|
تم استيراده من نسخة : المكتبة الشاملة المكية
أقول(1): ولا يتنافى هذا مع اختيار العبد الصلاح والفساد، ولا يدل على الجبر في الشقاوة والسعادة، لأن المراد بهذا الكتاب إظهار علمه للملك، وليست هذه الكتابة من موجبات الفعل أبداً، بل هو إظهار سابق علمه تعالى بأن هذا العبد يؤول أمره إلى هذا، فمثاله مثال أنك تعلم من ضمير السلطان أنه يقتل غداً زيداً السارق، فتخبر ابنك بأن زيداً غداً مقتول، فيُقتل غداً، فهل القتل مسبب عن خبرك لابنك أو أن إخبارك له من موجبات قتله؟ فالحال الحال، والمثال المثال، فأمر الله تعالى للملك بالكتابة لسابقة علمه لا أنه قضى عليه بالسعادة أو الشقاوة، نعم! الجبر حاصل في التكوينيات، كالذكر والأنثى والطول والقصر ومثالها، وذلك لمقتضى الحكمة، لكن الأفعال الصادرة منك بحسب مشتهيات نفسك اختيارية، وإنما دواعيها ميل خاطرك ونفسك(2). انتهى.
الثالث: الإيمان بأن جميع الكائنات لا تكون إلا بمشيئة الله تعالى، سواء كانت مما يتعلق بفعله أم مما يتعلق بفعل المخلوقين.
قال تعالى: ((وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)) [التكوير:29].
قال السيد محمد حسين فضل الله: فقد تملكون في كيانكم حركة المشيئة الذاتية فيما تملكون من عناصر الاختيار، ولكن مشيئتهم لابد أن تخضع للمشيئة الإلهية في تقدير النظام الكوني الذي تتحرك الأشياء في دائرته، فلا يملك العبد استقلالاً مطلقاً عن الله حتى في نطاق حريته المربوطة بالمشيئة الإلهية بطريقة أخرى(3).
وقال تعالى: ((وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ)) [إبراهيم:27].
قال السيد عبدالله شبر: من تثبيت المؤمن وتَخلِيَة الكافر وكفره(4).
__________
(1) أي صاحب التفسير: مير سيد علي الحائري.
(2) تفسير مقتنيات الدرر: (2/162)، وانظر: بحار الأنوار: (57/383).
(3) تفسير من وحي القرآن: (24/111).
(4) تفسير شبر: (1/259)، وانظر: الجوهر الثمين: (3/359).
(144/16)
وقال محمد حسين فضل الله: مما تقتضيه الحكمة في تدبير أمور الناس وفي شؤون الحياة؛ لأنه هو الذي لا راد لمشيئته، فإذا أراد شيئاً كان(1).
وقال تعالى: ((وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ)) [النساء:90].
قال الشيخ محمد السبزواري النجفي:
وهذا إخبار عن مقدوره تعالى، فلو أراد فإنه يفعل ويجعلهم يقاتلونكم... ولكن لم يشأ بل قذف في قلوبهم الرعب(2).
وقال محمد جواد مغنية: إن الله سبحانه لا يتدخل بمشيئته التكوينية في شيء من أمور الناس والمسلمين، ولكن الله سبحانه صرفهم عن ذلك بوقوفهم على الحياد، فقوله: ((وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ)) [النساء:90] معناه: لجرّأهم عليكم ولم يجعل لكم هيبة في نفوسهم تبعثهم على طلب الموادعة والمتاركة، وليس هذا من باب المشيئة التكوينية، بل من المشيئة التوقيفية إن صح التعبير(3).
وأعمال الإنسان متنوعة، وكلها واقعة بعلم الله سبحانه وبقدره وفق ما بينه أمير المؤمنين.
فجاء عن الحسين بن علي عليه السلام قال: سمعت أبي علي بن أبي طالب عليه السلام يقول: الأعمال على ثلاثة أحوال: فرائض وفضائل ومعاصي، فأما الفرائض فبأمر الله تعالى وبرضى الله وبقضائه وتقديره ومشيئته وعلمه، وأما الفضائل فليست بأمر الله ولكن برضى الله وبقضاء الله وبقدرة الله وبمشيئة الله وبعلم الله، وأما المعاصي فليست بأمر الله، ولكن بقضاء الله وبقدر الله وبعلمه، ثم يعاقب عليها(4).
وإذا فهم المسلم المعنى الحق لمفهوم القضاء والقدر ذهب عنه إشكالٌ ولبسٌ كبير في هذا المعتقد.
__________
(1) تفسير من وحي القرآن: (13/129).
(2) تفسير الجديد: (2/322)، وانظر: مقتنيات الدرر: (3/152).
(3) الكاشف: (2/402).
(4) التوحيد: (369)، بحار الأنوار: (5/29)، عيون الأخبار: (1/142)، كشف الغمة: (2/288).
(144/17)
فعن يونس قال: قال الرضا عليه السلام: يا يونس، لا تقل بقول القدرية؛ فإن القدرية لم يقولوا بقول أهل الجنة ولا بقول أهل النار ولا بقول إبليس، فإن أهل الجنة قالوا: (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله)، ولم يقولوا بقول أهل النار، فإن أهل النار قالوا: (ربنا غلبت علينا شقوتنا) وقال إبليس: (رب بما أغويتني، فقلت: يا سيدي، والله ما أقول بقولهم، ولكني أقول: لا يكون إلا ما شاء الله وقضى وقدر. فقال: ليس هكذا يا يونس، ولكن لا يكون إلا ما شاء الله وأراد وقدر وقضى، أتدري ما المشيئة يا يونس؟ قلت: لا، قال: هو الذِكْرُ الأول، وتدري ما الإرادة؟ قلت: لا، قال: العزيمة على ما شاء. وتدري ما التقدير؟ قلت: لا، قال: هو وضع الحدود من الآجال والأرزاق والبقاء والفناء. وتدري ما القضاء؟ قلت: لا، قال: هو إقامة العين، ولا يكون إلا ما شاء الله في الذكر الأول(1).
الرابع: الإيمان بأن جميع الكائنات مخلوقة لله تعالى بذواتها، وصفاتها، وحركاتها.
قال تعالى: ((اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ)) [الزمر:62].
وقال تعالى عن نبيه إبراهيم أنه قال لقومه: ((وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ)) [الصافات:96].
وقال تعالى: ((وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً)) [الفرقان:2].
وعن الرضا عليه السلام فيما كتب للمأمون: من محض الإسلام أن الله تبارك وتعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها، وأن أفعال العباد مخلوقة لله خلق تكوين، والله خالق كل شيء، ولا نقول بالجبر والتفويض(2).
المطلب الأول:
ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر
إن الإيمان بالقضاء والقدر له ثمرات عظيمة في صحة عقيدة وإيمان المسلم.
__________
(1) بحار الأنوار: (5/116)، تفسير القمي: (1/24).
(2) بحار الأنوار: (5/30).
(144/18)
فمن ثمراته: طمأنينة القلب وارتياحه وعدم التقلب وعدم القلق في هذه الحياة؛ لأن المؤمن بقضاء الله وقدره لا يتأثر بما يتعرض له من مشاق الحياة؛ لأنه مؤمن بما يصيبه، فهو مقدَّر لابد، ولا راد له.
قال تعالى: ((مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)) [الحديد:22].
لذلك فإن المؤمن بالقضاء والقدر يشعر بالطمأنينة والشكر لربه عند قول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب عليه السلام: (ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن يصيبك)(1)، بخلاف من لا يؤمن بالقضاء والقدر فإنه تأخذه الهموم والأحزان حتى تضيق به الدنيا ويحاول الخلاص منها ولو بالانتحار.
ومنها: الثبات على مواجهة الأزمات، واستقبال مشاق الحياة بقلب ثابت ويقين صادق لا تزلزله الأحداث؛ لأنه يعلم أن هذه الحياة دار ابتلاء وامتحان، كما قال تعالى: ((الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)) [الملك:2].
وقال تعالى: ((وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ)) [محمد:31].
لذلك فإن الأنبياء والرسل جرى لهم من المحن والشدائد الكثير لكنهم واجهوها بالإيمان الصادق والعزم الثابت حتى اجتازوها بنجاح، وما ذاك إلا لإيمانهم بقضاء الله وقدره واستشهادهم به، ولتذكرهم الدائم بقوله تعالى: ((قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ)) [التوبة:51].
__________
(1) بحار الأنوار: (2/154)، أعلام الدين: (346)، الخصال: (2/543).
(144/19)
ومنها: تحويل المحن إلى منح والمصائب إلى أجر، قال تعالى: ((مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)) [التغابن:11].
قال الشيخ محمد باقر الناصري: أي بعلم الله، أو بمعنى تَخليَة الله بينكم وبين من يريد فعلها، وقيل: هو خاص فيما يفعله تعالى أو يأمر به. ومن يؤمن بالله ويرضى بقضائه يهد الله قلبه حتى يصبر ولا يجزع لينال الثواب، وقيل: إن المعنى: يهد قلبه، فإن ابتلي صبر، وإن أعطي شكر، وإن ظلم غفر(1).
ومن الثمرات أيضاً: الاعتماد على الله تعالى عند فعل الأسباب بحيث لا يعتمد على السبب نفسه؛ لأن كل شيء بقدر الله تعالى، وأن لا يعجب بنفسه عند حصوله على مراده؛ لأن حصوله نعمة من الله تعالى، بما قدره من أسباب الخير والنجاح، وإعجابه بنفسه ينسيه شكر هذه النعمة.
المطلب الثاني:
المنحرفون في القدر
من الطوائف التي ضلت في اعتقادها بالقضاء والقدر: القدرية والجبرية.
فالجبرية قالوا: إن العبد مجبر على عمله من عند الله وليس له به إرادة ولا قدرة.
وقولهم معلوم بطلانه عند أهل الإيمان؛ لأنهم يعلمون أن الله تعالى أثبت للعبد إرادة ومشيئة وأضاف العمل إليه، قال تعالى: ((مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ)) [آل عمران:152].
وقال تعالى: ((وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)) [الكهف:29].
وقال تعالى: ((مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ)) [فصلت:46].
وأما القدرية فقالوا: إن العبد مستقل بعمله في الإرادة والقدرة، وليس لمشيئة الله تعالى وقدرته فيه أثر، فلا يعلم الله شيئاً إلا بعد وقوعه من العبد.
__________
(1) مختصر مجمع البيان: (3/431).
(144/20)
وبيان بطلان اعتقادهم واضح كبطلان قول الجبرية، وذلك أن الله تعالى خالق كل شيء، وكل شيء كائن بمشيئته سبحانه، وقد بين الله تعالى في كتابه أن أفعال العباد تقع بمشيئته، قال تعالى: ((وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنْ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ)) [البقرة:253].
والاعتقاد الصحيح الذي يتوسط هذين الطرفين، والذي أجمع عليه المسلمون من فهمهم لكتاب الله عز وجل ولسنة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، أن ما يقع على العبد من المصائب، أو يكون بفعله من الأعمال علمُه عند الله عز وجل علم أزلي من قبل أن يخلق السموات والأرض، وكتبها من بعد ذلك وأثبتها في اللوح المحفوظ، وشاء الله أن يحصل هذا الفعل للعبد فخلقه في هذه الدنيا، ويسر له ما أراد فعله، قال تعالى: ((وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ)) [الصافات:96].
فهذه العقيدة مفتاح إلى السعادة وإلى المعتقد المبارك الذي ينبغي على كل مسلم أن يحققه في نفسه، فمن علم أن الله بيده كل شيء وأنه المتصرف في كونه والمدبر له من بعد خلقه له، يجد ذلاً وفقراً واحتياجاً إليه سبحانه، فلن يدعو إلا العزيز القوي، ولن يتوكل إلا على الحي القيوم، ولن يلجأ إلى أحد من الخلق الضعفاء المفتقرين إلى عون الله سبحانه وتعالى.
المطلب الثالث:
الصبر على قضاء الله وقدره
من الأمور الهامة المتعلقة بمعتقد القضاء والقدر، الصبر على ما قدره الله سبحانه والرضا به، وهذا مطلب هام يغفل عنه بعض أهل الإسلام.
والصبر: هو حبس النفس عن الجزع، وحبس اللسان عن التشكّي والتسخّط، وحبس الجوارح عن لطم الخدود وشق الجيوب ونحوها عند المصيبة، والرضا بما قدره الله.
والصبر على ثلاثة أنواع:
النوع الأول: الصبر على ما أمر الله به.
(144/21)
النوع الثاني: الصبر عن ما نهى الله عنه.
النوع الثالث: الصبر على قضاء الله وقدره عند المصائب، وهذا هو محور البحث.
فاعلم رحمك الله أن عدم الصبر على قضاء الله وقدره يسخط الرب وينافي كمال التوحيد؛ لما فيه من عدم الاستسلام والرضا والإيمان بقضاء الله وقدره.
فيجب على المؤمن أن يصبر على ما أصابه، وليعلم بأن الله عز وجل قد قدّر له ذلك، وأن يستسلم له بإخلاص، ومن فعل ذلك يعوضه ربه عما أصابه وما فاته في الدنيا والآخرة.
قال تعالى: ((وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ)) [البقرة:155-157].
وقد مر النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة وهي تبكي عند قبر ولدها، فنهاها عن ذلك وأمرها بالصبر، وقال لها: الأجر مع الصدمة الأولى(1).
وعن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: من رضي القضاء أتى عليه القضاء وهو مأجور، ومن سخط القضاء أتى عليه القضاء وأحبط الله عمله.
وروي عنه عليه السلام: رأس طاعة الله الصبر والرضا.
وروي عنه عليه السلام: أعلمُ الناس بالله أرضاهم بقضاء الله(2). انتهى.
__________
(1) مستدرك الوسائل: (2/351)، وانظر أيضاً: بحار الأنوار: (79/93)، دعائم الإسلام: (1/222).
(2) مستدرك الوسائل: (2/411).
(144/22)
وفي عصرنا الحاضر نرى كثيراً من المسلمين هداهم الله للحق يقومون بإحياء ذكرى وفاة بعض الأولياء والصالحين واستشهادهم، ويقومون بأعمال مخالفة لما شرع الله عز وجل، ومخالفة لما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم والأئمة عليهم السلام، من لطم للخدود وشق للجيوب وضرب للرؤوس بالخناجر والسيوف وضرب الطبول ولبس السواد، والإتيان بالشعراء والشاعرات وغيرها، معتقدين بأنها تحيي ذكراهم وتقربهم عند النبي وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام وتشفعهم فيهم.
ويمكن توضيح الصواب والمنهج الحق في هذا المعتقد وفق الأمور الآتية:
أولاً: إن الاحتفال بيوم الميلاد أو الوفاة ليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم بل هو من هدي المخالفين لشريعة الإسلام.
فقد قُتل بعض الأنبياء وعذبوا، وهم مرسلون من الله عز وجل لدعوة البشر وتعليمهم، منهم: نبي الله زكريا الذي قُتل وعُذب وقطع رأسه وأحرق، ثم من بعد ذلك وقع هذا الفعل الشنيع في بعض الصحابة رضي الله عنهم، مثلما حصل لحمزة وجعفر بن أبي طالب وحنظلة رضي الله عنهم وغيرهم، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم بكى واشتد حزنه عليهم، إلا أنه لم يأمر الصحابة بإقامة المآتم لهم ومجالس العزاء والندب، أو باتخاذ هذه الأيام مناسبة أو أعياداً لذكرى وفاتهم، مثلما يفعل بعض الناس في هذا العصر.
ثانياً: إن الله عز وجل حثنا على الصبر في كثير من الآيات في القرآن الكريم، وكذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وأقوال الأئمة عليهم السلام ليست ببعيدة عنا، وعلى ما جاء فيها من احتساب الأجر كما سبق ذكره.
ثالثاً: إن الأعمال التي يعملها الناس في هذا العصر من لبس السواد وضرب الرؤوس بالسيوف والسلاسل وغيرها مخالفة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك لأقوال الأئمة عليهم السلام.
(144/23)
فعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أربعة لا تزال في أمتي إلى يوم القيامة: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والنياحة)(1).
وهذا ما حققه عملياً عليه السلام ونصح به المسلمين، حينما ورد الكوفة قادماً من صفين، فلما مر بالشاميين وسمع بكاء الناس على قتلى صفين، فقال عليه السلام لشرحبيل الشامي: أتغلبكم نساؤكم على ما أسمع؟ ألا تنهونهن عن هذا الرنين؟(2).
وهذا ما سار عليه آله عليهم السلام، فعن الصادق عن آبائه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرَنَّة عند المصيبة ونهى عن النياحة والاستماع إليها، ونهى عن اتباع النساء للجنائز(3).
وكان من تحذيراته صلى الله عليه وسلم للنساء خاصة في أواخر حياته، ما جاء عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة بايع الرجال ثم جاء النساء، فقالت أم حكيم: يا رسول الله، ما ذلك المعروف الذي أمرنا الله أن لا نعصيك فيه؟ فقال: (لا تلطمن خداً، ولا تخمشن وجهاً، ولا تنتفن شعراً، ولا تَشُقنَّ جيباً، ولا تسوِّدنَّ ثوباً)(4).
__________
(1) بحار الأنوار: (22/451)، وانظر: مستدرك الوسائل: (13/93)، وسائل الشيعة: (17/128)، الخصال: (1/226).
(2) نهج البلاغة: (532)، وسائل الشيعة: (3/275)، مستدرك الوسائل: (2/455)، بحار الأنوار: (32/619).
(3) بحار الأنوار: (78/257)، من لا يحضره الفقيه: (4/3)، وسائل الشيعة: (3/272)، وانظر: أمالي الصدوق: (422).
(4) انظر: بحار الأنوار: (21/134)، الكافي: (5/527)، مستدرك الوسائل: (2/449)، وسائل الشيعة: (20/211)، تفسير القمي: (2/364).
(144/24)
حتى ولو كان إظهار الحزن في اللباس دون صراخ أو عويل ولطم؛ لقول أمير المؤمنين عليه السلام فيما علّم أصحابه: لا تلبسوا السواد؛ فإنه لباس فرعون(1).
وعن محسن بن أحمد قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أُصلّي في القُلُنُسَوة السوداء؟ فقال: لا تصلّ فيها؛ فإنها لباس أهل النار(2).
وقد يتعاطف كثير من الناس مع ما حدث للإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته الطاهرين من الظلم وسفك للدماء، فيحيون ما وقع لهم، يقولون: إننا نعمل تلك العروض من ضرب بالسيوف والسلاسل ولطم الخدود وغيرها لإحياء ذكرى يوم استشهاد الإمام الحسين عليه السلام الذي لم يصب أحد من المسلمين بمثل مصيبته.
وفرق بين التعاطف والشعور الإيجابي تجاه المصاب بالحسين عليه السلام، وبين أن المسلم تقوده عواطفه إلى أن يفعل المخالفات تجاه آل البيت عليهم السلام، وهذه المقولة والحجة التي يبرر بها فعل بعض المسلمين تجاه مصابنا في حق سيد شباب أهل الجنة يمكن أن توجه للحق وفق الأمر التالي:
إن وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وفقدان الأمة الإسلامية له أعظم من قتل الأنبياء والرسل والصالحين، لا يستثنى منهم أحد.
فعن عمر بن سعيد بن هلال قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أوصني؟ قال: أوصيك بتقوى الله -إلى أن قال-: وإذا أصبت بمصيبة فاذكر مصابك برسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فإن الناس لم يصابوا بمثله أبداً(3).
__________
(1) من لا يحضره الفقيه: (1/251)، وسائل الشيعة: (4/383)، وانظر: الخصال: (2/614)، علل الشرائع: (2/346).
(2) الكافي: (3/403)، تهذيب الأحكام: (2/213)، وسائل الشيعة: (4/384)، علل الشرائع: (2/346).
(3) مستدرك الوسائل: (2/443)، وانظر: الكافي: (8/168)، بحار الأنوار: (22/545)، أمالي الصدوق: (681)، أمالي المفيد: (194).
(144/25)
ومع أن مصابنا بالنبي صلى الله عليه وسلم كان أعظم من مصائب الناس أجمعين، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى ابنته الحبيبة وسيدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام بالصبر، والتزامها الشرع الصحيح عند وفاته.
فعن عمر بن أبي المقداد قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: تدرون ما قوله تعالى: ((وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ)) [الممتحنة:12] قلت: لا، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة عليها السلام: (إذا أنا مت فلا تخمشي عليَّ وجهاً، ولا ترخي عليَّ شعراً، ولا تنادي بالويل والثبور، ولا تقيمي عليَّ نائحة، قال: إن هذا المعروف الذي قال الله عز وجل)(1).
وأما الحسين عليه السلام الذي ينتسب إليه كثير من الناس ويبكون ليوم استشهاده، فقد حرّم هذه الأفاعيل أيضاً وتبرأ منها، ناهجاً سنة جده المصطفى صلى الله عليه وسلم.
فعن محمد بن علي عليه السلام قال: لما هَمَّ الحسين بالشخوص إلى المدينة أقبلت نساء بني عبد المطلب فاجتمعن للنياحة، فمشى فيهن الحسين عليه السلام، فقال: أنشدكن بالله أن تبدين هذا الأمر معصية لله ورسوله(2).
وعن علي بن الحسين عليه السلام قال: إن الحسين قال لأخته زينب: يا أختاه! إني أقسمت عليك فأبرِّي قسمي: لا تشقي عليَّ جيباً، ولا تخمشي عليَّ وجهاً، ولا تدعي عليَّ بالويل والثبور إذا أنا هلكت(3).
وقد يتعجب كثير من الناس من هذا الكلام ويتساءلون: كيف ينهى النبي صلى الله عليه وسلم عن البكاء، وقد بكى نبي الله يعقوب عليه السلام عند فقدان ابنه حتى ابيضّت عيناه؟ ألا ينافي ذلك الصبر على قضاء الله وقدره؟
__________
(1) مستدرك الوسائل: (2/451)، وانظر: الكافي: (5/527)، وسائل الشيعة: (3/272)، بحار الأنوار (22/460).
(2) مستدرك الوسائل: (2/453).
(3) مستدرك الوسائل: (2/451)،وانظر: بحار الأنوار:(45/2)، الإرشاد: (2/93): إعلام الورى: (239).
(144/26)
فنقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه عن البكاء، ولكنه نهى عن غير ذلك مما قد يصاحب البكاء والحزن: من لطم الخدود، وضرب الصدور بالسلاسل، وشق الرؤوس بالخناجر والسيوف، ونهى عن الصراخ والنياحة والعويل ولبس السواد والإتيان بالشاعرات والنائحات، وغيرها من الأعمال الوحشية كما أسلفنا.
وقد قال صلى الله عليه وسلم يوم وفاة ابنه إبراهيم: (ما كان من حزن في القلب أو العين فإنما هو رحمة، وما كان من حزن اللسان وباليد فهو من الشيطان)(1).
وأما نبي الله يعقوب عليه السلام فقد صبر على قضاء الله وقدره عندما فقد ابنه يوسف عليه السلام، كما قال الله عز وجل عن نبيه يعقوب: ((فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ)) [يوسف:18].
يقول ناصر مكارم الشيرازي عن شدة بكاء نبي الله يعقوب عليه السلام:
إن قلوب العباد مركز للعواطف، فلا عجب أن ينهل دمع عينهم مدراراً، المهم أن يسيطروا على أنفسهم ولا يفقدوا توازنهم، ولا يقولوا شيئاً يسخط الرب، ومن الطريف أن مثل هذا السؤال وجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين بكى على موت ولده إبراهيم حيث قالوا له: يارسول الله، أتنهانا عن البكاء وتبكي؟ فأجابهم النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: (تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب)، وفي رواية أخرى أنه قال: (ليس هذا بكاء، إنه رحمة)، وهذه إشارة إلى أن ما في صدر الإنسان هو القلب، وليس الحجر، وطبيعي أن يتأثر الإنسان أمام المسائل العاطفية، وأبسط هذا التأثر هو انهلال الدمع(2).
إذاً: يجب على من يحب النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته وأصحابه أن يسير على نهجهم، ويتبع أمرهم الذي يحث على التمسك بالشرع، ولا يخالف كتاب الله الذي أمر بالصبر والمصابرة عند المصائب.
الفصل الثالث
توحيد الألوهية
__________
(1) مستدرك الوسائل: (2/463).
(2) تفسير الأمثل، وانظر: تفسير الكاشف، تفسير من وحي القرآن (سورة يوسف:18).
(144/27)
ويتضمن المباحث الآتية:
المبحث الأول: التعريف بتوحيد الألوهية.
المبحث الثاني: سؤال وجواب في توحيد الألوهية.
المبحث الثالث: التحذير من خطر الشرك.
المبحث الرابع: أمثلة دالة على وقوع الشرك في الناس.
المبحث الأول:
التعريف بتوحيد الألوهية
وهو إفراد الله بالعبادة.. كالصلاة والرجاء والاستغاثة والاستعاذة والاستعانة... إلخ.
فالله خلق العالم من الإنس والجن لعبادته وحده لا شريك له، فأوجبها عليهم في هذه الدنيا الفانية للاختبار، ولأنه سبحانه هو المستحق إلى أن تصرف إليه هذه العبادات.
قال تعالى: ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ)) [الذاريات:56].
وقال تعالى: ((وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ)) [الإسراء:23].
