يحيط بها البشر(153/143)
قال أبو رية ص146 (( وإن هذه العملية الجراحية لتشبه من بعض الوجوه عملية صلب السيد المسيح عليه السلام،وهو لم يرتكب ذنباً يستوجب هذا الصلب، وإنما ذكروا ذلك ليغفر الله خطيئة آدم.. . ))
أقول شق الصدر لم يؤلمه صلى الله عليه وسلم البتة، وليس هو تكفير ذنبه ولا ذنب غيره فأين هو – قاتلك الله – من خرافة الصلب؟
قال (( ولئن قال المسلمون.. . ولم لا يغفر الله لآدم خطيئته بغير هذه الوسيلة القاسية.. .، قيل لهم: ولم لا يخلق الله قلب رسوله الذي اصطفاه كما خلق قلوب إخوانه المرسلين ؟
أقول: أما المسلمون فلا يقولون ما زعمت، وإنما يقولون: كيف يذنب آدم وهو عبد من عبيد الله فيعاقب الله عيسى، وهو عند زاعمي ذلك (( ابن الله الوحيد )) بتلك العقوبة القاسية التي تألم / لها عيسى بزعمهم أبلغ الألم وصرخ بأعلى صوته (( إيلي إيلي، لم شبقتني )) أي إلهي إلهي لم تركتني ؟
ثم من أين علمت أن قلوب سائر المسلمين لم تخلق كما خلق قلب محمد؟ فقد تكون خلقت سواه وخص محمد بهذا التطهير أو طهرت أيضاً بهذه الوسيلة أو غيرها ( والله يعلم وأنتم لا تعلمون )
وعلق ص1144بحكاية شيء من هذر القسوس، وفيما تقدم كفاية
وقال ص147 (( ولا أدري والله أين ذهبوا مما جاء في سورة الحجر الخ ))
أقول: فأين يذهب أبو رية من تدلية الشيطان لآدم إلى أن كان ما ذكره الله تعالى بقوله (( وعصى آدم ربه فغوى)) ومن قول موسى بعد قتله القبطي (15:28(153/144)
قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين، قال رب إ ني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم ) ومن قول أيوب (41:38 مسني الشيطان بنصب وعذاب ) وقول الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم (198:7 خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين، وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم، إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون ) أما آية الحجر فعلى المشهور أن المراد بقوله ( إن عبادي ) عباده المخلصون خاصة، فقوله ( ليس لك عليهم سلطان ) معناه والله أعلم:لن تسلط على إغوائهم الإغواء اللازم، لأن الكلام فيه لتقدم قوله ( لأغوينهم أجمعين ) وهذا لا ينافي أن يسلط على بعضهم لإغواء عارض، أو لإلحاق ضرر لا يضر الدين
ثم ذكر ص147- عن الرازي وغيره –أن الخبر على خلاف الدليل لوجوه (( أحدها أن الشيطان إنما يدعو إلى الشر من يعرف الخير والشر، والصبي ليس كذلك ))
أقول: ومن قال إن النخسة دعاء إلى الشر؟ بل إن كانت للإيلام فقط فذلك من خبث الشيطان مكن منها كما مكن مما أصاب أيوب، وكما يمكن الكفار من قتل المسلمين- حتى الأنبياء – وذبح أطفالهم. وإن كانت لإحداث أمر من شأنه أن يورث القلب قبولا ما للوسوسة بعد الكبر فهذا لا يستدعي معرفة الخير والشر في الحال، والتمكين من هذا كالتمكين من الوسوسة والتزيين، وذلك من تمام أصل الابتلاء
/ قال (( الثاني أن الشيطان لو تمكن من هذا النخس لفعل أكثر من ذلك من إ هلاك الصالحين وإفساد أحوالهم ))
أقول من أين يلزم من التمكن من حمل رجل، التمكن من حمل جبل؟ والشيطان
لا يتمكن إلا أن مكنه الله تعالى فإذا مكنه الله تعالى من أمر خاص فمن أين يلزم تمكنه من غيره؟
قال (( والثالث لم خص بهذا الاستثناء مريم وعيسى.. .. ))؟
أقول: قد تقدم الجواب عن هذا
قال (( الرابع أن ذلك النخس لو جد لبقي أثره، ولو بقي أثره لدام الصراخ والبكاء ))(153/145)
أقول:أ رأيت إذا عركت أذن الطفل فألم وبكى، أيستمر الألم والبكاء؟
ثم ذكر عن الشيخ محمد عبده كلاماً فيه (( فهو من الأخبار الظنية لأنها من رواية الآحاد، ولما كان موضوعها عالم الغيب، والإيمان بالغيب من قسم العقائد وهي لا يؤخذ فيها بالظن لقوله تعالى ( إن الظن لا يغني من الحق شيئا )) كنا غير مكلفين الإيمان بمضمون تلك الأحاديث في عقائدنا ))
أقول: لا نزاع أ ن الدليل الظني لا يوجب الإيمان القاطع، لكنه يوجب التصديق الظني، وكيف لا وظن ثبوت الدليل يوجب ضرورة ظن ثبوت المدلول. أما قوله تعالى (إن الظن لا يغني من الحق شيئا ) فلى فيه بحث طويل حاصله أن الظن لا يدفع شيئاً من الحق، وبعبارة أهل الأصول: الظني لا يعارض القطعي [وانظر ما يأتي ص 176]
قال ص148 (( ابن جريج الخ ))
أقول: راجع ص68
ثم قال (( ومن شاء أن يستزيد من معرفة الاسرائيليات والمسيحيات وغيرها في
الدين الإسلامي فليرجع إلى التفسير والحديث والتاريخ، وإلى كتب المستشرقين أمثال جولد زيهز وفرون كريمر وغيرهما ))
أقول: هذا موضع المثل (( صدقني من بكره )) وقوله (( في الدين الإسلامي )) لما مغزاها، فأبو رية – كما تعطيه هذه الكلمة والله أعلم – يرى في القرآن نحو ماجهر به من الحديث، وتقديمه لجولد زيهز اليهودي يؤيد ما قدمته ص94، وكتب جولدزيهر في الطعن في الإسلام والقرآن والنبي صلى الله عليه وسلم معروفة، وقد أحالك أبو رية عليها، والله المستعان /
أبو هريرة
وقال أبو رية ص151 (( أبو هريرة: لو كانت أحاديث رسول الله كلها من الدين العام كالقرآن لا يقوم إلا عليها ولا يؤخذ إلا منها، وأنه يجب على كل مسلم أن يعرفها ويتبع ما فيها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر أصحابه أن يحفظوا هذه الأحاديث لكي تؤثر بعده، لكان أكثر الصحابة رواية لها أعلهام درجة في الدين.. .. ))(153/146)
أقول: قدمنا الكلام في نظرية ((دين عام ودين خاص)) ص117-14، وص 31-35. ولم يوجب الله تعالى علىكل مسلم معرفة القرآن نفسه سوى الفاتحة لوجوبها في الصلاة، وأما الاتباع فطريقته أن العلماء يعرفون ويجتهدون، والعامة تسألهم عند الحاجة فيفتونهم بما علموا من الكتاب والسنة وكان الصحابة مأمورين بأن يبلغ كل منهم عند الحاجة ما حفظه، والذين حفظوا القرآن كله في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ليسوا من أكابر الصحابة، وقد مات أ بو بكر وعمر قبل أن يستوفي كل منهما القرآن حفظاً، وكان هناك عملان الأول التلقي من النبي صلى الله عليه وسلم، الثاني الأداء، فأما التلقي فلم يكن في وسع الصحابة أن يلازموا النبي صلى الله علي وسلم ملازمة مستمرة، وإذا كان أنس وأبو هريرة ملازمين للنبي صلى الله عليه وسلم لخدمته فلابد أن يتلقيا من الأحاديث أكثر مما تلقاه المشتغلون بالتجارة والزراعة، على أن أبا هريرة لحرصه على ا لعلم تلقى ممن سبقه إلى الصحبة ما عندهم من الأحاديث، فربما رواها عنهم وربما قال فيها (( قال النبي صلى الله عليه وسلم.. . )) كما شاركه غيره منهم في مثل هذا الإرسال لكمال وثوق بعضهم ببعض، وقد ثبت أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أسعد الناس بشفاعته يوم القيامة فقال (( لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث،.. . )) أخرجه البخاري في صحيحه، وتأتي أخبار كثيرة لاثبات هذا المعنى، وأما الأداء فإنما عاش أبو بكر زمن الأداء نحو سنتين مشغولاً عند المسلمين بتدبير أمور المسلمين، وعاش عمر مدة أبي بكر مشغولاً بالوزارة والتجارة، وبعده مشغولاً بتدبير أمور المسلمين. وفي المستدرك 98:1 أن معاذ بن جبل أوصى أصحابه أن يطلبوا العلم وسمى لهم أبا الدرداء وسلمان وابن مسعود وعبد الله ابن سلام، فقال يزيد بن عميرة: وعند عمر بن الخطاب؟ فقال معاذ (( لا تسأله عن شيء، فإنه عنك مشغول )) وعاش(153/147)
عثمان وعلي مشغولين بالوزارة وغيرها ثم الخلافة / ومصارعة الفتن، وكان الراغبون في طلب العلم يتهيبون هؤلاء ونظراءهم، ويرون أن جميع الصحابة ثقات أمناء، فيكتفون بمن دون أولئك وكان هؤلاء الأكابر يرون أنه لا يتحتم عليهم التبليغ إلا عندما تدعو الحاجة، ويرون أنه إذا جرى العمل على ذلك فلن يضيع شيء من السنة، لأن الصحابة كثير، ومدة بقائهم ستطول، وعروض المناسبات التي تدعو الحاجة فيها إلى التبليغ كثير، وفوق ذلك فقد تكفل الله عزوجل بحفظ شريعته، وكانوا مع ذلك يشددون على أنفسهم خشية الغلط، ويرون أنه إذا كان من أحد منهم خطأ وقت وجوب التبليغ فهو معذور قطعاً، بخلاف من حدث قبل الحاجة فأخطأ، وكانوا مع ذلك يحبون أن يكفيهم غيرهم، ومع هذا فقد حدثوا بأحاديث عديدة، وبلغهم عن بعضهم أنه يكثر من التحديث فلم يزعموا أنه أتى منكراً، وإنما حكى عن بعضهم ما يدل أنه يرى الإكثار خلاف الأولى. فأما زعم أبي رية أنهم كانوا (( يرغبون عن رواية الحديث وينهون إخوانهم عنها.. )) فقد تقدم تفنيده ص 30
وذكر أبو رية كثرة حديث أبي هريرة وقال ص152 (( على حين أنه كان من عامة الصحابة، وكان بينهم لا في العير ولا في النفير )) وسيبسط هذا ص184 وننظر فيه
وقال ص152 (( الاختلاف في اسمه الخ ))
أقول: وماذا يضره ذلك ؟ إنما المقصود من الاسم المعرفة وقد عرف بأبي هريرة، وأصح ما قيل في اسمه عبد الله أو عبد الرحمن، وهو على ما نسبه ابن الكلبي وغيره، ابن عامر بن عبد ذي الشرى بن طريف بن عتاب بن أبي صعب بن منبه بن سعد بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس بن عدثان ابن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك ابن نصر بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشحب بن يعرب بن قحطان الأزدي ثم الدوسي، وأمه أميمة بنت صفيح بن الحارث بن سابي بن أبي صعب الخ(153/148)
قال ص153 (( نشأته وأصله... لم يعرفوا شيئاً عن نشأته ولا عن تاريخه قبل إسلامه غير ما ذكر هو عن نفسه....: نشأت يتيماً وهاجرت مسكيناً وكنت أجيراً لبسرة بنت غزوان بطعام بطني وعقبه رحلي، فكنت أخدم إذا نزلوا وأحدوا إذا ركبوا، وكنيت بأبي هريرة بهرة صغيرة كنت ألعب بها ))
/ أقول: أما أصله فقد تقدم، وهو من قبيلة شريفة كريمة عزيزة، وأما نشأته فما أكثر الصحابة الذين لا تعرف نشأتهم حتى من خيارهم وكبارهم، وأما قوله: نشأت يتيماً الخ فهذه القصة رويت من أ وجه في إسناد كل منها مقال، ومجموعها يثبت أصل القصة، فأما الألفاظ التي تنفرد بها بعض الروايات فلا، وفي الإصابة أن بسرة
هذه أخت عتبة بن غزوان السلمي، وبلاد دوس بعيدة جداً عن بلاد بني سليم فيظهر أن أبا هريرة في هجرته إلى النبي صلى الله عليه وسلم مر ببلاد بني سليم أو قريباً منها، فوجد رفقة راحلين نحو المدينة وفيهم بسرة فصحبهم على أن يخدمهم في الطريق ويطعموه ويعقبوه. ولا يدفع هذا ما ثبت في صحيح البخاري من قوله (( لما قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم قلت في الطريق:
على أنها من دارة الكفر نجت
يا ليلة من طولها وعنائها(153/149)
قال: وأبقى لي غلام في الطريق، فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعته، فينا أنا عنده إذ طلع الغلام، فقال: يا أبا هريرة هذا غلامك، فقلت هو حر لوجه الله. فأعتقه )) انظر فتح الباري 79:8 فقد يكون الغلام أبق منه قبل صحبته للرفقة، وبهذا تبين أن في القصة منقبتين له الأولى أن إخدامه لنفسه إنما كان ليبلغ إلى النبي صلى الله عليه وسلم ودار الإسلام، والثانية أنه مع قلة ذات يده أعتق غلامه، شكراً لله تعالى على إبلاغه مقصده، وفي القصة عبرة بالغة، فإنه لما أذل نفسه بخدمة تلك المرأة استعانة على الهجرة في سبيل الله عوضه الله تعالى بأن زوجه إياها تخدمه فوق ما خدمها، ثم كان على طريقته في التواضع والتحدث بالنعمة والاعتبار مع الميل إلى المزاح يذكر هذه القصة ويشير إلى تكليف امرأته بخدمته على نحو ما كانت تكلفه. وقد يكون وقع منه ذلك مرة أو مرتين على سبيل المزاح ومداعبة الأهل وتحقيق العبرة، وقد ثبت عن أبي المتوكل الناجي وهو ثقة (( أن أبا هريرة كانت له أمة زنجية قد غمتهم بعملها، فرفع عليها السوط يوماً ثم قال: لولا القصاص يوم القيامة لأغشيتك به، ولكني سأبيعك ممن يوفيني ثمنك أحوج ما أكون إليه ( يعني الله عزوجل ) اذهبي فأنت حرة لله عزوجل )) انظر البداية 112:8. فمن كانت هذه حالة مع أمه مهينه، فما عسى أن تكون حاله مع امرأته الحرة الشريفة؟ ولكن أبا رية ذكر ص187 بعض الألفاظ التي انفردت بها بعض الروايات،[ منها فكلفتها أن(153/150)
تركب قائمة وأن تورد حافية وأصح من هذه الرواية ما في كنز العمال 82:7عن عبد الرزاق عن هشام بن حسان عن ابن سيرين فقلت لتوردنه حافية ولتركبنه وهو قائم وأصح من هذا ماأسنده ابن سعد في الطبقات 532:4 عن ابن سيرين.. . ولتركبنه قائمة فلعل بعض الرواة لم يفهم النكتة فغير اللفظ، وأي حرج عليها أن تركب البعير باركا وهي قائمة عند الركوب وتكون حافية وهي راكبة؟ وفي رواية عبد الرزاق قول ابن سيرين وكانت في أبي هريرة مزاحة وقد يكون مازحاً بهذا القول ثم لم يكن إيراد ولا ركوب ] ثم راح يسب أبا هريرة رضي الله عنه ويرميه بما هو من أبعد الناس عنه /
وهذا مما يوضح أن أبا رية ليس بصدد بحث علمي، إنما صدره محشو براكين من الغيظ والغل والحقد يحاول أن يخلق المناسب للترويح عن نفسه منها، كأنه لا يؤمن بقول الله عزوجل في أصحاب نبيه ( ليغيظ بهم الكفار ) ولا يصدق بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة وأمه أن يحببهما الله إلى عباده المؤمنين كما في ترجمته في فضائل الصحابة من صحيح مسلم
وقال ص153 (( إسلامه. قدم أبو هريرة بعد أن تخطى الثلاثين من عمره ))
أقول كذا زعم الواقدي عن كثير بن زيد عن الوليد بن أبي رباح عن أبي هريرة، والواقدي متروك، وكثير ضعيف، وقد قال الواقدي نفسه: إن أبا هريرة مات سنة 59 وعمره 78، ومقتضى هذا أن يكون عمره عند قدومه سنة سبع نحو ست وعشرين سنة، وهذا أشبه والله أعلم
وفي الصحابة الطفيل بن عمرو الدوسي وهو من رهط أبي هريرة بني ثعلبة بن سليم بن فهم، أسلم قبل الهجرة وقصته مطولة في السيرة وغيرها، وفي ترجمته من الإصابة أنه لما عاد بعد إسلامه إلى قومه – وذلك قبل الهجرة بمدة- دعا قومه إلى الإسلام فلم يجبه إلا أبوه وأبو هريرة، فعلى هذا يكون إسلام أبي هريرة قبل الهجرة، وإنما تأخرت هجرته إلى زمن خبير(153/151)
وذكر أبورية ص153 مقاولة أبي هريرة وأبان بن سعيد بن العاص وقول أبان (( واعجبا لو بر تدلى علينا من قدوم ضأن )) وعلق في الحاشية (( الوبر دابة والمعنى أن أبا هريرة ملتصق في قريش وشبهه بما يتعلق بوبر الشاة )) وهذا من تحقيق أبي رية! وليس أبو هريرة من قريش من شيء لا ملصق ولا غير ملصق، وقوله (( وشبهه )) يقتضي أن الرواية (( وبر )) بالتحريك ولو كان كذلك لما بقي لقوله (( الوبر دابة )) معنى، وعلق أيضاً (( ومما يلفت النظر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤاخذ أبانا بما أغلظ لأبي هريرة )) وأقول: ليس ذاك بإغلاظ مع أنه إنما كان جواباً ومكافأة(153/152)
وقال ص154 (( ولفقرة اتخذ سبيله إلى الصفة، فكان أشهر من أمها، ثم صار عريفاً لمن كان يسكنونها )) وعلق عليها عن أبي الفداء تعريفاً لأهل الصفة كما توهم، وقد عرفهم أبو هريرة رضي الله عنه التعريف الحق فقال كما في الصحيحين وغيرهما (( وأهل الصفة أضياف الإسلام / لا يأوون على أهل ولامال الخ )) وقد قال الله تبارك وتعالى ( 273:2 للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضرباً في الأرض )) الآية. كان للأنصار حوائط فيعملون فيها ويأكلون من غلتها، وكان كثير من المهاجرين يتاجرون، ومن الواضح أن التجارة في المدينة وهي محوطة بالمشركين من كل جانب لم تكن لتتسع للمهاجرين كلهم، فبقي بعضهم بالصفة، وكان أهل الصفة يقومون بفروض عظيمة، منها تلقي القرآن والسنن، فكانت الصفة مدرسة الإسلام،ومنها حراسة النبي صلى الله عليه وسلم ومنها الإستعداد لتنفيذ أوامره وحاجاته في طلب من يريد طلبه من المسلمين وغير ذلك كانوا قائمين بهذه الفروض عن المسلمين فكانت نفقتهم على سائر المسلمين وإن سميت صدقة، وكانوا بجوار النبي صلى الله عليه وسلم يؤثرهم على نفسه وأهل بيته، وقد حدث علي رضي الله عنه أنه قال لفاطمة عليها السلام يوماً (( والله لقد سنوتُ حتى لقد اشتكيت صدري، وقد جاء الله أباك بسبي، فاذهبي فاستخدميه، فقالت: وأنا والله
لقد طحنت حتى مجلت يداي.. . )) الحديث، وفيه أنهما أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرا له ذلك فقال (( والله لا أعطيكما وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم لا أجد ما أنفق عليهم.. .. )) الحديث، انظر مسند أحمد الحديث 838. وكان أبو هريرة من بين أهل الصفة يخدم النبي صلى الله عليه وسلم ويدور معه، فلم يكن ليجوع إلا والنبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته جياع، فهل في ذلك الجوع من عيب؟(153/153)
وأما تعرضه لبعض الصحابة رجاء أن يطعمه فإنما فعل ذلك مرة أو مرتين لشدة الضرورة، ولم يكن في تعرضه سؤال ولا ذكر لجوعه، وقد نقل الله تعالى في كتابه أن موسى والخضر مرا بأهل قرية فاستطعماهم، وانظر تفسير سورة التكاثر من تفسير ابن كثير
هذا وقد عد أهل العلم – كما في الحلية – جماعة من المشاهير في أهل الصفة، منهم سعد بن أبي وقاص وأبو عبيدة وزيد بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وصهيب وسليمان والمقداد وغيرهم
ثم قال أبو رية ص154 (( سبب صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم. كان أبو هريرة صريحاً صادقاً في الإبانة عن سبب صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم.. . فلم يقل إنه صاحبه للمحبة والهدايا كما كان يصاحبه غيره من سائر المسلمين، وإنما قال: إنه قد صاحبه على ملء بطنه ففي حديث رواه أحمد والشيخان عن سفيان عن الزهري عن عبد الرحمن الأعرج قال سمعت أبا هريرة يقول: إني كنت امرءا مسكينا أصحب رسول الله على ملء بطني )) ورواية مسلم (( أخدم رسول الله )) وفي رواية (( لشبع بطني )) أقول: حاصل هذا أن الواقع في رواية الإمام أحمد والبخاري (( أصحب )) وهذا خلاف الواقع، فرواية أحمد وهو الحديث 7273 (( حدثنا سفيان عن الزهري عن عبد الرحمن الأعرج، قال سمعت أبا هريرة يقول: إنكم تزعمون أن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله عليه وسلم، والله الموعد، إني كنت امرءا مسكيناً ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني وكان المهاجرين يشغلهم الصفق بالأسواق، وكانت الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم.. . )) ولفظ البخاري في صحيحه في كتاب الاعتصام – باب الحجة على من قال إن أحكام النبي صلى ا لله عليه وسلم كانت ظاهرة الخ (( حدثنا علي حدثنا سفيان عن الزهري أنه سمع من الأعرج يقول: أخبرني أبو هريرة قال: إنكم تزعمون أن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والله الموعد، إني كنت امرءا مسكيناً ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ(153/154)
)) وأخرجه البخاري في مواضع أخرى من وجوه أخرى عن الزهري وفيه (( ألزم ))، وفي موضع (( أن أبا هريرة كان يلزم )) فأبو هريرة لم يتكلم عن إسلامه ولا هجرته ولا صحبته المشتركة بينه وبين غيره من الصحابة وإنما تكلم عن مزيته وهي لزومه للنبي صلى الله عليه وسلم دونهم، ولم يعلل هذه المزية بزيادة محبته أو زيادة رغبته في الخير أو العلم أو نحو ذلك مما يجعل له فضيلة على إخوانه، وإنما عللها على أ سلوبه في التواضع بقول (( على ملء بطني )) فإنه جعل المزية لهم عليه بأنهم أقوياء يسعون في معاشهم وهو مسكين، هذا والله أدب بالغ تخضع له الأعناق، ولكن أبا رية يهتبل تواضع أبي هريرة ويبدل الكلمة ويحرف المعنى ويركب العنوان على تحريفه ويحاول صرف الناظر عن التحري والتثبت بذكره رواية مسلم ليوهم أنه قد تحرى الدقة البالغة، ويبنى على صنيعه تلك الدعوى الفاجرة،[وقد قال أبو رية في حاشية ص39 لعنة الله على الكاذبين متعمدين وغير متعمدين] وقد تقدم أن أبا هريرة أسلم في بلاده قبل الهجرة: لماذا؟ ثم ترك وطنه للهجرة مؤجراً نفسه في طريقه على طمعته وعقبته، لماذا؟ ولما شاهد النبي صلى الله عليه وسلم وجاء غلامه الذي كان أبق منه أعتقه، لماذا؟ وتقدم ص100 شهادة النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أحرص الصحابة على معرفة حديثه، لماذا؟ قال ابن كثير (( وقال سعيد بن أبي هند عن أبي هريرة: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ألا تسألني من هذه الغنائم التي سألني أصحابك ؟ / قال فقلت: أسألك أن تعلمني مما علمك الله.. )) البداية 111:8، لماذا ؟
وتقدم ص 146 قول عمر بن الخطاب : خفي علي هذا من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ألهاني عنه الصفق بالأسواق ))(153/155)
وقال طلحة بن عبيد الله لما سئل عن حديث أبي هريرة (( والله ما نشك انه قد سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم نسمع، وعلم ما لم نعلم، إنا كنا أقوياء أغنياء لنا بيوت وأهلون، وكنا نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار ثم نرجع، وكان هو مسكيناً لا مال له ولا أهل وإنما كانت يده مع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يدور معه حيث ما دار، فما نشك أنه قد علم ما لم نعلم وسمع ما لم نسمع )) البداية 109:8 وحدث أبو أيوب – وهو من كبار الصحابة – عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل له في ذلك فقال (( إن أبا هريرة قد سمع ما لم نسمع )) البداية 109:8 [والمستدرك 512:3وقال: صحيح على شرط الشيخين، واقتصر الذهبي على أنه على شرط مسلم ] وحدث أبو هريرة بحديث، فاستثبته ابن عمر فاستشهد أبو هريرة عائشة فشهدت، فقال أبو هريرة : إنه لم يشغلني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غرس الودى ولا صفق بالأسواق، إنما كنت أطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة يعلمنيها أو أكلة يطعمنيها. فقال ابن عمر: أنت يا أبا هريرة كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلمنا بحديثه )) البداية 109:8[والمستدرك 510:3وقال صحيح، وأقره الذهبي]وقالت عائشة لأبي هريرة:أكثرت الحديث،قال: إني والله ما كانت تشغلني عنه المكحلة والخضاب، ولكني أرى ذلك شغلك عما استكثرت من حديثي، قالت: لعله.البداية 109:8[وانظر المستدرك 509:3وقال صحيح، وأقره الذهبي ] فأنت ترى اعترافهم له، وترى أن أدبه البالغ المتقدم لم يكن تقية، فإنه لما اقتضى الحال صدع صدع الواثق المطمئن ثم ذكر أبو رية ص155 قول أبي هريرة (( كنت أستقريء الرجل الآية وهو معي كي ينقلب فيطعمني، وكان خير الناس
للمساكين جعفر بن أبي طالب ، كان ينقلب بنا فيطعمنا.(153/156)
ثم قال أبو رية: (( من أجل ذلك كان جعفر هذا في رأي أبي هريرة أفضل الصحابة جميعاً.. أخرج الترمذي والحاكم بإسناد صحيح عن أبي هريرة: ما احتذى النعال ولا ركب المطايا ولا وطيء التراب بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من جعفر بن أبي طالب ))
أقول : إسناده صحيح إلا أنه غريب، ومن تدبر ترجمة جعفر رضي الله عنه لم يستكثر عليه هذا، وفي / فتح الباري 62:7 في شرح قوله: وكان أخير الناس للمساكين، ما لفظه (( وهذا التقييد يحمل عليه المطلق الذي جاء.. . عن أبي هريرة قال: ما احتذى النعال.. ))
ثم ذكر ص156-157 حكايات عن الثعالبي والبديع الهمذاني وعبد الحسين بن شرف الدين الرافضي وكلها من خرافات الرافضة وأشباههم، لا تمت إلى العلم بصلة
ثم قال آخر ص157 (( وأخرج أبو نعيم في الحلية الخ ))
أقول :هو من طريق فرقد السبخي قال: وكان أبو هريرة الخ، وفرقد ليس بثقة، ولم يدرك أبا هريرة
وقال: ص158 (( وفي الحلية كذلك أن أبا هريرة كان في سفر فلما نزلوا وضعوا السفرة وبعثوا إليه وهو يصلي فقال: إني صائم، فلما كادوا يفرغون، جاء فجعل يأكل الطعام، فنظر القوم إلى رسولهم.. . فقال أبو هريرة: صدق إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: صوم رمضان وصوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر، وقد صمت ثلاثة أيام من أول الشهر، فأنا مفطر في تخفيف الله، صائم في تضعيف الله ))
أقول: هذه فضيلة له، وقد وقع مثلها لأبي ذر رضي الله عنه (( مسند أحمد
150:5 وغيره، وهو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم (( ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر ))
قال (( وفي خاص الخاص للثعالبي الخ ))
أقول : ومن هو الثعالبي حتى يقبل قوله بغير سند ؟
أقول: (( وقد جعل أبو هريرة الأكل من المروءة، فقد سئل: ما المروءة؟ قال: تقوى الله وإصلاح الصنيعة والغداء والعشاء بالأفنية ))(153/157)
أقول: ليس في هذا جعل الأكل نفسه من المروءة، وإنما فيه أن من المروءة أن يكون الأكل بالأفنية )) يريد بموضع بارز ليدعو صاحب الطعام من مر ويشاركه من حضر، لا يغلق بابه ويأكل وحده
قال (( وقد أضربنا عن أخبار كثيرة لأن في بعضها ما يزيد في إيلام الحشوية الذين يعيشون بغير عقول ))
أقول: أما عقول الملحدين الذي يعيشون بلا دين، ومقلديهم المغرورين، فنعوذ بالله منها
ثم قال (( حديث: زر غباً تزدد حباً. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة الخ ))
/ أقول : هذا حديث مذكور في الموضوعات، روي عن علي وعائشة وابن عباس بطرق كلها تالفة
ثم قال ص161 (( مزاحه وهذره، أجمع مؤرخو أبي هريرة على أنه كان رجلاً مزاحاً مهذارا ))
أقول: أما المزاح فنعم، ولم يكن في مزاحه ما ينكر، وأما الهذر فأسنده بقوله (( قالت عنه عائشة.. .. في حديث المهراس إنه كان رجلاً مهذارا )) وهذا باطل، لم تتكلم عائشة في حديث المهراس بحرف، انظر التقرير والتحيير لابن أمير الحاج 300:2 ثم رأيت الدكتور مصطفى السباعي قد بسط الكلام في هذا في الجزء 9 في المجلد 10 من مجلة المسلمون ص20
قال أبو رية (( عن أبي رافع قال:كان مروان ربما استخلف أبا هريرة على المدينة فيركب حماراً قد شد عليه برذعة وفي رأسه خلية من ليف، فيسير فيلقي الرجل فيقول: الطريق قد جاء الأمير، وربما أتى الصبيان وهم يلعبون بالليل لعبة الغراب[في البداية الأعراب وهو أمير] فلا يشعرون بشيء حتى يلقي نفسه بينهم ويضرب برجليه فينفر الصبيان فيفرون، وأخرج أبو نعيم في الحلية عن ثعلبة بن [أبي] مالك القرظي قال: أقبل أبوهريرة في السوق يحمل حزمة حطب وهو يومئذ خليفة لمروان على المدينة فقال: أوسع الطريق للأمير يا ابن [أبي] مالك. فقلت له: يكفي هذا. فقال: أوسع الطريق للأمير، والحزمة عليه ))(153/158)
أقول: إنما كان يعتمد هذا التبذ ل والمزاح حين يكون أميراً تهاوناً بالإمارة ومناقضة لما كان يتسم به بعض الأمراء من الكبر والتعالي على الناس، وكانت إمارة أبي هريرة رحمة بأهل المدينة يستريحون إليها من عبية أمراء بني أمية وعنجهيتهم، وكانت إحياء للسنة، فإن الأمير كان هو الذي يؤم الناس، فكان الأمراء يغفلون أشياء من السنة كالتكبير في الصلاة وسجود التلاوة وقراءة السور التي كان يقرؤها النبي صلى الله عليه وسلم وغير ذلك، فكان أبو هريرة إذا ولى كان هو الذي يؤم بالناس، فيحيي ما أهمله الأمراء من السنن ))
قال (( ولقد كانوا يتهكمون برواياته ويتندرون عليها لما تفنن فيها وأكثر منها، فعن أبي رافع أن رجلاً من قريش أتى أبا هريرة في حلة وهو يتبختر فيها فقال: يا أبا هريرة إنك تكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهل سمعته يقول في حلتي هذه شيئاً؟ فقال: [والله إنكم لتؤذوننا، ولولا ما أخذ الله على أهل الكتاب
( ليبيننه للناس ولا يكتمونه ) ما حدثكم بشيء [هذه الزيادة من مصدر أبي رية نفسه البداية 108:8] سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم / يقول: إن رجلاً ممن كان قبلكم بينما كان يتبختر في حلة إذ خسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها حتى تقوم الساعة، فوالله ما أدري لعله كان من قومك أو من رهطك ))
أقول :متن الحديث ثابت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة ومن حديث ابن عمر، وهو عند أحمد وغيره من حديث ابن عمرو ، ومن حديث أبي سعيد، وجاء من حديث غيرهم.
وقال الدارمي في (( باب تعجيل عقوبة من بلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث فلم يعظمه ولم يوقره،.. . عن العجلان عن أبي هريرة )) فذكر المتن قال عقبة: فقال له فتى – قد سماه – وهو في حلة له: أهكذا كان يمشي ذلك الفتى الذي خسف به؟ ثم ضرب بيده فعثر عثرة كاد يتكسر منها، فقال أبو هريرة: للمنخرين وللفم ( إنا كفيناك المستهزئين ) ))(153/159)
أقول : فقد أخزى الله ذاك المستهزيء كما أخزى غيره من المستهزئين بدين الله ورسله وخيار عباده ( وما هي من الظالمين ببعيد )
وقال ص162 (( كثرة أحاديثه )) ثم قال ص163 (( وقد أفزعت كثرة رواية أبي هريرة عمر بن الخطاب فضربه بالدرة وقال له (( أكثرت يا أبا هريرة من الرواية وأحرى بك أن تكون كاذباً ))
أقول: لم يعز هذه الحكاية هنا، وعزاها ص171 إلى شرح النهج لابن أبي الحديد حكاية عن أبي جعفر الأسكافي، وابن أبي الحديد من دعاة الاعتزال والرفض والكيد للإسلام، وحاله مع ابن العلقمي الخبيث معروفة والاسكافي من دعاة المعتزلة والرفض أيضاً في القرن الثالث ولا يعرف له سند، ومثل هذه الحكايات الطائشة توجد بكثرة عند الرافضة والناصبية وغيرهم بما فيه انتقاص لأبي بكر وعمر وعلي
وعائشة وغيرهم، وإنما يتشبت بها من لا يعقل، وقد ذكر ابن أبي الحديد 360:1 أشياء عن الاسكافي من الطعن في أبي هريرة وغيره من الصحابة وذكر من ذلك شيئاً من مزاح أبي هريرة فقال ابن أبي الحديد (( قلت قد ذكر ابن قتيبة هذا كله في كتاب المعارف في ترجمة أبي هريرة وقوله في حجة لأنه غير متهم عليه )) وفي هذا إشارة إلى أن الأسكافي متهم. ونحن كما لا نتهم ابن قتيبة قد لا نتهم الاسكافي باختلاف الكذب، ولكن نتهمه بتلقف الأكاذيب من أفاكي أصحابه الرافضة والمعتزلة، وأهل العلم لا يقبلون الأخبار المنقطعة ولو ذكرها كبار أئمة السنة.
فما بالك بما يحكيه ابن أبي الحديد عن الاسكافي عمن تقدمه بزمان !
قال (( وقد أخرج ابن عساكر من حديث السائب بن يزيد: لتتركن الحديث عن رسول الله أو لألحقنك بأرض دوس أو بأرض القردة ))(153/160)
أقول: عزاه إل البداية 106:8 ولكن لفظه هناك ((.. . دوس، وقال لكعب الأحبار: لتتركن الحديث عن الأول أو لألحقنك بأرض القردة )) فأسقط أبو رية هنا ذكر كعب، وجمع الكلمتين لأبي هريرة وله في هذه الحكاية فعلة أشنع من هذه. قال ص30 (( وقال لكعب الأحبار: لتتركن الحديث أو لألحقنك الخ )) أسقط قوله (( عن الأول )) لغرضين:
الأول: تقوية / دعواه أن عمر كان ينهى عن الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. الثاني ترويج دعوى مهولة فاجرة خبيثة وهي دعوى أن كعباً مع أنه لم يلق النبي صلى الله عليه وسلم كان يحدث عنه بما يشاء، وكان الصحابة يسمعون منه تلك الأحاديث ويقبلونها بسذاحة مخجلة ثم لا يكتفون بذلك حتى يذهبوا فيروونها عن النبي صلى الله عليه وسلم رأساً فيوهموا الناس أنهم سمعوها من النبي صلى الله عليه وسلم أو على الأقل من بعض إخوانهم من الصحابة، ولزيادة تفظيع هذا الزعم بالغ في الحط على كعب وزعم أنه كان منافقاً يسعى لهدم الإسلام ويفتري ما شاء من الأكاذيب يرويها عن النبي صلى الله عليه وسلم فيتقبلها الصحابة ويروونها عن النبي صلى الله عليه وسلم رأساً، فعلى هذا يزعم أن كل ما جاء من أحاديث الصحابة ولم يصرح الصحابي بسماعه من النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يحتمل أن يكون مما افتراه كعب (( كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا )) وراجع ص73.[و74و75و 82و 89](153/161)
وهذه الخطة الجهنمية من أخطر تخطيط الكيد اليهودي الخاسر الذي مرت الإشارة إليه ص49و 99.وكذا قال ص126 (( قال له: لتتركن الحديث أو لألحقنك )) أسقط قوله (( عن الأول )) أيضاً ليؤكد لك أنه عمداً ارتكب ذلك. ثم لم يكفه حتى قال ص115 (( لما قدم كعب المدينة في عهد عمر وأظهر إسلامه أخذ يعمل في دهاء ومكر لما أسلم من أجله من إفساد الدين وافتراء الكذب على النبي (كذا ؟) ولم يلبث عمر أن فطن لكيده وتبين له سوء دخلته فنهاه عن الرواية عن النبي (كذا؟) وتوعده إن لم يترك الحديث عن رسول الله (كذا؟) أو ليلحقنه بأرض القردة، كذا قال، وعزا ذلك إلى المصدر نفسه وهو البداية والنهاية ج8 لكنه جعل الصفحة 206 والصواب 106 فهل تعمد هذا ليعمي عن فضيحته؟
فليتدبر القارئ،وينظر من الذي يعمل في دهاء ومكر لإفساد الدين وسوء دخلة؟ هذا وسند الخبر غير صحيح، ولفظه في البداية (( قال أبو زرعة الدمشقي حدثني محمد بن زرعة الرعيني حدثنامروان بن محمد حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن إسماعيل بن عبد الله بن السائب الخ ))
ومحمد بن زرعة لم أجد له ترجمة، والمجهول لا تقوم به حجة، وكذا إسماعيل إلا أن يكون الصواب إسماعيل بن عبيد الله ( بالتصغير ) بن أبي المهاجر فثقة معروف لكن لا أدري أسمع من السائب أم لا؟(153/162)
وفي البداية عقبه (( قال أبو زرعة: وسمعت أبا مسهر يذكره عن سعيد بن عبد العزيز نحوا منه لم يسنده )) أقول وسعيد لم يدرك عمر ولا السائب، هذا ومخرج الخبر شامي، / ومن الممتنع أن يكون عمر نهى أبا هريرة عن الحديث البتة ولا يشتهر ذلك في المدينة ولا يلتفت إلى ذلك الصحابة الذين أثنوا على أبي هريرة ورووا عنه وهم كثير كما يأتي، منهم ابن عمر وغيره كما مر ص106، هذا باطل قطعاً، على أن أبا رية يعترف أن كعباً لم يزل يحدث عن الأول حياة عمر كلها، وكيف يعقل أن يرخص له عمر ويمنع أبا هريرة؟ هذا باطل حتماً، وأبو هريرة كان مهاجراً من بلاد دوس والمهاجر يحرم عليه أن يرجع إلى بلده فيقيم بها فكيف يهدد عمر مهاجراً أن يرده إلى البلد التي هاجر منها؟
وقد بعث عمر في أواخر إمارته أبا هريرة إلى البحرين على القضاء والصلاة كما في فتوح البلدان للبلاذري ص 92 – 93 وبطبيعة الحال كان يعلمهم ويفتيهم ويحدثهم
قال أبو رية ص16 (( ومن أجل ذلك كثرت أحاديثه بعد وفاة عمر وذهاب الدرة، إذ أصبح لا يخشى أحداً بعده ))
أقول: لم يمت الحق بموت عمر، وسيأتي تمام هذا
قال (( ومن قوله في ذلك: إني أحدثكم أحاديث لو حدثت بها زمن عمر لضربني بالدرة، وفي رواية: لشج رأسي ))(153/163)
أقول: يروى هذا عن يحيى بن أيوب عن ابن عجلان عن أبي هريرة، وابن عجلان لم يدرك أبا هريرة. فالخبر منقطع غير صحيح قال (( وعن الزهري عن أبي سلمة سمعت أبا هريرة يقول: ما كنا نستطيع أن نقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبض عمر، ثم يقول: أفكنت محدثكم بهذه الأحاديث وعمر حي؟ أما والله إذا لأيقنت أن المخفقة ستباشر ظهري، فإن عمر كان يقول: اشتغلوا بالقرآن فإن القرآن كلام الله )) أقول: إنما رواه عن الزهري إنسان ضعيف يقال له صالح بن أبي الأخضر قال فيه الجوزجاني- وهو من أئمة الجرح والتعديل- ((اتهم في حديثه)). وهناك أخباراً وأثاراً تعارض هذا وأشباهه، إلا أن في أسانيدها مقالاً فلم أنشط
لذكرها وبيان عللها تجد بعضها في ترجمة أبي هريرة من الإصابة
وبعد فإن الإسلام لم يمت بموت عمر، وإجماع الصحابة بعده على إقرار أبي هريرة على الإكثار مع ثناء جماعة منهم عليه وسماع كثير منهم منه وروايتهم عنه كما يأتي يدل على بطلان المحكي عن عمر من منعه، بل لو ثبت المنع ثبوتاً لا مدفع له لدل إجماعهم على أن المنع كان على وجه مخصوص أو لسبب عارض أو استحساناً محضاً لا يستند إلى حجة ملزمة. وعلى فرض اختلاف الرأي فإجماعهم بعد عمر أولى بالحق من رأي عمر
ثم حكى أبورية عن صاحب المنار قال (( لو طال عمر عُمر حتى مات أبو هريرة، لما وصلت إلينا تلك الأحاديث / الكثيرة ))
أقول: وما يدريك لعل عمر لو طال عمره حتى يستحر الموت بحملة العلم من الصحابة لأمر أبا هريرة وغيره بالإكثار وحث عليه وحفظ الله تبارك وتعالى لشريعته، وتدبيره بمقتضى حكمته، فوق عمر وفوق رأي عمر في حياة عمر وبعد موت عمر
ثم قال أبو رية ص164 (( كيف سوغ كثرة الرواية ؟ كان أبو هريرة يسوغ كثرة الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ما دام لا يحل حراماً ولا يحرم حلالاً فإنه لا بأس من أن يروي ))
أقول: هذه دعوى من أبي رية، فهل من دليل ؟(153/164)
قال (( وقد أيد صنيعه هذا بأحاديث رفعها إلى النبي، ومنها مارواه الطبراني في الكبير عن أبي هريرة أن رسول الله قال: إذا لم تحلوا حراماً ولا تحرموا حلالا وأصبتم المعنى فلا بأس ))
أقول : ههنا مآخذ: الأول أن هذا لم يروه أبو هريرة ولا رواه الطبراني عنه، إنما رواه الطبراني من طريق يعقوب بن عبد الله بن سليمان بن أكيمة الليثي عن أبيه عن جده قال: (( أتينا النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا له: بآبائنا وأمهاتنا يا رسول الله، إنا نسمع منك الحديث فلا تقدر أن نؤديه كما سمعنا. فقال: إذا لم الخ ))
وهو في مجمع الزوائد 154:1 وقال (( رواه الطبراني في الكبير، ولم أر من ذكر يعقوب ولا أباه ))
الثاني أن هذا الخبر إنما يدل على إجازة الرواية بالمعنى لقوله فيه (( وأصبتم المعنى )) وقد تقدم الكلام في الرواية بالمعنى ص52 فما بعدها ودعوى أبي رية هنا شيء آخر كما يأتي
الثالث أن الخبر لا يثبت عن صحابيه لجهالة يعقوب وأبيه، ولهذا أعرضت عنه فلم استشهد به في فضل الرواية بالمعنى وإن كان موافقاً لقولي
قال (( وقال أيضاً إنه سمع الليثي يقول: من حدث حديثاً هو لله عزوجل رضا فأنا قلته، وإن لم أكن قلته روى ذلك ابن عساكر في تاريخه ))
أقول: أخذ أبو رية هذا من كنز العمال 22:5 وهناك أن ابن عساكر أخرجه عن البختري بن عبيد عن أبيه عن أبي هريرة. أقول: البختري كذاب، وأبوه مجهول
قال أبو رية (( وفي الأحكام.. .لابن حزم )) 78:2 أنه روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا / حدثتم عني بحديث يوافق الحق فخذوا به، حدثت به أو لم أحدث ))
أقول: إنما ذكره ابن حزم من طريق أشعت بن براز، ثم قال ابن حزم في ذلك الموضع نفسه (( وأشعت بن براز كذاب ساقط ))
قال (( وروي عن رسول الله: إذا بلغكم عني حديث يحسن بي أن أقوله فأنا قلته، وإذا بلغكم حديث لا يحسن بي أقوله فليس مني ولم أقله ))(153/165)
أقول:عزاه إلى توجيه النظر ص278وهناك عقبة قول ابن حاتم ((الحديث منكر، الثقات لا يرفعونه )) يريد لا يصلونه، فإنه ذكره من طريق ابن ابي ذئب عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً، وقد جاء من وجه آخر عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، ذكره البخاري في التاريخ 2/ 1/ 434 ثم ذكر أ ن بعضهم قال (( عن أبي هريرة )) قال البخاري (( وهو وهم ليس فيه أبو هريرة )). ورواه بعضهم عن عبد الله ابن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة. ذكره ابن حزم في الأحكام عقب الحديث السابق وقال (( عبد الله بن سعيد كذاب مشهور )) وفي ألفاظه في الروايات اختلاف، وسأشرح بقية حاله في التعليق علىموضوعات الشوكاني إن شاء الله تعالى
هذه أدلة أبي رية على دعواه، وعلق على خبر البختري قوله (( ارجع إلى ص101 )) وكان قد ذكر هناك بعض هذه الأخبار تحت عنوان (( كيف استجازوا وضع الأحاديث )) وبهذا يعرف حاصل دعواه هنا ومناسبتها لأدلتها، فإن تكذيب الصديقين لا يتم إلا بتصديق الكذابين
قال ((روى ذلك وغيره ))
أقول: أما (( ذلك )) أي الأخبار المتقدمة فقد تبين أن أبا هريرة لم يرو شيئاً منها، وأما غيره فما هو ؟
قال (( على حين أن الثابت عن النبي أنه قال: من نقل عني ما لم أقله فليتبؤا مقعده من النار ))
أقول: كذا ذكر الحديث هنا وص 40، والثابت (( من يقل علي ما لم أقل الخ )) رواه أحمد من حديث أبي هريرة، وكذا من حديث سلمة بن الأكوع وكذا جاء في أثناء حديث لأبي قتادة، وكما أن هذا هو الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم فكذلك هو الثابت عن أبي هريرة عنه كما ترى، وفي صحيح البخاري وغيره من(153/166)
حديث مالك عن الزهري عن الأعرج عن أبي هريرة قال (( إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة، ولولا آيتان في كتاب الله /ما حدثت حديثاً ثم يتلو ( إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى) إلى قوله ( الرحيم ) الحديث. وذكر مسلم سنده ولم يسق سنده.
وفي الإصابة (( أخرج أحمد من طريق عامر بن كليب عن أيبه سمعت أبا هريرة يبتديء حديثه بأن يقول: قال رسول الله الصادق المصدوق أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: من كذب علي متعمداً فليتبؤا مقعده من النار )) وذكره ابن كثير في البداية 107:8 وقال (( وروي مثله من وجه آخر ))
قال أبو رية (( وقد اضطر عمر أن يذكره بهذا الحديث لما أوغل في الرواية ))
أقول: يريد ما روي عن أبي هريرة قال (( بلغ عمر حديثي فأرسل إلي فقال: كنت معنا يوم كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسم في بيت فلان؟ قال قلت: نعم، وقد علمت لم تسألني عن ذلك. قال: ولم سألتك؟ قلت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يومئذ: من كذب علي متعمداً فليتبؤا مقعده من النار. قال أما إذاً فاذهب فحدث )) البداية 107:8 وهذا يدل على بطلان ما حكى من منعه أو على أ نه أذن له بعد منع ما، وهذا الخبر من جملة الأخبار التي قدمتُ ص111 أني أعرضت عنها لأن في أسانيدها مقالاً، وذكرته هنا لإشارة أبي رية إليه.. . وحديث (( من كذب علي الخ )) ثابت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة .
حقيقة التدليس وانتفاؤها عن الصحابة
قال أبو رية آخر ص164: (( تدليسه ))
أقول: قال الخطيب في الكفاية ص357 (( تدليس الحديث الذي لم يسمعه الراوي ممن دلسه عنه بروايته إياه على وجه يوهم أنه سمعه منه )) ومثال هذا أن قتادة
كان قد سمع من أ نس، ثم سمع من غيره عن أنس مالم يسمعه من أنس، فربما بعض ذلك بقوله (( قال أنس.... )) ونحو ذلك، ثم ذكر الخطيب ص358 ما يؤخذ على المدلس، وهاك تلخيصه بتصرف:
أولاً: إيهامه السماع ممن لم يسمع منه(153/167)
ثانياً: إنما لم يبين لعلمه أن الواسطة غير مرضي
ثالثاً: الأنفه من الرواية عمن حدثه
رابعاً: إيهام علو الإسناد
خامساً: عدول عن الكشف إلى الاحتمال
أقول: هذه الأمور منتفية فيما كان يقع من الصحابة رضي الله عنهم من قول أحدهم فيما سمعه من / صحابي آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم: (( قال النبي صلى الله عليه وسلم )). أما الأول فلأن الإيهام إنما نشأ منذ عنى الناس بالإسناد، وذلك عقب حدوث الفتنة، وفي مقدمة صحيح مسلم (( عن ابن سيرين قال: لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم.. .. )) فمن حينئذ التزم أهل العلم الإسناد فأصبح هو الغالب حتى استقر في النفوس وصار المتبادر من قول من قد ثبت لقاؤه لحذيفة (( قال حذيفة سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول.. . )) أو نحو ذلك أنه أسند، ومعنى الإسناد أنه ذكر من سمع منه فيفهم من ذاك القول أنه سمع من حذيفة، فلو قال قائل مثل ذلك مع إنه لم يسمع ذاك الخبر من حذيفة وإنما سمعه ممن أخبر به عن حذيفة كان موهماً خلاف الواقع وهذا العرف لم يكن مستقراً في حق الصحابة لا قبل الفتنة ولا بعدها، بل عرفهم المعروف عنهم أنهم كانوا يأخذون عن النبي صلى الله عليه وسلم بلا واسطة، ويأخذ بعضهم بواسطة بعض، فإذا قال أحدهم (( قال النبي صلى الله عليه وسلم.... )) كان محتملاً أن يكون سمع النبي صلى الله عليه وسلم وأن يكون سمعه من صحابي آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم. فلم يكن في ذلك إيهام
وأما الثاني فلم يكن ثم احتمال لأن يكون الواسطة غير مرضي، لأنهم لم يكن أحد منهم يرسل إلا ما سمعه من صحابي آخر – يثق به وثوقه بنفسه- عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن أحد منهم يرسل ما سمعه من صبي أو من مغفل أو قريب العهد بالإسلام أو من مغموص بالنفاق أو من تابعي
وأما الثالث فلم يكن من شأنهم رضي الله عنهم
وأما الرابع فتبع الأول(153/168)
وأما الخامس فلا ضرر في الاحتمال مع الوثوق بأنه إذا كان هناك واسطة فهو صحابي آخر
قال أبو رية (( ذكر علماء الحديث أن أبا هريرة كان يدلس ))
أقول: إنما جاء في ذلك كلمة شاذة يغلب على ظني أنها مصحفة سيأتي الكلام عليها
وذكر ص165 ما حكى عن شعبة في ذم التدليس وقال (( ومن الحفاظ من جرح من عرف بهذا التدليس من الرواة فرد روايته مطلقاً وإن أتى بلفظ الاتصال ))
أقول: بعد أن استحكم العرف الذي مر بيانه نشأ أفراده لا يلتزمونه، وهم ضربان:
الضرب الأول من بين عدم التزامه فصار معروفاً عند الصحابة والآخذين عنه أنه إذا قال (( قال فلان )) ونحو ذلك وسمي بعض شيوخه احتمل أن يكون سمع الخبر مع ذاك الشيخ وأن يكون سمعه من غيره عنه. فهؤلاء هم المدلسون الثقات. وكان الغالب أنه إذا دلس أحدهم خبراً مرة أسنده على وجهه أخرى. وإذا دلس فسئل بين الواقع
والضرب الثاني من لم يبين بل يتظاهر بالالتزام ومع ذلك يدلس عمداً
وتدليس هذا الضرب الثاني حاصله إفهام السامع خلاف الواقع، فإن كان المدلس مع ذلك يتظاهر بالثقة كان ذلك حملاً للسامع ومن يأخذ عنه على التدين بذاك الخبر وإفتاء وقضاء(153/169)
فأما تدليس الضرب الأول فغايته أن يكون الخبر عند السامع محتملاً للاتصال وعدمه، وما يقال إن فيه إيهام الاتصال إنما هو بالنظر إلى العرف الغالب بين المحدثين، فأما النظر إلى عرف المدلس نفسه فما ثم إلا الاحتمال، فالضرب الثاني هو اللائق بكلمات شعبة ونحوها، وبالجرح وإن صرح بالسماع، فأما الضرب الأول فقد عد منهم إبراهيم النخعي وإسماعيل بن أبي خالد وحبيب بن أبي ثابت والحسن البصري والحكم بن عتيبة وحميد الطويل وخالد بن معدان وسعيد بن أبي عروبة وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة وسليمان التيمي والأعمش وابن جريج وعبد الملك بن عمير وأبو إسحاق السبيعي وقتادة وابن شهاب والمغيرة بن مقسم وهشيم بن بشير ويحيى بن أبي كثير ويونس بن عبيد، وهؤلاء كلهم ثقات أثبات أمناء مأمونون عند شعبة وغيره متفق على توثيقهم والاحتجاج بما صرحوا فيه بالسماع.
قال ابن القطان (( إذا صرح المدلس الثقة بالسماع قبل بلا خلاف، وإن عنعن ففيه الخلاف[فتح المغيث للسخاوي ص77] فأما الصحابة رضي الله عنهم فلا مدخل لهم في التدليس كما تقدم
قال ((ولو لم يعرف أنه دلس إلا مرة واحدة،نص على ذلك الشافعي رحمه الله ))
أقول: عبارته تعطي أن الشافعي يرى جرح المدلس مطلقاً ولو صرح بالسماع، وهذا كذب، وعبارة الشافعي في الرسالة ص379 (( ومن عرفناه دلس فقد أبان لنا عورته في روايته، وليست تلك العورة بالكذب فنرد بها حديثه، ولا النصيحة في الصدق فنقبل منه ما قبلنا من أهل النصيحة في الصدق )) فقلنا لا نقبل من مدلس
حديثاً حتى يقول فيه: حدثني أو سمعت ))(153/170)
/ قال (( وروى مسلم بن الحجاج عن بسر بن سعيد قال: اتقوا الله وتحفظوا من الحديث، فوالله لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة فيحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحدثنا عن كعب الأحبار، ثم يقوم، فأسمع بعض من كان معنا يجعل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كعب، وحديث كعب عن رسول الله، وفي رواية: يجعل ما قاله كعب عن رسول الله، وما قاله رسول الله عن كعب، فاتقوا الله وتحفظوا في الحديث ))
أقول: إنما يقع مثل هذا ممن يحضر المجلس من ضعفاء الضبط و من لا عناية له بالعلم، ومثل هؤلاء لا يوثقهم الأئمة ولا يحتجون بأخبارهم ولابد أن ينتبهوا لغلطهم وعلى كل حال فلا ذنب لأبي هريرة في هذا، ولم يزل أهل العلم يذكر أحدهم في مجلسه شيئاً من الحديث، ويذكر معه مفصولاً عنه ماهو من كلام بعض أهل العلم أو غيرهم وماهو من كلام نفسه، والحكاية نفسها تدل على أن أبا هريرة كان يبين، وإنما يقع الغلط لبعض الحاضرين
قال (( وقال يزيد بن هارون سمعت شعبة يقول: أبو هريرة كان يدلس، أي يروي ما سمعه من كعب وما سمعه من رسول الله ولا يميز هذا من هذا، ذكره ابن عساكر ))
أقول: هذه عبارة ابن كثير في البداية، ساق كلمة بسر المتقدمة ووصلها بهذه الحكاية، وهي حكاية شاذة لا أدري كيف سندها إلى يزيد، ويقع في ظني إن كان السند صحيحاً أنه وقع فيها تحريف، فقد يكون الأصل (( أبو حرة )) فتحرفت على بعضهم فقرأها (( أبو هريرة )) وأبو حرة معروف بالتدليس كما تراه في طبقات المدلسين لابن حجر ص17، وقوله (( أي يروي.. ... )) أراه من قول ابن عساكر بناه على قصة بسر السابقة. فقوله (( لا يميز هذا من هذا )) يعني لا يفصل بين قوله(153/171)
((قال النبي صلى الله عليه وسلم.. ... )) وقوله (( زعم كعب.. .. )) مثلاً بفصل طويل حتى يؤمن أو يقل الالتباس على ضعفاء الضبط، وتسمية هذا تدليساً غريب فلذلك قال ابن كثير وحكاه أبو رية (( وكأن شعبة يشير بهذا إلى حديث: من أصبح جنباً لا صيام له. فإنه لما حوقق عليه قال: أخبرنيه مخبر ولم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ))
أقول: يعني أنه قال أولاً (( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.. ...)) مع أنه إنما سمعه من بعض الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا هو إرسال الصحابي الذي تقدم أنه ليس بتدليس، ولكنه على صورته، والله أعلم
ثم قال أبو رية ص166 ((قال ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث ص50: وكان أبو هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، وإنما سمعه من الثقة عنه فحكاه ))
أقول: تتمة كلام ابن قتيبة (( وكذلك كان ابن عباس يفعل وغيره من الصحابة، وليس في /هذا كذب بحمد الله، ولا على قائله إن لم يفهمه السامع جناح إن شاء الله )). والمراد بالثقة الثقة من الصحابة على ما قدمت، وقدمت أن مثل ذلك من الصحابة كان عند السامعين محتملاً على السواء لأن يكون بلا واسطة وأن يكون بواسطة صحابي آخر، والمخبر الذي أخبر أبو هريرة صحابي كما يأتي
ثم قال أبو رية (( أول راوية اتهم في الإسلام.قال ابن قتيبة إنه لما أتى أبو هريرة من الرواية عنه صلى الله عليه وسلم ما لم يأت بمثله من صحبه من جلة أصحابه والسابقين الأولين اتهموه وأنكروا عليه وقالوا: كيف سمعت هذا وحدك؟ ومن سمعه معك؟ وكانت عائشة رضي الله عنها أشدهم إنكاراً عليه لتطاول الأيام بها وبه ))(153/172)
أقول: تتمة كلام ابن قتيبة (( فلما أخبرهم أبوهريرة بأنه كان ألزمهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم لخدمته وشبع بطنه.. .. فعرف مالم يعرفوا وحفظ ما لم يحفظوا، أمسكوا عنه )). وكلمة (( اتهموه )) كلمة نابية يتبرأ منها الواقع، فإنه لم يثبت عن أحد من الصحابة أنه اعترض على شيء من حديث أبي هريرة إلا عائشة و ابن عمر، فأما عائشة فيأتي قريبا ًقولها (( إنك لتحدث حديثاً ما سمعته )) فأجابها ذاك الجواب الصريح فأقرت، وقد تتبع أبو رية الأحاديث التي انتقدتها عائشة على أبي هريرة ويأتي الجواب الواضح عنها وأن أكثرها قد ثبت من رواية غير أبي هريرة من الصحابة، على أن انتقاد عائشة لها ليس على وجه الاتهام بكذب ونحوه- معاذ الله- وإنما فيه الاتهام بالخطأ وقد اتهمت عائشة بالخطأ عمر وابن عمر كما مر ص51 ويأتي. وقد عد الحاكم في المستدرك عائشة في الصحابة الذين رووا عن أبي هريرة كما يأتي، وأما ابن عمر فإنما استغرب حديثاً واحداً من حديث أبي هريرة فاستشهد أبو هريرة عائشة فشهدت فعاد ابن عمر بطيب الثناء على أبي هريرة وقال له (( يا أبا هريرة كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلمنا بحديثه )) وممن روى هذا الحاكم في المستدرك 510:3 وصححه وأقره الذهبي. وفي تهذيب التهذيب والإصابة (( وقال ابن عمر: أبو هريرة خير مني وأعلم )) زاد في الإصابة (( بما يحدث )) وفي الإصابة (( أخرج مسدد من طريق عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: كان ابن عمر إذا سمع أبا هريرة يتكلم قال: إنا نعرف ما يقول، لكنا نجبن ويجتريء )) وعاصم وأبوه ثقتان. وفي المستدرك 510:3 من طريق / ((.. . جرير عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رجل لابن عمر: إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله صلى اله عليه وسلم فقال ابن عمر: أعيذك بالله أن تكون في شك مما يجيء به، ولكنه اجترأ وجبنا )) هكذا ذكره الذهبي في تلخيص المستدرك (( جرير(153/173)
عن الأعمش.. .. )) وقد سمع أبو وائل من ابن عمر فأخشى أن يكون ذكر حذيفة مزيداً على سبيل الوهم. والله أعلم. وفي الإصابة ((روينا في فوائد المزكي تخريج الدارقطني من طريق عبد الواحد
بن زياد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رفعه: إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع على يمينه. فقال له مروان: أما يكفي أحدنا ممشاه إلى المسجد حتى يضطجع ؟ قال: لا. فبلغ ذلك ابن عمر فقال: أكثر أبو هريرة. فقيل لابن عمر: هل تنكر شيئاً مما يقول؟ قال: لا، ولكنه اجترأ وجببنا. فبلغ ذلك أبا هريرة فقال: ما ذنبي إن كنت حفظت ونسوا، وقد روى ابن عمر عن أبي هريرة كما في التهذيب وغيره
قال أبو رية (( وممن اتهم أبا هريرة بالكذب عمر وعثمان وعلي ))
أقول: هذا أخذه من كتاب ابن قتيبة، وإنماحكاه ابن قتيبة عن النظام بعد أن قال ابن قتيبة (( وجدنا النظام شاطراً من الشطار، يغدوا على سكر ويروح على سكر ويبيت على جرائرها، ويدخل في الأدناس، ويرتكب الفواحش والشائنات.. . ثم ذكر أشياء من آراء النظام المخالفة للعقل والإجماع، وطعنه على أبي بكر وعمر وعلي وابن مسعود وحذيفة. فمن كان بهذه المثابة كيف يقبل نقله بلا سند؟(153/174)
ومن الممتنع أن يكون وقع من عمر وعثمان وعلي وعائشة أو واحد منهم رمي لأبي هريرة بتعمد الكذب أو اتهام به ثم لا يشتهر ذلك ولا ينقل إلا بدعاوى من ليس بثقة ممن يعادي السنة والصحابة كالنظام وبعض الرافضة، وقد تقدم ويأتي ثناء بعض أكابر الصحابة على أبي هريرة وسماع كثير منهم منه وروايتهم عنه، وأطبق أئمة التابعين من أبناء أولئك الأربعة وأقاربهم وتلاميذهم على تعظيم أبي هريرة والرواية عنه والاحتجاج بأخباره وعند أهل البدع من المعتزلة والجهمية والرافضة والناصبة حكايات معضلة مثل هذه الحكاية تتضمن الطعن القبيح في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعائشة وغيرهم، وفي كثير منها ما هو طعن في النبي صلى الله عليه وسلم. والحكم في ذلك واحد، وهو تكذيب تلك الحكايات البتة.
/ قال أبو رية (( ولما قالت له عائشة: إنك لتحدث حديثاً ما سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم، أجابها بجواب لا أدب فيه ولا وقار إذ قال لها.. . شغلك عنه صلى الله عليه وسلم المرآة والمكحلة. وفي رواية: ما كانت تشغلني عنه المكحلة والخضاب، ولكن أرى ذلك شغلك ))(153/175)
أقول: تتمة الرواية الأخيرة كما في البداية (( فقالت: لعله )). والذي أنكره أبو رية من جواب أبي هريرة عظيم الفائدة للباحث المحقق، وذلك أن أبا هريرة كان شديد التواضع، وقد تقدم أمثلة من ذلك، وعائشة معروفة بالصرامة وقوة العارضة، فجوابه يدل على قوة إدلاله بصدقه ووثوقه بحفظه، ولو كان عنده أدنى تردد في صدقه وحفظه لاجتهد في الملاطفة، فإن المريب جبان، وسكوت عائشة بل قولها (( لعله )): أي لعل الأمر كما ذكرت يا أبا هريرة. يدل دلالة واضحة أنه لم يكن عندها ما يقتضي اتهام أبي هريرة، هذا وحجة أبي هريرة واضحة فإن عائشة لم تكن ملازمة للنبي صلى الله عليه وسلم بل انفردت عن الرجال بصحبته صلى الله عليه وسلم في الخلوة، وقد انفردت بأحاديث كثيرة تتعلق بالخلوة وغيرها فلم ينكرها عليها أحد، ولم يقل أحد- ولا ينبغي أن يقول-: إن سائر أمهات المؤمنين قد كان لهن من الخلوة بالنبي صلى الله عليه وسلم مثل ما لها فما بال الرواية عنهن قليلة جداً بالنسبة إلى رواية عائشة
قال (( وعلى أنه لم يلبث أن عاد فشهد بأنه أعلم منه.. .. ذلك أنه لما روى حديث ( من أصبح جنباً فلا صوم عليه ).. أنكرت عليه عائشة هذا الحديث فقالت: إن رسول الله كان يدركه الفجر وهوجنب من غير احتلام فيغتسل ويصوم، وبعثت إليه بأن لا يحدث بهذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يسعه إزاء ذلك إلا الإذعان والاستخذاء وقال: إنها أعلم مني، وأنا لم أسمعه من النبي، وإنما سمعته من الفضل بن العباس(153/176)
أقول: لم أجد حديث أبي هريرة هذا بلفظ (( فلا صوم عليه )) وإنما وجدته بلفظ (( فلا يصم )) ولا ريب أنه كان في رمضان يلزمه قضاء ذاك اليوم. هذا وقوله (( هي أعلم )) لا يناقض جوابه المتقدم، وإنما المعنى هي أعلم بذاك الشأن الذي تتعلق به المسألة ووجه ذلك واضح، وقد عرفت صرامة عائشة وشدة إنكارها ماترى أ نه خطأ، وسيأتي طرف من ذلك – وشدتها على أبي هريرة خاصة فاقتصارها إذ بلغها حديثه هذا على أن بعثت إليه أن لا يحدث بهذا الحديث / وذكرها فعل النبي صلى الله عليه وسل يدل دلالة قوية أنها عرفت الحديث ولكنها رأت أنه منسوخ بفعل النبي صلى الله عليه وسلم. ويؤيد هذا أن ابن اختها وأخص الناس بها وأعلمهم بحديثها عروة بن الزبير استمر قوله على مقتضى الحديث الذي ذكره أبو هريرة، وهذا ثابت عن عروة، وانظر فتح الباري 14:4، وذكر مثله أو نحوه عن طاوس وعطاء وسالم بن عبد الله بن عمر والحسن البصري وإبراهيم النخعي ، وهؤلاء من كبار فقهاء التابعين بمكة والمدينة والبصرة والكوفة، والنظر يقتضي هذا، وشرح ذلك يطول، وكأن عروة حمل فعل النبي صلى الله عليه وسلم الذي ذكرته عائشة على الخصوصية أو غيرها مما لا يقتضي النسخ، واستدل الجمهور على النسخ بقول الله تعالى ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ) قالوا فهذه الآية نسخت بالإجماع ما كان قبل ذلك من تحريم الجماع في ليالي رمضان بعد النوم وهي تتضمن إحلاله في آخر جزء من الليل بحيث ينتهي بانتهاء الليل، ومن ضرورة ذلك أن يصبح جنباً فهذان شاهدا عدل بصحة حديث أبي هريرة وصدقه: الأول اقتصار عائشة على ما اقتصرت عليه، الثاني مذهب تلميذها وابن اختها عروة، وثم شاهد ثالث وهو أن المتفق عليه بين أهل العلم وعليه دل القرآن أنه كان الحكم أولاً تحريم الجماع في ليالي رمضان بعد النوم، وأن من فعل ذلك لم يصح صومه ذلك اليوم، والحكمة من ذلك والله أعلم أن يطول الفصل بني الجماع وبين طول الفجر، ولما كان من(153/177)
المحتمل أن يلجأ بعض الناس إلى السهر طول الليل ويجامع قبيل الفجر بحجة أنه جامع قبل النوم ناسب ذلك أنه يحرم كونه جنباً عند طلوع الفجر ليضطر من يريد الجماع ممن يسهر إلى أن يقدمه قبل الفجر بمدة تتسع له وللغسل بعده فيحصل بذلك المقصود من طول الفصل، وهذا هو مقتضى حديث أبي هريرة، وشاهد رابع وهو أنا مع علمنا بصدق أبي هريرة وأمانته لو فرضنا جدلاً خلاف ذلك فأي غرض شخصي لأبي هريرة في أن يرتكب الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم ليحمل الناس على ما تضمنه حديثه؟ لا غرض له البتة، وإذاً فلابد أن يكون كان عنده دليل فهم منه ذلك وقد عرفنا أن قلماً يلجأ إلى الاستنباط الدقيق وإنما يتمسك بالنصوص، وقد نص هو على أن دليله هو ذاك الحديث فبان أن الحديث كما عنده،
فهذه أربعة شهود على صدق أبي هريرة في هذا الحديث، وفوق ذك ماثبت من دينه وأمانته ودل عليه الكتاب والسنة كما يأتي في فصل عدالة الصحابة و شهد به جمع من الصحابة وأجمع عليه أهل العلم، فهذا هو الحق، وماذا بعد الحق إلا الضلال؟
قال أبو رية (( فاستشهد ميتاً، وأوهم الناس أنه سمع الحديث من رسول الله صى الله عليه وسلم كما قال ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث ))(153/178)
أقول: قد تقدم أن الصحابة كان يأخذ بعضهم عن بعض، ويقول لأحدهم فيما سمعه من أخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم: (( قال النبي صلى الله عليه وسلم.. ... )) وكان ذلك يفهم على الاحتمال بدون إيهام لاشتهار عرفهم به قبل عرف المحدثين. وقد أخذ أبو هريرة عن غيره من الصحابة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وعقب وفاته ثم طال عمره حتى كانت قضية هذا الحديث في إمارة مروان على المدينة وذلك في خلافة معاوية، وكان معظم الصحابة قد ماتوا، فما الذي يستغرب من أن يكون مخبر أبي هريرة قد مات وقد تقدم بيان الأدلة الواضحة على صدق أبي هريرة وحديثه هذا، لكن انظر إلى عبارة أبي رية في قوه (( فاستشهد.. ... كما قال ابن قتيبة.. .... )) ألا ترى أن هذا الخبر يعطي أن ابن قتيبة قال ذلك من عنده وأنه رأيه، لكن الواقع أن ابن قتيبة إنما حكى ذلك عن النظام بعد أن وصفه بما تقدم ثم رد عليه، فماذا تقول في أبي رية؟
ثم قال ص168 (( وكان علي رضي الله عنه سيئ الرأي فيه، وقال عنه: ألا إنه أكذب الناس، أو قال: أكذب الأحياء على رسول الله لأبو هريرة ))
أقول: لم يذكر أبورية مصدره فنفضحه، وكأنه أخذ هذا من كتاب عبد الحسين الرافضي ( ظلمات بعضها فوق بعض ) انظر ص119
ثم رأيت مصدره وهو شرح النهج لابن أبي الحديد 360:1 حكاية عن الاسكافي، ومع تهور ابن أبي الحديد والاسكافي فالعبارة هناك (( وقد روى عن علي عليه السلام أنه قال.. ... )) ولكن أبا رية يجزم. راجع ص109
قال (( ولما سمع أنه يقول: حدثني خليلي. قال له: متى كان النبي خيلك؟(153/179)
أقول: هذا من دعاوي النظام على علي وقد كان أبو ذر يقول هذه الكلمة، والنبي صلى الله عليه وسلم خليل كل مؤمن وإن لم يكن أحد من الخلق خليلاً له صلى الله عليه وسلم لقوله (( لو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبي بكر )) والخليل كالحبيب فكما أنه لا يلزم من كون إنسان حبيبك أن تكون حبيبه فكذلك الخليل، والخلة أعظم من المحبة فلا يلزم من نفي الخلة نفي المحبة
قال أبو رية (( ولما روى حديث: متى استيقظ أ حدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يضعها في الإناء / فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده )) لم تأخذ به عائشة وقالت: كيف نصنع بالمهراس )) وعلق عليه: (( المهراس صخر ضخم منقور لا يحمله الرجال ولا يحركونه يملؤنه ماء ويتطهرون ))
أقول: قد أسلفت (ص108)أن عائشة لم تتكلم في هذا الحديث بحرف، وإنما يروى عن رجل يقال له قين الأشجعي[مسند أحمد 382:2] أنه قال لأبي هريرة لما ذكر الحديث (( فكيف تصنع إذا جئنا مهراسكم هذا ؟ )) قال أبو هريرة (( أعوذ بالله من شرك )) كره أبو هريرة أن يقول مثلاً: إن المهراس ليس بإناء، والعادة أن يكون ماء الإناء قليلاً، وماء المهراس كثيراً، أو يقول: أرأيت لو كانت يدك ملطخة بالقذر ؟ أو يقول: إن وجدت ماء غيره أو وجدت ما تغرف به فذاك وإلا رجوت أن تعذر، أو نحو ذلك، لأن أبا هريرة رض الله عنه كان يتورع تشقيق المسائل، ويدع ذلك لمن هو أجرأ وأشد غوصاً على المعاني فيه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يلتزم في الوضوء أن يغسل يديه ثلاثاً قبل إدخالهما الإناء، ثبت ذلك من حديث عثمان وعبد الله بن زيد، ولا يخفى ما في ذلك من رعاية النظافة والصحة
قال أبو رية (( ولما سمع الزبير أحاديثه قال: صدق، كذب ))(153/180)
أقول:عزاه إلى البداية 109:8وهوهناك عن ابن إسحاق عن عمر- أو عثمان - بن عروة بن الزبير عن عروة قال (( قال لي أبي – الزبير- أدنني من هذا اليماني - يعني أبا هريرة- فإنه يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدنيته منه، فجعل أبو هريرة يحدث، وجعل الزبير يقول: صدق، كذب. صدق، كذب. قال قلت: يا أبت ماقولك: صدق كذب؟ قال: يا بني إما أن يكون سمع هذه الأحاديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا أشك فيه، ولكن منها ما يضعه على مواضعه ومنها ما وضعه على غير مواضعه ))
أقول: في خطبة أبي بكر الصديق رضي الله عنه (( إنكم تقرءون هذه الآية ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذ اهتديتم ) الآية، وإنكم تضعونها على غير موضعها وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن(153/181)
الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه أوشك الله أن يعمهم بعقابه )) انظر تفسير ابن كثير 257: فالوضع على غير الوضع ليس بتغيير اللفظ، فإن الناس لم يغيروا من لفظ الآية شيئاً، وإنما هو الحمل على المحمل الحقيقي، ومثال ذلك في الحديث أ ن/ يذكر أبو هريرة حديث النهي عن الادخار من لحوم الأضاحي فوق ثلاث، وحديث النهي عن الانتباذ في الدباء والنقير والمزفت، فيرى الزبير أن النهي عن الادخار إنما كان لأجل الدافة، وأن النهي عن الانتباذ في تلك الآنية إنما كان إذ كانوا حديثي عهد بشرب الخمر، لأن النبيذ في تلك الآنية يسرع إليه التخمر، فقد يتخمر فلا يصبر عنه حديث العهد بالشرب ونحو ذلك. وأن أبا هريرة إذ أخبر بذلك على إطلاقه يفهمه الناس على إطلاقه، وذلك وضع له على غير موضعه،ففي القصة شهادة الزبير لأبي هريرة بالصدق في النقل، فأما ما أخذه عليه فلا يضر، فإن في الأحاديث الناسخ والمنسوخ والعام والخاص والمطلق والمقيد، وقد يعلم الصحابي هذا دون ذاك، فعليه أن يبلغ ما سمعه، والعلماء بعد ذلك يجمعون الأحاديث والأدلة ويفهون كلاً منها بحسب ما يقتضيه مجموعا، وراجع ص32
قال أبو ريةص169 وعن أبي حسان الأعرج أن رجلين دخلا على عائشة فقالا : إن أبا هريرة يحدث عن رسول الله : إنما الطيرة في المرأة والدابة والدار فطارت شققا ثم قالت : كذب والذي أنزل القرآن على أبي القاسم من حدث بهذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أهل الجاهلية يقولون :إن الطيرة في الدابة والمرأة والدار ثم قرأت ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها(153/182)
أقول: أخرج أحمد وأبو داود بسند جيد عن سعد بن أبي وقاص مرفوعاً (( لا عدوى ولا طيرة ولا هام ، إن تكن الطيرة في شيء ففي الفرس والمرأة والدار )) انظر مسند أحمد الحديث 502 و 554. وفي فتح الباري 45:6 (( الطيرة والشؤم بمعنى واحد )) وفي الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عمر قال (( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (( إنما الشؤم في ثلاثة في الفرس والمرأة والدار )) لفظ البخاري في كتاب الجهاد- باب ما يذكر من شؤم الفرس، وفي الصحيحين وغيرهما من حديث سهل بن سعد مرفوعاً ((إن كان ففي المرأة والفرس والمسكن )) زاد مسلم (( يعني الشؤم )) وجاء نحوه بسند جيد عن أم سلمة وزادت (( والسيف )) راجع فتح الباري 47:6 وفي صحيح مسلم من حديث جابر مرفوعاً (( إن كان في شيء ففي الربع والخادم والفرس ))
أما روايته عن أبي هريرة فعزاه أبو رية إلى تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة وقد رواه الإمام أحمد/ في المسند 150:6 و 240و 246 من طريق قتادة عن أبي حسان وليس بالصحيح عن عائشة لأن قتادة مدلس ولو صح عن عائشة لما صح المنسوب إلى أبي هريرة لجهالة الرجلين، وليس في شيء من روايات أحمد لفظ (( كذب )) ولو صحت لكانت بمعنى (( أخطأ )) كما يدل عليه آخر الحديث. وقد تبين أنه لا خطأ، فقد رواه جماعة من الصحابة كما علمت، فأما معناه والجمع بينه وبين الآية فيطلب من مظانه
قال أبو رية (( وأنكر عليه ابن مسعود قوله: من غسل ميتاً.. .. وقال فيه قولاً شديداً ثم قال: يا أيها الناس لا تنجسوا موتاكم ))(153/183)
أقول: عزاه إلى جامع بيان العلم لابن عبد البر 85:2 وهو هناك بغير إسناد، وفي سنن البيهقي 1: 307 عن ابن مسعود (( إن كان صاحبكم نجساً فاغتسلوا وإن كان مؤمناً فلم تغتسل؟ )) وسنده واه وقد جاء الغسل من غسل الميت من حديث علي وفعله ومن حديث عائشة وحذيفة وأبي سعيد والمغيرة، راجع سنن البيهقي 229:1 –370 وتلخيص الجبير ص50و 157. فمن أهل العلم من يستحب، ومنهم من يوجب، ومنهم من يقول: منسوخ، ومنهم من ينكر. ويظهر لي أن من جعله من باب التطهير لحدث أو نجس قد أبعد، ومن أنكره لأن الميت ليس بنجس قد أبعد، وإنما هو لمعنى آخر، والعارفون بعلم النفس والصحة يرون له تعلقاً بذلك والله أعلم
قال ولما روى حديث إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع على يمينه فقال له مروان: أما يكفي أحدنا ممشاه إلى المسجد حتى يضطجع ؟ فبلغ ذلك ابن عمر فقال: أكثر أبو هريرة ))
أقول: تصرف أبو رية في هذا، والحديث في سنن أبي داود في آخره (( قال فقيل لابن عمر: هل تنكر شيئاً مما يقول؟ قال: لا، ولكنه اجترأ وجبنا، قال فبلغ ذلك أبا هريرة فقال: ما ذنبي إن كنت حفظت ونسوا )) وقد تقدم ص119 مع بعض ما يناسبه.
وفي الصحيحين وغيرهما من حديث عائشة رضي الله عنه قالت (( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع على شقه الأيمن ))
قال أبو رية (( ولا نستوفي ذكر انتقاد الصحابة له والشك في روايته.. .... ))
أقول: قد ا تضح بحمد الله عزوجل الجواب عما ذكر، ومنه يعلم حال مالم يذكر
قال (( وقد امتد الإنكار عليه واتهامه في رواياته إلى من بعد الصحابة ))
أقول: قد تبين أنه لم يتهمه أحد من الصحابة، بل أثنوا عليه وسمعوا منه ورووا عنه، وسيأتي تمام ذلك/ وتبين قيام حجته الواضحة في أكثر ماانتقد عليه، وعذره الواضح في ما بقي، وبذلك سقط ما يخالفه من كلام من دونهم، وسنرى(153/184)
قال (( روى محمد بن الحسن عن أبي حنيفة أنه قال: أقلد من كان من القضاة المفتين من الصحابة كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي والعبادلة الثلاثة، ولا أستجيز خلافهم برأيي إلا ثلاثة نفر _ وفي رواية : أقلد جميع الصحابة ولا أستجيز خلافهم برأيي إلا ثلاثة نفر : أنس بن مالك وأبو هريرة وسمرة بن جندب )) فقيل له في ذلك، فقال: أما أنس فاختلط في آخر عمره، وكان يستفتى فيفتي من عقله، وأنا لا أقلد عقله، وأما أبو هريرة فكان يروي كل ما سمع من غير أن يتأمل في المعنى ومن غير أن يعرف الناسخ من المنسوخ ))
أقول: عزا أبو رية هذه الحكاية إلى مختصر كتاب المؤمل لأبي شامة، وأبو شامة من علماء الشافعية في القرن السابع بينه وبين محمد بن الحسن عدة قرون، ولا ندري من أين أخذ هذا، وقد احتاج العلامة الكوثري في رسالته ( الترحيب ) ص24 إلى هذه الحكاية، ومع سعة اطلاعه على كتب أصحابه الحنفية وغيرهم لم يجد لها مصدراً إلا مصدر أبي رية هذا.وحكاية مثل هذا عن محمد بن الحسن عن أبي حنيفة لا توجد في كتب الحنفية أي قيمة لها ؟
هذا والحكاية لا تتعرض للأحاديث التي يرويها الصحابة، وإنما تتعلق بقول الصحابي الموقوف عليه هل يجوز لمن بعده مخالفته برأيه؟ فحاصلها أن أبا حنيفة يقول إنه لا يخالف قول أحد من الصحابة برأيه سوى أولئك الثلاثة. فأقول: أما أنس فيراجع طليعة التنكيل الطبعة الثانية ص 101و 108. وأما أبو هريرة فقوله فيه (( يروى كل ما سمع )) يعني بها كل ما سمعه من الأحاديث، وليس هذا بطعن في روايته ولا هو المقصود، وإنما هو مرتبط بما بعده وهو قوله (( من غير.. .)) والمدار على هذا، يقول:إنه لأجل هذا لا يوثق بما قاله برأيه إذ قد يأخذه من حديث منسوخ ونحو ذلك، وسيأتي ما فيه )) [وقال أبو رية في حاشية ص334 من أجل ذلك لم يأخذ أبو حنيفة بما جاء عن أبي هريرة وأنس بن مالك وسمرة... كذا يقول أبو رية، فانظر واعتبر !(153/185)
وفي الحاشية (( قال في مرآة الوصول وشرحها مرقاة الأصول من أصول الحنفية رحمهم الله في بحث الراوي:وهو إن عرف بالرواية فإن كان ففيها تقبل منه الرواية مطلقاً سواء وافق القياس أوخالفه. وإن لم يكن ففيه ( كأبي هريرة وأنس ) رضي الله عنهما فترد روايته ))
أقول: في هذا أمران، الأول أن الصواب (( في مرقاة الوصول وشرحها مرآة الأصول )). الثاني أن مؤدى العبارة على ما نقله أبو رية رد رواية أبي هريرة وأنس ونحوهما مطلقاً، لكن تمام العبارة في مصدره (( إن لم يوافق- الحديث الذي رواه - قياساً أصلاً، حتى إن وافق قياساً وخالف قياساً تقبل )) على أن / هذا القول قد رده محققو الحنفية، قال ابن الهمام في التحرير (( وأبو هريرة فقيه )) قال شارحه ابن أمير الحاج 251:2 )) لم يعدم شيئاً من أسباب الاجتهاد، وقد أفتى في زمن الصحابة، ولم يكن يفتي في زمنهم إلا مجتهد، وروى عنه أكثر من ثمانمائة رجل من بين صحابي وتابعي، منهم ابن عباس وجابر وأنس، وهذا هو الصحيح ))
ذكر أبو رية في الحاشية أن قوله (( يروي كل ما سمع )) إشارة إلى حديث (( كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما يسمع ))
أقول: هذا الحديث عام يشمل ما يسمع مما يعلم أو يظن أنه كذب، وأبو هريرة إنما كان يحدث بالعلم، بما يعلم أو يعتقد أنه صدق، فأين هذا من ذاك؟
وقال ص170 (( وروى أبو يوسف قال قلت لأبي حنيفة: الخبر يجئني عن رسول الله يخالف قياسنا، ما نصنع به؟ فقال : إذا جاءت به الرواة الثقات عملنا به وتركنا الرأي. فقلت: ما تقول في رواية أبي بكر وعمر؟ قال: ناهيك بهما. فقلت: وعلي وعثمان، قال: كذلك، فلما رآني أعد الصحابة قال: والصحابة كلهم عدول ما عدا رجالاً – وعد منهم أبا هريرة وأنس بن مالك ))
أقول: لم يذكر مصدره. وهذه عادته ( الحميدة ) في تدليس بلاياه، ثم وجدت مصدره وهو شرح نهج البلاغه لابن أبي الحديد 360:1 عن أبي جعفر الاسكافي فراجع ما تقدم ص109.(153/186)
ولا ريب أن هذا لا يصح عن أبي يوسف ولا أبي حنيفة، والمعروف عنهما وعن أصحابهما في كتب العقائد والأصول وغيرها ما عليه سائر أهل السنة أن الصحابة كلهم عدول، وإنما يقول بعضهم إن فيهم من ليس بفقيه أو مجتهد، قال ابن الهمام في التحرير ((.. . يقسم الراوي الصحابي إلى مجتهد كالأربعة والعبادلة، فيقدم على القياس مطلقاً، وعدل ضابط كأبي هريرة وأنس وسلمان وبلال فيقدم، إلا أن خالف كل الأقيسة على قول عيسى والقاضي أبي زيد.. ...)) ثم قال بعد ذلك (( أبو هريرة مجتهد )) كما تقدم. وغير عيسى وأبي زيد ومن تبعه يرون تقديم الخبر مطلقاً. راجع فواتح الرحموت 145:2
ثم حكى أبو رية ما روي عن إبراهيم: (( كان أصحابنا يدعون من حديث أبي هريرة، ما كانوا يأخذون بكل حديث أبي هريرة، كانوا يرون في حديث أبي هريرة شيئاً ما كانوا يأخذون بكل حديث أبي هريرة إلا ما كان من حديث صفة جنة أو نار أو حث على عمل صالح أو نهى عن شر جاء بالقرءان، دعني من حديث أبي هريرة، إنهم كانوا يتركون كثيراً من حديثه ))
أقول: ذكر ابن كثير في البداية 109:8 بعض هذه الكلمات عن ابن عساكر، ولم يسق السند بتمامه، وباقيها أخذه أبو رية من شرح النهج لابن أبي الحديد 360:1 حكاه ابن أبي الحديد عن الاسكافي، وراجع ص 109، وقد تقدم ص 121 أخذ إبراهيم بحديث أبي هريرة الذي أخبرت عائشة بخلافه فترك أبو هريرة / الإفتاء به وقال (( إنما حدثنيه الفضل بن عباس )) وأخذ به يدل على ثقة بالغة بأبي هريرة وحديثه، ثم إن صحت تلك الكلمات أو بعضها فقوله (( كان أصحابنا )) يريد بهم أشياخه من الكوفيين وإليهم يرجع الضمير في قوله (( كانوا )) وحتى هذه الكلمات- إن صحت عن إبراهيم – أن تنتقد عليه لا على أبي هريرة.(153/187)
وقد تقدم بيان حال أبي هريرة عند الصحابة وثناؤهم عليه وسماعهم منه وروايتهم عنه، ويأتي لذلك مزيد، وبان سقوط كل ماخالف ذلك من مزاعم أهل البدع وظهرت حجة أبي هريرة فيما انتقده بعضهم عليهم، ثم إن التابعين من أهل الحجاز وعلمائه وهم أبناء علماء الصحابة وتلاميذهم والذين حضروا مناظرتهم لأبي هريرة وعرفوا حقيقة رأيهم فيه أطبقوا هم وعلماء البصرة والشام وسائر الأقطار- سوى ما حكي عن بعض الكوفيين- على الوثوق التام بأبي هريرة وحديثه. وقد كان بين الكوفيين والحجازيين تباعد، والكوفيون نشأوا على الأحاديث التي عرفوها من رواية الصحابة الذين كانوا عندهم، ثم حاولوا تكميل فقههم بالرأي وجروا على مقتضاه، ثم كانوا إذا جاءهم بعد ذلك حديث بخلاف ما قد جروا عليه وألفوه تلكأوا في قبوله وضربوا له الأمثال، وإذ كان أبو هريرة مكثرا كانت الأحاديث التي جاءتهم عنه بخلاف رأيهم أكثر من غيره، فلهذا ثقل على بعضهم بعض حديثه، وساعد على ذلك ما بلغهم أن بعض الصحابة قد انتقد بعض أحاديث أبي هريرة، وقد كان أهل الحجاز أيضاً ينفرون عن الأحاديث التي تأتيهم عن أهل العراق حتى اشتهر قولهم: نزلوا أهل العراق منزلة أهل الكتاب، لا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وعلى كل حال فقد ا نحصر مذهب أهل العراق في أصحاب أبي حنيفة، وقد علمت بأن أبا هريرة عندهم عدل ضابط، واعتراف محققيهم بأنه مع ذلك فقيه مجتهد، والأحاديث التي يخالفونها من مروياته سبيلها سبيل ما يخالفونه من مرويات غيره من الصحابة، والحق أحق أن يتبع، والله الموفق
قال أبو رية ص 171 (( وقال أبو جعفر الاسكافي: وأبو هريرة مدخول عند شيوخنا غير مرضي بالرواية ))
أقول:
يفيض إلى كل امرئ غير طائل
وقد زادني حباً لنفسي أنني
قال (( ضربه عمر وقال: أكثرت من الحديث، وأحرى بك أن تكون كاذباً على رسول الله ))
أقول: عزاه أبو رية إلى شرح النهج لابن أبي الحديد، وقد مر النظر فيه ص 109)) وراجع ص 119(153/188)
قال: وفي الأحكام للآمدي (( أنكر الصحابة على أبي هريرة كثرة روايته..))
أقول: قد فرغنا من هذا
/ قال (( وجرت مسألة المصراة في مجلس الرشيد، فتنازع القوم فيها وعلت أصواتهم، فاحتج بعضهم بالحديث الذي رواه أبو هريرة، فرد بعضهم الحديث وقال: أبو هريرة متهم، ونحا نحوه الرشيد ))
أقول: جواب الحكاية في تتمتها التي حذفها أبو رية وأخفى المصدر، وقد كنت وقعت عليها بتمامها في تاريخ بغداد أحسب، ولم أهتد إليها الآن، وقد كان يحضر مجلس الرشيد بعض رؤوس البدعة كبشر المريسي
وذكر أبو رية كلاما لجولد زيهر اليهودي وغيره من المستشرقين لا شأن لنا به لأننا نعرف هؤلاء، وافتراءهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى القرآن، وراجع ص 72و 94و 99
وقال أبو رية ص 172 (( أخذه عن كعب الأحبار.. ... اليهودي الذي أظهر إسلامه خداعاً وطوى قلبه على يهوديته ))
أقول: قد تقدم النظر في حال كعب بما فيه كفاية، وسيلقى المجازف عاقبة تهجمه ( ستكتب شهادتهم ويسألون )
ثم ذكر رواية الصحابة عن كعب، وقد تقدم النظر في ذلك ص73و 110و 115
قال (( ويبدو أن أبا هريرة كان أول الصحابة انخداعا وثقة فيه ))
أقول: إنما الثابت أنه حكى عنه شيئاً مما نسبه كعب إلى صحف أهل الكتاب،
وليس في هذا ما يدل على ثقة
قال (( ورواية عنه وعن إخوانه ))
أقول: إننا نتحدى أبا رية أن يجمع عشر حكايات مختلفة يثبت أن أبا هريرة رواها عن كعب، فأما إخوانه فعبد الله بن سلام لا يطعن فيه مسلم، وتميم الداري قريب منه، ولعله لا يثبت لأبي هريرة عن كل منهما إلا خبر واحد
وذكر كلاماً من تهويله تعرف قيمته من النظر في شواهده(153/189)
قال (( فقد روى الذهبي في طبقات الحفاظ في ترجمة أبي هريرة أن كعباً قال فيه، أي في أبي هريرة: ما رأيت أحداً لم يقرأ التوراة أعلم بما فيها من أبي هريرة. ورواية البيهقي في المدخل من[في كتاب أبي رية ((في)) ]طريق بكر بن عبد الله عن [فيه ((بن)) ]أبي رافع أن أبا هريرة لقي كعباً فجعل يحدثه ويسأله، فقال لكعب: ما رأيت رجلاً لم يقرأ التوراة أعلم بما في التوراة من أبي هريرة ))
أقول: هي حكاية واحدة. فالذي في كتاب الذهبي (( الطيالسي أخبرنا عمران القطان عن بكر بن عبد الله عن أبي رافع.. ... )) فذكرها. وعمران القطان ضعيف ولا يتحقق سماعه من بكر، وفي القرآن والسنة قصص كثيرة مذكورة في التوراة الموجودة بأيدي أهل الكتاب الآن،فإذا تتبعها أبو هريرة وصار يذكرها لكعب كان ذلك كافياً لأن يقول كعب تلك الكلمة، ففيم التهويل الفارغ؟
/ قال (( ومما يدلك على أن هذا الحبر الداهية قد طوى أبا هريرة تحت جناحه حتى جعله يردد كلام هذا الكاهن بالنص ويجعله حديثاً مرفوعاً ما نورد لك شيئاً منه، روى البزار [عن أبي سلمة] عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الشمس والقمر ثوران في النار يوم القيامة. فقال الحسن: وما ذنبهما؟ فقال [أبو سلمة]: أحدثك عن رسول الله وتقول: ما ذنبهما؟. وهذا الكلام نفسه قد قاله
كعب بنصه، فقد روى أبو يعلى الموصلي قال كعب: يجاء بالشمس والقمر كأنهما ثوران عقيران فيقذفان في جهنم ))
أقول: عزاه أبو رية إلى حياة الحيوان، وسيأتي ما فيه
قال البخاري في باب صفة الشمس والقمر من بدء الخلق من صحيحه حدثنا مسدد حدثنا عبد العزيز بن المختار حدثنا عبد الله الداناج قال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الشمس والقمر مكوران يوم القيامة(153/190)
وفي فتح الباري 214:6 أن البزار والاسماعيلي والخطابي أخرجوه من طريق يونس بن محمد بن عبد العزيز بن المختار، وزادوا بعد كلمة(مكوران): (( في النار ))
أما حياة الحيوان للدميري مصدر أبي رية فإنه ذكر أولاً حديث البخاري،ثم حديث البزار وفيه (( ثوران )) كما مر، وظاهر ما في فتح الباري أوصريحه أن الذي في رواية البزار والاسماعيلي والخطابي (( مكوران )) كرواية البخاري لا (( ثوران )) [ثم وجدت بعضهم نقل رواية البزار بلفظ ((ثوران مكوران )) جمع بين الكلمتين]ثم قال الدميري: وروى الحافظ أبو يعلى الموصلي من طريق درست بن زياد عن يزيد الرقاشي، وهما ضعيفان، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:الشمس والقمر ثوران عقيران في النار، وقال كعب الأحبار: يجاء الشمس والقمر يوم القيامة كأنهما ثوران عقيران فيقذفان في جهنم ليراهما من عبدهما، كما قال الله تعالى ( إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم ) الآية
درست ويزيد تالفان، فالخبر عن أنس وكعب ساقط، مع أنه لم يتبين من القائل (( قال كعب.. ... )) ؟ وبهذا يعلم بعض أفاعيل أبي رية فأما المتن كما رواه البخاري
فمعناه في كتاب الله عزوجل، ففي سورة القيامة ( وخسف القمر وجمع الشمس والقمر ) وفي سورة التكوير ( إذا الشمس كورت )
وزيادة غير البخاري (( في النار )) يشهد لها قول الله تعالى ( 98:21 إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون ) وفي صحيح البخاري وغيره من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعاً في صفة الحشر: (( ثم ينادي مناد: ليذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون. فيذهب أصحاب الصليب مع صليبهم،وأصحاب / الأوثان مع أوثانهم وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم )) والحديث في صحيح مسلم وفيه (( فلا يبقى أحد كان يعبد غير الله من الأصنام والأنصاب إلا يتساقطون في النار ))(153/191)
وفي الصحيحين حديث حدث به أبو هريرة، وأبو سعيد حاضر يستمع له فلم يرد عليه شيئاً، إلا كلمة في آخره وفيه (( يجمع الله الناس فيقول: من كان يعبد شيئاً فليتبعه، فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس ومن كان يعبد القمر القمر ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت.. ... )) ويوافق ذلك قوله تعالى في فرعون ( يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار ))
وإن صحت كلمة (( ثوران )) أو (( ثوران عقيران )) كما في خبر أبي يعلى على سقوط سنده فذلك والله أعلم تمثيل وقد ثبت أن المعاني تمثل يوم القيامة كما يمثل الموت بصورة كبش وغير ذلك، فما بالك بالأجسام؟ ومن الحكمة في تمثيل الشمس والقمر أن عبادهما يعتقدون لهما الحياة، والمشهور بعبادة الناس له من الحيوان العجل فمثلاً من جنسه، وفي الفتح (( قال الإسماعيلي: لا يلزم من جعلها في النار تعذيبهما، فإن لله في النار ملائكة وحجارة وغيرها لتكون لأهل النار عذاباً وآلة من آلات العذاب وما شاء الله من ذلك فلا تكون هي معذبة )) فأنت ترى شهادة القرآن والأحاديث الصحيحة لحديث أبي هريرة، ولم يثبت عن كعب شيء، ولو ثبت لكان المعقول أنه هو الآخذ لذلك عن أبي هريرة أو غيره من الصحابة
وقول الحسن لأبي سلمة (( وما ذنبهما )) قد عرفت جوابه، وهو يمثل حال أهل العراق في استعجال النظر فيما يشكل عليهم. وجواب أبي سلمة يمثل حال علماء الحجاز في التزام ما يقضي به كمال الإيمان من المسارعة إلى القبول والتسليم ثم يكون النظر بعد، وجوابه وسكوت الحسن يبين مقدار كمال الوثوق من علماء التابعين بأبي هريرة وثقته وإتقانه وأن ما يحكى مما يخالف ذلك إنما هو من اختلاق أهل البدع، وأبو سلمة هو ابن عبد الرحمن ابن عوف من كبار أئمة التابعين بالمدينة مكثر الرواية عن الصحابة كأبي قتادة وأبي الدرداء وعائشة وأم سلمة وابن عمر وأبي هريرة، فهو من أعلم الناس بحال أبي هريرة في نفسه وعند سائر الصحابة رضي الله عنهم(153/192)
قال أبو رية ص 174 (( وروى الحاكم في المستدرك والطبراني ورجاله رجال الصحيح عن أبي هريرة أن النبي قال: إن الله أذن لي أن أحدث عن ديك رجلاه في الأرض عنقه مثنية تحت العرش وهو يقول: سبحانك ما أعظم شانك، فيرد عليه: ما يعلم ذلك من حلف بي كاذباً، وهذا الحديث من قول كعب الأحبار ونصه: إن لله ديكا عنقه تحت العرش وبراثنه في أسفل الأرض، فإذا صاح صاحت الديكة فيقول: سبحان القدوس الملك الرحمن لا إله غيره ))
أقول: عزا هذا إلى نهاية الأرب للنويري، والنويري أديب من أهل القرن السابع، ولا يدرى من أين أخذ هذا، والحديث يروى عن جماعة من الصحابة بألفاظ مختلفة، منهم جابر والعرس بن عميرة وعائشة وثوبان وابن عمر وابن عباس وصفوان بن عسال وأبو هريرة.
ذكر ابن الجوزي حديث جابر والعرس في الموضوعات، وتعقبه السيوطي وذكر رواية الآخرين. راجع اللآلي المصنوعة 32:1. أما عن أبي هريرة فهو من طريق إسرائيل عن معاوية بن إسحاق عن سعيد المقبري عن أبي هريرة، ومعاوية لم يخرج له مسلم وأخرج له البخاري حديثاً وا حداً متابعة، وقد قال فيه أبوزرعة ((شيخ واه )) ووثقة بعضهم، والمقبري اختلط قبل موته بأربع سنين، ولفظ الخبر مع ذلك مخالف لما نسبه النويري إلى كعب
قال أبو رية (( وروى أبو هريرة أن رسول الله قال: النيل وسيحان وجيحان والفرات من أنهار الجنة، وهذا القول نفسه رواه كعب إذ قال: أربعة أنهار وصفها الله عزوجل في الدنيا، فالنيل نهر العسل في الجنة، والفرات نهر الخمر في الجنة، وسيحان نهر الماء في الجنة، وجيحان نهر اللبن في الجنة ))
أقول:أما حديث ((سيحان وجيحان والفرات والنيل كل من أنهار الجنة )) ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة مرفوعاً، وذكر القاضي عياض فيه وجهين ثانيهما أنه كتابة أوبشارة عن أن الإيمان يعم بلادها، وتقريبه أنه بحذف مضاف، أي أنهار أهل الجنة وهم المسلمون.(153/193)
فأما خبر كعب فيروى عن عبد الله بن صالح كاتب الليث- وهو متكلم فيه – فإن صح فإنما أخذ كعب حديث أبي هريرة وزاد فيه ما زاد أخذا من قول الله عزوجل (15:47: مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى )) وكأنه يرى أن في الجنة حقيقة أنهار سميت بأسماء أنهار الدنيا، والله أعلم [ويأتي ص170من كتابي هذا زيادة]
ثم قال أبورية (( وقال ابن كثير في تفسيره إن حديث أبي هريرة في يأجوج ومأجوج...... لعل أبا هريرة تلقاه من كعب، فإنه كان كثيراً ما كان يجالسه ويحدثه ))
أقول: تتمة عبارة ابن كثير (( فحدث به أبو هريرة [عن كعب] فتوهم بعض الرواة عنه أنه مرفوع فرفعه )) / وفي كلام أبي رية (( وقد روى أحمد هذا الحديث
عن كعب ))، وهذا كذب، إنما قال ابن كثير (( لكن هذا ( يعني المعنى بل بعضه ) قد روى عن كعب.. .... )) وساق بعضه ولم يذكر سنده ولا من أخرجه. وصنيع ابن كثير هنا غير جيد، من أوجه لا أطيل بذكرها
وهذا الحديث مداره على قتادة عن أبي رافع عن أبي هريرة، رواه عن قتادة فيما وقفت عليه ثلاثة: الأول شيبان بن عبد الرحمن في مسند أحمد 523:2. الثاني أبو عوانة في سنن الترمذي ومستدرك الحاكم 488:4 الثالث سعيد بن أبي عروبة في تفسير ابن جرير 16:16 وسنن ابن ماجه ومسند أحمد 532:2
فأما شيبان وأبو عوانة ففي رايتهما ((.. ...قتادة عن أبي رافع ))(153/194)
وأما سعيد فرواه عنه فيما وقفت عليه ثلاثة: الأول يزيد بن زريع عند ابن جرير وفيه أيضاً ((....قتادة عن أبي رافع )). الثاني عبد الأعلى بن عبد الأعلى عند ابن ماجه وفيه ((.... قتادة قال حدث أبو رافع )) هكذا نقله ابن كثير في تفسيره طبعة بولاق 173:6 وطبعة المنار 333:5 ومخطوط مكتبة الحرم المكي، وهكذا في سنن ابن ماجه نسخ مكتبة الحرم المكي المخطوطة وهي أربع، وطبعة عمدة المطابع بدهلى في الهند سنة 1273، ووقع في أربع نسخ مطبوعة هنديتين ومصريتين ((.. .قتادة قال حدثنا أبو رافع )) مع أن سياق السند من أوله فيها هكذا (( حدثنا أزهر بن مروان ثنا عبد الأعلى ثنا سعيد عن قتادة.. .. )) فلو كان في الأصل (( قال حدثنا )) لاختصر في الأصول المخطوطة لهذه النسخ الأربع إلى (( ثنا )) كسابقيه في أثناء السند، ولكنه جهل الطابعين، حسبوا أنه لا يقال (( حدث فلان )) وإنما يقال ((حدثنا فلان )) فأصلحوه بزعمهم، وتبع متأخرهم متقدمهم والله المستعان. الثالث روح بن عبادة عند أحمد وفيه ((.. ... قتادة ثنا أبو رافع )) وأحسب هذا خطأ من ابن المذهب راوي المسند عن القطيعي عن عبد الله بن أحمد وفي ترجمته من الميزان واللسان قول الذهبي (( الظاهر من ابن المذهب أنه شيخ ليس بمتقن، وكذلك شيخه(153/195)
ابن مالك، ومن ثم وقع في المسند أشياء غير محكمة المتن ولا الإسناد )) ومن المحتمل أن يكون الخطأ من روح، فإن كلا من يزيد وعبد الأعلى أثبت منه، وقتادة مشهور بالتدليس فلو كان الخبر عند سعيد عنه مصرحاً فيه بالسماع لحرص سعيد على أن يرويه كذلك دائماً بل أطلق أبو داود أن قتادة لم يسمع من أبي رافع، وظاهره أنه لم يسمع منه شيئاً، ولكن نظر فيه ابن حجر، على كل حال فلم يثبت تصريح قتادة في هذا بالسماع فلم يصح الخبر عن أبي رافع، وأبو رافع هو نفيع البصري مخضرم ثقة لا يظن به أن يخطيء الخطأ الذي أشار إليه ابن كثير، فلو صح الخبر عنه لزم تصحيحه عن أبي هريرة، ولو صح عن أبي هريرة لصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولو صح مع ذلك أن كعباً أخبر بما يشبهه لكان محمله الطبيعي أن كعباً سمع الحديث من أبي هريرة أو غيره من الصحابة فاقتبس منه خبره، لكن الخبر لم يصح عن أبي رافع فلم يصح عن أبي هريرة فلم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا ندري ممن سمعه قتادة، والله أعلم
قال أبو رية (( وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة: إن الله خلق آدم على صورته. وهذا الكلام قد جاء في الإصحاح الأول من التوراة ونصه هناك: وخلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه ))
أقول: قد علم الجن والإنس أن في الكتاب الموجود بأيدي أهل الكتاب مسمى بالتوراة ما هو حق وما هو باطل وأن في القرآن كثيرا من الحق الذي في التوراة وكذلك في السنة، فإذا كان هذا منه كان ماذا؟ والكلام في معناه معروف[وذكر رواية (على سورة الرحمن) وهذا جاء من حديث ابن عمر، قال ابن حجر في الفتح 133:5 ورجاله ثقات ]
وعلق أبورية في الحاشية بذكر ما ورد في سياق الحديث أن طول آدم كان
ستين ذراعاً، فلم يزل الخلق ينقص، واستشكال ابن حجر له بما يوجد من مساكن الأمم السالفة(153/196)
أقول: لم يتحقق بحجة قاطعة كم مضى للجنس البشري منذ خلق آدم؟ وما في التوراة لا يعتمد عليه، وقد يكون خلق ستين ذراعاً فلما أهبط إلى الأرض نقص من طوله دفعة واحدة ليناسب حال الأرض إلا أنه بقي أطول مما عليه الناس الآن بقليل ثم لم يزل ذلك القليل يتناقص في الجملة. والله أعلم وفي فتح الباري 60:6 (( روى ابن أبي حاتم بإسناد حسن عن أبي بن كعب مرفوعاً: إن الله خلق آدم رجلاً طوالاً كثير شعر الرأس كأنه نخلة سحوق ))
وقال في حاشية ص 175 (( وأنكر مالك هذا الحديث وحديث إن الله يكشف عن ساقه يوم القيامة، وأنه.. ... يدخل في النار يده حتى يدخل من أراد إنكاراً شديداً ))
أقول: لم يذكر أبو رية مصدره إن كان له مصدر، والحديث الثالث أحسبه يريد به حديث الصحيحين عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً، وفيه (( فيقبض قبضة من النار فيخرج أقواماً )) ومالك رحمه الله يؤمن بهذه الأحاديث ونظائرها الكثيرة في الكتاب والسنة
/ قال (( وحديث كشف الساق من رواية أبي هريرة في الصحيحين.. .))
أقول:هذا كذب، وإنما هو في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري، وله شاهد من حديث عبد الله بن مسعود، وآخر من حديث أبي موسى، رضي الله عنهم
قال أبو رية ص 175 (( ولما ذكر كعب صفة النبي في التوراة قال أبو هريرة في صفته صلى الله عليه وسلم: لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً ولا سخاباً في الأسواق، وهذا من كلام كعب كما أوردناه من قبل ))(153/197)
أقول: ثبتت هذه الفقرة في خبر عبد الله بن عمرو بن العاص في صفة النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة، وجاء نحوه عن عبد الله بن سلام وعن كعب كما ص 71. أما أبوهريرة ففي المسند 448:2 من طريق صالح مولى التوأمة وهو ضعيف: (( سمعت أبا هريرة ينعت النبي صى الله عليه وسلم فقال:: كان شبح الذراعيين أهدب أشفار العينين بعيد ما بين المنكبين يقبل إذا أقبل جميعاً ويدبر إذا أدبر جميعاً )) زاد بعض الرواة (( بأبي وأمي، لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً ولا سخاباً بالأسواق )) وقد علم أبو هريرة معنى هذه الفقرة يقيناً بالمشاهدة والصحبة، فأي شيء عليه في أخذ لفظها مما ذكره عبد الله بن عمرو أو غيره ؟
قال (( وروى مسلم عن أبي هريرة: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال: خلق الله التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الإثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة.. . )) وقد قال البخاري وابن كثير وغيرهما: إن أبا هريرة قد تلقى هذا الحديث عن كعب الأحبار لأنه يخالف نص القرآن في أنه خلق السموات والأرض في ستة أيام ))
أقول: هذا الخبر رواه جماعة عن ابن جريج قال (( أخبرني إسماعيل بن أمية عن أيوب بن خالد عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة عن أبي هريرة قال: أخذ.. ... )) وفي الأسماء والصفات للبيهقي ص 176 عن ابن المديني أن هشام بن يوسف رواه عن ابن جريج
وقد ا ستنكر بعض أهل الحديث هذا الخبر، ويمكن تفصيل سببب الاستنكار بأوجه:
الأول أنه لم يذكر خلق السماء، وجعل خلق الأرض في ستة أيام
الثاني أنه جعل الخلق في سبعة أيام
/ والقرآن يبين أن خلق السموات والأرض كان في ستة أيام، أربعة منها للأرض ويومان للسماء(153/198)
الثالث أنه مخالف للآثار القائلة: إن أول الستة يوم الأحد، وهو الذي تدل عليه أسماء الأيام: الأحد- الاثنان- الثلاثاء- الأربعاء- الخميس
فلهذا حاولوا إعلاله، فأعله ابن المديني بأن إبراهيم بن أبي يحيى قد رواه عن أيوب، قال ابن المديني: (( وما أرى إسماعيل بن أمية أخذ هذا إلا عن إبراهيم ابن أبي يحيى )) انظر الأسماء والصفات ص 276، يعني و إبراهيم مرمي بالكذب فلا يثبت الخبر عن أيوب ولا من فوقه
ويرد على هذا أن إسماعيل بن أمية ثقة عندهم غير مدلس، فلهذا والله أعلم لم يرتض البخاري قول شيخه ابن المديني وأعل الخبر بأمر آخر فإنه ذكر طرفه في ترجمة أيوب من التاريخ 1/ 1/ 413 ثم قال (( وقال بعضهم: عن أبي هريرة عن كعب. وهو أصح )) ومؤدى صنيعه أن يحدس أن أيوب أخطأ، وهذا الحدس مبني على ثلاثة أمور:(153/199)
الأول : استنكار الخبر لما أمر. الثاني : أن أيوب ليس بالقوي وهو مقل لم يخرج مسلم إلا هذا الحديث لما يعلم من الجمع بين رجال الصحيحين، وتكلم فيه الأزدي ولم ينقل توثيقه عن أحد من الأئمة إلا أن ابن حبان ذكره في ثقاته وشرط ابن حبان في التوثيق فيه تسامح معروف. الثالث الرواية التي أشار إليها بقوله (( وقال بعضهم )) وليته ذكر سندها ومتنها فقد تكون ضعيفة في نفسها وإنما قويت عنده للأمرين الآخرين. ويدل على ضعفها أن المحفوظ عن كعب وعبد الله بن سلام ووهب بن منبه ومن يأخذ عنهم أن ابتداء الخلق كان يوم الأحد وهو قول أهل الكتاب المذكور في كتبهم وعليه بنوا قولهم في السبت، انظر الأسماء والصفات ص 272و 275 وأوائل تاريخ ابن جرير. وفي الدر المنثور 91:3 (( أخرج ابن أبي شيبة عن كعب قال: بدأ الله بخلق السموات والأرض يوم الأحد والإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة، وجعل كل يوم ألف سنة )) وأسنده ابن جرير في أوائل التاريخ 22:1- الحسينية واقتصر على أوله (( بدأ الله بخلق السموات والأرض يوم الأحد والإثنين )) فهذا يدفع أن يكون ما في الحديث من قول كعب
وأيوب لا بأس به وصنيع ابن المديني يدل على قوته عنده. وقد أخرج له مسلم في صحيحه كما علمت وإن لم يكن حده أن يحتج به في الصحيح. فمدار الشك في هذا الحديث على الاستنكار، وقد يجاب عنه بما يأتي:(153/200)
أما الوجه الأول فيجاب عنه بأن الحديث وإن لم ينص على خلق السماء فقد أشار إليه بذكره في اليوم الخامس النور وفي السادس الدواب وحياة الدواب محتاجة إلى الحرارة، والنور والحرارة مصدرهما/ الأجرام السماوية. والذي فيه أ ن خلق الأرض نفسها كان في أربعة أيام كما في القرآن، والقرآن إذ ذكر خلق الأرض في أربعة أيام، لم يذكر ما يدل على أن جملة ذلك خلق النور والدواب، وإذ ذكر خلق السماء في يومين لم يذكر ما يدل على أنه في أثناء ذلك لم يحدث في الأرض شيئاً، والمعقول أنها بعد تمام خلقها أخذت في التطور بما أودعه الله تعالى فيها. والله سبحانه لا يشغله شأن عن شأن
ويجاب عن الوجه الثاني بأنه ليس في هذا الحديث أنه خلق في اليوم السابع غير آدم، وليس في القرآن ما يدل على أن خلق آدم كان في الأيام الستة بل هذا معلوم البطلان. وفي آيات خلق آدم أوائل البقرة وبعض الآثار ما يؤخذ منه أنه قد كان في الأرض عمار قبل آدم عاشوا فيها دهراً فهذا يساعد القول بأن خلق آدم متأخر بمدة عن خلق السموات والأرض
فتدبر الآيات والحديث على ضوء هذا البيان يتضح لك إن شاء الله أن دعوى
مخالفة هذا الحديث لظاهر القرآن قد اندفعت ولله الحمد
وأما الوجه الثالث فالآثار القائلة أن ابتداء الخلق يوم الأحد ما كان منها مرفوعاً فهو أضعف من هذا الحديث بكثير، وأما غير المرفوع فعامته من قول عبد الله بن سلام وكعب ووهب ومن يأخذ عن الاسرائيليات. وتسمية الأيام كانت قبل الإسلام تقليداً لأهل الكتاب، فجاء الإسلام وقد اشتهرت وانتشرت فلم ير ضرورة إلى تغييرها، لأن إقرار الأسماء التي قد عرفت واشتهرت وانتشرت لا يعد اعترافاً بمناسبتها لما أخذت منه أو بنيت عليه، إذ قد أصحبت لا تدل على ذلك وإنما تدل على مسمياتها فحسب، ولأن القضية ليست مما يجب اعتقاده أو يتعلق به نفسه حكم شرعي، فلم تستحق أن يحتاط لها بتغيير ما اشتهر وانتشر من تسمية الأيام(153/201)
وقد ذكر السهيلي في الروض الأنف 271:1 هذه القضية وانتصر لقول ابن إسحاق وغيره الموافق لهذا الحديث حتى قال (( والعجب من الطبري على تبحره في العلم كيف خالف مقتضى هذا الحديث وأعنق في الرد على ابن إسحاق وغيره ومال إلى قول اليهود إن الأحد هو الأول.. .. ))
وفي بقية كلامه لطائف: منها إن تلك التسمية خصت خمسة أيام لم يأت في القرآن منها شيء، وجاء فيه اسما اليومين الباقيين– الجمعة والسبت– لأنه لا تعلق لها بتلك التسمية المدخولة
ومنها أنه على مقتضى الحديث يكون الجمعة سابعاً وهو وتر مناسب لفضل الجمعة كما ورد (( إن الله وتر يحب الوتر )) ويضاف إلى هذا يوم الإثنين فإنه على هذا الحديث يكون الثالث وهو المناسب لفضله، وفي الصحيح: (( فيه ولدت وفيه أنزل علي )) فأما الخميس فإنما ورد فضل صومه وقد يوجه ذلك بأنه لما امتنع صوم اليوم الفاضل وهو الجمعة لأنه عيد الأسبوع عوض عنه بصوم اليوم الذي قبله، وفي
ذلك ما يقوي شبه الجمعة بالعيد، وفي الصحيحين في حديث الجمعة (( نحن الآخرون السابقون.. . )) والمناسب أن يكون اليوم الذي للآخرين هو آخر الآيام
هذا وفي البداية لابن كثير 71:1 (( وقد رواه النسائي في التفسير عن إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني عن محمد بن الصباح عن أبي عبيدة الحداد عن الأخضر بن عجلان عن ابن جريج عن عطاء عن ابن أبي رباح عن أبي هريرة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيدي فقال: يا أبا هريرة إن الله خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش يوم السابع، وخلق التربة يوم السبت )) وذكر بتمامه بنحوه. فقد اختلف على ابن جريج ))
أقول: في صحة هذه الرواية عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح نظر لا أطيل ببيانه، فمن أحب التحقيق فليراجع تهذيب التهذيب 213:7 وفتح الباري 511:8 ومقدمته ص 373 وترجمتي أخضر وعثمان بن عطاء من الميزان وغيره. والله الموفق(153/202)
ثم قال أبو رية (( ومن العجيب أن أبا هريرة قد صرح في هذا الحديث بسماعه من النبي صلى الله عيه وسلم وأنه قد أخذ بيده حين حدثه به. وإني لأتحدى الذين يزعمون في بلادنا أنهم على شيء من علم الحديث وجميع من هم على شاكلتهم في غير بلادنا أن يحلوا لنا هذا المشكل،وأن يخرجوا بعلمهم الواسع شيخهم من الهوة التي سقط فيها.. .. ))
أقول: لم يقع شيخنا رضي الله عنه في هوة، ولا قال أحد من أهل العلم إنه وقع فيها، أما إذا بنينا على صحة الحديث عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الحق إن شاء الله فواضح، وأما على ما زعمه ابن المديني فلم يصح عن أبي هريرة ولا عمن روى عنه ولا عن الثالث شيء من هذا، لا قوله (( أخذ رسول الله بيدي فقال )) ولا قوله (( خلق الله التربة.. .))
وأما على حدس البخاري فحاصله أن أيوب غلط، وقع له عن أبي هريرة خبران، أ حدهما (( أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال )) فذكر حديثاً صحيحاً غير هذا. والثاني (( قال كعب: خلق الله التربة يوم السبت.. . )) فالتس المقولان على أيوب فجعل مقول كعب موضع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تقدم ص 117 وقول بسر بن سعيد أنه سمع بعض من كان معهم في مجلس أبي هريرة (( يجعل ما قاله كعب عن رسول الله، وما قاله رسول الله عن كعب ))
أما البيهقي فلم يقل شيئاً من عنده إنما قال (( زعم بعضهم أن إسماعيل بن أمية إنما أخذه عن إبراهيم بن أبي يحيى.. .. )) فذكر قول ابن المديني
وأما ابن كثير فإنما قال (( فكأن هذا الحديث مما تلقاه أبو هريرة عن كعب عن صحفه فوهم بعض الرواه فجعله مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأكد رفعه بقوله: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي )) فابن كثير جعل هذه الجملة من زيادة الراوي الواهم (( وهو أيوب في حدس البخاري ) وهذا أيضاً لا يمس أبا هريرة، ولكن الصواب ما تقدم(153/203)
ثم قال أبورية ص 176 ((وروى البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحر ب،وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلى مما افترضته عليه، وما زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحببته فكنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها.. . وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته )) [في كتاب أبي رية إساءته]
أقول: هذا الخبر نظر فيه الذهبي في ترجمة خالد بن مخلد من الميزا ن وابن حجر في الفتح 92:11: لأنه لم يرو عن أبي هريرة إلا بهذا السند الواحد: محمد بن عثمان
ابن كرامه،[رواه عن محمد بن عثمان جماعة منهم البخاري] حدثنا خالد بن مخلد حدثنا سليمان بن بلال، حدثني شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن عطاء عن أبي هريرة )) ومثل هذا التفرد يريب في صحة الحديث مع أن خالداً له مناكير وشريكاً فيه مقال. وقد جاء الحديث بأسانيد فيها ضعف من حديث علي ومعاذ وحذيفة وعائشة وابن عباس وأنس. فقد يكون وقع خطأ لخالد أو شريك، سمع المتن من بعض تلك الأوجه الأخرى المروية عن علي أو غيره ممن سلف ذكره، وسمع حديثاً آخر بهذا السند ثم التبسا عليه فغلط، روى هذا المتن بسند الحديث الآخر. فإن كان الواقع هكذا فلم يحدث أبو هريرة بهذا، / وإلا فهو جملة من الأحاديث التي تحتاج ككثير من آيات القرآن إلى تفسير، وقد فسره أهل العلم بما تجده في الفتح وفي الأسماء والصفات ص 345-348 وقد أومأ البخاري إلى حاله فلم يخرجه إلا في باب التواضع من كتاب الرقاق
قال أبو رية (( ومن له حاسة شم الحديث يجد في هذا الحديث رائحة إسرائيلية ))(153/204)
أقول: قد علمنا أن كلام الأنبياء كله حق من مشكاة واحدة، وأن الرب الذي أوحى إلى أنبياء بني إسرائيل هو الذي أوحى إلى محمد صلى الله عليه وسلم. ولو جاز الحكم بالرائحة لما ساغ أدنى تشكك في حكم البخاري لأنه أعرف الناس برائحة الحديث النبوي، وبالنسبة إليه يكون أبو رية اخشم فاقد الشم أو فاسده
وعلق في الحاشية أيضاً (( يبدو أن أستاذ أبي هريرة في هذا الحديث هو وهب بن منبه، فقد وقع في الحلية في ترجمة هذا.. إني لأجد في كتب الأنبياء أن الله تعالى يقول: ما ترددت عن شيء قط ترددي عن قبض روح المؤمن ))
أقول: في سنده من لم أعرفه، وقد ذكروا أن وهباً روى عن أبي هريرة، ولم يذكروا أن أبا هريرة حكى شيئاً عن وهب، ووهب صغير إنما ولد في أواخر خلافة عثمان، وإن صح حديث البخاري عن أبي هريرة فالمعقول إن كان أحدهما أخذ عن الآخر أن يكون وهب أخذه عن أبي هريرة أو بلغه عنه. ووهب مع صغره مولود في الإسلام من أبوين مسلمين فتوسعه في قراءة كتب الأوائل إ نما يكون في كبره بعد وفاة أبي هريرة بمدة. وهذا تنازل مني إلى عقل أبي رية وأشباهه، فأما الحقيقة فمكانة أبي هريرة رضي الله عنه أعلى وأشمخ وأثبت وأرسخ من أن يحتاج للدافع عنه إل مثل ما ذكرت
ثم قال أبورية ص 177 (( وقد بلغ من دهاء كعب الأحبار واستغلاله لسذاجة أبي هريرة وغفلته أن كان يلقنه ما يريد بثه في الدين الإسلامي من خرافات وترهات، حتى إذا رواها أبو هريرة عاد فصدق أبا هريرة.. .. وإليك مثلاً من ذلك.. ... روى الإمام أحمد عن أبي هريرة أن رسول الله قال: إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام، اقرأوا ما شئتم ( وظل ممدود ). ولم يكد أبو هريرة يروي هذا الحديث حتى أسرع كعب فقال: صدق، والذي أنزل التوراة على موسى و الفرقان على محمد.. .. ومن العجيب أن يروي هذا الخبر الغريب وهب بن منبه.. ))(153/205)
أقول: عزا أبو رية هذا إلى تفسير ابن كثير 513:4-514 كذباً، وأبدله في التصويبات 289:4، وهو كذب أيضاً، وإنما ذكر ابن كثير الحديث وما يتعلق به 187:8-189، ذكره من حديث أربعة/ من الصحابة ثلاثةفي الصحيحين أبو هريرة وأبو سعيد الخدري وسهل بن سعد، وواحد في صحيح البخاري فقط وهو أنس، قال ابن كثير (( فهذا حديث ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بل متواتر مقطوع بصحته عند أئمة الحديث )) ولم أجد هناك ذكرا لوهب، إنما ذكر ابن كثير أثرا ً عن ابن عباس بمعنى الحديث وفيه زيادة، وقال هذا أثر غريب إسناده جيد قوي حسن )) وأين ابن عباس من وهب بن منبه؟ ( فاعتبروا يا أولي الأبصار )
ثم قال أبو رية (( ضعف ذاكرته: كان أبو هريرة يذكر عن نفسه أنه كان كثير النسيان لا تكاد ذاكرته تمسك شيئاً مما سمعه، ثم زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له فأصبح لا ينسى شيئاً يصل إلى أذنه، وقد ذكر ذلك كي يسوغ كثرة أحاديثه ويثبت في أذهان السامعين صحة ما يرويه ))
أقول: في باب ما جاء في الغرس في صحيح البخاري من طريق الزهري عن الأعرج عن أبي هريرة ((.. ... وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لن يبسط أحد منكم ثوبه حتى أفضي مقالتي هذه ثم يجمعه إلى صدره فينسى من مقالتي شيئاً أبداً. فبسطت نمرة.. .. ثم جمعتها إلى صدري، فوالذي بعثه بالحق ما نسيت من مقالته تلك إلى يومي هذا )) هذه الرواية صريحة في اختصاص عدم النسيان بما حدث به النبي صلى الله عليه وسلم في ذاك المجلس
وفي باب الحجة على من قال الخ من كتاب الاعتصام من صحيح البخاري أيضاً من طريق الزهري عن الأعرج أيضاً عن أبي هريرة ((.. .. وقال: من يبسط رداءه حتى أفضي مقالتي ثم يقبضه فإنه لن ينسى شيئاً سمعه مني.فبسطت بردة كانت علي فوالذي بعثه بالحق ما نسيت شيئاً سمعته منه ))
في هذه الرواية إطلاق، ولكن السياق ونص الرواية الأولى يقضي بالتقييد(153/206)
وفي أوائل البيوع من صحيح البخاري أيضاً من طريق الزهري عن ابن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة ((.. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث يحدثه: إنه لن يبسط أحد ثوبه حتى أفضي مقالتي هذه ثم يجمع ثوبه إلا وعى ما أقول: فبسطت نمرة علي حتى إذا قضى رسول الله مقالته جمعتها إلى صدري، فما نسيت من مقالة رسول الله تلك من شيء ))
وهذه الرواية صريحة في الاختصاص أيضاً
وفي باب حفظ العلم من صحيح البخاري أيضاً من طريق ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة: قلت يا رسول الله إني أسمع منك حديثاً كثيراً أنساه. قال: ابسط رداءك، قال فبسطته، قال فغرف بيديه/ ثم قال: ضم. فضممت، فما نسيت شيئاً بعد ))
هذه الرواية تصف فيما يظهر واقعة أخرى، فكأن أبا هريرة لما استفاد من الواقعة الأولى حفظ المقالة التي حدث بها النبي صلى الله عليه وسلم في ذاك المجلس على وجهها رغب في المزيد فقال للنبي صلى الله عليه وسلم ((إني أسمع منك حديثاً كثيراً أنساه )) وهذا القول لا يقتضى كما لا يخفى نسيان كل ما يسمع ولا نسيان المقالة التي تقدم خبرها. على أن المنهوم قد يحمله حرصه على المبالغة في الشكوى. وتقدم ص 100 ذكر شهادة النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة بأنه أحرص الصحابة على العلم، وقد تقدم ص105 ما يتعلق بذلك، وليس في هذه الرواية ذكر نص عن النبي صلى الله عليه وسلم بعدم النسيان لشيء بعد ذلك، وإنما فيها قول أبي هريرة فما نسيت شيئاً بعد)) يعني شيئاً من الحديث لأن الشكوى إنما كانت من نسيانه، وهذه الكلمة بناها على اعتقاده حين قالها فلا يمتنع أن نسي بعد ذلك شيئاً من الحديث أو أن يتبين أنه قد كان نسي ولم يستحضر ذلك(153/207)
ثم قال أبو رية ص 178 (( روى مسلم عن الأعرج قال: سمعت أبا هريرة يقول: إنكم تزعمون أن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله ،والله الموعد، كنت رجلاً مسكيناً أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني، وكان المهاجرون يشغلهم الصفق بالأسواق، وكانت الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم، فقال رسول الله: من يبسط ثوبه فلن ينسى شيئاً سمعه مني. فبسطت ثوبي حتى قضى حديثه ثم ضممته إلى فما نسيت شيئاً سمعته منه
قال مسلم: إن مالكاً انتهى حديثه عند انقضاء قول أبي هريرة. ولم يذكر في حديثه الرواية عن النبي: من يبسط ثوبه الخ. ولا ريب في أن رواية مالك هي الصحيحة لأن الكلام بعد ذلك مفكك الأوصال، ولا صلة بينه وبين الذي قبله ))
أقول: كلمة أبي رية الأخيرة (( لا ريب أن رواية مالك هي الصحيحة )) تعطي أن الصحيح عن أبي هريرة هوما اقتصر عليه مالك فقط، ولا يخفى أن هذا يناقض قول أبي رية سابقاً (( ثم زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له)) ويناقض كلامه الآتي (( على أن هذه الذاكرة.. .. )) فكلام أبي رية متناقض حتماً، لا مفكك الأوصال فحسب، أما زعمه أن الخبر بتلك الزيادة مفكك الأوصال لا صلة بينه وبين الذي قبله )) فإنما جاء ذلك من اختيار أبي رية للفظ مسلم، والخبر في مواضع من صحيح البخاري مرت الإشارة إليها، وسياقه هناك سليم(153/208)
/ ثم قال أبو رية (( على أن هذه الذاكرة.. .. قد خانته في مواضع كثيرة، وإن ثوبه الذي بسطه قد تمزق لتناثر ما كان بين أطرافه، وإليك أمثلة من ذلك. روى الشيخان عن أبي هريرة أن النبي قال: لا عدوى ولا طيرةولا هامة. وقد روي هذا الحديث بألفاظ مختلفة، ولكن الصحابة عملوا بما يخالفه، فقد روى البخاري عن أسامة بن زيد أن رسول الله قال: إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها. وقد جاء الحديث كذلك عن عبد الرحمن بن عوف. ولما سمع عمر هذين الحديثين وحديث لا يوردن ممرض على مصح- وهو مما رواه أبو هريرة- وكان قد خرج إلى الشام ووجد الوباء عاد بمن معه، وقد اضطر أبو هريرة إزاء هذه الأخبار القوية إلى أن يعترف بنسيانه، ثم أنكر روايته الأولى، وفي رواية أنس: قال الحارث بن [أبي] ذباب ابن عم أبي هريرة، قد كنت أسمعك يا أبا هريرة تحدثنا مع حديث لا يوردن ممرض على مصح الخ حديث لا عدوى، فأنكر معرفته لذلك، ووقع عند الإسماعيلي من رواية شعيب: فقال الحارث ابن عم أبي هريرة: إنك حدثتنا، فأنكر أبو هريرة وغضب، وقال: لم أحدثك ما تقول ))
أقول: ها هنا أمور تبين لنا تهور أبي رية ومجازفته:
الأول:حديث ((لا عدوى)) لم ينفرد به أبو هريرة، بل هو في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عمر وأنس، وفي صحيح مسلم وغيره من حديث جابر(153/209)
الثاني: أن عمل الصحابة ليس مخالفاً له، وقد جمع بينهما أهل العلم بما هو معروف، ولبعض العصريين قول سأحكيه لينظر فيه. زعم أن العرب كانوا يعتقدون أن العدوى تحصل بالمجاورة وحدها بدون سبب آخر، حتى لو كان في شعر امرأة وثيابها قمل كثير فقامت إلى جانبها امرأة أخرى ثم بعد أيام قمل شعر الأخرى وثيابها لما سموا هذا عدوى، لأنهم يعرفون أنه لم يكن للمجاورة نفسها وإنما دب الفعل من تلك إلى هذه ثم تكاثر، قال وحديثا (( لا يورد ممرض على مصح )) و (( فر من المجذوم فراراك من الأسد )) يفيدان انتقال الجرب والجذام، وقد ثبت أنه لا يكون بالمجاورة نفسها وإنما يكون بانتقال ديدان صغيرة جداً من هذا إلى ذاك فهو من قبيل انتقال القمل وليس من العدوى بالمعنى الذي كانوا يعتقدون
الثالث: أن المنقول أن عمر رجع لخبر عبد الرحمن بن عوف وحده، ولم ينقل أن عمر يخبر أسامة ولا خبر (( لا يورد ممرض على مصح )) كما زعم أبو رية
الرابع: أن الخبر في الطاعون استفاض في عهد عمر، وبقي أبو هريرة يحدث بحديث (( لا عدوى )) زمانا بعد ذلك، حتى سمعه منه أبوسلمة وغيره ممن لم يدرك عمر
الخامس: قول أبي رية (( وقد اضطر.. .... )) يعطي أن أبا هريرة لم ينس الحديث، فما معنى قوله بعد ذلك (( وأن يعترف بنسيانه )) مع إيراده القصة شاهداً على النسيان كما زعم ؟
السادس: لم يأت أبو رية بدليل ولا شبه دليل على دعواه أن أبا هريرة اعترف بأنه نسي(153/210)
السابع: اختلف الرواة عن الزهري في حكاية القصة، وأحسنهم سياقاً يونس بن يزيد الأيلي، وقد شهد له ابن المبارك بأن كتابه صحيح وأنه كتب حديث الزهري على الوجه، أي كما تلفظ به الزهري، وفي روايته في صحيح مسلم بعد كلام الحارث (( فأبى أبو هريرة أن يعرف ذلك وقال: لا يورد ممرض على مصح. فماراه الحارث في ذلك حتى غضب أبو هريرة فرطن بالحبشية فقال للحارث : أتدري ماذا قلت ؟ قال : لا قال أبو هريرة : قلت: أبيت. قال أبو سلمة: ولعمري لقد كان أبو هريرة يحدثنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا عدوى. فلا أدري نسي أبو هريرة أم نسخ أحد القولين الآخر )) ؟(153/211)
ولو صرح أبو هريرة بنفي أن يكون حدثهم من قبل لجزم أبو سلمة بالنسيان،[فأما ما في صحيح البخاري عن أبي سلمة فما رأيته نسي حديثاً غيره فليس هذا جزماً بالنسيان لهذا الحديث، وإنما استثناه لأجل احتماله النسيان كما بينته الرواية الأخرى، وهذه شهادة عظيمة لأبي هريرة لجلالة أبي سلمة وطول ملازمته لأبي هريرة] لكن لما سكت أبا هريرة عن الحديث وامتنع أن يجيبهم سألوه وغضب وقال: أبيت، فهم بعض الرواة من ذلك إنكاره، فعبر بعضهم عن قول أبي سلمة (( فأبى أبو هريرة أن يعرف ذلك )) بقوله (( أنكر أبو هريرة الحديث الأول )) ولا يخفى الفرق، فقوله (( أبى أن يعرف )) إنما معناه: امتنع أن يقول: نعم قد عرفت. وهذا الامتناع لا يفهم منه الإخبار بنفي المعرفة. ثم جاء بعض من بعدهم فعبر عن الإنكار بنسبته أبي هريرة أنه قال (( لم أحدثك )) كما وقع عند الإسماعيلي من طريق شعيب ولا أدري ما سنده؟ وأصل حديث شعبة عند مسلم لكن لم يسق لفظه، وعند الطحاوي في مشكل الآثار 262:2 وليس فيه هذه الكلمة، وكأن أبا هريرة حدث بالحدثين مرة ،فتشكك بعض الناس في الجمع بينهما فرأى أبو هريرة أن التحديث بهما مظنة أن يقع لبعض الناس ارتياب أو تكذيب فاختار الاقتصار على أحدهما وهو الذي يتعلق به حكم عملي: (( لا يورد ممرض على مصح )) وسكت على الآخر وود أن لا يكون حدث به قبل ذلك، فلما/ سئل عنه أبى أن يعترف به راجياً أن يكون في ذلك الإباء ما يمنع الذين كانوا سمعوا منه أن يحدثوا به عنه
وذكر أبو رية ص179 قصة ذي اليدين وقال (( في رواية البخاري أنها صلاة العصر، وفي رواية النسائي ما يشهد أن الشك كان من أبي هريرة وهذا لفظه: صلى النبي إحدى صلاتي العشي ولكني نسيت ))(153/212)
أقول الحديث عند النسائي من طريق (( ابن عون عن محمد بن سيرين قال: قال أبو هريرة. صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي. قال قال أبو هريرة: ولكني نسيت.. ... )) وهو في صحيح البخاري في كتاب المساجد، باب تشبيك الأصابع الخ من طريق (( ابن عون عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي. قال ابن سيرين قد سماها أبو هريرة ولكني نسيت أنا.. . وكلتا الروايتين من طريق ابن عون عن ابن سيرين. فإن رجحنا رواية الصحيح فذاك وإلا فلا يتم الاستشهاد مع التعارض. على أ ن النسيان هنا لا أثر له، فإن ذلك الحكم إذ ثبت لأحدى الصلاتين ثبت للأخرى إجماعاً
قال أبو رية (( ولما روى أن رسول الله قال: لأن يمتليء جوف أحدكم قيحاً ودما خير من أن يمتليء شعراً، قالت عائشة: لم يحفظ، إنما قال.... من أن يمتليء شعراً هجيت به ))
أقول: قال الله تبارك وتعالى ( والشعراء يتبعهم الغاوون، ألم تر أنهم في كل واد يهيمون، وأنهم يقولون مالا يفعلون، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا ) الآية
وقال البخاري في صحيحه (( باب ما يجوز من الشعر والرجز والحداء الخ))
وذكر أحاديث، ثم قال (( باب هجاء المشركين )) وذكر أحاديث، ثم قال باب ما يكره أن يكون الغالب على الإنسان الشعر حتى يصده عن ذكر الله والعلم والقرآن )) وأخرج فيه حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم (( لأن يمتليء جوف أحدكم قيحاً خيراً له من أن يمتليء شعراً )) ومن حديث أبي هريرة، (( لأن يمتليء جوف رجلاً قيحاً يريه خير من أن يمتليء شعراً ))، وأخرج مسلم في صحيحه حديث أبي هريرة ثم أخرج مثله من حديث سعد ابن أبي وقاص، ثم من حديث أبي سعيد الخدري مثله بدون كلمة (( يريه )) وقد جاء الحديث في غير الصحيحين عن غير هؤلاء من الصحابة.(153/213)
وأما ما ذكره أبو رية عن عائشة فهو من رواية الكلبي وهو كذاب، عن أبي صالح مولى أم هانئ وهو واه. والإناء إذا امتلأ بشيء لم يبق فيه متسع لغيره، فمن امتلأ جوفه شعراً امتنع أن يكون ممن استثني في الآية ووصف بقوله (( وذكروا الله كثيراً )) وهذا بحمد الله واضح. وقد علق أبو رية في الحاشية ما لاحاجة بنا بعد ما مر إلى النظر فيه
/ ثم قال أبو رية ص 180 (( ومن عجيب أمر الذين يثقون بأبي هريرة ثقة عمياء أنهم يمنعون السهو والنسيان عنه، ولا يتحرجون من أن ينسبوهما إلى النبي صلوات الله عليه.. .... ))
أقول: لم يمنع أحد أن يسهو أبو هريرة أو ينسى، ولكننا تصديقا للنبي صلى الله عليه وسلم و إيماناً به وببركة دعائه نقول: إن أبا هريرة لم ينس شيئاً من المقالة التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لن ينسى منها شيئاً وأنه فيما عداها من الحديث كان من أحفظ الناس له ومن الناس من فهم أن خبر النبي صلى الله عليه وسلم بعدم النسيان يعم ما سمعه أبو هريرة منه في مجلسه ذلك وبعده وقد مر النظر في ذلك. والخير والفضل والكمال في ذلك كله عائد إلى الله ورسوله، فأما ما عدا الحديث فلم يقل أحد إن أبا هريرة لا يسهو ولا ينسى.
ثم قال ص 181 ((.. .... فلم لم يحفظ القرآن ))
أقول: ومن أين لك أنه لم يحفظه؟ غاية الأمر أنه لم يذكر فيمن جمع القرآن في العهد النبوي، والذين ذكروا أفراد قليلون ليسوا من كبار الصحابة. وأبو هريرة من أئمة القراءات وهو فيها أشهر شيخ للأعرج ولأبي جعفر القارئ. وهما أشهر شيوخ نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم أشهر القراء السبعة، وبهذا علم حفظه للقرآن وإتقانه. انظر ترجمته في طبقات القراء رقم 1574
قال (( وكذلك لو كان أبو هريرة قد بلغ هذه الدرجة.. . وهي عدم السهو والنسيان لاشتهر...... ))(153/214)
أقول: قد علمت أن المتحقق هو أنه لم ينس ما حدث به النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس خاص قد مر بيانه، وكان فيما عدا ذلك من أحفظهم، وهذا لا يرد عليه شيء مما ذكر أبو رية
قال ص 182 (( ولكن الأمر قد جرى على غير ذلك.. .. ))
أقول: أعاد أشياء قد تقدم النظر فيها، ويأتي باقيها
ثم قال (( حفظ الوعاءين. أخرج البخاري عن أبي هريرة قال: حفظت عن رسول الله وعاءين، فأما أحدهما فبثثته، وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم. وهذا الحديث معارض بحديث.. . عن علي رضي الله عنه فقد سئل: هل عندكم كتاب؟ فقال: لا إلا كتاب الله.. ... أو ما في هذه الصحيفة. وكذلك يعارضه ما رواه البخاري عن عبد العزيز بن رفيع قال: دخلت أنا وشداد بن معقل على ابن عباس، فقال له شداد: أترك النبي صلى الله عليه وسلم من شيء؟ فقال: ما ترك إلا مابين الدفتين، ولوكان هناك شيء يؤثر به النبي صلى الله عليه وسلم أحد خواصه.. .. ))
/ أقول:المنفي في خبري علي وابن عباس هو كتاب مكتوب غير القرآن، ولهذا استثنى علي صحيفته، ولم يقصد أبو هريرة ولا فهم أحد من كلامه أن عنده كتابين
أو كتاباً واحداً، وإنما قصد وفهم الناس عنه أنه حفظ ضربين من الأحاديث: ضرب يتعلق بالأحكام ونحوها مما لا يخاف هو ولا مثله من روايته. وضرب يتعلق بالفتن وذم بعض الناس، وكل أحد من الصحابة كان عنده من هذا هذا، وكانوا يرغبون عن إظهار ما هو من الضرب الثاني، وقد ذكر أبو رية حذيفة وعلمه بالفتن، وكان ربما حدث منه بالحرف بعد الحرف فينكره عليه إخوانه كسلمان وغيره
وقال ص 184 (( ومن هو أبو هريرة ؟ فلا هو من السابقين الأولين، ولا المهاجرين ))(153/215)
أقول: قدمت 103 القول بأنه أسام في بلده قبل الهجرة، وبهذا يكون من السابقين إلى الإسلام، ولم يثبت ما يخالف ذلك. فأما من قال: أسلم عام خيبر، فإنما أراد هجرته وقد ثبت في خبر هجرته أنه قدم مسلماً، فأما الهجرة فهو مهاجر حتماً وإن لم يكن من قريش ولا من أهل مكة، وإنما أسلمت قبيلته بعد أن هاجر بمدة، فقد ثبت أنه وجد النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر عقب الوقعة، وثبت من شعر كعب بن مالك قوله قبيل غزوة الطائف، وذلك بعد خيبر بمدة:
وخيبر ثم أجمعنا السيوفا
قضينا من تهامة كل ريب
قواقطعهن دوسا أو ثقيفا
نخيرها ولو نطقت لقالت
قال (( ولا من المجاهدين بأموالهم ولا بأنفسهم ))
أقول: بل هو منهم، فقد غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم غزواته بعد خيبر
وعلق أبو رية في الحاشية (( أثبت التاريخ أنه فر يوم مؤته، ولما عبروه بذلك لم يحر جواباً ))
أقول: لقي المسلمون عدوهم بمؤتة وكان عندهم أكثر من نيف وثلاثين ضعفاً فكان القتال، ثم انحاز خالد بن الوليد بالمسلمين ورجع بهم فكان بعض الناس يصيح
فيهم: يا فرار، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: بل هم الكرار إن شاء الله تعالى
قال (( ولا.. . ولا من المفتين ))
أقول: بل هو من المفتين بلا نزاع، غير أنه لم يمكن من المكثرين لأنه كان يتوقى ويحب أن يكفيه الفتوى غيره كما تقدم ص 123. وفي فتوح البلدان ص 92-93:[ذكره عن أبي محنف والهيثم.، وليس ذلك بحجة، ولكنه يستأنس به حيث لا مخالف له] إن عمر لما ولى قدامة بن مظعون إمارة البحرين بعث معه أبا هريرة على القضاء والصلاة، ثم ولاه الإمارة أيضاً، فترك عمر تولية قدامة القضاء والصلاة مع أنه من السابقين وأهل بدر، وتوليته ذلك أبا هريرة شهادة فا طمة بأن أبا هريرة من علماء الصحابة، وأنه أعلم من بعض السابقين البدريين
قال ص 15 (( ولا من القراء الذين حفظوا القرآن ))
/ أقول: قد تقدم رد هذا آنفاً ص 146(153/216)
قال (( ولا جاء في فضله حديث عن الرسول )) وعلق عليه (( روى البخاري وغيره.. . في فضل طائفة كبيرة من أجلاء الصحابة لم نر فيهم أبا هريرة ))
أقول: نعم، لم يعقد البخاري لذكر أبي هريرة باباً في فضل الصحابة، لكن عنده في كتاب العلم أبواب تخص أبا هريرة كباب حفظ العلم وباب الحرص على العلم وغيره ذلك، وله باب في صحيح مسلم في كتاب فضائل الصحابة، وكذا في السنن والمستدرك وغيرها. وقد مضى أثناء الترجمة أشياء من فضائله ويأتي غيرها
وقال ص 185 (( تشيع أبي هريرة لبني أمية ))
أقول: أسرف أبو رية في هذا الفصل سباً وتحقيراً وتهما فارغة، وبحسبى أن أقول: قد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث العلاء بن الحضرمي على البحرين أصحبه أبا هريرة وأوصاه به خيراً. [يأتي تحقيقه فيما بعد] ومن ثم أخذت حال أبي هريرة المالية تتحسن، ولم يتحقق لي متى رجع، وبعد وفاة العلاء بن(153/217)
الحضرمي استعمل عمر مكانه أبا هريرة،[يأتي تحقيقه فيما بعد] وقدم أبو هريرة مرة على عمر بخمسمائة ألف لبيت المال فأخبره فاستكثر ذلك ولم يكد يصدق، وقدم مرة – لا أدري هذه أم بعدها- بمال كثير لبيت المال وقدم لنفسه بعشرة آلاف،[أو عشرين ألفاً كما يأتي بعد]وثبت عن ابن سيرين أن عمر سأل أبا هريرة فأخبره فأغلظ له عمر وقال: فمن أين لك ؟ فقال: خيل نتجت وغلة رقيق لي وأعطيه تتابعت علي[وفي رواية في طبقات ابن سعد 4/2/59 وفتوح البلدان ص93 (( ولكن خيلاً تناجت وسهاما اجتمعت))يريد سهامه من المغانم لأنه كان مع العلاء بن الحضرمي في فتوحه] قال ابن سيرين (( فنظروا فوجدوه كما قال. فلما كان بعد ذلك دعا عمر ليستعمله فأبى أن يعمل له، فقال له: تكره العمل وقد طلبه من كان خيراً منك ؟ طلبه يوسف عليه السلام. فقال: إن يوسف نبي ابن نبي ابن نبي ابن نبي وأنا أبو هريرة.. . )) انظر البداية 113:8 وابن سيرين من خيار أئمة التابعين، والسند إليه بغاية الصحة. قال ابن كثير (( وذكر غيره أن عمر غرمه )) وسيأتي ذلك. فمن كان له في عهد عمر خيل تناتج ورقيق يغل مع عطائه في بيت المال كغيره من الصحابة، ومع ما كان الأئمة يتعهدون به الصحابة من الأموال زيادة عل المقرر كل سنة بحسب توفر المال في بيت المال، أقول: من كانت هذه حالة كيف يسوغ أن يقال له إنه إنما تمول في عهد بني أمية؟ ويزعم أبو رية- من وحي شيطانه- أن بني أمية أقطعوا أبا هريرة وبنوا مسكنه بالعقيق وبذي الحليفة ويجعله أبو رية قصوراً وأراضي، وأعجب من ذلك زعمه أنهم زوجوه ابنة غزوان، وينعى على أبي هريرة أنه / كان ممن نصر عثمان ( وتلك شكاة ظاهر عنك عارها )) ويزعم أنه مال إل معاوية، وهذه من وحي الشياطين وتقولات الرافضة والقصاصين، ولا نثبت لأبي هريرة صلة بمعاوية إلا أنه وفد إليه بعد استقرار الأمر كله كما كان يفد إليه بنو هاشم وغيرهم، وينعى على استخلاف مروان له على إمرة المدينة، وتقدم(153/218)
ص108
أن ذلك الاستخلاف لم يزد أبا هريرة إلا تواضعاً وانكساراً وتهاوناً بالإمارة، فإن كان لذلك أثر فهو إحياؤه كثيراً من السنة، كما تقدم. وأحاديث أبي هريرة في فضائل أهل البيت معروفة وكذلك محبته لهم وتوقيرهم وشدة إنكاره على بني أمية لما منعوا أن يدفن الحسن بن علي مع جده صلى الله عليه وسلم وقوله لمروان في ذلك (( والله ما أنت بوال، وإن الوالي لغيرك، فدعه، ولكنك تدخل فيما لا يعنيك، وإنما تريد بهذا إرضاء من هو غالب عنك )) يعني معاوية. راجع البداية 108:8 ومن المتواتر عنه تعوذه بالله من عام الستين وإمارة الصبيان، كان يعلن هذا ومعاوية حي، وذلك يعني موت معاوية وتأمر ابنه يزيد وقد كان ذلك عام الستين بعد موت أبي هريرة بمدة
قال أبورية ص188 (( روى البيهقي عنه أنه لما دخل دار عثمان وهو محصور استأذن في الكلام، ولما أذن له قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنكم ستلقون بعدي فتنة واختلافاً، فقال له قائل من الناس:فمن لنا يا رسول الله.. . أو ما تأمرنا؟ فقال: عليكم بالأمين وأصحابه، وهو يشير إل عثمان وقد أورده أحمد بسند جيد
أقول: الحديث في المستدرك 99:3وفيه (( عليكم بالأمير )) وهو الظاهر وفي سنده مقال لكنه ليس بمنكر. وقول أبي هريرة: (( وهو يشير إلى عثمان )) يريد أنه يفهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار بقوله (( الأمير )) إل عثمان ولو أراد أبو هريرة – وقد أعاذه الله – أن يكذب لجاء بلفظ صريح مؤكد مشدد
قال (( ولما نسخ عثمان المصاحف دخل عليه أبو هريرة فقال: أصبت ووفقت، أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول..... قال فأعجب ذلك عثمان وأمر لأبي هريرة بعشرة آلاف. وهذا الحديث من غرائبه وهو ينطق ولا ريب بأنه ابن ساعته ))
أقول: عزاه أبو رية إل البداية 26:7 وهو هناك من رواية الواقدي وهو متروك مرمي بالكذب عن [أبي بكر بن عبد الله بن محمد] بن أبي سبرة وهو كذاب يضع الحديث(153/219)
/ قال (( ومن غرائبه كذلك ما رواه البيهقي قال: أصبت بثلاث مصيبات.... )) ذكر قصة المزود مطولة، وأسرف أبو رية في التندر والاستهزاء وعزا الخبر إلى البداية 117:6 وهو مروي من طرق في أسانيدها ضعف، واللفظ الذي ساقه أبو رية من رواية يزيد بن أبي منصور الأزدي عن أبيه عن أبي هريرة، وأبو منصور الأزدي مجهول ولا يدرى أدرك أبا هريرة أم لا؟ وفيه أن المزود ذهب حين قتل عثمان
قال أبو رية (( وهذا الحديث رواه عنه أحمد ولكن قال فيه.. . وعلقه في سقف البيت.. .. ))
أقول: أما هذه الرواية فرجالها ثقات، ولفظه (( أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً من تمر فجعلته في مكتل فعلقناه في سقف البيت، فلم نزل نأكل منه حتى كان آخره أصابه أهل الشام حيث أغاروا على المدينة )) يعني مع بسر بن أرطأة، وذلك بعد قتل عثمان بمدة وهذه الرواية الأخيرة ليس فيها ما ينكر والظاهر أن الإعطاء كان في أواخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم
وقد جاءت أحاديث كثيرة بمثل هذا من بركة ما يدعو فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا المعنى متواتر قطعاً، حتى كان عند الصحابة كأنه من قبيل الأمور المعتادة من كثرة ما شاهدوه ومن يؤمن بقدرة الله عزوجل وإجابته دعاء نبيه وخرق العادة لا يستنكر ذلك، نعم يتوقف عما يرويه الضعفاء والمجهولون لأن من شأن القصاص وأضرابهم أن يطولوا القضايا التي من هذا القبيل ويزيدوا فيها ويغيروا في أسانيدها، والله المستعان
قال أبو رية ص189 (( ومما [زعم المفتري أن أبا هريرة] وضعه في معاوية ما أخرجه الخطيب عنه: ناول النبي صلى الله عليه وسلم معاوية سهماً فقال خذ هذا السهم حتى تلقاني في الجنة ))(153/220)
أقول: في سنده وضاح بن حسان عن وزير بن عبد الله – ويقال ابن عبد الرحمن – الجزري عن غالب بن عبيد الله العقيلي، وهؤلاء الثلاثة كلهم هلكى متهمون بالكذب، ورابعهم أبو رية القائل إن أبا هريرة كيت وكيت. والخبر أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات، وقد تفتن فيه الكذابون فرووه من حديث حابر، ومن حديث أنس، ومن حديث ابن عمر، وغير ذلك. راجع اللآلي المصنوعة 219:1
قال: (( وأخرج ابن عساكر وابن عدي والخطيب البغدادي عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله ائتمن على وحيه ثلاثاً أنا وجبريل ومعاوية..))
أقول وهذا أيضاً من أحاديث الموضوعات، راجع اللآلي المصنوعة 216:1-218 وقد تلاعب به الكذابون فرووه تارة عن واثلة وتارة عن أنس وتارة عن أبي هريرة، ورووا نحوه في أمانة معاوية من حديث علي وابن عباس وعبادة بن الصامت وجابر وابن عمر وعبد الله بن بسر. فإن لزم من نسبة الخبرين إلى أبي هريرة ثبوتهما عنه لزم ثبوتهما عمن ذكر معه من الصحابة، بل يلزم في جميع الأحاديث الضعيفة والموضوعة ثبوتها عمن نسبت إليهم من الصحابة. ومعنى هذا أن كل فرد من أفراد الرواة معصوم عن الكذب والغلط إلا الصحابة .