فمن عبد الله وحده أنجاه الله وأدخله جنته تكريماً له لما فعل، ومن عبد غير الله، أو جعل لربه نداً أو مساوياً عاقبه الله بنار جهنم خالداً فيها.
ولأجل هذا المقصد العظيم أرسل الله تبارك وتعالى لهذا العالم الرسل؛ ليعلموا البشرية ما أمر الله به وما نهى عنه من العبادات والمعاملات والعقائد والتشريع والسياسة وغيرها من أمور البشر، وذلك لكمال حكمه وقضائه وعدله، والتي لا تصرف إلا له سبحانه.
ولعظم هذا المقصد فكل الرسل بدؤوا دعوتهم بتوحيده عز وجل، ابتداءً من نوح وختاماً بمحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
قال تعالى: ((وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)) [النحل:36].
وقال تعالى: ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ)) [الأنبياء:25].
قال أبو جعفر محمد الطوسي: بأنه لا معبود على الحقيقة سواه ((فَاعْبُدُونِ)) أي: وجهوا العبادة إليه من دون غيره(1).
__________
(1) تفسير التبيان: (7/240).
(144/28)
وقال الحاج سلطان الجنابذي: بالتوحيد وخلع الأنداد لا بالإشراك واتخاذ الأنداد(1).
وقال محمد جواد مغنية: ما أرسل رسولاً إلا بالتوحيد والإخلاص لله في العبادة(2).
إذاً: ما العبادة؟ وما تعريف شهادة (لا إله إلا الله)؟
العبادة: هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، ولها أركان وشروط(3).
ومعنى شهادة (لا إله إلا الله): أي: (لا معبود بحق(4) إلا الله)، ولها أركان وشروط أيضاً(5).
واعلم -رحمك الله- أن العبادة لها أنواع كثيرة، يجب صرفها جميعاً لله وحده لا شريك له، ومنها: الدعاء بأنواعه من استغاثة واستعانة واستعاذة، ومنها: الذبح والنذر والصلاة والزكاة والصيام والحج وقراءة القرآن... إلخ، فمن صرف شيئاً منها لغير الله فقد أشرك به عز وجل.
قال تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)) [النساء:116].
__________
(1) تفسير بيان السعادة: (3/47).
(2) تفسير الكاشف: (5/270).
(3) أركان العبادة ثلاثة لابد من اجتماعها جميعاً دون استثناء، وهي: المحبة والرجاء والخوف. وشروطها: الإخلاص والمتابعة في العمل.
(4) وذكرنا كلمة الحق زيادة في التعريف؛ لأن كثيراً من الناس يعبدون آلهة لكنها آلهة باطلة ليست آلهة حقة، وليس لها من حق الألوهية شيء، قال تعالى: (ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير). [الحج:62].
قال مير سيد علي الطهراني: لأن بعض الناس يعبدونه تعالى ويعبدون غيره معه كما كان لبعض المشركين آلهة متعددة يعبدون إلهاً لأمر وإلهاً لأمر وهكذا. (مقتنيات الدرر: 3/99).
(5) وشهادة لا إله إلا الله لها ركنان: الأول: النفي وهو (لا إله)، والثاني: الإثبات وهو (إلا الله).
وشروطها سبعة: الأول: العلم، الثاني: اليقين، الثالث: الإخلاص، الرابع: الصدق، الخامس: المحبة، السادس: الانقياد، السابع: القبول.
(144/29)
وقال تعالى: ((وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً)) [النساء:36].
قال الشيخ محمد السبزواري النجفي في تفسير هذه الآية: أمر سبحانه بعبادته؛ لأن العبادة منحصرة بذاته عز وجل، لا بشيء غيره من الأشياء في السموات ولا في الأرض، إذ ليس فيها كائن قابل لأن يشاركه في الألوهية، بل كل شيء مخلوق له، مفتقر إليه(1).
وقال أمين الدين الطبرسي فيها أيضاً:
أي وحدوه وعظموه ولا تشركوا في عبادته غيره، فإن العبادة لا تجوز لغيره؛ لأنها لا تُستحق إلا بفعل أصول النعم ولا يقدر عليها سواه تعالى(2).
وكذلك قال ناصر مكارم الشيرازي:
لا تجعل معبوداً آخر مع الله: لا في العقيدة ولا في العمل ولا في الدعاء ولا في العبودية.
وقال أيضاً: إن للشرك ثلاثة آثار سيئة جداً في وجود الإنسان:
1- الشرك يؤدي إلى الضعف والعجز والذلة، في حين أن التوحيد هو أساس الحركة والنهوض والرفعة.
2- الشرك موجب للذم واللوم؛ لأنه خط انحرافي واضح في قبالة منطق العقل، ويعتبر كفراً واضحاً بالنعم الإلهية.
3- الشرك يكون سبباً في أن يترك الله سبحانه وتعالى الإنسان إلى الأشياء التي يعبدها، ويمتنع عن حمايته، وبما أن هذه المعبودات المختلفة والمصطنعة لا تملك حماية أي إنسان أو دفع القدر عنه، لأن الله لا يحمي مثل هؤلاء(3).
التفريق بين الربوبية والألوهية:
إن هؤلاء الناس الذين بُعث فيهم الرسل يقرون بموجب فطرتهم ونظرهم في الكون بأن الله هو ربهم الخالق والرازق والمحيي والمميت.
لهذا قال تعالى في حقهم: ((وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ)) [الزخرف:9].
وقال تعالى: ((وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ)) [الزمر:38].
__________
(1) الجديد: (2/288).
(2) تفسير مجمع البيان: (2/45).
(3) تفسير الأمثل: (8/394).
(144/30)
والآيات في هذا المعنى كثيرة، ولكنَّ هذا لا ينفعهم؛ لأن هذا إقرار بالربوبية فقط، ولا ينفع الإقرار بالربوبية، لأنه معرفة مجردة من العمل حتى يكون معها الإقرار بالألوهية، وهي العمل وعبادة الله وحده لا شريك له.
ولذا ركزت دعوة الرسل على توحيد الألوهية، وإفراد الله بالعبادة وحده من دون شريك ولا ند ولا واسطة.
فهذا نبي الله نوح عليه السلام دعا قومه إلى عبادة الله وحده وترك الأصنام التي جعلوها واسطة بينهم وبين الله يعبدونها ويتشفعون بها، وبقي فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى التوحيد، فكان ردهم كما قال تعالى: ((وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً)) [نوح:23].
وذكر السيد عبد الله شبر معنى الأسماء الواردة في الآية، فقال:
هم أسماء قوم صلحاء بين آدم ونوح، فلما ماتوا صوروهم تبركاً بهم، فلما طال الزمان عُبِدوا، ثم انتقلت إلى العرب.
وقال القمي: كانوا قوماً مؤمنين قبل(1) نوح فماتوا، فحزن عليهم الناس، فجاء إبليس فاتخذ لهم صورهم ليأنسوا بها، فلما جاءهم الشتاء أدخلوهم البيوت، فمضى ذلك القرن وجاء القرن الآخر فجاءهم إبليس، فقال لهم: إن هؤلاء آلهة كان آباؤكم يعبدونها فعبدوهم وضل منهم بشر كثير، فدعا عليهم نوح فأهلكهم الله، وقال: كانت ود صنماً لكليب، وسواع لهذيل، ويغوث لمراد، ويعوق لهمدان، ونسر لحصين(2).
وهذا خليل الله إبراهيم عليه السلام لما جاء بعد نوح، تبرأ من قومه وأبيه لعبادتهم الأصنام والكواكب حين جعلوها واسطة بينهم وبين الله كما يدعون، وتحمل الأذى في دعوتهم، ومدح الله نبيه الخليل لتمسكه بالتوحيد الخالص هو وأولاده.
__________
(1) وفي الأصل (والقمي قال: كان قوم مؤمنين).
(2) تفسير الجوهر الثمين: (6/290)، وانظر: الصافي: (5/232)، البرهان: (5/388)، نور الثقلين: (5/425)، كنز الدقائق: (13/458)، بيان السعادة: (4/206).
(144/31)
قال تعالى: ((وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ)) [الزخرف:26-27].
قال السيد محمد تقي المدرسي:
كانت رسالة إبراهيم عليه وعلى نبينا وآله السلام موجهة ضد استمرارية الأمر الواقع ضد عبادة الآباء وتقديس شرعهم ومعتقداتهم وتاريخهم، لذلك قال لأبيه: إنني براء مما تعبدون من دون الله، ويعتبر هذا من أهم ما يتميز به إبراهيم الخليل من بين سائر الرسل، وتبرؤ إبراهيم مما عبده آباؤه قطع صلاته بهم، واختط لنفسه ولآله من بعده خطاً جديداً نظيفاً وهو التوحيد(1).
وأما عن الشرك الواقع في بني إسرائيل، فقال تعالى عن قصة موسى عليه السلام: ((وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ)) [الأعراف:138].
قال أبو جعفر الطوسي: وتوهمهم أنه يجوز عبادة غير الله... فقال لهم موسى: إنكم قوم تجهلون من المستحق للعبادة، وما الذي يجوز أن يتقرب به إلى الله تعالى(2).
وقال أيضاً مير سيد علي الطهراني:
وطلبوا من موسى أن يعين لهم تمثالاً يتقربون بعبادته إلى الله، وهذا القول هو الذي حكاه عن عبدة الأوثان، حيث قالوا: ((مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)) [الزمر:3].
__________
(1) تفسير من هدي القرآن: (12/461)، وانظر: تفسير الميزان: (18/99)، الجديد: (6/348).
(2) تفسير التبيان: (4/527).
(144/32)
وهذا يوسف عليه السلام في السجن يدعو صاحبيه إلى التوحيد عندما سألاه عن تعبير الرؤيا، وقبل أن يجيبهما قال لهما: ((يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمْ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)) [يوسف:39-40].
وهذا خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الذي كان معروفاً عند العرب قبل البعثة بالصادق الأمين، مكث في مكة ثلاثة عشر عاماً يدعوهم إلى عبادة الله وحده بقوله: (لا إله إلا الله) وترك ما كان يعبد آباؤهم، ففهموا معنى هذه الشهادة التي يدعو إليها، واعتذروا له قائلين: إنا لا نعبد هذه الأصنام لاعتقاد أنها آلهة مستقلة، وإنما نعبدها لأجل أنها تماثيل لأشخاص كانوا عند الله من المقربين فنحن نعبدها لأجل الشفاعة (1).
ولضلالهم العميق نسوا صدقه وأمانته واتهموه بالسحر والكذب، وقالوا له: أتعبد إلهاً واحداً من غير واسطة وتهمل آلهة آبائنا؟! هذا شيء عجيب!
قال تعالى: ((وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ * أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ)) [ص:4-5].
وقال تعالى: ((إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ * وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ)) [الصافات:35-36].
وشرح بعض العلماء سبب وقوع كفار مكة في الخطأ وعلى ماذا استندوا، فقال ناصر مكارم الشيرازي:
__________
(1) انظر: مقتنيات الدرر: (9/217)، وانظر: تفسير الجديد: (6/171).
(144/33)
إن المشركين يستندون إلى الأوهام، فلا دليل لهم على ما يدعون سوى أنهم كالببغاء يقلدون آباءهم في التمسك بالخرافات والأساطير التي لا أساس لها من الصحة... ويقبلون الشرك من غير دليل صحيح عليه(1).
ومع كل هذا الضلال لم ييأس النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الدعوة المباركة، بل بدأ بها مبتدئاً بأقربائه، فدعا عمه أبا طالب الذي حماه من ظلم قريش، وعند احتضاره للموت، قال له: (قل يا عم كلمة أشهد لك بها عند الله تعالى، فقال: لولا أن تقول العرب: إن أبا طالب جزع عند الموت لأقررت بها عينك)، وروي أنه قال: (أنا على دين الأشياخ، وقيل: إنه قال: أنا على دين عبد المطلب). وقيل غير ذلك(2).
واستمر النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الدعوة حتى دخل كثير من الناس في دين الإسلام -دين التوحيد- وبلغ قريشاً اليأس من محاربة هذا الدين الجديد الذي يسفه تعلقهم بآلهتهم المزعومة، التي لهم فيها المآرب الشخصية، وجلب الأرزاق من الحجيج الذين يفدون على مكة فيتوسلون بهذه الآلهة الباطلة لتتوسط لهم عند الخالق العظيم، فبذلوا للنبي صلى الله عليه وسلم المغريات، وأصبحت العروض تأتي إليه لكي يترك تلك الدعوة، فلم يلتفت إلى ذلك، بل استمر متحملاً مع أصحابه في سبيل دعوة التوحيد أذى قريش وجبروتهم وطغيانهم، حتى انتصرت دعوته بعد ثلاثة عشر عاماً، ولله الحمد والمنة.
أما في عصرنا الحاضر فإننا نرى كثيراً من الناس -هداهم الله إلى الحق- يسيرون على طريق أهل الجاهلية، مع أنهم يقولون: (لا إله إلا الله)، ثم تراهم يجعلون الأولياء والصالحين شفعاء ووساطات بينهم وبين الله في جميع أنواع العبادات من الدعاء والخوف والنذر والتبرك.
__________
(1) تفسير الأمثل: (10/473).
(2) بحار الأنوار: (35/155).
(144/34)
ومع هذا التوضيح قد تتلجلج في صدور بعض المسلمين شبهات ووساوس قد تنخر في هذا الجانب العظيم والركن الوثيق من أركان الإيمان، وهذا ما سيكون مبحثنا في القادم من المباحث بعون الله ومنته.
المبحث الثاني:
سؤال وجواب في توحيد الألوهية
في هذا المبحث نتناول بعض التساؤلات المتعلقة في جانب العبادة بالبيان والرد، بغية إظهار الحق جلياً لا لبس فيه، خاصة في أعظم ما يقدمه المسلم لنفسه تجاه ربه ألا وهو: كمال العبودية لله سبحانه.
سؤال (1):
نرى كثيراً من ضعفاء الناس والمحتاجين يذهبون لأهل الجاه في البلد لكي يتوسطوا لهم عند أصحاب السلطة والرياسة لقضاء حوائجهم الدنيوية.
ونحن لنا حاجاتنا مع الله، فلما كنا نحب الأولياء وخاصة من آل بيت النبي ونتبع طريقهم لأنه هو الحبل المؤدي إلى صراط النجاة، فمن باب أولى أنهم لن يتركوا من يودهم ويحبهم، فحينئذٍ سيكونون لنا وسائط عند الله عز وجل في الدنيا والآخرة.
الجواب:
أولاً: إن هذا الكلام غير صحيح، بل فيه طعن في علم الله عز وجل ورحمته بخلقه، وفيه أيضاً تشبيه للخالق بالمخلوق.
فإن أصحاب السلطة والنفوذ لا يحيطون بكل ما يحصل بين الناس وبكل ما يحتاجونه من نصرة ومساعدة، وربما لا يعطون كل ذي حق حقه، ولا يستطيعون أن يسمعوا ويروا كل أحوال الناس وما يحتاجون إليه، وهذا الميت إذا طلب منه التوسط هل سيسمع من عند قبره فقط أو يسمع البعيد أيضاً، وهل بمقدوره أن يسمع جميع من يدعونه في وقت واحد؟
وإذا كان لا يستطيع ذلك في الدنيا وهو حي فكيف بعد موته؟! وهل من يستطيع ذلك غير الله؟!
أما الله عز وجل فإنه يعلم كل ما كان وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف يكون، ولا يظلم عباده أبداً، ويسمع كل من يناجيه من مختلف البلدان والألسن والأزمنة سبحانه وتعالى.
ثانياً: إن الله تبارك وتعالى قد بيّن كيفية نهج الأنبياء عليهم السلام في اللجوء إليه سبحانه في كتابه العزيز.
(144/35)
فهذا نوح عليه السلام نادى ربه فنجاه من الكرب العظيم، وإبراهيم عليه السلام صدع في قومه مظهراً تعلقه بربه، فقال: ((وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)) [الزخرف:26-28], وهذا موسى عليه السلام تحدى آل فرعون، فالتجأ إلى ربه، فقال عند اقتراب جيش فرعون من بني إسرائيل: ((قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ)) [الشعراء:62]، وزكريا عليه السلام لما نزل به العجز نادى ربه نداءً خفياً، وأيوب عليه السلام عندما مسه الضر نادى ربه وحده، ويوسف عليه السلام نادى ربه في حال الفتنة، فقال: ((مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ)) [يوسف:23]، ويونس عليه السلام نادى الله وحده في الظلمات.
وسيد البشر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قال لصاحبه وهما في الغار: ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟! فقال تعالى: ((إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ)) [التوبة:40].
لذلك فمن جعل بينه وبين الله من الواسطات، فإنه ما أحسن الظن بربه أنه هو كاشف الضر والنافع والرزاق، وما سار على نهج المرسلين، وللعلم فإنه ما اتخذ إنسان الواسطة إلا أنه شبه الخالق بالمخلوق.
ثالثاً: إن طلب السؤال من العبد لربه لا يحتاج إلى واسطة كما يظنه بعضهم، فالدعاء وغيره من العبادات الخاصة والمتوجه إلى الله عز وجل، ولا شأن للأنبياء والأولياء فيها، إنما أمرهم منحصر في تبليغ الناس رسالة الله تبارك وتعالى، وتعليم الناس شرع ربهم سبحانه من بعد أن يسألهم الناس.
(144/36)
وقد بين ذلك الله عز وجل في كتابه العزيز؛ فقال تعالى: ((يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ)) [البقرة:189]، وقال تعالى: ((يَسْأَلُونَكَ عَنْ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ)) [البقرة:217].. وقال تعالى: ((يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا)) [البقرة:219].. وقال تعالى: ((وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ)) [البقرة:220].. وقال تعالى: ((وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى)) [البقرة:222].. وقال تعالى: ((وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً)) [الإسراء:85].
فهذه الآيات جميعها فيها لفظ (يسألونك)، وفيها الرد التعليمي (قل)، إلا آية واحدة جاءت على خلاف هذا النسق، وهي قوله تعالى: ((وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)) [البقرة:186] فلم يقل سبحانه: (قل)، بل قال سبحانه مباشرة: (فإني قريب)، لأن طلب السؤال خاص بالله ولا يحتاج إلى واسطة بين العبد وربه، حتى من النبي صلى الله عليه وسلم، والصالحين من باب أولى، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم هو رسول بين الله والناس في تبليغ الرسالة والشرع، وأما الدعاء والعبادة فليس بين العبد وربه حجاب أو واسطة، وهو مصداق قوله تعالى: ((أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي)) [البقرة:186].
(144/37)
رابعاً: إن الله هو وحده الذي كشف ضر الأنبياء والمرسلين، وهو الذي حفظهم، مثلما حفظ موسى في التابوت وهو رضيع، وأنجى يونس من بطن الحوت، وسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
فالسؤال العظيم:
إذا أصابك الكرب هل يقدر الله على كشفه أم لا ؟
- وهل يعلم سبحانه بحالك ويسمع صوتك أم لا ؟ وأليس اللهُ بكافٍ عباده ؟
- أليس الله يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ؟
- وهل الأولياء والصالحون من الوسطاء يخافون عليك أكثر من الله ؟
أو سيلطفون بك أكثر من الله ؟ أو سيحبونك أكثر من الرحمن الرحيم ؟
فنعلم يقيناً أنك ستقول: الأمر لله وحده..
إذاً: يا عبد الله.. لماذا لا تلجأ إلى الله مباشرة دون واسطة ؟!
ونقول لك أيضاً: لماذا تجعل في عبادتك واسطة من الأولياء والصالحين ؟
أتظن أن هؤلاء الأولياء أعلم من الله بحالك وأقدر على عطاء سؤالك ؟
فإن قلت: (نعم).. فهذا كفر بالله عز وجل، وإن قلت: (لا).. فنقول لك: فلماذا تعدل عن سؤال الله عز وجل إلى سؤال غيره ؟!
سؤال (2):
إن الله عز وجل يقول: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ)) [المائدة:35]. ونحن المذنبون نعلم أن الصالحين لهم من الجاه والمنزلة عند الله ما نؤمل به أننا إذا توسلنا إليه بهم وتقربنا إليه من طريقهم أن يستجيب الله ما طلبناه منه من قضاء الحوائج ودفع الضر وجلب النفع.
الجواب:
لا حجة لهؤلاء على ما استدلوا به في تلك الآية الكريمة من وجوه:
الوجه الأول: أن الوسيلة الشرعية التي أمر الله بها في القرآن الكريم إنما هي عبادة الله عز وجل والتقرب إليه بما شرع(1)، لا أن يكون التقرب بأن يشرك معه في عبادته من دعاء وتوسل وشفاعة ورجاء وخوف أحد من الأولياء والصالحين.
__________
(1) انظر: التوسل المشروع (ص:75) من هذا الكتاب.
(144/38)
قال تعالى: ((أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمْ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً)) [الإسراء:57].
قال مير سيد الحائري الطهراني:
((أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ)) إلى الله ويطلبون القربة و((الْوَسِيلَةَ)) بالعبادة إليه ((أَيُّهُمْ)) أفضل و((أَقْرَبُ))، وذكر ذلك حثاً على الاقتداء بهم وترك هذه الطريقة الخبيثة، فليكن الإنسان يرجو رحمة الله ويخاف عذابه ((إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ)) يجب أن يحذر منه(1).
وقال الشيخ محمد باقر الناصري:
أي يطلبون التقرب إليه بفعل الطاعات... لأن الأنبياء مع علو مرتبتهم وشرف منزلتهم لم يعبدوا غير الله، فأنتم أولى أن لا تعبدوا غير الله(2).
الوجه الثاني: إذا أذنب الإنسان أو أخطأ فعليه أن يتوب إلى الله عز وجل، ولا يحتاج إلى واسطة تقربه إلى ربه، كما قال تعالى: ((أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ)) [النمل:62]، وأما من جعل في عبادته واسطة تقربه ويتشفع بها عند ربه فإنه يتعبد كما يتعبد النصارى باتخاذهم عيسى وأمه مريم العذراء عليهما السلام شفعاء عند الله، وكما يتعبد العرب في الجاهلية للصالحين واتخاذهم اللات والعزى شفعاء ووسطاء.
وقال تعالى: ((مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمْ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)) [المائدة:75-76].
__________
(1) تفسير مقتنيات الدرر: (6/246).
(2) مختصر مجمع البيان: (2/225).
(144/39)
فقوله تعالى: ((كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ)) [المائدة:75] يبين لنا فيه حكمة عظيمة من أن عيسى ابن مريم عليه السلام كان وأمه يأكلان الطعام، فقد أراد الله سبحانه أن يبين لنا صفة الحاجة والفقر في المسيح وأمه، وأن صفتي الحاجة والفقر لا يليقان بمقام الإله العظيم، وأنهما عبدان مخلوقان لله، ولا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم ضراً ولا نفعاً، لذلك ذكرت الآية التي بعدها على حصر النفع والضر بيد الله تبارك وتعالى.
وهذا ما أكده العلامة ناصر مكارم الشيرازي أيضاً، فقال عن تلك الآية:
إن من تكون له أم حملته في رحمها، ومن يكون محتاجاً إلى كثير من الأمور، فكيف يمكن أن يكون إلهاً؟ ثم إذا كانت أمه صدّيقة فذلك لأنها هي أيضاً على رسالة المسيح، منسجمة معه، وتدافع عن رسالته، لهذا فقد كان عبداً من عباد الله المقربين، فينبغي أن لا يتخذ معبوداً كما هو السائد بين المسيحيين الذين يخضعون أمام تمثاله إلى حد العبادة(1).
وقال محمد جواد مغنية:
فإن المراد من (ما) كل ما اتخذ معبوداً من المخلوقات، فيدرج فيه عيسى ومريم والأصنام... أما وجه الاحتجاج على النصارى بهذه الآية: فلأن الإله المعبود هو الذي يملك لعباده ضراً ونفعاً، وأما العاجز فمحال أن يكون إلهاً، وقد ذكرت الأناجيل أن عيسى الذي يَدَّعُون له الألوهية قد أهين وصُلب ودُفن بعد أن وضعوا إكليل الشوك على رأسه، ومن لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً، فبالأولى أن لا يملكها لغيره، ومن كان هذا شأنه لا يعبده عاقل، قال إبراهيم لأبيه: ((إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً)) [مريم:42]، وكان لأعرابي صنم يقدسه ويعبده وجاءه ذات يوم ليسجد له كعادته فرأى ثعلباً بالقرب منه، فظن أن الثعلب قصده ليتبرك به، وحين أراد السجود له رأى قذارة الثعلب على رأسه، فثاب إليه رشده، وأخذ يحطم الصنم ويقول:
__________
(1) تفسير الأمثل: (4/105).
(144/40)
أرب يبول الثعلبان برأسه ... ... لقد ذل من بالت عليه الثعالب(1)
وهذا ما نعتقده بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد رماه قومه بالحجارة، ووصفوه بالكاهن والساحر والمجنون، ورُمي على رأسه الشريف صلى الله عليه وسلم سلا الجزور، وهُزم في معركة أحد، وكسرت رباعيته، وشق رأسه الشريف، وطُرد من أرضه وأهله، وحاولوا قتله.
وكذلك الأنبياء والرسل من قبله، كإبراهيم ونوح وزكريا ويوسف وغيرهم، فهم لا يملكون النفع والضر للناس وهم في قبورهم، بل هم مأمورون بتبليغ الناس ما شرع الله عز وجل لهم من توحيده وغير ذلك من العبادات والمعاملات، محذرين من خالفهم بنار جهنم، مبشرين من أطاعهم بجنة عرضها كعرض السموات والأرض.