ولا ريب أن في الرواة المغفل والكذاب والزنديق، ولعل أبا رية أن يكون خيراً من بعضهم فيكون معصوماً فلماذا لا يستغني بهذه العصمة ويطلق أحكامه كيف يشاء ويريح نفسه وغيره من طول البحث والتفتيش في الكتب؟
قال (( ونظر أبو هريرة إلى عائشة بنت طلحة.. . فقال.. . والله ما رأيت وجهاً أحسن منك إلا وجه معاوية على منبر رسول الله ))
أقول: عزاه إلى العقد الفريد، والحكاية فيه بلا سند، وحاول صاحب الأغاني إسنادها على عادته فلم يجاوز بها المدائني وبين المدائني وأبي هريرة نحو قرن ونصف، وهؤلاء سمريون إذا ظفروا بالنكتة لم يهمهم أصدقاً كانت أم كذباً، والعلم وراء ذلك(153/221)
قال (( ولقد بلغ من مناصرته لبني أمية أنه كان يحث الناس على ما يطالب به عمالهم من صدقات، ويحذرهم أن يسبوهم. قال العجاج قال لي أبو هريرة: ممن أنت ؟ قلت من أ هل العراق. قال يوشك أن يأتيك بقعان الشام فيأخذوا صدقتك، فإذا أتوك فتلقهم بها، فإذا دخلوها فكن في أقاصيها وخل عنهم وعنها، وإياك إن تسبهم فإنك إن سببتهم ذهب أجرك وأخذوا صدقتك، وإن صبرت جاءت في ميزانك يوم القيامة ))
أقول: عزاه إلى الشعر والشعراء لابن قتيبة، والحكاية فيه بلا سند، فإن صحت فإنما هي نصيحة لا تدل إلا على النصح لكل مسلم، والإسلام يقضي بوجوب أداء الصدقة إلى عمال السلطان إذا طلبها وبحرمة سبهم إذا أ خذوها ولو منع العجاج الصدقة لأهين وأخذت منه قهراً، ولو سب قابضيها لأثم وضر نفسه ولم يضرهم شيئاً، ويكاد أبو رية ينقم على أبي هريرة قوله لا إله إلا الله وببنى على / ذلك تهمة قال الله اللجاج
وقال ص190 (( وضعه [بزعم المفتري] أحاديث على علي. قال أبو جعفر الاسكافي: إن معاوية حمل قوماً من الصحابة والتابعين على رواية أخبار قبيحة على علي تقتضى الطعن فيه والبراءة منه وجعل لهم في ذلك جعلا، فاختلقوا ما أرضاه، منهم أبو هريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة ومن التابعين عروة بن الزبير
أقول: قد تقدم النظر في ابن أبي الحديد والاسكافي ص 109، وهذه التهمة باطلة قطعاً، فأبو هريرة والمغيرة وعمرو ومعاوية صحابيون وكلهم عند أهل السنة عدول، ثم كانت الدولة لبني أمية فلو كان هؤلاء يستحلون الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم في عيب علي لامتلأ الصحيحان فضلاً عن غيرهما بعيبه وذمة وشتمه، فما بالنا لا نجد عن هؤلاء حديثاً صحيحاً ظاهراً في عيب علي ولا في فضل معاوية ؟ راجع ص64.(153/222)
وعروة من كبار التابعين الثقات عند أهل السنة لا نجد عنه خبراً صحيحاً في عيب علي، فأما الأكاذيب الموضوعات فلا دخل لها في الحساب، على أنك تجدها تنسب إلى هؤلاء وغيرهم في إطراء علي أكثر جداً منها في الغض منه
قال (( وروى الأعمش قال: لما قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة جاء إلى مسجد الكوفة، فلما رأى كثرة من استقبله من الناس جثا على ركبتيه ثم ضرب صلعته مراراً وقال: يا أهل العراق: أتزعمون أني أكذب على الله وعلى رسوله وأحرق نفسي بالنار ؟ والله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن لكل نبي حرماً وإن حرمي المدينة ما بين عبر إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثاً فعلية لعن الله والملائكة والناس أجمعين. وأشهد بالله أن عليا ً أحدث فيها )) فلما بلغ معاوية قوله أجازه وأكرمه وولاه إمارة المدينة ))
أقول: هذا من حكاية ابن أبي الحديد 359 عن الاسكافي، وراجع ص109 ولا ندري سنده إلى الأعمش، وقد تواتر عن الأعمش رواية الحديث بنحو ما هنا (( عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال: خطبنا علي.... )) فذكر ما في صحيفته وذكر الحديث فهو ثابت من رواية علي نفسه، ولا نعرف أن أبا هريرة قدم مع معاوية،ولا أن معاوية ولاه المدينة لا في ذلك الوقت ولا بعده، إنما استخلفه مروان على إمرته بعد ذلك بزمان
قال ص191 (( وعلى أن الحق لا يعدم أنصاراً.. .. فقد روى سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن القاسم بن عمر بن عبد الغفار أن أبا هريرة لما قدم الكوفة مع معاوية.. . فجاء شاب من أهل الكوفة /.. . فقال: يا أبا هريرة أنشدك بالله أسمعت رسول الله يقول لعلي بن أبي طالب: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ؟ فقال: اللهم نعم. فقال: أشهد بالله لقد واليت عدوه وعاديت وليه. ثم قام عنه ))(153/223)
أقول: وهذا أيضاً عن ابن أبي الحديد عن الاسكافي، ولا ندري ما سنده إلى الثوري؟ وعبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر من شيوخ الثوري، فمن عمر بن عبد الغفار ؟ إنما المعروف عمرو بن عبد الغفار الفقيمي، صغير لم يدرك عبد الرحمن فكيف يروي عنه عبد الرحمن؟ مع أن عمر هالك متهم بالوضع في فضائل لأهل البيت ومثالب لغيرهم. وبينه وبين الواقعة رجلان أو ثلاث فمن هم؟ يظهر أن هذا تركيب من بعض الجهلة بالرواة وتاريخهم، ولهذا ترى الاسكافي وأضرابه يغطون على جهة من يأخذون عنه مفترياتهم بترك الإسناد، ويكتفون بالتناوش من مكان بعيد، ثم لو صح الخبر لكان فيه براءة لأبي هريرة ( وهو بريء على كل حال ) فإنه لم يستجز كتمان الحديث في فضل علي رضي الله عنه فكيف يتوهم عليه ما هو أشد؟
أما الموالاة فأي موالاة كانت منه؟ سلم الحسن بن علي الأمر لمعاوية وبايعه هو وإخوته وبنو عمه وسائر بني هاشم والمسلمون كلهم وأبو هريرة
ثم ذكر أ بورية شيئاً من فضائل علي رضي الله عنه: ولا نزاع في ذلك، وقد جاء عن أ بي هريرة أحاديث كثيرة في فضائل أهل البيت تراها في خصائص علي والمستدرك وغيرهما، ولم يكن له إلا قصته عند وفاة الحسن بن علي، كان الحسن قد
استأذن عائشة أن يدفن مع جده النبي صلىالله عليه وسلم فأذنت، فلما مات قام مروان ومن معه من بني أمية في منع ذلك فثار أبو هريرة وجعل يقول: أتنفسون على ابن نبيكم بتربة تدفنونه فيها، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني ( انظر المستدرك 71:3 ) وجرى له يومئذ مع مروان ما جرى مما تقدم بعضه ص 149 وباقيه في البداية 108:8
ثم قال أبورية ص192 (( سيرته وولايته: استعمل عمر أ با هريرة على البحرين سنة 21 ثم بلغه عن أشياء تخل بأمانة الوالي العادل فعزله... واستدعاه وقال له:. . ..... ))(153/224)
أقول: قول أبي رية (( بلغه عنه الخ )) من تظني أبورية وستعلم بطلانه. وأما ما ذكره بعد ذلك فلم يعزه إلى كتاب. وسأذكر ما أ ثتبه المتحرون من أهل العلم، وأقدم قبل ذلك مقدمة:
/ كان عمر رضي الله عنه يحب للصحابة ما يحب لنفسه، فكان يكره لأحدهم أن يدخل عليه مال فيه رائحة شبهة، وله في ذلك أخبار معروفة في سيرته، كان معاذ بن جبل من خيار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (( يأتي معاذ يوم القيامة أمام العلماء برتوة )) وقال أيضاً (( وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل )) وكان معاذ سمحاً كريماً، فركبته ديون، فقسم النبي صلى الله عليه وسلم ماله بين غرمائه، ثم بعثه على اليمن ليجبره، فعاد بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ومعه مال لنفسه، فلقيه عمر فأشار عليه أن يدفع المال إلى أبي بكر ليجعله في بيت المال، فأبى وقال: إنما بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم ليجبرني. ثم رأى رؤيا فسمحت نفسه فذهب إلى أبي بكر وبذل له المال، فقال أبو بكر: قد وهبته لك. فقال عمر: الآن حل وطاب. يعني أن الشبهة التي كانت فيه هي احتمال أن يكون فيه حق لبيت المال فلما طيبه له أبو بكر – وهو الإمام- صار كأنه أعطاه من بيت المال، لاعتقاده أنه مستحق، فبذلك حل طاب ( انظر ترجمة معاذ من الاستيعاب والمستدرك 272:3) فلما استخلف عمر جرى على احتياطه فكان يقاسم عماله أموالهم، فيجعل ما يأخذه منهم في بيت المال، قال ابن سيرين (( فكان يأخذ منهم ثم يعطيهم أفضل من ذلك )) كما سيأتي، وكان عمر يتخوف عليهم أن يكون الناس راعوهم في تجارتهم ومكاسبهم لأجل الإمارة، فكان يأخذ منهم ما يأخذ ويضعه في بيت المال لتبرأ ذممهم،ثم يعطيهم بعد ذلك من بيت المال بحسب ما يرى من استحقاقهم، فيكون حلاً لهم بلا شبهة، وقد قاسم من خيارهم سعد بن أبي وقاص وغيره كما ذكره ابن سعد وغيره(153/225)
وكان عمر رضي الله عنه للصحابة بمنزلة الوالد، يعطف ويشفق ويؤدب ويشدد وكان الصحابة رضي الله عنهم قد عرفوا له ذلك، وقد تناول بدرته بعض أكابرهم كسعد بن أبي وقاص وأبي بن كعب ولم يزده ذلك عندهم إلا حباً ( انظر سنن الدارمي: باب من كره الشهرة والمعرفة. وطبقات ابن سعد: ترجمة عمر ) فأهل العلم والإيمان ينظرون إلى ما جرى من ذلك نظرة غبطة وإكبار لعمر ولمن أدبه عمر. وأهل الأهواء ينظرون نظرة طعن على أحد الفريقين كما صنعه أبو رية هنا. وكما يصنعه الرافضة في الطعن على عمر، أو على الفريقين معا كما ذكره أبو رية ص 52 في ذكر عمر (( قل أن يكون في الصحابة من سلم من لسانه أو يده ))
أما أبو هريرة فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم بعثه مع العلاء بن الحضرمي إلى البحرين وأوصاه به خيرا / فاختار أن يكون مؤذنا كما في الإصابة والبداية وغيرهما. ثم رجع العلاء في حياة النبي صلى الله عليه وسلم كما في فتوح البلدان ص 92 ورجع معه أبو هريرة[يأتي تحقيقه فيما بعد] ثم بعث عمر سنة 20 أو نحوها قدامة بن مظعون على إمارة البحرين وبعثه معه أبا هريرة على الصلاة والقضاء ثم جرت لقدامة قضية معروفة فعزله عمر وولى أبا هريرة الإمارة أيضاً، ثم قدم أبو(153/226)
هريرة بمال لبيت المال ومال له، قال ابن كثير في البداية 113:8 (( قال عبد الزاق حدثنا معمر عن أيوب عن ابن سيرين أن عمر استعمل أبا هريرة على ا لبحرين فقدم بعشرة آلاف، فقال له عمر: استأثرت بهذه الأموال[وفي رواية في طبقات ابن سعد 4/2/60((أسرقت مال الله )) وذكرها أبو رية بلفظ سرقت مال الله] أي عدو الله وعدو كتابه؟ فقال أبو هريرة: لست بعدو الله ولا عدو كتابه، ولكن عدو من عاداهما. فقال: فمن أين هي لك؟ قال:خيل نتجت وغلة رقيق لي وأعطية تتابعت علي، فنظروا، فوجدوه كما قال. فلما كان بعد ذلك دعاه ليستعمله فأبى أن يعمل له، فقال له: تكره العمل وقد طلبه من كان خيراً منك. طلبه يوسف عليه السلام. فقال: إن يوسف نبي ابن نبي ابن نبي ابن نبي وأنا أبو هريرة ابن أميمة،وأ خشى ثلاثاً واثنين. قال عمر: فهلا قلت خمسة ( ؟ ) قال أخشى أن أ قول بغير علم وأقضي بغير حلم، أو يضرب ظهري وينتزع مالي ويشتم عرضي؟
والسند بغاية الصحة. وفي فتوح البلدان ص 93 من طريق يزيد بن إبراهيم التستري عن ابن سيرين عن أبي هريرة أنه لما قدم من البحرين... فذكر أول القصة نحوه. وفيه (( فقبضها منه )) والسند صحيح أيضاً. وأخرجه أيضاً من طريق أبي هلال الراسبي عن ابن سيرين عن أبي هريرة، فذكر نحوه إلا أنه وقع فيه (( اثنا عشر ألفاً )) والصواب الأول لأن أبا هلال في حفظه شيء، وفيه (( فلما صليت الغداة قلت: اللهم اغفر لعمر قال: فكان يأخذ منهم ويعطيهم أفضل من ذلك )) وفي تاريخ الإسلام للذهبي 338:2 (( همام ابن يحيى حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أن عمر قال لأبي هريرة: كيف وجدت الإمارة؟ قال: بعثتني وأنا كاره، ونزعتني وقد أحببتها )) وأتاه بأربعمائة ألف من البحرين فقال: أظلمت أحداً؟ قال: لا. قال: فما جئت به لنفسك؟ قال: عشرين ألفاً. قال من أين أصبتها؟ قال: كنت أتجر. قال:
انظر رأس مالك ورزقك فخذه واجعل الآخر في بيت المال ))(153/227)
فكأنه قدم لنفسه بعشرين ألفاً فقاسمه عمر كما كان يقاسم سائر عماله، فذكر ابن سيرين عشرة الآلاف المأخوذة لبيت المال
/ فقد تحقق بما قدمنا من الروايات الصحيحة أن المال الذي جاء به أبو هريرة لنفسه من البحرين كان من خيله ورقيقه وأعطيته، وأخذ عمر له أو لبعضه لا يدل على ما قدمنا من الاحتياط، ثم يعطيهم خيراً منه. ومما يوضح براءة أبي هريرة في الواقع وعند عمر إظهاره المال وعزم عمر على توليته فيما بعد وامتناع أبي هريرة من ذلك
ثم قال أبو رية ص 193(( وفاته. مات أبو هريرة سنة 57 أو سنة 58 ))
أقول: أو سنة 59 كما في التهذيب وغيره، وهو قول الواقدي وابن سعد
قال (( عن ثمانين سنة ))
أقول: المعروف (( عن ثماني وسبعين سنة ))
قال (( وصلى عليه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وكان يومئذ أميراً على المدينة تكريماً له ))
أقول: هذا رواه الواقدي بسند فيه نظر، ولكنها السنة التي كانوا يعملون بها أن يكون الأمير هو الذي يصلي على الموتى بدون تفريق
قال (( ولما كتب الوليد إلى عمه.. . أرسل.. . ادفع إلى ورثته عشرة آلاف درهم.. ..، وهكذا يترادف رفدهم له حتى بعد وفاته ))
أقول: هذا رواه الواقدي بسند فيه نظر،وفيه (( فإنه كان ممن نصر عثمان وكان معه في الدار )) وإنما حذف أبو رية هذا ليوهم غيره
ثم ذكر أبو رية كلمات لصاحب المنار قال في أبي هريرة ((... فأكثر أحاديثه لم يسمعها من النبي صلى الله عليه وسلم وإنما سمعها من الصحابة والتابعين ))(153/228)
أقول: فيه مجازفتان، الأولى زعم أن أكثر أحاديثه لم يسمها من النبي صلى الله عليه وسلم. ونحن إ ذ نظرنا إلى أحاديثه التي رواها عن غيره من الصحابة وجدناها بسيرة، ثم إذا نظرنا في أحاديثه التي يرويها عن النبي صلى الله عليه وسلم رأسا ولا يصرح بالسماع منه قلماً نجد فيها ما يعلم من متنه أنه كان في المدة التي لم يدركها أبو هريرة، مع أننا نجد عن غيره أحاديث كثيرة تتعلق بتلك المدة، فهذا مع ما تقدم ص106و 118و 119 وغيرها وما يأتي بعد من شهادة الصحابة له يقضي بعكس الدعوى المذكورة
/ المجازفة الثانية زعم أن بعض أحاديثه سمعها من التابعين، إن أريد أحاديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم فإننا لا نعرف له حديثاً كذلك، ورواية الصحابي الذي سمع من النبي صلى الله عليه وسلم كأبي هريرة عن تابعي عن صحابي عن النبي صلى الله عليه وسلم بغاية القلة، وإنما ذكروا من هذا الضرب حديثاً لسهل بن سعد وآخر للسائب بن يزيد، وقد توفي النبي صلى الله عليه وسلم وسهل ابن خمس عشرة سنة والسائب ابن سبع سنين، وذكروا أن الحافظ العراقي تتبع ما يدخل في هذا الضرب فجمع عشرين حديثاً لعل منها ما لا يصح وباقيها من أحاديث أصاغر الصحابة كالسائب
قال (( وقد ثبت أنه كان يسمع من كعب الأحبار ))
أقول: أي شيء سمع مه ؟ إنما سمعه منه أشياء يحكيها عن صحف أهل الكتاب، وذلك فن كعب
قال (( وأكثر أحاديثه عنعنة ))(153/229)
أقول: أما عنعنته فقد قدمنا ص 114-117 أنها تكون على احتمالين إما أن يكون سمع من النبي صلى الله عليه وسلم، وإما عن صحابي آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم. فأما الاحتمال الثالث أن يكون إنما سمع من تابعي – كعب أو غيره – ومع ذلك رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم فهذا من أبطل الباطل قطعاً، وراجع ما تقدم ص 73-75و 82و 89و94و 99و109-110، ولا أدري أين كان أهل العلم من الصحابة والتابعين وأتباعهم وهلم جرا عن هذا الاحتمال حتى يثار في القرن الرابع عشراً؟ بل أين كان وعد الله تبارك وتعالى بحفظ دينه وشريعته فلم ينههم لهذا الاحتمال طوال تلك القرون؟ بل أين كان الشيطان عن هذا الاحتمال فلم يوسوس به لأحد؟ كلا، كانوا أعلم وأتقى من أن يطمع الشيطان أن ينصاعوا لوسوسة مثل هذه. ومن تدبر ما تقدم 114-117 علم أن هذا الاحتمال الثالث معناه اتهام الصحابي بالكذب، فإذا كانت الأدلة تبريء أبا هريرة ونظراءه من الكذب فإنها تبرئهم من هذا
قال (( على أنه صرح بالسماع في حديث: خلق الله التربة يوم السبت، وقد جزموا بأن الحديث أخذه عن كعب الأحبار )) أقول: قد تقدم النظر في هذا الحديث ص 135-139 بما يقتلع الشبهة من أصلها ولله الحمد
/ قال ص 194 (( وقال: إنه يكثر في أحاديثه الرواية بالمعنى
أقول: هذه مجازفة، وأبو هريرة موصوف بالحفظ كما مر ويأتي
قال (( إنه انفرد بأحاديث كثيرة.. .. ))
أقول: قد تتبع أبو رية عامة ذلك، وتقدم النظر في بعضها ويأتي الباقي
قال ص 95 (( وقال وهو يبين أن بطلي الاسرائيليات.. . هما كعب الأحبار ووهب بن منبه: وما يدرينا أن كل [تلك] الروايات- أو الموقوفة منها- ترجع إليهما.... ))
أقول: كلمة (( تلك )) ثابتة في مصدر أبي رية، والكلام هناك في روايات جاءت
في قضية خاصة، فأهمل أ بو رية بيان ذلك وأسقط كلمة (( تلك )) ليفهمك أن صاحب المنار يجيز أن تكون المرويات الإسلامية كلها راجعة إلى كعب ووهب(153/230)
وأعاد ص 196-197 بعض دعاويه ومزاعمه، وقد تقدم ويأتي ما فيه كفاية
ثم قال ص 198 (( أمثلة مما رواه أبو هريرة: أخرج البخاري ومسلم عنه قال: أرسل ملك الموت إلى موسى عليهما السلام، فلما جاءه صكه، فرجع إلى ربه فقال:أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت. فرد الله عليه عينه[في كتاب أبي رية ((عينيه)) وقال: ارجع فقل له يضع يده على متن ثور، فله بكل ما غطت يده بكل شعرة سنة. قال: أي رب ثم ماذا؟ قال: ثم الموت. قال: فالآن. فسأل[فيه ((فاسال)) الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الكثيب الأحمر. وفي رواية لمسلم. قال: فلطم موسى عين مالك الموت ففقأها ))
أقول القصة على ما ذكر هنا من كلام أبي هريرة: وإنما الذي من كلام النبي صلى الله عليه وسلم قوله (( فلو كنت ثم الخ )) وليس فيه ما يستشكل. فأما القصة فقد أ جاب عنها أهل العلم. وسألخص ذلك: ثبت الكتاب ولاسنة أن المشكلة قد يتمثلون في صور الرجال، وقد يراهم كذلك بعض الأنبياء فيظنهم من بني آدم كما في قصتهم مع إبراهيم ومع لوط عليهما السلام- اقرا من سورة هود الآيات 69-80 وقال الله تعالى في مريم عليه السلام ( 17:19 – فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سويا. قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا ). وفي السنة أشياء من ذلك وأشهرها ما في حديث السؤال عن الإيمان والسلام والإحسان. / فمن كان جاحداً لهذا كله أو مر تابا فيه فليس كلامنا معه، ومن كان مصدقاً علم أنه لا مانع أن يتمثل ملك الموت رجلاً ويأتي إلى موسى فلا يعرفه موسى(153/231)
الجسد المادي الذي يتمثل به الملك ليس جسده الحقيقي، وليس من لازم تمثله فيه أن يخرج الملك عن ملكيته، ولا أن يخرج ذاك الجسم المادي عن ماديته، ولا أن تكون حقيقة الملك إلى ذاك الجسم كنسبة أو روح الناس إلى أجسامهم، فعلى هذا أو عرض ضرب أو طعن أو قطع لذاك الجسم لم يلزم أن يتألم بها الملك ولا أن تؤثر في جسمه الحقيقي، ما المانع أن تقتضي حكمة الله عزوجل أن يتمثل ملك الموت بصورة رجل ويأمره الله أن يدخل على موسى بغته ويقول له مثلاً: سأفبض روحك. وينظر ماذا يصنع ؟ لتظهر رغبة موسى في الحياة وكراهيته للموت فيكون في قص ذلك عبرة لمن بعده
فعلى هذا فإن موسى لما رأى رجلاً لا يعرفه خل بغتة وقال ما قال، حمله حب الحياة على الاستعجال بدفعه، ولولا شدة حب الحياة لتأتي وقال: من أنت وما شأنك؟ ونحو ذلك ووقوع الصكة وتأثيرها كان على ذاك الجسد العارض، ولم ينل الملك بأس. فأما قوله في القصة (( فرد الله عليه عينه )) فحاصله أن الله تعالى أعاد تمثيل الملك في ذاك الجسد المادي سليماً، حتى إذا رآه موسى قد عاد سليماً مع قرب الوقت عرف لأول وهلة خطأه أول مرة
قال أبو رية (( وفي تاريخ الطبراني عن أبي هريرة أن ملك الموت.. .. ))
أقول: رجاله كلهم موصوفون بأنهم ممن يخطئ، فلا يصح عن أبي هريرة
قال (( وأخرجا كذلك عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: تحاجت الجنة والنار.. ... ))
أقول: قد وافق أبا هريرة على هذا الحديث أنس بن مالك بن مالك وحديثه في الصحيحين وغيرهما، وأبو سعيد وحديثه في صحيح مسلم ومسند أحمد وغيرهما، وأبي بن كعب وحديثه في مسند أبي يعلى. وتفسير الحديث معروف
قال (( وروى البخاري عنه: مابين منكبي الكافر مسيرة ثلاثة أيام الراكب
المسرع. وخرج أوله مسلم عنه مرفوعاً وزاد: وغلط جلده مسيرة ثلاثة أيام ))
أقول: هذا من فهم أبي رية وتحر به. راجع فتح الباري 365:11 تعرف ما في صنيع أبي رية وتعرف الجواب(153/232)
/ وقال ص199 (( وروى البخاري وابن ماجه عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله ثم يطرحه فإن في أحد جناحية داء والآخر شفاء ))
أقول: هذا الحديث قد وافق أبا هريرة على روايته أبو سعيد الخدري وأنس. راجع مسند أحمد بتحقيق وتعليق الشيخ أحمد محمد شاكر رحمه الله 124:12، وعلماء الطبيعة يعترفون بأنهم لم يحيطوا بكل شيء علماً، ولا يزالون يكتشفون الشيء بعد الشيء، فبأي إيمان بنفي أبو رية وأضرار به أن يكون الله تعالى أطلع رسوله صلى الله عليه وسلم على أمر لم يصل إليه علم الطبيعة بعد؟ هذا وخالق الطبيعة ومدبرها هو واضع الشريعة، وقد علم سبحانه أن كثيراً من عباده يكونون في ضيق من العيش، وقد يكون قوتهم اللبن وحده، فلو أرشدوا إلى أن يربقوا كل ما وقعت فيه ذبابة لأجحف بهم ذلك. فأغيثوا بما في الحديث، فمن خالف هواه وطبعه في استقذار الذباب فغسمه تصديقاً لله ورسوله دفع الله عنه ا لضرر، فكان في غمس مالم يكن انغمس ما يدفع ضرر ما كان انغمس، وعلماء الطبيعة يثبتون القوة الاعتقاد تأثيراً بالغاً، فما بالك باعتقاد منشؤه الإيمان بالله ورسوله ؟
قال ص200 (( وروى الطبراني في الأوسط عن النبي صلى الله عليه وسلم: أتاني ملك برسالة من الله عزوجل ثم رفع رجله فوضعها فوق السماء والأخرى في الأرض لم يرفعها ))
أقول: تفرد برواية صدقة بن عبد الله السمين وهو ضعيف، والحديث معدود في منكراته فم يثبت عن أبي هريرة
قال (( وروى الترمذي عنه:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: العجوة من الجنة وفيها شفاء من السم ))(153/233)
أقول: سنده إلى أبي هريرة كما قال الترمذي، لكنه معروف من رواية غيره من الصحابة، فقد ورد من حديث أبي سعيد وجابر، وجاء من حديث بريدة مرفوعاً: العجوة من فاكهة الجنة. وفي الصحيحين من حديث سعد ابن أبي وقاص مرفوعاً: من اصطبح كل يوم تمرات عجوة لم يضره سم ولا سحر ذلك اليوم إلى الليل. وله شاهد من حديث عائشة في صحيح مسلم. وراجع ما مر قريبا
قال (( وروى الحاكم وابن ما جه من حديثه بسند صحيح: خمروا الآنية وأوكثوا الأسقية وأجيفوا الأبواب واكفتوا صبيانكم عند الماء، فإن للجن انتشاراً وخطفة، وأطفئوا المصابيح عند الرقاد فإن الفويسقة ربما اجترت الفتيلة فأحرقت أهل البيت ))
/ أقول: هذا حديث جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو عن جابر بهذا اللفظ حرفاً حرفاً في صحيح البخاري كتاب بدء الخلق. انظر فتح الباري 253:6، وهو بألفاظ أخر في موضع آخر من صحيح البخاري وفي صحيح مسلم
قال ص201 (( وروى مسلم عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة ))
أقول: ق تقدم هذا ص 140- فراجعه وتأمل صنيع أبي رية هناك
قال: (( وروايات أبي هريرة من هذا القبيل وأوهى منه تفهق الكتب بها.. .. ))(153/234)
أقول: انتفد أبو رية في ترجمة أبي هريرة نيفاً وثلاثين حديثاً، وهي على خمسة أضرب: ضرب نسبه إلى أبي هريرة اعتباطاً وإنما روى عن غيره. وضرب نحو عشرة أحاديث في سند كل منها كذاب أو متهم أو ضعف أو انقطاع، فهذا لا شأن أبي هريرة به لأنه لم يثبت عنه، وراجع ص151. وضرب اختلف فيه أيصح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أم لا فهذا قريب من سابقه، فإنه على فرض تبين بطلان متنه يترجح عدم صحته عن أبي هريرة لأن تبعة الحديث إنم تتجه إلى الأدنى. وضرب صحيح عن أبي هريرة وقد وافقه عليه غيره من الصحابة اثنان أو ثلاثة أو أكثر. ويبقى بعد الأضرب السابقة ثلاثة أو أربعة أحاديث قد مر الجواب الواضح عنهما بحمد الله تعالى
واعلم أن الناس تختلف مداركهم وأفهاميهم وآراؤهم ولا سيما في ما يتعلق بالأمور الدينية والغيبية لقصور علم الناس في جانب علم الله تعالى وحكمته، ولهذا كان في القرآن آيات كثيرة يستشكلها كثير من الناس وقد ألفت في ذلك كتب وكذلك استشكل كثير من الناس كثيراً من الأحاديث الثابتةعن النبي صلى الله عليه وسلم، منها ما هو رواية كبار الصحابة أو عدد منهم كما مر، وبهذا يتبين أن استشكال النص لا يغني بطلانه. ووجود النصوص التي يستشكل ظاهرها لم يقع في الكتاب والسنة عفواً وإنما هو أمر مقصود شرعاً ليبلو الله تعالى ما في النفوس ويمتحن ما في الصدور. وييسر للعلماء أبو أبا من الجهاد يرفعهم الله به درجات(153/235)
هذا وأنت تعلم أن أبا هريرة رجل أمي لا تكتب ولا يقرأ الكتب، وعاش حتى ناهز الثمانين، منها نحو أو أربعين سنة يحدث، وكثر حديثه، ولم يكن معصوماً عن الخطأ، وكذلك الموثقون من الرواة عنه ومن بعدهم. أما غير المؤثقين فلا اعتدد بهم وقد عاداه المبتدعة من الجهمية والمعتزلة والرافضة وغلاه أصحاب الرأي كما مرت شواهده في الترجمة، وحرصوا كل الحرص على أن يجدوا في أحاديثه / ما يطعنون به عليه وتتابعت جهودهم، ثم جاء أبو رية فأطال التفتيش والتنبيش وقضى في ذلك سنين من عمره، ومع ذلك كله كانت النتيجة ما تقدم، فعلى ماذا يدل هذا؟
أبو هريرة والبحرين(153/236)
ذكر جماعة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا هريرة مع العلاء بن الحضرمي إلى البحرين وفي طبقات ابن سعد 4/2/76 عن الواقدي بسنده إلى العلاء بن الحضرمي أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه منصرفه من الجعرانة إلى المنذر بن ساوى العبدين بالبحرين.. . وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معه نفراً فيهم أبو هريرة وقال له: استوص به خيراً )) ثم قال الواقدي (( حدثني عبد الله بن يزيد عن سالم مولى نبي نضر قال سمعت أبا هريرة يقول: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع العلاء بن الحضرمي وأوصاني به خيراً، فلما فصلنا قال لي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أ وصاني بك خيراً فانظر ماذا تحب ؟ قال: قلت تجعلني أؤذن لك ولا تسبقني بآمين، فأعطاه ذلك )) والواقدي ليس بحجة لكن للقصة شواهد، ففي فتح الباري 217:2 (( فروى سعيد بن منصور من طريق محمد بن سيرين أن أبا هريرة كان مؤذناً بالبحرين، وأنه اشترط على الإمام أن لا يسبقه بآمين. والإمام بالبحرين كان العلاء بن الحضرمي بينه عبد الرزاق من طريق أبي سلمة عنه )) وعند ابن سعد 4/2/54 بسند صحيح عن أبي هريرة قال (( صحبت النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين، ما كنت سنوات قط أعقل مني ولا أ حب إلي أن أعي ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم مني فيهن )) هذا مع أن قدومه على النبي صلى الله عليه وسلم كان في صفر سنة 8، فمنه إلى وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أربع سنين وشيء فاقتصاره على (( ثلاث سنين )) يدل أنه غالب في أثناء المدة سنة أو نحوها، وقد كان البعث بعد الانصراف من الجعران كما مر، وكان الانصراف منها في أواخر ذي القعدة أو ذي الحجة سنة8، وفي الطبقات 4/2/77 أن العلاء قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فولى النبي صلى الله عليه وسلم مكانه أبان بن سعيد بن العاص، فعلى هذا لما رجع العلاء رجع معه أبو هريرة، وقد ثبت في الصحيح عن أبي هريرة أنه ممن رجع مع أبي بكر سنة 9، وكان ينادي مع(153/237)
على أن لا يحج بعد الطعام مشرك. انظر صحيح البخاري – تفسر سورة براءة – فصح أن غيبته كانت سنة أو دونها
وثم ما يدل أن أبا هريرة عاد إلى البحرين في خلافة أبي بكر، ففي الطبقات 4/2/77- عن الواقدي بسند أن أبا بكر أعاد في خلافته العلاء بن الحضرمي على البحرين، وذكر القصة وفيها فتح العلاء / درين سنة أربع عشرة، ثم ذكر ابن سعد بسند آخر أن عمر كتب إلى العلاء أن يذهب ليخلف عتبة بن غزوان على عمله، فخرج العلاء ومعه أبو هريرة فمات العلاء في الطريق ورجع أبو هريرة إلى البحرين، وذكر عن أبي هريرة قوله (( رأيت من العلاء بن الحضرمي ثلاثة أشياء ولا أ زال أحبه أبداً، رأيته قطع البحر فلما كنا بلياس (؟) فمات.. )) ومن أ هل الأخبار أن أبا هريرة رجع إلى البحرين مع العلاء حين ولاه أبو بكر وكان بها ستة أ ربع عشرة
ثم كان أبو هريرة بالبحرين أيضاً في إمارة مقدمة بن مظعون عليها كما يعلم من ترجمة قدامة في الإصابة وغيرها، وفي فتوح البلدان ص92 عن أبي مخنف في ذكر العلاء بن الحضرمي ((.. . حتى مات وذلك في سنة أربع عشرة أو في أول ستة خمس عشرة، ثم إن عمر ولى قدامة بن مظعون الجمحي جباية البحرين وولى أبا هريرة الأحداث والصلاة.. . )) وفيه ص 93 عن الهيثم (( كان قدامة بن مظعون على الجباية والأحداث، وأبو هريرة على الصلاة والقضاء.. . ثم ولاه عمر البحرين بعد قدامة، ثم عزله وقاسمه، وأمره بالرجوع فأبى فولاها عثمان بن أبي العاصي .. ))
والقضية تحتاج إلى مزيد تتبع وتأمل، غير أن في ما تقدم ما يكفي الدلالة على أن إقامة أبي هريرة بالبحرين كانت كافية لأن يتمول، وبذلك يتأكد صدقة في قوله (( خيل نتجت.. .. )) كما مر 148
من فضل أبي هريرة(153/238)
أما ما يسمعه وغيره من الصحابة رضي الله عنهم فيأتي في موضعه، وأما ما يخصه فمنه في الصحيحين عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه في طريق من طرق المدينة وهو جنب فانسل فذهب فاغتسل، فتفقده النبي صلى الله عليه وسلم، فلما جاء قال: أين كنت يا أبا هريرة؟ قال: يا رسول الله لقيتني وأنا جنب، فكرهت أن أجالسك حتى اغتسل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبحان الله، إن المؤمن لا ينجس، لفظ مسلم
ومر ص100 ما في صحيح البخاري من قول النبي صلى الله عليه وسلم (( لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني أحد عن هذا الحديث أول منك، لما رأيت من حرصك على الحديث.. .. ))
/ وفي صحيح مسلم وغيره في قصة إسلام أمه قول النبي صلى الله عليه وسلم (( اللهم حبب عبيدك هذا- يعني أبا هريرة – وأمه إلى عبادك المؤمنين.. .. )) قال ابن كثير في البداية 105:8 (( وهذا الحديث من دلائل النبوة، فإن أبا هريرة محبب إلى جميع الناس.. . )) وفي الإصابة (( وأخرج النسائي بسند جيد في العلم من كتاب السنن أن رجلاً جاء إلى زيد بن ثابت فسأله فقال له زيد: عليك بأبي هريرة، فإن بينما أنا وأبو هريرة وفلان في المسجد ندعو الله ونذكره إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس إلينا فقال: عودوا للذي كنتم فيه، قال زيد: فدعوت أنا وصاحبي فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمن على دعائنا ودعا أبو هريرة فقال: اللهم إني أسألك ما سأل صاحبي وأسألك علماً لا ينسى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: آمين. فقلنا يا رسول الله ونحن نسأل الله علماً ولا ينسى، فقال: سبقكم بها الغلام الدوسي )) ونحوه في تهذيب التهذيب وفيهما بعض ألفاظ محرفة(153/239)
وفي مسند أحمد 541:2 وسنن أبي داود وغيرهما عنه قال (( بينما أنا أوعك في مسجد المدينة إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فقال: من أحسن الفتى الدوسي؟ من أ حسن الفتى الدوسي؟ فقال له قائل: هو ذاك يوعك في جانب المسجد حيث ترى يا رسول الله. فجاء فوضع يده علي وقال لي معروفاً، فقمت فانطلق حتى قام في مقامه الذي يصلي فيه.. .))
ومر ما روى من تولية عمر لقدامة بن مظعون وأبي هريرة البحرين، قدامة عل الجباية، وأبا هريرة على الصلاة والقضاء، ثم جمع الكل لأبي هريرة. هذا مع أن قدامة من السابقين البدريين، ثم قاسم عمر أبا هريرة كما كان يقاسم عماله وأراج أن بعيده على الإمارة فأبى أبو هريرة
وتقدم صفحة 106و 120و 123 شهادة طلحة والزبير وأبي أيوب وعائشة له، وتقدم ص106و 118- 119 ثناء ابن عمر عليه. وذكر الحاكم في المستدرك أنه روى عنه بضعة وعشرون من الصحابة عد منهم أبي بن كعب وأبا موسى الأشعري وعائشة بن يزيد وأبا أيوب وابن عمر وابن عباس وابن الزبير وجابر بن عبد الله وجماعة
وفي الإصابة (( قال البخاري روى عنه نحو الثمانمائة من أهل العلم، وكان أحفظ من روى الحديث / في عصره. قال وكيع في نسخته: حدثنا الأعمش عن ابن صالح قال: كان أبو هريرة أحفظ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخرجه البغوي عن رواية أبي بكر بن عياش عن الأعمش بلفظ: ما كان أفضلهم، ولكنه كان أحفظ... وقال الربيع قال الشافعي: أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره. وقال أبو الزعيرعة كاتب مروان:/ أرسل مروان إلى أبي هريرة فجعل يحدثه
وكان أجلسني خلف السرير أكتب ما يحدث به، حتى إذا كان في رأس الحول أرسل إليه فسأله وأمرني أن أنظر، فما غير حرفاً من حرف )). وأخرجه الحاكم في المستدرك 510:3 وفيه (( فما زاد ولا نقص، ولا قدم ولا أخر )) قال الحاكم (( صحيح الإسناد )) وأقرء الذهبي(153/240)
وقال ابن كثير في البداية 110:8 (( وقد كان أبو هريرة من الصدق والحفظ والديانة والزهادة والعمل الصالح على جانب عظيم.. . ))
وفي طبقات ابن سعد 4/ 2/ 62 (( أخبرنا معن بن عيسى قال: حدثنا مالك ابن أنس عن المقبري عن أبي هريرة أن مروان دخل عليه في شكواه الذي مات فيه فقال: شفاك الله يا أبا هريرة. فقال أبو هريرة: اللهم إني أحب لقاءك، فأحب لقائي. قال فما بلغ مروان أصحاب القطا حتى مات أبو هريرة ))
ثم ذكر ابو رية ص 202-206 جماعة من الصحابة قلت أحاديثم، وقد نظرت في ذلك ص42
ثم قال ص 207 (( أحاديث مشكلة.. عن ابن عباس، إن الله خلق لوحاً محفوظاً من درة بيضاء دفناه من ياقونة حمراء.. .. ))
أقول: هذا من قول ابن عباس، أخرجه الحاكم في المستدرك 474:2 من طريق أبي حمزة الثمالي وقال الحاكم (( صحيح الإسناد ))، تعقبه الذهبي فقال (( اسم أبي حمزة ثابت، وهو واه بمرة )) وينظر وجه الاستشكال ؟
قال (( وروى الشيخان.. عن أبي ذر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر حين غربت الشمس: أتدري أين تذهب؟.. .. ))
أقول: النظر في هذا الحديث يتوقف على بيان معنى قول الله عزوجل ( والشمس تجري لمستقر لها ) ثم جمع طرقه وتدبر ألفاظه، ولم يتسير لي ذاك الآن والله المستعان. ( ثم نظرت فيه فيما يأتي ص213)
/ قال (( وروى مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص صاحب الزاملتين قال: إن في البحر شياطين.. .. ))
أقول: هذا ذكره مسلم في مقدمة صحيحه، وهو من قول عبد الله بن عمرو، ليس بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال (( وروى البخاري.. . عن عامر بن سعيد [بن أبي وقاص] عن أبيه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: من اصطبح كل يوم ثمرات عجوة م يضره سم ولا سحر... وفي رواية: سبع تمرات عجوة. وكذا لمسلم عن سعيد بن أبي العاص. وعند النسائي من حديث جابر: العجوة من الجنة وهي شفاء من السم ؟(153/241)
أقول: الحديث في الصحيحين من رواية عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه. ولم أجد ذكر سعيد بن أبي العاص وراجع ما مر ص160
قال (( وأخرج الشيخان عن أبي هريرة: إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين.. .، وقال العلماء المحققون في شرح هذا الحديث: لئلا يسمع فيضطر أن يشهد بذلك يوم القيامة ))
أقول: أما الحديث فلا إشكال فيه عنه من يؤمن بالقرآن، وفي بعض رواياته (( وله حصاص ))، وفي صحيح مسلم عن جابر (( سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن الشيطان إذا سمع النداء ذهب حتى يكون مكان الروحاء )) وأما التفسير الذي فيه إلى المحققين فهو قول بعضهم، فإن كان حقاً فلماذا السخرية منه؟ وإن كان باطلاً فتبعته على قائله، فلماذا يذكر هنا؟
قال ص 208 (( وروى مسلم عن أبي سفيان أنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله أعطني ثلاثاً: تزوج ابنتي أم حبيبة، وابني معاوية اجعله كاتباً، وأمرني أن أقاتل الكفار كما قالت المسلمين.. .. )) وأم حبيبة تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وهي[في كتاب أبي رية ((وهو)) بالحبشة..... ))
أقول: لفظ مسلم قال: عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها )) وفي سنده عكرمة ابن عمار بأنه يغلط ويهم، فمن أ هل العلم من تكلم في هذا الحديث وقال انه من أوهام عكرمة، ومنهم من تأوله، وأقرب تأويل له أن زواج النبي صلى الله عليه وسلم لما كان قبل إسلام أبي سفيان كا بدون رضاه فأراد بقوله (( أزوجكها )) أرضى بالزواج، فأقبل مني هذا الرضا
قال (( وفي مسند أحمد عكرمة ابن عباس أن النبي صلى لاله عيله وسلم صدق أمية ابن أبي الصلت.. .. في قوله: والشمس تطلع.. . )) البيتين
/ أقول: مداره على محمد بن إسحاق عن يعقوب بن عتبة عن عكرمة عن ابن عباس، وفي مجمع الزوائد 127:8 (( رجاله ثقات، إلا أن ابن إسحاق مدلس )) والمدلس لا يحتج بخبره وحده مالم يتبين سماعه(153/242)
قال (( وروى مسلم عن أنس بن مالك أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: متى تقوم الساعة؟ قال فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم هنيهة، ثم نظر إلى غلام بن يديه من أزدشنوءة فقال: إن عمر لم يدركه الهرم حتى تقوم الساعة، قال أنس: ذاك الغلام من أترابي يومئذ.. . ))
أقول: من عادة مسلم في صحيحه أنه عند سياق الروايات المتفقة في الجملة يقدم الأصح فالأصح[قد مر مثال لهذا ص18]، فقد يقع في الرواية المؤخرة إجمال أو خطأ تبينه الرواية المقدمة في ذاك الموضع قدم حديث عائشة (( كان الأعراب إذا قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه عن الساعة متى الساعة؟ فنظر إلى أحداث إنسان منهم فقال: إن يعيش هذا م يدركه الهرم قامت عليكم ساعتكم )) وهذا في صحيح البخاري بلفظ (( كان رجال من الأعراب جفاة يأتون ا لنبي صلى
الله عليه وسلم فيسألونه: متى الساعة؟ فكان ينظر إلى أصغرهم فيقول: إن يعش هذا لا يدركه الهرم حتى تقوم عليكم ساعته. قال هشام: يعني موتهم )) ثم ذكر مسلم حديث انس بلفظ (( إن يعش هذا الغلام فعسى أن لا يدركه الهرم حتى تقوم الساعة )) ثم ذكره باللفظ الذي حكاه أبو رية، وراجع فتح الباري 313:11
ثم قال ص 209 (( أحاديث المهدي.. ... )). وقال ص210 (( المهدي العباسي )) ثم قال (( المهدي السفياني.. .. )) ولم يسق الأخبار. والكلام فيها معرفو
ثم قال ص210 (( الخلفاء الاثنا عشر- جاءت أحاديث كثيرة: تنبئ أن الخلفاء سيكونون اثنى عشر خليفة. للبخاري عن جابر بن سمرة: يكون اثنا عشر أميراً كلهم من قريش. ورواية مسلم: لا يزال امر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً. وفي رواية أخرى: إن هذا الأمر لا يقتضي حتى يمضي له فيهم اثنا عشر خليفة، فقد رووا حديثاً يعارض هذه الأحاديث جميعاً وهو حديث سفينة.. .. الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم يكون ملكاً ))(153/243)
أقول: إن كان أص اللفظ النبوي (( أميراً )) كما في رواية البخاري وبعض روايات مسلم فواضح أنه لا يعارضه، وإن كان بلفظ (( خليفة )) فالمراد به من يتسمى بهذا الإسم أو يحلف غيره في الإمارة / والخلافة في حديث خلافة النبوة. نقل معنى هذا عن القاضي عياش وهو ظاهر
قال (( وكذلك أخرج أبو داود في حديث ابن مسعود رفعه: تدور رحى الإسلام.. .. ))
أقول: قد بسط الكلام في هذا في فتح الباري 181:13-186 فراجعه وحكى أبو رية ص212 بعض ما قيل في ذلك مما يزيد في تصوير العارض. وهذا دأبه. كلما وجد اشكالاً قد حل، أو اعتراضاً قد أجيب عنه، ذكر الإشكال أو الاعتراض وهول، ولم يعرض للجواب ثم قال ص213 (( الدجال. جاء في الدجال.. ... أحاديث كثيرة بعضها يصرح بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرى أن من المحتمل الدجال في زمنه... وبعضها يصرح بأنه يخرج بعد فتح المسلمين لبلاد الروم ))
أقول: لم يكن صلى الله عليه وسلم أولاً ثم أعلمه الله
قال (( وبعض الأحاديث تقول بأنه سيكون معه جبال من خبز وأنهار من ماء وعسل ))
أقول: لم أر في الأخبار ذكر العسل، ويظهر أن أبا رية اختطف كلماته في فتح الباري 81:13 وليس هناك ذكر العسل، فأما ذكر جبل – أو جبال- خبز فقد روى، مع أن الصحيحين عن المغيرة بن شعبة أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم (( يقولون إن معه جبل خبز ونهر ماء )) فقال النبي صلى الله عليه وسلم (( بل هو أهون على الله من ذلك )) لفظ البخاري. وقد يحمل ما ورد في أن معه (( جبال خبز )) على المجاز، أي أن معه مقادير عظيمة من الخبز، مع أن يخافيه محتاجون
قال (( وزاد مسلم: جبال من لحم ))
أقول إنما في صحيح مسلم في كلام المغيرة أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم (( إنهم يقولون معه جبال من خبز ولحم )) فقال النبي صلى الله عليه وسلم (( هو أهون على الله من ذلك )) فانظر، واعتبر !
قال (( وأخرج نعيم بن حماد من طريق كعب.. . ))(153/244)
أقول هو كلام منسوب إلى كعب من قوله، والسند إليه مع ذلك واه
قال (( ومن أخباره أنه ينزل.. .. ))
أقول: هذا كسابقه
وذكر اختلاف الرواية في مخرجه. أقول: في حديث أبي بكر الصديق عند أحمد
وغيره أنه يخرج من خراسان / ولا ينافيه ما صحيح مسلم أنه يتبعه يهود اصبهان، إذ لا يلزم من اتباعهم له أن يكون أول خروجه من عندهم. وكذا ما جاء في رواية (( أنه خارج بين الشام والعراق )) إذ لا يلزم أن يكون ذلك أول خروجه. فأما ما في حديث الجساسة أنه محبوس في جزيرة. فإن حمل على ظاهره فلا مانع مع أن يذهب بعد إطلاقه إلى خراسان ثم يظهر أمره منها، وإن حمل على التمثيل كما مرت الإشارة إليه ص95 فالأمر واضح
قال (( وهناك أحاديث.. .. كلها مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ))
أقول: ليس كل ما ورد في الدجال بمرفوع، على أن أبا رية ترك المرفوعات الثابتة في صحيح البخاري وغيره، وسقط على ما نسب إلى كعب مع أنه لا يصح عنه
قال (( ولكن يمكنوا لهذه الخرافة أو الاسطورة في عقول المسلمين أوردوا حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن من كذب بالمهدي فقد كفر، ومن كذب بالدجال فقد كفر ))
أقول: لا أعرف حديثاً هكذا، ولا أرى ذكر النبي صلى الله عليه وسلم للمهدي متواتراً ولا قريباً منه، فأما ذكره الدجال فمتواتر قطعاً، ومن اطلع على ما في صحيح البخاري وحده علم ذلك، ومع هذا فإنما أقول: من كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم في خبر من أخباره عن الغيب فهو كفر
قال ص214 (( عمر الدنيا ))
فأشار إلى صنيع السيوطي ولم يذكر الأحاديث حتى ننظر فيها، والذي أعرفه أنه ليس في ذلك صحيح صريح
قال (( وقد أعرفنا أعرضنا كذلك عن إيراد أخبار الفتن وأشراط الساعة ونزول عيسى التي زخرت بها كتب السنة المعتمدة بين المسلمين والمقدسة من الشيوخ الحشويين ))(153/245)
أقول صدق الله تبارك وتعالى (39:10 بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله،كذلك كذب الذين من قبلهم،فانظر كيف كان عاقبة الظالمين ))
قال (( وكذلك أهملنا ذكر الأحاديث الواردة في خروج النيل والفرات وسيحون وجيجون من أصل سدرة المنتهى فوق السماء السابعة وهي في البخاري وغيره ))
أقول: الذي في صحيح البخاري في حديث الإسراء عند ذكر سدرة المنتهى (( وإذا أربعة أنهار: نهران باطنان ونهران ظاهران. فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: أما الباطنان فنهران في الجنة، وأما الظاهران/ فالنيل والفرات )) وقد فسره أهل العلم بما فسروان ورأيت بعض العصريين يذكر وجهاً سأحكيه لينظر فيه، قال: لا ريب أن كل ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء حق، لكن منه ما كان بضرب من التمثيل يحتاج إلى تأويل، وقد ذكر في بعض الروايات أشياء من هذا القبيل، انظر فتح الباري 153:7، وقد يقال: إن سدرة المنتهى مع أنها حقيقة ضربت مثلاً لكمة الإسلام على نحو قوله تعالى (24:14 ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ) الآيات، وجعل مغرسها مثلاً للأرض التي ستثبت فيها كلمة الإسلام في الدنيا والأرض التي يرثها أهله في الجنة، فرمز إلى الأولى بما فيه مثال النيل والفرات، وإلى الثانية بما فيه مثال النهرين اللذين في الجنة، وكأنه قيل النبي صلى الله عليه وسلم: هذه كرامتك، كما يدفع الملك إلى من يكرمه وثيقة فيها رسم أرض معروفة فيها قصر وحديقة، فيكون معنى ذلك أ،ه أنعم بها عليه، أما سيحون وجيجون فلا ذكر لهما، نعم في حديث لمسلم تقدم ص132 ذكر سيحان وجيجان، وهما غير سيحون وجيجون
ثم قال أبو رية ص215 (( كلمة جامعة.. . انتهى العلامة السيد رشيد رضا في(153/246)
تفسيره.. . إلى هذه النتائج القيمة: 1- أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلم الغيب.. . وإنما أعلمه الله ببعض الغيوب بما أنزل عليه في كتابه، وهو قسمان: صريح ومستنبط ))
أقول اقتصر أبو رية على هذا، مع أن في ذاك الموضع من تفسير المنار 504:9 زيادة فيها ((2- إن الله تعالى اعلمه ببعض ما يقع في المستقبل بغير القرآن من الوحي.. .. 3- إنه كان يتمثل له صلى الله عليه وسلم ببعض أمور المستقبل كأنه يراه كما ثمثلت له الجنة والنار عرض الحائط وكما تمثل له في أثناء حفر الخندق ما يفتح الله لأصحابه من الملك.. . وكشفه هذا حق، وهو ما يسميه أهل الكتاب نبوءاتن وقد ظهر منه شيء كثير كالشمس.. ))
قال (( لا شك أن أكثر الأحاديث قد روى بالمعنى.. . فعلى هذا كان يروى كل أحد ما فهمه، وربما يقع في فهمه الخطأ لأن هذه أمور غيبية، وربما فسر بعض ما فهمه بألفاظ يزيدها.. . ))
أقول: ليس من الحق إنكار هذا الاحتمال، لكن ليس من الحق أن يجاوز به حده فهو احتمال نادر يزيده أو يدفعه البتة أن تتفق روايتان صحيحتان فأكثر، والظاهر الغالب من رواية الثقة هو الصواب، وبه يجب الحكم مالم تقم حجة صحية على الخطأ
ثم قال (( إن العابثين بالإسلام.. . قد وضعوا أحاديث كثيرة... وراج كثير منها بإظهار رواتها للصلاح والتقوى ))
أقول: راجع ما تقدم 61-65
قال (( ولم يعرف بعض الأحاديث الموضوعة إلا باعتراف من تاب إلى الله من واضعيها ))
أقول: من تدبر ما تقدم ص 61-65 وغيرها تبين له أن من كان حده أن
يكذب لا يخفى على حاله على الأئمة، غاية الأمر أنهم قد يقتصرون على قولهم (( متهم بالكذب )) ونحو ذلك. وبهذا تعلم أ نه لو فرض عدم اعتراف من اعترف لم يلزم من ذلك أن يحكموا لخبره الصحة
قال ص216 (( إن بعض الصحابة والتابعين كانوا يروون عن كل مسلم... وقد ثبت أن الصحابة كان يروي بعضهم عن بعض وعن التابعين حتى عن كعب الأحبار وأمثاله ))(153/247)
أقول: راجع ما تقدم 73-75-و 82و 89و 94-99و 109-110و 157
قال (( والقاعدة عند أهل السنة أن جميع الصحابة عدول.. . وهي قاعدة أغلبية لا مطردة ))
أقول: سيأتي النظر في هذا في فصل عدالة الصحابة
قال (( فكل حديث مشكل المتن أو اضطراب الرواية أو مخالف لسنن الله تعالى في الخلق أو لأصول الدين أونصوصه القطعة أو للحسيات وأمثالها من القضايا اليقينية فهو مظنة لما ذكرنا. فمن صدق رواية مما ذكر ولم يجد فيها إشكالاً فالأصل فيها الصدق، ومن ارتاب في شيء منها أو أورد بعض المرتابين أو المشككين إشكالاً في متونها فليحمله على ما ذكرنا من عدم الثقة بالرواية.. ... ))
أقول لا أ دري ما عني بالمشكل، فإن كان راجعاً إلى ما أتي فذاك، أما المضطرب فحمه معروف عند أهل العلم، وأما المخالف لسنن الله فمن سنن الله تعالى أن يخرق العادة إذا اقتضت حكته، والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة لا تحصى. وراجع الوحي المحمدي ص63.وأما المخالف لأصول الدين فراجع ص2، وأما المخالف لنصوصه القطعية فراجع ص14، وبالجملة لا نزاع أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يخبر عن ربه وغيبه باطل، فإن روى عنه خبر تقوم الحجة على بطلانه
فالخلل من الرواية ن لكن الشأن كل الشأن في الحكم بالبطلان، فقد كثر اختلاف الآراء والأهواء والنظريات وكثر غلطها، ومن تدبرها / وتدبر الرواية وأمعن فيها وهو ممن رزقه الله تعالى ا لإخلاص للحق والتثبت علم أن احتمال خطأ الرواية التي يثبتها المحققون من أئمة الحديث أقل جداً من احتمال الخطأ الرأي والنظر، فعلى المؤمن إذا أشكل عليه حديث قد صححه الأئمة ولم تطاوعه نفسه على حمل الخطأ على رأيه ونظره أن يعلم أنه إن لم يكن الخل في رأيه ونظره وفهمه غير في الرواية، وليفزع إلى من يثق دينه وعلمه وتقواه مع الابتهال إلى الله عزوجل فإنه ولي التوفيق(153/248)
ثم قال أبو رية ص217 (( تدوين القرآن )).. . ولو أن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته كانوا قد عنوا بتدوين الحديث.. ... )) ثم قال ص218 (( كيف كان الصحابة.. . )) ثم قال (( كتاب الوحي.. . ))
أقول: راجع ص20-47
ثم قال ص218-219 (( وكان أول من كتب النبي صلى الله عليه وسلم بمكة من قريش عبد الله بن سعيد بن أبي سرح ))
أقول: أنى لأبي رية هذا ؟ إنما قال لصاحب الاستيعاب وغيره عن عبد الله إنه أسلم قبل الفتح.
وقال ص219 (( جمع القرآن وسببه: روى البخاري عن زيد بن ثابت أنه قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن القرآن جمع في شيء.. .. ولما تولى أبا بكر ونشبت حرب الردة وقتل فيها كثير من الصحابة خشي عمر من ضياع القرآن بموت الصحابة فدخل على أبي بكر وقال له: إن أصحاب رسول الله باليمامة يتهافتون تهافت الفراش في النار، وإني لأخشى أن لا يشهدوا موطناً إلا فعلوا ذلك حتى يقتلوا، وهم حملة القرآن..))
أقول: حديث زيد في مواضع من صحيح البخاري، راجع الفتح 8/259و9/9(153/249)
و19و13/159و 350 لم أجده في صحيح البخاري باللفظ الذي ساقه أبو رية. وراجعت فهارس البخاري للأستاذ رضوان محمد رضوان فذكر الحديث في المواضع الأربعة الأولى فحسب[وراجعت ذخائر المواريث فوجدته ذكر هذه المواضع ومواضع أخرى جاء فيها الحديث من وجه آخر، وليس فيه هذه الجملة]. والذي في صحيح البخاري في الموضع الأول (( إن القتل قد استحر يوم اليمامة بالناس، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن )) وفي الثاني (( إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني لأخشى إن استحر القتل بالقراء المواطن )) وتركت هذه الجملة في الثالث والخامس، وفي الرابع (( إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن وإني أخشى أن يستحر القتل بقراء القرآن في المواطن )) وليحذر القارئ من إساءة الظن بأبي رية، بل ينبغي أن يحمل صنيعه هذا على أنه رجع عن الميل إلى منع من رواية الحديث بالمعنى، أو رأى جوازها في / غير الحديث النبوي- ولو مع التمكن من الاتيان باللفظ الأصلي- إذا كان ذلك لمصلحته، ومصلحته هنا أنه كره أن يصرح بأن الخشية كانت من استحرار القتل بقراء القرآن خاصة، وأحب أن يحملها من استحرار القتل بالصحابة على الإطلاق ليبنى على ما علقه في الحاشية إذ قال: (( مما يلفت النظر البعيد ويسترعى العقل الرشيد أن عمر لما راعه تهافت الصحابة في حرب اليمامة.. لم يقل عنهم إنهم جملة الحديث، بل قال إنهم حملة القرآن، ولم يطلب جمع الحديث وكتابته.. . وفي ذلك أقوى الأدلة وأصدق البراهين على أنهم لم يكونوا يعنون بأمر الحديث ولا أن يكون لهم فيها كتاب محفوظ ويبقى على وجه الدهر كالقرآن الكريم ))
أقول: الذي في الخبر كما رأيت خشية استحرار القتل بقراء القرآن، وبين القرآن والسنة فرق من وجوه: وبيان أن الله تبارك وتعالى تكفل بحفظ الشريعة مما فيه الكتاب والسنة كما مر ص 20-21، ومع ذلك كلف الأمة القيام بما تيسر لها من(153/250)
الحفظ، ولما كان القرآن مقصوداً حفظ لفظه ومعناه، وفي ضياع لفظة واحدة منه فوات مقصود ديني، وهو مقدار محضور يسهل على الصحابة حفظه في الصدور وكتابته في الجملة كلفوا بحفظه بالطريقتين، وبذلك جرى العمل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فتوفاه الله تبارك وتعالى والقرآن كله محفوظ في الصدور مفرقا، إلا أن معظمه عند جماعة معروفين، وإنما حفظه جميعه بضعة أشخاص، ومحفوظ كله بالكتابة مفرقاً في القطع التي بأيدي الناس كم مر ص20.فلما استحر القتل بالقراء في اليمامة وخشي أن يستحر بهم في كل موطن ومن شأن ذلك مع صرف النظر عن حفظ الله تعالى أن يؤدي إلى نقص في الطريقة الأولى. رأي الصحابة أنهم إذا تركوا تلك القطع كما هي مفرقة بأيدي الناس كان من شأن ذلك احتمال أ، يتلف بعضها فيقع النقص في الطريقة الثانية أيضاً. ورأوا أنه يمكنهم الاحتياط للطريقة الثانية بجمع تلك القطع وكتابة القرآن ما في صحف تحفظ عند الخليفة، وإذ كان ذلك ممكنا بدون مشقة شديدة، وهو من قبيل الكتابة التي ثبت الأمر بها ولا مفسدة البتة، علموا أنه من جماعة ما كلفوا به، فوفقهم الله تعالى للقيام بهذا
أما السنة فالمقصود منها معانيها، وفوات جملة من الأحاديث لا يتحقق به فوات مقصود ديني، إذ قد يكون في القرآن وفيما بقى من الأحاديث ما يفيد معاني الجملة التي فاتت. وهي مع ذلك/ منتشرة لا تتيسر كتابتها كما تقدم ص21 فاكتفى النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة بحفظها في الصدور كما تيسر بأ، يحفظ كل واحد ما وقف عليه ثم يبلغه عند الحاجة ولم يأمرهم بكتابتها، ولم يمكن حفظ معظمها مقصوراً على القرآن بل كا جماعة ليسوا من القراء عندهم من السنة أكثر مما عند بعض القراء
فالدلائل والقرائن التي فهم منها الصحابة أن عليهم أن يصنعوا ما صنعوا في جمع القرآن لم يتوفر لهم مثلها ولا ما يقاربها لكي يفهموا منه أن عليهم أن يجمعوا السنة.(153/251)
على أنهم كانوا إذا فكروا في جمعها بدا لهم احتمال اشتماله على مفسدة كما مر ص30، وكذلك كان فيه تفويت حكم ومصالح عظيمة ( راجع ص21-22). وتوقفهم عن الجمع لما تقدم لا يعني عدم العناية بالأحاديث، فقد ثبت بالتواتر تدينهم وانقيادهم لها وبحثهم عنها مكا تقدم في مواضعه، ولكنهم كانوا يؤمنون بتكفل الله تعالى بحفظها ويكرهون أن يعملوا من قبلهم غير ما وضح لهم أنه مصلحة محضة، ( راجع ص30)، ويعلمون أنه سيأتي زمان تتوفر فيه دواعي الجمع وتزول الموانع عنه، وقد رأوا بشائر ذلك من انتشار الإسلام وشدة إقبال الناس على من تلقى العلم وحفظه والعمل به، وقد أتم الله ذلك كما اقتضه حكمته
ثم ذكر ص220-222فصولاً في جمع القرآن، ثم قال ص223-232 (( تدوين الحديث ))
أقول: راجع لكتابة التابعين الحديث ص28و55، فأما اتباع التابعين فكانوا يكتبون ويحتفظون بكتبهم ولا سيما بعد أن أمر أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز بالكتابة ( راجع ص30) وفي جامع بيان العلم لابن عبد البر بسنده إلى ابن شهاب الزهري قال (( أمرنا عمر بن عبد العزيز بجمع السنن فكتبناها دفتراً دفتراً، فبعث إلى كل أرض له عليها سلطان دفترا )) ثم أكثر ابن شهاب من الكتابة بعد وفاة عمر لما أ مر هشام بن عبد الملك. على أن ما كتب لعمر ولهشام لم يلق قبولاً عند أ هل العلم لأنهم كانوا يحرصون على تلقي الحديث من المحدث به مشافهة. لكن الرواة عن ابن شهاب وغيره انهمكوا في الكتابة. ثم شرع بعضهم في التصنيف، وقد ذكر أبو رية ص 229 عدة من المصنفين، وأحب أن أشير إلى من مات منهم قبل سنة 160:
فمنهم ابن جريج المتوفي سنة 150 له مصنفات تلقاها عنه جماعة، منهم حجاج ابن محمد الأعور وعبد الرزاق الصنعان، وعنهما الإمام أحمد وغيره. ولعبد الرزاق مصنفات موجودة
ومنهم ابن إسحاق صاحب المغازي توفي سنة 151،صنف السيرة وغيرها(153/252)
/ ومنهم معمر بن راشد توفي سنة 153 وله مصناف بعضها موجودة وأخذها عن عبد الرزاق وغيره، ومنهم الأوزاعي وسعيد بن أبي عروية توفيا سنة 156 وكانت مصنفاتهما عند جملة من أصحابهما، تلقاها عنهم الإمام أحمد وغيره
ثم قال أبو رية ص 233 (( أثر تأ خير التدوين.. .. ))
ذكر أنه لو دون الحديث كما دون القرآن لانسد باب الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم وانسد باب التفريق في الدين
أقول: أأنتم أعلم أم الله؟ أرأيت لو قال قائل: لو خلق الله عباده على هيأ كذا لانسد باب ا لظلم والعدون والفجور، ولو أنزل القرآن وكل دلالاته يقينية لا يمكن أحد أن يشك أو يتشكك فيها لانسد باب التفرق، ولو، ولو، إ نما شأن المؤمن أن ينظر ما قضاه الله واختاره فيعلم أنه هو الحق المطابق للحكمة البالغة ن ثم يتلمس ما عسى أن يفتح الله عليه به من فهم الحكمة، وراجع ص55و 60-62. وذكر أموراً قد تقدم إليها النظر فيها فراجع الفهرس
ثم قال ص237 (( نشأة علم الحديث.. .. )) إلى أن قال ص240 (( الخبر وأقسامه )) وذكر المتواتر ثم علق عليه في الحاشية: ((... أنكر المسلمون أعظم الأمور المتواترة، فالنصارى واليهود هما أمتان عظيمتان يخبرون بصلب المسيح، والإنجيل يصرح بذلك، فإذا أنكروا هذ الخبر وقد وصل إلى أعلى درجات المتواتر فأي خبر بعده يمكن الاعتماد عليه والركون إليه ))
أقول: هذا إما جنون، وإما كفر فاختر، وما فيهما حظ لمختار. وقد بين علماء المسلمين سقوط دعوى تواتر الصلب بما لا مزيد فيه، وكل عاقل يعرف التواتر الحقيقي ثم يتدبر الواقعة يعلم أنها ليست منه، ومقتضى سياق أبي رية أنه يحاول
التشكك في المتواتر، وزعم أن دلالته ظنية فقط ( ألف)
ونقل ص241-242[انتهت في السطر الثالث]عبارة عن المستصفى، ينبغي مقابلتها بالمستصفى 142:1 مع قول المستصفي في الصفحة التي قبلها (( الخامس ) كل خبر... )) ومراجعة المسالة في الأحكام ابن حزم وغيره(153/253)
وقال ص242 (( ومن قواعدهم المشهورة.. . ولا يلزم من الإجماع على حكم مطابقته لحكم الله في نفس الأمر ))
أقول: يراجع البحث في كتاب الأصول، والمقصود هنا أن أبا رية يرى دلالة الإجماع بلفظ (ب)
وذكر آخر ص343 عن الرازي ((... وإذا ثبت هذا ظهر أن الدلائل النقلية ظنية، وأن العقلية قطعية، والظن لا يعارض القطع ))
أقول: للرازي تفصيل معروف، وقد تعقبه شيخ الإسلام ابن تيمة وغيره والحق أن في القرآن / دلالات قطعية، وأن دلالته المقطوع فيها بالظهور تكون قطعية إذا علم أنه لم يكن وقت حاجة المخاطبين إلى الأخذ بها قربته صارفة عن ذلك الظاهر، لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز، وينبغي أن يتنبه لأن القرينة إنما يعتمد بها إذا كانت بينة يدركها المخاطب إذا تدبر، ولتقرير هذا موضع آخر
ومقتضى صنيع أبي رية أن دلائل القرآن– بله الأحاديث-كلها ظنية (ج)
وقال قيل ذلك (( قال الجمهور إن أخبار الآحاد لا تفيد العلم قطعاً ولو كانت مخرجة في البخاري ومسلم، وأن تلقي الأمة لهما بالقبول إنما يفيد العلم بما فيهما بناء على أن الأمة مأمورة بالأخذ بكل خبر يغلب على الظن صدقة))
أقول: مسألة أخبار الصحيحين تأتي، وإنما المهم هنا أنه علق على آخر هذه
العبارة قوله (( ترى هل هذه القاعدة التي قررها قد أ مر الله بها ورسوله؟ وترة هل هي تخرجنا من حكم اتباع الظن الذي جاء في يات كثيرة من القرآن مثل ( وما يتبع أكثرهم إلا ظناً إن الظن لا يغني من الحق شيئاً ). ( وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا ) ومثل قوله تعالى في قول النصارى بصلب المسيح ( مالهم به من علم إلا ا تباع الظن ) )) (د)
تامل هذه القضايا المرموز على أواخرها بهذه الأحرف ( الف– ب- ج-د ) وانظر ماذا بقي لأبي رية من الدين ؟(153/254)
أما الآيات فقدقيل، وقيل. ومن تدبر السياق وتتبع مواقع لكمة (( يعني )) ومشتقاتها في القرآن وغيره تبين له ما يأتي: كلمة (( الحق )) في الآيتين مراد بها الأمر الثابت قطعياً وكلمة (( يعني )) معناها: (( يدفع )) كما حكاه البغوي في تفسيره، و يعبر عنها بقولهم (( يصرف )) ونحوه،راجع لسان العرب 376:19 ومنها في القرآن قوله تعالى (31:77 فهل أنتم مغنون عنها من عذاب الله من شيء ) وفي رواية أخرى (47:40 فهل أنتم معنون عنا نصبيباً من النار ) وهذا سياق الآية الأولى (31:10- قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر؟ فيقولون الله، فقل أفلا تتقون. فذلكم الله ربكم الحق، فماذا بعد الحق إلا الضلال، فأنى تصرفون ) / فالكلام في محاجة المتخذين مع الله إلهاً آخر وكلمة (( الحق )) في قوله ( فماذا بعد الحق ) مراد بها الأمر الثابت قطعاً ومنه لا إله إلا الله، ثم ساق الكلام في تقريرههم إلى أن قال (36:10 ومن يتبع أكثرهم إلا ظناً إن الظن لا يغني من الحق شيئاً ) فالحق هنا هو الأمر الثابت قطعاً كما مر، والمعنى: إن الظن لا يدفع شيئاً من الحق الثابت قطعاً، وعلى تعبير أهل الأصول: الظن لا يعارض القطع(153/255)
والآية الثانية في سياق محاجة المشركين القائلين: الملائكة بنات الله، ويمسمونهم بأسماء الإناث ويعبدونها، قال الله تعالى (23:53 إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان، إن يتبعون إلا الظن وما تهوي الأنفس، ولقد جاءهم من ربهم الهدى ) والهدى هنا بيان الحق الثابت قطعاً، فالمعنى أنهم يتبعون الظن والهوى معرضين عما يخالفه من الق الثابت قطعياً ثم قال تعالى (28:53 وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن، وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً ) أي ليس عندهم علم فيعارض الحق الثابت قطعاً، إنما عندهم ظن، والظن لا يدفع شيئاً من الحق الثابت قطعياً، أو: الظن لا يعارض القطع
وأما الآية الثالثة فهي (157:4 وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله، وما قتلوه، وما صلبوه، ولكن شُبه لهم، وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه مالهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا ) المراد أن الله يخبر بأنهم لم يقتلوه ولم يصلبوه، وخبره سبحانه يفيد العلم القطعي، وليس عند أهل الكتاب علم قطعي فيعاض خبر الله، وإنما عندهم ظن، والظن لا يعارض القطع
وقال أبو رية ص244 (( ابن الصلاح ومخالفوه.. .. )) وساق الكلام إلى أن قال 246 (( أما المتكلمون فقد عرف من حالهم أنهم يردون كل حديث يخالف ما ذهبوا إليه ولو كان من الأمور الظنية ))
أقول: أما في الأمور الظنية فالمعروف عنهم قبوله غير أنهم لا يجزمون بمدوله إذا كان في العقليات
ثم قال (( فمن ذلك حديث: تحاجت الجنة والنار.. .، أخرخه البخاري ومسلم عن أبي هريرة.. .. ))
أقول: قد تقدم ص159 وبينت هناك أنه رواه مع أبي هريرة أنس وابو سعيد وأبي بن كعب(153/256)
ثم قال ص 247 (( فهذا الحديث ونظائره وهي كثيرة يبعد على المتكلم أن يقول بصحتها فضلاً عن أن يجزم بذلك، وإذا ألجئ إلى القول بصحتها لم يأل جهداً في تأويلها ولوعلى وجه لا يساعد اللفظ عليه بحيث يعلم السامع أن المتكلم لا يقول بجوازه في الباطن ))
/ أقول: هذا يتضمن الاعتراف بأن النصوص اللفظية تكون قطيعة الدلالة هذا ومسلكهم في التأويل هو عينه مسلكهم في دفاع الآيات الكثيرة لمخالفة لهم من القرآن، فإذا كان لا ينفي ثبوت الآيات القرآنية عن الله ورسوله قطعهاً فكذلك لا ينفي صحة الأحاديث الصحيحة ظناً أو قطعاً. وراجع ص2
وقال ص249 ((من المعروف. أنك تجد الحديث يعمل به الحنفي لشهرته ثم يأتي الشافعي فيرفضه لضعف في سنده، وتجد المالكي يرفض الحديث لأن العلم جلى على خلافه، ويعمل به الشافعي لقوة في سنده على ما رأى هو ))(153/257)
أقول: ما دمنا نعرف ان العلما \ء غير معصومين فاختلافهم في بعض الأحاديث أيؤخذ بها أم لا؟ ليس فيه ما يوهم ذا عقل أن الأحاديث كلها لا تصلح للحجة، ولا ما يقضي أن تلك الأحاديث المختلف فيها تصلح أو لا تصلح، بل المدار على الحجة فقد يرى العالم اشتهاراً حديث بين الناس فيغلب على ظنه أنه لم يشتهر إلا وأصله صحيح فيؤخذ به، فيأتي غيره فيبحث فيجد مرجع تلك الشهرة إلى مصدر واحد غير صحيح كما في مسألة القهقهة في الصلاة. وقد يبلغ العالم حديث من طريق واحد ويرى أن أهل العلم خالفوه فيمسك عنه، فيجئ غيره فيبحث فيجد الحديث ثابتاً ويجد بعض أهل العلم قد أخذوا به، وأن الذين لم يأخذوا به لم يقفوا عليه، أو نحو ذلك مما يبين أن عدم أخذهم به لا يخدش في كونه حجة، وقد ينعكس الحال، وعلى من بعد المحققين اتباع الحجة، فإن بقي بين متبعي الحجة خلاف فلا حرج، وإذا اتضح وبان أن الحق مع المختلفين ولكن أتباع الآخر أصورا على اتباعه، فليس في هذا ما يقدح في الحجة سواء أعذرنا أولئك الأتباع أم لم نعذرهم، وهكذا الاختلاف عند معارضة الحديث لبعض القواعد الشرعية أو لجميع الأقيسة
وقال: (( في مرآة الوصول وشرحها.. .. ))
وذكر ص 250عبارة لأبي يوسف نقلها من الأم الشافعي 207:7-308 وترك قطعاً منها. وقد تعقب الشافعي كلام أبي يوسف بما تراه هناك
وفي كلام أبي يوسف مما أرى التنبيه عليه أخبار:
الأول قال (( حدثنا ابن أبي كريمة عن جعفر عن رسول الله صلى الله ليه وسلم.. ... ))
أشار الشافعي إلى هذا الخبر في الرسالة ص 24-25 وقال (( رواية منقطعة عن رجل مجهول )) وفي التعليق هناك عن ابن معين والخطابي وغيرهم أنه موضوع
/ الثاني (( وكان عمر فيما بلغناه لا يقبل الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بشاهدين ))
أقول: وهذا باطل قطعاً، تقدم رده ص46
الثالث (( وكان علي بن أبي طالب لا يقبل الحديث عن رسولا لله صلى الله عليه وسلم ))(153/258)
أقول: كذا وقع، وهو باطل قطعاً، ولعله أراد أن علياً كان يحلف من حدثه كمنا تقدم مع رده ص47
الرابع (( حدثنا الثقة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في مرضه الذي مات فيه: إني لأحرم ما حرم القرآن، والله لا تمسكون علي بشيء ))
أقول: كذا وقع ولعله (( لا أحرم إلا ما حرم القرآن )) فقد روى بلفظ
(( لا أحرم إلا ما حرم الله كتابه )) راجع أحكام ابن حزم 77:2 ومجمع الزوائد 171:1 وهو على كل حال غير ثابت، ومع ذلك قد فسره الشافعي ثم ابن حزم بما يصحح معناه، ومن تتبع أقوال أبي يوسف في الفقة والاستدلالاته على أنه نفسه لا يرى صحة هذه الأخبار ولا يبني عليها، وإنما كثر بها السواد في بيان أن الأحكام لا تبنى إلا على رواية الثقات كما أشار إليه الشافعي إذ قال في تعقبه: وقد كان عليه أن يبدأ بنفسه فيما أمر به أن لا يروي عن النبي صلى الله عليه ولسم إلا من الثقات
وقال ص251 (( رأى مالك وأصحابه أنهم يقولون تثبت السنة من وجهين: أحدهما أن نجد الأئمة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا بما يوافقها. الثاني أن لا نجد الناس اختلفوا فيها ))
أقول: لم يذكر مصدره، وهذه كتب المالكية أصولاً وفروعاً لا تعطي هذا نعم قد يقف المجتهد عن حديث ولا يبين غيره، أوريروي عنه بعض أصحابه كما لا يريد بها أن تكون قاعدة، فيذهب بعض أصحابه يحاول أن يضع قواعد يعتذر بها. وفي الأم 177:7- من قول الربيع: (( قلت [للشافعي] فاذكر ما ذهب إليه صاحبنا [مالك] من حديث النبي صلى الله عليه وسلم مما لم يروت الأئمة أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي شيئاً يوافقه. فقال: نعم سأذكر من ذلك إن شاء الله ما يدل على ما وصفت، وأذكر أيضاً ما ذهب إليه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه عن بعض الأئمة ما يخالفه.. ..(153/259)
قال أبو رية (( قد روى الدارقطني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنها تكون بعدي رواة / يروون عني الحديث، فأعرضوا حديثهم على القرآن فما وافق القرآن فحدثوا به، وما لم يوافق القرآن فلا تحدثوا به ))
أقول:لم يذكر مصدره، وهذا هو الخبر الأول في عبارة أبي يوسف المتقدمة ص 178 وقد حكم الأئمة بأنه موضوع كما مر
قال (( وقد طعن رجال الأثر في هذا الحديث، ورووا حديثاً هذا نصه (( ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه )) وهذا من أعجب العجب، لأنه إن كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أوتي الكتاب- أي مثل القرآن ليكون تماماً على القرآن لبيان دينه وشريعته فلم لم يعن صلوات الله عليه بتدوينه وكتابته قبل أن ينظر إلى الرفيق الأعلى كما عني بالقرآن ))
أقول: قد تقدم البيان المنير في مواضع، منها ص20-21
قال: (( ولم ينه عن كتابته بقوله: لا تكتبوا عني غير القرآن ))
أقول: تقدم البيان الواضح ص 22-24
قال (( وهل يصح أن يدع الرسول نصف ما أوحاه الله إليه يعدوا بين الأذهان بغير قيد،يمكسه هذا وينساه ذاك ؟ وهل يكون الرسول- بعمله هذا- قد بلغ الرسالة على وجهها وأدى الأمانة كاملة لى أهلها ))؟
أقول: قد تقدم دفع هذا الريب ص20-21 والقدر الذي يحصل به تيبليغ الرسالة وأداة الأمانة إنما تحديده إلى الله عزوجل لا إلى المرتابين في حكمته سبحانه وتعالى وقدرته، وراجع ص32-33و52
قال ص252 (( وأين كان هذا الحديث عندما قال أبي بكر للناس.. ؟ وعند ما قال عمر.. .. ؟ ولم يشفق.... عندما فزغ إلى أبي بكر ))
أقول راجع ص36و 39و 173-174
وذكر توقف مالك وأبي حنيفة عن بعض الأحاديث لمعارضتها ما هو أقوى منها عندهما، وقد مر جوابه ص178
وذكر ص253 قصة مناظرة جرت بين الأوزاعي وأبي حنيفة، وهي قصة(153/260)
مكذوبة عارض بها بعض من لايخاف الله من الحنفي ة قصة مناظرة رواها الشافعية بسند واه، راجع سنن البيهقي 82:2 وفضائل أبي حنيفة الموفق 131:1، وكلتا القصتين مروية عن (( الشاذكوني قال: سمت سفيان بن عيينة.. . ))
ثم ذكر ص 254 ... كلام النحاة في الاستدلال بالأحاديث وهذا لا يهمنا مع أن الحق أن ابن مالك توسع، وأنه كما مر ص 60 يمكن بالنظر في روايات الأحاديث وأحوال رواتها أن يعرف في طائفة منها أنها بلفظ النبي صلى الله عليه وسلم أو بلفظ الصحابي أو بلفظ التابعي، وهو ممن يحتج به في العربية لكن تحقيق ذلك يصعب على غير أهله، فلذلك أعرض قدماء النحاة عن الاحتجاج بالحديث ووجدوا في المتيسر لهم من القرآن وكلام العرب ما يكفي وذكر ص259 كلاماً للشيخ محمد عبده في حديث أن يهودياً سحر النبي صلى الله عليه وسلم
أقول: النظر في هذا في مقامات:
المقام الأول: ملخص الحديث بأنه صلى الله عليه وسلم في فترة من عمره ناله مرض خفيف ذكرت عائشة أشد اعراضه بقولها (( حتى كان يرى أنه يأتي أهله ولا يأتيهم )) وفي رواية (( حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن)) وفي أخرى (( يخيل إليه أنه كان يفعل الشيء وما فعله ))، ولرواية الأولى فيما يظهر أصح الروايات فالأخريان محمولتان عليها... وفي فتح الباري 193:10 (( قال بعض العلماء: لا يلزم من أنه كان يظن أنه فعل الشيء ولم يكن فعله، أن يجزم بفعله لذلك، وإنما يكون ذلك من جنس الخاطر يخطر ولا يثبت )) أقول: وفي سياق الحديث ما يشهد لهذا، فغن فيه شعوره صلى الله عليه وسلم بذاك المرض ودعاءه ربه أن يشفيه )) فالذي يتحقق دلالة الخبر عليه أن صلى الله عليه وسلم كان في تلك الفترة يعرض له خاطر أنه قد جاء إلى عائشة وهو صلى الله عليه وسلم عالم أنه لم يجئها ولكنه كان يعاوده ذاك الخاطر على خلاف عادته، فتأذى صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وليس في حمل الحديث على هذا تعسف ولا تكلف(153/261)
المقام الثاني: في الحديث عن عائشة (( حتى إذاكان ذات يوم وهو عندي لكنه دعا ودعا ثم قال: يا عائشة أشرت أن الله أفتاني فيما استفتنيه فيه ؟ أتاني رجلان ( أي ملكان – كما في رواية أخرى- في صورة رجلين ).. فقال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل؟ فقال: مطبوب. قال: من طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم. قال في أي شيء؟ قال: في مشط ومشاطة وجف طلع نخلة ذكر. قال: وأين هو ؟ قال: في بئر ذروان. فأتاها رسول الله صلى الله9 عليه وسلم في ناس من أصحابه فجاء.. قلت يا رسول الله أفلا تستخرجه؟ قال قد عافاني الله، فكرهت أن أثبر على الناس شراً، فأمرت بها فدفنت ))
ومحصل هذا أن لبيد أراد الحاق ضرر بالنبي صلى الله عليه وسلم فعمل عملاً في شط ومشاطة الخ، فهل من شأن ذلك أن يؤثر؟ / قد يقال: لا، ولكن إذا شاء الله تعالى خلق الأثر عليه. والأقرب من ذلك: نعم بإذن الله، والإذن هنا خاص. وبيانه أن الأفعال التي من شأنها أن تؤثر ضربان: الأول ما أذن الله تعالى بتأثيره إذناً مطلقاً ثم إذا شاء منعه، وذلك كالإتصال بالنار مأذون فيه بالإحراق إذنا مطلقاً، فلما أراد الله تعالى منعه ( قال يانار كوني برداً وسلماً على إبراهيم )، من التأثير رفع المنع فيؤثر. وقوله تعالى في السحر (( وما هم بضارين من أحد إلا بإذن الله ) يدل أنه من الضرب الثاني، وأنا المراد بالإذن الإذن الخاص، والحكمة في مصلحة الناس تقتضي هذا، والواقع في شئونهم يشهد له، وإذ كان هذا حاله فلا غرابة في خفاء وجه التأثير علينا
المقام الثالث: النظر في كلام الشيخ محمد عبده. وفيه ثلاث قضايا:
القضية الأولى: قال (( فعلى فرض صحته هو آحاد، والآحاد لا يؤخذ بها في باب العقائد ))(153/262)
أقول: ما صحته فثابته باثبات أئمة الحديث لها، فإن أراد الصحة في نفص الأمر فهب أنا لا نقطع بها ولكنا نظنها ظناً غالباً،ولى كل الحالين فواضعونك القاعدة لا ينكرون أنه يفيد الظن، ومن أ نكر ذلك فهو مكابر، وإذا أفاد الظن فلا مفر من الظن وما يترتب على الظن، فلم يبق إلا أنه لا يفيد القطع، وهذا حق في كل دليل لا يفيد إلا الظن
القضية الثانية: أنه مناف للعصمة في التبليغ قال (( فإنه قد خالط عقله وإدراكه في ز عمهم.. فإنه إذا خولها.. في عقله كما زعموا جاز عليه أن يظن أنه بلغ شيئاً وهو لم يبلغه، أو أن شيئاً ينزل عليه وهو لم ينزل عليه ))
أقول: أما المتحقق من معنى الحديث كما قدمنا في المقام الأول فليس فيه ما يصح أن يعبر عنه بقولك: (( خولط في عقله )) وإنما ذاك خاطر عابر، لو فرض أنه بلغ الظن فهو في أمر خاص من أمور الدنيا لم يتعده إلى سائر أمور الدنيا فضلاً عن أمور الدين،ولا يلزم من حدوثه في ذاك الأمر جوازه في ما يتعلق بالتبليغ بل سبيله سبيل ظنه أن النخل لا يحتاج إلى التأبير، وظنه بعد أن صلى ركعتين أنه صلى أربعاً وغير ذلك من قضايا السهو في الصلاة، وراجع ص18-19 وفي القرآن ذكر غضب موسى على أخيه هارون وأخذ برأسه لظنه انه قصر مع أنه لم يصر، وفيه قول يعقوب لبنيه لما ذكروا له ما جرى لابنه الثاني ( بل سولت لكم أنفسكم أمراً )) يتهمهم بتدير مكيدة مع أنهم حينئذ أبرياء صادقين. وقد يكون من هذا بض كلمات موسى للخضر. وانرظ قوله تعالى عن يونس ( فظن أن لن نقدر عليه ))
القضية الثالثة: الحديث مخالف للقرآن ( في نفيه السحر عنه صلى الله عليه وسلم وعده من افتراء المشركين عليه.. . مع أن الذي قصده المشركون ظاهر، لأنهم كانوا يقولون: إن الشيطان يلابسه عليه السلام، وملابسة الشيطان تعرف بالسحر عندهم(153/263)
وضرب من ضروبه، وهو بعينه أثر الحس رالذي نسب إلى لبيد.. .. وقد جاء بنفي السحر عليه السام حيث نسلب القول بإثبات حصول السحر له إلى المشركين أعداءه ووبخهم على زعمهم هذا، فإذا هو ليس بمحسور قطعاً ))
أقول: كان المشركون يعلمون أنه لا مساغ لأن يزعموا أنه صلى الله عليه وسلم يفتري- أي يعتمد – الكذب على الله عزوجل فيما يخبر به عنه، ولا لأنه يكذب في ذلك مع كثرته غير عامد، فلجأوا إلى محاولة تقريب هذا الثاني. بزعم أن له اتصالاً بالجن، وأن الجن يلقون إليه ما يلقون فيصدقهم ويخبر الناس بما ألقوه إليه، هذا مدار شبهتهم، وهو مرادهم بقولهم: به جنة. مجنون. كاهن. ساحر. مسحور. شاعر، كانوا يزعمون أن للشعراء قرناء من الجن تلقي إ ليهم الشعر فزعموا أن شاعر أي أن الجن تلقي إليه كما تلقى إلى الشعراء ن ولم يقصدوا أنه يقول للشعر. أو أن القرآن شعر
إذ عرف هذا فالمشركون أرادوا بقولهم (إن تتبعون إلا رجلاً مسحورا ) أن أمر النبوة كله سحر – وأن ذلك الشيء عن الشياطين استولوا عليه- بزعمهم- يلقون إليه القرآن ويأمرونه ويفهمونه فيصدقهم في ذلك كله ظاناً أنه إنما يتلقى من الله وملائكته. ولا ريب أن الحال التي ذكر في الحديث عروضها له صلى الله عليه وسلم لفترة خاصة ليست هي هذه التي زعمها المشركون، ولا هي من قبلها في شيء من الأوصاف المذكورة إذن تكذيب القرآن وما زعمه المشركون لا يصح أن يؤخذ منه نفيه لما في الحديث
فإن قيل قد أطلق لى تلك الحالة أنها سحر، ففي الحديث عن عائشة (( سحر رسو ل الله صلى الله عليه وسلم رجل.. .. )) والسحر من الشياطين، وقد قال الله تعالى للشيطان ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان )
قلت: أما الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم عن الملك فإ نما سماها طبا كما مر في الحديث، وقد أنشد ابن فارس في مقايين السنة 408:3:
وإن منت مسحوراً فلا برأ السحر
فإ ن كنت مطبوباً فلا زالت هكذا(153/264)
وأقل ما يدل عليه هذا أن الطب أخص من لاسحر، وأن من الأننواع التي يصاب بها الإنسان ويطلق عليها صحر ما يقال له (( طب )) وما لا يقال (( طب )) وعلى كل حال فالذي ذكر في الحديث ليس من نوع ما زعمه المشركون، ولا هو من ملابسة الشيطان، وإنما هو أثر النفس الساحر وفعله، وقد قدمت أن وقوع أثر ذلك نادر فلا غرابة في خفاء تفسيره. وهذا يغني عما تقدم ص 98
ثم نقل أبو رية ص261- فصلاً عن صاحب المنار فيه (( إن بعض أحاديث الآحاد تكون حجة على من تثبت عنده واطمأن قلبه بها، ولا تكون حجة على غيره يلزم العمل بها ))
أقول عدم الثبوت والطمأنية قد يكو لسبب بين، وقد يكون لسبب محتمل يقوى عند بعض أهل العلم ويضعف عند بعضهم، وقد يكون لمادون ذلك من خهوى وزيغ وارتياب وتكذيب، وعلى الأمة أن تنزل كل واحد من هؤلاء منزلته بحسب ما يتبين من حاله، وكما أننا إذا رأينا من يتعبد عبادة غير ثابتة شرعاً فسألته فذكر حديثاً باطلاً فبينا له فقال: هو ثابت عندي مطمئن به قلبي. كان علينا أن ننكر عليه، وكان على ولي الأمر ومن في معناه منعه ومعاقبته، فكذلك إ ذا رأينا رجلاً ينفي حديثاً ثابتاً وبينا له ثبوته فقالك لم يثبت عندي ولم يطمئن به قلبي. ولم يذكر سبباً، أو ذكر سبباً لا يعتد به شرعاً
قال (( ولذلك لم يكن الصحابة يكتبون جميع ما سمعوا من الأحاديث ويدعون إليها.. .. ))
أقول: قد تقدم الكشف عن هذا ص20-50
قال (( ولم يرض الإمام مالك من الخليفتين المنصور والرشيد أن يحمل الناس
على العمل بكتبه حتى الموطأ ))(153/265)
أقول: إنما ينكر الالزام بالموطأ، لأنه يعلم أ ن فيه أحاديث أخذ بها هو وقد يكون عند غيره ما يخصصها، أو يقيدها أو يعارضها، وفيه توقف عن أحاديث قد يكون عند غيره وما يقويها ويؤيدها، وقد يكون عند غيره أحاديث لم يقف عليها هو. وفيه كثير مما قاله باجتهاده في الأمة علماء لهم أن يجتهدوا ويعملوا بها رجع عندهم وإن خالفوا مالكاً، وفوق هذا كله فهو يعلم أنه نبي على ما فهمه من القرآن ومن الأحاديث التي ذكرها، وأن في علماء الأمة من يخالفه في بعض ذلك الفهم. وعلى كل حال فليس في امتناع مالك من إلزام الأمة كلها علمائها وعامتها بقوله ما يقتضي أن لا يلزم بالعلمك بالحديث من يعلم أنه ليس عنده من يخالفه إلا الهوى والزيع والارتياب والتكذيب والعناد
ثم قال ص 262 (( وإنما يجب العمل.. . )) كرر معنى ما تقدم
/ قال (( أحاديث الآحاد لا يؤخذ بها في العقائد.. . ))
أقول: راجع ص 182
قال (( وكل من ظهر له علة في رواية حديث فلم يصدق رفعه لأجلها فهو معذور كذلك ))
أقول: الصواب في هذا أن ينظر في تلك العلة ويعامل صاحبها بما يستحق كما مر
قال (( ولا يصح أن يقال إنه مكذب لحديث كذا ))
أقول: إما إن زعم أنه كذب فهو مكذب له، ولا يضره ذلك مالم يلزمه أحد أمرين: إما تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم، وإما تكذيب صادق بغير حجة
قال (( وهي تفيد الظن ))
أقول: وفي هذا كلام معروف
قال (( ومن القواع الجليلة.. . أن طروء الاحتمال في المرفوع من وقائع الأحوال يكسوها ثوب الإجمال فيسقط به الاستدلال ))
أقول: موضع هذا أن يحتمل الخبر وجهين ولا دليل فيه على أحدهما، فإنه إذا كان أحدهما راجحاً فالحكم له
ثم قال أبو رية ص263 (( ليس في الحديث متواتر ... ))
أقول: من نفى هذا إنما نفى التواتر اللفظي، فأما المعنوي فكثير، فلتراجع الكتب التي نقل عنها
وذكر في الحاشية حديث الحوض، وكأنه استهزأ به، ومن استهزأ به فليس من أهله(153/266)
ثم ذكر شيئاً من تقسيم العلماء للحديث، إلى أن قال ص267 (( تعدد طرق الحديث لا يقويها. قال العلامة السيد رشيد رضا: يقول المحدثون في بعض الأحاديث حتى التي لم يصح لها سند: إن تعدد طريقها يقويها وهي قاعدة نظرية غير مطردة
أقول: أما اطلاق أبي رية في العنوان فباطل قطعاً كما سترى. وأما إشارة القرآن فيكن إ ثباتها باشتراط القرآن العدد في المشهور وقوله تعالى ( 14:36 إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث )، ومن السنة حديث ذي اليدين والمعقول واضح. نعم قوله (( غير مطردة )) حق لا ريب فيه، بل أزيد على ذلك أن بعض الأخبار يزيده تعدد الطرق وهنا، كأن يكون الخبر في فضل رجال من كل طريق من طرق كذاب أو متهم ممن يتعصب له أو مغفل أو مجهول
/ قال (( فتعدد الطرق في مسألة مقطوع ببطلانها شرعاً كمسألة الغرانيق أ و عقلاً لا قيمة له لجواز تلك الطرق على الباطل ))
أقول: أما الباطل يقنياً فلا يقيده التعدد شيئاً، بل يبعد جداً أن تتعدد طرقه تعدداً يفيده قوة قوية، نعم قجد يختلف المتن في الجملة ويكون الحكم بالبطلان إنما هو بالنظر إلى ما وقع في بعض الطرق، وقد يكون ذلك الخطأ وقع فيه وقد يفهم الناظر معنى بحكم بطلانه ن وللخبر معنى آخر مستقيم، وكثيراً ما يقع الخلل في الحكم بالبطلان
وقال أبو رية ص 269 (( كتب الحديث المشهورة )) ثم ذكر الموطأ وذكر أشياء ينبغي مراجعة مصادرها، إلى أن قال ص273 (( قال ابن معين: إن مالكاً لم يكن صاحب حديث، بل كان صاحب رأي ))
أقول: لم يذكر مصدره إن كان له مصدر، ومن المتواتر ثناء ابن معين البالغ على مالك بمعرفة الحديث ورواته والإتقان والتثبت، وليس من شأن ابن معين النظر في الفقه
قال (( وقال الليث بن سعد: أحصيت على مالك سبعين مسألة وكلها مخالفة لسنة الرسول ))(153/267)
أقول: قد عرفنا أن مالكاً ربما توقف عن الأخذ بالحديث لاعتقاده أنه منسوخ أو نحو ذلك، وقد تبني على الحديث الواحد مئات من المسائل، وقد قال مالك (( إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي فما وافق السنة فخذوا به[من ترجمة مالك في تهذيب التهذيب] ))
قال (( وقد اعترف مالك بذلك ))
أقول: لم يذكر مأخذه حتى نبين له غلطة أو مغالطته
قال (( وألف الدارقطني جزءاً يما خولف يه مالك من الأحاديث في الموطأ وغيره، وفيه أكثر من عشرين حديثاً ))
أقول: منها ما الصواب فيه مع مالك، ومنها ما كلا الوجهين صحيح، ومنها م الإختلاف فيه في أمر لا يضر
ثم قال (( البخاري وكتابه.. . )) إلى أن قال ص274 (( كان البخاري يروي بالمعنى.. .. ))
أقول: تقدم النظر في ذلك ص95
قال (( قال ابن حجر: من نوادر ما وقع في البخاري أنه يخرج الحديث تاماً بإسناد واحد ولفظين.. .. ))
أقول: عزاه إلى فتح الباري 186:10 وإنما هو في 193:10 من الطبعة الأولى الميرية، وبين ابن حجر هناك أن اختلاف اللفظ وقع ممن فوق البخاري لا من البخاري، فراجعه، وتعجب من أمانة أبي رية !
/ ثم قال (( موت البخاري قبل أن يبيض كتابه. يظهر أن البخاري مات قبل أن يتم تبيض كتابه، فقد ذكر ابن حجر في مقدمة فتح الباري أن أبا إسحق إبراهيم بن أحمد المستملي قال: انتسخت كتاب البخاري من أ صهل الذي كان عنده صاحبه محمد بن يوسف الفربري، فرأيت فيه أشياء لم تتم، وأشياء مبيضة، منها تراجم لم يثبت بعدها شيئاً، ومنها أحاديث لم يترجم لها. فأضفنا بعض ذلك إلى بعض. قال أبو الوليد الباجي: ومما يدل على صحة هذا القول أن رواية أبي إسحاق المستملي ورواية.. . مختلفة بالتقديم والتأخير، مع أنهم انتسخوا من أصل احد، وإنما ذلك بحسب ما قدر كل واحد منهم فيما كان في طرق أو رقعة مضافة أنه من موضع ما أضافه إليه. ويبين ذلك أنك تجد ترجمتين أو أكثر من ذلك متصلة ليس بينهما أحاديث ))(153/268)
أقول: قول ابي رية (( قبل أبن يبيض )) يوهم احتمال أن يكون في النسخة مالم يكن البخاري مطمئناً إليه على عادة المصنفين، يستعجل أحدهم في التسويد على أن
يعود فينقح. وهذا باطل هنا، فإن البخاري حدث بتلك النسخة وسمع الناس منه منها وأخذوا لأنفسهم نسخاً في حياته، فثبت بذلك أنه مطمئن إلى جميع ما أثبته فيها. لكن ترك مواضع بياضا رجاء أن يضيفها فيما بعد فلم يتفق ذلك، وهي ثلاثة أنواع: الأول أن يثبت الترجمة وحديثاً أو أكثر ثم يترك بياضاً لحديث كان يفكر في زيادته، وأخر ذلك لسبب ما ككونه كان يجب إثباته كما هو في أصله ولم يتيسر له الظفر به حينئذ
الثاني أن يكون في ذهنه حديث يرى إفراده بترجمة فيثبت الترجمة ويؤخر إثبات الحديث لنحو ما مر
الثالث أن يثبت الحديث ويترك قبله بياضاً للترجمة لأنه يعني جداً بالتراجم ويصمنها حديثاً وينبه فيها على معنى خفي في الحديث أ حمله على معنى خاص أو نحو ذلك. فإذا كان متردداً ترك بياضاً ليتمه حين يستقر رأيه وليس في شيء من ذلك ما يوهم احتمال خلل في ما أثتبه. فأما التقديم وا لتأخير فالاستقرار يبين أنه لم يقع إلا في الأبواب والتراجم يتقدم أحد البابين في نسخه ويتأخر في أخرى، وتقع الترجمة قبل هذا الحديث في نسخة وتتأخر عنه في أخرى فيلتحق بالترجمة السابقة، ولم يقع من ذلك ما يمس سياق الأحاديث بضرر. وفي مقدمة الفتح بعد العبارة السابقة (( قلت: وهذه قاعدة حسنة يفزع إليها حيث يتعسر وجه الجمعه بني الترجمة والحديث وهي مواضع قليلة جداً ))
ثم قال أبو ر ية ص 275 (( وقد انتقده الحفاظ في عشرة ومائة حديث،م منها 32 حديثاً وافقه مسلم على إخراجها ))
أقول: قد ساقها الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح وبين حالها، ومن تدبر ذلك علم أن الأمر فيها هين / ليس فيه ما يحط من قدر البخاري وصحيحه
قال (( وكذلك ضغف الحفاظ من رجل البخاري نحو ثمانين رجلاً.. . ))
أقول: سيأتي النظر في هذا قريبا(153/269)
قال (( وقال السيد محمد رشيد رضا بعد أن عرض للأحاديث المتنقدة على البخاري ما يلي: إذا قرأت ما قاله الحافظ فيه رأيتها كلها في صناعة الفن.. . ولكنك إذا قرأت الشرح نفسه ( فتح الباري ) رأيت له في أحاديث كثيرة إشكالات في معانيها أو تعارضها مع غيرها مع محاولة الجمع بين المختلفات وحل للمشكلات بما يرضيك بعضه فوق بعض ))
أقول: السيد رشيد رضا وغيره يعلمون أن في القرآن آيات يشكل بعضها على كثير من الناس، وآيات يتراءى فيها التعارض، والذين فسروا القرآن ومنهم السيد رشيد يحاولون حل ما يتراءى إشكاله والجمع بين ما يتراءى تعارضه ( بما يرضيك بعضه دون بعض ). والقرآن كله حق ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) فثبت بهذا أن ما ذكره السيد رشيد رضا في تلك الأحاديث لا تصلح دليلاً على البطلان
هذا وللإستشكال أسباب، أشدها استعصاء أن يدل النص على معنى هو حق في نفس الأمر لكن سبق لك أن اعتقدت اعتقاداً جازماً أنه باطل
وقال ص 276 (( وقال الدكتور أحمد أمين.... إن بعض الرجال الذين روى لهم [البخاري] غير ثقات، وقد ضعف الحافظ من رجال البخاري فوق الثمانين ))
أقول: هذا الأمر يتراءى مهولاً، فإذا تدبرنا حال أولئك الثمانين واستقر أنا ما أخرجه البخاري لهم اتضح أن الأمر هين، وقد ساق الحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري تراجم هؤلاء وما قيل فيهم من مدح وقدح وما أخرجه لهم البخاري فذكر في أولهم ممن اسمه أحمد تسعة نفر اختلف فيهم وغالبهم من شيوخ البخاري الذين لقيهم واختبرهم، فثلاثة منهم اتضح أنهم ثقات وأن قدح من قدح فيهم ساقطاً كما(153/270)
تراه جلياً في مقدمة الفتح. وثلاثة فيهم كلام، وإنما أخرج لكل واحد منهم حديثاً واحداً متابعة، يروى البخاري الحديث عن ثقة أو أ كثر ويرويه مع ذلك عن ذاك المتكلم فيه، واثنان روى كلم منهما أحاديث / يسيرة ولكن المتسعملي - أحد رواة الصحيح عن الفربري عن البخاري – أدرج في بابرفع الأمانة من الرقاق قوله (( قال الفربري: قال أبو جعفر حدثت أبا عبد الله [البخاري] فقال: سمعت أبا [جعفر] أحمد بن عاصم يقول: سمعت أبا عبيد يقول قال الأصمعي وأبو عمرو وغيرهما: جذو قلوب الرجال – الجذر الأصل من كل شيء والو كت أثر الشيء ))
هذا هو التحقيق، وإن وقع في التهذيب ومقدمة الفتح ما يوهم خلافه، وراجع الفتح 286:11
وإذا قد عرفت حال الستعسة الأولين فقس عليهم الباقي، وإن شئت فراجع وابحث واتضح لك أن البخاري عن اللوم بمنجاة
ثم قال أحمد أمين (( وفي الواقع هذه مشكلة المشاكل، فالوقوف على أسرار الرجال محال، نعم إن من زل واضحة سهل الحكم عليه، ولكن ماذا يصنع بمستور الحال)) ؟
أقول: الخبير الممارس لأحوال الناس وطباعتهم وللرواية وأحوال الرواة وما جرى عليه أئمة النقد يتبين له أن الله تعالى قد هيأ الأسباب لبيان الحق من الباطل وراجع ص 55و 62
قال (( ثم إن أحكام الناس على الرحال تختلف كل الاختلاف، فبعض يوثق رجلاً وآخر يكذبه، والبواعث النفسية على ذلك لا حد لها.. .. ))
أقول: إذ نظرنا إلى الواقع فعلا انقشع هذا الضباب، حسبك أن رجال البخاري
يناهزون ألفي رجل، وإنما وقع الاختلاف في ثمانين منهم، وقد عرضت سابقاً حال الثمانين
قال (( ولعل من أوضح ذلك عكرمة مولى ابن عباس.. .. ))(153/271)
أقول: ترجمة عكرمة في فتح الباري فلبيراجعها من احب، أما البخاري فكان الميزان بيده، لأنه كان يعرف عامة ما صح عن عكرمة أن حدث به فاعتبر حديثه بعضه ببعض من رواية أصحابه كلهم فلم يجد تناقضاً ولا تعارضاً ولا اختلافاً لا يقع في أحاديث الثقات، ثم اعتبر أحاديث عكرمة عن ابن عباس وغيره بأحاديث الثقات عنهم فوجدها يصدق بعضها بعض، إلا أن ينفرد بعضهم بشيء له شاهد في القرآن أو من حديث صحابي آخر. فتيبن للبخاري أنه ثقة. ثم تأمل ما يصح من كلام من تكلم فيه فلم يجد حجة تنافي ما تبين له
قال: فابن جريج الطبري يثق به كل الثقة، ويملأ تفسيره وتاريخه بأقواله والرواية عنه
/ أقول: نعم يثق به ابن جرير، لكن ليس روايته عنه في تفسيره وتاريخه بدليل على ذلك، فإنه كثيراً ما يروي فيهما عمن ليس بثقة عنده ولا عند غيره لأنه لم يلتزم بالصحة
قال (( وسلم ترجح عنده كذبه فلم يرو إلا حديثاً واحداً في الحج، ولم يعتمد فيه عليه وحده وإنما ذكره تقوية لحديث سعيد بن جبير ))
أقول: كلمة (( كذبه )) لا وجه لها، ويردها ما بعدها، فإن من استقر الحكم عليه بأنه متهم بالكذب لا يتقوى بروايته أصلاً ولا سيما في الصحيح، لكن لعل مسلماً لم يتجشم ما تجشم البخاري من تتبع حديث عكرمة واعتباره، فلم يتبين له ما تبين للبخاري، فوقف عن الاحتجاج بعكرمة
ثم ساق أبورية فصولاً لم أنعم النظر فيها، وفيها مواصع قد تقدما الكلام فيها، إلى أن قال ص300 (( المحدثون لاي عنون بغلط المتون، والمحدثون قلماً يحكون على الحديث بالاضطراب إذا كان الاختلاف فيه واقعاً في نفس المتن، لأن ذلك ليس من شأنهم من جهة كونهم محدثين، وإنما هو من شأن المجتهدين، وإنما يحكمون على الحديث بالاضطراب إذا كان الاختلاف فيه في نفس الإسناد لأنه من شأنهم ))
أقول: الاختلاف في المتن على أضرب: الأول ما لا يختلف به المعنى. وهذا ليس باضطراب(153/272)
الثاني ما يختلف به معنى غير المعنى المقصود، وهذا قريب من سابقه، ومنه القضية التي استدل بها أبو رية في عدة مواضع يحسب أنه قد ظفر بقاسمة الظهر للحديث النبوي ! وهي الاختلاف والشك في الصلاة الرباعية التي سها فيها النبي صلى الله عليه وسلم فسلم من ركعتين فنبهه ذو اليدين، فوقع في رواية (( إحدى صلاتي العشي )) وي رواية (( الظهر )) وفي أخرى (( العصر )) فالأخريان مختلفتان لكن ذلك لا يوجب اختلافاً في المعنى المقصود فإن حكم لصلوات في السهو الواحد
الثالث ما يختلف به معنى مقصود لكن في الحديث معنى آخر مقصود لا يختلف كقصة المرأة التي زوجها النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً بأن يعلمها ما معه من القرآن وقد تقدمت ص 59
الرابع ما يختلف به المعنى المقصود كله، فهذا لا يصح السند بالوجهين وأمكن الترجيح فالراجح هو الصحيح، وإلا فالوقف، والغالب أن البخاري ومسلماً ينبهان على الترجيح بطرق يعرفها من مارس الصحيحين، وكذلك كتب السنن يكثر فيها بيان الراجح، لكن قد لا يتبين لأحدهم فيرى أن عليه إثبات الوجهين يحفظهما لمن بعده، فرب مبلغ أوعى من سامع
/ وذكر ص 301 عن السيد رشيد رضا: أن علماء الحديث قلماً يعنون بغلط المتون ما يخص معانيها وأحكامها.. وإنما يظهر معاني غلط المتون للعلماء والباحثين في شروحها من أصول الدين وفروعه وغير ذلك ))
أقول: أما الكتب التي لم تلتزم الصحة ولا الاحتجاج فنعم، وقد يقع يسير من ذلك في صحيح مسلم، فأما صحيح البخاري وما يصححه الإمام أحم ونظراؤه فإنهم يعنون بذلك، وراجع لأصول الدين ما تقدم ص 2
وأشار إلى حديث (( خلق الله التربة الخ )) وقد تقدم ص 135-138، وإلى حديث أبي ذر في شأن الشمس وقد مر ص165 ويأتي ص213
وقال (( لو انتقدت الرواية من جهة فحوى متنها مكمنا تنتقد من جهة سندها لقضت المتون على كثير من الأسانيد بالنقض ))(153/273)
أقول: هذه دعوى إجمالية، والعبرة بالنظر في الجزئيات، فقد عرفنا من محاولي النقد أنهم كثيراً ما يدعون القطع حيث لا يقطع، ويدعون قطعاً يكذبه القرآن، ويقيمون الاستبعاد القطع مع أن الاستبعاد كثيراً ما ينشأ عن جهل بالدين وجهل بطبيعته وجهل بما كامن عليه الحال في العهد النبوي، وكثيراً ما يسيئون فهم النصوص
وقال ص303 (( وقد تعرض كثير من أئمة الحديث النقد من جهة المتن إلا أن ذلك قليل جداً بالنسبة لما تعرضوا له من النقد من جهة الإسناد ))
أقول: من تتبع كتب تواريخ رجال الحديث وتراجمهم وكتب العلل وجد كثيراً من الأحاديث يطلق الأئمة عليها (( حديث منكر. باطل. شبه الموضوع. موضوع )) وكثيراً ما يقولون في الراوي (( يحدث بالمناكير، صاحب مناكير، عنده مناكير منكر الحديث )) ومن أنعم النظر في أحاديثهم والطعن فيمن جاء بمنكر صار الغالب أن لا
يوجدحديث منكر إلا وفي سنده مجروح، أو خلل، فلذلك صاروا إذا استنكروا الحديث نظروا في سنده فوجدوا منا بينه وهنه فيذكرونه، وكثيراً ما يستغنون بذلك عن التصريح بحال المتن، انظر موضوعات ابن الحوزي وتدبر تجده إنما يعمد إلى المتون التي يرى فيها ما ينكره ولكنه قلما يصرح بذلك بل يكتفي غالباً بالطعن في السند وكذلك كتب العلل وما يعل من الأحاديث في التراجم تجد غالب ذلك ما ينكره متنه، ولكن الأئمة يستغنون عن بيان ذلك بقولهم (( منكر )) أو نحوه أو الكلام في الراوي أو التنبيه على خلل من السند كقولهم: فلان / لم يلق فلاناً لم يسمع منه. لم يذكر سماعاً. اضطرب فيه. لم يتابع عليه. خالفه غيره. يروي هذا موقوفاً وهو أصح، ونحو ذلك(153/274)
وذكر حديث (( يلقى إبراهيم أبيه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغبرة، فيقول له إبراهيم: ألم أقل لك لا تعصني؟ فيقول أبوه: فاليوم لا أعصيك. فيقول إبراهيم: يا رب إ نك وعدتني أن لا تخزني يوم يبعثون، فأي خزي أخزى من أبي الأبعد. فقال الله تعالى: إني حرمت الجنى على الكافرين.. .)) وذكر قول الإسماعيلي (( هذا حديث في صحته نظر من جهة أن إبراهيم عالم بأن الله لا يخلف الميعاد، فكيف يجعل ما بأبيه خزياً له مع إخباره أن الله قد وعده ان لا يخزيه يوم يبعثون، وأعلمه أنه لا خلف لوعده ))
أقول: عن هذا جوابان: ا لأول أن إبراهيم لم يجعل ما بأبيه حينئذ من القترة والغبرة خزياً، إنما جعل الخزي ما كان منتظراً من دخول النار كا يدل على إجابة الله تعالى له بقوله: إني حرمت الجنة على الكافرين وكما يشهد له ما ذكره الله من قول عباده ( 192:3 ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته )) فدعاؤه إنما هو استنجار الموعد كما في ( 194:3 ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد) وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو في عريش بدر ( اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك ). ومن هذا أو مما يأتي ما قصه الله تعالى عن نوح من قوله (45:11 رب إن ابني من أهلي وإ ن وعدك الحق ). الثاني أن المخلوق قد يتملكه النظر من جهة فيناله ذهول من الجهة الأخرى، كا قصه الله تعالى عن الملئكة من قولهم (30:2أتجعل من يفسد فيها ويسفك الدماء ) ومن قول زكريا أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا ) وقد بين الله تعالى لخليله أن الجنة محرمة على الكافرين، وبذلك لا يكون أبوه داخلاً في الوعد بل ليس في دخول آزر بكفره النار خزي لإبراهيم، لكن هذه الحقيقة إنما تكشف حق الانكشاف لأهل الجنة بعد دخولها، وقد يكون في بقية الحديث ما يستفاد من أن الله تعالى كشف لإبراهيم تلك الحقيقة حينئذ، فراجعه وتدبر ما مر واعتبر به(153/275)
ثم ذكر أبو رية فصولاً، إلى أن قال ص 307 (( اختلافهم في الجرح والتعديل )) وسمي جماعة ينبغي مراجعة تراجمهم في كتب الحال، وراجع ص 189
وقال ص309 ((وقال صاحب العلم الشامخ:د اختلفت آراء الناس واجتهاداتهم في التعديل والتجريح، فترى الرجل الواحد تختلف فيه الأقوال حتى يوصف بأنه أمير المؤمنين وبأنه أكذب الناس، أو قريب من هاتين العبارتين ))
/ أقول: قد تقدم ص189 أن المختلف فيهم قليل، ولا تبلغ كلمتان في رجل واحد هذا التفاوت الذي ذكره ولا ما يقاربه إلا قليلاً حيث يكون في إحداهما خلل، وللخلل أسباب وعلامات بسطت القول فيها بعض البسط في ( التنكيل )، والناظرون في العلم ثلاثة: مخلص مستعجل يجأر بالشكوى، ومتبع لهؤلاء فأنى يهديه الله، ومخلص دائب فهذا ممن قال الله تعالى فيهم ( والذين جاهدا فينا لنهديهم سبلنا،
وإن الله لمع المحسنين ) وسنة الله عزوجل في المطالب العالية والدرجات الرفيعة أن يكون في نيلها مشقة ليتم الابتلاء ويستحق البالغ إلى تلك الدرجة شرفها وثوابها قال
الله تعالى (31:47ولنبولنكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم )
وذكر عن السيد رشيد رضا (( إن توثيق من وثقه المتقدمون وإن ظهر خلاف ذلك بالدليل يفتح باب الطعن في أنفسنا ينبذ الدليل.. . ))
أقول: هذا حق، ولكن شأن في الدليل الصحيح الذي يعارضه ما هو أقوى منه
الصحابة رضي الله عنهم
ثم قال أبو رية ص30 (( عدالة الصحابة.. . ))(153/276)
أقول: الآيات القرآنية في الثناء على الصحابة والشهادة لهم بالإيمان والتقوى وكل خير معروفة، ومن آخرها نزولاً قول الله عزوجل (117:9 لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم. وعلى الثلاثة الذين خلفوا ) ساعة العسرة غزوة تبوك، وكلمة ((المهاجرين )) هنا تشمل السابقين واللاحقين ومن كان معهم من غير الأنصار، ولا نعلمه تخلف ممن كان بالمدينة من هؤلاء أحد إلا عاجزاً أو مأمور بالتخلف مع شدة حرصه على الخروج، وفي الصحيح قول النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع من تبوك (( إن المدينة أقواماً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم.. حبسهم العذر )). وفي الفتح أن المهاب استشهد لهذا الحديث بقول الله تعالى ( 59:4 لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون )) وهو استشهاد متين، والمأمور بالتخلف أولى بالفضل. وفي هذا وآيات أخرى ثناء يعم المهاجرين من لحق بهم لا نعلم ثم ما يخصصه، فأما الأنصار فقد عمت الآية من خرج معهم إلى تبوك والثلاثة الذين خلفوا والمهاجرين، ولم يبق إلا نفر كانوا(153/277)
منافقين. وفي الصحيح في حديث كعب بن مالك وهو أحد الثلاثة الذين خلفوا: (( فكنت إذا خرجت إلى الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت فيهم أحزنني أني لا أرى / إلا رجلاً مغموصاً عليه النفاق، أو رجلاً ممن عذر الله من الضعفاء )) وفي هذا بيان أن المنافقين قد كانوا معروفين في الجملة قبل تبوك، ثم تأكد ذلك بتخلفه لغير عذر وعدم ثبوبتهم، ثم نزلت سورة براءة فقشقشتهم وبهذا يتضح أنهم قد كانوا مشاور إليهم بأعيانهم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فأما قول الله عزوجل ( لا تلعمهم، نحن نعلمهم ) فالمراد والله أعلم بالعلم ظاهره أي باليقين، وذلك لا ينفي كونهم مغموصين أي متهمين، غاية الأمر أنه يحتمل أن يكون في المتهمين من لم يكن منافقاً في نفس الأمر، وقد قال تعالى ( ولتعرفنهم في لحن القول) ونص في سورة براءة وغيرها على جماعة منهم بأوصافهم، وعين النبي صلى الله عليه وسلم جماعة منهم، فمن المحتمل أن الله عزوجل بعد أن قال ( لا تعلمهم ) أعلمه به كلهم، وعلى كل حال فلم يمت النبي صلى الله عليه وسلم إلا وقد عرف أصحابه المنافقين يقيناً أو ظناً أو تهمة، ولم يبق أحد من المنافقين غير متهم بالنفاق. ومما يدل على ذلك، وعلى قلتهم وذلتهم وانقماعهم ونفرة الناس عنهم، أنه لم يحس لهم عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم حراك، ولما كانوا بهذه المثابة لم يكن لأحد منهم مجال في أن يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم لأنه يعلم أن ذلك لا يعرضه لزيادة التهمة ويجر إليه ما يكره. وقد سمي أهل السير والتاريخ جماعة من المنافقين لا يعرف عن أحد منهم أنه حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وجميع الذين حدثوا كانوا معروفين بين الصحابة أنهم من خيارهم(153/278)
وأما الأعراب فإن الله تبارك وتعالى كشف أمرهم بموت رسوله صلى الله عليه وسلم، فارتد المنافقون منهم، فيتبين أنه لم يحصل لهم بالاجتماع بالنبي صلى الله عليه وسلم ما يستقر لهم به اسم الصحبة الشرعية، فمن أسلم بعد ذلك منهم فحكمه حكم التابعين وأما مسلمة الفتح فإن الناس يغلطون فيهم يقولون: كيف يعقل أن ينقلبوا كلهم مؤمنين بين عشية وضحاها، مع أنهم إذا أسلموا حين قهروا وغلبوا ورأوا أن بقاءهم على الشرك يضر بدنياهم، والصواب أن الإسلام لم يزل يعمل في النفوس منذ نشأته. ويدلك على قوة تأثيره أمور: الأول ما قصه الله تبارك وتعالى من قولهم ( 26:41 لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون ) وقولهم (42:25 إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها )
الثاني ما ورد من صدهم للناس أن يسمعوا القرآن حتى كان لا يرد مكة وارد إلا حذروه أن يستمع إلى / النبي صلى الله عليه وسلم، ومن اشتراطهم على الذي أجار أبا بكر أن يمنعه من قراءة القرآن بحيث يسمعه الناس(153/279)
الثالث وهو أوضحها إسلام جماعة من أبناء كبار رؤسائهم ومفارقتهم آباءهم قديماً، فمنهم عمرو وخالد ابنا أبي أحيحة سعيد بن العاص، والوليد بن الوليد بن المغيرة، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وهشام بن العاص بن وائل، وعبد الله أبو جندل انبا سهيل بن عمرو وغيرهم، وآباء هؤلاءهم أكابر رؤساء قريش وأعزهم وأغناهم، فارقهم أبناؤهم وأسلموا، فتدبر هذا، فقد جرت عادة الكتاب إذا ذكروا السابقين إلى الإسلام ذكروا الضعفاء فيتوهم القارئ أنهم أسلموا لضعفهم وسخطهم على الأقوياء وحبهم للانتقام منهم على الأقل لأنه لم يكن لهم من الرياسة والعز والغنى ما يصدهم عن قبول الحق وتحمل المشاق في سبيله والحقيقة أعظم من ذلك كما رأيت، إلا أن الرؤساء عاندوا واستكبروا، وتابعهم أكثر قومهم مع شدة تأثرهم بالإسلام، فكان في الشبان من كان قوي العزيمة فأسلموا وضحوا برياستهم وعزهم وغناهم، متقبلين ما يستقبلهم من مصاعب ومتاعب، وبقي الإسلام يعمل عمله في نفوس الباقين، فلم يزل الإسلام يفشوا فيهم حتى بعد هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم ثم لما كان صلح الحديبية وتمكن المسلمون بعده من الاختلاط بالمشركين ودعوة كل واحد قريبه وصديقه فشا الإسلام بسرعة وأسلم في هذه المدة من الرؤساء خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة وغيرهم، والإسلام يعمل عمله في نفوس الباقين
ونستيطع أن نجزم أن الإسلام كان قد طرد الشرك خرافاته من النفوس عقلاء قريش كلهم قبل فتح مكة، ولم يبق إلا العناد المحض بلفظ آخر أنفاسه، فلما فتحت مكة مات العناد ودخلوا في الإسلام الذي قد كان تربع في نفوسهم من قبل. نعم بقي أثر في صدور بعض الرؤسا. فسط لهم النبي صى الله عليه وسلم التأليف يوم فتح مكة وبعده وآثرهم بغنائم حنين، ولم يزل يتحراهم بحسن المعاملة حتى اقتلع البقية الباقية من أثر العناد(153/280)
ثم كان من معارضة الأنصار بعد النبي صلى الله عليه وسلم لقريش في الخلافة واستقرار الخلافة لقريش غير خاصة بيت من بيوتها، وخضوع العرب لها ثم العجم، ما أكد حب الإسلام في صدر كل قرشي، وكيف لا وقد جمع لهم إلى كل شير كانوا يعتزون به من بطحاء مكة آلاف الأميال، وجعلهم ملوك الدنيا والآخرة، م يوضخح لك لك أن الذين عاندوا إل يوم الفتح كانوا بعد ذلك من أجد الناس في الجهاد / كسهيل بن عمرو وعكرمة بن أبي جهل وعمه الحارث ويزيد بن أبي سفيان
فأما ما يذكره كثير من الكتاب من العصبية بني بني هاشم وبني أمية فدونك الحقيقة:
شمل الإسلام الفريقين ظاهراً وباطناً، وكما أسلم قديماً جماعة من بني هاشم فكذلك من بني أمية كابني سعيد بن العاص وعثمان بن عفان وأبي حذيفة بن عتبة، وكما تأخر الإسلام جماعة من بني أمية فكذلك من بني هاشم، وكما عاداه بعض بني أمية فكذلك بعض بني هاشم كأبي لهب بن عبد المطلب وأبي سفيان بن الحارث بن المطلب، ونزل القرآن يذم أبي لهب ولا نعلمه نزل في ذم أموي معين، وتزوج النبي(153/281)
صلى الله عليه وسلم بنت أبي سفيان بن حرب الأموي ولم يتزوج هاشمية، وزوج إحدى بناته في بني هاشم وزوج ثلاثاً في بني أمية، فلم يبق الإسلام في أحد الجانبين حتى يحتمل أن يستمر هدفاً لكراهية الجانب الآخر. بل ألف الله قلوبهم فأصبحوا بنعمتة إخوانا وأصبح الإسلام يلفهم جميعاً: يحبونه جميعاً ويعظمونه جميعاً ويعتزون به جميعاً ويحاول كل منهم أن يكون حظه منه أوفر، ولم تكن بيين فتح مكة وبين ولاية عثمان الخلافة تفرد ما بين العشيرتين، فلما كانت الشورى وانحصر الأمر في علي وعثمان فاختير عثمان وجدت الأوهام منقذاً إلى الخواطر ثم لما صار في أواخر خلافة عثمان جماعة من عشيرته بني أمية وعمالاً وصار بعض الناس يشكوهم أشيعت عن علي كلمات يندد بهم ويتوعدهم بإنه إذا ولى خلافة عزلهم وأخذ أموالهم وفعل وفعل، ثم كانت الفتنة وكان لبعض من يعد من أصحاب على إصبع فيها، حتى قتل عثنمان وقام قلتلته بالسعي لمبايعة علي فبويع علي وبقي جماعة منهم في عسكره، فمن تدبر هذا وجد هذه الأسبباب العارضة كافية لتعليل ما حدث بعد ذلك، إذن فلا وجه لاقحام ثارات بدر وأحد التي أماتها ا لإسلام وما حكى مما يشعر بذلك لا صحة له البتة، إلا نزعة شاعر فاجر في زمن بني العباس يصح أن تعد من آثار الاسراف في النزاع لا من مؤثراته، وجرى من طلحة والزبير ما جرئ فأي ثار لهما كان عند بني هاشم ؟
وبهذا يتضح جلياً أن لا مساغ البتة لأن يعلل خلاف معاوية يطلبه بثأر من قتل من آله ببدر، ثم يتذرع بذلك إلى الطعن في إسلامه، ثم في إسلامه نظرائه !
فإن قيل: مهما يكن من حال الصحابة فإنهم لم يكونوا معصومين فغاية الأمر أن يحملوا على العدالة ما لم يتبين / خلافها، فلماذا يعدل المحدثون من تبين ما يوجب جرحه منهم ؟
فالجواب من أ وجه: الأول أنهم تدبروا ما نقل من ذلك فوجدوه ما بين غير
ثابت نقلاً أو حكماً أو زلة تيب منها أو كان لصاحبها تأويل(153/282)
الوجه الثاني: أن القرآن جعل الكذب على الله كفراً، قال تعالى (68:2 ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذب بالحق لما جاءه أليس في جهنم مثوي للكافرين ) والكذب على النبي صلى الله عليه وسلم في أمر الدين والغيب كذب على الله، ولهذا صرح بعض أهل العلم بأنه كفر، اقتصر بعضهم على أنه من أكبر الكبائر، وفرق شيخ الإ سلام ابن تيمية بين من يخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا وساطة الصحابي إذا قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم كذا، وبين غيره، فمال إلى تعمد الأول الكذب كفر وتردده في الثاني. ووقوع الزلة أو الهفوة من الصحابي لا يسوغ احتمال وقوع الكفر منه. هب أن بعضهم لم يكن يرى الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم كفراً، فإنه علىكل حال – يراه أغلظ جداً من الزلات والهفوات المنقولة
الوجة الثالث: أن أئمة الحديث اعتمدوا فيمن يمكن التشكك في عدالته من الصحابة اعتباراً لما ثبت أنهم حدثوا به عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن صحابي آخر عنه، وعرضوها على لكتاب والسنة وعلى رواية غيرهم مع ملاحظة أحوالهم وأهوائهم، فلم يجدوا من ذلك ما يوجب التهمة، بل وجدوا عامة ما رووه قد رواه غيرهم من الصحابة ممن لا تتجه إليه تهمة، أو جاء في الشريعة ما في معناه أو ما يشهد له، وراجع ص64 وهذا الوليد بن عقبة بن ابيم معيط يقول المشنعون: ليس من المهاجرين والأنصار، إنما هو من الطلقاء. ويقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بقتل أبيه عقب بدر قال يا محمد فمن للصبية؟ يعني بنيه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لهم النار. ويقولون إن هو الذي أنزل الله تعالى فيه ( يا آيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبنوا ) فنص القرآن أنه فاسق يجب التبين في خبره، ويقولون إنه في زمن عثمان كان أميراً على الكوفة فتشهدوا عليه أنه شرب الخمر وكلم علي عثمان في ذلك فأمره أن يجلده فامر علي عبد الله بن جعفر فجلده، ومنهم من يزيد أنه صلى(153/283)
بهم الصبح سكران فصلى أربعاً ثم التفت فقال: أزيدكم؟ وكان الوليد أخا عثمان لأمه، فلما قتل عثمان صار الوليد ينشء الأشعار يتهم علياً بالموالاة على قتل عثمان ويحرض معاوية على قتال علي
/ هذا الرجل أشد ما يشنع به المعترضون على إطلاق القول بعدالة الصحابة، فإذا نظرنا إلى ريواته عن النبي صلى الله عليه وسلم لنرى كم حديثاً روى في فضل أخيه، وولى نعمته عثمان ؟ وكم حديثاً روى في ذم الساعي في جلده الممالي على قتل أخيه في ظنه، علي ؟ وكم حديثاً روى في فضل نفسه ليدافع ما لحقه من الشهرة بشرب الخمر؟ هالنا أننا لا نجد له رواية البتة، الهلم إلا أنه يوجد عنه حديث في غير ذلك لا يصح عنه، وهو ما رواه أحمد وأبو داود نم طريق رجل يقال له أبو موسى عبد الله الهمداني عن الوليدبن عقبة قال: (( لما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة جعل أهل مكة يأتونه بصيبيانهم فيمسح على رءوسهم ويدعو لهم، فجئ بي إليه وأنا مطبيب بالخلوق فلم يمسح رأسي، ولم يمنعه من ذلك إلا أن أمي خلقتني بالخلوق، فلم يمسني من أجل الخلوق ))
هذا جميع ما وجدناه عن الوليد عن النبي صلى الله عليه وسلم وأنت إذا تفقدت السند وجدته غير صحيح لجهالة الهمداني، وإذا تأملت المتن لم تجده منكراً ولا فيه ما يمكن أ، يتم فيه الوليد، بل الأمر بالعكس فإنه لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم دعا له، وذكر أنه لم يمسح رأسه، ولذلك قال بعضهم: قد علم الله تعالى حاله فحرمه بركة يد النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه. أفلا ترى معي في هذا دلالة واضحة على أنه كان بين القوم وبين الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم حجر محجور ؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في رده على الاخنائي ص163 (( فلا يعرف من من الصحابة من كان يعتمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان فيهم من له ذنوب لكن هذا الباب مما عصمهم الله فيه ))(153/284)
قد ينفر بعض الناس من لفظه (( العصمة )) وإنما المقصود أن الله عزوجل وفاء بما تكفل به من حفظ دينه وشريعته هيأ من الأسباب ما حفظهم به وبتوفيقه سحانه من أن يتعمد أحد منهم الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم
فإن قيل: فلماذا لم يحفظهم الله تعالى من الخطأ ؟ قلت الخطأ إذا وقع من أحد منهم فإن الله تعالى يهيئ ما يوقف به عليه، وتبقي الثقة به قائمة في سائر الأحاديث التي حديث بها مما لم يظهر فيه خطأ، فأما تعمد الكذب فإنه إن وقع في حديث واحد لزم إهدار الأحاديث التي عند ذاك الرجل كلها، وقد تكون عنده أحاديث ليست عند غيره. راجع ص20-21
هذا وفي كتاب أبي رية ص42-53 (( كلام أخرت النظر فيه إلى هنا كما أشرت إليه ص52 من كتابي هذا، قال ص42 (( الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم قبل وقاته.. .. ))
/ ثم ذكر ما روى عن ابن بريدة عن أبيه بريدة بن الحصيب قال (( كان حي من بني ليث على ميلين من المدينة، فجاءهم رجل وعليه حل، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كساني هذه الحلة وأمرني أن أحكم في دمائكم وأموالكم بما أرى – وكان قد خطب منهم امرأى [في الجاهلية] فلم يزوجوه، فانطلق [حتى نزل] على تلك المرأة، فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: كذب عدو الله، ثم أرسل رجلاً. فقال إن وجدته حياً [ ولا أراك تجده ] فاضرب عنقه، وإن وجدته شيئاً فحرقه بالنار ))
أقول: عزاه إلى أحكام ابن حزم، ومنه أضفت الكلمات المحجوزة، وانظر لماذا أسقطها أبو رية ؟ ورواية عن ابن بريدة صالح بن حيان وهو ضعيف له أحاديث منكرة، وفي السند غيره،وقد رويت القصة من وجهين آخرين بقريب من هذا المعنى وفي كل منها ضفع. راجع مجمع الزوائد 145:1. وعلي فرض صحته فهذا الرجل(153/285)
كان خطيب تلك المرأة في الشرك فردوه، فلما أ سلم أهلها سولت له نفسه أن يظهر الإسلام ويأتيهم بتلك الكذبة لعله يتمكن من الخلوة بها ثم يقر، إذ لا يعقل أن يريد البقاء وهو يعلم أنه ليس بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم سوى مياين، فأنكر أهلها أن يقع مثل ذلك عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأوا أن ينزلوا الرجال محترسين منه، ويرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخبرونه. وقوله صلى الله عليه وسلم (( ولا أراك تجده )) ظن منه أن عقوبة الله عزوجل ستعاجل الرجل. وكذلك كان كما في الطرق الأخرى، وجده الرسول قد مات، وفي رواية (( خرج ليبول فلدغته حية فهلك )) وحدوث مثل هذا لا يصلح للتشكيك في صدق بعض من صحب النبي صلى الله عليه وسلم غير متهم بالنفاق ثم استمر على الإسلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. يراحع ص13 فما بعدها، وتعجيل العقوبة القدرية لذلك الرجل يمنع غيره من أن تحدثه نفسه بكذب على النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، وكذا من باب أولى بعد وفاته، فإن العقوبة القدرية لم تمهل ذاك مع أنه يصدد أن تناله العقوبة الشرعية، ولا يترتب على كذبه المفاسد؟ ولهذا جاء في رواية أن الصحابي بعد صلى الله عليه وسلم ذكر حديثاً فاستثبته بعض الناس فحدث بالقصة ثم قال (( أتراني كذبت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذا )) ؟ وذكر أبو رية خبر المقنع التميمي، ويقال: المنقع، وسنده واه جداً يشمل على مجاهيل وضعفاء فلا أطيل به، هذا من الحكمة في اختصاص الله تعالى اصحاب رسوله بالحفظ من الكذب عليه أنه سبحانه كره أ ن يكونوا هدفاً لطعن من بعدهم لأن ذريعة إلى الطعن في الإسلام جملة. وليس هناك سبب مقبول للطعن إلا أن يقال: نحن مضطرون إلى بيان أحوالهم ليعرف من لا يحتج بروايته منهم، فاقتضت الحكمة حسم هذا لقع العذر عمن يحاول الطعن في أحد منهم(153/286)
وقال ص43 (( الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم.. . فإن الكذب قد كثر عليه بعد وفاته.. .. ))
أقول: قد كان كذب، لكن متى؟ وممن ؟ لا شأن لنا بدعاوي أبي رية، وإنما ننظر في شواهده:
/ ذكر قصة بشير (( بالتصغير ) بن كعب العدوي مع ابن عباس في مقدمة صحيح مسلم وجعلها قصتين وإنما هي روايتان. ويشير هذا غير بشير ( بفتح فكسر) بن كعب بن أبي الحميري العامري الذي شهد اليرموك، بل هذا أصغر منه بكثير، وأخطأ من عدهما واحداً، راجع الإصابة. وهذا عراقي بصري له قصة مع عمران بن حصين في الحياة تدل أنه كان يقرأ صحف أهل الكتاب، وقصته مع ابن عباس يظهر أنها كانت حوالي ستة سنين، فإن ابن عباس توفي سنة 68 أبو بعدها وعاش بشير بعد ابن عباس زمانا
روى مسلم قصة من طريق طاوس ومجالد، وحاصلها أن بشيراً جاء إلى ابن عباس فجعل يحدث ( زاد مجاهد: ويقول قال رسول الله صلى الله عليهوسلم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) قال طاوس: فقال له ابن عباس عد لحديث كذا وكذا، فعاد له. ثم حدثه فقال له: عد لحديث كذا وكذا، فعاد له، فقال له ما أدري أعرفت حديثي كله وأنكرت هذا. أم أنكرت حديثي كله وعرفت هذا ؟ فقال ابن عباس: إنا كنا نحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لم يكن يكذب عليه. فلما ركب الناس الصعب والذلول تركنا الحديث عنه( وفي رواية طاوس هي أثتب عن الأولى، قال: إنا كنا نحف الحديث والحديث يحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأما إذ ركبتم كل صعف وذلول فهيهات ) ولفظ مجاهد: فجعل اب عباس لا يأذن لحديثه ولا ينظر إليه، فقال: يا ابن عباس مالي لا أراك تسمع لحديثي.. . فقال ابن عباس: (( إذا كنا مرة إذ سمعنا رجلاً يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدرته أبصارنا وأصغينا إليه بآذاننا، فلما ركب الناس الصعب والذلول لم نأخذ من الناس إلا من نعرف ))(153/287)
عرف ابن عباس أن بشيرا ً ليس بصحابي، ومع ذلك لم يدرك كبار الصحابة، ولعله مع ذلك لم يكن يعرف بالثقة، وفوق ذلك كأن يرسل، لا جرم لم يصغ إلى أحاديثه، فأما استعادته بعضها فكأن المستعاد كأن أحاديث يرفعها عن ابن عباس، فأراد أن يصححها لبشير إن كان عنده فيها خطأ
كانت القصة حوالي سنة ستين كما مر، وقد ظهر الكذب بالعراق قبل ذلك كما يؤخذ مما يأتي، وبشير عراقي فليس في القصة ما يخدش في صدق الصحابة رضي الله عنهم، ولا ما يدل على ظهور الكذب بعد وفاة النبي بمدة يسيره، وقوله في إحدى روايتي طاوس (( تركنا الحديث عنه )) يريد تركنا أخذ الحديث عنه إلا من حيث نعرف
وذكر ص44 ما في مقدمة صحيح مسلم أيضاً عن ابن أبي مليكة (( كتبت إلى ابن عباس أسأله أن يكتب لي كتاباً ويخفي عني قال: ولد ناصح، وأنا أختار له الأمور اختياراً وأخفي عنه،قال: فدعا بقضاء علي رضي الله عنه / فجعل يكب منه أشياء ويمر به الشيء فيقول: والله ما قضي بهذا علي، إلا أن يكون ضل ))
أقول: أورد مسلم بعد هذا (( عن طاوس قال: أتى ابن عباس بكتاب فيه قضاء علي.. .. )) ثم أورد (( عن ابن إسحاق قال: لما أحدثوا تلك الأشياء بعدعلي رضي الله عنه قال رجل من أصحاب علي: قاتلهم الله أي علم أفسدوا )) التف حول علي رضي الله عنه بالكوفة نفر ليس لهم علم ولا كبير دين، وذاك الكتاب جمع من حكاياتهم وحكايات غيرهم عن قضاء علي، وجئ إلى ابن عباس بنسخة منه. وذكر مسلم أيضاً ونقله أبو رية عن المغيرة بن مقسم قال (( لم يكن على علي رضي الله عنه في الحديث عنه إلا من أصحاب عبد الله بن مسعود ))
وذلك أن أبا مسعود كان بالكوفة في عهد علي وبعد، فكان له أصحاب طالت صحبتهم له وفقهوا، فلما جاء علي إلى الكوفة أخذوا عنه أيضاً وكانوا أوثق
أصحابه، وهذه الآثار إنما تدل على فشو الكذب بالكوفة بعد علي رضي الله عنه
درجات الصحابة
وقال أبو رية 45 (( درجات الصحابة.. .. ))(153/288)
ثم قال ص47: (( رواية الصحابة بعضهم عن بعض، وروايتهم عن التابعين.. ))
وعاد بيدئ ويعيد لتأكيد تلك المكيدة الجهنمية التي سبق الكشف عنها ص72-75و 82و 89-90و 109-110و 157و 171
ثم قال ص49 (( نقد الصحابة بعضهم لبعض.. .. ))
أقول: ذكر أشياء معروفة مع أجوبتها في كتب الحديث، وحاصلها أن أحدهم كان إذا سمع من أخيه حديثاً يراه معارضاً لببعض ما عده توقف فيه، وظن أب جوز أن أخاه أخطأ، مع تميزه بعضهم لبعض عن تعمد الكذب
وذكر فيها ص52 (( ولما بلغها- يعني عائشة – قول أبي الدرداء: من أدرك الصبح فلا وتر عليه. فقالك لا، كذب ابو الدرداء، كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبح فيوتر ))
أقول: الخبر في سنن البيهقي 479:2 ولفظه فلا وتر له )) ورواية عن أبي الدرداء وعائشة أبو نهيك الأزد الفراهيدي، قال ابن القطان (( لا يعرف )) يعني أنه مجهول الحال، ولا يخرجه عن ذلك ذكر ابن حبان له في الثقات، وفوق ذلك لايعلم له إدراك لأبي الدرداء وعائشة، بل الظاهر عنده فالخبر منقطع، ويعارضه ما في الصحيحين وغيرهما عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم (( انتهى وتره إلى السحر )). وعلى فرض صحة الحكاية فإنما قال أبو الدرداء من قبل نفسه لم يذكر رواية، فكلمة/ (( كذب (( بمعنى (( أخطأ )) كما هو معروف عنه راجع ص51
قال (( وقالت عن أنس بن مالك وأبي سعيد الخدري: ما علم أنس بن مالك وأبي سعيد بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وإنما كانا غلامين صغيرين ))
أقول: ينظر في صحة هذا، فقد كانا في مثل سنها أو أكبر منها، وكانا ممن يلزم النبي صلى الله عليه وسلم ولا سيما أنس
قال (( وكانت عائشة ترد ما روى مخالفاً للقرآن ))
أقول: راجع ص14 لتعرف ما هو الخلاف الذي يقتضي الرد
قال((وتحمل رواية الصادق من الصحابة على خطأ السمع وسوء الفهم ))(153/289)
أقول: كلهم بحمد الله كان صادقاً عندهم ثم حكى عن أحمد امين عن بعض الزيدية كلهم فيها أن الصحابة تلك بعضهم في بضع وقاتل بعضهم بعض، ونحو هذا. والجواب عن ذلك مبسوط في كتب أهل العلم، وموضاعنا هنا بيان صدقهم في الحديث النبوي، وقد أثبتناه ولله الحمد قال (( وإنما اتخذهم العامة أرباباً بعد ذلك )) أقول: أما أهل السنة فلم يتخذوا أحداً من الصحابة ربا، وإنما أولئك غلاة أصحابك الشيعة [كان الشيعة الامامية قبل الدولة الصفوية ينقسمون إلى غلاة ومعتدلين،وكانوا في كتبهم الؤلفة في الجرح والتعديل لا يقبلون رواية رواية الموصوفين منهم بالغلو ثم أعلن المتأخرون من علمائهم في الجرح والتعديل ومنهم العلامة الثاني للشيخ الملعقائي عند ترجمته لكل من كان منهم ينبز بالغلو (ومنهم المفضل بن عمرو الجعفي، في 240:3 من تنقيح المقال في أحوال الرجال أن ما كان بعد غلوا عند قدماء الشيعة تعده الشيعة الآن من ضروريات مذهب التشيع، أي أنهم كلهم صاروا غلاة بلا استثناء محب الدين] قال (( ومن أساء منهم ذممناه، ومن أحسن منهم حمدناه )) أقول: أنت وهواك، أما نحن فنقول ( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربنا إ نك رءوف رحيم)
وذكر أبو رية ص311 كلاماً للذهبي ذكر فيه ما حكى ابن وضح قال
((سألت يحيى بن معين عن الشافعي، فقال: ليس بثقة، ثم قال للذهبي وكلام ابن معين في الشافعي إنما كان نم فلتات اللسان بالهوى والعصيان، قال ابن معين كان من الحنفية وإن كان محدثاً ))
أقول: هذه من فلتات القلمن وقد برأ الله ابن معين من اتباع الهوى والعصبية، وإنما كان يأخذ بقول أبي حنيفة فيما لم يتضح له الدليل بخلافه، وعدخ ميله إلى الشافعي كان لسبب آخر، وثم علل تقدح في صحة هذه الكلمة (( ليس بثقة )) عنه، وقد أوضحتُ ذلك في (( التنكيل ))(153/290)
/ ثم ذكر أبو رية ص321-322 كلاماً للعقيلي، والمقبلي نشأ في بيئة اعتزالية المعتقد، هادوية الفقه، شيعية تشيعاً مختلفاً، يلفظ في أناس ويخلف في آخرين، فحاول التحرير فنحج تقريباً في الفقة، وقارب التوسط في التشيع، أما الاعتزال فلم يكد يتخلص إلا من تكفير أهل السنة مطلقاً، وكلامه هنا يدور حول قضايا الاعتزال: كالقدر، ونفي رؤية المؤمنين ربهم في الآخرة، والقول بخلق القرآن، والدفاع عن عمرو بن عبيد أحد قدماء المعتزلة، وهذه المسائل معروفة مدروسة، والمقبلي لم يسير غورها، ولا حقق ما كان عليه الأمر في عهد الني صلى الله عليه وسلم وأصحابه وا لتابعين بإحسان، فلذلك أخذ يلوم أحمد وينسبه إلى الافراط في التشدد، ولعله لو علم أحمد بالنسبة إلى التسامح
وذكر ص315 ما روى عن أحمد في شأن ابن علية ومحمد بن هارون، والإمام أحمد وإن رجا المغفرة للأمين فلم يزد في ابن علية على إنكار قوله تنقيراً للناس عن الباطل، واستمر أحمد على الرواية عن ابن علية، والاحتجاج به والثناء عليه بالثبت
وذكر ص316 مسألة الرؤية، فخلط بين رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه ليلة الإسراء وهي التي أنكرتها عائشة ومن معها، وبين الرؤية في الآخرة
وقال أيضاً: (( لكن المحدثون لم يعرفوا مقدار الخطأ في الكلام لأنه غير صنعتهم ))
أقول: بل أنت لم تعرف مقدار الخطأ في العقيدة الإسلامية الحقة، ولا عرفت غور القضايا المخالفة لها
وقال ص317 (( وقال يحيى بن معين في عتبة بن سعيد بن العاص بن أمية: ثقة، وهوجليس الحجاج.... بل روى له البخاري ومسلم ))(153/291)
أقول: إنما هو عتبة بن سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية، له عند البخاري خبر واحد ذكره في الجهاد والمغازي مع روايته من طريق غيره، راجع فتح الباري 30:6و 376:7 وعند مسلم خبر واحد جاء ذكره في قصة العرنيين، وقد أخرجها أيضاً من رواية غيرهما. هذا جميع ما لعتبسة في الصحيحين كما يعلم من ترجمته في كتاب الجمع بين رجال الصحيحين، ومعنى هذا أنهما لم يحتجا به ولا أحدهما، فأما الذين وثقوه فإنهم تتبعوا أحاديثه فوجدوها معروفة من رواية غيره من الثقات ن ولم يثت عليه جرح بين. أما مجالسته للحجاج / فليست بجرح بين، إذ قد يجالسه ولا يشركه في ظلمه بل يحرص على رد ظلمه ما استطاع، ويرى أن استمراره على ذلك أنفع للدين وللمسلمين من مباينته له، وقد كان نبي الله يوسف عاملاً للمشركين بمصر والملك فيهم ولم يكن يستطيع أن يحكم بخلاف دينهم بدليل قول الله عزوجل ( ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك ) وإنما كان عليه السلام يعينهم ما ليس بكفر ولا محرم عليه، فإذا جاء ما هو كفر أو محرم ولم يمكنه أن يصرفه تركه لهم، وقد أنذرهم بلطف وأذن الله تعالى أن يبقى معهم لما علم في ذلك من المصلحة
قال: ((وروى البخاري لمروان بن الحكم ))(153/292)
أقول: اعتبر البخاري أحاديث مروان فوجدها مستقيمة معروفة لها متابعات وشواهد، ووجد أن أهل عصر مروان كانوا يثقون بصدقة في الحديث، حتى ر وى عن سهل بن سعد الساعدي وهو صحابي، وروى عنه زين العابدين على بن الحسين بن علي بن أبي طالب. بقى عدالته في سيرته فلعل البخاري لم يثبت عنده ما يقطع بأن مروان ارتكب ما يخل بها غير متأول، وعلى كل حال فلا وجه للتشنيع إذ ليست المفسدة في الرواية عمن تذم حاله في الصحيح ما دام المروي ثابتاً من طريق غيره، ألا ترى أنه لو وقع في سند إلى بعض ثقات التابعين أنه سمع يهودياً يقول لعلي بن أبي طالب سمعت نبيكم يقول كيت وكيت. فقال علي: وأنا سمعته يقول ذلك: لصح إثبات هذا الخبر في الصحيح وإن كان فيه صورة الرواية عن يهودي ؟ فما بالك بمروان، مع أن روايته لا تخلوا من تقوية لرواية غيره لأنه على كل حال مسلم قد عرف تحرية الصدق في الحديث
وذكر ص318 بعض ما نسب إلى بعض الصحابة ثم قال (( وما لا يحصى سكت عنه رعاية الحق النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يلجئ إليه ملجئ ديني فيجب ذكره، ومن الملجئات ترتب شيء من الدين على مروان والوليد [بن عقبة] وغيرهما فإنهما أعظم خيانة لدين الله … ))
أقول: أما الوليد فقد تقدم ص198 أنه لم يرو شيئاً، وإنما روى عنه مجهول خبراً لو صح لما دل إلا على صدقه، وأما مروان فمن تتبع أحاديثه الثابتة عنه علم أن البخاري لم يبن شيئاً من الدين على رواية تفرد بها لفظاً ومعنى، وأما غيرها فراجع ص197
وقال ص320 (( وأعجب من هذا أن في رجالها من لم يثبت تعديلها.. ))وذكر حفص بن بغيل[في كتاب أبي رية نفيل !] ومالك بن الخير الزبادي[في كتاب أبي رية بجير الرمادي !] وكلاماً للذهبي في ترجمتيها قد رده الحافظ ابن حجر في ترجمة مالك(153/293)
بن الخير من لسان / الميزان، وفي مواضع آخر، وحفص ومالك ليسا ولا أحدهما في الصحيحين ولا أحدهما، ولا فيهما ولا في أ حدهما من هو مثل حفص ومالك، فإن وجد من هو قريب من ذلك فنادرا في المتابعات ونحوها كما بينه ابن حجر، على أنه لو فرض أن البخاري احتج في الصحيح بمن لم يوثقه غيره فاحتجاجه به في الصحيح توثيق وزيادة
وذكر بعد ذلك في المتن والحاشية كلاماً قد تقدم بيان الحق فيه ولله الحمد
ثم ذكر ص324-327 كلاماً للدكتور طه حسين ذكره في معرض الرد على الذين يكذبون غالب ما روى من الأحداث في زمن عثمان ويقولون إنه (( على كل حال لم يرد إلى الخير، ولم يكن يريد ولا يمكن أن يريد إلا الخير )) ويرون في سائر الصحابة أنهم (( يخطئون ويصيبون، ولكنهم يجتهدون دائماً ويسرعون إلى الخير دائماً فلا يمكن أن يتورطوا في الكبائر، ولا أن يحدثوا إلا هذه الصغائر التي يغفرها الله المحسنين من عباده ))
أقول: أما أهل العلم من أهل السنة فلا يقولون في عثمان ولا في غيره من آحاد الصحابة إنه معصوم مطلقاً أو من الكبائر، وإنما يقولون في المبشرين بالجنة: إنه لا يمكن أن يقع منهم ما يحول بينهم وبين ما بشروا به، وإن الصحابي الذي سمع من النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعرف بنفاق في عهده ولا ارتد بعد موته لا يكذب عليه صلى الله عليه وسلم متعمداً، وقد تقدم بيان ذلك، ولا يظن به أ ن يرتكب كبيرة غير متأول ويصر عليها، والعارف ا لمنصف لا يستطيع أ ن يجحد أن هذا الحال كانت هي الغالبة فيهم، فالواجب الحمل عليها ما دام ذلك محتملاً، وعلماء السنة يجدون الاحتمال قائماً في كل ما نقل نقلاً ثابتاً، نعم قد يبعد في بعض القضايا ولكنهم يرونه مع بعده أقرب من ضده، وذلك مبسوط في كتبهم
قال ص325 (( ونحن لا نغلو في تقديس الناس إلى هذا الحد البعيد ))
أقول: وعلماء السنة كما رأيت لا يبلغون هذا الحد، وإن كانوا يعلمون أن حال الصحاب لا تقاس بحال غيرهم(153/294)
قال: (( ولا نرى في أ صحاب النبي صلى الله عليه وسلم مالم يكونوا يرون في أنفسهم ))
أقول: المدار على الحجة، فإذا ثبت عندنا أن أحدهم كان يرى في صاحبه أمراً فليس لنا أن نوافقه إذا لم نعلم له حجة، فكيف إذا ماقامت الحجة على خلافه ؟ وأوضح من ذلك أنه ليس لنا أن نتهم غير صاحبه بمثل تلك التهمة ما دام لا حجة لنا على ذلك. فأما الاستدلال على الإمكان فعلماء السنة لم يتفوا الإمكان إلا فيما قام عليه دليل شرعي كالتبشير بالجنة. والدليل الشرعي لا يعارضه ما دونه
/ قال (( وهم تقاذفوا التهم الخطيرة،وكان منهم فريق تراموا بالكفر والفسوق، فقد روى أن عمار بن ياسر ….. ))
أقول: أما الترامي بالفسوق بمعنى ارتكاب بعض الكبائر فقد كان بعض ذلك وعلم حكمه مما مر، وأما الترامي بالكفر فلم يثبت، بل الثابت خلافه، وما ذكر أنه ما روى عن عمار وابن مسعود لم يثبت، وعلى فرض أنه ثبت عن بعضهم كلمة يظهر منها ذاك لامعنى فهي فلتة لسان عندثورة غضب لا يجوز أخذها على ظاهرها لشذوذها ونفي جمهور الصحابة لما يزعمه ظاهرها، فكيف وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تبشير عثمان بالشهادة والجنة ؟
ثم قال ص326 (( الذين رووا أخبار هذه الفتن هم أنفسهم الذين رووا أخبار الفتح وأخبار المغازي وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء، فما ينبغي أن نصدقهم حين يروون ما يروقنا، وأن نكذبهم حين يروون ما لا يعجبنا… وما ينبغي كذلك أن نصدق كل ما يروي أو نكذب كل ما يروي وإنما الرواة أنفسهم ناس من الناس يجوز عليهم الخطأ والصواب ويجوز عليهم الصدق والكذب، والقدماء أ نفسهم قد عرفوا ذلك وتهيئوا له ووضعوا قواعد.. فليس علينا بأس من أن نسلك الطريق التي سلكوها وأن نضيف إلى القواعد التي عرفوها ما عرف المحدثون من القواعد الجديدة … ))(153/295)
أقول: الرواة كما وصف، ولكن لا يجهل عاقل أن أحوالهم مختلفة: فمنهم المغفل المتساهل الذي يبني على التوهم فيكثر غلطه، ومنهم الضابط المتقن المثبت الذي يندر جداً أو يخطئ، وليس كل ما يصلح مستنداً للتوقف عن خبر الأول أو رده يصلح لمثل ذلك في خبر الثاني. فأما الصدق وتعمد الكذب ولا سيما في الحديث النبوي فالأمر فيها أعظم، وللكذب دواع وموانع، والناس متفاوتون جداً في الانقياد للدواعي أو الموانع، فإني أعرف من الأغنياء الوجهاء من يساوم بالسلمة الخفيفة فيقول له الدكاني: ثنمها ثلاثة قروش، فيقول كاذباً: إن صاحب ذلك الدكان يبيعها بقرشين، يكذب هذه الكذبة طبعاً في أن يغر الدكان فيعطيه إياها بقرشين مع علمه أن كذبه قد ينكشف عن قريب، بل إذا نجح فأخذها بقرشين، قد يذهب فيخبر بالقصة متمدحاً بكذبه، وأعرف من المقلين من لا تسمح له نفسه بمثل هذا الكذب ولو ظن أنه يتحصل به على مقدار كبير، فأما الحديث النبوي فالأمر فيه أشد، والمتدينون من الكذب فيه أبعد أبعد
فإن قيل: قد ذكر أهل الحديث أن جماعة صالحين كانوا يكذبون في الحديث عمداً في المواعظ ونحوها / وذكروا في الهيثم بن عدي – وهو ممن يكذبون – أنه كان يقوم عامة الليل يصلي، فإذا أصبح جلس يكذب
قلت: أما صالح يتعمد الكذب فلا يكون إلا شديد الجهل بالدين، ومثل هذا نادر لا يسوغ أن يقاس به من عرف بالدين والعلم والصدق، ولو ساغ هذا لساغ أن يتهم كل إنسان بكل نقيصة عرفت لغيره، ولو عرف بأنه من أبعد الناس عنها
فأما الهيثم بن عدي فتلك الحكاية إنما حكاها عباس الدوري قال (( حدثنا بعض(153/296)
أصحابنا قال: قالت جارية بن الهيثم بن عدي: كان مولاي … )) والجارية لا يعرف حالها، والمخبر عنها لا يدري من هو وما حاله، وإنما استندوا في تكذيب على أنها نادرة مستطرفة لأن مثل هذا نادر كما مر، وإنما استندوا في تكذيب الهيثم إلى دلائل ثابتة. هذا وعلماء السنة لا يستندرون في التصديق والتكذيب إلى أن ذاك يروقهم هذا لا يعجبهم، ولكنهم ينظرون إلى الرواة فمن كان من أهل الصدق والأمانة والثقة لا يكذبونه، غير أنهم إذا قام الدليل على خطئه خطأوه، سواء كاذن ذلك فيما يسوءهم أم فيما يعجبهم، وأما من كان كذاباً أو متهماً أو مغفلاً أو مجهولاً أو نحو ذلك فإنهم لا يحتجون بروايته. ومن هؤلاء جماعة كثير قد رووا عنهم في كتب التفسير وكثير من كتب الحديث والسير والمناقب والفضائل والتاريخ والأدب، وليست روايتهم عنهم تصديقاً لهم وإنما هي على سبيل التقييد والاعتبار، فإذا جاء دور النقد جروا على ما عرفوه، فما ثبت عما رواه هؤلاء برواية غيرهم منأهل الصدق قبلوه، وما لم يثبت فإن كان مما يقرب وقوعه لم يرو بذكره بأساً وإن لم يكن حجة، وإن كان مما يستبعد أنكروه، فإن اشتد البعد كذبوه، وهذا التفصيل هو الحق المعقول، ومعلوم أن الكذوب قد يصدق فإذا صدقناه حيث عرفنا صدقه واستأنسنا بخبره حيث يقرب صدقه لم يكن علينا – بل إن لم يكن لنا - أن نصدقه حيث لم يتبين لنا صدقه، فكيف إذا تبين لنا كذبه ؟
أما القواعد النظرية قديمها وحديثها فحقها أن تضاف- كما أشار إليه الدكتور إلى القواعد السندية بعد داسة الناقد لهذه دراسة وافية وإيفائها حقها. فأما الأثبات، أو الاستدلال به على صدق الحكايات الواهية فضرره أكثر من نفسه، كثيراً ما يبلغنا حدوث حادثة في عصرنا هذا فترى صحتها لأننا نرى أن الأسباب تستدعيها وتكاد توجب وقوعها، ثم يتبين أنها لم تقع، وتبلغنا واقعة فترتاب فيها ونكاد نجزم تكذيبها،(153/297)
ثم تبين أنها وقعت/ فإن قيل: إنما ذلك لخطئنا في اعتقاد أن هذا سبب أو مانع، أو في تقدير قوته، أو لجهلنا بأسباب وموانع أخرى أقوى مما عرفناه، قلت: فإذا كان هذا جهلنا بزماننا ومكاننا وبيئتنا، فكيف بما مضى عليه بضعة عشر قرناً؟
ومما يجب التنبيه له أنه قد يثبت من جهة السند نص يستنكره بعض النقاد، وحق مثل هذا أن لا يبادر إلى رده، بل يمعن النظر في أمرين: الأول معنى النص، فقد يكون المراد منه معنى غير الذي استنكر، الثاني سبب الاستنكار فكثيراً ما يجئ الخلل من قبله
وقد تقضي القرآن وقوع أمر سكت عنه الروايات الصحيحة وترد رواية واهبة السند فيها ما يؤدي ذاك الأمر في الجملة فيبادر الناقد إلى تثبيتها، وفي هذا ما فيه، ألا ترى أنه قد يجيئك شخص ضربه آخر فنسأله: لم ضربك؟ فيقول: بلا سبب، فترتاب في صدقه، فإذا جاء خصمة فقال إنما ضرته لأنه سبني سباً شنيعاً، قال كيت وكيت، ظننت أنه صادق في الجملة، أي أنه قد كان سب، ولكنه قد يكون دون ما ذكره الضارب بكثير، فالصواب أن نذكر الرواية وأنها واهية السند، ثم يقال: ولكن القرآن تقتضي أنه قد كان شيء من ذاك القبيل هذا هو مقتضي التحقيق والأمانة
ثم قال أبو رية ص 328 (( طالب الحديث بغير فقه.. .. ))
أقول: قال أبو رية ص46 (( وروى البخاري ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكبير أصاب أرضاً، منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب بها طائفة أ خرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ ))(153/298)
إذا طبق هذا الحديث على أهل الحديث فثقاتهم كل هم داخلون في الفرقتين الأوليين المحمودتين، راجع فتح الباري 161:1 وفي حديث زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم عند الترمذي وغيره، (( نضر الله امرءا سمع منا حديثاً فحفظه حتى يبلغه غيره، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه )). فشمل الدعاء كما ترى من حفظ وبلغ وإن لم يكن فقيهاً
وذكر عن الثوري (( لو كان الحديث خيراً لذهب كما ذهب الخير ))
أقول: لم يقصد نفي الخير عن هذا الحديث نفسه، كيف والقرآن خير كله ولم يذهب ولا عن طلب الحديث جملة / فإن المتواتر المعلوم قطعاً عن الثوري خلاف ذلك، وإنما قصد أن كثيراً من الناس يطلبون الحديث لغير وجه الله وذلك أنه رأى أن الرغبة في الخير لمحض لم تزل تقل، كانت في الصحابة أكثر منها في التابعين، وفي كبار التابعين أكثر منها في صغارهم وهلم جرا، وفي جانب ذلك يعني أن كثيراً ممن يطلب الحديث يطلبه ليذكر ويشتهر ويقصده الناس ويجتمعوا حوله ويعظموه. وأقول: إن العليم الخبير أحكام الحاكمين كما شرع الجهاد في سبيله لإظهار دينه، ومع ذلك يسر ما يرغب فيه من جهة الدنيا، فكذلك شرع حفظ السنة وتبليغها، ومع ذلك يسر ما يرغب في ذلك من جهة الدنيا، لأنه كما يحصل بالجهاد عن الإسلام وإن قل ثواب بعض المجاهدين فكذلك يحصل بطلب الحديث وحفظ وحفظ االدين ونشره وإن قل أجر بعض الطالبين
وذكر أبو رية ص330 كلمات لبعض المحدثين في ذم أ هل الحديث يعنون طلابه، التقطها من كتاب العلم لابن عبد البر وقد قال ابن عبد البر هناك 125:2 (( وهذا كلام خرج على ضجر، وفيه لأهل العلم نظر )) وإيضاح ذلك أن الرغبة في طلب الحديث كانت في القرون الأوى شديدة، وكان إذا اشتهر شيخ ثقة معمر(153/299)
مكثر من الحديث قصده الطلاب من آفاق الدنيا، منهم من يسافر الشهر والشهرين وأكثر ليدرك ذاك الشيخ، وأكثر هؤلاء الطلاب شبان، ومنهم من لا سعة له من المال إنما يستطيع أن يكون معه من النفقة قدر محدود يتقوت منه حتى يرجع أو يلقى تاجراً من أهل بلده يأخذه منه الشيء، وكان منهم من كل نفقته جراب يجعله فيه خبز جاف يتقوت كل يوم منه كسرة يبلها بالماء يجتزئ بهان ولهم في ذلك قصص عجيبة فكان يحتمع لدى الشيخ جماعة من هؤلاء كلهم حريص على السماع منه وعل الاستكثار ما أمكنه في أقل وقت، إذ لا يمكنه إطالة البقاء هناك لقة ما يبده من النفقة، ولأنه يخارف أن يموت الشيخ قبل أن يستكثر من السماع منه، ولأنه قد يكون شيوخ آخرون في بلدان أخرى، يريد أن يدركهم ويأخذ عنهم، فكان هؤلاء الشباب يتكاثرون على الشيخ ويلحون عليه ويبرونه، فيتعب ويضيق بهم ذراعاً، وهو إنسان له حاجات وأوقات يجب أن يسترح فيها وهم لا يدعونه، ومع ذلك فكثير منهم لا يرضون أن يأخذوا من الشيخ سلاما بسلام بل يريدون اختباره ليتبين له أضابط أم لا. فيوردون عليه بعض الأسئلة التي هي مظنة الغلط ويناقشونه في / بعض الأحاديث ويطالبونه بأن يبرز أصل سماعه، وإذا عثروا للشيخ على خطأ أو سقط أو استنكروا شيئاً من حاله خرجوا يتناقلون ذلك بقصد النصيحة، فكان بعض أولئك الشيوخ إذا أحل عليه الطلبة وضاف بهم ذرعا أطلق تلك الكلمات ((أنتم سخة عين، ولو أدركنا وإياكم عمر بن الخطاب لأوجعنا ضربا، ما رأيت علماً أشرف ولا أهلاً أسخف من أهل الحديث. صرت اليوم ليس شيء أبغض إلى من أن أرى واحداً منهم. إن هذا الحديث يصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون. لأنا أشد خوفاً منهم من الفساق )) لأنهم يبحثون عن خطاه وزلله ويشيعون ذلك
والغريب أن أولئك الطلاب لم يكونوا يدعون هذه الكلمات تذهب، بل يكتبونها ويروونها فيما يروون، فيذكر من يريد عتاب الطلاب وتأ ديبهم كابن عبد(153/300)
البر، ويهتبلها أبو رية ليعيب بها الحديث وأهله جملة
فأما قول الثوري (( أنا في هذا الحديث منذ ستين سنة، وودت أني خرجت منه كفافاً لا علي ولا لي )) فهذا كلام المؤمن الشديد الخشية تتضاءل عنده حسناته الكثيرة العظيمة ويتعاظم في نظره ما يخشى أن يكون عرض له من تقصير أو خالطه من عجب، وقد قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب نحو هذا فيما كان له بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمل، وإنما كان عمله ذلك جهاداً في سبيل الله وإعلاه دينه وتمكين قواعده وإقامة العدل التام، وغير ذلك من الأعمال الفاضلة، وقد كان فيها كلها أبعد الناس عن حفظ النفس، بل كان يبلغ في هضم نفسه وأهل بيته، وكل عارف بالإيمان وشأنه يعرف لكلمة عمر حقها، ولكن الرافضة عكسوا الوضع، وقفاهم أبو رية في كلمة الثوري وما يشبهها !