وما وقع على الآل من بيت النبي صلى الله عليه وسلم من كرب وضيق يدل على ضعف حالهم وقلة حيلتهم في دفع قدر الله عنهم، لأنهم لا يملكون لأنفسهم قوة في دفع القتل عنهم وهم أحياء مثل ما وقع لعلي والحسين عليهما السلام، فكيف سيملكون الحول والقوة لغيرهم وهم أموات؟
ولهذا قال تعالى: ((وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ)) [الأعراف:197].
وقال تعالى على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ((قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)) [الأعراف:188].
قال محمد جواد مغنية:
__________
(1) تفسير الكاشف: (3/106)، وانظر: تفسير الميزان: (6/77)، مختصر مجمع البيان: (1/419).
(144/41)
هذه عقيدة المسلمين بنبيهم محمد صلى الله عليه وسلم أشرف خلق الله أجمعين، لا يملك لنفسه شيئاً فضلاً عن أن يملك لغيره، وهذا الاعتقاد بمحمد صلى الله عليه وسلم هو نتيجة حتمية لعقيدة التوحيد... ولكن(1) مهمة الرسول تنحصر بتبليغ الناس رسالات ربهم وإنذار من عصى بالعقاب، وبشارة من أطاعه بالثواب، وأما علم الغيب والنفع والضر فبيد الله وحده(2).
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم تبرأ من أن يملك ضراً أو نفعاً أو هداية لأحد من الخلق استقلالاً من غير إذن الله في هذا.
وقال تعالى على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ((قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً)) [الجن:21].
قال أبو جعفر الطوسي:
أمر الله تعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقول للمكلفين:...إني لا أقدر على دفع القدر عنكم ولا إيصال الخير إليكم، وإنما يقدر على ذلك الله تعالى، وإنما أقدر على أن أدعوكم إلى الخير وأهديكم إلى طريق الرشاد، فإن قبلتم نلتم الثواب والنفع، وإن رددتموه نالكم العقاب وأليم العذاب(3).
وقال السيد محمد تقي الدين المدرسي:
وهذه قمة التجرد لله وتوحيده، ودليل إخلاص المساجد له من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم، والآية تحريض على التوجه لله وحده؛ لأنه الذي يملك الضر والرشد، كما أن فيها تحريضاً على الاعتماد على مواهب الله للنفس البشرية والسعي الذاتي كمنهجية سليمة وكجزء من الطريقة(4).
سؤال (3):
إن الآيات السابقة قد نزلت فيمن عبد الأصنام، فكيف تجعلون الأنبياء والصالحين كالأصنام؟
الجواب:
__________
(1) في الأصل (ولكنه).
(2) تفسير الكاشف: (3/431)، وانظر: من هدي القرآن: (3/512).
(3) تفسير التبيان: (10/157)، وانظر: مجمع البيان: (5/373)، جامع الجوامع: (4/759).
(4) تفسير من هدي القرآن: (16/466).
(144/42)
أولاً: قبل الرد على الشبهة لنتذكر الآيات الكريمة الآتية، قال تعالى: ((وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ)) [فاطر:22].. وقال تعالى: ((وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ)) [النحل:20-21].
ولنسأل أنفسنا التساؤل الآتي: هل الأحجار تبعث الأموات ؟!
الجواب البديهي أن نقول: لا، فهي تماثيل للصالحين، وقوله: (والذين) هي أداة صلة موصولة بالعقلاء على الدوام، وليس لها علاقة بالجمادات.
ثانياً: إن الآيات نزلت في عبادة المشركين، ومن ماثلهم ممن جعل الوسائط من الأولياء والصالحين بينهم وبين الله في عباداتهم، سواء كان توسلاً أو استغاثة أو شفاعة أو غيرها من العبادات، وسواء أكان عن طريق الأصنام أو الصور أو الأضرحة أو آثارهم.
فالنصارى يتوسلون ويتشفعون بعيسى وبأمه مريم العذراء عليهما السلام ومشركو العرب في الجاهلية يتوسلون ويتشفعون باللات والعزى ومناة وآلهة أخرى من الأولياء والصالحين.
قال مير سيد علي الطهراني:
ولما اعتذر المشركون: إننا لا نعبد هؤلاء الأصنام لاعتقادنا أنها آلهة مستقلة، وإنما نعبدها لأجل أنها تماثيل لأشخاص كانوا عند الله من المقربين فنحن نعبدها لأجل الشفاعة(1).
وكما في عصرنا الحاضر فإننا نرى كثيراً من الناس سلكوا مسلك هؤلاء المخالفين، فإنهم يتوسلون ويتشفعون بالرسول صلى الله عليه وسلم وبالأئمة من أهل بيته عليهم السلام، وغيرهم من الأولياء والصالحين، فالأمر سواء.
سؤال (4):
__________
(1) تفسير مقتنيات الدرر: (9/217)، وانظر: تفسير الجديد: (6/171).
(144/43)
إن الأولياء والصالحين وهم في قبورهم ليسوا كالجمادات، بل هم أحياء يسمعوننا ويعلمون ما يحصل بين الناس، كما قال عز وجل: ((وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)) [آل عمران:169]. وكما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يردّ السلام على من يسلم عليه وهو في قبره.
لذلك فإننا نتوجه إلى أضرحة الأولياء والصالحين ونطلب منهم المدد وأن يتوسطوا لنا ويقربونا عند الله تعالى لقضاء حوائجنا من النفع والضر والرزق والشفاء في الدنيا والآخرة.
الجواب:
هذا تساؤل حق يراد به إثبات باطل، ولبيان مجانبته عن إثبات الحق نذكر الآتي:
أولاً: إن الاستدلال بهذه الآية على أن الأموات يسمعون ويعلمون ما يحصل بين الناس هو استدلال باطل، وليس له من الحق شيء.
بل الشهداء والصالحون لهم حياة برزخية غيبية لا نعلم كيفيتها، وهم مشغولون بالنعيم الذي أنعم الله عليهم به.
قال ناصر مكارم الشيرازي عن حياة الشهداء:
والمقصود من الحياة في الآية هي الحياة البرزخية في عالم ما بعد الموت لا الحياة الجسمانية، وإن لم تختص حياة البرزخية بالشهداء، فللكثيرين من الناس حياة برزخية أيضاً، ولكن حيث إن حياة الشهداء من النمط الرفيع جداً(1).
وقال الحاج سلطان الجنابذي أيضاً:
حياة أتم وأكمل وأشرف وأعلى من هذه الحياة الدانية عند ربهم يرزقون بالرزق المناسب لمقامهم عند الرب(2).
وعن أمير المؤمنين عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث طويل في وصف الشهيد، قال: (ويجعل الله روحه في حواصل من طير خضر تسرح في الجنة حيث يشاء، ويأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة بالعرش)(3).
__________
(1) تفسير الأمثل: (2/605).
(2) تفسير بيان السعادة: (1/313).
(3) تفسير نور الثقلين: (1/409)، وانظر: مستدرك الوسائل: (11/10)، بحار الأنوار: (97/12).
(144/44)
وإذا مات الإنسان وفارق الدنيا ستنقطع أعماله، ويكون مصيره في القبر، إما منعم وإما معذب، فهو في كلتا الحالتين مشغول بما أسلف في دنياه من نعيم أو جحيم، أو بما يقدم له من أعمال نص عليها نبينا صلى الله عليه وسلم.
قال صلى الله عليه وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم كان علمه للناس فانتفعوا به، أو ولد صالح يدعو له)(1).
ثانياً: وأما سماع النبي صلى الله عليه وسلم سلامنا وصلاتنا له فإنها من خصائصه لا يشاركه فيها أحد من الخلق؛ لأنها ثبتت بالنص الشرعي الذي لا يقاس عليه غيره من الخلق.
فعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تتخذوا قبري مسجداً، ولا بيوتكم قبوراً، وصلوا عليَّ حيثما كنتم؛ فإن صلاتكم وسلامكم يبلغني)(2).
ثالثاً: وأما قولهم بأنهم يذهبون إلى أضرحة الأولياء والصالحين ويطلبون منهم التوسط إلى الله عز وجل لقضاء حوائجهم، فهذا من الشرك بالله عز وجل، ذلك أن أهل البيت عليهم السلام لا يسمعونهم، ولا يستجيبون لهم من باب أولى، بل هم براء منهم وممن توسل بهم، كبراءة الذئب من دم نبي الله يوسف عليه السلام، ولنا فيهم -ومن قبلهم في رسول الله صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة فيما ثبت عنهم بالنص الصحيح.
وهذا كما قال تعالى: ((وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ)) [الأحقاف:5].
قال المولى محسن الكاشاني:
__________
(1) شرح نهج البلاغة: (20/258)، بحار الأنوار: (2/23)، عوالي اللآلي: (1/97).
(2) بحار الأنوار: (80/324)، مستدرك الوسائل: (3/343)، كنز الفوائد (2/152).
(144/45)
إنكار أن يكون أحد أضل من المشركين، حيث تركوا عبادة السميع المجيب القادر الخبير إلى عبادة من لا يستجيب لهم ولو سمع دعاءهم، فضلاً أن يعلم سرائرهم ويراعي مصالحهم إلى يوم القيامة ما دامت الدنيا، وهم عن دعائهم غافلون؛ لأنهم إما جمادات، وإما عباد مسخرون مشتغلون بأحوالهم(1).
وقال السيد محمد تقي المدرسي:
هكذا هم الشركاء، إنهم لو دعاهم الإنسان إلى يوم القيامة لما استجابوا له، بل هم غافلون عن دعائه يشغلهم شَأْنُهُمُ الخاص عن شؤون الداعين، سواء كان الشركاء الحجرية أو الأموات ممن يزعم الشركاء المشركون أنهم شفعاؤهم يوم القيامة، أو الأصنام البشرية التي تعبد من دون الله، فإن لكل واحد منهم سبب لغفلته عما يدعونهم، أما الأحجار فإنها لا تعي شيئاً، وأما الأموات فهم عند ربهم مجزيون بأعمالهم(2).
ولنتذكر أن يوم القيامة ستظهر الدعاوى الصادقة من الباطلة، وذلك حين يرى كل مخلوق النار والحساب.
قال تعالى: ((إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنْ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوْا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمْ الأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا)) [البقرة:167].
وقال تعالى: ((وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلاء شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمْ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ)) [النحل:86]، وكأن الرد عليهم كما في قوله: ((وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذْ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ)) [غافر:18].
__________
(1) تفسير الصافي: (5/11)، وانظر: كنز الدقائق: (12/171)، الجوهر الثمين: (6/7).
(2) تفسير من هدي القرآن: (13/131).
(144/46)
وقال تعالى عن عيسى عليه السلام: ((وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ)) [المائدة:116]، فقال عيسى متبرئاً: ((مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)) [المائدة:117].
أي: ليس لي علم إلا بما شاهدته وحضرته حال معيشتي معهم، وأما وأنا غائب عنهم فلا أعلم عنهم شيئاً.
وقال تعالى: ((إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ)) [فاطر:14].
قال السيد محمد تقي المدرسي:
فكيف يسمعون نجواكم أو سركم، أو حين تدعونهم في الظلمات؟ ولو افترضنا أنهم سمعوا دعاءكم لم يستجيبوا لكم؛ لأنهم لا يملكون دفع الضر عن أنفسهم، فكيف بجلب الخير لكم؟ ((وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ)) الملائكة والأنبياء كعيسى والأولياء الصالحون سيكفرون بشرككم ((وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ)) الخبير هو الذي خَبَرَ الشيءَ، وعرف أبعاده، وَمَنْ أَخْبَرُ من الرب وهو الخالق المحيط بكل شيء علماً؟(1).
وقال محمد جواد مغنية:
__________
(1) تفسير من هدي القرآن: (11/39).
(144/47)
((إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ)) إن كانوا بلا إحساس وشعور كالأحجار والأشجار والكواكب ((وَلَوْ سَمِعُوا)) إن كانوا من الإنس أو الجن أو الملائكة ((مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ)) لأنهم لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، فكيف يملكون ذلك لغيرهم؟ ((وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ)) يبرأون منكم ويوبخونكم على الشرك والضلال ((وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ)) بمصير هؤلاء المكذبين بنبوتك يا محمد وغيرهم من العصاة والطغاة(1).
وقال تعالى: ((وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ)) [يونس:28].
قال محمد حسين فضل الله:
__________
(1) تفسير الكاشف: (6/284)، وانظر: من وحي القرآن: (19/104).
(144/48)
((وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً)) فلا يتخلف منهم أحد ((ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ)) قفوا... لا تتحركوا، وليلزم كل واحد منكم مكانه، وليلزم كل واحد من شركائكم مكانه، وواجهوا الحقيقة الساحقة التي تتساقط فيها الآمال أمام تساقط المواقف، فهاهم أولاء الذين أشركوهم بعبادة ربهم، وعبدوهم من دونه، لا يتعرفون بهم، ولا يملكون لهم نفعاً ولا شفاعة ((فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ)) أي: قطعنا الروابط بينهم، فلا صلة تربطهم بهم , وهاهم يواجهونهم بالتنكر لهم والرفض لعبادتهم ليتخلصوا من مسؤوليتهم، فينكروا عليهم عبادتهم لهم؛ لئلا يتحملوا مسؤولية شركهم وضلالهم من موقع الإغراء والخديعة والتضليل، فما كانوا يمارسونه معهم ((وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ)) لأننا لم نأمركم بذلك ليكون عملكم عبادة لنا من موقع الخضوع والطاعة للأمر الصادر منا، وربما كان ذلك على سبيل الكناية من جهة عدم استحقاقهم للعبادة حتى لا يواجهوا مسؤولية ذلك أمام الله(1).
المبحث الثالث:
خطر الوقوع في الشرك
إن التوحيد الخالص للَّه يعني عدم الإشراك به سبحانه؛ لأن الشرك ظلم عظيم، وخطر جسيم، كما قال تعالى: ((إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)) [لقمان:13] وقال تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)) [النساء:116].
قال الشيخ محمد السبزواري النجفي:
__________
(1) تفسير من وحي القرآن: (11/292).
(144/49)
أي أنه تعالى غفار للذنوب، ولكن الشرك به لا يغفره مطلقاً، وقد حكم على المشرك به بالخلود في عذاب النار؛ لأن أثر هذا الذنب لا ينمحي ولا يشمله العفو إلا أن يتوب المشرك ويرجع إلى الإسلام والتسليم لله تعالى بالوحدانية والربوبية، فتجبُّ توبته ما قبلها من الشرك ((وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ)) أي: ما سوى الشرك، من المعاصي وصغار الذنوب؛ فإنه يغفرها بلا توبة ((لِمَنْ يَشَاءُ)) للذين يريد لهم المغفرة والتجاوز تفضلاً منه وكرماً؛ لأن مقتضى هذه الحالة هو الوقوف بين الخوف والرجاء، فلا إغراء فيه بعدم التوبة(1).
وهناك خطر على عمل وإيمان العبد لم يستثن منه أحد، ولا عصمة لبشر من العقاب إن وقع منه.
وهو ما جاء في قوله تعالى مخاطباً نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم: ((وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ)) [الزمر:65].
قال السيد محمد الحسيني الشيرازي:
أكد الله سبحانه شأن التوحيد حتى إن كل أحد أشرك حبط عمله ولو كان نبياً... ولقد أوحي إليك يا رسول الله وإلى الذين من قبلك من الأنبياء والرسل لئن أشركت بالله ودعوت معه غيره ليحبطن عملك، وحبط العمل بطلانه، بأن لا يكون له ثواب، أي: لم يكن لك أجرٌ على أعمالك الحسنة، ولتكونن حيث أشركت من الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم ودنياهم وآخرتهم، وتوجه الخطاب إلى الرسول وسائر الرسل لتنبيه الناس بأن الأمر هكذا حتى بالنسبة إلى أعظم الناس(2).
وهذا ما كان يعلمه خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام، كان يخاف على نفسه وعلى أولاده من الشرك، وقد ذكر تعالى عنه قوله: ((وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ)) [إبراهيم:35].
__________
(1) تفسير الجديد: (2/297)، وانظر: تفسير جامع الجوامع: (1/261)، تفسير الوجيز: (1/318).
(2) تفسير تقريب القرآن: (24/30).
(144/50)
وهذا خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم كان يخاف على أمته من الشرك أيضاً.
روى المجلسي في بحاره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر! قيل: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرياء)(1).
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الموجبتان: من مات يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله شيئاً يدخل النار)(2).
وعن الرضا علي بن موسى عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لا إله إلا الله كلمة عظيمة كريمة على الله عز وجل، من قالها مخلصاً استوجب الجنة، ومن قالها كاذباً عصمت ماله ودمه وكان مصيره إلى النار)(3).
قال المجلسي معلقاً على قوله صلى الله عليه وسلم: (ومن قالها كاذباً): أي في الإخبار عن الإذعان لها، والتصديق بها(4).
ولهذا فقد بين سبحانه أن الشرك لا يغفره بدون التوبة، وهذا يوضح لك شدة خطره، فمن مات على الشرك فقد باء بالخسران والعياذ بالله، ولهذا حذر منه الأنبياء والأئمة عليهم السلام، وجعلوا الوقوع فيه موجباً للنار وبئس المصير، وأمروا بالتوحيد الخالص لله، وهذا هو الطريق للفوز برضا الله ودخول جنته.
ولما كان آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم يحذرون من الإشراك بالله سبحانه ولو كان يسيراً حقيراً في أعين العوام، وهذا ما كان يخشاه أمير المؤمنين علي عليه السلام مثل ما جاء عنه أنه إذا توضأ لم يدع أحداً يصب عليه الماء، فقيل له: يا أمير المؤمنين، لم لا تدعهم يصبون عليك الماء؟ فقال: لا أحب أن أشرك في صلاتي أحداً(5).
__________
(1) بحار الأنوار: (72/266).
(2) بحار الأنوار: (3/5).
(3) بحار الأنوار: (3/5).
(4) بحار الأنوار: (3/5).
(5) انظر: من لا يحضره الفقيه: (1/43).
(144/51)
لذلك سوف نذكر بعض المعتقدات والعبادات التي انحرفت فئة من الناس فيها عن الطريق المستقيم من بعد أن بينا خطر الوقوع في الشرك، سائلين المولى عز وجل أن يكون هذا الكتاب حجة لنا لا علينا.
المبحث الرابع:
أمثلة لوقوع الشرك بين الناس
أولاً: الصور والتماثيل:
من المداخل الخطيرة لباب الشرك والتي تعد من الأمور العظيمة التي نهى عنها الله عز وجل: الصور، وذلك لما يفعله ذلك المصور من تصاوير يضاهي بها خلق الله عز وجل.
نقل النوري الطبرسي عن كتاب لب اللباب: أنه يخرج عنق من النار، فيقول: أين من كذب على الله؟ وأين من ضاد الله؟ وأين من استخف بالله؟ فيقولون: ومن هذه الأصنام الثلاثة؟ فيقول: من سحر فقد كذب على الله، ومن صوَّر التصاوير فقد ضاد الله، ومن تراءى في عمله فقد استخف بالله(1).
والمقصود من التصاوير التي حذر النبي صلى الله عليه وسلم منها: إما أن تكون تصوير ذوات الأرواح، لا سيما تصوير المعظمين من البشر كالأنبياء والأولياء والعلماء وغيرهم، أو ما يكون رسماً في قماش، سواء أكان هذا الرسم عن طريق رسم الصورة على لوحة أو ورقة أو جدار، وكل ذلك يعد من الفعل المحرم؛ لأنه يعد وسيلة من الوسائل المؤدية إلى الشرك وفساد العقيدة بين الناس؛ لأن أول شرك حدث في الأرض كان بسبب التصوير ونصب الصور.
جاء في الخبر عن أبي جعفر عليه السلام: أن إبليس هو أوّل من صور صورة على مثال آدم عليه السلام ليفتن بها الناس، ويضلهم عن عبادة الله، ثم صوّر صورة (وُدّ)، وهكذا بعده (سواع) (فيغوث) ثم (يعوق)، حتى بعث الله إدريس عليه السلام فحذرهم من عبادة الأصنام ونهاهم عنها(2).
__________
(1) مستدرك الوسائل: (3/454)، (13/110).
(2) انظر: قصص الأنبياء: (67).
(144/52)
ولهذا لعن النبي صلى الله عليه وسلم المصورين، وأخبر أنهم أشد الناس عذاباً يوم القيامة، وأمر بطمس الصور، وأخبر أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة، كل ذلك من أجل مفاسدها وشدة مخاطرها على الأمة في عقيدتها.
وأما اليوم فإننا نرى كثيراً من الناسَ -هداهم الله إلى الحق- يعلقون صور الأنبياء والأولياء والعلماء وغيرهم في المساجد ومجالس الذكر والبيوت، وغيرها من الأماكن، أو يعلقون صورة النبي صلى الله عليه وسلم وآل بيته الطاهرين، وصورة نبي الله نوح وسليمان بن داود عليهم السلام وغيرهم، سالكين بذلك مسلك المخالفين من النصارى والمشركين وغيرهم من غير علم.
وقد نقل النوري الطبرسي من كتاب عوالي اللآلي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أهل هذه الصور يُعذَّبُون يوم القيامة، يُقال: أحيوا ما خلقتم)(1).
وروى المجلسي في بحاره: أن رجلاً قال لابن عباس رضي الله عنهما: إني أصور هذه الصور، فأفتني فيها! قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كلُ مصور في النار، يجعل له لكل صورة صورها نفساً فتعذبه في جهنم)(2).
وقد بوب ابن بابويه القمي في كتاب (من لا يحضره الفقيه) باباً بعنوان: ذكر جمل من مناهي النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: ونهى عن التصاوير وقال: (من صور صورة كلفه الله يوم القيامة أن ينفخ فيها وليس بنافخ)(3).
وعن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الذين يؤذون الله ورسوله هم المصورون يكلفون يوم القيامة أن ينفخوا فيها الروح(4).
__________
(1) مستدرك الوسائل: (13/210).
(2) بحار الأنوار: (80/245).
(3) من لا يحضره الفقيه:(4/5) وانظر:وسائل الشيعة:(17/297) بحار الأنوار:(80/244)، مجموعة ورام:(2/256).
(4) وسائل الشيعة: (5/307)، بحار الأنوار: (76/287)، المحاسن: (2/616).
(144/53)
وعن أبي عبد الله عليه السلام، عن أبيه، عن آبائه قال: قال أمير المؤمنين: إياكم وعمل الصور؛ فإنكم تُسألون عنها يوم القيامة(1).
وعن محمد بن مروان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: ثلاثة يعذبون يوم القيامة: من صور صورة من الحيوان يُعذب حتى ينفُخ فيها، وليس بنافخ(2).
وهذا ما وصى به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، وخص علياً عليه السلام بذلك.
فعن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فقال: (لا تدع صورة إلا محوتها، ولا قبراً إلا سويته، ولا كلباً إلا قتلته)(3).
وقد يقول قائل: هذا النهي الصريح من سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم إنما جاء في حق أولئك الذين يصورون الصور على شكل التماثيل المنحوتة، ولم يأت النهيُ عن التصوير الذي يُعرف بالرسم، أو ما يوضع على الجدار والقماش، فلم التشديد على الناس في ذلك؟
والجواب على هذه المقولة يأتي من نهي أحبابنا من آل البيت الأطهار عليهم السلام، فمن ذلك:
عن جراح المدائني، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا تبنوا على القبور ولا تصوروا سقوف البيوت، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كره ذلك(4).
ومن المعلوم بداهة أن السقوف لا يمكن وضع التماثيل بها، فكان النهي عن التصاوير التي على شكل الرسم.
وجاء في الأخبار الصحيحة النهي الصريح عن التصاوير المرسومة، والتي تكون في الستور، فجاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى ستراً فيه التصاوير أمر أن تقطع رأس تلك الصور(5).
وضرر هذا الأمر يبلغ إلى أمر خطير وهو: نزع البركة وذهاب الخير من البيوت، عند نفور الملائكة من التصاوير.
__________
(1) مستدرك الوسائل: (13/210).
(2) الخصال: (1/108)، ثواب الأعمال: (223)، وسائل الشيعة: (17/297)، بحار الأنوار: (73/350).
(3) وسائل الشيعة: (3/562).
(4) وسائل الشيعة: (3/562).
(5) شرح نهج البلاغة: (9/234).
(144/54)
وهذا ما نقله النوري الطبرسي عن درر اللآلي: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة ولا كلب ولا جنب)(1).
ولعل المحب لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ينشرح صدره بتفسير الدميري للحديث السابق حيث يقول: وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة)، فقال العلماء: سبب امتناعهم من البيت الذي فيه الصور كونها معصية فاحشة، وفيها مضاهاة خلق الله تعالى، وبعضها في صورة ما يعبدون من دون الله عز وجل (2).
ولحرص الأئمة عليهم السلام على التوحيد وإخلاص العمل لله، فقد حذروا من الصلاة في مكان يكون فيه تماثيل أو تصاوير مرسومة، ونهوا عنه في فتاواهم عليهم السلام.
فعن عبد الله بن الحسن، عن جده علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال: وسألته عن البيت قد صوّر فيه طير أو سمكة أو شبهه، يعبث به أهل البيت، هل تصلح الصلاة فيه؟ قال: لا، حتى يُقطع رأسه أو يفسده، وإن كان قد صلى فليس عليه إعادة. وسألته عن الدار والحجرة فيها تماثيل: أيُصلى فيها؟ قال: لا يُصلى فيها وشيء منها مستقبلك، إلا أن لا تجد بُداً فتقطع رؤوسها، وإلا فلا تصل فيها(3).