وعلق أبو رية عل كلمة (( لو أدركنا وإياكم عمر بن الخطاب الخ )) ما تقدم تقنيده في مواضع
خاتمة أبي رية
قال ص331: (( خاتمة.. .. ))(153/301)
ذكر عبارات لابن خلدون تتلخص في أمور: الأول ذكر من الدواعي إلى الكذب التشيع للمذاهب والتزلف إلى ذوى المراتب. فأقول قد عرف المحدثون هذا وعدة أسباب أخرى أشاروا إليها في البواعث على الوضع، وإنما الفرق بينهم وبين بعض من يتعاطى النقد في عصرنا أن المحدثين علموا أن هذين الداعيين مثلاً لا يدعوان إلى الكذب لأنه كذب، وإنما يدعو الأول إلى ما ذكره ما يؤيد المذهب، والثاني إلى ذكر ما يرضي ذا المرتبة، / وإن كلا من التأييد والإرضاء ليس وقفاً على الكذب، بل يمكن أن يقع بما هو صدق، إذن فالخبر بما يؤيد مذهبه أو يرضي رئيسه يجوز مع تصرف النظر عن الأمور الأخرى أن يكون صادقاً وأن يكون كاذباً، فالحكم بأحدهما لوجود الداعي غير سائغ، بل يجب النظر في الأمور الأخرى ومنها الموانع، فإذا وجدوا داع ومانع وانحصر النظر فيهما تعين الأخذ بالأقوى، وكل من الدواعي والموانع تفاوت قوته في الأفراد تفاوتاً عظيماً، فلابد من مراعاة ذلك ومت تدبر هذا علم أن الحق لا ريب فيه وأنه يرى شواهده في نفسه وفي من حواليه، وعلم أن ما يملكه بعض متعاطي النقد من أهل العصر في اتهام أما أئمة الحديث فقد عرفوا الرواة وخبروهم وعرفوا أحوالهم وأخبارهم واعتبروا مروياتهم كما تقدم في مواضع منها ص55و 62 فمن وثقه المتثبتون منهم فمحاولة بعض العصريين اتهامه لأنه كان – مثلاً يتشيع أو يخالط بني أمية أو نحو ذلك لغو لا يرتضيه العارف البتة، هذا حكم بقية علماء السنة لهم وعليهم، ألا ترى أن مسلماً صحح حديث أبي معاوية عن الأعمش عن عدي بن ثابت عن زر قال (( قال علي: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إلى أن يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلامنافق )) ولا أعلم أحداً طعن فيه، مع ان عدي بن ثابت معروف بالتشيع بل وصفه بعضهم بالغلو فيه، وكان إمام مسجد الشيخة وقاضهم، والبخاري إن لم يخرج هذا الحديث فقد احتج بعدي بن ثابت في عدة أحاديث، ولو كان(153/302)
يتهمه بكذب ما في الرواية لما احتج به البتة
الأمر الثاني ذكر مر من أسباب الكذب خطأ أن يخطئ الخبر في معرفة حقيقة ما عاين أو سمع، وينقل الخبر بحسب ما اعتقد، أقول: قد عرف المحدثون هذا، ولذلك شرطوا في الراوي أ ن يكون ضابطاً متثبتاً عارفاً بمعاني الكلام إذا روى بالمعنى، ويختبرون حاله في ذلك باعتبار حديثه كما تقدم ص55و62 وغيرهما
الأمر الثالث ذكر من أسباب تلقي الراوي الصدوق خبر الكاذب ونقله له، حسن الظن بالمخبر، وموافقة الخبر لرغبة الراوي وضعف تمحيصه. أقول: وهذا قد
عرفه أئمة الحديث، ولذلك لم يعدوا رواية الثقة لخبر عن رجل تصحيحاً ولا توثيقاً
/ الأمر الرابع ذكر أن الحكم بصحة الخبر لا ينبغي أن يكتفي فيه بثقة الراوي، بل ينبغي أن يتقدم ذلك النظر في طبيعة الخبر وعرضه على أصول العادة وقواعد السياسة وطبيعة العمران والأحوال في الاجتماع الإنساني ويقاس الغائب على الشاهد، فإذا عرف أنه ممكن نظر في حال الرواة، قال (( أما إذا كان مستحيلاً فلا فائدة للنظر في التعديل والتجريح ))
أقول: وهذا قد عرفه الأئمة، وقدروا كل شيء من هذا قدره. راجع ص 191
وقال ص334 عن ابن خلدون (( فأبو حنيفة رضي الله عنه يقال بلغت روايته إلى سبعة عشر حديثاً ))
أقول هذه مجازفة قبيحة وتفريط شائن، أفما كان ابن خلدون يجد عالماً يسأله؟ الأحاديث المروية عن أبي حنيفة تعد بالمئات، ومع ذلك لم يرو عنه إلا بعض ما عنده، لأنه لم يتصد سماع الحديث. راجع ص34
قال (( ومالك رحمه الله إنما صح عنده ما في كتب الموطأ ))
أقول وهذه مجازفة أخرى، لم يقصد مالك أن يجمع حديثه كله ولا الصحيح عنه في الموطأ، إنما ذكر في الموطأ ما رأى حاجة جمهور الناس داعية إليه
قال: (( وغايتها ثلثمائة حديث أو نحوها ))(153/303)
أقول: هذه مجازفة ثالثة، انظر كتاب أبي رية ص271 حيث ذكر عن الأبهري أنها ستمائة، فأما ما ذكره هناك أن الموطأ كان عشرة آلاف حديث فلم يزل مالك ينقص منه، فقد فنده ابن حزم في أحكامه 137:2
وقال أيضاً (( إن الصحابة لم يكونوا كلهم أهل فتيا، ولا كان الذين يؤخذ عن
جميعهم )). [علق أبو رية على هذا قوله (( من أجل ذلك لم يأخذ أبو حنيفة بما جاء من أبي هريرة وأنس بن مالك وسمرة... )) وقد تقدم إبطال هذا ص126]
أقول: قال الإمام الشافعي (( أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم ممن له أن يقول في العلم )) راجع ما تقدم ص42
ثم قال أبو رية ص334-338 (( أعظم كت رزى به الإسلام. قال الأستاذ الإمام محمد عبده.. .. )) فذكر أموراً قد تقدم النظر فيها، وذكر ص336 قول يحيى القطان (( ما رأيت الصا لحين في شيء أكذب منهم في الحديث )) ففسر الصالحين بالمرائين، والمعروف عند أهل الحديث أنهم أناس استغرقوا في العبادة والتقشف وغفلوا عن ضبط الحديث، فصاروا يحدثون على التوهم، كأبان بن أبي عياش ويزيد بن أبان الرقاشي وصالح المري وغيرهم
وفي آخر ص337 (( أما الأخبار الآحاد فإنما يجب الإيمان بما ورد فيها على من بلغته وصدق بصحة روايتها ))
أقول: ومن لم يصدق فمدار الحكم فيه على المانع له من التصديق، فمن الموانع ما لا يمنع إلا الزائع، وراجع ص56
/ وقال ص338 (( هل كله من وثقه جمهور المتقدمين يكون ثقة ))؟ وذكر في هذه الصفحة إلى ص 344 كلمات لصاحب المنار، منها كلام في كعب الأحبار ووهب بن منبه، وقد تقدم النظر في ذلك ص67-70 وغيرها
ومنها في نقد المتون (( ومن تعرض له منهم كالإمام أحمد والبخاري لم يوفه حقه كما تراه فيما يورده الحافظ ابن حجر في التعارض بين الروايات الصحيحة له ولغيره ))
أقول من أنعم النظر في الرواة والمرويات ومساعي أئمة الحديث في الجمع والتنقيب والبحث والتخليص والتمحيص عرف كيف يثني عليهم، وأبقى الله من(153/304)
بعدهم ما يتم به الابتلاء وتنال به الدرجات العلى ويمتاز هؤلاء عن هؤلاء وقد أسلفت ص 161و 188 أن الاستشكال لا يستلزم البطلان. بدليل استشكال كثير من الناس كثيراً من آيات القرآن، وذكرت في ص172 أن الخلل في ظن البطلان أكثر جداً من الخلل في الأحاديث التي يصححها الأئمة المتثبتون
قال (( ومنه ما كان يتعذر عليهم العلم بموافقته أو مخالفته للواقع الظاهر حديث أبي ذر عند الشيخين وغيرهما أين تكون الشمس بعد غروبها، فقد كان المتبادر منه للمتقدمين أن الشمس تغيب عن الأرض كلها وينقطع نورها عنها مدة الليل إذ تكون تحت العرش تنتظر الإذن لها بالطلوع ثانية ))
أقول: للحديث روايات: إحداها رواية وكيع عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى ( والشمس تجري لمستقر لها ) قال (( مستقرها تحت العرش )) أخرجاه في الصحيح
الثانية في الصحيحين أيضاً من طريق أبي معاوية عن الأعمش عن إبراهمي التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال (( دخلت المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، فلما غابت الشمس قال: يا أبا ذر هل تدري أين تذهب هذه؟ قال: قلت الله ورسوله أعلم. قال: فإنها تذهب فتستأذن في السجود فيؤذن لها. وكأنها قد قيل لها ارجعي من حيث جئت، فتطلع من غروبها، قال: ثم قرأ في قراءة عبد الله: وذلك مستقر لها )) لا أدري من القارئ؟ ولعله إبراهيم التيمي. وظاهر اختلاف سياق الروايتين أنهما حديثان كل منها مستقل عن الآخر، وليس في المرفوع عن هاتين الروايتين ذكر أنها حين تغرب تكون تحت العرش أو في مستقرها
وهناك رواية البخاري عن الفرباني عن الثوري عن الأعمش بنحو رواية أبي معاوية إلا أنه قال (( تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن.. )) ونحوه بزيادة في رواية لمسلم من وجه آخر عن إبراهيم التيمي وقال (( حتى تنتهي إلى مستقرها تحت(153/305)
العرش فتخر ساجدة.. . )) فقد يقال لعل أصل الثابت / عن أبي ذر الحديثان الأولان، ولكن إ براهيم التيمي ظن اتفاق معناها فجمع بينهما في الرواية الثالثة، وقد يقال: بل هو حديث واحد اختصره وكيع على وجه وأبو معاوية على آخر، والله أعلم
هذا وجرى الشمس هو والله أعلم هذا الذي يحسه الناس، فإنه على كل حال هو الذي تطلق عليه العرب ( جرى الشمس ) تدبر، وبحسب ذلك يفهم الحديث. وقال الله تبارك وتعالى (18:22 ألم تر أن الله يسجد له من في السموات والأرض والشجر والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس ) ومهما يكن هذا السجود فإنه يدل على الانقياد التام، والشمس منقادة لأمر ربها بهذا، وانحطاطها في رأي العين إلى أسفل أجدر بأن يسمى سجوداً، والمأمور يعمل إذا انقاه، وشأنه الانقياد دائماً، فشأنه عند توقع أن يؤمر بتركه أن يستأذن
فأما طلوعها آخر الزمان من مغربها فرأيت لبعض العصريين كلاماً سأذكره لينظر فيه: ذكر أنه يحتمل أن يحدث الله عزوجل ما يعوق هذه الحركة المحسوسة الدائرة بين الشمس والأرض فتبطئ تدريجاً كما يشعر به ماجاء في بعض الأخبار أن الأيام تطول آخر الزمان، حتى تصل إلى درجة استقرار، ويكون عروض هذا الاستقرار بعد غروبها من هذا الوجه من مغربهم. قال: وذاك الموضوع الذي سوف تستقر فيه معين بالنسية إلى موضعها من الأرض، فيصح أن يكون هو المستقر. قال وكان الظاهر والله أعلم أن يقال (( تحت الأرض )) أي بالنظر إلى أهل الوجه. لكنه عدل إلى (( تحت العرش )) لأوجه: منها كراهية إثارة ما يستغربه العرب حينئذ من هيأة الخلق مما يؤدي إلى شك وتساؤل واستغال الأفكار بما ليس من مهمات الدين(153/306)
التي بعث لها الرسل، وقد ذكر بعضهم نحو هذا في قوله تعالى ( ويسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج ). ومنها أنه إن كان تحت الأرض عند أهل هذا الوجه فهو فوقها عند غيرهم، أما العرش فذاك الموضع والعالم كله تحته، راجع الرسالة العرشية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ومنها أنه لما ذكر أنه موضع سجودها كانت نسبة السجود إلى كونه تحت العرش أولى
أقول: فلم يلزم مما في الرواية الثالثة من الزيادة غيبوبة الشمس عن الأرض كلها، ولا استقرارها عن الحركة / كل يوم بذاك الموضع الذي كتب عليها أن تستقر فيه متى شاء ربها سبحانه
بحث مع صاحب المنار
قال ص339 ((.. . بعد العلم القطعي لا مندوحة لنا عن أحد أمرين، إما الطعن في سند الحديث وإن صححوه، لأن رواية ما يخالف القطعي من علامات الوضع عند المحدثين أنفسهم. وأقرب تصوير للطعن فيما اشتهر رواية بالصدق والضبط أن يكون الصحابي أو التابعي منهم سمعه من مثل كعب الأحبار. ونحن نعلم أن أبا هريرة روى عنه كعب الأحبار، وكان يصدقه، ونرى الكثير من أحاديثه عنعنة لم يصرح بسماعه من البي صلى الله عليه وسلم، ومن القطعي أنه لم يسمع الكثير منها من لسانه صلى الله عليه وسلم لتأخر إسلامه، فمن القريب أن يكون سمع بعضها من كعب الأحبار، ومرسل الصحابي إنما يكون حجة إذا سمعه من صحابي مثله، ومثل هذا يقال في ابن عباس وغيره ممن روى عن كعب الأحبار وكان يصدقه. وإما تأويل الحديث بأنه مروي بالمعنى وأن بعض رواته لم يفهم المراد منه فعبر بما فهمه.. .. ))
أقول: عليه في هذا مؤاخذات:
الأولى أن الأمرين اللذين ذكر أنه لا مندوحة عنهما وهما الطعن والتأويل لا
يتعينان، بل بقى ثالث وهو التوقف، ويتعين حيث لا يتهيأ للناقد تأويل مقبول ولا طعن مقبول
الثانية أنه قدم الطعن على التأويل، والواجب ما دام النظر في حديث ثابت في الصحيحين تقديم التأويل(153/307)
الثالثة قوله: إن مخالفة القطعي من علامات الوضع، محله إذا تحققت المخالفة، ولم يكن هناك احتمال للتأويل البتة
الرابعة الطعن المعقول هو الذي يتحرى أضعف نقطة في السند،فما باله عمد إلى أقوى من فيه وهو الصحابي، وهو أ بو ذر الغفاري، وقد قال الني صلى الله عليه وسلم (( ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر )) ثبت من حديث أمير المؤمنين علي وعدد من الصحابة
الخامسة أن أبا ذر لم ينقل عنه إصغار إلى كعب، ولا إلى من هو مثل كعب، بل جاء أن كعب قال في مجلس عثمان: ما أ ديت زكاته فليس بكنز. فضربه أبو ذر بعصاه. وقال: ما أنت وهذا يا ابن اليهودية ؟ أو كما قال. وفي المسند 162:5 عنه (( لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يتقلب في السماء طائر إلا ذكرنا منه علماً )) وفي البخاري عنه أنه قال في زمان عثمان (( لا والله أسألهم ديناً ولا أ ستفتيهم عن دين حين ألقى الله عزوجل )) افتراه يستغني عن إخوانه من جلة الصحابة هذا الاستغناء ثم يأخذ عن كعب أو نحوه ؟
/ السادسة أن من سمع الصحابة من كعب لم يسمعوا منه إلا بعض ما يخبر به عن صحف أهل الكتاب، ورواية أبي هريرة عن كعب قليلة وكلها من هذا القبيل، وراجع ص68و 73
السابعة لم يذكر دليلاً على دعواه أبا هريرة وابن عباس كانا يصدقان كعباً، ولا أعلم أنا دليلاً على ذلك، أما إخبارهما عنه ببعض ما يخبر به عن صحف أهل الكتاب فغايته أنهما كانا يميلان إلى عدم كذبه(153/308)
الثامنة أن الذي عرف للصحابة في قول أحدهم (( قال النبي صلى الله عليه وسلم.. . )) أنه قال لم يكن سماعاً له من النبي صلى الله عليه وسلم فهو سماع له من صحابي آخر ثابت الصحية كما تقدم ص115، وجميع ما ثبت عنهم جملة وتفصيلاً مما فيه ذر إرسالهم إنما هو هذا أو الدليل الصريح الذي استدلوا به على أ، أبا هريرة قد يرسل إنما هو حديثه في من أصبح جنباً فلا يصبح، وقد بين أنه سمعه من صحابين فاضلين وهما أسامة بن زيد والفضل بن عباس، مع أنه قلماً كان يذكر الحديث بل كان الغالب من حاله أن يفتي ولا يذكر النبي صلى الله عليه وسلم. ولا يعلم أحداً من الصحابة قال في حديث (( قال النبي صلى الله عليه وسلم.. .. )) ثم بين أو ذكر مرة أخرى أو تبين بوجه من الوجوه أنه عند من تابعي عن صحابي عن النبي صلى الله عليه وسلم. بل يعز جداً أخذ الصحابي عن تابعي عن صحابي عن النبي صلى الله عليه وسلم، إنما توجد أمثلة يسيرة جداً لصغار الصحابة يسندونها على وجهها، راجع ص 156-157 وكان الصحابي إذا قال (( قال النبي صلى الله عليه وسلم.. .. )) كان محتملاً عند السامعين للوجهين كما مر، فأما أن يكون إنما سمعه من تابعي عن صحابي عن النبي صلى الله عليه وسلم فلم يكن عندهم محتملاً، وإذ لم يكن محتملاً فارتكاب الصحابي إياه كذب، وق برأهم الله تعالى من الكذب، وأبعد من ذلك أن يكون إ نما سمعه من تابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبعد وأبعد أن يكون التابعي مثل كعب
التاسعة زعم- مع الأسف – أن هذا أقرب تصوير للطعن، وهو كما ترى أبعد تصوير، بل هو محض للباطل، ولو احتجت إلى الطعن في سند الخبر لأريتك كيف يكون الطعن المعقول بشواهده من كلام الأئمة كابن المديني والبخاري وأبي حاتم وغيرهم، فأن لهم عللاً ليس كل منها قادحة حيث وقعت، ولكنها تقح إذا وقعت في خبر تحقق أنه منكر،وهذا من أسرار الفن(153/309)
العاشرة أن هذا الطعن يترتب عليه من المفاسد مالا يعلمه إلا الله تعالى، وهي المكيدة التي مرت الإشارة إليها ص 201 وإيضاحها قبل ذلك، وكل من التأويل ولو مستكرها والوقف أسلم من هذا الطعن / ولو غير السيد رشيد رضا قاله لذكرت قصة المرأة التي اشتكى طفلها ولم تعلم ما شكواه غير أنها نظرت إلى يافوخه يصطرب كما هو شأن الأطفال، فأخذت سكيناً وبطت يافوخه كما يصنع بالدمل.. . إلى آخر ما جرى
الحادية عشر قوله في أبي هريرة (( من القطعي.. .. لتأخر إسلامه )). قد تقدم رده ص156
الثانية عشر لا يخفى حال ما ذكره أخيراً وسماه تأويلاً
وذكر ص340 الحكايات عن كعب ووهب وقال (( لم يكن يحيى بن سين وأبو حاتم وابنه وأمثالهم يعرفون ما يصح من ذلك وما لا يصح، لعدم اطلاعهم على تلك الكتب ))
أقول: في هذا أمور. الأول أن الأئمة كانوا يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم وسنته، فبذلك كانوا يعرفون حال كعب ووهب في ما نسباه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا وثقوها فمعنى ذلك أنهم عرفوا صدقهما في هذا الباب، وهذا هو الذي يهم المسلمين. فأما ما حكياه عن صحف أهل الكتاب فليس بحجة سواء أصدقاً فيها أم كذبا
الثاني تقدم في فصل الاسرائيليات ص67-95 يعلم منه أن غالب ما ينسب إلى كعب لا يثبت عنه، ومر ص91 أن في كتاب فضائل الشام سبع عشرة حكاية عن كعب لا تثبت عنه ولا واحدة منها. وعسى أن يكون حال وهب كذلك، فمن أ راد التحقيق فليتبع ما يثبت عنهما صريحاً بالأسانيد الصحيحة ثم ليعرضه على كتب أهل الكتاب الموجودة كلها، ويتدبر الأمر الثالث وهو ما تقدم ص69-72 من تتبع اليهود ما كان موجوداً في العالم عن ظهور الإسلام وبعده إلى مدة من نسخ كتبهم في العالم كله وإتلافها لمخالفتها ما يرضونه من نسخ حديثه أبقوها، مع ما عرف عنهم من استمرار التحريف عمداً، وانقراض كثير من كتبهم البتة، ثم ليحكم(153/310)
قال (( وإننا نرى بعض الأئمة المجتهدين قد تركوا الأخذ بكثير من الأحاديث الصحيحة.. .. ))
أقول: قد تقدم النظر في هذا ص 35و 178
وقال ص341 في حكايات كعب ووهب (( وما كان منها غير خرافة فقد تكون الشبهة فيه أكبر، كالذي ذكره كعب من صفة النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة ))
أقول: قد مر الخبر ص 70-71 وأنه ثابت عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن التوراة، ويروى عن عبد الله بن سلام بن كعب، / فأما الشبهة التي أشار إليها فلا يكاد يوجد حق لا يمكن أن يحاول مبطل بناء شبهة عليها، فمن التزم أن يتخلى عن كل ما يمكن بناء شبهة عليه أو شك أن يتخلى عن الحق كله
وقال (( وإني لا أعتقد صحة سند حديث ولا قول عالم صحابي يخالف ظاهر القرآن، وإن وثقوا رجاله، قرب راو يوثق للاغترار بظاهر حاله وهي سيئ الباطن ))
أقول: قد تقدم ص14 ما نقله أبو رية عن صاحب المنار قال (( النبي صلى الله عليه وسلم مبين القرآن بقوله وفعله، ويدخل في البيان التفصيل والتخصيص والتقييد، لكن لا يدخل فيه إبطال حكم من أحكامه أو نقص خبر من أخباره )) وأوضحت ذلك هناك، فإن أراد هنا بقوله (( يخالف ظاهر القرآن ))ما لو صح لكان إبطالاً أو نقصاً فذاك، فأما البيان بالتفصيل والتخصيص والتقييد ونحوها فإن يثبت بخبر الواحد بشرطه، وأدلة خبر الواحد ومنها جريان العمل به في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وممن أهل العلم تشمل هذا ومنها ما هو نص فيه. راجع ص22و 45و 49. ومما يزيده وضوحاً أن دلالة العموم ونحوه كثيراً ما تتخلف. وقد قيل: ما من(153/311)
عام إلا وقد خص. وذهب بعضهم إلى أنه خص شيء من العام سقطت دلالته على الباقي.وتخصيص العمومات ثابت في قضايا لا تحصى، فاحتمال القضية له أبين وأوضح وأولى من احتمال لا يمكنك أن تثبته في واقعة واحدة وهو كذب راو وثقة الأئمة المتثبتون وصححوا حديثه محتجين به، ولم يطعن فيه أحد منهم طعناً بينا. أما كعب ووهب فليسا من هذا الوجهين: الأول أنهما ليسا بهذه الدرجة، راجع ص69-70 الثاني أنه لم يثبت ما نسبه إليهما من سوء الظن
ثم قال أبو رية ص342 (( جل أحاديث الآحاد لم تكن مستفيضة في القرن الأول ))
ونقل عبارة للسيد رشيد رضا في مقدمته لمغني ابن قدامة، وقد تقدم النظر فيها ص15، وعبارة السيد رشيد (( جل الأحاديث التي يحتج بها أهل الحديث على أهل الرأي والقياسين من علماء الأمة )) ثم قال صاحب المنار (( فعلم بذلك أنها ليست من التشريع العام الذي جرى عليه عمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وليستب بما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يبلغ الشاهد فيه الغائب.. .. ))
أقول: قد تقدم دفع هذا ص28-35، وراجع ص20-21 وص 52 / ثم حكى كلمات عمن ليس قوله حجة، ولا ذكر حجة، فأعرضت عنها، ومنها ما عزاه إلى كتاب ليس عنده، فليراجع
ثم ذكر (ص347-348) آيات من القرآن، وقد تقدم ما يتعلق بذلك ص 13
ثم ذكر (ص348) قول ابن حجر في الفتح في الكلام على حديث إيصاء النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن (( اقتصر على الوصية بكتاب الله لكونه أعظم وأوهم ن ولأن فيه تبيان كل شيء إما بطريق النص أو بطريق الاستنباط، فإذا تبع الناس ما في الكتاب عملوا بكل ما أمرهم به ))
كذا صنع أبو رية، وآخر عبارة ابن حجر في الفتح (5:268) هكذا: ((.. .. عملوا بكل ما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم به لقوله تعالى ( وما أتاكم الرسول فخذوه ) الآية.. ... ))
وقال ص349 (( وعن أبي الدرداء مرفوعاً: ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وماحرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عافية.. .. ))(153/312)
أقول: هذا ما يرويه إسماعيل بن عياش وهو صدوق بن عاصم بن رجاء بن حيوة وهو صدوق بهم، عن أبيه رجاء، عن أبي الدرداء، ورجاء لم يدرك أبا الدرداء، فالخبر منقطع مع ما في سنده، ولو صح لما كان فهي ما يخالف الحجج القطعية، فقد حرم الله في كتابه معصية رسول الله والمخالفة عن أمره، وأمر بأخذ ما آتى والانتهاء عما نهى. وراجع ص13
ثم ذكر مرسل ابن أبي مليكة، وقول عمر (( وعندنا كتاب الله حسبنا )) وقد خله القرآن ))
أقول: خلقه صلى الله عليه وسلم يشمل جميع أحواله وأفعاله وأقواله، فرأت عائشة أنه لا يمكنها تفصيل ما تعلم من ذلك كله لذلك السائل، وعلمت أنه يقرأ القرآن وفيه تفصيل كثير من الأخلاق التي كانت من خلق النبي صلى الله عليه وسلم وإجمال الباقي فاحالته عليه، وقد عاد السائل فسألها عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في أعماله، فأخبرته. وفي ذلك وسائر أحاديث عائشة نفسها ذكر أشياء كثيراً جداً لا يفهمها الناس من نص القرآن وإنما هي من بيان له بما فيه التفصيل والتخصيص والتقييد ونحو ذلك
ثم قال أبو رية (( وقال الأستاذ الإمام محمد عبده رضي الله عنه: إن المسلمين
ليس لهم إمام في هذا العصر غير القرآن ))
/ أقول: هاأنتم تلقبون الشيخ محمد عبده نفسه بهذا اللقب نفسه (الإمام) وتقتدون به، وتترضون ععنه كما يترضى عن الصحابة، مع أنكم كثيراً ما تذكرون النبي صلى الله عليه وسلم فلا تصلون عليه، وتسيئون القول فث الصحابة رضي الله عنهم، وفي كتاب أبي رية كثيراً من ذلك – فكأنكم أردتم له أن تسلبوا أئمة الحق هذا اللقب وتخصوه به. أما القرآن فهو الإمام حقا، وهو نفسه يثبت الإمامة للنبي صلى الله عليه وسلم ثم كل راسخ في العلم والدين مبلغ لأحكام الشرع فإنه إمام، إلا أنه كالمبلغ لتكبيرات إمام الصلاة، وإن بان وقوعه في مخالفة للإمام اتبعنا الإمام دونه
وقال (( لا يمكن لهذه الأمة أن تقوم ما دام هذه الكتب فيها ))(153/313)
أقول: إن المراد جميع الكتب غير القرآن فالواقع أن فيها الحق والباطل، وكثير من الحق الذي فيها إذا فات لا يعوض، فأما الباطل فكما قيل: إن ذهب عير، فعير في الرباط، ومن عرف الحق واتبه فقد ا ستقام، ولا يضر بعد ذلك أن يعرف أضعاف أضعافه من الباطل
وذكر ص350 أموراً قد تقدم النظر فيها ص 175-177وغيرها
ثم قال ((.. . ومن عمل بالمتفق عليه كان مسلماً ناجياً ))
أقول تقدم تفنيد هذا، وبيان ما وقع فيه من الغلط ص15
قال ص351 (( هذه هي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعمل بها جمهور السلف هي محل اجتهاد في أسانيدها ومتونها،لأن ما صح منها يكون خاصاً بصاحبه))
أقول: إن أراد بقوله (( صاحبه )) من عرف صحته بمعنى أنه ليس له إلزام غيره فسيأتي قريباً، وإن أراد به الصحابي الذي ورد فيه فإنما يصح هذا حديث يثبت دليل على الخصوصية. وراجع ص28-35
قال (( ومن صح عنده شيء منها رواية ودلالة عمل به، ولا تجعل تشريعاً عامة تلزمه الأمة إلزاماً تقليداً لمن أخذ به ))
أقول: على من صح عنده أن يبين ذلك لغيره ويعذره إن خالفه ولم يتبين له عناده أو زبغة، وإلا لزمه أمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى الإمام أن يمنع من يتبين له خطأه في الإفتاء بذلك الخطأ، ويمنع الناس من الأخذ بفتواه، وفي سيرة عمر رضي الله عنه ما يبين هذا
/ ثم ذكر أشياء قد تقدم النظر فيها، إلى أن قال (( وما كل مالم يصح سنده يكون متنه غير صحيح ))
أقول: وجه ذلك أنه قد يثبت بسند آخر صحيح، لكن لا يخفى أن هذا الاحتمال لا يفيد المتن شيئاً من القوة، غايته أن يقتضي التريث في الجزم بضعفه مطلقاً حتى يبحث فلا يوجد له سند صحيح
وذكر أشياء تقدم النظر فيها، إلى أن قال ص352 (( ولم يظهر البخاري ولا غيره من كتب الحديث إلا بعد انقضاء خير القرون ))(153/314)
أقول: هذا مأخوذ من قدح بعض الملحدين في القرآن بأن المصاحف لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكما يقال لهذا: أليس المدار على المصاحف إنما الدار على ما فيها، وقد ثبت أنه القرآن الذي أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، فكذلك نقول هنا: الأحاديث التي في صحيح البخاري ثبت أنها كانت معروفة عند خير القرون، وإنما رواها الثقات منهم وعنهم، بل ثبتت الحجة الشرعية عن النبي صلى الله عليه وسلم
وقال (( لم يقل أحد من سلف الأمة وأئمة الفقه إن معرفة الدين تتوقف على الإحاطة بجميع ما رواه المحدثون ولا بأكثرها ))
أقول:لا ريب أن الأحاديث الضعيفة والواهية والمكذوبة لا تتوقف معرفة الدين على الوقوف عليها، ومن الصحيحة ما يروى من عدة طرق قد تبلغ المئتين ويكفي لمعرفة الدين معرفة المتن من طريق صحيحة منها
ومنها أحاديث يتفق العدد منها في المعنى أو فيما هو المقصود، كأحاديث تحريم الربا وأحاديث التشهد، ويكفي لمعرفة الدين معرفة واحد منها
ومنها أحاديث يوجد في كتاب الله عزوجل ما يفيد معناها، ويكفي لمعرفة الدين معرفة تلك الدلالة على القرآن
وبعد هذا كله فمعرفة الدين ليست أمراً لا يزيد ولا ينقص، وقد علمنا أن الشريعة لم توجب أن يكون كل مسلم عالماً، وإنما أوجبت على الأمة أن يكون فيها علماء بقدر الكفاية يرجع إليهم العامة في كل ما يعرض لهم، ولم توجب على العالم أن يكون محيطاً بالدين، بل كما أن العامي يستكمل ما يحتاج إليه بسؤال العلماء. وراجع ص32-33
قال: (( قال البيضاوي في حديث (( لا وصية لوارث )): والحديث من الآحاد، وتلقي الأمة له بالقبول لا يلحقه بالمتواتر ))(153/315)
/ أقول: هذا رأي البيضاوي، فإذا خالفه غيره فالمدار على الحجة. وهكذا كل ما يحكيه أبو رية عن فلان وفلان، ومن تدبر آيات المواريث علم أنها تفيد معنى هذا الحديث ثم ذكر قضايا قد تقدم النظر فيها، إلى أن قال ص353 (( رب راو هو موثوق به عند عبد الرحمن بن مهدي ومجروح عند يحيى بن سعيد القطان، وبالعكس، وهما إمامان عليها مدار النقد في النقل، ومن عندهما يتلقى معظم شأن الحديث ))
أقول: الغالب اتفاقهما، والغالب فيما اختلفا فيه أن يستضعف يحيى رجلاً فيترك الحديث عنه، ويرى عبد الرحمن أن الرجل وإن كان فيه ضعف فليس بالشديد، فيحدث عنه، ويثنى عليه بما وافق حاله عنده، وقد قال تلميذها ابن المديني (( إذا اجتمع يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي على ترك رجل لم أحدث عنه، فإذا اختلفا أخذت بقول عبد الرحمن لأنه أقصدها وكان في يحيى تشدد )) والأئمة الذين جاءوا بعدهما لا يجمدون على قولهما بل يبحثون وينظرون ويجتهدون ويحكون بما بان لهم، والعارف الخبير الممارس لا يتعذر عليه معرفة الراجح فيما اختلف فيه من قبله، وعلى فرض أننا لم نعرف من حال راو إلا أن يحيى تركه وأن عبد الرحمن كان يحدث عنه، فمقتضى ذلك أن صدوق يهم ويخطئ فلا يسقط ولا يحتج بما ينفرد به
قال (( إن ما كان قطعي الدلالة في النصوص فهو الشرع العام الذي يجب على جميع المسلمين اتباعه عملاً وقضاء، وإن ما كان ظني الدلالة موكول إلى اجتهاد الأفراد في التعبدات والمحرمات، وإلى أولى الأمر في الأحكام القضائية إن ما كانت دلالته على التحريم من النصوص ظنية غير قطعية لا يجعل تشريعاً عاماً تطالب به كل الأمة، وإنما يعمل فيه كل أحد بإجتهاده، فمن فهم منه الدلالة على تحريم شيء امتنع منه، ومن لم يفهم منه ذلك جرى فيه على أصل الإباحة ))
أقول: قد تقدم النظر في نظرية (( دين عام ودين خاص )) ص 9و 14-15و 28-34و 100 قريباً ص220-221 وكذلك حال الاجتهاد والمجتهد(153/316)
هذا والأدلة القطعية تبين أن الواجب على كل مسلم طاعة الله ورسوله ما
استطاع، فما ثبت بدليل قطعي المتن والدلالة أو ظنيهما أو قطعي أحدهما ظني الآخر، وإن على / العامي العمل بما يعلمه من الشريعة قطعاً أو ظناً، والرجوع فيما يجهله إلى العلماء الموثوق بعلمهم ودينهم، فإذا افتاه أحدهم بأمر لزمه العمل به سواء أكان قطعياً أو ظنياً، فإن اختلف عالمان فقد قال الله تبارك وتعالى ( فاتقوا الله ما استطعتم ) فعلى العامي أن يتحرى أقرب الأمرين إلى طاعة الله وطاعة رسوله، وإذا علم الله تعالى حرصه على طاعته سبحانه فلابد أن يهيئ له من أمره رشدا
وعلى كل مسلم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويتأكد ذلك على الرجل في أهله، وعلى كل راع في رعيته، وعلى كل من عرف حكماً بدليل قطعي أو ظني أن يرشد من يراه من المسلمين يخالفه جهلاً به، وينكر على من يراه يعرض عنه على وجه منكر. وليس له الإنكار على من يعرض عنه على وجه معروف. والوجه المعروف هو ما يسمى (( اختلاف الاجتهاد )) أو (( اختلاف وجهة النظر )) مع اتحاد القصد في طاعة الله ورسوله
أما القضاء فالغرض فيه أن يكون بما أنزل الله يقيناً أو ظناً، وذلك يشمل الأدلة الشرعية كلها، فإذا كا القاضي مجتهداً فذاك، وإلا أخذ بما يتبين له رجحانه من أقوال أهل العلم
ثم ذكر قضايا تقدم النظر فيها ص 175و 202و 218
ثم ذكر عن السيد رشيد رضا ((.. .. ونحن نجزم بأنا نسينا وضيعنا من حديث نبينا صلى الله عليه وسلم حظاً عظيماً لعدم كتابة علماء الصحابة كل ما سمعوه، ولكن ليس منه ما هو بيان للقرآن أو من أمور الدين، فإن أمور الدين معروفة في القرآن ومبينة بالسنة العملية، وما دون من الأحاديث فهو مزيد هداية وبيان ))
أقول:قد تكفل الله عزوجل يحفظ دينه، فمحال أن يذهب منه ما يقتضي نقصه، والمؤسف حقاً أن يجمع بعضنا بين التحسر على ما لم يحفظ، والتجني على ما حفظ، ومحاولة حطه عن درجته. راجع ص14-50(153/317)
ثم قال أبو رية (( قال الإمام أبو حنيفة: ردي على كل رجل يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف القرآن ليس رداً على نبي الله صلى الله عليه وسلم ولا تكذيباً له، ولكنه رد على ما يحدث عنه بالباطل، والتهمة دخلت عليه، ليس على نبي الله صلى الله عليه وسلم، وكل شيء تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم فعلى الرأس والعين، قد آمنا به وشهدنا أنه كما قال، ونشهد أنه لم يأمر بشيء يخالف أمر الله، ولم / يبيتدع ولم يتقول غير ما قاله الله ولو كان من المتكلفين ))
أقول: هذه العبارة من كتاب العالم والمتعلم، وفي نسبته إلى أبي حنيفة ما فيها، والكلام هناك في مسائل اعتقادية ومخالفة يراها مناقضة. فأما تبين السنة للقرآن بما فيه التفصيل والتخصيص والتقييد ونحوها (كما مر ص14و 218) فثابت عند الحنفية وغيرهم، سوى خلاف يسير يتضمنه تفصيل مذكور في أصولهم يتوقف فيهمه على تدبر عباراتهم ومعرفة اصطلاحاتهم، وبعض مخالفيهم يقول إنهم أنفسهم قد خالفوا ما انفردوا به هناك في كثير من فروعهم ووافقوا الجمهور. بل زاد الحنفية على الشافعية فقالوا إن السنة المتواترة تنسخ القرآن، وإن الحديث المشهور أيضاً ينسخ القرآن، وكثير من الأحاديث التي يطعن فيها أبو رية هي على الاصطلاح، الحنفية مشهورة
ثم ختم أبو رية كتابه بنحو ما ابتدأه من إطرائه وتقديمه إلى المثقفين، والبذاءة على علماء الدين، ثم الدعاء والثناء، وأنا لا أثني علىكتابي، ولا أبرئ نفسي، بل أكل الأمر إلى الله تبارك وتعالى، فهو حسبي ونعم الوكيل، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على خاتم أنبيائه محمد وآله وصحبه
انتهى بعون الله تعالى جمع هذا الكتاب في أواخر شهر جمادي الآخر سنة1378 والحمد لله رب العالمين
فهرس
تقديم الكتاب بقم المؤلف
3-
أبو رية وإطراء كتابه
4-
علماء الأمة عندهم النظام وثمامة ونحوهما من رءوس البدعة
5-
الحديث ودلالة العقل
5-(153/318)
رد أئمة الحديث المنكر والمستحيل، واحتياطهم في الأحوال كلها
6-
الأحاديث التي تثقل على المتكلمين ونحوهم.
7-
الحديث والبلاغة العربية
7-
ذوق أبي رية
8-
قول ابن أبي حاتم (( من علامات الصحيح الخ ))
9-
الصحيحان وما انتقد عليهما
9-
جهل شيوخ الدين بمصر في زعم أبي رية
10-
معرفة أبي رية الحديث (؟) ومنزلته عنده، وفائدة كتابه
11-
معارضته للنصوص الصحيحة بما هو ضعيف أو ساقط أو موضوع
12-
الرواة الذين لم يعنوا الفقه،
13-
تملق أبي رية لطائفة معينة
14-
اعتذاره إلى المثقفين ومغزاه
15-
النفاق العملي وأخذه يحظ منه
15-
نظرية قسمة الدين إلى عام وخاص
15-
منزلة السنة من الدين
16-
تمدح أبي رية بخدمة السنة، وحقيقة ذلك
17-
المحامون الاستسلاميون وضررهم
18-
تقديم أبي رية كتابه للمثقفين والمستشرقين
19-
السنة تعريفها ومنزلتها من الدين ووجوب تبليغها
20-
بيانها للقرآن
21-
مالك والعمل
23-
قول صاحب المنار (( التي مبين للقرآن الخ ))
23-
قضية خطيرة، قوله: من عمل المتفق عليه الخ ونسبتها إلى الغزالي وبراءة الغزالي منها
24-28
كلام النبي صلى الله عليه وسلم في الأمور الدنيوية
27-
العصمة، وتقصير أبي رية
28-
ظن النبي صلى الله عليه وسلم أن النخل لا يحتاج إلى تأبير
28-
من اصطلاح مسلم في صحيحه
29-
زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يصدق بعض ما هو كذب
29-
كتابة الحديث في العهد النبوي
31-
التيسير في الشريعة
32-
وجوب العمل بإخبار الثقات
34-
هل نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كتابة الحديث؟
34-
ما روى عن الصديق من جمعه خمسمائة حديث
37-
ما روى أن عمر أراد كتابة الحديث
38-
ما روى عن غيرهما من الصحابة في الكتابة
38-43
مخالفة أبي رية للأمانة العلمية
38-(153/319)
التابعون والكتابة
42-
كيف كتب القرآن في العهد النبوي، والاعتماد فيه على حفظ الصدور
44-46
لماذا عني الصحابة بجمع القرآن مكتوباً دون الحديث
45-
تدوين الحديث
45-
الإجلاب لمحاولة تقوية نظرية دين عام ودين خاص، وإبطال ذلك
45-52
زعم رغبة كبار الصحابة عن التحديث
45-
زعم نهيهم عن التحديث
45-
كيف كان العمل في تبليغ الأحكام في العهد النبوي؟
48-50
الواجب أن يكون في الأمة علماء وعلى العامة الرجوع إليهم
49-
ما الذي يكفي العالم من العلم وما الذي يلزمه؟
49-50
زعم أن علماء القرن الأول والثاني لم يكن يهمهم مراعاة الحديث
50-
حال الإمام أبي حنيفة
51-
الفقهاء والحديث
52-
الصحابة ورواية الحديث
53-
الصديق والعمل بالحديث
53-54
الفاروق والحديث
54-58
عرض النبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته على أصحابه أن يكتب لهم كتابا
57-58
توفي الصحابة عن الحديث
58-64
كثير منهم قلت فتواه مع العلم بوجوب الفتوى، فكذلك التحديث
62-
تشديد الصحابة في تلقي الأخبار، وبيان وجه ذلك
64-
الصديق
65-
زعم أبي رية أن من شرط الاسناد الصحيح أن يكون عن رجلين وبيان الحقيقة
65-66
ما روى عن تشديد عمر
66-68
ما روى عن استحلاف على لمن يحدثه
68-
الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم
69-
تهويل أبي رية في شأن كلمة متعمداً وبيان الحقيقة
69-75
إثبات وجوب التبليغ
71-
تحقيق ما هو الكذب
74-
الرواية بالمعنى
75-
نزول القرآن بسبعة أحرف
76-
مكانة حفظ الصدور
77-
قوة حفظ السلف
78-80
الحديث ورواته ونقد الأئمة لهم
79-
حكم منكر العمل بالأحاديث أو بعضها
81-
حكم الرواية بالمعنى
82-
شواهد أبي رية على ضرر الرواية بالمعنى، والنظر فيها
83-
التشهدات وقود بعض الصحابة (( السلام على النبي ))
83-(153/320)
أحاديث الإسلام والإيمان
84-
حديث (( زوجتكها )) وحديث (( لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة
85-
الرواية بالمعنى- والعربية
87-
التساهل فيما يروى في الفضائل
87-
الوضع
88-
تهويل المستشرقين ومقلديهم ورده
89-
الصحابة وعدالتهم في الرواية
89-
احتياط الأئمة المتثبتين في التوثيق
89-
تشديدهم في اختبار الرواة
90-
معاوية رضي الله عنه والشام
92
براءة الأئمة المحدثين
93-
فضل الشام
93-
من الباطل أن تعد دلالة حديث على فضل الشام أوعلى نبأ مستقيل دليلاً على وضعه
94-
الابدال
94-
احتجاج أبي رية بإخبار موضوعة ومكذوبة
95-
أبو رية وتخليصه الشنيع في فهم عبارات المؤلفين ونقلها
95-
بماذا يعرف الحديث الموضوع
95-
الاسرائيليات
96-
عبد الله بن سلام رضي الله عنه
97-
وهب بن منبه
97-
كعب الأحبار
97-
ابن جريج
97-
رمي الصحابة رضي الله عنهم بانقياد ما يخبر به أهل الكتاب صحيحاً لا ريب فيه، وتفشيد ذلك، وقول الصحابة في كعب
98-
إرسال كعب ووهب عن النبي صلى الله عليه وسلم وقلته، وأنه ليس بحجة علىكل حال
98-
ليس كعب من رجال الصحيحين ولا أحدهما وإنما جرى ذكره فيهما عرضا
99-
أكثر الحكايات المنسوبة إلى كعب لا تصح عنه
99-
تحريف كتب أهل الكتاب وانقراض بعضها
99-
صفة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في التوراة
100-
اتلاف اليهود جميع نسخ كتبهم التي كتبت قبل الإسلام وفي صدره في العالم كله بعد أن استحدثوا نسخاً تخالفها
102-
محاربة المستشرقين من يهود ونصارى للسنة المحمدية وبعض أساب ذلك
103-
مكيدة مهولة يكاد بها الإسلام والسنة، اخترعها بعض المستشرقين فيما أرى وزلق فيها بعض المشهورين، وأخذ أبو رية يحطب لها بالباطل والزور والخيانة
104-(153/321)
محاولة أبي رية ترويج تلك المكيدة برمي الفاروق رضي الله عنه بالذاجة والتغفيل البالغ
107-
قصة الصخرة
107-
مقتل عمر واتهام بعض العصريين كعبا، والنظر في ذلك
109-
استسقاء عمر بالعباس
114-
ماروى عن ابن عباس (( في كل أرض آدم الخ )) ومعي ما عسى أن يصح منه
117-
حديث المعراج واستهزاء أبي رية به
119-
جواز رواية الاسرائيليات
121-
افتراء الكذب على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينسبه الكذب إليهم، فلعنة الله على الكاذب
124-
رواية بعض الصحابة عن أحبار اليهود
125-
الكلام في كعب
126-127
الإسرائيليات في فضل بيت المقدس
128-
فضل المسجد الأقصى
129-
قول أبي رية (( اليد اليهودية في تفضيل الشام، والنظر في ذلك
130-
الكذب على معاوية رضي الله عنه
130-
إخبار الإنسان عما يعلم السامعون أنه لم يدركه لا يعطي الجزم
132-
قول أبي رية (( الكيد السياسي الخ )) والنظر في ذلك
133-
الكيد اليهودي المحقق كيد جلدسيهر
133-
المسيحيات
133-
تميم الدارمي رضي الله عنه
133-
خبر الجساسة وتفسيره
134-
حديث (( كل ابن آدم يطعن الشيطان في جنبه الخ ))
135-
استهزاء أبي رية
135-
حديث شق الصدر واستهزاء أبي رية ومقارنته بصلب عيسى
136-
بعض أهل الكلام يحاول الطعن في حديث الطعن بما يقضي منه العجب
138-
تفسير قوله تعالى ( إن الظن لا يغني من الحق شيئاً ) وص 176
139-
أحالة أبي رية من يطلب الزيادة على كتب جلدسيهر اليهودي المستشقرق وإضرابه ؟ !!
140-
أبو هريرة صاحب النبي صلى الله عليه وسلم
140-
كثرة حديثه، وسماعه من النبي صلى الله عليه وسلم وبعض أصحابه
140-
حرصه على تلقي الحديث وحفظه
141-
سبب قلة حديث بعض الصحابة
141-
نسب أبي هريرة ونشأته وأصله
142-(153/322)
هجرته وعناؤه فيها، وإعتاقه غلامه حين اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم وشيء من فضله ومزاحه
143-
اسلامه ومولده
144-
أهل الصفة وفضلهم، والمهمات التي كانوا قائمين بها
145-
قول أبي رية (( سبب صحته الخ )) وبيان بعض أفاعيل أبي رية
146-
شهادة طلحة بن عبيد الله لأبي هريرة بكثرة السماع من النبي صلى الله عليه وسلم
148-
رواية أبي أيوب الأنصاري عن أبي هريرة وقوله (( سمع مالم نسمع ))
148-
شهادة ابن عمر لأبي هريرة
148-
محاورة أبي هريرة مع عائشة
148-
فضل جعفر بن أبي طالب
149-
قول أبي رية (( مزاحه وهذره الخ )) وبيان الحق في ذلك
150-
قوله (( كثرة أحاديثه ))
152-
احتجاج أبي رية بحكايات ابن أبي الحديد عن الإسكافي، وبيان حالها
153-
حكاية عن عمر رضي الله عنه لأبي رية فيها أفاعيل
153-
تفصيل المكيدة المهولة التي تقدمت الإشاة إليها صفحة 73أصل
153-
تقيييد زعمه أن عمر منع أبا هريرة من التحديث
155-
نسبته إلى أبي هريرة مالم يرو عنه أصلاً وما هو مكذوب عليه
156-
قول أبي رية (( تدليسه ))
159-
حقيقة التدليس وانتقاؤها من الصحابة
160-
إن أرسل الصحابي لم يرسل إلا عن صحابي آخر يثق به وثوقه بنفسه
161-
التدليس يقع من بعض التابعين فمن بعدهم، وتحقيق حكمه
161-
قوله (( أول رواية اتهم في الإسلام ))
163-
البرهان على كذب ما زعمه بعض المبتدعة من اتهام عمر وعثمان وعلي لأبي هريرة
166-
مراجعة لأبي هريرة لعائشة ودلالتها على كمال صدقه
167-
حديث من أصبح جنباً فلا يصم، والشواهد على صحته، غير أنه منسوخ عند الجمهور
167-
قول أبي هريرة (( حدثني خليلي ))
170-
حديث النهي عن غمس اليدين في الإناء عقب النوم حتى تغسلا
170-
رد ما قيل أن عائشة قالت (( كيف نصنع بالمهراس ن وبيان قائل ذلك والجواب عنه
171-(153/323)
ما روى عن الزبير قوله (( صدق، كذب، وتفسير ذلك
171-
حديث إنما الطيرة في المرأة والدابة والدار، والنظر فيه
172-
قوله (( من غسل ميتاً فلغتسل )) والنظر فيه
173-
حدث الاضطجاع بعد ركعتي الفجر
174-
ما يحكي عن أبي هريرة وأصحابه
175-
كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل يسمع، وتفسيره
176-
ما روى عن إبراهيم النخعي، والنظر فيه
177-
مسألة المصراة
179-
احتجاج أبي رية بجلدسيهر
179-
أخذ أبي هريرة عن كعب الأحبار
180-
حديث (( الشمس والقمر مكوران في النار )) وشهادة القرآن له
180-
ثقة أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف والحسن البصري بأبي هريرة
183-
حديث الديك وبيان عدم صحته عن أبي هريرة
183-
حديث النيل وسيحان وجيحان والفرات
184-
حديث يأجود ومأجوج وبيان عدم صحته عن أبي هريرة
184-
حديث إن الله خلق آدم على صورته
186-
طول آدم زعم أبي رية أن مالكاً أنكر هذا الحديث وحديثين آخرين
187-
حديث كشف الساق
187-
حديث (( خلق الله التربة يوم السبت الخ )) وما له عليه
188-
النظر فيما قيل إن هذا الحديث مخالف للقرآن
189-
طيش أبي رية وتحديه، وإرجاعه خاسراً خاسئاً
192-
حديث (( من عادى لي ولياً ))
193-
حديث إن في الحنة شجرة الخ
195-
قوله (( ضعف ذاكرته ))
196-
محاولته اثبات نسيان أبي هريرة
198-
حديث لا عدوى، وحديث: لا يورد ممرض على مصح
199-
قصة ذي اليدين
201-
حديث: لأن يمتلئ جوف أحدكم شعرا الخ
202-
عدم نسيان أبي هريرة مجزوم به فيما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لن ينساه
202-
أبو هريرة من أئمة القراءات
202-
قوله: حفظت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعائين
203-
إسلامه وهجرته وجهاده وفتواه وتولية عمر إياه للقضاء والإمارة
204-
فضائله، حاله مع بني أمية
205-(153/324)
افتراء أبي رية عليه بنسبة الوضع إليه، فلعنة الله على الكاذب
209-
قال (( سيرته في ولايته ))
213-
حياطله عمر للصحابة رضي الله عنهم
214-
مقاسمته لأبي هريرة ماله ثم طلبه ليستعمله وامنتناع أبي هريرة
215-
موسى وملك الموت
219-
ما بين منكبي الكافر
220-
إذا وقع الذباب، حديث: آتاني ملك الخ
221-
العجوة من الجنة. حديث: خمروا الآنية
222-
فذلكة ما زعم أبو رية أنه انتقده من أحاديث أبي هريرة، وبيان أنه لاتبعة على أبي هريرة في شيء منها وإنما التبعة على أبي رية وأضرابه
223-
الاستشكال لا يعني البطلان
223-
من حكمة وجود ما يستشكل في النصوص الشرعية
223-
أبو هريرة والبحرين
224-
خاتمة في فضائله
226-
أحاديث مشلكة: حديث اللوح المحفوظ. حديث سجود الشمس
228-
حديث إديار الشيطان عند النداء للصلاة
229-
حديث أبي سفيان أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً
229-
أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع شعر أمية بن أبي الصلت في شأن الشمس فقال: صدق
230-
أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: متى تقوم الساعة؟
230-
ما روى في المهدي: حديث: لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر
231-
الأحاديث في شأن الدجال
232-
عمر الدنيا
233-
النيل والفرات
234-
من سنن الله عزوجل أن يخرق العادة إذا اقتضت حكمه
236-
الخلل في ظن البطلان أكثر جداً من الخلل في الأحاديث التي يصححها المتثبتون، تدوين القرآن
237-
قول أبي رية روى البخاري عن زيد بن ثابت.. . )) ثم ساقه كلاماً على هواه ليس هو في البخاري
237-
الفرق بين الكتاب والسنة في أمر الكتابة
239-
تدوين الحديث
240-
قوله لو دون الحديث الخ وجوابه، قوله الخبر وأقسامه
241-(153/325)
أبو رية في أمرين: إما الجنون بإنكار فائدة التواتر اليقين، وإما الكلام بتكذيب القرآن في نفيه صلب عيسى عليه السلام
241-
قوله لا يلزم من الإجماع الخ، وكلمات أخرى
242-
في القرآن دلالات قطعية
242-
تأمل وانظر ماذا بقي لأبي رية من الدين ؟
243-
تفسير قوله تعالى ( إن الظن لا يغني من الحق شيئاً ) ونحو
243-
اختلاف المجتهدين وحجية السنة وحال المقلدين
245-
عبارة لأبي يوسف فيها أخبار واهية
246-
قوله (( رأى مالك وأصحابه أن السنة لا تثبت إلا من وجهين الخ
247-
المناظرة المزعومة بين الأوزاعي وأبي حنيفة
248-
حديث بئر ذروان والنظر فيه
249-
قول صاحب المنار بعض أحاديث الآحاد تكون بحجة الخ والنظر
253-
قاعدة طروء الاحتمال في المرفوع من وقائع الأحوال الخ وبيان محلها
255-
أليس في الحديث متواتر ؟
255-
حديث الحوض، وكأنه استهزأ به، ومن استهزأ به فليس من أهله
255-
تعدد طرق الحديث
255-
مالك والموطأ
256-(153/326)
مقدمة المُراجع
إن الحمد لله ، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات اعمالنا ، من يهده الله تعالى فهو المهتدي ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، ونصلي ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين ، محمد بن عبدالله وعلى آله الطيبين وعلى صحبه الغر الميامين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فإنَّ الجدلَ على مدار التاريخ كان احدى طرق الوصول إلى الهداية والتحقق من الصواب ، نعم ، ليست كل هداية في نفوس الخلق وقلوبهم تنشأ لزوماً عن طريق الجدل والمناظرة ، لكن الجدل والبحث مع الخصم طريقة معتبرة ومهمة في كثير من الظروف لتحقق المعرفة والهداية المطلوبة ، والجدل المهتدي والموصل إلى المطلوب له في تاريخنا اسلوبين وطريقين اثنين :
أولهما : الجدل بين مختلفين منفصلين ، أحدهما يملك الحق ، متمكنٌ منه ، آخذٌ به ، مالكٌ لأدلته ، وكما هو محيط لجانب الصواب ، كذلك هو محيط لجانب الخطأ ، والآخر في العدوة الأخرى ، أي أنه في الجانب الخطأ ، لم يهتد للصواب ، أو هو متحير شاك ، لم يستقر على أمر ولم يدرك الحقيقة .
هذه الصورة الأولى من صور الجدل كما تنشأ بين مسلم وكافر ، أو بين سني وبدعي ، كذلك تنشأ بين مختلفين في إطار الحق في مسائل الفقه والعمل .(154/1)
وكان لهذه الصورة على مدار تاريخنا فرسان آتاهم الله الحظ الأوفر من العقل والزكانة والفطنة ، وكانت لهم مناظرات مشهودة في هذا الباب تعد من غرر البحث التي تبسط النفس وتريحها كما تثير العقل وتكسبه معرفة وقدرة على النظر والمراجعة ، ومن هذه المناظرات التي تدخل في هذه الصورة ؛ مناظرة حبر الأمة عبدالله بن عباس مع الخوارج ، ومناظرة أبي سعيد السيرافي ليونس بن متى القُنّائي في مجلس الوزير الفضل بن جعفر بين منطق اليونان الصناعي الدخيل وبين لغة العرب الشريفة ، ومناظرة أو مناظرات أبي بكر الباقلاني مع النصارى ؛ وذلك عندما أرسله الملك الملقب بعضد الدولة في رسالة إلى ملك الروم ، ودارت هناك درر من المناظرات بين الباقلاني وزعماء النصارى انتهت إلى التعجيل برده إلى بلاده مخافة منهم على دين قومهم وعقيدتهم ، أما حية الوادي وإمام الناس في فتق طرق المناظرة الفقهية فهو الإمام محمد بن ادريس الشافعي ، وهو الذي علم أهل الحديث كيف ينتصروا بالحق الذي معهم على أهل الرأي حتى قال أحمد بن حنبل :ـ كانت أقفيتنا ( أصحاب الحديث ) في أيدي أصحاب أبي حنيفة ، ما تنزع حتى رأينا الشافعي . ويدخل في هذا الباب كذلك كتب البحث والمراجعة التي كتبها شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية في مباحثته الفرق البدعية ، كرده على الروافض وكتب شيخهم الحلي : « منهاج الكرامة » ، فردّ عليه ابن تيمية في كتابه المشهور « منهاج السنة النبوية » ، وكذلك كتابه « درء تعارض العقل والنقل » في تخطئته للمتكلمين ومناقشة مباحثهم ومقرراتهم .
هذه الصورة هي الأغلب والشائعة في التاريخ ، وهي في عقول الكثير من الناس لا يوجد غيرها .(154/2)
ولكن هناك صورة أخرى للجدل والمناظرة ، هذه الصورة هي الجدل المهتدي حين ينشأ في نفس الرجل الذي اختلط في مذهبه الحق والباطل ، خليط متنافر في نفس الوقت ؛ في نفس واحدة ومذهب واحد ، نشأ عليه بحكم الإلف والعادة ، حين تربى على دين الآباء والاجداد ، ومن هذا التجاور المتعارض بين الحق والباطل ، بين الصواب والخطأ ينشأ الجدل ، ومن معمعة هذا الجدل تنشأ الحقيقة ، نعم لكل صورة جمالها وروعتها ، فالصورة الأولى حين يصطدم الحق بالباطل ، الصواب بالخطأ ، الحق التام الكامل يكون بارزاً ويقوم ليكسر قرن الخطأ أو الباطل فيسحقه ، والثانية حين يضطرب الحق رافضاً مجاورة الخطأ أو الباطل ، فتتعذب النفس ويضطرب العقل ، فتدور معمعة الحوار والجدل وتصطرع المفاهيم ، وبتوفيق الله للرجل بالاخلاص ونشدان الصواب حقاً وصدقاً تبرز الحقيقة صافية لامعة : فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض .
رأينا هذا الجدل المهتدي في كتاب الإمام العلامة محمد بن إبراهيم الوزيرالصنعاني « العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم » رأينا فيه تلك النفس العالمة الفوارة التي تنطلق بقوة في بحثها عن الحقيقة ، محطمة جدر وسدود الأعراف والتقاليد ، غير آبهة بسطوة شيخ ، أو بسطوة أفكار مجتمع محنّط ، أو بسياق نمط عقلي ، ثم رأينا فيه ـ وهذا هو الأهم ـ كيف يمكن لأتباع المذاهب كائنة ما كانت هذه المذاهب المنتسبة للإسلام أن يجمعوا نظائر الحق في مذاهبهم ليكتشفوا زوان الباطل المتكاثف ظلمة فيها ، أي أنه يمكن للباحث عن الحقيقة والهداية أن يجادل بالحق المتسق مع الفطرة العقلية ، ما هو باطل تتنافر اجزاؤه مع نفسها أولاً قبل تضادها مع الحقيقة .
وهذا الجدل يعتمد في ادراك الحق على أمرين اثنين في نفس المهتدي :(154/3)
الأمر الأول : يعتمد على فطرته ، والفطرة لها مقرراتها ولها أفكارها ، وقد أقامها الله في نفوس الخلق شاهداً عليهم إذا أخطأوا ، ومعنياً لهم إذا راموا الحق وقصدوه ، وقد قرر الكثير من علماء هذه الأمة قيمة هذا الميزان وأهميته ، وأنه الملاذ الأخير لمن ضاقت به السبل وتاهت على عقله المعالم . يقول ابن خلدون في مقدمته :ـ ربما وقف الذهن في حُجُب الألفاظ بالمناقشات ، أو عَثِر في اشتراك الأدلة بشغب الجدال والشبهات ، وقعد عن تحصيل المطلوب ، ولم يكد يتخلص من تلك الغمرة إلا قليل ممن هداه الله فإذا ابتليتَ بمثل ذلك وعرض لك ارتباك في فهمك أو تشغيب بالشبهات في ذهنك فاطرح ذلك وانتبذ حجب الألفاظ وعوائق الشبهات ، واترك الأمر الصناعي جملة ، واخلص الى فضاء الفكر الطبيعي الذي فطرت عليه وسَرِّح نظرك فيه ، وفرِّغ ذهنك فيه للغوص على مرامك منه واضعاً لها حيث وضعها اكابر النظار قبلك مستعرضاً للفتح من الله كما فتح عليهم من ذهنهم من رحمته وعلمهم ما لم يكونوا يعلمون ، فإذا فعلت ذلك أشرقت عليك أنوار الفتح من الله بالظفر بمطلوبك ، وحصل الإمام الوسط الذي جعله الله من مقتضيات هذا الفكر ونظره عليه » ا. هـ .
والأمر الثاني : هو وجود بعض الصواب في مذهبه ودينه ، فما من مذهب في الأرض ينتسب للإسلام إلا وفيه بعض الحق ، فهذا الحق الذي في مذهبه لا بدّ وأن يبّصره بالباطل المجاور له ، فإذا قيل : هل من مرجح لهذا الحق على الباطل ، وكلاهما أخذهما من معين واحد ، وإلفه لهما على مرتبة واحدة ، قلنا نعم : هناك مرجح لهذا الحق الذي معه على الباطل الذي ألفه هذا المرجح هو الفكر الطبيعي أو الفطرة العالمة كما تقدم .
هذا الكتاب ـ كسر الصنم ـ هو من الصورة الثانية من الجدل والمناظرة ، أي صورة اختلاط الحق والصواب في نفس الرجل ومن داخله ينشأ الحوار .(154/4)
صاحب الكتاب هو أبو الفضل البرقعي ، لا أعرفه عن قرب ، ولم أسمع باسمه قبل أن أقرأ كتابه هذا ، حدثني عنه الدكتور عبدالرحيم ملازادة البلوشي ( المترجم ) حديث العارف المخالط ـ وليس الخبر كالمعانية ـ وحاولت جهدي في إدراك معالم هذه الشخصية من خلال هذا الكتاب ، فقرأته قراءة الباحث لا قراءة المراجع ولا المعلق ، فرأيت فيه بحق معالم الجدل المهتدي في صورته الثانية بأجلى صورها وأوضح معانيها .
لقد دخل البرقعي خضم هذه المعركة بسلاحين اثنين ، وكان فاقداً لأقوى سلاح في مثل هذا النوع من الجدل ؛ كان يملك سلاح الفهم لكتاب الله وسلاح العقل الفطري اليقيني ، أما السلاح الذي كان فاقداً له فهو سلاح السنّة النبوية الصحيحة .
أما كيف كان الكاتب يفهم عن الله في كتابه ؟ ، وكيف يمكن أن يهديه الكتاب الى الكثير من الحقائق دون السنة في هذه المعركة الشرسة القاسية ؟ فالجواب على هذا كان في الأمر التالي : استخدم المؤلف طريقتين اثنتين لفهم الكتاب :(154/5)
اولاهما : جمع الآية بنظيراتها من الآيات ، وذلك آخذاً بقاعدة أن خير من يفسِّر القرآن هو القرآن نفسه ، فالقرآن إذا أجمل في آية فإنّه فصل في آية أخرى ، وإذا كان فيه متشابه فإنه فيه المحكم . قال ابن كثير في مقدمة تفسيره ، وهو مأخوذ من قاعدة في التفسير لابن تيمية رحمهما الله تعالى :ـ فإن قال قائل : فما أحسن طرق التفسير ؟ فالجواب :ـ إن أصح الطرق في ذلك أن يفسَّر القرآن بالقرآن ، فما أُجمل في مكان فإنه قد فسِّر في مكان آخر . ا. هـ . فالبرقعي كان يجمع الآية بنظيراتها وحالفه التوفيق في إصابة الحق في المسائل المعروضة في رده على بني قومه من الشيعة الروافض ، ولما كانت المسائل المختلف عليها إنما هي في قضايا كلية لا جزئية ، وهي من أصول الدين وعمده ، وكدار الإسلام عليها ، فهي تتعلق بصفات الله تعالى وبتفرده في القدرة على الخلق وعلم الغيب وأمثال ذلك ، أقول : لما كانت القضايا كلية لا جزئية كان التوفيق حليفه وإلى جانبه ، أما الأمر الثاني الذي استخدمه لفهم الآيات في كتاب الله تعالى فهو التعامل مع الآية من خلال سباقها وسياقها ، فلم ينزع الآية من موضعها منفردة ليستنطقها المعنى والمراد ، بل كان يعود بالآية المحتج بها من قبله أو من قبل خصومه من بني جلدته الى سياقها القرآني ، ومن المعلوم في هذا الباب أنه ما من آية في كتاب الله تعالى يحتج بها بدعي على بدعته إلا وفي الآية نفسها الدليل على بطلان عقيدته وبدعته ، ولذلك وفق الكاتب توفيقاً عظيماً في اعتماده على كتاب الله تعالى وذلك في الرد على خصوم السنة والدين .(154/6)
ومما زاده توفيقاً في تحصيل الصواب والحق أن ما عليه الشيعة الروافض من المتناقضات والمخالفات الصريحة لكتاب الله تعالى كبيرة واضحة ، فإن عقائدهم في الأصول التي بني عليه مذهبهم تناقض القضايا الجلية والمعلومة ضرورة مما جاء به الرسول ^ ، ولذلك فليس من العسير أن يكتشف الشادي أن عقيدة الشيعة الروافض في أئمتهم تناقض توحيد الرب وتألهه على عبيده ، أو أن يكتشف أن عبادات القوم تناقض توحيد الله تعالى ، لكن هذا اليسيرفي هذا الباب يكون عسيراً جداً حين ينشأ الإنسان على هذا الدين الباطل ، ويتغذى بلبانه منذ أن عقل ، ولا يرى من الدين سواه ، ويختلط بلحمه ودمه ، ثمّ تزداد الصعوبة وذلك حين يصبح شأن الرجل في قومه ورزقه وقوته يتغذى على هذا الدين ويلوذ بهذه المعتقدات ، فإن أمر المراجع الشيعية في هذا الباب من الرجال عجب من الأعاجيب ، وذلك أن دهاقنة هذا الدين قد فرضوا على العامة والأتباع أن يدفعوا لهم خمس ما يدخل الى جيوبهم من الارزاق والمعايش ، وجعلوه ديناً لا يصح إيمان الشيعي الرافضي إلا بأدائه الى مرجعه الذي غلب على رقبته وصدره ، فهو دين يألفه في نفسه ولا يرى سواه ، ثمّ صار هذا الدين مورد رزق ومعاش ، حينئذ يكون من العسير على النفس أن تقاوم هذين الأمرين ، والأمر يحتاج إلى إخلاص في الطلب ، ورباطة جأش ، وشجاعة متناهية ، وصلابة في الرأي لا تتأثر بالزوابع التي يحسن اثارتها الغوغاء وقادتهم .(154/7)
الكاتب تعامل مع القرآن تعاملاً صائباً ، وانتهى إلى تجلية بعض القضايا التي كانت مدار بحث ونظر عند الأوائل وهدي إليها المحققون منهم ، وهذا يدل على أن هداية القرآن هداية متميزة غفل عنها الكثير من النظارة وهي قضية تفيدنا أن نطرح الدعوة بالعودة إلى « القرآن أولاً » ، نعم لا يستغني الكتاب عن السنة ، حتى قال ميمون بن مهران كما في سنن الدارمي بسند صحيح : ـ « السنة قاضية على الكتاب » وهي كلمة أنكرها بعض الأئمة كالامام أحمد بن حنبل ، وانكارهم لها لا لخطأ معناها ولكن لعدم رضاهم عن لفظها ، فقالوا : السنة شارحة للكتاب ، ولكن هذا لا يعني أبداً أن يهجر القرآن وأن يكون استدلال الناس فيه ثانوياً ، بل يجب أن يكون أصلياً وأن يبتدأ به قبل غيره ، فالصحابة الكرام أول ما تربوا على هدايته ونشأوا على معالمه ، وكان النهي عن كتابة الحديث في بداية الأمر حتى تنجلي معالمه في نفوسهم فلا يخلطوه بغيره .(154/8)
أما السلاح الآخر الذي دخل به هذه المعركة في نفسه ثمّ مع بني جلدته فهو سلاح العقل الفطري اليقيني ، وهو دليل من أدلة هذه المسائل التي يدور حولها الجدل ، وقد تكلم عليه الأئمة الأوائل بما لا مجال لجاهل أن ينكره ، ذلك لأن اناساً ممن شدوا شيئاً من العلم فأخذوا منه كحسوات الطائر ظنوا ـ وبئس ما ظنوا ـ أن العقل أو دليل العقل شيء غير النقل والنص ، فجعلوا الدليل العقلي في جهة أخرى من الدليل الشرعي ، وهذا باطل من القول ، فإن الدليل العقلي إذا ثبت صوابه كان دليلاً شرعياً ويجب المصير إليه والأخذ به ، وعلى هذا كبار الأئمة والعلماء المحققين مثل ما تقدم من كلام ابن خلدون وهو قول ابن تيمية وابن حزم وعبدالرحمن المعلمي اليماني صاحب كتاب «التنكيل » وإياك أن يخطر بخلدك أن هناك ثمة بدعة تسمى بالعقلانية ، فهذه لفظة لم ينطقها أحد من الأوائل نابزاً بها غيره ، إنما كان الأئمة يسمّون أهل البدع أهل الاهواء ، نعم يحاول المبتدعة تسمية ماهم عليه بالعقلانية ، وأن ادلتهم هي أدلة العقول البرهانية ، ولكن هيهات أن تنطلي هذه الشعارات على الخبير الخرّيت بمسالك الناس في تزوير الشعارات وقلب الأسماء والألقاب ، ثمّ كيف يكون العقل بدعة ، وهو حجة الله تعالى على خلقه ، وهو مناط التكليف الذي لا تصح عبادة قلبية أو عملية إلا به ، لكن تكرير أهل البدع أنهم يتابعون العقل وأدلته ، وأنهم يقفون معه ويرجعون إليه جعل بعض أهل العلم والسنة ينكر هذا الدليل بل يتابع هذا الانكار بالحط من قيمة هذا الدليل ، وأهل البدع على الحقيقة لا يملكون دليلاً عقلياً واحداً يسلم لهم كما هم لا يقفون مع النصوص الصحيحة ولا يقيمون لها شأناً فهذا عمرو بن عبيد في مناظرة معه يذكر له حديث يخالف هواه ، رواه الأعمش عن زيد بن وهب عن عبدالله بن مسعود عن النبي ^ . فقال عمرو :ـ لو سمعت الأعمش يقول هذا لكذبته ، ولو سمعته من زيد بن وهب لما صدقته ، ولو سمعت ابن(154/9)
مسعود يقوله لما قبلته ، ولو سمعت رسول الله ^ يقول هذا لرددته ، ولو سمعت الله ـ عز وجل ـ يقول هذا لقلت :ـ ليس على هذا أخذت ميثاقنا ـ ميزان الاعتدال للذهبي . فانظر لهذا المجنون هل زاد أن يكون مثل ابليس حين قال :ـ أأسجد لمن خلقت طيناً ، فهل هذا هو العقل الذي يزعمونه ويروجون أنهم من أهله ؟!. ولذلك من خطأ بعض الكتبة اليوم أن يطلقوا على أهل البدع أو الزنادقة « العقلانيين » فهو خطأ ولا شك كبير يفسد الحقيقة الواقعة .
البرقعي اعتمد على دليل العقل الفطري اليقيني في فرز الركام المختلط ، واستخدام هذا العقل تكتنفه الكثير من الأخطار ، خاصة لرجل نشأ على المنطق وتضلع فيه وشدا شيئاً من علوم الفلسفة وطرق أهل الكلام ، ففي هذه الحالة يكون التفريق بين العقل الفطري اليقيني السليم وبين العقل الصناعي المتكلف صعب وشاق ، ولذلك أخطأ الشيخ في بعض المسائل التي استقر ظن الناس عليها من أهل الكلام والمباحث المنطقية كنفي صفات الله تعالى ونفي علوه على خلقه هروباً منهم من التشبيه والتكييف ، ولكن الكاتب البرقعي أصاب الكثير من الحق حين استخدم فطرته ومقررات القدر اليقينية والتي لا يخالف فيها إلا مختل العقل مجنون حين ناقش بني جلدته من الشيعة الروافض في مسائل وعقائد سطروها في كتبهم وجعلوها ديناً يتبع ولا يعارض ، والروافض من أبعد الناس عن أي شيء ينتسب إلى العقل ، كائناً ما كان هذا العقل ، ولا يمكن لشيء يسمى بالعقل إلا وفيه ما يحبس صاحبه عن انكار الحقائق ومعرفة سنن الله في الخلق والوجود ، أما أن يأتي من الخلق وينسب إلى مخلوق صفات الرب من احياء وإماتة وتصرف وعلم للغيب لتميز طينة خلقه عن بقية البشر فهو لا شك رجل لا عقل له .(154/10)
وكان من استخدامه لهذا الميزان الفطري أنه رأى التناقض بين النصوص الواحدة المنسوبة إلى نفس الإمام وجمع بعضها إلى بعض فرأى التناقض بينها من كل جانب وادرك بهذا الأمر كذب هذه النصوص وخطأها ، وأنها لو كانت حقاً صادرة من رجل واحد لكان هذا من أبعد الناس عن صفة التوفيق بله العصمة .
وكان من استخدام هذا العقل الفطري وما ينشأ عنه من علوم صناعية صحيحة أنه نقد رجال الكافي وفنّد اسانيده ، والشيعة لا خبرة لهم بعلم الحديث ويعترف مشايخهم أن أوّل محاولة لمذهب الشيعة الاثنى عشري لايجاد مبدأ نقد السند على طريقة المحدثين إنما نشأت بعد أن كتب ابن تيمية كتابه في الرد على ابن مطهر الحلي « كتاب منهاج السنة النبوية » .
يقول صاحب وسائل الشيعة : أنَّ هذا الإصطلاح (وهو تقسيم الحديث عندهم إلى صحيح وموثق وضعيف ) مستحدث في زمن العلامة ) .
يقول الدكتور ناصر القفاري : والعلامة إذا أطلق في كتب الشيعة يقصد به ابن المطهر الحلي الذي رد عليه شيخ الإسلام ... وقد اعترف شيخهم « الحر العاملي » بأن سبب وضع الشيعة لهذا الاصطلاح واتجاههم للعناية بالسند هو النقد الموجه لهم من أهل السنة فقال :ـ والفائدة في ذكره ( أي السند ) ... دفع تعبير العامة ( يعني أهل السنة ) عن الشيعة بأنّ أحاديثهم غير معنعنة ، بل منقولة من أصول قدمائهم »(1) .(154/11)
ذلك لأنهم لو قاموا بنقد أحاديثهم على طريقة هذا المنهج العلمي الصارم لما سلم لهم حديث واحد من كتبهم ، والشيخ البرقعي في هذا الباب سيصدم اكثر الناس تكذيباً لمذهب الشيعة ، فإنه بين أن رجال الكافي ليسوا بمرضيين في مذهب الرفض الشيعي الاثنى عشري ، فهم بين شاك في دينه أو مذهبه ، وبين لص فاسق متهم في دينه وعدالته ، أو معهود عنه تأليف الروايات والأخبار لقلب الدين وقذفه وتنقيص القرآن واتهامه ، أو واضع لأحاديث تضحك الثكلى كحديث سلسلة الحمار ، وبعملية نقد يسيرة إذا عمدة المذهب يتهادى لا كصنم يحتاج إلى تحطيم وكسر بل كرماد تناثر بأقل نسمة هواء ، ثُمَّ الشيخ البرقعي لم يبق لهم حديثاً واحداً سالماً من الطعن في سنده أو في معناه ، ولذلك يعد هذا الكتاب دراسة عملية لقاعدة : أن الشيعة الروافض هم من أكذب الناس على الرجال وخاصة أئمتهم ، وإذا كان الحديث صحيحاً في معناه ويوافق ما عليه أهل السنة ردّه الشيعة بأدنى حيلة لديهم وهو قولهم :ـ إن هذا الكلام قاله الإمام تقية ، فصوابهم مردود منهم فماذا بقي لهم سوى الكذب .(154/12)
وهذه الدراسة العملية ـ في هذا الكتاب ـ لبطلان اسس المذهب الشيعي من روايات ونصوص يستندون إليها تحتاج إلى استقراء لمعرفة الرجال الذين وصفوا هذا المذهب المكذوب ، وبقراءة سريعة يعرف المرء من خلال هذا الكتاب أي نوع من الرجال هؤلاء الذين وضعوا هذا الدين وذلك من خلال كلام الشيعة أنفسهم لا من غيرهم ، وهذه فضيلة للشيخ البرقعي . ثمَّ إن المرء يعجب من قوم يأخذون دينهم من زنادقة وفسقة ولصوص ثمَّ هم يطعنون بالزور والبهتان والكذب على مثل راوية الإسلام الصادق اللهجة الحافظ المتقن إمام أهل الرواية والحديث أبا هريرة رضي الله عنه . ثمَّ يعجب أخرى عندما يتكلمون في مثل محمد بن شهاب الزهري ملتقى رواية أهل الحجاز المأمونة من الكذب والوضع ، ثمَّ يعجب أخرى عندما يأذنوا لأنفسهم الكلام على كتب أهل السنة وخاصة صحيح البخاري ومسلم ، إنها والله أعجب من العجب وبمثلها ينبغي أن يضرب المثل .
وحتى نترك كتب الشيعة تكذّب هؤلاء الرواة فقد آثر المترجم والمراجع أن لا يعلقا شيئاً على هؤلاء الرجال من كتب الرجال عند علماء الحديث من أهل السنة ، بل تركا أهل البيت ـ وهم أدرى بما فيه ـ أن يحكموا على أنفسهم بأنفسهم .
همّ الوحدة والتقريب :(154/13)
منذ الكلمات الأولى في كتابه والبرقعي يحمل إرادة الوحدة بين المسلمين ، نعم كانت ارادة الحق وكشف الخطأ عظيمة وجلية لكن كشف الخطأ وتحقق الصواب هو الطريق الوحيد للوحدة المنشودة ، فإن كتاب « الكافي » الذي هو أحد مصادر دين القوم يمثل صنماً ، كما يقول الكاتب يمنع تحقق هذه الوحدة ، ولا بدّ أولاً من كسر الاصنام والعودة إلى التوحيد لتتحقق الوحدة ، يقول البرقعي :ـ وبسبب اجتماعهم ( أي الصحابة ) واتحادهم على الدين الواحد والكتاب الواحد تقدموا إلى الأمام ... ولكن بعد مضي قرن أو قرنين من الزمان ظهرت أخبار باسم الدين ووجد اشخاص باسم المحدثين أو المفسرين الذي جاؤوا بأحاديث مسندة عن النبي ^ أو أقوال لأكابر المسلمين محاولين بذلك توجيه الأنظار إليهم ، ثمّ شيئاً فشيئاً ظهرت فئة تزيت بزي العلماء فرقوا أمر هذه الأمة ونشروا بينها الاختلاف عن طريق هذه الأخبار والأحاديث » ولذلك يقول :ـ وطلباً لرضى الله تعالى وقياماً بواجب الإرشاد ولرفع الخلافات وللدعوة إلى الوحدة والاتحاد بين المسلمين ورفعاً للبغض والشقاق والنفاق ، وتوضيحاً لطريق الاتحاد لأبناء وطني وضعت كتابي هذا موضحاً من أنَّ هذه الخلافات إنّما نشأت بسبب الأخبار المفتراة الواردة في كتبنا المعتبرة نحن ( الشيعة ) .(154/14)
والبرقعي بهذا أنصف وعدل ، وسلك الطريق الصحيح في موضوع التقارب بين المذاهب المنتسبة للإسلام فإنه لا يمكن التقارب بله التوحيد حتى تزول الموانع والعوائق ، ولا يمكن أن يتم التقارب بين مختلفين على الحق اختلافاً قاطعاً وأصيلاً ، فلا بد أولاً ليتم التقارب ثمّ الوحدة إزالة الموانع وأهمها هذه الكتب الباطلة التي يتدين بها الشيعي ، وتصفية الروايات المكذوبة والتي تصبغ الشيعي المتدين بمذهبه بصيغة المنافق المراوغ عن طريق مبدأ التقية الذي جعلوه ديناً وإيماناً ، وتملأ قلبه حقداً على خصومه من أهل السنة بقولهم الآل والاصحاب ، وبتكييف عقله في إطار خرافي عجيب .
إنه لمن العجب أن يدعو بعضهم ممن جهل دين القوم أو علم ولم يقم للحق والسنّة قيمة إلى الوحدة والتقارب دون محاولة تصفية عوائق هذه الوحدة أو التقارب ، وقد تقدمت التجارب فلم تزد الناس إلا اختلافاً ولم يضع فيها إلا الحق وأهله ، فالقوم يدينون بالتقية ويعتقدون في خصومهم أنهم أنجاس أرجاس ليس فيهم ألا ابن زنا ، شارك الشيطان أباه في أصل خلقته وتكوينه .
ولذلك كان البرقعي مدركاً أكثر من هؤلاء المنتسبين للسنة حين أرادوها وحدة على ( دخن ) وتقارب على ضلع ، فإنه سلك السبيل الأقوم والجادة المستقيمة .
والشيخ البرقعي في الحقيقة هو جزء من ظاهرة ينبغي علينا أن نعيها وأن نسعى إلى تنميتها ونشرها ، هذه الظاهرة هي هداية بعض مشايخ وأئمة التشيع إلى فساد مذهبهم واقترابهم إلى اكتشاف الحق والصواب ، فهناك مجموعة من كبار القوم كالبرقعي اكتشفوا فساد المذهب وبدأوا يعيدون دراسة مذهب أجدادهم وقومهم ، فبدلاً من التقارب المكذوب الفاسد كان على أهل السنة الاعتناء بهؤلاء ودفعهم إلى المزيد من المعرفة والبحث والتحقيق ، ولكن عجباً من هؤلاء القوم . أقصد دعاة التقارب على دخن ـ حين يبسطون أيديهم للكذبة والمزدرين وأئمة التقية من الروافض ويصعرون خدودهم لمثل هؤلاء المهتدين .(154/15)
وقد ذكر البرقعي في كتابه تأثره بمصطفى طبطبائي ، وهو رجل تخرج من حوزات الشيعة في قم ، وبلغ رتبة الاجتهاد عندهم ، ثمّ ما لبث أن ترك التشيع ورماه رمي النواة العفنة ، وهناك الدكتور علي مظفريان ، وهو طبيب جراح ، ترك التشيع وصار إماماً لمسجد أهل السنة في شيراز ، وهناك موسى الموسوي الذي أعلن عن عزمه على تصحيح مذهب الشيعة وكتب كتباً في هذا الاتجاه منها « الشيعة والتصحيح » و « يا شيعة العالم استيقظوا » وكتاب « الثورة البائسة » وغيرها من الكتب ، وهناك أحمد كسروي الذي ترك التشيع بعد أن بلغ رتبة الاجتهاد !! عندهم وله كتاب « دراسة التشيع » ، فمثل هؤلاء وغيرهم يجب الاعتناء بهم لأنهم في الحقيقة يمثلون ظاهرة تستحق الاعتناء والدعم ، ومثلهم أحمد الكاتب الذي نفى ولادة ما يسمّى عندهم المهدي المنتظر ـ الإمام الثاني عشر : محمد بن الحسن العسكري ـ ونقض الروايات التاريخية التي تقوم عليها هذه العقيدة رواية رواية .
نعم هؤلاء ليسوا على مرتبة واحدة في الوصول إلى الحقيقة لكنّهم على الجملة بدأوا يفكرون بما هم عليه ويدرسون دينهم دراسة المراجع والناقد ، وهذا أول الغيث ثمَّ بالعناية والمتابعة تحصل المكاثرة وتشتد الظاهرة .(154/16)
وهذه الظاهرة يؤسف لها أن لا تجد من يخبر عنها أو يعرفها ، دع عنك أمر متابعتها والاعتناء بها ودعمها ، وهي لو وجد آحادها من شيخ سني يتشيع لأقام له الشيعة الأبواق ولرفعوا شأنه وذكره أي رفع واهتمام ، فهل هناك من متابع يجهل أمر أو اسم كتاب « المراجعات » لإمامهم عبد الحسين شرف الدين الموسوي ، وهو كتاب الكذب الذي لم يحصل إلا في ذهن مؤلفه ، بل إن هذا العبد لغير الله تعالى « المؤلف » قد اعترف في بداية الكتاب أنّ ما فيه إنما هو من وضعه وبلسانه قد كتبه هو . يقول المدّعي : « وأنا لا أدعي أن هذه الصحف صحف تقتصر على النصوص التي تألفت يومئذ بيننا ، ولا أن شيئاً من ألفاظ هذه المراجعات خطه غير قلمي » . فالكتاب كله كتب بقلمه ، وبلسانه هو يعترف ويقر ، فهذا الكتاب المكذوب طار به الشيعة في كل أفق ، وحلقوا به في كل واد ، وكأنهم أتوا بعنقاء مُغرب ، فهذا أمر الكذب والبهتان يصنعون به هذا الصنيع ، فما أمر السنة مع من قدمنا من الرجال المهتدين ؟. إنه يستحق ولا شك دمعة رثاء على حالنا الذي نحن فيه .(154/17)
أما لو سأل سائل : هل ثمة ضرورة لهذا الصراع العقدي بين دين الشيعة الروافض وبين أهل السنة ؟ لقلنا نعم ـ بل إنه صراع لا يستقيم أمر الحق إلا به ، فإن ما يسعى إليه الإنسان منذ الأزل هو الإجابة عن الأسئلة التي يفرضها عقله وواقعه ـ وإن أجمل ما يحيا له الإنسان هو الوصول للحقيقة والجهاد في سبيلها والموت من أجلها ، والصراع بين السنة والروافض هو حلقة من حلقات الصراع التاريخي بين الحق والباطل ، فإن التاريخ شاهد صدق على أن هذا الدين ـ أقصد الشيعي الرافضي . لم يكن يوماً من الأيام في عدوة أهل الحق ، ولم يشترك مع المسلمين في واد من وديان الجهاد والعلم ، فليس هناك من شبر واحد من أرض الحرب فتحه رافضي شيعي ، بل ولا مهتد واحد تمدح هدايته كان على يد الشيعة الروافض ، وليت الأمر وقف عند هذا الحد ، بل إن هؤلاء القوم ما كانوا يوماً إلا عامل فرقة وخيانة لأهل الإسلام ولديارهم ، فلم تدمر بغداد على يد التتار إلا بخيانتهم وجرائمهم وعلى يد ابن العلقمي ، ولم يتحالف مع الصليبيين في حروبهم الأولى إلا هم ، وهي سيرة تأبى علينا أن نجد ولو تجربة واحدة خالفت هذا النسق أو خرجت عن هذا النمط ، وطيب النية وحسن القصد لا يحسنان تغيير التاريخ ونسيانه ، وإذا أبى قوم إلا نسيان التاريخ فهل يستطيعون أن يهربوا من واقعهم بأجنحة الخيال والوهم ، فها هي دولة الرفض الجديدة والتي أقامها دهقانهم الأكبر ـ الخميني ـ هل وجد سني واحد عند قيامها إلا وتمنى أن تصدق الدعاوى والشعارات انها دولة للمسلمين جميعاً ، لا دولة صفوية شيعية جديدة ، فماذا كان خبرها ، وأي شيء صنعت بأهل السنة هناك ـ في ايران ـ ؟.
إنه لا يوجد مسلم واحد بقي فيه ذرة من دين وإيمان وتقوى تمَّ يطلع على جرائمها مع أهل السنة هناك إلا وهو يلحق هذه الدولة بأمثالها من دول الطواغيت القديمة والحديثة ، ولكنها تتميز عن الدول الحديثة بأنها تحمل حقداً قديماً تبثه اليوم في أهل السنة .(154/18)
إنَّ هذه الدولة الرافضية كان لها الفضل في احياء بغض أهل البدع والحذر منهم وعدم تصديق وعودهم ، فإن هذا العلم مما نسيه أهل الإسلام بسبب ركام الجهل وضعف الدين وعدم الاهتمام بعلم السلف ، حتى كاد أولئك الحواة ( من مفكرين وسياسيين ) من قادة ما يسمى بالفكر الإسلامي المستنير !! أن يقذفوا بنا إلى أحضان البدعة والانحراف ، فبعد أن صار الدين يتجدد عندهم بعيداً عن أصوله ، والتجديد عندهم يعني إزالة القديم واحضار دين جديد يشبه القديم شبه الغراب بالحمام الأبيض بجامع أن كلاً منهما طير وله جناح لم يعد أتباع هؤلاء القادة يميزون بين اسلام منحرف مكذوب واسلام دين محمد ^ .
ثمَّ للإجابة على هذا السؤال المتقدم : أقول إن أي متابع للشيعة الروافض في دعوتهم للوحدة والتقارب يرى أن مفهوم الوحدة أو التقارب يعني عندهم شيئاً واحداً لا يتغير : ألا وهو تحول السني عن دينه إلى دين الرفض الباطل ، وليس لهم في دعوتهم إلا هذا المعنى ، فهذه مجلاتهم اليوم وكتبهم اليوم والبارحة تشهد بهذا ولو خضنا في هذا الأمر لخرجنا عن مقصودنا ، والعجب أن يكون هذا هو المعنى الوحيد عندهم ثم تكون دعوة السنة وأهلها إلى أتْباع دين الشيعة الاثنى عشري بأن يدرسوا دينهم ويعيدوا التحقق منه دعوة تفريق وفتنة . فهل هناك أغرب من هؤلاء ؟ ألا وقى المسلمين وأهل السنة خيبتهم وغباءهم .(154/19)
وإن مما ينبغي أن نشير إليه ونقيمه حتى يتضح ، أننا لا نغلق باب البحث والمناقشة ، فليس عند الشيعة الروافض من شيء نخشى على أهل السنة منه ، لكننا نخشى منهم الكذب والتزوير ، ولذلك نحن ندعو الشيعة إلى طرح ما عندهم ، بل جميع ما عندهم ، ونحبذ لهم ذلك ، لأن أهل السنة عانوا مرّ العلقم لمعرفة مذهب الشيعة لكذبهم وتسترهم وتقيتهم ونفاقهم ، فلماذا لا يعترفون أن نصوص مذهبهم ـ لا كبقية حواراتهم ـ تقول بتكفير المخالفين ، وعلى رأس هؤلاء المخالفين جلّ أصحاب رسول الله ^ ؟ ولماذا لا يعترفون أن أئمة مذهبهم ونصوص كتبهم ـ لا كذب حواراتهم مرة أخرى ـ تقول بأن ما بين أيدينا من كتاب ربنا ناقص محرّف ؟
ولماذا لا يعترفون أن أئمة مذهبهم ونصوص كتبهم ـ لا تأويلاتهم في الحوار تقية ـ تقول بجواز الغلط على الله تعالى وأنّه يجوز عليه البداء ونسخ الأخبار ؟
وغيرها وغيرها من عقائد القوم .(154/20)
إن كتب التقارب التي يؤلفها الشيعة هي كتب دعوة واستدراج للسني المغفل ليسقط في شباكهم ، ولو أن الشيعة الروافض أظهروا دينهم للمخالف أول الأمر لما بقي عاقل يسمع كلامهم ، ولذلك هُمْ ينشطون في كتب الدعوة هذه إلى أمرين : أولاهما : التقية في عدم اظهار مذهبهم وتبني الأكاذيب ونفي حقائق دينهم ، وثانيهما : ثلم أهل السنة وتزوير الأكاذيب عليهم وتأويل نصوصهم على غير مراد أهل السنة منها ، وتجميع الروايات الباطلة المكذوبة في كتب أهل السنة ، والتي ذكرها العلماء الأثبات في كتبهم للتحذير منها وبيان تهافتها وإما لأنها هكذا وصلتهم فأثبتوها كتابة لا قولاً بها ولكن لإثبات شيء وصل إليهم كما هو شأن الإمام الطبري في تاريخه حين قال في مقدمته :ـ فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه أو يستشنعه سامعه ، من أجل أنه لم يعرف له وجهاً في الصحة ، ولا معنى في الحقيقة ، فليعلم أنه لم يؤت في ذلك من قبلنا ، وإنما أتي من قبل بعض ناقليه إلينا ، وأنّا إنما أدينا ذلك على نحو ما أدي الينا . ا. هـ .(154/21)
والناس يأخذون عقائد أي قوم ودين أي جماعة من كتبهم لا من عوامهم ولا من علمائهم إذا كان دين العلماء يوجب عليهم الكذب على مخالفيهم وخصومهم ، ولذلك هم على الدوام يزعمون أن خصومهم من أهل السنة يكذبون عليهم ، فإذا قال السني :ـ إن الشيعة الروافض يقولون بتحريف القرآن . قالوا :ـ هذا كذب علينا ، وإذا قال السني :ـ إن الشيعة يؤلهون أئمتهم فيصفونهم بصفات الله تعالى التي لا تليق إلا له ـ قال الروافض : هذا كذب علينا ، وإذا ... وإذا . ونحن لا ندري من أين نأخذ عقائد القوم ؟! أنأخذها من رجل جاهل لا يعرف عقيدته ؟! أم نأخذها من دهقان تترس وراء التقية ؟ أم من كتبهم التي يعدونها أصل المذهب وعقيدته ؟. ولذلك المطلوب من القوم أن يصدقوا مع خصومهم إذا أرادوا حسن القرب والمحبة ، وأنى للكلمات الحسنة أن تغير ديناً ربي عليه الصغير وهرم عليه الكبير ، وخصوم هذا الدين أنجاس أرجاس .
ولذلك هذا الكتاب هو وأمثاله هو الطريقة المثلى لإزالة العوائق وتحقيق التقارب والوحدة بين المسلمين . أي بعد أن يعلن القوم بطلان دينهم وفساد نصوصه وكتبه .(154/22)
أما اسلوب الكاتب فهو على ما حدثني الدكتور عن نفسية الشيخ ، فهو أسلوب اثارة المقابل واستفزاز العقل ليثأر لنفسه من التغييب والإقصاء ، ولذلك أكثر الشيخ من طرح الأسئلة ليلجئ القارئ إلى اختيار جواب وحيد لهذا السؤال ، ولما كان الكتاب موجهاً ابتداءً إلى أهل ملته وقومه فإنه اعتمد اسلوب الصدمة والإثارة ليكتشف هوة الخطأ الذي هو فيه ، وليحصل الاشمئزاز من هذا الدين الغريب ، ولذلك قست بعض ألفاظ الشيخ ، وارتفعت درجة غليانها ، وقد ينفر من هذا الاسلوب بعض من لا يقيم للحق شأناً مقابل زعم ضرورة الاحترام والتقدير للغير ومذهبه ، وهذا يكون له بعض الوجاهة حين يكون الخطاب مع مخالف يحتمل الخلاف في ما هو عليه ، لكن حين يكون المخالف من أمثال الروافض في عقيدتهم فإنهم ولا شك بحاجة لتلك الصدمة التي يحدثها هذا الكتاب بموضوعه واسلوبه حتى بهذا العنوان الحديدي ـ كسر الصنم ـ والدكتور عبد الرحيم البلوشي ـ المترجم ـ أخبرني أن المعنى الحرفي للعنوان هو ـ تحطيم الصنم ـ فليس هو كسر وكفى ، بل هو تحطيم حتى النهاية ، والكتاب فيه اسلوب ـ كسر العظم ـ كعنوانه ـ كسر الصنم ـ . ثمّ هناك عذر آخر للشيخ في هذا الباب ، وهو أنه في هذا الكتاب لا يناقش عقائد نمطية عامة بل نقاشه ورده كان لنصوص هذا الكتاب ـ الكافي ـ وهذه النصوص لإثبات بطلانها من هذا المرجع كان بحاجة إلى تفسير ما فيها من معاني وضلالات وفساد رجال إسنادها ، وأن الأخذ بهذه النصوص يؤدي إلى الزندقة وإبطال مقررات التوحيد ومقاصد بعثة الرسل ، فلهذا كانت جمل الشيخ قصيرة ، ولهذا كان الاسلوب أشبه بالنقرات السريعة لكنها شديدة على صفحة العقل لتثيره وتوجهه إلى فطرته وإلى دين الله تعالى من نصوص القرآن الكريم ، فهو أسلوب سريع متوالي يجد بسرعة إلى المراد بسؤال حدد إجابة واحدة له .(154/23)
وأما اسلوب التهكم فقد وفاه الشيخ حقه ، ومذهب الرفض الشيعي يستحق كل هذا ، وإلا فكيف يحاور واضع سلسلة الحمار ؟ ، وكيف يقول لواضع حديث الأئمة المنسوب لهم :ـ إن حديثنا صعب مستصعب ، والله يقول : « ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر »(1) أو أن يقول :ـ « إن الأئمة إذا ظهر أمرهم حكموا بحكم داود وآل داود ولا يسألون البينة » فهل يصلح معه سوى أن يقول له البرقعي :ـ أليس قائم آل محمد تابعاً للقرآن ؟ أليس مسلماً ؟
إن هذا الدين لا يستحق الحوار العلمي ، وليس له من حق على أحد إلا أن يتصوره تصوراً صحيحاً كما هو في نفسه ، ثم استيفاء بقية الحق بالتهكم والاستهزاء لتنفير الناس منه ، ولكن العحب من قوم يزعمون أن السخرية والتهكم ممن يستحق ليس من العلم والموضوعية ، إذ يوجبون على كل مناظر ومجادل ومحاور أن يقيم الأدلة الطويلة البعيدة لإبطال ما هو باطل بالفطرة التي عليها أسوياء البشر ، وليس هذا إلا ضياع للوقت من غير فائدة ، وطعان لطواحين الهواء .
وخلاصة القول في اسلوب البرقعي أنه كسر وتحطيم لكن بأناة وعلم ، فليس هناك من بناء صحيح إلا بإزالة الباطل وتحطيمه .(154/24)
وختاماً :ـ فإن هذا الكتاب للسني العالم تحقيق لما عليه من قواعد وزيادة ثقة لما قاله سلفه في دين هؤلاء القوم ، وهو للشيعي المعذَّب في قيود اعراف آبائه ودين أهله وأجداده بمثابة كهف الحكيم الذي يحكون عنه أنه مليء بالأنوار الساطعة القوية ، فمن دخل فيه أحدثت تلك المعارف العلمية آلاماً محرقة في العينين لأول مرة كأنها محاريق من نار حمراء ، لكن السعادة المعرفية أولاً ثم الهداية القلبية ثانياً لا بدّ أن تجذبه إلى الداخل طلباً للاطمئنان والرضا وثلج اليقين ، ثم حمد الله تعالى لهذا الشيخ المؤلف أن نقله هذه النقلة من الخرافة الى العلم ومن الضلال الى الهداية ومن الجهل الى التعقل . ويبقى هذا الكتاب نافعاً ( لغير مُسْتَرق بالتقليد ، ولا مخدوع بالإلف ، ولا مسخر بالعادة ) وأما غيره فالله تعالى يقول فيه :ـ { وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون } [ النحل / 18] .
والحمد لله رب العالمين .
كتاب فضل العلم
[ باب فرضِ العلم ووجوب طاعته ]
اعلم أنه ليس أحد ينكر فضل العلم ولذا لا نفصل في هذه الروايات ، ونقبلها من أيٍّ كان ، إلا أننا سنذكر عيب السند والمتن بالاختصار .
حديث 1 : سنده : مجهول كما يقول المجلسي يعني أن رواته مجهولون والراوي الأول هو علي بن إبراهيم القائل بتحريف القرآن ، وقد روى عن أبيه المجهول الحال وهذا روى عن حسن ابن أبي الحسين وهو مهمل وهذا روى عن عبدالرحمن بن زيد وهو مجهول أيضاً !.
حديث 2 : سنده : يقول المجلسي إن رواته مجهولو الحال .
حديث 3 : سنده مرسل كما يقول المجلسي .
حديث 4 : سنده مرسل كما يقول المجلسي .
حديث 5 : سنده مرسل كما يقول المجلسي .(154/25)
حديث6 : سنده : يقول المجلسي إنه ضعيف ، ومن رواته : علي بن أبي حمزة البطائني الواقفي وهو من الكلاب الممطورة على قول علماء الشيعة . والآخر أحمد بن محمد بن خالد البرقي الشاك في الدين والمذهب ، والآخر هو عثمان بن عيسى الواقفي المذهب وكان ملعوناً من جهة سيدنا الرضا ، واختلس كل ما كان لديه من أموال الإمام الكاظم حيث كان وكيلا له وقيِّماً على الأمور .
والعجب كيف أن الكليني روى في الأصول والفروع عن هؤلاء الذين لعنتهم الأئمة وغضبت عليهم ، وكانوا خونة ، وكيف يعتبر علماء الشيعة كتاب الكليني من أحسن الكتب !؟ .
حديث 7 : سنده ضعيف كما يقول المجلسي .
حديث 8 : ضعيف كما يقول المجلسي .
حديث 9 : ضعيف لوجود سهل بن زياد الكذاب الفاسد المذهب وهو مرسل أيضاً .
[ باب صفة العلم وفضله وفضل العلماء ]
حديث 1 : سنده ضعيف كما يقول المجلسي ويقول المؤلف : إن أكثر رواته من الكذابين وفاسدي الدين كسهل بن زياد وعبيدالله الدهقان ودرست الواسطي .
حديث 2 : سنده : يقول المجلسي : إنه ضعيف ، وأحد رواته هو أبو البختري وهب بن وهب الذي عده علماء الرجال من الشيعة ؛ ضعيفاً وكذاباً وخبيثاً . قال عنه فضل بن شاذان : إنه من أكذب الناس ، وهو الذي تسبب في قتل العالم الزاهد أحد أحفاد الأئمة يحيى بن عبدالله بن حسن رضي الله عنهما . لأنه شَهِد بالكذب عند هارون الرشيد بأنه يدّعي الإمامة ويدعو الناس إلى نفسه ، ويريد الخروج على الخليفة مع أن هارون الرشيد كان قد أعطاه كتاب الأمان ، ولما رأى الفقهاء والأكابر خط هارون قالوا لا يجوز نقض عهد هذا الخط ، ولكنّ أبا البختري أخذ تلك الرسالة وخط الأمان ومزقه وحكم عليه بالقتل ، وأعطاه هارون بالمقابل مليون وستمائة قطعة ذهبية أما الكليني فقد روى عن هذا الخبيث كثيراً وسيأتي ذكر ذلك أيضاً .
حديث 3 : سنده ضعيف وضعّفه المجلسي أيضاً . وقد بينا حال معلى بن محمد والوشاء في حديث 12 من كتاب العقل والجهل .(154/26)
حديث 4 : سنده مرسل كما يقول المجلسي .
حديث 5 : يقول المجلسي إنه ضعيف على المشهور ، وأحد رواته محمد بن سنان الذي قال عنه النجاشي وكثير من علماء الرجال إنه من الغلاة وضعيف ووضّاع للحديث ، ولا يعتنى بحديثه .
حديث 6 : سنده ضعفه المجلسي ، وأحد رواته محمد بن حسان الذي ضعفه ابن الغضائري والعلامة الحلي والذي روى عن إدريس بن حسن المهمل الذي روى عن أبي إسحق الكندي وهو مهمل أيضاً . والذي روى عن بشير الدهان الذي هو مجهول أيضاً . بالله عليكم ، انظروا إلى هذا الكتاب وهو معتمد الألوف من المتمذهبين وراوي موضوعاته رجل ضعيف فاسق عن مهمل آخر عن مجهول آخر ، وعندئذ روى هؤلاء الرواة الفسقة المجهولون حديثاً كهذا ، للتفرقة ، حيث إن الإمام الصادق قال إن أهل السنة أهل الضلال فإذا احتيج إليهم أدخلوهم في باب ضلالتهم ، ووصفهم بهذا من سوء الظن وهذا أمر مخالف للقرآن ، لأن الله تعالى قال في سورة الحجرات : { ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعدَ الإيمان .. يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم } .
حديث 7 : سنده ضعيف كما يقول المجلسي ، بل هو من أضعف الروايات بسبب وجود كل من سهل بن زياد الكذاب المغالي الفاسد والنوفلي والسكوني وهما اللذان ذكر سوء حالهما في حديث 12 في كتاب العقل والجهل .
حديث 8 : سنده فاسد بسبب وجود سيف بن عميرة الذي لعن من قبل الأئمة كما قال الممقاني نقلاً عن كتاب كشف الرموز .
حديث 9 : سنده مجهول ، لوجود سعدان بن مسلم المجهول والذي روى عن معاوية بن عمار الذي لم يكن له مذهب مستقيم وكان ضعيف العقل على قول ابن داود والعقيقي اللذين كانا من كبار علماء الرجال .
[ باب أصناف الناس ]
حديث 1 : سنده ضعيف لوجود سهل بن زياد الكذاب المغالي فاسد المذهب ، وأما متنه : فيفضح كل هؤلاء المتعالمين صانعي المذاهب(1) !.(154/27)
حديث 2 : سنده مع أنه ضعيف لوجود كل من معلى بن محمد وحسن بن علي الوشاء ، فإن متنه جيد لأن الإمام الصادق قال : الناس ثلاثة ، عالمٌ ومتعلم وغثاء ، والمقلد ليس عالماً ولا متعلماً بل غثاء ، يذهب وراء كل ريح ، والفرق بين المتعلم والمقلد هو أن المتعلم يأخذ من المعلم بالدليل والبرهان ، أما المقلد فهو الذي يأخذ بلا دليل ولا برهان ، وكذلك متن :
حديث 4 : يرد التقليد أيضاً ، ومما يثير العجب هو أن علماء الشيعة مع وجود هذه الروايات الموافقة للقرآن والعقل كيف ساقوا الناس إلى التقليد ، يبدو أنهم لم يقرأوا هذا الكتاب أيضاً . لأن السادة تجاهلوا تلك الروايات التي توافق القرآن لحفظ « دكان التقليد(1) » . وهم أنفسهم يقلدون العلماء السابقين .
[ باب ثواب العالم والمتعلم ]
حديث 1 : سنده : يقول المجلسي إنه مجهول ، ولكني أقول : هو في غاية الفساد وذلك بسبب راويه الثاني سهل بن زياد الكذاب المغالي ، وراويه الآخر عبدالله بن ميمون القداح الذي كان فاسداً وفاسقاً وصانعاً للمذهب ومؤسس المذهب الإسماعيلي . وأما متنه : فقد جاء فيه جملة ( إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً ) وهي تخالف مذهب الشيعة لأن علماء الشيعة يقولون إن فاطمة الزهراء رضي الله عنه ترث من أبيها كل شيء .
حديث 3 : سنده : يقول المجلسي إنهم يضعفون المشهور منه ويقول المؤلف سنده فاسد ، أحد رواته هو البرقي الذي كان شاكّاً في الدين وله روايات متناقضة ، والآخر علي بن حكم الذي يروي كثيراً من الخرافات ، كما سيأتي في باب ما عند الأئمة من سلاح رسول الله في كتاب الكافي ، والآخر علي بن أبي حمزة البطائني الملعون الخبيث الخائن الواقفي المذهب ورأس المذهب ، والآخر علي بن إبراهيم القائل بتحريف القرآن .
حديث4 و5 : سندهما ضعيف وكلاهما مرفوعان .(154/28)
حديث 6 : سنده ضعيف ، أحد رواته حفص بن غياث العامي(1) المذهب وقاضي الكوفة وبغداد من قبل هارون الرشيد والآخر علي بن إبراهيم القائل بتحريف القرآن وفيه أبوه المجهول الحال ، وفيه كذلك سليمان بن داود المنقري الذي قال عنه ابن الغضائري والعلامة الحلي إنه في غاية الضعف ولا يلتفت إلى حديثه ، وله موضوعات كثيرة في المسائل المهمّة .
[ باب صفة العلماء ]
حديث 1 : سنده : أحد رواته حسن بن المحبوب وله أخبار كثيرة تخالف القرآن كما سيأتي في الكافي باب أن الأئمة نور الله ، والآخر معاوية بن وهب وهو مجهول الحال .
حديث 2 : سنده : لا اعتبار له لأن علي بن إبراهيم كان يقول بتحريف القرآن وحرث بن المغيرة مهملٌ .
حديث 3 : لا اعتبار لسنده ، وأحد رواته هو البرقي الذي كان شاكّاً في دينه ومذهبه ، والآخر إسماعيل بن مهران الذي نسبوه إلى الغلّو . وقال ابن الغضائري : إن حديثه غير طاهر . ومضطرب ويروي عن الضعفاء والآخر هو أبو سعيد القماط قال عنه العلامة وجماعة إنه مهمل .
حديث 4 : سنده : ساقط الاعتبار بسبب وجود محمد بن إسماعيل وهو مشترك ومجهول .
حديث 5 : سنده : مرفوع بإقرار الكليني نفسه ، وبالإضافة إلى ذلك لا اعتبار له بسبب أحمد بن محمد البرقي الذي كان شاكاً في الدين ، ويقول المجلسي بإرساله .
حديث 6 : سنده : ضعيف بسبب محمد بن الخالد الذي كان مجهولاً أو واقفي المذهب ، والآخر محمد بن سنان وهو من الكذابين المعروفين ومن الغلاة وفاسدي العقيدة .
حديث 7 : سنده : مرسل ومرفوع وفيه عيوب أخرى أيضاً .
[ باب حق العالم ]
حديث 1 : سنده مرسل كما قال المجلسي أيضاً ، وبالإضافة إلى ذلك ، رواته ليسوا خالين من العيوب .
[ باب فقد العلماء ]
حديث 1 : سنده ضعيف من جهات عديدة : أوّلاً بسبب أحمد بن محمد البرقي الذي كان شاكاً في الدين ، وثانياً بسبب عثمان بن عيسى الواقفي الذي اختلس أموال موسى بن جعفر .(154/29)
حديث 2 : سنده مرفوع على قول الكليني نفسه ، وأما متنه فمخالف لعقيدة الشيعة لأن الشيعة يقولون إن موت عالم وشهادته كسيد الشهداء قد تُقدِّم الإسلام ودم الحسين رضي الله عنه أصبح سبباً في نشر دين الإسلام ، ولكنَّ هذا الحديث يقول إن موت العالم يحدث ثلمة وخسارة لا يسدُّها شيء .
حديث 3 : سنده ضعيف جداً ، بسبب علي بن حمزة البطائني الواقفي الملعون الذي لُعن من قبل الإمام .
حديث 4 : سنده فاسد بسبب ابن المحبوب الذي تخالف رواياته القرآن ، كما في باب ( أن الأئمة نور الله ) وسيأتي ذلك . والآخر سليمان بن خالد وهو من الغلاة بدليل الروايات المتعارضة مع القرآن التي نقلت عنه في المجلد الثاني من رجال الممقاني ص 75 .
حديث 5 : سنده ضعيف جداً ، بسب سهل بن زياد الكذاب المغالي وغيره .
حديث 6 : سنده مرفوع ومرسل . على قول المجلسي والكافي نفسه ، وأما متنه فإنّه أوّل الآية { إنّا نأتي الأرض ننقُصُها من أطرافها } فسرها بموت الإمام ، وهذا مخالف للقرآن ، لأنه يقول إن تأويل الآيات خاص بالله تعالى { وما يعلم تأويله إلا الله } وسيأتي بيان ذلك في باب ( أن الأئمة هم الراسخون ) .
[ باب مجالسة العلماء وصحبتهم ]
حديث 1 : سنده مرفوع ومرسل بإقرار الكليني نفسه .
حديث 2 : لا يصح سنده من جهاتٍ عدة . لوجود درست بن منصور وغيره ، وضعفه المجلسي .
حديث 3 : سنده فاسد . بسبب أحمد بن محمد البرقي الشاك في الدين ، وبسبب شريف بن سابق الذي عده علماء الرجال ضعيفاً ومضطرب الأمر . وبسبب فضل بن أبي قرة الذي ضعفه معظم علماء الرجال ، على كل حال لا بد من التعجب كيف أن علماء الإمامية يثقون بالكافي مع أن رواته من هؤلاء .(154/30)
حديث 4 : سنده : يقول المجلسي إنه مجهول ، أقول :ـ ربما يقصد المجلسي وجود منصور ابن حازم في سنده وهو الذي تعارض رواياته القرآن كثيراً ، كما نقل الممقاني عنه في ص 42 حديثاً فيه أنّ على القرآن قَيِّماً . واختلق أدلة خلافاً للقرآن كما ستأتي هذه الرواية في الكافي نفسه وسنبين إشكاله .
حديث 5 : سنده ضعيف كما يقول المجلسي في المرآة .
[ باب سؤال العالم وتذاكره ]
حديث 1 : سنده غير صحيح ، لوجود كل من علي بن إبراهيم وأبيه المجهول الحال ، ولأنه قال في آخِر السند ( عن بعض أصحابنا ) . وهذا الصاحب مجهول .
حديث 2 : لا يصح سنده برأينا . لوجود حريز الذي كانت له عصابة تغتال الناس وقد سل السيف آخر الأمر لقتال الخوارج وقد قتل مع أصحابه ولم يسمح سيدنا الصادق له بالدخول .
حديث 3 : سنده ضعيف لوجود سهل بن زياد الكذاب الفاسد المغالي وعبدالله بن ميمون مؤسس المذهب الإسماعيلي .
حديث 4 : لا يصح سنده : لوجود علي بن إبراهيم الذي كان يقول بتحريف سورة الفاتحة ، وكان يقرأ { صراط الذين أنعمت عليهم } ( صراط من أنعمت ) خلافاً لتواترها كما جاء في تفسيره ، وبالإضافة إلى أن متنه يأمر بما لا يطاق ويضيق على الناس في التكاليف خلافاً للقرآن .
حديث 5 : سنده مرسل كما يقول المجلسي في المرآة .
حديث 6 : سنده كسند الحديث 4 .
حديث 7 : سنده ضعيف لوجود محمد بن سنان وهو من الكذابين المشهورين ومن الغلاة ولوجود ابن الجارود الذي ضعّفه علماء الرجال وهو الذي ابتدع مذهب الجارودية .
حديث 8 : سنده مرفوع ومرسل كما قال المجلسي والكليني نفسه .
حديث 9 : سنده فاسد ؛ لوجود أحمد بن البرقي الشاك في الدين والمذهب .
[ باب بذل العلم ]
حديث 1 : سنده ضعيف كما يقول المجلسي في المرآة ، وفي سنده منصور بن حازم الذي مر ذكر حاله في الحديث الرابع في ( باب مجالسة العلماء ) وله روايات أخرى تعارض القرآن .(154/31)
حديث 2 : سنده ضعيف لوجود البرقي ومحمد بن سنان الكذاب فاسد العقيدة .
حديث 3 : سنده ضعيف لوجود عمرو بن شمر بن يزيد الذي ضعّفه جميع علماء الرجال . ولوجود جابر الجعفي أيضاً وهو من الغلاة وسيأتي ذكر غلوه في هذا الكتاب مع أن الغلو أمر يخالف القرآن ، حيث قال الله في سورة المائدة الآية 77 : { لا تغلوا في دينكم } .
حديث 4 : سنده مرسل .
[ باب النهي عن القول بغير علم ]
حديث 1 : سنده ضعيف لوجود علي بن الحكم ورواياته مليئة بالخرافات كما سيأتي من رواية سلسلة الحمار في باب ( ما عند الأئمة من سلاح رسول الله ) وأيضاً في باب ( أن الأئمة تدخل الملائكة بيوتهم ) وفي أبواب أخرى ، وأيضاً لوجود سيف بن عميرة الذي لعنه الأئمة ، ولوجود مفضل بن يزيد أيضاً الذي كان من مجالسي محمد بن بقلاص وأصحابه : وعجباً للكافي رواته أناس كهؤلاء !!.
حديث 2 : سنده ضعيف بسبب محمد بن عيسى بن عبيد الذي له روايات تتعارض مع القرآن الكريم ومنها الخبر الخامس في هذا الكافي في باب ( أن الأئمة يعلمون متى يموتون ) . فليرجع إليه .
وأما متنه فيخالف فتاوى علماء الشيعة في زماننا الحاضر ، إذ أن الإمام الصادق يقول في هذا الخبر لعبدالرحمن بن حجاج : ( إيّاك وخصلتين ففيهما هلك من هلك ، إياك أن تفتي الناس برأيك أو تدين بما لا تعلم ) بناءً على هذا الحديث فإن ما كتبه علماء الشيعة في رسائلهم الإفتائية ، وأن هذه فتاوي السيد آية الله الفلاني و ... ، كله يخالف كلام الإمام ، ولذا فبموت أولئك المجتهدين تبطل فتاواهم التي كانت عبارة عن آرائهم ولا يبقى لها قيمة للمقلدين التالين . لقد وردت أحاديث أخرى كهذا الحديث وستأتي قريباً في ( باب التقليد ) .
حديث 3 : سنده لا اعتبار له بسبب وجود حسن بن محبوب الذي نُقل عنه خرافات تخالف القرآن جاءت في ( الكافي ) في باب ( أن الأئمة نور الله ) .(154/32)
حديث 4 : سنده فاسد كسابقه بسبب أحمد بن محمد بن خالد البرقي والوشاء وقد تقدما .
حديث 5 : سنده لا اعتبار له بسبب ربعي بن عبدالله الذي لعب بالقرآن في روايته التي نقلها الكافي في ( باب فيه نكت ونتف من تأويل الآيات ) ، ويقول المجلسي بجهالة السند .
حديث 6 : سنده لا اعتبار له بسبب أحمد بن محمد البرقي الشاك في الدين ، وبسبب حريز الذي ينقل روايات متعارضة مع القرآن والعقل كالرواية الثامنة في باب مواليد الأئمة في هذا الكافي نفسه . وأمّا متنه فمخالف لمتن الحديث السابق ومعارض له . لأن الإمام قال في الخبر الخامس : ( للعالِم إذا سُئِلَ عن شيء وهو لا يعلمُه أن يقولَ اللَّهُ أعلَمُ ) . ولكنه يقول في هذا الخبر : ( إذا سُئِلَ الرَّجُلُ منكم عمّا لا يَعلَمُ فليقُلْ لا أدري ، ولا يقل اللَّهُ أعلَمُ ) . نحن لا ندري كيف يجعلون هذه الأخبار المتناقضة حجة ودليلاً ، ألم يدرك الكليني هذا التناقض(1) ؟.
حديث 7 : سنده مرسل وضعيف على قول المجلسي .
حديث 8 : لا اعتبار بسنده كثيراً بسبب علي بن إبراهيم وأبيه .
حديث 9 : سنده مرسل وضعيف أيضاً كما يقول المجلسي .
[ باب من عمل بغير علم ]
حديث 1 : سنده ضعيف بسبب محمد بن سنان الكذاب ولوجود البرقي أيضاً في سنده ، وكذلك الحديث الثاني الوارد في هذا الباب .
حديث 3 : سنده ضعيف لوجود أبي الفضال الواقفي المذهب ، إضافة إلى أنه مرسل .
[ باب استعمال العلم ]
حديث 1 : سنده ضعيف كما يقول المجلسي في المرآة
حديث 2 : أيضاً ضعيف على المشهور ، وبالإضافة إلى وجود سليم بن قيس الهلالي الذي هو مجهول الحال وله كتاب مليء بالكذب .
حديث 3 : سنده ضعفه مشهور عن علماء الرجال وبالإضافة إلى أنه مرسل .
حديث 4 : سنده ضعيف كما يقول المجلسي في المرآة وبالإضافة إلى أنه مروي عن مجهول عن مجهول وعن مجهول آخر !!.
حديث 5 : وهو ضعيف السند بسبب محمد بن سنان الكذاب ومفضل بن عمر ، وهو من الغلاة .(154/33)
حديث 6 : سنده ضعيف ومرفوع ، وسبب ضعفه وجود البرقي الشاك في الدين .
حديث 7 : سنده ضعيف من عدة وجوه . وضعّفه المجلسي أيضاً .
[ باب المستأكل بعلمه والمباهي به ]
حديث 1 : سنده : يقول المجلسي : إن المشهور عن علماء الرجال ضعفه ، لأن أبان بن عياش وسليم بن قيس كلاهما مجروح ، وكذلك الحديث الثاني .
حديث 3 : سنده فيه علي بن إبراهيم الذي كان يقول بتحريف القرآن ، ولم يقبل بقراءة سورة الحمد المتواترة التي هي أحكم وأثبت تواتراً من كل المتواترات ! وقد روى عن أبيه وهو مجهول الحال . وأما قاسم بن محمد الأصفهاني فقد ضعّفه النجاشي والغضائري والعلامة الحلي وآخرون ، وكان من الغلاة ولم يكن مرضي الأصحاب .
حديث 4 : سنده ضعفه المجلسي وآخرون .
حديث 5 : هو كالحديث الرابع من حيث السند .
حديث 6 : جميع رواة سنده مطعونون ويروون الخرافات .
حديث 7 : سنده : أحد رواته ربعي بن عبدالله وسيأتي بيان ضعفه في باب ( فيه نكت ونتف من التأويل ) وبالإضافة إلى ذلك فإنه مرفوع ، ومتنه يسبب فضيحة للمجتهدين .
[ باب لزوم الحجة على العالم وتشديد الأمر عليه ]
حديث 1 : ضعفه المجلسي وسائر علماء الرجال .
حديث 2 : سنده : سند الأوّل نفسه .
حديث 3 : يقول المجلسي إنه حسن ، ولكننا عرفنا علي بن إبراهيم وأباه الذي هو مجهول الحال ، فتكون الرواية فيها مجهولان .
حديث 4 : عدّه المجلسي ضعيف السند ومن رواته كل من حسين بن سعيد وهو من الغلاة ، وقد نقلت عنه روايات مخالفة للقرآن كما سيأتي في أبواب متعددة ، وأبي سعيد المكاري وهو أيضاً من الضعفاء كما يقول الممقاني .
[ باب النوادر ]
حديث 1 : سنده : وصفه الكليني نفسه بأنه مرفوع .
حديث 2 : سنده ضعيف بإجماع علماء الرجال .
حديث 3 : سنده صحيح مع أن رجاله ثقات لكنهم يروون أحياناً الخرافات .
حديث 4 : سنده ضعيف لوجود سهل بن زياد الغالي الكذاب .
حديث 5 : سنده مرفوع على ما يقول الكليني نفسه .(154/34)
حديث 6 : ضعيف كما يقول المجلسي وسائر علماء الرجال ، وكذلك الحديث السابع .
حديث 8 : سنده مرسل .
حديث 9 : سنده ضعيف لدى علماء الرجال خاصة لدى المجلسي في المرآة .
حديث01: في سنده ابن فضّال الواقفي المذهب وهو ضعيف .
حديث11: سنده ضعيف على حد قول المجلسي في المرآة .
حديث21: سنده يعد ناقصاً بسبب علي بن إبراهيم وبسبب هشام أيضاً ، لأن هشاماً له روايات متناقضة في الإمامة .
حديث31: سنده ضعيف من عدة أوجه : ويكفي وجود سهل بن زياد في سلسلة رواته ، وعدّه المجلسي ضعيفاً .
حديث41: سنده : فيه حسين بن الحسن مشترك بين الثقة والمهمل ، ومحمد بن زكريا مجهول الحال ، وبالإضافة إلى أن الحديث مرسلٌ . وابن عائشة ( البصري ) مهمل .
حديث51: سنده : ضعفّه المجلسي في المرآة .
[ باب رواية الكتب والحديث وفضل الكتابة ]
حديث 1 : سنده : يقول المجلسي إنه موثق ولكن ما الفائدة منه ومتنه فاسد ، لأنّ الله قال في الآية 71 في سورة الزمر : { فبشّر عبادِ ، الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أُولو الألباب } . إذن المعنى الصريح للآية يؤكد أن : أهل الهداية وأولو الألباب هم الذين يستمعون القول ويتبعون أحسنه ، سواء من حيث التصديق أو من حيث العمل ، أو من حيث النقل للآخرين .
أما رواة هذا الحديث فقد اتهموا الإمام الصادق أنه فسّر بالرأي وقال : إن هذه الآية خاصة بمن ( يسمع الحديث فيُحدث به كما سمعه ) لا بد أن يُعلم أن الإمام الصادق نفسه قال : لا يحق لأحد أن يفسر القرآن برأيه ، فكيف خالف رأي نفسه وفسّر بالرأي ، فالآية عامة ولا تختص بنقل الحديث كما سُمع ، وأحسن الاتباع لقول ما هو العمل به ، لا نقله فحسب .(154/35)
هؤلاء الرواة كأبي بصير وأمثاله وإن عدوا ثقة فإنهم يسقطون من الاعتبار بتلاعبهم بالقرآن ، أو بتفسيرهم بالرأي وبالتالي فإنه لا يُعتمد على رواياتهم . وتحريف القرآن تحريفاً معنوياً هو خلاف العقل ولآيات القرآن نفسه .
حديث 2 : جاء في سنده اسم محمد بن الحسين وهو مشترك بين عدة أشخاص ما عرف المقصود منهم بالذات ، فلا اعتبار له إذن ولو أن المجلسي صححه !.
حديث 3 : يقول المجلسي بضعفه ، وأحد رواته ابن سنان الكذاب .
حديث 4 : سنده : ضعيف جداً ، بسبب علي بن أبي حمزة البطائني الخبيث ورأس مذهب الواقفية .
حديث 5 : سنده : فيه إشكال بسبب ابن محبوب الذي يروي كثيراً من الخرافات المخالفة للعقل والقرآن .
حديث 6 : يقول المجلسي إن سنده مرسل .
حديث 7 : يقول المجلسي بضعفه .
حديث 8 : سنده : مجهول كما يقول المجلسي في المرآة .
حديث 9 : سنده : ضعيف كما قال المجلسي وغيره .
حديث01: سنده : لا اعتبار له بسبب حسن بن علي بن فضال الواقفي المذهب .
حديث11: سنده : أحد رواته الخبيري وهو ضعيف ومن الغلاة ولذا عده المجلسي ضعيفاً .
حديث21: سنده : مرفوع أو ضعيف كما قال المجلسي .
حديث31: سنده : صحيح ولكن متنه مبهم وليس له معنىً واضح .
حديث41: سنده : ضعيف بسبب سهل بن زياد الكذاب .
حديث51: مجهول كما قال المجلسي في المرآة .
[ باب التقليد ](154/36)
حديث 1 : سنده : مجهول وضعيف بسبب أحمد بن محمد البرقي الشاك في المذهب . وأما متنه : قرأ أبو بصير الآية 13 من سورة التوبة للإمام الصادق التي جاء فيها أن أهل الكتاب اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله . ومما تعني على سبيل المثال أنّهم اعتقدوا في الأنبياء والأوصياء أو أكابر دينهم أنهم يؤثرون تأثيراًَ مادياً في حياتهم فيقضون حوائجهم ، ويستعينون بهم في الدعاء أو يمدحونهم ويستكينون لهم كما قال الله في الآية نفسها : { وما أمروا إلاّ ليعبدوا إلهاً واحداً ، لا إله إلا هو سبحانه عمّا يشركون } ، فأجاب الإمام الصادق بعد قراءة أبي بصير له : ( أما والله ما دَعوهم إلى عبادة أنفسهم ولو دَعَوْهُم ما أجابوهم ولكن أحلّوا لهم حراماً وحرّموا عليهم حلالاً فَعَبدوهم من حيث لا يشعرون ) . يعني أن قبول أحكامهم هو عبادتهم . ولنا أن نقول الآن : إذا كان الشيعة قد قبلوا هذه الرواية فلماذا يتوجهون إلى أكابرهم ( يعني إلى أئمتهم ) وقت العبادة ، ويعتقدون بحضورهم معهم ، واطلاعهم على نواياهم ودخائلهم ؟ ولماذا يعتبرونهم ملاذاً لقضاء حاجاتهم ؟ . وإذا كانوا يقبلون ما أمر الله والإمام الصادق فلماذا يجعلون أنفسهم مشركين كأهل الكتاب ؟! إذن هذا الحديث مع ضعف سنده فإننا نقبله لأنه يوافق القرآن في الآية 13 من سورة التوبة ، ولكن الشيعة لم يقبلوه بل عادوه وقلدوا أكابرهم فحرموا الحلال وأحلوا الحرام مخالفين بذلك أمر الله وقول الإمام الصادق .
حديث 2 : سنده : ضعيف بسبب سهل بن زياد الكذاب .
حديث 3 : سنده : اعتبره المجلسي مجهولاً . والشيعة لم يعملوا بهذا الحديث كالسابق .
[ باب البدع والرأي والمقاييس ]
حديث 1 : نحن نقول بعدم اعتبار سنده بسبب وجود المعلى والوشاء حيث يروي كلاهما الخرافات ، كما قلنا مراراً .(154/37)
ولكن نقبل متنه لأنه يوافق القرآن ، وإنْ كان الشيعة لا يلتفتون إلى هذا الحديث ولا يعملون به ولا بسائر الأحاديث الصحيحة .
هذا الحديث يقول إن الآراء والأحكام الجديدة التي أتت باسم الدين هي أسباب الفتنة ، ومخالفة لكتاب الله ، ولكن الشيعة أحدثوا أحكاماً جديدة كوجوب التقليد ، واتباع الظن ، وزيارة القبور ، والتحدث مع الأموات ، والتملق والتزلف لهم والنياح وألوف البدع الأخرى ، وزادوا في أصول الدين وفروعه بسبب أصولهم المذهبية وفروعها ومع هذا يدّعون أنّهم من أتباع سيدنا الأمير الذي قال هذا الحديث وقد عملوا على خلافه .
حديث 2 : سنده : ضعيف ومرفوع أيضاً ولكننا نقول إن متنه معتبر وإننا نعمل به وقد أقمنا النكير على البدع والخرافات المذهبية في كتبنا ومجالسنا وبينا بعدهم عن الدين بالأدلة الواضحة ، ولكن أتباع الكافي غضوا أبصارهم عن هذا الحديث وسكت علماؤهم عنه خلافاً لقول رسول الله ^ ، وأيدوا البدع التي أحدثت في الدين تاركين العوام وشأنهم غارقين فيها .
حديث 3 : سنده : ضعيف وأما متنه فمحكم . ولكن الشيعة أشاحوا بوجوههم عنه محاولين تلويث الإسلام ببدعهم وخرافاتهم محترمين أصحاب البدع ومعظمين الذين لوثوا الإسلام من الفلاسفة والصوفية والشيخية .
حديث 4 : سنده : ضعيف ومرفوع أيضاً . وأمّا متنه فهو : إن الله لا يقبل التوبة من صاحب البدعة . وهذا يخالف الآية 84 من سورة النساء حيث قال تعالى : { إنّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } ، وكذلك يخالف الآية 35 من سورة الزمر حيث قال تعالى : { إن الله يغفر الذنوب جميعاً } ويمكن القول إن معنى الحديث هو أن الله لا يتيح لهذا التائب التوفيق للتوبة وإن كان هذا خلاف الظاهر .
حديث 5 : وإن صُحح فلا اعتبار لسنده لأن رواته أمثال حسن بن محبوب ومعاوية ابن وهب اللذين رويا الخرافات .(154/38)
وأمّا متنه فمخالف للعقل والحس . ونصُّه : ( إنّ عند كلّ بدعة تكون من بعدي يُكاد بها الإيمان وَليا من أهل بيتي مَوّكلا به يذُبُّ عنهُ ، ينطقُ بإلهام من الله إليه ويُعلنُ الحقَّ ويُنَوّره ويرد كيد الكائدين ) . مع أن في عصرنا ألوفاً من البدع والخرافات وثمة مئات من المرشدين والعلماء عمدوا إلى نشرها وليس من أهل بيت رسول الله من هو موكل بدفع هذه البدع .
حديث 6 : سنده : ضعيف ومرفوع أيضاً كما قال المجلسي في المرآة . ويصدق هذا على مدعيي العلم والقضاة في عصرنا حيث أنهم مغرورون ويدّعون معرفة الحقيقة ، وهم بريئون من ذلك ، وما أهرقوا من الدماء تشهد على جرائمهم ، وهم يفرقون بين الإمام والمأموم في أحكام الإسلام ، وعلى سبيل المثال إذا أساء أحد إلى الإمام أو أهانه يوجبون عليه القتل ولا قصاص على القاتل ، وأما إذا أسيء إلى المأموم أو أُهين فلا يعامل هذه المعاملة ، وما من أحد يسأل هؤلاء هل في أحكام الإسلام خصوصية أو تبعيض ؟ سند هؤلاء القضاة هو ما قاله سيدنا علي الأمير رضي الله عنه : ( مشغوف بكلام بدعةٍ ... فاستكثر ما قلَّ منه خيرٌ ممّا كَثُر حتى إذا ارْتَوى من آجِن واكتنز من غير طائل ) .(154/39)
حديث 7 : سنده : قال المجلسي إنه ضعيف . أجل والدليل أن معلى بن محمد والوشاء كلاهما من رواة الخرافات المخالفة للعقل وأبو شيبة الخراساني مجهول الحال ، وأمّا متنه : قال الإمام الصادق : ( وإنّ دين الله لا يقاس بالعقول ) . يعني لا يمكن الحصول على المطالب الدينيّة بالقياسات العقلية ، ولكن الشيعة ـ مع الأسف ـ لم يلتفتوا إلى هذا الكلام ولقد بنوا أكثر عقائدهم على القياسات العقلية ، مثل قولهم إن الشمس رجعت لسيدنا علي رضي الله عنه ، فما هو الدليل ؟ دليلهم أن الشمس رجعت لسيدنا سليمان . الإمام يستطيع أن يحيي الموتى . فما الدليل ؟ دليلهم أن سيدنا عيسى أحيا الموتى ! الإمام له ولاية تكوينية ويستطيع أن يتصرف في الأرض والسماء فما الدليل ؟ الدليل أن آصف الذي كان يعرف حرفاً من حروف الاسم الأعظم قد أتى بسرير بلقيس في طرفة عين ، فالإمام الذي يعرف سبعين حرفاً من حروف الاسم الأعظم يستطيع أن يعلم كذا وكذا ..! أليس كل هذا قياساً ، هل تجدون اسماً في لغة العرب والعجم له سبعون حرفاً !! إن هؤلاء يستندون بكل عقائدهم الخرافية على هذه القياسات !.
حديث 8 : سنده : مرفوع بالإضافة إلى أن علي بن إبراهيم هو من الغلاة وأما متنه : حيث قال الإمام الباقر : ( كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة سبيلها إلى النار ) ، متن هذا الحديث على غاية الجودة ، ولكن مدعّو التشيع مع الأسف لم يلتفتوا إلى كلام الإمام وأتوا بخرافاتٍ قدر ما استطاعوا باسم مذهب هذا الإمام . مثل النواح ولطم الخدود بالسلاسل الحديدية من أجل الإمام واختلاق الحُجية وجعل الإمام شريكاً للقرآن بل شريكاً في إدارة الكون و ... و ... و ... الخ .(154/40)
حديث 9 : لا اعتبار لسنده بسبب محمد بن حُكَيم المجهول وبسبب علي بن إبراهيم ، وأما متنه فمخالف للقرآن ونهج البلاغة ، لأن الصادق سبَّ أبا حنيفة ولعنه في هذا الحديث مع أن القرآن قال في سورة الأنعام الآية 801 : { ولا تسبّوا الذين يدعون من دون الله } يعني لا تسبوا المشركين وكيف يمكن لعن أبي حنيفة ! وقال علي رضي الله عنه لجيشه في نهج البلاغة : لا تسبوا أصحاب معاوية ويقول : ( إنّي أكره لكُم أن تكونوا سبَّابين وقولوا مكانَ سبِّكم إيّاهم : اللَّهمَّ احقِن دماءنا ودماءهم وأصلح ذات بيننا وبينهم ) هل الإمام الصادق كان غافلاً عن القرآن ونهج البلاغة أم أن علي بن إبراهيم والكليني وأمثالهما نسبوا إليه هذا الكذب ؟ .
حديث01: سنده : مرفوع كما يقول الكليني نفسه وأما متنه يقول : ( ومن ترك كتاب الله وقول نبيه كفر ) والآن لا بد من النظر هل الكليني وأمثاله الذين قد جمعوا كل هذه الروايات المتعارضة مع القرآن ، أليس هذا من معاني ترك القرآن ؟ ألم يترك القرآن الذين يقولون إن للقرآن سبعة بطون أو سبعين معنى ، بالإضافة إلى أن أحداً لا يفهم القرآن إلا الإمام ، أو يقولون إنه يجب فهم القرآن بالخبر وتفسير الإمام وإلا فهو غير قابل للفهم ؟. أو يقولون إن القرآن محرف كالكليني الذي يقول إن أحد عشر ألف آية قد سقطت من القرآن ! هل يدخلون في حكم هذا الحديث ؟ وأيم الله أن معنى هذه الأقوال هو نفسه ترك القرآن وترك قول رسول الله ^ .
حديث11: سنده : لا اعتبار له لوجود الوشّاء ومثَنَّى الحنّاط مجهول الحال .
حديث21: سنده : مجهول كما قال المجلسي في المرآة .
حديث31: سنده : لا اعتبار له بسبب سماعة بن مهران الواقفي ولكن المجلسي قد وثقه ! بالإضافة لذلك يُعرف من خبر الخامس في ( باب أن الأئمة يعلمون متى يموتون ) أن محمد بن عيسى بن عبيد لم يكن يعتقد بالقرآن .(154/41)
وهو راوي المطالب المتعارضة مع القرآن ولهذا فيسقط اعتبار السند كلياً . وأما متنه كالرواية التاسعة فساقط من حيث إنه يزرع التفرقة والشقاق بين المذاهب الإسلامية ويؤدي إلى وقوع العناد بينهم . وهذا القبيل من الرواة الذين لم يعتقدوا بالقرآن قد زرعوا الفرقة بين المسلمين بوضعهم هذه الأحاديث !.
حديث41: سنده : مجهول كما يقول المجلسي والآخرون لأن أبا شيبة مجهول الحال .
حديث51: سنده : مجهول أيضاً .
حديث61: سنده : غير معتبر لأن عثمان بن عيسى واقفي المذهب ، واختلس أموال موسى ابن جعفر .
حديث71: سنده : ضعيف كما يقول المجلسي لأن هارون بن مسلم كان يقول بالجبر والتشبيه ، ومسعدة بن صدقة عامي المذهب من المتبرئة ، وعلي بن إبراهيم كان يقول بتحريف القرآن . وعلى كل حال فمتن هذا الحديث يجعل العلماء الذين يفتون ( بالرأي ) لا دين لهم ومخالفين لكتاب الله . لأن الإمام الباقر عليه السلام قال : ( من أفتى الناس برأيه فقد دان الله بما لا يعلم ومن دانَ اللَّهَ بما لا يعلم فقد ضادّ الله ) .
حديث81: سنده : ضعيف كما يقول المجلسي : لأن حسين بن مَيّاح كان من الغلاة وكان أبوه مجهولاً ، وأما متنه فيخالف القرآن لأن القرآن يقول إنّ آدم خلق من الطين لا من النطفة ولكن في هذا الحديث يقول الإمام إن الجوهر الذي خَلق الله منه آدم كان أكثر نوراً وضياءً من النار وهذا نتيجة من نتائج روايات الغلاة ، حيث غالوا في حق آدم أيضاً .(154/42)
حديث91: لا عبرة لسنده بسبب وجود محمد بن عيسى بن عبيد الذي ذُكر بيان حاله في خبر 31 بسبب وجود حَرِيز الذي نُقل عنه روايات مخالفة للقرآن في باب مواليد الأئمة ، وسيأتي ذلك . وأما متنه : فقد قال علي رضي الله عنه : ( ما أحَدٌ ابتَدَعَ بدعة إلا ترك بها سنَّةً ) والمقصودون بهذه المذمة هم الذين يدّعون بأنهم شيعة علي وكلهم أعداؤه برأينا ، لأنهم قد غرقوا في البدع وتركوا السنن ذلك لأن ( دعاء الندبة ) قائم بينهم في حين أنهم تاركون لصلاة الجمعة . وهكذا ...
حديث02: سنده : مجهول بسبب وجود أحمد بن عبدالله العقيلي كما قال الممقاني ووجود عيسى بن عبدالله القرشي ، وأما متنه فمتناقض مع متن حديث 81 المذكور في هذا الباب حيث قارن هنا نورانية آدم بروح إبليس التي هي من النار ( وبذلك يكون قد قارن بين نورانية آدم وهي روح إنسانية مع الروح الناري لإبليس وهناك قاس جوهر مادة الخلقة ) .
حديث12: سنده مرسل كما قال المجلسي ، وكذلك هنا محمد بن عيسى الذي تقدم ذكره من حديث 31 وهو ضعيف جداً .
حديث22: سنده : مرسل بإقرار الكليني نفسه وأحمد بن محمد البرقي أيضاً كان شاكاً في الدين والمذهب ولكن متنه في غاية الجودة ولكن مع الأسف فإن الذين يدّعون أنهم يتبعون كتاب الكافي فإنَّ هذا الحديث يخالف أعمالهم وعقائدهم لأن هذا الحديث يقول كل شيء غير القرآن منقطع ولا فائدة منه : ( فإن كلّ سَبَبٍ ونسبٍ وقرابة وليجةٍ وبدعَةٍ وشبهةٍ منقطع إلاّ ما أثبته القرآن ) .
[ باب الرَدِّ إلى الكتاب والسنة وأَنَّهُ لا شيء
من الحلال والحرام وجميع ما يحتاج الناس
إليه إلاَّ وقد جاء فيه كتاب وسنة ](154/43)
حديث 1 : سنده : ضعيف وضعفه المجلسي أيضاً . لأن علي بن الحديد من الضعفاء وكان فطحي المذهب ، وأمّا متنه فمخالف لأقوال الشيعة ، لأن الشيعة يقولون إن القرآن غير كافٍ إلا بإضافة خبر من الإمام والقرآن ليس فيه كل شيء ، ولكن هذا الحديث يقول كما يقول القرآن نفسه : ( ما ترك الله شيئاً يحتاج إليه العباد إلا وأنزله في القرآن ) .
وقال الله تعالى في سورة النحل الآية 98 : { ونزّلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء } . وقال في سورة الأنعام الآية 83 : { ما فرّطنا في الكتاب من شيء } . إذاً فإن الذين لا يعرفون أصول دينهم ولم يأخذوها من القرآن ، حتى عندما تسألهم أين أصول دينكم ومذهبكم في القرآن فإنهم يقولون لك إن القرآن لم يحوِ كل شيء . فصلاة الظهر أربع ركعات فأين بيان ذلك في القرآن ، وبهذه الحجة الواهية تركوا القرآن ولم يعد لهم من علم بكتاب الله .
حديث 2 : سنده : ضعيف على قول المجلسي ، وأمّا متنه فكالحديث الأول مخالف لأقوال الشيعة لأنه يقول : ( إن الله لم يدع شيئاً يُحتاج إليه إلا أنزله في كتابه وبيّنه لرسوله ) .
حديث 3 : سنده : مجهول وضعيف .
حديث 4 : لا عبرة لسنده بسبب وجود محمد بن عيسى الذي ذكر حاله في خبر 31 من الباب السابق ، إضافة إلى أن حماد مشترك بين الضعيف والمجهول فضلاً عن ذلك فإن راويه علي بن إبراهيم من الغلاة .
حديث 5 : لا اعتبار لرواته وسنده ، وضعفّه المجلسي ، ولكن متنه صحيح ومقبول لأن الإمام الباقر يقول في هذا الحديث : أنا أتبع القرآن وأقول بما فيه . فهو لا يخالفه بل يتبعه ، لكن الشيعة يجعلون الإمام أصلاً للدين ويجعلون عدم المعرفة بالإمام وإنكاره كفراً . فبناءً على هذا لم تأخذ الشيعة أصل دينهم من القرآن ولم يأخذوه من الإمام وحتى إن بعض أهل خرافاتهم يجعلون الإمام أعلى من القرآن ـ نعوذ بالله ـ فلقد جعلوا أخبار الإمام كافية في حين أن آيات القرآن غير كافية في نظرهم .(154/44)
حديث 6 : سنده : مرسل وضعيف بسبب ابن فضّال الواقفي المذهب ، ومعلى بن خنيس المغالي من رجال السند !.
حديث 7 : مرسل كما قال المجلسي .
حديث 8 : سنده : مجهول كما قال المجلسي في المرآة ، ومتنه لا يوافق كتاب الله ، لأن كتاب الله ليس تاريخاً للآتين من الناس بل هو بيان كل شيء شرعي من أحكام الحلال والحرام ، ولكن هنا يقول : فيه بدء الخلق وما هو كائن إلى يوم القيامة مع أنه في الواقع ليس كذلك ولم يعطنا الله دليلاً لذلك ، ولكن هؤلاء الرواة كذبوا على الإمام كي لا يستطيع أحد إنكاره ، وبالإضافة إلى أن الإمام قد مدح نفسه هنا كثيراً وزكاها ، وهذا عمل شائن مخالف للآية التي تقول : { فلا تزكّوا أنفسكم } .
حديث 9 : لا شأن لنا بسنده وأما متنه فهو كالخبر السابق حيث جعل القرآن جامعاً لأخبار الآتين ، ليظهر أنه عالم به وليمدح نفسه ! .
حديث01: سنده : ضعيف بسبب وجود أحمد بن محمد بن خالد البرقي الشاك في الدين ، وسيف بن عميرة الذي لعنه الأئمة ومن العجب أن المجلسي جعل هذا الحديث مُوَثَّقاً .
[ باب اختلاف الحديث ](154/45)
حديث 1 : سنده : ضعيف كما قال المجلسي ، وأما متنه ففيه عدد من الإشكالات ، الأول : أن هذا الحديث الطويل نُقل عن سليم بن قيس الهلالي وكتابه ، ويجب العلم أن الممقاني يقول في تنقيح المقال ج2 ص25 . قال الغضائري روى سليم بن قيس عن الإمام الصادق والإمام الحسن والإمام الحسين وعلي بن أبي طالب ولكن يقول أصحابنا الشيعة وعلماء الشيعة أن سليماً لم يُعرف ويُشَك في أصل وجوده ولم يذكروه بالخير ، والكتاب المنسوب إليه موضوع قطعاً وفيه أدلة كافية للدلالة على وضعه ، وقال الشيخ المفيد في كتاب شرح اعتقادات صدوق ص27 طبع تبريز : إن ذلك الحديث الذي أخذه صدوق عن كتاب سليم ليس صحيحاً . وينبغي للمتدين أن يجتنب العمل بجميع ما في كتاب سليم لأنه خليط من الكذب والتدليس ، قال ابن داود : هناك منكرات في كتاب سليم يعني فيه أكاذيب واضحة . وأنا أعده موضوعاً ومختلقاً . وقد ذُمَّ في قاموس الرجال . قد ذكر بعض الأفاضل عدداً من أكاذيبه :
1 ــ قال في هذا الكتاب إن محمد بن أبي بكر وعظ أباه في احتضاره مع أن أبا بكر عقد على أم محمد هذا في السنة التاسعة من الهجرة ، وولد محمد في السنة العاشرة من الهجرة في سنة حجة الوداع . ولما توفي أبو بكر لم يكن لمحمد أكثر من عامين وعدة أشهر ، كيف يعظ الطفل أباه وهو في السنة الثانية من عمره !.
2 ــ ذكر في هذا الكتاب أن عدد الأئمة ثلاثة عشر إماماً . كما جاء في كتاب الكافي أيضاً عدد من الروايات حيث تدل أن عدد الأئمة ثلاثة عشر إماماً وسيأتي ذكر ذلك في باب ما جاء في الاثني عشر .
3 ــ قد شرح الصحيفة الملعونة الواردة في ذلك الكتاب ولا يُعلم متى كتبت تلك الصحيفة . على الرغم من أن هذه الصحيفة مكذوبة .(154/46)
4 ــ سليم أتى بحديث في كتابه أن رسول الله ^ قال لعلي عليه السلام : أنا لا أخاف عليك من الجهل والنسيان ولكن أكتب هذا الحديث لشركائك ( يقول المؤلف على الظاهر تتمة هذا الحديث الأول باب اختلاف الحديث ) . قال علي : مَنْ شركائي ؟ : فذكر رسول الله ^ أسماء الأئمة واستمر على ذلك .. حتى يقول سليم : لقد عرضت هذا الحديث على الإمام الحسن والإمام الحسين بعد وفاة معاوية . وقد قال هذان السيدان : يا سليم نحن كنا جالسين وحدثك أمير المؤمنين بهذا الحديث . وسليم هذا الكذاب لم يكن يعرف أن الإمام الحسن توفي قبل معاوية بعشر سنين إذ توفي معاوية في سنة 06هـ والإمام الحسن في سنة 05هـ . فكيف يقول عرضت هذا الحديث بعد وفاة معاوية على الإمام الحسن .
5 ــ نسبة قتل المختار بن أبي عبيد إلى الحجاج بن يوسف مع أن المختار قد قتل في عام 46 أو 56هـ في حربه مع مصعب بن الزبير . والحجاج وصل إلى حكم الكوفة ورياستها سنة 67هـ يعني بعد عشر سنين من قتل المختار . على كل حال روى الكليني في الكافي عن سليم المجهول الوجود وعن كتابه الموضوع أحاديث كثيرة ، ومن جملة ذلك في باب ما جاء في الاثنى عشر حديث رقم 4 عن سليم وعن كتابه ، فقد أسس المذهب الاثنى عشري على كتاب موضوع كهذا ، ثانياً : قال علي رضي الله عنه في هذا الحديث : للحديث أيضاً ناسخ ومنسوخ ومحكم ومتشابه وكذلك في الحديث الثاني والثالث في هذا الباب وعشرات من الأحاديث الأخرى ، إذاً الذين يقولون إن القرآن غير قابل للفهم لأن فيه محكماً ومتشابهاً أو يقولون فيه ناسخ ومنسوخ فالرد عليهم هو أَنَّ للحديث أيضاً ناسخ ومنسوخ ومحكم ومتشابه فقولوا إذن إنّ الأحاديث أيضاً غير قابلة للفهم ! كما تقولون في القرآن ! ( ولماذا تقتصرون على ترك القرآن وحده ) .
حديث 2 : سنده : ضعيف بسبب عثمان بن عيسى الواقفي الذي اختلس أموال الإمام .(154/47)
حديث 3 : لا اعتبار لسنده لأن في أوّل السند علي بن إبراهيم الذي حرف القرآن ، وقد روى عن أبيه المجهول الحال ، وفي آخر السند منصور بن الحازم وله روايات متعارضة مع القرآن ، كما نقل صاحب تنقيح المقال وقد صنع حججاً ! بعد رسول الله تقابل كلام الله .
وأمّا متن الحديث : يقول الإمام إنا نجيب الناس بالزيادة والنقصان وأفتي على خلاف ما أفتيتُ ، كما كان لأحاديث الرسول ناسخ ومنسوخ فحديثنا كذلك . هذا الحديث مخالف للقرآن لأنه لا يوحى لأحد بعد النبي ^ ولا يحق لأحد أن ينسخ شيئاً بعد النبي ^ ، فهل يستطيع الإمام أن يقول من عنده شيئاً في دين الله فضلاً عن أن ينسخ شيئاً ؟. قال الله تعالى في سورة آل عمران الآية 49 : { فمن افترى على الله الكذب من بعدِ ذلك فأولئك هم الظالمون } .
وإضافة إلى ذلك قال الله تعالى في سورة النساء الآية 561 : { لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل } فكيف يمكن قبول الروايات المتناقضة والناسخة والمنسوخة والمختلف عليها من غير رسول الله ^ .
حديث 4 : سنده : ضعيف لوجود سهل بن زياد الكذّاب الخبيث وضعّفه المجلسي أيضاً ، وأمّا متنه : قال الإمام هنا : نحن نصدر الفتاوى بالاختلاف ( يعني نفتي بفتاوى مختلفة في مسئلة واحدة ) مع أنّ هذا الإمام نفسه قال في رواياتٍ متعددة لا يحق لأحد أن يفتي في الإسلام . كما مرّ في باب النهي عن القول بغير علم .(154/48)
قال الله تعالى لرسوله ^ في سورة النساء الآية 671 : { يستفتونك قل الله يفتيكم } حيث جعل الفتوى مقصورة عليه ، وقال في آية 721 أيضاً : { ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن } . وأيضاً قال لرسوله ^ في سورة النساء الآية 501 : { إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله } وقال في سورة المائدة : { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ... فأولئك هم الظالمون ... فأولئك هم الفاسقون } . كما يُستفاد هذا المطلب من آياتٍ أخرى أيضاً . مثل آية : { عفا الله عنك لم أذنتَ لهم } { ويا أيها النبي لم تحرم ما أحلَ الله لك } . في مثل هذا الحال كيف يمكن أن يقال إن الإمام أفتى بالاختلاف ؟. قد يقول أحد إنه عمل بالتقية ! نقول لا بد من السكوت في التقية ، ولا تعني التقية إصدار مئات الفتاوى المتعارضة !.(154/49)
حديث 5 : لا اعتبار لسنده لوجود حسن بن علي بن الفضال الواقفي المذهب ، وأما متنه : ( قال زرارة سألت الإمام الباقر عن مسألة : فأجابني ثم جاءه رَجُلٌ فسأله عنه فأجابه بخلاف ما أجابني ثم جاء رجُلٌ آخر فأجابه بخلاف ما أجابني وأجاب صاحبي ، فلمّا خرج الرجلان : قلتُ يا ابنَ رسولِ الله رَجُلان من أهل العراق من شيعتكم قَدِما يسألان فأجَبْتَ كُلَّ واحدٍ منهما بغيرِ ما أجبتَ به صاحبَهُ فقال : يا زرارة : إنّ هذا خيرٌ لنا وأبقى لنا ولكم ولو اجتمعتم على أمر واحد لصدقكم الناس علينا ولكان أقلّ لبقائنا وبقائكم . يعني أنه يقول أجبت بالاختلاف ليكون الاختلاف مستمراً بين الشيعة وذلك خير لبقائنا وبقائكم !! لكي لا يفهم الناس قولنا عن قولكم . يقول المؤلف : إن هذه الرواية على خلاف ما جاء في القرآن ؛ حيث يجعل أهل التفرقة بعيدين عن الإسلام حيث يقول في سورة الأنعام الآية 951 : { إنّ الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً لستَ منهم في شيء } . وحق التشريع خاص لله ، والمشرع هو الله وحده لا يحق لأحد غيره أن يشرع . كما قال في سورة الشورى الآية 31 : { شرع لكم من الدين } وقال في آية 12 : { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين } وآيات أخرى . مثل { ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام } . ومثل { أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه } . فبناءً على هذا إذا كان الإمام يخاف من أعدائه فله أن يسكت لا أن يفتي على خلاف الواقع ويزرع التفرقة بين الشيعة حتى لا يُعرفوا على حكم واحد ! ثُمَّ هل يحق للإمام أن يفتي بخلاف الحقيقة .
وهذا الإشكال وارد كذلك في الحديث السادس ، وواضح أن أعداء الإسلام قد نشروا هذه الفتيا المخالفة للقرآن باسم المذهب وباسم الإمام وعلى صورة حديث ، وذلك كي يسقطوا حجية القرآن ويوقعوا المسلمين في حيرة .(154/50)
حديث 6 : ضعيف بسبب محمد بن سنان وهو من الكذابين المشهورين وسيأتي ذكره في باب النوادر من كتاب التوحيد من كتاب الكافي .
حديث 7 : سنده : ضعيف لوجود عثمان بن عيسى الواقفي المذهب ، الوكيل الخائن لموسى ابن جعفر رضي الله عنه .
حديث 8 : سنده : ضعيف لوجود عثمان بن عيسى ، والعجيب من الكليني الذي روى عن هؤلاء الخونة فكأنه لم يجد راوياً صادقاً ! إضافة إلى أن السند مرسل . وأما متنه : يقول الإمام الصادق للراوي أرأيتكَ لو حدثتُكَ بحديثٍ العام ثم جئتني من قابل فحدثتُك بخلافه بأيِّهما كنتَ تأخذ ؟ قال . قلتُ كنتُ آخُذُ بالأخيرة ، والسؤال الآن هو ، هل يجوز لأحد أن يحكم بحكم من أحكام الدين بين ساعة وأخرى ويكون الحكم مخالفاً لما سبقه ؟ ، إذا كان الإمام كذلك فرحم الله المأموم !. أليس هذا افتراء على الله أن يصدر كل واحد حكماً مختلفاً عن الآخر باسم الدين .
حديث 9 : سنده : ضعيف بسبب معلّى بن خنيس ، ويقول المجلسي إنه مجهول وأمّا متنه : وقال الراوي للإمام إذا جاء حديثٌ عن أوَّلكم وحديث عن أخركم بأيهما نأخذ ؟ فقال خذوا عن الحيّ . وعلى هذا فإذا جاء حديث عن النبي ^ أو عن أمير المؤمنين وحديث عن الإمام الصادق ، فإنه يجب أخذ حديث الإمام الصادق وتُترك أحاديث الأئمة السابقين . والآن لا بد من سؤال الإمام اللاحق لماذا تأخذون الأحاديث عن آبائكم مع أنهم ليسوا أحياءً ! وبالإضافة إلى أن هذا الحديث يرد على الشيعة الذين يقولون إن الإمام لا يموت ! لأن الإمام الصادق يقول خذوا الحديث من الإمام الحي ، إذن يبدو أنه يوجد هناك إمام حيّ وآخر غير حي .(154/51)
حديث01: لا اعتبار لسنده بسبب وجود محمد بن عيسى الذي نقل عنه روايات متعارضة مع القرآن ! في باب ( أن الأئمة يعلمون متى يموتون ) . والراوي الآخر هو صفوان بن يحيى الذي نُقل عنه أخبار في باب السعادة والشقاوة حيث يبدو أنه جبري وقال الإمام : القائل بالجبر كافرٌ . والراوي الآخر هو عمر بن حنظلة وهو لَم يُوثق . وأما متنه : قال عمر بن حنظلة : سألتُ الإمام الصادق : أرأيت إن وجدنا أحد الخبرين موافقاً للعامة(1) والآخر مخالفاً لهم بأيِّ الخبرين يُؤخذ ؟ قال الإمام : ما خالف العامة ففيه الرشاد . وهنا لا بد من القول بأن مثل هذه الأخبار قد زرعت التفرقة وسوء الظن بين المسلمين وهل إذا قال العامة : إن علياً رضي الله عنه مسح رجله فيجب علينا أن نخالفهم ! ونقول لا ، بل نغسلها ؟! وإذا نقل العامة أثراً حسناً عن رسول الله يجب علينا أن نأخذ بخلافه ؟ لست أدري بماذا يحيي اللَّهُ هؤلاء الرواة الذين زرعوا التفرقة ؟ إن هذه الأخبار لا تعني سوى حمل المسلمين على سوء الظن ونشر الفتنة وقد قال الله في سورة الحجرات : { اجتنبوا كثيراً من الظنِّ إن بعض الظن إثم } .
[ باب الأخذ بالسنة وشواهد الكتاب ]
حديث 1 : سنده : ضعيف كما قال المجلسي وأمّا متنه فهو : قال رسول الله ^ : « ما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه » . ولكن الشيعة يعملون بخلاف قول رسول الله وبخلاف قول الأئمة كما جاء في هذا الباب ، مثلاً قال الله تعالى : { خلق لكم ما في الأرض جميعاً } ولكن محدثي الشيعة وخطبائهم يقبلون حديث الكساء حيث يقول إن الكون خُلق لخمسة أشخاص(2) ! مع أن هذا القول يخالف القرآن ويخالف أقوال أئمتهم ! وهناك كثير من المطالب الأخرى ! .
حديث 2 : سنده : ضعيف بل مجهول على قول المجلسي ، وأمّا متنه فيرد على عمل الشيعة كما ذُكر وكذلك الأحاديث اللاحقة في هذا الباب .(154/52)
حديث 3 : سنده : ضعيف بسبب أحمد بن خالد البرقي حيث كان مشككاً في الدين .
حديث 4 : سنده : لا اعتبار له ؛ بسبب ابن فضّال الواقفي وأيوب بن راشد المهمل ! وأما متنه : قال الإمام الصادق ( ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زُخرُفٌ ) بناءَ على هذا فإن معظم أحاديثنا هي خرافة لا توافق القرآن فهي إذاً زخرفة ، كالحديث الذي يقول : إن من يذهب إلى زيارة قبر تغفر جميع ذنوبه وله بكل خطوة ثواب حج وأجر شهيد وهذا كله يخالف الآيات الإلهية . أو الأخبار التي تقول إن الإمام يعلم الغيب مع أن القرآن يقول : { لا يعلم الغيب إلا الله } وألوف الأحاديث تنص على ذلك .
حديث 5 : سنده : مجهول كما يقول المجلسي ، وأما متنه فيخالف أكثر ما عليه الشيعة .
حديث 6 : سنده : مجهول كما قال المجلسي . وبالإضافة إلى ذلك إنه مرسل ، وأما متنه فيقول : قال الإمام الصادق : ( من خالف كتابَ الله وسنةَ محمدٍ فقد كفر ) . فبناءً على هذا ، فما تعارف عليه من البدع من أقوال المتمذهبين وأعمالهم في وطننا(1) يوجب الكفر .
حديث 7 : سنده : ضعيف من جهة محمد بن عيسى بن عبيد وهو مرفوع .
حديث 8 : سنده : ضعيف بسبب البرقي الشاك في الدين ، وأما متنه : قال سيدنا الباقر لأبان : ( ويحك وهل رأيتَ فقيهاً قطُّ ) لأن « أبان » قال : إن الفقهاء لا يقولون هذا إذا لم يكن ثمة فقيهٌ في ذلك العصر فما هو حالنا اليوم !.
حديث 9 : سنده : يقول المجلسي إنه مجهول ، وإن البرقي كان شاكاً في الدين وضعيفاً ، وإبراهيم بن إسحاق مهمل .
حديث01: سنده : يقول المجلسي إنه ضعيف ، وأما متنه فقد سمّى الذين يميلون إلى البدع ضالين كأصحاب مجالس المدح والنواح ولطم الوجوه والصدور من أول الليل إلى الفجر و ... و ... و ... .(154/53)
حديث11: سنده : يقول المجلسي إنه ضعيف ، أجل ؛ الراوي الأول والثاني والثالث والرابع كلهم ضعفاء ضعيف عن ضعيف عن ضعيف عن ضعيف ! والآن كيف يجعلون هذه الأخبار من أوثق الأخبار ؟ لا أحد يدري !.
حديث21: سنده : يقول المجلسي إنه ضعيف .
كتاب التوحيد
[ باب حدوث العالم وإثبات المحدث ]
حديث 1 : سنده : مجهول كما قال المجلسي ، وأما متنه فهو دليل على طهارة الكفار والذين لا دين لهم . وكذلك دليل على جواز دخولهم إلى المساجد . إن صح هذا الحديث فهو يخالف فتاوى المجتهدين الذين يقلدون الكليني ! لأنه يقول حضر زنديق في المسجد الحرام للطواف ، مع أنه كان ينكر وجود الله ، وهذا خلاف العقل أن يحضر منكر لوجود الله الطوافَ . لا بد أن يَوجَّه هذا السؤال إلى الرواة الوضاعّين ، نقول : إن الذين صنعوا هذه الروايات والذين يدافعون عنها ليسوا بعاجزين عن الرد والجواب وسيجدون جواباً عن مثل هذا السؤال !!.
حديث 2 : سنده : ضعيف لأن رواته حفنة من الناس المجهولين الذين لا عقيدة لهم . والمجلسي يقول إنه ضعيف ولم يبين وجه الضعف وأن هذا الحديث مرفوع ، أما متنه فيقول : أن أبا العوجاء وعبدالله بن المقفع اللذين ينكران الخالق والصانع جاءا إلى المسجد الحرام . وإذا ما سأل أحدٌ لماذا جاءا فإن الشيعة يقولون « ليس هذا من شأنك » .(154/54)
حديث 3 : سنده : ضعيف ، واعلم أن المجلسي ضعف الحديث الثالث في نسخة الكافي ( طبعة الأخوندي في طهران ) المرقم بالثلاث (3) عده الرابع وضعفه . ورواته كما يلي : الأسدي ، البرمكي ، والحسين بن الحسن بن برد الدينوريّ ، ومحمد بن علي أبو سمينة ، ومحمد بن عبدالله الخراساني ، وكل واحد منهم مجهول الحال لا التزام لهم ولا قيد يقيدهم وهم وضّاعون وغافلون عن القرآن والعقل ! لأن الأسدي والبرمكي هما اللذان وضعا واختلقا الزيارة الجامعة ! حيث معظم مفرداتها تعارض القرآن والعقل وكذلك فعل الآخرون حيث سيأتي بيان عن كل واحد منهم في مكانه . وأما متنه : فلا إشكال فيه .