وعن الحسن، عن جده علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن مسجد يكون فيه تصاوير وتماثيل: يُصلى فيه؟ فقال: تُكسر رؤوس التماثيل وتلطخ رؤوس التصاوير -أي: المرسومة- ويصلى فيه ولا بأس(4).
وعن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إنا نبسط عندنا الوسائد فيها التماثيل -أي: المرسومة- ونفترشها، فقال: لا بأس بما يُبسط منها ويفترش ويوطأ، إنما يكره منها ما نصب على الحائط والسرير(5).
__________
(1) مستدرك الوسائل: (3/453).
(2) انظر: بحار الأنوار: (62/54).
(3) بحار الأنوار: (80/288).
(4) وسائل الشيعة: (5/172).
(5) وسائل الشيعة: (12/220).
(144/55)
ولله در الإمام جعفر عليه السلام، من هذه الإجابة التي تخرج من مشكاة النبوة، حين أوضح بالتفصيل أن ما يكون مهاناً من هذه الرسوم فلا بأس باقتنائه، أما ما يكون فيه دلالة على التعظيم، مثل أن يوضع على الجدران؛ فهذا قد بين حرمته وعظيم جرمه.
وعن سعد بن إسماعيل، عن أبيه، قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن المصلى والبسائط يكون عليها التماثيل: أيقوم عليه فيصلي أم لا؟ فقال: والله إني لأكره. وعن رجل دخل على رجل عنده بساط عليه تمثال فقال: أتجد ههنا مثالاً؟ فقال: لا تجد عليه ولا تصل عليه(1).
وكل ما سبق ذكره من الأقوال والتحذيرات عن النبي صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين في هذا الجانب العظيم لم يكن إلا لسد باب عظيم يدخل منه الشرك إلى المسلمين من جانب التعظيم والغلو، وهم لا يشعرون، مثلما حدث لمن سبق من الأمم الغابرة.
ثانياً: الغلو في الصالحين:
مما يقود إليه أمر التفريط والتهاون في التوحيد، الإفراط والغلو في الصالحين، وهذا الأمر من أشنع وأخطر ما يهدم جناب التوحيد، ولربما هو الباب إلى كل شرك وشر.
والغلو: مجاوزة الحد، كأن يجعل للصالحين حقاً من حقوق الله الخاصة به؛ فإن حق الله الذي لا يشاركه فيه مشارك هو الكمال المطلق، والغنى المطلق، والتصرف المطلق من جميع الوجوه، وأنه لا يستحق العبادة والتأليه أحد سواه سبحانه.
فمن غلا في أحد من المخلوقين حتى جعل له نصيباً من هذه الأشياء فقد ساوى به رب العالمين، وذلك أعظم الشرك.
ومن رفع أحداً من الصالحين فوق منزلته التي أنزله الله بها فقد غلا فيه، وذلك وسيلة إلى الشرك وهدم للدين.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا ترفعوني فوق حقي، فإن الله تعالى اتخذني عبداً قبل أن يتخذني نبياً)(2).
والناس في تعاملهم مع الصالحين على ثلاثة أقسام:
__________
(1) وسائل الشيعة: (3/462).
(2) نوادر الراوندي: (16).
(144/56)
أهل الجفاء: الذين يهضمونهم حقوقهم، ولا يقومون بحقهم من الحب والموالاة لهم والتوقير والتبجيل.
أهل الغلو: الذين يرفعونهم فوق منزلتهم التي أنزلهم الله.
أهل الحق: الذين يحبونهم ويوالونهم، ويقومون بحقوقهم الحقيقية، ولكنهم يبرؤون من الغلو فيهم، وادعاء عصمتهم.
وأهل الصلاح يتبرؤون من أن يدّعوا لأنفسهم حقاً من حقوق ربهم الخاصة، كما قال تعالى عن عيسى ابن مريم: ((سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ)) [المائدة:116] وهذا ما سار عليه وانتهجه واعتقده الآل الكرام عليهم السلام.
ولنأخذ مثالاً على ذلك:
هذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قد انقسم فيه المسلمون على ثلاثة أصناف، منهم من غلا في حبه، وجعل له المنزلة المساوية لمنزلة الرب جل جلاله(1).
ومن أمثلة غلوهم فيه عليه السلام: زعمهم أن الله قد عرض ولايته عليه السلام على الأنبياء والمرسلين، فقبلها بعضهم وأنكرها آخرون، ولما وقع الإنكار حدثت البلايا، ذلك أن المصائب نزلت على الرسل والأنبياء، مثل ما لقي آدم من المعصية، وما لقي نوح من الغرق، وما لقي إبراهيم من النار، وما لقي يوسف من الجب، وما لقي أيوب من البلاء، وما لقي داود من الخطيئة، وما لقي يونس من الغرق(2).
والأدهى من ذلك دعواهم أن الذي أنجاهم هو أمير المؤمنين بنفسه بأمر الله(3).
ومن يقرأ مثل هذه الروايات يجد أن إدراج لفظ الجلالة في سياق الكلام ما هو إلا لذرّ الرماد على العيون، ولتلطيف العبارة الشنيعة، وإلا فأمير المؤمنين -كما زعموا- قد أعطي التصرف المطلق، المنبثق من القدرة الذاتية.
ومنهم من غلا في بغضه كالخوارج والنواصب ومن ماثلهم.
__________
(1) انظر: (ص:14) من هذا الكتاب.
(2) انظر: تفسير نور الثقلين: (3/435)، بحار الأنوار: (61/52)، قصص الأنبياء للجزائري: (438)، المناقب: (4/138).
(3) انظر: الأنوار النعمانية: (1/31)، بحار الأنوار: (26/5).
(144/57)
ومنهم من أعطاه حقه ومنزلته في المحبة والموالاة التي تليق به، ولم يغلُ في منزلته وهم أهل الحق.
وقد حذَّر أمير المؤمنين عليه السلام من خطورة الغلو خاصة فيه، فقال: يهلك فيّ اثنان: محب غالٍ، ومبغض غالٍ(1).
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: وسيهلك فيَّ صنفان: محب مفرط يذهب به الحب إلى غير الحق، ومبغض مفرط يذهب به البغض إلى غير الحق، وخير الناس فيّ حالاً النمط الأوسط فالزموه(2).
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (إن فيك مثلاً من عيسى، أبغضته يهود خيبر حتى بهتوا أمه، وأحبته النصارى حتى أنزلوه المنزلة التي ليسَ له، ألا فإنه يهلك فيَّ اثنان: محب مفرط يفرط بما ليس فيَّ، ومبغض يحمله بغضي على أن يبهتني، ألا إني لست بنبي ولا يوحى إلي، ولكني أعمل بكتاب الله وسنة نبيه ما استطعت، فما أمرتكم من طاعة الله فحق عليكم طاعتي فيما أحببتم أو كرهتم)(3).
بل اشتد وعيده عليه السلام وقوله على من غلا فيه ورفع من مكانته فيما ليس له، فقال: اللهم إني بريء من الغلاة كبراءة عيسى ابن مريم من النصارى، اللهم اخذلهم أبداً، ولا تنصر منهم أحداً (4).
وهذا ما فطن إليه سائر الأئمة عليهم السلام فنبهوا عليه، وتكاثرت عباراتهم حوله.
فقال الصادق عليه السلام: الغلاة شر خلق الله، يصغرون عظمة الله، ويدّعون الربوبية لعباد الله، والله إن الغلاة لشر من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا(5).
وهذا التحذير الخطيرمن الأئمة عليهم السلام يقودنا إلى التفتيش عن أساس الغلو ومنشأه فيهم، وهو ما كفانا مؤنته أبا عبد الله عليه السلام.
__________
(1) بحار الأنوار: (25/285).
(2) شرح نهج البلاغة: (8/112)، بحار الأنوار: (23/372).
(3) بحار الأنوار: (35/317)، العمدة: (211).
(4) بحار الأنوار: (25/284), أمالي الطوسي: (650), المناقب: (1/263).
(5) المصدر السابق
(144/58)
فعن أبان بن عثمان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لعن الله عبد الله بن سبأ إنه ادّعى الربوبية في أمير المؤمنين، وكان والله أمير المؤمنين عبداً طائعاً، الويل لمن كذب علينا، وإن قوماً يقولون فينا ما لا نقول في أنفسنا، نبرأ إلى الله منهم، نبرأ إلى الله منهم(1).
والأمر لم يكن خافياً عن انتباه الأئمة؛ إلى حال بعض محبيهم من شيعتهم وما سيؤدي إليه فرط حبهم فيهم، فتكلموا فيه وحذروا منه، فجاء عن ابن أبي نجران عن عبد الله قال: قال أبو عبدالله عليه السلام: إنا أهل بيت صدّيقون، لا نخلو من كذاب يكذب علينا، ويسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس(2).
ولنتذكر دائماً أن الأئمة؛ يرجون رحمة الله ويخافون عقابه، وهم يدعون الله سبحانه دائماً وليس لهم من ميزة عن غيرهم، وهذا لسان قولهم ينطق بهذا: فيقول الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام: فوالله ما نحن إلا عبيد الذي خلقنا واصطفانا، ما نقدر على ضر ولا نفع، إن رحمنا فبرحمته، وإن عذبنا فبذنوبنا، والله ما لنا على الله من حجة، ولا معنا من الله براءة، وإنا لميتون ومقبورون ومنشورون ومبعوثون وموقوفون ومسؤولون، ويلهم! ما لهم لعنهم الله؟! فقد آذوا الله وآذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبره، وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي صلوات الله عليهم... أشهدكم أني امرؤ ولدني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما معي براءة من الله، إن أطعته رحمني، وإن عصيته عذبني عذاباً شديداً(3).
ثالثاً: الغلو في القبور:
__________
(1) بحار الأنوار: (25/286).
(2) بحار الأنوار: (25/287).
(3) رجال الكشي: (225، 226).
(144/59)
ومن الغلو في حب الصالحين أيضاً ما نشاهده في كثير من بلدان المسلمين من بناء الأضرحة وتجصيصها وجعلها مزارات تعبد بالنذر والذبح والتوسل مع الله، ويُطاف بها ويستغاث ويطلب المدد والعون من أصحابها، وتقدم لها القرابين وأكاليل الزهور والبخور وتهدر فيها الأموال، ظناً منهم أن لها الزلفى عند الله سبحانه وتعالى، إلى غير ذلك من البدع المشابهة لعقائد اليهود والنصارى.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تتخذوا قبري قبلة ولا مسجداً؛ فإن الله عز وجل لعن اليهود حين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)(1).
وعن زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: الصلاة بين القبور! قال: صلِّ بين خِلالها، ولا تتخذ شيئاً منها قبلة؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، وقال: (لا تتخذوا قبري قبلة ولا مسجداً، فإن الله عز وجل لعن الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)(2).
وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تتخذوا قبوركم مساجدكم، ولا بيوتكم قبورا)(3) أي: مثل المقابر لا تُصلى فيها النوافل والمستحبات.
وتجاوز النهي والتحذير عن الصلاة في المقابر إلى النهي عن البناء أو تزيين القبور.
فعن علي بن جعفر قال: سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن البناء على القبر والجلوس عليها: هل يصلح؟ قال: لا يصلح البناء عليه، ولا الجلوس، ولا تجصيصه، ولا تطيينه(4).
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا تبنوا على القبور ولا تصوروا سقوف البيوت؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كره ذلك(5).
__________
(1) من لا يحضره الفقيه: (1/178)، وسائل الشيعة: (3/235)، (5/161)، بحار الأنوار: (79/20).
(2) بحار الأنوار: (80/313)، علل الشرائع: (2/358).
(3) مستدرك الوسائل: (2/379).
(4) الاستبصار: (1/217).
(5) وسائل الشيعة: (3/210)، تهذيب الأحكام: (1/461)، بحار الأنوار: (73/159)، المحاسن:(2/612).
(144/60)
وعن الصادق عن آبائه عليهم السلام في حديث المناهي قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تجصص المقابر ويصلى فيها، ونهى أن يصلي الرجل في المقابر والطرق والأرحية والأودية ومرابط الإبل وعلى ظهر الكعبة(1).
وعن الصادق عن آبائه عليهم السلام في حديث المناهي أيضاً: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يأكل الإنسان بشماله، وأن يأكل وهو متكىء، ونهى أن تجصص المقابر ويصلى فيها(2).
وعن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في هدم القبور وكسر الصور(3).
وعن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: مِن أكلِ السحت سبعة: الرشوة في الحكم، ومهر البغي، وأجر الكاهن، وثمن الكلب، والذين يبنون البنيان على القبور... الخبر(4).
وجاء في بعض الروايات الأسباب المانعة من هذا الفعل.
فروى النوري الطبرسي عن العلامة الحلي في كتابه (النهاية) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يجصص القبر أو يبنى عليه وأن يقعد عليه أو يكتب عليه؛ لأنه من زينة الدنيا فلا حاجة بالميت إليه(5).
وقال الصادق عليه السلام: كل ما جُعل على القبر من غير تراب القبر فهو ثقلٌ على الميت(6).
__________
(1) وسائل الشيعة: (5/158)، (3/211).
(2) من لا يحضره الفقيه: (4/3)، بحار الأنوار: (73/328)، الأمالي للصدوق: (422)، مجموعة ورام: (2/256).
(3) الكافي: (6/528)، وسائل الشيعة: (3/211)، بحار الأنوار: (76/286)، المحاسن: (2/614).
(4) مستدرك الوسائل: (2/347).
(5) مستدرك الوسائل: (2/347).
(6) وسائل الشيعة: (3/202).
(144/61)
هذا هو حال وحرص آل البيت الكرام عليهم السلام على التوحيد من خلال فتاواهم، لا ما ينسب إليهم من الكذب المخالف للقرآن، وهديهم عليهم السلام، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن البناء على القبر وعن تجصيصه، وأمر بعبادة الله سبحانه وتعالى مباشرة دون واسطة، وكذا الأئمة عليهم السلام نهوا عن ذلك وحذروا منه.
ومن العجيب! أن تجد من الناس من يستدل على مشروعية الطواف على القبور والحج إليها بروايات مكذوبة، وبقصص عجيبة، هي في الحقيقة من الوهم وتلبيس الشيطان؛ فإن كل من يعظم قبراً لإمام أو عالم، كالحسين عليه السلام أو غيره كالبدوي والعيدروس مثلاً، تجده يتعلق بتلك القصص المكذوبة أو التي قد تقع من أوهام العوام حول بركة أحد الأشخاص، ويترك كتاب الله الذي فيه: ((وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً)) [الجن:18]، وأيضاً فيه قوله: ((أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ)) [النمل:62] وقوله: ((وَإِذَا مَسَّكُمْ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُوراً)) [الإسراء:67].
أفنتعلق بتلك القصص التي تخالف كتاب الله وسار على منهجه الآل الكرام عليهم السلام أم أننا نسير على هدى وصراط واضح سار عليه صفوة الخلق عليه الصلاة والسلام وحث عليه آل بيته عليهم السلام، فإن لم يكن مع هؤلاء الحق... إذاً فمن سيكون معه الحق؟!!
رابعاً: الدعاء وأنواعه:
(144/62)
الدعاء من أهم العبادات التي تقرب الإنسان إلى ربه، سواءً أكان مستغيثاً أم مستعيناً أم متعوذاً بالله عز وجل، وذلك لتضمنه طلب الثواب، والخوف من العقاب، والافتقار واللجوء إليه، وهو سلاح المظلومين ومفزع الضعفاء المكسورين، وسبب السعادة في الدارين، فمن صرف شيئاً من الدعاء لغير الله فقد أشرك بالله شركاً أكبر.
والدعاء أنواع، فمنه المشروع ومنه المحرم غير المشروع، وبيان ذلك على النحو التالي:
الدعاء المشروع ينقسم إلى نوعين:
النوع الأول: دعاء الله وحده فيما لا يقدر عليه إلا هو سبحانه:
أرسل الله عز وجل الرسل ليعلّموا البشرية توحيده في الدعاء والتضرع إليه وحده، وقد كان العرب قبل البعثة يدعون ربهم ويجعلون الوسائط بينهم وبين ربهم في الدعاء، من الأنبياء والأولياء والصالحين، معتقدين بأنها تشفع لهم وتقربهم عند ربهم.
فأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم معلماً وآمراً بإفراد الله عز وجل في الدعاء، سواءً أكان دعاء استغاثة أو استعانة أو استعاذة أو غيرها من دون وسيط ولا شفيع، امتثالاً لأمره تعالى: ((وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً)) [الجن:18].
ولقوله تعالى: ((وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ)) [المؤمنون:117].
وقوله تعالى: ((قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً)) [الجن:20].
وقوله تعالى: ((أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ)) [النمل:62].
وقوله تعالى: ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)) [الفاتحة:5].
وقوله تعالى عن الاستغاثة: ((إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ)) [الأنفال:9].
وقاله تعالى: ((قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)) [الفلق:1].
(144/63)
وقد علَّم النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن العباس رضي الله عنهما وهو غلام أصولَ التوحيد، وقال له: (يا غلام، ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهنّ؟ فقلت: بلى، فقال:احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله)(1).
النوع الثاني: طلب الدعاء من المخلوق الحي فيما يقدر عليه:
ومن الأدعية المباحة: أن يطلب الإنسان من أخيه الحي الحاضر أمراً يقدر على فعله في الدين أو الدنيا، كأن يطلب منه أن يدعو له في صلاته أو عند ذهابه للحج، أو أن يستغيثه على النجاة من حيوان مفترس أو من الغرق، أو يستعين به على ركوب دابته، أو يستعيذ به من شر أذى أعداء له ليدافع عنه... إلخ.
وقد أجاز الشارع هذه الأدعية بقيود، منها:
1- أن يكون الداعي على قيد الحياة.
2- أن يكون حاضراً غير غائب.
3- أن يكون مستطيعاً وقادراً على الفعل غير عاجز عنه وفي حدود قدرة البشر.
قال تعالى: ((وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)) [المائدة:2].
وقال تعالى في قصة موسى عليه السلام: ((فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ)) [القصص:15].
أما الدعاء الممنوع:
فمثاله: دعاء المخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله، كأن يدعو الإنسان مستغيثاً مستعيناً بالأموات من الأولياء والصالحين أو بالأحياء الغائبين، وينزل بهم حوائجه من طلب الشفاء من المرض وتفريج الكرب ودفع الضرر عنه، فهذا النوع شرك أكبر.
__________
(1) بحار الأنوار: (79/138)، مستدرك الوسائل: (2/426).
(144/64)
وهذه الأمور ليست بمهجورة، أو أنها من نسج الخيال أو من وقع المحال، لإننا نرى كثيراً من الناس -هداهم الله إلى توحيده- يشدون الرحال إلى أضرحة الأولياء والصالحين يدعونهم مستغيثين مستعينين بحجة أنها تقربهم إلى الله لقضاء حوائجهم ودفع الهموم والأحزان عنهم، سالكين بهذه الأعمال مسلك العرب في الجاهلية، ولا يخفى عليك -كما مر ذكره- أن هؤلاء يستدلون بقصص كثيرة معرضين عن كتاب الله سبحانه، فلنتأمل في الآيات الآتية:
قال تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)) [الأعراف:194].
وقال تعالى: ((وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ)) [النحل:20].
وقال تعالى: ((فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمْ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ)) [هود:101].
قال أبو جعفر محمد الطوسي:
لأنهم كانوا يسمونها آلهة، ويطلبون الحوائج منها كما يطلب الموحدون من الله، ومعنى (من دون الله): مَنْ مَنزلته أدنى مِنْ منزلة عبادة الله؛ لأنه من (الأدون) وهو الأقرب إلى جهة السفل(1).
وقال تعالى على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ((قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنْ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً)) [الجن:22].
قال محمد جواد مغنية:
... وهذه آية من عشرات الآيات التي تدل بصراحة ووضوح على أن الإسلام يرفض فكرة الواسطة بين الله وعباده، ويضع الإنسان أمام خالقه مباشرة يخاطبه ويناجيه بما شاء، ويتقرب إليه بفعل الخيرات من غير شفيع ولا وسيط(2).
__________
(1) تفسير التبيان: (6/62)، وانظر: تفسير الميزان: (11/3).
(2) تفسير الكاشف: (7/441).
(144/65)
ولما أنزل الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم قوله: ((وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ)) [الشعراء:214] صعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا وجمع عشيرته، وقال: (يا بني عبد المطلب، يا بني هاشم، يا بني عبد مناف، يا بني قصي، اشتروا أنفسكم من الله؛ فإني لا أغني عنكم من الله شيئاً، يا عباس عم محمد، يا صفية عمته، يا فاطمة ابنته، ثم نادى كل رجل باسمه وكل امرأة باسمها)(1).
وهذا تحذير من النبي صلى الله عليه وسلم لعشيرته وأمته أن يتخذوه بعد مماته إلهاً يدعونه ويتشفعون به كما يفعل كفار قريش بالصالحين، وكما يفعل النصارى بعيسى ابن مريم.
ولهذا حرص الأئمة عليهم السلام على نصح وتعليم الأمة بأن يتوجهوا بدعائهم إلى الله وحده.
فعن الحسن بن المغيرة أنه سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن فضل الدعاء بعد الفريضة على الدعاء بعد النافلة كفضل الفريضة على النافلة، قال: ثم قال: ادعه، ولا تقل: قد فُرِغ من الأمر؛ فإن الدعاء هو العبادة، إن الله يقول: ((إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)) [غافر:60] وقال: ((ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)) [غافر:60]. وقال: إذا أردت أن تدعو الله فمجده وحمده وسبحه وهلله وأثن عليه، وصل على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم سل تُعط(2).
والسبب في حث الأئمة أحبابهم بأن يحرصوا على دعاء الله وحده لأهمية تعلق المسلم بالدعاء لعظمه عند الله.
فعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدعاء مخ العبادة، وما من مؤمن يدعو الله إلا استجاب له، إما أن يعجل له في الدنيا، أو يؤجل له في الآخرة، وإما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا ما لم يدع بمآثم)(3).
__________
(1) إرشاد القلوب: (32).
(2) الكافي: (3/341).
(3) وسائل الشيعة: (7/27).
(144/66)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (افزعوا إلى الله في حوائجكم، والجؤوا إليه في ملماتكم، وتضرعوا إليه وادعوه؛ فإن الدعاء مخ العبادة)(1).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الدعاء مخ العبادة، ولا يهلك مع الدعاء أحد)(2).
فيا له من عمل يسير وطريق موجز قصير في قضاء الحاجات وتفريج الكربات بين العبد وسيده ومالك أمره، من دون صرف أموال ولا قطع مسافات ولا اختيار وساطات، فلله الحمد والمنة والشكر.
خامساً: التوسل:
ومن أنواع الأدعية التي جاء النص على تأكيدها التوسل إلى الله عز وجل، وقد أفردناه منفصلاً لأهميته، وكثرة الخلاف فيه.
والتوسل: مصدر توسل يتوسل، أي: اتخذ وسيلة إلى مقصوده، فأصله طلب الوصول إلى الغاية المقصودة.
وينقسم التوسل إلى قسمين: مشروع وممنوع:
القسم الأول: التوسل المشروع:
من الأمور التي يحبها الله عز وجل من عباده التقرب له والتودد إليه والتوسل بما شرع الله عز وجل من الفرائض، كالصلاة والزكاة والصوم والنوافل، وترك المحرمات واجتناب المنهيات، والتوسل إليه بأسمائه الحسنى، وبصفاته العلى، والتقرب إليه بالعمل الصالح.
فعن أبي جعفر عليه السلام قال: قال الله عز وجل: من أهان لي ولياً فقد أرصدته لمحاربتي، وما تقرب إليَّ عبد بمثل ما افترضت عليه، وإنه ليتقرب إليَّ بالنافلة حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته... الخبر(3).
فهذه دعوة مستجابة، وسؤال مجاب للولي الحبيب القائم بأمر الله.
__________
(1) مستدرك الوسائل: (5/174).
(2) بحار الأنوار: (90/300).
(3) مستدرك الوسائل: (3/58)، المؤمن: (32)، عوالي اللآلي: (4/103)، بحار الأنوار: (84/31)، الكافي: (2/352).
(144/67)
وهذا التوسل المشروع هو الذي جاء الحث عليه والترغيب فيه من الله سبحانه بقوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ)) [المائدة:35].
قال السيد محمد الحسيني الشيرازي:
السبب الذي يقربكم إليه سبحانه من فعل الخيرات والأعمال الصالحة(1).
وقال بعضهم: ما تتوسلون به إلى ثوابه من الطاعات(2).
والتوسل له أنواع مشروعة يتوسل بها العبد إلى ربه، منها:
1- التوسل بالإيمان:
وهو أن يتوسل المؤمنون بإيمانهم، كقوله تعالى: ((رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ)) [آل عمران:193].
2- التوسل بتوحيد الله عز وجل:
وهذا التوسل حرص عليه الأنبياء في دعائهم، كدعاء نبي الله يونس حين ابتلعه الحوت، قال تعالى: ((فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ)) [الأنبياء:87-88].
3- التوسل بأسماء الله الحسنى وبصفاته العلى:
قال تعالى: ((وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا)) [الأعراف:180].