حديث 4 : سنده : يقول المجلسي مجهول ولكننا نعده ضعيفاً بأدلة محكمة . وأما متنه ففيه عدة إشكالات . الأول : أنه يقول : سأل زنديق يسمى عبدالله الديصاني هشامَ ابن الحكم : هل يقدر ربك أن يُدخل الدُنيا كلها في البيضة دون أن تَصغَر الدنيا ؟ فلم يستطع هشامُ الجوابَ واستمهل ، يبدو أن هشام بن الحكم الذي قد أثني عليه وعلى علمه كثيراً في كتب الشيعة لم يستطع أن يجيب عن هذه المسألة السَّهلة ! والجوابُ الصحيح هو أنه لا يمكن وضع مظروف كبير في مظروف صغير ولأنه محال فهو لا يتعلق بقدرة الله تعالى والله تعالى ( على كل شيء قدير ) والمحال ليس شيئاً .(154/55)
ولنر الآن ماذا فعل هشام لقد ذهب إلى الإمام فأجابه الإمام جواباً خدعه فيه ، ولكن يبدو أن هذا الجواب من صنع الرواة وليس من قول الإمام . وإننا لا نصدق أن الإمام يمكن أن يجيب بمثل هذا الجواب . قال له الإمام : ( انظر إلى السماء والأرض وإلى اليسار واليمين وأخبرني بما ترى فلما نظر قال : أرى سماءً وأرضاً ودُوراً وقصوراً وبراري وجبالاً وأنهاراً ، فقال له الإمام : إن الذي قَدِرَ أن يُدخِلَ الذي تراه العدسة(1) أو أقل منها قادر أن يُدخلَ الدنيا كُلَّها البيضة لا تصغر الدنيا ولا تَكْبُر البيضةُ ) ، فأكبّ هشام عليه وقبّل يديه ورأسه ورجليه !.. يجب أن نقول الآن إن هذا الجواب غير صحيح لأن الله لم يجعل السماء والأرض والمشرق والمغرب في العدسة ، بل إن القوة العاكسة لعدسة العين هي التي رأتهم وصورتهم وجعلت صورهم في نفسها ثم نقلتها إلى الذهن ، والصورة المصغرة للأشياء ليست الأشياء نفسها ، إذاً فهذا الجواب لم يكن منطقياً بل كان سفسطة ، والآن كيف لم يفهم هشام ؟!. ثانياً : كيف يقبل هشام يد الإمام ورجله ونحن نعلم أنه لا يكون ذلك إلا للسلاطين المتكبرين ، لا للأنبياء والأولياء . وثالثاً : يقول في آخر الحديث إن ديصاني أسلم ونطق بالشهادتين ثم قال أشهد أنك حجة الله ، فهل يكون كل من استطاع أن يجيب جواباً كهذا حجة من الله ؟! وهذا مخالف للقرآن ، لأنه قال في سورة النساء في آية 561 : { لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل } أي لا حجة بعد الرسل ، وقال علي عليه السلام في خطبة 09: ( تمت بنبينا
محمد ^حُجَّته ) . إذاً فتبين أن هؤلاء الرواة الوضاعين عمدوا إلى اختلاق الحجج ليتجروا بالدين ، وجعلوا الإمام حجة ليجعلوا من أنفسهم نواباً له ويستفيدوا من سهم الإمام(1) ومن أجل ذلك وضعوا هذا الحديث !.
حديث 5 : سنده : مجهول كما يقول المجلسي ونقول هو معاب .(154/56)
حديث6 : سنده : مجهول كما يقول المجلسي ، ثُمَّ لا بد من القول هنا إن في إثبات الصانع وصفاته لا بد من الرجوع إلى القرآن والعقل .
[ باب إطلاق القول بأنه شيء ]
حديث 1 : لا اعتبار لسنده بسبب علي بن إبراهيم القائل بتحريف القرآن ، وبسبب محمد ابن عيسى الناقل للخرافات كما سيأتي في باب ( أن الأئمة يعلمون متى يموتون ) .
حديث 2 : سنده : ضعيف كما يقول المجلسي .
حديث 3 : سنده : مرفوع كما يقول المجلسي .
حديث 4 : سنده : ضعيف ومهمل بسبب البرقي والحلبي .
حديث 5 : سنده : ضعيف ومهمل بسبب علي بن إبراهيم وأبيه علي بن عطية .
حديث 6 : سنده : مهمل بسبب عباس بن عمرو الفقيمي ويقول المجلسي إن السند مجهول .
حديث 7 : سنده : ضعيف ومرسل على قول المجلسي .
وأما متون هذه الأحاديث ومعانيها فلا بد أن تقارن هذه الأحاديث بما جاء من كتاب الله والعقل ، لأنه فيما يتعلق بذات الله وصفاته تعالى لا يمكن الرجوع إلى الأخبار المهملة والمجهولة والضعيفة واستنباط عقائد زائفة !.
[ باب أنه لا يعرف إلا به ](154/57)
حديث 1 : سنده : مجهول كما يقول المجلسي . ولكن الكليني نفسه قال إنه مرفوع . وأمّا متنه : فقال أمير المؤمنين رضي الله عنه : ( اعرفوا الله بالله والرسولَ بالرسالة وأولي الأمرَ بالأمرِ بالمعروفِ والعدلِ والإحسان ) والكليني فسّر جملة ( اعرفوا الله بالله ) ولكنه لم يصب فيه . حيث قال : ومعنى قوله اعرفوا الله بالله يعني أن الله خلق الأشخاص والأنوار والجواهر والأعيان ... مع أن الجملة لا تعني ذلك ، لأن الجملة تقول اعرفوا الله بالله وليس فيها أسماء الأشخاص والأنوار والجواهر ، فالمعنى الصحيح هو كما يُعرف الرسول من رسالته وما أتى به إن أتى بخرافات فهو رسول كذاب وإن أتى بحقائق ومطالب صحيحة فهو رسول صادق حقاً ، وكذلك معرفة ولي الأمر بأوامره هل يليق به الحكم أم لا ؟ ، إذا أمر بالمعروف ونهى عن المنكر وكانت أعماله بالعدل والإحسان فهو حقاً ولي الأمر ، وكذلك يجب معرفة الله بتعريفه هو لنفسه لا بتعريف العباد له . مثلاً ، عرف الفلاسفة والحكماء الله َبأنه علة العلل أو المصدر الأول ، وهذا التعريف غلط ، لأن الله ليس علة العلل ، لأن العلة مضطرة لإيجاد المعلول ، وليس الله كذلك ، وليس الله مصدراً لأنه لا يصدر من ذاته شيء ، لأنه يخلق من العدم ومن لا شيء ، وكذلك أخطأ العلماء والشعراء بتعريفهم لأنهم عرفوا الله بالوجود المطلق أو العام أو الوجود الكلي ، وهذه كلها مفاهيم ذهنية لا وجود لها في الخارج ، و ( الكلي لا يوجدُ في الخارج إلاّ بوجود أفراده ) . إذاً ، ليس الله جزئياً ولا كلياً ، ولا مطلقاً ولا عاماً ، بل هو سبحانه له وجود خاص ينافي وجود المخلوقات ، له وجود حقيقي مستقل به ليس مفهوماً كلياً . ووجوده واجب الوجود ، ليس وجوداً إمكانياً ، ووجوده خاص لا يُجمع مع وجود الممكنات يعني لا يسري في الممكنات . لم يعرّف الله نفسه في كلمات الوحي بالمطلق أو العلة أو العام أو المصدر ، وعلى خلاف الشعراء لم يعرف نفسه(154/58)
بالعاشق والمعشوق ، إذن يجب الفهم أن الله نفسه لا بد أن يعرف نفسه . ويبين لعباده أسمائه وصفاته ما يليق به حتى يعرفه العباد ، لأنه ليس لأي عبد قدرة على الإحاطة بذات الله وصفاته ، وذاته لا تُدرك ، فكيف يصف العبادُ شيئاً لم يدركوه ولم يحيطوا به . إذن لا بد أن يعرّف الله صفاته وأسماءه لعباده بواسطة الوحي ويكون هو نفسه معرّفاً لنفسه . فهذا هو معنى ( اعرفوا الله بالله ) . وأما ما يمكن استشكاله على أتباع كتاب الكافي فهو أن إمامكم يقول في هذا الحديث : اعرفوا ولي الأمر بالأمر بالمعروف وعدله وإحسانه لا بالأحاديث وبكلمات العلماء . فيكون معنى جملة ( اعرفوا الله بالله ) ما قاله أمير المؤمنين ، في دعاء الصباح : ( يا من دَلَّ على ذاته بذاته ) كما قال في الحديث التالي لهذا الحديث ( عرفت الله بما عرّفني نفسَه ) .
وأما فيما يتعلق بولي الأمر فيجب أن نقول لماذا تعرّفونه بمائة حديث موضوع أو غير موضوع بأن الإمام مُنَصَّب من عند الله أو من عند الرسول ؟ ولماذا أغفيتم عن هذا الحديث ؟ يبدو أن أتباع الكافي يكذبونه ولا يلقون بالا لأخباره .
حديث 2 : سنده : مرسل كما قال المجلسي ، يجب القول إن هذا السند ضعيف لرواته ، لأن أحدهم البرقي وقلنا إنه كان شاكاً في الدين ، والآخر معلّى بن عقبة وهو مجهول الحال ، ثُمَّ لا بد من العلم أنّ أبا عقبة كان من أصحاب الإمام الحسين رضي الله عنه . وجده سمعان من أصحاب رسول الله ^ وأما هو نفسه فلا يُعلم مِنْ أصحاب من ؟ وما هويته ؟ ووهم الممقاني بأن علي بن عقبة هذا كان من أصحاب الرسول .
وأما متن هذا الحديث : ففيه سُئل سيدنا الأمير رضي الله عنه : بم عرفتَ ربَّكَ ؟ قال بما عرّفني نفسَه ، فهذه الجملة إذاً شرح للجملة السابقة .(154/59)
حديث 3 : لا اعتبار لسنده بسبب وجود محمد بن إسماعيل وصفوان بن يحيى ومنصور ابن حازم ، لأن صفوان له روايات تدل على بطلان عقيدته وذلك في باب ( السعادة والشقاوة ) وفي باب ( أن الأئمة نور الله ) ومنصور بن حازم قد صنع حججاً بعد رسولِ الله ^ في رواية له !!.
[ باب أدنى المعرفة ]
حديث 1 : سنده : مجهول كما يقول المجلسي ، في هذه الرواية يُروى عن إمام يكنَّى بأبي الحسن ، يقول المجلسي إنه لا يعلم شيئاً عن هذا الإمام ؟! الراوي مجهول والمروي عنه مجهولٌ !!.
حديث 2 : سنده : ضعيف بسبب وجود سهل بن زياد الكذّاب الفاسد المذهب وبسبب طاهر بن حاتم المغالي ، فبما أن متن هذه الروايات يوافق العقل فلا حاجة إلى صحة سنده(1) ولكننا نريد أن ينتبه القارئ أن رواة الأخبار لم يكونوا متدينين ، يقول المجلسي أول الحديث ضعيف ( يعني أول الحديث الثاني ) وآخره مرسلٌ ، يعني اجتمعت فيه كل السيئات !.
حديث 3 : سنده : في غاية الضعف لأن أحد رواته سيف بن عميرة وكان ملعوناً لدى الأئمة كما قال الممقاني ونُقل عنه روايات في « الكافي » في باب مولد الحسين بالخبرين التاسع والعاشر وتخالف هذه الروايات القرآن والعقل ، كما سيأتي . وقد روى عن إبراهيم بن عمرو وهو مجهول الحال .
[ باب المعبود ]
حديث 1 : سنده : ضعيف بسبب علي بن إبراهيم القائل بتحريف القرآن ، ومحمد بن عيسى وسيأتي ضعفه في باب « أن الأئمة يعلمون متى يموتون » وإن كان متن الحديث جيداً . ويقول المجلسي إنه مرسل .
[ باب الكون والمكان ]
حديث 1 : سنده : مرسل وضعيف إذا كان أحمد بن محمد هو البرقي الذي كان شاكاًّ في الدين فيصبح السند ضعيفاً بالإضافة إلى أن نافع بن الأزرق مجهول ومهمل .(154/60)
حديث 2 : سنده : مرسل وضعيف ، بسبب أحمد بن محمد بن خالد البرقي الشاك في الدين ، وأما متنه فيقول جاء رجل إلى الإمام الرضا فقال : إنّي أسألك عن مسألة فإن أجبتني عنها قلتُ بإمامتك ، وعندها سأله عن مسألة يستطيع كل عالم أن يجيب عنها ، وعلى هذا فلا بد أن يكون كل عالم إماماً !! يبدو أن السائل كان ماكراً وقد أراد من ذلك أن يكون صانعاً للإمام . أو صانعاً للمذهب ! ثم سأله ( أخبرني عن ربِّك متى كان ؟ والجواب واضح إن خالق المكان كان قبل المكان ولا مكان له ولا يُحدّد بمكان(1) ولما أجاب الإمام الرضا بما أجابه به قال الرجل أشهد أن علياً وصيُّ رسول الله والقيّمُ بعده ) ، مع أن السؤال والجواب لا يتعلق أصلاً بالملك والقيومية لأحد . يبدو أن هذا الرجل المجهول لم يكن له هدف من السؤال إلا زرع التفرقة وصُنع القَيِّم بعد رسول الله ^ .
حديث 3 : سنده : في غاية الضعف بسبب علي بن أبي حمزة البطائني الواقفي الصانع للمذهب ! الذي عده علماء الشيعة من الكلاب الممطورة ومن الواقفية ، وهو الذي كان قيّماً لأمور سيدنا موسى بن جعفر ووكيله واختلس أموال الإمام التي كانت مودعة لديه وبالإضافة إلى ذلك فإن هذا الحديث مرسل . ويقول المجلسي إنه ضعيف .
[ باب النهي عن الكلام في الكيفية ]
حديث 1 : سنده : ضعيف بسبب سهل بن زياد الكذاب ، وآخره مرسل .
حديث 2 : سنده : ضعيف بسبب أحمد بن محمد البرقي الشاكّ في الدين .
حديث 3 : سنده : قليل الاعتبار ، بسبب علي بن إبراهيم القائل بتحريف القرآن ، وأبوه مجهول الحال .
حديث 4 : سنده : كسند الحديث الثاني وقال المجلسي إنه مجهول .
حديث 5 : سنده : ضعيف بسبب البرقي وبالإضافة إلى ذلك فإنه مرفوع ، وزد على ذلك أن حسين بن الميّاح ضعيف ومن الغلاة كما قال الغضائري والعلامة الحلي والمجلسي .
حديث 6 : سنده : لا اعتبار له لوجود ابن فضّال الواقفي .
حديث 7 : سنده : ضعيف بسبب أحمد بن محمد البرقي .(154/61)
حديث 8 : سنده : مرفوع .
حديث 9 : سنده : مرسل كما قال المجلسي وبالإضافة إلى ذلك فإنه ضعيف بسبب حسن ابن علي بن الفضّال الواقفي .
حديث01: سنده : مجهول كما قال المجلسي .
[ باب في إبطال الرؤية ]
حديث 1 : سنده : مجهول كما قال المجلسي .
حديث 2 : سنده : صحيح ومتنه جيد(1) ، وهذه الرواية هي التي ترد معظم أخبار الكافي لأن الإمام الرضا يقول فيها : ( إذا كانت الروايات مخالفةً للقرآنِ كذَّبتُها ) .
حديث 3 : سنده : لا اعتبار له بسبب محمد بن عبيد لأنه مشترك بين عدد من الرواة وأكثرهم من الضعفاء والمجهولين ، ويقول المجلسي إنه مجهول .
حديث 4 : سنده : ضعيف بسبب أحمد بن محمد البرقي الشاك في الدين وأبوه مجهول بالإضافة إلى أنه مرسل ومرفوع .
حديث 5 : سنده : كسند الحديث الرابع ، بإقرار الكليني ويقول المجلسي إنه مجهول وآخره مرسل !.
حديث 6 : سنده : ضعيف كما قال المجلسي بواسطة سهل بن زياد الكذاب .
حديث 7 : سنده : مرفوع كما قال المجلسي .
حديث 8 : سنده : ضعيف بسبب سهل بن زياد الكذاب فاسد العقيدة .
[ باب النسبة ]
حديث 1 : على الرغم من أنهم صححوا سنده ولكنه ضعيف برأينا ، بدليل أن صفوان بن يحيى ـ مثلاً ـ وهو راوي هذا الحديث له رواية في ( باب السعادة والشقاوة ) حيث تُظهر جبريته وكذلك علي بن الحكم أيضاً له روايات في باب ما عند الأئمة من سلاح رسول الله حيث تدل على ضعفه كما سيأتي .
حديث 2 : سنده : يقول المجلسي إنه مجهول السند .(154/62)
حديث 3 : سنده : مرفوع . وأما متنه ، سأل الراوي الإمام الرضا عن قراءة سورة الإخلاص . قال : كما يقرؤها الناس وزاد فيه ( كذلك الله ربي ) ، ( كذلك الله ربي ) ، وهنا يجب القول إن الإمام لا يحق له أن يزيد في القرآن . ولعل ما قاله « كذلك الله ربي » هو من باب الإقرار لآيات السورة ، ولكنَّ الراوي لم ينتبه إلى أن هذا القول هو إقرار من الإمام وليس زيادة في السورة ، والظاهر أن هؤلاء الرواة لم يكن لديهم قوة التمييز فأدى إلى فساد الروايات التي فيها اتهام الأئمة .
حديث 4 : سنده : لا اعتبار لسنده برأينا وإن كان أهل الحديث قد صححوه . وذلك بسبب أحمد بن إسحق القمي راوي الخرافات المتعارضة مع القرآن ، فعلى سبيل المثال ما رواه الكافي عنه أن الإمام العسكري علمَ ما في القلب والضمير ويقول الراوي : ولما قلتُ في نفسي إن القلم الذي يكتب به الإمام قلم جيد وليت الإمام يعطيني إياه وكان من الإمام أن اطلع على نيتي دون أن أبوح له بها وأعطاني القلم ، مع أن القرآن يقول : { إنه عليم بذات الصدور } .
حديث 5 : سنده : مجهول كما يقول المجلسي .
حديث 6 : سنده : مجهول كما يقول المجلسي .
حديث 7 : سنده : ضعيف كما يقول المجلسي .
حديث 8 : سنده : صحيح كما يقول المجلسي ، والصحيح برأيهم هو الذي يكون راويه من الشيعة من ثقاتها ، أما الأخبار الواصلة عنهم كيف تكون هل توافق القرآن والعقل ، أم تخالفهما ؟، لا يهمُّهم ذلك ، ولكننا نقول : أحسن الأدلة على ضعف الراوي هي ما يروى عنه من الأخبار الخرافية .
حديث 9 : أيضاً شأنه شأن الحديث 8 .
حديث01: سنده : لا اعتبار له لأن أحد رواته أبو هاشم الجعفري له كثير من الأخبار المتناقضة والمخالفة للقرآن كما سنبيّن في هذا الكتاب في : ( باب ما جاء في الاثني عشر ) .
حديث11: سنده : مرسل وضعيف بسبب داود بن القاسم وأبي هاشم الجعفري الذي ذكر في الحديث العاشر .
حديث21: سنده : مرسل .(154/63)
[ باب النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه تعالى ]
حديث 1 : سنده : مجهول كما يقول المجلسي ولكن العلامة الممقاني عدّ عبدالرحمن بن عتيك مهملاً .
حديث 2 : سنده : يقول المجلسي مجهول كالموثق ، لأن محمد بن إسماعيل مشترك ولا يُعلم من هو ، فوصفه بالمجهول صحيح ، وتبدو من أخبار هذا الباب أن صفات الله تعالى توقيفية ، يعني يقتصر فيها على ما نزل به الوحي .
حديث 3 : سنده : ضعيف ، كما قال المجلسي ، فأحد رواته بكر بن صالح جعل لله تعالى بصراً وسمعاً كالبشر ـ حاشا لله ـ وفي الكافي نفسه في ( كتاب التوحيد ، في باب النوادر ) ، وضعفه علماء الرجال ، ولأنه لا يحيط أحد بذاته وكيفيّة صفاته تعالى ، فعلى المرء أن لا يأتي من عنده بأية صفة لله .
حديث 4 : سنده : ضعيف كما قال المجلسي وغيره ، وكذلك حديث 5 و 6 و 7 و 8 و 9 و 01 و 11 و 21 ، كما قال المجلسي وغيره . وربعي بن عبدالله في الحديث العاشر ، هو الذي تلاعب بالقرآن قدر ما استطاع ، ارجعوا إلى : ( باب فيه نكت ونتف من تأويل الآيات ) . وسوف يأتي . قد نهى في هذا الباب عن ذكر صفة الله تعالى حيث لم ينزل بها وحي ، ولم يصف الله نفسه بها ، ولكن الحكماء والفلاسفة وشعراء الشيعة قد عملوا على خلاف هذه الأخبار .
[ باب النهي عن الجسم والصورة ](1)
اعلم أن متون الأحاديث في هذا الباب على الغالب موافقة للعقل ولا تخالف القرآن ، ولذا لا إشكال فيها ، وإن كان رواة هذه الأحاديث من الضعفاء والمجهولين .
حديث 1 : سنده : ضعيف لوجود علي بن أبي حمزة البطائني الواقفي الصانع للمذهب !.
حديث 2 : سنده : ضعيف وكذلك الثالث كما قال المجلسي وغيره .
حديث 4 : سنده : مرسل وحديث 5 : سنده : مرسل ، وحديث 6 : ضعيف وكل ذلك قاله المجلسي .
حديث7و8: مجهولان ، قال بذلك كله المجلسي .
[ باب صفات الذات ]
حديث 1 : سنده : مجهول كما قال المجلسي .(154/64)
حديث 2 : لا اعتبار لسنده كثيراً ، لأن هشام بن سالم قال بالتجسيم ويعد الله جسماً ـ نعوذ بالله ـ كما ذُكر في باب النهي عن الجسم والصورة في الخبر الخاص .
حديث 3 : سنده : مهمل أو مجهول ، لوجود الكاهليّ .
حديث 4 : سنده : لا اعتبار له لوجود محمد بن عيسى صاحب الروايات المتعارضة مع القرآن في باب ( أن الأئمة يعلمون متى يموتون ) .
حديث 5 : ضعيف كما قال المجلسي ، وكذا الحديث السادس .
[ باب آخر وهو من الباب الأول ]
حديث 1 : سنده : لا اعتبار له بسبب محمد بن عيسى بن عبيد وقد ذكرناه في حديث 4 من الباب السابق .
حديث 2 : سنده : مجهول كما قال المجلسي .
[ باب الإرادة أنها من صفات الفعل ]
حديث 1 : سنده : صحيح كما قال المجلسي .
حديث 2 : سنده : ضعيف كما قال المجلسي .
حديث 3 : صحيح كما قال المجلسي في المرآة .
حديث 4 : سنده : ضعيف لوجود البرقي ومحمد بن عيسى ولوجود المشرقي المجهول الحال .
حديث 5 : ضعيف كما قال المجلسي في المرآة ، وكذلك الحديث 6 .
حديث 7 : سنده : ضعيف لوجود البرقي .
[ باب حدوث الأسماء ]
حديث 1 : سنده : ضعيف وهو كَما قال المجلسي مجهول ، ولكن صالح بن أبي حماد ضعيف ومن الغلاة ، وحسن بن علي بن أبي حمزة الواقفي كان من أعداء الأئمة الذين جاؤوا بعد الإمام الكاظم ، على كل حال فالحديث نَقَلَهُ فاسدٌ عن ضعف ، وهو بدوره نقله عن مجهول فلا الراوي فهم الحديث ولا قرأه ، يقول المجلسي : إن متن هذا الحديث من مشكلات الأسرار ومن متشابهات الأخبار ، لا يعلمها إلا الله والراسخون في العلم ، والآن لا بد أن يقال لمريدي الكليني لماذا نقلتم خبراً لا يفهمه أحد ، ودين الله الذي كان سهلاً لماذا جعلوه صَعباً ؟ ، وإذا كان من الأسرار فلماذا تركوها بيد الرواة الفاسدين المجهولين ؟ ، وهل دين الله فيه سرِّ ومهملات واصطلاحات فلسفية وألغاز ؟ ـ نعوذ بالله ـ .(154/65)
هل جاء الإمام ليخترع المشكلات ؟! ألا يا ضيعة العمر بين هذه الأحاديث المنكرة . قال الله في سورة إبراهيم الآية 4 : { وما أرسلنا من رسولٍ إلاّ بلسان قومه } هل صُنْعُ الألغاز في الحديث لا يخالف القرآن ؟ مع أنها صعب مستصعب ! ، وآيات القرآن نفسها بيان واضح كما قال تعالى : { هذا بيان للناس } ، أنتم تقولون إن القرآن ظني الدلالة ، والخبر قطعي الدلالة ، فكيف تحكمون بالأخبار المعقدة على القرآن الذي قال الله فيه مكرراً في سورة القمر : { ولقد يسرنا القرآن } هل هذا هو طريق المسلمين ؟.
حديث 2 : يقول المجلسي : ضَعْفُه مشهورٌ عند علماء الرجال .
حديث 3 : ضعيف لأن رواته نفس رواة الحديث الثاني .
حديث 4 : سنده : يقول المجلسي إن كل أخبار هذا الباب ضعيفة ومجهولة ، نعم أحد الرواة هو : بكر بن صالح الذي اختلق لله سمعاً وبصراً ! ومن بين هذه الأخبار هذا الحديث 4 واحتوى المتناقضات ! فجعل لله الحجاب والصورة والتمثال ، وقال فيه : من زعم أنّه يعرف الله بحجاب أو بصورة أو بمثالٍ فهو مشركٌ لأن حجاب الله وتمثاله وصورته غير ذاته ـ تعالى ـ .
انظر أيّها القارئ إلى ما جاء فيه من السخف ، فهو أوّلاً ، صنع لله صورة ومثالاً وحجاباً ثم قال إن صورة الله وحجابه ومثاله غير ذاته تعالى . ألم يقرأ القرآن حيث قال تعالى : { ليس كمثله شيء } وقال تعالى : { فلا تضربُوا لله الأمثال } وعلى هذا فإن المجتهدين من أهل ملتنا هم يرددون ما رواه الرواة من خرافات وسخافات ! كأمثال هؤلاء يقول الراوي في آخر الحديث : ( ليس بين الخالق والمخلوق شيءٌ ) فلا بد أن يسأل إذن فما هو الذي حجبه أليس حجابه بينه وبين المخلوقين ، فإذا لم يكن الأمر كذلك ، فلم الحجاب إذن ؟ ثم هؤلاء يجعلون كل ما كان فيه ـ قال الصادق ـ وحياً منزلاً وإن كان كذباً .
[ باب معاني الأسماء واشتقاقها ](154/66)
حديث 1 : سنده : ضعيف كما قال المجلسي ، وأمّا متنه فهو أضعف ( من سنده ) لأن عبدالله بن سنان يقول ، سألت الإمام الصادق عن تفسير ( بسم الله الرحمن الرحيم ) . قال ، الباء بَهاءُ الله والسين سناءُ الله والميم مجدالله . يقال لهؤلاء : إنّه لا بد من القول إن القرآن نزل بلسان عربي مبين ، و ( الباء ) حرف جر ويتعلق بفعل مناسب كنبتدئ أو نتبرك وليس له معنى آخر(1) ، واسم الله هو الرحمن الرحيم ، يعني نتبرك باسم الله الرحمن الرحيم ، والباء والسين والميم ليست مجزأة بل هي مركبة ويجب أن لا يفسر حرف من كلمةٍ وحده . ثمّ إن كانت الباء بهاء الله فلم لا تكون ( البصر ) ولماذا لا تكون ( السين ) السمع ، ولماذا لا تكون الميم هي المجد ، أو الملك ، هل يعقل حين قال الله : { يا أيها الناس ... } أن يأتي بعد ذلك بكلام كله ألغاز لا تفهم ! ، مع أن الله قال عن القرآن : { هذا بيان للنّاس } وقال تعالى : { نور وكتاب مبين } وقال : { آيات بيّنات } فهل معنى { آيات بينات } أن تختلقوا باسم الإمام ما تهوون ؟ أنتم تقولون نقطة الباء في بسم الله هي علي ، ومن النقطة تُخرجون علياًّ عليه السلام ، حقاً إن أفكاركم سامية !! إن الأوروبيين يصنعون من خردة الحديد القديمة الصواريخ والطائرات عبر القارات ويرسلون السفن الفضائية والقمر
الصناعي إلى الفضاء ، ويذهبون إلى القمر ، وأنتم تصنعون من ( الباء ) في بسم الله ، بهاء الدين ، ومن نقطته علياًّ رضي الله عنه ! أليس هذا تلاعباً بآيات الله ! وإذا لم يكن تلاعباً فما هو إذاً ؟ إنّ كل ما اختلقه الرواة العوام من أصحاب الخرافة أصبح لنا مذهباً !!.
حديث 2 : سنده : ضعيف كما قلنا في الحديث الأوّل في باب المعبود ، هذا الحديث الذي ذُكر هنا هو الحديث نفسه الذي كان ورد هناك ، والآن لماذا كرره الكليني ، هل غفل ، أم جهل ، أم أراد أن يكبِّر كتابه !!.(154/67)
حديث 2 : سنده : ضعيف كما قال المجلسي ، أجل ، إن رواته كلهم أمثال قاسم بن يحيى الكذاب الفاسد الدين ، ارجع إلى الحديث الأول لترى خرافاته ، وأمّا متنه فقد فسر ( الله ) بمعنى الاستيلاء ، وهذا غلط ؟.
حديث 4 : سنده : ضعيف كما يقول المجلسي ، نعم إن سهل بن زياد الكذاب المغالي وأمثاله من رواته .
حديث 5 : سنده : يقول عنه المجلسي إنه صحيح ، وأقول لا بد من دراسة النصوص المروية عنهم .
حديث 6 : سنده : يقول المجلسي إنه مجهول ، وبالإضافة إلى ذلك أقول إن رواته من نقلة الخرافات .
حديث 7 : سنده : يقول المجلسي إنه مرفوع وبالإضافة إلى ذلك أقول : إن محمد بن عبدالله من رواة الخرافة كما مرّ في باب ( حدوث الأسماء ) وأبو هاشم الجعفري من رواة المطالب المتعارضة مع القرآن ، يروي المتناقضات فليُرجع إلى باب ( عدد الأئمة ) .
حديث 8 : سنده : ضعيف كما قال المجلسي وأقول : إن رواته أمثال سهل بن زياد الكذاب المغالي .
حديث 9 : سنده : مجهول كما قال المجلسي وأقول بالإضافة إلى ذلك إنه مرفوع ، وأحد رواته هو جميع بن عمير مهمل .
حديث01: سنده : ضعيف لوجود محمد بن عيسى بن عبيد فاسد العقيدة ، كما جاء في باب ( أن الأئمة يعلمون متى يموتون ) لأنه يخالف القرآن ، وهشام بن الحكم قال بالتجسيم ، وأمّا متنه فيقول :
سألت الإمامَ : عن معنى سبحان الله فقال : أنفةٌ لله فبدل أن يقول ( لله العظمة ) ، قال بالأنفة لله ، كما يعبر للبشر بالأنفة .(154/68)
حديث11: سنده : ضعيف كما يقول المجلسي ، وأقول بذلك لأن أحد رواته أحمد بن مهران ، الخرافي الذي تلاعب بآيات القرآن الذي يقول في باب مولد الكاظم حديث 4 : ( قال الإمام لأحد النصارى ، إن آية 2 و 3 من سورة الدخان لما قال : { حم والكتاب المبين إنّا أنزلناه في ليلة مباركة إنّا كنا منذرين } . المقصود من { والكتاب المبين } هو علي بن أبي طالب عليه السلام و { الليلة المباركة } هي فاطمة . وسيأتي نقده في مكانه ، وكذلك نقل عنه أخبار تعارض القرآن في باب ( فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية ) ، وهشام الجواليقي كان يقول بالتجسيم لله تعالى ، هؤلاء هم رواة هذا الكتاب الذي أخذ المجتهدون يقلدونه ويأخذون عنه .
حديث21: سنده : ضعيف بسبب وجود كل من سهل بن زياد ومحمد بن يحيى وأبو هاشم الجعفري ، والثلاثة من رواة الخرافات ، وأما متنه : سئل الإمامُ عن معنى أن الله واحد ؟ فأجاب : إجماعُ الألسُنِ عليه بالوحدانية ، فجواب الإمام لا صلة له بالسؤال ، وأمّا ما معنى الواحد ؟ فلم يبين ذلك .
[ باب آخر وهو من الباب الأوّل إلا أَنَّ فيه زيادة ]
حديث 1 : سنده : مجهول كما يقول المجلسي وأقول إن راويه الأول هو علي بن إبراهيم القائل بتحريف القرآن ، وسيأتي في أبواب فضل القرآن ، يقول المجلسي إن كلاًّ من الراوي الذي روى الخبر والإمام الذي روى عنه مجهولان لا يُعلم من هو أبو الحسن ؟ أهو أبو الحسن الثاني الذي هو سيدنا الرضا أم هو أبو الحسن الثالث الذي هو الإمام علي النقي عليه السلام . وأقول هل هذا هو معنى الحجة ؟
[ باب تأويل الصمد ]
حديث 1 : سنده : ضعيف كما قال المجلسي وبسبب وجود سهل بن زياد الكذاب فاسد المذهب ، وإن كان سائر رواته غير صحيحي الرواية .(154/69)
حديث 2 : سنده : مجهول كما قال المجلسي ، أحمد بن أبي عبدالله مهملٌ ، ومحمد بن عيسى كما قلنا له روايات متعارضة مع القرآن في باب ( أن الأئمة يعلمون متى يموتون ) وأمّا جابر بن يزيد الجعفي فهو من الغلاة ، وأمّا متنه ففيه عبارة غير صحيحة . لأنه يقول ( تعالى في علوّ كنهه واحدٌ توحَّدَ بالتوحيد في توحّده ثُمَّ أجراهُ على خلقه ) . فيقال للراوي ، ما معنى ( أجراه في خلقه ) ، كيف أجرى توحّده على الخلق . أجل ، المعنى في قلب الشاعر !!.
[ باب الحركة والانتقال ]
حديث 1 : سنده : ضعيف كما قال المجلسي .
حديث 2 : سنده : ضعيف كما قال المجلسي وأقول إنه مرفوع كما يقول الكليني نفسه ، بالإضافة إلى أن أحد رواته حسن بن راشد حيث نقل الخرافات من باب معاني الأسماء .
حديث 3 : سنده : عدّه المجلسي مجهولاً .
حديث 4 : سنده : ضعّفه المجلسي وبالإضافة إلى أن أحد رواته سهل بن زياد حيث ذُكر حاله السيِّء ! .
حديث 3 : أحد رواته هو محمد بن إسماعيل حيث جعل لله تعالى الوجه والحجاب والمثال في باب حدوث الأسماء ، الحديث الأخير ، والآخر هو ربعي بن عبدالله الذي نقل خرافات متعارضة مع القرآن في باب ( فيه نكت ... ) .
حديث 4 : سنده : صححه المجلسي . ولكن معظم الخرافات في الكافي رويت على لسان هؤلاء الثقات !! وكذلك حديث رقم 5 : الذي عده المجلسي موثقاً .
حديث 6 : سنده : مجهول على حد قول المجلسي ، ولا بد أن يُعلم أن أحد رواته محمد بن الفضيل وهو ضعيف ومن الغلاة أيضاً .(154/70)
حديث 7 : أحد رواته سهل بن زياد الكذّاب فيكون الحديث ضعيفاً كما قال المجلسي ، وأمّا متنه : روى عن الإمام أن الله حملَ دينهُ وعِلمَهُ الماءَ قبل أن يكون أرضٌ أو سماءٌ أو جنٌّ أو إنسٌ ، يجب أن يسأل عن ذلك الراوي كسهل الكذاب ، هل للماء علم الدين ؟ وهذا مخالف للقرآن ، لأن القرآن يقول إن العاقل ، مكلف بالدين والتدين ، لا الماء(1) ، ثم يقول إن الملائكة قد أقروا لمحمد وعلي بالولاية والطاعة ! وشهدوا على أن لا يقولوا غدا في يوم القيامة : إنا كنا عن هذا غافلين . أو يقولوا : إنما أشركَ آباؤنا من قبل . ويجب أن يُسأل هؤلاء الوضاعين ، هل للملائكة آباء مشركون ؟ ، وهل خُلق محمد ^ وعلي رضي الله عنه من نطفة أبيهما كسائر البشر وهما ( بشر مثلكم ) أم لا ؟ لقد خلقا عندهم قبل خلق السموات والأرض ونحن لا نتعجب من سهل بن زياد ولكن العجب من ابن محبوب وسائر رواته .
[ باب الروح ]
حديث 1 : سنده : صحيح كما قال المجلسي ، ولكننا لا نعتبر الصحة بالسند فقط ، فالرواية الصحيحة هي التي لا يخالف متنها القرآن والعقل ، ولأن متون أحاديث هذا الباب لا تخالف القرآن نحن نقبل بها ونصحح الروايات الثلاث كلها ، أمّا المجلسي فيعتبر الحديث 2 و 3 مجهولان .
حديث 5 : سنده : لا اعتبار له لوجود أحمد بن محمد بن خالد البرقي بين رواته الذي كان متحيراً وشاكاً في الدين .
حديث 6 : سنده : ضعفه المجلسي وكذلك ضعف المجلسي الحديث رقم (7) لوجود سهل بن زياد الكذاب بين رواته .
حديث 8 : سنده : لا اعتبار له لوجود محمد بن يحيى الذي روى خرافاتٍ مخالفة للقرآن والعقل في باب ( ما نص الله عزوجل على الأئمة واحد فواحداً ) ـ في الحديث رقم 01 ـ وسيأتي بيان ذلك . وكذلك الحال في الحديث رقم (9) في هذا الباب .(154/71)
حديث01: سنده : سكت عنه المجلسي ، لكننا لا نعتمد عليه لأن أحد رواته علي بن إبراهيم وكان يقول بتحريف القرآن وأبوه مجهول ، وأمّا متن الحديث : وفيه سأل أبو شاكر الديصاني هشام بن الحكم عن مسألة سهلة الإجابة والظاهر أن المدائح الكثيرة عن علم هشام كانت في غير مكانها ! ولم تكن ثمة جامعة في ذلك العصر أو حوزة علمية تخرج علماء وتمنح شهادات .
وأصحاب الأئمة على الغالب كانوا منِ العوام أو كانوا شبه مثقفين .
[ باب العرش والكرسي ]
حديث 1 : سنده : مرفوع ، بالإضافة إلى أن راويه الثاني هو البرقي المتردد الشاك في الدين ، وأما متنه ، فقد أجاب فيه سيدنا الأمير رضي الله عنه لجاثليق(1) بجواب غير مقنع ، ونحن نعتقد أن الرواة هم الذين اختلقوا هذا الجواب عن لسانه ، وشأن سيدنا علي أجل من أن يجيب بجواب غير مقنع .
حديث 2 : سنده : صحح المجلسي السند ، ولما كان رواته قد نقلوا أخباراً مخالفة للقرآن والعقل فلا يُعتمد على رواة كهؤلاء ومن جملة هؤلاء ، صفوان بن يحيى .
( يُرجع إلى باب السعادة والشقاوة ) .
[ باب جوامع التوحيد ]
حديث 1 : سنده : مرفوع كما قال المجلسي ، إضافة إلى أن أحد رواته محمد بن يحيى وهو من الضعفاء .
حديث 2 : سنده : ضعيف كما قال المجلسي ، وبين رواته حسن بن علي بن أبي حمزة البطائني وهو من الذين أكلوا أموال موسى بن جعفر وأسسوا مذهب الواقفية .
حديث 3 : مجهول كما قال المجلسي .
حديث 4 : مرفوع . حديث 5 : ضعيف كما قال المجلسي . حديث 6 : مجهول . حديث 7 : سنده : مرسل ولما كانت متون هذه الأحاديث السبعة في التوحيد موافقة للقرآن والعقل ( برأينا ) قبلناها .
[ باب النوادر ](154/72)
حديث 1 : سنده : مرسل كما قال المجلسي ، وأما متنه : فقد جاء فيه سأل الإمام الصادق الراوي ، ماذا يقول الناس في قول الله تعالى في سورة القصص الآية 88 : { كل شيء هالك إلا وجهه } ، فقال الراوي : يقول يهلكُ كل شيء إلا وجهه ، فتعجب الإمام وقال سبحان الله : لقد قالوا قولاً عظيماً . مع أن قول الناس لا عجب فيه لأنه تكرار للآية تماماً بلا زيادة ولا نقصان . وهنا فسر الإمام نفسه الآية بمعنى مبهم مجهولٍ فقال إنما عني بذلك وجه الله الذي يؤتى منه . والآن يجب أن نسأل هذا الراوي المختلق الذي افترى باسم الإمام : هل أنت بنفسك فهمتَ ( ما معنى هذه الجملة ) !؟ وأما معنى الوجه فقد نُقل عن سيدنا الأمير رضي الله عنه حيث قال : وجه الله ذاته(1) .
حديث 2 : سنده : ضعيف بسبب البرقي ولكن المجلسي قد صححه وأمّا متنه قد فسّر الوجه بمعنى يخالف قول إمام المتقين علي رضي الله عنه حينما سئل عن الوجه : قال أوقدوا ناراً ، فاشتعلت ، قال أين وجهها ، قالوا وجهها هي ذاتها قال وجه الله ذاته ، يقول المؤلف إن الوجه بالفارسية يعني الصورة حيث يتوجه بها ، إلى اليمين واليسار والأعلى والأسفل ، والإنسان يتوجه بوجهه لأن فيه قوة الباصرة والسامعة ، ولذا يجب أن يتوجه بالوجه ، أما الله فسميع وبصير بذاته ومنزه عن آلة السمع والبصر ، بل هو عليم وسميع وبصير بذاته فيتوجه بذاته ، ووجهه ذاته ، جاءت هذه الرواية في كتاب التوحيد للصدوق وتفسير الصافي في تفسير الآية 511 من سورة البقرة ، حيث قال تعالى : { فأينما تُوَلّوا فثمَّ وجهُ الله } يعني وجهه ذاته ، فهذه الرواية متوافقة مع القرآن(1) ، وأما الحديث الأول والثاني من الكافي ـ من الباب ـ فمردودان لأنهما يخالفان الآية ، ورواية الكافي جعلت الوجه بمعنى إطاعة محمد ^ وأمثال ذلك .(154/73)
حديث 3 : سنده : أحد رواته محمد بن سنان وهو من الكذابين المشهورين ، الذي جعل لله يداً ووجهاً وجسماً ومكاناً كالبشر بالإضافة إلى أنه من الغلاة وجعل الإمام يد الله وعينه ، كما شرحنا في كتاب ( خرافات وفور ص 232 ) .
وأبو سلام النحاس مجهول الحال ، وبالإضافة إلى أن الحديث مرفوع ، ويقول المجلسي إنه ضعيف . لاحظوا متن الحديث الذي نُقل هنا عن الرواة الوضاعين الكذابين إنه مخالف للقرآن والعقل معاً . إن الله لما قال في سورة الحجر الآية 78 : { ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم } قال الإمام الباقر : ( نحنُ المثاني التي أعطاها الله نبينا محمد ^ ، ونحن وجه الله بين أظهركم ونحن عين الله في خلقه ونحن يده المبسوطة بالرحمة على عباده ) ،
يقول هذا وما من أحد يسأل الكليني ومقلدوه هل يمدح الإمام نفسَه بهذا الشكل ( المُفرط ) ، ألم يكن لله يد ووجه وعين قبل أن يأتي الأئمة ؟! وما هذا الإله الذي يحتاج في عينه ويده ووجهه إلى أحد عباده ـ حاشا لله ـ أليست هذه الأحاديث تخالف الآية ـ « وربَّك فكبّر » ـ ؟ ألا تخالف آية { سبحان ربِّك رَبِّ العزَّة عمّا يصفون } ماذا قصد هؤلاء الرواة في نقلهم هذه الروايات ؟ يجب القول إن الله منزه ـ عن هذا كله ـ ( فإن الله غنيِّ عن العالمين ) .(154/74)
حديث 4 : سنده : مجهول كما قال المجلسي . وأمّا متنه ، فقد نقل هؤلاء المجهولون نقلاً خلافاً للقرآن عن الإمام الصادق حيث قال في قوله تعالى ـ من سورة الأعراف الآية 081 ـ { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها } قال الإمام : نحن أسماء الله الحسنى ، مع أن الله تعالى عيّن أسماءه في القرآن وعلى لسان رسوله ^ ، وعلى سبيل المثال قال في سورة الإسراء الآية : 011 : { قُل ادعُوا الله أو ادعوا الرحمن أياًّ ما تدْعُوا فله الأسماءُ الحسنى } فعَيَّن الله تعالى في هذه السورة أَنَّ أسماءه الحسنى هي الله ، والرحمن ، وفي سورة الحشر يقول : { هو الله الخالق البارئ المصوّرُ له الأسماءُ الحسنى } كأنَّ الإمام لم يكن مطلعاً على القرآن ، أو عمد إلى الغلو كالراوي ! وقال نحنُ واللَّهِ الأسماءُ الحسنى ، وحلف الإمام بصدق قوله ! ولكننا نقول إن الإمام اطلع على آيات القرآن ولا يتكلم خلاف كلام الله ! إن هؤلاء الرواة الكذابين قد نسبوا ذلك إلى الإمام ليُحكموا ضربتهم للإسلام ! والكليني أصبح ناشراً لهذه الخرافات ومقلدوه يقلدونه بلا علم ! والعجيب ما جاء في آخر الحديث ( التي ـ أي أسماءنا ـ ... لا يقبلُ اللَّهُ من العبادِ عملاً إلا بمعرفتنا ) ، يجب القول ، إن كان معرفة الإمام هو أنهم بشر كسائر البشر ، ( بشر مثلكم ) وهم كانوا تابعين للإسلام ، فكل المسلمين يقولون ذلك ، وإن لم يكونوا بشراً ولم يكونوا تابعين للإسلام بل كانوا أصلَ الدين وأبناء عم الله ومعشوق الله ـ نعوذ بالله ـ فإله كهذا أو إمام كهذا ؛ لا يصلح إلا لأولئك الرواة الوضاعين الذين لا علم لهم بالله تعالى .(154/75)
حديث 5 : سنده : ضعيف كما قال المجلسي ، نعم رواه فئة من الغلاة وهم من المشركين ، بدليل نقل هذه الرواية حيث نقل عن الإمام كذباً أنه قال : ( إن الله خلقنا فأحسنَ صُورَنا ) يبدو أن الله خلق غيرهم في صورة سيئة ! ( وجعلنا عينَه في عباده ولسانَه الناطقَ في خلقه ) إلى أن يقول ( نحن عينه في عباده ) يعني إذا لم نكن نحن لم ير الله عباده ـ نعوذ بالله ـ ونحن ( لسانه الناطق في خلقه ) يعني إذا لم نكن لم يقدر الله أن يوجد الصوت ويفهم كلامه مع الملائكة والأنبياء ، ونحن ( يده المبسوطة على عباده بالرَّأفة والرحمة ) ، يعني إذا لم نكن لم يكن لله رأفة ورحمة ! ونحن ( وجهه الذي يؤتى منه وبَابُه الذي يَدلُّ عليه وخُزّانه في سمائه وأرضه ) يعني أن لله باباً وبوَّاباً وحاجة إلى من يحفظ خزائنه في السماء والأرض لكي لا يسرقه السارق ، ونحن الأئمة ذلك الباب والبواب والخزّان ! والآن لا بد أن يسأل هؤلاء الرواة العلماء ! العارفون ! لو كان لله باب وبوَّاب فلماذا قال سيدنا الأمير : ( ليس له بابٌ ولا له بَوَّابٌ ) ؟ وإذا كان بحاجة إلى خزّان فلماذا قال لرسوله ^ في سورة الأنعام الآية 5 : { قل لا أقولُ لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب } وكذلك في سورة هود الآية 13 ؟ هل كذب الله في القرآن ـ حاشا له ـ وصدق هؤلاء الرواة ؟! كيف أصبح الكليني ومقلدوه ناشراً لما يتعارض مع القرآن ، وبعد ذلك يقول في هذا الخبر ، ( بنا أثمرت الأشجار وأينعت الثمارُ وجرتِ الأنهار ـ إلى أن يقول ـ وبعبادتنا عُبدَ اللَّهُ ولولا نحن ما عُبدَ الله ) .
لا بد من القول : إن إمام الغلاة الذين هم أسوأ من المشركين يباهي بنفسه إلى هذا الحد ويفتخر ويقلل من عظمة الله بهذا الشكل ، أجل ، إمام الغلاة ويؤله نفسه لن يكون خيراً من ذلك .(154/76)
حديث 6 : سنده : يقول الممقاني إن حمزة بن بزيع ضعيف لأنه هو الذي أخذ المال من حمزة البطائني وروّج المذهب الواقفي وقال الإمام الرضا عليه السلام عنه : إنه شقي ولا يموت إلا زنديقاً ومات كافراً . أيها القارئ لاحظ أن الكليني أخذ خرافاته من هؤلاء الرواة وجمعها في كتاب الكافي باسم الإمام ، وعلى كلٍّ فالرواة الآخرون للحديث كمحمد بن يحيى الذي روى الحديث رقم 3 و رقم 4 قد مرّ ذكر ضعفه وخرافته .
حديث 7 : سنده : مجهول على حد قول المجلسي ، وأما متنه ، كحديث رقم5 جعل الإمام حجة لله تعالى وجعل الحديث لله الباب والبواب واللسان والوجه والعين ـ وجعل كل ذلك هو الإمام ـ ! وجعل المتنُ الإمامَ وليَّ أمر الله في عباده مع أن الله تعالى قال في سورة النساء الآية 561 : { لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل } . وقال علي رضي الله عنه في خطبة رقم 09 في نهج البلاغة ( تمت بنبينا محمد ^ حُجَّته ) فهل يصح أن تكون هذه الروايات المخالفة للقرآن حجة لمقلدي الكليني ؟ .
حديث 8 : سنده : مجهول كما يقول المجلسي ، ونحن نقول : إن هؤلاء الرواة هم أنفسهم رواة الخرافات في الروايات السابقة ، ومتن هذا كالمتون السابقة يخالف القرآن .(154/77)
حديث 9 : سنده : ضعيف ، أحد رواته حمزة بن بزيع الذي ذكر سوء حاله في حديث رقم 6 . وأمّا متنه فقد جعل لله جنباً . ويقول جنب الله علي بن أبي طالب ، وتلاعب هذا الراوي بالقرآن لأنَّ ذكر جنب الله تعالى جاء على لسان الكافر يوم القيامة بعد قوله : واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم ـ فيكون المقصود هو التفريط بما أنزل الله وهو القرآن . كما قال الله تعالى في سورة الزمر الآية 55 و65 : { واتّبعُوا أحسنَ ما أُنزِل إليكم من ربّكم من قبلِ أن يأتيكم العذابُ بغتةً وأنتمْ لا تشعُرونَ . أن تقول نفسٌ يا حسرتا على ما فرّطْتُ في جَنبِ اللَّهِ وإن كنتُ لمن الساخرين } وهذه حسرة لكل عبد طاغ يوم القيامة كما قال تعالى في سورة الأنعام الآية 13 : { قد خسرَ الذينَ كذّبُوا بلقاءِ اللَّهِ حتى إذا جاءَتْهُم الساعةُ بغتةً قالوا يا حسرتنا على ما فرَّطنا فيها } . كل كافر سيجني هذه الحسرة سواء في زمن علي رضي الله عنه أو في زمن الأنبياء السابقين أمّا هذا الحديث فيقول : قال الله يا حسرتا على ما فرطت في جنب علي ، بالله عليكم ما هدف هؤلاء الرواة بتلاعبهم بالقرآن؟، هل ليتباهى الإمام بنفسه عمد إلى التحريف المعنوي للقرآن ؟ ، أم أن الرواة قد كذبوا عليه بذلك ؟ ، يجب القول بأن الإمام شأنه أجلّ من أن يكذب ذلك .(154/78)
حديث01: سنده : ضعيف ، أحد رواته محمد بن جمهور الذي عده علماء الرجال من الشيعة فاسدَ الحديث وفاسدَ العقيدة ، والآخر معلى بن محمد وعدّوه مضطربَ الحديث والمذهب ، وروى الكافي عن هذين الفاسدين كثيراً ، أحدهما هذا الحديث وفي مكان آخر في باب أن الملائكة خلفاء الله وسيأتي ضعفه ، وأما متن الحديث : بالإضافة إلى ما جاء من كفر في الاحاديث السابقة يقول في هذا الحديث ( محمدٌ حجابُ الله تبارك وتعالى ) هل كان مقام النبوة قليلاً ليأتي الإمام الباقر ويجعل محمداً ^حجاب الله ، وذلك بعدما تباهى بنفسه أم أن الراوي الكذاب اختلق هذا المعنى لحجاب الله ؟! .
حديث11: سنده : مجهول ومرسل كما قال المجلسي وأما متنه : فقد تلاعب فيه الرواة في مكانين من القرآن وحرفوه تحريفاً معنوياً ، الأوّل في سورة البقرة الآية 65 حيث قال تعالى : { وظللّنا عليكم الغمامَ وأنزلنا عليكم المنَّ والسَلوى كُلوا من طيباتِ ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفُسَهم يظلمون } يقول الراوي ، قال الإمام : إن الله خلطنا بنفسه فجعل ظُلمنا ظُلمَهُ . وهنا يجب أن يقال لهذا الراوي : هل كان الإمام الباقر في زمن سيدنا موسى عليه السلام موجوداً حتى نزلت هذه الآية له ؟. وبالإضافة إلى أنه يقول في هذه الرواية ( إنه جعل ولايتنا ولايته ) حيث يقول { إنما وليّكمُ الله ورسولُه والذين آمنوا } يعني الأئمة منا ، وهنا نقول : يجب أن يقال ( الذين آمنوا ) يشمل جميع المؤمنين سواء الأئمة أو غير الأئمة ، وليس معنى المؤمنين : الأئمة ، لأن القصد من هذه الولاية هي المحبة ، بدليل القرائن السابقة واللاحقة ، حيث قال تعالى : { لا تتخذوا اليهود والنّصارى أولياء ـ لا تتخذوا ... الكفار أولياء } فبناءً على هذا ، فقصر اللفظ على الأئمة هو تلاعب بالقرآن .
[ باب البداء ](154/79)
اعلم أن أحد عقائد الشيعة البداء ، وفسَّر المجلسي معناه في شرح الكافي بمعنى : ظهر وأظهر ، وأوّله بعدة تأويلات ، وليس في كتاب الله وسنة نبيه ^ ذكر للبداء ، ولذا قال به بعض المذاهب الإسلامية ـ الشيَعة ـ ونفته مذاهب أخرى . ونحن ندرس أسانيد أحاديث هذا الباب ونبين ما يخالف كتاب الله منها .
حديث 1 : سنده : يقول المجلسي بصحته ، ولما كان رواة هذا الحديث قد نقلوا خرافاتٍ كثيرة من أبواب الكافي المتعددة ، لذا لا يمكننا الاعتماد عليهم .
حديث 2 : يقول المجلسي إنه مرسل ؛ وضعف المجلسي كلاًّ من الحديث رقم 6 ، وقال بجهالة الحديث رقم 7 . والأحاديث رقم 8 ورقم 9 ورقم 11 ورقم 31 ، وقال بإرسال حديث رقم 41 . ونقول إن متن هذا الحديث مخالف للقرآن ، لأنه يقول في هذا الحديث ( إنَّ الله عزوجل أخبر محمَداً بما كان مُنذ كانت الدنيا وبما يكونُ إلى انقضاء الدنيا ، وأخبره بالمحتوم من ذلك ) وهذا تكذبه عشرات الآيات من القرآن ومن ذلك :
أوّلاً : قال تعالى : في الآية 43 من سورة لقمان : { إنّ اللَّهَ عندَهُ علمُ الساعةِ ويُنَزِّلُ الغيث ويعلَمُ ما في الأرحامِ وما تدري نفسٌ ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرضٍ تموت } وقال سيدنا الأمير رضي الله عنه ، في نهج البلاغة في خطبة رقم 621 : إن الأشياء الخمسة التي في سورة لقمان علمها خاص بالله ولا يعرفها أحد حتى الأنبياء والأوصياء .
ثانياً : وقال تعالى في سورة الأحقاف الآية 9 : { قل ما كنتُ بدعاً من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم } .(154/80)
ثالثاً : وقال تعالى فيما يتعلق بالأمم السابقة في سورة إبراهيم الآية 91 : { قوم نُوحٍ وعادٍ وثمودَ والذين من بَعدِهِم لا يَعلمُهُم إلا اللَّهُ } . وقال تعالى بشأن أصحاب الكهف في سورة الكهف الآية 22 : { قل ربي أعلم بعدَّتهم } والآيات الأخرى نصت على ذلك حيث قال تعالى : { ما تدري } { وما أدراك } وأمثالهما . وهنا نقول لماذا تروى أحاديث متعارضة مع القرآن في كتاب إسلامي ؟ هل كان رواة هذه الأخبار جاهلين بالقرآن إلى هذا الحد أ م كان هدفهم مشبوهاً ؟.
حديث51: قال المجلسي إنه مرسل ، ولكننا نقول بضعفه .
حديث61: سنده : ضعيف بسبب وجود معلى بن محمد ، ومعلى يروي الخرافات فقد جعل لله تعالى العين والأذن كالبشر كما مرّ في باب النوادر في كتاب التوحيد . باب ( في أنه لا يكون شيء في السماء والأرض إلا بسبعة ) إننا نعد متون أخبار هذا الباب وباب المشيئة والإرادة وباب الابتلاء والاختبار صحيحة المعنى ، أما أسانيدها فكلها مروية عن الرواة الغلاة ، لذا فإن هذه الأسانيد ضعيفة ولا نرى فائدة من دارستها ، لذلك نهملها ونبدأ بباب السعادة والشقاوة .
[ باب السعادة والشقاوة ]
حديث 1 : سنده : مجهول على قول المجلسي . ولكننا نقول بضعفه لأن أحد رواته محمد ابن إسماعيل ، الذي جعل لله تعالى في باب حدوث الأسماء وفي باب النوادر في كتاب التوحيد باباً وبواباً ووجهاً بشرياً ! وكذلك من رواته منصور بن حازم صانع الحجج الواهية ! كما نقل الممقاني في تنقيح المقال ، وأمّا متن هذا الحديث فيخالف مذهب الشيعة ، بل يخالف القرآن والعقل ، لأنه يقول بالجبر وينص على أن الله خلق بعض الناس سعيداً وبعضهم شقياًّ(1) . مع أن العقل(154/81)
يقول إذا خلق الله أحداً شقياً ثم عذبه في القيامة فهذا ظلم ، والله ليس بظالمٍ . بل السعادة والشقاوة كسبيتان(1) ، يسعد الإنسان نفسه بكسبه العلم والعمل الصالح ويشقي نفسه بالجهل والعمل الفاسد ، وأمّا القرآن فيقول إن الكفار يدّعون أَنَّ شقاوتهم وكفرهم من إرادة الله فيهم(2) قال تعالى في سورة النحل الآية 53 : { وقال الذين أشركوا لو شاء اللَّهُ ما عبدنا من دونه من شيء } وكذلك قال تعالى في سورة الزخرف الآية 02 ، ونحن لا ندري ما جرى ؟ وكيف اعتبر الشيعة كتاباً كهذا وجعلوه كافياً لدينهم ودنياهم مع أن في رواته عدداً من المجهولين وفاسدي المذهب وضعيفي الحال ، حيث إنهم رووا سلسلة من أحاديث الجبر التي تخالف مذهب الشيعة نفسه وتمسكوا بالكتاب على الرغم من تعارضه مع القرآن ، هل الشيعة أعداء القرآن ؟ ـ سعى المجلسي أن يُصلح هذا الخبر وفي النهاية قال هذا الخبر يخالف العدل ، وقال في ص 801 من المجلد الأول من مرآة العقول : ( والقولُ بظاهره لا يوافقُ العدل(3) ) .
حديث 2 : سنده : يقول المجلسي إنه مجهول ويقول الكليني نفسه إنه مرفوع ونقول : إنه ضعيف ، لأن أحد رواته شعيب العَقَرْقُوفِيّ الذي نقل عنه أخبار تتعارض مع القرآن ، كما نقل الممقاني عنه أن الإمام الكاظم أخبر عن سرائر الناس واطّلع على آجالهم وعلم وقت موتهم ، وهذا كله يخالف القرآن حيث قال تعالى : { وما تدري نفسٌ ماذا تكسبُ غداً } ويخالف نهج البلاغة حيث قال سيدنا الأمير رضي الله عنه : إنه لا يعلم عن موته شيئاً ، ويخالف العقل أيضاً فلا يعقل أن يعلمَ إمامٌ أسرارَ الناس وهو لا يوحى إليه ، مع أن الرسول ^ مع نزول الوحي عليه لم يكن يعرف شيئاً عن موت أحد ، وسيدنا الأمير رضي الله عنه لم يكن يعرف شيئاً من خيانة الولاة بيت المال بعدما ولاَّهم .(154/82)
وأما متن هذا الحديث فهو صريح في الجبر ونسبة الظلم إلى الله سبحانه ، لأنه يقول إن الأشقياء ( لم يقدروا أن يأتَوا حالاً تنجيهم من عذابه ) والآن نقول للراوي أو الكليني إن الذي لا يقدر أن ينجي نفسه من العذاب كيف يكلفه الله بالتوبة والعمل الصالح .
حديث 3 : سنده : يقول المجلسي إنه مجهول ، وهو ضعيف برأينا لأن أحد رواته أحمد بن محمد بن خالد البرقي الذي كان شاكاً في الدين وأخرجه أهل قم منها ، وأمّا متنه فهو صريح في الجبر لأن جملة ( يُسلك بالسعيد ) وكذلك ( يُسلك بالشقي ) مبنيتان على المجهول ، ويكون المعنى يُسلك السعيد والشقي إلى طريق السعادة والشقاوة ، إن كان ذلك كذلك فليس لهما اختيار ، في هذا الحال هل هؤلاء الرواة والكليني هذا ، لم يميزوا بين الجبر والاختيار ؟ ولم يفهموا تعارض هذه الأخبار مع القرآن ؟ أم أنهم عرفوا كل ذلك وكان لهم غرض آخر ؟!.
[ باب الخير والشر ]
حديث 1 : سنده : في غاية الضعف لأنّ أحد رواته البرقي الشاك في الدين ، والآخر علي ابن الحكم الذي نُقل عنه في باب « ما عند الأئمة من سلاح رسول الله » حديث سلسلة الحمار ، فليُرجع إليه ، والآخر ابن المحبوب الذي هو من الغلاة ويروي الأحاديث المتعارضة مع القرآن ، يرجع إلى باب « أن الأئمة نور الله » . والآخر معاوية بن وهب وهو مشترك بين عدة أشخاص ولا يُعلم من هو ، ومتنه صريح في ظلم الله سبحانه ـ نعوذ بالله ـ وهو جيد للجبريين حيث يقول إنَّ الله ظالم ، ( خلقتُ الشرَّ وأجريته على يدي من أريده فويل لمن أجريتُهُ على يديه ) وهاهنا يجب القول إن الله الذي كان قادراً أن لا يخلق الشر فلماذا خلقه أليس هو حكيماً ؟ الشر مخلوق ككل المخلوقات ، ولكن الشر ليس إليه . والمعتزلة يقولون بأن الشر ليس مخلوقاً لله . ويستحيل أن يخلق الله الحكيم الشرَّ ، ثانياً ( كما يقول في هذا الحديث ) أجرى الله الشر بيد من أراد إذن فما تقصيره هو ، فلماذا يقول ويل له .(154/83)
يجب العلم أن الشرور كانت وما تزال في العالم ولكن تقديرها من الحق وجريانها من الخلق ولذا قال رسول الله ^ في دعاء الجوشن : يخاطب الله ويقول ، ( يا مقدر الخير والشر ) وتقدير الشر غير فعله ، مثلاً قدر الله النار وقدر حرارتها حيث أعطاها 001 درجة حرارة ، وإن نضعها على القماش تحرقه ، أما حرق الثياب فهو شر لم يرده ولم يوجده بل نهى عنه والبشر نفسه يضع النار على الثياب ويحرقه ، ومثال ذلك ، وجود سيدنا إبراهيم خير ووجود نمرود أيضاً كان خيراً حيث كان بإمكانه أن يقوم بألوف الأعمال الحسنة ، ولكنه أصبح مزاحماً لسيدنا إبراهيم عليه السلام وأوجد الشر بتزاحمه ، على كل حال إن الكليني لم يكن محققاً وجمع كل خبر في كتابه والمؤسف حقاً أن يصبح الذين يدّعون العلم والتحقيق من مقلديه يقبلون كل خبر رواه وإن كان راويه جبرياً وذلك لحسن ظنهم بالكليني الذي هو في غير مكانه ، لقد هدم التعصب التفكر والتعقل .
حديث 2 : سنده : لا اعتبار له لوجود أحمد البرقي ومحمد بن حكيم ، ومتنه فاسد كالحديث الأول ويوجب الجبر .
حديث 3 : سنده : مجهول كما قال المجلسي ، ونقول إنه ضعيف لأن مُفَضَّل من الغلاة ، وعلي بن إبراهيم ومحمد بن عيسى كما مرّ في أبواب متعددة ، كلاهما من رواة الخرافات . ومتنه كالحديثين السابقين يوجب الجبر ، والعجب هو أن يونس وهو راوي هذا الحديث يقول في آخر الحديث : ويل لمن ينكر هذا الحديث بسبب العلم والفهم ، يبدو أن الراوي نفسه انتبه إلى عيب روايته !.
[ باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين ]
حديث 1 : سنده : ضعيف بسبب وجود سهل بن زياد الكذّاب المعروف ، بالإضافة إلى ذلك فهو مرفوع .(154/84)
حديث 2 : سنده : ضعيف كما يقول المجلسي ، نعم فإن معلى بن محمد والوشاء ينقلان الخرافات في كثير من الأبواب كما مرّ في باب النوادر من كتاب التوحيد ، ومتنه يقول ، ( من زَعَمَ أنّ الخير والشرَّ إليه فقد كَذبَ على الله ) ، هذا الحديث مع مفاده هذا ، يعارض الأحاديث الثلاثة في باب الخير والشر التي مضت ، لأنه صَرح فيها أن الله قال : ( أنا خالق الخير والشر ) ألم ينتبه الكليني لهذا التعارض ، لماذا روى هذه الأحاديث المتناقضة أكان يعتقد بكليهما أم أنه لم يعتقد بأحد منهما ؟ ورأينا فيه أنه لم يكن محققاً ولكن كيف تعلق مدّعو التحقيق والاجتهاد بهذه الأخبار واعتمدوها ؟ هل يمكن القول إن الإمام قال بهذه الأخبار المتناقضة ؟! إن كان الإمام كذلك فما هو المتوقع من غيره .
حديث 3 : سنده : ضعيف كما يقول المجلسي ، نعم رواته هم الرواة الخرافيون العوام ذاتهم كما ذكر في الحديث الثاني ومتنه وإن كان موافقاً للعقل فهو يخالف الأخبار في باب الخير والشر .
حديث 4 : سنده : يقول المجلسي إنه مجهول ، ونقول إن متنه يحوي المتناقضات ، لأن الإمام الرضا قال ، إن لم يكن الراوي كذب عليه واتهمه ، قال إن القدرية لم يقولوا بقول أهل الجنة الذين جعلوا الهداية من الله ولم يقولوا بقول أهل النار الذين جعلوا العذاب من شقائهم ، ولم يقولوا بقول إبليس الذي جعل الضلالة من الله تعالى إذن فما قولهم ؟ ، لم يعين . ثم قال الإمام نفسه لا يكون إلا ما شاءَ اللَّهُ وأراد وقدَّر وقضى ، أجل ، هذا هو قول إبليس الذي نسب عنه إلى الله حيث اعتبر غيّه من مشيئة الله وقضائه وإرادته وقدره(1) ، فكيف ردّ قول إبليس ؟(154/85)
يقول المجلسي ، إن القدرية يقولون باستقلال البشر في الأفعال فبناءً على هذا أراد الإمام أن يبطل قول القدرية ويقول إن البشر ليسوا مستقلين في أفعالهم . بل ضلالتهم وهدايتهم بإرادة الله وقضائه وقدره تعالى . وهذا هو نفس قول أهل الجنة وقول أبليس أيضاً ، في هذه الرواية ، حيث يعتبرون هدايتهم وضلالتهم من الله . فكيف قال ليونس الراوي إن الأمر ليس كذلك .
حديث 5 : سنده : يقول المجلسي إنه مجهول .
حديث 6 : سنده : مجهول أيضاً .
حديث 7 : مرسل : وكل هذه الثلاثة على قول الكليني نفسه ، ولكن يظهر بالدقة أن رواته ضعفاء لا اعتبار لهم .
حديث 8 : سنده : عده المجلسي والكليني مرفوعاً ولكننا نعتبره مهملاً لأن أحمد بن الحسن زعْلان لم يُذكر عنه شيء .
حديث 9 : سنده : يقول المجلسي إنه مرسل ، ولكننا نقول إنّه مرسل وضعيف ، بسبب وجود علي بن إبراهيم القائل بتحريف القرآن ، ووجود محمد بن عيسى الذي له أحاديث تعارض القرآن .
حديث01: سنده : يقول المجلسي إنه ضعيف ، ولكننا نقول إنه ضعيف ومرسلٌ معاً ، أما ضعفه من عدة جهات ، أحدها ، أن صالح بن سهل من الغلاة الذي جعل الإمام الصادق إلهه وربه ، وقال الإمام الصادق : إن الغلاة شر من المشركين ، والعجب من الكليني الذي نقل الرواية عن رواة كهؤلاء !.
حديث11: سنده : يقول المجلسي إنه مرسل .
حديث21: ضعيف بسبب سهل بن زياد الكذّاب ولكن المجلسي يقول إنه مرسل .
حديث31: أيضاً مرسل .
حديث41: ضعيف بسبب وجود البرقي الذي كان شاكاً في الدين ، واعلم أن هذه الروايات المروية في باب الجبر والقدر والتفويض وأمر بين الأمرين ، كلها مجملة ومبهمة ، وكل رواية فسرت بمعنى لا يتفق مع غيرها ، وهذه الروايات لم تبين كيفية الأمر بين الأمرين ، وفي الحقيقة لم يبينوا مسألة ، مع أن الأمر واضح لنا ، بقطع النظر عن هذه الروايات ، والمجلسي قد تبسط في شرح هذه الأحاديث كثيراً .
[ باب الاستطاعة ](154/86)
سئل الأئمة عن معنى الاستطاعة في هذا الباب وكان جوابهم مبهماً . ومن أجل معرفة معنى « الاستطاعة » يجب أن نعود إلى ما قاله العرب ، لأن القرآن جاء بلسان العرب ، وليست « الاستطاعة » لفظة جديدة . وعند العلماء المصطلحات الدينيّة في الإسلام أصلها من مفردات اللغة العربية ذاتها ، ليست هناك مفردات شرعية مستقلة بعيدة عن اللغة العربية(1) .
والقرآن الكريم يقول في سورة إبراهيم الآية 4 : { وما أرسلنا من رسولٍ إلا بلسان قومه } .
وقال تعالى في سورة النحل الآية 301 : { وهذا لسان عربي مبين } وقال تعالى في سورة الشعراء الآية 491 و 591 { ... لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين } .
فبناءً على هذا فكل من يفسر ويترجم كلمات القرآن وفقاً للغة العربية فعلمه صحيح ، وإن أي إنسان ؛ إماماً كان أو مأموماً يفسر كلمات القرآن وفقاً لهواه دون الأخذ من اللغة العربية فعلمه غير صحيح .
فبناءً على هذا فإن ما ورد في الكافي في تفسير القرآن إن جاء على خلاف لغة العرب فإنه خلاف القرآن وخلاف قول الرسول ^ والأئمة ويجب رده وعدم قبوله .
وفي هذا الباب يوجد أربعة أحاديث ضعيفة لا اعتبار لأسانيدها ، وأما معنى « الاستطاعة » فلم يُبيَّن صراحة في أي من الروايات . وأما الحديث الأول : ضعيف لوجود كل من حسن بن محمد وعلي بن محمد القاساني الذي ضعفه الشيخ الطوسي . والحديث الثاني ضعيف أيضاً لوجود كل من أحمد بن محمد وهو من الغلاة ، وعلي بن حكم وهو الراوي لراوية سلسلة الحمار ، وكذلك الحديث الثالث ضعيف لوجود سهل بن زياد الكذاب فاسد الحديث والحديث الرابع مرسل ، وكل هذه الأحاديث لا اعتبار لها .
[ باب البيان والتعريف ولزوم الحجة ]
حديث 1 : سنده : ضعيف لوجود حسين بن سعيد حيث له روايات تتعارض مع القرآن في باب عرض الأعمال على النبي ^ . وأما متنه فيقول : ( إنَّ اللَّهَ احتجَّ على الناس بما آتاهم وعرَّفَهُم ) .(154/87)
يقول المجلسي في شرحه ـ على الكافي ـ : ( عَرَّفَهُم بأصول الدين وفروعه ) وهذا يخالف الحس والواقع ، لأن أبناء شعبنا على الغالب لا يعرفون أصولَ الدين التي فرضها الله على عباده ، وحتى علماؤهم يجهلون ذلك ، واختلقوا أصولاً للمذهب من عندهم .
حديث 2 : سنده : مجهول على قول المجلسي ، وأما متنه : ففيه قال الإمام إن المعرفة من صَنع الله ، ليس للعباد فيها يد . نقول :
أوّلاً : هذا القول يفيد الجبر ، لأن مفاده : أن الله إذا أعطى المعرفة لأحد فقد أعطاها له وليس بمقدور أحد أن يكسبها بذاته !.
ثانياً : هذا القول يوجب سلب التكاليف ويخالف العقل .
حديث 3 : سنده : ضعيف لوجود كل من البرقي الشاك في الدين وابن الفضّال الواقفي المذهب الذي عده علماء الرجال من الكلاب الممطورة . إضافة إلى أن حمزة ابن محمد الطيّار مجهول الحال قد ورد اسمه في الحديث الرابع أيضاً فيكون الحديث الرابع مجهولاً أيضاً .
حديث 5 : سنده : ضعيف لوجود عبد الأعلى الذي نقل الخرافات المخالفة للقرآن في باب حدوث الأسماء .
حديث 6 : سنده مرفوع ، أما متنه ففيه العجب ، ذلك أن الكليني رواه في هذا الباب كعنوانٍ للزوم الحجة لأن الإمام قال : [ إنّ اللَّهَ لم يُنعم على عبدٍ نعمةً إلا وقد ألزمه فيها الحجة من الله ] مع أن القرآن يقول لا حجة بعد الرسل وذلك في آية 561 من سورة النساء . وكذلك جاء في نهج البلاغة في الخطبة رقم 09 . إن كانت كل نعمة حجة فلكل نَفس حجتان كما قال الشيخ سعدي(1) ، أجل ، يجب أن تسمى أنعُم الله آثار رحمته لا حجته ، ويجب ألا يطلق عليها ذلك إلا مجازاً . مع أن هذه التسمية ( أي جعل نعم الله حجة ) ذاتها على خلاف مصطلح القرآن .
[ باب اختلاف الحجة على عباده ]
حديث 1 : سنده : في غاية الضعف لوجود سهل بن زياد الكذاب المغالي ، وفي متنه ، يوجد عدد من الإشكالات الشرعية والعقلية :(154/88)
أوّلاً : يقول فيه : ( ستة أشياءَ ليس للعباد فيها صنع : المعرفة والجهل والرضا والغضب والنوم واليقظة ) . بناءً على هذا ، فإن الناس إذا بقو جهالاً دون طلب العلم فهذا أمر لا نكران عليه ، مع أن هذا يخالف القرآن حيث قال تعالى في سورة الأعراف الآية 6 : { فلنسئلنّ الذين أرسل إليهم .. } وقال تعالى في سورة الصافات الآية 42 : { وقِفوهم إنهم مسئولون } وقال تعالى في سورة الإسراء الآية 63 : { إنَّ السمع والبصر والفؤاد كلُّ أولئك كان عنه مسئولا } .
إن رواية سهل بن زياد الكذاب الفاسد لا يمكن أن تكون خيراً من ذلك ، حيث لا تتفق مع عدد من الآيات وتخالف العقل ، والعجب أن يجمع الكليني
هذه الروايات ويصبح مجتهدو المذهب ! مقلدين له ! مادحين لكتابه ! بالإضافة إلى ذلك هذا الحديث لا صلة له بهذا الباب انظروا !! يقول الكليني باب اختلاف الحجة ثم يروي حديثاً لا يتعلق بهذا الباب أبداً .
[ باب حجج الله على خلقه ](154/89)
إعلم أن الكليني روى في هذا الباب أربعة أحاديث ولا تتعلق بهذا الباب ، إضافة إلى أن أحد رواته درست بن أبي منصور الواقفي المذهب ، والرواة الآخرون هم عبد الأعلى الذي جعل لله عيناً ووجهاً كالبشر !! والآخر ابن الفضّال الواقفي والبرقي الشاك في الدين ، وحمزة بن الطيار مجهول الحال ، وعلي بن الحكم راوي سلسلة الحمار في باب « ما عند الأئمة من سلاح رسول الله » إضافة إلى ما جاء في هذه الأحاديث فلم يأخذ الشيعة بها وعملوا بخلافها ، وعلى سبيل المثال قال الإمام الصادق عليه السلام في الحديث الثاني : ( من لم يعرف شيئاً لا شيء عليه ) أما الشيعة فإنهم يعارضون هذا الحديث بقولهم : ( من لم يعرف إمامَ زمانه مات ميتة الجاهلية ) ويؤولونه بقولهم من لم يعرف الإمام الصادق ومات مات كافراً ! والسؤال الذي يطرح نفسه ، هل الإمام الصادق من أصول الدين أو فروعه ؟ ، أو من أتباع هذا الدين ؟ بالإضافة إلى ذلك فالله تعالى لم يجعل الإمام من أصول الدين والإمام نفسه لم يقل إنه أصل من أصول الدين ، وهو ممن يدين بهذا الدين وأتباعه ، فقد جاء في الحديث الثالث : ( ما حجبَ اللَّهُ عن العبد فهو موضوع عنهم ) ، فلماذا ألصقوا أشياءَ كثيرة إلى دين الإمام دون أن يبينها الله تعالى لهم ، ثم يطلبون من الناس معرفتها كمعرفة أولياء الله وغيره ؟!!.
[ باب الهداية أنها من الله عزوجل ](154/90)
حديث 1 : سنده : مجهول كما قال المجلسي ، بالإضافة إلى أن بعض رواته من رواة الخرافات المتعارضة مع القرآن ، كأحمد بن محمد بن عيسى ، ومحمد بن إسماعيل ، كما مرّ في باب النوادر في كتاب التوحيد ، حيث جعل لله تعالى عيناً وأذناً كالبشر ، وأما متنه فيقول إن الهداية من الله وحده ، وروى أربعة أحاديث لإثبات هذا المطلب ، مع أن القرآن يقول : ( إن الله يهدي من يريد ) وهذا كافٍ لإثبات هذا المطلب ، ليس ثمة حاجة بعد ذلك أن يثبت هذا المطلب برواية عدد من الرواة المجهولين ، ومما يثير العجب أن أتباع الكافي لا يعلمون بهذه الروايات التي تتعلق بالشيعة وأعمالهم . مثلاً ، قال الإمام الصادق في هذا الحديث ، ( يا ثابت مالَكُم وللناس كُفّوا عن الناس ولا تدعوا أحداً إلى أمركم ) ولكنَّ مروجي المذهب ودعاته لا يكفون عن الناس ويسعون ليل نهار لدعوتهم وبث التفرقة المذهبية بينهم ، ولهذا ترونهم يستدلون ببعض الآيات القرآنية لإثبات حجتهم المذهبية وليس فيها دليل لمذهبهم ، ولا علاقة لها به ، ومن أمثلة ذلك أنهم يقولون إن الآية القرآنية تتعلق بولاية الإمام ورئاسته ، وما من أحد يسألهم إذا كنتم تدّعون أن القرآن هو كتاب غير مفهوم بالنسبة لأي أحد إلا الإمام . فكيف أصبحتم تفهمون الآية التي تتعلق بالإمام ؟! وكيف أصبح القرآن هنا مفهوماً ! وكما قلنا فإنَّ رواة هذه الأحاديث الأربعة على الغالب من الضعفاء المجهولين كإبراهيم بن هاشم وابن الفضّال الواقفي ، ولذا قال المجلسي إن الحديث الثاني مجهول ، والرابع مجهول أيضاً ، وعلى كل حال ، فلا بد أن يقال لهؤلاء الدعاة المذهبين المتعصبين بما أنكم تقبلون مثل هذه الأحاديث فلماذا لا تنظرون إلى ما قاله الإمام الصادق في الحديث الرابع ، لما سأله فضيل بن يسار ، أندعو الناس إلى مسلكنا ؟! قال الإمام ، لا ، لا تدعوهم إليه .(154/91)
حديث 8 : سنده : مجهول كما قال المجلسي في المرآة ، ومتنه لا يوافق كتاب الله ، لأن كتاب الله ليس تاريخاً للآتين من الناس بل هو بيان كل شيء شرعي من أحكام الحلال والحرام ، ولكن هنا يقول : فيه بدء الخلق وما هو كائن إلى يوم القيامة مع أنه في الواقع ليس كذلك ولم يعطنا الله دليلاً لذلك ، ولكن هؤلاء الرواة كذبوا على الإمام كي لا يستطيع أحد إنكاره ، وبالإضافة إلى أن الإمام قد مدح نفسه هنا كثيراً وزكاها ، وهذا عمل شائن مخالف للآية التي تقول : { فلا تزكّوا أنفسكم } .
حديث 9 : لا شأن لنا بسنده وأما متنه فهو كالخير السابق حيث جعل القرآن جامعاً لأخبار الآتين ، ليظهر أنه عالم به وليمدح نفسه ! .
حديث01: سنده : ضعيف بسبب وجود أحمد بن محمد بن خالد البرقي الشاك في الدين ، وسيف بن عميرة الذي لعنه الأئمة ومن العجب أن المجلسي جعل هذا الحديث مُوَثَّقاً .
[ باب اختلاف الحديث ]
حديث 1 : سنده : ضعيف كما قال المجلسي ، وأما متنه ففيه عدد من الإشكالات ، الأول : أن هذا الحديث الطويل نُقل عن سليم بن قيس الهلالي وكتابه ، ويجب العلم أن الممقاني يقول في تنقيح المقال ج2 ص25 . قال الغضائري روى سليم بن قيس عن الإمام الصادق والإمام الحسن والإمام الحسين وعلي بن أبي طالب ولكن يقول أصحابنا الشيعة وعلماء الشيعة أن سليماً لم يُعرف ويُشَك في أصل وجوده ولم يذكروه بالخير ، والكتاب المنسوب إليه موضوع قطعاً وفيه أدلة كافية للدلالة على وضعه ، وقال الشيخ مفيد في كتاب شرح اعتقادات صدوق ص27 طبع تبريز : إن ذلك الحديث الذي أخذه صدوق عن كتاب سليم ليس صحيحاً . وينبغي للمتدين أن يجتنب العمل بجميع ما في كتاب سليم لأنه خليط من الكذب والتدليس ، قال ابن داود : هناك منكرات في كتاب سليم يعني فيه أكاذيب واضحة . وأنا أعده موضوعاً ومختلفاً . وقد ذُمَّ في قاموس الرجال . قد ذكر بعض الأفاضل عدداً من أكاذيبه .(154/92)
1 ــ قال في هذا الكتاب إن محمد بن أبي بكر وعظ أباه في احتضاره مع أن أبا بكر عقد على أم محمد هذا في السنة التاسعة من الهجرة ، وولد محمد في السنة العاشرة من الهجرة في سنة حجة الوداع . ولما توفي أبو بكر لم يكن لمحمد أكثر من عامين وعدة أشهر ، كيف يعظ الطفل أباه وهو في السنة الثانية من عمره !.
2 ــ ذكر في هذا الكتاب أن عدد الأئمة ثلاثة عشر إماماً كما جاء في كتاب الكافي أيضاً عدد من الروايات حيث تدل أن عدد الأئمة ثلاثة عشر إماماً وسيأتي ذكر ذلك في باب ما جاء في الاثني عشر .
3 ــ قد شرح الصحيفة الملعونة الواردة في ذلك الكتاب ولا يُعلم متى كتبت تلك الصحيفة . على الرغم من أن هذه الصحيفة مكذوبة .
4 ــ سليم أتى بحديث في كتابه أن رسول الله ^ قال لعلي عليه السلام ، أنا لا أخاف عليك من الجهل والنسيان ولكن أكتب هذا الحديث لشركائك ( يقول المؤلف على الظاهر تتمة هذا الحديث الأول باب اختلاف الحديث ) . قال علي من شركائي ؟ : فذكر رسول الله ^ أسماء الأئمة واستمر على ذلك .. حتى يقول سليم : لقد عرضت هذا الحديث على الإمام الحسن والإمام الحسين بعد وفاة معاوية . وقد قال هذان السيدان : يا سليم نحن كنا جالسين وحدثك أمير المؤمنين بهذا الحديث . وسليم هذا الكذاب لم يكن يعرف أن الإمام الحسن توفي قبل معاوية بعشر سنين إذ توفي معاوية في سنة 06هـ والإمام الحسن في سنة 05هـ . فكيف يقول عرضت هذا الحديث بعد وفاة معاوية على الإمام الحسن .(154/93)
5 ــ نسبة قتل المختارين بن أبي عبيد إلى الحجاج بن يوسف مع أن المختار قد قتل في عام 46 و 56هـ في حربه مع مصعب بن الزبير . والحجاج وصل إلى حكم الكوفة ورياستها سنة 67هـ يعني بعد عشر سنين من قتل المختار . على كل حال روى الكليني في الكافي عن سليم المجهول الوجود وعن كتابه الموضوع أحاديث كثيرة ، ومن جملة ذلك في باب ما جاء في الاثنى عشر حديث 4 عن سليم وعن كتابه ، فقد أسس المذهب الاثنى عشري على كتاب موضوع كهذا ، ثانياً : قال علي رضي الله عنه في هذا الحديث : للحديث أيضاً ناسخ ومنسوخ ومحكم ومتشابه وكذلك في الحديث الثاني والثالث في هذا الباب وعشرات من الأحاديث الأخرى ، إذاً الذين يقولون إن القرآن غير قابل الفهم لأن فيه محكماً ومتشابهاً أو يقولون فيه ناسخ ومنسوخ فالرد عليهم هو أن للحديث أيضاً ناسخ ومنسوخ ومحكم ومتشابه فقولوا إذن إن الأحاديث أيضاً غير قابلة للفهم ! كما تقولون في القرآن ! ( ولماذا تقتصرون على ترك القرآن وحده ) .
حديث 2 : سنده : ضعيف بسبب عثمان بن عيسى الواقفي الذي اختلس أموال الإمام .
حديث 3 : لا اعتبار لسنده لأن في أوّل السند علي بن إبراهيم الذي حرف القرآن ، وقد روى عن أبيه المجهول الحال ، وفي آخر السند منصور بن الحازم وله روايات متعارضة مع القرآن ، كما نقل صاحب تنقيح المقال وقد صنع حججاً ! بعد رسول الله تقابل كلام الله .
وأمّا متن الحديث : يقول الإمام إنا نجيب الناس بالزيادة والنقصان وأفتي على خلاف ما أفتيتُ ، كما كان لأحاديث الرسول ناسخ ومنسوخ فحديثنا كذلك . هذا الحديث مخالف للقرآن لأنه لا يوحى علي لأحد بعد النبي ^ ولا يحق لأحد أن ينسخ شيئاً بعد النبي ^ ، فهل يستطيع الإمام أن يقول من عنده شيئاً في دين الله فضلاً عن أن ينسخ شيئاً . قال الله تعالى في سورة آل عمران الآية 49 : { فمن افترى على الله الكذب من بعدِ ذلك فأولئك هم الظالمون } .(154/94)
وإضافة إلى ذلك قال الله تعالى في سورة النساء الآية 561 : { لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل } فكيف يمكن قبول الروايات المتناقضة والناسخة والمنسوخة والمختلف عليها من غير رسول الله ^ .
حديث 4 : سنده : ضعيف لوجود سهل بن زياد الكذّاب الخبيث وضعّفه المجلسي أيضاً ، وأمّا متنه : قال الإمام هنا : نحن نصدر الفتاوى بالاختلاف ( يعني نفتي بفتاوي مختلفة في مسئلة واحدة ) مع أنّ هذا الإمام نفسه قال في رواياتٍ متعددة لا يحق لأحد أن يفتي في الإسلام . كما مرّ في باب النهي عن القول بغير علم .
قال الله لرسوله ^ في سورة النساء الآية 671 : { يستفتونك قل الله يفتيكم } حيث جعل الفتوى مقصورة عليه ، وقال في آية 721 أيضاً : { ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن } . وأيضاً قال لرسوله في سورة النساء الآية 501 : { إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله } وقال في سورة المائدة : { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ... فأولئك هم الظالمون ... فأولئك هم الفاسقون } . كما يُستفاد هذا المطلب من آياتٍ أخرى أيضاً . مثل آية : { عفا الله عنك لم أذنتَ } { ويا أيها النبي لم تحرم ما أحلَ الله لك } . في مثل هذا الحال كيف يمكن أن يقال إن الإمام أفتى بالاختلاف ؟. قد يقول أحد إنه عمل بالتقية ! نقول لا بد من السكوت في التقية ، ولا تعني التقية إصدار مئات الفتاوى المتعارضة !.(154/95)
حديث 5 : لا اعتبار لسنده لوجود حسن بن علي بن الفضال الواقفي المذهب ، وأما متنه : ( قال زرارة سألت عن الإمام الباقر عن مسألة : فأجابني ثم جاءه رَجُلٌ فسأله عنه فأجابه بخلاف ما أجابني ثم جاء رجُلٌ آخر فأجابه بخلاف ما أجابني وأجاب صاحبي ، فلمّا خرج الرجلان : قلتُ يا ابنَ رسولٍ الله رَجُلان من أهل العراق من شيعتكم قَدِما يسألان فأجَبْتَ كُلَّ واحدٍ منهما بغيرِ ما أجبتَ به صاحبَهُ فقال : يا زرارة : إنّ هذا خيرٌ لنا وأبقى لنا ولكم ولو اجتمعتم على أمر واحد لصدقكم الناس علينا ولكان أقلّ لبقائنا وبقائكم . يعني أنه يقول أجبت بالاختلاف ليكون الاختلاف مستمراً بين الشيعة وذلك خير لبقائنا وبقائكم !! لكي لا يفهم الناس قولنا عن قولكم . يقول المؤلف : إن هذه الرواية على خلاف ما جاء في القرآن ؛ حيث يجعل أهل التفرقة بعيدين عن الإسلام حيث يقول في سورة الأنعام الآية 951 : { إنّ الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً لستَ منهم في شيء } . وحق التشريع خاص لله ، والمشرع هو الله وحده لا يحق لأحد غيره أن يشرع . كما قال في سورة الشورى الآية 31 : { شرع لكم من الدين } وقال في آية 12 : { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين } وآيات أخرى . مثل { ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام } . ومثل { أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه } . فبناءً على هذا إذا كان الإمام يخاف من أعدائه فله أن يسكت لا أن يفتي على خلاف الواقع ويزرع التفرقة بين الشيعة حتى لا يُعرفوا على حكم واحد ! ثُمَّ هل يحق للإمام أن يفتي بخلاف الحقيقة .
وهذا الإشكال وارد كذلك في الحديث السادس ، وواضح أن أعداء الإسلام قد نشروا هذه الفتيا المخالفة للقرآن باسم المذهب وباسم الإمام وعلى صورة حديث ، وذلك كي يسقطوا حجية القرآن ويوقعوا المسلمين في حيرة .(154/96)
حديث 6 : ضعيف بسبب محمد بن سنان وهو من الكذابين المشهورين وسيأتي ذكره في باب النوادر من كتاب التوحيد من كتاب الكافي .
حديث 7 : سنده : ضعيف لوجود عثمان بن عيسى الواقفي المذهب ، الوكيل الخائن لموسى بن جعفر رضي الله عنه .
حديث 8 : سنده : ضعيف لوجود عثمان بن عيسى ، والعجيب من الكليني الذي روى عن هؤلاء الخونة فكأنه لم يجد راوياً صادقاً ! إضافة إلى أن السند مرسل . وأما متنه : يقول الإمام الصادق للراوي أرأيتكَ لو حدثتُكَ بحديثٍ العامَ ثم جئتني من قابلٍ فحدثتُك بخلافه بأيِّهما كنتَ تأخذ ؟ قال . قلتُ كنتُ آخُذُ بالأخيرة ، والسؤال الآن هو ، هل يجوز لأحد أن يحكم بحكم من أحكام الدين بين ساعة وأخرى ويكون الحكم مخالفاً لما سبقه ؟ ، إذا كان الإمام كذلك فرحم الله المأموم !. أليس هذا افتراء على الله أن يصدر كل واحد حكماً مختلفاً عن الآخر باسم الدين .
حديث 9 : سنده : ضعيف بسبب معلّى بن خنيس ، ويقول المجلسي إنه مجهول وأمّا متنه : وقال الراوي للإمام إذا جاء جديثٌ عن أوَّلكم وحديث عن أخركم بأيهما نأخذ ؟ فقال خذوا عن الحيّ وعلى هذا فإذا جاء حديث عن النبي ^ أو عن أمير المؤمنين وحديث عن الإمام الصادق ، فإنه يجب أخذ حديث الإمام الصادق وتُترك أحاديث الأئمة السابقين . والآن لا بد من سؤال الإمام اللاحق لماذا تأخذون الأحاديث عن آبائكم مع أنهم ليسوا أحياءً ! وبالإضافة إلى أن هذا الحديث يرد على الشيعة الذين يقولون إن الإمام لا يموت ! لأن الإمام الصادق يقول خذوا الحديث من الإمام الحي ، إذن يبدو أنه يوجد هناك إمام حيّ وآخر غير حي .(154/97)
حديث01: لا اعتبار لسنده بسبب وجود محمد بن عيسى الذي نقل عنه روايات متعارضة مع القرآن ! في باب ( أن الأئمة يعلمون متى يموتون ) . والراوي الآخر هو صفوان بن يحيى الذي نُقل عنه أخبار في باب السعادة والشقاوة حيث يبدو أنه جبري وقال الإمام : القائل بالجبر كافرٌ . والراوي الآخر هو عمر بن حنظلة وهو لمَ يُوثق . وأما متنه : قال عمر بن حنظلة : سألتُ الإمام الصادق : أرأيت إن وجدنا أحد الخبرين موافقاً للعامة(1) والآخر مخالفاً لهم بأيِّ الخبرين يُؤخذ ؟ قال الإمام : ما خالف العامة ففيه الرشاد . وهنا لا بد من القول بأن مثل هذه الأخبار قد زرعت التفرقة وسوء الظن بين المسلمين وهل إذا قال العامة : إن علياً رضي الله عنه مسح رجله فيجب علينا أن نخالفهم ! ونقول لا ، بل نغسلها ؟! وإذا نقل العامة أثراً حسناً عن رسول الله يجب علينا أن نأخذ بخلافه ؟ لست أدري بماذا يحيي اللَّهُ هؤلاء الرواة الذين زرعوا التفرقة ؟ إن هذه الأخبار لا تعني سوى حمل المسلمين على سوء الظن ونشر الفتنة وقد قال الله في سورة الحجرات : { اجتنبوا كثيراً من الظنِّ إن بعض الظن إثم } .
[ باب فرضِ العلم ووجوب طاعته ]
حديث 1 : سنده : ضعيف كما قال المجلسي وأمّا متنه فهو : قال رسول الله ^ : « ما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه » . ولكن الشيعة يعملون بخلاف قول رسول الله وبخلاف قول الأئمة كما جاء في هذا الباب ، مثلاً قال الله تعالى : { خلق لكم ما في الأرض جميعاً } ولكن محدثي الشيعة وخطبائهم يقبلون حديث الكساء حيث يقول إن الكون خُلق لخمسة أشخاص(2) ! مع أن هذا القول يخالف القرآن ويخالف أقوال أئمتهم ! وهناك كثير من المطالب الأخرى ! .
حديث 2 : سنده : ضعيف بل مجهول على قول المجلسي ، وأمّا متنه يرد على عمل الشيعة كما ذُكر وكذلك الأحاديث اللاحقة في هذا الباب .
حديث 3 : سنده : ضعيف بسبب أحمد بن خالد البرقي حيث كان مشككاً في الدين .(154/98)
حديث 4 : سنده : لا اعتبار له بسبب ابن فضّال الواقفي وأيوب بن راشد المهمل ! وأما متنه : قال الإمام الصادق ( ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زُخرُفٌ ) بناءَ على هذا فإن معظم أحاديثنا هي خرافة لا توافق القرآن فهي إذاً زخرفة ، كالحديث الذي يقول : إن من يذهب إلى زيارة قبر تغفر جميع ذنوبه وله بكل خطوة ثواب حج وأجر شهيد وهذا كله يخالف الآيات الإلهية . أو الأخبار التي تقول إن الإمام يعلم الغيب مع أن القرآن يقول : { لا يعلم الغيب إلا الله } وألوف الأحاديث تنص على ذلك .
حديث 5 : سنده : مجهول كما يقول المجلسي ، وأما متنه فيخالف أكثر ما عليه الشيعة .
حديث 6 : سنده : مجهول كما قال المجلسي . وبالإضافة إلى ذلك إنه مرسل ، وأما متنه فيقول : قال الإمام الصادق : ( من خالف كتابَ الله وسنةَ محمدٍ فقد كفر ) . فبناءً على هذا ، فما تعارف عليه من البدع من أقوال المتمذهبين وأعمالهم في وطننا يوجب الكفر .
حديث 7 : سنده : ضعيف من جهة محمد بن عيسى بن عبيد وهو مرفوع .
حديث 8 : سنده : ضعيف بسبب البرقي الشاك في الدين ، وأما متنه : قال سيدنا الباقر لأبان : ( ويحك وهل رأيتَ فقيهاً قطُّ ) لأن « أبان » قال : إن الفقهاء لا يقولون هذا إذا لم يكن ثمة فقيهٌ في ذلك العصر فما هو حالنا اليوم !.
حديث 9 : سنده : يقول المجلسي إنه مجهول ، وإن البرقي كان شاكاً في الدين وضعيفاً ، وإبراهيم بن إسحاق مهمل .
حديث01: سنده : يقول المجلسي إنه ضعيف ، وأما متنه فقد سمّي الذين يميلون إلى البدع ضالين كأصحاب مجالس المدح والنواح ولطم الوجوه والصدور من أو الليل إلى الفجر و ... و ... و ...
حديث11: سنده : يقول المجلسي إنه ضعيف ، أجل ؛ الراوي الأول والثاني والثالث والرابع كلهم ضعفاء ضعيف عن ضعيف عن ضعيف عن ضعيف ! والآن كيف يجعلون هذه الأخبار من أوثق الأخبار ؟ لا أحد يدري !.
حديث21: سنده : يقول المجلسي إنه ضعيف .(154/99)
كتاب الحجة
[ باب الاضطرار إلى الحجة ]
حديث 1 : سنده : مجهول كما قال المجلسي لوجود عباس بن عمر الفَقيمي المجهول الحال .
وأما متنه ففيه سأل زنديق الإمامَ الصادق عن دليل لإثبات لزوم الأنبياء والرسل ، فأجابه الإمام ، ومما قال : [ ... لكيلا تخلُو أرض الله من حجة يكون معه علمٌ يَدلُّ على صدق مقالته وجواز عدالته ] ، وهنا أراد المجلسي في كتاب المرآة أن يستنتج من هذه الكلمات : « إثبات وجود الأوصياء والأئمة » وهذا الاستنتاج غير صحيح ، لأن الإمام ، أوّلاً ، يعيّن بهذه الكلمات إثبات الرسل وأن الأنبياء هم الحجة وحدهم ، وقال علي رضي الله عنه في نهج البلاغة في خطبة رقم 441 : « بعثَ رسُلَه بما خصّهم به من وحيه وجَعلهُم حجةً له على خلقِه لئلا تَجبَ الحجةُ لهم بتركِ الإعذار إليهم » ولا حجة بعد الرسل كما قال القرآن في سورة النساء الآية 561 : { لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل } . وهذا الاستنتاج مخالف كذلك لقول أمير المؤمنين حيث يقول في نهج البلاغة في خطبة رقم 09 : « تَمّت بنبينا محمد ^ حجته » ، على كل حال ينبغي على هؤلاء أن يثبتوا حجة الإمام ولزومه بكلمات الله تعالى لأنها هي حجة ، ولما كان كلام الله ليس فيه شيء من هذا ، فهم يريدون أن يثبتوا ذلك بكلمات الإمام والروايات المسندة إليه مع أنه لا حجية في الكلمات والأخبار الآحاد عن الروايات(1) .
حديث 2 : سنده : مجهول كما قال المجلسي ، وأما متنه ففيه ما يخالف القرآن والعقل ومن جملة ذلك ما قاله منصور بن حازم ، صانع الحجج ، قلت للإمام : قلتُ للناس : تعلمون أنَّ رسولِ الله ^ كان هو الحجة من الله على خلقه ؟ قالوا : بلى ، قلتُ فحينَ مضى رسول الله ^ من كان الحجة على خلقه ؟ فقالوا : القرآن ،(154/100)
فنظرتُ في القرآنِ فإذا هو يخاصم به المُرجئُ والقدريُّ والزنديق الذي لا يؤمنُ به حتى يغلب الرجال بخصومته فَعَرفْتُ أن القرآنَ لا يكونَ حجةً إلا بقيِّم ، فهنا أوجد للقرآن حجة ثم يقول ، ذلك القيم هو علي بن أبي طالب ، ويريد أن يقول إن كلّ إمام قيّمٌ للقرآن ، حيث إن كل ما يقوله في القرآن حق !! وزعم أنه أفحم السائل ، فنقول في الرد عليه :
أولاً : إنك قلت إن كل صاحب مذهب وزنديق استدل بالقرآن على خصمه ، والجواب هو أن الذين اتبعوا الإمام واعتبروه حجة هم أيضاً تفرقوا إلى مائة فرقة كالصوفية والشيخية والأُصولية والأخبارية وهكذا ... وكل واحد منهم يستدل بقول الإمام على خصمه ! فكما يحتاج القرآن إلى قيم كذلك يحتاج الإمام إلى قيّم أيضاً .
ثانياً : إن كل متمذهب يستدل بالقرآن على خصمه فقولوا أنتم صراحة إن القرآن ليس بحجة لأن أهل الباطل يستدلون به ، مع أنكم لا تستطيعون ذلك ولا يمكنكم أن تتفوهوا به .(154/101)
ثالثاً : نحن لا نسلم أن أهل الباطل يقدرون أن يستدلوا بالقرآن لرأيهم ، إلا إذا عمي الناس وجهلوا القرآن ، أجل في بيئة العميان كل واحد يمكن له أن يدّعي أنه جميل ! وبما أنَّه في زماننا هذا لا يعرف الناس شيئاً عن القرآن ولغته ، فكل واحد يستدل بالقرآن على رأيه الباطل ودعواه الفاسدة ، وعلى سبيل المثال ، استدل ـ ملاَّ صدرا ـ لمسألته في وحدة الوجود بالآية 94 من سورة الكهف : { لا يُغادرُ صغيرةً ولا كبيرة إلا أحصاها } يعني أن الوجود المطلق احتوى كل صغير وكبير من الموجودات ، مع أن الذي له أدنى إلمام بالقرآن يعلم أن هذه الآية تتعلق برسالة الأعمال يوم القيامة حيث يقول أهل القيامة : { يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادرُ صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصاها } . نعم أسقط ملا صدرا صَدرَ الآية لإثبات باطله ، ثم استدل بها . وعلى سبيل المثال أيضاً نقول ، يستدل الشيعة لإثبات مذهبهم بالآية 76 من سورة المائدة : { يا أيها الرسولُ بلّغ ما أنزلَ إليك ... } يستدلون على أنها لخلافة علي رضي الله عنه ولكنهم أي الخلفاء ـ أسقطوا كلمة ـ علي من الآية .
ولكن الذي له معرفة بلغة العرب والقرآن يعلم أن الله تعهد أن يحفظ القرآن من النقص والزيادة وليس في القرآن شيء قد أنزل بخصوص خلافة علي ، والله يأمر رسول في هذه الآية أن يبلّغ ما أنزل إليه بشأنها ! وهذه الآية هي رديف للآيات التي ترد على أهل الكتاب ، حيث يقول الله : { بلغ ما أنزل إليك } في بطلان أهل الكتاب .(154/102)
إن الذي ينظر في الآيات السابقة والآيات اللاحقة لهذه الآية تتراءى وتظهر له الحقيقة جلية قال تعالى في هذه الآية { بلغ ما أنزل إليك ... } ثم بعد ذلك مباشرة قال : { قل يا أهلَ الكتاب } . فإن الذي يتوجه إلى العوام بالمكر والخديعة من أجل إثبات ما يدعيه من الباطل ليستدل بالقرآن فكأنه يتكلم في بيئة العميان ، فإن كان صادقاً فعليه أن يلق استدلاله في بيئة أهل الذكر وأولي الأبصار ، ويترك الغرض السيء والمرض ، لأنه لا يمكن لأي ضال أن يستدل بالقرآن لإثبات غيّه ، إن الذي يستدل بالآية { يد الله فوق أيديهم } بأن لله يداً كيد البشر ويريد أن ينتصر للمجسمة ، فاستدلاله أشبه بكلام العوام ، أما العالم فإنه يعرف أن لغة العرب والقرآن قد جاء بها تعبيراً عن القدرة باليد(1) . وبالإضافة إلى ذلك ليست كل يد جسماً ، فيد الاستعمار ليست جسماً ، وآيات القرآن نفسها توضح هذا المعنى مثلاً قال تعالى في سورة البقرة الآية 732 : { أو يعفوَ الذي بيده عقدة النكاح } وقال في سورة الشورى الآية 03 : { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم } وكذلك قال تعالى في الآيات الأخرى ، مثل : { لا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك } فتبين من ذلك أن كل يد ليست بجسم على كل حال ، وها هنا لما أراد منصور بن حازم أن يتلاعب بالقرآن ويسقط
حجتيه بدأ يختلق الروايات ! والكليني ومقلدوه أسقطوا القرآن عن الحجية توهماً ، وصنعوا له قيّماً .
بالإضافة إلى ذلك نقول ، لنفرض أن هناك قيماً للقرآن وذلك القيم هو الإمام والآن حيث لا إمامَ قائماً فماذا نعمل ؟ ، هل يجب الاستدلال بالقرآن أم لا ؟ إنهم لا يجدون جواباً .(154/103)
حديث 3 : سنده : مجهول كما قال المجلسي ، وأما متنه : قال هشام لعمرو بن عبيد جعل الله لجوارحك إماماً لترجع الجوارح إليه حين الشك والحيرة وهو العقل ، فكيف لم يجعل هذا الإله للناس إماماً ليرجعوا إليه ويدفعون به الشك والحيرة ، وعمرو ابن عبيد أُفْحِمَ ولم يستطع الجواب ، وكان عليه أن يقول إن الله قد جعل القرآن إماماً للناس وأمر بالرجوع إليه كما قال في سورة النساء الآية 95 : { فإن تنازعتم في شيء فرُدّوه إلى اللَّهِ والرسول } وقال أمير المؤمنين بشأن هذه الآية : في الرسالة 35 الرّد إلى الله هو الرد إلى كتابه ، وقد جعل الله القرآن إماماً وقال تعالى في سورة الأحقاف الآية 21 : { ومن قبله كتابُ موسى إماماً ورحمة } يعني كان الإمام قبل هذا القرآن هو التوراة ، وأمّا الآن فالإمام هو القرآن ، وقال تعالى في سورة الشورى الآية 01 : { وما اختلفتم فيه من شيءٍ فحكمه إلى الله } ، وقال عليّ رضي الله عنه نفسه في الصحيفة العلوية : ( أشهد أن القرآن إمامي ) وجعل القرآن إماماً كذلك في نهج البلاغة وقال في الخطبة رقم 68 : ( من أَمْكَنَ الكتابَ من زمامهِ فهو قائده وإمامه يَحلُّ حيث حل ثقَلُهُ وينزلُ حيثُ كان منزِلهُ ... وآخر قد تَسمّى عالماً وليس به ... قد حَمَلَ الكتابَ على آرائه ) .
أمّا هؤلاء الرواة الغافلون عن كتاب الله فإنهم يريدون أن يجعلوا من واحد كعمرو بن عبيد إماماً من البشر وقد كان غافلاً عن القرآن . نقول حسناً . من هو إمامُ سيدنا الصادق نفسه ؟ هل كان دينه يختلف عن دين الآخرين ؟ نعم ، هو إمامنا فمن يكون إمامه ؟! إذا تنازع مع أحد واختلف معه فإلى أين يرجع وإلى أي شيء يعود ؟!.(154/104)
مثلاً كان بين سيدنا علي ومعاوية نزاع ، فلماذا جعل سيدنا علي القرآن مرجعاً لهذا النزاع ، فقد قال في الخطبة رقم 321 : ما معناه ، لما تنازع هؤلاء القوم معنا ـ أي ـ معاوية وأتباعه ، قبلنا بالقرآن حكماً وجعلناه مرجعاً للقضاء على الشك والاختلاف . وأما عمرو بن عبيد لفرط جهله فقد استغله هشام وأراد أن يثبت أن ثمة إماماً غير القرآن .
حديث 4 : سنده : يقول المجلسي والكليني نفسه إنه مرسل ، ونقول إنه ضعيف لوجود يونس بن يعقوب الذي روى خرافات باسم الإمام ، مثلاً روى كذباً أن الآيات التي ذكرها الله عزوجل في كتابه في الحديث الثاني عن الإمام الباقر أنه قال : لما قال الله تعالى في سورة القمر الآية 24 : { ولقد جاءَ آلَ فرعون النُّذُر كذّبوا بآياتنا كلِّها فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر } قال الإمام الباقر : يعني الأوصياء كلهم ، أي ، أن قوم فرعون كذّبوا بالأوصياء وأئمة آل محمد .
بالله عليكم انظروا إلى أعداء القرآن كيف تلاعبوا به ، وسنبحث ذلك في بابه وأمّا متنه فيقول ، قال هشام لرجل من الشام : هل أقام الله للناس حجة ودليلاً كي لا يتفرقوا ؟ فقال الشامي : نعم ، جاء بالكتاب والسنة ، قال هشام : فهل نفعنا الكتاب والسنّة في دفع الاختلاف عنّا ؟ فقال الشامي ؟ نعم ، قال هشام فلم اختلفنا معاً ؟ وَسِرْتَ إلينا من الشام لتخالفنا ؟ قال ، فسكت الشامي ولم يتكلم ، ثم سأل الشامي هشاماً ، والآن من يدفع الاختلاف بيننا ؟ فقال هشام : إنه الإمام القاعد هنا .(154/105)
ونقول إن هشاماً عمد هنا إلى المغالطة ونقول له : إن كان الإمام يدفع الاختلاف فلماذا لم يدفع الخلاف ، وأحدث مائة مذهب في الإسلام ! وإذا قالوا إن الناس لم يرجعوا إلى الإمام وأشاحوا بوجوههم عنه ، فإننا نجيب بذلك فيما يتعلق بالقرآن ونقول إن القرآن دافع للاختلاف ولكن تجار الدين لم يرجعوا إلىه بلا غرض ، ولو رجعوا إلى القرآن لزال الاختلاف ، ولكنهم هجروا القرآن وتركوه . ورجحوا الأخبار المذهبية على القرآن ، وذلك خلافاً لقول الله تعالى حيث قال في سورة الشورى الآية 01 : { وما اختلفتم فيه من شيء فحكمُهُ إلى الله } وقال تعالى في سورة النساء الآية 95 : { فإن تنازعتم في شيءٍ فردّوه إلى الله والرّسول } ، ولكن هشاماً وأتباعه يقولون ، لا ، إن القرآن لا يدفع الخلاف فارجعوا إلى الإمام ، ولنتساءل ، هل يجب قبول كلام الله أم ينبغي قبول كلام من يخالف كلام الله ؟! ويقول هؤلاء ليبرروا هجرهم لكتاب الله إن القرآن ظنّي الدلالة ، والخبر قطعي الدلالة ، فكيف يمكن رفع الاختلاف بواسطة القرآن مع قوم كهؤلاء غير منصفين أبداً .(154/106)
حديث 5 : سنده : في غاية الضعف لوجود علي بن الحكم ، راوي حديث سلسلة الحمار(1) ، وأما متنه فيقول : تكلم الأحوَل يعني مؤمن الطاق . وقيل له شيطان الطاق ، مع زيد بن علي بن الحسين الشهيد رضي الله عنهما قال زيد له : أريد أن أخرج لأجاهد هؤلاء القوم أتفعل معي ذلك ، قال الأحول : لا ، قال زيد : أترغب بنفسك عني ؟ قال الأحول : إن كان لله في الأرض حجة فالمتخلف عنك ناج والخارج معك هالك ، فالأحول يريد أن يقول : إن الحجة ليست أنت ، وإنما هو أخوك الإمام الباقر ، فقال زيد : كنت أجلس مع أبي على الخوان فيلقمني البَضْعَةَ السمينة ويبرّدُ لي اللقمة الحارة حتى تَبرُدَ شَفَقَةً عليّ فكيف لا يشفق عليّ من حرّ النار ؟! وكيف أخبرك بالدين ولم يخبرني به ؟! فيعمدُ الأحول هنا إلى المغالطة ويقول : أنت أفضلُ أم الأنبياء ؟ قال زيد : بل الأنبياء ، فقال الأحول : قال يعقوب ليوسف عليهما السلام : { يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً } لم يخبرهم حتى لا يكيدونه ولكن كتمهم ذلك ، فكذا أبوك كتمك لأنه خافَ عليك ، يعني : أن لا تقبل وتدخل النار .
يقول المؤلف :
أولاً : إن الأحول هنا قد ركب على متن الظلم وعمد إلى المغالطة ، لأن كتمان يوسف رؤياه عن إخوته لم يكن أمراً مخالفاً لأمر الله ، ولا يجب إظهاره ،
ولكن بيان الدين الحق وإظهار الحجة وخصوصاً من رجل كسيدنا الإمام السَجَّاد ولابنه العزيز سيدنا الإمام زيد كان واجباً وكتمانه كان حراماً .(154/107)
ثانياً : هذا الظن السيء من الأحول في زيد حرام أيضاً حيث يقول الأحول لزيد : إن أباك لم يقل لك الحق والحجة ، لأنه خشي عليك أن لا تقبل وتدخل النار . قال الله تعالى في سورة الحجرات الآية 31 : { يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظَنِّ إنَّ بعض الظَنِّ إثم } ولنلاحظ هنا أن هذا الأحول الذي لا يتحلى بالإنصاف والعدل ، يقول لزيد ذلك السيد الجليل الذي قام يحارب الظلم وفدى الحق بنفسه فأصبح شهيداً ، يقول له إنك لو عرضت عليك الحجة والحق لم تكن لتقبل ، فكنت ستدخل النار ، أمّا أبوك زين العابدين رضي الله عنه فكان يثق بي ولذا قال لي بحجية الإمام الباقر وأحقيته ، ويتبين من ذلك أن إمامة الباقر وحجيته كانتا من اختلاق الشيعة ولم ينزل الله بهما سلطاناً ، وإلا فكيف يمكن أن يعرفهما ذلك الشيعي ولا تعرفهما أسرة الرسول ^ وعترته كزيد رضي الله عنه ولكن ما العمل ؟!! ، إن المتعصبين ليسوا بمستعدين للتفكير وإعمال العقل والتدقيق ، واختلقوا مذهباً يعتمد على خبر رواه علي بن الحكم وأمثاله من المجهولين .
[ باب طبقات الأنبياء والرسل والأئمة
والفرق بين الجَعْلِ التكويني والجَعْلِ التشريعي ]
اعلم أن الكليني بوب هذا الباب ليجعل الأئمة في مراتب الأنبياء ، وقد تمسك بهذه المرويات الضعيفة ، وجعل الإمام أعلى مرتبة من الأنبياء ، مع أَنَّ الإمام إذا لم يؤمن بالأنبياء والرسل عليهم السلام فلن يكون مسلماً ، ومن أصول الإسلام : الإيمان بالأنبياء والرسل فقد جاء في سورة البقرة الآية 482 { والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله } والآن لننظر ماذا يقول الكليني ورواته المجهولون !.
حديث 1 : سنده : ضعيف على قول المجلسي ، نعم درست بن منصور واقفي المذهب ومن الكلاب الممطورة ، وهشام بن سالم كان من المجسمة ، وأبو يحيى الواسطي هو سهل بن زياد الكذاب فاسد العقيدة .(154/108)
إن الكليني يؤسس مذهباً مخالفاً للقرآن ، مبنياً على أقوال رواة كهؤلاء ، ويبدو أن رأيه مخالف للقرآن !! وأما متنه : فيقول فيه ، قد كان إبراهيم نبياً وليس إماماً حتى قال الله إني جاعلك للناس إماماً ، يريد أن يقول مع أن إبراهيم كان نبياً ولكنه كان فاقداً لمقام الإمامة وهو يعني بهذا أن مقام الإمامة فوق مقام النبوة وهذا الموضوع يخالف القرآن ، لأن لله تعالى جَعْلين اثنين . الجعل التكويني والجعل التشريعي : فأما الجعل التكويني فهو كما جاء في سورة البقرة الآية 22 : { جعل لكم الأرض فراشاً والسماء بناءً } وفي سورة الأنعام الآية 1 : { وجعل الظلمات والنور } وقال تعالى في آية 69 : { جعل الليل سكناً والشمس والقمر حسباناً } وفي آية 8 من سورة الإسراء : { وجعلنا جهنم للكافرين حصيراً .. } .
وهذا الجعل التكويني وهو ليس من جعل المقام والفضيلة وكما قال تعالى في سورة الحجرات الآية 41 : { يا أيها الناس إن جعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا } وهذا جعل طبيعي تكويني .
وأما الجعل التشريعي فهو جعل المقام والفضيلة كما جاءت في آية 4 من سورة مريم : { ووهبنا له إسحق ويعقوب وكلا جعلنا نبياً } ومثل ما جاء في سورة الأنبياء الآية 37 { وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم } .
والآن لا بد من العلم أن مقام النبوة فضل من الله ، ولا يُكسب بالرياضة والعمل ، وهو ليس مقاماً كسبياً .
وأما الإمامة والقيادة للأنبياء فهو أمر واقع لكل الأنبياء ، سواء كان النبي إبراهيم أم يعقوب أو غيرهما ، لأن الأنبياء يقودون الناس للهداية عن طريق الوحي الإلهي .(154/109)
ونقول الآن : قال الله في سورة البقرة الآية 431 : { وإذا بتلى إبراهيمَ رَبُّه بكلمات فأتَمَّهنَّ } ـ أي : من قبيل ذبح الولد وبناء الكعبة وتطهيرها والتسليم بأمر الله ـ { قال إني جاعلك للناس اماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين } . هنا لا بد من القول إن الله لم يقل ، سوف أجعلك إماماً بعد إتمام الأمر وبعد النبوة ، فالله ـ لم يذكر الجعل بفعل المستقبل ، بل باسم الفاعل وهو حقيقة في من تلبس بالفعل ماضياً أو دائماً .(154/110)
على كل ، إن الذي يظهر من القرآن ، أن رسالة الأنبياء هي تلك الإمامة وإنَّ ما يدَّعيه بعضهم من أنَّ مقام أئمتهم فوق الأنبياء ويستدلون بالآية السابقة هو الهراء والباطل بعينه ولا مستند لهم . وفضلاً عن هذا ربما يتشبث أحد بهذا الباطل كي لا يعتبر الأنبياء أئمةً ، ويجعل الإمامة فوق النبوة ، مع أن آيات القرآن تنص على أن الأنبياء هم الأئمة . كما قال تعالى في سورة الأنبياء : { وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم } وقال تعالى في سورة السجدة : { ولقد آتينا موسى الكتاب ... وجعلناه هدى لبني إسرائيل وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا } والقصد من الأئمة في هذه الآية سيدنا يعقوب وسائر أنبياء بني إسرائيل من ذرية إبراهيم . إذاً نبي الإسلام محمد ^ هو خاتم النبيين وهذا يعني أنه لا يأتي إمام من عند الله بعده ، والإمام من عند الله هو النبي نفسه ، وإن إمامة الأنبياء أمر بين وواضح ، قد أشير إليها في الأخبار أيضاً ، فقد قال سيدنا الأمير فيما يتعلق بإمامة الأنبياء في خطبة 39 و 511 ( فهو إمام من اتقى ) وأما الإمامة بجعل غير تشريعي كإمامة سيدنا علي والأئمة وبعض المؤمنين فقد جاء ذلك في القرآن والأخبار حيث قال تعالى في سورة الفرقان الآية 47 { ومن ذريتي } يعني طلب سيدنا إبراهيم عليه السلام من الله تعالى أن يجعل بعض ذريته أئمة يعني أنبياء ، وقال : { ومن ذريتي } واستجاب الله لدعائه وجعل الإمامة يعني النبوة في بعض ذريته ، وفي آية أخرى بين الله ذريته من الأنبياء ، كما أشير إليه { ومن ذريتي } التي قالها إبراهيم فهم الأنبياء ذاتهم حيث جاء ذكرهم في آيات أخرى كما جاء في سورة الحديد ويقول تعالى بالنسبة لذرية إبراهيم { ولقد أرسلنا نوحاً وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب } والظاهر أن سيدنا إبراهيم من ذرية سيدنا نوح(1) ، وعلى كل جعل الله الأنبياء من ذرية هذين النبيين ، ولما وصل الزمان إلى(154/111)
إبراهيم أصبح الأنبياء من بعده من ذريته كإسحق ويعقوب ويوسف وموسى وعيسى وغيرهم . حتى نبينا محمد ^ هو من ذرية إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام . إذاً ذلك المغرض الذي كان يقول إن إمامة إبراهيم جاءت بعد نبوته ليس لديه دليل والآية 431 من سورة البقرة لا تدل على كلامه على كل حال . هؤلاء قوم يتلاعبون بالقرآن ويريدون أن ينزلوا القرآن على آرائهم وهذا خطأ فاحش .
وبما أن الكليني لم تكن لديه قوة علمية فيبدو أنه لم ينتبه إلى أن وضع هذه الروايات هو التلاعب بالقرآن ، والغلو في حق الأئمة ، ولم ينتبه إلى أنه لو كان الأمر كذلك لكانت الإمامة شيئاً كسبياً ، ولاستطاع أي إنسان أن يحوز هذا المقام ويصبح بنظره فوق الأنبياء .
وقال الله تعالى في سورة الفرقان الآية 47 في وصف عباد الرحمن : { والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً } .
تدل هذه الآية أن أي عبد صالح من عباد الله إذا سعى بالعلم والعمل ووفقه الله فاز بمرتبة إمام المتقين ، فهل يستطيع أي إنسان مهما اتصف بالتقوى والصلاح أن يجاوز مقام الأنبياء ـ والعياذ بالله ـ ماذا نقول بشأن استدلالاتهم ؟!، إنها هي المغالطة بعينها .
ونحن نقول : إن أي مسلم إذا استطاع أن يكون عالماً عاملاً فهو إماماً هادياً للناس ، ولكن حتماً لا يصل إلى مقام النبوة وأنى له أن يفوق الأنبياء .
ولكنَّ الرواة الخرافيين المغرضين يأتون بما يخالف القرآن ويقولون ، لا ! كل من تعلم وعمل وكان طائعاً لأمر الله وأرشد نفراً من الناس أصبح فوق الأنبياء ! والكليني أتى بأربع روايات في هذا الباب لإثبات خرافته ، عن رواة لا اعتبار لكلامهم وأكثرهم كانوا من الضالين . ومنهم : أبو يحيى الواقفي الضال ، ودرست بن منصور الواقفي الضال ، ومحمد بن سنان من الكذابين المشهورين ومن الغلاة ، ومحمد بن خالد المجهول المذهب .(154/112)
هل يمكن الاعتماد على كلام هؤلاء الرواة من أهل الخرافة والضلال حيث لا يُعلم غرضهم وهدفهم من نقل واختلاق هذه الروايات المخالفة للقرآن ، فهل يؤخذ الدين عن أمثال هؤلاء ؟
هل يمكنهم أن يجيبوا الله تعالى يوم القيامة ؟ كلاّ .
واعتبر المجلسي ثلاثاً من هذه الروايات مجهولة وضعيفة .
[ باب الفرق بين الرسول والنبي والمحدَّث ]
عندما قرأت هذا الباب أسفت جداً ، لأن الكليني وأمثاله يحرفون آية من الآيات أو يزيدون فيها ، أو ينقصون منها ، ثم يبنون أشياء أخرى على صنائعهم الجديدة هذه وعلى تحريفهم . ويأتون بمقامات للأئمة ، ففي هذا الباب ومن هذه الروايات أتوا بآية محرفة ويريدون بالاستناد إليها أن يثبتوا مقام الوحي للإمام ، وتلك الآية هي : يقول الله تعالى في سورة الحج الآية 25 : { وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبيٍّ [ ولا مُحَدَّثٍ ] إلا إذا تمنَّى ألقى الشيطان في أمنيتِّه } ، روى الكليني ورواته عن الإمام : أن المقصود من المحدَّث هو إمام تأتي الملائكة إليه بالوحي ويحدثونه ، وثمة فرق بينه وبين الرسول والنبي ، والفرق هو أن الرسول والنبي يريان الملك ولكن المحدَّث وهو الإمام لا يرى الملَك . إذن يوحى إليه ولكنه لا يرى الملك ولكنه يسمع كلامه .
أقول : راجعت القرآن ورأيت أن كلمة ( ولا محدث ) في هذه الآية زيدت افتراء في الرواية ولم ترد في آية ما في القرآن ، ويفهم من الرواية أَنَّ الأمامين الباقر والصادق أضافا كلمة ( المحدث ) ثم قالا نحن المحدثون !!.
ما العمل إزاء هذه الافتراءات المخالفة للقرآن ؟ وترى ماذا نقول لمقلدي الكليني المتعصبين !!.(154/113)
ألم يقرؤوا القرآن حيث قال الله تعالى في سورة الحجر مع التأكيد الشديد : { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } وقال تعالى في سورة البروج الآية 22 : { بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ } وقال في سورة يونس الآية 46 : { لا تبديل لكلمات الله } وقال في سورة الأنعام الآية 43 : { ولا مبدل لكلمات الله } وقال في السورة نفسها الآية 511 : { وتمت كلمةُ ربكَ صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته } .
وتعهد الله في هذه الآيات وأمثالها بشديد التأكيد أن يحفظ القرآن من الزيادة والنقصان ، هل نسي الله ـ سبحانه ـ قوله ، أم كان عاجزاً وغير قادر أن يحفظ القرآن من التحريف ـ حاشا لله ـ أم أن الإمام الصادق يحق له أن يزيد كلمة في القرآن ؟! أم أن الرواة يفترون ويكذبون ! وضعّف المجلسي الرواية التي تقول بوجود كلمة المحدَّث في القرآن لأن أحد رواة الحديث هو علي بن حسان ويبدو أنه لُقِّب بالهاشمي حيث ضعفّه النجاشي وغيره من علماء الرجال وعدوه من الغلاة . يقول النجاشي : ضعيف جداً ذكره بعض أصحابنا بين الغلاة فاسدي الاعتقاد له كتاب تفسير « الباطن » ، هذيان كله ، كتب ابن الغضائري والممقاني عنه ما يلي : له كتاب سماه تفسير « الباطن » لا يمت إلى الإسلام بصلة والراوي الآخر هو ابن الفضال الواقفي وهو من الكلاب الممطورة ، وعلي بن يعقوب الهاشمي مجهول الحال ، لقد عرّف هؤلاء المجاهيل الزنادقة أن القرآن محرف فاعتمد الكليني على كلامهم ثم أصبح كل مجتهدي المذهب مقلدين للكليني !! فأي اجتهاد هذا ؟!.
والآن إما أن نلقي كتاب الله وراء ظهورنا ونقول بعجز الله ـ نعوذ بالله ـ وإما أن نقول بعدم حجية كتاب الكليني وعدم اعتماده لدى هؤلاء الذين يدعون العلم وهم جهال . فعلى القارئ أن يختار .(154/114)
والروايات في هذا الباب تقول إن الإمام يوحى إليه وهذا أمر يخالف القرآن ونهج البلاغة والعقل ، قال الله تعالى في سورة الأنعام الآية 39 : { ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو قال أوحي إليّ ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله } . وقال علي رضي الله عنه في نهج البلاغة في الخطبة رقم 322 وكان يغسل رسولَ الله ^ بعد وفاته مخاطباً إياه ^ : ( بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد انقطع بموتك مالم ينقطع بموت غيرك من النبوة والإنباء وأخبار السماء ) وقال في الخطبة رقم 241 : ( بعث الله رسله بما خصهم به من وحيه ) وقال في الخطبة 281 : ( وقبض نبيه وقد فَرَغَ إلى الخلق من أحكام الهدي به ) وروى في كتاب سفينة البحار ج 2 ص 836 عن الشيخ مفيد : ( أن نزول الوحي يمتنع على الأئمة لأن الإجماع انعقد بعدم نزول الوحي عليهم ، ويتفق علماء الشيعة على أنه إذا ظن أحد بنزول الوحي بعد النبي على أحد فإن ذلك كفر ) .
بناءً على ذلك فإن هؤلاء الرواة الكذابين لم يكونوا يعرفون مذهب الشيعة ، ثم لا يعقل بعد ذلك أن يأتي كل إمام ويزيد شيئاً في دين كامل بلّغه رسول من الله بكتاب تام .
[ باب أن الحجة لا تقوم لله على خلقه إلا بإمام ](154/115)
وهذا العنوان للباب بغض النظر عن الأحاديث المتصلة به يخالف القرآن ، لأن القرآن يقول تمت الحجة بإرسال الرسل وليس هناك ذكر للإمام ، كما جاء في سورة النساء الآية 561 { رسلاً مبشرين ومنذرين لئلاّ يكون للناس على الله حجةٌ بعد الرسل } وقال علي رضي الله عنه في الخطبة رقم 09 : من نهج البلاغة ( تمت بنبينا محمد ^حجته ) ، وفي بعض خطبه اعتبر القرآن حجة كافية كما قال في الخطبة رقم 061 : ( أرسله بحجة كافية ) وقال في الخطبة رقم 281 : ( فالقرآنُ آمرٌ زاجرٌ ، وصامتٌ ناطقٌ ، حجةُ اللَّهِ على خلقه ) وقال في الخطبة رقم 581 : مع وجود القرآن تمت عليكم الحجة ولم يبق لكم العذر حيث قال : ( فألقى إليكمُ المعذرة واتخذ عليكم الحجة ) .
بناءً على ما ذكر قد بين الله لزوم الحجة وقدرها ، ولم يبق حاجة أن يأتي عدد من الرواة من مجهولي الحال وفاسدي العقيدة فيخترعون حجة على المسلمين وبقولهم : ( قال الإمام ) أضاف هؤلاء أو أنقصوا من الإسلام ما شاؤوا .
وروى الكليني في هذا الباب أربعة أخبار ويعتبر المجلسي الثاني منها ضعيفاً والثالث مجهول الحال ويبقى خبران من الآحاد ، ولا يمكن إثبات العقيدة بالآحاد ، وخبر الآحاد ليس بحجة في العقيدة وفضلاً عن أن هذين الخبرين لا يحملان مضموناً واحداً .
أما متن هذين الخبرين ومعناهما فكلاهما هذيان لا يعول عليه ، لأن الأول يقول : ( إن الحجة لا تقوم لله على خلقه إلا بالإمام حتى يعرف ) وكما قلنا إن هذا المعنى يخالف القرآن وثانياً يقول : إن الإمام ليس بحجة حتى يعرف ، وهو لم يُعرف إذاً فليس بحجة ، ولذا لا يكون حجة للذين لم يعرفوه ، ويريد الناس أن لا يعرفوهم لكيلا يكون الأئمة حججاً ، ومع ذلك هذا ليس بالأمر الحسن أن يأتي إمام ويصنع حجة بكلامه ، لأنه إن كان الإمام حجة لا بد أن ينزل شيء في حجيته كالنبي ^ لا أن يقول الإمام بنفسه ذلك .(154/116)
وأساساً هل الإمام تابع للدين والحجة أم لا ؟ ، أم أنه هو الدين والحجة ؟! وأما مضمون الخبر الرابع وهو من الآحاد فليس فيه معنى صحيح ، لأنه يقول : ( الحجة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق ) ونحن نسأل لماذا ، قبل الخلق ولمن ؟ وكذلك بعد الخلق وللمعدومين فما معنى الحجة ولمن ؟ ولعمري ليتهم انتبهوا ، إنهم عدد من الناس المجهولين والضعفاء ولا معنى لرواياتهم أتوا من عندهم بمذهب كالذين نقلوا حديثاً عن رسول الله أنه قال : ( كنت نبياً وآدم بين الماء والطين )(1) وهنا لا بد من السؤال كان نبياً لمن ولماذا ؟ وما الفائدة من رسالته في ذلك الزمان وبغض النظر عن هذا فإنَّ واضع هذا الخبر ما كان يعرف اللغة العربية لأنه كان عليه أن يقول بين الماء والتراب ، لأن الطين فيه ماء ولا معنى بقوله بين الطين والماء !!.
[ باب أن الأرض لا تخلو من حجة ]
في هذا الباب جعل الإمام نفسه قيماً للعالم وحافظاً للأرض ، وعدّ نفسه عادلاً وعالماً وحجة وحده ، هل يليق بالإمام أن يزكي نفسه بهذا القدر مخالفاً القرآن حيث قال تعالى : { فلا تزكوا أنفسكم } .
فقد ورد ثلاثة عشر خبراً في هذا الباب وأكثر رواتها من المجهولين والمتهمين .
الحديث الأول : مجهول لوجود حسين بن أبي العلا حيث عده الفاضل الجزائري ضعيفاً واختلف سائر علماء الرجال بشأنه .
الحديث الثاني : ضعيف لوجود كل من أبي علي بن إبراهيم وهو مجهول وإسحق بن عمار الفحطي .
الحديث الثالث : يقول المجلسي بأنه مجهول ونحن نقول بضعفه لوجود علي بن الحكم راوي سلسلة الحمار .
الحديث الرابع : يقول المجلسي بضعفه .
والحديث الخامس : ضعيف لأن راويه ممن يقول بتحريف القرآن .
والحديث السادس : يقول المجلسي بضعفه .
والحديث السابع والثامن : يقول المجلسي : أنهما مجهولان وضعّف المجلسي في المرآة :
الحديث التاسع : وكذلك عد العاشر والحادي عشر مجهولين ، وعدّ الثاني عشر والثالث عشر ضعيفين .(154/117)
أما المتن : فقد جاء في الحديث الأول عن الإمام حيث لا تخلو الأرض من إمام وإن كان هناك إمامين فعلى واحد منهم أن يسكت ، ونحن نقول هذا إفتراء على الإمام لأنه في عصر الجاهلية مثلاً كانت الأرض بلا إمام وكذلك قبل خلق آدم . فإما أن الإمام لم يكن عالماً أو أن الراوي افترى عليه ، وثانياً إذا كان هناك إمامان لماذا يسكت أحدهما ، أليس الأمر بالمعروف وإرشاد الجهال واجب على كليهما .
وأما متن الحديث الثاني فيقول : إن الأرض لا تخلو من إمام ، كلما زاد المؤمنون شيئاً على الدين ردّهم وإن نقصوا شيئاً أتمّه لهم . أوّلاً نقول : إن المؤمن إذا كان مؤمناً حقاً فلن يزيد على الدين شيئاً أو ينقص منه ، ومن يفعل ذلك فهو حتماً ليس بمؤمن ، ثانياً : إن زمننا هذا يحتوي مئات المذاهب ، وكل مذهب منها فيه من البدع والخرافات ما زاده الجهال على الدين ، فأين هو الإمام الذي يرجع إليه في الفصل بين الخطأ والصواب ؟ ، وإذا كان موجوداً حقاً فلماذا لم يبادر إلى إحقاق الحق وإبطال الباطل .
ومتن الخبرين الثالث والرابع يحويان الإشكالات ذاتها ، وكذلك الخامس والسادس والسابع .(154/118)
وأما متن الحديث الثامن فيقول فيه الإمام الباقر رضي الله عنه : لم يترك الله الأرض من زمن آدم إلى زمننا دون إمام ، وهو حجة الله على عباده : نقول : إذا كان الإمام حجة على عباده ، فلماذا قال الله في سورة النساء الآية 561 : { لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل } ولماذا قال أمير المؤمنين في الخطبة رقم 09 ( تمت بنبينا محمد ^حجته ) ، أم ترى أن علياً رضي الله عنه لم يكن يعرف هذه الأخبار ومضمونها !! هل نقبل هذه الروايات التي تخالف القرآن ، والحس يأباها لأن الكليني رواها . وأما متن الأخبار من الخبر العاشر إلى الثالث عشر فقد قال الإمام : إذا خلت الأرض من إمام فإنها تبتلع أهلها نقول هذه الأخبار تخالف القرآن لأن القرآن يقول في سورة فاطر الآية 14 : { إن الله يمسكُ السموات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده } . وقال تعالى في سورة الحج الآية 56 : { ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه } وقال في سورة فاطر الآية 2 : { وما يمسك فلا مرسل له من بعده } .
حتى قال الله عن الطيور في الهواء في الآية 91 من سورة تبارك : { ما يمسكهن إلا الرحمن } إلى غيرها من الآيات .
هل يمكن للمسلم أن يغض طرفه عن كل هذه الآيات القرآنية ويقول إن حافظ الأرض هو الإمام ، إلا إذا كان من الرواة الوضاعين الكذابين أو الغلاة ، وفضلاً عن هذا فقد قال الإمام : ( لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت ) ما هذا ؟ ساخت بحكم من ؟ بحكم الإمام أو بحكم الله أم بحكم نفسها ؟! وإذا كان بحكم الله فلا يد للإمام فيه ولا فضل له ، إن واضعي هذا الحديث لم يعرفوا كيف يكذبون .
[ باب أنه لو لم يبق في الأرض إلا رجلان لكان
أحدهما الحجة ](154/119)
روى الكليني خمسة أحاديث مختصرة في هذا الباب ، المجلسي يقول في مرآة العقول بضعف الأول والثاني والرابع ، وإن الثالث مرسل والخامس مجهول ، ورواتها مجروحون ، أمثال محمد بن الحسن حيث قال عنه جمهور علماء الشيعة أنه كان فاسد المذهب ، ولا يؤخذ بحديثه ، وله أشعار أحلّ فيها كل المحرمات ، وروّج سوق الفسق والفجور ، ورواياته مليئة بالخرافات ، انظروا في الكافي في « باب أن الأئمة خلفاء الله » وفي « باب أن الطريق التي حث عليها » .
والآخر محمد بن سنان وهو من مشاهير الكذابين ... ومنهم حمزة بن الطيار مجهول الحال والآخر محمد بن عيسى بن عبيد الذي تخالف كل رواياته القرآن والآخر سهل بن زياد الكذاب وأمثاله .
يبدو أن الكليني قد ركز فكره على جمع الروايات التي تمدح الإمام وكان يريد أن يصنع إماماً وهمياً للمذهب ولم يفكر أدنى تفكير بفساد الرواة .
وأما متون هذه الأحاديث كلها فيخالف الكلام الإلهي لأن الله تعالى قال في سورة النساء : { لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل } ولكن الكليني يقول إذا كان رجلان في الأرض فإن أحدهما يكون حجة على الآخر ، نقول لماذا ؟ يقول لأن الله لا يترك أحداً بلا حجة . ونقول إن كتاب الله والعقل موجودان دائماً وكفى بهما حجة ، وفضلاً عن هذا لا بد أن الله هو الذي يبين حجية الإمام والرسول ، وليس الراوي الكذاب بنقل عن الإمام .
وكذلك قال الإمام : أحاديثنا مستخرجة من القرآن فإذا لم يوافق حديثنا القرآن فلم نقلها ، يرجى الرجوع إلى باب الأخذ بالسنة وشواهد الكتاب حيث أحاديث هذا الباب تخالف أخبار ذلك الباب .
[ باب معرفة الإمام والرد إليه ]
روى الكليني 41 حديثاً في هذا الباب يقول إن معرفة الأئمة من أركان الدين وأصوله وفي كل أمر ديني لا بد من الرجوع إليهم ، ويبدو أنه كان جاهلاً بالقرآن حيث أَنّ القرآن بين أصول العقائد والإيمان والكفر وليس في آيات الله شيء من معرفة الإمام والرد إليه .(154/120)
بل فيه ما يخالف هذه الأخبار المذهبية ، لنتساءل هل العلوم الإسلامية يذكرها القرآن أم تذكرها أخبار المتمذهبين المحرفين ؟! فهل لو لم يكن هؤلاء الرواة الكذابون لم يكن يبقى للإسلام أصول وثقافة ؟! قال الله في سورة البقرة الآية 16 : { إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الأخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم } فهما أمران يضمنان النجاة : الإيمان بالله والإيمان باليوم الأخرة وفي آية 771 ذكر الله كل أصول الإسلام وذكر الله في آية 482 ماذا يلزم للإيمان وذكر تعالى في سورة النساء الآية 631 كل أصول الإسلام والكفر، والإمام نفسه لا بد أن يعرف ذلك ويعتقد به ولا فرق في الإسلام وأصول عقائده بين الإمام والمأموم ، ولم يأت في القرآن نص يخص الإمام ، فعلى الناس أن يعرفوا دين الإمام ويسعوا لأن يكونوا أئمة للمتقين وذلك بكسب العلم والعمل كما ذكر في سورة الفرقان ، فضلاً عن هذا فما هي طريق معرفة الإمام ؟ على سبيل المثال لنعرف ما اسم الإمام زين العابدين ؟ وما اسم أبوه ، وكم صلى وماذا عمل ؟ هل كل من أرخ لهذه الأشياء وكتب ترجمة الإمام وعرفّها للناس فهو شيعي ، مع أن الأمر ليس كذلك . وإلا لا بد أن يعتبر كل علماء أهل السنة وسائر علماء الأديان من الشيعة !!.
أليس للإسلام عقائد وشريعة يجب معرفتها أم أنه تكفي معرفة الرجال واتباعهم .(154/121)
نحن نعتقد أن هؤلاء الرواة المختلقين لمّا شغلوا الناس بمعرفة الأكابر كانوا يهدفون من وراء ذلك هدمَ أصول الإسلام . والإسلام ليس دين عبادة الرجال والسادات والأكابر ، بل إنه دين إيمان وعمل . إضافة إلى أنه يقول في أخبار هذا الباب يجب معرفة الإمام والرد إليه ، وهذا مخالف للقرآن ومخالف لعمل سيدنا الأمير رضي الله عنه لأن القرآن يقول في سورة النساء الآية 95 : { أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول } . يعني ردوه إلى كتاب الله وسنة رسوله لا إلى أولي الأمر ، وقال سيدنا الأمير رضي الله عنه في نزاعه مع معاوية بأنه مستعد أن يرجع إلى كتاب الله . ولم يقل ارجعوا إليّ لأني إمام .
وكذلك قال في كتابه لمالك الأشتر ، فكيف يقول الإمام الصادق إذن إرجعوا إليّ ؟! ولقد أظهر الكليني ورواته الإمامَ الصادق وسائر الأئمة أنفسهم مخالفين لأمر الله ومفسدين في الدين وذلك عن طريق هذه الروايات المفتراة التي تقوَّلها عليهم .
ويظهر من كتاب الكليني أن عترة الرسول هدموا دين جدهم كما سنبين في أبواب أخرى إلا أننا نعتبر هذه الروايات كذباً وافتراءً(1) .
في متن الحديث الأول قال السائل ما هي معرفة الله ؟ فأجاب الإمام معرفة الله هي محبة علي رضي الله عنه والإقتداء به وبأئمة الهدى ، ونحن نسأل كيف عرف عليّ نفسه الله َتعالى ؟ وفي نهج البلاغة يبدو أنه عرف الله دون أن يقتدي بنفسه وعرف القرآن دون أن يذكر اسم أحد من العباد فإما أن هذا الحديث باطل أو أن القرآن ونهج البلاغة باطلان ـ والعياذ بالله(2) ـ .
وأما متن الحديث الثالث فيقول أن معرفة أئمتنا واجبة ، نحن نقول إذا كان الأئمة مؤمنين فهل كان عليهم هذا الواجب واجباً أم لا ؟ هل هذا الحديث الذي يقول أن العامة ( أي : أهل السنة ) يعرفون خلفاءهم بوحي من الشيطان ولكنَّ المؤمنين ( أي : الشيعة ) يدركون حق أئمتهم بوحي من الله !!.(154/122)
نقول هل معرفة العامة ( أهل السنة ) بالخلفاء إلا على أساس أنهم مسلمون ، فمعرفة الإمام إذن لا بد أن تكون كمعرفة العامة للخلفاء ، حيث يعتبر المؤمن الإمامَ مسلماً ويحبه كسائر أهل الإيمان ، وأمّا الغلوا فلماذا ؟ وبأي دليل ؟.
يقول في الحديث الرابع ، إذا عرف أحد أيّ إمام من الأئمة ولم يعرف الله فهو ضال وهذا أمر جيد ، وبناءً عليه فإن أكثر الغلاة ومقلديهم من الرواة من الضالين ، فلماذا أيها الكليني ، رويت في كتابك أحاديثهم .
ويقول الراوي في الحديث الثامن : من اختار دين الله وسعى في عبادته ولم يعرف إمامه ، فهل من شك في صحة طريقه وإن كان لا يعرف شخصاً اتخذه مريدوه إماماً ؟ أرأيتم لماذا لا تتبعون الإمام الإلهي وهو القرآن وتتخذون لأنفسكم إماماً من البشر ، ونحن نسأل : أو ليس ذلك الإمام عبداً لله ؟ والحق أن إمام الإمام وإمام المأموم لا بد أن يكون القرآن فقط .
ويتضح هنا أن هؤلاء الرواة لم يكن لهم من هم سوى هجر القرآن واتخاذهم إماماً من البشر ولو كلفهم ذلك أن يختلقوا إماماً !!.
[ باب فرض طاعة الأئمة ](154/123)
وروى في هذا الباب سبعة عشر حديثاً وأكثرها من الأحاديث الضعيفة والمرسلة والمجهولة ، يقول المجلسي بضعف كل من الثاني والثالث وأما الرابع فهو مرسل والخامس ضعيف ، والتاسع ضعيف وأما العاشر والحادي عشر والثاني عشر فمجهولون ، والثالث عشر ضعيف ، والرابع عشر والخامس عشر مجهولان ، والسادس عشر ضعيف والسابع عشر مجهول . وأما رواة هذه الأخبار فهم ناقلو الأخبار في أكثر أبواب الكافي ومن المستحسن أن تنظروا روايات الحريز ( الراوي ) في باب مواليد الأئمة في الخبر الثامن ، وأما علي بن إبراهيم « الراوي الآخر » فهو يقول بتحريف القرآن وأبوه مجهول الحال ولمعلّى بن محمد روايات تخالف القرآن ، لاحظوا رواياته في باب مولد أبي جعفر محمد بن علي الثاني وفي باب مولد أبي الحسن علي بن محمد وكذلك في الأبواب السابقة والتالية له ، قد قال عنه علماء الرجال : إنه ضعيف ومضطرب المذهب وستأتي روايته في باب : أن الأئمة خلفاء الله ، والراوي الآخر هو حسن بن علي الوشاء حيث له أحاديث كثيرة مخالفة للقرآن والعقل كما سيأتي في باب عرض الأعمال ، والآخر سيف بن عميرة الذي لُعنَ من قِبل الأئمة ، والآخر علي بن أبي حمزة البطائني الخائن الذي اختلس أموال موسى بن جعفر وأسس مذهب الواقفية ، والآخر سهل بن زياد الكذاب المعروف ، والآخر منصور بن الحازم صانع الحجة ! وغير ذلك من هؤلاء ، ولست أدري ما قيمة روايات يرويها هؤلاء ؟! ومتن هذه الأحاديث ، في الحديث الأول أن معرفة الإمام وإطاعته من أفضل الأشياء واستدل بآية { من يطع الرسول فقد أطاع الله } ( سورة النساء الآية 08 ) وما من أحد يسأل ما هي العلاقة بين هذه الآية وطاعة الإمام . فضلاً عن هذا ، هل كان الأئمة معجبين بأنفسهم إلى حد أن يوجبوا طاعتهم ويستدلوا لأنفسهم بآية لا تتعلق بهم . والإمام الباقر نفسه قال إذا وردكم عنا حديث فاسألوا أين ورد هذا في كتاب الله وفي أيّة آية ( أي ما يؤيّده ) .(154/124)
انظروا باب الرد إلى الكتاب والسنة الحديث الخامس . إن الأئمة كانوا تبعاً لكتاب الله وسنة رسوله ولم يكن لديهم سنة خاصة بهم يقول علي رضي الله عنه في نهج البلاغة ( نظرت إلى كتاب الله وما وُضع لنا وأمرنا بالحكم به فاتبعتُه وما استن النبي ^ فاقتديته ) . ويقول في إحدى وصاياه في نهج البلاغة رقم 941 ( وصيّتي لكم أن لا تشركوا بالله شيئاً ، ومحمد ^ فلا تضيّعوا سنته ، أقيموا هذين العمودين وأوقدُوا هذين المصباحين ) .
وقال في الخطبة رقم 632 : ( فجعلت أتبع مأخذ رسولِ الله ^ فأطأ ذكرَه ) وقال في الخطبة رقم 881 : ( استعَملَنا الله وإياكم بطاعته وطاعة رسوله ) وقال في الخطبة رقم 861 : ( ولكم علينا العمل بكتاب الله تعالى وسيرة رسول الله ^ والقيام بحقه والنعش لسنته ) . ويقول في الخطبة رقم 591 ( ولقد كان في رسول الله ^ كافٍ لكَ في الأسوة ) وقال في الخطبة رقم 831 ( الوالي ... يحيي ميت الكتاب والسنة ) ويقول في الخطبة رقم 102 ( وليس كلُّ أصحاب رسول الله ^ من كان يسأله ويستفهمه وكان لا يمرّ بي من ذلك شيء إلا سألته عنه وحفظته ) .
وقال في الخطبة رقم 941 ( محمد ^ فلا تضيعوا سنته ) وكتب في رسالة 52 لعاملي جمع الزكاة ( نقسمها على كتاب الله وسنة نبيه ^ ) ويقول في رسالة 35 ( كلُُّ قد سمّى الله له سهمه ووضع علىه حده وفريضته في كتابه أو سنة نبيه ^ ) وكذلك سائر كلمات الأئمة .(154/125)
إذن فآية ـ من يطع الرسول فقد أطاع الله ـ لا تتعلق بفضيلة الإمام ، فضلاً عن هذا تُرى من أيّة آية من القرآن استخرج وجوب طاعة الإمام ؟ ليس في القرآن آية كهذه . أجل طاعة ولي الأمر المُطبق للكتاب والسنة واجبة ويأتي ذلك في باب « أولي الأمر » وهم غير الأئمة الإثنا عشر في الحديث الرابع : استدل على وجوب طاعة الإمام بالآية 45 من سورة النساء ولا علاقة لها بالإمام اطلاقاً وقال الله في تلك الآية : { فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً } وقد وردت كلمة ( آتينا ) بصيغة الماضي ولما نزلت هذه الآية لم يكن الأئمة موجودين بل الله أعطى الملك والنبوة لآل إبراهيم في الماضي أمثال سليمان ويعقوب ويوسف وموسى وعيسى عليهم السلام .
وهذه الآية لا تدل على المستقبل ، هل الإمام حقاً لا يعرف الماضي من المستقبل ؟! أم أن الرواة الوضاعون وضعوا الحديث ؟! إضافة إلى ذلك إنكم تقرؤون في دعاء الندبة وسائر الأدعية وتقولون للأئمة ( إني منتظر لدولتكم ومرتقب ، ونصرتي لكم معدة حتى يمكنكم في أرضه ) . فيبدو أن أولئك الأئمة لم يتمكنوا في الأرض بعد . فكيف قال ذلك الإمام إن أعطانا ملكاً عظيماً ، هل تريدون أن تهدموا القرآن باسم الإمام ؟ وتظهروا الإمام على أنه هادم للقرآن ؟
يقول في الحديث السادس : قال الإمام نحن محسودون . فلنسأل من هم حسادكم ؟ ثم يقول نحن الراسخون في العلم . نقول أولاً : لا يحق للإمام أن يمجد نفسه بهذا القدر ، وثانياً وبنص القرآن لا ينحصر الراسخون في العلم بالأئمة كما سيأتي في بابه .(154/126)
وفي الحديث رقم 7 و 61 استدل على وجوب طاعة الإمام بالآية : { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ... } حيث تدل أن الموالاة لا تتعلق بوجوب الإطاعة كما سنذكر في بابه لأن هذه الآية وردت في سورة المائدة الآية 55 ضمن الآيات التي تقول ... { لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء } وبعد هذه الآية قال تعالى : { لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء } وكل آيات هذه السور حرب على الكفار من أهل الكتاب وتمنع موالاتهم وفي أثناء ذلك يقول : { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكوة وهم راكعون } .
لم ترد كلمة « الراكعون » بعد الصلاة بل وردت بعد الزكاة ، أي يدفعون الزكاة برضاهم ورغبتهم . وهم على عكس المنافقين الذين يكرهون تأدية الزكاة . كما قال تعالى في سورة التوبة الآية 45 بالنسبة لإنفاق المنافقين { ولا ينفقون إلا وهم كارهون } ، معنى الولي هو الصديق ونحن يجب أن لا نغفل عن تناسب الآيات ونجعل كلام الله لا رابطة بينه ولا قرينة تجمعه . ومن أجل إطاعة الإمام نسقط ما في القرآن من الفصاحة ونختلق الحديث كما فعل علي بن الحكم الكذاب وهو نفسه راوي حديث سلسلة الحمار .
وفي الحديث الحادي عشر : علي بن إبراهيم وصالح السندي المجهول يضعان أصول الدين للمسلمين ويقولان إن الإمام الصادق قال : ( من عرفنا كان مؤمناً ومن أنكرنا كان كافراً ومن لم يعرفنا وينكرنا كان ضالاً ) وهذا يخالف القرآن لأن القرآن يقول : { من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون } وفي هذا بيان لأصول الإيمان والكفر وقال تعالى في وسورة النساء الآية 631 : { ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضلّ ضلالاً بعيداً } .(154/127)
هل لله أن يبين أصول الإيمان والكفر في كتابه لرسوله أم لعلي بن إبراهيم وصالح السندي ؟! ومعرفة الإمام ليست هي مناط الكفر والإيمان في كتاب الله ، هل وجود الإمام نفسه من أصول الدين لتكون معرفته من شروط الإسلام ؟! أم أن الإمام هو أحد أتباع الدين ؟! إنه في رواية رقم 61 جعل للقرآن قَيِّماً ، وقال منصور بن حازم القرآن : ليس بحجة لأن كل فرقة تستدل به ولا بد أن يكون له قيماً وهو الإمام . والرد عليهم هو أنهم استدلوا بكلمات الإمام واختلفوا فيها أيضاً ، أمثال الصوفية والشيخية والزيدية والواقفية والجعفرية والأصولية والأخبارية و ... إذن وبناءً على هذا المنطق لا بد أن يكون للإمام قيم ، وهو ليس بحجة ولعل الكليني وعلي بن إبراهيم هما القيمان على الإمام ! وإضافة إلى ذلك أن الله جعل القرآن هو الفصل في الخلافات كما ذُكر ، وسيدنا الأمير عدَّ القرآن حجة كافية كما مرّ في الحديث 71 : واستدل بالآية 47 في سورة الإسراء : { يوم ندعو كل أناس بإمامهم } لوجوب إطاعة الإمام ، ولكن الراوي المحرف قد عمل بالتحريف هنا أيضاً ، ولم يأت ببقية الآية حيث قال تعالى : { فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرئون كتابهم } ومعنى الإمام هنا هو كتب الأعمال ، يعني أن الناس يحضرون مع إمامهم أي مع سجل أعمالهم . ولست أدري كيف يتجرأ هؤلاء الرواة على اللعب بالقرآن وتحريفه باسم الإمام وباسم النقل عن الإمام ؟! هل يريدون أن يدّعوا أن الإمام أراد أن يفسد كتاب الله ودين جده ؟! .
[ باب في أَنَّ الأئمة شهداء الله عزوجل على خلقه ](154/128)
اعلم أنه روي في هذا الباب خمسة أحاديث تدل على أن الأئمة شهداء الله على الخلق ، ورواة هذه الأحاديث كلهم فاسدوا العقيدة وضعاف ، كسهل بن زياد الكذاب المشهور الملعون ، وزياد القندي الذي كان وكيلاً لسيدنا موسى بن جعفر فسرق أمواله وأنكر شهادته وأوجد مذهب الواقفية ، وكمعلى بن محمد الوشاء ، وحسن بن علي الفضال ، وسليم بن قيس الهلالي الذي له كتاب مليء بالكذب ، وعلى سبيل المثال كتب في كتابه أن محمد بن أبي بكر وعظ أباه في حال وفاته ، مع أنه لما توفي أبو بكر كان محمد ابن سنتين فكيف يعظ ابن سنتين أباه ؟! وكذلك كتب أن سليماً عرض خبراً على الإمام حسن ، والإمام حسين بعد وفاة معاوية وهما قد صدّقا ذلك ، وهذا المسكين لم يعرف أن سيدنا الحسن توفي قبل وفاة معاوية بعشر سنين ، وهكذا .
وأما متون هذه الأحاديث ففيها استشهاد بالآية 341 من سورة البقرة تستنتج فيها على أن الإمام شاهد على الخلق ونحن نأتي بالآية لنفضح الكذابين الذين تلاعبوا بالقرآن ، يقول تعالى : { وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكونَ الرسولُ عليكم شهيداً } . والظاهر من الآية أنكم تنظرون لأحوال بعضكم وتمنعون المنكر والرسول
فقد ورد ثلاثة عشر خبراً في هذا الباب وأكثر رواتها من المجهولين والمتهمين .
حديث 2 : سنده : مرسل كما قال المجلسي ، يجب القول إن هذا السند ضعيف لرواته ، لأن أحدهم البرقي وقلنا إنه كان شاكاً في الدين ، والآخر معلّي بن عقبة وهو مجهول الحال ، ثُمَّ لا بد من العلم أنّ أبا عقبة كان من أصحاب الإمام الحسينَ رضي الله عنه . وجده سمعان من أصحاب رسول الله ^ وأما هو نفسه فلا يُعلم مِنْ أصحاب من ؟ وما هويته ؟ ووهم الممقاني أن علي بن عقبة هذا كان من أصحاب الرسول .
وأما متن هذا الحديث : ففيه سُئل سيدنا الأمير رضي الله عنه : بم عرفتَ ربَّكَ ؟ قال بما عرّفني نفسَه ، فهذه الجملة إذاً شرح للجملة السابقة .(154/129)
حديث 3 : لا اعتبار لسنده بسبب وجود محمد بن إسماعيل وصفوان بن يحيى ومنصور بن حازم ، لأن صفوان له روايات تدل على بطلان عقيدته وذلك في باب ( السعادة والشقاوة ) وفي باب ( أن الأئمة نور الله ) ومنصور بن حازم قد صنع حججاً بعد رسولِ الله ^ في رواية له !!.
[ باب أدنى المعرفة ]
حديث 1 : سنده : مجهول كما يقول المجلسي ، في هذه الرواية يُروى عن إمام يكنَّى بأبي الحسن ، يقول المجلسي إنه لا يعلم شيئاً عن هذا الإمام ؟! الراوي مجهول والمروي عنه مجهولٌ !!.
حديث 2 : سنده : ضعيف بسبب وجود سهل بن زياد الكذّاب الفاسد المذهب وبسبب طاهر بن حاتم المغالي ، فبما أن متن هذه الروايات يوافق العقل فلا حاجة إلى صحة سنده(1) ولكننا نريد أن ينتبه القارئ أن رواة الأخبار لم يكونوا متدينين ، يقول المجلسي أول الحديث ضعيف ( يعني أول الحديث الثاني ) وآخره مرسلٌ ، يعني اجتمعت فيه كل السيئات !.
حديث 3 : سنده : في غاية الصعف لأن أحد رواته سيف بن عميرة وكان ملعوناً لدى الأئمة كما قال الممقاني ونُقل عنه روايات في « الكافي » في باب مولد الحسين بالخبرين التاسع والعاشر وتخالف هذه الروايات القرآن والعقل ، كما سيأتي . وقد روى عن إبراهيم بن عمرو وهو مجهول الحال .
[ باب المعبود ]
حديث 1 : سنده : ضعيف بسبب علي بن إبراهيم القائل بتحريف القرآن ، ومحمد بن عيسى وسيأتي ضعفه في باب « أن الأئمة يعلمون متى يموتون » وإن كان متن الحديث جيداً . ويقول المجلسي إنه مرسل .
[ باب الكون والمكان ]
حديث 1 : سنده : مرسل وضعيف إذا كان أحمد بن محمد هو البرقي الذي كان شاكاًّ في الدين فيصبح السند ضعيفاً بالإضافة إلى أن نافع بن الأزرق مجهول ومهمل .(154/130)
حديث 2 : سنده : مرسل وضعيف ، بسبب أحمد بن محمد بن خالد البرقي الشاك في الدين ، وأما متنه فيقول جاء رجل إلى الإمام الرضا فقال : إنّي أسألك عن مسألة فإن أجبتني عنها قلتُ بإمامتك وعندها سأله عن مسألة يستطيع كل عالم أن يجيب عنها وعلى هذا فلا بد أن يكون كل عالم إماماً !! يبدو أن السائل كان ماكراً وقد أراد من ذلك أن يكون صانعاً للإمام . أو صانعاً للمذهب ! ثم سأله ( أخبرني عن ربِّك متى كان ؟ والجواب واضح إن خالق المكان كان قبل المكان ولا مكان له ولا يُحدّد بمكان ولما أجاب الإمام الرضا بما أجابه به قال الرجل أشهد أن علياً وصيُّ رسول الله والقيّمُ بعده ) ، مع أن السؤال والجواب لا يتعلق أصلاً بالملك والقيومية لأحد . يبدو أن هذا الرجل المجهول لم يكن له هدف من السؤال إلا زرع التفرقة وصُنع القَيِّم بعد رسول الله ^ .
حديث 3 : سنده : في غاية الضعف بسبب علي بن أبي حمزة البطائني الواقفي الصانع للمذهب ! الذي عده علماء الشيعة من الكلاب الممطرة ومن الواقفية ، وهو الذي كان قيّماً لأمور سيدنا موسى بن جعفر ووكيله واختلس أموال الإمام التي كانت مودعة لديه وبالإضافة إلى ذلك فإن هذا الحديث مرسل . ويقول المجلسي إنه ضعيف .
[ باب النهي عن الكلام في الكيفية ]
حديث 1 : سنده : ضعيف بسبب سهل بن زياد الكذاب ، وآخره مرسل .
حديث 2 : سنده : ضعيف بسبب أحمد بن محمد البرقي الشاكّ في الدين .
حديث 3 : سنده : قليل الاعتبار ، بسبب علي بن إبراهيم القائل بتحريف القرآن ، وأبوه مجهول الحال .
حديث 4 : سنده : كسند الحديث الثاني وقال المجلسي إنه مجهول .
حديث 5 : سنده : ضعيف بسبب البرقي وبالإضافة إلى ذلك فإنه مرفوع ، وزد على ذلك إلى أن حسين بن الميّاح ضعيف ومن الغلاة كما قال الغضائري والعلامة الحلى والمجلسي .
حديث 6 : سنده : لا اعتبار له لوجود ابن فضّال الواقفي .
حديث 7 : سنده : ضعيف بسبب أحمد بن محمد البرقي .(154/131)
حديث 8 : سنده : مرفوع .
حديث 9 : سنده : مرسل كما قال المجلسي وبالإضافة إلى ذلك فإنه ضعيف بسبب حسن بن علي بن الفضّال الواقفي .
حديث01: سنده : مجهول كما قال المجلسي .
[ باب في إبطال الرؤية ]
حديث 1 : سنده : مجهول كما قال المجلسي .
حديث 2 : سنده : صحيح ومتنه جيد ، وهذه الرواية هي التي ترد معظم أخبار الكافي لأن الإمام الرضا يقول فيها : ( إذا كانت الروايات مخالفةً للقرآنِ كذَّبتُها ) .
حديث 3 : سنده : لا اعتبار له بسبب محمد بن عبيد لأنه مشترك بين عدد من الرواة وأكثرهم من الضعفاء والمجهولين ، ويقول المجلسي إنه مجهول .
حديث 4 : سنده : ضعيف بسبب أحمد بن محمد البرقي الشاك في الدين وأبوه مجهول بالإضافة إلى أنه مرسل ومرفوع .
حديث 5 : سنده : كسند الحديث الرابع ، بإقرار الكليني ويقول المجلسي إنه مجهول وآخره مرسل !.
حديث 6 : سنده : ضعيف كما قال المجلسي بواسطة سهل بن زياد الكذاب .
حديث 7 : سنده : مرفوع كما قال المجلسي .
حديث 8 : سنده : ضعيف بسبب سهل بن زياد الكذاب فاسد العقيدة .
[ باب النسبة ]
حديث 1 : على الرغم من أنهم صححوا سنده ولكنه ضعيف برأينا ، بدليل أن صفوان بن يحيى ـ مثلاً ـ وهو راوي هذا الحديث له رواية في باب السعادة والشقاوة حيث تُظهر جبريته وكذلك علي بن الحكم أيضاً له روايات في باب ما عند الأئمة من سلاح رسول الله حيث تدل على ضعفه كما سيأتي .
حديث 2 : سنده : يقول المجلسي إنه مجهول السند .(154/132)
حديث 3 : سنده : مرفوع . وأما متنه ، سأل الراوي الإمام الرضا عن قراءة سورة الإخلاص . قال : كما يقرؤها الناس وزاد فيه كذلك الله ربي ، كذلك الله ربي ، وهنا يجب القول إن الإمام لا يحق له أن يزيد في القرآن . ولعل ما قاله « كذلك الله ربي » هو من باب الإقرار لآيات السورة ، ولكن الراوي لم ينتبه إلى أن هذا القول هو إقرار من الإمام وليس زيادة في السورة ، والظاهر أن هؤلاء الرواة لم يكن لديهم قوة التمييز فأدى إلى فساد الروايات التي فيها اتهام الأئمة .