وكما يقال في الدعاء: (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث)(3).
وكما يقال: (اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى)(4) ثم تذكر مرادك.
4- التوسل بالأعمال الصالحة:
ومن المشروع أن يتوسل الإنسان إلى ربه بالأعمال الصالحة، كالصلاة وبر الوالدين وحفظ الحقوق والأمانة وقراءة القرآن وغيرها.
__________
(1) انظر: تفسير تقريب القرآن: (6/83).
(2) انظر: تفسير شبر: (1/112)، تفسير الوجيز: (1/378).
(3) الكافي: (2/524 , 562).
(4) مستدرك الوسائل: (5/78).
(144/68)
كقولك: اللهم إني فعلت ذلك -أي: من مساعدة الفقراء والمحتاجين ونصرة المسلمين وما أشبه ذلك- من أجلك سبحانك، ثم تذكر مرادك.
5- التوسل بطلب الدعاء من الأنبياء والصالحين الأحياء:
فعن أبي جعفر عليه السلام قال: مرّ أعمى على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تشتهي أن يرد الله عليك بصرك؟ قال: نعم، فقال له: توضأ وأسبغ الوضوء، ثم صل ركعتين، وقل: اللهم إني أسألك وأرغب إليك وأتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى الله ربي وربك أن يرد عليّ بصري، قال: فما قام حتى رجع الأعمى وقد رد الله عليه بصره(1).
ويفيد هذا الحديث: أن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا للأعمى وهو حي، فاستجاب الله دعاءه وأمره أن يدعو لنفسه، ويتوجه إلى الله بدعاء نبيه، فقبل الله منه.
وهذا الدعاء خاص في حياته صلى الله عليه وسلم ولا يمكن الدعاء بعد الوفاة؛ لأن آل بيته عليهم السلام والصحابة لم يفعلوه، ولم يستفد منه العميان بعد هذه الحادثة، فتنبه رعاك الله، وكذا الأعمى لم يقل مباشرة هذا الكلام، وإنما لقي النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال ما قال.
القسم الثاني: التوسل الممنوع:
التوسل الممنوع هو الذي لا أصل له في الدين، مثل ما يفعله بعض جهلة المسلمين اليوم من اجتناب العمل الصالح والتوسل به، ولجوئهم إلى التوسل بواسطة الأنبياء والأولياء والصالحين.
فمنهم من يتوسل بجاه الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ كقوله: (يا رب بجاه محمد وآل محمد اغفر لي) فهذه بدعة(2)؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم لم يفعلوا ذلك ولم يفعله آل البيت عليهم السلام.
__________
(1) مستدرك الوسائل: (6/390)، بحار الأنوار: (88/373).
(2) وهذا التوسل البدعي قد يؤدي إلى الشرك، وذلك إن اعتقد بأن الله يحتاج إلى واسطة.
(144/69)
فإن المسلمين توسلوا بالعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم حياً بدعائه، ولم يتوسلوا بالرسول صلى الله عليه وسلم بعد موته عندما طلبوا نزول المطر(1).
وأيضاً: التوسل بالجاه أمر حادث، والصحابة والأئمة عليهم السلام ليس بخافٍ عنهم مكانة النبي صلى الله عليه وسلم عند الله، فلم يتوسلوا بهذه المقولة.
وكيف يتوسل إلى الله بأمر مخلوق، مثل الجاه والمكانة؟
وهذا مثل الحلف بالمخلوق، ولا يفعل مثل تلك الأعمال أو يقول تلك الأقوال إلا من جهل جادة الصواب، وغفل عن صحيح الجواب، واتبع ميراثاً خاطئاً بعيداً عن سبيل الرشاد؛ لذلك يجب على العبد المحب لآل البيت والمتبع لهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يتبع ما جاء به الأثر الصحيح.
سادساً: الشفاعة:
ومن أنواع الأدعية التي جاء الخبر بذكرها: الشفاعة، وهي التوسط للغير بجلب منفعة أو دفع مضرة.
والشفاعة حق، وهي ما يعتقد به المسلم من شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الموقف للفصل بينهم، وشفاعته في دخول الجنة، وتشفعه لمن يستحق أن يدخل النار أن لا يدخلها، كما يعتقد المسلم أيضاً أن هناك شفاعة للملائكة وللشهداء في أهلهم، وشفاعة للصيام والقرآن وغيرها.
واعلم -رحمك الله- بأن للشفاعة شرطين لابد من تحقيقهما جميعاً حتى يتحقق المقصود يوم القيامة، وهما:
الشرط الأول: الإذن من الله عز وجل:
قال تعالى: ((يَوْمَئِذٍ لا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً)) [طه:109].
قال الشيخ محمد باقر الناصري:
__________
(1) انظر: من لا يحضره الفقيه (1/449).
(144/70)
وصف سبحانه القيامة يتبعون صوت داعي الله الذي ينفخ في الصور وهو إسرافيل، لا عوج لدعاء الداعي ولا يعدل عنه أحد، وهناك خضعت الأصوات بالسكون لعظمة الرحمن، فلا تسمع منهم إلا همساً، ولا تنفع في ذلك اليوم شفاعة أحد، إلا من أذن الله له أن يشفع ورضي قوله من الأنبياء والأولياء والصديقين والشهداء(1).
بل إن الله سبحانه نفى أن يكون لأي مخلوق أدنى شفاعة يوم القيامة إلا بعد إذنه سبحانه وتعالى، قال تعالى: ((مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ)) [البقرة:255].
قال أبو جعفر الطوسي:
إن أحداً ممن له شفاعة لا يشفع إلا بعد أن يأذن الله في ذلك ويأمره به، فأما أن يبتدئ أحد بالشفاعة من غير إذن، كما يكون فيما بيننا، فليس ذلك لأحد(2).
ويا حسرة من يظن أن هناك مخلوقاً بإمكانه الشفاعة أو النصرة لمن يدعوه من غير إذن الله له.
قال تعالى: ((لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)) [الأنعام:51].
قال الشيخ محمد السبزواري النجفي:
فقد حصر الولاية به سبحانه، ثم الشفاعة التي أوردها بصيغة المبالغة ليهتم الناس بها، وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته يشفعون من بعد إذنه سبحانه(3).
وقال السيد محمد الحسيني الشيرازي:
وليس المراد أن الله يشفع، إذ لا معنى لشفاعته، بل المراد أن الشفاعة بيده، فلا يشفع أحد إلا بإذنه(4).
الشرط الثاني: الرضا عن الشافع والمشفوع له:
قال تعالى: ((وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى)) [النجم:26].
قال السيد محمد الطبطبائي:
__________
(1) مختصر مجمع البيان: (2/320).
(2) التبيان في تفسير القرآن: (2/308).
(3) الجديد في تفسير القرآن: (3/34).
(4) تقريب القرآن: (7/92).
(144/71)
الفرق بين الإذن والرضا أن الإذن إعلام ارتفاع المانع من قبل الآذن، والرضا ملاءمة نفس الراضي للشيء وعدم امتناعها، فربما تحقق الإذن بشيء مع عدم الرضا، ولا يتحقق رضا إلا مع الإذن بالفعل أو بالقوة، والآية مسوقة لنفي أن يملك الملائكة من أنفسهم الشفاعة مستغنين في ذلك عن الله سبحانه، كما يروم إليه عبدة الأصنام؛ فإن الأمر مطلقاً إلى الله تعالى، فإنما يشفع من يشفع منهم بعد إذنه تعالى له في الشفاعة ورضاه بها، وعلى هذا فالمراد بقوله: ((لِمَنْ يَشَاءُ)) الملائكة، ومعنى الآية: كثير من الملائكة في السموات لا تؤثر شفاعتهم أثراً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء منهم -أي: من الملائكة- ويرضى بشفاعته(1).
وهذه الشفاعة المباركة لا تتحقق لكل مخلوق، بل هي مقتصرة على فئة معينة دون غيرهم.
قال تعالى: ((فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ)) [المدثر:48].
قال مير سيد علي الحائري الطهراني:
لو اجتمع الأنبياء والملائكة على شفاعتهم لا تنفعهم تلك الشفاعة، وليس المراد أنهم لا يشفعون لهم، إذ الشفاعة موقوفة بالإذن وقابلية المحل، فلو وقعت من المأذون للقابل قبلت، والكافر ليس بقابل لها، فلا إذن في الشفاعة له ولا شفاعة، فلا نفع في الحقيقة(2).
وقال الشيخ محمد باقر الناصري:
شفاعة الأنبياء والملائكة لا تنفع الكفار المنكرين، وإنما الشفاعة للمؤمنين الموحدين(3).
وما من شفاعة إلا بيده سبحانه، ولا تقع إلا بعد إذنه لمن يشفع.
قال تعالى: ((قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً)) [الزمر:44].
قال الشيخ محمد السبزواري النجفي:
__________
(1) الميزان في تفسير القرآن: (19/41)، وانظر: تفسير جامع الجوامع: (4/620)، كنز الدقائق: (21/497)، مقتنيات الدرر: (10/272)، الجديد: (7/49).
(2) تفسير مقتنيات الدرر: (11/299).
(3) مختصر مجمع البيان: (3/496).
(144/72)
لا يشفع أحد إلا بإذنه، ولا يملك أحد الشفاعة إلا بتمليكه، والذي على هذه الصفة لا يقدر أحد أن يتكلم في أمره دون إذنه ورضاه؛ فإن أزمة الأمور كلها بيده(1).
وقال السيد محمد تقي المدرسي:
يزعم البشر أن باستطاعته التهرب من المسؤولية بسببهم، وذلك بإلقاء مسؤولية ضلاله وانحرافه عليهم، كأن يلقي بمسؤولية انحرافه وضلاله على والديه، أو السلطات الحاكمة، أو المجتمع، ولكن الله ينسف فكرة الشفاعة عموماً، فيقول: ((أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ)) [الزمر:43] كالنفع والضر والموت والحياة، أو أقل من ذلك؛ لأن الملك كله لله عز وجل، ((وَلا يَعْقِلُونَ)) [الزمر:43] لأنهم لو كانوا يعقلون لم يكونوا ليأمروا بما يخالف رضا الله تعالى، فهم إذن لا قوة لهم ولا علم، ومن يكون هكذا لا يكون شفيعاً.
إن الشفيع الحقيقي هو الله الذي بيده ناصية كل شيء، وإذا كان ثمة آخرون فإنما يشفعون بإذنه، فإذا أراد البشر أن يفر من عذاب الله فليهرب إليه تعالى، فليس من ملجأ منه إلا إليه، وكلنا يخشى من ذنوبه ولن نجد غافراً للسيئات التي احتطبناها سوى الله , ومن عادة البشر أنه إذا أذنب ذنباً حاول تبريره، أو اخترع لنفسه شفيعاً يزعم أنه سوف يخلصه من ذنبه، والله يقول له: لماذا تذهب هنا وهناك؟ تعال إليّ، حتى ولو كنت مذنباً تعال، فأنا الذي أخلصك من الذنب، لا أولئك الشفعاء، ولا تلك التبريرات فالله هو الشفيع حقاً؛ لأنه هو السلطان في السموات والأرض، فهو الذي يدبر الأمور اليوم، وإليه المصير، حيث الحساب الدقيق والجزاء الأوفى(2).انتهى.
__________
(1) تفسير الجديد: (6/171)، وانظر: تفسير التبيان: (9/33).
(2) تفسير من هدي القرآن: (11/498).
(144/73)
مع ذلك فإننا نرى كثيراً من الناس -هداهم الله للحق- يسافرون إلى أضرحة الأولياء والصالحين طالبين منهم الحاجات، ويتقربون إلى الله بشفاعة هؤلاء الصالحين وبمحبتهم لهم بأن يقضوا حوائجهم؛ وينسون أن الله ليس بينه وبين خلقه واسطة، بل يدعى سبحانه مباشرة، فيكشف الضر ويجيب المضطر، أو قد يؤخر الإجابة لحكمة منه، أو يؤخرها له يوم القيامة، أو يدفع عنه من الشر مثلها، والداعي في كل هذه الأحوال في عبادة لله، كما قال جلَّ ذكره: ((وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)) [غافر:60] فسمى الدعاء عبادة, وما حال أولئك الذين يسافرون إلى الأضرحة والقبور ويطلبون حاجاتهم من الأولياء والصالحين إلا كحال عبادة النصارى وتشفعهم بعيسى ابن مريم، وكحال العرب في الجاهلية بتشفعهم وتقربهم إلى الله بأضرحة الصالحين وتماثيلهم.
وهؤلاء وصفهم الله بقوله: ((وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ)) [يونس:18].
(144/74)
وقد أنكر عليهم سبحانه وتعالى، فقال: ((قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)) [يونس:18] أي: أن الله سبحانه وتعالى ليس بحاجة إلى وسيط أو شفيع ليرفع إليه حاجات الخلق؛ لأنه لا يخفى عليه شيء من حال عباده، بل أنكر عليهم التوسط بالأولياء والصالحين، وأنهم لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، بل هم يتقربون إليه بالأعمال الصالحة خوفاً من عذابه ورجاء رحمته، فقال تعالى: ((قُلْ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلا تَحْوِيلاً * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمْ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً)) [الإسراء:56-57].
وقال الحاج سلطان الجنابذي أيضاً:
ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم من الأصنام والكواكب عبادة العبيد، ومن الأهوية والآراء والشياطين عبادة اتباعية، ومن غير من نصبه الله من رؤسائهم الدنيوية أو رؤسائهم الدينية بزعمهم عبادة طاعة، والمقصود من نفي الضر والنفع نفي ما يتوهمونه ضراً ونفعاً مما يؤول إلى دنياهم من غير نظر إلى عبادتهم، وإلا فهي عبادتهم إياها، تضر غاية الضرر، ويقولون: ((هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ)) [يونس:18] كما يقول الوثني: إن أصنامنا شفعاؤنا عند الله، وكما يقول أكثر الصابئين: إن الكواكب شفعاؤنا، والبعض يقول: هي قديمة مستقلة في الآلهة، كما يقول الزرداشتيون: النار تشفع لنا عند الله، وكما يقول المطيعون لمن يزعمونهم رؤساء الدين: هؤلاء وسائط بيننا وبين الله وأسباب قربنا إلى الله، والحال أنها وسائل الشيطان وأسباب القرب إلى الجحيم والنيران(1).
وقال الشيخ محمد السبزواري النجفي أيضاً:
__________
(1) تفسير بيان السعادة: (2/296).
(144/75)
يدعون أنهم بعبادتهم لها تقربهم إلى الله زلفى وتشفع لهم عنده، وأنه هو أذِن لهم بعبادتها وسيشفعها بهم يوم القيامة، وتوهموا -بعقيدتهم القبيحة- أن عبادة الله من خلالها تكون أشد تعظيماً لله، فاجتمع عندهم قبح القول وقبح العمل(1).
فإذا كان هذا هو تمام القول في المعتقد الصحيح في قضية الشفاعة، التي نسأل الله أن نكون من أهلها ليجيرنا من نار جهنم، فهل تسألها أيها العبد -المحب للنبي وأهل بيته عليهم السلام - من الله الذي بيده كل شيء أو تسألها ممن لا يملك لنفسه شيئاً؟
سابعاً: مسبة الدهر والرياح ونحوها:
ومن الأشياء التي يقع فيها بعض الناس بحكم العادة، وهي مما ينقص التوحيد ويسيء إلى العقيدة مسبة الدهر والرياح وما أشبه ذلك، من توجيه الذم إلى مخلوقات فيما ليس لها فيه تصرف، فيكون هذا الذم في الحقيقة موجهاً إلى الله سبحانه؛ لأنه الخالق المتصرف الآمر لها , فمنهم من ينسب الهلاك إلى الدهر، لتعاقب الأيام والليالي عليهم.
قال تعالى: ((وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ)) [الجاثية:24].
قال أمين الدين الطبرسي:
أي نموت نحن ويحيا أولادنا، أو يموت بعض منا ويحيا بعض، أو يصيبنا الأمرّان: الموت والحياة، يريدون الحياة في الدنيا والموت بعدها، وليس وراء ذلك حياة: ((وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ)) وما يحيينا إلا الأيام والليالي، وكانوا يضيفون كل حادثة تحدث إلى الدهر ويجعلونه المؤثر في هلاك النفس(2).
__________
(1) تفسير الجديد: (3/411).
(2) جامع الجوامع: (4/537).
(144/76)
ومنهم من يسب الدهر والوقت، وربما يلعنه، وهذا ناشئ من ضعف الدين والجهل العظيم، فإن الدهر ليس عنده من الأمر شيء، فإنه مُدبَّر مُصرَّف، والتصاريف الواقعة فيه من تدبير العزيز الحكيم، فالسب واللعن في الحقيقة سيقع على المدبِّر لها.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا الدهر فإن الدهر هو الله، ولا تسبوا السلطان؛ فإنه فيء الله في أرضه، ولا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء، ولا تسبوا الأموات؛ فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا)(1).
قال أمين الدين الطبرسي:
إن أهل الجاهلية كانوا ينسبون الحوادث المجحفة والبلايا النازلة إلى الدهر، فيقولون: فعل الدهر كذا وكانوا يسبون الدهر، فقال صلى الله عليه وسلم: إن فاعل هذه الأمور هو الله، فلا تسبوا فاعلها، وقيل معناه: فإن الله مصرف الدهر ومدبره، والوجه الأول أحسن، فإن كلامهم مملوء من ذلك، ينسبون أفعال الله إلى الدهر(2).
ومنهم من يسب الرياح إذا رأى منها ضرراً، من قلع الأشجار، وهدم البيوت مثلاً، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سب الرياح وغيرها من مخلوقاته، وقال: (لا تسبوا الرياح؛ فإنها مأمورة، ولا تسبوا الجبال ولا الساعات، ولا الأيام ولا الليالي فتأثموا وترجع عليكم)(3).
__________
(1) جامع الأخبار: (160)، وانظر: شرح نهج البلاغة: (7/198)، عوالي اللآلي (1/56)، كنز الفوائد: (1/49).
(2) مجمع البيان: (5/78).
(3) من لا يحضره الفقيه: (1/544)، وسائل الشيعة: (7/508)، بحار الأنوار: (56/2)، (57/9)، علل الشرائع: (2/577).
(144/77)
قال المجلسي معلقاً: بيان الغرض النهي عن سب الرياح والبقاع والجبال والأيام والساعات؛ فإنها مقهورة تحت قدرة الله سبحانه، مسخرة له تعالى، لا يملكون تأخراً عما قدمهم إليه، ولا تقدماً إلى ما أخرهم عنه، فسبهم سب لمن لا يستحقه، ولعن من لا يستحق اللعن يوجب رجوع اللعنة على اللاعن، بل هو مظنة الكفر والشرك لولا غفلتهم عما يؤول إليه، كما ورد في الخبر: (لا تسبوا الدهر؛ فإنه هو الله) أي: فاعل الأفعال التي تنسبونها إلى الدهر، وتسبونه بسببها هو الله تعالى(1).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا الليل والنهار ولا الشمس ولا القمر ولا الريح؛ فإنها تُبعث عذاباً على قوم ورحمة على آخرين)(2).
وجاءنا الهدي المبارك فيما نقوله تجاه هذه الأمور، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا الريح؛ فإنها بُشُر وإنها نُذُر وإنها لواقح، فاسألوا الله من خيرها، وتعوذوا به من شرها)(3).
فلذلك يجب على المؤمن أن يعلم أن التصاريف واقعة بقضاء الله وقدره وحكمته، فلا يتعرض لانتقاص أمر قد خلقه وأوجده الله سبحانه، بل يرضى بتدبير الله، ويسلم لأمره، وبذلك يتم توحيده وطمأنينته.
ثامناً: الحلف بغير الله:
الحلف واليمين من الأقوال العظيمة والدالة على إيمان العبد وتعلقه بالله، ذلك أن الحلف: هو تأكيد لشيء بذكر معظم بصيغة مخصوصة، إما بحرف الباء أو التاء أو الواو، مثل: بالله أو تالله أو والله.
ويشرع أن يحلف المسلم أيضاً بأسماء الله وصفاته ونحوها: كرب الكعبة، أو بالعزيز، أو والذي خلقك؛ وذلك لأن الصفة تابعة للموصوف.
__________
(1) بحار الأنوار: (57/9).
(2) بحار الأنوار: (57/19).
(3) تفسير العياشى: (2/239)، مستدرك الوسائل: (6/176)، بحار الأنوار: (57/12-19).
(144/78)
ومن حلف بغير الله أو جعل له مساوياً أو نداً في حلفه مع ربه فقد أشرك في تعظيم الله عز وجل، وذلك هو الشرك الأكبر، لكن لو حلف معتقداً بأن المحلوف به أقل من ذلك فقد أشرك بالله شركاً أصغر.
وقد كثر بين الناس اليوم الحلف بالله كذباً أو بغيره شركاً، كمن يحلف بالأمانة أو بالوالدين أو بالشرف أو بالأولاد أو بحياة النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته عليهم السلام، ومنهم من يحلف بالأحياء والموتى من الأولياء والصالحين تعظيماً لهم وخوفاً من عقابهم.
فإذا اُستُحلِف ذلك الشخص بالله عز وجل حلف بالله دون تردد، وإن كان كاذباً، وإذا اسْتُحلِف بالنبي أو بأهل بيته أو بالولي الفلاني نراه يتكعكع ويتلعثم في قوله، ولن يحلف به إلا وهو صادقاً.
وقد روى النوري الطبرسي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حلف بغير الله فقد كفر وأشرك)(1). وروى أيضاً: (من حلف بغير الله فقد أشرك)(2).
وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تحلفوا بآبائكم ولا بالأنداد، ولا تحلفوا إلا بالله، ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون)(3).
وعن الصادق عن آبائه عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث المناهي أنه نهى أن يحلف الرجل بغير الله، وقال: (من حلف بغير الله فليس من الله في شيء) ونهى أن يقول الرجل للرجل: (لا وحياتك وحياة فلان)(4).
وقال الشيخ المفيد:
__________
(1) مستدرك الوسائل: (16/65).
(2) مستدرك الوسائل: (16/50).
(3) عوالي اللآلي: (3/443).
(4) انظر: من لا يحضره الفقيه: (4/10)، وسائل الشيعة: (23/259)، بحار الأنوار: (89/175)، أمالي الصدوق: (347).
(144/79)
ولا يمين عند آل محمد عليهم السلام إلا بالله عز وجل وبأسمائه الحسنى، ومن حلف بغير اسم من أسماء الله تعالى فقد خالف السنة، ويمينه باطلة لا توجب حنثاً ولا كفارة، ولا يمين بالله تعالى في معصية لله، فمن حلف بالله أن يعصيه فقد أثم وكفارة يمينه ترك الفعل لما حلف عليه والاستغفار من يمينه في الباطل(1).
ومن الأمور المنافية لكمال التوحيد ما يفعله الناس اليوم من كثرة حلفهم بالله عز وجل، وإن لم تكن الحاجة تدعوهم إليه، وهذا يدل على استخفافهم بربهم وعدم تعظيمهم له، قال تعالى: ((وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ)) [القلم:10]، وقال عز وجل: ((وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ)) [المائدة:89].
قال السيد محمد حسين فضل الله:
من هؤلاء الذين يكثرون الحلف على كل شيء مما يثيرونه أمام الآخرين، أو مما يختلفون فيه معهم، من القضايا المتعلقة بالدين وبالحياة وبالأوضاع المحيطة بهم، سواءً أكانت حقاً أم باطلاً؛ لأنهم لا يشعرون بالثقة في أنفسهم، أو بثقة الناس بهم، ولذلك فإنهم يلجئون لتأكيد الثقة إلى أسلوب الحلف، ولو على حساب المقدسات التي يحلفون بها، كما في الحلف بالله، حيث يسيئون إلى موقع عظمته بالقسم به في قصة كاذبة باطلة... وإذا حدقت بهؤلاء فيما يتصفون به من صفات أخلاقية على صعيد الواقع فسترى المهانة النفسية، والحقارة العلمية التي توحي بكل سقوط وانحطاط(2).
وإذا قال قائل: يحدث أحياناً بيننا كثير من الحلف من غير قصد، كالحلف على الامتناع من ترك لباس أو أكل، أو مثل ما نقول: لا والله، وبلى والله، أيكون ذلك من الحلف الكاذب؟
فنقول له: لا حرج في ذلك الحلف؛ لأنه من باب اللغو، قال تعالى: ((لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ)) [المائدة:89].
وشرح الشيخ محمد السبزواري النجفي هذه الآية بقوله:
__________
(1) المقنعة: (54) باب الأيمان والأقسام.
(2) من وحي القرآن: (23/50).
(144/80)
اللغو: هو الكلام خالي القصد والهدف، والذي لا يعتد به؛ لأنه يصدر دون عقد القلب عليه، واللغو في الأيمان هو ما يقوله الناس كثيراً في محادثاتهم: بلا والله، ولا والله، وبظن وقوع الأمر كذلك، فالله تعالى -رحمة منه- لا يُؤاخذ عباده على تلك الأيمان اللاغية التي يستعملونها في كلامهم ومحادثاتهم، ويقول لهم: ((وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ)) [المائدة:89] أي أنه يحاسبكم على الأيمان المقصود الصادر عن عقد القلب والنية بجرم تام(1).
وروى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل: ((لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ)) [البقرة:225] قال: هو لا والله وبلى والله(2).
وعن مَسْعَدَة بنِ صَدَقةَ، عن أبي عبد الله عليه السلام: قال: سمعته يقول في قول الله عز وجل: ((لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ)) [البقرة:225]، قال: اللغو قول الرجل: لا والله، وبلى والله، ولا يعقد على شيء(3).
لذا فالواجب على كل مسلم حفظ يمينه وكلامه وتعظيمه لله، وإن استلزم أن يقسم فليقسم بالله سبحانه ولا شيء غيره.
تاسعاً: التبرك:
مما يلحق بالغلو وتعظيم الأئمة والصالحين قضية التبرك، التي تناولها العلماء بالشرح والبيان.
والتبرك معناه: طلب البركة، وهي نعمة أنعم الله بها على خلقه إذا جاءوا ملتمسين بها للخير على ما جاء في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
والتبرك له أنواع كثيرة منها:
التبرك بالأقوال: وهذا كقراءة القرآن الكريم وقراءة الأدعية والأذكار المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) تفسير الجديد: (2/512).
(2) من لا يحضره الفقيه: (3/361).
(3) الكافي: (7/443).
(144/81)
التبرك بالأمكنة: فهناك أمكنة قد اختصها الله تبارك وتعالى بفضل منه، وجعل فيها مزية وزيادة في البركة، مثل: مكة والمسجد الحرام فيها، والمدينة النبوية، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى ومسجد قباء، وسائربيوت الله (المساجد).
التبرك بالأزمنة: ومن الأزمنة التي جعل الله تبارك وتعالى فيها البركة والفضل العظيم شهر رمضان، وليلة القدر، ويوم الجمعة، ومثل الثلث الأخير من الليل وغيرها.
ولنكن على بينة أن أعظم البركة والخير والأجر هو في اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم وترك ما نهى عنه، وعدم الزيادة على ما شرعه وما أقر به، لذلك فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم التحذير من البدع من سنته وذكر بها عند الاستفتاح لكل حديث وخطبة يخطبها النبي صلى الله عليه وسلم على منبره، وجعلها سنة يتداولها أهل الصلاح والاستقامة، وهو قوله صلى الله عليه وسلم في أكثر خطبه: (وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وبالبدع هدم السنن)(1).
وقال الإمام علي عليه السلام: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (عليكم بسنتي، فعمل قليل في سنة خير من عمل كثير في بدعة)(2).
وعن منصور بن أبي يحيى، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فتغيرت وجنتاه والتمع لونه، ثم أقبل بوجهه، فقال: (يا معشر المسلمين، إنما بعثت أنا والساعة كهاتين، قال: ثم ضم السباحتين، ثم قال: يا معشر المسلمين، إن أفضل الهدى هدى محمد، وخير الحديث كتاب الله، وشر الأمور محدثاتها، ألا وكل بدعة ضلالة، ألا وكل ضلالة ففي النار)(3).
__________
(1) مستدرك الوسائل: (12/325).
(2) إرشاد القلوب: (1/165)، أمالي الطوسي: (522).
(3) أمالي المفيد: (187)، بحار الأنوار: (2/263)، مستدرك الوسائل، (12/324).
(144/82)
وقال أمير المؤمنين علي عليه السلام قبل موته: أيها الناس، كل امرئ لاق ما يفر منه في فراره، والأجل مساق النفس، والهرب منه موافاته، كم اطردت الأيام أبحثها عن مكنون هذا الأمر فأبى الله إلا إخفاءه، هيهات! علم مخزون، أما وصيتي: فالله لا تشركوا به شيئاً، ومحمد صلى الله عليه وسلم فلا تضيعوا سنته، أقيموا هذين العمودين(1).
ولو نظرنا في حالنا الآن لوجدنا كثيراً منا على خلاف ما شرعه النبي صلى الله عليه وسلم، منحرفين عن هديه تاركين سننه، مبتدعين سنناً أخرى، فإننا نرى كثيراً من الناس -هداهم الله تعالى إلى الصواب- يتعلقون بغير الله في طلبهم البركة.
فمن البركات الباطلة التي يتعبد بها الناس في هذا الزمان أنهم يتبركون في تعظيمهم للاحتفالات والابتهالات الإسلامية (كما يدّعون) كيوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم، والأولياء والصالحين وغيرهم كثير، وتعظيمهم لذكرى وفاة النبي صلى الله عليه وسلم واستشهاد بعض الأولياء والصالحين، وكذا الاحتفال بليلة القدر أو الإسراء والمعراج، والاحتفال بهجرة النبي صلى الله عليه وسلم، ويوم فتح مكة، وغيرها من البدع.
فكل هذه المناسبات المحدثة هل ثبت لدينا بدليل واحد أن نبينا صلى الله عليه وسلم جعل لها يوماً للاحتفال بها؟ دلالة منه على أهمية هذه المناسبة وتذكيراً لنا بها؟!
بل هل ثبت عند من بعده كأمير المؤمنين علي عليه السلام لما تولى الخلافة أنه خصص يوماً لتذكر وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أو لمناسبة مولده أو إسرائه ومعراجه؟!
فإذا لم يثبت عندنا لتلك المناسبات بأي دليل مقبول، فلم نفعل أمراً نظن فيه الحب والتقرب إلى آل البيت وهم أعلم الناس بالله سبحانه، فهل بلغنا علم لم يبلغهم؟!
أو هل نحن أعلم بالله أو أكثر حباً للنبي صلى الله عليه وسلم منهم؟! وهل سبقناهم إلى علم فاتهم وقصر علمه عنهم؟!
__________
(1) نهج البلاغة: (207)، الكافي: (1/299)، بحار الأنوار: (42/207).
(144/83)
والخطب ليس بيسير، فقد تجاوز الأمر في الاعتقاد إلى التبرك ببعض الأماكن، كتقبيلهم جدران الكعبة والتمسح بها، والتمسح كذلك بمقام نبي الله إبراهيم عليه السلام، والسفر إلى أضرحة الصالحين للدعاء وطلب الحوائج والتبرك والمسح عليها، والأخذ من ترابها وقماشها الملون، وغيرها من الأفعال الشركية(1)، ولهذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم فئة من الصحابة في غزوة حنين عندما طلبوا منه أمراً ليتبركوا به، وذلك لقرب عهدهم بالإسلام وتأثرهم بالجاهلية، وظنهم أن هذه الأفعال لا حرج في فعلها.
وذكر الشيخ زين الدين النباطي في كتابه الصراط المستقيم:
أنه كان للمشركين شجرة يسمونها ذات أنواط يعلقون عليها أسلحتهم(2)، فقال المسلمون للنبي صلى الله عليه وسلم: اجعل لنا ذات أنواط! فقال: (هذا مثل قول قوم موسى: ((اجْعَل لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ)) [الأعراف:138] لتركبن سنن من كان قبلكم)(3).
__________
(1) أما ما يفعله الصحابة رضوان الله عليهم عند تبركهم بوضوء النبي ص وجسمه وملابسه وريقه وعرقه، فإنما هذه من خصوصيات النبي ص لا يشاركه فيها أحد.
(2) أنواط: هي شجرة كانوا يعبدونها ويعلقون عليها أي للبركة. انظر: بحار الأنوار (9/67).
(3) الصراط المستقيم (فصل:106).
(144/84)
وقال شارح نهج البلاغة: قد جاء في المسانيد الصحيحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لتركبن سنن من كان قبلكم حذو النّعل بالنّعل، والقذّة بالقذّة، حتى لو دخلوا جحر ضبّ لدخلتموه، فقيل: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فمن ذلك؟!(1))(2).
فعليك أيها المسلم بخير الهدي وبالصراط القويم ولا يغرنك فعل الكثرة من العوام.
عاشراً: شرك الخوف:
المسلم متعلق بالله ظاهراً وباطناً؛ لأنه يريد تحقيق العبادة في كل شيء حتى في أحاسيسه وفكره، رغبة ورهبة، حباً وطمعاً، حتى في الخوف.
والخوف: هو انفعال يحصل بتوقع ما فيه هلاك أو ضرر أو أذى.
وقد نهى الله عز وجل المؤمنين أن يخافوا غيره، وأمرهم أن يقصروا خوفهم عليه، فلا يخافون إلا إياه، وهذا هو الإخلاص الذي أمر الله به عباده الموحدين، فإذا أخلصوا له في الخوف وفي جميع العبادات أعطاهم ما يرجون، وأمنهم من مخاوف الدنيا والآخرة.
عن جعفر بن محمد عليه السلام قال: من خاف الله عز وجل أخاف الله منه كل شيء، ومن لم يخف الله عز وجل أخافه الله من كل شيء(3).
__________
(1) إن خطاب النبي ص للصحابة كان تعليمياً ومحذراً للأمم القادمة من ارتكابهم للشرك والبدع، وهذا الخطاب شامل كامل لما أعطي للنبي ص من ربه جوامع الكلم، وهذا مشابه لقول الله تبارك وتعالى لنبيه محمد ص: (ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين). وقوله تعالى: (ياأيها النبي اتق الله ولاتطع الكافرين). وقوله تعالى: (ولا تصل على أحد منهم).
(2) شرح نهج البلاغة: (9/286)، وانظر: بحار الأنوار (51/128).
(3) بحار الأنوار: (67/381)، وانظر: الكافي: (2/68)، وسائل الشيعة: (15/219).
(144/85)
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: من عرف الله خافه، ومن خاف الله حثه الخوف من الله على العمل بطاعته والأخذ بتأديبه، فَبَشَّر المطيعين المتأدبين بأدب الله والآخذين عن الله أنه الحق على الله أن ينجيهم من مضلات الفتن(1).
واعلم رحمك الله أن الخوف من الله تعالى درجات بين الناس، فمنهم من يغلو في خوفه، ومنهم من يفرط، ومنهم من يعتدل في خوفه.. وهذا هو الصواب.
فيجب على المؤمن أن يسير إلى الله بين الخوف والرجاء، بحيث لا يذهب مع الخوف وحده فيقنط من رحمة الله، ولا يذهب مع الرجاء وحده حتى يأمن من مكر الله؛ لأن القنوط من رحمة الله والأمن من مكر الله ينافيان التوحيد.
لذلك فإن الله عز وجل يقول: ((وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً)) [الأعراف:56].
واعلم رحمك الله بأن الخوف الحاصل عند الناس على أنواع ثلاثة:
النوع الأول: خوف طبيعي:
وهو كخوف الإنسان من السباع والنار، وهذا لا يلام عليه العبد؛ لأنه أمر طبعي مفطور عليه خلقة. قال تعالى عن موسى عليه السلام: ((فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ)) [القصص:18].
النوع الثاني: خوف الطاعة:
وهو أن يترك الإنسان ما يجب عليه من الجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لغير عذر خوفاً من الناس مثلاً، فهذا محرم، وهو نوع من أنواع الشرك بالله المنافي لكمال التوحيد، قال تعالى: ((وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ)) [العنكبوت:10].
قال محمد الكرمي:
__________
(1) مستدرك الوسائل: (11/228).
(144/86)
ومن الناس من يستسهل أمر العقيدة، ويراها لزاماً إذا واتته الصدف بها ولم يجد مزاجاً له عليها، فمتى افتتن في حقها انقلب عنها، وجعل تعذيب الناس على الحق كتعذيب الله له على الباطل، فكيف أن الإنسان يترك فعل الحرام لأجل خوفه من عذاب الآخرة، كذلك يترك العقيدة المخالفة لأجل خوفه من الناس في حال أنه لا سواء بين العذابين، فعذاب الناس منقطع وعذاب الله دائم(1).
وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: من طلب رضا الله بسخط الناس رد الله ذامَّه من الناس حامداً، ومن طلب رضا الناس بسخط الله رد الله حامده من الناس ذاماً(2).
النوع الثالث: خوف السر:
وهو خوف فئة من الناس من أضرحة الأنبياء والأولياء، فتراهم يتقربون إليهم بشتى أنواع العبادات من نذر وذبح وحلف خوفاً على أنفسهم وأولادهم وأموالهم من سخط وغضب صاحب ذلك القبر، أو يخاف من ولي مخافة ربما تزيد على مخافة الله عز وجل من انقطاع رزقه وفقره بسبب ذاك الولي، وهذا من الشرك الأكبر.
قال تعالى: ((إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ)) [التوبة:18].
قال السيد محمد حسين الطبطبائي:
__________
(1) تفسير المنير: (6/220)، وانظر: تفسير الميزان: (16/108).
(2) مستدرك الوسائل: (12/210).
(144/87)
الخشية الدينية وهي العبادة، من دون الخشية الغريزية التي لا يسلم منها إلا المقربون من أولياء الله كالأنبياء، قال تعالى: ((الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللَّهَ)) [الأحزاب:39]، والوجه في التكنية عن العبادة بالخشية أن الأعرف عند الإنسان من علل اتخاذ الإله للعبادة الخوف من سخطه أو الرجاء لرحمته، ورجاء الرحمة أيضاً يعود بوجه إلى الخوف من انقطاعه وهو السخط، فمن عبد الله سبحانه أو عبد شيئاً من الأصنام فقد دعاه إلى ذلك، إما الخوف من شمول سخطه، أو الخوف من انقطاع نعمته ورحمته، فالعبادة ممثلة للخوف والخشية مصداق لها لتمثيلها إياها، وبينها حالة الاستلزام(1).
وقال تعالى: ((إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)) [آل عمران:175].
قال الشيخ محمد السبزواري النجفي:
((فَلا تَخَافُوهُمْ)) أي: لا تفزعوا منهم أيها المؤمنون؛ لأني ناصركم ومعينكم ((وَخَافُونِي)) واحذروا مني؛ لأن السعادة الأبدية الطيبة هي أن يخاف العبد مولاه وربه الذي بيده أزمّة أموره في الدنيا والآخرة، فينبغي أن تتقوني ((إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)) أي: بمقتضى إيمانكم، ولا يجوز أن ينحصر خوفكم بغير الله تعالى؛ لأن المخلوقين أمورهم بيده سبحانه وهم ضعفاء مفتقرون إليه(2).
وكيف يخاف العبد المتعلق بالله الطائع له من أحد من الخلق؟ أليس الله بكاف عباده مما يضرهم؟
قال تعالى: ((أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ)) [الزمر:36].
قال محمد الكرمي:
__________
(1) تفسير الميزان: (9/209).
(2) تفسير الجديد: (2/192).
(144/88)
أليس الله المقتدر على كل شيء بكاف عبده الملتجئ إليه؟ بلى هو كاف له، ولا يجوز أن يتخوف بالشركاء المتخذين للجهلاء؛ فإنهم ومهما كانوا لا وزن لهم، وضلال الضال إنما جاءه لانصرافه عن ربه، وهداية المهتدي إنما حصل له لإقباله عليه، ولئن سألت يا محمد هؤلاء المشركين المعاصرين لكم من هو خالق هذه السموات العظيمة والأرض الجسيمة ليقولن لكم: الله خلق ذلك، فقل لهم حينذاك: أفرأيتم أن ما تدعون من دون الله هذا الخالق، هل بهن أن يكشفن الضر عني إن أراده الله لي؟ أو أنهن هل يستطعن أن يقفن أمام وصول رحمته إلي إن أراد لي رحمة؟ فحتماً سيجيبون: لا، ليست بالأصنام أن تدفع عذاب الله أو أن تجلب رحمته، فقل: إذاً حسبي الله عن كل ما سواه، وعليه فليتوكل المتوكلون(1).
لهذا ليكن دائماً قولك يا عبد الله: (حسبي الله ونعم الوكيل) ولن يضرك شيء في الدنيا إلا ما قدره الله عليك.
الحادي عشر: شرك المحبة:
إن أصل التوحيد وروحه يكمن في إخلاص المحبة لله وحده، وهي أصل التألّه والتعبد له، بل هي حقيقة العبادة، ولا يتم التوحيد حتى تكمل محبة العبد لربه وتسبق جميع المحاب وتغلبها، بحيث تكون سائر محاب العبد تبعاً لهذه المحبة التي بها سعادة العبد وفلاحه.
ولما كان الإنسان يدور في حياته إقبالاً وإدباراً للأشياء حوله حباً أو كرهاً، كانت المحبة على أنواع كثيرة متنوعة هي كالآتي:
النوع الأول: محبة الله عز وجل:
وهي إفراد المحبة المستلزمة للذل والخضوع، وكمال الطاعة وإيثار المحبوب على غيره، فهذه المحبة خالصة لله، ولا يجوز أن يشرك معه فيها أحد.
__________
(1) تفسير المنير: (7/11).
(144/89)
وهذا كحب نبي الله إبراهيم عليه السلام لربه عند استجابته في ذبح ابنه إسماعيل لرؤيا رآها في منامه، ورؤيا الأنبياء حق، فقال تعالى: ((فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ)) [الصافات:102].
النوع الثاني: المحبة لله:
وهي محبة أنبياء الله ورسله وأتباعهم، وأن يحب العبد ما يحبه الله من الأعمال والأشخاص، ويبغض ما يبغضه الله من الأعمال والأشخاص، وأن يوالي أولياء الله عز وجل ويعادي أعداءه، وهذا هو كمال إيمان العبد وتوحيده.
فعن البراء بن عازب قال: (كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أتدرون أي عرى الإيمان أوثق؟ قلنا: الصلاة، قال: إن الصلاة لحسنة وما هي بها، قلنا: الزكاة، فقال: لحسنة وما هي بها، فذكرنا شرائع الإسلام، فقال: أوثق عرى الإيمان أن يحب الرجل في الله ويبغض في الله)(1).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في جواب شمعون بن لاوي بن يهودا من حواريي عيسى: (...وأما علامة البار فعشرة: يحب في الله، ويفارق في الله، ويغضب في الله، ويرضى في الله، ويعمل لله، ويطلب إليه، ويخشع لله خائفاً مخوفاً طاهراً مخلصاً مستحيياً مراقباً، ويحسن في الله)(2).
وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ثلاث من كن فيه وجد طعم الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله)(3).
__________
(1) مستدرك الوسائل: (12/224)، الاختصاص: (365).
(2) انظر: بحار الأنوار: (1/117).
(3) مستدرك الوسائل: (12/234).
(144/90)
وهذا ما فعله الصحابة رضي الله عنهم في تحقيق المحبة الصحيحة المباركة، وكان فيهم أمير المؤمنين علي عليه السلام، فيتذكر بحسرة وأسى ما آل إليه أمره في الكوفة بين نفر من الناس لم يعرفوا حق الصحابة رضي الله عنهم، وكيف أنهم حققوا المحبة الخالصة لله وحده.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: ولقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نقتُل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وأعمامنا ما يزيدنا ذلك إلا إيماناً وتسليماً، ومضينا على اللقم، وصبرنا على مضض الألم وجِدّاً في جهاد العدو(1).
وعن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا أردت أن تعلم أن فيك خيراً فانظر إلى قلبك، فإن كان يحب أهل طاعة الله ويبغض أهل معصيته ففيك خير والله يحبك، وإن كان يبغض أهل طاعة الله ويحب أهل معصيته فليس فيك خير والله يبغضك، والمرء مع من أحب(2).
النوع الثالث: المحبة الطبيعية:
وهي المحبة الفطرية التي فطر عليها الإنسان، كمحبة الوالدين والزوجة والأولاد، ومحبة الطعام واللباس وغيرها، ما لم تكن على محبة الله وطاعته.
والحذر من أن تقودك المحبة الطبيعية إلى تغليبها أكثر وأعظم من حب الله وطاعته.
قال تعالى: ((قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)) [التوبة:24].
قال محمد جواد مغنية:
__________
(1) شرح نهج البلاغة: (4/33)، بحار الأنوار: (30/328)، إرشاد القلوب: (1/267).
(2) الكافي: (2/126)، وسائل الشيعة: (16/183)، بحار الأنوار: (66/247)، علل الشرائع: (1/117).
(144/91)
والإنسان بفطرته يحب نفسه وأهله وأمواله، والدين لا يأبى ذلك، ولا يحجز على أحد أن يستمتع بما يشاء، ويحب من يريد، شريطة أن يتقي الله في هذا الاستمتاع والحب، وأن يكون على حساب جهوده، لا على حساب الآخرين(1).
لذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل حب الله ورسوله شرطاً من شروط الإيمان:
فقال صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما)(2).
النوع الرابع: محبة مع الله:
وهي أن تكون محبه غير الله كمحبة الله أو أكثر من محبة الله، بحيث إذا تعارضت محبة الله ومحبة غيره قدّم محبة غير الله، والخشية من جعل هذه المحبة نداً لله يقدمها على محبة الله أو مساوية بها.
وهذا ما نلاحظه في عصرنا، فإننا نجد كثيراً من الناس يأتون إلى أضرحة الأولياء والصالحين بتلهف وشوق وبكاء لا يمكن أن يفعل عند الدعاء لله في الخلوة، وكذلك يرون أن زيارتهم لقبر الرسول صلى الله عليه وسلم أو آل بيته عليهم السلام أحب إليهم وأعظم مكانة وقصداً من زيارة بيت الله الحرام.
ولهذا فقد نُسِب إلى أبي جعفر الباقر عليه السلام كذباً وزوراً ما يخالف الأصول الشرعية، والنهج النبوي المبارك، مثل أنه قال: من زار الحسين يوم عاشوراء حتى يظل عنده باكياً لقي الله عز وجل يوم القيامة بثواب ألفي ألف حجة، وألفي ألف عمرة، وألفي ألف غزوة، وثواب كل حجة وعمرة وغزوة كثواب من حج واعتمر وغزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع الأئمة الراشدين صلوات الله عليهم(3).
__________
(1) تفسير الكاشف: (4/23).
(2) انظر: مسكن الفؤاد: (17).
(3) بحار الأنوار: (98/290)، وانظر: وسائل الشيعة: (14/477)، مستدرك الوسائل: (10/293).
(144/92)
وهذا كذب مفضوح على الإمام الباقر عليه السلام، فلو كانت زيارة الحسين يوم عاشوراء والبكاء عند قبره أعظم ثواباً من الحج والعمرة لجاء حتماً ذكرها في كتاب ربنا العزيز، وهذا مما يبين لنا أنهم قد كذبوا على الأئمة في شتى الأمور كهذا القول وغيره، وهم بريئون منه.
وقال تعالى حكاية عمن عبد غير الله: ((تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ)) [الشعراء:97-98].
قال الشيخ محمد السبزواري النجفي:
حيث جعلناكم مساوين في العبادة والخضوع لرب العالمين، هذا بناء على كون الخطاب للأصنام، وقيل: يقولون لمن تبعوهم: أطعناكم كما أطعنا الله فصرتم أرباباً(1).
وهذه المساواة التي أرادها الشيخ بشرحه للآية المباركة لا تتعرض للمساواة القلبية أو الباطنية فقط، لكنها ابتداء تتكلم عن المساواة الظاهرية في جوارح العباد، والدالة فيما بعد على ما في القلب من توقير وتعظيم للمتوجه إليه بالمساواة.
ومنهم من يكون جل اهتمامه متعلقاً بالدنيا وزينتها، حتى أصبحوا عباداً لها، ولو فتشت عن قلوبهم لوجدتها ممتلئة من محبة متاع الدنيا.
وقد سمعنا من القصص الشيء الكثير عن أولئك العباد وما جرى لهم عند احتضارهم، فكانوا يقولون لهم: قولوا: (لا إله إلا الله) فتجد أحدهم قلبه الذي تعلق بتجارة العقارات يأبى أن يقول كلمة التوحيد، فيهذي بما يدل على تعلق فؤاده بالبيع والشراء، ومنهم من كان يُغَنِّي عند احتضاره، ومنهم من طلب الخمر.
ولهذا قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (تعِس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس ولا انتعش بين أن محبها عبد لها، من عبد حجراً فهو عابد صنم)(2).
__________
(1) الجديد: (5/193).
(2) مجموعة ورام: (1/159)، وانظر: بحار الأنوار: (7/319).
(144/93)
وهؤلاء هم الذين قال الله فيهم: ((وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ)) [البقرة:165].
قال السيد محمد تقي المدرسي:
لنظرتهم الجامدة، فهم يقدسون الشمس -مثلاً- بدلاً من أن يعبدوا الذي خلق الشمس ونظّم سيرها، وهو الله، لماذا؟ لأنهم ينظرون إلى ظاهر الشمس دون أن يستدلوا بها على ربها، كذلك فهم يرتبطون بأصحاب المال والجاه والعلم دون أن يفكروا أن هؤلاء جميعاً عباد الله، وأن الله هو الذي أعطاهم هذه النعم، فأولى بهم وأجدر أن يتصلوا بالله مباشرة، ولا يسمحوا لأنفسهم بأن يستعبدها هؤلاء الوسطاء: ((وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ)) [البقرة:165] فبالرغم من إنشاء علاقة بينهم وبين أصحاب المال والجاه والعلم، فهم لا يسمحون لأنفسهم بالعبودية لهؤلاء، بل يبقون أبداً مرتبطين بالله ارتباطاً أشد(1).
وبعد هذه النصوص والأخبار لنفرق بين الحب الذي يجر إلى التقديس والتعظيم لأمور عدة من غير بيان للحق والأثر الصحيح، حتى يبعد صاحبه عن محبة الله، وبين الحب المتوجه للأولياء والعلماء والأماكن والأزمان الذي يكون في مرضاة الله تعالى ووفق ما يحبه الله تعالى، وتبعاً لأمره الكريم.