حديث 4 : سنده : لا اعتبار لسنده برأينا وإن كان أهل الحديث قد صححوه . وذلك بسبب أحمد بن إسحق القمي راوي الخرافات المتعارضة مع القرآن ، فعلى سبيل المثال ما رواه الكافي عنه أن الإمام العسكري علمَ ما في القلب والضمير ويقول الراوي ولما قلتُ في نفسي إن القلم الذي يكتب به الإمام قلم جيد وليت الإمام يعطيني إياه وكان من الإمام أن اطلع على نيتي دون أن أبوح له بها وأعطاني القلم ، مع أن القرآن يقول : { هو عليم بذات الصدور } .
حديث 5 : سنده : مجهول كما يقول المجلسي .
حديث 6 : سنده : مجهول كما يقول المجلسي .
حديث 7 : سنده : ضعيف كما يقول المجلسي .
حديث 8 : سنده : صحيح كما يقول المجلسي ، والصحيح برأيهم هو الذي يكون راويه من الشيعة من ثقاتها ، أما الأخبار الواصلة عنهم كيف تكون ؟ هل توافق القرآن والعقل ، أم تخالفهما ، لا يهمُّهم ذلك ، ولكننا نقول أحسن الأدلة على ضعف الراوي هي ما يروى عنه من الأخبار الخرافية .
حديث 9 : أيضاً شأنه شأن الحديث 8 .
حديث01: سنده : لا اعتبار له لأنه أحد رواته أبو هاشم الجعفري له كثير من الأخبار المتناقضة والمخالفة للقرآن كما سنبيّن في هذا الكتاب في : باب ما جاء في الاثني عشر .
حديث11: سنده : مرسل وضعيف بسبب داود بن القاسم وأبي هاشم الجعفري الذي ذكر في الحديث العاشر .
حديث21: سنده : مرسل .(154/133)
[ باب النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه تعالى ]
حديث 1 : سنده : مجهول كما يقول المجلسي ولكن العلامة الممقاني عدّ عبدالرحمن بن عتيك مهملاً .
حديث 2 : سنده : يقول المجلسي مجهول كالموثق ، لأن محمد بن إسماعيل مشترك ولا يُعلم من هو ، فوصفه بالمجهول صحيح ، وتبدو من أخبار هذا الباب أن صفات الله تعالى توقيفية ، يعني يقتصر فيها على ما نزل به الوحي .
حديث 3 : سنده : ضعيف ، كما قال المجلسي ، فأحد رواته بكر بن صالح جعل لله تعالى بصراً وسمعاً كالبشر ـ حاشا لله ـ وفي الكافي نفسه في كتاب التوحيد ، في باب النوادر ، وضعفه علماء الرجال ، ولأنه لا يحيط أحد بذاته وكيفيّة صفاته تعالى ، فعلى المرء أن لا يأتي من عنده بأية صفة لله .
حديث 4 : سنده : ضعيف كما قال المجلسي وغيره ، وكذلك حديث 5 و 6 و 7 و 8 و 9 و 01 و 11 و 21 ، كما قال المجلسي وغيره . وربعي بن عبدالله في الحديث العاشر ، هو الذي تلاعب بالقرآن قدر ما استطاع ، ارجعوا إلى : باب فيه نكت ونتف من تأويل الآيات . وسوف يأتي . قد نهى في هذا الباب عن ذكر صفة الله تعالى حيث لم ينزل بها وحي ، ولم يصف الله نفسه بها ، ولكن الحكماء والفلاسفة وشعراء الشيعة قد عملوا على خلاف هذه الأخبار .
[ باب النهي عن الجسم والصورة ](1)
اعلم أن متون الأحاديث في هذا الباب على الغالب موافقة للعقل ولا تخالف القرآن ، ولذا لا إشكال فيها ، وإن كان رواة هذه الأحاديث من الضعفاء والمجهولين .
حديث 1 : سنده : ضعيف لوجود علي بن أبي حمزة البطائني الواقفي الصانع للمذهب !.
حديث 2 : سنده : ضعيف وكذلك الثالث كما قال المجلسي وغيره .
حديث 4 : سنده : مرسل وحديث 5 : سنده : مرسل ، وحديث 6 : ضعيف وكل ذلك قاله المجلسي .
حديث7و8: مجهولان ، قال بذلك كله المجلسي .
[ باب صفات الذات ]
حديث 1 : سنده : مجهول كما قال المجلسي .(154/134)
حديث 2 : لا اعتبار لسنده كثيراً ، لأن هشام بن سالم قال بالتجسيم ويعد الله جسماً ـ نعوذ بالله ـ كما ذُكر في باب النهي عن الجسم والصورة في الخبر الخاص .
حديث 3 : سنده : مهمل أو مجهول ، لوجود الكاهليّ .
حديث 4 : سنده : لا اعتبار له لوجود محمد بن عيسى صاحب الروايات المتعارضة مع القرآن في باب ( أن الأئمة يعلمون متى يموتون ) .
حديث 5 : ضعيف كما قال المجلسي ، وكذا الحديث السادس .
[ باب آخر وهو من الباب الأول ]
حديث 1 : سنده : لا اعتبار له بسبب محمد بن عيسى بن عبيد وقد ذكرناه في حديث 4 من الباب السابق .
حديث 2 : سنده : مجهول كما قال المجلسي .
[ باب الإرادة أنها من صفات الفعل ]
حديث 1 : سنده : صحيح كما قال المجلسي .
حديث 2 : سنده : ضعيف كما قال المجلسي .
حديث 3 : صحيح كما قال المجلسي في المرآة .
حديث 4 : سنده : ضعيف لوجود البرقي ومحمد بن عيسى ولوجود المشرقي المجهول الحال .
حديث 5 : ضعيف كما قال المجلسي في المرآة ، وكذلك الحديث 6 .
حديث 7 : سنده : ضعيف لوجود البرقي .
[ باب حدوث الأسماء ]
حديث 1 : سنده : ضعيف وهو كَما قال المجلسي مجهول ، ولكن صالح بن أبي حماد ضعيف ومن الغلاة ، وحسن بن علي بن أبي حمزة الواقفي كان من أعداء الأئمة الذين جاؤوا بعد الإمام الكاظم ، على كل حال فالحديث نَقَلَهُ فاسدٌ عن ضعف وهو بدوره نقله عن مجهول فلا الراوي فهم الحديث ولا قراءه يقول المجلسي : إن متن هذا الحديث من مشكلات الأسرار ومن متشابهات الأخبار ، لا يعلمها إلا الله والراسخون في العلم ، والآن لا بد أن يقال لمريدي الكليني لماذا نقلتم خبراً لا يفهمه أحد ، ودين الله الذي كان سهلاً لماذا جعلوه صَعباً ؟ ، وإذا كان من الأسرار فلماذا تركوها بيد الرواة الفاسدين المجهولين ؟ ، وهل دين الله فيه سرِّ ومهملات واصطلاحات فلسفية وألغاز ؟ ـ نعوذ بالله ـ .(154/135)
هل جاء الإمام ليخترع المشكلا ؟! ألا يا ضيعة العمر بين هذه الأحاديث المنكرة . قال الله في سورة إبراهيم الآية 4 : { وما أرسلنا من رسولٍ إلاّ بلسان قومه } هل صنع الألغاز في الحديث لا يخالف القرآن ؟ مع أنها صعب مستصعب ! ، وآيات القرآن نفسها بيان واضح كما قال تعالى : { هذا بيان للناس } ، أنتم تقولون إن القرآن ظني الدلالة ، والخبر قطعي الدلالة ، فكيف تحكمون بالأخبار المعقدة على القرآن الذي قال الله فيه مكرراً في سورة القمر : { ولقد يسرنا القرآن } هل هذا هو طريق المسلمين ؟.
حديث 2 : يقول المجلسي : ضَعْفُه مشهورٌ عند علماء الرجال .
حديث 3 : ضعيف لأن رواته نفس رواة الحديث الثاني .
حديث 4 : سنده : يقول المجلسي إن كل أخبار هذا الباب ضعيفة ومجهولة ، نعم أحد الرواة هو : بكر بن صالح الذي اختلق الله سمعاً وبصراً ! ومن بين هذه الأخبار هذا الحديث 4 واحتوى المتناقضات ! فجعل الله الحجاب والصورة والتمثال ، وقال فيه من زعم أنّه يعرف الله بحجاب أو بصورة أو بمثالٍ فهو مشركٌ لأن حجاب الله وتمثاله وصورته غير ذاته ـ تعالى ـ .
انظر أيّها القارئ إلى ما جاء فيه من السخف ، فهو أوّلاً ، صنع الله صورة ومثالاً وحجاباً ثم قال إن صورة الله وحجابه ومثاله غير ذاته تعالى . ألم يقرأ القرآن حيث قال تعالى : { ليس كمثله شيء } وقال تعالى : { فلا تضربُوا لله الأمثال } وعلى هذا فإن المجتهدين من أهل ملتنا هم يرددون ما رواه الرواة من خرافات وسخافات ! كأمثال هؤلاء يقول الراوي في آخر الحديث : ( ليس بين الخالق والمخلوق شيءٌ ) فلا بد أن يسأل إذن فما هو الذي حجبه أليس حجابه بينه وبين المخلوقين ، فإذا لم يكن الأمر كذلك ، فلم الحجاب إذن ؟ ثم هؤلاء يجعلون كل ما كان فيه ـ قال الصادق ـ وحياً منزلاً وإن كان كذباً .
[ باب معاني الأسماء واشتقاقها ](154/136)
حديث 1 : سنده : ضعيف كما قال المجلسي ، وأمّا متنه فهو أضعف ( من سنده ) لأن عبدالله بن سنان يقول ، سألت الإمام الصادق عن تفسير ( بسم الله الرحمن الرحيم ) . قال ، الباء بَهاءُ الله والسين سناءُ الله والميم مجدالله . يقال لهؤلاء : إنّه لا بد من القول إن القرآن نزل بلسان عربي مبين ، و ( الباء ) حرف جر ويتعلق بفعل مناسب كنبتدأ أو نتبرك وليس له معنى آخر(1) ، واسم الله هو الرحمن الرحيم ، يعني نتبرك باسم الله الرحمن الرحيم ، والباء والسين والميم ليست مجزأة بل هي مركبة ويجب أن لا يفسر حرف من كلمةٍ وحده . ثمّ إن كانت الباء بهاء الله فلم لا تكون ( البصر ) ولماذا لا تكون ( السين ) السمع ، ولماذا لا تكون الميم هي المجد ، أو الملك ، هل يعقل حين قال الله : { يا أيها الناس ... } أن يأتي بعد ذلك بكلام كله ألغاز لا تفهم ! ، مع أن الله قال عن القرآن : { هذا بيان للنّاس } وقال تعالى : { نور وكتاب مبين } وقال : { آيات بيّنات } فهل معنى { آيات بينات } أن تختلفوا باسم الإمام ما تهوون ؟ أنتم تقولون نقطة الباء في بسم الله هي على ، ومن النقطة تُخرجون علياًّ عليه السلام ، حقاً إن أفكاركم سامية !! إن الأوروبيين يصنعون من خردة الحديد القديمة الصواريخ والطائرات عبر القارات ويرسلون السفن الفضائية والقمر
الصناعي إلى الفضاء ، ويذهبون إلى القمر ، وأنتم تصنعون من ( الباء ) في بسم الله ، بهاء الدين ، ومن نقطته علياًّ رضي الله عنه ! أليس هذا تلاعباً بآيات الله ! وإذا لم يكن تلاعباً فما هو إذاً ؟ إنّ كل ما اختلقه الرواة العوام من أصحاب الخرافة أصبح لنا مذهباً !!.
حديث 2 : سنده : ضعيف كما قلنا في الحديث الأوّل في باب المعبود ، هذا الحديث الذي ذُكر هنا هو الحديث نفسه الذي كان ورد هناك والآن لماذا كرره الكليني ، هل غفل ، أم جهل ، أم أراد أن يكبر كتابه !!.(154/137)
حديث 2 : سنده : ضعيف كما قال المجلسي ، أجل ، إن رواته كلهم أمثال قاسم بن يحيى الكذاب الفاسد الدين ، ارجع إلى الحديث الأول لترى خرافاته ، وأمّا متنه فقد فسر ( الله ) بمعنى الاستيلاء ، وهذا غلط ؟.
حديث 4 : سنده : ضعيف كما يقول المجلسي ، نعم إن سهل بن زياد الكذاب المغالي وأمثاله من رواته .
حديث 5 : سنده : يقول عنه المجلسي إنه صحيح ، وأقول لا بد من دراسة النصوص المروية عنهم .
حديث 6 : سنده : يقول المجلسي إنه مجهول ، وبالإضافة إلى ذلك أقول إن رواته من نقلة الخرافات .
حديث 7 : سنده : يقول المجلسي إنه مرفوع وبالإضافة إلى ذلك أقول : إن محمد بن عبدالله من رواة الخرافة كما مرّ في باب ( حدوث الأسماء ) وأبو هاشم الجعفري من رواة المطالب المتعارضة مع القرآن ، يروي المتناقضات فليُرجع إلى باب ( عدد الأئمة ) .
حديث 8 : سنده : ضعيف كما قال المجلسي وأقول : إن رواته أمثال سهل بن زياد الكذاب المغالي .
حديث 9 : سنده : مجهول كما قال المجلسي وأقول بالإضافة إلى ذلك إنه مرفوع ، وأحد رواته هو جميع بن عمير مهمل .
حديث01: سنده : ضعيف لوجود محمد بن عيسى بن عبيد فاسد العقيدة ، كما جاء في باب ( أن الأئمة يعلمون متى يموتون ) لأنه يخالف القرآن ، وهشام بن الحكم قال بالتجسيم ، وأمّا متنه فيقول :
سألت الإمامَ : عن معنى سبحان الله فقال أنفةٌ لله فبدل أن يقول ( لله العظمة ) ، قال بالأنفة لله ، كما يعبر للبشر بالأنفة .(154/138)
حديث11: سنده : ضعيف كما يقول المجلسي ، وأقول بذلك لأن أحد رواته أحمد بن مهران ، الخرافي الذي تلاعب بآيات القرآن الذي يقول في باب مولد الكاظم حديث 4 : ( قال الإمام لأحد النصارى ، إن آية 2 و 3 من سورة الدخان لما قال : { حم والكتاب المبين إنّا أنزلناه في ليلة مباركة إنّا كنا منذرين } . المقصود من { والكتاب المبين } هو علي بن أبي طالب عليه السلام و { الليلة المباركة } هي فاطمة . وسيأتي نقده في مكانه ، وكذلك نقل عنه أخبار تعارض القرآن في باب ( فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية ) ، وهشام الجواليقي كان يقول بالتجسيم لله تعالى ، هؤلاء هم رواة هذا الكتاب الذي أخذ المجتهدون يقلدونه ويأخذون عنه .
حديث21: سنده : ضعيف بسبب وجود كل من سهل بن زياد ومحمد بن يحيى وأبو هاشم الجعفري ، والثلاثة من رواة الخرافات ، وأما متنه : سئل الإمامُ معنى أن الله واحد ؟ فأجاب : إجماعُ الألسُنِ عليه بالوجدانية ، فجواب الإمام لا صلة له بالسؤال ، وأمّا ما معنى الواحد ؟ فلم يبين ذلك .
[ باب آخر وهو من الباب الأوّل إلا أن فيه زيادة ]
حديث 1 : سنده : مجهول كما يقول المجلسي وأقول إن رواية الأول هو علي بن إبراهيم القائل بتحريف القرآن ، وسيأتي في أبواب فضل القرآن ، يقول المجلسي إن كلاًّ من الراوي الذي روى الخبر والإمام الذي روى عنه مجهولان لا يُعلم من هو أبو الحسن ؟ أهو أبو الحسن الثاني الذي هو سيدنا الرضا أما هو أبو الحسن الثالث الذي هو الإمام علي النقي عليه السلام . وأقول هل هذا هو معنى الحجة ؟
[ باب تأويل الصمد ]
حديث 1 : سنده : ضعيف كما قال المجلسي وبسبب وجود سهل بن زياد الكذاب فاسد المذهب ، وإن كان سائر رواته غير صحيحي الرواية .(154/139)
حديث 2 : سنده : مجهول كما قال المجلسي ، أحمد بن أبي عبدالله مهملٌ ، ومحمد بن عيسى كما قلنا له روايات متعارضة مع القرآن في باب ( أن الأئمة يعلمون متى يموتون ) وأمّا جابر بن يزيد الجعفي فهو من الغلاة ، وأمّا متنه ففيه عبارة غير صحيحة . لأنه يقول ( تعالى في علوّ كنهه واحدٌ توحَّدَ بالتوحيد في توحّده ثُمَّ أجراهُ على خلقه ) . فيقال للراوي ، ما معنى ( أجراه في خلقه ) ، كيف أجرى توحّده على الخلق . أجل ، المعنى في قلب الشاعر !!.
[ باب الحركة والانتقال ]
حديث 1 : سنده : ضعيف كما قال المجلسي .
حديث 2 : سنده : ضعيف كما قال المجلسي وأقول إنه مرفوع كما يقول الكليني نفيه ، بالإضافة إلى أن أحد رواته حسن بن راشد حيث نقل الخرافات من باب معاني الأسماء .
حديث 3 : سنده : عدّه المجلسي مجهولاً .
حديث 4 : سنده : ضعّفه المجلسي وبالإضافة إلى أن أحد رواته سهل بن زياد حيث ذُكر حاله السيِّء ! .
حديث 3 : أحد رواته هو محمد بن إسماعيل حيث جعل لله تعالى الوجه والحجاب والمثال في باب حدوث الأسماء ، الحديث الأخير ، والآخر هو ربعي بن عبدالله الذي نقل خرافات متعارضة مع القرآن في باب ( فيه نكت ... ) .
حديث 4 : سنده : صححه المجلسي . ولكن معظم الخرافات في الكافي رويت عن لسان هؤلاء الثقات !! وكذلك حديث 5 : الذي عده المجلسي موثقاً .
حديث 6 : سنده : مجهول على حد قول المجلسي ، ولا بد أن يُعلم أن أحد رواته محمد بن الفضيل وهو ضعيف ومن الغلاة أيضاً .(154/140)
حديث 7 : أحد رواته سهل بن زياد الكذّاب فيكون الحديث ضعيفاً كما قال المجلسي ، وأمّا متنه : روى عن الإمام أن الله حملَ دينهُ وعِلمَهُ الماءَ قبل أن يكون أرضٌ أو سماءٌ أو جنٌّ أو إنسٌ ، يجب أن يسأل عن ذلك الراوي كسهل الكذاب ، هل للماء علم الدين ؟ وهذا مخالف للقرآن ، لأن القرآن يقول إن العاقل ، مكلف بالدين والتدين ، لا الماء(1) ، ثم يقول إن الملائكة قد أقروا لمحمد وعلي بالولاية والطاعة ! وشهدوا على أن لا يقولوا غدا في يوم القيامة : إنا كنا عن هذا غافلين . أو يقولوا : إنما أشركَ آباؤنا من قبل . ويجب أن يُسأل هؤلاء الوضاعين ، هل للملائكة آباء مشركون ؟ ، وهل خُلق محمد ^ وعلي رضي الله عنه من نطفة أبيهما كسائر البشر وهما ( بشر مثلكم ) أم لا ؟ لقد خلقا عندهم قبل خلق السموات والأرض ونحن لا نتعجب من سهل بن زياد ولكن العجب من ابن محبوب وسائر رواته .
[ باب الروح ]
حديث 1 : سنده : صحيح كما قال المجلسي ، ولكننا لا نعتبر الصحة بالسند فقط ، فالرواية الصحيحة هي التي لا يخالف متنها القرآن والعقل ، ولأن متون أحاديث هذا الباب لا تخالف القرآن نحن نقبل بها ونصحح الروايات الثلاث كلها ، أمّا المجلسي فيعتبر الحديث 2 و 3 مجهولان .
حديث 5 : سنده : لا اعتبار له لوجود أحمد بن محمد بن خالد البرقي بين رواته الذي كان متحيراً وشاكاً في الدين .
حديث 6 : سنده : ضعفه المجلسي وكذلك ضعف المجلسي الحديث (7) لوجود سهل بن زياد الكذاب بين رواته .
حديث 8 : سنده : لا اعتبار له لوجود محمد بن يحيى الذي روى خرافاتٍ مخالفة للقرآن والعقل في باب ( ما نص الله عزوجل على الأئمة واحد فواحداً ) ـ في الحديث 01 ـ وسيأتي بيان ذلك . وكذلك الحال في الحديث (9) في هذا الباب .(154/141)
حديث01: سنده : سكت عنه المجلسي ، لكننا لا نعتمد عليه لأن أحد رواته علي بن إبراهيم وكان يقول بتحريف القرآن وأبوه مجهول ، وأمّا متن الحديث : وفيه سأل أبو شاكر الديصاني هشام بن الحكم عن مسألة سهلة الإجابة والظاهر أن المدائح الكثيرة عن علم هشام كانت في غير مكانها ! ولم تكن ثمة جامعة في ذلك العصر أو حوزة علمية تخرج علماء وتمنح شهادات .
وأصحاب الأئمة على الغالب كانوا منِ العوام أو كانوا شبه مثقفين .
[ باب العرش والكرسي ]
حديث 1 : سنده : مرفوع ، بالإضافة إلى أن رواية الثاني هو البرقي المتردد الشاك في الدين ، وأما متنه ، فقد أجاب فيه سيدنا الأمير رضي الله عنه لجاتليق(1) بجواب غير مقنع ، ونحن نعتقد أن الرواة هم الذين اختلقوا هذا الجواب عن لسانه ، وشأن سيدنا علي أجل من أن يجيب بجواب غير مقنع .
حديث 2 : سنده : صحح المجلسي السند ، ولما كان رواته قد نقلوا أخباراً مخالفة للقرآن والعقل فلا يُعتمد على رواة كهؤلاء ومن جملة هؤلاء ، صفوان بن يحيى .
يُرجع إلى باب السعادة والشقاوة .
[ باب جوامع التوحيد ]
حديث 1 : سنده : مرفوع كما قال المجلسي ، إضافة إلى أن أحد رواته محمد بن يحيى وهو من الضعفاء .
حديث 2 : سنده : ضعيف كما قال المجلسي ، نعم بين رواته حسن بن علي بن أبي حمزة البطائني وهو من الذين أكلوا أموال موسى بن جعفر وأسسوا مذهب الواقفية .
حديث 3 : مجهول كما قال المجلسي .
حديث 4 : مرفوع . حديث 5 : ضعيف كما قال المجلسي . حديث 6 : مجهول . حديث 7 : سنده : مرسل ولما كانت متون هذه الأحاديث السبعة في التوحيد موافقة للقرآن والعقل ( برأينا ) قبلناها .
[ باب النوادر ](154/142)
حديث 1 : سنده : مرسل كما قال المجلسي ، وأما متنه : فقد جاء فيه سأل الإمام الصادق الراوي ، ماذا يقول الناس في قول الله تعالى في سورة القصص الآية 88 : { كل شيء هالك إلا وجهه } ، فقال الراوي : يقول يهلكُ كل شيء إلا وجهه ، فتعجب الإمام وقال سبحان الله : لقد قالوا قولاً عظيماً . مع أن قول الناس لا عجب فيه لأنه تكرار للآية تماماً بلا زيادة ولا نقصان . وهنا فسر الإمام نفسه الآية بمعنى مبهم مجهولٍ فقال إنما عني بذلك وجه الله الذي يؤتى منه . والآن يجب أن نسأل هذا الراوي المختلق الذي افترى باسم الإمام : هل أنت بنفسك فهمتَ ( ما معنى هذه الجملة ) !؟ وأما معنى الوجه فقد نُقل عن سيدنا الأمير رضي الله عنه حيث قال : وجه الله ذاته(1) .
حديث 2 : سنده : ضعيف بسبب البرقي ولكن المجلسي قد صححه وأمّا متنه قد فسّر الوجه بمعنى يخالف قول إمام المتقين(1) علي رضي الله عنه حينما سئل عن الوجه : قال أوقدوا ناراً ، فاشتعلت ، قال أين وجهه ، قالوا وجهها هي ذاتها قال وجه الله ذاته ، يقول المؤلف إن الوجه بالفارسية يعني الصورة حيث يتوجه بها ، إلى اليمين واليسار والأعلى والأسفل ، والإنسان يتوجه بوجهه لأن فيه قوة الباصرة والسامعة ، ولذا يجب أن يتوجه بالوجه ، أما الله فسميع وبصير بذاته ومنزه عن آلة السمع والبصر ، بل هو عليم وسميع وبصير بذاته فيتوجه بذاته ، ووجهه ذاته ، جاءت هذه الرواية في كتاب التوحيد للصدوق وتفسير الصافي في تفسير الآية 511 من سورة البقرة ، حيث قال تعالى : { فأينما تُوَلّوا فثمَّ وجهُ الله } يعني وجهه ذاته ، فهذه الرواية متوافقة مع القرآن(2) ، وأما الحديث الأول والثاني من الكافي ـ من الباب ـ فمردودان لأنهما يخالفان الآية ، ورواية الكافي جعلت الوجه بمعنى إطاعة محمد ^ وأمثال ذلك .(154/143)
حديث 3 : سنده : أحد رواته محمد بن سنان وهو من الكذابين المشهورين ، الذي جعل الله يداً ووجهاً وجسماً ومكاناً كالبشر بالإضافة إلى أنه من الغلاة وجعل الإمام يد الله وعينه ، كما شرحنا في كتاب ( خرافات وفور ص 232 ) .
وأبو سلام النحاس مجهول الحال ، وبالإضافة إلى أن الحديث مرفوع ، ويقول المجلسي إنه ضعيف . لاحظوا متن الحديث الذي نُقل هنا عن الرواة الوضاعين الكذابين إنه مخالف للقرآن والعقل معاً . إن الله لما قال في سورة الحجر الآية 78 : { ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم } قال الإمام الباقر : ( نحنُ المثاني التي أعطاها الله نبينا محمد ^ ، ونحن وجه الله بين أظهركم ونحن عين الله في خلقه ونحن يده المبسوطة بالرحمة على عباده ) ،
وما من أحد يسأل الكليني ومقلدوه هل يمدح الإمام نفسَه بهذا الشكل ( المُفرط ) ، ألم يكن لله يد ووجه وعين قبل أن يأتي الأئمة ؟! وما هذا الإله الذي يحتاج في عينه ويده ووجهه إلى أحد عباده ـ حاشا لله ـ أليست هذه الأحاديث تخالف الآية ـ « وربَّك فكبّر » ـ ؟ ألا تخالف آية ( سبحان ربِّك رَبِّ العزَّة عمّا يصفون ) ماذا قصد هؤلاء الرواة في نقلهم هذه الروايات ؟ يجب القول إن الله منزه ـ عن هذا كله ـ ( فإن الله غنيِّ عن العالمين ) .(154/144)
حديث 4 : سنده : مجهول كما قال المجلسي . وأمّا متنه ، فقد نقل هؤلاء المجهولون نقلاً خلافاً للقرآن عن الإمام الصادق حيث قال في قوله تعالى ـ من سورة الأعراف الآية 081 ـ { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها } قال الإمام نحن أسماء الله الحسنى ، مع أن الله تعالى عيّن أسماءه في القرآن وعلى لسان رسوله ^ ، وعلى سبيل المثال قال في سورة الإسراء الآية : 011 : { قُل ادعُوا الله أو ادعوا الرحمن أياًّ ما تدْعُوا فله الأسماءُ الحسنى } فعَيَّن الله تعالى في هذه السورة أن أسماءه الحسنى هو الله ، والرحمن ، وفي سورة الحشر يقول : { هو الله الخالق البارئ المصوّرُ له الأسماءُ الحسنى } كأنَّ الإمام لم يكن مطلعاً على القرآن ، أو عمد إلى الغلو كالراوي ! وقال نحنُ واللَّهِ الأسماءُ الحسنى ، وحلف الإمام بصدق قوله ! ولكننا نقول إن الإمام اطلع على آيات القرآن ولا يتكلم خلاف كلام الله ! إن هؤلاء الرواة الكذابين قد نسبوا ذلك إلى الإمام ليُحكموا ضربتهم للإسلام ! والكليني أصبح ناشراً لهذه الخرافات ومقلدوه يقلدونه بلا علم ! والعجيب ما جاء في آخر الحديث ( التي ـ أي أسماءنا ـ ... لا يقبلُ اللَّهُ من العبادِ عملاً إلا بمعرفتنا ) ، يجب القول ، إن كان معرفة الإمام هو أنهم بشر كسائر البشر ، ( بشر مثلكم ) وهم كانوا تابعين للإسلام ، فكل المسلمين يقولون ذلك ، وإن لم يكونوا بشراً ولم يكونوا تابعين للإسلام بل كانوا أصلَ الدين وأبناء عم الله ومعشوق الله ـ نعوذ بالله ـ فإله كهذا أو إمام كهذا ؛ لا يصلح إلا لأولئك الرواة الوضاعين الذين لا علم لهم بالله تعالى .(154/145)
حديث 5 : سنده : ضعيف كما قال المجلسي ، نعم رواه فئة من الغلاة وهم من المشركين ، بدليل نقل هذه الرواية حيث نقل عن الإمام كذباً أنه قال : ( إن الله خلقنا فأحسنَ صُورَنا ) يبدو أن الله خلق غيرهم في صورة سيئة ! ( وجعلنا عينَه في عباده ولسانَه الناطقَ في خلقه ) إلى أن يقول ( نحن عينه في عباده ) يعني إذا لم نكن نحن لم ير الله عباده ـ نعوذ بالله ـ ونحن ( لسانه الناطق في خلقه ) يعني إذا لم نكن لم يقدر الله أن يوجد الصوت ويفهم كلامه مع الملائكة والأنبياء ، ونحن ( يده المبسوطة على عباده بالرَّأفة والرحمة ) يعني إذا لم نكن لم يكن لله رأفة ورحمة ! ونحن ( وجهه الذي يؤتى منه وبَابُه الذي يَدلُّ عليه وخُزّانه في سمائه وأرضه ) يعني أن الله باباً وبواباً وحاجة إلى من يحفظ خزائنه في السماء والأرض لكي لا يسرقه السارق ، ونحن الأئمة ذلك الباب والبواب والخزّان ! والآن لا بد أن يسأل هؤلاء الرواة العلماء ! العارفون ! لو كان لله باب وبواب فلماذا قال سيدنا الأمير : ( ليس له بابٌ ولا له بَوَّابٌ ) ؟ وإذا كان بحاجة إلى خزّان فلماذا قال لرسوله في سورة الأنعام الآية 5 : { قل لا أقولُ لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب } وكذلك في سورة هود الآية 13 ؟ هل كذب الله في القرآن ـ حاشا له ـ وصدق هؤلاء الرواة ؟! كيف أصبح الكليني ومقلدوه ناشراً لما يتعارض مع القرآن ، وبعد ذلك يقول في هذا الخبر ، ( بنا أثمرت الأشجار وأينعت الثمارُ وجرتِ الأنهار ـ إلى أن يقول ـ وبعبادتنا عُبدَ اللَّهُ ولولا نحن ما عُبدَ الله ) .
لا بد من القول إن إمام الغلاة الذين هم أسوأ من المشركين يباهي بنفسه إلى هذا الحد ويفتخر ويقلل من عظمة الله بهذا الشكل ، أجل ، إمام الغلاة ويؤله نفسه لا يكون خيراً من ذلك .(154/146)
حديث 6 : سنده : يقول الممقاني إن حمزة بن بزيع ضعيف لأنه هو الذي أخذ المال من حمزة البطائني وروّج المذهب الواقفي وقال الإمام الرضا عليه السلام عنه : إنه شقي ولا يموت إلا زنديقاً ومات كافراً . أيها القارئ لاحظ أن الكليني أخذ خرافاته من هولاء الرواة وجمعها في كتاب الكافي باسم الإمام ، وعلى كلٍّ فالرواة الآخرون للحديث كمحمد بن يحيى الذي روى الحديث 3 و 4 قد مرّ ذكر ضعفه وخرافته .
حديث 7 : سنده : مجهول على حد قول المجلسي ، وأما متنه ، كحديث 5 جعل الإمام حجة لله تعالى وجعل الحديث لله الباب والبواب واللسان والوجه والعين ـ وجعل كل ذلك هو الإمام ـ ! وجعل المتنُ الإمامَ وليَّ أمر الله في عباده مع أن الله تعالى قال في سورة النساء الآية 561 : { لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل } . وقال علي رضي الله عنه في خطبة 09 في نهج البلاغة ( تمت بنبينا محمد ^ حُجَّته ) فهل يصح أن تكون هذه الروايات المخالفة للقرآن حجة لمقلدي الكليني ؟ .
حديث 8 : سنده : مجهول كما يقول المجلسي ، ونحن نقول إن هؤلاء الرواة هم أنفسهم رواة الخرافات في الروايات السابقة ، ومتن هذا كالمتون السابقة يخالف القرآن .(154/147)
حديث 9 : سنده : ضعيف ، أحد رواته حمزة بن بزيع الذي ذكر سوء حاله في حديث 6 : وأمّا متنه جعل الله جنباً . ويقول جنب الله على بن أبي طالب ، وتلاعب هذا الراوي بالقرآن لأن جنب الله يعني يوم القيامة كما قال الله تعالى في سورة الزمر الآية 65 : { واتّبعُوا أحسنَ ما أُنزِل إليكم من ربّكم من قبلِ أن يأتيكم العذابُ بغتةً وأنتمْ لا تشعُرونَ أن تقول نفسٌ يا حسرتا على ما فرّطْتُ في جَنبِ اللَّهِ وإن كنتُ لمن الساخرين } وهذه حسرة لكل عبد طاغ يوم القيامة كما قال تعالى في سورة الأنعام الآية 13 : { قد خسرَ الذينَ كذّبُوا بلقاءِ اللَّهِ حتى إذا جاءَتْهُم الساعةُ بغتةً قالوا يا حسرتنا على ما فرَّطنا فيها } . كل كافر سيجني هذه الحسرة سواء في زمن علي رضي الله عنه أو في زمن الأنبياء السابقين أمّا هذا الحديث فيقول : قال الله يا حسرتا على ما فرطت في جنب علي ، بالله عليكم ما هدف هؤلاء الرواة بتلاعبهم بالقرآن ؟ ، هل ليتباهى الإمام بنفسه عمد إلى التحريف المعنوي للقرآن ؟ ، أم أن الرواة قد كذبوا عليه بذلك ؟ ، يجب القول بأن الإمام شأنه أجلّ من أن يكذب ذلك .
حديث01: سنده : ضعيف ، أحد رواته محمد بن جمهور الذي عده علماء الرجال من الشيعة فاسدَ الحديث وفاسدَ العقيدة ، والآخر معلى بن محمد وعدّوه مضطربَ الحديث والمذهب ، وروى الكافي عن هذين الفاسدين كثيراً ، أحدهما هذا الحديث وفي مكان آخر في باب أن الملائكة خلفاء الله وسيأتي ضعفه ، وأما متن الحديث : بالإضافة إلى ما جاء من كفر في الاحاديث السابقة يقول في هذا الحديث ( محمدٌ حجابُ الله تبارك وتعالى ) هل كان مقام النبوة قليلاً ليأتي الإمام الباقر ويجعل محمداً ^حجاب الله وذلك بعدما تباهى بنفسه أم أن الراوي الكذاب اختلق هذا المعنى لحجاب الله .(154/148)
حديث11: سنده : مجهول ومرسل كما قال المجلسي وأما متنه : فقد تلاعب فيه الرواة في مكانين من القرآن وحرفوه تحريفاً معنوياً ، الأوّل في سورة البقرة الآية 65 حيث قال تعالى : { وظللّنا عليكم الغمامَ وأنزلنا عليكم المنَّ والسَلوى كُلوا من طيباتِ ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفُسَهم يظلمون } يقول الراوي ، قال الإمام : إن الله خلطنا بنفسه فجعل ظُلمنا ظُبمَهُ . وهنا يجب أن يقال لهذا الراوي : هل كان الإمام الباقر في زمن سيدنا موسى عليه السلام موجوداً حتى نزلت هذه الآية له ؟. وبالإضافة إلى أنه يقول في هذه الرواية ( إنه جعل ولايتنا ولايته ) حيث يقول { إنما وليّكمُ الله ورسولُه والذين آمنوا } يعني الأئمة منا ، وهنا نقول : يجب أن يقال ( الذين آمنوا ) يشمل جميع المؤمنين سواء الأئمة أو غير الأئمة ، وليس معنى المؤمنين : الأئمة ، لأن القصد من هذه الولاية هي المحبة ، بدليل القرائن السابقة واللاحقة ، حيث قال تعالى : { لا تتخذوا اليهود والنّصارى أولياء ـ لا تتخذوا ... الكفار أولياء } فبناءً على هذا ، فقصر اللفظ على الأئمة هو تلاعب بالقرآن .
[ باب البداء ]
اعلم أن أحد عقائد الشيعة البداء ، وفسَّر المجلسي معناه في شرح الكافي بمعنى : ظهر وأظهر ، وأوّله بعدة تأويلات ، وليس في كتاب الله وسنة نبيه ^ ذكر للبداء ولذا قال به بعض المذاهب الإسلامية ـ الشيَعة ـ ونفته مذاهب أخرى . ونحن ندرس أسانيد أحاديث هذا الباب ونبين ما يخالف كتاب الله منها .
حديث 1 : سنده : يقول المجلسي بصحته ، ولما كان رواة هذا الحديث قد نقلوا خرافاتٍ كثيرة من أبواب الكافي المتعددة ، لذا لا يمكننا الاعتماد عليهم .(154/149)
حديث 2 : يقول المجلسي إنه مرسل ؛ وضعف المجلسي كلاًّ من الحديث 6 ، وقال بجهالة الحديث 7 . والأحاديث 8 و 9 و 11 و 31 ، وقال بإرسال حديث 41 . ونقول إن متن هذا الحديث مخالف للقرآن ، لأنه يقول في هذا الحديث ( إنَّ الله عزوجل أخبر محمَداً بما كان مُنذ كانت الدنيا وبما يكونُ إلى انقضاء الدنيا ، وأخبره بالمحتوم من ذلك ) وهذا تكذبه عشرات الآيات من القرآن ومن ذلك :
أوّلاً : قال تعالى : في الآية 43 من سورة لقمان : { إنّ اللَّهَ عندَهُ علمُ الساعةِ ويُنَزِّلُ الغيث ويعلَمُ ما في الأرحامِ وما تدري نفسٌ ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرضٍ تموت } وقال سيدنا الأمير رضي الله عنه ، في نهج البلاغة في خطبة 621 : إن الأشياء الخمسة التي في سورة لقمان علمها خاص بالله ولا يعرفها أحد حتى الأنبياء والأوصياء .
ثانياً : وقال تعالى في سورة الأحقاف الآية 9 : { قل ما كنتُ بدعاً من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم } .
ثالثاً : وقال تعالى فيما يتعلق بالأمم السابقة في سورة إبراهيم الآية 01 : { قوم نُوحٍ وعادٍ وثمودَ والذي من بَعدِهِم لا يَعلمُهُم إلا اللَّهُ } . وقال تعالى بشأن أصحاب الكهف في سورة الكهف الآية 22 : { قل ربي أعلم بعدَّتهم } والآيات الأخرى نصت على ذلك حيث قال تعالى : { ما تدري } { وما أدراك } وأمثالهما . وهنا نقول لماذا تروي أحاديث متعارضة مع القرآن في كتاب إسلامي ؟ هل كان رواة هذه الأخبار جاهلين بالقرآن إلى هذا الحد أ م كان هدفهم مشبوهاً ؟.
حديث51: قال المجلسي إنه مرسل ، ولكننا نقول بضعفه .(154/150)
حديث61: سنده : ضعيف بسبب وجود معلى بن محمد ومعلى يروي الخرافات فقد جعل لله تعالى العين والأذن كالبشر كما مرّ في باب النوادر في كتاب التوحيد . باب ( في أنه لا يكون شيء في السماء والأرض إلا بسبعة ) إننا نعد متون أخبار هذا الباب وباب المشيئة والإرادة وباب الابتلاء والاختبار صحيحة المعنى ، أما أسانيدها فكلها مروية عن الرواة الغلاة ، لذا فإن هذه الأسانيد ضعيفة ولا نرى فائدة من دارستها ، لذلك نهملها ونبدأ بباب السعادة والشقاوة .
[ باب السعادة والشقاوة ]
حديث 1 : سنده : مجهول على قول المجلسي . ولكننا نقول بضعفه لأن أحد رواته محمد بن إسماعيل ، الذي جعل لله تعالى في باب حدوث الأسماء وفي باب النوادر في كتاب التوحيد باباً وبواباً ووجهاً بشرياً ! وكذلك من رواته منصور بن حازم صانع الحجج الواهية ! كما نقل الممقاني في تنقيح المقال ، وأمّا متن هذا الحديث فيخالف مذهب الشيعة ، بل يخالف القرآن والعقل ، لأنه يقول بالجبر وينص على أن الله خلق بعض الناس سعيداً وبعضهم شقياًّ(1) . مع أن العقل(154/151)
يقول إذا خلق الله أحداً شقياً ثم عذبه في القيامة فهذا ظلم ، والله ليس بظالمٍ . بل السعادة والشقاوة كسبيتان(1) ، يسعد الإنسان نفسه بكسبه العلم والعمل الصالح ويشقي نفسه بالجهل والعمل الفاسد وأمّا القرآن فيقول إن الكفار يدّعون أن شقاوتهم وكفرهم من إرادة الله فيهم(2) قال تعالى في سورة النحل الآية 53 : { وقال الذين أشركوا لو شاء اللَّهُ ما عبدنا من دونه من شيء } وكذلك قال تعالى في سورة الزخرف الآية 02 ، ونحن لا ندري ما جرى ؟ وكيف اعتبر الشيعة كتاباً كهذا وجعلوه كافياً لدينهم ودنياهم مع أن في رواته عدداً من المجهولين وفاسدي المذهب وضعيفي الحال ، حيث إنهم رووا سلسلة من أحاديث الجبر التي تخالف مذهب الشيعة نفسه وتمسكوا بالكتاب على الرغم من تعارضه مع القرآن ، هل الشيعة أعداء القرآن ؟ ـ سعى المجلسي أن يُصلح هذا الخبر وفي النهاية قال هذا الخبر يخالف العدل ، وقال في ص 801 من المجلد الأول من مرآة العقول : ( والقولُ بظاهره لا يوافقُ العدل ) .
حديث 2 : سنده : يقول المجلسي إنه مجهول ويقول الكليني نفسه إنه مرفوع ونقول إنه ضعيف ، لأن أحد رواته شعيب العَقَرْقُوفِيّ الذي نقل عنه أخبار تتعارض مع القرآن ، كما نقل الممقاني عنه أن الإمام الكاظم أخبر عن سرائر الناس واطّلع على آجالهم وعلم وقت موتهم ، وهذا كله يخالف القرآن حيث قال تعالى : { وما تدري نفسٌ ماذا تكسبُ غداً } ويخالف نهج البلاغة حيث قال سيدنا الأمير رضي الله عنه . إنه لا يعلم عن موته شيئاً ، ويخالف العقل أيضاً فلا يعقل أن يعلمَ إمامٌ أسرارَ الناس وهو لا يوحى إليه ، مع أن الرسول ^ مع نزول الوحي عليه لم يكن يعرف شيئاً عن موت أحد ، وسيدنا الأمير رضي الله عنه لم يكن يعرف شيئاً من خيانة الولاة بيت المال بعدما ولاهم .(154/152)
وأما متن هذا الحديث فهو صريح في الجبر ونسبة الظلم إلى الله سبحانه ، لأنه يقول إن الأشقياء ( لم يقدروا أن يأتَوا حالاً تنجيهم من عذابه ) والآن نقول للراوي أو الكليني إن الذي لا يقدر أن ينجي نفسه من العذاب كيف يكلفه الله بالتوبة والعمل الصالح .
حديث 3 : سنده : يقول المجلسي إنه مجهول ، وهو ضعيف برأينا لأن أحد رواته أحمد بن محمد بن خالد البرقي الذي كان شاكاً في الدين وأخرجه أهل قم منها ، وأمّا متنه فهو صريح في الجبر لأن جملة ( يُسلك بالسعيد ) وكذلك ( يُسلك بالشقي ) مبنيتان على المجهول ، ويكون المعنى يُسلك السعيد والشقي إلى طريق السعادة والشقاوة ، إن كان ذلك كذلك فليس لهما اختيار ، في هذا الحال هل هؤلاء الرواة والكليني هذا ، لم يميزوا بين الجبر والاختيار ؟ ولم يفهموا تعارض هذه الأخبار مع القرآن ؟ أم أنهم عرفوا كل ذلك وكان لهم غرض آخر ؟!.
[ باب الخير والشر ](154/153)
حديث 1 : سنده : في غاية الضعف لأنّ أحد رواته البرقي الشاك في الدين ، والآخر علي بن الحكم الذي نُقل عنه في باب « ما عند الأئمة من سلاح رسول الله » حديث سلسلة الحمار ، فليُرجع إليه ، والآخر ابن المحبوب الذي هو من الغلاة ويروي الأحاديث المتعارضة مع القرآن ، يرجع إلى باب « أن الأئمة نور الله » . والآخر معاوية بن وهب وهو مشترك بين عدة أشخاص ولا يُعلم من هو ، ومتنه صريح في ظلم الله سبحانه ـ نعوذ بالله ـ وهو جيد للجبريين حيث يقول إنَّ الله ظالم ، ( خلقتُ الشرَّ وأجريته على يدي من أريده فويل لمن أجريتُهُ على يديه ) وهاهنا يجب القول إن الله الذي كان قادراً أن لا يخلق الشر فلماذا خلقه أليس هو حكيماً ؟ الشر مخلوق ككل المخلوقات ، ولكن الشر ليس إليه . والمعتزلة يقولون بأن الشر ليس مخلوقاً لله . ويستحيل أن يخلق الله الحكيم الشرَّ ، ثانياً ( كما يقول في هذا الحديث ) أجرى الله الشر بيد من أراد إذن فما تقصيره هو ، فلماذا يقول ويل له ، ونحن نعتقد أن الله ليس موجد الشر(1) .(154/154)
يجب العلم أن الشرور كانت وما تزال في العالم ولكن تقديرها من الحق وتكوينها من الخلق ولذا قال رسول الله ^ في دعاء الجوشن : يخاطب الله ويقول ، ( يا مقدر الخير والشر ) وتقدير الشر غير تكوينه ، مثلاً قدر الله النار وقدر حرارتها حيث أعطاها 001 درجة حرارة ، وإن نضعها على القماش تحرقه ، أما حرق الثياب فهو شر لم يرده ولم يوجده بل نهى عنه والبشر نفسه يضع النار على الثياب ويحرقه ، أوضح هذا أيضاً ، وجود سيدنا إبراهيم خير ووجود نمرود أيضاً كان خيراً حيث كان بإمكانه أن يقوم بألوف الأعمال الحسنة ، ولكنه أصبح مزاحماً لسيدنا إبراهيم عليه السلام وأوجد الشر بتزاحمه ، على كل حال إن الكليني لم يكن محققاً وجمع كل خبر في كتابه والمؤسف حقاً أن يصبح الذين يدّعون العلم والتحقيق من مقلديه يقبلون كل خبر رواه وإن كان راويه جبرياً وذلك لحسن ظنهم بالكليني الذي هو في غير مكانه ، لقد هدم التعصب التفكر والتعقل .
حديث 2 : سنده : لا اعتبار له لوجود أحمد البرقي ومحمد بن حكيم ، ومتنه فاسد كالحديث الأول ويوجب الجبر .
حديث 3 : سنده : مجهول كما قال المجلسي ، ونقول إنه ضعيف لأن مُفَضَّل من الغلاة ، وعلي بن إبراهيم ومحمد بن عيسى كما مرّ في أبواب متعددة ، كلاهما من رواة الخرافات . ومتنه كالحديثين السابقين يوجب الجبر والعجب هو أن يونس وهو راوي هذا الحديث يقول في آخر الحديث : ويل لمن ينكر هذا الحديث بسبب العلم والفهم ، يبدو أن الراوي نفسه انتبه إلى عيب روايته !.
[ باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين ]
حديث 1 : سنده : ضعيف بسبب وجود سهل بن زياد الكذّاب المعروف وبالإضافة إلى ذلك أنه مرفوع .(154/155)
حديث 2 : سنده : ضعيف كما يقول المجلسي ، نعم فإن معلى بن محمد والوشاء ينقلان الخرافات في كثير من الأبواب كما مرّ في باب النوادر من كتاب التوحيد ، ومتنه يقول ، ( من زَعَمَ أنّ الخير والشرَّ إليه فقد كَذِبَ على الله ) ، هذا الحديث مع مفاده هذا ، يعارض الأحاديث الثلاثة في باب الخير والشر التي مضت ، لأنه صَرح فيها أن الله قال : ( أنا خالق الخير والشر ) ألم ينتبه الكليني لهذا التعارض ، لماذا روى هذه الأحاديث المتناقضة أكان يعتقد بكليهما أم أنه لم يعتقد بأحد منهما ؟ ورأينا فيه أنه لم يكن محققاً ولكن كيف تعلق مدّعو التحقيق والاجتهاد بهذه الأخبار واعتمدوها ؟ هل يمكن القول إن الإمام قال بهذه الأخبار المتناقضة ؟! إن كان الإمام كذلك فما هو المتوقع من غيره .
حديث 3 : سنده : ضعيف كما يقول المجلسي ، نعم رواته هم الرواة الخرافيون العوام ذاتهم كما ذكر في الحديث الثاني(1) ومتنه وإن كان موافقاً للعقل فهو يخالف الأخبار في باب الخير والشر .
حديث 4 : سنده : يقول المجلسي إنه مجهول ، ونقول إن متنه يحوي المتناقضات ، لأن الإمام الرضا قال ، إن لم يكن الراوي كذب عليه واتهمه ، قال إن القدرية لم يقولوا بقول أهل الجنة الذين جعلوا الهداية من الله ولم يقولوا بقول أهل النار الذين جعلوا العذاب من شقائهم ، ولم يقولوا بقول إبليس الذي جعل الضلالة من الله تعالى إذن فما قولهم ؟ ، لم يعين . ثم قال الإمام نفسه لا يكون إلا ما شاءَ اللَّهُ وأراد وقدَّر وقضى ، أجل ، هذا هو قول إبليس الذي نسب عنه إلى الله حيث اعتبر غيّه من مشيئة الله وقضائه وإرادته وقدره(1) ، فكيف ردّ قول إبليس ؟(154/156)
يقول المجلسي ، إن القدرية يقولون باستقلال البشر في الأفعال فبناءً على هذا أراد الإمام أن يبطل قول القدرية ويقول إن البشر ليسوا مستقلين في أفعالهم . بل ضلالتهم وهدايتهم بإرادة الله وقضائه وقدره تعالى . وهذا هو نفس قول أهل الجنة وقول أبليس أيضاً ، في هذه الرواية ، حيث يعتبرون هدايتهم وضلالتهم من الله . فكيف قال ليونس الراوي إن الأمر ليس كذلك .
حديث 5 : سنده : يقول المجلسي إنه مجهول .
حديث 6 : سنده : مجهول أيضاً .
حديث 7 : مرسل : وكل هذه الثلاثة على قول الكليني نفسه ، ولكن يظهر بالدقة أن رواته ضعفاء لا اعتبار لهم .
حديث 8 : سنده : عده المجلسي والكليني مرفوعاً ولكننا نعتبره مهملاً لأن أحمد بن الحسن زعْلان لم يُذكر عنه شيئاً .
حديث 9 : سنده : يقول المجلسي إنه مرسل ، ولكننا نقول إنّه مرسل وضعيف ، بسبب وجود علي بن إبراهيم القائل بتحريف القرآن ، ووجود محمد بن عيسى الذي له أحاديث تعارض القرآن .
حديث01: سنده : يقول المجلسي إنه ضعيف ، ولكننا نقول إنه ضعيف ومرسلٌ معاً ، أما ضعفه من عدة جهات ، أحدها ، أن صالح بن سهل من الغلاة الذي جعل الإمام الصادق إلهه وربه ، وقال الإمام الصادق : إن الغلاة شر من المشركين ، والعجب من الكليني الذي نقل الرواية عن رواة كهؤلاء !.
حديث11: سنده : يقول المجلسي إنه مرسل .
حديث21: ضعيف بسبب سهل بن زياد الكذّاب ولكن المجلسي يقول إنه مرسل .
حديث31: أيضاً مرسل .
حديث41: ضعيف بسبب وجود البرقي الذي كان شاكاً في الدين ، واعلم أن هذه الروايات المروية في باب الجبر والقدر والتفويض وأمر بين الأمرين ، كلها مجملة ومبهمة ، وكل رواية فسرت بمعنى لا يتفق مع غيرها ، وهذه الروايات لم تبين كيفية الأمر بين الأمرين ، وفي الحقيقة لم يبينوا مسألة ، مع أن الأمر واضح لنا ، بقطع النظر عن هذه الروايات ، والمجلسي قد تبسط في شرح هذه الأحاديث كثيراً .
[ باب الاستطاعة ](154/157)
سئل الأئمة عن معنى الاستطاعة في هذا الباب وكان جوابهم مبهماً . ومن أجل معرفة معنى « الاستطاعة » يجب أن نعود إلى ما قاله العرب ، لأن القرآن قد جاء بلسان العرب ، وليست « الاستطاعة » لفظة جديدة . وعند العلماء المصطلحات الدينيّة في الإسلام أصلها من مفردات اللغة العربية ذاتها ، ليست هناك مفردات شرعية مستقلة بعيدة عن اللغة العربية(1) .
والقرآن الكريم يقول في سورة إبراهيم الآية 4 : { وما أرسلنا من رسولٍ إلا بلسان قومه } .
وقال تعالى في سورة النحل الآية 301 : { وهذا لسان عربي مبين } وقال تعالى في سورة الشعراء الآية 491 و 591 { ... لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين } .
فبناءً على هذا فكل من يفسر ويترجم كلمات القرآن وفقاً للغة العربية فعلمه صحيح ، وإن أي إنسان إماماً كان أو مأموماً يفسر كلمات القرآن وفقاً لهواه دون الأخذ من اللغة العربية فعلمه غير صحيح .
فبناءً على هذا فإن ما ورد في الكافي في تفسير القرآن إن جاء على خلاف لغة العرب فإنه خلاف القرآن وخلاف قول الرسول ^ والأئمة ويجب رده وعدم قبوله .
وفي هذا الباب يوجد أربعة أحاديث ضعيفة لا اعتبار لأسانيدها ، وأما معنى « الاستطاعة » فلم يبيَّن صراحة في أي من الروايات . وأما الحديث الأول : ضعيف لوجود كل من حسن بن محمد وعلي بن محمد القاساني الذي ضعفه الشيخ الطوسي . والحديث الثاني ضعيف أيضاً لوجود كل من أحمد بن محمد وهو من الغلاة ، وعلي بن حكم وهو الراوي لراوية سلسلة الحمار ، وكذلك الحديث الثالث ضعيف لوجود سهل بن زياد الكذاب فاسد الحديث والحديث الرابع مرسل ، وكل هذه الأحاديث لا اعتبار لها .
[ باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين ]
حديث 1 : سنده : ضعيف لوجود حسين بن سعيد حيث له روايات تتعارض مع القرآن في باب عرض الأعمال على النبي ^ . وأما متنه فيقول : ( إنَّ اللَّهَ احتجَّ على الناس بما آتاهم وعرَّفَهُم ) .(154/158)
يقول المجلسي في شرحه ـ على الكافي ـ : ( عَرَّفَهُم بأصول الدين وفروعه ) وهذا يخالف الحس والواقع ، لأن أبناء شعبنا على الغالب لا يعرفون أصولَ الدين التي فرضها الله على عباده ، وحتى علماؤهم يجهلون ذلك ، واختلقوا أصولاً للمذهب من عندهم .
حديث 2 : سنده : مجهول على قول المجلسي ، وأما متنه : ففيه قال الإمام إن المعرفة من صَنع الله ، ليس للعباد فيها يد . نقول :
أوّلاً : هذا القول يفيد الجبر ، لأن مفاده : أن الله إذا أعطى المعرفة لأحد فقد أعطاها له وليس بمقدور أحد أن يكسبها بذاته !.
ثانياً : هذا القول يوجب سلب التكاليف ويخالف العقل .
حديث 3 : سنده : ضعيف لوجود كل من البرقي الشاك في الدين وابن الفضّال الواقفي المذهب الذي عده علماء الرجال من الكلاب الممطرة . إضافة إلى أن حمزة بن محمد الطيّار مجهول الحال قد ورد اسمه في الحديث الرابع أيضاً فيكون الحديث الرابع مجهولاً أيضاً .
حديث 5 : سنده : ضعيف لوجود عبد الأعلى الذي نقل الخرافات المخالفة للقرآن في باب حدوث الأسماء .
حديث 6 : سنده مرفوع ، أما متنه ففيه العجب ، ذلك أن الكليني رواه في هذا الباب كعنوانٍ للزوم الحجة لأن الإمام قال : [ إنّ اللَّهَ لم يُنعم على عبدٍ نعمةً إلا وقد ألزمه فيها الحجة من الله ] مع أن القرآن يقول لا حجة بعد الرسل وذلك في آية 561 من سورة النساء . وكذلك جاء في نهج البلاغة في الخطبة 09 . إن كانت كل نعمة حجة فلكل نَفَس حجتان كما قال الشيخ سعدي ، أجل ، يجب أن تسمى أنعُم الله آثار رحمته لا حجته ، ويجب ألا يطلق عليها ذلك إلا مجازاً . مع أن هذه التسمية { أي جعل نعم الله حجة } ذاتها على خلاف مصطلح القرآن .
[ باب اختلاف الحجة على عباده ]
حديث 1 : سنده : في غاية الضعف لوجود سهل بن زياد الكذاب المغالي ، وفي متنه ، يوجد عدد من الإشكالات الشرعية والعقلية :(154/159)
أوّلاً : يقول فيه : ( ستة أشياءَ ليس للعباد فيها صنع : المعرفة والجهل والرضا والغضب والنوم واليقظة ) . بناءً على هذا ، فإن الناس إذا بقول جهالاً دون طلب العلم فهذا أمر لا نكران عليه ، مع أن هذا يخالف القرآن حيث قال تعالى في سورة الأعراف الآية 6 : { فلنسئلنّ الذين أرسل إليهم .. } وقال تعالى في سورة الصافات الآية 42 : { وقِفوهم إنهم مسئولون } وقال تعالى في سورة الإسراء الآية 63 : { إنَّ السمع والبصر والفؤاد كلُّ أولئك كان عنه مسئولا } .
إن رواية سهل بن زياد الكذاب الفاسد لا يمكن أن تكون خيراً من ذلك ، حيث لا تتفق مع عدد من الآيات وتخالف العقل ، والعجب أن يجمع الكليني هذه الروايات ويصبح مجتهدو المذهب ! مقلدين له ! مادحين لكتابه ! بالإضافة إلى ذلك هذا الحديث لا صلة له بهذا الباب انظروا !! يقول الكليني باب اختلاف الحجة ثم يروي حديثاً لا يتعلق بهذا الباب أبداً .
[ باب حجج الله على خلقه ](154/160)
إعلم أن الكليني روى في هذا الباب أربعة أحاديث ولا تتعلق بهذا الباب ، إضافة إلى أن أحد رواته درست بن أبي منصور الواقفي المذهب والرواة الآخرون هم عبد الأعلى الذي جعل لله عيناً ووجهاً كالبشر !! والآخر ابن الفضّال الواقفي والبرقي الشاك في الدين ، وحمزة بن الطيار مجهول الحال ، وعلي بن الحكم راوي سلسلة الحمار في باب « ما عند الأئمة من سلاح رسول الله » إضافة إلى ما جاء في هذه الأحاديث فلم يأخذ الشيعة بها وعملوا بخلافها ، وعلى سبيل المثال قال الإمام الصادق عليه السلام في الحديث الثاني : ( من لم يعرف شيئاً لا شيء عليه ) أما الشيعة فإنهم يعارضون هذا الحديث بقولهم : ( من لم يعرف إمامَ زمانه مات ميتة الجاهلية ) ويؤلونه بقولهم من لم يعرف الإمام الصادق ومات ، مات كافراً ! ) ! والسؤال الذي يطرح نفسه ، هل الإمام الصادق من أصول الدين أو فروعه ؟ ، أو من أتباع هذا الدين ؟ بالإضافة إلى ذلك فالله تعالى لم يجعل الإمام من أصول الدين والإمام نفسه لم يقل إنه أصل من أصول الدين ، وهو ممن يدين بهذا الدين وأتباعه ، فقد جاء في الحديث الثالث : ( ما حجبَ اللَّهُ عن العبد فهو موضوع عنهم ) ، فلماذا ألصقوا أشياءَ كثيرة إلى دين الإمام دون أن يبينها الله تعالى لهم ، ثم يطلبون من الناس معرفتها كمعرفة أولياء الله وغيره ؟!!.
[ باب الهداية أنها من الله عزوجل ](154/161)
حديث 1 : سنده : مجهول كما قال المجلسي ، بالإضافة إلى أن بعض رواته من رواة الخرافات المتعارضة مع القرآن ، كأحمد بن محمد بن عيسى ، ومحمد بن إسماعيل ، كما مرّ في باب النوادر في كتاب التوحيد ، حيث جعل لله تعالى عيناً وأذناً كالبشر ، وأما متنه فيقول إن الهداية من الله وحده ، وروى أربعة أحاديث لإثبات هذا المطلب ، مع أن القرآن يقول : ( إن الله يهدي من يريد ) وهذا كافٍ لإثبات هذا المطلب ، ليس ثمة حاجة بعد ذلك أن يثبت هذا المطلب برواية عدد من الرواة المجهولين ، ومما يثير العجب أن أتباع الكافي لا يعلمون بهذه الروايات التي تتعلق بالشيعة وأعمالهم . مثلاً ، قال الإمام الصادق في هذا الحديث ، ( يا ثابت مالَكُم وللناس كُفَّوا عن الناس ولا تدعوا أحداً إلى أمركم ) ولكن مروجي المذهب ودعاته لا يكفون عن الناس ويسعون ليل نهار لدعوتهم وبث التفرقة المذهبية بينهم ، ولهذا ترونهم يستدلون ببعض الآيات القرآنية لإثبات حجتهم المذهبية وليس فيها دليل لمذهبهم ، ولا علاقة لها به ، ومن أمثلة ذلك أنهم يقولون إن الآية القرآنية تتعلق بولاية الإمام ورئاسته ، وما من أحد يسألهم إذا كنتم تدّعون أن القرآن هو كتاب غير مفهوم بالنسبة لأي أحد إلا الإمام . فكيف أصبحتم تفهمون الآية التي تتعلق بالإمام ؟! وكيف أصبح القرآن هنا مفهوماً ! وكما قلنا فإنَّ رواة هذه الأحاديث الأربعة على الغالب من الضعفاء المجهولين كإبراهيم بن هاشم وابن الفضّال الواقفي ، ولذا قال المجلسي إن الحديث الثاني مجهول ، والرابع مجهول أيضاً ، وعلى كل حال ، فلا بد أن يقال لهؤلاء الدعاة المذهبين المتعصبين بما أنكم تقبلون مثل هذه الأحاديث فلماذا لا تنظرون إلى ما قاله الإمام الصادق في الحديث الرابع ، لما سأله فضيل بن يسار ، أندعو الناس إلى مسلكنا ، قال الإمام ، لا ، لا تدعوهم إليه ؟!.(154/162)
حديث 8 : سنده : مجهول كما قال المجلسي في المرآة ، ومتنه لا يوافق كتاب الله ، لأن كتاب الله ليس تاريخاً للآتين من الناس بل هو بيان كل شيء شرعي من أحكام الحلال والحرام ، ولكن هنا يقول : فيه بدء الخلق وما هو كائن إلى يوم القيامة مع أنه في الواقع ليس كذلك ولم يعطنا الله دليلاً لذلك ، ولكن هؤلاء الرواة كذبوا على الإمام كي لا يستطيع أحد إنكاره ، وبالإضافة إلى أن الإمام قد مدح نفسه هنا كثيراً وزكاها ، وهذا عمل شائن مخالف للآية التي تقول : { فلا تزكّوا أنفسكم } .
حديث 9 : لا شأن لنا بسنده وأما متنه فهو كالخير السابق حيث جعل القرآن جامعاً لأخبار الآتين ، ليظهر أنه عالم به وليمدح نفسه ! .
حديث01: سنده : ضعيف بسبب وجود أحمد بن محمد بن خالد البرقي الشاك في الدين ، وسيف بن عميرة الذي لعنه الأئمة ومن العجب أن المجلسي جعل هذا الحديث مُوَثَّقاً .
[ باب اختلاف الحديث ]
حديث 1 : سنده : ضعيف كما قال المجلسي ، وأما متنه ففيه عدد من الإشكالات ، الأول : أن هذا الحديث الطويل نُقل عن سليم بن قيس الهلالي وكتابه ، ويجب العلم أن الممقاني يقول في تنقيح المقال ج2 ص25 . قال الغضائري روى سليم بن قيس عن الإمام الصادق والإمام الحسن والإمام الحسين وعلي بن أبي طالب ولكن يقول أصحابنا الشيعة وعلماء الشيعة أن سليماً لم يُعرف ويُشَك في أصل وجوده ولم يذكروه بالخير ، والكتاب المنسوب إليه موضوع قطعاً وفيه أدلة كافية للدلالة على وضعه ، وقال الشيخ مفيد في كتاب شرح اعتقادات صدوق ص27 طبع تبريز : إن ذلك الحديث الذي أخذه صدوق عن كتاب سليم ليس صحيحاً . وينبغي للمتدين أن يجتنب العمل بجميع ما في كتاب سليم لأنه خليط من الكذب والتدليس ، قال ابن داود : هناك منكرات في كتاب سليم يعني فيه أكاذيب واضحة . وأنا أعده موضوعاً ومختلفاً . وقد ذُمَّ في قاموس الرجال . قد ذكر بعض الأفاضل عدداً من أكاذيبه .(154/163)
1 ــ قال في هذا الكتاب إن محمد بن أبي بكر وعظ أباه في احتضاره مع أن أبا بكر عقد على أم محمد هذا في السنة التاسعة من الهجرة ، وولد محمد في السنة العاشرة من الهجرة في سنة حجة الوداع . ولما توفي أبو بكر لم يكن لمحمد أكثر من عامين وعدة أشهر ، كيف يعظ الطفل أباه وهو في السنة الثانية من عمره !.
2 ــ ذكر في هذا الكتاب أن عدد الأئمة ثلاثة عشر إماماً كما جاء في كتاب الكافي أيضاً عدد من الروايات حيث تدل أن عدد الأئمة ثلاثة عشر إماماً وسيأتي ذكر ذلك في باب ما جاء في الاثني عشر .
3 ــ قد شرح الصحيفة الملعونة الواردة في ذلك الكتاب ولا يُعلم متى كتبت تلك الصحيفة . على الرغم من أن هذه الصحيفة مكذوبة .
4 ــ سليم أتى بحديث في كتابه أن رسول الله ^ قال لعلي عليه السلام ، أنا لا أخاف عليك من الجهل والنسيان ولكن أكتب هذا الحديث لشركائك ( يقول المؤلف على الظاهر تتمة هذا الحديث الأول باب اختلاف الحديث ) . قال علي من شركائي ؟ : فذكر رسول الله ^ أسماء الأئمة واستمر على ذلك .. حتى يقول سليم : لقد عرضت هذا الحديث على الإمام الحسن والإمام الحسين بعد وفاة معاوية . وقد قال هذان السيدان : يا سليم نحن كنا جالسين وحدثك أمير المؤمنين بهذا الحديث . وسليم هذا الكذاب لم يكن يعرف أن الإمام الحسن توفي قبل معاوية بعشر سنين إذ توفي معاوية في سنة 06هـ والإمام الحسن في سنة 05هـ . فكيف يقول عرضت هذا الحديث بعد وفاة معاوية على الإمام الحسن .(154/164)
5 ــ نسبة قتل المختارين بن أبي عبيد إلى الحجاج بن يوسف مع أن المختار قد قتل في عام 46 و 56هـ في حربه مع مصعب بن الزبير . والحجاج وصل إلى حكم الكوفة ورياستها سنة 67هـ يعني بعد عشر سنين من قتل المختار . على كل حال روى الكليني في الكافي عن سليم المجهول الوجود وعن كتابه الموضوع أحاديث كثيرة ، ومن جملة ذلك في باب ما جاء في الاثنى عشر حديث 4 عن سليم وعن كتابه ، فقد أسس المذهب الاثنى عشري على كتاب موضوع كهذا ، ثانياً : قال علي رضي الله عنه في هذا الحديث : للحديث أيضاً ناسخ ومنسوخ ومحكم ومتشابه وكذلك في الحديث الثاني والثالث في هذا الباب وعشرات من الأحاديث الأخرى ، إذاً الذين يقولون إن القرآن غير قابل الفهم لأن فيه محكماً ومتشابهاً أو يقولون فيه ناسخ ومنسوخ فالرد عليهم هو أن للحديث أيضاً ناسخ ومنسوخ ومحكم ومتشابه فقولوا إذن إن الأحاديث أيضاً غير قابلة للفهم ! كما تقولون في القرآن ! ( ولماذا تقتصرون على ترك القرآن وحده ) .
حديث 2 : سنده : ضعيف بسبب عثمان بن عيسى الواقفي الذي اختلس أموال الإمام .
حديث 3 : لا اعتبار لسنده لأن في أوّل السند علي بن إبراهيم الذي حرف القرآن ، وقد روى عن أبيه المجهول الحال ، وفي آخر السند منصور بن الحازم وله روايات متعارضة مع القرآن ، كما نقل صاحب تنقيح المقال وقد صنع حججاً ! بعد رسول الله تقابل كلام الله .
وأمّا متن الحديث : يقول الإمام إنا نجيب الناس بالزيادة والنقصان وأفتي على خلاف ما أفتيتُ ، كما كان لأحاديث الرسول ناسخ ومنسوخ فحديثنا كذلك . هذا الحديث مخالف للقرآن لأنه لا يوحى علي لأحد بعد النبي ^ ولا يحق لأحد أن ينسخ شيئاً بعد النبي ^ ، فهل يستطيع الإمام أن يقول من عنده شيئاً في دين الله فضلاً عن أن ينسخ شيئاً . قال الله تعالى في سورة آل عمران الآية 49 : { فمن افترى على الله الكذب من بعدِ ذلك فأولئك هم الظالمون } .(154/165)
وإضافة إلى ذلك قال الله تعالى في سورة النساء الآية 561 : { لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل } فكيف يمكن قبول الروايات المتناقضة والناسخة والمنسوخة والمختلف عليها من غير رسول الله ^ .
حديث 4 : سنده : ضعيف لوجود سهل بن زياد الكذّاب الخبيث وضعّفه المجلسي أيضاً ، وأمّا متنه : قال الإمام هنا : نحن نصدر الفتاوى بالاختلاف ( يعني نفتي بفتاوي مختلفة في مسئلة واحدة ) مع أنّ هذا الإمام نفسه قال في رواياتٍ متعددة لا يحق لأحد أن يفتي في الإسلام . كما مرّ في باب النهي عن القول بغير علم .
قال الله لرسوله ^ في سورة النساء الآية 671 : { يستفتونك قل الله يفتيكم } حيث جعل الفتوى مقصورة عليه ، وقال في آية 721 أيضاً : { ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن } . وأيضاً قال لرسوله في سورة النساء الآية 501 : { إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله } وقال في سورة المائدة : { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ... فأولئك هم الظالمون ... فأولئك هم الفاسقون } . كما يُستفاد هذا المطلب من آياتٍ أخرى أيضاً . مثل آية : { عفا الله عنك لم أذنتَ } { ويا أيها النبي لم تحرم ما أحلَ الله لك } . في مثل هذا الحال كيف يمكن أن يقال إن الإمام أفتى بالاختلاف ؟. قد يقول أحد إنه عمل بالتقية ! نقول لا بد من السكوت في التقية ، ولا تعني التقية إصدار مئات الفتاوى المتعارضة !.(154/166)
حديث 5 : لا اعتبار لسنده لوجود حسن بن علي بن الفضال الواقفي المذهب ، وأما متنه : ( قال زرارة سألت عن الإمام الباقر عن مسألة : فأجابني ثم جاءه رَجُلٌ فسأله عنه فأجابه بخلاف ما أجابني ثم جاء رجُلٌ آخر فأجابه بخلاف ما أجابني وأجاب صاحبي ، فلمّا خرج الرجلان : قلتُ يا ابنَ رسولٍ الله رَجُلان من أهل العراق من شيعتكم قَدِما يسألان فأجَبْتَ كُلَّ واحدٍ منهما بغيرِ ما أجبتَ به صاحبَهُ فقال : يا زرارة : إنّ هذا خيرٌ لنا وأبقى لنا ولكم ولو اجتمعتم على أمر واحد لصدقكم الناس علينا ولكان أقلّ لبقائنا وبقائكم . يعني أنه يقول أجبت بالاختلاف ليكون الاختلاف مستمراً بين الشيعة وذلك خير لبقائنا وبقائكم !! لكي لا يفهم الناس قولنا عن قولكم . يقول المؤلف : إن هذه الرواية على خلاف ما جاء في القرآن ؛ حيث يجعل أهل التفرقة بعيدين عن الإسلام حيث يقول في سورة الأنعام الآية 951 : { إنّ الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً لستَ منهم في شيء } . وحق التشريع خاص لله ، والمشرع هو الله وحده لا يحق لأحد غيره أن يشرع . كما قال في سورة الشورى الآية 31 : { شرع لكم من الدين } وقال في آية 12 : { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين } وآيات أخرى . مثل { ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام } . ومثل { أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه } . فبناءً على هذا إذا كان الإمام يخاف من أعدائه فله أن يسكت لا أن يفتي على خلاف الواقع ويزرع التفرقة بين الشيعة حتى لا يُعرفوا على حكم واحد ! ثُمَّ هل يحق للإمام أن يفتي بخلاف الحقيقة .
وهذا الإشكال وارد كذلك في الحديث السادس ، وواضح أن أعداء الإسلام قد نشروا هذه الفتيا المخالفة للقرآن باسم المذهب وباسم الإمام وعلى صورة حديث ، وذلك كي يسقطوا حجية القرآن ويوقعوا المسلمين في حيرة .(154/167)
حديث 6 : ضعيف بسبب محمد بن سنان وهو من الكذابين المشهورين وسيأتي ذكره في باب النوادر من كتاب التوحيد من كتاب الكافي .
حديث 7 : سنده : ضعيف لوجود عثمان بن عيسى الواقفي المذهب ، الوكيل الخائن لموسى بن جعفر رضي الله عنه .
حديث 8 : سنده : ضعيف لوجود عثمان بن عيسى ، والعجيب من الكليني الذي روى عن هؤلاء الخونة فكأنه لم يجد راوياً صادقاً ! إضافة إلى أن السند مرسل . وأما متنه : يقول الإمام الصادق للراوي أرأيتكَ لو حدثتُكَ بحديثٍ العامَ ثم جئتني من قابلٍ فحدثتُك بخلافه بأيِّهما كنتَ تأخذ ؟ قال . قلتُ كنتُ آخُذُ بالأخيرة ، والسؤال الآن هو ، هل يجوز لأحد أن يحكم بحكم من أحكام الدين بين ساعة وأخرى ويكون الحكم مخالفاً لما سبقه ؟ ، إذا كان الإمام كذلك فرحم الله المأموم !. أليس هذا افتراء على الله أن يصدر كل واحد حكماً مختلفاً عن الآخر باسم الدين .
حديث 9 : سنده : ضعيف بسبب معلّى بن خنيس ، ويقول المجلسي إنه مجهول وأمّا متنه : وقال الراوي للإمام إذا جاء جديثٌ عن أوَّلكم وحديث عن أخركم بأيهما نأخذ ؟ فقال خذوا عن الحيّ وعلى هذا فإذا جاء حديث عن النبي ^ أو عن أمير المؤمنين وحديث عن الإمام الصادق ، فإنه يجب أخذ حديث الإمام الصادق وتُترك أحاديث الأئمة السابقين . والآن لا بد من سؤال الإمام اللاحق لماذا تأخذون الأحاديث عن آبائكم مع أنهم ليسوا أحياءً ! وبالإضافة إلى أن هذا الحديث يرد على الشيعة الذين يقولون إن الإمام لا يموت ! لأن الإمام الصادق يقول خذوا الحديث من الإمام الحي ، إذن يبدو أنه يوجد هناك إمام حيّ وآخر غير حي .(154/168)
حديث01: لا اعتبار لسنده بسبب وجود محمد بن عيسى الذي نقل عنه روايات متعارضة مع القرآن ! في باب ( أن الأئمة يعلمون متى يموتون ) . والراوي الآخر هو صفوان بن يحيى الذي نُقل عنه أخبار في باب السعادة والشقاوة حيث يبدو أنه جبري وقال الإمام : القائل بالجبر كافرٌ . والراوي الآخر هو عمر بن حنظلة وهو لمَ يُوثق . وأما متنه : قال عمر بن حنظلة : سألتُ الإمام الصادق : أرأيت إن وجدنا أحد الخبرين موافقاً للعامة(1) والآخر مخالفاً لهم بأيِّ الخبرين يُؤخذ ؟ قال الإمام : ما خالف العامة ففيه الرشاد . وهنا لا بد من القول بأن مثل هذه الأخبار قد زرعت التفرقة وسوء الظن بين المسلمين وهل إذا قال العامة : إن علياً رضي الله عنه مسح رجله فيجب علينا أن نخالفهم ! ونقول لا ، بل نغسلها ؟! وإذا نقل العامة أثراً حسناً عن رسول الله يجب علينا أن نأخذ بخلافه ؟ لست أدري بماذا يحيي اللَّهُ هؤلاء الرواة الذين زرعوا التفرقة ؟ إن هذه الأخبار لا تعني سوى حمل المسلمين على سوء الظن ونشر الفتنة وقد قال الله في سورة الحجرات : { اجتنبوا كثيراً من الظنِّ إن بعض الظن إثم } .
[ باب فرضِ العلم ووجوب طاعته ]
حديث 1 : سنده : ضعيف كما قال المجلسي وأمّا متنه فهو : قال رسول الله ^ : « ما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه » . ولكن الشيعة يعملون بخلاف قول رسول الله وبخلاف قول الأئمة كما جاء في هذا الباب ، مثلاً قال الله تعالى : { خلق لكم ما في الأرض جميعاً } ولكن محدثي الشيعة وخطبائهم يقبلون حديث الكساء حيث يقول إن الكون خُلق لخمسة أشخاص(2) ! مع أن هذا القول يخالف القرآن ويخالف أقوال أئمتهم ! وهناك كثير من المطالب الأخرى ! .
حديث 2 : سنده : ضعيف بل مجهول على قول المجلسي ، وأمّا متنه يرد على عمل الشيعة كما ذُكر وكذلك الأحاديث اللاحقة في هذا الباب .
حديث 3 : سنده : ضعيف بسبب أحمد بن خالد البرقي حيث كان مشككاً في الدين .(154/169)
حديث 4 : سنده : لا اعتبار له بسبب ابن فضّال الواقفي وأيوب بن راشد المهمل ! وأما متنه : قال الإمام الصادق ( ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زُخرُفٌ ) بناءَ على هذا فإن معظم أحاديثنا هي خرافة لا توافق القرآن فهي إذاً زخرفة ، كالحديث الذي يقول : إن من يذهب إلى زيارة قبر تغفر جميع ذنوبه وله بكل خطوة ثواب حج وأجر شهيد وهذا كله يخالف الآيات الإلهية . أو الأخبار التي تقول إن الإمام يعلم الغيب مع أن القرآن يقول : { لا يعلم الغيب إلا الله } وألوف الأحاديث تنص على ذلك .
حديث 5 : سنده : مجهول كما يقول المجلسي ، وأما متنه فيخالف أكثر ما عليه الشيعة .
حديث 6 : سنده : مجهول كما قال المجلسي . وبالإضافة إلى ذلك إنه مرسل ، وأما متنه فيقول : قال الإمام الصادق : ( من خالف كتابَ الله وسنةَ محمدٍ فقد كفر ) . فبناءً على هذا ، فما تعارف عليه من البدع من أقوال المتمذهبين وأعمالهم في وطننا يوجب الكفر .
حديث 7 : سنده : ضعيف من جهة محمد بن عيسى بن عبيد وهو مرفوع .
حديث 8 : سنده : ضعيف بسبب البرقي الشاك في الدين ، وأما متنه : قال سيدنا الباقر لأبان : ( ويحك وهل رأيتَ فقيهاً قطُّ ) لأن « أبان » قال : إن الفقهاء لا يقولون هذا إذا لم يكن ثمة فقيهٌ في ذلك العصر فما هو حالنا اليوم !.
حديث 9 : سنده : يقول المجلسي إنه مجهول ، وإن البرقي كان شاكاً في الدين وضعيفاً ، وإبراهيم بن إسحاق مهمل .
حديث01: سنده : يقول المجلسي إنه ضعيف ، وأما متنه فقد سمّي الذين يميلون إلى البدع ضالين كأصحاب مجالس المدح والنواح ولطم الوجوه والصدور من أو الليل إلى الفجر و ... و ... و ...
حديث11: سنده : يقول المجلسي إنه ضعيف ، أجل ؛ الراوي الأول والثاني والثالث والرابع كلهم ضعفاء ضعيف عن ضعيف عن ضعيف عن ضعيف ! والآن كيف يجعلون هذه الأخبار من أوثق الأخبار ؟ لا أحد يدري !.
حديث21: سنده : يقول المجلسي إنه ضعيف .(154/170)
شاهد عليكم الآن ، هذه الشهادة على الناس في أي وقت ؟ طبعاً عندما يكون الفرد حياً وفي أثناء الاجتماع ، ودليلنا آيات أخرى من القرآن ، حيث أن القرآن يصدق بعضه بعضاً : { وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأميَّ إلهين من دون الله أي تجعلونا باب الحوائج ـ قال سبحانك ما يكون لي أن أقولَ ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته ، تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك ، إنّك أنت علاّمُ الغيوب ، ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم ، وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد } المائدة : 611 ـ 711 . إذن تكون النتيجة أن الأمة الإسلامية تشهد على الناس وتمنعهم عن الفساد ويكون الرسول شاهداً على الناس ما دامت الحياة . لا بعد أن أصبح ميتاً لا يدري عن هذا العالم شيئاً وفي عالم آخر حيث { لا خوف عليهم ولا هم يحزنون } وهي دار السلام .
أما إذا كان عالماً بأحوال الناس وشاهداً عليهم فلا بد أن يحزن ويأسف ، وفي عالم الآخرة لا تكليف على الأنبياء ولا على الناس . وبالإضافة إلى ذلك ما معنى أن يكون الأنبياء والأوصياء شاهدين على أخطاء المخطئين ! فضلاً عن أن كلمة الشهادة وردت في الآية السابقة بنفس المعنى للناس ولرسول الله ^ ، والكلمتان لهما معنى واحد . إذن رسول الله ليس ناظراً لأعمال الناس بعد وفاته فكيف بالإمام ؟! وأراد الكليني أن يضع الإمام مكان رسول الله ليكون بعد ذلك شاهداً وناظراً للخلق ما دامت الحياة على حد قوله ! ولذا جمعوا أخباراً من الوضاعين والكذابين من الغلاة ، حتى المجلسي نفسه ضعفهم وعدهم من الذين لا اعتبار لهم . وقال الله تعالى في سورة الحديد الآية 91 : { والذين آمنوا بالله ورُسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم } .
[ باب أن الأئمة هم الهداة ](154/171)
روى الكليني في هذا الباب أربع روايات وضعف المجلسي اثنين منها ، وقال بجهالة الآخر ، وأما متنه : بين الإمام الآية 7 من سورة الرعد ، للراوي وهذه هي الآية : { ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه إنما أنت منذر ولكل قوم هاد } ههنا قال الإمام : إن علياً لكل قوم هاد ، وللرد نقول :
أولاً : لا بد أن تعرف أن القرآن نزل { بلسان عربي مبين } هل كان الإمام لا يعرف أن اسم علي لم يرد في الآية وفي أية مناسبة جعل علياً هادياً لكل قوم ، أليس النبي هو الهادي إذا لم يكن النبي هو الهادي كيف يكون علي هو الهادي ؟، هل هو أعلى مقاماً من النبي ؟ .
ثانياً : أخبرونا من الذين هداهم علي ولم يهدهم النبي ^ .
ثالثاً : أن الكفار طلبوا المعجزة من النبي وبأي مناسبة قال الله جواباً للكفار أن علياً هو الهادي . وبالإضافة إلى ذلك جعل الله من واجب الأمة الإسلامية الأمر بالمعروف والدعوة إلى الخير والهداية ، هذه الوظيفة لا تنحصر بعلي رضي الله عنه ، إذن لأي سبب حصروا الهداية بعلي ؟ إن هؤلاء الرواة الوضاعين أرادوا تخريب الإسلام عندما حصروا الهداية في علي ، هل يمكننا تحريف القرآن بروايات موسى بن بكر الواقفي المذهب ؟!! .
[ باب أن الأئمة ولاة أمر الله وخزنة علمه ]
اعلم أنه روي ستة أحاديث في هذا الباب ويقول المجلسي بضعف الأول وبجهالة الثاني والثالث والرابع ولكننا نرى أنها كلها ضعيفة لأن رواي الحديث السادس هو سهل بن زياد الكذاب الملعون ، وأن متون هذه الأحاديث تخالف النص القرآني مخالفة تامة ، لأنه يقول في هذه الأحاديث من جهته أن الأئمة ولاة أمر الله مع أن الله تعالى منزه عن ذلك في أموره التكوينية ولا يحتاج في أموره إلى والي .(154/172)
ويقول الله تعالى في سورة الإسراء الآية 111 : { لم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبّره تكبيراً } وفي كثير من الآيات قال تعالى ما معناه ليس لعبادي ولي إلا الله ، إذا كان العباد ليس لهم ولي ولا قيم فكيف يكون لله ولي في أمره ؟! فهل لواضعي هذه الأخبار عقل أم أنهم كانوا يستهزئون بالله ؟! . قال تعالى في سورة البقرة الآية 701 : { وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير } وفي سورة الأنعام الآية 15 { ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع } وفي سورة الكهف الآية 62 : { ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحداً } لا شك أن قبول بعض المسلمين لهذه الروايات المخالفة للتوحيد والعقل هو نتيجة ابتعادهم عن القرآن وعن الإسلام كلياً . لو قُصد من الولي هو الولي في الأمور الشرعية لكان ذلك صحيحاً غير أنه لا ينحصر بالأئمة . بل من ينتخبه المسلمون أو حاكمهم لولاية الأمر فإنه هو ولي الأمر وينفذ أحكام الله ومن جهة أخرى يقول : إن الأئمة خزنة الله أو خزنة علمه . أو لم يفكر هؤلاء أن علم الله وسائر صفاته هي عين ذاته وإن ذاته لا تحدد في خزينة(1) ، قال تعالى لرسوله في آيات متعددة بأنه ليس من خَزَنة الله فقد جاء في سورة الأنعام الآية 05 : { قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك } فخزائن الله ليست لدى النبي ^ فكيف تكون لدى الإمام . كأن هؤلاء يعتبرون الأئمة أعلى مقاماً من الأنبياء وهناك كفر آخر في هذه الروايات وذلك ـ والعياذ بالله ـ أن الإمام ادعى النبوة وقال : ( نحن عيبَةُ وحي الله ) وقال في مكان آخر : ( نحن تراجمة وحي الله ) يعني أن ما يقول الله ليس لأحد أن يترجمه ، ونحن وحدنا الذين نرى ترجمته ، ماذا نقول تجاه هذه المختلقات ؟! وأسوأ من هذا ما ورد في الحديث الأخير حيث يقول الإمام ـ والعياذ بالله ـ ، إن الله خلقنا فأحسن صورنا كأنه خلق كل الخلق بصورة قبيحة إلا الأئمة ، وهؤلاء(154/173)
هم أحسن وأجمل مَنْ في الدنيا وجهاً . مع أن الله قال لجميع الناس في سورة المؤمن ويقال لها الغافر أيضاً { إن الله لذو فضل على الناس ولكنّ أكثر الناس لا يشكرون ـ إلى أن قال ـ وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات } . وقال في سورة السجدة الآية 7 : { الذي أحسن كل شيء خَلَقَه } ليس الإمام وحده وقال ذلك للمؤمن والكافر في سورة التغابن { وصوركم فأحسن صوركم } .
إذن لماذا يحصر الإمام الخيالي للغلاة حسن الصورة بنفسه وماذا كان هدفه ؟! ترى هل كان يريد أن يأتوه بمزيد من الإماء والجواري أكثر مما لديه ، أم أنه كان يظن أنّ الله قليل الرحمة ببقية عباده ، وبالإضافة إلى ذلك : إن هذا الحديث يخالف الحس والواقع إذ أن هناك من هم أحسن وجوهاً من الأئمة ألم يسمع هؤلاء بحسن يوسف عليه السلام . وبعد ذلك يقول في هذا الحديث : ( وجعلنا خُزَّانه في أرضه وسمائه ) هل الله بحاجة إلى خزنة في السماء !! وبعد ذلك يقول : ( لما نطقت الشجرة ) يعني بذلك شجرة الطور عندما كلمت موسى عليه السلام والآن : لنسأل هل أنتم نَفْسُ سيدنا موسى النبي عليه السلام ـ أليس هذا ادعاء بوحدة الوجود وهو عين الكفر .(154/174)
ثانياً : هو يقول إن الشجرة هي التي نطقت بينما القرآن يؤكد أن الله تعالى كان هو الناطق ، قال تعالى في سورة القصص الآية 03 : { فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أنْ يا موسى إنّي أنا الله رب العالمين } وينبغي علينا هنا أن نوضح أن الشجرة لا شعور لها حتى تنطق ، وهذه الشجرة ليست هي الله حتى تقول أنا الله ، بل الله أوجد صوتاً في تلك البقعة المباركة في تلك الشجرة حتى تُسمع موسى وتأمره(1) كما قال يا موسى أنا الله رب العالمين ، ولما عدّ الشيخ الشبستري الصوفي في كتابه ـ « غلشن راز(2) » ـ الشجرة ناطقة وجعلها محقة لإدعاء الألوهية : يقول لما صارت الشجرة إلهاً وقالت أنا الحق فيحق لكل مرشد « من باب أولى » أن يقول أنا الحق ، ونحن رددنا على كفرياته في كتابنا « غلشن قدس(3) » . هو يقول شعراً بالفارسي ما ترجمته . يجوز قول أنا الحق من شجرة ، فلماذا لا يجوز من بشر .
بل ذرات العالم كلها كالمنصور ( الحلاج ) سواء اعتبرتها بسكر أو بغير سكر ، بل أنا وأنتم وهو كلنا شيء واحد ولا تمييز في الوحدة . ونحن رددنا على هذه الخزعبلات في كتابنا « غلشن قدس » وقلنا إنكم أسأتم تأويل الآية القرآنية بتفسيركم بالرأي لأنه ليس في القرآن ( نادت الشجرة ) بل ( نودي يا موسى إني أنا الله ) ، ورددنا عليه شعراً ـ بالفارسية ـ ما ترجمته :
لما نودي موسى في الطور ، خلق الله الصوت والصدى في الشجرة(4) وسمع موسى قول الله ـ أنا الله رب العالمين ولست من جنس الأرض ولا السماء ، إن الله منزه عن الشجرة وبريء من قياس البشر ، متى جاز قول أنا الحق من شجرٍ ليكون جائزاً من بشرٍ . وأما المنصور فمن ضلالته قال أنا الحق ، والصوفية عدوها تجلياً . وجميع الناس يعلمون أن هذا القول كان خطأ وقد نطق الحلاج بالكفر عندما نطق بذلك .(154/175)
وفرق بين الخالق والمخلوق . ومن يرى أنهما واحد فهو غارق في الكفر ، والذي يقول عن نفسه أنا الحق كافر مطلقاً ، وليس لأحد أن يقول أنا الحق إلا الحق ، ولا طريق لهم إلا
التأويل حتى يموّهوا على العوام . وكان قول : « أنا الحق » من شجرة ، بإنشاء من الله ولم يكن انشاداً من الله لأنه كان مما خلق ، ولا يجوز القياس هنا ، واعلم أن وجود الله ليس وجوداً مطلقاً حتى يسري ذلك على كل المخلوقات ، وليس وجوداً عاماً بل ذات الله وجود خاص مقيد بواجب الوجود ، وهو غني بذاته مباين عن الخلق الفقير بالذات ، أما الصوفية فقد اعتبروا لله وجوداً عاماً ـ والعياذ بالله ـ تقليداً للفلاسفة والعرفاء وعدوه سارياً في الممكنات ، فهم يعتبرون الشجر والحجر والمدر كلها وجود واحد ، كأن راوي هذا الحديث ( السادس ) سهل بن زياد الكذاب الخبيث المعروف كان مقلداً للصوفية ، ونسب هذا الكفر للإمام الصادق ، وبعد ذلك يقول قال الإمام : ( وبعبادتنا عُبدَ الله ولولانا ما عُبد الله ) إني على يقين من أن العاقل لا يمكن أن ينطق بهذا الغرور ويعجب بنفسه وبعبادته ، بل إن سيدنا الرسول ^ يقول في دعائه ـ ما عبدتُك حق عبادتك .
[ باب : أن الأئمة خلفاء الله عزوجل في أرضه
وأبوابه التي منها يؤتى ](154/176)
روى الكليني ثلاثة أحاديث في هذا الباب وعدها المجلسي ضعافاً ، لأن رواتها لا اعتبار لهم ، بل كانوا فاسدي الدين وأتوا بخرافات في الإسلام ، وأما متونها فتخالف العقل والقرآن ، لأنه يقول إن الأئمة خلفاء الله ، نقول : إن الإمام من البشر يحتاج كغيره من البشر إلى البول والغائط وإلا يمرض ، والإنسان الذي يموت بحمى بسيطة كيف يمكن أن يكون خليفة الله ، بالإضافة إلى ذلك ، أن الخليفة يكون عندما يذهب السلف أو يموت ، ليجلس أحد مكانه ، وليس بمقدور أحد الوصول إلى مقام الألوهية ليكون خليفته ، قد أُغمي نبي من الأنبياء كموسى لما لم يستقر الجبل فكيف يخلف المقام الإلهي الذي يدبر المليارات من المجرات .
لست أدري حال هؤلاء الذين افترضوا خليفة لله تعالى !!، هل لأنهم ما عرفوا الله أم أنهم ينكرونه مطلقاً ؟! وكما يبدو من القرآن أن البشر خلفوا الموجودات السابقة عليهم ، الذين أفسدوا في الأرض وأراقوا الدماء فأخلف الله مكانهم البشر ، قال تعالى في سورة البقرة في الآية 82 : { وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء } ولم يقل فيها خليفة لي أو خليفة الله ، إذن فقد فهم الملائكة المخاطبين أن الله يريد أن يجعل خليفة بدل الذين فسدوا في الأرض وأراقوا الدماء وهلكوا ، وليس لأحد أن يدعي أنه يفهم خيراً مما فهم الملائكة ، إلا أن يخلق الرواة خليفة لله كأمثال الراوي محمد ابن جمهور ، وعبدالله بن سنان اللذان هما من الغلاة ، ومن مشاهير الكذابين ، ونقل الكليني هذه الأباطيل عن هؤلاء فقلده مجتهدو عصرنا ! يقول تعالى لآدم وزوجته بعد ذلك بقليل : { لا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين } يبدو أنه كان هناك ظالمين من قبلهم وهما أصبحا خليفتان لهم . وهناك آيات أخرى تدل على أن كل البشر أصبحوا خلفاء للسابقين .(154/177)
يقول الكليني في الحديث رقم 3 : إن الإمام الصادق ادعى أن الآية 55 من سورة النور تطبق عليه إذ قال تعالى لرسوله وأصحابه مخاطباً إياهم : { وعد اللَّهُ الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً } . هذه الآية تستهل الخطاب بكلمة ( منكم ) فهي تقول يا أيها الذين آمنوا من أصحاب محمد سوف أجعلكم خلفاء المشركين وأعطيكم الدولة وأمكنكم ، وهدف هذه الدولة الإسلامية هو العمل بالتوحيد الخالص والبعد عن الشرك ، ويبدو أن عبدالله بن سنان الكذاب لم يرَ كلمة ( منكم ) ونسب ذلك كذباً للإمام قائلاً إن القصد هو التمكن من دولة الأئمة ، مع أن الأئمة لم يكن لهم دولة ، والشيعة العوام أيضاً اتبعوا عبدالله بن سنان ، ويقولون إن المقصود هو دولة الإمام الثاني عشر ، كأن هؤلاء المدَّعون لم يروا كلمة ( منكم ) ، تدل هذه الآية أن الدولة الإسلامية التي قامت في عهد الرسول وخلفائه قد قامت كما وعد الله ، وإلى هذا أشار سيدنا الأمير في نهج البلاغة في الخطبة رقم 641 حين وقعت الحرب بين المسلمين والفرس حيث قال لعُمر : ( ونحن على موعودٍ من الله ، والله منجزُ وعدَه ) .
وفي الحديث الثاني : في هذا الباب نقل الرواة الكذابون كمحمد بن جعفر عن الإمام الصادق أن الأوصياء أبواب الله ، ولكن علياً رضي الله عنه قال في نهج البلاغة فيما يتعلق بالخالق والمخلوق ( فما قطعكم عنه حجاب ، ولا أغلق عنكم دونَهُ بابٌ ، وإنه لبكلِّ مكان وفي كل حين وأوان ) هنا نفى سيدنا الأمير أن يكون لله باباً ولكنَّ أبناءه قالوا نحن أبواب الله على حد قول الرواة المختلقين ، وهذا الكلام أصبح حجة لأهل الباطل وجاء سيد محمد على الباب ( زعيم البهائية ) وقال أنا بابٌ من أبواب الله التي أوردها الكافي في كتابه .(154/178)
ربما يقول رواة أحاديث النبي ^ أننا أبواب علم رسولِ الله ليأخذ الناس قولَه عنا ، ونُقل عن النبي ^ أنه قال : « أنا مدينة العلم وعلي باب » ( والحديث ضعيف بإسناده ) ومع هذا لم يقل باب الله . وقال الإمام السجاد في الدعاء الأول في الصحيفة السجادية ( الحمد لله الذي أغلق عنا باب الحاجة إلا إليه ) .
[ باب أن الأئمة نور الله عزوجل ]
روي في هذا الباب ستة أحاديث وقال المجلسي : إن الأول والثالث والرابع والخامس ضعاف والثاني مرسل والسادس مجهول ، ورواتها هم علي بن مرداس المهمل ، وابن الفضّال الواقفي ، وعلي بن أسباط الفطحي ، وسهل بن زياد الكذاب الملعون ، والآن لاحظوا يا إخوتي حال المتن ، وانظروا كيف أن هؤلاء فاسدي المذاهب الكذابين تلاعبوا بآيات القرآن وقد عمدوا إلى التحريف المعنوي .(154/179)
هذه الأحاديث تستدل بآيات وتقول إن الأئمة من النور ونحن نورد الآيات ومن بين هذه الآيات الآية الثامنة من سورة التغابن قال تعالى : { فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا } ما هو النور الذي أنزله ؟ قال تعالى في سورة المائدة الآية 51 : { قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين } وقال تعالى في سورة النساء الآية 471 : { يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربّكم وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً } وقال تعالى في سورة آل عمران الآية 481 في وصف الأنبياء { جاءُوا بالبينات والزبر والكتاب المنير } والآيات الأخرى الصريحة تقول إن الله أنزل كتاباً وهو نور وهداية ، ولم يقل الله قط إنا أنزلنا إنساناً وهو نور ومن نور ! لست أدري من أين وكيف أُنزل الأئمة ومتى قال الله نحن أنزلنا الأئمة ؟، أليس هذا تحريفاً معنوياً ، وتلاعباً بالقرآن ؟، ألم يكن الإمام الصادق عربياً ؟ ألم يكن يعرف أن الله أنزل قرآناً لا بشراً ؟!! كيف نشر هؤلاء الرواة الأكاذيب باسم الإمام قال النبي ^: « إن هذا القرآن هو النور المبين والحبل المتين » . ويقول سيدنا الأمير في نهج البلاغة الخطبة 891 : ( ثم أنزلَ عليه الكتاب نوراً لا تطفأُ مصابيحهُ وسراجاً لا يَخبُو توقُدُهُ ) وقد قال في خطبة 381 عن القرآن أنه ( أتمّ نوره وأكمل به دينه ) . وقال في خطبة 851 : ( والنور المقتدي به هو ذلك القرآن ) وقال في خطبة 651 : ( عليكم بكتاب الله فإنه الحبل المتين والنور المبين ) وقال في الخطبة 011 : ( واستشفوا بنوره فإنه شفاءُ الصدور ) وقال في خطبة 2 : ( والنور الساطع والضياء اللامع ) وكثير من كلماته الأخرى ، كما أن غيره من الأئمة قالوا : إنّ القرآن نور .(154/180)
أما الآيات التي استدل بها الكذابون على أن الإمام هو النور هي الآية 751 من سورة الأعراف حيث رغّب الله اليهود ليؤمنوا بالرسول وبكتاب الله . قال تعالى : { فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أُنزل معه أولئك هم المفلحون } هل من أحد يعرف العربية يضع في احتماله أن يكون النور المنزل مع الرسول ^ غير القرآن ، فإذا كان المقصود من النور علياً لماذا لم يذكر اسمه ؟! هل الله جل جلاله ـ والعياذ بالله ـ عمل بالتقية أم الرواة الكذابون يختلقون ؟! ألا يدري هؤلاء أن الأئمة أنفسهم اهتدوا بسبب القرآن حيث جعله الله نوراً كما قال تعالى في سورة الشورى الآية 25 مخاطباً نبيّه قائلاً : { ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نواً نهدي به من نشاء من عبادنا } وأيضاً قال تعالى في سورة التحريم الآية 8 : { يوم لا يخزي اللَّهُ النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم } ؟ هل الإمام من المؤمنين الذين يسعى نورهم بين أيديهم أم أنه هو نفسه نور ؟! ليت شعري ماذا يريد هؤلاء الوضاعون بنقلهم هذه الروايات المخالفة للقرآن ؟! هل أرادوا أن يقولوا إن القرآن ليس نوراً وهداية ، بل النور هو بعض أتباعه ؟! إذا قام سيدنا الأمير رضي الله عنه يومَ القيامة أمامهم يسألهم بأي حق جعلتمونا آلهة ترى ماذا يجيبون ؟ على سبيل المثال قال سهل بن زياد عن هذه الآية : { الله نور السموات والأرض } إن فاطمة نور السموات والأرض . ويبدو أن هذا الكذاب جعل فاطمة رضي الله عنها إلهاً . وقال بصدد آية : { والله متمُّ نوره ولو كره الكافرون } إن الله سيتم الإمامة مع أن النور مفرد مذكر ، فلا بد أن يقول الله متم أنواره ليصدق ذلك على الأئمة !!.
[ باب أن الأئمة هم أركان الأرض ](154/181)
روى في هذا الباب ثلاثة أحاديث ضعفها المجلسي كلها ، لأن أحد رواتها محمد بن سنان من الكذابين المعروفين ومن الغلاة قال علماء الرجال عنه وذلك ، وهو الذي يقول إن الله خلق العالم ووكّل أمر العالم لمحمد وعلي ! وجلس يرتاح ، والآخر سهل بن زياد الملعون الكذاب ، والآخر علي بن حسان من الباطنية ، وكان له كتاب تفسير باطني حيث عمد إلى التحريف في الإسلام ، هؤلاء الفسقة أتونا بما سموه مذهباً !! وهنا يقولون إن الأئمة أركان الأرض وكل من لا يقبل بذلك فهو مشرك ! ويقولون قال علي : إن الجنة والنار بيدي وأنا الفاروق الأكبر ، يعني لما لقبوا عمر بن الخطاب بالفاروق فأنا الفاروق الأكبر !! أقول : بهذه الكلمات أتوا بمذهب جعلوا كل المذاهب الإسلامية يسيئون الظن به ، لأن هذه الموضوعات وأمثالها بطلانها وتضادها مع العقل والقرآن بيّن ، لذا لا حاجة إلى المزيد من الشرح والتبيين ، قال الله في كتابه : { وألقينا في الأرض رواسي أن تميد بكم } كي لا تضطرب ، أما هؤلاء فيقولون في هذا الحديث إن الإمام ركن الأرض فلو لم يكن الإمام لاضطربت الأرض ! هنا نتساءل ، كيف كانت الأرض قبل خلق آدم وقبل قيام القيامة حيث لم يكن بشر ولا يكون ، لا إمام ولا مأموم ؟!.
[ باب نادر جامع في فضل الإمام ](154/182)
روى في هذا الباب حديثين ، سند الأول مرفوع ومتنه يظهر غلوه ، لأن الإمام مجد فيه نفسه ومدحها إلى حد جعل فيه نفسه متصفاً بصفات الله ، وهنا لا بد من التساؤل لماذا لم يُعَرِّف الله إماماً كهذا إلى الناس ؟ ولماذا لم يعتبر إماماً كهذا حجة ؟ بل قال : { لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل } . هناك أشياء في هاتين الروايتين لا توافق القرآن والعقل ، مثلاً يقول : ( إن منزلة الأئمة هي منزلة الأنبياء وإرث الأوصياء وميراث الحسن والحسين ) وهنا لا بد من القول ، إذا كانت الإمامة بمنزلة النبوة فهي لا تورث ، وإذا كانت تخصيصاً إلهياً ، إذاً ما معنى ميراث الأوصياء ؟. وإذا كان على الله أن يعين الإمام الذي لا يورث ، فلا معنى إذا لميراث الحسن والحسين .
وإذا كانت الإمامة تورث فلا بد أن تقسم بين الأولاد كلهم !! ولا معنى لتوريث العلم والتقوى والكمالات أصلاً .
ويقول الإمام : إنه أمين الله في خلقه وحجُته على عباده وخليفته في بلاده ، هل الله بحاجة إلى الأمين ؟، ولماذا أعطى الله للإمام هذه الأمانة ؟، تُرى بعد ما قال الله لا حجة بعد الرسل ، كيف يكون الإمام حجة ؟! الله حي لا يموت ولا يزال وهو القيوم ولم يذهب ، فكيف يكون الإمام خليفته ؟!! لقد نسج الراوي هنا ما أراد والقراء لم يتدبروا ، وما عرفوا أن هذه الروايات وأمثالها هراء ولا معنى لها ، ومن ذلك أيضاً يقول الحديث : « هيهات هيهات ضلّت العقول وتاهت الحلوم وحارت الألباب عن وصف شأن من شأنه » .(154/183)
ويجدر أن يقال له هنا ، قل صراحة إنه هو الله ، والله أكبر والإمام أكبر من أن يوصف ، والصفات التي وصف بها الله ذُكرت هنا بشأن الإمام وقد عمد إلى الغلّو !. قال الإمام السجاد رضي الله عنه في دعاء يوم الإثنين : ( كلّت الألسن عن غاية صفته والعقول عن كنه معرفته ) وقال سيدنا الأمير في أوّل خطبة في نهج البلاغة ( الحمد لله الذي لا يبلُغُ مدحُه القائلون ... الذي لا يُدركه بُعد الهمم ولا يناله غوص الفطن ) . مثلاً ، في هذا الحديث يوصف الإمام بصفات الله ويقول عن الإمام : ( لا كيف وأنّى ) يعني لا مكان للإمام ولا كيف .
وقال سيدنا الأمير رضي الله عنه في الخطبة 19 عن الله : ( لم تتناه في العقول فتكون في مهب فِكرِها مكيفاً ) . وقال في الخطبة 481 : ( ما وَحَّدَه من كيفه ) . هؤلاء الغلاة الملحدون أعطوا للإمام الصفة نفسها .
والعجب كيف يسكت علماؤنا عن هذه المسائل أو يؤيّدونها ضمنياً ! يقول الرسول ^ مخاطباً لله تعالى : ( يا عالماً لا يجهل ) ، أما في هذا الحديث فيقول : ( الإمام عالم لا يجهل ) مع أن أمير المؤمنين يقول في الخطبة 941 ( كم أطْرَدْتُ الأيامَ أبحثُها عن مكنون هذا الأمر ، فأبى الله إلا إخفاءه ، هيهات ، علم مخزون ... ) وجاء في كتاب وسائل الشيعة ، في أبواب نواقض الوضوء : جاءني وَذْيٌ وما عرفت حكمه وقلت للمقداد ليسأل لي رسول الله ^عن حكمه ، وألوف من مثل هذا ، وبالاختصار إن ما جاء في هذين الحديثين في حق الإمام ما ادعى ذلك سيدنا الأمير رضي الله عنه لنفسه ، بل ما ادعى رسول الله ^ ادعاءً كهذا ، بل قال : « أنا بشر مثلكم يوحي إلي » .
وكان الرسول يتضرع إلى الله دائماً قائلاً : ( رب زدني علماً ) . وأنا لا أظن أن الإمام الصادق ادعى هذه الأوصاف والدعاوى لنفسه ، إذ أن أكثرها تخالف القرآن .
[ باب أن الأئمة ولاة الأمر وهم الناس المحسودون
الذين ذكرهم الله ](154/184)
روى الكليني خمسة أحاديث في هذا الباب . وسند كل من الأول والرابع ضعيف والثاني مجهول على حد قول المجلسي ، ولكن نرى أنها كلها ضعيفة لأن رواة هذه الأحاديث هم رواة الخرافات في الأبواب الأخرى .
وأما متونها . سأل الراوي في الحديث الأوّل : من هم أولوا الأمر : فلم يجب الإمام بوضوح بل تلى عدداً من الآيات القرآنية مشيراً بأنهم محسودون ، أجل ، من هو الذي يخلو من الحسد ، ألم يكن سيدنا يوسف عليه السلام محسوداً مِن قبَل إخوته ؟ والخلفاء كانوا محسودين من قبل الذين لم يحرزوا مقام الخلافة ، والسادات العلويون كانوا محسودين ، ومن قبل أمثالهم من العباسيين والسادات العباسيين كانوا محسودين من قبل غيرهم ، ولكن الإمام قرأ { أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله } وقال هذا يتعلق بنا دون غيرنا ونحن المعنيون بها وحدنا ، هذا الكلام من اختلاق الرواة قطعاً ، لأنه في وقت نزول هذه الآية لم يكن الإمام الصادق موجوداً كي يُحسد ، بل في وقت نزول الآية لم تكن خلافة وإمامة ورياسة ، وكان رسول الله ^ وحده إماماً للناس ، إضافة إلى أنه لو كانت كل آية تتعلق بواحد من الناس لصار القرآن لاغياً بمجرد ذهاب هؤلاء الناس ، وبغض النظر عن كل هذا ، اقرؤوا الآية وسياقها في سورة النساء الآية 75 : هذه الآية والآيات التي قبلها تتعلق باليهود ، حيث ذهبوا إلى مكة وقالوا للمشركين أنتم أحسن من هؤلاء سبيلاً ـ أي من محمد ^ واتباعه ، وأنزل الله هذه الآيات في ذم اليهود ولا تتعلق بإمام أصلاً ، وبعد ذلك قال : { فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً ، فمنهم ـ أي : من اليهود ـ من آمن به ومنهم من صدّ عنه } وأيضاً أوّل الإمام هذه الآية لنفسه ، مع أن القرآن ذكرها بصيغة الماضي ( آتينا ) ولا تتعلق بالمستقبل وبأئمة الشيعة ، أجل ، إن هؤلاء الرواة لم ينصبوا الإمام إلا ليزرعوا التفرقة بين المسلمين ويستغلوا التعصب المذهبي ويصطادوا(154/185)
في الماء العكر .
[ باب أن الأئمة هم العلامات التي ذكرها الله في كتابه ]
روى في هذا الباب ثلاثة أحاديث ، يقول المجلسي بضعف الأول والثاني ويقول عن الثالث إنه مجهول ، وأما ورواتها فمنهم المهمل كداود الجصاص أو المجهول كأبي داود المسترق وأسباط بن سالم أو معلى الوشاء حيث يقولون بالتجسيم ، وأما متونها ، فمخالفة للقرآن ، حيث يعمدون إلى التفسير بالرأي . عدّ الله تعالى في سورة النحل الآيات 11 إلى 91 ، دلائل عظمته وقدرته في السماء والأرض قال تعالى : { سخر لكم البحر ... وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهاراً وسبلاً لعلكم تهتدون وعلاماتٍ وبالنجم هم يهتدون أفمن يَخلُق كمن لا يخلق } إلى أن يقول : { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } .
هذه الآيات نزلت لهداية المشركين وعبّاد الأصنام في مكة ، وهذه السورة مكية ، وفي تلك الأيام لم يكن إمام ولا حديث عنه ، أما هؤلاء الرواة زرعو التفرقة بين المسلمين فرووا أن هذه الآيات تتعلق بالإمام ووردت بشأنه !!.
[ باب أن الآيات التي ذكرها الله في كتابه هم الأئمة ]
روى ثلاثة أخبار في هذا الباب ، يقول المجلسي بضعف الأول والثاني وأن الثالث مجهول ، وأن بعض رواتها من أسوأ خلق الله ، من بينهم أحمد بن هلال العبرتائي الخبيث الملعون المغالي والمرائي الذي كان يتاجر بالتصوف كما نقل الممقاني في المجلد الأول من كتاب الرجال ص 99 والشيخ الطوسي والنجاشي وآخرون أن أحمد بن هلال حج أربعاً وخمسين مرة ذهب عشرين مرة منها ماشياً ، مع هذا لعنه سيدنا العسكري رضي الله عنه وسبه وطلب من الله له العذاب وكتب لنائبه قاسم بن علا : أمرنا لك أن تعلم عن الرجل المرائي الصوفي أحمد بن هلال ـ لا رحمه الله ـ ولا أزال أقول لا رحمه الله ولا غفر خطاياه لأنه يتكلم برأيه وإن شاء الله سيكون مثواه النار ، نحن نصبر حتى يقطع الله عمره ونعلن لأصحابنا أنه ليس في رحمة الله ، ونحن بريئون منه .(154/186)
والآن كيف روى الكليني الروايات عن رجل كهذا ؟!!، روايات هدفها الوحيد هو هدم الإسلام ، إذ يريد الكليني أن يثبت مقام الإمام وعلوم الإمام عن طريق هؤلاء الرواة ، وينقل كل خرافة بإسم الإمام وعلومه وعن رجال كهؤلاء ، مثلاً روى في هذا الباب هذا الراوي وأمية بن علي وداود الرقي وهما من الغلاة ، رووا عن الإمام الصادق تفسيراً يتعلق بالآية 24 من سورة القمر : { ولقد جاء آل فرعون النذر كذبوا بآياتنا كلها فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر } فيه أن الإمام قال إن الآيات التي كذبها آل فرعون ، كنا نحن الأئمة تلك الآيات ، بالله عليكم إذا كانت هذه هي علوم الأئمة يعني قولهم إن اتباع فرعون كذبوا بإمامة الإمام الصادق فكيف تكون علوم الآخرين !!! انظروا كيف يهزأ هؤلاء الرواة ويسخرون بكتاب الله ، والعجب من المجلسي لماذا يؤوِّل ويقبل الخرافات التي في الكافي ، وإذا كان الأساس هو التأويل والتوجيه فيمكن أن يؤوَّل أي كفر وزخرف من القول ويوصف بالإيمان والحقيقة ، هذه الخرافة في الحديث الثاني نقلت عن الإمام الباقر ، وروى عنه أيضاً في الحديث الثالث أنه قال ، إن المقصود من الآية { عم يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون } هو سيدنا علي رضي الله عنه ، حيث تساءل كفار مكة فيما بينهم عن خلافته ، مع أن مشركي مكة لم يقبلوا رسالة محمد ^ أصلاً ، وهذه السورة « النبأ » نزلت في مكة وبما أنه في هذه السورة وردت أخبار القيامة فإن المشركين لم يقبلوها وتساءلوا فيما بينهم عن خبر القيامة بدليل أنه جاء بعد هذه الآيات قوله تعالى : { إن يوم الفصل كان ميقاتاً ، يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجاً } ، إنّ « النبأ العظيم » هو خبر القيامة ولا علاقة له بالخلافة . وفي مكة كانوا لا يؤمنون بالرسول نفسه فكيف يعتبرون خلافة علي نبأً عظيماً . وبالإضافة إلى هذا إن هذا النبأ العظيم ورد في سورة ص أيضاً من الآية 76 ، قال تعالى : { قل هو نبأ عظيم أنتم عنه(154/187)
معرضون } وهذه السورة مكية أيضاً إذاً النبأ العظيم ليس علياً مع أن سيدنا الأمير رضي الله عنه نفسه يقول في دعاء يوم الاثنين في الصحيفة العلوية أنه يؤمن بالنبأ العظيم وقال أيضاً : « الحمد لله الذي هداني للإسلام وأكرمني بالإيمان وبصّرني في الدين وشرفني باليقين وعرّفني الحق الذي عنه يؤفكون والنبأ الذي هم فيه مختلفون » ، يبدو أن هؤلاء الرواة المختلقين لم يطلعوا على كلام سيدنا الأمير رضي الله عنه نفسه ، والعجيب أن لكليني يريد أن يقول عن الآيات المذكورة أن المقصود منها هم الأئمة مستدلاً أيضاً برواية من لا دين لهم .
[ باب : ما فرض الله ورسوله من الكون مع
الأئمة رضي الله عنهم ]
روى في هذا الباب عدة أحاديث ضعف المجلسي ثلاثة منها ، وقال إن اثنين منها مجهولان .
وأحاديث هذا الباب تدور حول موضوعين :
الأول : أن الصادقين ينحصرون بالأئمة !.
والثاني : أن محبة علي رضي الله عنه وأتباعه فرض وترك ذلك ظلم وشقاء .
أما رواتها فأكثرهم من الضعفاء لا اعتبار لهم . كسعد بن طريف الناووسي المذهب ، الذي هو من الغلاة ومحمد بن فُضيل المغالي والضعيف ، وعبدالله بن قاسم الكذاب المغالي ، وكان يعتقد بألوهية الإمام الصادق وربوبيته ، وكمحمد بن الجمهور الكذاب المعروف والملعون من قبل الأئمة . أما متون هذه الروايات : روى في الحديث الأوّل والثاني أن الإمام الباقر وسيدنا الرضا رضي الله عنهما قالا : إننا المقصودون بهذه الآية 021 من سورة التوبة : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين } .
هنا عدة إشكالات :(154/188)
أولاً : انحصار الصادقين بالأئمة مخالف لآيات القرآن ، لأن الله قال في سورة البقرة الآية 771 : { ... ولكنَّ البِرَّ من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكوة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون } وقال في سورة التوبة الآية 34 عن الذين حضروا غزوة تبوك ، إنهم من الصادقين { حتى يتبين لك الذين صدقوا } ولم يكن هناك الأئمة في غزوة تبوك وقال في سورة الأحزاب الآية 32 : { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا } أي كل من استشهد في غزوة الأحزاب وأُحد وبدر كان من الصادقين ، ولم يستشهد أحد من الأئمة في هذه الغزوات . وفي هذه السورة عدّ عدة من أصحاب النبي ^ من الرجال والنساء من الصادقين والصادقات ، وقال تعالى في سورة الحجرات الآية 51 : { إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل أولئك هم الصادقون } وقال في سورة الحشر الآية 8 : { للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون اللَّهَ ورسوله أولئك هم الصادقون } . وآيات أخرى ، والحقيقة أنه إذا قبلنا روايات الكليني فلا مناص من أن ننكر كل هذه الآيات القرآنية !!.(154/189)
وأما الموضوع الثاني : إذا كانت محبة علي رضي الله عنه هي اتباعه فنحن نقر بذلك ، ولكن الشيعة اليوم الذين يدّعون التشيع لا يقرون بذلك ، لأن علياً رضي الله عنه لم يتمذهب بمذهب ولم يخلق مذهباً ، وهؤلاء على الرغم من أنهم أتوا بمائة مذهب فهم ليسوا متبعين لعلي رضي الله عنه . إذ لم يكن علي رضي الله عنه جعفرياً أو صوفياً أو شيخياً بل كان مسلماً فقط ، إذن هؤلاء الذين يعتبرون أنفسهم مذهبيين تركوا اتباع علي رضي الله عنه .
ثانياً : أن علياً كان متبعاً لدين الإسلام ، وكان يعتقد بالأصول والفروع التي حددها الله ـ تعالى ـ ولكن هؤلاء لا يعتبرون علياً رضي الله عنه تابعاً للدين ، بل يعدونه أصل الدين ويعتبرون الاعتقاد به من أصول الدين أو المذهب .
ثالثاٍ : علي رضي الله عنه لم يأت ببدعة ولم يضف إلى الإسلام شيئاً بإسم الشعائر المذهبية وهؤلاء أضافوا مئات البدع إلى الإسلام واتبعوها ... و ... و ...
وأما باقي المتون : يقول في الحديث الرابع : إن روح محمد ^ تسري في أجساد الأئمة وهذا ما يقول به مذهب التناسخ وهو كفر ، ويقول في آخر هذا الحديث ، لقد أتاني جبرائيل بأسمائهم وأسماء آبائهم وأحبائهم والمقرين بفضلهم ، هذا أيضاً مخالف للقرآن لأن القرآن يقول لمحمد ^ : { قل ... ما أدري ما يفعل بي ولا بكم } ويقول في آية أخرى : { وما تدري نفسُ ماذا تكسب غداً } لا يدري أحد ـ غير الله ـ عاقبة عباده وأسرار قلوبهم .
يقول في الحديث السادس : قال رسول الله ^ سألت ربي أن لا يفرق بينهم ( الأئمة ) وبين الكتاب ( القرآن ) حتى يردوا على الحوض . أقول : أجل يريد الرسول ^ أن لا يقع الافتراق بين العترة والكتاب ، ولكنَّ هؤلاء الرواة الأشقياء نقلوا أخباراً كثيرة عنهم كلها تخالف القرآن إلى حد أن أي انسان واع سيفهم أن طريق العترة كان مضاداً للقرآن ، وهؤلاء فرقوا بين طريق العترة والقرآن وكتاب الكليني مليء بمثل هذا .(154/190)
[ باب : أن أهل الذكر الذين أمر الله الخلق بسؤالهم
هم الأئمة رضي الله عنهم ]
إن لم يكن رواة هذا الباب أسوأ من رواة الأبواب السابقة فليسوا بأحسن منهم ، فمنهم : علي بن حسّان كان كذاباً مغالياً ( من الغلاة ) وكان له تفسيراً باطنياً لم يكن من الإسلام في شيء ، وعبدالرحمن بن كثير ضعيف ومعروف بالوضع ، والمعلى والوشاء القائلان بالتجسيم ، القائلان باليد والوجه ـ البشريين ـ لله(1) ، وربعي بن عبدالله الذي عمد بالتحريف المعنوي للقرآن والتلاعب به هنا وفي باب فيه نكت .. وفي سائر الأبواب ، وأما متن هذه الروايات . نقلوا عن الإمام آيتين وقال إنهما خاصتان للأئمة : { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم } و { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } هاتان الآيتان كررتا في موضعين :
الأوّل : في سورة النحل الآية 34 وقال : ( من قبلك ) .
والثاني : في سورة الأنبياء الآية 7 : وكلتا السورتان مكيتان ، وكفار مكة الذين نزلت الآيات بحقهم قالوا إن هذا النبي شاعر متحير ! ولا يمتاز عليهم بشيء ، قال الله في الرد عليهم هذه الآية : { وما أرسلنا من قبلك ... } كما أن أحد أسماء القرآن هو الذكر كذلك أحد أسماء التوراة هو الذكر أيضاً ، كما قال تعالى في سورة الأنبياء الآية 84 : { ولقد آتينا موسى وهرون الفرقان وضياءً وذكراً .. } وقال تعالى في الآية 501 من
السورة نفسها : { ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون } ويقول الصالحون عندما يدخلون الجنة : { الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض } ، وهذا يبين أنَّ المقصود من الذكر هنا هو التوراة .(154/191)
ويقول الله لأهل مكة إذا كنتم لا تقبلون كلام محمد ^ نفياً للوحي فإنّ ميزة سائر الأنبياء كانت الوحي فاسألوا أهل التوراة ، ولكن الكليني يقول : قال الله للمشركين إذا كنتم لا تقبلون كلام محمد فاسألوا الأئمة الذين لم يلدوا بعد ! هل هذا هو كلام الإمام الصادق ؟! إن أهل مكة لا يؤمنون بمحمد ^ نفسه فكيف يسألون الأئمة وهم من ذرية محمد وهم لم يولدوا بعد ، ولذا نحن نقول إن الإمام الصادق كان عالماً بالقرآن ومدلولاته ولا يتكلم بمثل هذا ، فلا بد أن يكون هذا من وضع هؤلاء الرواة الكذابين .
وأمّا الآية الثانية فهي الآية 34 من سورة زخرف حيث قال تعالى : { وانه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون } هذه الآية والسورة مكيتان ، وقال تعالى في الآية السابقة نحن ننتقم من أهل مكة وبعد ذلك قال إن القرآن ذكر لك ولقومك يقول الكليني ورواته : معنى قومك يعني الأئمة فقط وهنا لا بد من التساؤل هل هذا القرآن ذكر للأئمة وحدهم الذين لم يكونوا وقت نزول القرآن ؟! أو ليس هو ذكرٌ للآخرين ، أو ليس الآخرون مسؤولين ، وإذا قلنا هذا فإنهم يقولون عنا أننا نتكلم كلاماً يخالف القرآن ويضحكون منا أيضاً !! هؤلاء الرواة جعلوا القرآن سخرية قال تعالى في سورة الأعراف الآية 6 : { فلنسئلن الذين أرسل إليهم ولنسئلن المرسلين } أي أن كل الناس مسؤولون . ولكن هؤلاء يريدون القول إن الإمام قال نحن وحدنا المسؤولون .(154/192)
إذا صح هذا فيكون هذا الإمام أيضاً كالرواة لا يعلم شيئاً عن الله ، جاء في الحديث السابع ، قال الراوي للإمام : يقول الناس إن أهل الذكر هم أهل التوراة أي اليهود والنصارى فيجيب الإمام . إذاً يدعونكم إلى دينهم . وهذا الجواب غير صحيح ، ولا يعقل أن يجيب عالم بهذا الجواب ، لأن الناس لا يقولون إن كل شيء يُسأَل من اليهود حتى طريق الحق والباطل ، حتى يدعوكم إلى دينهم ، بل إن الأنبياء السابقين كانوا من الرجال ولم يكن أحدهم من الملائكة وهذا السؤال ليس سبباً للضلال ، وهنا إشكالات أخرى في هذا الباب ونحن لا نذكرها اختصاراً للوقت .
[ باب : أَنَّ من وصفه الله في كتابه بالعلم هم
الأئمة رضي الله عنهم ]
قد روى في هذا الباب حديثين ، يقول المجلسي إن سند الأوّل مهمل ولكننا نقول إنه لا اعتبار له لوجود عبدالله بن المغيرة حيث يعتقد أن الإمام يعلم الغيب ويخبر عما في ضمير الإنسان ، وغيرها من العقائد الفاسدة ، وقال الطبرسي إن الذي يعتقد أن الغيب يعلمه غير الله خارج عن الإسلام ، وأما متنه فيقول ، عن الآية 9 من سورة الزمر : { هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب } .
قال الإمام : إننا الذين يعلمون وأعداؤنا الذين لا يعلمون !!، أراد الكليني بهذا الحديث أن يثبت إن كل من يصفهم القرآن بالعلم هم الأئمة ، هذا وأمثاله من الأخبار تنافي القرآن والعقل ، والله تعالى قد ذكر في القرآن كثيراً من الذين لم يكونوا أئمة وكانوا علماء ، ومنهم العلماء المفرقين للجماعة ! حيث سماهم العلماء ، ففي الآية 91 من سورة آل عمران ، سمى علماء اليهود علماءً ، ومثل الآية 66 من آل عمران أيضاً ، والآية 261 من سورة النساء وفي مئات من الآيات غيرها .(154/193)
إذن لا تنحصر صفة العلم بالأئمة في كتاب الله ، ثانياً : نزلت الآية 9 من سورة الزمر في مكة ولم يكن هناك أئمة حتى يذكرهم بصفة العلم ، ويقول في هذا الحديث ، إن شيعتنا وحدهم هم أولوا الألباب ، وهم العقلاء ، أما غيرهم فلا عقل لهم ، وهذا لا يصح أيضاً ، لأن الله تعالى قال في آخر سورة آل عمران الآية 091 : { إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب } ولا يخصص الشيعة فقط ، بالإضافة إلى أنه من غير الصحيح أن يقول الإمام في كل أبواب الكافي ، أنا وأنا وأنا ... ويمجد نفسه مراراً وتكراراً ويقول أنا العالم فقط وأنا الزاهد فقط وأنا العاقل فقط وأنا الراسخ في العلم فقط ، هل تليق الإمامة بإمام كهذا ؟! أجل يكون ذلك إمام المتكبرين لا إمام المتقين ، فالكليني ورواته نصبواً إماماً متكبراً معجباً بنفسه ، ثمَّ إنّ ما نسب إلى الأئمة في كتاب الكافي يكفي لكي يظهر أن إمام الكليني المزعوم هو إمام جاهل خرافي لا علم له .
[ باب : أَنَّ الراسخين في العلم هم الأئمة ]
روى هنا ثلاث روايات تقول إن الراسخين في العلم هم النبي والأئمة وحدهم ، وهذه الروايات بغض النظر عن السند تخالف القرآن والعقل ونهج البلاغة ، وإسنادها أيضاً ضعيف جداً وذلك لوجود علي بن حسان المغالي الكذاب في سنده حيث كان له تفسير باطني ليس فيه من الإسلام شيء وأيضاً لوجود عبدالرحمن بن كثير ، الضعيف الوضّاع ولوجود محمد ابن أورمه المغالي الذي خلط في كتبه الحق بالباطل وكان لا يعتمد عليه ، وأما متنها : فقال الإمام عن سورة آل عمران الآية 7 : { وما يعلم تأويله إلا الله ، والراسخون في العلم } قال الإمام نحن الراسخون في العلم ، قد فصلنا نحن عن معنى هذه الآية في مقدمة تفسيرنا للقرآن الكريم(1) .(154/194)
أقول إن كثيراً من الناس قد تنحوا عن القرآن وابتعدوا عنه بسبب هذه الروايات المختلقة ، لما قال الله تعالى : { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله ، والراسخون في العلم يقولون آمنا به كلٌّ من عند ربنا } .
فهؤلاء المغرضون يقولون إن في القرآن آيات متشابهات ، ونحن لا نفهم معناها ولا تأويلها وطبقاً لهذه الروايات من الكافي فإن من يعلمها هو الإمام وحده ، ولأننا لا نفهم تلك الآيات ولا ندري معناها فعلينا أن نغض البصر عن الآيات المتشابهات لأن الإمام قال لا يعلم تأويله أحد غيرنا ، ومن جانب آخر إن الآيات المتشابهات غير معروفة وكل آية يمكن أن تكون متشابهة ، إذن لا بد أن نغض الطرف عن القرآن كله ، هذا المنطق الخطأ وهذه المغالطة هي التي جعلت القرآن بعيداً عن الناس ، وكان بُعد الناس عن القرآن الكريم تحت ظلال هذه الروايات المكذوبة ! أما نحن فنقول لإيقاظهم ـ إذ أرادوا أن يتيقظوا :
أوّلاً : لم يقل الله تعالى إن المتشابهات لا يفهمها أحد أو لا يدرك معناها ، بل قال تعالى : { لا يعلم تأويله } ، وتأويل الآية غير تفسيرها وبيان معناها ، ولم يقل الله لا يعلم تفسيرها ومعناها إلا الله ... فلماذا تقولون لا نفهم تفسير الآية ومعناها ، وتفسير كل آيات القرآن ومعنى الآيات بَيِّن وكل أحد بإمكانه أن يفهمها ، وأمرنا الله تعالى بتدبر الآيات لفهمها ، قال تعالى : { أفلا يتدبرون القرآن } وقال تعالى :(154/195)
{ كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته } لأن الله وصف آيات القرآن بأنها { آيات بينات } ووصف القرآن بأنه { كتاب مبين } وأنه { بيان للناس } ، إذن التأويل غير التفسير ، هل يمكن أن ينزل الله آيات لا يفهمها أحد ثم يلزمنا بفهمها والعمل بها ويوجب العقاب على عدم فهمها والعمل بها ؟! إن هذا عين الظلم والاستبداد والله سبحانه منزه عنه . وأما معنى التأويل ، فهو التحقق الخارجي ، مثلاً لما قال سيدنا يوسف : { إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين } يستطيع كل إنسان أن يفهم معنى الآيات وتفسيرها ، أما التحقق الخارجي للآية فلم يعرفه أحد حتى وصل يوسف إلى الملك والسلطة ، وجاء إخوة يوسف وأبوه وأمه وخضعوا لعظمته ، هنا قال سيدنا يوسف عليه السلام هذا تأويل رؤياي من قبل ، ومثلاً لما قال الله تعالى في سورة النبأ : { يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجاً } كل أحد يعرف معنى هذه الآية ، حيث ينفخ الصور يوماً ويأتي الناس أفواجاً ، أما الوجود الخارجي للصور وتحققه في الخارج على أي كيفية تكون ، لا يعلم حقيقتها إلا الله تعالى .(154/196)
ثانياً : الآية تقول لا يعلم تأويل المتشابه إلا الله ، ومن قال إن الراسخين يعلمونه كان جاهلاً مخطئاً ولم يكن له علم بالعربية لأنه جعل ـ الواو ـ في الراسخون واو العطف لا واو الاستئناف ، ولم يدرك أنه لو كانت الواو عاطفة لأدى القول إلى الشرك والكفر وإن أي إمام لا يمكن أن يتفوه بمثل ذلك الجهل ، لأن الواو إذا كانت عاطفة يكون المعنى : كما يلي : لا يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم ويقول الله والراسخون آمنا به كل من عند ربنا ، مع أن الله لا يقول آمنا وكل من عند ربنا ، لأن الله ليس له رب حتى يؤمن به ، إذن الواو تكون للاستئناف كما جاء في كتاب مغنى اللبيب لابن هشام وكتب اللغة الأخرى ، إذن لا يفهم تأويل المتشابهات إلا الله ، ولم يرد الله من أحد تأويل المتشابهات والعلم بالتأويل ، ونحن لسنا مكلفين بالتأويل ولا يلزمنا العلم به ، أما فهم الآيات والعمل بها فلا علاقة له بالتأويل(1) .
ثالثاً : روايات الكافي تقول إن الراسخين ينحصرون برسول الله والأئمة ، هذا غلط ومخالف للقرآن ، لأن القرآن وصف علماء اليهود الذين لا يؤمنون بالقرآن بالراسخين وقال في سورة النساء الآية 261 : { لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك } إذا قيل لعلماء اليهود أنهم الراسخون في العلم فيكون علماء المسلمين من باب أولى راسخين في العلم ، والراسخ في العلم يعني الذي يكون ثابتاً في العلم وراسخاً في المسائل لا يتزعزع ولا يتحير ، إضافة إلى أن أمير المؤمنين قال في نهج البلاغة في الخطبة رقم 98 : ( واعلم أن الراسخين في العلم هم الذين أغناهم عن اقتحام السّدود المضروبة دون العيوب ، والإقرارُ بجُملةِ ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب ، فمدح اللَّهُ اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علماً وسمّى تركهمُ التعمق في ما لم يكلفهم البحث عن كنهه رسوخاً ، فاقتصر على ذلك ) .(154/197)
بناءً على قول سيدنا علي فإن من لا يدخل في الغيبيات معترفاً بعجزه وجهله هو من الراسخين ، ويقول سيدنا السجاد أيضاً في الصحيفة السجادية فيما يتعلق بالراسخين والمحكم والمتشابه في القرآن : ( فاجعلنا ممن يرعاه حق رعايته ويدينُ لك باعتقاده التسليم لمحكم آياته ويَفْزَعُ إلى الإقرار بمتشابهه وموضحات بيناته ... واجعلنا ممن يعتصم بحبله ، ويأوي من المتشابهات إلى حرز معقِله ويهتدي بضوء صباحه ) . إذن كيف حصر الرواة الكذابون الراسخين بالأئمة خلافاً لسيدنا علي وسيدنا السجاد رضي الله عنهما . إضافة إلى ذلك إن الرسوخ في بعض المسائل العلمية ليس أمراًَ محصوراً لأحد ، وروايات الكافي أيضاً لا تدل على الحصر ، أما الآيات التي لها تأويل وهي من المتشابهات ولا يعلم تأويلها وتحققها الخارجي إلا الله فهي الآيات التي تتعلق بالقيامة والآيات التي تتعلق بصفات الله تعالى لأنه ليس لأحد أن يحيط بصفاته تعالى ولا العلم بحقائق القيامة إلا الله ، ولكن معنى الآيات تفسيرها واضح لكل من يفهم وهو المقصود وما لنا بتأويلها .
[ باب : أن الأئمة قد أوتوا العلم وأثبت في صدورهم ](154/198)
إن هدف الكليني في هذا الباب غير واضح ولا يُعلم ماذا يريد أن يقول ، فالله تعالى قال في سورة العنكبوت الآية 84 لرسوله : { وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذاً لارتابَ المبطلون } وبعد ذلك يقول تعالى في الآية 94 { بل هو آياتٌ بيناتٌ في صدور الذين أوتوا العلم } وجاء الكليني ونقل عن عدد من الرواة الذين يجهل حالهم أن الإمام الباقر أو الإمام الصادق قال : آيات الله في صدورنا فقط وخاصة بنا وهذا باطل ومخالف للقرآن ، لأن القرآن ما أُنزل لعدد خاص ، ونرى فعلياً أن كثيراً من العلماء كثير الرغبة إلى القرآن وفي صدورهم آيات من القرآن ولذا روايات الكليني هذه هي خلاف الواقع ، قال الله في سورة الأنبياء الآية 901 : { فقل آذنتكم على سواءٍ } وقال تعالى : { قل يا أيها الناس إني رسولُ اللَّهِ إليكم جميعاً } وليس هناك آية في القرآن تقول : يا أيها الإمام أو يا أيها الأئمة كي تخص الأئمة ، إذن ما الفائدة من جمع هذه الروايات المخالفة للقرآن ولماذا يسيئون إلى الأئمة ويظهرونهم بمظهر الجهل من جراء هذه الأخبار ؟.
[ باب : في أَنّ من اصطفاهم الله من عباده وأورثهم
كتابه هم الأئمة رضي الله عنهم ](154/199)
ما روي هنا من الأخبار هو من رواية سيء السمعة محمد بن جمهور الكذاب المعروف فاسد الحديث الذي روج الفسق والفجور بأشعاره ولذا ضعف المجلسي الخبر الأول والثاني والثالث ، وأما متونها : قال الله تعالى في سورة فاطر الآية 23 بعد ما قال إنا أنزلنا إليك القرآن : { ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير } فهذا القول : { ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا } يعني أمة محمد ^ حيث اصطفاهم وسماهم خير أمة قال تعالى في سورة آل عمران الآية 011 { كنتم خير أمة أخرجت للناس } يقول الكليني في عنوان الباب أنّ أولئك العباد الذين أورثهم الكتاب واصطفاهم هم الأئمة الطاهرون وجاء بثلاث روايات من الذين لا اعتبار لهم ، يقول فيها قال الإمام نحن عباد الله المصطفون مع أن الإمام في هذه الروايات لم يقل ذلك بل قال رضي الله عنه السابق بالخيرات الإمام ، فإما أن الكليني لم يفهم قول الإمام وإما أنه أراد إتهامه . ثانياً : صنف الله عباده في الآية السابقة إلى ثلاث فئات ( سمى فئة منهم الظالم لنفسه ) وإذا كان القصد من { الذين اصطفينا من عبادنا } هو الإمام يلزم أن يكون الإمام ظالماً لنفسه . أيها القارئ الكريم انظر مدى جهل الكليني عندما يدعي أن المقصود بقوله تعالى : { الذين اصطفينا من عبادنا } هو الإمام . بماذا اصطفى الله الأئمة بالوحي أم النبوة ؟ والغريب حقاً أن مدعي العلم والإجتهاد يقلدون رجلاً عامياً كهذا .(154/200)
وأما الحديث الرابع في هذا الباب ، روى الكليني عن عدد من الجهال في قول الله تعالى : في سورة البقرة : 121 : { الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به } والمقصود من الآية أن هناك من اليهود والنصارى الذين لم يؤمنوا بالقرآن وهناك الذين يتأملون في القرآن ويتدبرون فيه ويدركون أن القرآن حق ويؤمنون به أما الكليني فقد نقل في معنى هذه الآية عن الذين عمدوا إلى التحريف المعنوي قال الإمام : الذين يتلون القرآن حق تلاوته ويؤمنون به هم الأئمة وحدهم مع أن هذا مخالف للواقع ويخالف القرآن نفسه .
وثانياً : ذكر الله في القرآن في عدد من الآيات أهلَ الكتاب الذين آمنوا بالقرآن كالآية 991 من سورة آل عمران : { وإنّ من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله } وقال تعالى في سورة النساء الآية 161 عن اليهود : { لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليه } ويقول في مكان آخر عن النصارى : { وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربّنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين } . وثمة مئات من الآيات الأخرى تدل على ذلك . ألم يرَ الإمام الصادق هذه الآيات أو لم يعرفها ؟ أم أن الكليني ورواته أرادوا اتهام الإمام ؟!.
[ باب : أن الأئمة في كتاب الله إمامان :
إمام يدعو إلى الله وإمام يدعو إلى النار ](154/201)
روى الكليني في هذا الباب روايتين كلاهما ضعيف ، لأن رواة الأول من الغلاة ورواة الثاني أحدهم طلحة بن يزيد وهو مهمل ويقول المجلسي بضعفه وأما المتن الأوّل : ففيه يقول : قال الإمام لما نزلت الآية 17 من سورة الإسراء : { يومَ ندعُو كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم ولا يظلمون فتيلا } ومعنى الإمام في الآية هو سجل الأعمال بقرينة جملة { فمن أوتي كتابه } لأنه قيل عن الكتاب إنه الإمام كما قال تعالى : { ومن قبله كتاب موسى إماماً ورحمة } خاصة سجل الأعمال كما جاء في سورة يس : { إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدّموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين } . وقال سيدنا علي في الصحيفة العلوية ( أشهد أن القرآن إمامي ) وكذلك في نهج البلاغة اعتبر القرآن إماماً .
على كل حال نقل الكليني آية 17 من سورة الإسراء وقال المقصود من هذا الإمام أئمة أهل البيت مع أن الله قال : { ندعو كل أناس بإمامهم } وأمم الدينا لهم أئمة كثيرة منهم أئمة الكفر ومنهم أئمة الإيمان وحصر كل ذلك بالأئمة الإثني عشرخطأ واضح ، يبدو أن هذا الوضاع لم يعرف كيف يضع ، على كل أراد الراوي أن يضع مذهباً ولكنه لم يتقن ذلك بسبب جهله .
وأما متن الرواية الثانية عندما يقول الإمام إمامان أئمة الكفر وأئمة الإيمان يؤيد قولنا ولا يحصر الأئمة بالإثني عشر .
[ باب : أن القرآن يهدي للإمام ](154/202)
اعلم أن القرآن هادٍ لجميع المؤمنين والمتقين وهو هادٍ للنبي ^ نفسه كما قال تعالى له : { قل ... وإن اهتديت فبما يوحى إليّ ربي } إذن على كل إمام ومأموم أن يرجع إلى القرآن ويهتدي به وببركته ، أما هؤلاء الغلاة فيتخيلون أن القرآن أنزل ليهدي الناس إلى الإمام ، مع أن القرآن يهدي إلى الطريق المستقيم لا إلى الأشخاص ، وهذا أمر واضح . على كل حال حرّف الكليني وأضرابه القرآن ليصلوا إلى أهدافهم . في هذا الباب روى الكليني حديثين ، ورواته إما من الغلاة أو من الواقفية من أعداء سيدنا الرضا رضي الله عنه كإبراهيم بن عبدالحميد الواقفي إذ نقل الآية 33 من سورة النساء في الحديث الأوّل وحرفها ، قال الله تعالى في هذه الآية بعد آيات الإرث : { ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم } لأنه كان معروفاً في تلك الأيام أن يتعاقد اثنان على المودة والوفاء وأجيز ذلك في الإسلام ، وقد كان نص المعاهدة ( تعاهدنا أن دمك دمي وثأرك ثأري وحربك حربي وسلمك سلمي تورثني وأرثك وتطلب بي وأطلب بك وتعقل عني وأعقل عنك ) .
ولما تعاقدا توارثا ، وإلى هذا العقد تشير الآية { والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم } . إما الكليني أو رواته كسروا الهمزة في { إيمانكم } التي هي بالأصل مفتوحة وروى عن الإمام أو افترى عليه القول إن المقصود من هذه الجملة الإمام حيث يقبل إيمانكم عن طريق هؤلاء الأئمة ، لاحظوا مدى جهل هؤلاء الذين لا يفرقون بين الفتحة والكسرة ، ويريدون أن يخرجوا الإمام من هذه الآية وإن كانت كلمة الإمام لا تتفق مع عنوان الباب لأن عنوان الباب هو أن القرآن يهدي الناس إلى الإمام ، ولا يستنتج هذا من هذه الآية وأنا لا أظن أن هذا التحريف وقلب الفتحة كسرة كان سهواً ، بل صانعوا المذهب أبطنوا سوءً .(154/203)
وأما متن الحديث الثاني : فنسب للإمام قولاً ليثبت أن القرآن هادٍ للإمام بعد ما أورد الآية : { إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين } قال الإمام : { التي هي أقوم } هو الإمام ، ولم يصل فهم الراوي إلى أن ( التي هي ) مؤنث وليس لنا إمام مؤنث ! وهذه الآية لا تتعلق بالإمام إطلاقاً . هل الكليني كان جاهلاً إلى درجة أنه لم يفهم هدف الرواة من وضع هذه الروايات ؟! ولماذا قبل الشيعة هذه الأحاديث وعدَّوها من عقائدهم !!.
[ باب : أَنَّ النعمة التي ذكرها الله في كتابه هم
الأئمة رضي الله عنهم ]
روى في هذا الباب أربعة أحاديث ، وكلها ضعيفة على حد قول المجلسي لأن معظم الرواة إما مجهولون أو مهملون ومن الغلاة ، ومنهم محمد بن الجمهور فاسد المذهب الذي كان له أشعار في ترويج الفجور ، وعلي بن حسان المغالي وكان كذاباً وكان له تفسير باطني كما مرّ ، هل يمكن أن يؤخذ معتقد ديني من رواة كهؤلاء ؟!، وبالإضافة إلى أن هؤلاء تلاعبوا بالقرآن وحرفوه معنوياً ولفظياً كيفما شاؤوا .(154/204)
من جملة ذلك في هذا الباب أتوا بآيات أنزلت في مكة لنعمة الوصاية والخلافة للأئمة ! مع أن المشركين في مكة لم يستجيبوا للنّبي ^ نفسه ؛ لذا ذِكُر الوصي والخليفة له ^ من الهراء ، مثلاً في سورة إبراهيم الآية 82 التي أنزلت في مكة { ألم ترَ إلى الذين بدّلوا نعمة الله كفراً وأحلّو قومهم دار البوار } قال الإمام إن هذه الآية نزلت فيمن اغتصبوا حق علي وأنكروا وصايته ، مع أن فعل { بدّلوا } يدل على الماضي ولم يتكلم أحد في مكة عن وصاية علي . وأيضاً الآية 31 من سورة الرحمن وهي مكية وقال تعالى للجن والإنس : { فبأي آلاء ربكما تكذبان } يقول الكافي قال الإمام : أنزلت هل بالنبي أم بالوصي تكذبان ؟ يريد أن يقول إنه قد نقص من القرآن شيء والمخاطبان بـ { تكذبان } هما الشيخان ، مع أنه في مكة لم يكن هناك شيء كهذا ، ومن جملة ذلك الآية 96 من سورة الأعراف عندما قال تعالى لقوم عاد : { واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بصطة فاذكروا آلاء اللَّهِ لعلكم تفلحون } قال الراوي الجاهل : قال الإمام آلاء الله ولايتنا . أهذه هي علوم آل محمد أن يفسروا كل آية تبعاً لهم وبحسب أهوائهم ، أم أن الرواة الجهلة : افتعلوا ذلك .
[ باب : أَنَّ المتوسمين الذين ذكرهم لله في كتابه هم الأئمة ]
روى في هذا الباب عدة أحاديث ، ضعفها المجلسي كلها ، أو قال إنها مجهولة ، أما متونها فقد قال تعالى في سورة الحجر الآية 47 - 67 عن هلاك قوم لوط : { فجعلنا عاليها سافلها ، وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل ، إن في ذلك لآيات للمتوسمين ، وإنها لبسبيل مقيم } روى الكليني : قال الإمام نحن المتوسمين يعنى أننا معشر الأئمة أهل الفراسة والكياسة ، والسؤال لماذا تمجد وتزكي الأئمة أنفسهم إلى هذه الدرجة حيث خصوا لأنفسهم كل صفة حسنة وردت في القرآن الكريم ، هل القرآن كتاب مدح لهم ؟!.(154/205)
ثانياً : إذا كانوا من العباقرة فما الحاجة إلى إثبات ذلك بطريق هذه الروايات ، وما الفائدة منها ؟ قد ورد في بعض الأحاديث عن الآية { إنها لبسبيل مقيم } هم الأئمة ، مع أن الله تعالى قال : على أولى الألباب أن يعتبروا من هلاك قوم لوط وهذه بلادهم بسبيل مقيم وتمر القوافل من بلاد قوم لوط . وجاء الإمام وقال نحن ذلك الطريق ونحن طريق بلاد قوم لوط ، وهذه الآية تخصنا ، وعلى الناس أن يعبروا خلالنا ، تلاحظ في كل باب من الكافي يقول الإمام نحن ونحن و ... والإمام المتواضع لا يقول دائماً نحن ونحن ، ثم إن العذاب الإلهي عبرة لكل ذي لب ، وخاصة العذاب للأمم الماضية .
[ باب : عرض الأعمال على النبي والأئمة رضي الله عنهم ]
روى الكليني عدة أحاديث ضعيفة في هذا الباب ، حيث تفيد أن أعمال الأبرار والأشرار تعرض على النبي ^ والأئمة وهم يعلمون أعمال الناس خيرها وشرها ، وأحد هؤلاء الرواة هو علي بن أبي حمزة البطائني الذي أسس مذهب الواقفية ، وأكل أموال سيدنا الكاظم ، ولعنه الإمام الرضا ، والآخر عثمان بن عيسى شريكه في الإختلاس والخيانة ، والآخر عبدالحميد الطائي ، وأمثال هؤلاء وسعى كلهم في تشويه القرآن ووضع الروايات المخالفة له منها ما روى في هذا الباب من أن الأعمال تعرض على الأئمة استناداً إلى ما جاء في الآيتين 49 و 501 من سورة التوبة حيث قال تعالى للمنافقين الذين لم يحضروا غزوة تبوك وجاؤا ليعتذروا من النبي ^ بعد رجوعه لهم { لا تعتذروا } وعليكم أن تفادوا ذلك في المستقبل حتى يرى الله والمؤمنين أعمالكم ونحن سنأتي بالآية كي تظهر خيانة الرواة ولكي يتبين أن هذه الآيات لا علاقة لها بعرض الأعمال على الأئمة ولا تتعلق بعرض أعمال المؤمنين إطلاقاً .(154/206)
قال تعالى : { رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون ، يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم قد نبّأنا الله من أخباركم وسيرى اللَّهُ عملَكُم ورسوله } .
وبعد عشر آيات قال تعالى مرة أخرى : { وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعلمون } أيها القارئ العزيز انظر من المخاطب بقوله تعالى : { لا تعتذروا } و { لكم } و { أخباركم } و { عملكم } إنهم المنافقون الذين كانوا عند حضرة النبي ^ واعتذروا ، إذن ما علاقة هذه الآيات بالمؤمنين الذين يأتون بعد ذلك ؟، وما علاقتها بالمؤمنين الذين كانوا في عصر النبي ^ حيث قال تعالى أيها المؤمنون اعملوا سيرى رسول الله أعمالكم في عالم الآخرة بعد وفاته وتعرض أعمالكم عليه وعلى الأئمة ، انظر مدى التحريف والتلاعب بالقرآن ، بالإضافة إلى ذلك فإن عرض الأعمال على النبي والأئمة يخالف مئات الآيات في القرآن . قال تعالى : { لا تجسسوا } وقال تعالى : { وكفى بربك بذنوب عباده خبيراً بصيراً } وقد كررها في الآية 71 من سورة الإسراء والآية 81 من سورة الفرقان ، والله ستار على ذنوب عبيده ولا يرضى أن يعلم ذنوب عباده غيره ـ تعالى ـ يقول الله لرسوله في سورة التوبة الآية 101 : { ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم } وقال تعالى في الآية 34 : { عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين } وقال تعالى في الآية 402 من سورة البقرة : { ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد اللَّهَ على ما في قلبه وهو ألد الخصام } .
إذن ، كيف يقول الرواة الكذابون إن الأئمة مطلعون على أعمال العباد خلافاً للقرآن ، بالإضافة إلى أن النبي والأئمة في عالم آخر وقال تعالى : { لهم دار السلام عند ربهم } وقال تعالى : { ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون } .(154/207)
وإذا عرض عليهم سوء أعمال الأمة مثلاً فإن ما يعرض عليهم هو مدى إراقة الدماء ومدى العصيان والخيانة والجناية ومدى الكذب على المنابر على الله ورسوله وصدور الأحكام المخالفة للحق(1) .
هل يعرض كل هذا على النبي ^حتى يحزن دائماً !! ولا فائدة من ذلك أيضاً ، وسيبقى الناس على حالهم ، هذه هي نتيجة البعد عن القرآن واتباع الخرافات التي يأتي بها الرواة ، ألم يروا قوله تعالى في سورة المائدة الآية 901 بأن الأنبياء لا علم لهم بأعمال الأمة : { يوم يجمع اللَّهُ الرسلَ فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا } ألم يروا قول عيسى عليه السلام عندما قال رب لا علم لي بهم بعد ما توفيتني { وكنت عليهم شهيداً ما دمتُ فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم } الآية 711 من سورة المائدة . ألم يروا قول نوح عليه السلام في سورة الشعراء الآيتين 211 و 311 { ما علمي بما كانوا يعملون إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون } ومئات الآيات الأخرى ، نعم يروي الكليني الجاهل بالقرآن في هذا الباب عن عثمان بن عيسى الخائن عن الإمام ( ما لكم تسوؤون رسول الله ^ فقال رجل كيف نسوؤه ؟ فقال أما تعلمون أن أعمالكم تعرض عليه فإذا رأى فيها معصية ساءه ذلك ، فلا تسوؤا رسول الله وسروه ) واستدل الإمام بالآيتين 49 و 501 من سورة التوبة ، حيث لا علاقة لهما بعرض الأعمال ، يبدو أن الراوي أراد أن يظهر الإمام جاهلاً بالقرآن .
[ باب : أنَّ الطريق التي حث على الاستقامة
عليها ولاية علي ](154/208)
روى في هذا الباب حديثين ، ضعفهما المجلسي فأحد الرواة يونس بن يعقوب الذي كذب على الله ورسوله كيفما شاء ، انظروا الحديثَ الثاني في باب أن الآيات التي ذكرها الله في كتابه . يقول قال الإمام : قوم فرعون كذبوا بآياتنا يعني كذبوا بالأوصياء كلها ! وفي هذا الباب يقول عن الإمام إن سورة الجن الآية 61 وهي مكية قال تعالى : { وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقاً } هنالك كذب الراوي وأراد أن يقول إن الإمام لم يفهم هذه الآية وقال : { أن لو استقاموا على ولاية علي وأولاده } وفسر طريقة الإيمان بولاية علي والأوصياء ! مع أنه في صدر الإسلام في مكة لم يكن هنالك كلام عن الوصاية والخلافة .
إلا إذا عرف الجن بالغيب ، { ولا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله } والعجب أن الجن قالت : { وأنا ظنّنا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذباً } وهنا كذب الرواة ويتبين أن الجن لم يكونوا يعرفون المستقبل والغيب على كل حال ، لماذا قال الله : { أن لو استقاموا على الطريقة } ولم يقل : على الإيمان بعلي رضي الله عنه هل الله عمل بالتقية وخاف من الخلفاء ـ والعياذ بالله ـ أم لم يستطع أن يبين الموضوع وقال : ( على الطريقة ) ـ حاشا لله ـ حيث لم يفهم أحد أن الطريقة التي بمعنى الإيمان تعني ولاية عليّ ، رضي الله عنه غير حفنة من الكذابين ؟، هل علي رضي الله عنه نفسه من أصول الدين ؟! ألم يكن تابعاً للدين ، كما لا بد من الإيمان بأصول الدين الأخرى ؟. هل علي أحد هذه الأصول ويلزم الإيمان به ؟! هل يجوز التلاعب بالقرآن وتأويله حسب الأهواء ؟!.
[ باب : أن الأئمة معدن العلم وشجرة النبوة
ومختلف الملائكة ](154/209)
لم يرو أكثر من ثلاثة أحاديث في هذا الباب والمجلسي ضعّف اثنين منها وقال عن الثالث إنه مرسل ، أحد رواته ربعي بن عبدالله ويبدو من روايته في أبواب أخرى أنه لم يؤمن بالقرآن ، والآخر زياد بن منذر يعني أبو الجارود صانع المذهب ومنه مذهبا السرحوبية والجارودية ، ولعنه سيدنا الصادق وقال هو أعمى القلب والبصر ، وهو الذي شرب الخمر وكان يصادق الكفار وكان كفيفاً ويقال له سرحوب نسبة إلى شيطان ساكن في البحر يسمى بالسرحوب !.
ما قيمة روايات هؤلاء الكذابين ؟! وأما متن هذه الروايات : إن الإمام مدح نفسه كثيراً ، مثلاً قال نحن شجرة النبوة ومحل الرسالة والملائكة تراودنا ، ونحن سر الله وأمانته ، ونحن حرم الله الأكبر ، ونحن كذا وكذا ، مع أن أمير المؤمنين قال في نهج البلاغة في خطبة رقم 412 : « فلا تثنوا عليّ بجميل ثناء » وقال تعالى في سورة النجم الآية 23 : { فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى } فضلاً عن هذا كله ما فائدة هذه الروايات في الكتب التي تدل على العجب العجاب ، إلا الغلّو ومدح الرجال والأئمة والغفلة عن دين الله ؟، ولم يغفل الناس عن أصل الدين إلا عندما بدأوا بمدح الرجال وتعظيمهم . وجعلوا هذا الثناء والمدح من أصل الدين وفرعه ، ومهما كان الإمام عظيماً فعليه أن يتبع الدين لا أن يكون أصل الدين أو فرعه ! ثالثاً : ما معنى أن الأئمة سر الله ؟ ما هذا ؟ هل دين الله سريّ ؟!.(154/210)
ما معنى نحن معبر الملائكة ؟، إذا كان ذلك كذلك فلماذا تقولون إن الوحي انقطع بوفاة النبي ^ ولماذا يقول الشيخ مفيد إن الذي يدّعي الوحي للإمام قد خرج عن الإسلام ، كما جاء بالتفصيل في باب الفرق بين الرسول والنبي المحدَّث ، إذن يتبين أن هؤلاء الرواة أرادوا إغفال الناس عن أصل الدين عن طريق هذه الروايات ، لما قال الإمام نحن حرم الله الأكبر هل لله حرم وجاريات للحرم ، وما هذا الإله الذي يصفونه بما يشاؤون !؟ سبحان الله عما يصفونه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً .
[ باب : أن الأئمة ورثة العلم يورث بعضهم بعضاً العلم ]
نقل الكليني في هذا الباب روايات تدل على توارث العلم ، وهذا يخالف الشرع والعقل لأن أمير المؤمنين رضي الله عنه قال مكرراً : علمني رسول الله ، ولم يقل ورّثني رسول الله العلم ، قال جابر بن عبدالله كما نقل الممقاني في رجاله ص 991 وغيره من علماء الرجال عنه : ( أنا رأيت محمد بن علي الإمام الباقر رضي الله عنه في المكتب ، إذ قال سيدنا السجاد رضي الله عنه له : ذهب ابني إلى المكتب للتعلّم أرسل إليه ليأتي ، قال جابر أنا أذهب لزيارته ، وزد على ذلك أن هناك ألوف الروايات قال فيها الأئمة حدثني أبي عن آبائه أو أخبرني أبي عن آبائه ومن جملة الأخبار ما قاله سيدنا الرضا في نيسابور : حدثني أبي موسى بن جعفر ... إلى الآخر ، إذن علم الأئمة كغيرهم من الناس كان عن طريق التعليم والتعلم ولم يكن بالإرث ، لأن العلم والمعرفة يكونان إما بالكسب والتعليم أو بالوحي وحيث أن هناك إجماعاً على عدم نزول الوحي على الإمام فيكون علمهم بالتعليم والتعلم قطعاً . والعلم عن طريق الإرث لا يصح ؛ لأن لكل إمام أبناء عديدون فكيف يرث أحدهم العلم عن أبيه ولا يرثه الإخوة الآخرون ، هذا الكليني ورواته كانوا حفنة من الجهال وعديمي التبصر والدراية كالصوفية ، إذ الصوفية تقول إن سلسلة الإرشاد تصل إلى ابن المرشد بالإرث .(154/211)
وهؤلاء يقولون إن العلم يصل إلى الإبن عن طريق الإرث !! وهم بذلك لم يُعملوا الفكر ويتأملوا ليعلموا أن الإرشاد والدعوة إلى دين الحق واجبان على كل المسلمين لا يأتيان إرثاً لشخص معين وكذلك التعلم ، فـ « طلبُ العلم فريضة على كل مسلم » إماماً كان أو مأموماً ، فضلاً عن هذا كله فإن روايات هذا الباب تخالف روايات باب فقد العلماء في هذا الكتاب نفسه ، روى عن الإمام الصادق قال : ( إنّ أبي كان يقول إن الله لا يقبض العلمَ بعدما يهبطه ولكن يموت العالم فيذهب بما يعلم ) إلا أن يكتب ذلك في كتاب أو كراس ، إذن كل عالم يذهب علمه وتزول محفوظاته الذهنية بموته وقبض روحه ، ولذا قال الإمام الصادق في باب رواية الكتب والحديث وفضل الكتابة ( القلبُ يتكل على الكتابة ) وقال في حديث آخر : ( أكتبوا فإنكم لا تحفظوا حتى تكتبوا ) والسادات الأئمةأنفسهم كان لهم كتب جامعة أخذوها عن آبائهم ، وقال الرسول ^ : « قيدوا العلم بالكتابة » كأن الكليني هذا لم يكن مطلعاً عن باب آخر من كتابه ! وهو باب رواية الكتب ، وجَمَع الأضداد في الكافي . يقول في باب لا بد من كتابة العلم وفي باب آخر يقول لا يلزم ذلك ، وعلم الأئمة عن طريق الإرث وبذلك يكون كأنه لا يعتبر الأئمة من البشر ، وفضلاً عن هذا ، لا فضيلة لعلم يكون عن طريق الإرث وفضل العلم لكسبه وتعليمه ومشقته ! وعلى ما ذكرنا يكون الباب التالي أيضاً مخالف للقرآن والعقل .
[ باب : أن الأئمة ورثوا علم النبي وجميع
الأنبياء والأوصياء ](154/212)
روى الكليني في هذا الباب عدة روايات كلها تخالف صريح آيات القرآن ومعظم رواته من الضعفاء ، كعلي بن حكم راوي سلسلة الحمار ، وعبدالرحمن بن كثير الضعيف فاسد العقيدة والغالي ، وزرعة بن محمد الواقفي الذي عده علماء الشيعة من الكلاب الممطورة ، وأما متن الروايات : في الحديث الأول قال الإمام : ( نحن أمناء الله في أرضه ) هنا لا بد من التساؤل : على أي شيء كانوا أمناء الله ؟! قال تعالى في آخر سورة الأحزاب : { إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً } هل أراد الراوي أن هذا الإنسان الظلوم الجهول الذي قبل الأمانة هو الإمام وإلا فليس لله أمانة خاصة ، وبعد ذلك يقول : قال الإمام ( إنا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان وحقيقة النفاق ) وهذا يخالف صريح القرآن لأن الله قال لنبيه : { ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم ... } هذا من جانب ، مع أن النبي ^ كان يعاشرهم وعلى الرغم من ذلك ما عَلِمهم ، أما الإمام الذي لم يعاشر أحداً ولم يعرف اسمه كيف يعرف ومن أين له إذا رأى أحداً من الناس بأنه مؤمن أو منافق ؟، هل هذا الإمام الذي نقل عنه الراوي كان جاهلاً بالقرآن كالراوي نفسه ؟! نحن نقول ، لا ، الإمام الصادق من العرب خبير بالقرآن لكن هؤلاء الرواة هم الذين أظهروه بمظهر المخالف للقرآن ، ثم إنّ الله قال لرسوله في سورة الأحقاف الآية 9 : { قل ما كنت بدعاً من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم } . أما هؤلاء الرواة المخالفون للإسلام فيقولون إن الإمام يعرف إيمان أو نفاق كل واحد يراه ! حتى إنهم يقولون إن الإمام قال نعلم أسماءهم وأسماء آبائهم وذلك مكتوب عندنا مع أن الله قال في سورة البقرة الآية : 552 : { يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه } ويقول أيضاً : قال الإمام : « نحن المخصوصون في كتاب الله » مع أن الله(154/213)
قال : { هذا بيان للناس } و { هدى للناس } و { يا أيها الناس } و { ما أرسلناك إلا كافة للناس } ولم يقل للإمام أو المأموم خاصة ! هل غرض هؤلاء أن يجعلوا القرآن كتاباً خاصاً ويبعدون الناس عنه ويبعدون القرآن عن الناس ؟ كما فعلوا ذلك ، ويقولون أيضاً قال الإمام : نحن الذي شرع لنا دينه فقال في كتابه { شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً } أيها القارئ الذكي لاحظ إلى أي حد وصلوا في تحريفهم القرآن ، هذه الآية في سورة الشورى الآية 31 : قال تعالى : { شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه } لا يوجد في هذه الآية ، يا آل محمد ، انظر كيف كذبوا على الله : { ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً } وأنا أجزم أن هؤلاء الرواة لم يؤمنوا بالله ولا باليوم الآخر ، وإلا لما كذبوا على الله كل هذا الكذب ، وفي الأصل هذه الآية نزلت في مكة ولم يكن لمحمد ^ آل ولم يكن إمام ووصاية ، ثم يقول هنا قال الله في هذه الآية : { لا تتفرقوا فيه كبر على المشركين من أشرك بولاية علي } . أيها المحرفون تعالوا واقرؤا بأنفسكم الآية في سورة الشورى كنت أفكر عند ( باب : أن الأئمة هم الراسخون ) لماذا يصر هؤلاء الكذابون على أن يكون الأئمة هم : ( الراسخون في العلم ) والآن أدركت السبب . إنهم يصرون على ذلك ليوهموا أتباعهم أن ذلك منزل في القرآن ، حتى إذا ما استشكل أحدهم فإنهم يقولون في جوابهم له : هذا تأويل الآيات ، والإمام هو الذي يعلم وأنتم لا تعلمون ، وبعد ذلك لم يدركوا أن الراسخين لا يحق لهم تأويل الآية أيضاً ، بل التأويل خاص بالله تعالى كما ذُكر ، وبالإضافة إلى ذلك قلنا إننا لسنا مأمورين بالتأويل ، وإذا لم نعرف التأويل فيكفى أن نعرف المعنى وما تدل عليه الآيات والذي يريد أن يتلاعب بالقرآن سوف نفضحه ، يقول الراوي في هذا الباب في الحديث الثاني قال رسول(154/214)
الله إن محمداً ورث علمَ من كان قبله من الأنبياء المرسلين وهذه مخالفة صريحة لما جاء في القرآن لأن القرآن نزل على النبي بعد الأربعين من عمره ، ويقول الله له في سورة الشورى : { ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان } وقال في سورة القصص الآية 68 : { وما كنت ترجو أن يُلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك } والنبوة لا تورث أصلاً وهي تفضل إلهي وتكون عن طريق الوحي لا عن طريق الإرث ، وإلا فعن من ورث سيدنا آدم عليه السلام النبوة ، إن الراوي الوضاع لم يعرف كيف يضع ! لا بد أن يقول إني ورثتُ لا أن محمداً ورث : على كل حال الراوي الجاهل صنع ما شاء ، ولكن العجب من مدعي العلم والاجتهاد أن يقلدوا في الأصول والفروع الكليني الذي بضاعته قليلة .(154/215)
يقول في الحديث الثالث : إن محمداً ورث سليمان وإنا ورثنا محمداً . كيف ورث محمد ^ من سليمان حيث قاس الإمام الصادق الأمر على نفسه وقال إنا ورثنا محمداً ؟، والإسلام لم يُبْنَ على القياس ، هل كان محمد ^ ابن سليمان ؟، هل وصلت نبوة سليمان إلى محمد ^ بالإرث ؟ لقد دام كتاب كافي بخرافاته هذه طوال ألف عام بين أيدي الأمة ولم يقم أحد ليدرسه ويدقق فيه كي يرى ما جمع الكليني في كتابه من خرافات! بل ازدادوا تقليداً على مر الأيام ، وفضلاً عن هذا سمع الراوي في هذا الحديث والحديث الرابع هذه الأكذوبة واستغرب وسأل الإمام أهو العلم ؟ فأجابه الإمام ، ليس هذا هو العلم ، بل هو شيء يحدث لنا يوماً بعد يوم وساعة بعد ساعة ، ذلك العلم الذي يأتيه ساعة بعد ساعة . هل هو شيء أعلى من الوحي ؟ لأنه قال عن العلم الذي وُرِّث من الأنبياء ليس علماً والعلم الذي يصله يوماً بعد يوم ... هو العلم ، هل يجوز التلاعب بعقول الناس ، هل هناك أخبث من هذا التلاعب بالإسلام ؟ هل يمكن للإمام أن يقول مثل هذا ، وهنا مجدّ الإمام نفسه كثيراً ، وجعل نفسه خيراً من الأنبياء وأعلى مقاماً في الرواية السابقة ، هل يصح هذا ، مع أن الإمام نفسه إذا لم يؤمن بالأنبياء الذين ذكرهم لا يكون مسلماً .
[ باب : أن الأئمة عندهم جميع الكتب التي نزلت من
عند الله وأنهم يعروفونها على اختلاف ألسنتها ]
روى في هذا الباب حديثين قال المجلسي بضعف الأول وأن الثاني مجهول ، نعم فمن رواتهما سهل بن زياد الكذاب وبكر بن صالح وهو لا نظير له في سرد الروايات التي لا واقع ولا صحة لها ، ولا اعتبار لأخباره .(154/216)
وأما متنهما فهما على خلاف الواقع ويخالفان القرآن ، يقول في الحديث الأوّل : قال الإمام : إنّ اللَّهَ لا يجعل حجةً في أرضه يُسأل عن شيء فيقول لا أدري ، مع أن رسول الله كان حجة وكم سئل وأجاب لا أدري واصبروا حتى ينزل الوحي ، وكم قال في القرآن : ( ما أدري ) و ( إن أدري ) ، وقال الله له : ( لا تدري ) ، و ( ما أدراك ) و ( ما يدريك ) وقال في الخبر الثاني ، كنا عند الإمام وأردنا أن نستأذن ، ثم سمعناه يتكلم بكلام غير عربي ، ثم بكى الإمام وبكينا نحن ، يا عجباً ، لم يسأله أحد لماذا بكيت إذا كنت لا تفهم شيئاً ! ويستنتج الكليني من هاتين الروايتين أن الإمام يعرف اللغات جميعاً ، مع أن رسولَ الله ^ لم يكن يعرف اللغة العبرية ، لغة اليهود في المدينة ، كما جاء في سورة البقرة الآية 401 قال اليهود : ( راعنا ) لم يفهم الرسول ^ قصدهم فقد أرادوا الإساءة إليه حتى نهى الله عن ذلك وقال : { لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا } إذا عرف سليمان منطق الطير فلا علاقة للأنبياء الآخرين بذلك ، لأن الأمور الدينية لا تثبت بالقياس ، والرسائل التي أرسلها النبي ^ إلى الناس للدعوة الإسلامية كانت باللغة العربية .
[ باب : أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة وأنهم يعلمونه كله ]
روى في هذا الباب ستة أحاديث ضعّف المجلسي خمسة منها ، ونحن نضعفها كلها ، لأن فيها رواة متهمين كمنخل الغالي والضعيف الذي كان يبيع العبيد ، وكمحمد بن سنان وهو من الكذابين المشهورين ومن الغلاة ، وكسهل بن زياد وقد لُعن من قبل الإمام ، وكعلي بن حسان المغالي الباطني الكذاب ، وكعبدالرحمن بن كثير فاسد المذهب وقد اجتمع في هذه الروايات كل العيوب والمفاسد التي انتثرت في غيرها ، وأما متن هذه الروايات فمن شأنها كلها نسف الدين وتخريبه .(154/217)
يقول الراوي في إحدى الروايات ـ نعوذ بالله ـ لم يجمع أحد القرآن بل لا يعلمه أحد إلا علي بن أبي طالب ، يريد إن يقول أن الكتاب الذي بين أيدي المسلمين لا يحوي كل الآيات وهو ناقص ، لأن علياً لم يجمع ذلك ، وقرآن علي رضي الله عنه اختفى أيضاً وبقي لدى الأئمة ولم يظهروه لأحد ، ولا يعلم ذلك إلا حفنة من الكذابين كسهل بن زياد ، وعلي بن حسان مع أن الله نصّ على حفظ القرآن في عشرات من الآيات ، وتعهد الله تعالى أن يحفظ القرآن من الزيادة والنقص قال تعالى : { إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد } وقال تعالى : { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } .
ثمّ يقول هؤلاء إن علياً رضي الله عنه كان متعلماً والرسول الأكرم ^ علم الأميين القرآن كما قال تعالى : { هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة } . ومن جهة أخرى يقولون إن الرسول ^ علم القرآن لعلي وحده ، ولم يفهم القرآن إلا علي !!.(154/218)
في الحديث الخامس : يقول هؤلاء الكذابون في الآية 04 من سورة النمل حيث قال تعالى : { قال الذي عنده علم الكتاب ـ ملك أو آصف بن برخيا ـ أنا أتيك به قبل أن يرتدّ إليك طرفك فلمّا رآه مستقراً عنده قال هذا من فضل ربي } قال الإمام نحن عندنا علم الكتاب كله ، ولم يبين أي كتاب ، فإذا أراد بالكتاب القرآن فإن القرآن لم يكن في زمن سليمان حتى يعرف آصف بعض ذلك ويعرف الإمام كل ذلك ! وما هدف هذه الرواية إنها تريد أن تقول إن أصف أتى بالسرير ونحن قياساً على هذا نأتي بالأرض والسماء ، هل يمكن التمسك بكذب كهذا ، لا يجوز القياس بهذه الأمور وخاصة قياس غير الأنبياء على الأنبياء ، والمفسرون أوردوا الاحتمالات لإحضار السرير ، مثل أن الله أعدم ذلك وأوجده عند سليمان أو أحضره الملك بأمر الله وبعضهم قال : إن سليمان نفسه أحضره أو أن الأرض رئى نوراً ، وقال سيدنا علي رضي الله عنه في الأدعية ، والإمام الصادق إن سليمان دعا وطلب من الله وبسبب دعائه أحضره الله ، إذن الذي تدعيه الغلاة من هذه الآية على الولاية التكوينية المطلقة لكل إمام لا يصح بوجه عن الوجوه ، لأننا ولو قلنا ذلك جدلاً كانَ ذلك بدعاء أو بفعل آصف ، مع أن آصف لم يكن له ولاية تكوينية لا على العالم كله ولا على بعضه .
يقول في حديث آخر ، لما قال الكفار في آخر آية في سورة الرعد آية 34 لما قالوا نحن لا نقبل رسالتك قال الله : { ومن عنده علم الكتاب } قال الإمام هنا ، يعني أن علياً وأولاده يشهدون بأني رسول الله هل يعقل أن يقول الكفار إننا لا نقبل رسالتك فيقول الله الحكيم لهم ، اذهبوا واسألوا علياً وهو طفل في بيت رسول الله حيث تكفي شهادته ، نحن قد كنا أتينا على شرح هذه الآية من قبل وكذلك تكلمنا عن الآية في تفسيرنا قبس من القرآن(1) .
[ باب : ما أُعْطِيَ الأئمة من اسم الله الأعظم ](154/219)
روى في هذا الباب ثلاثة أحاديث يقول المجلسي إن سند الأول والثاني مجهولان والثالث ضعيف ، نعم في سنده رواة كعلي بن حكيم راوي سلسلة الحمار وإن كان بقية رواته من الضعفاء والفاسدين ؛ ولكن حتى لو كانوا كسلمان وأبي ذر فلا نستطيع أن نقبل متونها لأنها خرافة وجاءت على خلاف العقل(1) ، لأن المتن يقول إن اسم الله الأعظم فيه ثلاثة وسبعون حرفاً وكان منه حرف أو حرفين لدى الأنبياء وعملوا بهما المعجزات ، مثلاً أحيوا البشر وأما الإمام فلديه اثنان وسبعون حرفاً والنتيجة أن الإمام بإمكانه أن يحيي الناس ويميتهم ويخلق ويعدم ، أما هؤلاء الكذابون فلم يدركوا أن أسماء الله في اللغة العربية ، ما ورد في الوحي إلا ثلاثي أو رباعي أو خماسي ولا يوجد أصلاً في العربية اسم أكثر من خمسة أحرف وإذا زاد فيه حرف أو حرفان يقال له مزيد فيه ، إذن الاسم الذي من ثلاثة وسبعين حرفاً اسم وهمي لا وجود له في الخارج ، ثم حرف من اسم لا تعني ذلك الاسم ، مثلاً خذوا حرف الألف من أحمد هل هذا الحرف هو ذلك الاسم أي معنى الاسم نفسه ؟ قطعاً ، لا ، إذن كيف أتى لنا هؤلاء الجهلة بعقائد مذهبية دون أن يفهموها ، وصنعوا لنا إماماً من أوهامهم لا وجود له في السماء ولا في الأرض .
[ باب : ما عند الأئمة من آيات الأنبياء ]
روى في هذا الباب عن عدد من الغلاة والمهملين والمجهولين قائلين إن وسائل معجزة الأنبياء لدى الأئمة . يقول المجلسي إن كل أحاديث هذا الباب ضعيفة ومجهولة ، أما متنها فيقول : قال الإمام : إن عصا موسى وألواحه وحَجَره الذي نبت منه الماء لدى الأئمة ، هؤلاء العوام الأميون الخرافيون توهموا أن وجود عصا موسى أو قميص يوسف أو الحجر أو الألواح لها أثر وهي التي توجد المعجزة ، ولم يطلعوا بعد ذلك على القرآن الذي يؤكد أن فاعل المعجزات هو الله ، يعني الذي جعل النار برداً لإبراهيم عليه السلام كانت إرادة الله ،(154/220)
والذي شفى عين يعقوب لم يكن قميص يوسف وإنما إرادة الله والذي جعل العصا حية هي إرادة الله ، ما كانت معجزات الأنبياء كلها بإرادة الله ، وهذا ذُكر هذا مراراً في القرآن كما قال تعالى في قصة إبراهيم عليه السلام : { قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم } وقال في قصة داود عليه السلام في سورة الأنبياء الآية 97 : { وسخّرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين } و ... هكذا ، إيجاد المعجزات ؛ هذه من الله جاءت لتصديق الأنبياء حيث كان لهم مقام النبوة ولا يمكن إثبات ذلك لأحد من الناس الذي لا مقام له عند الله ، والآن قل ما شئت يا حَجَر سيدنا موسى لدى الإمام ، لا فائدة ، وقد مكث حجر سيدنا موسى عليه السلام ألوف السنين في الوادي ولم يؤثر على شيء .
ولا أصل لإثبات المعجزة للأئمة في القرآن ولا يمكن إثبات ذلك بالقياس .
[ باب : ما عند الأئمة من سلاح رسول الله ومتاعه ]
روى عدة أحاديث في هذا الباب وأكثرها كما يقول المجلسي إما ضعيفة أو مجهولة ، نعم لا اعتبار للذين يروون رواية سلسلة الحمار وهنا رووا عن أمثال سعيد السمّان المجهول الحال ، والمعلى ، والوشّاء حيث تخيلوا أن لله أعضاءً كالبشر كما ذكرنا سابقاً ، وأحمد بن أبي عبدالله البرقي الشاك في الدين ، وسهل بن زياد الكذاب ، ومحمد بن الوليد ضعيف الحال ، وعلي بن الحكم وأمثالهم .(154/221)
أما متن هذه الروايات فهو يخالف الشرع والعقل ، يقول في الحديث الأول إن الإمام لعن اثنين بسبب أنهما ظنا أن سيف رسول الله ^ عند عبدالله بن الحسن حفيد سيدنا المجتبى ، مع أن الإمام يجب أن لا يسيء القول ويلعن الناس بلا سبب ، وبالإضافة إلى أنه يقول إنهما سألا هل فيكم إمام مفترض الطاعة فأجاب الإمام : لا ، مع أن الإمام إذا اعتبر نفسه واجب الإطاعة فعليه أن لا يكذب ، وفضلاً عن هذا ، يقول الإمام وإنّ عندي الإسم الذي كان رسولُ الله إذا وضعه بين المسلمين والمشركين لم يصل من المشركين إلى المسلمين نشابة ، وهذا كذب لأن الله لم يكن له اسم إذا ذكر منع سهام المشركين من المؤمنين وإذا كان لرسول الله علم كهذا ! لماذا لم يضعه في غزوة أحد وسائر غزواته كي لا يُقتل المسلمون أو يصيبهم السهم ، بل كما قال تعالى في سورة آل عمران الآية 041 : { إن يمسسكم قرح فقد مسّ القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس ... } . إذن هذا الحديث يخالف القرآن والعقل والتاريخ جميعاً ، أليس من المؤسف أن تُملأ كتبنا الدينية من هذه الخرافات والأكاذيب العجيبة ؟! ، قال الله في سورة النساء الآية 47 : { من يقاتل في سبيل الله فيُقتل أو يغلب .. } .
يقول في الحديث الثاني : قال الإمام إن سلاح رسول الله لا يصيبه آفة حتى لو كان عند أسوأ خلق الله فهو من أحسن خلق الله ، هذا أيضاً كذب كبير ، لأن تُرس النبي أصابه الكسر في يوم أحد وأصيب رأسه وحتى سنه ^ كسرت وجبهته خدشت فضلاً عن ترسه ، والثاني : ما الفرق بين سلاح رسول الله وسلاح غيره ليكون الذي بقي عنده من أحسن خلق الله . وأقول وأنا أترجم هذا الحديث حتى لا يرى الناس هذه الأسانيد المذهبية ثم يضحكون علينا ، فإنّ هؤلاء الرواة الغلاة جعلوا أصول الإسلام وفروعه سخرية وخانوا الإسلام شر خيانة .
[ باب : أن مثل سلاح رسول الله
مثل التابوت في بني إسرائيل ](154/222)
في هذا الباب رواة من رواة الخرافات الواردة في الأبواب السابقة كعلي بن الحكيم وسعيد السمان المجهول الحال ، وما ورد هنا أيضاً يخالف العقل والتاريخ ، لأنه يقول : قال الإمام : مثل سلاح رسول الله مثل تابوت بني إسرائيل أينما وجد التابوت وجدت النبوة ، هكذا ، أينما وجد سلاح الرسول سيكون العلم ببركته ، والإمامة أيضاً فرع من أسلحة الرسول ، والآن نسأل هل كان السلاح عند علي رضي الله عنه أم لا ؟، وإذا كان عنده فلماذا غلبه معاوية ؟، هل كانت نبوة عيسى وموسى فرع من التابوت ؟، هل يعقل هذا ؟!، هل سلاح الرسول موجد للعلم والإمامة ؟!! هل كانت نبوة سليمان ببركة الخاتم ؟! فإن كان الجواب نعم فلماذا بقي سليمان بعد أن سرق الجن خاتمه ؟! كما يقول الحافظ(1) : في مدح أمير تيمور السفاك المتهور إن السلطنة الإلهية التي كانت بيد الشيطان أصبحت بيد تيمور .
[ باب : ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة]
أشكر الله أن الرواة الكذابين جعلوا علم الإمام من الأمور المذكورة في هذا الباب هنا ، يعني من مصحف فاطمة ومن الصحف الأخرى من الجفر والجامعة ، وهذا تكذيب ضمني للأخبار الواردة في الأبواب الأخرى ، التي قالت بأن علم الإمام بالإلهام أو بالوحي أو بالوراثة ، وإن كان الرواة لم ينتبهوا إلى ذلك لشدة جهلهم مع أن رواة هذا الباب إما مجهولو الحال كعبدالله الوضّاع أو الشاك في الدين كأحمد بن محمد البرقي أو كعلي بن الحكم راوي سلسلة الحمار وكأحمد بن أبي بشر الواقفي وأمثالهم .
وأما متونها ، فالحديث رقم 2 يقول : جاء ملك إلى فاطمة رضي الله عنها ليؤنسها وحدثها مع أن الشيخ مفيد ادعى الإجماع بأنه لا يوحى لأحد بعد خاتم الأنبياء وقال علي في نهج البلاغة في خطبة رقم 131 : ( ختم به الوحي ) ومعنى خاتم النبوة يعني قطعت الأخبار من السماء ، وَذُكِر هذا الباطل في الحديث الخامس أيضاً .
[ باب في شأن : { إنا أنزلناه في ليلة القدر } وتفسيرها ](154/223)
روى عدة أحاديث في هذا الباب في سند واحد ، وهذا السند فاسد وأضعف من كل الأسانيد ، لأنه مروي عن محمد بن أبي عبدالله المجهول عن محمد بن حسن الذي افترض للملائكة آباءً مشركين ، وجعل الملائكة أبناء المشركين في باب العرش والكرسي وروى هو عن سهل بن زياد الذي عدّة علماء الرجال ضعيفاً جداً وفاسد الرأي وفاسد الدين ومغالياً حيث أخرجه أهل قم منها ، وهو الذي روى أيضاً عن محمد البرقي الشاك في الدين عن حسن ابن عباس بن الحَريش الذي ذمه علماء الرجال ذماً شديداً ، قال النجاشي هو ضعيف جداً ، وله كتاب بشأن : { إنا أنزلناه في ليلة القدر } وهو كتاب مضطرب الألفاظ وقال الشيخ الغضائري هو ضعيف جداً ، وكتابه مضطرب الألفاظ ومختلق ولا اعتبار له . ولا يكتب حديثه ، كذلك قال سائر علماء الرجال وكتاب : { إنا أنزلناه في ليلة القدر } هو هذا الذي روى الكليني كل أحاديثه في هذا الباب عنه ، يعني روى هذا الباب عن مجهول عن خرافي عن كذاب فاسد الدين عن شاك في الدين عن مذموم وضّاع وضعيف ، هل أصبح هذا سنداً روائياً للأمور الدينية ؟!! هل أمر الدين بمثل هذا التهاون والشك ؟!!.
وأما المتن ، قال الإمام الجواد إنه اختلى رجل مُعتجرٌ به بينا هو في الطواف وقال له أمور تتعلق بإمامته وإن { إنا أنزلناه } نزلت بشأن الأئمة وكذلك آية { إنا أنزلناه في ليلة مباركة } وهي أول سورة الدخان ، وقال هذه الموضوعات لإثبات الإمامة للمخالفين له ، وبعد ذلك قال أنا الياس النبي وأنا حي دائماً وألقى له كلمات مضطربة وطويلة وكبيرة ثم ذهب ، وهذا النسيج كله مخالف للقرآن والعقل ، فإلياس النبي كيف يكون حياً حتى زمن سيدنا الجواد ؟ كل هذا كذب ، ويكذبه القرآن حيث يقول تعالى في سورة الأنبياء الآية 43 : { وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد ، أفإن مت فهم الخالدون } .(154/224)
إضافة إلى ذلك فإن إحدى الخرافات والأوهام التي يروجها الشيعة الخرافيين والصوفية هي بقاء الخضر والياس وإدريس على قيد الحياة وكلها لا سند لها وتخالف ما جاء في القرآن ، وإنما اختلقها مرشدو الصوفية ليعرِّفوا أنفسهم أنهم مؤيدون من الله تعالى والأنبياء يوصلون خرقهم إلى الخضر ، مثلاً يقول الجامي : ( عبدالرحمن الجامي ) في ص 745 من كتابه ، قال محيي الدين بن عربي أنه أخذ الخرقة من اثنين ، الأول هو الشيخ عبدالقادر الجيلاني والآخر هو الخضر !، على كل وجود إلياس من الأوهام الذي نقل الكليني رواياته عنه في هذا الباب وفيه مهملات وخرافات كثيرة فلينظر من أراد من الأوهام الذي نقل الكليني رواياته عنه في هذا الباب وسيلاحظ ما فيه ، ثمَّ إذا كان إلياس يريد أن يبين درجات الإمام فلا بد أن يعلنه أمام الناس لا في الخلوة ، وفضلاً عن هذا ، قال النبي ^ يوم بدر ، اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض، ولو كان الخضر وإلياس على قيد الحياة فإن الله كان سيعبد بدون أصحاب بدر .
[ باب : أن الأئمة يزدادون في ليلة الجمعة ]
روى ثلاثة أحاديث في هذا الباب ، كلها ضعيفة على حد قول المجلسي وأكثر رواتها من الغلاة وعابدي الأئمة ، وأما متنها : فيخالف الشرع والعقل ، لأنه جعل هنا معراجاً لكل إمام ، وذلك أيضاًَ في ليالي الجمعة مع أن المعراج إذا كان بالجسم فهو خاص للرسول ^ ، وإلا لا أصل له في القرآن ، وإذا كان المعراج بالجسم بلا وسائل طبيعية فهذا يخالف الواقع بل إنه محال ، وإذا كان بالروح فكل أحد يمكن أن يدعي المعراج الروحي ، والإمام لا يمكن أن يدعي المعراج أصلاً حتى لا يتمسك مرشدوا الصوفية بذلك ويقولون إن أبا يزيد البسطامي قد ذهب إلى المعراج ثلاثة عشر ألف سنة ! إن هذه الأخبار تجعل أهل البيت متهمين بالكيد للإسلام وهدمه ، وإنهم جعلوا إسلام جَدِّهم مطية لألوف الإدعاءات الكاذبة !.(154/225)
[ باب : لولا أن الأئمة يزدادون لنفد ما عندهم ]
روى عدة أحاديث في هذا الباب ، أولها ضعيف لوجود سهل بن زياد الكذاب فاسد العقيدة ، والأحاديث الأخرى مرسلة وأما المتن : لولا أنا نزداد ـ أي علماً ـ لأنفدنا ، وهذا لا يصح لأن الله قال لرسوله وهو أعلى من أي إمام ، في سورة الأنبياء الآية 58 : { وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً } وقال في سورة طه الآية 411 لرسوله : { قل رب زدني علماً } وعلم الأنبياء والأولياء ينفد لا محالة ، سواء يزيدونها أم لا ، أما في هذه الأحاديث ، فيقول الرواة إن علم الإمام يزداد ، إذن لا ينفد ، وهذا يخالف القرآن والعقل ، يقول الله في سورة النحل ، الآية 69 : { ما عندكم ينفد } وهؤلاء الغلاة يسعون إلى أن يرفعوا الإمام إلى مقام الألوهية معتبرين علمه كعلمه تعالى مع أن الأئمة اعترفوا مراراً بجهلهم في أدعيتهم ، وفي حديثين آخرين في هذا الباب سأل الراوي أحد الأئمة فقال : إن علمكم يزداد ولا يعرف ذلك عن الرسول فعلمكم يزيد عن علم الرسول ^ ، فأجاب الإمام ما يأتينا من العلم زيادة يعرض على الرسول ^ حتى لا يزيد علمنا على علمه ، وهنا يخبر الإمام عن عالم آخر ، مع أنه لا يعرف أحد شيئاً عن الآخرة والبرزخ إلا الله تعالى ، بالإضافة إلى أن عالم الآخرة ليس عالم التكليف وهناك لا يعرف أحد شيئاً عن الدنيا حتى الأنبياء عليهم السلام ، يرجع إلى سورة المائدة الآية 901 .
[ باب : نادر فيه ذكر الغيب ]
جاء في هذا الباب أربع روايات كلها متناقضة ومتعارضة مع بعضها البعض ، وهؤلاء الرواة المجهولون على حد قول المجلسي الذي عدّ الروايتين مجهولتين ، كأنهم أعرضوا عن القرآن وكأن لهم عداوة معه !!.(154/226)
فإنهم لم يقرؤوا صريح آياته ليعلموا أن الله تعالى أعلن في سورة النمل الآية 56 : { قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله } وقال لرسوله في سورة الأنعام الآية 05 : { قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب } وقال في سورة يونس الآية 02 : { فقل إنما الغيب لله } وكثير من الآيات الأخرى ، إذن ما غرض ذلك الرجل الفارسي المجهول الذي جاء ذكره في هذا الباب حين سأل الإمام : هل تعلم الغيب ؟ فأجاب الإمام يُبسط لنا العلم فنعلم ويقبض عنا فلا نعلم . وقال : سرُّ الله عزوجل أسرّه لجبرائيل وأسرّه جبرائيل لمحمد وأسرّه محمد إلى من شاء الله ، لا بد أن يقال هل الله يمزح في القرآن(1) ـ والعياذ بالله ـ حيث يبسط الغيب للإمام حيناً ويعطي سره لجبرائيل ، إلى آخر الحديث أليس هذا تلاعب بكلمات الله ، وبدينه وبكتابه ؟! هل يعطي الله سره لأحد وهل أعطى محمد سر الله لمن شاء ؟! لا بد أن يوضح هنا كي يفهم الغلاة : إن الله يكشف لرسوله المصطفى المختار الأخبار الغيبية التي لا يعرفها أحد ويطلعه على ذلك أحياناً كما جاء في سورة الجن الآية 62 : { عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسولٍ } وكما جاء في سورة هود الآية 94 : بعد بيان قصة نوح ، يقول تعالى : { تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا } وبعد أن يوحي الله لبعض رسله بعض تلك الأخبار الغيبية فإن ذلك الرسول يخبر أصحابه وأمته بها ويؤمن بها الإمام والمأموم على حد سواء ، وكما قال في سورة البقرة الآية 2 و 3 : { هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب } والرسول الكريم وأصحابه وأمته الأتقياء يصدقون بذلك(154/227)
الغيب ويؤمنون به ويعدون من المؤمنين بالغيب ، إذن يصبح رسول الله والمتقون من أصحابه وأمته مؤمنين بالغيب لا عالمين به ، لأن العالم بالغيب هو الله تعالى الذي يعرف الغيب بنفسه ولم يأخذه من أحد ، على خلاف الرسول وأتباعه الذين يؤمنون بأخبار الغيب ، إذن العالم بالغيب هو الله وحده والمؤمنون بالغيب هم عباده المتقون ، هذا الأمر بهذا الوضوح لم يفهمه الرواة ولا الناقلون عنهم ، وكانوا لا يفكرون إلا بإغداق الصفات والخصال الخارقة للإمام وحده .
في الخبر الأوّل أجاب الإمام بجواب لا يتعلق بالغيب أصلاً ، وفي الخبر الثاني قال الإمام : لله علمُ مفيض بفيضه على الملائكة ولله علم موقوف عن .. ولكن ما جواب الآية : { عالم الغيب } وما هو ؟ ومن هو ؟ لم يبين ذلك ، وأما في الخبر الثالث فقال صراحة : يا عجباً لأقوام يزعمون أنا نعلم الغيب ما يعلم الغيب إلا اللَّهُ عزوجل ، وسدير وأبو بصير اللذان أحبا أن يعظما الإمام ، اختلا مع الإمام بعد المجلس حيث لم يعجبهما أن يصغر الإمام نفسه بأن يقول لا أعلم الغيب وأراد منه أن يعظم نفسه قليلاً ويثني على علمه وعندها صنعا أخباراً لا توافق القرآن ومن المؤكد أن الإمام الذي يجب عليه أن يكون عالماً بالقرآن لا يقول كلاماً كهذا ، لأن هذا الإمام نفسه يقول في صدر الحديث لقد هممت بضرب جاريتي فلانة فهربت مني فما علمت في أيّ بيوت الدار هي ؟ كيف يقول في آخر الخبر أنا أعلم الغيب ويقول أفمن عنده علم الكتاب كلّه أفهم أمّن عنده بعض علم الكتاب ؟ ولما قال تعالى في سورة الرعد الآية 34 { ويقول الذين كفروا لستَ مرسلاً قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب } .(154/228)
قال الإمام : والذي عنده علم الكتاب ، قد أشارت الآية إلينا ، ونحن الذين عندنا علم الكتاب ، والآن لا بد من أن نتأمل في هذه الآية ، هذه آية من سورة مكية ، الكفار الذين قالوا لمحمد لست مرسلاً ولست رسولاً من الله ، فأجابهم الله بجواب لا بد أن يكون مقنعاً وكافياً ، فبماذا أجاب ؟ قال : { كفى بالله شهيداً بيني وبينكم } وأمّا قوله تعالى : { الذي عنده علم الكتاب } فعلى قول الشيعة ـ مثلاً ـ : المعنى علي وأولاده رضي الله عنهم ، هل الكفار الذين لا يؤمنون للنبي يقبلون شهادة علي الذي ربي في بيت النبي ولم يكن عمره يتجاوز عشر سنوات وربي في بيته وأولاده الذين لم يولدوا بعد ؟! هل شهادة هؤلاء تكفى الكفار ؟! الذين لا يقبلون كلام محمد ، هل يستجيبون لكلام صبي في بيته !! هل كلام الله لغو ـ والعياذ بالله ـ فاعلم أن القول الصحيح أن الله قدم شاهدين لصدق رسالة محمد ^ وصحتها ، ليؤمن الكفار به ، الأول شهادته نفسه أنه نزل إليه كتاب يعجز الناس كلهم عن إتيان سورة مثله ، والآخر شهادة الذين يعلمون التوراة والإنجيل ، وهم أهل الكتاب الذين رأوا اسم محمد ^ ووصفه في كتبهم ودليلنا على هذا المعنى الآيات القرآنية الأخرى ، فقد استشهد الله بشهادة علماء أهل الكتاب للكفار كالآية 791 من سورة الشعراء : { وإنه لفي زبر الأولين أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل } وقال في سورة القصص الآية 25 و 35 : { الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا } وقال في سورة العنكبوت الآية 74 : { فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به } وقال في سورة الأعراف الآية 751 : { الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل } وقال في سورة المدثر الآية 12 : { ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون } وقال في سورة الأنعام الآية 02 : { الذين آتيناهم الكتاب(154/229)
يعرفونه كما يعرفون أبناءهم } وفي سورة التوبة الآية 641 وفي سورة آل عمران الآية 18 وفي كثير من الآيات الأخرى ، وفي غالب السور المكية وكلها شاهدة على أن المقصود من آية : { ومن عنده علم الكتاب } التي وردت في آخر سورة الرعد هم علماء أهل الكتاب ، كما جاء في هذه السورة نفسها الآية 63 : { والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك } فكل هذه الآيات تصدق وتفسر بعضها بعضاً . وشهادة علماء أهل الكتاب الذين آمنوا في ذلك الزمن كما جاء في سورة المائدة الآيات 28 إلى 58 ، تتبين هذه من تفسيرهم للآية أي من هو { من عنده علم الكتاب } . هل يأتي هؤلاء الغلاة العوام ليفسروا طبقاً لرواية الكافي أن الله قال في هذه الآية أن { من عنده علم الكتاب } هو علي وبنوه ، حيث أن لهم ولاية تكوينية على العالم كله بدليل أن عندهم علم الكتاب كله ؟!!، هل يمكن أن يكون الإمام الصادق جاهلاً بكل هذه الآيات القرآنية فيتبع الغلاة ويقول إن الله قال للكفار أن يسألوا صبياً كان في بيت محمد ؟ وقال في الرد على الكفار إنه سيكون ولي أمر العالم صبياً . هل يعقل كل هذا ؟ لا بد لمقلدي الكليني أن يحجموا عن تقليده .
وفي كتب مدّعي العلم في زمننا هذا دعوى لتقليد الكليني وهم يستدلون بهذه الرواية وهذا التفسير لهذه . وأن علياً رضي الله عنه متصرف بالكون وأمور العالم كله . إذن نحن بناءً على قول سيدنا الرضا رضي الله عنه حيث قال في هذا الكافي نفسه في باب إبطال الرؤية : ( إذا كانت الروايات مخالفة للقرآن كذبتها ) نكذب رواية الكليني هذه .
في الحديث الرابع : من هذا الباب يقول عمار ساباطي الفطحي المذهب : سألت الإمام هل يعلم الغيب ؟. فقال لا . ولكن إذا شاء أن يعلم فإن الله يعلمه .(154/230)
لا بد أن يقال لهذا الراوي الكذاب : يظهر من كلامكم أن الله عندما قال : { لا يعلم الغيب إلا الله } وحصر علم الغيب به وحده ... كان هذا باطلاً ـ والعياذ بالله ـ وأن الإمام وحده يمكن له أن يعلم الغيب . ثم هل يوحى إلى الإمام ؟... فإن كان يوحى إليه فلماذا قال سيدنا أمير المؤمنين رضي الله عنه ( ختم بمحمد الوحي ) ؟، ثم هل يتبع الله الإمام ويطيعه ليعلم الإمام كلما شاء الإمام نفسه ؟!!.
[ باب : أن الأئمة يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى
الملائكة والأنبياء والرسل عليهم السلام ]
ذكر في هذا الباب عن رواة كذابين وفاسدي العقيدة ، كسهل بن زياد ، وعلي بن أبي حمزة البطائني الواقفي الذي اختلس ألوف الدنانير من الإمام موسى بن جعفر رضي الله عنهم ، وأمثال هؤلاء زعموا أن الإمام يعلم جميع ما تعلمه الملائكة والأنبياء والرسل ، دون أن يسألهم أحد عن فائدة هذه العلوم ؟ وإذا كان الإمام عارفاً بكل هذه العلوم فلماذا لم يسخر الجن والإنس ليقيم حكومة عادلة ؟! وإذا كان يعرف منطق الطير فإن عليه أن يكشف علوماً مفيدة ، وإذا كان يعرف فوائد الأشجار فإن عليه أن يبين خواصها ، وإذا كان يعرف الجراثيم فإن عليه أن يكشف الأمراض كباستور وأمثاله ، وإذا كان يعرف الكهرباء فلماذا لم يسخرها ؟، وإذا كان يعرف الطباعة فلماذا لم يصنع مطبعة لينشر حقائق الإسلام ، لتزول كل هذه الخرافات والفرق المتمثلة بالإسلام ؟!، وإذا كان يعرف علوم الكون والصناعات فقد كان عليه أن يصنع سفينة فضائية ويصنع الإذاعة والتلفاز وهكذا ... لماذا لم يفعل كل ذلك وترك المجال لكفار أروبا يكتشفون كل ذلك ؟! وإذا كان يعرف هذه العلوم ولم يبينها فلا بد أنه كان بخيلاً ، وكان يضن بها على الأمة !!، إن المرء ليحار في أمر هؤلاء الجهال الذين انحصر همهم في الغلو بحق الإمام والمغالاة بأوصافه .
[ باب : في أن الأئمة إذا شاؤوا أن يعلموا علموا ](154/231)
روى في هذا الباب ثلاثة أحاديث عن رواة كذابين ، كسهل بن زياد ، حيث قال : إن الإمام إذا شاء أن يعلم فإن الله يعلمه .
هذه الأخبار تخالف العقل والقرآن ، لأن مشيئة الله وإرادته ليستا تبعاً للإمام ، فيعلم الإمام متى شاء ذلك . بل ليس هذا تابعاً حتى لمشيئة الرسل ، فقد دعي الرسل ولم يجبهم الله تعالى إلا عندما شاء هو ذلك .
قال الله تعالى في سورة الدهر في الآية 03 : { وما تشاؤون إلا أن يشاء الله } . وقال في سورة التكوير الآية 92 : { وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين } .
يقول الله تعالى في هاتين الآيتين إن مشيئتكم تابعة لمشيئة الله ولا بد من أن تطلبوا الهداية والتوفيق منه . ونحن قد أردنا لكم الاختيار والمشيئة .
ويقول الإمام الصادق في دعائه : يا من يفعل ما يشاء ولا يفعل ما يشاء غيره .
إذن روايات هذا الباب تخالف العقل والقرآن معاً ، لأن أي عقل سليم لا يمكن أن يدعي أن الله تابع لعبده إلا عقول الغلاة الجهال الكفرة .
[ باب : أن الأئمة يعلمون متى يموتون
وأنهم لا يموتون إلا باختيار منهم ]
هذا الباب الذي خالف القرآن صراحة جاء فيه عدة أحاديث وهي كلها إما ضعيفة أو مرسلة ، وعد المجلسي سبعة منها مرسلة وضعيفة ، ونحن نعجب فأي كتاب هذا الذي يسعى في جمع أخبار أكثرها تخالف القرآن أو تغالي في تعظيم الأئمة ؟!، وكأن هؤلاء يعتبرون قولَ سلمةِ بن الخطاب المغالي وسهل بن زياد الكذاب وأمثالهما خير من قول الله تعالى .(154/232)
وروى في هذا الباب في الحديث الأول عن سلمة بن الخطاب المغالي وعبدالله بن القاسم البطل وهو أيضاً من الغلاة ومن الكذابين : إن كل إمام لا يعلم ما الذي سوف يحدث له وما يؤول إليه فهو ليس بإمام ولا حجة . مع أن الله تعالى قال لرسوله ^ في سورة الأحقاف الآية 9 : { قل ... وما أدري ما يفعل بي ولا بكم } هل يعقل أن رسول الله الذي يوحى إليه لا يدري ما يفعل به وما يحصل له في حين أن الإمام الذي لا يوحى إليه يعلم ذلك .. أي دين هذا الذي اختلقه الغلاة ؟!.
جاء في هذا الباب : قال الإمام أنا أعلم متى أموت ، ولكن الله قال في سورة لقمان الآية 43 : { وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت } وقال أمير المؤمنين في نهج البلاغة في خطبة رقم 741 قبل وفاته وبعد أن أصابه ابن ملجم : ( أيها الناس كل امرئ ملاق ما يفر منه في فراره ، والأجل مساق النفس والهرب منه موافاته . كم أطردت الأيام أبحثها عن مكنون هذا الأمر فأبى الله إلا إخفاءه . هيهات علم مخزون ) وقال في هذه الخطبة بناء على آيات القرآن أن لا علم لأحد بوقوع الموت وكذلك قرأ في خطبته رقم 821 الآية 43 من سورة لقمان : { إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت } ويقول بعد ذلك فهذا من علم الغيب الذي لا يعلمه أحد إلا الله . وهذا الغيب الذي لا يعلمه أحد إلا الله ولا يعلمه نبي ولا وصي . ويقول في رسالته رقم 32 بعد أن جرحه ابن ملجم حيث لا علم له بموته : ( إن أبق فأنا وليُّ دمي وإن أفن فالفناء ميعادي ) . وفي رسالته المعروفة لمالك الأشتر النخعي ( الرسالة رقم 25 من نهج البلاغة ) وبما أنه لم يكن يعلم وقت موته يقول : ( وأنا أسأل الله سعة رحمته ... أن يختم لي ولك بالسعادة والشهادة ) .(154/233)
وكان في دعواته دائم الخوف طالباً للشهادة كدعائه في خطبة رقم 32 من نهج البلاغة ، وكذلك في دعائه في حرب صفين قبل أن يرفع معاوية المصاحف على السيوف قال : ( فإذا كان ما لا بد منه الموت فاجعل منيّتي قتلاً في سبيلك ) . وكذلك في دعائه في صفين : ( وإن أظفرتهم علينا فارزقنا الشهادة ) وكذلك في سائر دعواته رضي الله عنه .
إذن يتبين طبقاً لكلام الله ورسوله وأمير المؤمنين أنه لا علم لأحد بوقت موته سواء في ذلك الإمام أو المأموم ، والناس في الإسلام سواء لا فرق بين إمام ومأموم فهو ليس ديناً عنصرياً .
وأما تفسير الآية فإن علماء أهل الكتاب الذين آمنوا في ذلك الزمن كما جاء في سورة المائدة الآيات 28 إلى 58 ، تتبين هذه الحقيقة من تفسيرهم للآية أي هو { من عنده علم الكتاب } . هل يأتي هؤلاء الغلاة العوام ليفسروا طبقاً لرواية الكافي أن الله قال في هذه الآية أن { من عنده علم الكتاب } هو علي وبنوه ، حيث أن لهم ولاية تكوينية على العالم كله بدليل أن عندهم علم الكتاب كله ، هل يمكن أن يكون الإمام الصادق جاهلاً بكل هذه الآيات القرآنية فيتبع الغلاة ويقول إن الله قال للكفار أن يسألوا صبياً كان في بيت محمد وقال في الرد على الكفار أنه سيكون ولي أمر العالم صبياً . هل يعقل كل هذا ؟ بم سيجيب الكليني ورواته اللهَ تعالى يوم القيامة حين يسألهم عن تلاعبهم بآيات القرآن إلى هذا الحد ؟!. فلا بدّ لمقلدي الكليني أن يحجموا عن تقليده .
وفي كتب العلم في زمننا هذا دعوى لتقليد الكليني وهم يستدلون بهذه الرواية وهذه الآية . وأن علياً عليه السلام متصرف بالكون وأمور العالم كله . إذن نحن بناءً على قول سيدنا الرضا عليه السلام حيث قال في هذا الكافي نفسه في باب إبطال الرؤية : ( إذا كانت الروايات مخالفة للقرآن كذبتها ) فهو يكذب رواية الكليني هذه .(154/234)
في الحديث الرابع : من هذا الباب يقول عمار ساباطي الفطحي المذهب : سألت الإمام هل يعلم الغيب ؟ فقال : لا . ولكن إذا شاء أن يعلم فإن الله يعلمه .
لا بد أن يقال لهذا الراوي الكذاب : أيظهر من كلامكم أن الله عندما قال : { لا يعلم الغيب إلا الله } وحصر علم الغيب به وحده . كان هذا باطلاً ـ والعياذ بالله ـ وأن الإمام وحده يمكن له أن يعلم الغيب .
ثم هل يوحى إلى الإمام ؟.. فإن كان يوحى إليه فلماذا قال سيدنا أمير المؤمنين عليه السلام ( ختم بمحمد الوحي ) ؟، ثم هل يتبع الله الإمام ويطيعه ليعلم الإمام كلما شاء الإمام نفسه ؟.
أما الكليني ورواته فخلافاً للقرآن والعقل وقول سيدنا الأمير رضي الله عنه يريدون أن يجعلوا الإمام عالماً بوقت موته . أليس هذا الإمام الذي يقولون عنه بأنه يعلم وقت موته ؟، أليس هو من الذين يتبعون القرآن أم لا علم له بالقرآن ، أم أنه جاء بمذهب جديد . أم ترى أن الرواة يكذبون عليه ؟!.
وفي الحديث الثاني نقل عن شيخ مجهول من وعاظ السلاطين دخل السجن بدعوة من السندي بن شاهك رئيس شرطة هارون الرشيد ، ونقل عن موسى بن جعفر رضي الله عنه قوله : أني أموت بعد غد . فهل كان موسى بن جعفر جاهلاً بالقرآن وصادقاً في حدسه أم أن هذا الشيخ كان يكذب فيما قاله؟! .(154/235)
وفي الحديث الرابع : سأل حسن بن الجهم ـ والله يعلم هدفه ـ سأل الإمام ، بل لقد ذكر الأشياء التي سمعها من الغلاة أن أمير المؤمنين كان يعرف قاتله والليلة التي يقتل فيها ـ وسمع صياح الإوَزّ الذي كان يخبر عن موته ـ ( أي أن الإوَزّ ـ نعوذ بالله ـ تعلم الغيب وهي التي أخبرت عن موته ) وطلبت أم كلثوم إليه أن يصلي في البيت ولكن سيدنا الأمير لم يقبل وخرج تلك الليلة بلا سلاح مع أنه عرف قاتله من قبل سيفه ـ وهذا ليس جائزاً له ـ فأجابه الإمام الرضا ، نعم هكذا كان ولكن قدر الله وما شاء فعل ، وتمسك سهل بن زياد الكذاب وعدد من الرواة مثله بهذه المقولة من أن أمير المؤمنين كان يعلم بموته ، وهذا افتراء وكذب بدليل ما ورد في خطبة في نهج البلاغة الخطبة 741 أو في سائر خطبه حين قال بأنه لا يعلم وقت موته ، وهذا كذب على الله كذلك .
فالقرآن إذاً نزل خلافاً للواقع ـ والعياذ بالله ـ بناءً على أقوالهم ، فهم يدعون أن الإمام يعلم كل شيء ولذا بناءً على رواية سهل بن زياد الفاسد المذهب لا بد أن يعلم الإمام وقت موته ، وهنا يقال :
عندما قال الله سبحانه في القرآن : { لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله } كان هناك استثناء آخر وهو أنه لا يعلم الغيب إلا الله والإوَزّ ؟!.
وفي الحديث الخامس : روى شيئاً عجيباً يخالف كل العقول ، حيث قال الإمام الكاظم إن الله غضب على الشيعة وخيرني إما أنا أفتدي بنفسي أو أفتدي بشيعتي .
لا بد هنا من طرح هذا السؤال : هل يوحى إلى الإمام ؟ ولماذا لم يغضب الله على أهل السنة مثلاً ، إضافة إلى أن الإمام أشرف من المأموم عندهم فهل يفتدى الأدنى بالأعلى ؟.
فإننا مثلاً لا نجد من يفتدي أغنامه بولده ... إلا عند علي بن إبراهيم وأمثاله من الرواة والكليني ، والأعجب من ذلك أنهم تمسكوا بهذا الحديث الفاضح واتخذوه دليلاً على علم الإمام بموته مع أنه لا علاقة له أصلاً بذلك .(154/236)
وفي الحديث السادس : نقل عن الإمام الرضا أنه قال لرجل يسمى المسافر : إني رأيت رسول الله في المنام ليلة أمس وقال : يا علي ما عندنا خير لك . واستدلوا بهذا على أن الإمام يعلم وقت موته . مع أن هذا القول لا يدل على ذلك إطلاقاً .
إن هؤلاء يريدون أن يثبتوا بهذه الأقوال الواهية المتحيرة أن الإمام ـ خلافاً للقرآن ـ يعلم وقت وفاته ولقد فرق هؤلاء بين القرآن وما عليه الأئمة رضي الله عنهم ، وجعلوا كلا الطريقين مخالفاً للآخر .
وكذلك في الحديث السابع : يقول : قال الإمام الباقر صاح أبو زين العابدين من وراء الجدار وقال : يا محمد تعال وعجل . واستدلوا بهذا على علم الإمام بموته وهذا لا يدل على ذلك وهو كالخبر السابق .
وفي الخبر الثامن : روى علي بن الحكم الخرافي راوي حديث سلسلة الحمار ، وسيف بن عمير الملعون الذي لعن من قبل الأئمة على حد قول الممقاني أن الإمام الحسين خيّر بين أن ينتصر ويهزم حكومة يزيد وبين أن يقتل ويلقى الله . واختار الإمام الحسين القتل . بناءً على رواية هؤلاء الكذابين الوضاعين لم يقم الإمام الحسين لدفع الظلم ونشر العدالة بل قام للقتل أيضاً مع أن الإمام الصادق قال : قتل الحسين كان مصيبة فوق المصائب . ويقول سيدنا الأمير رضي الله عنه في رسالة رقم 54 من نهج البلاغة بشأن معاوية :
( سأجهد في أن أطهر الأرض من هذا الشخص المعكوس والجسم المركوس حتى تخرج المدرة من بين حب الحصيد ) ، ويكتب لعمرو بن العاص في رسالة رقم 93 من نهج البلاغة : ( فإن يمكن الله منك ومن ابن أبي سفيان أجزكما بما قدمتما وإن تعجزا وتبعثرا فما أمامكما شر لكما ) .
إذن بناءً على هذا إذا كان الإمام الحسين راغباً في القتل لم يصب الإمام الصادق وسيدنا الأمير رضي الله عنه ، نعوذ بالله من أفكار الغلاة .(154/237)
ولا بد أن نسأل الكليني ورواته : إذا كان الإمام الحسين اختار الشهادة فما علاقة هذا بعلم الإمام رضي الله عنه بموته ؟ ثم هل يوحى إلى الإمام ؟!.
[ باب : أن الأئمة يعلمون علم ما كان وما يكون
وأنه لا يخفى عليهم شيء ]
روى في هذا الباب ستة أحاديث يعد المجلسي خمسة منها ضعيفة ومجهولة ، وأحد رواتها إبراهيم بن إسحاق الأحمر النهاوندي الفاسق والمبتدع ، وقد ضعفه علماء الرجال وسموه من الغلاة ، والآخر سيف التمار الذي تخالف أخباره القرآن . والآخر أحمد بن محمد البرقي الشاك في الدين ، والآخر محمد بن سنان وهو من الكذابين المشهورين ومن الغلاة ، والآخر يونس بن يعقوب الفطحي المذهب ، والآخر سهل بن زياد الكذاب .
ماذا يتوقع من رواة كهؤلاء سوى ضرب الإسلام والكيد له والغلو في أشخاص ذوي سيرة حسنة لاصطياد السمك في الماء بعد تعكيره بترهاتهم .
روى هؤلاء عن الإمام الصادق في الحديث الأول : أن جماعة من الشيعة أتوا إلى الإمام ـ والله أعلم إنهم كانوا من هؤلاء الغلاة ـ قال سيف التمار عن الإمام : لقد جعلوا علينا جاسوساً ـ وربما كان هذا سيف التمار نفسه ـ ولكن سيفاً يقول نظرنا يميناً وشمالاً فلم نر أحداً . وقلنا : لا يوجد جاسوس . فتبين لنا أن الإمام تكلم خلافاً للواقع وبلا علم . فحلف الإمام ثلاث مرات برب الكعبة بأنه أعلم وأزكى من موسى والخضر عليهما السلام ؛ فهما قد أعطيا علم ما كان ولم يعطيا علم ما سيكون وما هو كائن إلى يوم القيامة ولكنه ( أي الإمام ) أعطي ذلك إرثاً عن رسول الله .
لا بد أن نسأل سيف التمار :
أولاً : إن الإمام الذي لم يعلم شيئاً عن أصحابه وتكلم على خلاف الواقع بأن هناك جاسوساً مع أنه لم يكن ثمة جاسوس فأنى لذلك الإمام أن يعلم ما كان وما سيكون إلى يوم القيامة ؟! .
ثانياً : قال رسول الله ^ : « علامة الكذب كثرة الحلف » فلماذا إذاً يحلف الإمام ثلاث مرات بأنه أعلم من موسى .(154/238)
ثالثاً : من أين عرفتم أن موسى والخضر كان لهما علم ما كان ، وموسى عليه السلام نفسه لم يدع هذا ، ولم يعلم بما كان حين وجوده في الطور ولم يعرف عن عبادة قومه للعجل . فيقول له الله تعالى : { قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري } ولما رجع من الطور ووجد أن قومه قد فتنوا بالشرك غضب جداً وقال لهم : { بئسما خلفتموني من بعدي } حتى إنه لم يعلم أن أخاه لم يقصر في نصحهم فأخذ بلحيته ورأسه ولم يعرف أنه منعهم من عبادة العجل حتى قال له هارون : { إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء } ثم اختار موسى من قومه سبعين رجلاً لميقات جبل الطور ولكنهم جميعاً كانوا ممن غضب الله عليهم .
وأمثال هذا كثير ... ويستفاد من القرآن الكريم أنه عليه السلام لم يعلم بما كان .
رابعاً : إن العلم لا يورث إلا عند الرواة القائلين بالخرافة .
خامساً : قال الله تعالى مراراً لرسوله في القرآن الكريم : { قل ما أدري ... وما أدراك ... إن أدري ... وما كنت تدري ... لا تدري ... ما يدريك } . ومع كل ذلك كيف يمكن الادعاء أن الرسول علم ما كان وما سيكون فضلاً عن أن يورث ذلك لغيره . وحتى رسول الله ^ عندما كان يسأل عما لا يعلم كان يصبر حتى ينزل الوحي ... فكيف يمكن للإمام الذي لا يوحى إليه أن يعلم ما كان وما سيكون .
وانتبهوا إلى الحديث الثاني : كيف أحاط عدد من الشيعة الخرافيين بالإمام من أمثال حارث بن المغيرة وعدد من الناس المجهولين وسمعوا أن الإمام قال : أنا أعلم ما في السموات وما في الأرض ، وما في الجنة ، وما في النار ، وما كان ، وما سيكون ، ثم مكث الإمام برهة ورأى أن هذا الكلام قد كبر على المستمعين ولم يصدقوه فقال : لقد تعلمت هذا العلم من كتاب الله حيث يقول الله عزوجل { وفيه تبيان كل شيء } ؟. .(154/239)
أولاً : لا بد أن يقال إن رسول الله ^ الذي هو أعلى من كل إمام لم يدّع شيئاً كهذا . ويقول الله سبحانه له في سورة الإسراء : { وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً } ورسول الله نفسه يقول في دعائه : إلهي أنت العالم وأنا الجاهل .
ثانياً : قال الإمام : تعلمت كل هذه العلوم من كتاب الله . ثم قرأ الآية خطأ .
هذه الآية التي ذكرها الإمام ( فيه تبيان كل شيء ) هي في سورة النحل الآية 98 حيث قال الله تعالى : { ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء } فظاهر أن الآية ليست كما ذكر ـ فيه تبيان لكل شيء ـ فهل يعقل أن يكون الإمام الصادق جاهلاً بالقرآن إلى هذه الدرجة فيقرأ آياته خطأ ؟... ثم يكون فوق ذلك عالماً بما في السموات والأرض . إذن من المؤكد أن هذا الكذب من صنع رواة الكليني .
ثالثاً : ليس في القرآن علم ما في السموات والأرض ... فمثلاً ليس فيه علم الكهرباء أو الطيران أو ألوف الأشياء الأخرى بل فيه بيان كل شيء من أمور الدين ، ويكون معنى الآية { تبياناً لكل شيء } من أمور الدين ، لأنه كتاب تشريع وقانون ، فإذا كان علم كشف الجراثيم وصناعة المكبرات قد ورد في القرآن ولم ينبه القرآن إلى أن جاء عالم غير مسلم كباستور واكتشفه ، يكون رسول الله ^ قد ضنَّ ـ نعوذ بالله(1) ـ وبخل بهذا العلم مع أن الله تعالى يقول : { وما هو على الغيب بضنين } !!.
ومن رواة الحديث الثالث جماعة بن سعد الذي كان رجلاً خبيثاً وضعيفاً وخرج مع أبي الخطاب الذي ادعى الألوهية وقتل بسبب ذلك .
رجل وسخ كهذا يروي عن الإمام الصادق أنه قال : [ إن الله أكبر وأرحم من أن يوجب طاعة أحد من عباده ثم يحجبه صباحاً ومساءً عن أخبار السماء ] .(154/240)
لا بد أن نقول لهذا الصاحب لأبي الخطاب إن الله أوجب طاعة العباد لرسوله مع أنه بإقرار الرسول نفسه في القرآن أنه لم يكن يعلم شيئاً من أخبار السماء كما جاء في سورة ص الآية 96 : { وما كان لي من علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون } ولم يعلم رسول الله ^ من أخبار الأرض قبل أن يوحى إليه فضلاً عن أخبار السماء .
رابعاً : لقد أوجب الله تعالى طاعة أولي الأمر وقواد رسول الله في الجيش والدولة مع أنهم لم يعلموا من أخبار السماء شيئاً . ثم إن الله أوجب على الابن مثلاً طاعة والديه واستحب له ذلك مع أنهما أيضاً لا يعرفان شيئاً من أخبار السماء .
إذن ما هذه الأشياء التي لا توافق العقل ولا القرآن ؟ .. وإن النقد الذي ورد على الحديثين الأول والثالث وارد في سائر أحاديث هذا الباب .
[ باب : أن الله عزوجل لم يعلّم نبيه علماً إلا أمره أن
يعلّمه أمير المؤمنين وأنه كان شريكه في العلم ]
روى في هذا الباب ثلاثة أحاديث عن رواة مجهولين كعبدالله بن سليمان ورواة فسقة واقفيي المذهب كمنصور بن يونس الذي اختار المذهب الواقفي ليأكل أموال الإمام التي كانت لديه ، حيث أنها تخالف العقل والقرآن والتاريخ معاً . فمثلاً يقول في هذه الروايات الثلاث : أُتِيَ النبي ^ برمانتين فأكل واحدة منهما فأصبح رسولاً وإحدى هاتين الرمانتين كان هو العلم وقد أكلها مناصفة مع علي وأصبح علي بأكله نصف الرمانة شريكاً للنبي بالعلم ، وهذا بيّن البطلان وهو من وضع الرواة لأنهم قالوا في الأبواب السابقة أن علم علي وراثي ولكن عندما وصلوا إلى هذا الباب لم يعد العلم وراثياً بل بأكل الرمان . وهؤلاء الرواة لم ينتبهوا إلى تضاد وتناقض أخبارهم إذ ربما كانوا من العوام وربما فعلوه قصداً وبسوء نية .
فلينظر كل إنسان عاقل هل يمكن أن يصبح أحد رسولاً بمجرد أكل الرمان . هدى الله شعبنا ونجاه من الخرافات .
[ باب : جهات علوم الأئمة رضي الله عنهم ](154/241)
روى في هذا الباب ثلاثة أحاديث ، ورواتها كما في الأبواب السابقة فاسدو العقيدة كحمزة بن البزيع الذي ارتشى من علي بن أبي حمزة ؛ لينشر مذهب الواقفية ويروجه حتى قال سيدنا الرضا رضي الله عنه لإبراهيم بن يحيى : ما عمل حمزة بن البزيع ، هو اليوم شاك وسيموت غداً على الزندقة .
وإذا كان في متن الحديث أمر يقبله العلم والعقل ، نحن نقبل ذلك ولا نعتني برواته لأن رواة ذلك الزمن على الغالب كانوا من العوام الخرافيين ولم يكن هناك مدرسة دينية أو جامعة ولم تكن لديهم قوة التمييز ولم يردوا أخبارهم إلى الميزان الإلهي ( القرآن ) ، والعجب من المجلسي أنه عد الحديث الأول صحيحاً على الرغم من وجود حمزة بن البزيع الشقي بين رواته وعد المجلسي الخبر الثاني مجهولاً والثالث ضعيفاً .
أما المتن فليس فيه شيء مفيد لأن المتن يقول إن الإمام قال : عِلْمُنا إما أن يتعلق بالماضي أو الآتي ، والحال أن علم كل الناس لا يخرج من ذلك . وهنالك جملة من هذه الأخبار لم يقبلها كثير من علماء الشيعة من بينهم بنو نوبخت نقلاً عن المجلسي وهذه الجملة هي : ( أفضل علمنا قذف في القلوب ونقر في الأسماع ) ولا بد أن يعلم أننا ذكرنا سابقاً أن أمير المؤمنين رضي الله عنه قال في نهج البلاغة في خطبة رقم 131 ـ [ ختم به الوحي ] ، يعني بمحمد ختم الوحي . وهناك دلائل أخرى بيّناها في باب الفرق بين الرسول والنبي والمحدث بأن لا عبرة بهذا القبيل من الأخبار الملهمة أو السماع من الملك !.
[ باب : أن الأئمة لو ستر عليهم لأخبروا كل امرئ
بحاله وما عليه ](154/242)
روى في هذا الباب روايتين الأولى في مرتبة المجهول والثانية ضعيفة على حد قول المجلسي وأما متنها فيخالف القرآن بل مائة آية منه لأن الإمام قال : لو أمسكتم لسانكم وما أظهرتم لأخبرتكم ما يضركم وما ينفعكم مع أن القرآن يقول في آخر سورة لقمان : { وما تدري نفس ماذا تكسب غداً } وقال في سورة الأحقاف الآية 9 : { قل ما أدري ما يفعل بي ولا بكم } والآيات الأخرى نصت على ذلك . والآن لا بد من طرح هذا السؤال : ما هدف الكليني ورواته من جميع هذه الأخبار المخالفة للقرآن باسم الإمام وتحت مظلته هل أرادوا أن يضللوا الناس تحت ستار الإمام ؟ أم أنهم حقيقة لم يدركوا مخالفة هذه الأخبار لما جاء في القرآن ؟!.
لماذا لم ينتبه علماء الشيعة طوال ألف ومائتي سنة تقريباً إلى هذه الأخبار الملفقة ، ألم يفهموا أن هؤلاء الوضاعين زادوا ونقصوا في أصول الدين وفروعه ؟، ألم يكن ثمة عالم ناصح ؟، أم ترى كانت هناك أمور أخرى لم نفهمها ؟. وبعضهم كالمجلسي عمد إلى التأويل بما لا يرضى صاحبه .
[ باب التفويض إلى رسول الله وإلى الأئمة في أمر الدين ]
روي في هذا الباب عشرة أحاديث ثمانية منها ضعيفة ومجهولة على حد قول المجلسي ومن بين رواتها رواة وسخون كموسى بن أشيم الذي جاء ورفاقه إلى الإمام ثم ذهبوا إلى أبي الخطاب وأخذوا خلاف قول الإمام ، وقد كان لهم أسرار مع أبي الخطاب الذي ادعى الألوهية ، فأخذوا بقوله وردوا قول الإمام ، فهل يمكن قبول أخبار الدين من أمثال هؤلاء ؟.
هل يمكن أن يكون الإسلام هكذا لا يستند إلى أي أساس ؟.
يقول في هذا الباب إن الله أودع أمر دينه إلى رسوله والرسول أودعه عند علي وبنيه .
وبعض الروايات تقول : إن الله أوكل أمر الدين لرسوله ليفعل ما يشاء من الزيادة والنقصان ، حتى يسأل سائل في الخبر السابع ، هل أتى الرسول بحُكْم دون أن ينزل عليه الوحي بشأنه ؟، فيجيب الإمام : نعم ، حتى يتبين من يطيع الرسول ممن لا يطيعه .(154/243)
ويقول موسى بن أشيم في الحديث الثاني : سألت الإمام عن آية فأجابني ثم سأله غيري السؤال نفسه فأجابه بخلاف الجواب الأول . ثم سأله ثالث عن نفس المسألة فأجابه بخلاف ما أجاب في المرتين السابقتين ، واستدل الإمام على صحة الأجوبة المتناقضة بآية : { هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب } وآية { ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } .
تتوارد هنا عدة أسئلة :
أولاً : أن الله قال في سورة النجم : { وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى } وقال في سورة يونس الآية 51 : { قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحي إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم } فكيف إذن حكم النبي بلا وحي ؟، فضلاً عن أن من عمل بذلك الحكم فهو يطيع الرسول بذلك .
فهل دعا رسول الله الناس لطاعته هو ، أم أنه كان يدعوهم إلى طاعة الله بطاعته . أم أنه ادعى أن له طاعه مستقلة بنفسه ؟! فكيف يقبل الخبر السابع مع أنه يخالف عدة آيات من القرآن .
والثاني : أن الله يقول في سورة الحاقة الآية 44 إلى 64 : { ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين } بعد وجود آيات كهذه هل يحق لمحمد ^ أن يأتي بحكم من عنده بلا وحي كما جاء في الخبر السابع أم لا ؟.
وإذا أتى بحكم فهل تجب طاعته أم لا ؟ هل يمكن لرسول أن يأتي بحكم بلا وحي مع أن كتابه السماوي يقول في مواضع عدة { ومن أظلم من افترى على الله كذباً } . وإذا ما جاء بحكم دون وحي أفلا يكون مشمولاً بالآية { ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً } أم لا ؟.(154/244)
والسؤال الثالث : أن الإمام كرر في هذه الأحاديث الاستدلال بآيات القرآن ، فهل هذه الآيات تتعلق بذلك الموضوع الذي ذكره أم لا ؟ مثلاً : قال الله في سورة ص الآية 93 بعد بيان أنه تعالى سخر الريح والجن لسليمان يقول : { هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب } قال الإمام هنا : فوّض الله هنا لسليمان بالمنة أو الإمساك . وقال لرسوله في سورة الحشر الآية 7 : { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فللَّه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } هل ما أعطاه الله لسليمان وما أمر الله لرسوله والمسلمين { ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } هل هذا يتعلق بتفويض أمر الخلق للأئمة من الله ؟، وهل يتعلق بتفويض أحكام الدين للأئمة أم لا ؟ هل تجوز هذه التأويلات الباطلة قياساً على تفويض الرياسة لسليمان ؟ وهل الإسلام دين يقاس على غيره ؟.
وفي الحديث الثاني : يقول ابن أشيم إن الإمام أجاب عن سؤال واحد بثلاثة أجوبة مختلفة يقول : إني فهمت أن الإمام عمل بالتقية ، نحن نقول إن أحداً سواءً كان إماماً أو مأموماً لا يجوز له أن يتكلم خلافاً للواقع وبخلاف حكم الله ، وإذا كان يريد أن يعمل بالتقية عليه أن يسكت أو يقول لا أدري لا أن يحكم بثلاثة أحكام يختلف كل منها عن الآخر ليقول مريدوه إنه عمل بالتقية ، وإذا عمل بالتقية فلا بد أن يسكت ، والتقية دائماً لحفظ الدين وليس الدين لحفظ التقية وعلى المرء أن يفدي دينه بنفسه لا أن يفدي نفسه بدينه ، ثم لا يمكن تغيير أحكام الله باسم التقية ، ألم يُصَلِّ علي وغيره وراء الأئمة ؟، والأئمة كانوا يسلمون على الخلفاء ، وَقَبِل سيدنا الرضا ولاية العهد وأمثال هذا كثير .(154/245)
أكل هذا كان بالتقية مع أن الله منع رسول الله من المداهنة في كتابه { ودوا لو تدهن فيدهنون } ويقول في الآيات 47 ـ 57 من سورة لإسراء : { لولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً . إذاً لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيراً } .
ونحن نرى لدى في كتاب وسائل الشيعة أنه قد صدرت ألوف الأحكام التي ليس لها أصل من الكتاب والسنة وحملها العلماء على التقية . فهل يجوز أن يحكم عالم بآلاف الأحكام خلاف الواقع ويحملها المريدون على التقية ؟، أليس مخرباً للدين أن تصدر ألوف الأحكام بخلاف ما أنزل الله ، ثم يحملونها على التقية ؟، وإن كان هناك في وسائل الشيعة أحكام لها أصول في الكتاب والسنة يجب الأخذ بها ورد ما خالفها .
يقول في الحديث الرابع : قال الإمام إن رسول الله ^ كان مؤيداً وموفقاً بروح القدس وأمين الوحي ولم يخطئ بشيء . ولذا فقد فوض الله إليه أحكام الدين .
ونحن نقول : إن رسول الله كان مؤيداً بالوحي وبروح القدس ولذا فوض إليه . أما الأئمة فلا يوحى إليهم فكيف يفارقون رسول الله في أحكامهم ؟!.
وفي الحديث الثامن : استدل بآية 501 من سورة النساء للتفويض للأئمة { إنّا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله } يقول : هذه الآية مخصوصة بالأوصياء . فلا بد أن نقول إن الله تعالى يخاطب في هذه الآية رسوله وحده ، إذن أن الله لم يفوض إلى الرسول بل علّمه أن يحكم بما أراه الله ، إذن آية التفويض هي تعليم لرسول الله أن يحتكم إلى القرآن في قضائه .
ثانياً : نقول جدلاً في هذه الآية إن الله فوض لرسوله الحكم بما أراه الله فما علاقة هذه الآية بالأوصياء ؟! لا سيما أن الله لم يوح إلى الأوصياء ولم يرهم كما أرى رسوله . على كل حال فإن أخبار هذا الباب كلها مناقضة لآيات القرآن الكريم .
[ باب : في أن الأئمة بمن يشبهون ممن مضى
وكراهية القول فيهم بالنبوة ](154/246)
يقول : الكليني في عنوان هذا الباب تشبيه الأئمة بمن سبقهم والقول بنبوتهم مكروه ، ويظهر أن الكليني لا يحرم القول بنبوة الأئمة ولا يبطله بل يكرهه فقط . لأنه قد جاء في عنوان الباب ذلك ، وتلك هي فتواه .
ماذا نفعل إذن بالروايات التي رواها الكليني وغيره بأن لا نبي ولا نبوة بعد رسول الله ^ وأن من يدعي النبوة بعد خاتم النبيين كافر مهدور الدم ؟. ماذا نفعل بهذه الأخبار ؟ ألا يعتقد الكليني بها ؟، فلماذا رواها إذن في كتابه ؟.
يقول مثلاً في الحديث الثاني والثالث في هذا الباب نفسه قال الإمام : إن الله عزوجل قد ختم بنبيكم النبيين فلا نبي بعده .
هذان الخبران والخبر السادس عندما يقول الإمام الصادق عن الذين يقولون بنبوتهم : إن سمعي وبصري وبشري ولحمي ودمي وشعري من هؤلاء براء وبرئ الله منهم ما هؤلاء على ديني ولا على دين آبائي .
ألم يقبل أحمد البرقي الشاك في الدين وأبو طالب وسدير رواة هذا الخبر والكليني نفسه هذا الخبر حيث يقولون بكراهة القول بنبوة الأئمة مع أن القرآن يقول صراحة : { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين } .
وفي الخبر السابع في هذا الباب يقول إن الأئمة بمنزلة رسول الله إلا أنهم ليسوا بأنبياء ولا يحل لنسائهم ما حل لنساء رسول الله ، أما في غير هذا فهم بمنزلة أزواج رسول الله .
وهذا الأمر على خلاف الواقع لأن خصوصيات النبي ^ كثيرة لا يوجد لدى الأئمة شيء منها . كالمعراج مثلاً ، ووجوب صلاة الليل على رسول الله ^ ، وجواز زواجه بأكثر من أربع نسوة ، وجواز النكاح بلفظه الهبة . ومنها تحريم ارتفاع الصوت عند صوته ، وحرمة زواج أزواجه من بعده ، وغير ذلك .
[ باب : أن الأئمة محدَّثون مفهمون ]
كرر في هذا الباب ما ذكر في باب الفرق بين الرسول والنبي والمحدث ذاته ، وقد بينا بطلان ذلك هناك ولا حاجة إلى التكرار .
[ باب : فيه ذكر الأرواح التي في الأئمة ](154/247)
لا بد من العلم أن الدين الصحيح هو الذي توافقت موضوعاته مع الفطرة والعقل كما قُرر ، فإن كل ما حكم به العقل حكم به الشرع ، إلا أن المذاهب الخرافية كثيرة ومن الموضوعات المذهبية الخرافية التي تخالف العقل ما جاء في هذا الباب وأخباره .
روى في هذا الباب ثلاثة أحاديث وبقول المجلسي نفسه فإن الثاني والثالث منها ضعيف وغير معتبر لأن رواتهما أمثال محمد بن سنان من الكذابين والغلاة المشهورين .
والحديث الأول يضعف بسبب جابر الجعفي المغالي وإبراهيم بن عمر اليماني . قال الغضائري عنه ضعيف جداً ولوجود أحمد بن محمد البرقي الشاك في الدين .
أما متنها فيقول : إن للأنبياء والأوصياء خمسة أرواح مع أن القرآن يقول بشأن الأنبياء { بشر مثلكم } فلو كانت أرواحهم تختلف عن أرواح سائر الناس لقال الله ( بشر غيركم ) . ثانياً : يقول المفضل وهو من الغلاة في الخبر الثالث ، أن الإمام أسدل ستاره في بيته وهو يعلم ما في أرجاء الأرض . وهذا غلو وباطل ، لأن رسول الله لم يعلم شيئاً عن جيرانه وتأخرت زوجته(1) عنه في الطريق وما علم . وقتل أصحابه في بئر معونة وما علم ، فكيف يعلم الإمام كل شيء في كل مكان ؟.
ويلقى سيدنا الأمير رضي الله عنه امرأة في الطريق ويسمع أنها تتكلم عنه ويظهر أن زوجها قد قتل في ركابه ولها أطفال أيتام ولم يعلم به علي . وحتى في وقت خلافته كانت العيون تنقل إليه الأخبار فيتثبت منها بنفسه ولولا ذلك لما علم شيئاً من ذلك كما ذكر في نهج البلاغة .(154/248)
إن هؤلاء بهذه الأخبار يريدون أن يقولوا إن الأئمة علموا الغيب ، فهم مثلاً يقولون أو يريدون أن يقولوا بأن سيدنا الأمير رضي الله عنه علم بأنه لا يقتل في فراش النبي ^ أو إن سيدنا إبراهيم أيقن أن السكين لا تذبح حلق ابنه ... وهكذا وإذا كان الأمر كذلك فذلك ليس فضيلة وإنما الفضل كان بأنهم عملوا بهذه الأعمال بلا علم منهم بالغيب وأنه سيقع الغوث من الله لهم . فمثلاً لم يعلم سيدنا الأمير رضي الله عنه أنه سوف يبقى حياً إذا نام في فراش النبي ^ وظن أن سيقتل إذا نام فيه ، وكذلك سيدنا إبراهيم عليه السلام لم يعلم أن السكين لن تذبح حلق ابنه إسماعيل ، وعلى كل حال فهذه أخبار تخالف القرآن أوردها غلاة كمفضل وأسوأ من ذلك ، أنه يقول في هذا الخبر نفسه إن روح القدس روح خاص بالنبي ينتقل بعد موته إلى بدن وصيه تماماً كانتقال الروح من جسم إلى جسم وهذا هو التناسخ الذي قال سيدنا الرضا عنه : من قال بالتناسخ فهو كافر . فكيف يقبل أهل الملة الإسلامية هذه الروايات المكفرة دون سند قرآني لها .
[ باب الروح التي يسدّد الله بها الأئمة رضي الله عنهم ](154/249)
روى عدة أحاديث في هذا الباب واستدل فيها بالآيات القرآنية أن للأئمة روح غير روح سائر الناس ويؤيدهم الله بتلك الروح ويسددهم . والآن لا بد أن نرى هل القرآن مفهوم عند الناس جميعاً وأوضح وأسهل من أي كتاب لأن الله أنزله لعوام الناس وقال : { يا أيها الناس } وكرر أربع مرات في سورة القمر { ولقد يسرنا القرآن } وقال : { هدى للناس } وقال : { بيان للناس } وقال : { هدى وموعظة } والآن لا بد أن نرى هل تدل هذه الآيات التي تمسك بها الكليني على ذلك أم لا ؟ وهل يستدل إمام بمثل هذه الآثار الواهنة ؟ الآية الأولى في سورة الشورى الآية 25 : { وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا } وذكر قبل هذه الآية { أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء } .
ما القصد من هذه الروح الذي يقول الله عنها { وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا } يمكن أن يكون الوحي ـ وهو خاص برسوله ^ ولا دخل للأئمة رضي الله عنهم بها ، كما قال أمير المؤمنين أنه قد ختم به الوحي . إذن الخبر الثاني وأمثاله هنا عندما يقول ذلك الروح فينا وما صعد إلى السماء وإنه لفينا فهو كذب . وإذا كان القصد من الروح في الآية هو جبرائيل فهو ليس في يد أحد لا رسول الله ولا الإمام .
ولكنَّ أبا بصيراً يقول سألت الإمام عن هذا الروح الذي ورد في الآية حيث أن رسول الله ^ ما كان يدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكنه أدرك الإيمان والكتاب بذلك الروح فما هو ذلك ؟!.
قال الإمام : كان خلقاً أكبر من جبرائيل وميكائيل . ونحن نقول إن الأئمة علموا الكتاب والإيمان أيضاً لأنهم تعلموا القراءة والكتابة ، وفهموا القرآن أيضاً وكانوا تبعاً للقرآن ، وقد بين الله كيفية الإيمان في القرآن أيضاً . وبناءً على ذلك فلا يبقى للأئمة حاجة بتلك الروح ؟ سواء كانت أكبر من جبرائيل أم لا !.(154/250)
استدل في الحديث الرابع والسادس بآية : { يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً } الآية 58 من سورة الإسراء .
نقول هنا أيضاً إن الروح إذا كان الوحي فهو خاص برسول الله ولا يتعلق بالأئمة ، وإذا كان جبرائيل أو ملك أعظم من جبرائيل فليست هذه في أحد لا في الرسول ولا في غيره ، إذن ما معنى تلك الرواية التي تقول : هو فينا . يظهر أن الراوي لم يعرف كيف يصنع روايته وكان هدفهم فقط تخريب الدين وتحريف القرآن .
[ باب وقت ما يعلم الإمام جميع علم الإمام الذي قبله ]
روى في هذا الباب ثلاثة أحاديث يقول المجلسي إن الأول والثاني مجهولان والثالث مرسل وهذه الأحاديث رواتها أحوالهم معلومة وهم رواة الخرافة . وأما متنها فيقول : سيكون الإمام اللاحق عالماً بعلم الإمام السابق بنفس اللحظة التي يقبض فيها الإمام السابق .
أولاً : هذا أمر مخالف لروايات ذكرت في أصول الكافي أن في الأئمة روح أعظم من روح جبرائيل ، فمع وجود روح كهذه فلا حاجة إلى نقل العلم من صدر إلى صدر آخرتلك الروايات التي تقول إن الإمام محدَّث يعني تحدثه الملائكة وتعلمهم وكذلك تخالف الروايات التي وردت في باب جهات علوم الأئمة حيث يتعلمون من الجفر والجامعة ومصحف فاطمة والإلهام بالقلوب .
ثانياً : أن العلم أحد الصفات الروحية للعالم تنتقل إلى العالم الآخر مع انتقال الروح إليه . ولا يمكن أن ينفصل العلم عن روح العالم وينتقل إلى روح جاهل ، وعلم الصدر بالصدر من خرافة الصوفية والدراويش ، فكيف دخل هذا في كتاب الكافي ؟ لا أحد يعلم .
انظروا كيف مزج هؤلاء الرواة الذين لا يعرفون لله حقاً كيف مزجوا الخرافات بالإسلام ، وأدخلوه إليه باسم الإمام . ألم يكتب الكليني نفسه في باب فقد العلماء في هذا الكافي أن العلم يذهب بموت العالم ، فكيف نسى أم أنه كان جاهلاً أم لم ينتبه لما كتب ؟!.(154/251)
ثالثاً : يظهر أن الإمام اللاحق كان جاهلاً حتى موت الإمام السابق وهذا يخالف الذين يقولون إن الإمام عالم منذ ولادته بما كان وما سيكون .
[ باب : في أن الأئمة في العلم والشجاعة والطاعة سواء ]
روى في هذا الباب ثلاثة أحاديث الأول ضعيف والثاني مجهول كما قال المجلسي ، نعم فيه رواة كعلي بن حسان الغالي الكذاب وكان له تفسير باطني ليس فيه من الإسلام شيء ، والاخر عبدالرحمن بن كثير الغالي الخرافي الكذاب .
وأما المتون : في الحديث الأول قال عن الآية : { والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم } هنا نسب الوضاعون إلى الإمام أنه قال : ( الذين آمنوا ) مختص بمحمد وعلي . وقال في الحديث الثاني نحن الأئمة سواء في العلم والشجاعة مع علي ولكن قال في الحديث الثالث : بل إن محمد وعلي هما الأفضل .
ويحار القارئ من يصدق مِنَ الحديثين !! .
[ باب : أن الإمام يعرف الإمام الذي يكون من بعده .
وأن قول الله عزوجل : إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات
إلى أهلها فيمن نزلت ]
هذا الباب من الأبواب التي تهدف إلى إشاعة سوء الظن بين المسلمين وإثارة التشويش والإفساد بينهم وإراقة دماء الملايين منهم ، وهم لم يتركوا مجالاً لمحقق ناصح أن يمحص هذه الأخبار وعندما ألف أحد أصدقائنا كتاباً باسم ( نصوص الإمامة وطبعه بمساعدة بعض الأخوة الأحباء لم يمكنوه من نشره كاملاً ) ... لكي يدرك المسلمون وشعبنا معهم كذب هذه الأحاديث فيما يتعلق بنصوص الإمامة والصحائف المختلقة ، ولذا فنحن هنا نشير إلى بعض علائم الكذب في هذه الروايات برغم ما يعتريني من الضعف والشيبة والشيخوخة .(154/252)
رواة هذا الباب على الأكثر من الغلاة ومن ذوي المذاهب الفاسدة ومن الكذابين ولذا قال العلامة المجلسي بضعف الحديث الأول والثاني والرابع والسادس وقال : الثالث مجهول . ولكنه ضعيف أيضاً بسبب وجود محمد بن فضيل الغالي ، والحديث السابع يضعف بسبب وجود البرقي الشاك في الدين .
وأما متنها . فالحديث الأوّل حرف القرآن في آية : { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } ـ والمؤمنون المخاطبون هم أصحاب النبي الموجودون ، بدليل ضمير منكم الذي جعل وأولي الأمر منهم بدليل منكم ـ { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول } ـ أضاف الإمام هنا وإلى أولي الأمر منكم ـ نعوذ بالله ـ يعني إلى كتاب الله وسنة رسوله ـ { إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } وكلمة الإمام ، أي أولي الأمر منكم .
والقصد أن الله قال : لا بد أن تردوا النزاع فضلاً عن الله ورسوله إلى أولي الأمر ، وكما يطاع ولي الأمر فلا بد أن يرجع إليه في وقت النزاع لأن النزاع معه محال أصلاً لأنه معصوم وهذا يؤدي إلى القول بالأئمة الاثني عشر وهو قول الشيعة الاثني عشرية .
انظروا هنا لدعاوى الرواة العديدة : الأول أن القرآن قد حُرِّف ـ والعياذ بالله ـ يعني نقص وكان ـ أولي الأمر منكم ـ بعد ( تنازعتم ) وحذف ذلك ولم يحفظه الله مع أنه سبحانه تكفل بحفظه . وأنقصوا هذه الجملة من القرآن ، وهذا الادعاء الأول الظاهر البطلان يخالف القرآن أيضاً حيث يقول الله في سورة الحجر الآية 9 : { إنا له لحافظون } .(154/253)
والادعاء الثاني : أن أولي الأمر هؤلاء محصورون بالإمام المعصوم وهذا يخالف القرآن كما في سورة النساء الآية 38 : { وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم } حيث نزلت في غزوة ، مؤتة وباتفاق السنة والشيعة كان ولي الأمر هناك زيد بن حارثة ، ولم يكن إماماً معصوماً ، بالإضافة إلى أن الله تعالى قال في الآية المذكورة : { وأولي الأمر منكم } يعني من الأصحاب وهم قواد الجيش آنذاك والحكم يختص بزمن الرسول ولا علاقة له بالإمام المعصوم .
بالإضافة إلى أن الأئمة الاثنا عشر لم يكن العشر منهم أولي أمر فيقول الله : ردوا إلى أولي الأمر . ثمّ أنه يرسل عليٌّ رضي الله عنه مالكَ الأشتر رحمه الله إلى مصر ويكتب أنه الوالي وولي الأمر لكم وهو لم يكن معصوماً كما يقول في رسالة رقم 83 لأهل مصر وأطيعوا أمره فيما وافق الحق . فيبدو بناءً على نظرة هؤلاء الرواة أن علياً رضي الله عنه كذب في رسالته هذه ـ حاشاه ـ .
إضافة إلى أنه لما وقعت الخصومة بين معاوية وأصحابه وعلي وأصحابه لم يقل علي ارجعوا إليّ في النزاع لأنني معصوم . بل قال صراحة في نهج البلاغة : لما دعانا القوم إلى أن نحكم بيننا القرآن لم نكن الفريق المتولي عن كتاب الله تعالى وقد قال الله سبحانه : { فإن تنازعتم في شيء فرده إلى الله وإلى الرسول } . فرده إلى الله أن نحكم بكتابه ورده إلى رسوله بأن نأخذ بسنته .(154/254)
مع أن الحكمين خانا في صفين لأنه كان يتوجب عليهما أن يحكما بالقرآن والسنة ، ويجعلا القرآن حكماً ويستدلا بآياته ولكنهما لم يفعلا ، كما قال سيدنا الأمير في الخطبة 721 في نهج البلاغة : ( وإنما حكم الحكمان ليحييا ما أحيا القرآن ويميتا ما أمات القرآن ) إذن لم يقل ببطلان تحكيم الحكمين ، بل لقد كان الحكمان أحدهما بسيطاً والآخر ماكراً(1) . ولا يتعلق ذلك بسيدنا علي لأنه أراد أن يجعل ابن عباس حكماً فقال الناس : إنه من أسرته ولم يقبلوا ، وكذلك لم يقبلوا مالك بن الأشتر وقال : إن سيفه مسلول دائماً .
حتى جاؤوا بأبي موسى الأشعري وجعلوه أحد الحكمين ، إذن أصل يقين الحكمين أمر صحيح لأن الحكمين لا بد أن يرفعا النزاع بالرجوع إلى القرآن طبقاً للآية : { وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله } يعني أن الناس رضوا في الحقيقة بتحكيم القرآن ويمكن الاستفادة من الآيات الأخرى لنصب الحكمين أيضاً . كالآية { فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها } ورسول الله ^ عين حكماً في حرب بني قريظة ، على كل كان سيدنا علي رضي الله عنه أعلم بالقرآن من هؤلاء الرواة ، وكان يقرأ القرآن كما يقرؤه سائر المسلمين ، ولم يضف إليه جملة ( فردوه إلى أولي الأمر ) وكان يرضى أن يرجع الطرفان ـ وهو أحد أطرافه ـ إلى الكتاب وسنة الرسول ، لا إلى أولي الأمر . إذاً إما حديث الكليني هذا كذب أو أن الكذب في نهج البلاغة !.
وكذلك قال سيدنا علي لمالك الأشتر في نهج البلاغة الرسالة رقم 35 : ( فقد قال الله سبحانه لقوم أحب إرشادهم ) { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول } فالرد إلى الله هو الأخذ بمحكم كتابه والرد إلى الرسول هو الأخذ بسنته الجامعة غير المفرقة .(154/255)
إذن الذي يقول بصحة نهج البلاغة ويقبل علياً رضي الله عنه لا بد أن يرد حديث الكليني ، لكن يظهر أن هؤلاء الرواة الكذابين لا يلتفتون إلى كلمات علي أيضاً فضلاً عن تحريفهم القرآن . جاء في حديث 4 ـ 5 ـ 6 ـ 7 في هذا الباب أن الإمام لا يموت حتى يعلمه الله لمن يوحي ومن يؤم الناس بعد .
نقول كل هذه الأحاديث مخالفة للقرآن بكل الوجوه لأنه بناءً على آيات القرآن ونهج البلاغة لا يوحى لإمام ولا يتم تلقي العلم بعد النبي . ارجعوا إلى باب الفرق بين الرسول والنبي وستأتي تتمة هذا البحث بعد بابين من هذا الباب .
[ باب : أن الإمامة عهد من الله عزوجل
معهود من واحد إلى واحد ]
روى في هذا الباب والذي يليه روايات عن الغلاة في أن الإمامة والوصاية عهد من الله وعليه اختياره ، وحتى الإمام السابق لا يحق له أن يعين الإمام اللاحق إلا أن يعين الذي اختاره الله سابقاً ، روى هنا أربع روايات ضعفها المجلسي كلها أو قال بجهالتها ، وأما متنها فيقول :
على كل إمام أن يوصي بأن الله عيّن الإمام . ولقد قلنا إن الوحي انقطع بوفاة رسول الله وقال سيدنا الأمير رضي الله عنه في نهج البلاغة ( ختم به الوحي ) وقال في خطبة رقم 622 حين غسل جسد رسول الله ^ : ( بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك من النبوة والأنبياء وأخبار السماء ) .
إذن حينما لا يوحى للإمام تكون هذه الأخبار كلها كاذبة ، ولكن يقول في الباب التالي إن الإمامة وتعيينها لله ، ونحن نأتي بأحاديث ذلك الباب لنثبت أن هذين البابين كليهما من صنع الرواة المنافقين .
[ باب : أن الأئمة لم يفعلوا شيئاً ولا يفعلون إلا بعهد
من الله عزوجل وأمر منه ولا يتجاوزونه ](154/256)
هذا الباب كان وسيلة لبث النفاق بين المسلمين وقد روى فيه خمس روايات عد المجلسي منها ثلاثة ضعيفة وواحدة منها مجهولة لأن رواتها مجهولو المذهب ، كعيسى بن مستفاد الذي عده جميع علماء الرجال ضعيفاً ومضطرباً . وكحارث بن جعفر وعلي بن إسماعيل بن يقطين ، وكلاهما مجهولان ، وكأبي جميلة ، وكمحمد بن أحمد بن عبدالله العمري ، وكلاهما مجهولان أيضاً .
ويمكن أن يكون محمد بن أحمد العمري الذي ادعى البابية وقال أنا سفير الإمام ثم لُعن . وكذلك جعفر بن نجيح المجهول وأمثالهم .
وأما المتون : فقد صنع الكليني مذهباً مخالفاً لكتاب الله بهؤلاء الرواة ، فقد رووا أن الله تعالى أنزل صحيفة مختومة ممهورة من الله على رسوله عيّن فيها ولاة الأمة وأوصياؤها وكان ذلك وقت قبض روح النبي ^ حين أخلى الغرفة واختلى مع علي وفاطمة وقال لعلي : عليك أن تعمل بهذه الصحيفة وهذه الوصية وتوالي أولياء الله وتعادي أعداءه وتتبرأ منهم . وتكظم غيظك وغضبك عند أخذ حقك وغصب خمسك وهتك حرمتك وتصبر على ذلك ، وإذا هتكت حرمات الله ورسوله فعليك بالسكوت ولو خضبوا لحيتك بدماء رأسك فعليك أن ترضى .
قال علي : فصحت ووقعت على الأرض وقلت : فليكن ذلك فقد رضيت ولو هتكت الحرمات وعطلت الشعائر الإسلامية ومزق كتاب الله وهدمت الكعبة .
يقول الراوي : قلت لموسى بن جعفر رضي الله عنه أكان في تلك الصحيفة والكتاب ما يفيد استيلاء الخلفاء الغاصبين على أمير المؤمنين ومخالفتهم له أم لا ؟ قال : نعم والله .
وجاء في هذه الروايات بأنه كان أختام على هذه الصحيفة ولكل إمام أن يفتح ختماً واحداً ويعمل بما كتب فيها من الأوامر ، وذكر في رواية أخرى كان لكل واحد صحيفة خاصة وكان فيها ما عملوا في حياتهم من حرب وصلح وغيره .
والآن قل هل كان لكل واحد صحيفة خاصة أم كانت صحيفة واحدة عليها أربعة عشر ختماً وجاء هذا أيضاً متناقضاً في الروايات .(154/257)
وعلى كل فهذه الروايات كلها مخالفة للعقل والقرآن والتاريخ بدليل :
أولاً : أن هذه الصحيفة يقولون إن جبريل أنزلها على رسول الله ^ فلا يعقل إلا أن يقرأها الرسول على جميع أصحابه لا أن يختلي بعلي سراً ويبلغه إياها فلا يفهم الناس من أمرها شيئاً إذ أن الناس إذا عملوا على خلاف ما لا علم لهم به فلا حساب عليهم .
ثانياً : إن هذه الروايات المثيرة للفتنة والتي تقول إن حق علي سوف يغتصب تثير سؤالاً وهو : هؤلاء المهاجرون والأنصار الذين أثنى عليهم الله في كثير من آيات القرآن ووعدهم بالجنة وبيّن رضاه عنهم ، لماذا يغتصب هؤلاء حق علي ؟ وأي حق هذا الذي اغتصبوه ؟، وينبغي علينا أن نورد بعض الآيات التي اتفق على تفسيرها أهل السنة والشيعة كي يقرأها الناس ويطلعوا على الحقائق ، ففي سورة التوبة الآية 99 : { ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول ألا إنها قربة لهم سيدخلهم الله في رحمته ، إن الله غفور رحيم } وفي سورة التوبة الآية 001 : { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعَدّ لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم } .
هل هؤلاء المهاجرون الأولون الذين رضي الله عنهم ووعدهم الجنة الخالدة والفوز العظيم فهل هؤلاء هم الذين اغتصبوا حق علي ؟... هل كان الله سبحانه يجهل ـ نعوذ بالله ـ إنهم سوف يفعلون ذلك ومع ذلك أهملهم وتركهم يتمكنون ؟.
بل قد تم انتخاب أبي بكر ليتدارك الفوضى التي أوشكت أن تقع ولحفظ الإسلام وتدبير الأمن والحيلولة دون تسلط الكفار والمشركين ، وتم تشكيل حكومة لسد الفرقة وحفظ هيبة الإسلام وكيانه . ولو لم يفعلوا ما فعلوا لقامت قائمة بعض الكذابين كمسيلمة الكذاب وآخرون آلاف من أمثاله ولتمكنوا من القضاء على الإسلام وهو لا يزال حديث العهد لأن أغلب الأعراب حول المدينة قد ارتدوا .(154/258)
إذن فهؤلاء المهاجرون والأنصار قاموا بواجبهم خير قيام ولم يغتصبوا حق أحد لأن رسول الله ^ قد مدحهم ... وهم الذين نشروا الإسلام في بقاع الأرض .
3 ــ الآية 02 ـ 12 ـ 22 من سورة التوبة : { الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون ، يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم . خالدين فيها أبداً إن الله عنده أجر عظيم } .
هؤلاء المهاجرون الأولون والأنصار الذين مدحهم الله في كتابه ... من هم ؟.
إنهم ليسوا سوى الخلفاء الأربعة وسائر أصحابهم . ومع هذا يقول الشيعة إن روايات الكليني ورواته الوضاعون والمجاهيل صحيحة وهذه الآيات ـ نعوذ بالله ـ لا تعني شيئاً ! لماذا ؟ لأنهم يقولون إن أصحاب رسول الله ^ قد ارتدوا جميعاً إلا ثلاثة منهم : سلمان وأبو ذر والمقداد وهم ليسوا من المهاجرين ولا من الأنصار .
نحن نقول : إذا كانوا كفاراً ومرتدين فبمن تتعلق هذه الآيات التي تثني على المهاجرين والأنصار ؟ هل توفي كل هؤلاء المهاجرين والأنصار الذين أثنى الله عليهم في زمن النبي ^ أم أنهم خافوا من أبي بكر وعمر ؟، قولوا لنا : هل كان جيش أبي بكر سوى هؤلاء المهاجرين والأنصار ؟ هل كان لأبي بكر أفواج من السافاك والحرس ( الثوري ) أم تراه جهز جيشاً من الخارج ، أم أنه ـ نعوذ بالله ـ اشترى جميع المهاجرين والأنصار بمبالغ كبيرة كان يرشوهم بها ؟. أم ترى كانت له قبيلة كبيرة في المدينة ؟.
لا والله ... لم يكن هذا ولا شيء منه ؟ بل لقد اجتمع هؤلاء الأخيار الذين أثنى الله عليهم في كتابه واختاروا أفضلهم لحفظ كيان الإسلام وطلباً لرضا الله .
4 ــ سورة الأنفال الآية 27 : { إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض } .(154/259)
5 ــ سورة الأنفال الآية 47 : { والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقاً لهم مغفرة ورزق كريم } .
هل يمكن أن يكون الله سبحانه قد مدح المهاجرين والأنصار إلى هذا الحد ووعدهم المغفرة والجنة ثمَّ كان يجهل ـ نعوذ بالله ـ عاقبة أمرهم من أنهم سيرتدون كما يدعي الغلاة وأنهم سوف يغصبون حق علي ؟.
هل يرضى علي نفسه بكلام الغلاة هذا ؟ وأي حق هذا الذي غصبوه منه ، وهم لم يطلعوا على الصحيفة السرية ـ على حد قول الشيعة ـ فماذا تراهم يفعلون ؟ أليس عليهم أن يصونوا كيان الدولة الإسلامية ؟.
هل كان عليهم أن ينتظروا إذن الغلاة لحفظ ونشر الإسلام ليأتوا بعد مئات السنين ويعينوا لهم الواجبات ؟ وهل يحجمون عن نصرة الإسلام وفقاً لأمر الغلاة ؟.
إذن تلك الأخبار المختلقة التي تقول ارتد الناس على أعقابهم كفاراً إلا ثلاثة كانت كذباً يقيناً . وجاء قول الله تعالى :
6 ــ سورة التوبة الآية 711 : { لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم } .
7 ــ سورة الفتح الآية 81 والآية 92 وسورة الحج الآية 04 وسورة الحشر الآية 8 وسورة الفتح من الآية 4 حتى 92 يقول فيها : { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم ... } حتى يصل إلى قول { محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ... } إلى آخر السورة .
هل يمكننا بعد كل هذا المدح من الله لأصحاب رسول الله ^ وهو يعلم ما في قلوبهم من الإيمان أقول : هل يمكننا أن نقول إن الله لم يعلم ـ نعوذ بالله ـ أم أن الرواة الكذابون علموا خيراً منه ـ سبحانه وتعالى ـ ولم يعلم الله من عاقبة أمرهم ولكن الغلاة علموا ذلك !.(154/260)
8 ــ سورة البقرة الآية 482 : { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كلٌ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير } .
9 ــ سورة آل عمران الآية 461 : { لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً } .
01ــ سورة النساء الآية 49 .
11ــ سورة الحجرات الآية 71 .
21ــ سورة الجمعة الآية 2 .
31ــ سورة آل عمران الآية 661 إلى 961 ومئات الآيات وفيها كلها مدح أصحاب الرسول ^ غير أن الغلاة يعتبرونهم مرتدين .
ووجه كذب روايات هذا الباب هو أن الأئمة ابتداءً من علي رضي الله عنه وإلى الإمام العسكري كانوا يعتبرون من المتبعين لأحكام القرآن وكانوا يعملون بهذه الأحكام ويأمرون غيرهم باتباعها ولم ينقل أحد منهم أننا نتبع الصحيفة الخفية ولا يجب علينا اتباع القرآن .
ثم إن هذه الصحيفة التي بحوزة الإمام هل كانت تخالف القرآن أم توافقه ؟، فإن كانت توافق القرآن فلا معنى لوجودها أصلاً أما إن كانت تخالفه فيجب أن تضرب بالحائط ولا يعتد بها إطلاقاً ثم هل نستنتج من هذا أن علياً رضي الله عنه حين كان يخطب في نهج البلاغة في الخطبة رقم 671 :
( وليس على أحد بعد القرآن من فاقة ، ولا لأحد قبل القرآن من غنى ) أم تراه كان يحتاج حقاً لتلك الصحيفة بعد القرآن ؟!.
ثم هل يتوجب على عموم المسلمين الذين اختاروا ولي الأمر بالشورى امتثالاً للقرآن الكريم أن يعرضوا عن كتاب الله ويأخذوا بتلك الصحيفة الخفية ؟!.
ثم هل كذب علي أم صدق في خطبته حينما قال في الرسالة السادسة من نهج البلاغة :
( إنما الشورى للمهاجرين والأنصار فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضىً ، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه فإن أبى فقاتلوه لاتباعه غير سبيل المؤمنين ) ؟!.(154/261)
نعم إذا خرج عن أمر المهاجرين والأنصار خارج كالغلاة أو طعن فيهم ( وقالوا إنهم ارتدوا ) أو تمسك ببدعة ردوه إلى ما خرج منه فإن لم يقبل فقاتلوه لأنه اتبع غير سبيل المؤمنين .
لو كان علي حياً فماذا تراه كان يفعل مع هؤلاء الغلاة ؟، هل كان يجز رقاب رواة هذه الروايات(1) وإذا كان علماء الشيعة يريدون أن يجيبوا الله تعالى يوم القيامة فعليهم أن يتبرؤوا من هذه الروايات ويضربوا عليها إشارة البطلان . وسنزيد في بيان ذلك في الأبواب التالية إن شاء الله .
خامساً : إذا كان عمل الأئمة الذين اتبعوا الصحيفة متناقضاً ، فلماذا يتوجب على الناس الأخذ به ؟ وهل يمكن أن نوجه النقد لذلك الإمام الذي جعله الغلاة معصوماً ؟، وإذا صدر من هؤلاء الأئمة فعل أو قول مناقض للقرآن فماذا يفعل الناس ؟. هؤلاء الأئمة يصدر أحدهم الأمر بالحرب والآخر بالصلح وأحدهم يعمل بالتقية ويمنع الثاني ذلك ، فمن أين للناس أن يفهموا أن عمل هؤلاء مطابق لأمر الله ؟.
سادساً : هل يُعمل بدين الإسلام وشريعته وحكومته إلى يوم القيامة أم أن ذلك كان مشروطاً بعهد هؤلاء الأئمة فقط ؟. وإذا فرضنا جدلاً أن هؤلاء حكموا لمئتين وخمسين سنة علماً بأن حكومة المهدي المنتظر كما يقول المجلسي هي ثمان سنين ... ولنفرض صحة هذا الكلام كله ...
فماذا يفعل الناس بعد اندثار حكومتهم المؤقتة بغير شورى واختيار سوى ما عمل به صحابة رسول الله^ ؟.
ولا يخفى أنَّ هناك ألوف الإشكالات حول حكومة أصحاب الصحيفة المخفية ولكن بسبب طول ذلك سوف نختصر فإن هذا يحتاج كتاباً كاملاً بخصوصه .
سابعاً : يقول : إذا غصبوا خُمْسَكَ فاصبر . فلا بد أن نسأل : أي خمس هذا ؟ وإذا كان خمس الغنائم الحربية فذلك ليس لعلي رضي الله عنه . وإذا كان خمس الأرباح التجارية فذلك تختلف المذاهب بشأنه(1) . وإن كان علي رضي الله عنه أجل شأناً من أن يأكل هذه الأموال .(154/262)
ثامناً : يقول : إذا هتكت حرمات الله ورسوله وهدمت الشعائر الإسلامية إياك أن تتنفس ، هل هذا هو أمر الله ورسوله ؟. إضافة إلى أن أصحاب الرسول ^ كانوا حراساً للشعائر الإسلامية وحرمات الله ورسوله وإنما عز الإسلام بجهد المهاجرين والأنصار فكيف يرضى مسلم أن يعتبر هؤلاء ممن هتكوا الحرمات وضيعوا السنن الإسلامية ؟! وهل حفظ هؤلاء الغلاة الإسلام خيراً مما حفظه أصحاب الرسول ؟!.
فانظروا كيف يمكن أن يُشَوّه المسلمون الأوائل الذين أثنى الله عليهم في كتابه . ألم يوجب القرآن على المسلمين أن يقولوا : { ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا } ترى من يمكن أن يكون الذين ( سبقونا بالإيمان ) سوى أصحاب رسول الله ؟!.
إنهم هم ، كما قال سيدنا السجاد رضي الله عنه في دعائه الرابع من الصحيفة السجادية : ( اللهم وأصحاب محمد خاصة الذين أحسنوا الصحابة والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره وأسرعوا إلى وفادته وفارقوا الأزواج والأولاد في إظهار كلمته . وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت نبوته وانتصروا به ... اللهم وأوصل إلى التابعين لهم بإحسان الذين يقولون { ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان } خير جزاءك الذين قصدوا سمتهم وأْتمروا وجهتهم ومضوا على شاكلتهم ... إلى آخر الدعاء .
أي حقد وحسد زرعه أولئك الغلاة الماكرون برواياتهم المكذوبة في قلوب أتباعهم ضد المهاجرين والأنصار .(154/263)
تاسعاً : إذا كان أصحاب النبي ^ قد ارتدوا جميعاً وكانوا غاصبين ، فلماذا يدعو لهم سيدنا السجاد وسائر الأئمة ويمجدونهم ؟ ولماذا قدم سيدنا علي رضي الله عنه كل نصرة ومساعدة للخلفاء كما جاء في نهج البلاغة في خطبة رقم 081 يمدح فيها أصحاب الرسول ^ ويحزن على فراقهم ويقول : ( أوّه على إخواني الذين قرؤوا القرآن فأحكموه وتدبروا الفرض فأقاموه وأحيوا السنة وأماتوا البدعة ، دُعوا للجهاد فأجابوا ووثقوا بالقائد فاتبعوه ) ؟.
ولكنه اشتكى في كثير من خطبه من شيعته ولعنهم وقد نقلنا كثيراً من كلماته بشأن شيعته في آخر كتابنا « دروس من الولاية » كما بينا ذلك في هذا الكتاب في باب « أصحاب الأئمة » .
[ باب : الأمور التي توجب حجة الإمام ]
يريد الكليني أن يثبت ويبين حجية الإمام في هذا الباب وفي الرد عليه نقول : إذا كان الإمام منصوصاً عليه من الله تعالى فدلنا على ما قاله الله في ذلك ، ولا حاجة للأمور التي لا تتعلق بالموضوع أصلاً .
ثم ينقل عدداً من الأقوال عن عدد من مجهولي الحال والضعفاء ، فهم إما أنهم كذبة أو الروايات متناقضة ! أما رواته فمن أمثال أحمد بن محمد البرقي الشاك في الدين ، ويزيد بن الشغر الواقفي الذي قال بعدم موت موسى بن جعفر ، ثم أصبح بعد ذلك من صانعي الدلائل لحجية الإمام وغيرهما .
وأما المتن : ورد في الحديث الثاني أن أمارة حجية الإمام هي أن يجيب على الحلال والحرام .
ويقول في الحديث الخامس أن عليه أن يجيب عن الغد وهذا خلاف القرآن . بينما يقول الله لرسوله في سورة الأحقاف : { قل ما أدري ما يفعل بي ولا بكم } وآيات أخرى مثلها .
يقول في الخبر السابع أيضاً : الإمام هو الذي يتكلم بكل لغة ويعرف لغة الطيور والدواب ، وهذا مخالف للقرآن أيضاً لأن رسول الله ^ لم يكن يعرف لغة اليهود فضلاً عن لغة الطيور ، ويمكن الرجوع إلى سورة البقرة الآية 401 وسورة النساء الآية 64 .(154/264)
ثم إن أي أمارة أوردها في هذا الباب على حجية الإمام ليست دليل أبداً ... فكثير من الناس الفضلاء العلماء يجيبون على مسائل الحرام والحلال .
[ باب : ثبات الإمامة في الأعقاب وأنها لا تعود في أخ ]
رواة هذا الباب من الغلاة والكذابين على الأغلب ، كسهل بن زياد ويونس بن يعقوب الفطحي وأما المتن فيقول :
إن الإمامة في الأعقاب بعد الحسن والحسين ولا تجتمع في أخوين بعدهما ، ولا بد أن نقول إن الإمامة بمعنى القيادة يمكن أن تكون لكل مسلم يليق بها ، لأن الله يذكر في إحدى صفات عباده في سورة الفرقان قائلاً : { والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً } .
ولقد تولى الإمامة كلا الأخوين الإمام محمد الباقر وسيدنا زيد بن علي بن الحسين . فما الخطأ في أن يتولى كلاهما قيادة الناس إذا كانا عالمين بأحكام الإسلام ؟!.
فلماذا يتوجب على الناس أن يسمعوا كلام كذاب كسهل بن زياد ولا يستمعون إلى كلام زيد بن علي بن الحسين الموافق للقرآن . ولماذا تكون الإمامة منحصرة أصلاً ، إذ ليس في الإسلام أية فضيلة مختصة بأحد إلا عند الرواة الكذابين أمثال سهل بن زياد .
[ باب : ما نص الله ورسوله على الأئمة واحداً فواحداً ]
روى في هذا الباب 61 حديثاً ضعف المجلسي 21 منها أو قال بجهالتها . ورواة هذه الأحاديث الستة عشر هم كسهل بن زياد الكذاب وعلي بن أبي حمزة البطائني الواقفي الذي اختلس أموال موسى بن جعفر وسرقها ، وأبي الجارود الذي أسس مذهب الجارودية ولعنه الأئمة أو رواة مجهولي الأحوال ورواة خرافة .
وأما المتن : فقد استدل الإمام بآية في سورة النساء الآية 95 أن أولي الأمر قد نزلت في الحسن والحسين ، وقد كشفنا ما بها من كذب في باب أن الإمام يعرف الإمام الذي يكون من بعده فليرجع إليه . إضافة إلى أن الآية 38 من نفس السورة تثبت من هم أولوا الأمر ولا حاجة إلى الروايات .(154/265)
واستدل في الحديث الأول من هذا الباب على إمامة علي وأولاده من قول النبي ^ من كنت مولاه فعلي مولاه .
وليس في ذلك أية دلالة على الخلافة والإمامة . والمقصود من كلام النبي ^ هو محبة علي بقرينة موالاة من والاه ومعاداة من عاداه ... وتتمة هذا الحديث : أوصيكم بكتاب الله وأهل بيتي فإني سألت الله عزوجل أن لا يفرق بينهما حتى يوردهما على الحوض . نقول فليكن ذلك !.
ولكن الكليني ورواته ملأوا كتابهم بالقول عن أهل البيت بالروايات التي تخالف القرآن حيث باعدوا بين دين أهل البيت ومسلكهم عن القرآن نهائياً . ويظهر أن هؤلاء لا يؤمنون إطلاقاً بعبارة ( لا يفرق بينهما ) .
إضافة إلى أن أهل البيت تعني الأسرة وتدخل فيها أزواج الرسول ^ ، واستدل في هذا الحديث على إمامة علي والحسين رضي الله عنهما بآية التطهير . وها نحن نورد الآية ونفسرها لنبين الأمر للقارئ ... ولقد فهمنا من هذا الباب أن هناك عدداً من الذين لا يرغبون بالإسلام أرادوا أن يسقطوا القرآن من الاعتبار فنصبوا إماماً خيالياً نسبوا إليه ما تهوى أنفسهم فجعلوا هذا الإمام أعلى مقاماً من القرآن والرسول ، فقالوا إن القرآن والإسلام كله ليس شيئاً بل أن وجود الإمام هو كل شيء ، وذلك أنه يفيدهم هم وحدهم .
كما هو واقع في زماننا حيث يقول الروحانيون(1) في زماننا على المنابر ويرفعون القرآن بأيديهم ويقولون : يا أيها الناس لا يساوي هذا القرآن قرشاً بلا على .(154/266)
ويقولون بناءً على باب أن القرآن يهدي للتي هي أقوم يعني يهدي إلى الإمام ويهدي إليه فقط وأما آية التطهير في سورة الأحزاب فإنها تقع بين آيات تتعلق بأزواج رسول الله ^ ، فقد قال الله تعالى في الآية 82 : { يا أيها النبي قل لأزواجك ... } وقال بعد ذلك في الآية 03 : { يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة ... } وقال في الآية 13 : { من يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحاً ... } حتى يصل إلى الآية 23 قائلاً : { يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً } . { واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله } إلى آخر الآيات ، وليست آية التطهير كما توهم الغلاة . فقد ظنوها آية مستقلة بينما هي ليست كذلك ، وهي جزء من الآية التي تتعلق بنساء النبي ^ ...إذاً فجميع ضمائر الجمع المؤنثة تعود إلى أزواج النبي وهن المخاطبات .
وجملة { يريد الله } هذه إرادة تشريعية وقانونية لأن القرآن كتاب تشريع وقانون ... إذاً فإن الله تعالى يقول لهن : إرادتي هي أن تكونوا مطهرين باختياركن ، لأن الإرادة التشريعية يكون المكلف فيها ذا إرادة واختيار وعاملاً بإرادة الله ، وليست هي إرادة تكوينية فتقع كما لو أراد الله أن يوجد شيئاً من العدم فمثلاً : { إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون } كما لو أراد الله أن ينمو الشجر أو يأتي البرد فهذا لا يتعلق بإرادة المكلف . يعني إنه في الإرادة التكوينية ايجاد وتكوين بلا اختيار ... بينما الإرادة التشريعية تتعلق فيها الإرادة والاختيار بالمكلف وتقع إرادة الله بإيجاد ارادة المكلف .(154/267)
إضافة إلى أن الكلام في هذه الآيات كلها للتكليف كجمل : أقمن الصلاة وآتين الزكاة فيتبين من هذا أن الإرادة أيضاً إرادة تشريعية لا تكوينية ... إذاً هذا الذي أراده الله هو تطهير آل بيت الرسول وقال ( يطهركم ) هذه الإرادة تعني { يريد ليطهركم } في الآية 6 من سورة المائدة خطاب لجميع المؤمنين : { يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ... حتى يصل إلى قوله ... ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم } وإرادة الطهارة هنا إرادة تشريعية كما هو مجرى الكلام في الآية عن التكليف يعني يا أيها المؤمنون يريد الله ليطهركم بإرادتكم واختياركم أنتم ـ لا أن يجبركم على ذلك ـ وخطاب الله لأهل بيت الرسول يدل أصلاً على عدم عصمتهم في جملة { ليذهب عنكم الرجس } ويثبت عدم عصمة أهل البيت لأن الله يريد أن يذهب عنهم رجساً كان موجوداً ويزيله .
إذن هؤلاء لم يفهموا الآية فهماً صحيحاً حيث أثبتوا العصمة من خلالها ووقعوا في خطأ كبير .
فهذه الآية التي تتعلق بنساء النبي وسائر أهل البيت يريد الله منهم أن يتطهروا ويجعلوا أنفسهم طاهرين باختيارهم لا رغماً عنهم يجعلهم معصومين ومطهرين كالحجر الذي خلقه معصوماً ونظيفاً ، إذاً فالكلام ليس عن طهارة جبرية وليس هناك عصمة ذاتيه ، بل على أهل بيت النبي ^ أن يبعدوا أنفسهم عن التلوث ويجعلوا أنفسهم نظيفين بطهارة البدن والخلق ... وهذا هو ما أراده الله منهم لأنهم فضلاً عن كونهم مؤمنين يتصلون بسمعة رسول الله ^ .(154/268)
وكما تقدم فإنّ هذه هي إرادة الله من كل مكلف سواء كان نساء النبي أم أصهاره أم ذريته وكما أراد الله الطهارة من علي فقد أرادها من عائشة وخديجة وأم سلمة ... إذن هذه الآية لا تختص بعلي وفاطمة ، إضافة إلى أن جميع الضمائر في الآية مؤنثة إلا الضمير الوسط في جملة { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس ... } هذا الضمير مذكر لدخول النبي ^ في أهل البيت ، وخاطبهم الله جميعاً ، وغلب الضمير المذكر على المؤنث كما جاء في سورة هود الآية 37 مع أن المخاطبة هي زوج إبراهيم عليه السلام ولكن الله خاطبها بالضمير المذكر . لماذا ؟ لوجود زوج إبراهيم عليه السلام مع إبراهيم عليه السلام نفسه كما قال تعالى : { وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً إن هذا لشيء عجيب . قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد } .
قال الله تعالى في هذه الآية { عليكم أهل البيت } مع أن المخاطبة هي زوج إبراهيم . وجاء الضمير مذكراً بسبب وجود إبراهيم هناك . وكذلك الأمر في هذه الآيات التي تتعلق بنساء النبي وأهل بيته . بالإضافة إلى أنه لا يمكن غض البصر عن فصاحة القرآن ويستحيل ربط آياته بأحاديث موضوعة لأن الآية التي وردت فيها كلمة ـ أهل البيت ـ هي أول الآية والآيات السابقة واللاحقة كلها تتعلق بنساء النبي . وعلي رضي الله عنه له بيت مستقل وأهل بيت مستقلين لا يمكن أن نعتبره من أهل البيت ( هنا ) ولا بد من الإنصاف والبعد عن التعصب .(154/269)
وإذا قلنا بالعصمة في آية .. { يريد الله ليطهركم } فلا بد لنا أن نقول بعصمة جميع المؤمنين بدليل ما جاء في 6 من سورة المائدة حيث ورد فيها ... { يريد ليطهركم } فيصبح المؤمنون كلهم معصومين ! إضافة إلى أنه لا فضيلة للعصمة الذاتية التي تكون من إرادة إلهية تكوينية تستحيل معها المعصية ... وإن كل حجر ومدر يكون معصوماً بإرادة الله التكوينية .
فتبين إذن أن الله شاء الطهارة ورفع الرجس عن جميع أسرة النبي وأهل بيته سواء في ذلك زوجاته أو صهره أو بنته ، ولا يمكن لعاقل أن يقول إن الله لم يشأ الطهارة والنظافة من زوجات رسول الله بل أرادها فقط من صهره وبنته .
والعجيب من فضلاء الشيعة والسنة(1) الذين تركوا مفاد الآية نفسها وتمسكوا بروايات كرواية سهل بن زياد الكذاب الخبيث وأبي يونس الفطحي المذهب .
وصانعوا المذاهب هؤلاء استدلوا في هذا الحديث بآية 6 من سورة الأحزاب أو الآية 57 من سورة الأنفال : { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وازواجه أمهاتهم وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتب الله من المؤمنين والمهاجرين .... .} سورة الأحزاب 6 وهذه الآية لبيان الإرث كما ذكر عامة الفقهاء والمحدثون ، لما آخى رسول الله ^ بين المهاجرين والأنصار في أول الهجرة وجعل بينهما الأخوة التي توجب الإرث حتى نزلت الآية { وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض } وهكذا أصبح أولو الأرحام والقرابة أولى بالإرث من الأخوة التي حدثت بينهما ( المهاجرين والأنصار ) .
أما سهل بن زياد ويونس الكذاب فقد استدلا بهذه الآية أن الإمامة توّرث من الأب إلى الإبن . على سبيل المثال تصل الإمامة من زين العابدين علي بن الحسين إلى الإمام محمد الباقر .
إننا لا ندري لماذا حرف هؤلاء القرآن ؟ ولماذا جعلوا الآية خاصة بإرث الإمامة ، وإذا كانت الإمامة تورث حقاً لوجب أن تقسم بين جميع أبناء الإمام ولا تختص بواحد منهم .(154/270)
أما إذا كانت بتعيين من الله كما يقولون ؛ فإنها لا تتعلق بالإرث إطلاقاً .
فانظروا كيف لعب صانعوا المذاهب بالقرآن في هذا الحديث إذ يقولون : إن هذا التأويل صار هو المعتمد منذ استشهاد الإمام الحسين فما يليه لا قبله . وانظروا كيف تجاوزوا حد تأويل الآيات التي يقول الله بشأنها : { ما يعلم تأويله إلا الله } . وقد فضحنا مكرهم في باب أن الأئمة هم الراسخون .
وفي الحديث الثالث : استدل معلى بن محمد المغالي ، وأحمد بن البرقي الشاك في الدين ، وراوٍ مجهول آخر ، استدلوا لقول الإمام بآية : { إنما وليكم الله والذين آمنوا } وجعلوها خاصة بعلي وأولاده ، وادّعوا أن الولي بمعنى الأولى والأحق بينما الولي في هذه الآية تعني الولاية والمحبة بدليل القرائن السابقة واللاحقة . وارجعوا إلى القرآن . فقد قال تعالى : { لا تتخذوا الكافرين أولياء ... إنما وليكم الله ورسوله والمؤمنون ... } ونحن بينا هذا الموضوع في باب وجوب طاعة الأئمة ، وجاء هؤلاء الرواة الذين نعرف أحوالهم ورووا في هذا الحديث أن علياً كانت له حلة تساوي ألف دينار وقد أتاه مَلَك في هيئة سائل في مسجد الرسول وطلب إليه أن يعطيه فأعطاه إياها وقد أنزل الله في وصفه هذه الآية : { ويؤتون الزكاة وهم راكعون } .
ولا بد إذن لأولاد علي ( ويعني بذلك الأئمة ) الأحد عشر أن يعطي كل واحد منهم في ركوعه زكاة للملائكة لتثبت إمامتهم ويتصفوا بصفة علي في تلك .
لاحظوا الآن : إن هؤلاء الوضاعين لم يكونوا لينتبهوا : وهل تتنزل الملائكة على الأئمة ؟. هل ينزل جبريل بعد رسول الله على أحد ؟ وهل تحتاج الملائكة إلى الزكاة ؟. وهل لبس علي حلة ثمينة كتلك التي قالوا إنها تساوي ألف دينار ؟!.(154/271)
لقد وضع هؤلاء الروايات ، وكذبوا ، ورموا ثم تركوا المسلمين يتخبطون في الحيرة والخلاف وأغرقوهم في الخرافات عندما قالوا إن إمام المسلمين قد أعطى الملائكة حلة تساوي ألف دينار ، وقد قال بذلك عدد من صانعي المذاهب وصدقوه !.
في الحديث الرابع إلى السادس : استدل أبو الجارود ؛ يعني مؤسس مذهب الجارودية والسرخوبية والذي لعن من قبل الأئمة وقال الإمام عنه إنه أعمى الظاهر والباطن . نقول : شخص كهذا استدل بالآية 76 من سورة المائدة : { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الظالمين } يقول إن الله تعالى أمر رسوله أن يبلغ ولاية علي رضي الله عنه . ونحن سوف نشرح الآية لننشر طوية هؤلاء :
إنهم يقولون : عندما قدم النبي ^ وصحابته تلك التضحيات في بدر ، وأحد ، والخندق ، وخيبر ، وفتح مكة ، وغيرها وجاهدوا في كل تلك الحروب ، وقدموا فداءً كبيراً من الأموال ، والأنفس حتى فتحت مكة .. بعد هذا كله وفي آخر حياة الرسول ـ أخبر رسول الله ^ ـ صحابته أنه سيحج بهم ليعلمهم مناسك الحج ، وحج رسول الله مع المهاجرين والأنصار الذي أثنى الله عليهم في مواطن كثيرة من القرآن .. وفي طريق عودتهم إلى المدينة في غديرخم وهي موضع بين مكة والمدينة أنزل الله الآية الآنفة الذكر { يا أيها الرسول .... } وكأن الله تعالى يقول فيها لرسوله يا رسولي لا تخف من أصحابك لأنهم جميعاً كفرة ومرتدون ، وليسوا أهلاً للهداية والله يعصمك من شرهم . وبلغ أمر ولاية علي عليه السلام وخلافته .(154/272)
أنزل الله هذه الآية في حق أصحاب النبي ، بدل أن يقول لهم إن الله تقبل أعمالكم وشكر سعيكم في حجكم ، ولكن قال لهم : بلغ يا رسول الله ما نزل إليك من ربك بشأن خلافة علي وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ، والله يعصمك من هؤلاء الكفار المنافقين والله لا يهدي هؤلاء الكفار يعني أصحابك بهذا تم شرح الآية حسبما تأولها الكذابون .
الآن : لا بد أن نسأل : من هم الكفار في هذه الآية الذين يحفظ الله رسوله منهم ؟.
هل هم أصحابه الذين حجوا معه ، وبذلوا أرواحهم ، وضحوا معه بكل شيء ثم يوصفون بعد ذلك بأنهم كفرة ؟ أليس هذا بعيداً عن إنصاف الله وعدالته ؟
ثانياً : يقولون إن الله قال : بلغ ما أنزل إليك من خلافة علي فقولوا لنا : ما هي تلك الآية المتعلقة بخلافة علي ، وأمر رسول الله بتبليغها ثم عصى ربه ولم يبلغها ؟.
لقد وعظهم هناك ساعة أو أكثر وكان يقول : ( من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم والِ من والاه وعاد من عاده ) ثم لم ينطق شيئاً بشأن الخلافة وليس في القرآن آية كهذه . فعليكم أيها الرواة إما أن تتلوا علينا الآية التي نزلت بشأن الخلافة أو أن تضربوا الصفح عن هذه الروايات التي جاء بها أبو الجارود الملعون ، وسهل بن زياد .(154/273)
وكيف يخاف النبي في هذا الموطن وهو الذي لم يعرف الخوف أبداً ومنذ اليوم الأول لرسالته ... كيف يخاف أخيراً وفي إمرته سبعون ألفاً من المسلمين مستعدون للجود بأنفسهم وأرواحهم في سبيل الدعوة . ثمَّ هل هذه الآية 76 تتعلق بكفر أصحابه ؟ الجواب : لا قطعاً بدليل القرائن السابقة واللاحقة ؛ فإن هذه الآيات تتعلق بكفر اليهود ، والنصارى ، ودولة الروم حيث نزلت هذه السورة في محاربتهم ، وكل آياتها في سورة المائدة . ومن جملتها يقول الله لرسوله : { بلغ ما أنزل إليك من ربك } وبعد ذلك مباشرة في الآية 86 يقول : { قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة ... } يعني ليس هناك فصل في سياق القرآن بين أمر الله بتبليغ الرسالة والرسالة نفسها .
وكذلك في سائر الآيات قبل وبعد هذه الآية ، حيث كلها تتعلق بكفار اليهود والنصارى ، وليس هناك كلام عن الولاية ، ونحن وضحنا ذلك في كتابنا ( قبس من القرآن ) فليرجع إليه القارئ الكريم .
والآن هل من الممكن إثبات أصل من أصول الدين ( يعني الإمامة ) بالإستناد إلى الأخبار التي جاءت من قبل الكذابين على الرغم من مخالفتها للقرآن صراحة ... فهل الإسلام دين بهذا الوهن ؟!.(154/274)
وفي الحديث الثامن : روى عدد من الغلاة ومجهولو الهوية ، أن الإمام الصادق استدل على خلافة علي بالآية 29 من سورة النحل وحرّف الآية وقرأها هكذا ( ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم أن تكون أئمة أزكى من أئمتكم ) بينما الآية في حقيقتها وفي كل المصاحف المتواترة { أن تكون أمة هي أربى من أمة } ولكن رواة الكليني حرفوا الآية عن قول الإمام وقرؤوها ( أن تكون أئمة هي أزكى من أئمتكم ) ووقعوا في الخطأ . لأن الأئمة جمع إمام ، ولا يمكن أن يعود إلى ضمير المؤنث ( هي أزكى ) لأن الأئمة ليسوا جمع مؤنث ولا بد أن يقال ( هم أزكى ) وبهذا وغيره عرف هؤلاء الرواة أنفسهم وأئمتهم بأنهم جهال مخربون مفترون على القرآن .
يقول في هذا الحديث : قال الراوي للإمام نحن نقرأ بناءً على ما ورد في جميع المصاحف { أمة هي أربى من أمة } فأجاب الإمام إشارة بيده ... أن اتركوه .
فهل هذا إمام حقيقة ؟! ويقول الإمام أيضاً في هذه الآية في الجملة التالية : ( إنما يبلوكم الله به ) يعني بعلي . وفي الآية التالية : ( ولا تتخذوا أيمانكم دخلاً بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها ) يعني بعد مقالة رسول الله في علي . وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ، يعني بعلي .
والمعنى أنهم يريدون أن يقولوا إن كل هذه الآيات تختص بعلي وتلصق به قسراً .
وإن الجهلة ليصدقون كل ما يقال ... إلا أن الرواة الكذابين لم ينتبهوا إلى أن هذه الآيات في سورة النحل وهي سورة مكية نزلت في مكة ... وفي مكة لم يكن هناك نقض لعهد الإمامة والأئمة حتي تنزل هذه الآيات . ألا لعنة الله على الكذابين الوضاعين .
وأما الحديث التاسع والعاشر ؛ فيحتاجان إلى شخص دقيق لا شغل له سوى التأمل فيهما ليرى ما الذي نسجوه من زخرف القول ؛ ليختلقوا مذهباً كيفما اتفق ويوجدوا التفرقة بين أفراد الأمة الواحدة ، ويضربوا بذلك الإسلام .(154/275)
أما الرواة كسهل بن زياد الكذاب الفاسد العقيدة المغالي ، والذي روى عن محمد بن عيسى ، الذي روى عن محمد بن يحيى ، وهو رجل خرافي روى عن محمد بن سنان وهو مشهور بالكذب والغلو ، وقد روى عن رجل مجهول يدعى عبدالحميد بن أبي الديلم ؛ ومن رواة كهؤلاء يظهر حال متن الرواية وفي متونها حملوا بعض الآيات القرآنية على ما يتفق مع ميولهم خلافاً للمتن القرآني ، وحمَّلوها معانٍ لا يرضى عنها صاحبها ونسبوا هذه المخالفة للإمام وبذلك بدا الإمام مخرباً للقرآن ، فعلى سبيل المثال :
أثنى الله في سورة المائدة على التوراة وعلى العلماء الربانيين الذين حفظوها ، ويقول في الآية 44 : { إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذي أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء } .
يقول رواة الكليني إنهم حفظوا اسم الله الأعظم ويقولون في آية { لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط } إن هذا الكتاب ليس كتاباً إنما هو اسم الله الأكبر وسائر كتب التوراة والإنجيل والفرقان والزبور وصحف إبراهيم وموسى وسائر كتب الأنبياء كلها اسم الله الأكبر ؛ فهي لم تكن صحفاً ولا كتباً .
ولما قال الله تعالى في سورة الأعلى الآية 81 ـ 91 : { إن هذا لفي الصحف الأولى ، صحف إبراهيم وموسى } لم يكن هناك صحف بل كان الاسم الأكبر الذي بحوزة علي رضي الله عنه .
ولما قال الله لرسوله في آية 721 من سورة النحل : { ولا تحزن عليهم } نزلت في مكة بشأن الكفار ، ويقول هؤلاء الوضاعون لا شأن للكفار بهذه الآية بل لقد قال الله له ( لا تحزن على أصحابك وأعلن وصاية علي ) . وفي سورة الزخرف الآية 88 ـ 98 لما قال الله لرسوله : { إن هؤلاء قوم لا يؤمنون } { فاصفح عنهم وقل سلام فسوف تعلمون } قصد بذلك أصحابه ـ يعني أصحابك لا يؤمنون ـ { وقل سلام فسوف تعلمون } .(154/276)
والعجيب حقاً من الكليني أنه حرّف ولم ينتبه إلى أن الآية 98 من سورة الزخرف ليست ( فسوف تعلمون ) بل هي { فسوف يعلمون } بصيغة الغائب ، والواقع أن هؤلاء الرواة لم يفرقوا بين المخاطب والغائب وأرادوا أن يظهروا الإمام بمظهر من لم يطلع على القرآن فنقلوا هذه الآية محرفة عن الإمام .
والآيات السابقة واللاحقة التي أوردوها في السور المكية لا تتعلق أبداً بخلافة علي ولا بسائر الخلفاء ولكنهم كذبوا لخداع العوام ، ومن جملة ذلك يقول الله في سورة الحجر الآية 79 : { ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون } ففسر هؤلاء الرواة الكذابون ذلك بقولهم يعني يضيق صدرك بما يقولون عن خلافة علي .
وكذلك أتى بآيات 8 ـ 9 من سورة الانشراح ، وهي سورة مكية لتأييد فكرة خلافة علي ، وقرأ الآية خطأ لكي يستفيد منها في دعوى خلافة علي ، فهم يقولون إن الآية ليست { فإذا فرغت فانصب } بل هي ( فأَنصِبْ ) بفتح الهمزة وكسر الصاد من باب الإفعال ، يقولون أن هذا يعني إذا فرغت من رسالتك فانصب علياً للخلافة ، مع أن ( فانصب ) من الثلاثي المجرد ، وهمزتها همزة الوصل ولا تقرأ ، والصاد مفتوحة لا مكسورة ، والتفسير الصحيح لها هو إذا فرغت من العبادة فانصب نفسك لهداية المشركين ، وهذه السورة مكية ولا علاقة لها قط بالفراغ من الرسالة ونصب الخلافة ؛ ولكن هؤلاء الرواة عديمو المعرفة بالله يسعون إلى استخراج حكم الخلافة والخليفة من القرآن كذباً وزوراً .
فبالله عليكم انظروا كيف يجهل هؤلاء الرواة وقائع التاريخ إضافة إلى كل خرافاتهم ويقولون أيضاً إن النبي ^ عندما عرف ولاية علي في الغدير قال له أرسل رجلاً إلى حرب خيبر يكون محباً لله ولرسوله ، ولقد جهل هؤلاء الرواة المغفلون أن غزوة خيبر كانت في العام السابع وقصة الغدير كانت في العام العاشر الهجري .(154/277)
بعد ذلك يقولون ، بينما كان رسول الله ^ يخطب خطبة الغدير ( أو بعدها بقليل ) نزلت آية الخمس ، وبيَّنها للناس مع أن آية الخمس نزلت في غنائم بدر في العام الثاني للهجرة ولا تتعلق بعلي أصلاً . وبعد هذه الآية أردف الوضاعون قولهم عن الآية 32 من سورة الشورى حيث قال الله : { قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى } يعني : قل لا أطلب أجرا لرسالتي إلا المودة في التقرب إلى الله والآية الشريفة لا تتعلق بعلي رضي الله عنه ولقد توهم هؤلاء الوضاعون ذلك فحرفوا الآية وقالوا ( ذي القربى ) مع أن ما ورد في الآية هو { في القربى } لا ذي القربى ، ولكنهم بدلوا الكلمات حسب أهوائهم ، ويقولون إن المعني بذي القربى هو علي رضي الله عنه مع أنه لم يرد في أية لغة { في القربى } بمعنى ( ذي القربى ) إضافة إلى أن هذه السورة وآياتها نزلت في مكة وكفار مكة لم يقبلوا رسالته حتى يطلب منهم لله خمس ثروات الأرض كأجر لرسالته لأقربائه والمنسوبين إليه !. هذا ما فعلوه بشأن التحريف المعنوي حيث تلاعبوا في كثير من الآيات التي لا يفهمها سوى أهل القرآن وليس الغلاة المتعصبون ، فقد توهم هؤلاء الرواة أن الآيات المكية مدنية وعارضوا القرآن بقدر ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً .
[ باب : الإشارة والنص على الحسن بن علي ]
روى في هذا الباب سبعة أحاديث ؛ خمسة منها ضعيفة ، أو مرسلة ، ومجهولة ، ومرفوعة على حد قول المجلسي ، مع أن المجلسي يسعى ويعمل على إصلاح وتصحيح روايات الكافي في السند والمتن مهما أدى ذلك إلى تأويلات بعيدة .
على سبيل المثال ما جاء في هذا الباب : فأبان ، وسليم بن قيس ، رجلان مجهولان ، وكتاب سليم بن قيس فيه الكثير من الكذب ، والموضوعات المخالفة للعقل والتاريخ ، ولكن المجلسي عد الكتاب معتمداً بما أن الكليني اعتمده . وما من أحد يسأل المجلسي ما قوله بهذه الأكذوبة الطريفة .(154/278)
ولقد بينا قليلاً من كذبه في باب اختلاف الحديث ، ولقد عد المجلسي حديث سليم هذا حسناً مع أنه ضعيف جداً . وهناك كثير من الرواة الذين هم أسوأ من سليم في هذا الباب ، كأبي الجارود حيث كان أعمى الظاهر والباطن مع أنه ليس في هذا الباب شيء يذكر إلا أنه يريد أن يثبت أن الإمام عليا رضي الله عنه أوصى لابنه الحسن رضي الله عنه وليس في هذا منكر ؛ لأنه كان الابن الأكبر ، ولذلك أصبح وصي أبيه حيث يمكن للابن الأكبر أن يصبح وصياً لأبيه كما قال ابن النديم في كتابه ( الفهرست ) ولقد كان لدى أولاد الإمام الحسن مصحف مكتوب بخط علي ، فأخذه أولاد الإمام الحسن إلى أبيهم للتجليد ، مع أن هذا المصحف لم يكن موجوداً لدى أبناء الحسين ، وهذا أمر واضح ولكن الكليني شاء أن يصنع من روايات الوصية هذه نصاً إلهياً ، مع أنها ليست بذات فائدة أبداً .
وبناءً على ما جاء في كتب التاريخ كمروج الذهب ، وكتاب الحكومة في الإسلام والكتب الكثيرة الأخرى ، عندما ضرب سيدنا الأمير اجتمع الناس حوله وقالوا : من نبايع بعدك . فقال لكم الخيار ... الذي ترونه صالحاً .
قالوا : نبايع ابنك الحسن . قال الخيار لكم . وسيدنا الأمير نفسه عندما أراد مبايعته قال : لا يتولى أحد هذا الأمر إلا باختياركم له . وقال في الرسالة السادسة من نهج البلاغة :
( من اختاره المهاجرون والأنصار للإمامة والقيادة فهو إمام ولله رضى ) . ولقد قال ذلك لتأييد خلافته وخلافة الخلفاء . وكتب سيدنا الحسين رضي الله عنه لأهل الكوفة : إذا بايع أهل العقل والكبار منكم مسلم بن عقيل وطلبتموني سآتي إليكم .
إذن فالإمامة والقيادة تكون باختيار العقلاء ، وأصحاب الحل والعقد ، ولكن الكليني ورواته يريدون أن يخرجوا الإمامة والزعامة من أخبار الوصاية ، والحال أن الوصاية لا تتعلق بالإمامة بشيء .(154/279)
وليت الكليني ورواته قبلوا روايات هذا الباب ؛ لأن سيدنا الأمير رضي الله عنه يقول في الحديث السادس في هذا الباب ما يلي :
( كم اطردت الأيام أبحثها عن مكنون هذا الأمر فأبى الله عزوجل إلا إخفاءه ... هيهات ... علم مكنون ) . كما قال هذا البيان في نهج البلاغة في خطبة رقم 941 ولكن الكليني يقول في باب ( أنهم يعلمون متى يموتون ) ما يخالف قول علي ، فالأئمة عنده يعلمون وقت موتهم ، وحتى الإ وَزّ يعرف ذلك فيرجى الرجوع إلى ذلك .
يقول الإمام في هذا الحديث السادس بأني ذاهب من بينكم ( مفارقكم ) ولكن شيعته تقول : كلا إنه حي ومطلع على أخبار الناس وحاضر وناظر في كل مكان ؛ ولكنه يقول : ( وإن أفن فالفناء ميعادي ) يعني موعدي هو الفناء وقد كنت فيكم أياماً ثم يكون جسدي بلا روح وبلا حركة .
[ باب : الإشارة والنص على الحسين بن علي رضي الله عنهم ]
روى ثلاثة أحاديث في هذا الباب ، والمجلسي ضعف الثلاثة في كتاب مرآة العقول ؛ لأن فيه رواة مفضوحين ، ذمهم علماء الرجال ، كبكر بن صالح ، وقالوا إنه ضعيف جداً ويروون العجائب والغرائب التي ليس لها ما يؤيدها ، وقال الممقاني جميع رواياته لا اعتبار لها .
والآخر هو سهل بن زياد الغالي الكذاب ، والآخر محمد بن سليمان الديلمي ، قال علماء الرجال فيه أنه ضعيف جداً ، ومن الغلاة .
هل يريد الكليني أن يصنع أصولاً للمذهب عن رواه كهؤلاء ؟!.(154/280)
وأما متنها فلا أحد ينكر رواية الأول والثالث ، حيث تتعلقان بوصية الإمام الحسن للإمام الحسين ، ولكن الكليني يريد استنتاج النص الإلهي للإمامة من هذه الروايات وتعميمه ولكن أنى له ذلك ؟ وأما الخبر الثاني فرواية سهل بن زياد هذا ، ومحمد بن سليمان ، ومفضل المغالي ، وقد رووا عنه من العجائب والغرائب التي تخالف الشرع والعقل . يقول في هذا الحديث قال الإمام الحسن لأخيه محمد بن الحنفية، اجلس ومثلك يجب أن لا يمنع من سماع كلام يحيا به الميت ويموت به الأحياء ، ويقصد بذلك كلامه نفسه ولا أعتقد أن أحداً يمكن أن يمتدح نفسه وكلامه بهذا الشكل ، وخاصة الإمام الحسن رضي الله عنه الذي كان عارفاً بالقرآن والسنة ؛ فلا يعقل أن يتفوه بذلك وبعد ذلك يقول لأخيه : لو شئت أن أخبرك وأنت نطفة في ظهر أبيك لأخبرتك ، وهذا الكلام هو كلام رجل يخالف القرآن غروراً وصلفاً لأن القرآن يقول في سورة لقمان : { إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام } .
وقال سيدنا الأمير رضي الله عنه في خطبة رقم 621 : هذه العلوم خاصة لله ، ولا يعلمها أحد حتى الأنبياء والأوصياء ، أما الراوي المغالي فيقول إن الإمام الحسن قال : أنا أعلم ، وبعد ذلك يقول إن الإمام الحسين إمام وإمامته وراثة من النبي ووراثة علي وراثة من فاطمة ، وهنا يجدر القول :
أنتم تعتقدون أن الإمامة تكون بتعيين الله ، فلماذا أصبحت هنا وراثية ، فما معنى أنها وراثية من فاطمة ، هل كانت هي من الأئمة ؟! ولا معنى أصلاً للإمامة الوراثية إلا لدى الصوفية الذين يرثون خرقة الإرشاد من الأب إلى الابن ، وبعد ذلك يقول : أنا اخترت الحسين للإمامة .
ويجدر هنا التساؤل : إذا كانت الإمامة وراثية ، فلا علاقة لها بالانتخاب أصلاً .
فانظروا كيف نسج عدد من العوام الغلاة ما شاؤوا ، وجاؤوا بمذهب يدعون أنه إلهي .
[ باب : الإشارة والنص على علي بن الحسين
رضي الله عنهما ](154/281)
روى أربعة أحاديث في هذا الباب ، يقول المجلسي بضعف الأول والثاني . والرابع لا يتعلق بهذا الباب ، يقول المؤلف فيه رواة مفضوحون جداً كأبي الجارود الذي صنع مذهبي الجارودية والسرخوبية ، وقال الإمام إنه أعمى الظاهر والباطن ، والراوي الآخر بكر بن صالح وهو من الغلاة وهو ضعيف أيضاً ، وينقل أشياء لا أساس لها بناء على ما يقوله علماء الرجال وهو كثير التفرد بالغرائب .
وأما متونها فمتناقضة : جاء في الحديث الأول ، قال الإمام : لما ابتلي الإمام الحسين رضي الله عنه أعطى وصيته لفاطمة الصغرى . وجاء في الحديث الثالث أنه أعطاها لأم سلمة ، على كل حال لأي أحد أعطى وصيته فهذا الأمر لا يتعلق بالإمام المنصوب من عند الله ، ولا يتضح لنا مراد الكليني ورواته من رواية هذه الأخبار الثلاثة .
[ باب : الإشارة والنص على أبي جعفر رضي الله عنه ]
روي هنا أربعة أحاديث ، عدها المجلسي كلها ضعيفة ومجهولة ، وأما متونها فتقول : أعطى علي بن الحسين حين وفاته صندوقه ، وكتبه إلى ابنه محمد بن علي .
وهنا لا بد من القول إن كل من أوشك أن يفارق الدنيا يعطي أشياءه وكتبه إلى الأمين من أولاده ومن يثق به ، وهذا لا يفيد الإمامة المنصوص عليها من عند الله والتي يقصدها الكليني .
[ باب : الإشارة والنص على أبي عبدالله جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام ]
وردت هنا ثمانية أحاديث ، ورواتها إما من المجاهيل أو من الضعفاء ، وإن كان فيهم ثقة فلا اعتبار له لجهالة من قبله أو بعده ، وأمّا متونها فتقول : إن الإمام أبا جعفر رضي الله عنه أثنى ـ مثلاً ـ على ابنه جعفر بن محمد بأن أخلاقه مثل أخلاقه هو ، ووصى إليه أمر تكفينه ودفنه وهذا أمر لا يُنكر ، ولكن لا يستفاد منه الإمامة المنصوصة من عند الله .
[ باب : الإشارة والنص على أبي الحسن موسى
رضي الله عنه ](154/282)
وردت أحاديث في هذا الباب تسعة أعشارها مجهولة ، ومرسلة ، وضعيفة ، وأكثر رواتها من المتزلفين ، والخرافيين كما ذكر في مرآة العقول .
وأما متونها فتخالف القرآن ؛ لأنه في الحديث الأول يقول الراوي فيض بن مختار للإمام : إذا لم أعرف الإمام الذي سيكون بعدكم أفأكون من أهل النار . وفي رواية نقلها الممقاني يقول :
إذا مت قبلك دون أن أدري من هو الإمام الذي سيأتي بعدكم ، فهذا لا إشكال فيه ، ولا يضر بديني ؛ ولكن إذا بقيت بعدك ولم أدر به أفأكون من أهل النار .
لا بد من القول ... ألم يقرأ هذا القرآن حيث يقول الله تعالى في سورة البقرة الآية 26 والآية الأخرى : { من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون } . فالأمان من النار يكون بالإيمان بالله ، والقيامة وليس الإيمان بزيد وعمرو ، وما معنى أنك إذا مت قبل الإمام الصادق فإنك تكون من أهل الثواب وإن مت بعده ولم تعرف الإمام الذي يليه فإنك تكون من أهل النار ؟.
ترى هل اختلفت أصول الدين قبل الإمام وبعده ؟.
ولكنَّ هؤلاء مجهولي المذهب المتزلفين أتوا لأمتنا بمذهب وأصول جديدة للدين !.
فماذا كانت أصول دين الإمام الصادق يا ترى ؟ هل كان إيمانه يعني معرفته بنفسه وأبنائه فيؤمن المأموم به وبأولاده ، وهل تختلف أصول دين الإمام عن المأموم ؟!.
وهل أصول الدين التي تتعلق بالإيمان يحددها الله تعالى أم العباد ؟. ولم يأت الله في كتابه بشيء ينص على الإيمان بالإمام .
وفي بعض أحاديث هذا الباب ورد أن موسى بن جعفر لما ولد أصبح إماماً ، كيف يكون الطفل غير المكلف الذي لم يحصل علماً إماماً للآخرين ؟.
ترى هل يوحى للإمام من حين ولادته ؟ هل يعين رواة الكليني أصول الدين والإيمان التي هي سبب دخول الجنة أم أن الله ورسوله هما اللذان يعينان ذلك ويبينانه ؟!.(154/283)
ألم يبين الله لنا ما يجب علينا الإيمان به أم ترى ترك ذلك للكليني ؟ هل كانت أصول الإسلام والإيمان به ناقصة ليأتي فيض بن مختار ويتمها ؟!.
يقول في الحديث التاسع : إن فيضاً أخبر يونس بن ظبيان الذي كان من رفاقه خبر إمامة الطفل .
والآن يجب أن نعرف من هو يونس بن ظبيان لنعلم من هو فيض ؟ لأن رسول الله ^ قال : يعرف المرء بجليسه ، فيونس بن ظبيان من الغلاة ومن مشاهير الكذابين . يقول علماء الرجال عنه إنه ضعيف ولا يعتنى بحديثه وكان يونس بن ظبيان رجلاً خبيثاً حيث قال للإمام الرضا رضي الله عنه : كنت في الطواف فجاء الله فوق رأسي وخاطبني وقال : يا يونس إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري . فغضب سيدنا الرضا وقال له : اخرج . وقال لرجل آخر حاضر عنده : أخرجه . ثم قال له : لعنة الله عليك وعلى من خاطبك . أخرج ، وقال ألف لعنة على يونس بن ظبيان وبعده ألف ألف لعنة وكل لعنة تؤديه إلى النار وقال الإمام : أشهد أن الذي خاطبه كان هو الشيطان ألا إن يونس مع أبي الخطاب سيكونان في القيد وفي الحديد وفي أشد العذاب .
إنهم كذابون تركوا القرآن وأضافوا إلى الدين أصولاً لا صحة لها ولا أساس مع أن كل إمام ليس إلا تابعاً للدين لا أصل له ولا فرع .
في حديث 11 : روى محمد بن سنان ، وهو من الكذابين المعروفين ، ومن الغلاة كما يقول عنه علماء الرجال روى عن يعقوب السراج وهو ضعيف أيضاً كما يقول عنه ابن الغضائري . قال : دخلت على الإمام الصادق وكان موسى بن جعفر في المهد فقال لي الإمام جعفر الصادق : أدن من مولاك . فاقتربت وسلمت على الطفل الرضيع فرد السلام باللغة الفصحى وقال لي : غير اسم ابنتك فإن اسمها مغضوب عندالله . ثم قال الراوي : وكان اسم ابنتي حميراء فغيرت اسمها .(154/284)
انظروا كيف يجعلون الإمام الرضيع أعلى من النبي ^ فالنبي لم يصبح نبياً إلا بعد سن الأربعين وهو بعد أن أصبح رسولاً لم يكن يعرف أسماء الحاضرين عنده ، ولكن هذا الطفل الرضيع يعرف أسماء الجميع وحتى البنت التي لم يرها ... والآن لاحظوا لماذا انتبه إلى ابنته واسمها ؟!.
ذلك أن خاتم الأنبياء رسول الله ^ قال لعائشة : حميراء لأنها كانت حمراء الوجه والشعر ، وكانت جميلة ، وهذا الطفل ساءه كلام النبي ^ ، ذلك أن الواجب عندهم العداء والبغض لعائشة فهو عدو لها منذ كان في بطن أمه وعد اسمها اسماً يبغضه الله .
أجل إن رسول الله لا يعلم الغيب ؛ في حين علم هذا الطفل الرضيع الغيب . هذا هو المذهب بل الدين الذي أتى به محمد بن سنان الكذاب المشهور لأمتنا المسكينة .
ويجب العلم أن هذا النموذج من الروايات يهدف إلى إيجاد البلبلة والتفرقة بين أهل السنة والشيعة . ويفيد أعداء الإسلام .
[ باب : الإشارة والنص على أبي الحسن الرضا
رضي الله عنه ]
روى في هذا الباب 61 حديثاً . عد المجلسي 11 منها ضعيفة ، والباقي لا اعتبار لها برأينا ، وتبين من هذه الأبواب سواء بطريق الإشارة أو بطريق النص أنها تنص على إمامة كل إمام من أئمتهم .
ويظهر من هنا أمر محقق ومسلم به وهو أن أصحاب هؤلاء الأئمة سواء كانوا من خواص أصحابهم ، كزرارة وأبي بصير ، ومحمد بن مسلم ، أم كانوا يرافقونهم فقط فإن أحدهم لم يكن يعرف من هو الإمام الذي سوف يلي الإمام الذي هو في صحابته إذا ما توفي .
ولذا نلاحظ في هذه الروايات ، أن الرواة يسألون دائماً : يا سيدنا من هو الإمام الذي سيأتي بعدكم ؟ يا سيدنا نجنا من النار وعين لنا الإمام الذي سيجيء بعدك ؟.(154/285)
إذن بناءً على الروايات التي جمعها الكليني والآخرون ، أصحاب الأئمة وبما أنهم لم يكونوا يعرفون الإمام الذي سوف يلي إمامهم ، كانوا يسألون عن ذلك . إذن لم يكن أحد من أصحاب الأئمة يعرف ذلك ، ولم يكونوا يعرفون أحداً من الأئمة الاثنا عشر الذين لدى الشيعة .
ثم يجعلون الإيمان بهم ومعرفتهم أصلاً من أصول الدين . بينما لم يكن الناس يعرفون الإمام الذي يلي إمامهم ، ويظهر أن الإيمان بالأئمة الاثنا عشر ومعرفتهم لم يكن في الأصل من دينهم ومذهبهم . ولكن المشايخ قد زادوها بعد ذلك ... وحتى الأئمة رضي الله عنهم أنفسهم لم يكونوا يعرفون من هو الإمام الآتي . وعلى سبيل المثال كما عين الإمام الصادق ابنه إسماعيل للإمامة ثم توفي ابنه قبله فقال : وقع البداء ، وكالنواب الخصوصيين للإمام موسى بن جعفر الذين أوجدوا مذهب الواقفية وغير ذلك ، وسيأتي شرحها .
على كل فلو كان كما تقول الشيعة اليوم أن النبي عيَّن اثنا عشر إماماً لوصل ذلك إلى أسماع جميع الأئمة وجميع الناس في زمن الأئمة ولعرف أصحاب الأئمة على الأقل أن الأئمة هم اثنا عشر إماماً .
ونحن نورد هنا أسماء الرواة الذين سألوا الإمام مباشرة أو غير مباشرة يقولون : إلى من نرجع بعدكم ؟!.
حيث جاء في الكتاب الحاضر أسماؤهم من زمن الحسين إلى زمان الإمام الرضا . وأسماء الرواة بعد الإمام الرضا من شاء فليستخرجها من الكافي : والرواة هم :
في هذه الحالة كيف يعتبر شيوخ الشيعة أن معرفة الأئمة الإثنى عشر واجب ، أو من الأصول ترى من أين جاء هذا الأصل للإسلام ، ولا وجود له في كتاب الله تعالى . وحتى الأئمة من أهل بيت النبي ^ لا يعرفونه كما سنذكر ذلك بالتفصيل ، ويرجى الرجوع إلى باب ما جاء في الإثني عشر .(154/286)
يقول في الحديث الرابع من هذا الباب . قال موسى بن جعفر إن أبي أخذ بيدي عند قبر رسول الله وقال : يا بني إن الله عزوجل قال : { إني جاعل في الأرض خليفة } والله عزوجل يفي بقوله . يظهر هنا إشكال وهو أن الله عزوجل جعل بني آدم خليفة السابقين لهم من نسناس ، وأشباه الآدميين أو الجن أو غيرهم ، وهذه الخلافة من بني آدم ستكون خلافة لسابقيهم وسيكونون سفاكين للدماء ومفسدين كما قالت الملائكة ، وقد قبل الله قولهم ولم يرد عليهم وكذلك قال في الآية الأخرى يمكن أن يكون الخليفة كافراً كما قال تعالى : { هو الذي جعلكم خلائف في الأرض فمن كفر فعليه كفره } إذن القصد من كلمة خليفة ليس شخص واحد من بني آدم أو صالح ؛ لأن آدم وحده ثم الأنبياء والصالحين مثله من بنيه لا يسفكون الدماء ولا يفسدون ، وعلى كل حال فإن الله تعالى لم يرد على الملائكة حين رد عليهم من أجل ذلك ( أي علة الإفساد في الأرض ) وبناءً على هذا فإذا كان هدف موسى بن جعفر . هو خلافة علي بن موسى فهو لم يكن سفاكاً ولا مفسداً ؛ ولذا فإن استدلاله بهذه الآية لم يكن مناسباً لمراده ، وإن ذلك الوضاع الذي وضع هذه الرواية لم يداو العين بل قد أعماها .
روى الكليني الحديث السادس عن زياد المروان القندي ، حيث كان واقفياً بإقراره هو مع أنه كان القائم بأمور سيدنا الكاظم ووكيله . وكان لديه سبعون ألف دينار من أموال سيدنا الكاظم ، ولكي ينهب تلك الأموال ويسرقها أنكر وفاة سيدنا الكاظم ، وأنكر إمامة سيدنا الرضا ، واعتقد ببطلان جميع الأئمة بعد الكاظم واعتبرهم جميعاً لا دين لهم .
والآن لو كان سيدنا الكاظم يعلم ما كان وما سيكون ، لما وكل خائناً كهذا ولما جعله قائماً بأمره فالأخبار التي رواها الكليني هنا متناقضة ، وعلى سبيل المثال في الخبر الرابع عشر وهو إلى يزيد بن سليط فيه أخبر الإمام أخباراً بعد وفاته مخالفة لتوكيل الزياد القندي .(154/287)
وهذا الخبر رقم (41) موضوع ، يدل على ذلك أن سيدنا الكاظم لم يطلع على الأئمة الخمسة بعده فكيف يمكن قبول أخبار الغلاة حيث نقلوا عن رسول الله ^ أنه قال إن الأوصياء والأئمة من بعدي اثنا عشر وذكر أسماءهم ، وخصوصياتهم ( مميزاتهم ) مع أن سيدنا الكاظم لم يعلمهم ويقول الإمام في هذا الحديث (41) : رأيت رسول الله ^ وعلي المرتضى في الرؤيا وقالا لي أنت ذاهب وأحد أبناءك وصي من بعدك . وقال سيدنا الكاظم : رأيت أبنائي جميعاً في عالم الرؤيا وقلت لرسول الله مَن مِن أبنائي وصيي ؟ فأراني رسول الله وعلي رضي الله عنه ابني علي .
إذن فالأحاديث المتواترة التي تدعيها الإثنا عشرية كلها موضوعة .
[ باب : الإشارة والنص على أبي جعفر الثاني رضي الله عنه ]
روى في هذا الباب 41 حديثاً . قال المجلسي : عشرة منها ضعيفة ومجهولة ، وأكثر رواتها إما كذابون كسهل بن زياد ، ومحمد بن الجمهور أو مجهولون كجعفر بن يحيى والخيراني أو مهملون كمحمد بن أحمد النهدي ، ومحمد بن خلال الصيفل ، ومالك بن أشيم ، أو من الواقفية كابن قياما .
والآن هل يمكن أخذ المسائل الاعتقادية من رجال كهؤلاء ؟!.
وأما متن هذه الروايات : فتدل بعض هذه الروايات أن وصي سيدنا الرضا ووارثه هو أبو جعفر الثاني سيدنا الجواد ، ولا نكران لهذا فإن سيدنا الرضا لم يكن له ولد غيره . وبعض هذه الروايات تقول إن سيدنا الرضا أخبر عن علم الغيب وقال : إن الله سوف يعطيني إبناً ويبدو أن سيدنا الإمام قد أخبرنا عما في نية الراوي وقلبه ! وهذا مخالف للقرآن حيث قال تعالى : { لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله } وكذلك آخر سورة لقمان حيث قال : { ويعلم ما في الأرحام } خاص بالذات الإلهية .(154/288)
والإشكال الآخر أنه لا حجية في القياس . وخاصة في العقائد الأصولية ولكن سيدنا الرضا قاس في الخبر 11 و 21 طفولة سيدنا الجواد على سيدنا عيسى : فإنه كان نبياً وأنطقه الله في طفولته لتصديق رسالته ونبوته ولكن سيدنا الجواد لا رسالة له ليحتاج إلى التأييد الإلهي .
بالإضافة إلى ذلك لم يكن لرسول الله ^ نبوة حتى الأربعين من عمره ، ولم يكن يعرف شيئاً ليوحى إليه ، وأما هذا الطفل الذي يبلغ سن الثالثة والذي لا يوحى إليه ، ترى بأي دليل يحصل له العلم والإمامة بكل شيء ؟!.
وهل ادعى سيدنا عيسى ادعاءً كهذا حيث كان يعلم كل شيء في طفولته ... قطعاً لا ، فكيف يمكن لهذه المقاييس أن تضمن المسائل الاعتقادية في الإسلام ... هل المسائل الإسلامية الاعتقادية تأتي عن طريق التقليد وبهذا الوهن .
[ باب : الإشارة والنص على أبي الحسن الثالث
رضي الله عنه ]
روى في هذا الباب ثلاثة أحاديث . كلها مجهولة . ترى هل تثبت الإمامة من عند الله والنص بها بواسطة ثلاثة من مجهولي الحال ... كيف يكون قول ثلاثة من المجهولين حجة يوم القيامة في محكمة العدل الإلهية وأما متونها : وصية من سيدنا الجواد رضي الله عنه لما تركه لأولاده وليس في مقام إثبات الحجة والإمامة ولا علاقة لها بالنص والإمامة .
[ باب : الإشارة والنص على أبي محمد رضي الله عنه ]
روى 31 حديثاً في هذا الباب . كلها ضعيفة ومجهولة كما يقول المجلسي وإذا كان فيها راوٍ واحد ثقة فهو أبو هاشم الجعفري وله أخبار في الغلو والمخالفة للقرآن بالإضافة إلى ما عنده من تناقض في أخباره .(154/289)
ومنها الخبر العاشر في هذا الباب حيث يقول : كنت عند الإمام العاشر أبي الحسن بعدما توفي ابنه أبو جعفر ( السيد محمد الذي دفن قريباً من سامراء في الطريق ) وكنت أقول في نفسي أبو جعفر السيد محمد أو أبو محمد ، وربما يكون إسماعيل بن جعفر ، وموسى بن جعفر ، حيث عين الأول سيدنا الصادق رضي الله عنه للإمام ثم لما توفي ، عين موسى بن جعفر للإمامة حيث قصة السيد محمد والإمام الحسن العسكري كذلك أيضاً .
وقد كان المفروض من البداية أن يكون السيد محمد إماماً ، والآن لما توفي أصبح أبو محمد الإمام الحسن إماماً ، وقد أخبر سيدنا أبو الحسن الإمام العاشر عما كنت أفكر فيه ، قال نعم هو كذلك ، إذن هنا أبو هاشم الجعفري لم يكن يعرف من هو الإمام ، وما علم ذلك حتى أخبره الإمام الهادي . وهذا الخبر مخالف للخبر الذي رواه أبو هاشم هذا في باب ما جاء في الإثني عشر .
روى الحديث الأول عن الإمام التاسع سيدنا الجواد ، حيث أخبره بجميع الأئمة الإثني عشر بالاسم والهوية عن قول سيدنا الخضر . والآن يجب القول إما أن أبا هاشم لم يعرف اسم الإمام الحسن العسكري ، وإمامته وروايته تلك عن الإمام التاسع كذب أو أنه عرف ذلك وجاء هذا الخبر في هذا الباب كذب والآن على القارئ أن يفكر هل يمكن أن يصدّق أخبار متناقضة من أمثال هؤلاء ؟، وهل هؤلاء حجة ؟. وأبو هاشم وداوود بن قاسم هذا نفسه نقل عنه الخبر 31 في هذا الباب أن الإمام الهادي أخبر عن الغيب وأخبر عن الإمام الذي سيلي الإمام الحسن العسكري وقال : لا يمكن لأحد أن يراه أو يذكر اسمه .
وهنا يجب سؤال : هل حجة الله لا يمكن لأحد أن يراه أو يذكر اسمه ؟، وهل جعل الله كل إنسان لا يرى ولا يعرف اسمه حجة وإماماً !. وفي هذا الباب الخبر الحادي عشر يبطل المذهب الإثني عشري لأن الإمام العاشر قال : تنتهي سلسلة الإمامة بأبي محمد وإليه تنتهي عرى الإمامة وأحكامها .(154/290)
[ باب : الإشارة والنص على صاحب الدار عليه السلام ]
روى ستة أحاديث في هذا الباب . جعل المجلسي منها خمسة ضعيفة ومجهولة ، والعجيب أن المجلسي يصحح الحديث الثاني مع أنه أكثر فساداً من أقرانه ، ذلك أن راويه هو أبو هاشم الجعفري نفسه ، الذي كل رواياته متناقضة ، وهو في هذا الحديث أيضاً لم يعرف من هو الإمام الثاني عشر وهل للإمام الحسن أبناء أم لا ؟ فقد سأل الإمام الحادي عشر ولكن هذا الشخص روى اسم الإمام الثاني عشر مع نسبه وهويته في باب ما جاء في الإثني عشر من الإمام التاسع .