الثاني عشر: شرك الطاعة:
يؤمن المسلم بوجوب محبة علماء الإسلام واحترامهم وتوقيرهم والتأدب معهم؛ لأنهم هم العارفون بشرع الله والمتفقهون في دينه، والعاملون بعلمهم على هدى وبصيرة.
__________
(1) من هدي القرآن: (1/300).
(144/94)
ولأن العلماء من خير البرية؛ لأنهم أشد الناس خشية لله سبحانه، قال تعالى: ((إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)) [فاطر:28]، وقال تعالى: ((أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ)) [البينة:7-8].
واعلم رحمك الله أن طاعة العلماء فرض على الناس بقيدها، وهي أن تكون تابعة لطاعة الله ورسوله وإلا فلا طاعة لهم، ودليل ذلك قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ)) [النساء:59].
فمن تمعن في الآية الكريمة يلاحظ أن الله جعل طاعته مستقلة، وطاعة رسوله مستقلة أيضاً، بينما جعل طاعة أولي الأمر تابعة، ولهذا لم تسبق طاعة ولي الأمر بالفعل (وأطيعوا)، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وأولو الأمر هم أهل الشأن من العلماء والأمراء؛ لأن العلماء يسند إليهم أمر الشرع والعلم به، والأمراء يُسند إليهم تنفيذ الشرع وإمضاؤه.
وإذا استقام العلماء والأمراء استقامت أمور الناس، وبفسادهم تفسد الأمور؛ لأن العلماء أهل الإرشاد والدلالة، والأمراء أهل الإلزام والولاية.
ويجب على المسلم أن يستفتي من اعتقد أنه يفتيه بشرع الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بالأحاديث الصحيحة والفهم الصحيح الذي سار عليه وانتهجه آل البيت عليهم السلام، ولا يقلد عالماً معيناً في كل ما يقول ويلتزم بمذهبه التزاماً أعمى؛ لأن العلماء بشر يصيبون ويخطئون، فقد يخطئ أحدهم الحق في مسألة من المسائل، لا عن قصد وعمد ولكن عن غفلة وسهو، أو عدم إحاطة بالمسألة الشرعية.
(144/95)
فلهذا ينبغي للمسلم العاقل أن لا يتعصب لرأي عالم دون الآخر، بل يجعل نصب عينيه قوله تعالى: ((فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ)) [الأنبياء:7].
ولو نظرنا في أحوال المسلمين اليوم -إلا من رحمه الله- لوجدناهم قد أشركوا في طاعة الله عز وجل، تاركين شرعه وسنة نبيه وحبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم ومعرضين عن ما نقله إلينا آل بيته عليهم السلام، متبعين طريقة الأولياء من الأمراء والعلماء الضلال.
فجعلوا حرياتهم وأفعالهم وتفكيرهم في أسر وقيد متين لا ينفك غله، ولا يستبين أمره في سبيل معرفة الحق من الضلال، وليس في مقدورهم النقاش أو السؤال لمعرفة السبب في الفعل أو الترك، أو للتفريق بين الهدي النبوي الصحيح، أو ما أحدثوه في دين الله من الشرك والبدع والخرافات من الاستغاثة بالأموات والدعاء من دون الله والاحتفال بأعياد الميلاد وغيرها من البدع الصادرة عن عقائد أحبار اليهود(1) ورهبان النصارى(2)، لكنه إن بدر منه التفاتة للسؤال بين يدي مقلده لكان هذا وسماً عليه بالعار والتأنيب، وحكماً بالخروج من الطاعة والانقياد وحب آل البيت عليهم السلام، إلى الضلال والبغض والشك بأقوالهم على لسان المبلغين عنهم.
وهذا ما جرّ كثيراً من المسلمين إلى الوقوع في معتقد خطير، وهو أن أحدهم إذا قيل له: نهى الله عز وجل في كتابه أو نهى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم عن كذا أو كذا، لرد وقال مباشرة: لكن العالم الفلاني قال كذا وكذا.
وهذا من الشرك المنافي لتوحيد الله عز وجل في طاعته، وذلك أنهم أطاعوا العلماء في تحريم ما أحل الله، وفي تحليل ما حرم الله عز وجل.
وهو ما قال الله تعالى فيه: ((اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ)) [التوبة:31].
__________
(1) الأحبار: جمع حِبر وحَبر، وهو العالم الواسع العلم.
(2) الرهبان: جمع راهب وهو العابد الزاهد.
(144/96)
قال أبو جعفر عليه السلام: أما المسيح فعصوه وعظموه في أنفسهم حتى زعموا أنه إله، وأنه ابن الله... وأما أحبارهم ورهبانهم فإنهم أطاعوهم، وأخذوا بقولهم واتبعوا ما أمروهم به ودانوا بما دعوهم إليه، فاتخذوهم أرباباً بطاعتهم لهم وتركهم ما أمر الله وكتبه ورسله فنبذوه وراء ظهورهم، وما أمرهم به الأحبار والرهبان اتبعوه وأطاعوهم وعصوا الله، وإنما ذكر هذا في كتابنا لكي نتعظ بهم(1).
وقال الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام: أما والله ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم، ولو دعوهم إلى عبادة أنفسهم لما أجابوهم، ولكن أحلوا لهم حراماً وحرموا عليهم حلالاً، فعبدوهم من حيث لا يشعرون.
وقال عليه السلام: (من أطاع رجلاً في معصية الله فقد عبده)(2).
وقال عليه السلام أيضاً: (أما والله ما صاموا لهم ولا صلوا ولكنهم أحلوا لهم حراماً وحرموا عليهم حلالاً فاتبعوهم)(3).
وقال عليه السلام أيضاً: (أما إنهم لم يتخذوهم آلهة، إلا أنهم أحلوا حراماً فأخذوا به وحرموا حلالاً فأخذوا به، فكانوا أربابهم من دون الله)(4).
واتباع الأحبار والرهبان والعلماء من غير دليل بقصد مخالفة شرع الله يوقع في أمر خطير، قال تعالى: ((وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ)) [الأنعام:121].
قال السيد محمد حسين فضل الله:
__________
(1) تفسير الميزان: (9/265)، تفسير القمي: (1/288).
(2) انظر: تفسير نور الثقلين: (2/209).
(3) المصدر السابق.
(4) المصدر السابق.
(144/97)
إشراك العبادة الذي يعني الطاعة والخضوع، فإذا كان هناك وحي الله ووحي الشيطان، واختار الإنسان غير وحي الله فإن ذلك يعني التمرد على الله والخضوع لغيره، وذلك هو الشرك الغير مباشر؛ لأن قضية التوحيد ليست مجرد فكرة تعيش في العقل، كما تعيش المعادلات الرياضية المجردة، بل هي فعل إيمان يتحرك في الفكر ليحرك المشاعر والأفعال والأقوال والمواقف لتكون -كلها- صورة حية له، لتتحول الحياة من حوله إلى فعل إيمانه بالله وفي طريق الله(1).
وقال الشيخ محمد السبزواري النجفي:
تسمعوا منهم وتذعنوا لقولهم في استحلال الحرام ((إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ)) [الأنعام:121] بترك دين الله والميل إلى دينهم، فإن ذلك شرك به تعالى وإدخال لغير حكمه في أحكامه(2).
وقال أمين الدين الطبرسي: لأن من اتبع غير الله في دينه فقد أشرك به(3).
ولقد علمنا ربنا سبحانه وتعالى ماذا نفعل إن اختلفنا في حكم شرعي، وماذا نتبع.
فقال تعالى: ((وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ)) [الشورى:10].
قال الفيض الكاشاني:
وما اختلفتم فيه من شيء من المذاهب واخترتم لأنفسكم من الأديان فحكم ذلك كله إلى الله يوم القيامة، وقيل: وما اختلفتم فيه من تأويل متشابه فارجعوا إلى المحكم من كتاب الله، ذلكم الله ربي عليه توكلت في مجامع الأمور، وإليه أنيب وأرجع(4).
وهذا الباب والمعتقد من أخطر المعتقدات التي تهوي بفاعله إلى الشرك، ولو أن المسلم فكّر في كل ما ينقل أو يقدم إليه من قبل المشايخ والأئمة، وسأل عن صحة الخبر وبحث في مصادر الفتاوى لوجد أن أغلب الفتاوى لا سند لها، والله يعصمنا من الزلل في ديننا.
الثالث عشر: الذبح:
__________
(1) تفسير من وحي القرآن: (9/227).
(2) تفسير الجديد: (3/85).
(3) تفسير جامع الجوامع: (1/406).
(4) تفسير الصافي: (4/367).
(144/98)
الذبح: هو إزهاق الروح بإراقة الدم لحيوان مأكول شرعاً، على وجه مخصوص، يقصد به تعظيم المذبوح له و التذلل له والتقرب إليه، وهذا لا يكون إلا لله وحده لا شريك له.
والذبح من العبادات والطاعات الدالة على ذل العبد لله سبحانه، فمن صرف وقصد في ذبحه ونيته لغير الله عز وجل فقد أشرك بالله شركاً أكبر مخرجاً عن ملة الإسلام.
قال تعالى: ((قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)) [الأنعام:162-163].
قال الشيخ محمد باقر الناصري:
فالنسك كل ما تقرب به إلى الله تعالى إلا أن الغالب عليه أمر الذبح(1).
وقرن الله بين الصلاة والنحر لأهميتهما ودلالتهما على تعظيم أمر الله.
قال تعالى: ((فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)) [الكوثر:2].
قال ناصر مكارم الشيرازي:
نِعم واهب النَّعم هو سبحانه، لذلك ليس ثمة معنى للعبادات إن كانت لغيره، خاصة وأن كلمه (رب) تعني استمرارية النعمة والتدبير والربوبية، وبعبارة أخرى العبادات سواء كانت صلاة أم نحراً، تختص بالرب وولي النعمة وهو سبحانه وتعالى، والأمر بالصلاة والنحر للرب مقابل ما كان يفعله المشركون في سجودهم للأصنام ونحرهم لها، بينما كانوا يرون نعمهم من الله، وتعبير ((لِرَبِّكَ)) دليل واضح على وجوب قصد القربة في العبادات(2).
وينبغي أن نعلم أن الذبح لغير الله ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن يكون الذبح لغير الله فرحاً أو إكراماً للضيف، فهذا لا حرج فيه بل هو من الأمور المعتادة التي قد تكون مطلوبة تارة وغير مطلوبة تارة أخرى، فالأصل أنها مباحة.
__________
(1) مختصر مجمع البيان: (1/509).
(2) تفسير الأمثل: (20/452).
(144/99)
فعن أبي عبد الله عليه السلام قال: مما علّم رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة ‘ أن قال لها: (يا فاطمة، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)(1).
ومن الذبح الجائز أيضاً ما يكون اتباعاً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، مثل: الذي يذبح للمولود وهو ما يسمى بالعقيقة. فعن أبي عبد الله عليه السلام قال: عقيقة الغلام والجارية كبش(2).
القسم الثاني: أن يكون الذبح تعظيماً وتقرباً لغير الله، وإن ذُكر اسم الله ابتداء قبل الذبح، وهذا من الشرك الأكبر المخرج من ملة الإسلام، وهو ما يفعله بعض الناس هداهم الله في تقربهم للأنبياء والرسل والأولياء عن طريق الذبح، زاعمين بأن صدقة تلك الذبائح وثوابها لهم، وحقيقة الأمر أنهم يذبحون وينحرون للأولياء حفاظاً على أموالهم وأولادهم، لجلب الخير لهم ودفع المصائب عنهم.
ومنهم من يذبح تقرباً وتعظيماً لقدوم سلطان للبلد مثلاً، أو لبعض العادات مثل ما يذبح تحت أقدام العروس عند دخولها لبيت زوجها، وهذا من الشرك؛ لأنها لم تذبح إكراماً ولا ضيافة ولا إخلاصاً لله عز وجل، بل رأينا بأعيننا أناساً يقومون بإسالة دماء الدجاج والخراف وغيرها على سياراتهم بقصد أن تحفظ وألا يحدث لها شيء من الحوادث، وكل هذا بسبب الجهل بالتوحيد وما كان عليه نبي الهدى صلى الله عليه وسلم وآل بيته الطاهرين من اعتقاد أن النفع والضر بيد الله وحده لا شريك له.
__________
(1) الكافي: (6/285)، وانظر: مكارم الأخلاق: (135)، وسائل الشيعة: (24/318)، بحار الأنوار: (43/61).
(2) الكافي: (6/26)، وسائل الشيعة: (21/417).
(144/100)
فعن عباس بن يزيد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: إن هؤلاء العوام يزعمون أن الشرك أخفى من دبيب النمل في الليلة الظلماء على المسح الأسود! فقال: لا يكون العبد مشركاً حتى يصلي لغير الله، أو يذبح لغير الله، أو يدعو لغير الله عز وجل (1).
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ذكر أن سلمان قال: إن رجلاً دخل الجنة في ذباب، وآخر دخل النار في ذباب، فقيل له: وكيف ذا يا أبا عبد الله؟
قال: مرّا على قوم في عيد لهم وقد وضعوا أصناماً لهم، لا يجوز بهم أحد حتى يقرّب إلى أصنامهم قرباناً، قلَّ أم كَثُر، فقالوا لهما: لا تجوزا حتى تقرّبا كما يقرب كل من مر، فقال أحدهما: ما معي شيء أقربه، فأخذ أحدهما ذباباً فقربه، ولم يقرب الآخر قال: لا أقرب إلى غير الله عز وجل شيئاً، فقتلوه فدخل الجنة، ودخل الآخر النار(2).
فإذا كان هذا قد دخل النار من أجل أنه قرّب ذباباً لهذه الأصنام من دون الله عز وجل، فكيف بمن يذبح ما غلا ثمنه من بهيمة الأنعام تقرباً لأي مخلوق من دون الله عز وجل؟
الرابع عشر: النذر:
بعد بيان ما يصنعه بعض الناس في عبادة النحر، كان لزاماً أن أتحدث عن عبادة مقاربة لها ولها صلة بالنحر، وضل في مفهومها وسبيلها أيضاً طائفة من المسلمين، وتعد باباً إما إلى أبواب الخير أو إلى الشرك -والعياذ بالله- تلك هي عبادة النذر.
والنذر: هو إلزام المكلف نفسه لله شيئاً غير واجب عليه عند حصوله على ما يتمناه ويطلبه من ربه، مثل أن يقول: عليّ نذر لله إن حصل كذا وكذا، أو سأفعل كذا وكذا بما يرضي الله عز وجل.
والنذر من العبادات التي امتدح الله عز وجل الموفين بها، وكذلك أمر نبيُّه محمد صلى الله عليه وسلم بالوفاء من ألزم بها نفسه.
__________
(1) وسائل الشيعة: (28/341)، وانظر: بحار الأنوار: (69/96)، الخصال: (1/136).
(2) وسائل الشيعة: (24/213)، بحار الأنوار: (3/252)، ثواب الأعمال: (224).
(144/101)
قال تعالى: ((يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً)) [الإنسان:7].
قال السيد محمد الحسيني الشيرازي:
أي كانوا في الدنيا بحيث إذا نذروا وفّوا به ولم يخشوا، والنذر هو أن يلزم الإنسان على نفسه خيراً لأجله سبحانه، كأن ينذر الصيام والصدقة أو ما أشبهه(1).
واعلم رحمك الله أن النذر عبادة(2)، كالصلاة والتوسل وغيرها من العبادات التي لا يجوز صرفها إلا لله وحده، ومن صرفها لغير الله فقد أشرك وكفر.
واعلم وفقني الله وإياك أن الأصل في عقد النذر ابتداء أنه مكروه؛ لأنه إلزام لنفس الإنسان مما جعله الله في حلٍّ منه، وفى ذلك زيادة تكليف على نفسه.
ولأن الغالب أن الذي ينذر يندم بعد عقد النذر أو عند الوفاء، وتجده يسأل في كيفية الخلاص مما نذر به لثقله ومشقته عليه، ولا سيما مع ما يفعله بعض الناس إذا مرض، أو تأخرت عنه حاجة يريدها، نسمعه ينذر، وكأن لسان حاله وباطنه يقول: إن الله لن ينعم عليه بجلب الخير أو دفع الضرر عنه إلا إذا أعطاه مقابله كذا وكذا، وهذا سوء ظن بالله عز وجل.
ومن الناس من ينذر ويصرف نذره لغير الله عز وجل، مثل من يقول للرسول أو الولي الفلاني: عليَّ نذر، أو لهذا القبر عليَّ نذر، أو للملك الفلاني عليَّ نذر وما أشبه ذلك.
فهذا النذر المبذول لغير الله لا ينعقد إطلاقاً، ولا تجب فيه كفارة إن لم يتيسر فعله، بل هو شرك تجب التوبة منه كالحلف بغير الله، فلا ينعقد وليس فيه كفارة.
ومنهم من ينذر في معصية الله عز وجل كأن يقول: عليَّ نذر إن حصل كذا وكذا أن أسرق أو أشرب الخمر.
__________
(1) تفسير تقريب القرآن: (29/167).
(2) لأن الله عز وجل مدح الموفين بالنذر وأمر بوفائه، وكل أمر يمدحه الله ويحبه ويثني على فاعله فهو عبادة، لذلك فإن تعريف العبادة كما أسلفنا هو: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال الظاهرة والباطنة، والنذر من ذلك. انظر: (ص:35) من هذا الكتاب.
(144/102)
وهذا النذر منعقد في الذمة، ولكن لا يجوز الوفاء به، وعليه كفارة يمين، كالحلف بالله على المحرَّم ينعقد وفيه كفارة.
وكل ما سبق بيانه من أحكام تتعلق بالنذر وانعقاده بالنية، ومن مشروعيته أو عدمها ليست بخافية على الله سبحانه.
قال تعالى: ((وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ)) [البقرة:270].
قال مير سيد علي الحائري الطهراني:
أي نذر كان في طاعة أو معصية (والنذر) عقد الضمير على شيء والتزامه وهو في الشرع التزام بر وخير، ولا يقع في أمر غير مشروع ((فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ)) [البقرة:270] الضمير راجع إلى (ما)، فإن الله يجازيكم عليه إن خيراً فخير وإن شراً فشر، فهو ترغيب وترهيب ووعد ووعيد(1).
وهذا ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم موافقاً للآية السابقة، فقال صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه)(2).
وعن إسماعيل بن سعد الأشعري، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: سألته عن رجل حلف في قطيعة رحم؟ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا نذر في معصية، ولا يمين في قطيعة رحم... الحديث)(3).
وفي الحديث أن رجلاً من الصحابة اسمه أبو إسرائيل نذر أن يصوم فلا يفطر، وأن يقوم فلا يقعد، وألا يستظل ولا يتكلم، فأسقط النبي صلى الله عليه وسلم عنه كل ما لا طاعة فيه، وألزمه بما فيه طاعة، فقال: (مروه فليتكلم وليقعد وليستظل وليتم صومه)(4).
وعن أبي جعفر عليه السلام قال: النذر نذران، فما كان لله وفَّى به، وما كان لغير الله فكفارته كفارة يمين(5).
__________
(1) تفسير مقتنيات الدرر: (2/134).
(2) مستدرك الوسائل: (16/92).
(3) وسائل الشيعة: (23/219)، وانظر: الكافي: (7/440).
(4) عوالي اللآلي: (3/448)، مستدرك الوسائل: (16/92).
(5) تهذيب الأحكام: (8/310)، الاستبصار: (4/55)، وسائل الشيعة: (22/393).
(144/103)
وقال أيضاً: لا نذر في معصية ولا فيما لا يملك ابن آدم(1).
وقد يتساءل القارئ ويقول: كيف تكرهون ما أثنى الله على من وفَّى به؟
فالجواب: إننا لا نقول: إن الوفاء هو المحرم حتى يقال: إننا هدمنا النص، إنما نقول: المحرم أو المكروه كراهية شديدة هو عقد النذر والدخول فيه ابتداء، وفرق بين عقده والوفاء به، فالعقد ابتدائي، والوفاء في ثاني الحال تنفيذ لما فعلت.
والعبد المحب لربه متعلق بربه وسيده في السراء والضراء، ولسانه وفعله متبع لما يريده خالقه، فهو إما عبد شاكر أو صابر.. حتى يلقى الله على ذلك.
الخامس عشر: الرياء:
الإخلاص لله هو أساس الدين، وروح التوحيد والعبادة، وهو أن يقصد العبد بعمله كله وجه الله وثوابه وفضله، فيقوم بأصول الإيمان وشرائع الإسلام، وحقائق الإيمان التي هي الإحسان، وبحقوق الله وحقوق عباده، مكملاً لها، قاصداً بها وجه الله والدار الآخرة، لا يريد بذلك رياء ولا سمعة، ولا رئاسة، ولا دنيا، وبذلك يتم إيمانه وتوحيده.
ومن أعظم ما ينافي هذا صرف شيء من العبادة لأجل المخلوقين، والعمل لأجل مدحهم وتعظيمهم، أو العمل لأجل الدنيا، فهذا يقدح في الإخلاص والتوحيد.
قال المفسرون: والرياء من الشهوة الخفية؛ لأنه شهوة الصيت والجاه بين الناس بأنه متين الدين مواظب على نوافل العبادات، وهذه هي الشهوة الخفية، أي: ليست كشهوة الطعام والنكاح وغيرها من الملاذ الحسية(2).
وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: ثلاث علامات للمرائي: ينشط إذا رأى الناس، ويكسل إذا كان وحده، ويحب أن يحمد في جميع الأمور(3).
وقد ذكر المجلسي في بحاره أوصافاً للمرائين منها:
__________
(1) عوالي اللآلي: (3/448).
(2) انظر: شرح نهج البلاغة: (19/167).
(3) الكافي: (2/295)، وسائل الشيعة: (1/73)، مستدرك الوسائل: (1/164)، بحار الأنوار: (69/288).
(144/104)
- الرياء بالقول: كرياء(1) أهل الدين بالوعظ والتذكير والنطق بالحكمة وحفظ الأخبار والآثار لأجل الاستعمال في المحاورة، إظهاراً لغزارة العلم ولدلالته على شدة العناية بأقوال السلف الصالحين، وتحريك الشفتين بالذكر في محضر الناس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمشهد الخلق، وإظهار الغضب للمنكرات، وإظهار الأسف على مقارفة الناس بالمعاصي وتضعيف الصوت في الكلام.
- الرياء في العمل: كمراءات المصلي بطول القيام ومدته، وتطويل الركوع والسجود، وإطراق الرأس وترك الالتفات، وإظهار الهدوء والسكون، وتسوية القدمين واليدين , وكذلك بالصوم وبالحج وبالصدقة وبإطعام الطعام، وبالإخبات بالشيء عند اللقاء؛ كإرخاء الجفون وتنكيس الرأس والوقار في الكلام، حتى إن المرائي قد يسرع في المشي إلى حاجته فإذا اطلع عليه واحد من أهل الدين رجع إلى الوقار وإطراق الرأس خوفاً من أن ينسبه إلى العجلة وقلة الوقار، فإن غاب الرجل عاد إلى عجلته، فإذا رآه عاد إلى خشوعه , ومنهم من يستحي أن يخالف مشيته في الخلوة لمشيته بمرأى من الناس، فيكلف نفسه المشية الحسنة في الخلوة، حتى إذا رآه الناس لم يفتقر إلى التغيير ويظن أنه تخلص به من الرياء، وقد تضاعف به رياؤه؛ فإنه صار في خلواته أيضاً مرائياً.
- المراءاة بالأصحاب والزائرين والمخالطين: كالذي يتكلف أن يزور عالماً من العلماء ليُقال: إن فلاناً قد زار فلاناً أو عابداً من العباد لذلك، أو ملكاً من الملوك وأشباهه ليقال: إنهم يتبركون به، وكالذي يكثر ذكر الشيوخ ليُري أنه لقي شيوخاً كثيراً واستفاد منهم، فيباهي بشيوخه، ومنهم من يريد انتشار الصيت في البلاد لتكثر الرحلة إليه، ومنهم من يريد الاشتهار عند الملوك لتقبل شفاعته، ومنهم من يقصد التوصل بذلك إلى جمع حُطام وكسب مال ولو من الأوقاف وأموال اليتامى وغير ذلك(2).انتهى
__________
(1) وفي الأصل (ورياء).
(2) انظر: بحار الأنوار: (69/166).
(144/105)
ولخطر الرياء وفداحة إثمه جاء التنبيه عليه في كتاب الله عز وجل.
قال تعالى: ((قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)) [الكهف:110].
وعن أبي جعفر عليه السلام قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تفسير قول الله: ((فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ)) [الكهف:110] فقال: (من صلى مراءاة الناس فهو مشرك، ومن زكى مراءاة الناس فهو مشرك، ومن حج مراءاة الناس فهو مشرك، ومن عمل عملاً مما أمر الله به مراءاة الناس فهو مشرك، ولا يقبل الله عمل مراء)(1).
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر! قالوا: وما الشرك الأصغر يارسول الله؟ قال: الرياء، يقول الله تعالى إذا جازى العباد بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءونهم في الدنيا فاطلبوا جزاءكم منهم)(2).
وعنه صلى الله عليه وسلم قال: (يقول الله سبحانه: أنا خير شريك، من أشرك معي شريكاً في عمله فهو لشريكي دوني؛ لأني لا أقبل إلا ما أخلص لي)(3).
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: واعملوا في غير رياء ولا سمعة؛ فإنه من يعمل لغير الله يَكِلَهُ الله إلى من عمله له(4).