إذاً هو عرف وما عرف أيضاً ! والآن في هذا الحديث من الباب لما سئل من الإمام الحادي عشر سمع جواباً مخالفاًَ للواقع والحقيقة أنه كذب . سأل الإمام إذا حدث لكم حادثة فأين أطلبه ؟ قال الإمام الحادي عشر في جوابه : في المدينة . يعني المدينة الطيبة مع أن الإمام الثاني عشر لم يكن يسكن في المدينة قط بل لقد غاب في ذلك البيت في ( سر من رأى ) ! أراد الكليني في هذا الباب أن يثبت الإمام الثاني عشر من قول الرواة المجهولين كما يقول في الحديث السادس ، روى الحسين ، ومحمد بن علي بن إبراهيم ، وكلاهما مجهولان عن محمد بن علي بن عبدالرحمن العبدي مهمل مجهول ، وهو روى عن عبد قيس ، وهو أيضاً مهمل ومجهول وروى هذا عن ضوء بن علي مهمل مجهول ، وهو روى عن رجل من أهل فارس ، وهو أيضاً مجهول الاسم والحال ، يعني روى مجهول عن مجهول عن مجهول عن مجهول عن مجهول حيث قال هو إني رأيت طفل أبي محمد الرضيع . وأنا لا أدري ما هذه الأحاديث ، يقولون إن الغريق يتشبث بكل حشيش . فهل يمكن إثبات حجة الله على الخلق بهذه الأحاديث ، مع أن القرآن قال في سورة النساء الآية 561 : { لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل } فهل تقدم رواية هؤلاء على كتاب الله .(154/291)
روى الكليني الحديث الأول عن محمد بن علي بن بلال الذي عده علماء الرجال على شاكلة الشلمغاني الملعون ؛ لأنه أكل المال الذي جمع عنده من الإمام الثاني عشر ونهبه كله ، وادعى البهائية والبابية وصدر توقيع في حق هذا الشخص يعني محمد بن علي بن بلال . ويجب أن نضيف أن محمد بن سعد بن عبدالله الأشعري صنف كتاباً باسم المقالات والفرق ، وكان من تلاميذ الإمام الحسن العسكري ومن كبار علماء الشيعة ، وكذلك العلامة النوبختي وهو أيضاً من كبار علماء الشيعة ومعاصر للإمام الحسن العسكري . في كتاب فرق الشيعة ذكر كلاهما أن خمسة عشر شخصاً تآمروا على الدين ، وسعو لتخريبه بعد وفاة الإمام العسكري وجميعهم كانوا يعتقدون أن الإمام الحسن العسكري ليس له ولد إلا فئة منهم كانوا يقولون بل له ولد ولكننا لم نره .
بالإضافة إلى أن الإمام العاشر قال في الخبر الحادي عشر الباب السابق إن سلسلة الإمامة قد انقطعت بالإمام الحادي عشر . والآن كيف يكفرون كل من ينكر صاحب الدار ؟ ثم ينكرونه هم ؟ ويجب العلم أن ثمة إشكالات كبيرة واردة بخصوص روايات هذا الباب بل على كثير من الروايات التي تقول إن الأئمة كانوا أئمة منذ طفولتهم .
أولاً : ليست الإمامة لعبة كلعب الأولاد فإذا ولد الإمام أصبح إماماً وإذا غاب كان كذلك .
ثانياً : قال الله تعالى مراراً في القرآن في سورة الأنبياء الآية 7 وسورة النحل الآية 34 وسورة يوسف الآية 951 : { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم } وبناءً على هذا فالطفل الرضيع أو الغير المكلف ليس رجلاً فكيف يصبح إماماً ؟!. واستدل بعض الغلاة بالآية التي قال الله فيها بشأن سيدنا يحيى { وآتيناه الحكم صبياً } فراراً من هذا الإشكال أو لإثبات أن الأئمة عندما يولدون يعلمون كل شيء .
وجواباً على كلامهم الباطل نقول إن القياس باطل وخاصة قياس غير الأنبياء على الأنبياء .(154/292)
وقال الله تعالى في هذه الآية : { وآتيناه الحكم صبياً } يعني آتيناه ـ أي يحيى ـ الحكم في صباه ولكنه لم يقل آتيناه النبوة والحكم بمعنى الحكمة ويقول المفسرون : إن الحكم هنا بمعنى الحكمة .
علاوة على هذا فقد فرق الله بين الحكم وبين النبوة في سورة الأنعام الآية 98 عندما تحدث عن الأنبياء ومن جملتهم سيدنا يحيى . قال تعالى : { أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين } .
فالحكم في هذه الآية بمعنى الحكمة وعلى هذا ثبتت الحكمة لغير الأنبياء طبقاً للقرآن فهي ثابتة للأنبياء من باب أولى ، وبعضهم جعل الحكم بمعنى القضاء يعني القضاء بين الناس كما قال الله في سورة النساء : { وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل } ومن معاني كلمة الحكم الأمر ، إذ يقال في الإدارات الحكومية صدر حكم فلان .
ثالثاً : لو قال الله تعالى في تلك الآية بشأن يحيى { آتيناه الحكم صبياً } مثلاً لقلنا إنه كان حكيماً عندما ولد ؛ ولكن الله تعالى قال ( صبياً ) والصبا فترة قبل الشباب وليست مرحلة الرضاعة كمازعموا بشأن الصبي ( الذي يكون دون الفتى عمراً ) بناءً على هذا يمكننا القول إن الله أعطى الحكمة لسيدنا يحيى في سن الثانية عشر وإن الحكمة التي أعطاها الله إياها كانت تتناسب وسنه آنذاك قياساً على فهم أقرانه في ذلك السن .
كما يحدث في زماننا هذا أن يعطي اللهُ الفهمَ والنبوغَ والاستعدادَ الخاص لبعض الصبيان دون سواهم ، كذلك الطفل اليهودي البالغ الحادية عشرمن عمره والذي يشارك في الهيئة الذرية الأمريكية ويبدي الرأي ، وبعض الفتيان الذين يشاركون في الفنون الأخرى .(154/293)
ولكن يجب القول أن نبوغ سيدنا يحيى وحكمته كانت تتعلق بالأمور الدينية خاصة وبغيرها عامة ، أما الصبيان الآخرون فيتعلق نبوغهم بميادين أخرى وأما الآية { وجلعني نبياً } فقد وردت بصيغة الماضي من الزمن وتتعلق بسيدنا عيسى عليه السلام لأنها كانت تشير إلى المستقبل المحقق الوقوع كالآية { ونفخ في الصور } .
[ باب : تسمية من رآه رضي الله عنه ]
وقد روى في هذا الباب خمسة عشر حديثاً عن خمسة عشر راوياً وكلهم إما ضعيف أو مجهول إلا شخص واحد وهو الذي إدعى الوكالة حيث قال هؤلاء نحن رأينا صاحب الدار .
أولاً : لم يعينوا صاحب أي دار ، والعجيب جداً أن أحدهم ( جعفر ) الذي يقول عنه علماء الشيعة إنه كذاب ذمه الكليني . ثم نقل عن مجهول قال إن جعفر رأى صاحب الدار .
مع أن جعفر بن علي أخو الإمام الحسن العسكري قال : إن أخي لا ولد له .
وأحدهم يعني الشخص الحادي عشر الذي رآه على قول الكليني كان من الجلاوزة يعني من جيش الظلم حيث لا يعلم حاله ولا اسمه ويرجى الرجوع إلى الخبر الحادي عشر من هذا الباب .
هل يمكن أن يصبح حجة الناس المجاهيل إذا ادعوا على أمر حجة ؟ أم هل تصبح دعوى من يدعي النيابة وينهب أموالاً بهذا الطريق حجة ؟! يقال إن المدعي إذا شهد بما ينفعه لم يقبل منه !.
أقول ـ المؤلف ـ : لما كنت في الخامسة والثلاثين من عمري سافرت إلى شيراز في فصل الشتاء ، ووصلت مع الغروب إلى آباده(1) ذهب الناس فيها لشدة البرد إلى داخل المقهى ، ولاعتزامي الصلاة سألت عن المسجد فدلوني عليه وذهبت إليه وصليت فيه وكان عدد المصلين كبيراً ، وكانوا قد شربوا الشاي وهم بانتظار خطيب يأتي إليهم من اقليد ( اسم مكان )(154/294)
فاغتنمت الوقت وصعدت المنبر وبينت لهم شيئاً من الحقائق الإسلامية وقد سروا بكلامي ، وكنت أخشى أن تتحرك السيارة ويفوتني الموكب فيها فاختصرت مقالي وعندما خرجت من المسجد ودخلت تواً إلى الشارع رأيت المسافرين كلهم في السيارة ينتظرونني ، وقالوا يا سيد لماذا عطلتنا ، وعندما دخلت السيارة تحركت مباشرة والناس في المسجد ، وهم إذ سروا لكلامي كانوا يقولون فيما بينهم إنه ينبغي عليهم تكريمي وضيافتي عندهم ليستمعوا إلى المزيد من أقوالي وإرشاداتي ، وراحوا يبحثون عني في الشارع وأطراف المسجد فلا يجدونني ، وكانوا يقولون لبعضهم يا ويلتنا ! هذا السيد هو إمام الزمان حتماً ، لقد جهلناه ولم نعرف قدره ، ولكن هيهات لقد ذهب عنا وليتنا تمسكنا بزناره وطلبنا منه العون والبركة ، ثم بدأوا بالبكاء والنياحة وضرب الخدود والصدر وقد وصل الخبر إلى شيراز وصار كلام الناس في المجالس هو ذهاب إمام الزمان إلى آباده ولكننا سكتنا ولم نتجرأ على إظهار الحق !.
والآن هل يمكن إثبات حجية أصل من أصول الدين ( كما يزعمون ) بكلام يقوله مجهولون كهؤلاء ؟!.
مع أنه لو وجد إمام كهذا حقاً فهو تابع للدين وليس أصلاً له ولا حتى فرع .
في الخبر الأول قال وكيل الإمام لا تذكروا اسم الإمام خوفاً من الظلمة !.
نقول الآن : ألم يصبح حكم إيران اليوم بيد مريدي الإمام فلماذا تراه لا يظهر ؟ فيبدو أنه يخاف من نوابه آيات الله أيضاً !.
بالإضافة إلى أن المجلسي روى وسائر المحدثين أن الإمام قال في توقيعه : من يدعي الرؤية فهو مفترٍ وكذاب . والآن كيف يثبت شيء كهذا برؤية عدد من مجهولي الحال ؟.
[ باب : النهي عن الاسم ](154/295)
روى أربعة أحاديث في هذا الباب . جاء فيها النهي عن ذكر اسم صاحب الدار ، يقول في الحديث الرابع عن الإمام الصادق رضي الله عنه أنه قال : من ذكر اسمه فهو كافر وبذلك يكون كل الرواة الذين نقلوا الروايات التي تذكر اسم الإمام الثاني عشر كفاراً ، بالإضافة إلى ذلك يجب التساؤل : لماذا كفار ؟ وقد بين الله حد الكفر والإيمان في سورة النساء الآية 631 قائلاً : { ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالاً بعيدا } هل ذكر أن ذكر اسم الإمام أو الإمام أصل من أصول الدين فيكفر بذكره أو عدم ذكره ؟!.
أنا لا أدري هل يكون الإسلام والكفر تبعاً لهوى الرواة المجهولين أم أن هذا يتعين من الله سبحانه ؟! ثم لماذا لم يذكروا اسمه ، وخاصة في زمن سلطنة آية الله الخميني الذي يعد نفسه نائبه الحق ؟!.
جاء في هذه الروايات أن الإمام غاب خوفاً من القتل نقول هذا دليل باطل ، لأن الخوف إذا كان هو الخوف من القتل فعليه أن لا يظهر اطلاقاً لأن العداوة والحقد من طباع البشر دائماً ، وقال الله في سورة المائدة الآيات 41 ـ 46 : { وألقينا بينهم ـ أي اليهود والنصارى ـ العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة } فكلما ظهر الإمام يكون العدو في انتظاره ، فيكون ظهوره أمراً مخالفاً للواقع ، وبالإضافة إلى ذلك فإنه إذا اختفى خوفاً من القتل فلماذا لم يغب الأنبياء وسائر الأئمة .
[ باب : نادر في حال الغيبة ]
روى ثلاثة أحاديث في هذا الباب . يقول المجلسي بضعف الأول والثاني وبجهالة الثالث ، لأن الرواة لا مذهب صحيح لهم ولا علم ولا تحقيق ، في هذا الباب والذي يليه وفيه واحد وثلاثون حديثاً .(154/296)
وقد روى هؤلاء الرواة العوام موضوعات مبهمة ، وغير منطقية وتشوبها الألغاز ؛ لأنهم كانوا عوام ، كما هو حال غالب شعبنا من العوام الذين يصدقون كل ما يقال من كلام جاهل إذا كان في صدره عبارة ( قال الإمام ) ويعظمونه جداً ويتوهمون أن هذه الكلمات تحمل العلم والأسرار ، خاصة وأن شعبنا ليس عربي اللسان . وحتى علمائهم كالمجلسي أوّلوا الكلمات التي أوردها باسم الإمام واهتموا بها اهتماماً يزيد على اهتمامهم بكلام الله ، ويجدر القول أنه إذا كان الإسلام ديناً عاماً فلا بد أن يكون سهلاً ، والله تعالى كلامه أبين من كل بيان وأعلم من كل عالم وقد قال تعالى : { ولقد يسرنا القرآن } وعلى هذا فإن ما نجده في أقوال الأئمة من التعقيد والإبهام يأتي من تأويلاتهم لكلام الله الذي جاء في القرآن ، وهذه التأويلات كلها تخالف العقل والإنصاف ، والآن لننظر إلى هذين البابين ، يريد أن يقول : ما العمل في غيبة الإمام ؟!.
وصنع الرواة الألغاز بعد ذلك .
يقول في الحديث الأول : إن أقرب العباد إلى الله أولئك الذين ضيعوا حجة الله ولم يعرفوا مكانه . يعني أن كل من ضيع الحجة فهو من خيرة عباد الله . وقياساً على ذلك يكون أسوأ عباد الله ذلك الذي اعتبر القرآن حجة ثم حفظه ولم يضيعه .
فبالله عليكم كيف يمكن تأويل هذه المفتريات ؟! ، وحجة الله يجب أن يكون بيناً ومعيناً ، والحجة الضائعة وغير معلومة المكان ليست بحجة إطلاقاً ، إذ يجب أن تكون حجة الله واضحة وبينة وتامة .
ويقول في آخر هذا الحديث : إذا علم الله أن أولياءه يشكون في حجته لم يخفها عنهم .(154/297)
يعني على سبيل المثال : إذا قال عشرات الألوف من السنيين أن الحجة ( أي المهدي ) غائب فليس على الشيعة أن يشكوا بذلك . ويجب القول إن هذا الكلام يظهر جهل الشرع ـ نعوذ بالله ـ لأنه إذا غابت الحجة عن أي عاقل وغابت عن آبائه وأجداده فلا بد أن يشك . إلا إذا شئنا أن نقول إن العقلاء يشكون ولكن أولياء الله لا يشكون لأنهم غيرعقلاء ويعتبرون الحكمة الإلهية ألعوبة ـ نعوذ بالله ـ !.
وفي الحديث الثاني أيضاً جاؤوا بمتناقضات إذ يقولون في أول الحديث إن العبادة في دولة الباطل مع الخوف أفضل من العبادة في دولة الحق مع السلطان ، ولكن الراوي نفسه في النهاية يسأل قائلاً : أفتكون عبادتنا اليوم في إمامتكم أفضل من العبادة في دولة الحق والعدل ، وهنا يرده الإمام ويتعجب من جهله يقول له : سبحان الله ... ألا تحب أن يظهر الله الحق والعدل في البلاد .
ثم إن الراوي وهو عمار الساباطي كان رجلاً عامياً مجهول المذهب وعلماء الرجال يقولون عنه إنه فطحي المذهب ذلك أن عبدالله الأفطح وهو إمام هذا الراوي كان رجلاً عامياً فكيف يكون هو نفسه ؟ والآن انظروا إلى آخر الحديث ، يقول الإمام الصادق في آخر الحديث : كل من مات منكم على هذه الحال يكون أفضل من شهداء بدر وأحد !. مع أن مثل هذا الكذب والإفتراء لا يمكن أن يصدر عن أي إمام لأن شهداء بدر وأحد كانوا من المهاجرين والأنصار والسابقين في الإسلام الذين أعزوه ونصروه في غربته وبداية عهده .
في الحديث الثالث : روى سهل بن زياد الكذاب عن قول واحد من أصحاب أمير المؤمنين ( ونحن لا نعرف اسمه ولا هويته ) أن الإمام قال ألغازاً من الكلمات المبهمة والمغلقة وذكر أشياء في وصف أشخاص ولم يأت بدليل الصدق ولم يعينهم ولم يذكر حتى أسمائهم . ونحن نقول إن بإمكان كل من شاء أن يفتح متجراً بهذه الكلمات ويؤولها لنفسه .
[ باب : في الغيبة ](154/298)
وردت روايات في هذا الباب . أكثرها ضعيف ومجهول أو مرسل على حد قول المجلسي ، وإذا أردت أن تتبين حال رواتها صعب عليك ذلك جداً وأضعت بذلك وقتك الثمين !.
على سبيل المثال : روي الحديث الأول عن جعفر بن محمد الكوفي المجهول الحال وهو عن صالح بن خالد المجهول وهو عن يمان التمار المهمل المجهول . يعني روى مجهول عن واقفي خائن عن مجهول عن مهمل ... فهل يعد حديث كهذا حجة ؟.
على كل حال فرواة هذا الباب إما غلاة أو مجهولون أو لا دين لهم أعني زنادقة .
وأما متن هذه الروايات فكلها مبهم ومهمل . قال الإمام الصادق : صاحب هذا الأمر له غيبة كل من يكون فيه كرجل يمسك شجرة أشواك ، مع أنه لم يبين صاحب أي أمر ومتى وأين ومن ؟!.
يقول في الرواية الثانية قال موسى بن جعفر رضي الله عنه لأخيه أن لصاحب هذا الأمر غيبة يعجز عقولكم وفكركم وإدراككم عن أن تؤمنوا بها ولكنكم إذا عشتم فستدركون ذلك !.
أجل ... وعندما يعجز سيد جليل القدر كعلي بن جعفر عن أن يدرك ذلك فما التوقع ممن هم دونه ؟.
إضافة إلى أن الله سبحانه لم يكلف الناس شيئاً لا يدركونه فكيف يطالب به الإمام؟!.
ثم إن موسى بن جعفر كان يعلم الغيب ( حسب ما يدعون ) فقد كان معلوماً لديه أن أخاه لا يدرك زمن ابن الخامس وهو ليس من جيله ولا يعيش ومع هذا لم يقل ( إذا عشت ) .
قال الإمام الصادق في الخبر الثالث والحادي عشر لفضل وهو من الغلاة : لا تحدثوا أحداً بمذهبكم وغيبتكم أما والله ليغيبنَّ إمامُكم سنيناً من دهركم ولتُرفعنَّ اثنتا عَشْرةَ رايةً مشتبهة لا يُدرى أيٍّ من أيٍّ . هنا بدأ المفضل بالبكاء . وقال ماذا نفعل آنذاك ؟.
وهنا يجب القول إن إمام المفضل لم يغب ولم ترفع في زمانه أثنتا عشرة راية مشتبهة لا يُدرى أيٌّ من أيٍّ وحتى زماننا هذا لم يحدث ذلك !. فلماذا بكى المفضل وتوتر !!.(154/299)
فما العمل بشأن هذه الروايات ؟ ويمكن أن يؤول المجلسيون هذا الكلام من قبيل الأخبار المهملة ، ويعدوها سراً من الأسرار ويصنعون بذلك ديناً سرياً .
وقال الإمام الصادق في الحديث الرابع أن صاحب هذا الأمر يشبه سيدنا يوسف عليه السلام ثم عد من ينكر من الأمة هذا الشبه خنزيراً ثم لعن الأمة التي تنكر هذا الخبر .
والآن يجب أن نسأل هؤلاء الرواة المجهولين فإنَّ جميع العقلاء يجعلون هذه الأخبار تحتمل الصدق والكذب وعلماء الشيعة أنفسهم يقولون ( الخبر يحتمل الصدق والكذب ) بناءً على هذا إذا لم يصدق أحد هذه الرواية التي يحتمل أن تكون من كذب الرواة ووضعهم فلماذ يكون خنزيراً وملعوناً ؟!. ثم كيف يكون الإمام لعاناً . مع أن رسول الله ^ لما ضرب وكسرت أسنانه المباركة وبقي الحديد في فمه الشريف قيل له : إلعنهم . فأجاب رسول الله ^ : « إني لم أبعث لعاناً وإنما بعثت رحمة للعالمين » .
ولكنهم في الحديث الخامس : نسجوا من الموضوعات أكثر من غيره ونحن نجزم بأن إماماً عالماً كسيدنا الصادق لا يمكن أن يقول شيئاً كهذا .
يقول في هذا الحديث : تكون غيبة الغلام قبل قيامته حيث أن ولادته مظنونة وموته مظنون وأصل وجوده مظنون ولم يبين هنا من هو هذا الغلام وما اسمه وكيف يكون حجة من يُشك أصلاً في وجوده ولماذا على الناس أن يتقبلوا أمراً كهذا ؟!.
قال الله لرسوله في سورة يوسف الآية 801 : { قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتّبعني } وقال في سورة الأعراف 302 : { هذا بصائر من ربكم وهدىً ورحمة لقوم يؤمنون } وقال في سورة النساء الآية 471 : { يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم } أليس الإسلام دين يعتمد على البرهان والبصائر والدليل أم أنه دين يقبل بلا دليل كل خبر من راوٍ مجهول ؟!.(154/300)
كيف ولماذا يقبلون إماماً يُشك أصلاً في ولادته وموته ؟! ولما يكون خنزيراً كل من لا يقبل به ؟ وبعد ذلك قال الإمام لا بد أن يقتل غلام في المدينة ، قال الراوي هل يقتله الجيش السفياني ؟.
قال لا بل يقتله جيش بني فلان ، وهنا يجب أن يقال لهؤلاء ، ما نتيجة هذه المبهمات وما المقصود من عبارة يجب أن يقتل غلام في حين لا يعلم من هو ، وفي أي زمان هو ، ولماذا يقتل وقاتله من بني فلان وما فائدة قتله ... ومن هم المعنيون بالجيش السفياني ؟! هل وقع الإمام في حيرة من الأمر فيما قال ولماذا كانت الكتب الدينية مليئة بهذه الأشياء والترهات ؟!.
يقول في الحديث السادس والثاني عشر : الناس يضيعون إمامهم وهو يأتي الحج ويراهم ولكنهم لا يرونه . والسؤال الذي يطرح نفسه : هل لهذا الإمام جسم ورأس وجثة وهل هو كغيره من البشر أم لا ؟ ومتى ضيع الناس إماماً ؟!، أنتم تقولون إن الله خبأه أي لم يجده الناس أصلاً حتى يضيعوه ، وإذا كان له جسم فكيف لا يرونه ؟!، ترى هل يجب قبول هذه الأحاديث المخالفة للمنطق قهراً ؟ أليس دين الإسلام دين برهان ؟!.
يقول في الخبر السابع : قال أمير المؤمنين إن غيبة الإمام الغائب هذا ستة أيام أو ستة أشهر أو ست سنين . والآن يجب أن يقال لهؤلاء الوضاعين لماذا يبقى هذا الخبر في الكتب بعدما تبين كذبه وبعد أن مضى عليه ألف سنة ونيف ؟!.
ولماذا يفرض على الناس أن يقبلوه قهراً ؟!، ويجيبون أنه ورد في آخر هذا الخبر أن لله ابتداءات وأهدافاً ونهايات ويمكن أنه قد حصل البدء . ونحن نقول إنه لم يحصل البدء وأن هذا الخبر كذب أصلاً .
يقول الحديث الثامن : إن للإمام أن يمدح نفسه وقال : نحن كنجوم السماء إذا غاب نجم ظهر آخر . ونحن نقول الآن لقد غاب نجم كما تقولون ، فلماذا لم يظهر منكم نجم منذ ألف عام حتى الآن ، ولماذا يَرِد هذا الخبر في الكتب الدينية على الرغم من أأن الواقع يكذبه .(154/301)
يقول في الحديث التاسع : سئل الإمام لماذا يغيب الإمام ؟. ويقول الإمام في جوابه : لأنه يخاف من القتل ، وعلى هذا فإن على الأنبياء ، والأوصياء ، والأئمة أن يغيبوا ، وحتى الخلفاء كان عليهم أن يغيبوا لوجود أعداء لهم يتربصون بهم ، وعلى هذا فإن كل من له مقام يخاف من القتل ، أو عليه أن يخاف من القتل أن يختفي على حد قولكم .
هل يصبح هذا إماماً ؟ وهل أصبح هذا مذهباً . وكذلك أيضاً الحديث 81 ـ 92 .
في الحديث الثالث عشر : ذكر سيدنا الأمير رضي الله عنه كلمات على منبر الكوفة لكنه لم يذكر أحداً ، وبذلك يمكن لكل من شاء أن يطبق الكلمات على نفسه ويدعي الإمامة .
ويجب التساؤل لماذا يكون هذا الإبهام في القول والألغاز هو مصدر الأصول والفروع في الإسلام ؟!.
في الحديث الرابع عشر : روى سهل بن زياد الكذاب الخرافي ، عن سيدنا موسى ابن جعفر رضي الله عنه أن الآية التي نزلت في مكة في سورة الملك مكية لهداية المشركين والمنكرين للإله الحق وهي قوله تعالى : { قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة } وقال تعالى في الآية التي تليها : { قل هو الذي ذرأكم في الأرض } إلى أن يقول : { قل أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا فمن يجير الكافرين من عذاب أليم } ثم يقول تعالى : { قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غوراً فمن يأتيكم بماءٍ معين } نزلت تلك الآيات كي تجعل الكفار يقرون بالألوهية لله تعالى . ولم يكن موضوع الإمامة قائماً في مكة آنذاك ، ولكن الراوي يقول في هذا الحديث قال الإمام : إذا غاب إمامكم فمن يأتيكم بماء معين . وهذا تأويل نسبه الغلاة حسب ما تراءى لهم لأنهم لم يقرأوا { وما يعلم تأويله إلا الله } .(154/302)
في الحديث السابع عشر : يقول لا بد للإمام من غيبة في عزلة ، وهنا يأتي السؤال التالي : لماذا لا بد وبأي دليل ؟. ثم يقول بعد ذلك وما بثلاثين من وحشة وما هذا إلا ضرب من الألغاز ـ أَيّ ثلاثين ؟ ـ وأين ؟ لم يُعلم ! يقول في الخبر : له غيبتان الأولى يعرف فيها الشيعة الخاصة مكانه وفي الثانية أصدقاؤه الخصوصيين . وهنا نسأل : من هم أصدقاؤه الخصوصيون ؟! وروى المجلسي أن من ادعى رؤية الإمام ومشاهدته فهو كذاب مفترٍ .
وفي الحديث الحادي والعشرون : يكون الظهور في حين فترة من الأئمة . هذا حسن لقد مضى الآن أكثر من ألف عام على فترة الأئمة ، فلماذا لم يظهروا حتى الآن ؟.
الإشكال المهم هو أن الكليني وأمثاله يتوقعون أن يقبل الناس مثل هذه الأوهام والمبهمات بلا دليل ويؤمنوا بها .
وفي الحديث الثاني والعشرون والثالث والعشرون : أورد الآية 61 ـ 71 من التكوير وهي مكية وقال إنها تعني الإمام الغائب حيث قال تعالى : { فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس } مع أن الخنس الجوار الكنس صيغتا جمع والإمام الغائب مفرد ونحن نقول إن هذه الآيات نزلت في مكة ولا علاقة لها بالإمام الغائب .
وفي الحديث الثلاثين : نسب الآيتان 8 و 9 من سورة المدثر للإمام الغائب في حين أنهما بشأن القيامة وقد قال الله فيهما : { فإذا نقر في الناقور . فذلك يومئذ يوم عسير } وهذا الحديث يقول فإذا نقر في قلب الإمام فإنه يظهر .
وهذه الآيات مكية ، ولا تتعلق السورة بالإمام أصلاً ، ولا يناسب هذا التأويل الآيات السابقة واللاحقة لها ، ثم يا ترى ما الفائدة من هذا الإبهام في القول . وعلى هذه الشاكلة تمضي أحاديث الباب كلها فليتدبر القارئ وليتأمل .
[ باب : ما يفصل به بين دعوى الحق والباطل في أمر الإمامة ](154/303)
روى في هذا الباب تسعة عشر خبراً ، سبعة عشر منها ضعيفة ومرسلة ومجهولة على حد قول المجلسي ، نعم فيه رواة كذابون كسهل بن زياد ، وفيه رواة ضعاف كمحمد بن حسان ، وبناءً على ذلك فإننا سنغض الطرف عن السند وننتقل إلى المتون ، وفيها إشارة إلى أن الكليني يريد أن يفرق بين الإمام الحق والإمام الباطل قائلاً إن الإمام الحق يجب أن يخبر عن الغيب كما ذكر في الاخبار رقم 1 ـ 2 ـ 11 ـ 21 ـ 31 من هذا الباب . وهذا مخالف لآيات القرآن حيث لا يعلم الغيب إلاّ الله وحتى الأنبياء لا يعلمون الغيب كما قال لنبينا : { قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب } وأما الفرق الآخر بين الإمام الحق والإمام الباطل كما جاء في الاخبار رقم 3 ـ 4 ـ 51 ولكن ذكر في الحديث رقم 91 ، أن موسى بن جعفر رضي الله عنه قال : ( نحن لا ندعي ) لأن يحيى بن عبدالله بن الحسين المجتبى كتب إليه إنكم تدعون ما لا حق لكم ، على كل فإننا نرى أنه لم يظهر الفرق الذي لا بد أن يكون بين الإمام الحق والإمام الباطل في هذه الأخبار ، ونحن نرى أنه العمل بكتاب الله وسنة رسوله كما عين سيدنا الأمير رضي الله عنه واجب الوالي الإمام الحقيقي كما في الخطبة رقم 451 من نهج البلاغة وقال : ( إنه ليس على الإمام إلا ما حمل من أمر ربه : الإبلاغ في الموعظة والاجتهاد في النصيحة والإحياء للسنة وإقامة الحدود على مستحقيها وإصدار السهام على أهلها ) .
والآن إذا وجد من يريد الحق فعليه أن يقبل كلام سيدنا الأمير ، وإذا كان يطلب الخرافة فله أن يأخذ بالأحاديث المضلة من رواية الكليني .
[ باب : كراهة التوقيت ](154/304)
روى في هذا الباب سبع روايات . كلها متناقضة وضعف المجلسي ستاً منها ، والرواية الرابعة مرسلة ، وكل من عرف عنه سوء السمعة من الرواة فاسمه موجود في هذا الباب كسهل بن زياد الكذاب وعلي بن حسان الكذاب الغالي صاحب تفسير الباطني الذي لم يوجد فيه من الإسلام شيء ، وعبدالرحمن بن كثير الغالي الخرافي ، وعلي بن حمزة البطائني رأس السلسلة الواقفية و ... و...
أما متونها . يقول في الحديث الأول قال الإمام : إن هذا الأمر ( يعني ظهور الإمام ) له وقت معين . وكان الظهور في السنة السبعين ، وإن الله تعالى عين هذا الوقت ولكن عندما قتل الحسين رضي الله عنه غضب الله على أهل الأرض وأخر ذلك إلى عام أربعين بعد المئة حيث قلنا لكم ، وأنتم أفشيتم ذلك السر ، ونشرتموه ولم يجعل الله ذلك وقتاً عندنا ، ويمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب .
انظر أيها القارئ العزيز ماذا اختلق الرواة من الموضوعات باسم الإمام . هؤلاء يقولون من جهتهم إن الله عين الأئمة فرداً فرداً لرسوله وإن آخرهم هو آخر الأئمة ثم سيغيب وستطول غيبته حتى تمتلئ الأرض جوراً فيظهر عندئذ ... ومن جهة أخرى يقولون ها هنا إن من المقرر أن يكون ظهور الإمام وقيامه لرفع الظلم في السنة السبعين مع أنه حتى ذلك العام لم يكن قد قام من الأئمة الإثنا عشر سوى أربعة فقط(1) .(154/305)
والإفتراء الآخر يقول عندما قتل الحسين غضب الله ، مع أن الكليني نفسه روى في باب ( أن الأئمة رضي الله عنهم لم يفعلوا شيئاً ولا يفعلون إلا بعهد الله ) ، ذلك أن الحسين قد وفى بالعهد الإلهي وقد أرسل الله صحيفة إلى رسول الله ومنه إلى الحسين ( حيث واجبك أن تقتل ) والآن يبدو أن الله لم يطلع ـ نعوذ بالله ـ على تلك الصحيفة فغضب لمقتل الحسين وأخر ظهور الإمام إلى العام 041 مع أنه في العام 041 لم تكن الإمامة قد انقضت يقول في هذه الرواية : هكذا عين وقت الظهور ولكن الحديث الذي تلاه قال بخلافه حيث أننا أهل البيت لم نذكر وقتاً والذين وقتوا ذلك كانوا كاذبين .
والحقيقة أن هؤلاء الرواة لا يدركون تناقض ما يقولون . يقول في الحديث السادس قال موسى بن جعفر رضي الله عنه : الشيعة تحيا بالأماني مائتي سنة . ثم في ذيل كلام الإمام قال علي بن يقطين : إذا قيل لنا لا يحصل هذا الأمر حتى مائتي أو ثلاثمائة سنة فسيرتد الناس عن الإسلام ، ولكن الأئمة قالوا لتأليف قلوب الناس سوف يكون ذلك قريباً ليشغلوهم .
والحاصل أن هؤلاء الرواة يريدون أن يقولوا إن الأئمة خدعوا الناس ، ولا يوجد خبر صحيح بما يقولون ، ثم أصبح كتاب كهذا على الرغم من كل تلك المتناقضات مرجعاً
وحجة دينية لهم . فهؤلاء الرواة لم يعلموا تاريخ الإمام الإثني عشر وغيبته ، ولذا توقعوا أن يكون في السبعين أو المائة وأربعين ولقد انخدع أهل الملة الشيعية بمكر هؤلاء الرواة الكذابين والجهلة بالقرآن .
[ باب : التمحيص والامتحان ](154/306)
روى ستة أحاديث في هذا الباب . عن الرواة أنفسهم الغارقين في العيوب من رأسهم إلى أخمص قدمهم ، حيث عد المجلسي أكثرها ضعيفاً ومجهولاً ومرسلاً ، ولا اعتبار البتة للروايات التي ينقلها علي بن إبراهيم محرف القرآن ، أو يونس بن يعقوب وأمثالهما ، ولكن لنفحص متونها : فهناك روايات خلطوها بالقرآن حيث أن الله يمتحن البشر وهذا كلام صحيح ولكن الكليني يقصد أمراً باطلاً لأنه يقول إن الأئمة قالوا لأصحابهم : إن ظهور الإمام الغائب سوف يتأخر لِتُمتَحنوا ويصل كل منكم إلى الشقاوة أو السعادة .
ونحن نقول : هذا حسن لقد امتُحِنَ كل واحد من أصحاب الأئمة حتى وصلوا إلى الشقاوة أو السعادة فلماذا لم يظهر بعد ؟!، الإمام المنتظر إذا كان سوف يظهر بعد ألف وأربعمائة سنة فماذا ينفعهم ظهوره ؟. وإن امتحان الله عباده يكون لكمالهم ونضجهم هم ويكون الامتحان كما قال القرآن بالشدة والخوف ... { ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال ، والأنفس والثمرات وبشر الصابرين } ولا يتعلق الامتحان أصلاً بغيبة الإمام أو ظهوره وقد كان الامتحان قبل أن تكون الأئمة وسوف يبقى حتى بعد ذهاب الأئمة .
فلا ينحصر الامتحان بغيبة أحد أو إمام ولا معنى لذلك أصلاً ، نعم احدى وسائل الامتحان هو وجود الولي العادل أو الظالم ولكن الكليني قصر الامتحان على عدم وجود الإمام وغيبته فقط .
[ باب : أنه من عرف إمامه لم يضره تقدم هذا الأمر
أو تأخره ]
روى في هذا الباب سبع روايات . عد المجلسي ستاً منها ضعافاً وعد السابع مجهولاً وفيه رواة مقدوح فيهم كحريز ، ومحمد بن جمهور الكذاب الغالي ، وكعلي بن أبي حمزة البطائني الواقفي .(154/307)
وأما متنها ففيه إشارة إلى معرفة الإمام ، ولكن لم يبين لماذا يعرف الإمام كل شيء ؟ هل الإمام من أصول الدين أو فروعه أم الإمام تابع للإسلام ، سئل الفضيل بن يسار عن الآية 17 من سورة الإسراء ، إذ قال الله فيها : { يوم ندعو كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرؤون كتابهم ولا يظلمون فتيلاً } .
ولا ندري ماذا يريد الفضيل أن يقول بشأن هذه الآية والإمام لم يبين أيضاً ما هو الإمام ومن هو ؟ قال فقط : اعرفه وإذا عرفته فلا يضرك تقدم ظهوره أو تأخره ، ولقد كان الفضيل هذا من صانعي الأئمة وأراد أن يقول إن كلمة الإمام ذكرت في هذه الآية للولي .
ولكنه لم يعرف أنه قد ورد في لسان العرب والمسلمين أن الإمام يطلق على الكتاب ، وكذلك لصحائف الأعمال ، وللوالي كذلك ويقال للذي يهدي الناس أو يضلهم ، ويقال للأم أيضاً كما ذكر الطبرسي في ذيل هذه الآية هذه المعاني .
وقد أطلق القرآن كلمة الإمام على هذه المعاني ولكن الفضيل لم ينتبه ولم يبين له الإمام أيضاً ما هو وجه الصواب . ترى من هو المقصود من كلمة الإمام في هذه الآية ؟ وهنا يجب استخراج معنى كلمة الإمام من القرائن المرافقة للكلمة .
وعلى سبيل المثال في هذه الآية المقصود من كلمة الإمام هو كتاب الأعمال ، أو كتابهم الديني بدليل ما جاء في نهاية الآية : { فأولئك يقرؤون كتابهم } والأخبار التي تقول : ( من مات وليس له إمام فميتته ميتة جاهلية . أو مات ولم يعرف إمام زمانه فقد مات ميتة الجاهلية ) ونرى أن المقصود من كلمة الإمام في هذه الأخبار هو القرآن ، وقد أطلقت كلمة الإمام كثيراً على القرآن في كلمات الرسول ^ وكذلك في كلمات الأئمة ومنهم سيدنا الأمير رضي الله عنه في نهج البلاغة ، وخاصة في الروايات التي قد وردت فيها كلمة ( لم يعرف ) لأن المعرفة بشيء تعني العلم به ومعرفته وفهمه بشكل حسن وإدراكه ، ويصح هذا بشأن الآيات القرآنية .(154/308)
أما الإمام الغائب فكيف يمكن معرفته ؟ وعلى كل حال فمع أن المقصود من الإمام لم يظهر في هذه الروايات نفسها ولكن بالقرائن العقلية يمكن القول بأن كتاب الله هو المقصود ، وهو في زماننا القرآن الكريم وكل من لم يطلع عليه ولم يعرف ما يحتويه يكون كافراً ككفار الجاهلية بل أسوأ منهم لأنهم كانوا إذا استغاثوا بغير الله في دعائهم وتوسلوا بكبرائهم لم يكن لهم كتاب ولا هداية ، ولكن المسلمين علمهم كتابهم مائة مرة أن لا يستغيثوا بغير الله ولا يجعلوا أحداً غيره حاضراً وناظراً في كل وقت(1) .
ولكن لم يستمع هؤلاء لذلك وكأنه لا علم لهم به فهم أسوأ بذلك وأدنى من كفار الجاهلية ، ومع هذا يمكن أن يقول أحد أيضاً : من هو المقصود من هؤلاء في تلك الروايات ، أهو الإمام البشري ؟ وفي الجواب لا بد أن نقول هل يمكن أن تكون معرفة بشر ما تابع للدين أكثر ضرورة من معرفة الدين نفسه والقرآن ؟ ذلك أنه إذا لم يطلع على القرآن أحد صار من غير الممكن أن نعرف التابع من المتبوع . ثم إذا كان القصد من معرفة الإمام هو أنه أصل الدين أو فرعه أو أحد المؤثرين في الكون فهذا هو عين الكفر والشرك وبالتالي فإن عدم معرفته والجهل به من أكبر أسباب السعادة والنجاة .
[ باب : من ادعى الإمامة وليس لها بأهل ومن جحد الأئمة
أو بعضهم ومن أثبت الإمامة لمن ليس لها بأهل ]
روى اثني عشر حديثاً في هذا الباب في ذم الذين يدعون الإمامة وليسوا لها بأهل ، وفي ذم الذين ينكرون الإمام الحق ، ولكن لم يتبين من هذه الأحاديث ما هي أهلية الإمامة ، وإذا كان القصد من الإمام هو والي المسلمين فهي لم تبين ما الذي يشترط في الإمام ؟ فلا فائدة إذن من هذه الروايات المبهمة .(154/309)
وأما إسنادها ورواتها فقد قال المجلسي بضعف أحد عشر حديثاً منها ، وجهالتها لأن رواتها معلومو الحال كمحمد بن سنان الكذاب المشهور ومن الغلاة ، والآخر أبو سلام ، وأبو وهب كلاهما مجهولان ، ومحمد بن الجمهور أيضاً أحد الرواة من الكذابين الوضاعين وحاله معلوم ... وهكذا ...
وأما المتون : علاوة على الإبهام وقلة الفائدة ففيه إشكال آخر وهو أنه خصص الآية بالأئمة علماً بأنها عامة ولا علاقة لها بالإمامة كالآية 06 من سورة الزمر : { ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين } ولأنها نزلت في مكة فهي تتعلق بكل من يتكبر ويجعل دينه وسلوكه في تكبره منسوباً إلى أمر الله سواء كان إماماً أو مأموماً !.
ذلك أنه في مكة لم يكن هناك إمام وإمامة وكذلك في سورة الأعراف الآية 82 : { وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون } والمتفق عليه أن هذه السورة مكية ، وتتعلق الآية بكل من يعمل السوء ويعتبره جبراً إلهياً ولا يتعلق هذا بمدعي الإمامة ، وكذلك تمسك بالحديث رقم11 في تفسير الآية من 561 حتى الآية 761 من سورة البقرة : { ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله ، والذين آمنوا أشد حباً لله } وهذه الآية أيضاً عامة ولا تختص بمحبة الإمام الحق أو الباطل ، ولكن هؤلاء الرواة تلاعبوا بالآيات بقدر ما وسعهم وباسم الإمام ، وتحت ظل النفاق نشروا أوهامهم !.
[ باب : من مات وليس له إمام من أئمة الهدى
وهو من الباب الأول ]
روى هنا أربعة أحاديث . ضعف المجلسي ثلاثة منها . والحديث الرابع خبر أحاد ولا يمكن الاعتماد عليه والاحتجاج به في العقائد خاصة إذا كان رواته من أمثال عبدالكريم بن عمرو الواقفي الغالي مرجع الغلاة وعابدي الأئمة ، وكمالك بن عامر المهمل والمجهول .(154/310)
على كل يقول رسول الله ^ من مات وليس له إمام فقد مات ميتة جاهلية ـ والقصد من هذا الحديث هو الإمام الذي جعله الله هادياً ، وليس للمسلمين إمام معين صرح القرآن بكونه هادياً غير القرآن نفسه ... وقد وردت آيات كثيرة تبين أن القرآن هو سبب الهداية ومنها الآية 2 من سورة البقرة : { ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين } وجعل أتباعه هم المفلحين { أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون } وقد انحصرت الهداية بالقرآن في الآية 021 حيث قال تعالى : { قل إن هدى الله هو الهدى } وفي الآية 951 جعل كل من يكتم هدى الله وبيانه ملعوناً . وقال : { إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون } والكتمان هو خلاف البيان فيجب أن تتلى آيات القرآن على الناس علناً لأنها بيان للعموم كما جاء في سورة آل عمران الآية 831 وقال : { هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين } وقال في سورة البقرة الآية 581 : { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان } وقال في سورة النمل الآية 98 : { ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين } وجعل الله القرآن إماماً بعد التوراة وقال في سورة الأحقاف الآية 26 : { ومن قبله كتاب موسى إماماً ورحمة وهذا كتاب مصدق لساناً عربياً } ومئات الآيات الأخرى .
والآن إذا لم يقبل الرواة الغلاة المجهولون آيات القرآن ، ويتركوا الإمام الموهوم ، وظلوا يعتبرون كل من يتبع القرآن بلا إمام ميتته ميتة جاهلية فإنهم لم ينصفوا إطلاقاً . حيث يقول سيدنا الأمير رضي الله عنه نفسه في الصحيفة العلوية في دعائه بعد التسليم من الصلاة : ( أشهد أن رسولك نبيي وأن الكتاب الذي أنزل إليه إمامي ) .
ويقول في الخطبة رقم 541 من نهج البلاغة بعد مدح القرآن ( كأنهم أئمة الكتاب وليس الكتاب إمامهم ) .(154/311)
بناءً على هذا ، هؤلاء الرواة الضالون الغلاة الذين يريدون أن يجعلوا اتباع القرآن يعني المؤتمين به من أتباع الجاهلية والباطل ، وهم أنفسهم أضل من كل ضال ويدعون كذباً أنهم مؤتمون بعلي وأنه إمامهم كذباً وافتراءً ، لأن إمام سيدنا علي كان هو القرآن ويجب كذلك أن يكون إمام أوليائه الصادقين أيضاً هو القرآن .
ويمكن إن نقول إن رسول الله ^ قصد من هذا أن على المسلمين أن لا يختاروا إماماً ظالماً فاسداً عندما يختارون الوالي للمسلمين ولا يسلطوا على المسلمين مجهول حال . والأخبار التي تقول ( بني الإسلام على خمس الصلاة والزكاة والحج والجهاد والولاية وما نودي بشيء كما نودي بالولاية(1) ) . لأن الأربع الأخرى تكون بوجود الوالي الحسن الذي يجري أحكام الإسلام ، أعني التأكيد على الوالي المسلم أكثر من غيره لأن تنفيذ جميع أحكام الإسلام منوط بالحاكم الصالح . كما قال الإمام الباقر رضي الله عنه ( بني الإسلام على خمس أشياء : الصلاة والزكاة والحج والولاية وأفضلهن الولاية لأنها مفتاحهن ، والوالي هو الدليل عليهن ) .
[ باب : فيمن عرف الحق من أهل البيت ومن أنكر ]
روى في هذا الباب ثلاثة أحاديث عن رواة سمعتهم سيئة ، كعلي بن الحكم الذي روى في باب فضل القرآن حيث إدعى أن إحدى عشر ألف آية من القرآن سرقت ولم يعلم بها أحد سواه ، وكعلي بن محمد الوشاء ، وربعي بن عبدالله حيث كانوا جميعاً من غلاة المذهب ويقولون بتحريف القرآن ، ولذا ضعف المجلسي الحديث الثاني والثالث . وأما متونها : قال الأئمة : كل من هو من آل بيت الرسول سواء كان عارفاً للحق أو منكراً له فله الأجر أو عليه العقاب ضعفين : هذا حق ولكن لا يتعلق بالأئمة الإثني عشر كما جاء في رواية الحديث الأول من هذا الباب بشأن الحسين بن علي شهيد الفخ أنه وأهل بيته من أهل الجنة ، وأنهم ليسوا كسائر الناس يعني لا يتساوون معهم في شيء ، قال الله في أزواج النبي ^ في القرآن :(154/312)
{ يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيراً ، ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل عملاً صالحاً نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقاً كريماً } .
[ باب : ما يجب على الناس عند مضي الإمام ]
روى في هذا الباب ثلاثة أحاديث لتحدد الواجب على الناس بعد موت الإمام ، ولكن لم يعين التكليف المعقول بهذا الشأن ، وقد ورد في الحديث الذي روي عن سيدنا الأمير حيث حدد فيه واجب المسلم بعد موت الوالي والإمام وقال : ( والواجب في حكم الله وحكم الإسلام على المسلمين بعد أن يموت إمامهم أو يقتل ضالاً كان أو مهتدياً مظلوماً أو ظالماً أن يعملوا عملاً ولا يحدثوا حدثاً ولا يقدموا يداً ولا رجلاً ولا يبتدئوا بشيء قبل أن يختاروا لأنفسهم إماماً عفيفاً عالماً ورعاً عارفاً بالقضاء والسنة ) وقد كتب سيدنا الأمير هذا إلى معاوية فيرجى الرجوع إلى كتاب ( دراسة في نصوص الإمامة ص 86 باللغة الفارسية ) .
[ باب : في أن الإمام متى يعلم أن الأمر قد صار إليه ]
روى في هذا الباب ستة أحاديث ، ثلاثة منها لا تتعلق بالباب والثلاثة الأخرى المتعلقة بالباب تقول بإلهام الإمام التالي وبعلمه للغيب وتصفه بالتواضع . وفي الجواب نقول : إذا كان الإمام في هذه الأخبار بمعنى الوالي فلا معنى لذلك ولا مفهوم للإلهام لدى الناس عامة وإلا لادعى كل إنسان ذلك ثم لا يكون ذلك حجة على الناس بل يجب على الناس أن يختاروا إماماً عالماً يعمل بكتاب الله وسنة الرسول سواء كان مطلعاً على موت الإمام السابق أم لا !.
[ باب : حالات الأئمة رضي الله عنهم في السن ]
يريد الكليني أن يثبت الإمامة والحجية في هذا الباب للطفل الذي يعده إماماً وهو ابن يوم أو ابن سنة .(154/313)
ونقل روايات قاس فيها الإمام على سيدنا عيسى وسيدنا يحيى عليهما السلام ، مع أن القياس ( وخاصة في المذهب الشيعي باطل ) وخصوصاً في الأمور العقدية الأصولية وإذا كان عندهم القياس في الفروع باطلاً فكيف يصح في الأصول ، لا سيما القياس الذي يرد في روايات كرواية سهل بن زياد الكذاب ، وآخرين مجهولين وقد عد المجلسي خمساً من روايات هذا الباب ضعيفة ومجهولة .
إضافة إلى أنه يجب على الإمام كالمأموم أن يطلب العلم لأنه لا يوحى إليه ، والطفل حديث الولادة لا علم له ولا معرفة ، وقد قال الله في سورة النحل الآية 87 : { والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا } فأي إمام هذا إلا الإمام المكذب بالقرآن ؟ وهل الإمامة لعبة اطفال ؟ يرجى الرجوع إلى باب الإشارة والنص على صاحب الدار للتفصيل .
[ باب : أن الإمام لا يغسله إلا إمام من الأئمة ]
روى هنا ثلاثة أحاديث يعدها المجلسي كلها ضعيفة ، وكيف يثبت شيء من هذه الأحاديث ورواتها كلهم من الضعفاء والغلاة ؟ ثم هل يمكن القول إن كل من لا يقبل هذه الأحاديث فهو كافر من أهل الباطل ؟ لا والله .
روى في هذا الباب ثلاثة أحاديث عن أشخاص سيئي السمعة ، كمحمد بن الجمهور الفاسق الذي كان يروّج الكفر والفسق بأشعاره ، ويونس بن يعقوب الفطحي المذهب ، وكان من الكذابين ، أو يونس بن ظبيان الغالي الوضاع الذي لعنه سيدنا الرضا رضي الله عنه . والحال أن متون هذه الروايات لا تتفق مع التاريخ لأن ساداتنا الرضا ، وموسى بن جعفر ، والإمام الحسين توفوا في وقت لم يكن أولادهم حاضرين في غسلهم . ويمكن أن يقول أحد القصاصين إن سيدنا الجواد والسجاد جاءا من المدينة إلى خراسان أو كربلاء بطيّ الأرض .
ونقول في الجواب إن رسول الله ^ وهو أعلى مقاماً من جميع الأئمة عندما أرادوا قتله في مكة هاجر ماشياً حافياً ولم تكن له معجزة طي الأرض .(154/314)
ثانياً : أن معجزة التصديق الإلهي لمقام النبوة إنما هي لمنكري النبوة ... فما معنى طي الأرض هنا ؟ ولمن ومن رآه وأثبته ؟ فضلاً عن هذا فلا فرق بين غسل الإمام وغيره ، وهو واجب كفائي على المسلمين الحاضرين لا الغائبين !.
[ باب : مواليد الأئمة رضي الله عنهم ]
روى ثمانية أحاديث في هذا الباب ، وعد المجلسي خمسة منها ضعيفة ، واثنين منها عن مجهولين ومرسلين ، وفيه رواة سيئوا السمعة كمحمد بن سليمان الديلمي الكذاب الضعيف المغالي ، وعلي بن أبي حمزة البطائني رأس السلسة الواقفية الذي اختلس أموال سيدنا موسى بن جعفر وكان من أعداء الأئمة .
هذا الصنف من الرواة نقلوا خرافات عن ولادة الأئمة خلافاً للعقل والقرآن وفيها يقول الحديث الأول قال الإمام : لما أن كانت الليلة التي علق فيها ابن في رحم أمه أتاني آتٍ بكأس فيها شربة أرق من الماء ، وألين من الزبد ، وأحلى من الشهد ، وأبرد من الثلج ، وأبيض من اللبن فشربت فجامعت فعلق ابني هذا المولود وكتب على ساعده الأيمن وهو في بطن أمه الآية : { وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم } .
ثم إذا وقع من في بطن أمه وقع واضعاً يده على الأرض رافعاً رأسه إلى السماء ، فأما وضعه يديه على الأرض فإنه يقبض كل علم الله أنزله من السماء إلى الأرض وأما رفعه رأسه إلى السماء فإن منادياً ينادي به من بُطنان العرش من قبل رب العزة من الأفق الأعلى باسمه واسم أبيه فيقول : يا فلان ابن فلان ! اثبت اثبت فلعظيم خلقتك ... أنت صفوتي من خلقي وموضع سري وعيبة علمي وأميني علي وحيي وخليفتي في أرضي ... إلى آخر ما وضع هذا الوضاع الذي هو عدو لله ولرسوله .(154/315)
ترى لماذا لم يَدَّع رسول الله كل ذلك لنفسه ؟ ولماذا لم تذكر في القرآن مثل هذه المميزات لرسول الله ^ بل لقد ذكر خلافها فقال حيناً { أنا بشر مثلكم } وحيناً آخر { والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً } . أما في هذا الحديث المختلق فقد كانت له العلوم كلها وهو في بطن أمه !.
إضافة إلى أنه قال : نزل ملك على الإمام ومعه الشراب ! فهل ينزل الملك على الإمام ؟!.
ولماذا لا تقولون صراحة إن الإمام أفضل من النبي لأن الإمام تنزل عليه الملائكة وهو في عمر أقل من عمر الرسول ؟.
بعد ذلك أتى بالآية القرآنية التي نزلت في وصف إتمام القرآن وعظمته بحيث لا يمكن لأحد من أن يبدل كلماته ... أتى بها بشأن ساعد الإمام ووصفه وكأنه يريد أن يتلاعب بالقرآن .
ثم جعل الإمام في الساعة الأولى لولادته موضع سر الله ، وحافظ علمه ، وخليفته ... ذلك الإمام المولود في الساعة ... وأما رسول الله ^ فهو لم يصبح موضع السر من الله إلا بعد أن بلغ الأربعين عاماً .
ثم إنه ليس لله موضع سر ، ولا حافظ لعلمه ، لأن علمه هو عين ذاته(1) ... كما أنه ليس لله خليفة ومحال أن يغيب الله ويستخلف أحداً مكانه ـ نعوذ بالله ـ ولكن هذا الراوي الجاهل نسج ما شاء .
وقد ذكرنا ذلك في باب أن الأئمة هم خلفاء الله في الأرض ، فيرجى الرجوع إليه .(154/316)
ثم إنهم يذكرون في هذه الرواية أن الآية كتبت على ساعد الإمام الأيمن ، ولكنهم في الخبر التالي يقولون إنها تكتب بين عينيه في جبهته ، وفي الخبر السادس يقولون إن الإمام يسمع كلام الناس وهو في بطن أمه ، وأسوأ من ذلك كله قولهم إن الإمام وهو في بطن أمه توضع له أعمدة من النور يرى بها الناس جميعاً في كل مدينة ... وكل هذا يخالف القرآن والعقل لأن الله هو ستار العيوب ولا يُطْلِع أحداً على أعمال عباده وكرر الله في القرآن { وكفى بربك بذنوب عباده خبيراً بصيرا } ... ترى ألم يقرأ هؤلاء القرآن ؟ لكن السؤال الحق هل كان لهؤلاء دين أصلاً ؟
ثم ذكر في الخبر السابع بعد هذه الخرافة عن يونس بن ظبيان اللاديني ، والذي لعنه الإمام الرضا رضي الله عنه ، وابن الفضال الواقفي الذي كان من الكلاب الممطورة ( الذي
[ باب : لولا أن الأئمة يزدادون لنفد ما عندهم ](154/317)
روى عدة أحاديث في هذا الباب ، أولها ضعيف لوجود سهل بن زياد الكذاب فاسد العقيدة والأحاديث الأخرى مرسلة وأما المتن : لولا أنا نزداد ـ أي علماً ـ لأنفدنا ، وهذا لا يصح لأن الله قال لرسوله وهو أعلى من أي إمام ، في سورة الأنبياء الآية 58 : { وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً } وقال في سورة طه الآية 411 لرسوله : { قل رب زدني علماً } وعلم الأنبياء والأولياء ينفد لا محالة ، سواء يزيدونها أم لا ، أما في هذه الأحاديث ، فيقول الرواة إن علم الإمام يزداد ، إذن لا ينفد ، وهذا يخالف القرآن والعقل ، يقول الله في سورة النحل ، الآية 69 : { ما عندكم ينفد } وهولاء الغلاة يسعون إلى أن يرفعوا الإمام إلى مقام الألوهية معتبرين علمه كعلمه تعالى مع أن الأئمة اعترفوا مراراً بجهلهم في أدعيتهم ، وفي حديثين آخرين في هذا الباب استشكل الراوي أحد الأئمة فقال إن علمكم يزداد ولا يعرف ذلك عن الرسول فعلمكم يزيد عن علم الرسول ^ فأجاب الإمام ما يأتينا من العلم زيادة يعرض على الرسول ^ حتى لا يزيد علمنا على علمه ، وهنا يخبر الإمام عن عالم آخر ، مع أنه لا يعرف أحد شيئاً عن الآخرة والبرزخ إلا الله تعالى ، وبالإضافة إلى أن عالم الآخرة ليس عالم التكليف وهناك لا يعرف أحد شيئاً عن الدنيا حتى الأنبياء عليهم السلام ، يرجع إلى سورة المائدة الآية 901 .
[ باب : نادر فيه ذكر الغيب ]
جاءت في هذا الباب أربع روايات كلها متناقضة ومتعارضة مع بعضها البعض ، وهؤلاء الرواة المجهولون على حد قول المجلسي الذي عدّ الروايتين مجهوليتين ، كأنهم أعرضوا عن القرآن وأن لهم عداوة معه .(154/318)
إذ لم يقرؤوا صريح آياته ليعلموا أن الله تعالى أعلن في سورة النمل الآية 56 : { قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله } وقال لرسوله في سورة الأنعام الآية 05 : { قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب } وقال في سورة يونس الآية 02 : { فقل إنما الغيب لله } وكثير من الآيات الأخرى ، إذن ما غرض ذلك الرجل الفارسي المجهول الذي جاء ذكره في هذا الباب حين سأل الإمام : هل تعلم الغيب ؟ فأجاب الإمام يُبسط لنا العلم فنعلم ويقبض عنا فلا نعلم . وقال : سرُّ الله عزوجل أسرّه لجبرائيل وأسرّه جبرائيل لمحمد وأسرّ ، محمد من شاء الله ، لا بد أن يقال هل الله يمزح في القرآن ـ العياذ بالله ـ حيث يبسط الغيب للإمام حيناً ويعطي سره لجبرائيل ، إلى آخر الحديث أليس هذا تلاعب بكلمات الله ، وبدينه وبكتابه ؟! هل يعطي الله سره لأحد وهل أعطى محمد سر الله لمن شاء ؟! لا بد أن يوضح هنا كي يفهم الغلاة ، أن الله يكشف لرسوله المصطفى المختار الأخبار الغيبية التي لا يعرفها أحد ويطلعه على ذلك أحياناً كما جاء في سورة الجن الآية 62 : { عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسولٍ } وكما جاء في سورة هود الآية 94 : بعد بيان قصة نوح ، يقول تعالى : { تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا } وبعد أن يوح الله لبعض رسله بعض تلك الأخبار الغيبية فإن ذلك الرسول يخبر أصحابه وأمته بها ويؤمن بها الإمام والمأموم على حد سواء ، وكما قال في سورة البقرة الآية 2 و 3 : { هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب } والرسول الكريم وأصحابه وأمته الأتقياء يصدقون بذلك الغيب ويؤمنون به ويعدون من المؤمنين بالغيب ، إذن يصبح رسول الله والمتقون من أصحابه وأمته مؤمنين بالغيب لا عالمين به لأن العالم بالغيب هو الله تعالى الذي يعرف الغيب بنفسه ولم يأخذه من أحد ، على خلاف الرسول وأتباعه الذين يؤمنون(154/319)
بأخبار الغيب ، إذن العالم بالغيب هو الله وحده والمؤمنون بالغيب هم عباده المتقون ، هذا الأمر بهذا الوضوح لم يفهمه الرواة ولا الناقلون عنهم ، وكانوا لا يفكرون إلا بإغداق الصفات والخصال الخارقة للإمام وحده .
وفي الخبر الأوّل أجاب الإمام بجواب لا يتعلق بالغيب أصلاً ، وفي الخبر الثاني قال الإمام : لله علمُ مفيض بفيضه على الملائكة ولله علم موقوف عن .. ولكن ما جواب الآية : { عالم الغيب } وما هو ؟ ومن هو ؟ لم يبين ذلك ، وأما في الخبر الثالث قال صراحة : يا عجباً لأقوام يزعمون أنا نعلم الغيب ما يعلم الغيب إلا اللَّهُ عزوجل ، وسدير وأبو بصير اللذان أحبا أن يعظما الإمام ، اختلا مع الإمام بعد المجلس حيث لم يعجبهما أن يصغر الإمام نفسه بأن يقول لا أعلم الغيب وأراد منه أن يعظم نفسه قليلاً ويثني على علمه وعندها صنعا أخباراً لا توافق القرآن ومن المتأكد أن الإمام الذي يجب عليه أن يكون عالماً بالقرآن لا يقول كلاماً كهذا ، لأن هذا الإمام نفسه يقول في صدر الحديث لقد هممت بضرب جاريتي فلانة فهربت مني فما علمت في أيّ بيوت الدار هي ؟ كيف يقول في آخر الخبر أنا أعلم الغيب ويقول أفمن عنده علم الكتاب كلّه أفهم أمّن عنده بعض علم الكتاب ؟ ولما قال تعالى في سورة الرعد الآية 34 { ويقول الذين كفروا لستَ مرسلاً قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب } .(154/320)
قال الإمام والذي عنده علم الكتاب ، قد أشارت الآية إلينا ونحن الذين عندنا علم الكتاب ، والآن لا بد من أن نتأمل في هذه الآية ، هذه آية من سورة مكية ، الكفار الذين قالوا لمحمد لست مرسلاً ولست رسولاً من الله ، فأجابهم الله بجواب لا بد أن يكون مقنعاً وكافياً ، فبماذا أجاب ؟ قال : { كفى بالله شهيداً بيني وبينكم } وأمّا قوله تعالى : { الذي عنده علم الكتاب } فعلى قول الشيعة مثلاً المعنى علي أولاده رضي الله عنهم ، هل الكفار الذين لا يؤمنون للنبي يقبلون شهادة على الذي ربى في بيت النبي ولم يكن عمره يتجاوز عشر سنوات وربي في بيته وأولاده الذين لم يولدوا بعد ؟! هل شهادة هؤلاء تكفى لكفار ؟! الذين لا يقبلون كلام محمد هل يستجيبون بكلام صبي في بيته !! هل كلام الله لغو ـ العياذ بالله ـ فاعلم أن القول الصحيح أن الله قدم شاهدين لصدق رسالة محمد ^ وصحتها ، ليؤمن الكفار به ، الأول شهادته نفسه أن نزل إليه كتاب يعجز الناس كلهم عن إتيان سورة مثله والآخر شهادة الذين يعلمون التوراة والإنجيل وهم أهل الكتاب الذين رأوا اسم محمد ^ ووصفه في كتبهم ودليلنا الآيات القرآنية الأخرى ، حيث استشهد الله بشهادة علماء أهل الكتاب للكفار كالآية 791 من سورة الشعراء : { وإنه لفي زبر الأولين أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل } وقال في سورة القصص الآية 25 : { الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به أنه الحق من ربنا } وقال في سورة العنكبوت الآية 74 : { فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به } وقال في سورة الأعراف الآية 751 : { الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل } وقال في سورة المدثر الآية 12 : { ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون } وقال في سورة الأنعام الآية 02 : { الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم } وفي سورة(154/321)
التوبة الآية 641 وفي سورة آل عمران الآية 18 وفي كثير من الآيات الأخرى ، وفي غالب السور المكية وكلها شاهدة على أن المقصود من آية : { ومن عنده علم الكتاب } التي وردت في آخر سورة الرعد هم علماء أهل الكتاب ، كما جاء في هذه السورة نفسها الآية 63 : { والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك } وكل هذه الآيات تصدق وتفسر بعضها بعضاً وشهد علماء .
علماء أهل الكتاب الذين آمنوا في ذلك الزمن كما جاء في سورة المائدة الآيات 28 إلى 58 ، تتبين هذه من تفسيرهم للآية أي من هو { من عنده علم الكتاب } . هل يأتي هؤلاء الغلاة العوام ليفسروا طبقاً لرواية الكافي أن الله قال في هذه الآية أن { من عنده علم الكتاب } هو علي وبنوه ، حيث أن لهم ولاية تكوينية على العالم كله بدليل أن عندهم علم الكتاب كله ، هل يمكن أن يكون الإمام الصادق كان جاهلاً بكل هذه الآيات القرآنية فيتبع الغلاة ويقول إن الله قال لكفار أن يسألوا صبياً كان في بيت محمد وقال في الرد على الكفار أنه سيكون ولي أمر العالم صبياً . هل يعقل كل هذا ؟ فلا بد لمقلدي الكليني أن يحجموا عن تقليده .
وفي كتب مدّعي العلم في زمننا هذا دعوى لتقليد الكليني وهم يستدلون بهذه الرواية وهذه الآية . وأن علياً رضي الله عنه متصرف بالكون وأمور العالم كله . إذن نحن بناءً على قول سيدنا الرضا رضي الله عنه حيث قال في هذا الكافي نفسه في باب إبطال الرؤية : ( إذا كانت الروايات مخالفة للقرآن كذبتها ) نكذب رواية الكليني هذه .
في الحديث الرابع : من هذا الباب يقول عمار ساباطي الفطحي المذهب : سألت الإمام هل يعلم الغيب . فقال لا . ولكن إذا شاء أن يعلم فإن الله يعلمه .(154/322)
لا بد أن يقال لهذا الراوي الكذاب : أيظهر من كلامكم أن الله عندما قال : { لا يعلم الغيب إلا الله } وحصر علم الغيب بهه وحده ... كان هذا باطلاً ـ والعياذ بالله ـ وأن الإمام وحده يمكن له أن يعلم الغيب . ثم هل يوحى إلى الإمام ... فإن كان يوحى إليه فلماذا قال سيدنا أمير المؤمنين رضي الله عنه ( ختم بمحمد الوحي ) ، ثم هل يتبع الله الإمام ويطيعه ليعلم الإمام كلما شاء الإمام نفسه !!.
[ باب : أن الأئمة يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى
الملائكة والأنبياء والرسل عليه السلام ]
ذكر في هذا الباب رواة كذابين وفاسدي العقيدة كسهل بن زياد وعلي بن أبي حمزة البطائني الواقفي الذي إختلس ألوف الدنانير من الإمام موسى بن جعفر رضي الله عنهم وأمثال هؤلاء زعموا أن الإمام يعلم جميع ما تعلمه الملائكة والأنبياء والرسل ، دون أن يسألهم أحد عن فائدة هذه العلوم ؟ وإذا كان الإمام عارفاً كل هذه العلوم فلماذا لم يسخر الجن والإنس ليقيم حكومة عادلة وإذا كان يعرف منطق الطير فإن عليه أن يكشف علوماً مفيدة ، وإذا كان يعرف فوائد الأشجار فإن عليه أن يبين خواصها وإذا كان يعرف الجراثيم فإن عليه أن يكشف الأمراض كباستور وأمثاله ، وإذا كان يعرف الكهرباء فلماذا لم يسخره ، وإذا كان يعرف الطباعة فلماذا لم يصنع مطبعة لينشر حقائق الإسلام ، لتزول كل هذه الخرافات والفرق المتمثلة بالإسلام ، وإذا كان يعرف علوم الكون والصناعات فقد كان عليه أن يصنع سفينة فضائية ويصنع الإذاعة والتلفاز وهكذا ... لماذا لم يفعل كل ذلك وترك المجال لكفار أروبا يكشفون كل ذلك ؟! وإذا كان يعرف هذه العلوم ولم يبينها فلا بد أنه كان بخيلاً ، وكان يضنٌ بها على الأمة ، إن المرء ليحار في أمر هؤلاء الجهال الذين انحصر همهم في الغلو بحق الإمام والمغالاة بأوصافه .
[ باب : في أن الأئمة إذا شاؤوا أن يعلموا علموا ](154/323)
روى في هذا الباب ثلاثة أحاديث عن رواة كذابين ، كسهل بن زياد ، حيث قال : إن الإمام إذا شاء أن يعلم فإن الله يعلمه .
هذه الأخبار تخالف العقل والقرآن ، لأن مشيئة الله وإرادته ليستا تبعاً للإمام فيعلم متى شاء ذلك . بل ليس هذا تابعاً حتى لمشيئة الرسل فقد دعي الرسل ولم يجبهم الله تعالى إلا عندما شاء هو ذلك .
قال الله تعالى في سورة الدهر في الآية 03 : { وما تشاؤون إلا أن يشاء الله } . وقال في سورة التكوير الآية 92 : { وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين } .
يقول الله تعالى في هاتين الآيتين أن مشيئتكم تابعة لمشيئة الله ولا بد من أن تطلبوا الهداية والتوفيق منه . ونحن قد أردنا لكم الاختيار والمشيئة .
ويقول الإمام الصادق في دعائه : يا من يفعل ما يشاء ولا يفعل ما يشاء غيره .
إذن روايات هذا الباب تخالف العقل والقرآن معاً ، لأن أي عقل سليم لا يمكن أن يدعي في أن الله تابع لعبده إلا عقول الغلاة الجهال الكفرة .
[ باب : أن الأئمة يعلمون متى يموتون
وأنهم لا يموتون إلا باختيار منهم ]
هذا الباب الذي خالف القرآن صراحة جاء فيه عدة أحاديث وهي كلها إما ضعيفة أو مرسلة ، وعد المجلسي منها سبعة مرسلة وضعيفة ، ونحن نعجب فأي كتاب هذا الذي يسعى في جمع أخبار أكثرها تخالف القرآن أو تغالي في تعظيم الأئمة ، وكأن هؤلاء يعتبرون قول سلمة بن الخطاب المغالي وسهل بن زياد الكذاب وأمثالهما خير من قول الله تعالى .(154/324)
وروى في هذا الباب في الحديث الأول عن سالمة بن الخطاب المغالي وعبدالله بن القاسم البطل وهو أيضاً من الغلاة ومن الكذابين . إن كل إمام لا يعلم ما الذي سوف يحدث له وما يؤول إليه فهو ليس بإمام ولا حجة . مع أن الله تعالى قال لرسوله ^ في سورة الأحقاف الآية 9 : { قل ... وما أدري ما يفعل بي ولا بكم } هل يعقل أن رسول الله الذي يوحى إليه لا يدري ما يفعل به وما يحصل له في حين أن الإمام الذي لا يوحى إليه يعلم ذلك .. أي دين هذا الذي اختلقه الغلا ؟!.
جاء في هذا الباب : قال الإمام أنا أعلم متى أموت ، ولكن الله قال في سورة لقمان الآية 43 : { وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت } وقال أمير المؤمنين في نهج البلاغة في خطبة 741 قبل وفاته وبعد أن أصابه ابن ملجم : ( أيها الناس كل امرئ ملاق ما يفر منه في فراره ، والأجل مساق النفس والهرب منه موافاته . كم أطردت الأيام أبحثها عن مكنون هذا الأمر فأبى الله إلا إخفاءه . هيهات علم مخزون ) وقال في هذه الخطبة بناء على آيات القرآن أن لا علم لأحد بوقوع الموت وكذلك قرأ في خطبته 821 الآية 43 من سورة لقمان .
{ إن الله عنده علم الساعة ينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت } ويقول بعد ذلك فهذا من علم الغيب الذي لا يعلمه أحد إلا الله . وهذا الغيب الذي لا يعلمه أحد إلا الله ولا يعلمه نبي ولا وصي . ويقول في رسالته 32 بعد أن جرحه ابن ملجم حيث لا علم له بموته : ( إن أبق فأنا وليُّ دمي وإن أفن فالفناء ميعادي ) . وفي رسالته المعروفة لمالك الأشتر النخعي ( الرسالة 25 من نهج البلاغة ) وبما أنه لم يكن يعلم وقت موته يقول : ( وأنا أسأل الله سعة رحمته ... أن يختم لي ولك بالسعادة والشهادة ) .(154/325)
وكان في دعواته دائم الخوف طالباً للشهادة كدعائه في خطبة 32 من نهج البلاغة ، وكذلك في دعائه في حرب صفين قبل أن يرفع معاوية المصاحف على السيوف قال : ( فإذا كان ما لا بد منه الموت فاجعل منيّتي قتلاً في سبيلك ) . وكذلك في دعائه في صفين : ( وإن أظفرتهم علينا فارزقنا الشهادة ) وكذلك في سائر دعواته رضي الله عنه ) .
إذن يتبين طبقاً لكلام الله ورسوله وأمير المؤمنين أنه لا علم لأحد بوقت موته سواء في ذلك الإمام أو المأموم ، والناس في الإسلام سواء لا فرق بين إمام ومأموم فهو ليس ديناً عنصرياً .
علماء أهل الكتاب الذين آمنوا في ذلك الزمن كما جاء في سورة المائدة الآيات 28 إلى 58 ، تتبين هذه الحقيقة من تفسيرهم للآية أي هو { من عنده علم الكتاب } . هل يأتي هؤلاء الغلاة العوام ليفسروا طبقاً لرواية الكافي أن الله قال في هذه الآية أن { من عنده علم الكتاب } هو علي وبنوه ، حيث أن لهم ولاية تكوينية على العالم كله بدليل أن عندهم علم الكتاب كله ، هل يمكن أن يكون الإمام الصادق كان جاهلاً بكل هذه الآيات القرآنية فيتبع الغلاة ويقول إن الله قال لكفار أن يسألوا صبياً كان في بي محمد وقال في الرد على الكفار أنه سيكون ولي أمر العالم صبياً . هل يعقل كل هذا ؟ بما سيجيب الكليني ورواته الله تعالى يوم القيامة حين يسألهم عن تلاعبهم بآيات القرآن إلى هذا الحد . فلا بدّ لمقلدي الكليني أن يحجموا عن تقليده .
وفي كتب العلم في زمننا هذا دعوى لتقليد الكليني وهم يستدلون بهذه الرواية وهذه الآية .
وأن علياً عليه السلام متصرف بالكون وأمور العالم كله . إذن نحن بناءً على قول سيدنا الرضى عليه السلام حيث قال في هذا الكافي نفسه في باب إبطال الرؤية : ( إذا كانت الروايات مخالفة للقرآن كذبتها ) فهو يكذب رواية الكليني هذه .(154/326)
في الحديث الرابع : من هذا الباب يقول عمار ساباطي الفطحي المذهب : سألت الإمام هل يعلم الغيب ؟ فقال : لا . ولكن إذا شاء أن يعلم فإن الله يعلمه .
لا بد أن يقال لهذا الراوي الكذاب : أيظهر من كلامكم أن الله عندما قال : { لا يعلم الغيب إلا الله } وحصر علم الغيب به وحده . كان هذا باطلاً ـ والعياذ بالله ـ وأن الإمام وحده يمكن له أن يعلم الغيب .
ثم هل يوحى إلى الإمام .. فإن كان يوحى إليه فلماذا قال سيدنا أمير المؤمنين عليه السلام ( ختم بمحمد الوحي ) ، ثم هل يتبع الله الإمام ويطيعه ليعلم الإمام كلما شاء الإمام نفسه .
أما الكليني ورواته فخلافاً للقرآن والعقل وقول سيدنا الأمير رضي الله عنه يريدون أن يجعلوا الإمام عالماً بوقت موته . أليس هذا الإمام الذي يقولون عنه بأنه يعلم وقت موته ، أليس هو من الذين يتبعون القرآن أم لا علم له بالقرآن ، أم أنه جاء بمذهب جديد . أم ترى أن الرواة يكذبون عليه .
وفي الحديث الثاني نقل عن شيخ مجهول من وعاظ السلاطين دخل السجن بدعوة من السندي بن شاهك رئيس شرطة هارون الرشيد ، ونقل عن موسى بن جعفر رضي الله عنه قوله : أني أموت بعد غد . فهل كان موسى بن جعفر جاهلاً بالقرآن وصادقاً في حدسه أم أن هذا الشيخ كان يكذب فيما قاله .(154/327)
وفي الحديث الرابع : سأل حسن بن الجهم ـ والله يعلم هدفه ـ سأل الإمام ، بل لقد ذكر الأشياء التي سمعها من الغلاة أن أمير المؤمنين كان يعرف قاتله والليلة التي يقتل فيها ـ وسمع صياح الإوَزّ الذي كان يخبر عن موته ـ ( أي أن الإوَزّ ـ نعوذ بالله ـ تعلم الغيب وهي التي أخبرت عن موته ) وطلبت أم كلثوم إليه أن يصلي في البيت ولكن سيدنا الأمير لم يقبل وخرج تلك الليلة بلا سلاح مع أنه عرف قاتله من قبل سيفه وهذا ليس جائزاً له فأجابه الإمام الرضا ، نعم هكذا كان ولكن قدر الله وما شاء فعل ، وتمسك سهل بن زياد الكذاب وعدة من الرواة مثله بهذه المقولة من أن أمير المؤمنين كان يعلم بموته ، وهذا افتراء وكذب ـ نعوذ بالله ـ بدليل ما ورد في خطبة في نهج البلاغة الخطبة 741 أو في سائر خطبه حين قال بأنه لا يعلم وقت موته ، وهذا كذب على الله كذلك .
إذ أن القرآن نزل خلافاً للواقع ـ والعياذ بالله ـ بناءً على أقوالهم ، فهم يدعون أن الإمام يعلم كل شيء ولذا بناءً على رواية سهل بن زياد الفاسد المذهب لا بد أن يعلم الإمام وقت موته ، وهنا يقال :
عندما قال الله سبحانه في القرآن : { لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله } كان هناك استثناء آخر وهو أنه لا يعلم الغيب إلا الله والإوَزّ ؟!.
وفي الحديث الخامس : روى شيئاً عجيباً يخالف كل العقول ، حيث قال الإمام الكاظم أن الله غضب على الشيعة وخيرني إما أنا أفتدي بنفسي أو أفتدي بشيعتي .
لا بد هنا من طرح هذا السؤال : هل يوحى إلى الإمام ؟ ولماذا لم يغضب الله على أهل السنة مثلاً ، إضافة إلى أن الإمام أشرف من المأموم عندهم فهل يفتدى الأدنى بالأعلى ؟.
فإننا مثلاً لا نجد من يفتدي أغنامه بولده ... إلا عند علي بن إبراهيم وأمثاله من الرواة والكليني والأعجب من ذلك أنهم تمسكوا بهذا الحديث الفاضح واتخذوه دليلاً على علم الإمام بموته مع أنه لا علاقة له أصلاً بذلك .(154/328)
وفي الحديث السادس : نقل عن الإمام الرضا أنه قال لرجل يسمى المسافر : إني رأيت رسول الله في المنام ليلة أمس وقال : يا علي ما عندنا خير لك . واستدلوا بهذا على أن الإمام يعلم وقت موته . مع أن هذا القول لا يدل على ذلك إطلاقاً .
إن هؤلاء يريدون أن يثبتوا بهذه الأقوال الواهية المتحيرة أن الإمام ـ خلافاً للقرآن ـ يعلم وقت وفاته ولقد فرق هؤلاء بين القرآن وما عليه الأئمة رضي الله عنهم ، وجعلوا كلا الطريقين مخالفاً للآخر .
وكذلك في الحديث السابع : يقول : قال الإمام الباقر صاح أبو زين العابدين من وراء الجدار وقال : يا محمد تعال وعجل . واستدلوا بهذا على علم الإمام بموته أن هذا لا يدل على ذلك وهو كالخبر السابق .
وفي الخبر الثامن : روى علي بن الحكم الخرافي راوي حديث سلسلة الحمار ، وسيف بن عمير الملعون الذي لعن من قبل الأئمة على حد قول الممقاني ، أن الإمام الحسين خيّر بين أن ينتصر ويهزم حكومة يزيد وبين أن يقتل ويلقى الله . واختار الإمام الحسين القتل . بناءً على رواية هؤلاء الكذابين الوضاعين لم يقم الإمام الحسين لدفع الظلم ونشر العدالة بل قام للقتل أيضاً مع أن الإمام الصادق قال : قتل الحسين كان مصيبة فوق المصائب . ويقول سيدنا الأمير رضي الله عنه في رسالة 54 من نهج البلاغة بشأن معاوية :
( سأجهد في أن أطهر الأرض من هذا الشخص المعكوس والجسم المركوس حتى تخرج المدرة من بين حب الحصيد ) ، ويكتب لعمرو بن العاص في رسالة 93 من نهج البلاغة : ( فإن يمكن الله منك ومن ابن أبي سفيان أجزكما بما قدمتما وإن تعجزا وتبعثرا فما أمامكما شر لكما ) .
إذن بناءً على هذا إذا كان الإمام الحسين راغباً في القتل لم يصب الإمام الصادق وسيدنا الأمير رضي الله عنه ونعوذ بالله من أفكار الغلاة .(154/329)
ولا بد أن نسأل الكليني ورواته : إذا كان الإمام الحسين اختار الشهادة فما علاقة هذه بعلم الإمام رضي الله عنه بموته ؟ ثم هل يوحى إلى الإمام ؟!.
[ باب : أن الأئمة يعلمون علم ما كان وما يكون
وأنه لا يخفى عليهم شيء ]
روى في هذا الباب ستة أحاديث يعد المجلسي خمسة منها ضعيفة ومجهولة ، وأحد رواتها إبراهيم بن إسحاق الأحمر النهاوندي الفاسق والمبتدع وقد ضعفه علماء الرجال وسموه من الغلاة وقالوا في مذهبه والآخر سيف التمار الذي تخالف أخباره القرآن . والآخر أحمد بن محمد البرقي الشاك في الدين والآخر محمد بن سنان وهو من الكذابين المشهورين ومن الغلاة والآخر يونس بن يعقوب الفطحي المذهب والآخر سهل بن زياد الكذاب .
ماذا يتوقع من رواه كهؤلاء سوى ضرب الإسلام والكيد له والغلو في أشخاص ذوي سيرة حسنة لاصطياد السمك في الماء بعد تعكيره بترهاتهم .
روى هؤلاء عن الإمام الصادق في الحديث الأول : أن جماعة من الشيعة أتوا إلى الإمام ـ والله أعلم أنهم كانوا من هؤلاء الغلاة ـ قال سيف التمار عن الإمام : لقد جعلوا علينا جاسوساً ـ وربما كان هذا سيف التمار نفسه ـ ولكن سيفاً يقول نظرنا يميناً وشمالاً فلم نر أحداً . وقلنا : لا يوجد جاسوس . فتبين لنا أن الإمام تكلم خلافاً للواقع وبلا علم . فحلف الإمام ثلاث مرات برب الكعبة بأنه أعلم وأزكى من موسى والخضر عليهما السلام فهما قد أعطيا علم ما كان ولم يعطيا علم ما سيكون وما هو كائن إلى يوم القيامة ولكنه ( أي الإمام ) أعطي ذلك إرثاً عن رسول الله .
لا بد أن نسأل سيف التمار :
أولاً : إن الإمام الذي لم يعلم شيئاً عن أصحابه وتكلم على خلاف الواقع بأن هناك جاسوساً مع أنه لم يكن ثمة جاسوس فأنى لذلك الإمام أن يعلم ما كان وما سيكون إلى يوم القيامة .
ثانياً : قال رسول الله ^ : « علامة الكذب كثرة الحلف » فلماذا إذاً يحلف الإمام ثلاث مرات بأنه أعلم من موسى .(154/330)
ثالثاً : من أين عرفتم أن موسى والخضر كان لهما علم ما كان ، وموسى نفسه لم يدع هذا ، ولم يعلم بما كان حين وجوده في الطور ولم يعرف عن عبادة قومه للعجل . فيقول له الله تعالى : { قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري } ولما رجع من الطور ووجد أن قومه قد فتنوا بالشرك غضب جداً وقال لهم : { بئسما خلفتموني من بعدي } حتى أنه لم يعلم أن أخاه لم يقصر في نصحهم فأخذ بلحيته ورأسه ولم يعرف أنه منعهم من عبادة العجل حتى قال له هارون : { إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء } ثم اختار موسى من قومه سبعين رجلاً لميقات جبل الطور ولكنهم جميعاً كانوا ممن غضب الله عليهم .
وأمثال هذا كثير ... ويستفاد من القرآن الكريم أنه عليه السلام لم يعلم بما كان .
رابعاً : إن العلم لا يورث إلا عند الرواة القائلين بالخرافة .
خامساً : قال الله تعالى مراراً لرسوله في القرآن الكريم : { قل ما أدري ... وما أدراك ... إن أدري ... وما كنت تدري ... لا تدري ... ما يدريك } . ومع كل ذلك كيف يمكن الادعاء أن الرسول علم ما كان وما سيكون فضلاً عن أن يورث ذلك لغيره . وحتى رسول الله ^ عندما كان يسأل عما لا يعلم كان يصبر حتى ينزل الوحي ... فكيف يمكن للإمام الذي لا يوحى إليه أن يعلم ما كان وما سيكون .
وانتبهوا إلى الحديث الثاني : كيف أحاط عدد من الشيعة الخرافيين بالإمام من أمثال حارث بن المغيرة وعدد من الناس المجهولين وسمعوا أن الإمام قال : أنا أعلم ما في السموات وما في الأرض وما في الجنة وما في النار وما كان وما سيكون ، ثم مكث الإمام برهة ورأى أن هذا الكلام قد كبر على المستمعين ولم يصدقوه فقال : لقد تعلمت هذا العلم من كتاب الله حيث يقول الله عزوجل { وفيه تبيان كل شيء } .(154/331)
أولاً : لا بد أن يقال أن رسول الله ^ الذي هو أعلى من كل إمام لم يدّع شيئاً كهذا . ويقول الله سبحانه له في سورة الإسراء : { وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً } ورسول الله نفسه يقول في دعائه : إلهي أنت العالم وأنا الجاهل .
ثانياً : قال الإمام : تعلمت كل هذه العلوم من كتاب الله . ثم قرأ الآية خطأ .
هذه الآية التي ذكرها الإمام ( فيه تبيان كل شيء ) هي في سورة النحل الآية 98 حيث قال الله تعالى : { ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء } فظاهر أن الآية ليست كما ذكر ـ فيه تبيان لكل شيء ـ فهل يعقل أن يكون الإمام الصادق جاهلاً بالقرآن إلى هذه الدرجة فيقرأ آياته خطأ ... ثم يكون فوق ذلك عالماً بما في السموات والأرض . إذن من المتأكد أن هذا الكذب من صنع رواة الكليني .
قبل رأس الإمام ليرضيه عن هذه الكفريات ) . هل كانت كل هذه العلوم الإلهية لآل محمد ^ ثم لم ينتبه إليها إلا عدو من هؤلاء الرواة اللادينيين ؟!.
ثم اختلق موضوعاً آخر في الخبر الثامن عن الإمام الباقر يسخر ويضحك منه أي عاقل ، فقد ذكر عشرة آيات للإمام منها مثلاً أنه لا يكون جنباً ولا يعطش وينظر من ورائه كما ينظر أمامه وتفوح من غائطه ريح المسك !!.
فهل هذه الخرافات من قول الإمام ؟ إننا لا نعتقد ذلك أبداً .
والآن ترى لماذا وضعوا مثل هذه الأخبار في أحسن كتبهم المذهبية ؟ هل يريدون تشويه صورة الإسلام بهذه الخرافات ؟ وإذا كان الإمام لا يمر بحالة الجنابة فكيف يكون منه أولاده ؟!
أما من عقل لهؤلاء الرواة ؟ وهل هذه المتاهات هي المذهب الجعفري ؟!.
[ باب : خلق أبدان الأئمة وأرواحهم وقلوبهم ](154/332)
روى أربعة أحاديث في هذا الباب ، يعدها المجلسي كلها مجهولة ومرفوعة ، وفيه رواة فاسدو الرواية والمذهب ، مثل أحمد بن محمد البرقي الشاك في الدين ، وأبو يحيى الواسطي واسمه سهل بن زياد الكذاب ، وعلي بن حسان قال عنه النجاشي ضعيف جداً وفاسد الاعتقاد ومن الغلاة ، وكان له كتاب يسمى تفسير الباطن كله أخلاط من الباطل ، وكذلك سائر الرواة .
أما متونها : فعبارة عن الغلو في الأئمة حيث أنهم خلقوا من نور أعلى عليين ، وخلق سائر الناس من سجين من الطين السيئة ، بناءً على هذا فإن تلك الآيات التي وردت في القرآن : { قل إنما أنا بشر مثلكم } باطلة ـ نعوذ بالله ـ وكان يجب أن يقول ( بشر غيركم ) بل أقبح من هذا استدلالهم بالآيات الشريفة من سورة المطففين حيث قال تعالى : { كلا إن كتاب الفجار لفي سجين وما أدراك ما سجين ... كتاب مرقوم . كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين . وما أدراك ما عليون . كتاب مرقوم } وكأن رواة هذه الأخبار الغافلون عن القرآن لم تكن لهم أدنى معرفة بالعربية ولم يقرؤوا { كتاب مرقوم } أم لم يفهموا وتوهموا أن { العليين } مقام عظمة و { السجين } طين رديء حيث خلق الفجار منه . وثانياً : فرق في هذه الروايات بين الشيعة وسائر الناس حيث أن أرواح الشيعة من عليين وأرواح سائر الناس من سجين ، ولكن القرآن لم يفرق ، والله خلق الناس جميعاً على فطرة التوحيد سواء في ذلك المؤمن والكافر . وقال في سورة الروم الآية 03 : { فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله } حيث نقل في تفسير الصافي وفي هذا الكتاب الكافي نفسه جزء 2 ص 21 : في باب فطرة الخلق على التوحيد أن الإمام الصادق رضي الله عنه قال : خلق الله الناس جميعاً على فطرة التوحيد ، وفي رواية على فطرة الإسلام . ويبدو الآن أن الكافي لم يطلع على أبواب كتابه نفسه حيث روى في باب ( فطرة الخلق ) أن الناس على فطرة واحدة ولكن فرق في هذا الباب(154/333)
بين الشيعة وغير الشيعة ليناقض نفسه .
ثم إنهم تلاعبوا بالقرآن . والحق أن هؤلاء كانوا حفنة من العوام بحيث لم يستطيعوا أن يفهموا حتى رواياتهم هم .
ثم إذا كان الله قد فرق في الخلقة بين المؤمن والكافر والشيعة وغير الشيعة ـ كما تدعون ـ فإن هذا ظلم وقهر وجبر ، ويجب أن لا يساوي بينهم في التكليف أيضاً .
[ باب : التسليم وفضل المسلمين ]
في هذا الباب رواة كالبرقي الشاك في الدين ، ومحمد بن سنان الكذاب الغالي وأمثاله ، رووا ثمانية روايات حيث عد المجلسي أكثرها ضعيفة ومرسلة ومجهولة .
وأما متونها : هؤلاء الرواة كان لهم هدف من هذه الروايات ، وهو أن على الناس أن يقبلوا كل ما يصلهم عن الأئمة رضي الله عنهم بدون أدنى سؤال ، حتى ولو كانت الروايات موضوعة . مع أن الله أمر الرسول ^ وأتباعه أن يكونوا على بصيرة ، وأن لا يسلموا بكل ما يقال لهم كالعمي حيث قال في سورة الأنعام الآية 401 : { قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها } وقال في سورة يوسف الآية 801 : { قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني } وقال في سورة الأعراف الآية 302 : { هذا بصائر من ربكم وهدىً } والآيات الأخرى .
وأقبح من مطلبهم هذا في التسليم بكل ما يقال إنه جاء عن الأئمة هو أنهم جعلوا المخاطب علي في هذه الآية 46 ـ 56 من سورة النساء حيث قال الله لرسوله : { ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً . فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً } .
يقول قال الإمام الباقر رضي الله عنه : لقد خاطب الله أمير المؤمنين رضي الله عنه في كتابه في هذه الآيات المذكورة يعني أن المخاطب في كلمة ( جاؤوك ) و ( يحكمونك ) هو علي .(154/334)
ولست أدري كيف لا يخجل هؤلاء الرواة من ادعائهم هذا ، وكأنهم لم يروا كلمة الرسول في الآية . وهذه الآيات تتعلق بالمنافقين حيث لم يسلموا لحكمَ الله ورسوله ^ فما علاقة هذا بغير المنافقين ؟!
على كل لقد لعب هؤلاء الرواة بعقول المسلمين قدر ما استطاعوا ، وأوّلوا كل آية كيفما شاؤوا كالآية 81 من سورة الزمر حيث قال الله : { فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه } روى الراوي أن هذه الآية لمن سلم بالأئمة ثمّ أخذ بكل حديث نقل عنهم بلا نقص ولا زيادة ثم رواه .
[ باب : أن الواجب على الناس بعد أن يقضوا
مناسكهم أن يأتوا الإمام ]
روى ثلاثة أحاديث في هذا الباب ضَعّف المجلسي اثنين منها .
أما متونها فتقول : نظر الإمام شزراً إلى الطائفين حول الكعبة وقال : لقد كان في الجاهلية أيضاً طواف كهذا ، وعمل هؤلاء كعمل أهل الجاهلية ، ولقد كان مقصد الله عندما أمر بالطواف هو أن يأتوا إلينا بعد مناسكهم ويتعلموا ولايتنا ومودتنا ويعرضوا علينا نصرتهم .
والآن نقول ... هذا حسن ! ولقد كان الإمام في ذلك الوقت يحتاج إلى النصرة والعون ! أما الآن وبعد مضي ألف سنة فإنه ليس ثمة إمام ولا حاجة للناس بمثل هذه الأخبار .
إضافة إلى أن هذه الأوامر الإلهية في القرآن المختصة بمناسك الحج ، ألم تجب على الأئمة أنفسهم أم لا ؟ أم تراها للعامة فقط دون الأئمة .
وإذا كانت مناسك الحج مقيدة بتعلم الولاية ومودة الأئمة فلماذا لم يبين الله لنا ذلك ؟.
[ باب أن الأئمة تدخل الملائكة بيوتهم وتطأ بسطهم
وتأتيهم بالأخبار ]
روي أربعة أحاديث في هذا الباب ، عن رواة فاسدين كالبرقي الشاك في الدين ، ومحمد بن سنان الكذاب ، وعلي بن أبي حمزة البطائني رأس السلسلة الواقفية وموجدها وآكل مال الإمام بالباطل .(154/335)
أما متونها فتقول إن الإمام قال : تأتي الملائكة في بساط الأئمة ويصافحونهم ويتلطفون إلى أولادهم ويصنعون لهم وسادة من أجنحتهم ويقول : روى الراوي عن علي ابن الحسين رضي الله عنه أنه رآه يجمع شيئاً من الأرض فسأله ماذا تجمع ؟ قال : ريشة الملائكة نصنع منها منشفة لأولادنا ، والملائكة تزاحمنا على وسائدنا .
ويقول في خبر آخر : إذا أمر الله ملكاً بأمر فإن ذلك الملك يأتي إلى الإمام ويعرض عليه الأمر قبل أن يعمل به ... وأنا لا أظن أن هناك مسلم يقول بهذه الخرافة أو يقبلها .
فأجنحة الملائكة ليست كأجنحة الطيور لها ريش بحيث يمكن صنع وسادة منها ... ثم إنه يبدو أن الملائكة تنزل على أشخاص بعد رسول الله ^ !. وإذا أمرهم الله بأمر فإنهم لا يطيعون إلا بعد عرضه على الإمام وطلب المشورة منه حيث ينظر إن كانت فيه مصلحة أذن للملائكة فيعملون حسب أمر الله بعد موافقة الإمام .
أيها القارئ العزيز ... إن كل من اختلق هذا الخبر قد استهان بالله تعالى بل لم يعرفه حق المعرفة ، وقد جعل الإمام أعلى مرتبة حتى من الله تعالى ـ نعوذ بالله من هذا ـ .
حفظ الله المسلمين من شر هذه الأخبار ، ونرجو من الله أن لا يعثر أعداء الإسلام على مثل هذه الأخبار فيجعلون هذا الدين العظيم سخرية ومحلاً للاستهزاء !.
[ باب : أن الجن يأتونهم فيسألونهم عن معالم
دينهم ويتوجهون في أمورهم ](154/336)
روى سبعة أحاديث في هذا الباب . عد المجلسي ستة منها ضعيفة ومرسلة ومجهولة ، ويبقى خبر واحد ، وهل يمكن لخبر واحد غير صحيح على قول المجلسي بل هو حسن ... هل تبنى العقيدة الدينية على خبر واحد كهذا ، لا سيما أن فيه رواة مثل سعيد الإسكاف الذي كان فاسد المذهب ، ومن مذهب الناووسية ، ثم إنه كان قصاصاً يحكي القصص للناس ، وضعفه علماء الرجال وقالوا إن له أحاديث منكرة ، والآخر سهل بن زياد الكذاب الغالي ، والآخر علي بن حسان ، وهو أيضاً ضعف من الغلاة وكان له تفسير الباطن وهو كله باطل .
أناس من هذا القبيل صنعوا قصصاً عن الجن كتلك القصص التي تروى في المقاهي ، وروى الراوي أنه شاهد الجن أشباه الزُّطّ وأن هؤلاء الجن كانوا خدام الأئمة .
ونحن لا يتبين لنا أن كون الجن خدماً للأئمة مفخرة لهم ( أي الأئمة ) ، ثم إذا كان ذلك حق فلماذا لم يكونوا خدماً لرسول الله ^ ولماذا كانوا مسخرين لسليمان عليه السلام فقط ؟.
وهل تسخير الجان الذي يدعيه مرشدو الصوفية حق وصدق ؟! وهل يمكن أن يعد هذا العمل من مفاخر البشرية ؟ وهل مثل هذه الأمور من أصول العقائد أو فروع الإسلام ؟.
وهل يخرج من الإسلام كل من لا يقبل بها ؟.
إن ما يستفاد من القرآن أن الجان لهم رسل من أنفسهم ، ومن جنسهم فلماذا يتركون سؤال أنبيائهم ويأتون لسؤال أئمة الشيعة ؟ ثم لماذا لا يسألون سائر علماء المسلمين ؟.
كل هذه الأسئلة تحتاج أجوبة مقنعة ولكننا حتماً لن نجدها عند الرواة الجهلة !.
يقول في الحديث الخامس من هذا الباب ، أن حكيمة بنت موسى بن جعفر قالت : رأيت الإمام الرضا يتكلم سراً مع أحدهم ، ولكنني لم أر أحداً أبداً ! قلت يا سيدي مع من تتناجى ؟ قال الإمام : هذا عامر الزهرائي واحد من الجن ، وله سؤال وشكوى . قالت الحكيمة : يا سيدي أريد أن أسمع كلامه . قال الإمام : إنك إن سمعت صُمِمْتِ سنة كاملة ، ولكنها رجته وألحت فسمعت كلام الجني فمرضت سنة كاملة .(154/337)
وجاء في الرواية الثالثة من هذا الباب ، أن سعد الإسكاف وهو راوي الخبر سمع صوت الجن في باب الإمامة ولم تصبه الحمى يوماً واحداً ، والسؤال الآن هو كيف يكون صوت الجن ممرضاً ، ولماذا الإمام نفسه أو سعد الإسكاف لم يحما ، هل هذه الروايات من الحقائق أم من الموضوعات ؟ الجواب يعرفه كل عاقل .
وبالرغم من أنه يصعب الاعتقاد بكل هذه الروايات ، فالأصعب منها هو الحديث السادس حيث نقل جابر الجعفي الغالي المذهب أن ثعباناً كان من الجن وكان خليفة الإمام لديهم ، وكان تحت منبر الإمام في الكوفة رفع رأسه وتكلم مع الإمام .
والسؤال الآن : لماذا عندما تحولت عصا موسى إلى حية بيده عرف بذلك كل الناس وامتلأت الكتب بخبره ، في حين أتت حية إلى مسجد الكوفة بحضور ألوف الناس ومع ذلك لم يتحركوا ولم يخافوا ولم يطلع على ذلك أحد إلا عمرو بن شمر وجابر الغالي المذهب ؟ ترى هل كان علي رضي الله عنه خليفة للجن ؟ ولماذا لم يخف الناس عندما رأوا خليفة الجن ولم يرضوا ؟!.
[ باب : في أن الأئمة إذا ظهر أمرهم حكموا بحكم
داود وآل داود ولا يسألون البينة ]
روى عدة أحاديث في هذا الباب . وأكثرها على حد قول المجلسي مجهولة وضعيفة ، وأكثر رواتها إما من المجهولين أو الكذابين . وأما متونها : يقول أبو عبيدة الحذّاء واسمه رجاء ابن منذر وكان رجلاً ملعوناً وكذاباً وصانعاً للمذاهب ، وقال عنه الإمام الصادق إنه أعمى الظاهر والباطن . يقول هو في الحديث الأول أن أصحاب الإمام الباقر جميعاً تحيروا بعد وفاته ، وكانوا كالقطيع بلا راعي حيث لم يعرفوا الإمام الذي يليه .
إذاً هؤلاء الأئمة الاثنا عشر الذين أصبحوا من ضروريات الدين والمذهب في زماننا لم يعرفهم أصحاب الأئمة أنفسهم ولم يسمعوا بهم ؟!.
ثمّ يروي أبو عبيدة في هذا الحديث أن الإمام الصادق قال : يا أبا عبيدة إذا قام قائم آل محمد حكم بحكم داود وسليمان ولا يُسأل عن بينة .(154/338)
والسؤال الآن : أليس قائم آل محمد تابعاً للقرآن ، أليس مسلماً ؟.
إن القرآن يقبل الشهود في المحكمة ، حيناً شاهدين ، وحيناً أربعة شهود ، ثم من أين يظهر أن الحكم بلا شهود لا يكون حكماً بالقهر والتعنت ، وفي الحديث الثاني روى محمد ابن سنان الكذاب ، وأبان المجهول الحال أن الإمام الصادق قال إن الدنيا لا تنتهي حتى يحكم رجل ( منّا ) بحكم آل داوود ولا يسأل عن بينة ، والآن هل لنا أن نسأل هؤلاء لماذا طلب إمامكم نفسه البينة والشهود في الدعاوى ؟!.
يقول في الخبر الثالث إلى الخامس : نحن نحكم بحكم آل داود ويلقى إلينا روح القدس فيما لا نعرفه .
وموطن السؤال : هل ثمة أشياء لا تعرفونها ليلقى إليكم روح القدس ، وقد قلتم في الأبواب السابقة بأنكم تعرفون كل شيء من بطن الأم . والسؤال الأهم : هل يتنزل عليكم روح القدس ؟ وهل لكم مقام النبوة ؟ وهل هذه هي علوم الأئمة ؟!.
[ باب : أن مستقى العلم في بيت آل محمد ^ ]
روى حديثين في هذا الباب . الأول مجهول ، والثاني ضعيف على حد قول المجلسي ، وأما متنها : فهو أن على الناس أن يأخذوا علومهم من آل محمد ^ . والآن : ما هي علوم آل محمد ^ ؟.
وهل علومهم مستمدة من القرآن ... وهل هم أتباع للقرآن أم لا ؟ وهل الأحكام التي يبينها آل محمد هي من أحكام القرآن والسنة أم أنها مغايرة لها ؟.
وهل المقصود العلوم الدينية أم باقي العلوم الكونية كالطب والفيزياء إلى آخره ؟.
إن القصد من هذا الباب لم يظهر !.
[ باب : أنه ليس في يد الناس شيء من الحق إلا ما خرج
من عند الأئمة وأن كل شيء لم يخرج من عندهم فهو
باطل ]
روى أحاديث في هذا الباب عن علي بن إبراهيم القائل بتحريف القرآن ، وعن محمد بن عيسى راوي الأخبار الضعيفة والخرافات ، وعن البرقي الشاك في الدين وأمثالهم .
أما متونها : قال الإمام : ما عند الناس من الحق والصواب صدر من بيتنا وما كان غير ذلك فهو خطأ وباطل .(154/339)
هنا يجب القول إن كل ما كتبته كتب الحديث في زماننا من الحق والباطل والخطأ والصواب كله منسوب إلى الإمام ، فإذا كان قصد الإمام هو هذه الأحاديث التي يخالف أكثرها القرآن والعقل فقد أخطأ ... إذن فقصد الإمام لا بد أن يكون هو تلك الأحاديث التي وردت عنهم فعلاً ولم يتدخل في صنعها الرواة الفاسدون كما قالوا هم أنفسهم إن كل ما وصل عنهم موافقاً للقرآن فهو صحيح وإلا فباطل . ولكن يجب العلم أن كل حكم صدر من القرآن والسنة يجب قبوله سواء بينه الأئمة أم لا .
[ باب : في ما جاء أن حديثهم صعب مستصعب ]
روى في هذا الباب خمسة أحاديث . عدّ المجلسي أربعة منها ضعيفة والآخر مرسل ، وفيه رواة كمحمد بن سنان الكذاب ، والبرقي الشاك في الدين وأمثالهما ، ونحن نقبل متنها حيث أن الإمام قال : حديثنا صعب مستصعب ، ولكن ما يثير العجب من علماء زماننا أنهم يقولون إن القرآن وآياته مشكل وظني الدلالة ولا بد أن يعرض على أحاديث الأئمة ويجب قبول ما قاله الأئمة في أحاديثهم في تفسير القرآن ، مع أن الأئمة قالوا حديثنا صعب مستصعب والقرآن سهل وبيّن حيث قال الله مراراً في كتابه العزيز : { ولقد يسرنا القرآن ـ هدى للناس ـ وبيان الناس ـ وهدى وموعظة ـ وهذا بلاغ للناس ـ هذا بصائر للناس وهدى ورحمة } وغير هذا كثير بحيث يستطيع أن يفهم القرآن أبسط الناس ، يعني يمكن أن يفهموه بالتدبر ، ولكن أحاديث الأئمة حسب قولهم لا يفهمها سوى الأنبياء والملائكة والمؤمن المتحقق فقط !.(154/340)
إذن من أجل أن نفهم القرآن يجب أن نرجع إلى أحاديث الأئمة ، وهذا يعني الرجوع من السهل إلى الصعب ، وهذا أمر باطل ونكون كمن يبحث عن شيء في وضح النهار ثم يرجع إلى الذي يحمل بيده شمعة ليجده له . وأما الإشكال الوارد على هذه الروايات فهو إذا كان حديث آل محمد صعب ومستصعب إلى هذا الحد بحيث لا يفهمه سوى الأنبياء والملائكة فبقية الناس معذورون لأنه { لا يكلف الله نفساً إلا وسعها } ولم يطلب الله إلى العامة فهم الشيء الصعب ، فيكون الناس معوقين عن ذلك .
ثانياً : إن دين الله سهل وميسر وهذه الروايات لا تتوافق مع كتاب الله .
ثالثاً : يقول في الخبر الثاني : ( والله لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله ) وهذا لا يصح أيضاً ، وهو من اختلاق الرواة لأن دين أبي ذر وسلمان دين واحد ، وماذا كان في قلب سلمان ما يكون موجباً للقتل والتفكير ؟. إذا كان موافقاً لكتاب الله فلا يكون موجباً للقتل والتكفير .
يقول في الخبر الثالث : إن الله أخذ العهد من الشيعة كما أخذ من بني آدم . ويجب التساؤل : هل الشيعة من غير بني آدم ؟.
وفي الخبر الرابع : سألوا الإمام الهادي عن موضوع يخالف القرآن وكان عليه أن يبين ذلك ولكنه لم يبينه وأجاب بشكل مبهم ، وأما ذلك الموضوع الذي يخالف القرآن ، هو أنه سئل ما معنى قول الإمام الصادق : ( حديثنا لا يحتمله ملك مقرب ولا نبي مرسل ) ! مع أنه في كلام الإمام الصادق كلمة إلا والعبارة كما يلي : ( حديثنا لا يحتمله إلا ملك مقرب ) ولا يظهر الراوي أسقط كلمة [ إلا ] .
وفي الحديث الخامس : تناقض فهو يقول من جهة : ( إن حديثنا لا يتحمله لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ) ومن جهة أخرى يقول : من خلق من نورنا قَبِلَ حديثنا ومن لم يخلق من نورنا لا يقبله . وهذا هو الجبر بعينه .
يجب القول إن رواة هذه الأخبار كانوا حفنة من العوام المغرضين ، ولم يتقنوا حتى نسج الخرافات .(154/341)
ويجب أن يقال للذين يدعون العلم في زماننا ، أنتم الذين تجعلون الأخبار المشكلة قطعية الدلالة ، وتجعلون آيات الله البينات ظنية الدلالة ، ثم إن عملكم هذا لا يتوافق مع أخبار هذا الباب ، ولكي يبعد هؤلاء الناس عن القرآن فهم يخترعون الأقوال ويتخذونها حججاً .
[ باب : ما أمر به النبي من النصيحة لأئمة المسلمين
واللزوم لجماعتهم ]
روى في هذا الباب خمسة أحاديث . عد المجلسي ثلاثة منها ضعيفة ومرسلة ، وأما متونها فتتحدث عن إخلاص العمل لله والنصيحة لولي أمر المسلمين وملازمة جماعة المسلمين ، وهذا مطلب صحيح جداً ، وكذلك في الحديث الرابع الذي يقول فيه : من فارق المسلمين قيد شبر فليس مسلماً .
ولكن الشيعة فارقوا المسلمين كلياً وكل ذلك باسم الإمام وتحت مظلة الإمام ، فهل عد جميع المسلمين خارجين عن الإسلام ، والشيعة وحدهم أصحاب الحق وقد أدخلوا في دين الله من البدع ما شاؤوا ، فهو إذن لم يعمل بأحاديث هذا الباب بل خالفها صراحة .
[ باب : ما يجب في حق الإمام على الرعية
وحق الرعية على الإمام ]
في هذا الباب لن نتدخل في الأسانيد ، لأن العمدة هو المتن . يقول المتن : للإمام حق على الرعية ، وللرعية حق على الإمام مقابل ذلك . فمثلاً على الإمام أن يدفع سهم الرعية من بيت المال ، ولا يغلق بيته بوجه الرعية ، ويأخذ حق الضعيف من القوي ، وإذا كان أحد الرعايا مديناً أو عاجزاً عن الدفع يسدد عنه دينه ، يجب السؤال الآن هل المقصود بالإمام في هذه الروايات أحد غير ولي أمر المسلمين ؟ وهل المقصود منها الإمام الحي أم الإمام الميت ؟ واضح أن المقصود ليس هو مدرس الدين أو الإمام الميت ، أمّا الكليني ورواته فيقولون إن المقصود هم أئمة أهل البيت الذين رحلوا عن الدنيا .
[ باب : أن الأرض كلها للإمام ](154/342)
في هذا الباب أشخاص كانوا من أعداء الأئمة أو ادعوا النبوة لأنفسهم ، كالسري وهو من الوضاعين ولعن من قبل الأئمة ، وكسهل بن زياد الكذاب ، وعلي بن أبي حمزة ، وابن حسن ، حيث أنهم كلهم واقفية المذهب ومن الكلاب الممطورة ، وكيونس بن ظبيان الذي لعنه الإمام الرضا ألف مرة وأخرجه من مجلسه ، هذا النموذج من الناس رووا أن الأرض كلها للإمام ، والآن ما هو مقصدهم ؟ هل القصد هو الذي يقوله الراوي ( المَسمَع ) إن عمل جميع الزراع ، وجميع ملل الدنيا وأعمالهم حرام إلا عمل إمام الشيعة ؟ أم أن المقصود من هذا الإمام هو إمام المسلمين وولي أمرهم الذي يُستأجر لمصلحة المسلمين أو يضع خراجاً يصرف على مصالح المسلمين ، يعني أن مصالحهم ومنافعهم هي جزء من بيت المال ومال الإمام وهذا باختياره كي لا يحصل الهرج والمرج ، ولا يستطيع كل واحد أن يتصرف فيه كيفما يشاء ، وظاهر كثير من الأخبار تدل على أن الملك ليس ملكاً خاصاً بل هو كالأنفال بحيث يجب أن تكون باختيار الإمام وولي أمر المسلمين ، كالخبر الأول والسادس والثامن !.
وقد ادعى أحد قرائنا أن الأنهار العامة هي من الأنفال ويجب أن تكون بيد الإمام ، يعني الوالي ، وبما أنه لم يكن علم الجغرافيا في صدر الإسلام معروفاً ، والرواة كانوا من العوام ظنوا أن الدنيا منحصرة بخمسة أو سبعة أنهار كالخبر الخامس الذي حصر الأنهار بسبعة والخبر الخامس الذي حصر الأنهار بخمسة ، وهذا دليل أن الأخبار القائلة بعلم الإمام بما كان ويكون كلها موضوعة ، ثم إن الأئمة أيضاً قد انحصر علمهم بثقافة عصرهم . والمشكلة أن الغلاة الذين هم أسوأ من الكفار والمشركين ، كما ورد في بعض أخبار الأئمة نظروا إلى ظاهر بعض هذه الأخبار وتوهموا أن الأرض كلها ملك خاص للإمام ، وليس للوالي بل للأئمة الاثنى عشر لدى الإمامية ، وباقي الناس كلهم مغتصبون وتصرفاتهم كلها اغتصاب وحرام ، كما صرح بهذا ابن أبي عمير في الخبر التاسع .(154/343)
[ باب : سيرة الإمام في نفسه وفي المطعم والملبس
إذا ولي الأمر ]
لا إشكال في هذا الباب لأن المتن يوافق العقل والقرآن ، ولن نهتم بسنده ، ولكن تدل كثير من روايات هذا الباب على أن لفظ الإمام يطلق على الوالي ، كالحديث الأول حيث قال أمير المؤمنين : جعلني والي الخلق ، وأمرني أن أكون في نفسي مثل الضعفاء وكذا في المأكل والملبس كي يقتدي الفقير بفقري ولا يطغى الغني بثروته .
[ باب : نادر ]
روى أربعة أحاديث في هذا الباب . ضعف المجلسي اثنين منها وقال بجهالة الآخرين ، والآن هل يمكن أن تبنى عقيدة دينية على خبر واحد كهذا الخبر الثاني المجهول ؟! . ولنلاحظ الآن : روى إسحاق بن ابراهيم الدينوري وهو مهمل ومجهول ، عن عمر بن زاهر ، وهو كذلك مهمل ومجهول ، روى هذا الرجل المجهول المثير للنفاق عن رجل مجهول أنه سأل الإمام الصادق عن الإمام القائم هل يسلم عليه كأمير المؤمنين ؟ فأجابه الإمام : لا ، لقد وهب الله هذا الإسم لأمير المؤمنين رضي الله عنه ، ولم يسم به أحداً قبله ، ولا يتسمى به أحد بعده سوى كافر . فسأل الرجل المجهول : جعلت فداك كيف نسلم عليه . فأجابه : قولوا السلام عليك يا بقية الله . وقرأ الآية 68 من سورة هود حيث قال : { بقيت الله خير لكم إن كنتم مؤمنين } فيلاحظ القارئ العزيز كيف روى مجهول عن مجهول عن مجهول وكيف نسب الخزعبلات إلى الإمام . قال الإمام : جعل الله اسم أمير المؤمنين خاصاً بعلي ، مع أن هذا يخالف العقل والتاريخ ؛ لأن كل من يؤمره المؤمنون فهو أمير المؤمنين كما حدث في اليوم الأول لتولي علي عندما بايعوه فقال على المنبر : أيها الناس لا يكون أمير إلا من تؤمرونه ، وفي لغة العرب أيضاً هو كذلك ، من أمره المؤمنون فهو أمير المؤمنين كأمير المؤمنين المدفون في المزار الشريف من بلخ في أفغانستان ، من سلالة الإمام الحسن المجتبى . فهل نفهم الآن أن كل من نادى أحداً أمره رسول الله أو المؤمنون على(154/344)
عدد من الجيش أو البلد بنداء أمير المؤمنين فهو بذلك كافر ؟! ولماذا يكفر الأمير نفسه بذلك أيضاً ؟! هل تراه أنكر الله ورسوله ؟ الكافر هو من أنكر أصلاً من أصول الدين الإسلامي ! فماذا أنكر ولماذا كفر ؟.
أم ترى كان لذلك الرجل المجهول الوضاع هدف إثارة النفاق ، فهو يريد أن يقول إن الخلفاء الذين خوطبوا بلقب أمير المؤمنين كانوا كفاراً .
فانظروا ، أليس من المؤسف أن يكون في كتاب حديث مثل هذه الخزعبلات ، إضافة إلى أن هذا الراوي الجاهل لم يفهم أن كلمة « أمير المؤمنين » ليست اسماً بل هي لقب . وأن اسم سيدنا الأمير رضي الله عنه كان علياً وليس أمير المؤمنين ، ثم إنه سأل الإمام : كيف نسلم على الإمام القائم ؟ وهل كان في زمن الإمام الصادق إمام قائم كي يقول الإمام سلموا عليه بهذه الصيغة ( السلام عليك يا بقية الله ) وهل يمكن أن نسلم على الإمام غير الموجود مع أن أصحاب الائمة لا يعرفون من هو الإمام التالي لإمامهم ... فمن المؤكد أن هذا الخبر قد اختلق في زمن غيبة الأئمة ، فلماذا لم يكفر الكليني ورواته بذلك ونقلوا كل حديث مجهول في الكتاب ، ولعل الأشد من ذلك كله أن الإمام الصادق قرأ الآية الموجودة في سورة هود وهي لا تتعلق بالإمامة في شيء ، ونحن نأتي الآن على ذكر الآية لنكشف اللثام عن أهل الباطل ، فالآية تتعلق بسيدنا شعيب وقومه : قال الله تعالى : { ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين . بقيت الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ } فتقول الآية : ما تبقى لكم من السعي والعمل هو خير لكم . فما علاقة هذا بالإمام القائم ؟ وهل كان هناك إمام قائم في زمن شعيب عليه السلام ؟ هل الإمام القائم هو بقية الله ؟ وهل مضى الله وله بقية ـ نعوذ بالله ـ ؟ أم ترى أن هؤلاء الشيعة الذين لم يفهموا هذه الجملة يقولونها للإمام الوهمي ؟!.(154/345)
فلماذا لا يثور العلماء بوجه هذه الخزعبلات والخرافات ؟ ولماذا لا يجابهون من يقول بها يسكتون عنه وكيف لم يفهم علماؤنا عبارة بهذا الوضوح ؟.
يقول في الحديث الثالث : لماذا قالوا أمير المؤمنين علي رضي الله عنه . فأجيب أن الأمير كلمة مشتقة من مار يمير نمير ، واستدل بالآية 56 من سورة يوسف حيث طلب إخوة يوسف القمح من يوسف وقالوا لأبيهم : { يا أبانا ما نبغي هذه بضاعتنا ردت إلينا ونمير أهلنا نحفظ أخانا } حيث مار هنا بمعنى الطعام ، ولا علاقة للكلمة بالإمارة والرياسة على المؤمنين ، فهل يصح الاستدلال بهذه الآية لإمارة المؤمنين ؟ أليس هذا تلاعباً وتحريفاً للقرآن كما كان الحال في استدلالهم بآية سيدنا شعيب في سورة هود ؟!.
هل الذين وضعوا هذه الروايات هم أعداء للقرآن ؟ وهل يؤمن الراوي المجهول هذا بشيء من القرآن ؟! قال الإمام في الحديث الرابع : أن الآية 171 من سورة الأعراف قد حرّفت حيث قال الله تعالى : { ألست بربكم } وقد أنزلت هكذا : ( ألست بربكم وأن محمداً رسول وأن علياً أمير المؤمنين ) .
ولما كانت هاتان الجملتان قد أنزلتا في القرآن ، وكانتا غير واردتين فيه الآن ، فإن في القرآن نقص ـ والعياذ بالله ـ وكأن الله تعالى عندما قال : { وإنا له لحافظون } قد غفل عن هذا التحريف ـ نعوذ بالله ـ .
والسؤال الآن : ماذا ترانا نقول عن هذه الرواية المخالفة للقرآن ؟!.
[ باب : فيه نكت ونتف عن التنزيل في الولاية ]
هذا الباب يحتوي اثنين وتسعين حديثاً ، وكل من يطلع عليه من المنصفين يوقن أن الكليني ورواته هم أعداء القرآن ، أو على أقل تقدير أنهم لا يعتقدون فيه بشيء ولا يؤمنون به ، لأنهم في هذا الباب حرفوا كل آية ، ولجأوا إلى التحريف اللفظي والمعنوي بالزيادة والنقصان . وعمدوا إلى التأويلات الباطلة بلا فهم ولا دراية بالآيات . وهم بهذا كله أساؤوا للأئمة أكثر من غيرهم .(154/346)
وقد قال المجلسي أن أربعة وثمانين حديثاً من أصل اثنين وتسعين حديثاً هي ضعيفة ومجهولة ومرسلة وهي مرفوعة من جهة السند ، حتى أنه لم يصحح سوى خمسة منها .
أما من حيث المتن : فإنه ليس هناك مطلب واحد لا يمكن الاحتجاج عليه في جميع هذه الروايات ، ونحن مضطرون أن ندرسها كلها واحداً واحداً ليتنور القارئ ، ويمكن أن يقال لرواة هذا الباب أنهم أسوأ رواة أخبار من حيث السمعة . وسنذكر بعضاً منها خلال كل حديث .
أما الحديث الأول : يقول الكليني ( روى عن بعض الأصحاب ) ولكنه لم يعين أحداً منهم .
وفيه سئل الإمام عن الآية 29 من سورة الشعراء حيث قال الله تعالى : { إنه تنزيل رب العالمين . نزل به الروح الأمين . على قلبك لتكون من المنذرين . بلسان عربي مبين } قال الإمام إن هذه الآية لولاية أمير المؤمنين . مع أن هذه السورة نزلت في مكة ولا تتعلق بالولاية قط ، بل هي في مدح القرآن ، ويظهر أن الراوي كان عامياً بحيث لم يفهم معنى الآية وتفسيرها .
وفي الحديث الثاني : روى الحكم بن مسكين ، العامي المسكين عن عمار الفطحي المذهب ، وهو روى عن رجل مجهول بحيث لم يعرف اسمه ، وهو الذي روى عن الإمام أن الآية 27 من سورة الأحزاب عندما قال : { إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها } هي ولاية أمير المؤمنين . يعني أننا عرضنا ولاية علي رضي الله عنه على السموات ، والأرض ، والجبال فأبين أن يحملنها ، ولم يقبلنها مع أن هناك روايات مخالفة لهذا الحديث في باب أن الأئمة أركان الأرض ، وفي أبواب أخرى أن الإمام له ولاية على السموات والأرض ، ولكن هذا الحديث يخالفها ويقول إنهن لم يقبلن الولاية مع أن هذه الأمانة هي التكليف بدليل الآية التالية التي تقول : { ليعذب الله ... ويتوب الله } ولكن هؤلاء الرواة مضطربو الأقوال لم يفهموا المراد .(154/347)
أما الحديث الثالث : في الآية 28 من سورة الأنعام حيث قال الله : { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون } ولأن هذه السورة مكية فقد قال الله فيما يتعلق بالمشركين والموحدين في الآية السابقة { فأي الفريقين أحق بالأمن } قال في هذه الآية : الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم الشرك فلهم الأمن والأمانة . أما الراوي الكذاب ، يعني علي بن حسان الذي عده علماء الرجال ضعيفاً وغير معتبر وهو صاحب تفسير مليء بالباطل والمختلط ، روى عن عبدالرحمن بن كثير وهو أيضاً كان من الغلاة المعروفين بالكذب ، أن القصد من هذه الآية هم الذين آمنوا بولاية علي رضي الله عنه ولم يخلطوها بولاية أبي بكر وعمر ، ولم يكن أحد ليسأل هؤلاء الكذابين ، هل وصل أبو بكر وعمر إلى الخلافة لما كان رسول الله ^ في مكة حتى تنزل بشأنهم هذه الآية ؟.
وفي الحديث الرابع : روى أن الآية 2 من سورة التغابن : { هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن } يقولون هذه الآية تتعلق بعالم الذر حيث أخذ الله العهد من البشر في صلب آدم عهد الولاية منهم وهم في تلك الحال ، وقد علم الله إيمان بعضهم بالولاية فسماهم مؤمنين ، وعلم شرك بعضهم الآخر بالولاية فسماهم كفاراً ، مع أن عالم الذر من الخرافات والموهومات ، ولا يأخذ الله العهد من الذرات التي لا شعور لها .
وفي الحديث الخامس : روى أن الإمام قال : إن الآية 7 من سورة الإنسان : { يوفون بالنذر ويخافون } تتعلق بالذين لم يوفوا بعهد الولاية ، مع أن جميع المفسرين من الشيعة والسنة قالوا إن هذه الآية تتعلق بعلي وفاطمة والحسين رضي الله عنهم الذين وفوا بنذرهم .(154/348)
الحديث السادس : قال الله في الآية 66 من سورة المائدة بشأن اليهود والنصارى : { ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم } نقل الراوي الجاهل أن القصد من الآية هو ولاية علي ، ولم يسأله الرواة الذين أتوا بعده ما علاقة الآية بالولاية ؟!.
الحديث السابع : نقل الراوي المسكين أن الآية 32 من سورة الشورى : { قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى } نقل أن ذوي القربى هم الأئمة ، وهذا المسكين كألوف أمثاله لم ينتبه أن ( في القربى ) في الآية غير ( ذي القربى ) لأن ذوي القربى بمعنى أقرباء الشخص وقرابته ، أما في القربى فتعني التقرب إلى الله يعني لا أسألكم أجراً إلا المودة في التقرب إلى الله أو التقرب من بعضكم بعضاً . والآية مكية ، وفي مكة لم يكن سيدنا الأمير رضي الله عنه قد تزوج بعد ولم يكن الحسنين قد ولدا بعد ، ومع ذلك يفسرون الآية بهم .
والناظر في تفسير مجمع البيان ، وسائر التفاسير يظهر له جهل هؤلاء الرواة ، علاوة على هذا فالمودة أمر قلبي ولا يمكن طلبه من الناس والتوصية به ، وكلمة إلا في هذه الآية استثناء منقطع كما قال أيضاً في سورة الفرقان الآية 75 : { قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلاً } ولم يطلب أحد من الأنبياء أجراً من الناس لرسالتهم قط كما قال سيدنا نوح عليه السلام : { ويا قوم لا أسألكم عليه مالاً إن أجري إلا على الله } .(154/349)
وفي الحديث الثامن : قال علي بن أبي حمزة البطائني الواقفي الخبيث الذي أسس المذهب الواقفي واختلس أموال الإمام ، إن القرآن قد حرف يعني في آية 17 من سورة الأحزاب : { ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً } أنها نزلت بعدها جملة ( في ولاية علي والأئمة من بعده ) في هذه الآية وأنقصوها . والآن هذا المسكين الضال لم يبين ما الناقص ؟ ومن اليقين أن سيدنا علي هو عدو للذي يقول بتحريف القرآن وأن الله لم يحفظه ـ نعوذ بالله ـ وأن الآية { وإنا له لحافظون } هي كذب .
وفي الحديث التاسع : الراوي الذي لا يعرف اسمه ولا يعلم أحد أي حيوان هو يقول : قد نقص من الآية 35 من سورة الأحزاب : { وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله } جملة ( في علي والأئمة ) وقد حرفت .
أنا لا أدري لماذا يحرص هؤلاء على أن يخربوا القرآن ويجعلوه محرفاً ومغشوشاً وكل ذلك باسم الإمام ، وذلك كي لا يتوجه أحد نحو القرآن . والعجيب أن الشيعة يعشقون هذه الروايات الباطلة المخربة للقرآن ويتبعونها ليل نهار .
وفي الحديث العاشر : سأل رجل ولم يعينوا اسم السائل ولا مذهبه ولا من المسؤول ، سأل عن الآية 321 من سورة طه حيث قال الله : { فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى } فأجابه ذلك الشخص ( هداية الله لا هدايتي أنا حيث أنا من الأئمة ) ترى هل أراد الإمام أن يقول هنا بأني أنا الله ؟ أو قال بأن الله قال : هداي وعمل بالتقية ولا بد أن يقول هداهم يعني هداية الأئمة .
وفي الحديث الحادي عشر : روى أحدهم ولا نعرف اسمه ولا مذهبه ، أن المقصود من الآية 2 من سورة البلد : { ووالد وما ولد } أن الوالد هو علي وما ولد هم أولاده ، أما من أحد يقول له ، ولد فعل ماض وفي مكة لم يكن علي متزوجاً ولم يكن له ولد وهذه السورة مكية ؟.(154/350)
وفي الحديث الثاني عشر : روى علي بن حسان الكذاب المغالي ، عن عبدالرحمن الكذاب الفاسد العقيدة عن الإمام أنه قال : إن القصد من ذي القربى في الآية 14 من سورة الأنفال : { واعلموا أنما غنتم من شيء فأن لله خمسة وللرسول ولذي القربى } هو أمير المؤمنين والأئمة . ونقول إن هذه الآية نزلت في غزوة بدر وفي ذلك الحين لم يكن هناك أئمة في الدنيا بعد ، وإذا كان القصد هو أقرباء الرسول فهؤلاء لا ينحصرون بالأئمة الإثني عشر .
وفي الحديث 31 : يقول عبدالله بن سنان الخازن لديوان المنصور الدوانق وراوي الخرافات المخالفة للقرآن يقول : سألت الإمام عن الآية 181 من سورة الأعراف : { وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون } فقال الإمام : هم الأئمة . يعني عندما قال الله ممن خلقنا أمة يهدون إلى الحق ويرجعون إلى الله فهذه صفة منحصرة بالأئمة .
يقول الكاتب : أن هذا يعني إن كل هؤلاء الذين هداهم الدعاة إلى الحق لا وجود لهم ولا حقيقة . ومثل هذا ما قاله عبدالله بن سنان الكذاب ، حتى الأنبياء لم يهدوا أحداً لأن هذا العمل ينحصر بالأئمة . فبالله عليكم انظروا كيف يحرف هؤلاء الآيات القرآنية ويتلاعبون بها .
في الحديث 41 : روى علي بن حسان ، وعبدالرحمن بن كثير ، وكلاهما من الضعاف والكذابين أن الإمام قال : في تفسير الآية 7 من سورة آل عمران : { هو الذي أنزل عليكم الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات } أن المقصود من تلك الآيات المحكمات التي أنزلت هم الأئمة وأمير المؤمنين ، وأن الآيات المتشابهات التي أنزلت هم أبو بكر وعمر ، وهنا يجدر القول بأن لعنة الله على الكاذبين الذين ملأوا الكتب الدينية بالأكاذيب الواهية . هل أنزل الله القرآن على رسوله أم على عمر وعلي ؟ انظروا كيف اجترأوا على القرآن وتلاعبوا بآياته .(154/351)
في الحديث 61 : قال الحلبي ـ ولا يعلم ما مذهبه ـ قال الإمام لما قال الله لرسوله في سورة الأنفال الآية 16 : { وإن جنحوا للسلم فاجنح لها } أن القصد من الآية هو : يا أيها الرسول كن من أتباع الأئمة ، ولم يكن أحد ليقول لهذا الراوي ، عندما نزلت هذه الآية لم يكن هناك إمام ولا مذهب وعلى هذا فهؤلاء الرواة لم يكن لهم هدف سوى الضلال .
في الحديث 71 : قال الإمام في الآية 91 من سورة الانشقاق وهي مكية : { لتركبن طبقاً عن طبق } إن مصداق الآية هم فلان وفلان وفلان ولكنه جعل ذلك مبهماً ليكون غمزاً على الخلفاء ليوجد بلبلة يستفيد منها أصحاب الأئمة المنافقين ( وتمام القول في الراوية أن الإمام قال : يا زرارة أو لم تركب هذه الأمة بعد نبيها طبقاً عن طبق في أمر فلان وفلان وفلان ) .
والحديث 81 : يروى عن أبي الحسن ولا يُعلم من هو أبو الحسن هذا وصاحب أي إمام هو حيث قال إن القصد من الآية 15 من سورة القصص : { ولقد وصلنا لهم القول } قال أبو الحسن إن القصد لقد وصل الأئمة إمام بعد آخر مع أن سورة القصص مكية ووصلنا فعل ماض وكأنه يقول إن الله تعالى أراد أن يقول ـ نعوذ بالله ـ نوصل لهم القول للأئمة اللاحقين ولكن هذا خطأ ولا يعرف أبو الحسن الماضي من المضارع والمستقبل ، أم أن الله أخطأ ـ نعوذ بالله ـ . أم ماذا ؟!.
الراوي كاذب ويستهزئ بالقرآن لكي يصنع الأكذوبة الواهية ويثبت أن القرّاء لا يفهمون . بالإضافة إلى أنّ القول هو الكلام ، والإمام ليس بكلام .
وفي الحديث 91 : بشأن الآية 631 من سورة البقرة قال الله للمسلمين في مقال اليهود والنصارى : قولوا نحن نؤمن بما أنزل على جميع الأنبياء ولا نفرق بينهم . فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإلا فهم في ضلال .(154/352)
نقل الراوي عن الإمام أن المخاطبين في هذه الآية هم : علي ، وفاطمة ، والحسنين فقط . ويبدو أنهم لا يعتبرون باقي الناس مكلفين . بالإضافة إلى ذلك لا بد أن يقال لهؤلاء الرواة المغرضين إن الحسنين لم يولدا إلى الدنيا عندما نزلت الآية ، أو على الأقل كانا صبيين فكيف خاطبهم الله وترك سائر الناس البالغين ؟ هل الله له قرابة مع أحد ؟!. ـ حاشا لله ـ .
في الحديث 02 : في الآية 86 من سورة آل عمران لما قال الله : { إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا } روي أن الذين آمنوا كانوا هم الأئمة وأتباعهم فقط ، مع أن جملة { والذين آمنوا } تدل على الماضي ، وفي وقت نزول الآية لم يكن هناك أئمة وأتباعهم ، بالإضافة إلى ذلك لا دليل على تخصيص الآية بعدد خاص من المؤمنين بل هي عامة في كل المؤمنين .
وفي الحديث 12 : في الآية 91 من سورة الأنعام عندما قال الله لرسوله : { وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ } .
روى الراوي : بلغ فقط للذين سمعوا بوجود الأئمة من آل بيت محمد ، أليست هذه التأويلات الباطلة كفر وتلاعب بالقرآن .
وفي الحديث 22 ـ 32: تلاعبوا بالآية 511 من سورة طه حيث قال الله تعالى : { ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزماً } روى الراوي أن الله عهد إلى آدم أن الأوصياء من آل محمد والمهدي وسيرتهم هكذا . مع أن القرآن يقول غير ذلك . حيث قلنا لآدم : { لا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين } ولا علاقة لهذا بآل محمد إلا في نظر الغلاة الكذابين الذين صنعوا الروايات واختلقوها .
وفي الحديث 42 : روي بشأن الآية 34 من سورة الأحزاب حيث قال الله لرسوله : { فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم } قال الإمام : ( صراط مستقيم ) المقصود هو علي ، يعني إنك على علي وهكذا تصبح الجملة مضحكة !.(154/353)
وهذا الإمام الذي تكلم بهذا ما عرف أن علياً يصلي خمس أوقات ، ويقرأ في صلاته سورة الحمد ، ويقول : اهدنا الصراط المستقيم . يعني أن علياً هو الصراط المستقيم فصلاته وطلبه الهداية كانت لعباً ـ نعوذ بالله ـ .
أيها القارئ انظر كيف استهزأ كتاب الكليني بالله وسخر بصلاة علي .
وفي الحديث 52 : روى أحمد البرقي الشاك في الدين ، ومحمد بن سنان الكذاب ، والمنخل الضعيف عن جابر بن يزيد المغالي في المذهب أن القرآن حرف وسرق منه كلمة في علي من الآية 09 من سورة البقرة ولم يطلع أحد على ذلك إلا المنخل المخبول ! مع أن هذه الآية تتعلق باليهود الذين لم يستجيبوا للإسلام ، ولا تتعلق بعلي رضي الله عنه ، وهؤلاء الرواة يريدون أن يسقطوا الإسلام والقرآن من الاعتبار باسم علي .
في الحديث 62 : عن الآية 32 من سورة البقرة : { وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله } قال الإمام : إن كنتم في ريب مما نزلنا من الآيات بشأن علي فأتوا بسورة من مثله .
وهنا يجب القول :
أولاً : ترى بأية سورة وبأي آية سوف يأتي الكفار الذين يعدون علي ضالاً .
ثانياً : ما هي الآيات التي نزلت بشأن علي . ليس لدينا آيات كهذه في القرآن .
ثالثاً : يقول إن القرآن قد حرف وسرقوا كلمة ( في علي ) يجب القول إن القرآن لم يسرق بل لقد تكفل الله بحفظه بحيث لا تسرق منه كلمة واحدة { وإنا له لحافظون } فقد وعد بحفظ القرآن ، وإن الله سبحانه ليس بغافل ولا عاجز ولا جاهل فهذه الروايات كلها خزعبلات وخرافات ، باطلة لا أساس لها .
والخلاصة أن جميع هذا الباب من هذه الموهومات والمزخرفات ، وا أسفاً لعمر الإنسان أن يتلف في قراءة هذه الأباطيل والترهات .
[ باب : فيه نتف وجوامع من الرواية في الولاية ](154/354)
روى الكليني تسعة أحاديث في هذا الباب . عد المجلسي ثمانية منها ضعيفة أو مرسلة أو مجهولة ، وفيها رواة سيئو السمعة كسهل بن زياد الكذاب ، وصالح بن عقبة الجبري المذهب وعده علماء الرجال من الغلاة والكذابين ، وعبدالله بن محمد الجعفي حيث ضعفه جميع علماء الرجال ، وكتبوه في الكافي خطأ ( عبدالله بن محمد الجعفري ) والجعفري خطأ . وسلمة بن الخطاب فاسد المذهب الواقفي حيث ضعفه علماء الرجال أيضاً ، ويونس ابن يعقوب الفطحي المذهب وناقل الخرافات ، ومحمد بن الجمهور الذي لا دين له وأمثالهم كثير .
ونقول : لماذا اعتمد الكليني على هذا الصنف من الناس ، وهل يمكن أخذ الدين من هؤلاء الأشخاص الذين هم من أسوأ الناس سمعة .
على كل حال متون الروايات في هذا الباب كلها كسابقتها حفنة من الموضوعات المخالفة للقرآن جاءت باسم الولاية .
يقول في الحديث الأول والتاسع : ( أخذ الله عهد الولاية من شيعتنا في عالم الذر ) ، يجب القول إن عالم الذر الذي كانت ذرات النطفة في اللاشعور في ظهر آدم من الخرافات والموهومات(1) ؛ لأن الله يأخذ العهد من ذي شعور مكلفة لا من الذرات التي لا تشعر ، بالإضافة إلى هذا أن الموهوم جبر إلا إذا قال أحد إن أمر ولايته جبر وقهر .(154/355)
يقول في الحديث الثاني : من أحبه الله خلقه من طينة الجنة ومن أبغضه كان من طينة النار ، مع أن النار لا طينة لها . على كلٍ يجب القول أولاً إن هذا جبر . وثانياً لم يكن لله عداوة مع أحد . وبعد ذلك لإثبات هذا الموهوم استدل الإمام بالآية 78 من سورة الزخرف : { ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله } يعني لئن سألت عابدي الأصنام من خلقهم ليقولن الله ، يعني لا يقولون الصنم . ولا تتعلق هذه الآية بعالم الذر وطين الجنة والنار ، ترى هل الإمام الباقر يرى رأي هؤلاء الرواة ؟ وهل كان عديم الاطلاع إلى هذا الحد بحيث يستدل بلا مناسبة بآية غير متعلقة بالموضوع . يجب الفهم أن هذه الأحاديث وضعها أناس مغرضون وجهال . والأعجب من ذلك أن في هذا الباب استدل لعالم الذر والطينة بالآية 47 من سورة يونس حيث قال الله : { ثم بعثنا من بعده رسلاً إلى قومهم فجاؤوهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل } يعني أن الكفار السابقين كذبوا رسلهم كعادتهم وبعد تكذيبهم لم يؤمنوا تكبراً وغطرسة .
ولم يكن أحد يسأل هؤلاء الجهال ما علاقة هذه الآية بالولاية أو بعالم الذر والطينة ؟.
يقول في حديث 3 ـ 4 ـ 6 : ما من نبي جاء قط إلا بولايتنا ، وهنا نقول لعنة الله على الكاذبين ألم ير هؤلاء القرآن حيث يقول تعالى : { ولقد أرسلنا رسلنا ... ليقوم الناس بالقسط } والعجيب هو أنهم نقلوا هذه الروايات وقبلوها .
في الحديث 5 : قال الإمام : دين جميع الملائكة هو ولايتنا . والآن يجب القول : إذا كانت هذه الولاية هي دين جميع الملائكة والأنبياء فلماذا لم يبينها الله في القرآن لأمة محمد ولم يفهمها إلا عدد من الرواة الغلاة الكذابين .
وإذا كان هؤلاء الرواة يريدون أن يثبتوا محبة الأئمة لشعبنا فإن هذا أمر لا ينكره أحد ولا حاجة لوضع كل هذه الروايات .(154/356)
وفي الحديث السابع والثامن : ورواتهما من أكذب الكذابين كمحمد بن الجمهور ، وعبدالله بن سنان ، ويونس حيث جاء فيهما أن المعرفة بعلي هي من أصول الدين ، وهي مناط الكفر والإيمان ، من عرفه فهو مؤمن ومن لم يعرفه فهو كافر . هنا يرد عدد من الأسئلة :
أولاً : إذا كان علي من أصول الدين فماذا كان دين علي نفسه ، وهل آمن بنفسه ، وعندما عرف نفسه هل أصبح مسلماً أم لا ؟.
الثاني : هل علي تابع للدين الإسلامي أم أصل له أو فرع ؟.
الثالث : ما الفرق بين أصول الدين وفروعه ؟.
الرابع : لماذا لم يبين الله هذا الأصل ، ولم يقل لنا يجب عليكم أن تؤمنوا بهذا الأصل .
وعلى سبيل المثال فإن القرآن بين أصول الإيمان والكفر في سورة النساء في الآية 631 حيث قال : { ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالاً بعيداً } ولم يقل من كفر بعلي أو الشخص الفلاني أو لم يعرفه فهو كافر . إضافة إلى هذا فقد قال علي نفسه في نهج البلاغة في خطبة رقم 302 وسائر خطبه أنا أتبع الدين ولم يقل أنا أصل للدين أو فرع له .
والآن بأية جرأة يزيد هؤلاء الرواة الكذابين أصول الدين أو ينقصونها . وهل العلماء الذين قبلوا هذه الروايات لا علم لهم بأصول الدين ؟!.
وفي الحديث التاسع : روي شيئاً مخالفاً للعقل حيث يقول إن أرواح الشيعة خلقت قبل أبدانهم بألفي عام . ولكن القرآن قال في خلقتهم في سورة المؤمنون الآية 41 : { فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين } . ثم أنشأناه خلقاً آخر : هو الروح وبارك الله نفسه عندما ذكر خلق الروح . فيظهر هنا أن إيجاد الروح وإنشائه بعد إتمام خلق البدن لا قبله بألفي عام حسبما جاء في الحديث .
[ باب : في معرفتهم أوليائهم والتفويض لهم ](154/357)
روى في هذا الباب ثلاثة أحاديث . عد المجلسي إثنين منها ضعيفاً ومجهولاً ، والآخر مختلف فيه ، والعجب العجاب أن الكليني أخذ رواياته من المجهولين أو من الضعاف أو من القائلين بتحريف القرآن أو من المشركين والغلاة ، من جملة ذلك هنا الحديث الأول رواه عن صالح بن سهل الذي عده علماء الرجال مشركاً ، وقالوا إنه كان كذاباً ومغالياً وكانت صنعته وضع الأحاديث ، وكان من القائلين بألوهية سيدنا الصادق رضي الله عنه فقد اختلق أن رجلاً قال لأمير المؤمنين أنا أحبك فقال له : كذبت فحلف الرجل مراراً وكرر ذلك ، فكذبه أيضاً . هنا لا بد أن نقول إن الأنبياء لم يطلعوا على بواطن الناس كما قال الله لرسوله في سورة التوبة الآية 34 : { عفاالله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين } لأن رسول الله أذن للذين استأذنوا منه لعدم الحضور إلى الحرب وعدوا أنفسهم من المعذورين لأنه لم يعلم صدقهم من كذبهم . قال الله عفاالله عنك لم أذنت لهم بلا علم ولا تحقيق . وعندما قال الله في الآية 101 : { ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم } وفي سورة آل عمران الآية 92 : { قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله } لأن عالم السر والخفاء هو الله فقط . وفي سورة الشعراء عندما قال قوم نوح لنبيهم عليه السلام : إن أتباعك هم الأرذلون أجابهم في الآية 211 لا علم لي بباطنهم وأعمالهم { قال وما علمي بما كانوا يعملون } وفي سورة عبس عاتب الله رسوله : { عبس وتولى . أن جاءه الأعمى . وما يدريك لعله يزكى } وثمة مئات من الآيات الأخرى تدل على ذلك . وبهذا يكون القول بأن علياً رضي الله عنه يعلم باطن أحد قول مخالف لمئات الآيات من القرآن . بالإضافة إلى ذلك جاء في هذا الحديث قال ( علي ) إن الأرواح خلقت قبل الأبدان بألفي عام ، وهذا مخالف للآية 41 من سورة المؤمنين حيث أن الله يخلق الروح بعد إتمام خلق البدن .(154/358)
وانظر أيها القارئ الكريم إلى ما قاله الله لرسوله في الآية 101 من سورة التوبة من حيث أنه لا يعرف المنافقين ولكن الكليني يقول في الحديث الثاني إن الإمام الباقر رضي الله عنه قال : إننا نعرف كل من نراه ، فهل هذا الكلام يصدر عن مؤمن أم عن منافق ؟ ترى ما السبب الذي جعل الكليني يجمع كل حديث مخالفاً للقرآن في كتابه . ولعل هناك من سيقول إن الكليني كان عامياً قليل الخبرة ولم يفهم ولم تكن لديه قوة التمييز ، ونجيبه إذن لماذا أثنى العلماء اللاحقون على كتابه إلى هذا الحد ؟ وما الغرض وما الفائدة من ذلك ؟!.
في الحديث الثالث : استدل الإمام الصادق بالآية 93 من سورة ص ولكنه حرّف الآية لأن الله قال : { هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب } وهذه الآية تتعلق بسيدنا سليمان عليه السلام حيث قال الله له إن هذه السلطنة والملك هو عطاؤنا فامنن أو أمسك . ولكن الإمام الصادق قرأها هكذا : ( هذا عطاؤنا فامنن أو أعط بغير حساب ) فغير الإمام الصادق الآية وبدلها وقرأ أعط بدلاً من أمسك . وقال هي كذلك في قراءة علي .
أليس في نقل هذه الرواية ووضعها ما يدل على ضلال الرواة وانحرافهم لأنهم قصدوا إلى تحقير القرآن وتحريفه .
ثانياً : لقد قاس الإمام نفسه بسيدنا سليمان وأجاب في مسألة واحدة بثلاثة أجوبة مختلفة ، واستدل وقال نحن نجيب بما نشاء بدليل أن سليمان أعطى من شاء ومن أراد أو لم يعط من أراد .
فهل هذا قياس صحيح ، هل يصح القياس مع الفاروق ، أعطى سليمان مالاً لمن أراد أو لم يعط ولكن هؤلاء يغيرون حكم الله كما شاء لهم هواهم وكأن الآية لا تشملهم { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ... هم الظالمون ... هم الفاسقون } ماذا نعمل بهذه الروايات التي تخالف القرآن والعقل ؟ ولماذا ينقلونها في كتبهم ؟.
[ أبواب التاريخ ]
باب مولد النبي ^ ووفاته ^ ](154/359)
اعلم أن الكليني ابتدأ بادئ ذي بدء في هذا الباب من ولادة الرسول ^ ووفاته ولم يذكر السند ولا الراوي ولا أي دليل يطابق ما قاله كثير من المؤرخين ، روى الكليني هنا أربعين حديثاً وعد المجلسي ثلاثين منها ضعيفاً ومجهولاً ومرسلاً ومرفوعاً وغير صحيح ورواتها على الغالب متهمون وسيئو السمعة . فقد ذكر أن ولادة النبي ^ كانت في 21 ربيع الأول ، وهذا مخالف لعقيدة الشيعية حيث يعتبرونها في 71 ربيع الأول وعد وفاته ^ أيضاً في 21 ربيع الأول وهذا أيضاً مخالف لعقيدة الشيعة حيث يعدونها 82 صفر . ولكن هذا يتوافق مع أهل السنة في الولادة وفي الوفاة أيضاً .
كأن الكليني نفسه كان بسيطاً ولم يكن يفرق بين المسلمين ولكن خطأه هو ما نقله عن الرواة المغرضين المفسدين . صانعي المذاهب .
مثلاً روى الحديث الثالث : عن محمد بن عيسى ، وكان مذهبه الغلو ، وعن محمد بن عبدالرحمن وهو مجهول ومتنه يخالف العقل والقرآن لأنه يقول : خلق الله محمداً وعلياً قبل خلقه الكون وهذا مخالف للآية 41 من سورة المؤمنين حيث قال إن خلق الروح بعد إتمام خلق الجسم بالإضافة إلى ذلك فإن كل موجود يحتاج إلى ظرف ، ولا بد أن يخلق في ظرف ، مع هذا لم يخلق الأنبياء قبل الكون بل خلقهم بعد ذلك ، وبعد ذلك يقول جمعت أرواحكم وجعلتها واحداً وهذا يخالف العقل لأن شيئين لا يصبحان شيئاً واحداً ويقول بعد ذلك قسمت ذلك إلى قسمين ، والقسمين إلى أربع ، هذه التقسيمات يمكن القول بها في الجواهر الكثيفة أما في الروح فهذا غير ممكن ، ولكن الراوي قال ما شاء لأنه كان عامياً وصانعاً للمذاهب .(154/360)
في الحديث الخامس : رواية محمد بن سنان الكذاب ، يقول إن الله فوض أمور خلق الكون إلى : محمد وعلي وفاطمة ، وهؤلاء يحلون ما يشاؤون ويحرمون ما يشاؤون وكأن مشيئة الله هي اتباع لمشيئة هؤلاء ، وانظروا أيها القراء كيف حقر هؤلاء الكذابون الله الذي كل يوم هو في شأن ، وجعلوا الله تابعاً لمحمد وعلي وفاطمة ، وقالوا بالتفويض في التكوين والتشريع مع أن القائل بالتفويض كافر .
في الحديث السادس : رواية صالح بن سهل المشرك لأنه قال بربوبية سيدنا الصادق وألوهيته .
قال هذا المشرك بعالم الذر في هذا الحديث عن الإمام الصادق مع أن عالم الذر مخالف للعقل والقرآن .
والحديث الثامن : رواه عن سهل بن زياد الكذاب السيء السمعة ، ويونس بن يعقوب وهو من الغلاة ، وهذان المسكينان رويا أن الله لما خلق السموات والأرض أمر المنادي بنداء شهادات ثلاث :
بشهادة التوحيد والنبوة وأن علياً أمير المؤمنين حقاً . فأما التوحيد والنبوة فليس فيهما كلمة حقاً(1) ، هذا هو الذي جعل الشيخ صدوق يقول في ( من لا يحضره الفقيه ) : لعنة الله على من زادوا الشهادة الثالثة في الأذان وكانوا من المفوضة الذين أدخلوا أنفسهم في الشيعة .
وفي الحديث التاسع : أيضاً جعل خلق الأرواح قبل خلق الأجسام فهذا مخالف للآية 41 من سورة المؤمنين ورواته حسين بن عبدالله ، ومحمد بن إبراهيم ، وأحمد بن علي والثلاثة كلهم مجهولون مهملون وليس مستغرباً أن يروي هؤلاء روايات مخالفة للقرآن .
وكذلك الحال في الخبر العاشر : مع أن راويه هو محمد بن سنان المشهور بالكذب وجابر بن يزيد وهو من الغلاة .
وفي الحديث الحادي عشر والعشرين : روى سهل بن زياد الكذاب وأمثاله أنه كان في رسول الله ^ ثلاثة أشياء لم تكن في غيره .
أولاً : لم يكن له ظل ، وكان لا يمر في طريق إلا وفيه عطره حتى بعد يومين أو ثلاثة ، وكان لا يمر بحجر ولا شجر إلا سجد له .(154/361)
ولكن أحداً لم يسأل هؤلاء الكذابين لو كان لرسول الله ^ آثار كهذه لما أنكر نبوته أحد ولما كذبه وعانده أحد ولأسلموا له كلهم جميعاً ولما احتاج إلى كل ذلك الجهاد من الكر والفر في الحروب .
في هذا الباب الخبر الثالث عشر : أمر مضحك جداً ... ذلك لما عرج برسول الله ^ أوقفه جبريل موقفاً فقال له : مكانك يا محمد ، إن ربك يصلي ( يعني اصبر حتى تنتهي صلاة ربك ) فتعجب رسول الله ^ كما يتعجب كل سامع مسلم عاقل حيث يتساءل لماذا يصلي الله ، ولذا سأل رسول الله ^ يا جبريل كيف يصلي ؟ فأجاب جبريل ، سبوح قدوس ... إلى النهاية .
يجب القول إن هؤلاء الرواة المكرة كعلي بن أبي حمزة البطائني الواقفي صانع المذهب ، لا يمكن لهم أن يختلقوا أفضل من ذلك ... ولذا كان الله ـ نعوذ بالله ـ هو مرمى هدفهم هذه المرة .
في الحديث الخامس عشر والسادس عشر : فيهما أحمد بن محمد البرقي الشاك في الدين ، وابن فضال الواقفي ، وأبو جميلة الكذاب الذي عده جميع علماء الرجال ضعيفاً ووضاعاً للحديث وكذاباً .
روى الكليني وأستاذه علي بن إبراهيم ، عن هؤلاء السيئي السمعة روايات مخالفة للقرآن تماماً ، ومن جملة ذلك هذين الحديثين اللذين يقولان إن رسول الله ^ عرف أسماء أمته وأحوالها الصالح منهم والطالح ، وأهل النار منهم وغير أهل النار وعرف جميع أسمائهم وكانوا في قبضته مع أن القرآن يقول خلاف ذلك في سورة التوبة الآية 34 ـ 101 إنك لا تعرف من حولك ونحن نعلمهم . فضلاً عن سائر الأمة .
والحديث الثامن عشر : نقله عن أسوأ الناس ، أحمد بن هلال العبرتائي الذي لعنه الإمام وهو عن أمية بن علي القيسي الذي ذمه جميع علماء الرجال ووصفوه بالغلو والكذب وقد روى هو عن درست بن منصور الواقفي غير الواقف على حدود الله .
ولست أدري ألم يجد الكليني أحسن من هؤلاء الرواة ؟!.(154/362)
في الحديث التاسع عشر : نقل رواية تقول إنه بعد وفاة رسول الله ^ أتى آتٍ من الله ، وعدّ كثيراً من المدح والتعازي . والآن يجب أن نسأل هؤلاء الرواة المجهولين : هل بعد وفاة رسول الله ^ يأتي أحد بالرسالة أو الوحي ؟!.
وفي الحديث الخامس والعشرين : روى أن عبدالمطلب سأل فيل أصحاب الفيل ، هل تعلم لماذا أتوا بك ؟ فأجاب الفيل : لا ، والآن إذا سألنا هذا الراوي الجاهل لماذا أجاب ذلك الفيل وحده الذي يدعى محمود ، ولم يجد غيره من الفيلة فلربما أجاب أن ذلك الفيل كان مسلماً والبقية كانوا كفاراً !!.
وإذا سألناه لماذا سأل عبدالمطلب الفيل ؟ وهل الفيل يعقل ويكلف ؟ لقالوا : هذه معجزة عبدالمطلب . وإذا قلنا لهم : هل لغير الأنبياء معجزة من البشر . وإن قالوا نعم . قلت لهم : إذاً لم تثبت نبوة الأنبياء لقالوا لك : عقلك قاصر والفضول هنا ممنوع !.
في الحديث السابع والعشرين : يقول إن رسول الله ^ رضع من ثدي أبي طالب مدة من الزمن ، وراوي هذا الحديث البطائني الذي أسس المذهب الواقفي ، والآخر درست الواقفي غير الواقف على حدود الله .
والسؤال : ما هي قيمة روايات من هذا القبيل يأتي بها هؤلاء الرواة !.
في الحديث التاسع والثلاثين : سئل عن معنى جملة ( السلام على رسول الله ) من الإمام ، وكان السائل داود بن كثير الرقي الذي ضعفه علماء الرجال وعدوه فاسد المذهب ومرجعاً للغلاة ، والراوي عنه أيضاً هو محمد بن سنان الكذاب . والآن لنرَ ماذا كان جواب الإمام ! أو ماذا اختلقوا على لسان الإمام . قال : السلام هو أرض فيها كل ما تريدون ـ ولا خصومة فيها ـ أعدها الله للنبي وأهل البيت والشيعة .
ويبدو أن هؤلاء الرواة لم يعرفوا لغة العرب . فبناءً على هذه الرواية وعندما يقول الناس ( السلام على رسول الله ) يجب أن يقولوا ( السلام لرسول الله ) ولكن الرواة كانوا جهلة ، وهل كان الكليني إلا كأهل إيران إذ لم يكن له معرفة في كلام العرب .(154/363)
[ باب : النهي عن الإشراف على قبر النبي ^ ]
روى حديثاً واحداً في هذا الباب . ورواته أيضاً أحمد بن محمد البرقي الشاك في الدين . روي عن جعفر المثنى حيث قال الممقاني في المجلد الأول من كتابه في الرجال ص 122 ، ضعفه علماء الرجال وعدوه واقفياً هذا هو سند الحديث ! وأما متنه ، يقول جعفر المثنى ، كنت في باب المدينة وقد سقط سقف المسجد الذي يشرف على القبر والعمال يصعدون وينزلون ونحن جماعة ، فقلت لأصحابنا من منكم له موعد يدخل علي أبي عبدالله ( الإمام الصادق ) الليلة ؟ ليسأل عن الصعود والإشراف على قبر رسول الله هل جائز أم لا ؟ لأن الشيعة الخرافيين عابدي الأوثان والقبور يحترمون القبر أكثر من صاحبه .
قال إسماعيل بن عمار الصيرفي ، ومهران بن أبي النصر ، نحن ... فلما كان الغد اجتمعنا ، قال إسماعيل ذهبنا وسألنا الإمام . فقال : ما أحب لأحد منهم أن يعلو فوقه ولا آمنه أن يرى شيئاً يذهب منه بصره ، أو يراه قائماً يصلي أو يراه مع بعض أزواجه ، وإذا كان هذا الحديث صحيحاً يظهر أن هناك علوماً ينسبونها إلى آل محمد ، وهذا الحديث من جملة هذه الأشياء ! وهذا يعني أن رسول الله ^ بعد مرور مئات السنين لم يزل في القبر ولم يذهب من عالم الفناء إلى عالم البقاء وأن الآيات القرآنية عندما تقول { لهم دار السلام عند ربهم } و { لا خوف عليهم ولا هم يحزنون } وعالم البرزخ وعدم اطلاع الأنبياء عليهم السلام من الدنيا بناءً على الآية 901 من سورة المائدة والآيات الأخرى كلها ـ نعوذ بالله ـ كذب ، وبعد مائة سنة من وفاته ، ووفاة أزواجه من بعده يريد أن يخلو بأزواجه في القبر !!.(154/364)
هذا ما يقوله الرواة الغلاة الذين نصبوا أنفسهم حجة ، بينما هم لا دين لهم ، وجلهم من العوام ولكن روايتهم أصبحت حجة لنا اليوم ، والذين يطلبون أو يسعون لانحطاط المسلمين ويخافون من القرآن ، يقولون إن القرآن ظني الدلالة ولا بد أن يترك ويتمسك بأخبار كهذه للانغماس في الجهل والانحطاط يوماً بعد يوم .
[ باب : مولد أمير المؤمنين ]
يقول الكليني في هذا الباب ، ولد علي رضي الله عنه من أمه فاطمة بنت أسد رضي الله عنها بعد الثلاثين من عام الفيل ، وهذا الكلام يرد جميع الروايات القائلة إن علياً أو نوره كان قبل خلق العالم وآدم في سورة الإنسان التي يقولون إنها نزلت بشأن علي رضي الله عنه . قال الله : { هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً . إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه } خلق الإنسان يعني علي رضي الله عنه من نطفة الأب والأم لا من النور ولا من شيء آخر ، على كل حال ورد أحد عشر خبراً في هذا الباب عد المجلسي ثمانية منها ضعيفة ومجهولة ومرسلة ومرفوعة ، أما متونها فهي طافحة بالموضوعات المخالفة للقرآن .
يقول في الخبر الأول والثالث : أبو طالب كان يعلم الغيب وأخبر عنه مع أن القرآن يقول : { لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله } وفي الخبر الثاني راويه محمد بن جمهور الكذاب الفاسد المذهب ، قال أشعاراً أحل فيها جميع المحرمات الإلهية ، عندما قال إن الناس يحشرون في القيامة عراة ، قالت فاطمة بنت أسد : واسوأتاه . فقال لها الرسول فإني أسأل الله أن يستثنيك ويكسيك . ولما كان الكلام عن ضغطة القبر قالت : واضعفاه . فقال لها الرسول فإني أسأل الله أن يكفيك ذلك .(154/365)
والسؤال الآن : هل المقررات الإلهية في القيامة تتغير من أجل أحد ، وهل فيها استثناءات . بالإضافة إلى ذلك يقول في هذا الخبر لما مرضت فاطمة رضي الله عنها عقل لسانها وأشارت بيدها إلى رسول الله . والسؤال الآن إذا كان علي أو رسول الله ^ هما وسيلتا الشفاء لدى الشيعة فلماذا لم يشفياها . إضافة إلى أنه لا حاجة بها إلى الإشارة لأن الأئمة في عقيدة الشيعة يعرفون ما في ضمائر الناس . وفي آخر هذا الخبر روى محمد بن الجمهور الذي لم يعتقد بالإسلام قط ، أن رسول الله لما وضع جسد فاطمة في القبر ناجاها وقال : ابنك ابنك ، ولما استوضحه أصحابه قال : لما سألها الملكان عن الولي والإمامة لم تستطع أن تجيب فعلمتها ابنك ابنك .
وهنا أيضاً سؤال : هل كانت إمامة علي من أصول الدين في زمن النبي ^ وحياته ؟ وإذا كانت كذلك فلماذا لم تعلم بها الأم في حياتها ؟ إن هؤلاء الرواة الذين لم يكن لهم عقيدة وإيمان ينسجون لنا أصولاً للدين لا يعرفها الأوائل !!.
وفي الخبر الرابع : روى البرقي الشاك في الدين ، عن أحمد بن زيد المهمل المجهول ، وهو روى عن عمر بن إبراهيم المجهول المهمل ، وهو عن عبدالملك بن عمر المجهول المهمل ، وهو عن السيد بن صفوان المهمل المجهول ، يعني خبر عن مجهول عن مجهول عن مجهول آخر وهو روى عن مجهول أن مجهولاً لا يعرف اسمه ولا حاله ولا مذهبه جاء بعد وفاة سيدنا الأمير وبكى ومدح مدحاً كثيراً ثم غاب .
ولكن أحداً لم يسأل : هل أصبح هذا سنداً وحجة .
أما الخبران الخامس والسادس : بغض النظر عن رواتهما ، يدلان أن قبر سيدنا الأمير لم يعرف مكانه إلى زمن سيدنا الصادق ولم تكن له أمارة أو علامة . إذاً فالروايات التي تقول : إذا ذهبت إلى زيارته فرأيت القبة فقل كذا ، وإذا وصلت باب المدينة فقل كذا ، وإذا وصلت إلى باب الصحن فقل كذا وادع الدعاء الفلاني ، وإذا وصلت إلى الضريح فقل كذا وكذا كلها مختلقة ومن كذب الرواة .(154/366)
وأما الخبر السابع : روى سلمة بن الخطاب الذي عده علماء الرجال ضعيفاً ولا اعتبار له ، عن محمد بن عبدالله المجهول والكذاب المعروف ، أو عن عبدالله بن القاسم المشرك الذي قال بربوبية الإمام الصادق ، وإذا كان هو الحضرمي فهو من الكذابين والغلاة وفاسدي المذهب وذمه علماء الرجال كثيراً وقالوا : لا يعتنى بروايته . رواة كهؤلاء رووا أن علياً رضي الله عنه لما انتهى إلى قبر عربي تلملم بلسانه وخرج ذلك الميت من قبره وهو يتكلم بلسان الفرس فقال له الأمير : ألم تمت وأنت رجل من العرب . قال : بلى ولكننا على سنة فلان فانقلبت ألسنتنا .
وإذا أردنا أن نقبل حديثاً كهذا من هؤلاء الرواة فعلينا أن ننكر كثيراً من الآيات القرآنية . لأن الله قال كثيراً : { وهو الذي يحي ويميت } وقال : { إنا نحن نحيي الموتى } وقال أيضاً : { إنا نحن نحيي ونميت } بالإضافة إلى ذلك قال ذلك الرجل : متنا على سنة فلان وفلان ولم يعين من هو هذا الرجل .
ولم يبينوا لنا لماذا من يموت على غير سنة علي يصبح لسانه فارسياً ؟!. ثم هل لعلي سنة غير سنة النبي ^ ؟ وهل نكون خارجين عن الإسلام إذا لم نقبل روايات هؤلاء الغلاة المشركين فيما يتعلق في الإحياء والإماتة . وهل نفقد إيماننا حينئذٍ ؟!.
[ باب : مولد الزهراء فاطمة (ع) ]
رويت في هذا الباب عشرة أحاديث ضعف المجلسي ثمانية منها وعدها مجهولة.
يقول في الخبر الأول : إن جبريل (ع) نزل على فاطمة بعد وفات الرسول ـ ص ـ وأتاها بخبر علماً بأننا قدمنا الأدلة في باب الفرق بين الرسول والنبي أن الوحي قد انقطع بعد الرسول ـ ص ـ ولن ينزل جبريل على أحد أبدا ، ويخالف هذا الحديث نهج البلاغة والقرآن .
وجاء في الحديث الثاني : أن بنات الأنبياء لا يحضن ، مع أن عدم وجود الحيض هو نقص في البدن ولا يمكن أن يعد من الفضائل فضلاً عن أن البنات الأخريات للنبي ^ ونساؤه كن يحضن .(154/367)
وأما الحديث الثالث : ففيه جمل كل واحدة منها تحتاج للمناقشة وتثير الإختلاف ونحن رغبة منا في عدم اثارة الخلاف نغض الطرف عنه .
وأما الحديث الرابع : فقد جاء فيه أن الصديق لا يغسله إلا الصديق ، مع أن هذا خلاف الواقع وإلا فمن الذي غسل سيدنا عيسى(1) (ع) .
والحديث السادس : فالإشكال الحاصل فيه هو نفسه الذي ورد في الحديث الثاني وأما الأخبار الأخرى فلأن رواتها أمثال صالح بن عقبة المجهول وسهل بن زياد الكذاب ويونس بن طبيان الملعون المطرود من قبل الإمام ، فلا أهمية لها ولا ينطر إليها .
[ باب : مولد الحسن بن علي (ع) ]
روى الكليني في أبواب المواليد في كتابه ليبين تاريخ ولادة الأئمة ووفاتهم ، ولكنه بدأ بالثناء والمدح على طريقة الغلاة ، وإن هذا المدح والثناء هو السبب في فرحة شعبنا ، ولكنه جعل هذا الشعب المسكين يغفل عن أصول الدين والقواعد الإسلامية ، ولو كانت تلك المدائح مبنية على القواعد الدينية الصحيحة لما كان لنا عليها أي إشكال ، ولكن أكثرها لا يتوافق مع القواعد الدينية إطلاقاً ذلك أن بعض المغالين من المسلمين وبسبب فعل هؤلاء الرواة جعلوا الأئمة أعلى من البشر ويصفونهم بصفات أعلى من مستوى البشر مع أن
جدهم رسول الله قال كما في القرآن { أنا بشر مثلكم } . ونقل هؤلاء الرواة كرامات ومعجزات كثيرة للأئمة حيث لم ينقل عشرها عن رسول الله . وفي عصرنا ألوف المداحين والنائحين ، لا يعرفون عشرة آيات من القرآن ، ولكنهم يحفظون ألوف الأشعار الوهمية والروايات المخالفة للقرآن في مدح الأئمة ، وجعلوا الدين متجراً لبضاعتهم .
مثلاً جاء في الحديث الرابع هذا : أن الإمام الحسن دعا فنبتت نخلة ثم صارت إلى حالها فأورقت وحملت رطباً . فقال الجمّال ... سحرٌ والله !.(154/368)
وجاء في الحديث الخامس : أن لله مدينتين في المشرق والمغرب ، عليهما سور من حديد ، وعلى كل واحدة منهما ألف ألف مصراع ، وفيها سبعون سبعون ألف لغة ، وكل لغة بخلاف الأخرى . وقال الإمام الحسن : وأنا أعرف جميع تلك اللغات وأنا وأخي حجة على جميع تلك اللغات ولا حجة غيرنا ( وما فيهما وما بينهما وما عليهما حجة غيري وغير الحسين أخي ) .
والآن إذا قال أحد إنه في عصرنا قد كشفت مدن المشرق والمغرب بالطائرات ، والسفن الفضائية ولم توجد مدينة كهذه فيبدو أن هؤلاء الرواة توغلوا بالكذب واختلقوا هذه الأشياء الخرافية ليشغلوا المسلمين ، ومن يكذب بها ولا يوقن بها يكفرونه فوراً . بالإضافة إلى ذلك قال الله تعالى في سورة النساء الآية 561 . { لا حجة بعد الرسل } . وعلي رضي الله عنه جعل القرآن حجة كافية في نهج البلاغة وقال : ( أرسله بحجة كافية ) وقال في خطبة 09 ( تمت بنبينا محمد ^حجته ) فكيف يكون الإمام الحسن حجة ، وإذا أراد أحد المنصفين أن يظهر أمراً كهذا فإن كثيراً من المغرضين الغوغائيين يكفرونه لأنه يقول الحق . وهذه هي نتيجة مثل هذه الروايات المختلقة ، ولا نتيجة لها إلا الانحطاط والبعد عن جوهر الإسلام .
وفي الخبر السادس : روى رواية تقول إن الإمام الحسن أخبر عن الغيب ومع أن قدمه المبارك ورم في المشي وأصيب من جراء ذلك مع وجود المركب ، وعلى الرغم من ذلك فإنه لم يقبل الركوب ليحفظ سلامته ويركب ، مع أن حفظ الصحة واجب على كل أحد سواء في ذلك الإمام أو المأموم .
ولكن هذه الرواية لأنها في المدح يجب قبولها ولو كانت مخالفة للعقل والقرآن !.
يقول القرآن : لا يعلم الغيب أحد إلا الله ولكن هذا الخبر يقول : لا ، الإمام يعلم الغيب .
[ باب : مولد الحسين بن علي رضي الله عنهما ]
هنا بعد ذكر تاريخ ولادة الإمام الحسين ، ووفاته وشهادته ، روى تسعة أحاديث وأكثرها مجهولة وضعيفة ومرسلة ومرفوعة .(154/369)
وأما متونها : جاء في الخبر الثاني : أنه بين ولادة الإمام الحسن والإمام الحسين كانت المدة هي طهراً واحداً ، يظهر أن السيدة فاطمة كانت لها حالة الطهر وغير الطهر فيكون هذا خلافاً للخبر الذي روي عن مولد فاطمة أنها رضي الله عنها لا تحيض .
في الخبر الثالث : يقول إن الآية 51 من سورة الأحقاف : { ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً وحمله وفصاله ثلاثون شهراً } . يقولون إن هذه الآية نزلت في الإمام الحسين . وكأن الراوي لم يعرف أن هذه السورة مكية ، ولم يكن سيدنا الحسين قد ولد كي تنزل الآية بشأنه ، بالإضافة إلى ذلك لا يمكن أن تنزل الآية القرآنية لشخص واحد ، لأن كل أم تشعر بصعوبة الحمل ووضع الحمل ولا يختص ذلك بأم الإمام . بالإضافة إلى ذلك يقول في هذا الخبر والخبر الرابع إن السيدة الزهراء كانت غير راضية من ولادة الحسين ولم يفرحها ذلك .
أما أنا فلا أظن أن السيدة فاطمة يمكن أن تكون كذلك ، لأنها حتماً كانت راضية بكل ما أعطاها الله ، وهذا الرضا هو من مميزات الإيمان ، ولا يمكن القول إنها كانت غير راضية .
وزاد في الخبر الرابع : عندما قال الإمام الحسين ( أصلح لي في ذريتي ) أصبح كل أولاده أئمة ، ولو لم يقلها لما كانوا كلهم أئمة . فإذا صح هذا الحديث تكون تلك الروايات التي تقول إن الله عين الخلفاء والأوصياء والأئمة بعد رسول الله باسمهم وشخصهم سواء قبل الخلقة أو بعد بعثته ^ كلها مختلقة وكذب . لأن هذا الحديث الرابع جعل إمامة الأئمة موقوفة بمشيئة الإمام الحسين حيث قال : ( أصلح لي في ذريتي ) .
انظروا إلى هؤلاء الرواة كيف غابت عنهم حافظتهم ، وغفلوا عن أخبارهم المتناقضة ومن أعجب العجب أن يكون ألوف العلماء التابعين لهم واللاحقين قد خدعوا بهذه الروايات ، ثمّ بناءً على أخبار هؤلاء أوجدوا مذهباً .(154/370)
يقول في تتمة الخبر الرابع إن الإمام الحسين لم يرضع من أنثى ، بل كان يؤتى به إلى النبي ^ فيلقمه لسانه ويتغذى به ، وهذا كذب واضح لأنه تغذى من حليب أمه كما هو ثابت .
وفي الخبر الخامس : ولا يظهر ما اسم راويه لأنه لم يذكر اسمه ، قال عن قول الله عزوجل في سورة الصافات الآيتين 88 ـ 98 بشأن إبراهيم حيث قال : { فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم } كي لا يذهب مع الناس إلى النزهة ، ويبقى وحده ليكسر أصنامهم . قال هذا الراوي إن سيدنا إبراهيم نظر في النجوم وأجرى حساباته فعرف ما سيحدث لسيدنا الحسين فقال إني سقيم ... وبناءً على ذلك فلعل أبا الحسين وَجَدَّه العظيمين كانا في مرض دائم لأنهما كانا عارفين بمقتل الإمام الحسين رضي الله عنه !!..
روى في الخبر السادس : عندما لاحظت الملائكة مصيبة الإمام الحسين ضجت بالبكاء ، فأقام الله لهم ظل القائم وقال : بهذا أنتقم لهذا .
والسؤال هو : ترى عندما يأتي الإمام القائم ، هل سيكون قتلة الإمام الحسين موجودون وأحياء لينتقم منهم ؟! وإن كنت تقول بالرجعة وتربط هذا بها فيجب أن تعلم أن الرجعة مخالفة لكثير من آيات القرآن كما قال الله تعالى : { ثم إنكم بعد ذلك لميتون . ثم إنكم يوم القيامة تبعثون } ... { حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون . لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون } ... { لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى } .
وآيات كثيرة ترد الرجعة ، ولا ندري ألم يحسب هؤلاء الرواة حساباً لمقولاتهم وموضوعاتهم ؟ وهل هم حقاً لم يفهموا ما الذي يختلقونه ؟ أم أن ذلك الإمام الذي نقل عنه هذه المختلقات ، كان قليل الفهم والملاحظة إلى هذه الدرجة ؟!.
وهل هذه الأشياء من علوم الأئمة رضي الله عنهم ؟، والعجيب هو أنه يقول إن الملائكة ضجوا لمصيبة الحسين وناحوا .(154/371)
ويقول في الخبر التالي إن الإمام الحسين اختار القتل ولقاء الله ويقول الشيعة إن الإمام الحسين كان يعشق لقاء الله ولهذا قاتلوه وقدموا له خدمة وألحقوه بمحبوبه ، وعلى الإمام القائم أن لا يغض الطرف عن هذه الخدمة وينتقم منهم .
ويقول في الخبر الثامن ( بل هو تتمة السابع ) عندما أراد جيش كربلاء أن يطأ جسد الحسين بخيله فهمت ذلك فضة من الغيب ، وذهبت إلى جزيرة في البحر ، وأخبرت الأسد وجاء ذلك الأسد ، ووضع يديه على جسد الإمام وعندما رأى الجيش أن الأسد مانعهم دونه غضوا الطرف عن أن يطأوه . في هذا الخبر عدة جمل مخالفة للقرآن والحس :
الأولى : أن السيدة فضة علمت الغيب وإرادة الجيش وقصده . ومعلوم أنّ العلم بما في الصدور خاص لله .
الثانية : أنها ذهبت إلى جزيرة في البحر مع أنه في كربلاء لا توجد جزيرة ولا بحر وحتى الآن لا يوجد شيء كهذا .
الثالثة : يقال هل الجيش الذي لم يخف من الإمام خاف من الأسد ؟.
الرابعة : لا يعلم أحد أصلاً صحة وجود فضة في كربلاء .
وفي الخبر التاسع : نقلوا أخباراً لا تفيد بشيء ، ورواها عدد من المجهولين والمهملين ، ولا يعلم أحد ماذا كانت صفتهم ومذهبهم . ولا أحد يعلم هدفهم من ذكر هذه الأخبار .
[ باب : مولد علي بن الحسين رضي الله عنهما ](154/372)
هنا بعد ذكر تاريخ ولادة سيدنا السجاد رضي الله عنه ووفاته ، روى ستة أحاديث عد المجلسي أربعة منها ضعيفة ومرسلة ومجهولة ، وفيها رواة كإبراهيم بن إسحاق ، الذي ضعفه علماء الرجال ، وعدوه فاسد المذهب غالياً فاسقاً مبتدعاً ، وعبدالرحمن بن عبدالله الخزاعي المجهول ، وابن فضال الواقفي المذهب ، ومحمد بن عيسى الغالي ، وأحمد بن محمد البرقي الشاك في الدين ، ومحمد بن سنان الكذاب الوضاع المعروف وأمثالهم . أما متونها : قال الإمام في الحديث الأول : لما أسروا بنت يزدجرد في خلافة عمر وأتوا بها إلى المدينة جعلها سيدنا الأمير رضي الله عنه من الفيء وسهم الإمام الحسين . يظهر أن سيدنا علي رضي الله عنه قد قبل حكم الخليفة وبيت المال والأسرى الذين أسروا بأمره ، بناءً على هذا لا يمكن اعتبار الخلفاء غاصبين ، ويقول في الخبر الثاني قال الإمام إن الناقة التي حملت الإمام السجاد إلى الحج بعد وفاة السجاد علمت تلك الناقة مكان قبره الذي لم تره قط وكان علمها من الغيب ، وجاءت إلى القبر وأهلكت نفسها . فلا بد من القول إن قول الله : { لا يعلم الغيب إلا الله } وعندما قال : { فقل إنما الغيب لله } يناقض هذا الخبر ... لأن الناقة أيضاً تعلم الغيب وكذلك الخبر الثالث .
وفي عصرنا هذا حدث أن تركوا الناقة التي حملت حملاً في الشارع في مشهد خراسان ، وذهبت الناقة داخل صحن الإمام الرضا فأحاطها الناس وأحدثوا صخباً وقالوا إن الناقة أتت لزيارة الإمام وبدأوا يجزون شعرها تبركاً بها وآذوها بذلك حتى ماتت .
وبعد ذلك جاء أحد علماء الشيعة ومجتهديهم إلى بيتي وسألني : ماذا تقول في هذه المعجزة ، وأن الناقة أتت إلى الزيارة هل تنكر هذا ؟ فسألته : لماذا تراها أتت تلك الناقة بالذات ولم تأت غيرها ؟ وهنا أجابني ذلك المجتهد : إن هذه الناقة كان شيعية وبقية النون سنية !.(154/373)
ولكن يظهر من هذا الباب في كتاب الكافي ويستفاد منه أن هناك ناقة أخرى كانت شيعية ولا تنحصر النوق الشيعيات بواحدة بل قد تكونان اثنتان !.
ويقول في الحديث الرابع : إن الإمام أخبر عن موت شيء في الماء . ولكن هذا مخالف للقرآن ولا يرضى الإمام أن ينسب أحد إليه الأخبار المخالفة للقرآن ، لأن القرآن يقول : { لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله } . وقال في آخر سورة لقمان : { وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت } وقال علي رضي الله عنه في نهج البلاغة في الخطبة رقم 941 : أنا لا أعلم موعد موتي وذلك خاص بالله تعالى . وكذلك في الخطبة رقم 621 وفي رسالة 13 ـ 23 وغيرها ... فأي مرض أصاب هؤلاء الرواة حتى ينسبوا مثل هذه الأخبار إلى الإمام .
[ باب : مولد أبي جعفر محمد بن علي رضي الله عنهما ]
وروى في هذا الباب بعد ذكر تاريخ ولادة سيدنا الباقر ووفاته ، ستة أحاديث عد المجلسي خمسة منها ما بين ضعيف ومجهول ولا اعتبار له . وأما متونها فيقول في الحديث الأول : كانت أم سيدنا الباقر قاعدة عند جدار ، فتصدع الجدار وكاد أن يسقط فأشارت إليه بيدها واستحلفت الجدار أن لا يسقط فبقي الجدار معلقاً حتى مرت هي .
هنا يجب السؤال : هل يسمع الجدار ويعقل ؟ وهل تثبت المعجزات لغير الأنبياء ؟.
ثم إن سيدنا موسى عندما وصل إلى الجدار الذي يكاد أن يسقط لم يستحلفه لكي لا يقع ، ولم يقل له إن الله لا يأذن لك بالسقوط . بل إن القصة تقول في سورة الكهف إن الخضر باشر بتعمير ذلك الجدار حين قال الله تعالى وفي الآية 77 : { فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت لاتخذت عليه أجراً } .
يقول في الحديث الثاني : مر جابر بن عبدالله في المدينة في طريق فيه كتّاب فرأى فيه الإمام الباقر وسأل عن اسمه وقبّله وبلغه سلام رسول الله ^ .(154/374)
يظهر من هذا الخبر أن سيدنا الباقر كان يذهب إلى المكاتب لتحصيل العلم والكتابة وأن علم الإمام علم تحصيلي ، وأنّ ما جاء في باب أن الأئمة قد أوتوا العلم ، وباب أن الأئمة ورثوا علم النبي ، وباب أن الأئمة يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى الملائكة والأنبياء وسائر الأبواب ، نقول يظهر إنها كلها من وضع الرواة الجهلة .
وكذلك ما جاء في الخبر الثالث من هذا الباب حيث قال الراوي : هل كان رسول الله ^ وارثاً لعلوم جميع الأنبياء وأنتم ورثة علم الرسول ؟ قال الإمام : نعم . ثم قال : هل تقدرون أن تحيوا الموتى وتشفوا المرضى قال : نعم بإذن الله .
والسؤال : ترى هل تكلم الله مع الإمام حتى يأذن له بكل ذلك ؟ بالإضافة إلى ذلك جاء في القرآن أن إحياء الموتى وشفاء المرضى لله وحده فقط ، وورد في دعاء الجوشن الكبير ، قال رسول الله ^ لا يحيي الموتى إلا هو ، لا يشفي المرضى إلا هو ، وخزائن القدرة ليست لدى الرسول ولا لدى الإمام . كما قال الله لرسوله : { قل لا أقول لكم عندي خزائن الله } فتكون هذه الأخبار مخالفة للقرآن ومن صنع المغرضين ، ويقول أبو بصير في نهاية هذا الخبر : كنت أعمى فمسح الإمام على وجهي فأبصرت .
ولذا ففي عصرنا يذهب بعض الماكرين الذين سمعوا هذه الأخبار إلى قبور الأئمة وأولاد الأئمة ، ويجعلون أنفسهم عمياناً وبعد مدة من التمسح بالقبر يصيح ويحدث ضجة مدعياً أنه قد كان أعمى فشفاه الإمام .
كما أنهم أحدثوا ضحة كبيرة في زمن فرهاد مرزا بن فتحعلى شاه ، في مشهد الإمام الرضا وقد حققنا في ذلك وكشفنا خداع هؤلاء المخادعين ، فيرجى الرجوع إلى كتابنا ( الخرافات ... في زيارات القبور ) للمؤلف نفسه ، والكتب الأخرى في هذا المجال .(154/375)
والعجيب في آخر هذا الخبر أن الإمام يقول لأبي بصير : إذا كنت تريد أن تكون لك الجنة خالصة فعد كما كنت . فقبل أبو بصير فمسح الإمام وجه أبي بصير ، وعاد إلى ما كان والإشكال هو أن الأنبياء لا يزكون أنفسهم مثل هذه التزكية ، وعلي رضي الله عنه يقول في دعاء كميل ( ليت شعري ) وأدعيته مليئة بأنه كان يخاف من عاقبة أمره وأوصى أولاده قائلاً أن لا نجاة لهم إلا بالتقوى . ولكن هنا قال الإمام لأبي بصير إنك من أهل الجنة .
وفي الحديث الرابع : قال الراوي كنت عند الإمام يوماً إذ وقع زوج حمام عند الإمام وتكلما معه ساعة ، ثم طارا إلى الحائط ، وحط الذكر على الأنثى ثم نهضا . فقلت : ما قصتهما . قال : يا ابن مسلم ، كل شيء خلق الله من طير أو بهيمة أو شيء فيه روح فهو أسمع لنا وأطوع من بني آدم ! إن هذا الحمام ظن بامرأته فحلفت له ما فعلت وقالت : نرضى بمحمد بن علي حكماً . فرضيا بي فأخبرته أنه لها ظالم فصدقها .
والسؤال الآن هو : إن كان جدهم رسول الله لم يكن يعرف لغة اليهود العبرية فكيف يعلم هو لغة الحيوان ؟، وحتى عندما افتروا على عائشة ظلماً وزوراً لم يعلم طهارتها واستشار فيها سيدنا علي رضي الله عنه ولكنه هو أيضاً لم يعلم شيئاً وقال لرسول الله ^ اترك عائشة . حتى نزلت آيات البراءة والتطهير .
والحال أنه كيف يعلم الإمام الباقر عفة الطيور ؟ أليس هذا مخالفاً للقرآن ؟ أليس هذا من وضع الغلاة وهل يمكن أخذ سند مذهبي عن قول هؤلاء الرواة المجهولين ؟!.
[ باب : مولد أبي عبدالله جعفر بن محمد رضي الله عنهم ](154/376)
روى الكليني بعد ذكر تاريخ ولادة الإمام الصادق ووفاته ، ثمانية أحاديث وجعل العلامة المجلسي ثمانية منها ما بين ضعيف ومجهول وغير معتبر . وأما متونها فهي : جاء في الحديث الأول أن للإمام الباقر قال : إني أدعو في الليل والنهار ألف مرة لأهل المعصية من شيعتنا . فهل لهذا المقال حقيقة ؟. ألا يكون هذا مشجعاً للشيعة على الغرور والصلف والتمادي في المعصية ، وإن كان هذا عمل حسن من الإمام فعليه أن لا يبوح به لأحد .
وجاء في الحديث الثاني : أن موظفي المنصور ألقوا النار في دار الإمام الصادق وعندما اشتعلت النار كان الإمام يمشي فيها ويتخطاها وقال : أنا ابن إبراهيم خليل الله . وهذا العمل منه مخالف للعقل والقرآن .
لأن سيدنا إيراهيم لم يذهب ويلقي بنفسه في النار بل ألقاه أعداؤه فجعل الله النار عليه برداً وسلاماً . كما قال في القرآن . { قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم } . ولكنه في هذا الخبر جعل الإمام الصادق يتخطى النار ويمشي فيها طواعية .
ثانياً : إن اجتناب الخطر واجب بحكم العقل والقرآن سواء في ذلك الإمام أو المأموم .
ثالثاً : ليس لأحد من الناس أن يفتخر بآبائه وأجداده ويمشي على النار .
إن هؤلاء الرواة يظنون أن هذه الروايات مزايا في حق الإمام ، بينما تعتبر نقيصة في حق الإمام العاقل العالم العامل .
وفي الحديث الثالث : روى المعلى بن محمد الغالي قصته عن البرقي الشاك في الدين والذي كذبه أقوى من صدقه ، وهكذا فإن الذين يشكون في دينهم يصنعون لنا المذاهب !
وفي الحديث الرابع : يونس بن ظبيان الملعون الذي لعنه الإمام الرضا ألف مرة . قال هذا الخبيث : رأيت الله في الكعبة ووضع يده على رأسي .(154/377)
نقول : رجل كهذا وأمثاله نقلوا أن الإمام قال خلافاً للقرآن : إن خزائن الأرض ومفاتيحها بيدنا مع أن الله قال لرسوله : { قل لا أقول لكم عندي خزائن الله } وقال في مكان آخر : ( إن من شيء إلا عندنا خزائنه ) بالإضافة إلى ذلك فإن كانت مفاتيح الأرض ومعادنها وخزائنها بيد الإمام فقد كان من الأجدر به أن يستخرج النفط والذهب والمعادن الأخرى للمسلمين ، ولا يتركها بيد الكفار ويكون المسلمون أسرى للكفار وقواهم .
روى في الحديث الخامس : أن الإمام الصادق رضي الله عنه ضمن الجنة لغاشٍ شارب للخمر إذا ترك ذلك ، مع أن هذا يخالف آيات القرآن لأن الله قال لرسوله في سورة آل عمران الآية 21 : { ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون } وقال في سورة الزمر الآية 91 : { أفأنت تنقذ من في النار } وقال في آية أخرى : { وما أنت عليهم بوكيل } وكأن الله أوكل للإمام أن يضمن الجنة للعاصين . لست أدري هل للأئمة أن يخالفوا كتاب الله ؟! والأعجب أن ذلك العاصي مات فقال الإمام لأبي بصير بعد موته : قد وفى صاحبك بوعده ، ويظهر أن الجنة كانت باختيار الإمام والأعجب من هذا كله أن القرآن يقول : { لا يعلم الغيب إلا الله } ولكن أبا بصير قال : فلما دخلت على الإمام قال لي منذ أن دخلت البيت ولا تزال إحدى رجليّ في الصحن والأخرى في دهليز داره : يا أبا بصير قد وفينا لصاحبك . فالإمام إذاً علم من الغيب أن الرجل مات ودخل الجنة .
وكذلك في الخبر السادس : قال الإمام الصادق ، كان الإمام يعلم الغيب وقال : يا هذا اتق الله وأخبره بما هو جار بين المنصور ورسوله ، مع أن القرآن يقول صراحة : { لا يعلم الغيب إلا الله } فهل هذه الأخبار المخالفة للقرآن هي علوم الأئمة رضي الله عنهم ؟!.
[ باب : مولد أبي الحسن موسى بن جعفر
عليهما السلام ](154/378)
روى الكليني في هذا الباب بعد ذكر ولادة سيدنا موسى بن جعفر رضي الله عنه ووفاته تسعة أحاديث . عد المجلسي سبعة منها ما بين ضعيف ومجهول ، أما متونها فتدل على أن سيدنا الكاظم كان يعلم الغيب ، وأخبر عنه مراراً ، بالإضافة إلى ذلك فهذه الروايات تخالف القرآن ، لأن الله قال : { لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله } ولدينا قرائن تدل على أن هذه الروايات موضوعة وكاذبة ومن جملة هذه الدلائل أن علماء محدثين من الشيعة قالوا إنه كان لسيدنا الكاظم ثلاثة وكلاء يقومون بأموره ، وكان الناس بواسطتهم يوصلون أمورهم إلى الإمام . أحدهم علي بن أبي حمزة البطائني ، والثاني عثمان بن عيسى ، والثالث زياد بن مروان القندي وهؤلاء الثلاثة كلهم صاروا خونة من بعده ، إذ أنه عندما توفي سيدنا الكاظم رضي الله عنه في السجن ، أكلوا الأموال التي كانت لديهم وتصرفوا بالجواري الموجودة عندهم ، وادعوا أن موسى بن جعفر لم يمت بل غاب وسيظهر في آخر الزمان . وهؤلاء هم الذين أوجدوا المذهب الواقفي والسبعي ( من الأئمة السبعة ) وقد لعنهم سيدنا الرضا فلو كان سيدنا الكاظم يعلم الغيب لما وثق بهم وجعلهم قيمين على أمواله وأموره .
[ باب : مولد أبي الحسن الرضا رضي الله عنهم ](154/379)
ذكر في هذا الباب أحد عشر خبراً . جعل المجلسي ثمانية منها ما بين ضعيف ومجهول ومرسل ، ولا يمكن للمسلم أن يتخذ من هذه الأخبار أساساً ومنبعاً لعقيدته وسنداً إلهياً يقوم عليه المذهب ، وهذه الأخبار الأحد عشر ، عبارة عن أخبار غيبية حيث أن الرواة الغلاة نقلوها عن الإمام أو هي معجزات صدرت بحق الإمام بادعاء هؤلاء الغلاة ، وقد نقلت أضعاف هذه المعجزات عن مرشدي الصوفية أو زعماء المذاهب الأخرى ، ولا تترتب عليها أية فائدة ، وليست هي من شروط الإمامة ولا يشترط في الإمام الإخبار عن الغيب وعمل السحر والكهنة، أو فعل خوارق العادات كسحرة الهند بل يشترط في الإمامة والحكم العلم والعدالة وحسن التدبير . كان من الأفضل أن يقوم هؤلاء الأئمة بدل تناقل هذه المعجزات والأخبار والمغيبات باختراعات تفيد الأمة الإسلامية ، أو يحفروا عدداً من الأقنية للمياه ويبنوا المصانع لتفيد عامة المسلمين . وإننا نوجب الاحترام والسيادة والإمامة لكل من يرشد الناس إلى الحق ويجاهد في ذلك دون أن ينتظر المعجزات ويدعم مكانته بها . ولذلك يجب أن يتوجه المرء أولاً نحو الحقائق الصحيحة للدين والعقائد الأصيلة فيه وبعدها يستطيع أن يقدر هل مدعو الإمامة يبنون ادعاءهم على الحقائق والعقائد الإسلامية أم أنهم فقط يهدفون إلى تبجيل أنفسهم وسيادتهم .
[ باب : مولد أبي جعفر محمد بن علي الثاني
عليهما السلام ]
ذكر في هذا الباب بعد ذكر تاريخ ولادة سيدنا جواد الأئمة ووفاته اثنا عشر خبراً ، عد المجلسي أحد عشر منها ما بين ضعيف ومجهول ومرسل ، وفيها رواة سيئو السمعة ومجهولون كمحمد بن حسان الذي عده علماء الرجال ضعيفاً وراوياً للروايات الضعيفة وسهل بن زياد الكذاب وأمثاله .
أما متونها فقد جاء في الحديث الأول أن علي بن خالد الزيدي قال : كنت في العبادة ودخل الإمام الجواد وأخذني بطي الأرض إلى مسجد في الكوفة وإلى مسجد الرسول والمسجد الحرام ثم أرجعني !.(154/380)
وهنا يجب القول إن رسول الله ^ عندما أخرجوه من مكة ذهب إلى غار ثور وكان ذهابه على قدميه ، ومن ثم ذهب إلى المدينة ، ولم تكن له معجزة طي الأرض ، وأما الإمام الجواد والذي لم يكن له مقام النبوة فقد طويت له الأرض ! إن هؤلاء الغلاة غالوا في الأئمة قدر ما استطاعوا .
وفي الحديث الثاني : يقول الراوي الخرافي إنه أراد أن يأخذ التراب الذي يطأ عليه سيدنا الجواد وسعى عدة أيام ولم يوفق وانتبه سيدنا الجواد إلى ذلك ، وبذل جهده لكي لا يتمكن ذلك الراوي من جمع التراب ويتاجر بذلك ، مع أن الرواة ربما جعلوا ذلك من معجزات الإمام مع أنه كان من واجبه عليه أن يمنعه صراحة . ويظهر أن محتوى هذه الكتب المذهبية هي من أجل أعمال الناس المساكين المتزلفين .
استدل في الحديث الثالث : بالآية 21 من سورة مريم التي قالها الله بشأن سيدنا يحيى { وآتيناه الحكم صبياً } أن سيدنا الجواد حاز مقام الإمامة في السابعة أو التاسعة من عمره ، فلا بد أن نقول كما أشرنا سابقاً إن هذا قياس مع الفارق وهو باطل ، لأنه إذا حاز طفل مقام النبوة فلا يمكن أن يصل أي طفل آخر إلى النبوة قياساً عليه .
ثم إن النبي يوحى إليه ولكن الإمام لا يوحى إليه ، وكلمة { آتيناه الحكم صبياً } تفيد أن الحكم غير معلوم في هذه الآية وربما يكون القضاء أو الحكمة ، ومن أين يثبت أنها النبوة ؟.(154/381)
في الحديث الخامس : قال داود بن قاسم الجعفري المعروف بأبي هاشم الذي تتناقض رواياته وهي مليئة بالغلو ، كما سيأتي بيانه في باب عدد الأئمة ، أن الإمام أخبر عن الغيب وبين رسائل لم يظهر أصحابها ولا عناوينها ويجب القول : إن الآيات التي تقول { لا يعلم الغيب إلاّ الله } ترد هذا الخبر إلا إذا قلنا : إن أبا هاشم نفسه كان سيء الحافظة والإمام عرف الرسائل بحسن حافظته ومن علاماتها عرف ممن هي ولمن . وكذلك الحديث التالي حيث انتبه الإمام إلى عطش الراوي وسقاه ماءً . ومع أن الكليني أراد أن يجعل من هذه معجزة ! ولكننا نقول إن شروط الإمامة هي الحكمة والعدالة والتدبير الحسن وليس ما يرويه الكليني .
في الحديث السابع : ذكر أن الإمام الجواد أجاب عن 000.03 مسألة في مجلس واحد . ولكن أحداً لم يسأل علي بن إبراهيم هذا الذي كان يقول بتحريف القرآن ماهي تلك المسائل ، وإن كل مسألة مهما كانت بسيطة تحتاج وسطياً إلى عشرين دقيقة لبيانها فتحتاج إذن 000.03 مسألة إلى عشرة آلاف ساعة من الوقت ، وهذا يعني أن ذلك استغرق مجلساً واحداً طال سنين .. ما هذا الغلو !.
ترى لماذا لم يفعل الأنبياء هذه الأعمال ولم ينسبها أحد إليهم ؟!.
الحديث التاسع والثاني عشر : فيه محامل صحيحة غير إعجازية وليس من المفيد أن نقضي أكثر من أشهر من عمرنا في كتاب مثل الكافي ومهملاته .
[ باب : مولد أبي الحسن علي بن محمد رضي الله عنهما ]
ولد سيدنا أبو الحسن الهادي علي بن محمد رضي الله عنهم في أواسط ذي الحجة عام 012 وتوفي عام 452 في الرابع من جمادى الآخرة ، وحمله المتوكل بواسطة يحيى بن هرثمة من المدينة إلى سر من رأى ، وتوفي هناك ودفن فيها كما نقل الكليني . وروى هنا تسعة أحاديث ضعفها المجلسي جميعها أو قال بجهالتها أو إرسالها ولذا نحن لن نتعرض إلى ذكر رواتها .(154/382)
أما متونها ففي الخبر الأول : أخبر الإمام الهادي بقتل الواثق بالله ، وجلوس المتوكل مكانه أخبر بذلك خيران الراوي ، حيث أن الواثق مات قبل تلك النبوءة بستة أيام ، والراوي خيران كان مسافراً وأتى من العراق ، ولم يطلع على ذلك . هذا الخبر برأي الكليني معجزة ورواه في كتابه مع أن كثيراً من الأخبار تصل إلى المدينة قبل المسافر ، وهنا قال الإمام : الناس يقولون هكذا ، ولكن الراوي توهم أن الإمام أخبر عن الغيب ، والعجيب أنه لم يصدق نفي الإمام لذلك .
وفي الحديث الثاني : أرى الإمام للراوي الجنة والحور والقصور ، أراه ذلك في السجن ، ترى ألم يعرف الكليني أن هذا الخبر مخالف للقرآن . قال الله في سورة الأعراف الآية 781 : { يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل علمها عند ربي } . ثم هل الجنة موجودة الآن أم أنها ستوجد ؟ كثير من المحققين يقولون إن الجنة الآن غير مخلوقة والله أعلم(1) . فهل نقول إن الإمام قال بعمل السحر والطلاسم . هذا لا يليق به .
وفي الخبر الثالث : أن قصاب الإمام كرمه الله عمل بطي الأرض حسب قوله ، وذلك أولاً أن الراوي مجهول الحال وثانياً أن رسول الله في هجرته المباركة لم يتح له شيء كهذا ولم يعطه الله كرامة كهذه . وفي الخبر الرابع مرض المتوكل من خراج أصابه وطلب العلاج من الإمام فأمره أن يؤخذ كُسب الشاة(1) فيخلط بماء ورد ويوضع عليه ففعلوا وتحسنت صحة المتوكل .
هل يمكن القول إن هذا العمل معجزة . يبدو أن الكليني يعتبر ذلك معجزة .. يعني إذا لم يفعل إمام المسلمين وحاكمهم هذا العمل فإمامته باطلة ، وكذلك هي الأخبار الأخرى !.
[ باب : مولد أبي محمد الحسن بن علي رضي الله عنهما ](154/383)
يقول الكليني إن ولادته كانت في شهر رمضان ، وفي نسخة أخرى في ربيع الأول 232 ووفاته في ربيع الأول 062 ودفن في سر من رأى روى هنا سبعة وعشرين حديثاً ، عد المجلسي ستة وعشرين منها ضعيفة ومرسلة ومجهولة ولا يمكن الاعتماد عليها ؛ لأن أكثر رواتها مجهولو الأحوال ومن الضعفاء وكانوا من موظفي الحكومة العباسية . والآن كيف يمكننا أن نقبل كل هذه الأحاديث ونصدقها ، وماذا نفعل بالأحاديث المخالفة للقرآنه والتي فيها الأخبار الغيبية والإخبار بما في ضمير الناس والتصورات المذهبية حيث يقول القرآن لا يعلمها إلا الله ؟.
هل الأخبار هي التي تحكم على القرآن أم أن القرآن هو الحاكم عليها ؟ هل القرآن هو الميزان أم الخبر ؟.
[ باب : مولد الصاحب رضي الله عنه ]
روى الكليني في هذا الباب واحد وثلاثين حديثاً وعد العلامة المجلسي اثنين وعشرين منها بين ضعيف ومجهول ، وجمع الكليني هذه الأخبار لإثبات ولادة الإمام ووجوده . مع أن رواة هذه الأخبار على الأكثر مجهولو الأحوال ومجهولو الهوية وضعاف ، ولا يثبت شيء بقول هؤلاء .
ثانياً : لم يأتِ هؤلاء في رواياتهم بما يدل على رؤية الإمام .
ولندرس نحن هذه الأخبار واحداً واحداً .
أما الحديث الأول : فقد روى عن أحمد البرقي الشاك في الدين والمذهب ، وقد أخرجه أهل قم منها ، هذا الشخص روى أن توقيعاً جاء من الإمام الحسن لما قتلوا الزبيري وكان قد كتب فيه : هذا جزاء من زعم أنه يقتلني وليس لي عقب ، ثم أضاف البرقي نفسه قال : ولد له ولد ، ولكنه لم يأت بالدليل .
وأما الحديث الثاني : فقد نقل الرواة المجهولو الأحوال ، عن رجل من أهل فارس لم يذكر اسمه ولا مذهبه ومسلكه أنه قال : كنت في بيت أبي محمد فرأيت جارية معها شيء معطر قلت لها : اكشفي عما معك فكشفت عن غلام أبيض حسن الوجه ، وكشف عن بطنه فإذا شعر نابت من لبته إلى لبته أخضر ليس بأسود . ثم قال : هذا صاحبكم .(154/384)
والآن من هذا الفارسي ؟ لا أحد يعلم ذلك ! ومن كانت تلك الجارية ومن كان ذلك الطفل ؟ أيضاً لا أحد يعلم .
أما الحديث الثالث : نقله عن رجل سمي بغانم الهندي الذي ذهب إلى بغداد ، وجاء أحدهم إليه وقال له : هل أنت غانم الهندي قال : نعم وأخذه إلى بستان فرأى شخصاً جالساً فقال له مرحباً يا فلان وتكلم معه باللغة الهندية وسأله عن حاله . وقال له : هل تريد أن تحج مع أهل قم قال : نعم . قال : لا تحج معهم وانصرف سنتك هذه وحج في قابل . والآن لا أحد يعلم من الذي رآه وقال له لا تذهب إلى الحج ! هل كان غرض ذلك الهندي المجهول أن يثبت المذهب الاثنى عشري بهذه التفاصيل التافهة ، وهل يثبت المذهب بكلام رجل هندي مجهول الحال ؟ وهل يجوز لأحد أن يأتي بمذهب بعد نبي الإسلام ودين الإسلام ؟ هل يجوز أن تنحصر الإمامة والقيادة بإثنى عشر شخصاً ؟!.
أما الحديث الرابع : فيه حسن بن نضر ، وأبو صدام الذي كان وكيل ناحية على حد قول الممقاني في المجلد الأول من كتابه في الرجال ص 213 ، وكانت قد تجمعت لديه أموال وتحير وقام بالتحقيق حتى ذهب إلى سر من رأى وأخذوه إلى بيت عليه ستر فنودي منه ، احمد الله ولا تشكنّ وأما هو لم ير أحداً ولم يعين من كان المنادي ، وماذا كان حسبه ونسبه .
يقول المؤلف : هل أصبحت هذه هي الحجة ؟ وهل يمكن الإجابة غداً يوم القيامة عندما يسأل الله هؤلاء الرواة المجاهيل ؟! نعم يريد الكليني أن يعد الناس كلهم من جملة الذين كانوا وكلاء الإمام وكانوا متحيرين .(154/385)
أما الحديث الخامس : قال محمد بن علي بن مهريار ؛ الذي ادعى أبوه علي بن مهريار الوكالة عن الأئمة وجمع مالاً كثيراً وأنفقه على نفسه ، يقول ابنه هنا ، كنت أشك في وجود الإمام ، وعدم وجود إمام بعد سيدنا العسكري ، وقد جمعت أموالاً كثيراً عند أبي وحملها أبي وركب السفينة ، وخرجت معه ماشياً فتوعك توعكاً شديداً وقال : يا بني ردني فهو الموت . وقال لي : اتق الله في هذا المال وأوصى إلي فمات . فقلت في نفسي : لم يكن أبي ليوصي بشيء غير صحيح ، وحملت الأموال معي إلى العراق ، واشتريت داراً على الشط وبقيت أياماً ... إلى أن يقول في النهاية : حتى وصلتني رقعة فيها : جعلناك مكان أبيك ، مع أن هذا الوكيل بن الوكيل لا رأى الإمام ولا نقل دليلاً . فهل يمكن إثبات شيء عن طريق هؤلاء الوكلاء الذين جمعوا أموال الناس وكانوا متحيرين ! ربما كانوا من الذين جمعوا أموال الشيعة البسطاء باسم الوكالة وسرقوها .
أما الحديث السادس : فهذا أقل صدقاً من الكل لأن أبا عبدالله النسائي ( ولا يُعلم اسمه ولا عمله ) يقول : أوصلت أشياء إلى المرزباني ، ولا أحد يعلم من هو وماذا كان عمله ، ولماذا أوصل إليه أموالاً حيث كان فيها سوار ، وردّه وأمر بكسره ، فكسره وأرسل له الذهب الخالص وقبل .
والآن يجب السؤال : من هو أبو عبدالله النسائي ومن هو المرزباني ؟ وذهب ذلك السوار ترى من أية مسكينة كان ؟ وما هذا الخبر الذي لا أول له ولا آخر ؟! نرجو من الله أن لا يكتشف أعداء الإسلام أن في كتبنا مثل هذه الخرافات(1) !.
أما الحديث السابع : فهو أكثر نقصاً من سابقه لأنه يقول : قال الفضل الخراز المدايني ولا يعلم من هو وماذا كان عمله ، قال : إن قوماً من أهل المدينة من الطالبيين كانوا يقولون
بالحق ، وكانت الوظائف ترد عليهم ، فلما توفي أبو محمد ( سيدنا العسكري ) رجع قوم منهم عن القول بالولد ، فوردت الوظائف على من ثبت منهم على القول بالولد وقطع عن الباقين .(154/386)
حسن ! ما نتيجة هذا الخبر وما الفائدة منه ؟ وما هدف الكليني من ذكره ؟، لا أحد يعلم ذلك ، ربما كان ذلك بشأن كثرة سواد الجيش ، بالله عليكم هل هذا الحديث صحيح ؟!.
أما الحديث الثامن : فهو مثل سابقيه لأنه يقول : أوصل رجل من أهل السواد مالاً ! والآن من كان هذا الرجل وماذا كان اسمه ؟ وأي مال هذا ؟ وأين أوصله ؟ لماذا لم يعين في هذا الحديث ؟ ثم رد عليه وقيل له : اخرج حق ولد عمك ، والسؤال : القرآن يقول : لا يعلم الغيب إلا الله . فمن هذا الذي أخبر عن الغيب إن كان هو الإمام فهل يوحى إليه ؟ وإن كان مرشداً أو شيخاً أو شيطاناً ، نعم من الممكن أن يكون ذلك من وحي الشيطان . وبالإضافة إلى ذلك لا يعرف الراوي محمد بن علي ، ومن كان المقصود أصلاً .
أما الخبر التاسع : قال قاسم بن الهلال وكأنه كان وكيلاً لأخذ الأموال ، ولد لي عدة بنين ، فكنت أكتب وأسأل الدعاء فلم يأت الجواب وماتوا كلهم ، فلما ولد لي الحسن ابني كتبتُ وتضرعت فأُجبت . والسؤال هو : إلى من كتب ؟ لا يُعلم ، وإن كان كتب إلى الإمام هل كان الإمام يعلم الغيب ويعلم أن أبناءه لا يبقون حتى لم يجب ، وبالإضافة إلى ذلك يقول : إن احترام الإمام مع الخدام يعني أن الوكلاء يخبرون عن الغيب عن الإمام وتكون لهم معجزات وذلك لكي يزيد الناس في دفع الأموال ، وإلا فإن العالم ليس مخبراً عن الغيب ، ثم إنه يمكن أن يكون ابنه الحسن بقي قدراً كما مات البقية قدراً .. فلم يكن ثمة دعاء مستجاب ولا معجزة ؟!.(154/387)
أما الخبر العاشر : وهذا أيضاً مهمل كسابقه لأنه يقول : قال أبو عبدالله بن صالح المجهول الحال ولا نعلم مذهبه ولا عمله ، خرجت سنة من السنين من بغداد ، ولا معنى لهذه الجملة ، ولا بد أن يقول خرجت من بغداد فاستأذنت في الخروج فلم يؤذن لي ، فأقمت اثنتين وعشرين يوماً فأذن لي . لا أحد يعلم ممن استأذن هذا المجهول ومن أذن له بعد اثنين وعشرين يوماً ، وماذا يريد الكليني أن يثبت بهذه القصص التي لا أول لها ولا آخر ؟.
أما الخبر الحادي عشر : أيضاً كسابقه ؛ لأنه روي عن مجهول عن نضر بن صباح البجلي ، وهو أيضاً مجهول ومهمل ، وهذا روي عن مجهول آخر يسمى محمد بن يوسف الشاشي ، قال : خرج لي باسور في مقعدتي فأريته الأطباء وأنفقت عليه مالاً ، فقالوا : لا نعرف له دواء . فكتبت رقعة أسأل الدعاء ، فوقع عليه السلام إلي : ألبسك الله العافية وجعلك معنا في الدنيا والآخرة . قال : فما مرت علي جمعة حتى عوفيت ، والموضوع هنا هو أن هذا المجهول يريد أن يقول إن الإمام مستجاب الدعوة ، وإن كان الأمر كذلك فقد كان من الواجب أن يشفى فوراً لا بعد أسبوع ، بالإضافة إلى ذلك إذا فتح رأس الباسور فإنه يشفى بعد عدة أيام سواء كان الداعي مستجاب الدعوة أم لم يكن ، ولسنا ندري هل يقصد الكليني بهذه الأخبار أن يملأ كتابه أم ترى كان له هدف آخر ، وإلا فإن هذه الأخبار لا ترد باطلاً ولا تثبت حقاً ؟.(154/388)
أما الخبر الثاني عشر : فهو أيضاً كسابقه ، روى علي المجهول ، عن علي بن الحسن اليماني ، وهو أيضاً مهمل مجهول ، قال : كنت ببغداد فتهيأت قافلة لليمانيين فأردت الخروج معها ، فكتبت ألتمس الإذن في ذلك فجاءت رسالة فيها : لا تخرج معهم ، فليس لك في الخروج معهم خيرة وأقم بالكوفة ، فأقمت وخرجت القافلة فخرجت عليهم ( حنظلة ) وهي قبيلة فاجتاحتهم . وكتبت أستأذن في ركوب الماء فلم يؤذن لي ، فسألت عن المراكب التي خرجت في تلك السنة في البحر فما سلم منها مركب . ثم يقول : ذهبت إلى سامراء وصليت في المسجد وبعد فراغي من الزيارة إذ بخادم قد جاءني فأخذني إلى بيت حسين بن أحمد ثم سارّه ، ولم أدرِ ما قال له ، حتى آتاني جميع ما أحتاج إليه ، وجلست عنده ثلاثة أيام ، واستأذنته في الزيارة من الداخل فأذن له ، فزرته ليلاً .
يقول المؤلف : هذا الحديث أشبه ما يكون بمن يروي حلماً رآه في نومه . من هو هذا المستأذن ؟ وهل كل من أراد السفر عليه أن يستأذنه من جهة الإمام الغائب ، إن كان قصده من الإذن هي الجهة فإن هذا الجواب الذي أتى به مخالف للقرآن ؛ لأن الله قال في سورة الأحقاف لرسوله : { قل ... ما أدري ما يفعل بي ولا بكم } ولكن هذا المجهول يقول : إن المجيب علم أن اللصوص يهاجمون القافلة الفلانية ، أو يهلك المسافرون في البحر ، وهذا خلاف القرآن ، وبالنهاية أخذوه إلى بيت حسين بن أحمد ، من كان هذا وماذا كان عمله ولماذا بقي عنده ثلاثة أيام ، ومن زار ؟ وما معنى الداخل والخارج . يقول المؤلف : إن الناس يظنون أن كتاب الكافي كتاب علمي معقول ولا يتوقعون أبداً أن يكون فيه مثل هذه الموهومات والمهملات الخرافات .
أما الحديث الثالث عشر : فهو كسابقيه بل أشد خرافة منها جميعاً ، ولأنه طويل جداً فإنه يشبه حديث المرء مع نفسه بحيث لا يرتبط أول الكلام بآخره ، وليته احتوى موضوعاً علمياً أو معقولاً .(154/389)
أما الحديث الرابع عشر : روى علي ، وهو شخص مجهول ، عن مجهول ، عن محمد بن الحسن ، وهو مجهول ومهمل ، قال : شككت في أمر حاجز ( حاجز بن يزيد الذي كان يدعي وكالة الإمام الغائب وما عرف هويته ) فجمعت شيئاً ثم صرت إلى العسكر ( سر من رأى ) فوصلتني رسالة تقول : ليس فينا شك ولا فيمن يقوم مقامنا بأمرنا ، رد ما معك إلى حاجز بن يزيد . يقول المؤلف : انظروا إلى هذا الحديث قال مجهول : شككت في أمر مجهول آخر ، ثم ذهبت سامراء وكتب مجهول لم أره .. هل هذا أصبح مدركاً دينياً ، هل هذه الخرافات هي علوم الأئمة .(154/390)
أما الحديث الخامس عشر : روى علي بن محمد غير معلوم الحال ، عن محمد بن صالح ، وفيه اختلاف عند علماء الرجال . هل وكيل الدهقان مجهول الحال أم وكيل سيدنا العسكري ، أم وكيل ابنه ؟ وكان من الذين جمعوا أموالاً باسم الإمام ! ترى ماذا عمل بتلك الأموال ! لا يعرف ذلك أحد ، لأن الإمام إذا غاب لم تعد له حاجة في أموال الناس . على كل حال يقول هذا الذي لا يُعلم حاله : عندما توفي أبي ، صار الأمر لي وكان لأبي على الناس سفاتج من مال الغريم . يقول الممقاني يعني من مال الإمام : ( يظهر أن أباه أيضاً أخذ المال باسم الإمام ) فكتبت إليه ، أعلمه فكتب : طالبهم واستقض عليهم . فقضاني الناس إلا رجلاً واحداً كانت عليه سفتجة بأربعمائة دينار فجئت إليه أطالبه فماطلني واستخف بي ابنه وسفه علي . فشكوته إلى أبيه فقال : وماذا كان ؟ فقبضت على لحيته وأخذت برجله ، وسحبته إلى وسط الدار ، وركلته ركلاً شديداً فخرج ابنه يستغيث بأهل بغداد ويقول : قمّي رافضي قتل والدي ، فاجتمع علي منهم خلق كثير فركبت دابتي وقلت : أحسنتم يا أهل بغداد تميلون مع الظالم على الغريب ، أنا رجل من أهل همذان من أهل السنة وهذا ينسبني إلى أهل قم والرفض ليذهب بحقي ومالي ، فمالوا عليه وأرادوا أن يدخلوا حانوته حتى أوقفتهم . وطلب إلى صاحب السفتجة وحلف بالطلاق أن يوفيني مالي متى أبعدتهم عنه .
أيها القاريء الكريم : انظر كيف أخذوا أموال الناس بالقوة باسم وكالة الإمام وفضلاً عن هذا جمعوا هذه الأشياء كأحاديث ذكروها في خيرة كتبهم باسم علوم الأئمة ، وأثبتوا هذه الخرافات كأدلة على وجود إمام الزمان وولادته ، مع أنها لا تتعلق بالولادة ولا بالزعامة أبداً .(154/391)
وأخبار هذا الباب كلها من هذا القبيل ، وفيها أسوأ من هذه ، ونقل الأخبار من الغيب عن الإمام الغائب على الأكثر ، وناقلوها لم يطلعوا على القرآن إطلاقاً ، وهم كذلك مجهولو الأحوال ، وارجع أيها القارئ الكريم إلى باقي الأخبار في هذا الباب فستجد الغرائب . ومن جانب آخر فإن الشيعة على الرغم من أنهم يعتقدون بالنواب الأربعة في الغيبة الصغرى فإنهم في هذا الباب يعتقدون بالوكالة والنيابة ويؤمنون بها .
[ باب : ما جاء في الإثني عشر والنص عليهم ]
روى في هذا الباب عشرين حديثاً عد العلامة المجلسي سبعة عشر منها ما بين ضعيف ومجهول ومرفوع وأراد الكليني أن يثبت في هذا الباب الإمامة المنحصرة بالإثني عشر ولكنه أخطأ وأثبتها لثلاثة عشر ، مع أن إمامة الإسلام وقيادته وحكامه غير منحصر ولا محدد ؛ لأن الله أعطى هذا الحق لكل عبد يسعى ويسأل الله أن يكون إماماً للمتقين كما ذكر الله في صفات الرحمن في سورة الفرقان الآية 47 : { والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً } .
يعني كما أن العلم ، والصدق ، والتقوى ، والعمل الصالح ، والتعلم ليس منحصراً في الإسلام بأحد ، وكذلك الأمر بالنسبة للإمامة والقيادة أو لنقل إن الحكم ليس منحصراً في عدد ولكن الكليني وأمثاله سعوا أن يجعلوه محصوراً بالأحاديث المختلقة والروايات المجهولة . والآن نحن نثبت في هذا الباب أن أخبار الكليني جميعها لا اعتبار لها ، ولا يمكن أن نترك ما ورد في القرآن بسببها :
أما الحديث الأول : روى عن البرقي ، وذكر في سند الحديث الثاني أن محمد بن يحيى الأشعري القمي قال لمحمد بن حسن الصغار : يا أبا جعفر أحببت أن يرد هذا الخبر عن غير طريق أحمد بن أبي عبدالله البرقي ( ذلك أن البرقي كان شاكاً في دينه ومذهبه وحيراناً ) فأجابه محمد بن حسن الصغار أن البرقي روى هذا الخبر قبل حيرته وشكه وتحيره بعشر سنين .(154/392)
فانظر أيها القارئ الكريم إلى الذين يشكون في دينهم ومذهبهم كيف يوجدون لنا المذاهب وأسانيدها أيضاً .
روى البرقي في هذا الحديث ، عن أبي هاشم الجعفري ، وهذا له أخبار متناقضة أيضاً في موضوع الإمامة نفسها روى هنا عن الإمام التاسع أن الخضر قد جاء إلى أمير المؤمنين (ع) ، وعد أسماء الأئمة وعددهم إلى الثاني عشر وفهم ذلك أبو هاشم ورواه . ولكن أبا هاشم هذا بعد مضي عدة سنين لم يعرف الإمام الحادي عشر .
ففي كتاب الكافي هذا في باب الإشارة والنص على أبي محمد رضي الله عنه في الحديث العاشر يقول أبو هاشم الجعفري نفسه : كنت عند الإمام الهادي وظننت أن أبا جعفر سيد محمد ابنه كان إماماً . ولما توفي هذا الابن كنت أفكر وأقول : ربما أبو جعفر سيد محمداً ، وأبو محمد حسن العسكري في هذا العصر مثل موسى بن جعفر ، وإسماعيل بن جعفر وقصتهما مثل قصتهما حيث كان المفروض أن يصبح موسى بن جعفر ، ولما توفي ( أي قبل الإمامة ) أصبح إسماعيل بن جعفر إماماً .
فيظهر من هذا الباب أن السيد أبا هاشم لم يكن يعرف من هو الإمام الذي يلي الإمام العاشر . وأما هنا فيبدو أنه عرف ذلك وقبل سنوات ... فلسنا ندري عرف أم لم يعرف !.
وهذا هو التناقض ! والآن كيف لم يفهم الكليني هذه الأخبار وهي على هذه الدرجة من الوضوح في التناقض وأورد خبرين متناقضين في كتابه ؟!.
أما متن الخبر ففيه علائم الكذب والاختلاق ، وهذا الخبر الذي نقل عن أبي هاشم أن أمير المؤمنين أقبل ومعه الحسن بن علي وهو متوكئ على يد سلمان فدخل المسجد الحرام فجلس ، إذ أقبل رجل حسن الهيئة واللباس فسلم على أمير المؤمنين وجلس ثم قال : يا أمير المؤمنين أريد أن أسألك عن ثلاث مسائل إن أخبرتني بهن علمت أن القوم ركبوا من أمرك ما قضى عليهم ـ أي أخذوا حقك ! ـ وأنهم ليسوا بمأمونين في دنياهم وآخرتهم .(154/393)
وهنا لا بد من القول إن الخبر لم يذكر في أي تاريخ كان عليّ رضي الله عنه في مكة مع أن الإمام الحسن كان متوكئاً كالسلاطين المدللين على يد سلمان الشيب ! وقد كان سلمان آنذاك قد غدا مسناً وضعيفاً وعلي رضي الله عنه كان رجلاً قوياً . حسناً إن الخبر يقول : جاء رجل حسن الهيئة وسأل عن ثلاثة أشياء وقال : إذا أجاب عنها علي دل ذلك على أنهم غصبوا حقه !.
والآن لنتساءل ما هي تلك الأشياء الثلاثة ؟ وهل كانت متعلقة بشؤون المملكة والحكم أم لا ؟.
فقال له علي اسأل ما بدا لك ! قال : أخبرني عن الرجل إذا نام أين تذهب روحه ؟ وعن الرجل كيف يذكر وينسى ؟ وعن الرجل كيف يشبه ولده الأخوال والأعمام ؟. فالتفت سيدنا علي إلى الحسن فقال : يا أبا محمد أجبه . قال : فأجابه الحسن . وهنا لا بد من التساؤل عن أشياء كثيرة فالظاهر أن الإمام الحسن كان كبيراً ، وكان متأهلاً وله ولد يدعى محمداً ، ولذا كان يقال له أبو محمد . وجاء في عام كهذا إلى الحج ، وليس في التاريخ شيء كهذا .(154/394)
ثانياً : أراد الراوي الوضاع أن يوهم الناس أن الإمام الحسن سيكون إماماً بعد علي رضي الله عنهم إذا هو استطاع أن يجيب عن تلك المسائل الثلاث . والآن لا بد من التفكير : هل تراها كانت الأجوبة صحيحة أم أن الراوي الكذاب توهّم ذلك ؟! وأما جواب الإمام الحسن كما جاء في كتاب إكمال الدين للشيخ الصدوق ، في باب ما أخبر به الحسن بن علي بن أبي طالب من وقوع الغيبة وهو : قال أما ما سألت عنه من أمر الإنسان إذا نام أين تذهب روحه ، فإن روحه تعلق بالريح ( ولم يبين أي ريح ) ، والريح معلق بالهواء ( ولا ندري ما هو الفرق بين الريح والهواء ) حتى يفيق صاحب الروح بإذن الله ، ثم ليأذن الله للروح بالرجوع ، ثم يلصق الروح إلى الريح ويجذب الريح إلى الهواء ، ويرجع الروح ويسكن إلى جسم صاحبه ! وإذا لم يأذن الله بذلك فلن يستيقظ صاحب الروح إلى القيامة . وأما مسألة التذكر والنسيان فقلب المرء في حقة وعليهما طبق وإذا صلى المرء على محمد وآله في ذلك الحين ( حين النسيان ) ارتفع الطبق عن الحقة وتذكر المرء كل ما نسيه ، وإذا لم يصل أو صلى صلاة مبتورة ، كأن لم يذكر آل محمد بقي ذلك الطبق على حاله على الحقة ويظلم القلب وينسى المرء ما ذكره ، وهنا لا بد أن نسأل الراوي الوضاع : فلماذا يتذكر أولئك الذين ليسوا بمسلمين إذن ما نسوه بلا صلاة على النبي وآله ؟. وأما الجواب عن المسألة الثالثة : لماذا يشبه الولد عمه وخاله فعلّته هو أن الرجل إذا قارب زوجته بقلب ساكن وعروق هادئة وجسم غير مضطرب نزلت النطفة في الرحم نفسه ، وفي هذه الحال يشبه الولد الأم والأب ولكن في حالة الاضطراب تنزل على بعض العروق وإذا نزلت على عروق الأعمام أشبههم وإذا نزلت على عروق الأخوال أشبههم !!.(154/395)
ونحن نرجو الله أن لا تصل هذه الروايات إلى أيدي الأطباء الاخصائيين بعلم الأجنة وغير المسلمين ؛ لكي لا يتصوروا أن هذه الموضوعات هي من المعارف الإسلامية وأن حكام المسلمين قد سادوا العالم بهذه التوهمات والخرافات !.
وبعد ذلك أعجب السائل الحسن الهيئة واللباس بهذه الأجوبة ، وبدأ يشهد لله بالوحدانية وبرسالة الرسول وإمامة الأئمة واحداً تلو الآخر باسم كل إمام واسم أبيه . والظاهر أن هذا السائل كانت تشغله هذه المسائل أعواماً طوالاً وكان حملها ثقيلاً على قلبه وعقله .. وعندما حلت هذه المشاكل الكبيرة والهامة وجب عليه تقديراً أن يلهج بالثناء والاعتراف بالفضل لا للمجيب وحده بل لأمه وأبيه وأبنائه وأقربائه وأوصيائه !!.
وعندما ذكر أسماء الأئمة إلى الثاني عشر وشهد على ذلك قال في النهاية : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ثم قام فمضى . فقال أمير المؤمنين : يا أبا محمد اتبعه فانظر أين يقصد ؟ فخرج وأعلم أمير المؤمنين بذلك فقال علي : هو الخضر عليه السلام !!.(154/396)
ولنسأل الآن هذا الراوي الوضاع الأفاك : من هو الخضر ؟ وما عمله ؟ وقصة حياته من الموهومات ! بالإضافة إلى ذلك : ما هذا العمل الذي فعله ، وإذا شاء أن يثبت حقانية علي والأئمة فلماذا جاء وجلس وقال ومضى ولم يعرفه أحد حتى الحسن ، وماذا تفيد شهادته لعلي . وإذا كان القصد هو إثبات خلافة الأئمة فقد كان عليه أن يعرف نفسه إلى العموم ، ثم يشهد بكل هذا ليكون حجة على الناس . ولكن يظهر من الرواية أنه لم يكن هناك أحد غير هذا السائل ، ولكن صانعي المذاهب لم يتنبهوا إلى سوء نتائج مقالاتهم وقد كان همهم هو تخريب الإسلام وإيجاد التفرقة بين أبنائه ونحن قد بينا في أبواب النصوص على الأئمة أن أصحاب الأئمة لم يكن أحدهم يعرف هذه الأخبار المختلقة والموضوعة ولم يعرفوا أسماء الأئمة الإثني عشر باسمهم ورسمهم . حتى أن كل واحد منهم كان يلح في سؤال إمامه عن الإمام الذي يليه .
وحتى أبو هاشم هذا نفسه راوي هذا الحديث ، لم يعرف أيضاً كما ذكرنا في باب النص على أبي محمد الحسن بن علي ، وحتى بعض الأوقات الأئمة أنفسهم لم يكونوا يعرفون من سيكون الإمام بعدهم ، كما عين الإمام الصادق رضي الله عنه إسماعيل بعد نفسه وقد توفي قبل الإمام الصادق وقال الإمام : حصل البداء ! وسيكون الإمام ابني موسى وعين سيدنا الهادي أبو جعفر السيد محمد وقد توفي في زمان أبيه . وقال الإمام رضي الله عنه حصل البداء ! وسيكون الإمام ابني الآخر أبو محمد . والآن إذا سأل أحد : كيف لم ينتبه علماء الشيعة إلى اختلاق هذه النصوص ؟ الجواب : أن حب الشيء يعمي ويصم .(154/397)
ذلك أنه عندما قتل أولاد علي رضي الله عنه ظلماً ، اتجهت قلوب الناس وتأثرت عطفاً وبكاءً عليهم ، ومن جانب آخر عندما كان الحكم بيد الأمويين والعباسيين ، تنبه الناس إلى أولاد علي رضي الله عنهم وكل همهم وتفكيرهم كان منصباً لرفع ظلم الحكام عنهم ، وكانوا يأملون أن يأتي من يأخذ لأولاد علي حقهم ويكون أحسن من النظام القائم ، ولذا أصبح كل من يضع حديثاً ويختلقه باسم أولاد علي وفضلهم يقبله عامة الناس بلا شك وبدون تأمل . وعلى سبيل المثال اختلقوا أحاديث تقول إنه سوف يأتي شخص من أولاد علي في آخر الأمر وسيهدم نظم الظلم هذه ، ولأن الناس كانوا يقبلون كل حديث .(154/398)
ولذا عمد عدد من المغرضين ، والذين لا دين لهم إلى ذلك ، ووجدوا الفرصة مناسبة لهم للإيقاع وبث التفرقة بين المسلمين قدر ما استطاعوا ذلك وذلك عن طريق وضع الأحاديث المختلقة ، ولذا قامت مذاهب كثيرة نتيجة لهذه الأحاديث الموضوعة ، وللأسف صدق بعض علماء المسلمين والمذهبيين هذه الموضوعات بسبب بساطتهم وجمعوها في كتبهم ، وأكثر هذه الموضوعات وجدت في القرن الثالث الإسلامي حين كانت الدولة الإسلامية في أوجها وفي كمال قدرتها .. وكان المغرضون يحترقون حسداً مما وصلت إليه الدولة الإسلامية من ازدهار وحضارة ، ولم يجدوا بداً من تخريب ذلك فدخلوا الإسلام ظاهراً ليكيدوا له في الخفاء . وكان لهم ذلك ، وفعلاً لجأوا إلى وضع الأحاديث الكاذبة وخدعوا بعض المتعصبين مذهبياً ، فأخذ هؤلاء تلك الأحاديث ليدعموا بها مذاهبهم وظنوا صحتها بالتأويلات والتوجيهات التي لا علاقة لها بذلك ، وحتى لو كانت باطلة بطلاناً محضاً . ومن جهة أخرى فقد كان تسعون في المائة من هذه الأحاديث مخالفة للقرآن ، ونحن لا نظن أن الله يغفر لهذه الفئات التي أوجدت التفرقة وقامت على العناد والجهل ، وكان من جراء ذلك قيام مذاهب لا تتفق أقوال أتباعها وأقوالهم مع القرآن ، وليس في القرآن أي ذكر لها ، وقد كانوا يعتبرون كل ما لم يعتبره الله ورسوله من أركان الدين وأصوله ، نقول : كل ذلك كانوا يعتبرونه من الأصول والأركان فجاؤوا من ذلك بدين جديد .(154/399)
وعلى سبيل المثال : لقد اختلقوا ألوف الأحاديث ، والمعجزات لإثبات الإمام المنصوص عليه ، وصاروا يعدون إنكارها كفراً ، ويعدون الخرافات والأكاذيب المختلقة حجة .. مع أن الله تعالى نفى أية حجة بعد رسله كما في سورة النساء : الآية 561 ولكن صانعي المذاهب يقولون قال الإمام : ( أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا ؛ فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم ) وبهذه الواسطة جعلوا مختلقات الأموات من العوام حجة لشعبنا ومصدراً لاستعباده !.
أما الحديث الثاني : فهو الحديث الأول نفسه ، وقد روي عن البرقي وأبي هاشم الجعفري نفسهما ، والمتن واحد .
وأما الحديث الثالث : فهو حديث لوح جابر ، وله أهمية كبيرة عند الإمامية والشيعة وعلاقتهما كبيرة به مع أنه لا اعتبار له من حيث السند والمتن معاً ، ونحن قد بينا بطلانه في كتابنا « الخرافات الوفور في زيارات القبور » من ص 761 إلى ص 081 وبينا كذبه ، وأوردنا ستة وعشرين نقداً لمتنه . ولأن الشيعة تعظم هذا الحديث كثيراً ، لذا نذكر هنا ما ذكرناه في الكتاب الآنف الذكر بشأن هذا الحديث .
إعلم أن جابراً الأنصاري كان من أصحاب رسول الله ^ وكان حسن السمعة ، ولأنه كان حسن السمعة فقد نقل أحد علماء الرجال عن سفيان الثوري أنه قال : وضع باسمه ثلاثون ألف حديثاً ولم يكن يعرف هو نفسه شيئاً عنها ( أي جابر ) ولسوف يتبرأ ذلك الرجل المكرم من هذه الأحاديث المكذوبة المنسوبة إليه .(154/400)
يقول المؤلف : إذا كان قد وجد في عصر سفيان الثوري ، قبل ألف وثلاثمائة سنة من قام بوضع هذا العدد الضخم من الأحاديث ، فبعد هذا يكون من باب أولى وضع أكاذيب كثيرة باسمه وتنسب إليه ، ومن جملة هذه الموضوعات هذا الخبر الذي روي في هذا الباب من الكافي . وروِي هذا الخبر في كتاب إكمال الدين للشيخ صدوق وأيضاً في كتاب إثبات الهداة للشيخ حر العاملي وكذلك في كتاب عيون أخبار الرضا وفي سائر كتب الشيعة أيضاً ، ويظهر الكذب المزيف بوضوح بيّن في سنده ومتنه ونحن نورد الخبر بتمامه كما نقله الكليني ثم ندرسه :
روى محمد بن يحيى ، ومحمد بن عبدالله عن عبدالله بن جعفر ، عن الحسن بن ظريف ، وعلي بن محمد ، عن صالح بن أبي حماد ، عن بكر بن صالح ، عن عبدالرحمن بن سالم ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله رضي الله عنه قال : قال أبي لجابر بن عبدالله الأنصاري إن لي إليك حاجة ، فمتى تجد وقتاً مناسباً أخلو بك فأسألك عنها . فقال جابر : أي وقت من الأوقات تحب فأنا حاضر ، فخلا به في يوم من الأيام . فقال له : يا جابر أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد أمي فاطمة عليها السلام بنت رسول الله ^ ، وما أخبرتك به أمي أنه مكتوب في ذلك اللوح . فقال جابر : أشهد بالله ، أني دخلت على أمك فاطمة عليها السلام في حياة رسول الله ^ ، فهنأتها بولادة الحسين ، ورأيت في يديها لوحاً أخضراً ظننت(154/401)
ونحن نقول : هذا حسن لقد امتحن كل واحد من أصحاب الأئمة حتى وصلوا إلى الشقاوة أو السعادة فلماذا لم يظهر بعد ، الإمام المنتظر وإذا كان سوف يظهر بعد ألف وأربعمائة سنة فماذا ينفعهم ظهوره . وإن امتحان الله عباده يكون لكمالهم ونضجهم هم ويكون الامتحان كما قال القرآن بالشدة والخوف ... { ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال ، والأنفس والثمرات وبشر الصابرين } ولا يتعلق الامتحان أصلاً بغيبة الإمام أو ظهوره وقد كان الامتحان قبل أن تكون الأئمة وسوف يبقى حتى بعد ذهاب الأئمة .
فلا ينحصر الامتحان بغيبة أحد أو إمام ولا معنى لذلك أصلاً ، نعم أحد وسائل الامتحان هو وجود الولي العادل أو الظالم ولكن الكليني قصر الامتحان على عدم وجود الإمام وغيبته فقط .
[ باب : أنه من عرف إمامه لم يضره تقدم هذا الأمر
أو تأخره ]
روى في هذا الباب سبع روايات عد المجلسي ست منها ضعافاً وعد السابع مجهولاً وفيه رواة معيوبين كحزير ومحمد بن جمهور الكذاب الغالي ، وكعلي بن أبي حمزة البطائني الواقفي .
وأما متنها ففيه إشارة إلى معرفة الإمام ولكن لم يبين لماذا يعرف الإمام كل شيء ؟ هل الإمام من أصول الدين أو فروعه أم الإمام تابع للإسلام ، سئل الفضيل بن يسار عن الآية 17 من سورة الإسراء ، قال الله فيها : { يوم ندعو كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرؤون كتابهم ولا يظلمون فتيلاً } .
ولا ندري ماذا يريد الفضيل أن يقول بشأن هذه الآية والإمام لم يبين أيضاً ما هو الإمام ومن هو ؟ قال فقط : إعرفه وإذا عرفته فلا يضرك تقدم ظهوره أو تأخر ، ولقد كان الفضيل هذا من صانعي الأئمة وأراد أن يقول أن كلمة الإمام ذكرت في هذه الآية للولي .(154/402)
ولكنه ما عرف أنه قد ورد في لسان العرب والمسلمين أن الإمام يطلق على الكتاب وكذلك لصحائف الأعمال وللوالي كذلك ويقال للذي يهدي الناس أو يضلهم ويقال للأم أيضاً كما ذكر الطبرسي ذيل هذه الآية وهذه المعاني .
وقد أطلق القرآن كلمة الإمام على هذه المعاني ولكن الفضيل لم ينتبه ولم يبين له الإمام أيضاً ما هو وجه الصواب . ترى من هو المقصود من كلمة الإمام في هذه الآية ؟ وتجب استخراج معنى كلمة الإمام هنا من القرائن المرافقة للكلمة .
وعلى سبيل المثال في هذه الآية المقصود من كلمة الإمام هو كتاب الأعمال أو كتابهم الديني بدليل ما جاء في نهاية الآية : { فأولئك يقرؤون كتابهم } والأخبار التي تقول : ( من مات وليس له إمام فميتته ميتة جاهلية . أو مات ولم يعرف إمام زمانه فقد مات ميتة الجاهلية ) ونرى أن المقصود من كلمة الإمام في هذه الأخبار هو القرآن ، وقد أطلقت كلمة الإمام كثيراً على القرآن في كلمات الرسول ^ وكذلك في كلمات الأئمة ومنه سيدنا الأمير رضي الله عنه في نهج البلاغة ، وخاصة في الروايات التي قد وردت كلمة ( لم يعرف ) لأن المعرفة بشيء تعني العلم به ومعرفته وفهمه بشكل حسن وإدراكه ويصح هذا بشأن الآيات القرآنية .
أما الإمام الغائب فكيف تمكن معرفته ؟ وعلى كل حال فمع أن المقصود من الإمام لم يظهر في هذه الروايات نفسها ولكن بالقرائن العقلية يمكن القول بأن كتاب الله هو المقصود ، وهو في زماننا القرآن الكريم وكل من لم يطلع عليه ولم يعرف ما يحتويه يكون كافراً ككفار الجاهلية بل أسوأ منهم لأنهم كانوا إذا استغاثوا بغير الله في دعائهم وتوسلوا بكبرائهم فإنه لم يكن لهم كتاب ولا هداية ، ولكن المسلمين علمهم كتابهم مائة مرة أن لا يستغيثوا بغير الله ولا يجعلوا أحداً غيره حاضراً وناظراً .(154/403)
ولكن لم يستمع هؤلاء لذلك وكأنه لا علم لهم فهم أسوأ بذلك وأدنى من كفار الجاهلية ، ومع هذا يمكن أن يقول أحد أيضاً : من هو المقصود من هؤلاء في تلك الروايات ، أهو الإمام البشري ؟ وفي الجواب لا بد أن نقول أنه هل يمكن أن تكون معرفة بشر تابع للدين أشد ضرورة من معرفة الدين نفسه والقرآن ، ذلك أنه إذا لم يطلع على القرآن أحد صار من غير الممكن أن نعرف التابع من المتبوع . ثم إذا كان القصد من معرفة الإمام هو أنه أصل الدين أو فرعه أو أحد المؤثرات في الكون فهذا هو عين الكفر والشرك أو بالتالي فإن التغاضي عنه من أكبر أسباب السعادة والنجاة .
[ باب : من ادعى الإمامة وليس لها بأهل ومن جحد الأئمة
أو بعضهم ومن أثبت الإمامة لمن ليس لها بأهل ]
روى إثني عشر حديثاً في هذا الباب في ذم الذين يدعون الإمامة وليسوا لها بأهل وفي ذم الذين ينكرون الإمام الحق ولكن لم يتبين من هذه الأحاديث ما هي أهلية الإمامة ، وإذا كان القصد من الإمام هو والي المسلمين فهي لم تبين ما الذي يشترط في الإمام ؟ فلا فائدة إذن من الروايات المبهمة .
وأما إسنادها ورواتها فقد قال المجلسي بضعف أحد عشر حديثاً منها وجهالتها لأن رواتها معلومي الحال كمحمد بن سنان الكذاب المشهور ومن الغلاة والآخر أبو سلام وأبو وهب كلاهما مجهولان ، ومحمد بن الجمهور أيضاً أحد الرواة من الكذابين الوضاعين وحاله معلوم ... وهكذا ...
وأما المتون : علاوة على الإبهام وقلة الفائدة ففيه إشكال آخر وهو أنه خصص الآية بالأئمة علماً بأنها عامة ولا علاقة لها بالإمامة كالآية 06 من سورة الزمر : { ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين } ولأنها نزلت في مكة فهي تتعلق بكل من يتكبر ويجعل دينه وسلوكه منسوباً إلى الله سواء إماماً كان أو مأموماً أو لا أحد منهما !.(154/404)
ذلك أنه في مكة لم يكن هناك إمام وإمامة وكذلك في سورة الأعراف الآية 82 : { وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن لله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون } والمتفق عليه أن هذه السورة مكية وتتعلق الآية بكل ما يعمل السوء ويعتبره جبراً إلهياً ولا يتعلق هذا بمدعي الإمامة ، وكذلك تمسك بالحديث 11 في تفسير الآية من 561 حتى الآن 761 من سورة البقرة : { ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله ، والذين آمنوا أشد حباً لله } وهذه الآية أيضاً عامة ولا تختص بمحبة الإمام الحق أو الباطل ، ولكن هؤلاء الرواة تلاعبوا بالآيات بقدر ما وسعهم وباسم الإمام وتحت ظل النفاق ونشروا أوهامهم !.
[ باب : من مات وليس له إمام من أئمة الهدى
وهو من الباب الأول ](154/405)
روى هنا أربعة أحاديث ضعف المجلسي ثلاثة منها . والحديث الرابع خبر أحاد ولا يمكن الاعتماد عليه والاحتجاج به في العقائد خاصة إذا كان رواته من أمثال عبدالكريم بن عمرو الواقفي الغالي مرجع الغلاة وعابدي الأئمة وكمالك بن عامر المهمل والمجهول ـ على كل يقول رسول الله ^ من مات وليس له إمام فقد مات ميتة جاهلية ـ والقصد من هذا الحديث هو الإمام الذي جعله الله هادياً ، وليس للمسلمين إمام معين صرح القرآن بكونه هادياً غير القرآن نفسه ... لأنه قد وردت آيات كثيرة أن القرآن هو سبب الهداية ومنها الآية 2 من سورة البقرة : { ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين } وجعل أتباعه هم المفلحون { أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون } وقد انحصرت الهداية بالقرآن في الآية 021 حيث قال تعالى : { قل إن هدى الله هو الهدى } وفي الآية 951 جعل كل من يكتم هدى الله وبيانه ملعوناً . وقال : { إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون } والكتمان هو خلاف البيان فيجب أن تتلى آيات القرآن على الناس علناً لأنها بيان للعموم كما جاء في سورة آل عمران الآية 831 وقال : { هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين } وقال في سورة البقرة الآية 581 : { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان } وقال في سورة النمل الآية 98 : { ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين } وجعل الله القرآن إماماً بعد التوراة وقال في سورة الأحقاف الآية 26 : { ومن قبله كتاب موسى إماماً ورحمة وهذا كتاب مصدق لساناً عربياً } ومئات الآيات الأخرى .(154/406)
والآن إذا لم يقبل الرواة الغلاة المجهولون آيات القرآن ويتركوا الإمام الموهوم ، وظلوا يعتبرون كل من يتبع القرآن بلا إمام ميتته ميتة جاهلية فإنهم لم ينصفوا إطلاقاً . حيث يقول سيدنا الأمير رضي الله عنه نفسه في الصحيفة العلوية في دعائه بعد التسليم من الصلاة : ( أشهد أن رسولك نبي وأن الكتاب الذي أنزل إليه إمامي ) .
ويقول في الخطبة 541 من نهج البلاغة بعد مدح القرآن ( كأنهم أئمة الكتاب وليس الكتاب إمامهم ) .
بناءً على هذا ، هؤلاء الرواة الضالون الغلاة الذين يريدون أن يجعلوا اتباع القرآن يعني المؤتمين به من أتباع الجاهلية والباطل ، وهم أنفسهم أضل من كل ضال ويدعون كذباً أنهم مؤتمون بعلي وأنه إمامهم كذباً وافتراءً ، لأن إمام سيدنا علي كان هو القرآن ويجب كذلك أن يكون إمام أوليائه الصادقين أيضاً هو القرآن .
ويمكن أن نقول أن رسول الله ^ قصد من هذا أن على المسلمين أن لا يختاروا إماماً ظالماً فاسداً عندما يختارون الوالي للمسلمين ولا يسلطوا على المسلمين مجهول حال . والأخبار التي تقول ( بني الإسلام على خمس الصلاة والزكاة والحج والجهاد والولاية وما نودي بشيء كما نودي بالولاية ) . لأن الأربع الأخرى تكون بوجود الوالي الحسن الذي يجري أحكام الإسلام ، أعني التأكيد على الوالي المسلم أكثر من غيره لأن تنفيذ جميع أحكام الإسلام منوط بالحاكم الصالح . كما قال الإمام الباقر رضي الله عنه ( بني الإسلام على خمس أشياء : الصلاة والزكاة والحج والولاية وأفضلهن الولاية لأنها مفتاحهن ، والوالي هو الدليل عليهن ) .
[ باب : فيمن عرف الحق من أهل البيت ومن أنكر ](154/407)
روى ثلاثة أحاديث في هذا الباب عن رواة سمعتهم سيئة كعلي بن الحكم الذي روي في باب فضل القرآن حيث إدعى أن إحدى عشر ألف آية من القرآن سرقت ولم يعلم بها أحد سواه ، وكعلي بن محمد الوشاء وربعي بن عبدالله حيث كانوا جميعاً من غلاة المذهب ويقولون بتحريف القرآن ، ولذا ضعف المجلسي الحديث الثاني والثالث . وأما متونها : قال الأئمة : كل من هو من آل بيت الرسول سواء كان عارفاً للحق أو منكراً له فله الأجر أو عليه العقاب ضعفين : هذا حق ولكن لا يتعلق بالأئمة الإثني عشر كما جاء في رواية الحديث الأول من هذا الباب بشأن الحسين بن علي شهيد الفخ أنه وأهل بيته من أهل الجنة وأنهم ليسوا كسائر الناس يعني لا يتساوون معهم في شيء ، قال الله في أزواج النبي ^ في القرآن :
{ يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيراً ، ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل عملاً صالحاً نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقاً كريماً } .
[ باب : ما يجب على الناس عند مضي الإمام ]
روى ثلاثة أحاديث لتحدد الواجب على الناس بعد موت الإمام ولكن لم يعين التكليف المعقول بهذا الشأن ، وقد ورد في الحديث الذي روي عن سيدنا الأمير حيث حدد فيه واجب المسلم بعد موت الوالي والإمام وقال : ( والواجب في حكم الله وحكم الإسلام على المسلمين بعد أن يموت إمامهم أو يقتل ضالاً كان أو مهتدياً مظلوماً أو ظالماً أن يعملوا عملاً ولا يحدثوا حدثاً ولا يقدموا يداً ولا رجلاً ولا يبتدئوا بشيء قبل أن يختاروا لأنفسهم إماماً عفيفاً عالماً ورعاً عارفاً بالقضاء والسنة ) وقد كتب سيدنا الأمير هذا إلى معاوية فيرجى الرجوع إلى الكتاب ( دراسة في نصوص الإمامة ص 86 باللغة الفارسية ) .
[ باب : في أن الإمام متى يعلم أن الأمر قد صار إليه ](154/408)
روى في هذا الباب ستة أحاديث ، ثلاثة منها لا تتعلق بالباب والثلاثة الأخرى المتعلقة بالباب تقول بإلهام الإمام التالي وبعلمه للغيب وتصفه بالتواضع . وفي الجواب نقول : إذا كان الإمام في هذه الأخبار بمعنى الوالي فلا معنى لذلك ولا مفهوم للإلهام لدى الناس عامة وإلا لا دعى عن إنسان ذلك ثم لا يكون ذلك حجة على الناس بل يجب على الناس أن يختاروا إماماً عالماً يعمل بكتاب الله وسنة الرسول سواء كان مطلعاً على موت الإمام السابقة أم لا !.
[ باب : حالات الأئمة رضي الله عنهم في السن ]
يريد الكليني أن يثبت الإمامة والحجية في هذا الباب للطفل الذي يعده إماماً وهو ابن يوم أو ابن سنة .
ونقل روايات قاس فيها الإمام على سيدنا عيسى وسيدنا يحيى عليهما السلام مع أن القياس ( وخاصة في المذهب الشيعي باطل ) وخصوصاً في الأمور العقدية الأصولية وإذا كان عندهم القياس في الفروع باطلاً فكيف يصح في الأصول لا سيما القياس الذي يرد في روايات كرواية سهل بن زياد الكذاب وآخرين مجهولين وقد عد المجلسي خمس من روايات هذا الباب ضعيفة ومجهولة .
إضافة إلى أنه يجب على الإمام كالمأموم أن يطلب العلم لأنه لا يوحى إليه ، والطفل الحديث الولادة لا علم له ولا معرفة وقد قال الله في سورة النحل الآية 87 : { والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا } فأي إمام هذا إلا الإمام المكذب بالقرآن ؟ وهل الإمامة لعبة الأطفال ؟ يرجى الرجوع إلى باب الإشارة والنص على صاحب الدر للتفصيل .
[ باب : أن الإمام لا يغسله إلا إمام من الأئمة ]
روى هنا ثلاثة أحاديث يعدها المجلسي كلها ضعيفة ، وكيف يثبت شيء من هذه الأحاديث ورواتها كلهم من الضعفاء والغلاة ؟ ثم هل يمكن القول أن كل من لا يقبل هذه الأحاديث فهو كافر من أهل الباطل ؟ لا والله .(154/409)
روى في هذا الباب ثلاثة أحاديث عن أشخاص سيئي السمعة كمحمد بن الجمهور الفاسق الذي كان يروّج الكفر والفسق بأشعاره ، ويونس بن يعقوب الفطحي المذهب وكان من الكذابين أو يونس بن ظبيان الغالي الوضاع ولعنه سيدنا الرضا رضي الله عنه . والحال أن متون هذه الروايات لا تتفق مع التاريخ .
لأن ساداتنا الرضا وموسى بن جعفر والإمام الحسين توفوا وقت لم يكن أولادهم حاضرين في غسلهم . ويمكن أن يقول أحد القصاصين أن سيدنا الجواد والسجاد جاء من المدينة إلى خراسان أو كربلاء بطيّ الأرض .
ونقول في الجواب أن رسول الله ^ وهو أعلى مقاماً من جميع الأئمة عندما أرادوا قتله في مكة هاجر ماشياً حافياً ولم تكن له معجزة طي الأرض .
ثانياً : أن معجزة التصديق الإلهي لمقام النبوة إنما هي لمنكري النبوة ... فما معنى طي الأرض هنا ؟ ولمن ومن رآه وأثبته ؟ فضلاً عن هذا فلا فرق بين غسل الإمام وغيره وهو واجب كفائي على المسلمين الحاضرين لا الغائبين !.
[ باب : مواليد الأئمة رضي الله عنهم ]
روى ثمانية أحاديث في هذا الباب وعد المجلسي خمسة منها ضعيفة واثنين منها مجهولين ومرسلين وفيه رواة سيئي السمعة كمحمد بن سليمان الديلمي الكذاب الضعيف المغالي وعلي بن أبي حمزة البطائني رأس السلسة الواقفية الذي اختلس أموال سيدنا موسى بن جعفر وكان من أعداء الأئمة .
هذا الصنف من الرواة نقلوا خرافات عن ولادة الأئمة خلافاً للعقل والقرآن وفيها يقول الحديث الأول قال الإمام : لما أن كانت الليلة التي علق فيها ابن في رحم أمه أتاني آتٍ بكأس فيها شربة أرق من الماء وألين من الزبد وأحلى من الشهد وأبرد من الثلج وأبيض من اللبن فشربت فجامعت فعلق ابني هذا المولود وكتب على ساعده الأيمن وهو في بطن أمه الآية : { وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم } .(154/410)
ثم إذا وقع من بطن أمه وقع واضعاً يده على الأرض رافعاً رأسه إلى السماء ، فأما وضعه يديه على الأرض فإنه يقبض كل علم الله أنزله من السماء إلى الأرض وأما رفعه رأسه إلى السماء فإن منادياً ينادي به من بُطنان العرش من قبل رب العزة من الأفق الأعلى باسمه واسم أبيه فيقول : يا فلان ابن فلان ! اثبت اثبت فلعظيم خلقتك ... أنت صفوتي من خلقي وموضع سري وعيبة علمي وأميني علي وحيي وخليفتي في أرضي ... إلى آخر ما وضع هذا الوضاع العدو لله ولرسوله .
ترى لماذا لم يدع رسول الله كل ذلك لنفسه ؟ ولماذا لم تذكر في القرآن مثل هذه المميزات لرسول الله ^ بل لقد ذكر خلافها فقال حيناً { أنا بشر مثلكم } وحيناً آخر { والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً } . أما في هذا الحديث المختلق فقد كانت له العلوم كلها وهو في بطن أمه !.
إضافة إلى أنه قال : نزل ملك على الإمام ومعه الشراب ! فهل ينزل الملك على الإمام ؟!.
ولماذا لا تقولون صراحة أن الإمام أفضل من النبي لأن الإمام تنزل عليه الملائكة في عمر أقل من عمر الرسول ؟.
بعد ذلك أتى بالآية القرآنية التي نزلت في وصف إتمام القرآن وعظمته بحيث لا يمكن أحد من أن يبدل كلماته ... أتى بها بشأن ساعد الإمام ووصفه وكأنه يريد أن يتلاعب بالقرآن .
ثم جعل الإمام في الساعة الأولى لولادته موضع سر الله وحافظ علمه وخليفته ... ذلك الإمام المولود في الساعة ... وأما رسول الله ^ فهو لم يصبح موضع السر من الله إلا بعد أن بلغ الأربعين عاماً .
ثم إنه ليس لله موضع سر ولا حافظ لعلمه لأن علمه هو عين ذاته ... كما أنه ليس لله خليفة ومحال أن يغيب الله ويستخلف أحداً مكانه ـ نعوذ بالله ـ ولكن هذا الراوي الجاهل نسج ما شاء .
وقد ذكرنا ذلك في باب أن الأئمة هم خلفاء الله في الأرض فيرجى الرجوع إليه .(154/411)
ثم إنهم يذكرون في هذه الرواية أن الآية كتبت على ساعد الإمام الأيمن ولكنهم في الخبر التالي يقولون أنها تكتب بين عينيه في جبهته ، وفي الخبر السادس يقولون أن الإمام يسمع كلام الناس وهو في بطن أمه وأسوأ من ذلك كله قولهم أن الإمام وهو في بطن أمه توضع له أعمدة من النور يرى بها الناس جميعاً في كل مدينة ... وكل هذا يخالف القرآن والعقل لأن الله هو ستار العيوب ولا يطلع أحداً على أعمال عباده وكرر الله في القرآن { وكفى بربك بذنوب عباده خبيراً بصيرا } ... ترى ألم يقرأ هؤلاء القرآن ؟ وهل كان لهم دين أصلاً ؟
ثم ذكر في الخبر السابع بعد هذه الخرافة عن يونس بن ظبيان اللاديني والذي لعنه الإمام الرضا رضي الله عنه وابن الفضال الواقفي الذي كان من الكلاب الممطرة ( الذي قبل رأس الإمام ليرضيه عن هذه الكفريات هل كانت كل هذه العلوم الإلهية لآل محمد ^ ثم لم ينتبه إليها إلا عدو من هؤلاء الرواة اللادينيين ؟!.
ثم اختلق موضوعاً آخر في الخبر الثامن عن الإمام الباقر يسخر ويضحك منه أي عاقل ، فقد ذكر عشرة آيات للإمام منها مثلاً أنه لا يكون جنباً ولا يعطش وينظر من ورائه كما ينظر أمامه وتفوح من غائطه ريح المسك !!.
فهل هذه الخرافات من قول الإمام ؟ إننا لا نعتقد ذلك أبداً :
والآن ترى لماذا وضعوا مثل هذه الأخبار في أحسن كتبهم المذهبية ؟ هل يريدون تشويه صورة الإسلام بهذه الخرافات ؟ وإذا كان الإمام لا يمر بحالة الجنابة فكيف يكون منه أولاده ؟!
أما من عقل لهؤلاء الرواة ؟ وهل هذه المتاهات هي عبارة من المذهب الجعفري ؟!.
[ باب : لولا أن الأئمة يزدادون لنفد ما عندهم ](154/412)
روى عدة أحاديث في هذا الباب ، أولها ضعيف لوجود سهل بن زياد الكذاب فاسد العقيدة والأحاديث الأخرى مرسلة وأما المتن : لولا أنا نزداد ـ أي علماً ـ لأنفدنا ، وهذا لا يصح لأن الله قال لرسوله وهو أعلى من أي إمام ، في سورة الأنبياء الآية 58 : { وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً } وقال في سورة طه الآية 411 لرسوله : { قل رب زدني علماً } وعلم الأنبياء والأولياء ينفد لا محالة ، سواء يزيدونها أم لا ، أما في هذه الأحاديث ، فيقول الرواة إن علم الإمام يزداد ، إذن لا ينفد ، وهذا يخالف القرآن والعقل ، يقول الله في سورة النحل ، الآية 69 : { ما عندكم ينفد } وهولاء الغلاة يسعون إلى أن يرفعوا الإمام إلى مقام الألوهية معتبرين علمه كعلمه تعالى مع أن الأئمة اعترفوا مراراً بجهلهم في أدعيتهم ، وفي حديثين آخرين في هذا الباب استشكل الراوي أحد الأئمة فقال إن علمكم يزداد ولا يعرف ذلك عن الرسول فعلمكم يزيد عن علم الرسول ^ فأجاب الإمام ما يأتينا من العلم زيادة يعرض على الرسول ^ حتى لا يزيد علمنا على علمه ، وهنا يخبر الإمام عن عالم آخر ، مع أنه لا يعرف أحد شيئاً عن الآخرة والبرزخ إلا الله تعالى ، وبالإضافة إلى أن عالم الآخرة ليس عالم التكليف وهناك لا يعرف أحد شيئاً عن الدنيا حتى الأنبياء عليهم السلام ، يرجع إلى سورة المائدة الآية 901 .
[ باب : نادر فيه ذكر الغيب ]
جاءت في هذا الباب أربع روايات كلها متناقضة ومتعارضة مع بعضها البعض ، وهؤلاء الرواة المجهولون على حد قول المجلسي الذي عدّ الروايتين مجهوليتين ، كأنهم أعرضوا عن القرآن وأن لهم عداوة معه .(154/413)
إذ لم يقرؤوا صريح آياته ليعلموا أن الله تعالى أعلن في سورة النمل الآية 56 : { قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله } وقال لرسوله في سورة الأنعام الآية 05 : { قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب } وقال في سورة يونس الآية 02 : { فقل إنما الغيب لله } وكثير من الآيات الأخرى ، إذن ما غرض ذلك الرجل الفارسي المجهول الذي جاء ذكره في هذا الباب حين سأل الإمام : هل تعلم الغيب ؟ فأجاب الإمام يُبسط لنا العلم فنعلم ويقبض عنا فلا نعلم . وقال : سرُّ الله عزوجل أسرّه لجبرائيل وأسرّه جبرائيل لمحمد وأسرّ ، محمد من شاء الله ، لا بد أن يقال هل الله يمزح في القرآن ـ العياذ بالله ـ حيث يبسط الغيب للإمام حيناً ويعطي سره لجبرائيل ، إلى آخر الحديث أليس هذا تلاعب بكلمات الله ، وبدينه وبكتابه ؟! هل يعطي الله سره لأحد وهل أعطى محمد سر الله لمن شاء ؟! لا بد أن يوضح هنا كي يفهم الغلاة ، أن الله يكشف لرسوله المصطفى المختار الأخبار الغيبية التي لا يعرفها أحد ويطلعه على ذلك أحياناً كما جاء في سورة الجن الآية 62 : { عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسولٍ } وكما جاء في سورة هود الآية 94 : بعد بيان قصة نوح ، يقول تعالى : { تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا } وبعد أن يوح الله لبعض رسله بعض تلك الأخبار الغيبية فإن ذلك الرسول يخبر أصحابه وأمته بها ويؤمن بها الإمام والمأموم على حد سواء ، وكما قال في سورة البقرة الآية 2 و 3 : { هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب } والرسول الكريم وأصحابه وأمته الأتقياء يصدقون بذلك الغيب ويؤمنون به ويعدون من المؤمنين بالغيب ، إذن يصبح رسول الله والمتقون من أصحابه وأمته مؤمنين بالغيب لا عالمين به لأن العالم بالغيب هو الله تعالى الذي يعرف الغيب بنفسه ولم يأخذه من أحد ، على خلاف الرسول وأتباعه الذين يؤمنون(154/414)
بأخبار الغيب ، إذن العالم بالغيب هو الله وحده والمؤمنون بالغيب هم عباده المتقون ، هذا الأمر بهذا الوضوح لم يفهمه الرواة ولا الناقلون عنهم ، وكانوا لا يفكرون إلا بإغداق الصفات والخصال الخارقة للإمام وحده .
وفي الخبر الأوّل أجاب الإمام بجواب لا يتعلق بالغيب أصلاً ، وفي الخبر الثاني قال الإمام : لله علمُ مفيض بفيضه على الملائكة ولله علم موقوف عن .. ولكن ما جواب الآية : { عالم الغيب } وما هو ؟ ومن هو ؟ لم يبين ذلك ، وأما في الخبر الثالث قال صراحة : يا عجباً لأقوام يزعمون أنا نعلم الغيب ما يعلم الغيب إلا اللَّهُ عزوجل ، وسدير وأبو بصير اللذان أحبا أن يعظما الإمام ، اختلا مع الإمام بعد المجلس حيث لم يعجبهما أن يصغر الإمام نفسه بأن يقول لا أعلم الغيب وأراد منه أن يعظم نفسه قليلاً ويثني على علمه وعندها صنعا أخباراً لا توافق القرآن ومن المتأكد أن الإمام الذي يجب عليه أن يكون عالماً بالقرآن لا يقول كلاماً كهذا ، لأن هذا الإمام نفسه يقول في صدر الحديث لقد هممت بضرب جاريتي فلانة فهربت مني فما علمت في أيّ بيوت الدار هي ؟ كيف يقول في آخر الخبر أنا أعلم الغيب ويقول أفمن عنده علم الكتاب كلّه أفهم أمّن عنده بعض علم الكتاب ؟ ولما قال تعالى في سورة الرعد الآية 34 { ويقول الذين كفروا لستَ مرسلاً قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب } .(154/415)
قال الإمام والذي عنده علم الكتاب ، قد أشارت الآية إلينا ونحن الذين عندنا علم الكتاب ، والآن لا بد من أن نتأمل في هذه الآية ، هذه آية من سورة مكية ، الكفار الذين قالوا لمحمد لست مرسلاً ولست رسولاً من الله ، فأجابهم الله بجواب لا بد أن يكون مقنعاً وكافياً ، فبماذا أجاب ؟ قال : { كفى بالله شهيداً بيني وبينكم } وأمّا قوله تعالى : { الذي عنده علم الكتاب } فعلى قول الشيعة مثلاً المعنى علي أولاده رضي الله عنهم ، هل الكفار الذين لا يؤمنون للنبي يقبلون شهادة على الذي ربى في بيت النبي ولم يكن عمره يتجاوز عشر سنوات وربي في بيته وأولاده الذين لم يولدوا بعد ؟! هل شهادة هؤلاء تكفى لكفار ؟! الذين لا يقبلون كلام محمد هل يستجيبون بكلام صبي في بيته !! هل كلام الله لغو ـ العياذ بالله ـ فاعلم أن القول الصحيح أن الله قدم شاهدين لصدق رسالة محمد ^ وصحتها ، ليؤمن الكفار به ، الأول شهادته نفسه أن نزل إليه كتاب يعجز الناس كلهم عن إتيان سورة مثله والآخر شهادة الذين يعلمون التوراة والإنجيل وهم أهل الكتاب الذين رأوا اسم محمد ^ ووصفه في كتبهم ودليلنا الآيات القرآنية الأخرى ، حيث استشهد الله بشهادة علماء أهل الكتاب للكفار كالآية 791 من سورة الشعراء : { وإنه لفي زبر الأولين أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل } وقال في سورة القصص الآية 25 : { الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به أنه الحق من ربنا } وقال في سورة العنكبوت الآية 74 : { فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به } وقال في سورة الأعراف الآية 751 : { الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل } وقال في سورة المدثر الآية 12 : { ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون } وقال في سورة الأنعام الآية 02 : { الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم } وفي سورة(154/416)
التوبة الآية 641 وفي سورة آل عمران الآية 18 وفي كثير من الآيات الأخرى ، وفي غالب السور المكية وكلها شاهدة على أن المقصود من آية : { ومن عنده علم الكتاب } التي وردت في آخر سورة الرعد هم علماء أهل الكتاب ، كما جاء في هذه السورة نفسها الآية 63 : { والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك } وكل هذه الآيات تصدق وتفسر بعضها بعضاً وشهد علماء .
علماء أهل الكتاب الذين آمنوا في ذلك الزمن كما جاء في سورة المائدة الآيات 28 إلى 58 ، تتبين هذه من تفسيرهم للآية أي من هو { من عنده علم الكتاب } . هل يأتي هؤلاء الغلاة العوام ليفسروا طبقاً لرواية الكافي أن الله قال في هذه الآية أن { من عنده علم الكتاب } هو علي وبنوه ، حيث أن لهم ولاية تكوينية على العالم كله بدليل أن عندهم علم الكتاب كله ، هل يمكن أن يكون الإمام الصادق كان جاهلاً بكل هذه الآيات القرآنية فيتبع الغلاة ويقول إن الله قال لكفار أن يسألوا صبياً كان في بيت محمد وقال في الرد على الكفار أنه سيكون ولي أمر العالم صبياً . هل يعقل كل هذا ؟ فلا بد لمقلدي الكليني أن يحجموا عن تقليده .
وفي كتب مدّعي العلم في زمننا هذا دعوى لتقليد الكليني وهم يستدلون بهذه الرواية وهذه الآية . وأن علياً رضي الله عنه متصرف بالكون وأمور العالم كله . إذن نحن بناءً على قول سيدنا الرضا رضي الله عنه حيث قال في هذا الكافي نفسه في باب إبطال الرؤية : ( إذا كانت الروايات مخالفة للقرآن كذبتها ) نكذب رواية الكليني هذه .
في الحديث الرابع : من هذا الباب يقول عمار ساباطي الفطحي المذهب : سألت الإمام هل يعلم الغيب . فقال لا . ولكن إذا شاء أن يعلم فإن الله يعلمه .(154/417)
لا بد أن يقال لهذا الراوي الكذاب : أيظهر من كلامكم أن الله عندما قال : { لا يعلم الغيب إلا الله } وحصر علم الغيب بهه وحده ... كان هذا باطلاً ـ والعياذ بالله ـ وأن الإمام وحده يمكن له أن يعلم الغيب . ثم هل يوحى إلى الإمام ... فإن كان يوحى إليه فلماذا قال سيدنا أمير المؤمنين رضي الله عنه ( ختم بمحمد الوحي ) ، ثم هل يتبع الله الإمام ويطيعه ليعلم الإمام كلما شاء الإمام نفسه !!.
[ باب : أن الأئمة يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى
الملائكة والأنبياء والرسل عليه السلام ]
ذكر في هذا الباب رواة كذابين وفاسدي العقيدة كسهل بن زياد وعلي بن أبي حمزة البطائني الواقفي الذي إختلس ألوف الدنانير من الإمام موسى بن جعفر رضي الله عنهم وأمثال هؤلاء زعموا أن الإمام يعلم جميع ما تعلمه الملائكة والأنبياء والرسل ، دون أن يسألهم أحد عن فائدة هذه العلوم ؟ وإذا كان الإمام عارفاً كل هذه العلوم فلماذا لم يسخر الجن والإنس ليقيم حكومة عادلة وإذا كان يعرف منطق الطير فإن عليه أن يكشف علوماً مفيدة ، وإذا كان يعرف فوائد الأشجار فإن عليه أن يبين خواصها وإذا كان يعرف الجراثيم فإن عليه أن يكشف الأمراض كباستور وأمثاله ، وإذا كان يعرف الكهرباء فلماذا لم يسخره ، وإذا كان يعرف الطباعة فلماذا لم يصنع مطبعة لينشر حقائق الإسلام ، لتزول كل هذه الخرافات والفرق المتمثلة بالإسلام ، وإذا كان يعرف علوم الكون والصناعات فقد كان عليه أن يصنع سفينة فضائية ويصنع الإذاعة والتلفاز وهكذا ... لماذا لم يفعل كل ذلك وترك المجال لكفار أروبا يكشفون كل ذلك ؟! وإذا كان يعرف هذه العلوم ولم يبينها فلا بد أنه كان بخيلاً ، وكان يضنٌ بها على الأمة ، إن المرء ليحار في أمر هؤلاء الجهال الذين انحصر همهم في الغلو بحق الإمام والمغالاة بأوصافه .
[ باب : في أن الأئمة إذا شاؤوا أن يعلموا علموا ](154/418)
روى في هذا الباب ثلاثة أحاديث عن رواة كذابين ، كسهل بن زياد ، حيث قال : إن الإمام إذا شاء أن يعلم فإن الله يعلمه .
هذه الأخبار تخالف العقل والقرآن ، لأن مشيئة الله وإرادته ليستا تبعاً للإمام فيعلم متى شاء ذلك . بل ليس هذا تابعاً حتى لمشيئة الرسل فقد دعي الرسل ولم يجبهم الله تعالى إلا عندما شاء هو ذلك .
قال الله تعالى في سورة الدهر في الآية 03 : { وما تشاؤون إلا أن يشاء الله } . وقال في سورة التكوير الآية 92 : { وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين } .
يقول الله تعالى في هاتين الآيتين أن مشيئتكم تابعة لمشيئة الله ولا بد من أن تطلبوا الهداية والتوفيق منه . ونحن قد أردنا لكم الاختيار والمشيئة .
ويقول الإمام الصادق في دعائه : يا من يفعل ما يشاء ولا يفعل ما يشاء غيره .
إذن روايات هذا الباب تخالف العقل والقرآن معاً ، لأن أي عقل سليم لا يمكن أن يدعي في أن الله تابع لعبده إلا عقول الغلاة الجهال الكفرة .
[ باب : أن الأئمة يعلمون متى يموتون
وأنهم لا يموتون إلا باختيار منهم ]
هذا الباب الذي خالف القرآن صراحة جاء فيه عدة أحاديث وهي كلها إما ضعيفة أو مرسلة ، وعد المجلسي منها سبعة مرسلة وضعيفة ، ونحن نعجب فأي كتاب هذا الذي يسعى في جمع أخبار أكثرها تخالف القرآن أو تغالي في تعظيم الأئمة ، وكأن هؤلاء يعتبرون قول سلمة بن الخطاب المغالي وسهل بن زياد الكذاب وأمثالهما خير من قول الله تعالى .(154/419)
وروى في هذا الباب في الحديث الأول عن سالمة بن الخطاب المغالي وعبدالله بن القاسم البطل وهو أيضاً من الغلاة ومن الكذابين . إن كل إمام لا يعلم ما الذي سوف يحدث له وما يؤول إليه فهو ليس بإمام ولا حجة . مع أن الله تعالى قال لرسوله ^ في سورة الأحقاف الآية 9 : { قل ... وما أدري ما يفعل بي ولا بكم } هل يعقل أن رسول الله الذي يوحى إليه لا يدري ما يفعل به وما يحصل له في حين أن الإمام الذي لا يوحى إليه يعلم ذلك .. أي دين هذا الذي اختلقه الغلا ؟!.
جاء في هذا الباب : قال الإمام أنا أعلم متى أموت ، ولكن الله قال في سورة لقمان الآية 43 : { وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت } وقال أمير المؤمنين في نهج البلاغة في خطبة 741 قبل وفاته وبعد أن أصابه ابن ملجم : ( أيها الناس كل امرئ ملاق ما يفر منه في فراره ، والأجل مساق النفس والهرب منه موافاته . كم أطردت الأيام أبحثها عن مكنون هذا الأمر فأبى الله إلا إخفاءه . هيهات علم مخزون ) وقال في هذه الخطبة بناء على آيات القرآن أن لا علم لأحد بوقوع الموت وكذلك قرأ في خطبته 821 الآية 43 من سورة لقمان .
{ إن الله عنده علم الساعة ينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت } ويقول بعد ذلك فهذا من علم الغيب الذي لا يعلمه أحد إلا الله . وهذا الغيب الذي لا يعلمه أحد إلا الله ولا يعلمه نبي ولا وصي . ويقول في رسالته 32 بعد أن جرحه ابن ملجم حيث لا علم له بموته : ( إن أبق فأنا وليُّ دمي وإن أفن فالفناء ميعادي ) . وفي رسالته المعروفة لمالك الأشتر النخعي ( الرسالة 25 من نهج البلاغة ) وبما أنه لم يكن يعلم وقت موته يقول : ( وأنا أسأل الله سعة رحمته ... أن يختم لي ولك بالسعادة والشهادة ) .(154/420)
وكان في دعواته دائم الخوف طالباً للشهادة كدعائه في خطبة 32 من نهج البلاغة ، وكذلك في دعائه في حرب صفين قبل أن يرفع معاوية المصاحف على السيوف قال : ( فإذا كان ما لا بد منه الموت فاجعل منيّتي قتلاً في سبيلك ) . وكذلك في دعائه في صفين : ( وإن أظفرتهم علينا فارزقنا الشهادة ) وكذلك في سائر دعواته رضي الله عنه ) .
إذن يتبين طبقاً لكلام الله ورسوله وأمير المؤمنين أنه لا علم لأحد بوقت موته سواء في ذلك الإمام أو المأموم ، والناس في الإسلام سواء لا فرق بين إمام ومأموم فهو ليس ديناً عنصرياً .
علماء أهل الكتاب الذين آمنوا في ذلك الزمن كما جاء في سورة المائدة الآيات 28 إلى 58 ، تتبين هذه الحقيقة من تفسيرهم للآية أي هو { من عنده علم الكتاب } . هل يأتي هؤلاء الغلاة العوام ليفسروا طبقاً لرواية الكافي أن الله قال في هذه الآية أن { من عنده علم الكتاب } هو علي وبنوه ، حيث أن لهم ولاية تكوينية على العالم كله بدليل أن عندهم علم الكتاب كله ، هل يمكن أن يكون الإمام الصادق كان جاهلاً بكل هذه الآيات القرآنية فيتبع الغلاة ويقول إن الله قال لكفار أن يسألوا صبياً كان في بي محمد وقال في الرد على الكفار أنه سيكون ولي أمر العالم صبياً . هل يعقل كل هذا ؟ بما سيجيب الكليني ورواته الله تعالى يوم القيامة حين يسألهم عن تلاعبهم بآيات القرآن إلى هذا الحد . فلا بدّ لمقلدي الكليني أن يحجموا عن تقليده .
وفي كتب العلم في زمننا هذا دعوى لتقليد الكليني وهم يستدلون بهذه الرواية وهذه الآية .
وأن علياً عليه السلام متصرف بالكون وأمور العالم كله . إذن نحن بناءً على قول سيدنا الرضى عليه السلام حيث قال في هذا الكافي نفسه في باب إبطال الرؤية : ( إذا كانت الروايات مخالفة للقرآن كذبتها ) فهو يكذب رواية الكليني هذه .(154/421)
في الحديث الرابع : من هذا الباب يقول عمار ساباطي الفطحي المذهب : سألت الإمام هل يعلم الغيب ؟ فقال : لا . ولكن إذا شاء أن يعلم فإن الله يعلمه .
لا بد أن يقال لهذا الراوي الكذاب : أيظهر من كلامكم أن الله عندما قال : { لا يعلم الغيب إلا الله } وحصر علم الغيب به وحده . كان هذا باطلاً ـ والعياذ بالله ـ وأن الإمام وحده يمكن له أن يعلم الغيب .
ثم هل يوحى إلى الإمام .. فإن كان يوحى إليه فلماذا قال سيدنا أمير المؤمنين عليه السلام ( ختم بمحمد الوحي ) ، ثم هل يتبع الله الإمام ويطيعه ليعلم الإمام كلما شاء الإمام نفسه .
أما الكليني ورواته فخلافاً للقرآن والعقل وقول سيدنا الأمير رضي الله عنه يريدون أن يجعلوا الإمام عالماً بوقت موته . أليس هذا الإمام الذي يقولون عنه بأنه يعلم وقت موته ، أليس هو من الذين يتبعون القرآن أم لا علم له بالقرآن ، أم أنه جاء بمذهب جديد . أم ترى أن الرواة يكذبون عليه .
وفي الحديث الثاني نقل عن شيخ مجهول من وعاظ السلاطين دخل السجن بدعوة من السندي بن شاهك رئيس شرطة هارون الرشيد ، ونقل عن موسى بن جعفر رضي الله عنه قوله : أني أموت بعد غد . فهل كان موسى بن جعفر جاهلاً بالقرآن وصادقاً في حدسه أم أن هذا الشيخ كان يكذب فيما قاله .(154/422)
وفي الحديث الرابع : سأل حسن بن الجهم ـ والله يعلم هدفه ـ سأل الإمام ، بل لقد ذكر الأشياء التي سمعها من الغلاة أن أمير المؤمنين كان يعرف قاتله والليلة التي يقتل فيها ـ وسمع صياح الإوَزّ الذي كان يخبر عن موته ـ ( أي أن الإوَزّ ـ نعوذ بالله ـ تعلم الغيب وهي التي أخبرت عن موته ) وطلبت أم كلثوم إليه أن يصلي في البيت ولكن سيدنا الأمير لم يقبل وخرج تلك الليلة بلا سلاح مع أنه عرف قاتله من قبل سيفه وهذا ليس جائزاً له فأجابه الإمام الرضا ، نعم هكذا كان ولكن قدر الله وما شاء فعل ، وتمسك سهل بن زياد الكذاب وعدة من الرواة مثله بهذه المقولة من أن أمير المؤمنين كان يعلم بموته ، وهذا افتراء وكذب ـ نعوذ بالله ـ بدليل ما ورد في خطبة في نهج البلاغة الخطبة 741 أو في سائر خطبه حين قال بأنه لا يعلم وقت موته ، وهذا كذب على الله كذلك .
إذ أن القرآن نزل خلافاً للواقع ـ والعياذ بالله ـ بناءً على أقوالهم ، فهم يدعون أن الإمام يعلم كل شيء ولذا بناءً على رواية سهل بن زياد الفاسد المذهب لا بد أن يعلم الإمام وقت موته ، وهنا يقال :
عندما قال الله سبحانه في القرآن : { لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله } كان هناك استثناء آخر وهو أنه لا يعلم الغيب إلا الله والإوَزّ ؟!.
وفي الحديث الخامس : روى شيئاً عجيباً يخالف كل العقول ، حيث قال الإمام الكاظم أن الله غضب على الشيعة وخيرني إما أنا أفتدي بنفسي أو أفتدي بشيعتي .
لا بد هنا من طرح هذا السؤال : هل يوحى إلى الإمام ؟ ولماذا لم يغضب الله على أهل السنة مثلاً ، إضافة إلى أن الإمام أشرف من المأموم عندهم فهل يفتدى الأدنى بالأعلى ؟.
فإننا مثلاً لا نجد من يفتدي أغنامه بولده ... إلا عند علي بن إبراهيم وأمثاله من الرواة والكليني والأعجب من ذلك أنهم تمسكوا بهذا الحديث الفاضح واتخذوه دليلاً على علم الإمام بموته مع أنه لا علاقة له أصلاً بذلك .(154/423)
وفي الحديث السادس : نقل عن الإمام الرضا أنه قال لرجل يسمى المسافر : إني رأيت رسول الله في المنام ليلة أمس وقال : يا علي ما عندنا خير لك . واستدلوا بهذا على أن الإمام يعلم وقت موته . مع أن هذا القول لا يدل على ذلك إطلاقاً .
إن هؤلاء يريدون أن يثبتوا بهذه الأقوال الواهية المتحيرة أن الإمام ـ خلافاً للقرآن ـ يعلم وقت وفاته ولقد فرق هؤلاء بين القرآن وما عليه الأئمة رضي الله عنهم ، وجعلوا كلا الطريقين مخالفاً للآخر .
وكذلك في الحديث السابع : يقول : قال الإمام الباقر صاح أبو زين العابدين من وراء الجدار وقال : يا محمد تعال وعجل . واستدلوا بهذا على علم الإمام بموته أن هذا لا يدل على ذلك وهو كالخبر السابق .
وفي الخبر الثامن : روى علي بن الحكم الخرافي راوي حديث سلسلة الحمار ، وسيف بن عمير الملعون الذي لعن من قبل الأئمة على حد قول الممقاني ، أن الإمام الحسين خيّر بين أن ينتصر ويهزم حكومة يزيد وبين أن يقتل ويلقى الله . واختار الإمام الحسين القتل . بناءً على رواية هؤلاء الكذابين الوضاعين لم يقم الإمام الحسين لدفع الظلم ونشر العدالة بل قام للقتل أيضاً مع أن الإمام الصادق قال : قتل الحسين كان مصيبة فوق المصائب . ويقول سيدنا الأمير رضي الله عنه في رسالة 54 من نهج البلاغة بشأن معاوية :
( سأجهد في أن أطهر الأرض من هذا الشخص المعكوس والجسم المركوس حتى تخرج المدرة من بين حب الحصيد ) ، ويكتب لعمرو بن العاص في رسالة 93 من نهج البلاغة : ( فإن يمكن الله منك ومن ابن أبي سفيان أجزكما بما قدمتما وإن تعجزا وتبعثرا فما أمامكما شر لكما ) .
إذن بناءً على هذا إذا كان الإمام الحسين راغباً في القتل لم يصب الإمام الصادق وسيدنا الأمير رضي الله عنه ونعوذ بالله من أفكار الغلاة .(154/424)
ولا بد أن نسأل الكليني ورواته : إذا كان الإمام الحسين اختار الشهادة فما علاقة هذه بعلم الإمام رضي الله عنه بموته ؟ ثم هل يوحى إلى الإمام ؟!.
[ باب : أن الأئمة يعلمون علم ما كان وما يكون
وأنه لا يخفى عليهم شيء ]
روى في هذا الباب ستة أحاديث يعد المجلسي خمسة منها ضعيفة ومجهولة ، وأحد رواتها إبراهيم بن إسحاق الأحمر النهاوندي الفاسق والمبتدع وقد ضعفه علماء الرجال وسموه من الغلاة وقالوا في مذهبه والآخر سيف التمار الذي تخالف أخباره القرآن . والآخر أحمد بن محمد البرقي الشاك في الدين والآخر محمد بن سنان وهو من الكذابين المشهورين ومن الغلاة والآخر يونس بن يعقوب الفطحي المذهب والآخر سهل بن زياد الكذاب .
ماذا يتوقع من رواه كهؤلاء سوى ضرب الإسلام والكيد له والغلو في أشخاص ذوي سيرة حسنة لاصطياد السمك في الماء بعد تعكيره بترهاتهم .
روى هؤلاء عن الإمام الصادق في الحديث الأول : أن جماعة من الشيعة أتوا إلى الإمام ـ والله أعلم أنهم كانوا من هؤلاء الغلاة ـ قال سيف التمار عن الإمام : لقد جعلوا علينا جاسوساً ـ وربما كان هذا سيف التمار نفسه ـ ولكن سيفاً يقول نظرنا يميناً وشمالاً فلم نر أحداً . وقلنا : لا يوجد جاسوس . فتبين لنا أن الإمام تكلم خلافاً للواقع وبلا علم . فحلف الإمام ثلاث مرات برب الكعبة بأنه أعلم وأزكى من موسى والخضر عليهما السلام فهما قد أعطيا علم ما كان ولم يعطيا علم ما سيكون وما هو كائن إلى يوم القيامة ولكنه ( أي الإمام ) أعطي ذلك إرثاً عن رسول الله .
لا بد أن نسأل سيف التمار :
أولاً : إن الإمام الذي لم يعلم شيئاً عن أصحابه وتكلم على خلاف الواقع بأن هناك جاسوساً مع أنه لم يكن ثمة جاسوس فأنى لذلك الإمام أن يعلم ما كان وما سيكون إلى يوم القيامة .
ثانياً : قال رسول الله ^ : « علامة الكذب كثرة الحلف » فلماذا إذاً يحلف الإمام ثلاث مرات بأنه أعلم من موسى .(154/425)
ثالثاً : من أين عرفتم أن موسى والخضر كان لهما علم ما كان ، وموسى نفسه لم يدع هذا ، ولم يعلم بما كان حين وجوده في الطور ولم يعرف عن عبادة قومه للعجل . فيقول له الله تعالى : { قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري } ولما رجع من الطور ووجد أن قومه قد فتنوا بالشرك غضب جداً وقال لهم : { بئسما خلفتموني من بعدي } حتى أنه لم يعلم أن أخاه لم يقصر في نصحهم فأخذ بلحيته ورأسه ولم يعرف أنه منعهم من عبادة العجل حتى قال له هارون : { إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء } ثم اختار موسى من قومه سبعين رجلاً لميقات جبل الطور ولكنهم جميعاً كانوا ممن غضب الله عليهم .
وأمثال هذا كثير ... ويستفاد من القرآن الكريم أنه عليه السلام لم يعلم بما كان .
رابعاً : إن العلم لا يورث إلا عند الرواة القائلين بالخرافة .
خامساً : قال الله تعالى مراراً لرسوله في القرآن الكريم : { قل ما أدري ... وما أدراك ... إن أدري ... وما كنت تدري ... لا تدري ... ما يدريك } . ومع كل ذلك كيف يمكن الادعاء أن الرسول علم ما كان وما سيكون فضلاً عن أن يورث ذلك لغيره . وحتى رسول الله ^ عندما كان يسأل عما لا يعلم كان يصبر حتى ينزل الوحي ... فكيف يمكن للإمام الذي لا يوحى إليه أن يعلم ما كان وما سيكون .
وانتبهوا إلى الحديث الثاني : كيف أحاط عدد من الشيعة الخرافيين بالإمام من أمثال حارث بن المغيرة وعدد من الناس المجهولين وسمعوا أن الإمام قال : أنا أعلم ما في السموات وما في الأرض وما في الجنة وما في النار وما كان وما سيكون ، ثم مكث الإمام برهة ورأى أن هذا الكلام قد كبر على المستمعين ولم يصدقوه فقال : لقد تعلمت هذا العلم من كتاب الله حيث يقول الله عزوجل { وفيه تبيان كل شيء } .(154/426)
أولاً : لا بد أن يقال أن رسول الله ^ الذي هو أعلى من كل إمام لم يدّع شيئاً كهذا . ويقول الله سبحانه له في سورة الإسراء : { وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً } ورسول الله نفسه يقول في دعائه : إلهي أنت العالم وأنا الجاهل .
ثانياً : قال الإمام : تعلمت كل هذه العلوم من كتاب الله . ثم قرأ الآية خطأ .
هذه الآية التي ذكرها الإمام ( فيه تبيان كل شيء ) هي في سورة النحل الآية 98 حيث قال الله تعالى : { ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء } فظاهر أن الآية ليست كما ذكر ـ فيه تبيان لكل شيء ـ فهل يعقل أن يكون الإمام الصادق جاهلاً بالقرآن إلى هذه الدرجة فيقرأ آياته خطأ ... ثم يكون فوق ذلك عالماً بما في السموات والأرض . إذن من المتأكد أن هذا الكذب من صنع رواة الكليني .
أنه من زمرد ورأيت فيه كتاباً أبيض يشبه ضوء الشمس ، فقلت لها : بأبي وأمي يا بنت رسول الله ^ ما هذا اللوح ؟ فقالت : هذا لوح أهداه الله إلى رسوله ^ فيه اسم أبي ، وبعلي ، واسم ابني ، واسم الأوصياء من ولدي ، وأعطانيه أبي ليبشرني بذلك . قال جابر : فأعطتنيه أمك فاطمة عليها السلام ، فقرأته واستنسخته فقال له أبي : فهل لك يا جابر أن تعرضه علي ؟ قال : نعم ، فمشى معه أبي إلى منزل جابر فأخرج صحيفة من رق ، فقال يا جابر : انظر في كتابك لأقرأ أنا عليك . فنظر جابر في نسخته فقرأه أبي ، فما خالف حرف حرفاً فقال جابر : أشهد بالله أني هكذا رأيته في اللوح مكتوباً :
[(154/427)
هذا كتاب من الله العزير الحكيم ، لمحمد نبيه ، ونوره ، وسفيره ، وحجابه ، ودليله نزل به الروح الأمين من عند رب العالمين . عظم يا محمد أسمائي واشكر نعمائي ولا تجحد آلائي ، إني أنا الله لا إله إلا أنا قاصم الجبارين ، ومديل المظلومين وديان الدين ، إني أنا الله لا إله إلا أنا فمن رجا غير فضلي ، أو خاف غير عدلي عذبته عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين ، فإياي فاعبد وعلي فتوكل ، إني لم أبعث نبياً فأكملت أيامه ، وأنقضت مدته ، إلا جعلت له وصياً وإني فضلتك على الأنبياء ، وفضلت وصيك على الأوصياء ، وأكرمتك بشبليك وبسبطيك الحسن والحسين ، فجعلت حسناً معدن علمي بعد انقضاء مدة أبيه ، وجعلت حسيناً خازن وحيي وأكرمته بالشهادة ، وختمت له بالسعادة فهو أفضل من استشهد وأرفع الشهداء درجة ، جعلت كلمتي التامة معه ، وحجتي البالغة عنده ، بقوته أثيب وأعاقب ، أولهم عليّ سيد العابدين وزين أوليائي الماضين ، وابنه شبه جده المحمود محمد الباقر علمي ، والمعدن لحكمي سيهلك المرتابون في جعفر الراد عليه كالراد علي ، حق القول مني لأكرمن مثوى جعفر ولأسرنه في أشياعه وأنصاره وأوليائه ، انتجب بعده موسى فتنة عمياء حندس ، لأن خيط وهمي لا ينقطع ، وحجتي لا تخفى ، وأن أوليائي يسقون بالكأس الأوفى ، من جحد واحداً منهم فقد جحد نعمتي ، ومن غير آية من كتابي فقد افترى علي ، ويل للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدة موسى عبدي ، وحبيبي ، وخيرتي في علي وليي ، وناصري ، ومن أضع عليه أعباء النبوة وأمتحنه بالاضطلاع بها ، يقتله عفريت مستكبر يدفن في المدينة التي بناها العبد الصالح إلى جنب شر خلقي ، حق القول مني لأسرنه بمحمد ابنه وخليفته من بعده ، ووارث علمه فهو معدن علمي ، وموضع سري ، وحجتي على خلقي لا يؤمن عبد به إلا جعلت الجنة مثواه ، وشفعته في سبعين من أهل بيته كلهم قد استوجبوا النار وأختم بالسعادة لابنه علي وليي ، وناصري ، والشاهد في خلقي(154/428)
وأميني على وحيي ، أخرج منه الداعي إلى سبيلي والخازن لعلمي الحسن وأكمل ذلك بابنه ( م ح م د ) رحمة للعالمين ، عليه كمال موسى ، وبهاء عيسى ، وصبر أيوب فيذل أوليائي في زمانه ، وتتهادى رؤوسهم كما تتهادى رؤوس الترك والديلم ، فيقتلون ويحرقون ويكونون خائفين ، فزعين ، وجلين تصبغ الأرض بدمائهم ويفشوا الويل والرنة في شأنهم أولئك أوليائي حقاً ، بهم أدفع كل فتنة عمياء حندس ، وبهم أدفع الآصار والأغلال ، وأكشف الزلازل أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة ، وأولئك هم المهتدون .
قال عبدالرحمن بن سالم : قال أبو بصير : لو لم تسمع في دهرك إلا هذا الحديث لكفاك ، فصنه إلا عن أهله .
والآن نقول إن هذا الحديث كله افتراء ، في سنده وراويه ومتنه ومضمونه معاً ، وذلك من جهات : فأما فساد الحديث المذكور من جهة السند : فقد ضعف المجلسي هذا الحديث في مرآة العقول ؛ لأن فيه رواة كمحمد بن عبدالله المجهول ، وصالح بن أبي حماد الضعيف . يقول الممقاني في الجزء 2 ص 19 إنه ضعيف ، وقال النجاشي أمره ملتبس يعرف وينكر ، يعني أنه منافق ، وضعفه أيضاً ابن الغضائري ، ولم يقبل العلامة الحلي خبره وعده أحمقاً في منهج المقال ، شخص كهذا مردود القول لدى علماء الشيعة لا بد أنه لم يكن يتحرج من الكذب ووضع الأخبار ، وسيظهر كذبه ووضعه من المتن المذكور كما سنوضح ذلك ، وقد روى عن بكر الصالح ومر ذكره حيث عدوه ضعيفاً ومتفرداً بالأخبار العجيبة وساقطاً من الاعتبار ، وقد روى عن عبدالرحمن بن سالم وقد ضعفه العلامة الممقاني وسائر علماء الشيعة أو قالوا بجهالته ، نعم عدّوه ضعيفاً وغير معتبر . فقد نقل هذا الخبر إذن مريض عن كذاب وكذاب عن ضعيف وضعيف عن مجهول . فكيف يمكن أن يعد هذا الخبر أساساً وسنداً للمذهب .
أما فساد متن الخبر وعيوبه وإشكالاته : فلا تخفى عيوب المتن على أهل العلم والبصيرة والذكاء ولكن نذكر بعض عيوبه وقرائن الكذب فيه :(154/429)
1 ــ نقل الراوي هنا المطالب عن الإمام الصادق كما أخبر جنابه وكان حاضراً ، وكان يطلع جابراً على تقرير أبيه وقال : قال أبي لجابر ومشى معه وقال أبي كذا ، وقال جابر كذا حتى يقول فما خالف حرف حرفاً ، لم يقل حدثني أو أخبرني فعلى هذا يجب أن يكون جابر حياً في شباب سيدنا الصادق مع أن الإمام الصادق رضي الله عنه ولد في عام 38 وتوفي جابر في عام 47 هجري ، يعني توفي جابر قبل ولادة الإمام الصادق بعشرة سنين ، كما كتب ذلك جميع المؤرخين والمحدثين(1) .
إذن لم يدرك جابر الإمام الصادق ، والدليل الآخر على عدم إدراكه هو أن رسول الله قال لجابر : أنت سترى من أبناء الحسين ، محمد بن علي بن الحسين الذي هو باقر العلم واسمه اسمي وبلغه سلامي . وذلك كما روي في كتب الشيعة ، وإن كان له أن يرى الإمام الصادق رضي الله عنه فقد كان عليه أن يذكر اسمه ، ولكن خير دليل على كذب هذا الخبر هو أن يكذبه التاريخ . بالإضافة إلى ذلك فقد كانت وفاة جابر في عام 47 وفي هذا العام كان سيدنا السجاد هو الإمام الناطق ؛ لأن وفاته كانت في عام 59هـ ، ومع وجود سيدنا السجاد يكون صدور هذه البيانات من الإمام التالي له أمر مستبعد جداً .
2 ــ نقل حديث اللوح هذا ، الشيخ صدوق في كتاب عيون أخبار الرضا رضي الله عنه وفي كتاب إكمال الدين ، وهذه هي عبارته ( لما احتضر أبو جعفر محمد بن علي الباقر ، دعا عند الوفاة بابن الصادق فعهد إليه عهداً ، فقال له أخوه زين العابدين علي لو امتثلت بمثال الحسن والحسين ، فقال يا أبا الحسين إن الأمانات ليست بالمثال ، ولا العهود بالرسوم وإنما هي أمور سابقة عن حجج الله ، ثم دعا بجابر بن عبدالله فقال له : يا جابر حدثنا بما عانيت في الصحيفة قال جابر : نعم يا أبا جعفر دخلت على مولاتي(154/430)
فاطمة لأهنئها بولادة الحسين رضي الله عنه ... إلى النهاية .. حتى يقول لما كان سيدنا الباقر في الاحتضار قبيل وفاته فدعى الإمام الصادق رضي الله عنه ليعطه عهد الإمامة ، فقال أخوه زيد بن علي بن الحسين : إعمل معي كالإمام الحسن والحسين ، يعني اعهد إلي بالإمامة ( وهنا يظهر أن زيد بن علي بن الحسين لم يكن يعرف من سيكون الإمام بعد الإمام الباقر ) فأجابه سيدنا باقر : ليست الأمانة كالعهود والرسوم ، هذه الأمانات يعني الإمامة أمور سوابق ، ثم نادى الإمام الباقر جابراً وقال له : بيّن حديث اللوح وما رأيت فيه ، ليقنع زيد بن علي ، ثم قال جابر : دخلت على فاطمة لأهنئها بولادة ابنها الحسين رضي الله عنه ... ورأيت لوحاً كذا وكذا ... إلى النهاية .
وهذا الخبر من الشيخ صدوق هو دليل آخر على كذب هذا الخبر ووضعه ، لأن احتضار الإمام الباقر ووفاته كان في عام 411 ـ أو 811هـ أي بعد أربعين سنة من وفاة جابر بناءً على هذا ، فعندما طلب الإمام الباقر جابراً ، لقصة اللوح لم يكن جابراً في الدنيا أصلاً ، بل مات قبل ذلك بأربعين عاماً .
3 ــ الدليل الثالث على كذب هذا الخبر ، هو أن زيد بن علي بن الحسين رضي الله عنه ولد عام 87 يعني بعد أربع سنوات من وفاة جابر ، ولم يكن جابر موجود أصلاً في زمن زيد ليطلب منه اللوح . ولكن هؤلاء الوضاعين الكذابين الذين لم يعرفوا حق الله عليهم كذبوا على الله ورسوله ليصنعوا إماماً منصوصاً عليه من عند الله . وجعلوا جابر لعبة بيدهم { فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً } وليس هناك أكذب من حديث يكذبه التاريخ .(154/431)
4 ــ الدليل الآخر على كذب هذا الخبر ، هو أن جميع المحدثين قالوا إن جابراً بن عبدالله جاء في كربلاء عام 16 في يوم الأربعين وكان كفيفاً ، وقال لعطية العوفي ، خذ بيدي وأوصلني إلى قبر الإمام ، ثم إن علماء الرجال جميعهم قالوا إن جابراً قد عمي في أواخر عمره . فكيف قال له الإمام الباقر : انظر إلى لوحك واقرأه ، بل كيف رأى جابر أنه لم ينقص حرفاً ولم يزد . وهذا يدل أن هؤلاء الكذابين لم يطلعوا على ترجمة جابر . ولنقل ببساطة شاء الله أن يفضح الكذب ؟
5 ــ ومن الأدلة على كذب هذا الخبر ، هو : أن جابراً كان عَزِباً في عام ولادة الإمام الحسين ، حيث ذهب إلى بيت فاطمة عليها السلام لتهنئتها ؛ لأن جابراً بعد شهادة أبيه في أحد ، كان شاباً في الثامنة عشر من عمره ، وقد نكح أرملة ، ولم يكن من المعقول شرعاً أن يذهب شاب عزب إلى بيت غير ذات محرم ويهنئ امرأة من غير محارمه ، لا بل إنهم يقولون إنه قد دنى من فاطمة بحيث رأى الخط الصغير الذي كان في اللوح الذي كان بيد فاطمة ، هذا بعيد جداً ، وليت السيدة الزهراء تسمع بهذا وهي التي قالت : خير حال المرأة أن لا ترى الرجال ولا يروها ، وليس من أعراف الشرع منذ عهد الرسول ^ إلى عصرنا إذا ولدت امرأة أن يذهب إليها الرجال غير المحارم ليهنئوها ، والإمام الحسين قد ولد في الأعوام التي تلت غزوة أحد .(154/432)
6 ــ الدليل الآخر على كذب هذا الخبر ، هو : أن خبر اللوح هذا كان خاصاً لرسول الله ^ لم يطلع على ذلك أحد سوى بكر بن صالح الكذاب ، وعبدالرحمن الضعيف الحال ، وقال له أبو بصير : لا تبح به لأحد ، فلماذا تفوه به وأعلنه ؟ وما الغاية من إظهاره ، ولماذا لم يعلم بهذا الخبر إلا الكذابون فقط ؟ وإن كان ذلك لإقامة الحجة فلا بد أن يبلغ الجميع ، فكيف لم يطلع على ذلك أصحاب رسول الله ^ ؟! كل هذه الأسئلة بلا إجابات . والخبر الذي يجب أن يثبت به أصول المذهب ، بقي خفياً ولم يطلع عليه إلا عبدالرحمن الوضاع بعد مائة وأربعين عاماً من الهجرة ، ولم يعرفه غيره حتى زيد بن علي رضي الله عنه الذي هو من كبار الشهداء .
7 ــ الدليل الآخر على كذب هذا الخبر هو : في هذا الخبر الخصوصي الذي أرسله الله لرسوله في لوح مباشرة ، لم يكن بعد ذلك بحاجة إلى جملة ( ونزل به الروح الأمين ) والآخر أنه ذكر لرسول الله ألقاباً وعناوين ـ كسفيره وحجابه ، وأسماءً ما أنزل الله بها من سلطان ، ولم تصدر هذه الألقاب إلا عن الصوفية والسلاطين الظلمة ! لأن السلاطين كانوا قد أوجدوا لأنفسهم حجباً وسفراء وحراساً . أما في كتاب الله فلا توجد ألقاب كهذه ، ولا حقيقة لها أبداً ، وقد قال سيدنا الأمير رضي الله عنه في نهج البلاغة في وصيته ( الرسالة رقم ـ 3 ـ ) ( لم يجعل بينك وبينه من يحجبه عنك ) يعني لا حجاب بين الله سبحانه وبين عباده .(154/433)
8 ــ الدليل الآخر على كذبه : هل من المعقول أن يتكلم الله كالسلاطين المستبدة ـ نعوذ بالله ـ فمن رجا غير فضلي أو خاف غير عدلي ... إلى النهاية ، هل يعقل أن يقول سبحانه كل ذلك دون أن يعلنه ويبلغه الجميع ثم يعذب منكره الذي لم يدر به ، كان يجب أن يخبر ويبلغ بالخبر العام العلني ، ثم يعذب لا أن يفعل ذلك بناءً على الخبر الخصوصي . ثم إن هذا الخبر يعني أن كل من عمل شيئاً كهذا لا بد أن يعذب في الدنيا مع أننا نرى الكثيرين الذين يرجون غير فضل الله لم يعذبوا ، إن هذا الكلام محال من الله العادل الرؤوف .. ولا بد أن ما جاؤوا به كذب ومحال .
9 ــ والدليل الآخر هو أن الله قال : من رجا غير فضلي يجب أن يعذب ، فبناءً على ذلك لا بد أن يعذب جميع الذين يرجون الخير من أولادهم مثلاً ، فلماذا لم يعذبهم الله ولم يبين ذلك في القرآن . قال الله في القرآن : { والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً } والآن هل يمكن القول إن الله يعذب اللاتي يرجون النكاح ؟!.
01ــ قال في هذا الخبر : أو خاف غير عدلي ، وهذا كلام هراء ، وتكلف وعبارة ضخمة لا معنى لها ، كما أنه كذب وقبيح أن يقال عن الله ـ نعوذ بالله ـ حيث أوجب على الناس أن يخافوا من عدله فقط ، ولا يخافوا من عدل غيره ألم يقل سيدنا زكريا { وإني خفت الموالي } ألم يقل سيدنا موسى : { ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون } وقال في موضع آخر : { فأصبح في المدينة خائفاً يترقب } وقال الله لرسوله في سورة الأنفال الآية 85 : { وإما تخافن من قوم خيانة } وقال في شأن سيدنا إبراهيم عليه السلام في سورة الذاريات الآية 82 : { فتوجس منهم خيفة } إذن لقد خاف جميع الأنبياء من غير الله ، إذاً لقد حق عليهم العذاب جميعاً إذا صحت هذه الخزعبلات وصدق هؤلاء الرواة الكذابون .
ولقد نسج هؤلاء ما شاؤوا وتكلموا بلا فهم .. فكان منهم هذا !!.(154/434)
11ــ يقول في هذا الخبر : ( لم أبعث نبياً فأكملت له أيام إلا جعلت له وصياً ) وهذه الجمل غير صحيحة ؛ لأن كثيراً من الأنبياء طبقاً لآيات القرآن لم يكن لهم وصيا كسيدنا هود وشعيب وعزير وكثيرون غيرهم .
21ــ يقول في هذا الخبر : ( أكرمتك بشبليك ) وهذا غير صحيح ؛ لأنه أكرم بإكرام الله والنبوة قبل أن يكون له بنت أو حفيد ، ثم إنهم يكرمون برسول الله ولا يكرم بهم ، ولم يصل أحد إلى النبوة بسبب ابنه بل لقد اهتدى أبناؤه بسببه وأصبحوا من عباد الله المكرمين .
31ــ يقول في هذا الخبر : ( جعلت كلمتي التامة معه وحجتي البالغة عنده ) وهذا لا يصح ؛ لأنه إن كان القصد من الكلمة التامة والحجة البالغة هو القرآن فهو لدى المسلمين جميعاً وليس منحصراً بأحد .
وإن كان ثمة حجة أخرى يقصدونها فقد نفى الله ذلك في سورة النساء الآية 561 ، ولا بد أن يبلغ الله تلك الحجة للناس إذ لا معنى للحجة على الناس إذا لم تبلغهم . فهل هناك كذب أقبح من هذا ؟!.
41ــ يقول : ( بعترته أثيب وأعاقب ) هذا كلام باطل ومخالف للقرآن ، لأن الثواب والعقاب بالأعمال والإيمان فقد قال الله في القرآن : { لتجزى كل نفس بما كسبت } لم يقل الله لتجزى كل نفس بالعترة ، ثم كيف يكون ثواب العترة وعقابهم ؟! لا ندري ذلك !.
51ــ يقول في هذا الخبر في وصف الإمام الباقر رضي الله عنه : وابنه شبه جده مع أنه لا بد أن يقول لرسوله : ( وابنه شبهك ) وكلمة جده خلاف العادة والفصاحة .
61ــ يقول : ( من جحد واحداً منهم فقد جحد نعمتي ) مع أن الراوي كما نقل الشيخ صدوق في كتاب إكمال الدين كان إسحاق بن عمار الفطحي ، وأنكر ستة من هذه الأئمة يعني عد موسى بن جعفر مع الأئمة اللاحقين له كذابين مع أن الإمام الصادق قال له : ( ومن جحد واحداً منهم ) مع هذا كان منكراً . فانظروا إلى هذا الذي لا يعتقد هو نفسه بالأئمة يريد أن يأتي لنا بأئمة .(154/435)
والآن ترى ما مدى جهلنا وسفهنا إذا جعلنا أخبار رواة كهؤلاء سنداً مذهبياً عندنا !.
71ــ الدليل الآخر على كذب هذا الخبر هو أنه يقول في محل دفن الإمام الرضا رضي الله عنه : ( يدفن في المدينة التي بناها العبد الصالح ) يعني يدفن في مدينة هرات التي بناها العبد الصالح يعني « ذو القرنين » مع أن كل أحد يعلم أن مدفن الإمام الرضا لم يكن مدينة ، بل كان بيت حميد بن قحطبة في أربع فراسخ ( كل فرسخ ستة كيلو مترات ) من مدينة طوس ، وتبعد عن مدينة هرات التي يقال إن ذا القرنين بناها نحو مائة فرسخ .
81ــ والدليل الآخر هو أنه سمى الأئمة : « خان علمه وأمين وحيه » وبالإضافة يقول إننا وضعنا ثقل النبوة على كتف علي بن موسى ، مع أن رسول الله ^ كان أمين الوحي فقط ولم يوح إلى أحد بعده ومن ادعى الوحي لأحد غيره بعده فقد خرج عن الإسلام ، بالإضافة إلى ذلك قال الله لرسوله : { قل لا أقول لكم عندي خزائن الله } ولكن هذا الراوي الغافل عن الدين والقرآن جعل الإمام خازن علم الله ، وقال في آية أخرى : { وإن من شيء إلا عندنا خزائنه } وقال سيدنا الأمير في نهج البلاغة في وصيته للإمام الحسن رضي الله عنه ـ واعلم أن الذي بيده خزائن السموات والأرض قد أذن لك في الدعاء .
91ــ والدليل الآخر على كذب هذا أنه يقول إن الله عمل بالتقية وذلك أيضاً مع رسوله ، ورمز اسم محمد بن الحسن العسكري ( م ح م د ) فهل يحتاج الله سبحانه أن يعمل بالتقية مع رسوله ؟! ـ حاشاه سبحانه ـ .(154/436)
02ــ والدليل الآخر على كذب راوي هذا الحديث هو أنه قال في وصف محمد بن الحسن : عليه كمال موسى وبهاء عيسى وصبر أيوب . فهل ذكر هذه الأوصاف ليعرفه رسول الله ويميزه من غيره ، أم تراه ذكر هذه الصفات ليفهم الناس ، والآن يجب القول : كيف يعرف الناس الذين لم يروا محمد بن الحسن ، كيف يعرفونه ويعرفون فيه هذه الصفات ؟! وإن قلت : ذلك ليعرفه الناس في عصره ، نقول إن أهل ذلك العصر لم يروا كمال موسى وبهاء عيسى عليهما السلام ليميزوا تلك الصفات . فذكر هذه الصفات عبث ... والله سبحانه منزه عن قول العبث !!.
12ــ والآخر يقول : ( فيذل أوليائي في زمانه ، وتتهادى رؤوسهم كما تتهادى رؤوس الترك والديلم فيقتلون ، ويحرقون ويكونون خائفين ، مرعوبين وجلين تصبغ الأرض بدمائهم ويفشون الويل والثبور ! ) .
يجب القول إن كان القصد أن ذلك يكون في عصر ظهوره ، فزمان عصره عدل على قولكم أنتم ، وإلا فبأي عصر يكون ؟! فهذه الوعود كلها عبث وادعاء ! ولماذا لم يعمل بهذه الوعود الإلهية ؟!.
22ــ الدليل الآخر على كذب هذا الخبر هو : أن الله أرسل هذا اللوح إلى رسوله ، وهو أعطاه لفاطمة ليبشرها ويسرها ، أما هذا الخبر المرعب أن أولياءه يذلون ويحرقون وتتهادى رؤوسهم وهكذا فإن الخبر لا يبشر بخير بل هو موجب للحزن والوحشة .
32ــ كرر في هذا الخبر أن جابراً حلف وقال أشهد بالله تكراراً . فهل أنكر الإمام الباقر رضي الله عنه ذلك . إذن لماذا حلف جابر للإمام وقال أشهد بالله ! ويقال إن علامة الكذب هي حلف الأيمان .
42ــ قال الله في هذا الخبر لرسوله : ( ولا تجحد آلائي ) وذلك أيضاً في خبر خاص ، فهل الرسول كان في مظان إنكار النعم الإلهية ؟! ثم يقول له في الخبر الخاص ، ومن غير آية من كتابي فهل ترى فكر رسول الله في ذلك ؟! ولو كان الخبر عاماً لارتفع هذا الإشكال !.(154/437)
52ــ يقول في هذا الخبر فيما يتعلق بالإمام محمد التقي : شفعته في أهل بيته كلهم قد استوجبوا النار ! وهل يحق لأحد أن يشفع في أحد قد وجبت له النار وإذا كان الأمر كذلك فلماذا قال الله لرسوله في سورة الزمر : { أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار } ولماذا قال الله بشأن أزواج نوح ولوط في سورة التحريم : { ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً وقيل ادخلا النار مع الداخلين } وقال بشأن ابن نوح عليه السلام في سورة هود : { إنه عمل غير صالح } وقال : { فكان من المغرقين } إذن لا يستطيع حتى الأنبياء أن ينجوا أهل النار إذا استحقوها .
بالإضافة إلى ذلك يعتقد الشيعة أن الإمام الجواد يشفع للملايين ، ومئات الألوف من الشيعة وزواره ، وينجيهم من العذاب وليس فقط سبعون شخصاً ، ولكن في هذا الخبر حصر شفاعته بسبعين شخصاً وأذهب ماء عين الشيعة .
62ــ يقول بشأن الإمام الجواد : ( لا يؤمن به عبد إلا جعلت الجنة مثواه ) فمن أمن به فهو من أهل الجنة ، ومن لم يؤمن به فهو من أهل النار . والسؤال : هل الإمام أصل من أصول الدين بحيث يجب الإيمان به أم أنه تابع للدين ؟ ونحن نقول إن الإمام تابع للدين ويلزمه الإيمان بأصول الدين .
وإذا كانت الإمامة والإمام أصل من أصول الدين فيجب أن لا يقول الله سبحانه : { من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون } بل كان يجب أن يقول : ( من آمن بالله واليوم الآخر والإمام التاسع وعمل صالحاً فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) .(154/438)
72ــ لهذا السبب قال أبو بصير في نهاية الخبر ، لو لم تسمع في دهرك إلا هذا الحديث لكفاك ؛ فصنه إلا عن أهله ، إذا كان ذلك صحيحاً ، وكان الإمام المنصوص عليه من أصول المذهب ؛ فلماذا يجب أن يكون الحديث مصوناً ومستوراً ولا يعلمه أحد إلا الراوي الكذاب . هل يمكن أن يضاف إلى أصول الدين أخباراً ينقلها هؤلاء الكذابون ويعدون الإمام من أصول الدين ؟.
إن جميع الأخبار التي وردت بشأن عدد الأئمة ، هي من هذا القبيل بل لعلها أسوأ من ذلك إذ تظهر فيها علائم الكذب ، والمخالفة الصريحة للآيات الأخيرة من سورة لقمان حيث يمكن لكل مؤمن أن يقول : { واجعلنا للمتقين إماماً } ولا تنحصر الإمامة بعدد معين .
هذا الخبر وأمثاله فيه إشكالات كثيرة لا يتسع هذا المختصر لدحضها كلها .
وأما الحديث الرابع : روى عن سليم بن قيس ( الهلالي ) حيث بينا في باب اختلاف الحديث أن سليمان لا اعتبار له وكتابه مختلق موضوع .
أما الحديث الخامس : سنده ورواته كما يلي : أحمد بن محمد بن خالد البرقي الذي كان شاكاً في الدين والمذهب ، وكان متحيراً روى عن عبدالله بن القاسم الذي قال عنه النجاشي وسائر علماء الرجال إنه كذاب ، ويروي عن الغلاة ولا خير فيه ولا يُعتد بروايته وهو متهافت ومتناقض وهذا روى عن حنان السراج الواقفي الذي أنكر الأئمة الإثنا عشر وأكل أموال سيدنا الكاظم رضي الله عنه وقال بحياة الكاظم وغيبته . والآن لاحظوا هل يمكن إثبات القول باثني عشر إماماً بروايات رجل كهذا ؟، فإذا كانت هذه الروايات من الكليني عنه صحيحة فلماذا كان هو نفسه منكراً لها ، وقد روى عن داود بن سليمان الكسائي وهو مهمل ومجهول الحال ، وهذا رواه عن ابن الطفيل حيث عده كثير من علماء الرجال كيساني(1) المذهب ، والآن ترى ما قيمة رواية هؤلاء ؟.(154/439)
روي الطفيل أن رجلاً من اليهود سأل علياً قائلاً : أخبرني عن محمد ^ كم له من إمام عدل ؟ فأجابه علي : إن لمحمد إثني عشر إماماً عدلاً . مع أنه ليس لرسول الله ^ أي إمام . وقد كان من الواجب أن يسأل كم عدد الأئمة بعد محمد ^ ؟ فإما أن أبا الطفيل نقل خطأً أو أنه يجب القول إن قصد سيدنا الأمير رضي الله عنه هو ذلكم الإثنا عشر من النقباء الذين عينهم رسول الله ^ على الأوس والخزرج في ليلة العقبة ، حيث دعوا رسول الله ^ إلى المدينة . على كل حال لا يمكن فهم شيء من هذه الرواية التي رواها الذين لم يعتقدوا بالأئمة الإثنى عشر !.
أما الحديث السادس : فرواته هم محمد بن الحسين ، وأبو سعيد العصفوري وعمر بن ثابت وهم مهملون ومجهولون ، ومتنه يخالف القرآن لأنه يقول إن الله خلق من نور عظمته محمداً وعلياً وأحد عشر من أبنائه قبل خلق المخلوقات ولكن القرآن يقول إن محمداً وعلياً كسائر البشر فقد خلقا من نطفة والديهما ، وكل حديث يخالف القرآن فهو مردود .
أما الحديث السابع والثامن والتاسع والرابع عشر والسابع عشر والثامن عشر فتقول ـ بغض النظر عن ضعف أسانيدها ـ فإن متونها تقول إن الأئمة بعد رسول الله إثنا عشر شخصاً . حيث كلهم أبناء رسول الله ، وأبناء فاطمة وعلي رضي الله عنهما كما جاء في الحديث السابع : الإثنا عشر إماماً من آل محمد عليهم السلام كلهم محدث من ولد رسول الله ومن ولد علي ورسول الله وعلي هما الوالدان عليهما السلام .
وفي الحديث الثامن : قال أمير المؤمنين رضي الله عنه : إن لهذه الأمة إثنى عشر إماماً هدى من ذرية نبيها وهم منّي .
ويقول في الحديث التاسع : دخلت على فاطمة عليها السلام وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها فعدت إثنى عشر آخرهم القائم ثلاثة منهم محمد وثلاثة منهم علي .(154/440)
وفي الحديث الرابع عشر : الإثنا عشر إماماً من آل محمد كلهم محدث من ولد رسول الله ^ وولد علي بن أبي طالب فرسول الله وعلي رضي الله عنهما هما الوالدان .
وفي الحديث السابع عشر : قال رسول الله : إني واثنى عشر من ولدي وأنت يا علي زِرُّ الأرض .
وفي الحديث الثامن عشر : قال رسول الله ^ من ولدي إثنا عشر نقيباً نُجباء محدثون مفهّمون آخرهم القائم بالحق . بناءً على هذه الأحاديث ( الآنفة الذكر ) تصبح الأئمة ثلاثة عشر ، وعلي سيكون الثالث عشر منهم ، والآن يجب القول إن الكليني ورواته كانوا جهلة بحيث أنهم لم يميزوا بين رقمي 21 و 31 فهل يمكن استناداً إلى روايات كهذه ورواة كهؤلاء إثبات مذهب لا وجود له في القرآن ؟! وهل يمكن جعل هذه الأحاديث حجة ؟! أما الرواية العاشرة أيضاً فتدل على أن أوصياء محمد ثلاثة عشر شخصاً ، مع أن الأوصياء لا دخل لهم بالإمامة . لأنه على سبيل المثال وصاية علي مقبولة لدى الأمة جمعاء حيث أن وصي محمد ^ هو سيدنا علي رضي الله عنه وأما زعامة علي على المؤمنين فكانت باختيار الناس له وليس بالتنصيب الإلهي ، زد على ذلك أن رواة هذا الحديث هما اثنان محمد بن عيسى بن عبيد الذي يروي الخرافات المخالفة للقرآن كما مر في الحديث الخامس في باب أن الأئمة يعلمون متى يموتون ، والآخر هو محمد بن فضيل وهو من الضعفاء .
أما الرواية الحادية عشرة : فرواتها هم سهل بن زياد الكذاب ، وأمثاله الذين لا يُعتد برواياتهم ، خاصة روايته هذه حيث يقول إن الملائكة تنزل كل عام في ليلة القدر على الأئمة ويحدثونهم . ونحن بينا بطلان ذلك في باب الفرق بين الرسول والنبي والمحدث وكذلك هو الحديث الثاني عشر .(154/441)
أم الحديث الثالث عشر : وسنده هو سند الحديث الحادي عشر نفسه ولا اعتبار له ، وأحد رواته حسن بن عباس الجريش الذي ذمه علماء الرجال وضعفوه جداً ، وقالوا أن له كتاباً في فضيلة ليلة القدر فيه ألفاظ فاسدة وعباراته مضطربة . وقال الغضائري إن جميعها موضوعة ولا يعتد بحديثه وكتابه .
والآن هؤلاء وأمثالهم جاؤوا واختلقوا أن علياً رضي الله عنه أحيا رسول الله وأعاده إلى الدنيا ليقول لأبي بكر إن الأئمة بعده اثنا عشر شخصاً . فهل علي حقاً يحيي الأموات ؟. مع أن القرآن يقول إن الله فقط هو محيي الموتى { هو الذي يحيي ويميت } وقال تعالى : { إنا نحن نحيي ونميت } أو أنه سحر . وفضلاً عن هذا فإن إعادة رسول الله إلى الدنيا بعد موته ليشهد للأئمة الإثنى عشر قول باطل لا صحة له ، فلم لم يقل رسول الله ^ ذلك في حياته لأبي بكر ؟، وما الفائدة من قوله ذلك ^ إذا كان أبو بكر لم يقبل بذلك على حد زعمهم ؟ ونريد أن نقول هل كل ما قالوه بحق أبي بكر هو من قبيل النصح للمسلمين ؟! إذا كان الأمر كذلك فلماذا مدح الله أبا بكر في القرآن ، يبدو أن غرض هؤلاء الرواة الكذابين كان إيجاد التفرقة بين المسلمين ، وأما الحديث الخامس عشر : روى أبو بصير عن الإمام الباقر أنه قال : إن الأئمة بعد الإمام الحسين تسعة أشخاص ، فهل الإمام الباقر كان يعلم الغيب ، مع أن الإمام نفسه قال في باب فيه ذكر الغيب : هربت جاريتي وما دريت أين ذهبت ! ثم إن حصر الإمامة بأحد هو أمر مخالف للقرآن ومخالف لديمومة الإسلام كما سوف يتبين . ثم إن أبا بصير نفسه وهو راوي هذا الخبر لا يعرف من هو الإمام الذي سوف يلي الإمام الباقر رضي الله عنه مع أنه كان من أصحابه الخواص . لذا فقد أجنب نفسه ثم ذهب إلى الإمام الصادق رضي الله عنه ليمتحنه ، فإذا ما أخبر الإمام عن جنابته فهم أنه الإمام الحق ، يرجى الرجوع إلى المجلد الثاني لرجال الممقاني .(154/442)
أما الحديث السادس عشر : فهو كالحديث الخامس عشر بالإضافة إلى ذلك فإن زرارة الراوي وهو من أصحاب الإمام الخواص ، لم يعرف من هو الإمام الذي يلي الإمام الصادق رضي الله عنه كما سيتبين .
وأما الحديث التاسع عشر : فيكفي أن من رواته سهل بن زياد الكذاب ، وعبدالله ابن عبدالرحمن الأصم الذي كان من الكذابين من أهل البصرة . وقال علماء الرجال : كان له كتاب في الزيارة دل على خبثه وفساد مذهبه وقد رواه فئة من الخبثاء الفسقة . وأحدهم كرام الواقفي . اختلقوا رواية تقول إن الله بعد مقتل الحسين رضي الله عنه كشف حجاباً من الحجب للملائكة فإذا خلفه محمد واثنا عشر وصياً له ثم أخذ بيد فلان القائم من بينهم فقال : يا ملائكتي يا سماواتي ويا أرضي لهذا القائم انتصروا . ترى هل يوجد بين الله وملائكته حجب ؟ وهل الله قائم وراء المحجب وهل يقوم والقائم المنتظر وقتلة الحسين أحياء بعد ؟ وهل لله يد حيث أخذ بيده يد القائم : { تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ـ وليس كمثله شيء } بالإضافة إلى ذلك قال الإمام الباقر في الباب التالي : ( باب أن الأئمة كلهم قائمون ) نحن الأئمة كلنا قائمون . بناءً على هذا فإطلاق لقب القائم على شخص واحد لا معنى له ، تعجب الممقاني مما نقله كرام الواقفي لإمامة الإثنى عشر ولم ينتبه أن الرواة الذين تلوه اختلقوه بلا علم . أما الحديث رقم عشرين : فقد روى عثمان بن عيسى وهو من الواقفية يعني يقول بالأئمة السبعة ( السبعية ) وينكر القول بالأئمة الإثنى عشر ، روى أن المحدثين اثنا عشر شخصاً ونحن بينا بطلانه في باب الفرق بين الرسول والنبي والمحدث . حيث لا يوجد سند ديني أصلاً للمحدث ... فيرجى الرجوع إلى ذلك !.(154/443)
وقد أشرنا سابقاً إلى أن خاصة أصحاب الأئمة والأئمة لم يكن لهم علم بهذه النصوص . ونحن هنا كي نوضح كذب الرواة وبيانها ، نقول إن خاصة أصحاب الأئمة ، والأئمة أنفسهم لم يطلعوا على هذه الأحاديث المتعلقة بالأئمة الإثني عشر ، فيظهر أنها اختلقت بعد عصر الأئمة رضي الله عنه .
وأهل بيت الرسول وذريته لم يكن لهم علم بهذه النصوص .
أولاً : أحد كبار ذرية الرسول ^ وأهل بيته هو سيدنا زيد بن علي بن الحسين رضي الله عنهم الذي استشهد في عصر هشام بن عبدالملك في الكوفة ووردت روايات كثيرة في مدحه عن رسول الله ^ والأئمة رضي الله عنهم كما ورد في أصول الكافي هذا في باب ما يفصل بين المحق والمبطل في الإمامة وفي باب الاضطرار إلى الحجة .
الحديث الخامس عشر يقول : لا يوجد إمام منصوص ويقول لأبي جعفر الأحول الذي كان من خاصة أصحاب الإمام الباقر رضي الله عنهم أريد أن أقوم لدفع ظلم بني أمية واخرج معي ، فيجيبه ـ أنه في الأرض حجة ـ والمختصر أنك لست حجة الله .
يقول زيد : إن أبي الإمام زين العابدين كان يبرد اللقمة الحارة ويضعها في فمي ، يعني إلى هذا الحد كان رؤوفاً بي وكان يطلب لي الخير . مع هذا الحال لم يخبرني أن لله حجة في الأرض فكيف أخبرك به ؟ فيجيبه أبو جعفر الأحول بالإساءة والتهمة ويقول : أبوك خاف أن يقول لك ذلك خشية أن لا تصدقه .
وفي الحديث السادس عشر في باب ما يفصل به بين المحق والمبطل يقول زيد لأخيه الإمام الباقر : ليس الإمام منا من جلس في بيته وأرخى ستره وثبط عن الجهاد ولكن الإمام منا من منع حوزته وجاهد في سبيل الله حق جهاده ودفع عن رعيته وذب عن حريمه .(154/444)