__________
(1) بحار الأنوار: (69/297، 281)، وانظر: وسائل الشيعة: (1/68)، تفسير القمي: (2/47).
(2) شرح نهج البلاغة: (2/179).
(3) بحار الأنوار: (69/304).
(4) مستدرك الوسائل: (1/105)، شرح نهج البلاغة: (1/312).
(144/106)
وقال الصادق عليه السلام: لا تُراءِ بعملك من لا يحيي ويميت، ولا يغني عنك شيئاً، والرياء شجرة لا تثمر إلا الشرك الخفي، وأصلها النفاق، يُقال للمرائي عند الميزان: خذ ثوابك ممن عملت له ممن أشركته معي، فانظر من تدعو، ومن ترجو، ومن تخاف، واعلم أنك لا تقدر على إخفاء شيء من باطنك عليه وتصير مخدوعاً، قال الله عز وجل: ((يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ)) [البقرة:9] وأكثر ما يقع الرياء في النظر والكلام والأكل والمشي والمجالسة واللباس والضحك والصلاة والحج والجهاد وقراءة القرآن وسائر العبادات الظاهرة، ومن أخلص باطنه لله وخشع له بقلبه ورأى نفسه مقصراً بعد بذل كل مجهود، وجد الشكر عليه حاصلاً، فيكون ممن يرجى له الخلاص من الرياء والنفاق إذا استقام على ذلك على كل حال(1).
وعن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قالا: لو أن عبداً عمل عملاً يطلب به وجه الله والدار الآخرة، ثم أدخل فيه رضا أحد من الناس كان مشركاً(2).
وعن أبي جعفر عليه السلام قال: ما بين الحق والباطل إلا قلة العقل، قيل: وكيف ذلك يا بن رسول الله؟ قال: إن العبد يعمل العمل الذي هو لله رضا، فيريد به غير الله، فلو أنه أخلص لله لجاءه الذي يريد في أسرع من ذلك(3).
والخزي على المرائي يوم القيامة حين يكشف عن عمله ونيته ويُفضح على رؤوس الخلائق.
__________
(1) بحار الأنوار: (69/300)، مستدرك الوسائل: (1/107).
(2) بحار الأنوار: (69/301)، وانظر: وسائل الشيعة: (1/67)، مستدرك الوسائل: (1/105).
(3) بحار الأنوار: (69/299)، وانظر: الكافي: (1/8)، وسائل الشيعة: (1/61)، المحاسن: (1/254).
(144/107)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أخاف عليكم الشرك الأصغر! قالوا: وما الشرك الأصغر؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو الرياء، يقول الله تعالى يوم القيامة إذا جازى العباد بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم الجزاء؟).
وقال صلى الله عليه وسلم: (استعيذوا من جُبّ الخزي! قيل: وما هو يا رسول الله؟ قال: وادٍ في جهنم أعد للمرائين).
وقال صلى الله عليه وسلم: (إن المرائي ينادى يوم القيامة: يا فاجر، يا غادر، يا مرائي، ضلّ عملك وبطل أجرك، اذهب فخذ أجرك ممن كنت تعمل له)(1).
وعنه صلى الله عليه وسلم: (إن أول من يدعى يوم القيامة رجل جمع القرآن، ورجل قُتل في سبيل الله، ورجل كثير المال، فيقول الله عز وجل للقارئ: ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي؟ فيقول: بلى يا رب، فيقول: ما عملت فيما علمت؟ فيقول: يا رب، قمت به آناء الليل وأطراف النهار، فيقول الله: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، ويقول الله تعالى: إنما أردت أن يقال: فلان قارئ، فقد قيل ذلك.
ويُؤتى بصاحب المال، فيقول الله تعالى: ألم أوسع عليك المال حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد؟ فيقول: بلى يا رب، فيقول: فما عملت بما آتيتك؟ قال: كنت أصل الرحم وأتصدق، فيقول الله: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، ويقول الله سبحانه: بل أردت أن يقال: فلان جواد، وقد قيل ذلك.
ويُؤتى بالذي قُتل في سبيل الله، فيقول الله: ما فعلت؟ فيقول: أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت، فيقول الله: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، ويقول الله سبحانه: بل أردت أن يقال: فلان شجاع جريء فقد قيل ذلك، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أولئك أول خلق الله تسعر بهم نار جهنم)(2). انتهى.
__________
(1) مستدرك الوسائل: (1/106، 107)، بحار الأنوار: (69/303)، مجموعة ورام: (1/187).
(2) بحار الأنوار: (69/305)، وانظر: مستدرك الوسائل: (1/111)، عدة الداعي: (228)، مجموعة ورام: (1/186).
(144/108)
ولخطورة هذا الأمر أسهبنا القول في بيانه؛ لأنه من الأمور الجسيمة التي تحبط عمل المسلم من غير أن يشعر أو يعلم، ولربما يعلم أن هذا خطر لكنه لا يراعي فيه عظمة الله سبحانه من أن تصرف له العبادة وحده سبحانه وتعالى.
السادس عشر: السحر:
الإنسان فيه طبع الفضول واللهفة على معرفة الغيب أو لتحقيق أمر عجزت عنه الماديات المعلومة بأي وسيلة كانت، والحذر إن كان هذا السبيل بوساطة طريق شقي فيه الخطر والوبال على الإنسان وغيره، ومن تلك الأمور الخفية قضية السحر.
والسحر: أمر خفي يحصل بين الساحر والشياطين من أعمال خفية لا تدركها الأبصار، وذلك من خلال رقى غير شرعية، وعزائم وطلاسم واستعمال للدخان وأدوية وإراقة دماء من البهائم وغيرها، حيث يقوم الساحر بتسخير أرواح خبيثة لتنفيذ ما يطلبه منها: إما بعقد الرجل عن زوجته أو إلقاء البغضاء بينهما أو بين أحد من الخلق، وغيرها من الأمور، وهذا لا يمكن وقوعه إلا بعد أن يأذن الله فيه إذناً كونياً قدرياً.
وللسحرة علامات يتصفون بها ويعرفون من خلالها، ومنها:
1- أنه يدّعي التدين، واضعاً أحياناً في يده خواتم ومسابيح لجذب الناس إليه، مع استخدام نسب شريف لأجل الإيهام بالصلاح.
2- لا يكون حافظاً لكتاب الله، ولا لعلومه الشرعية الدالة على تبصره بالفقه.
3- يسأل عن اسم أم المريض غالباً.
4- يجهر بقراءة القرآن على المريض ابتداء فقط عند الرقى.
5- يخبر عن أمور من الغيبيات كنوع المرض ومكان السحر، أو يدل المريض على أناس يتآمرون عليه.
6- يطلب أحياناً من المريض خصلات من شعر أو ملابس، أو إراقة دماء من البهائم.
7- يعطي للمريض التمائم والحُجُب والطلاسم أو شيئاً من الخَرَز والخيوط، ويحذر من فتح المغلق منها.
ولفداحة وضرر هذا الفعل والمعتقد فقد ذكر الله سبحانه أمر السحر في كتابه، وبيَّن منشأه وأساسه وسوء عاقبة من يعلمه للناس.
(144/109)
فقال تعالى: ((وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ)) [البقرة:102].
قال المولى نور الدين الكاشاني:
((وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ)) ما تقرأه من السحر لينقاد لهم الناس ((عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ)) على عهده زعماً منهم أنه بالسحر ما نال ((وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ)) ولا استعمل السحر كما زعم هؤلاء ((وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ)) كفروا بتعليمهم الناس السحر(1).
ولانعدام الخير في هذا الأمر فليس لمن تعلم السحر من حظ أو خير في الآخرة.
قال تعالى: ((وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)) [البقرة:102].
قال الكاشاني: ((وَلَقَدْ عَلِمُوا)) هؤلاء المتعلمون ((لَمَنْ اشْتَرَاهُ)) بدينه الذي ينسلخ عنه بتعلمه، ((مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ)) من نصيب في ثواب الجنة. وقال: وفي العيون عن الصادق صلى الله عليه وسلم قال: لأنهم يعتقدون أن لا آخرة، فهم يعتقدون أنها إذا لم تكن فلا خلاق لهم في دار الآخرة بعد الدنيا، وإن كانت بعد الدنيا آخرة، فهم مع كفرهم بها لا خلاق لهم فيها. انتهى(2).
ولأجل ذلك فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من السحر وتعلمه والإتيان إليه، وجعله من المهلكات، قال صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا السبع الموبقات! قالوا: وما هي؟ قال صلى الله عليه وسلم: الإشراك والسحر...)(3).
وعلى هذا التحذير سار وفعل وأمر الأئمة عليهم السلام اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) تفسير المعين: (1/61).
(2) انظر: تفسير الصافي: (1/154)، نور الثقلين: (1/108).
(3) وسائل الشيعة: (15/330)، بحار الأنوار: (76/113)، الخصال: (2/364).
(144/110)
وعن جعفر بن محمد، عن أبيه، أن علياً عليه السلام قال: من تعلم شيئاً من السحر قليلاً أو كثيراً فقد كفر، وكان آخر عهده بربه، وحَدُّه أن يقتل إلا أن يتوب(1).
وعن أبي عبد الله عليه السلام: أنه سُئل عن المعوّذتين أنهما من القرآن؟ فقال الصادق: هما من القرآن... إلى أن قال: وهل تدري ما معنى المعوّذتين؟ وفي أي شيء نزلت؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سحره لبيد بن أعصم اليهودي، فقال أبو بصير لأبي عبد الله: وما كان ذا؟ وما عسى يبلغه من سحره؟ فقال أبو عبد الله: بلى كان النبي صلى الله عليه وسلم يرى أنه يجامع ولا يجامع، وكان يريد الباب ولا يبصره حتى يلمسه بيده، والسحر حق، وما سلط السحر إلا على الفرج والعين(2).
فالسحر له خطر ملموس وشر معلوم شاع خطبه بين جهلة العوام ودعاة السوء من بعض من يدعي العلم، وليس أساسه إلا الكفر ونشر الفساد والبعد عن الدين وفتنة الناس والكذب عليهم.
فعن أبي عبد الله، عن آبائه، عن علي عليه السلام في حديث: نحن أهل بيت عصمنا الله أن نكون فتانين أو كذابين أو زنّائين، فمن كان فيه شيء من هذه الخصال فليس منا ولا نحن منه(3).
السابع عشر: الكهانة والروحانية والعرافة:
مما يلحق بقضية السحر وخطورتها، عمل الكهانة والتنجيم وادعاء ما ليس للإنسان علم به.
فالكهانة: معرفة أمور غيبية، يُحدِّث بها ذلك المدّعي الذي يكون ظاهره التدين والصلاح، ويطلق عليه بالروحاني المعالج للناس الناصح لهم، سواء بالاستخارة أو بالكشف على فعل أمر ما أو بتركه أو بالإخبار عن مرض أو عما سيحدث في المستقبل أو عن أمر مفقود، فيصدّقه العوام على ما يقوله.
وقد جاء في القرآن كيفية تلقي الساحر الخبر من قرينه الجنّي.
__________
(1) قرب الإسناد: (71)، وسائل الشيعة: (17/148)، بحار الأنوار: (76/210).
(2) مستدرك الوسائل: (13/109)، بحار الأنوار: (60/24) (89/365) (92/126).
(3) وسائل الشيعة: (17/148).
(144/111)
فقال تعالى: ((هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ)) [الشعراء:221-223].
وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، إذ رُمي بنجم فاستنار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للقوم: ما كنتم تقولون في الجاهلية إذا رأيتم مثل هذا؟ قالوا: كنا نقول: مات عظيم ووُلد عظيم. فقال صلى الله عليه وسلم: فإنه لا يُرمى لموت أحد ولا لحياة أحد، ولكن ربنا إذا قضى أمراً سبح حملة العرش: قضى ربنا بكذا، فتسمع ذلك أهل السماء التي تليهم، فيقولون ذلك حتى بلغ ذلك إلى السماء الدنيا، فيسرق الشياطين السمع، فربما اعتقلوا شيئاً فأتوا به إلى الكهنة فيزيدون وينقصون، فتخطئ الكهنة وتصيب , ثم إن الله عز وجل منع السماء بهذه النجوم، فانقطعت الكهانة فلا كهانة). وتلا جعفر بن محمد عليه السلام: ((إِلاَّ مَنْ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ)) [الحجر:18]، وقوله عز وجل: ((وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعْ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً)) [الجن:9](1) انتهي.
وللكهنة أساليب وطرق متنوعة يمارسون بها عملهم وكذبهم على الناس، وذلك من خلال مخادعتهم لأصحاب العقول والعقائد الضعيفة، ومن تلك الطرق:
1- قراءة الفنجان.
2- قراءة الكف.
3- (الخيرة)، وذلك من خلال فتح القرآن الكريم، وقراءة الآيات وتفسيرها بلا علم أو دليل.
4- النظر في وجه المخدوع، وإخباره بما سيقع له بعد ذلك.
5- ذكر رؤيا للمخدوع بأنه رآه في المنام وسيحصل له كذا وكذا.
وقد حكم الله تعالى على أمثال هؤلاء ومن تبعهم بالشرك؛ لأسباب منها:
الأول: تقربهم إلى الشياطين واستعانتهم بها من دون الله.
__________
(1) مستدرك الوسائل: (13/110), بحار الأنوار: (60/280), دعائم الإسلام: (2/142).
(144/112)
الثاني: ادعاء مشاركة الله عز وجل في علم الغيب الذي يختص به سبحانه.
ذلك أن الساحر وأمثاله يلبّس على العوام بفعله من باب ادعاء معرفة الغيب، مع أن الله تعالى قال: ((قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ)) [النمل:65] فعلم الغيب المطلق لا يعلمه إلا الله سبحانه، ولهذا قال سبحانه: ((وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ)) [الأنعام:59] وقد يُطلع بعض رسله على شيء من علم الغيب وليس علم الغيب كله، كما قال سبحانه: ((فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ)) [الجن:27] وبهذا يتضح معنى هذه الآيات.
ولعظم وخطورة هذا العمل جاء الوعيد الشديد على من عمل أو أعان أو ذهب إلى السحرة لمجرد السؤال.
فعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: إن الله أوحى إلى نبي في نُبُوَّته: أخبر قومك أنهم استخفوا بطاعتي وانتهكوا معصيتي... إلى أن قال: وأخبر قومك أنه ليس مني من تَكَهّن و تُكَهّن له، أو سَحَر أو سُحِر له(1).
وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: من جاء عرافاً فسأله وصدّقه بما قال فقد كفر بما أنزل على محمد، وكان يقول: إن كثيراً من الرقى وتعليق التمائم شعبة من الإشراك(2).
وعن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة عاق ولا منّان ولا ديّوث ولا كاهن، ومن مشى إلى كاهن فصدّقه بما يقول فقد برئ مما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم)(3).
__________
(1) مستدرك الوسائل: (18/193).
(2) مستدرك الوسائل: (13/110)، دعائم الإسلام: (2/483).
(3) مستدرك الوسائل: (13/111) (14/235).
(144/113)
وعن الهيثم قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: إن عندنا بالجزيرة رجلاً ربما أخبر من يأتيه يسأله عن الشيء يُسرق أو شبه ذلك، أفنسأله؟ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من مشى إلى ساحر أو كاهن أو كذاب فصدّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم من الكتاب)(1).
فتأمل أيها المسلم كيف أن الأئمة عليهم السلام كانوا يستعيذون بالله العظيم من شرور الكهنة والمشعوذين في أدعيتهم.
فعن مسعدة بن صدقة قال: سألت أبا عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام أن يعلمني دعاء أدعو به في المهمات، فأخرج إليّ أوراقاً من صحيفة عتيقة، فقال: أتنسخ ما فيها، فهو دعاء جدّي علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام للمهمات؟ فكتب ذلك:...وأعوذ بك من شر كل كاهن وساحر(2).
وكان الإمام أبو جعفر عليه السلام يقول في دعائه: الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى، له الخلق والأمر، منزل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان العظيم من شر كل طاغ وباغ ونافث وشيطان وسلطان وساحر وكاهن(3).
فهذا هو التعليم المبارك الذي سار عليه الآل في مدرستهم المباركة عليهم السلام، وكانوا يعلمونه شيعتهم وأحبابهم، ليكونوا جميعاً على نهج خير الخلق جميعاً محمد صلى الله عليه وسلم.
الثامن عشر: لبس الحلقة والخيط والتمائم والخواتم ونحوها لرفع البلاء أو دفعه:
__________
(1) مستطرفات السرائر: (593)، بحار الأنوار: (2/308)، وسائل الشيعة: (17/150).
(2) الأمالي للمفيد: (239)، بحار الأنوار: (92/180)، الأمالي للطوسي: (15).
(3) انظر: البلد الأمين: (103)، مصباح الكفعمي: (103)، مصباح المتهجد: (438)، بحار الأنوار: (87/155).
(144/114)
من المعتقدات التي انجرف الناس بها إلى الشرك بالله عز وجل لبس الخيط والحلقة والتمائم والخواتم، ونحوها من الأشياء التي يعتقد الإنسان بأنها تدفع أو ترفع البلاء عنه أو تجلب الخير له، كما يفعل بعض الناس هداهم الله تعالى بوضع الخيوط والحلقات والتمائم والخواتم بأيديهم أو في أعناقهم أو في أي مكان لجلب الخير والبركة لهم أو لدفع الضرر والمصائب والأمراض عنهم.
والحكم في هذه الأمور يتردد بين الشرك الأصغر والشرك الأكبر بحسب ما يعتقد به الإنسان.
فإن اعتقد الإنسان بهذه الأشياء أنها تنفع وتضر لبركتها أو أنها تؤثر من دون الله فقد أشرك شركاً أكبر.
ومن اعتقد بأنها سبب، وليس لها تأثير بنفسها فقد أشرك شركاً أصغر، وذلك لأنه التجأ إلى سبب غير شرعي ولا قدري، ولم يأمر به الله تبارك وتعالى، ولم يدلنا عليه نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
ولجهل بعض الناس بمعرفة الأسباب التي يشرع الأخذ بها، أو غيرها من الأسباب الباطلة، ينبغي أن نعرف جميعاً أن الأسباب تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: سبب شرعي:
وهو ما ثبت في كتاب الله تبارك وتعالى وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، مثل: قراءة القرآن على المريض والأدعية الثابتة وغيرها.
الثاني: سبب قدري:
وهو ما عرف مثلاً أنه علاج نافع مجرب لألم أو مرض على أن يكون أثره ظاهراً كالأدوية والإبر وغيرها.
الثالث: سبب وهمي:
وهو ما يتوهم الإنسان بأنه نافع ويخفف عنه الآلام والأمراض بمجرد شعور نفسي فقط وليس له طريق شرعي ولا قدري، كوضع الحلق والخيوط والتمائم على الأيدي والأعناق، سواء كانت هذه الحلق والخيوط والتمائم وغيرها من ولي صالح أو من مُشَعوذ أو من شخص يدعي بأنه يعالج الناس بالقرآن.
قال الله تعالى: ((قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِي اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ)) [الزمر:38].
قال السيد محمد حسين فضل الله:
(144/115)
فهل يملك هؤلاء في تغيير إرادة الله في عباده فيما قد قدّره لهم من مرض أو فقر أو خوف أو غير ذلك مما يتمثل في النقص بالنفس والمال ونحوهما، فيرفعون عنه ذلك فيما لا يريد الله أن يرفعه، فلو أراد الله أن ينزل المطر على الناس هل يستطيعون أن يحبسوه، أو أراد أن يعطي الصحة لإنسان هل يملكون نزعها عنه وهكذا... ويبقى السؤال دون الجواب الإيجابي... لأنهم يعرفون أن هؤلاء الذين يتخذون شركاء لا يملكون شيئاً من ذلك من قريب أو من بعيد(1).
وقال الله تعالى: ((وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)) [يونس:107].
قال السيد عبد الله شبر:
((وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ)) يصيبك ببلاء أو شدة أو مرض، وقوله تعالى: ((فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ)) لا يقدر على دفعه غيره، قوله تعالى: ((وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ)) من نعمة وخصب وصحة، قوله تعالى: ((فَلا رَادَّ)) مانع. قوله تعالى: ((لِفَضْلِهِ)) الذي أراد به. قوله تعالى: ((يُصِيبُ بِهِ)) بالخير. قوله تعالى: ((مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ)) لذنوبهم. قوله تعالى: ((الرَّحِيمُ)) بهم ليتعرضوا لرحمته بالطاعة ولا ييأسوا من غفرانه بالمعصية(2).
وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى الصحابة رضي الله عنهم عن هذه الخرافات محذراً من لبسها أو الاعتقاد بها، وذلك لقرب عهدهم بالإسلام وتأثرهم بالجاهلية.
__________
(1) انظر: تفسير من وحي القرآن: (19/380).
(2) تفسير الجوهر الثمين: (3/192).
(144/116)
فأورد المجلسي في بحاره من حديث عمران بن حصين أن رجلاً دخل على النبي صلى الله عليه وسلم (1) وفي عضده حلقة من صفر(2) -وفي رواية: وفي يده خاتم من صفر-، فقال: ما هذا؟ قال: من الواهنة... قال: (أما إنها لا تزيدك إلا وهناً)(3).
وقال المجلسي أيضاً: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التمائم والتِّوَلة(4)، فالتمائم ما يعلق من الكتب والخرز وغير ذلك، والتِّوَلة ما تتحبب به النساء إلى أزواجهن كالكهانة وأشباهها، ونهى عن السحر(5).
وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه كان يقول: كثير من الرقى وتعليق التمائم شعبة من الإشراك(6).
فإذا كان الأمر وفق ما جاء في كتاب الله وهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم وما نقله إلينا أحبابنا آل البيت عليهم السلام، فهل نتبعهم ونسير على الهدي المبارك، أو نحيد عن جادتهم؟
التاسع عشر: التطير (التشاؤم):
مما يلتحق بباب ادعاء معرفة الغيب، والسعي لكشف الغائب عن الإنسان، اعتقاد التطير والتفاؤل والتفرس بالعلامات المشاهدة.
__________
(1) وفي الأصل: أن فلاناً دخل عليه.
(2) الصفر: أي النحاس.
(3) بحار الأنوار: (95/121).
(4) وقال المجلسي موضحاً: التمائم جمع تميمة، وهي خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم يتقون بها العين في زعمهم، فأبطله الإسلام، وإنما جعلها شركاً لأنهم أرادوا بها دفع المقادير المكتوبة عليهم، فطلبوا دفع الأذى من غير الله الذي هو دافعه... التولة بكسر التاء وفتح الواو: ما يحبب المرأة إلى زوجها من السحر وغيره مما جعله من الشرك لاعتقادهم أن ذلك يؤثر ويفعل خلاف ما قدره الله تعالى. انظر: بحارالأنوار: (65/18).
(5) بحارالأنوار: (60/18)، مستدرك الوسائل: (4/317)، (13/106)، دعائم الإسلام: (2/142).
(6) مستدرك الوسائل: (4/318) (13/110)، دعائم الإسلام: (2/483).
(144/117)
والتطير هو التشاؤم، وهو رجوع ذلك الشخص العازم وتأثره على فعل أمرٍ من أمور الدنيا أو الدين بسبب تشاؤمه من أمرٍ مرئي أو مسموع أو معلوم.
والتطير أنواع، منها:
التطير المرئي: وهو تطير ذلك الشخص عند رؤيته شيئاً يتشاءم منه، كالبومة والثعبان والهر الأسود وغيرها من الأشياء.
التطير السمعي: وهو تطير ذلك الشخص المتشائم من أقوال الناس عنه، كقولهم له: يا خسران، يا فقير، وغيرها من الألفاظ.
التطير المعلوم: وهو ما يتطير به الناس من الأيام والأشهر، كيوم الأربعاء مثلاً، ويزعمون أنه يوم شؤم، أو من شهر شوال، فتجدهم لا يعقدون النكاح فيه.
ولما كان للطيرة آثار خطيرة على عقيدة المسلم، وذلك لاستجابة ذلك المتطير خائفاً تاركاً حاجته وعمله خشية المصائب والهموم؛ لأجل ذلك حَكَم الشارع على المتطير بالشرك لتعلقه بغير الله عز وجل، واعتقاده بحصول الضرر عليه من مخلوق لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً، ولكونه متأثراً من وسوسة الشيطان له داخلاً بقلبه من الخوف والخشية من دون الله وهو منافٍ للتوكل على الله سبحانه وتعالى.
قال الشيخ ناصر مكارم الشيرازي:
قد يروج بين أبناء البشر والأقوام والشعوب المختلفة التفاؤل والتشاؤم، فيتفاءلون بأمور وأشياء ويعتبرونها دليل النجاح، ويتشاءمون بأمور وأشياء ويعتبرونها آية الهزيمة والفشل، في حين لا توجد أية علاقة منطقية بين النجاح والإخفاق وبين هذه الأمور، وبخاصة في مجال التشاؤم، حيث كان له دائماً جانب خرافي غير معقول، وإن هذين الأمرين وإن لم يكن لهما أي أثر طبيعي إلا أنه يمكن أن يكون لهما أثر نفسي لا ينكر، وأن التفاؤل غالباً يوجب الأمل والتحرك، ولكن التشاؤم يوجب اليأس والوهن والتراجع(1).
__________
(1) تفسير الأمثل: (5/159).
(144/118)
ولأجل هذا نهى الشارع الحكيم في القرآن الكريم والسنة الصحيحة عن التشاؤم بشدة؛ لأن التطير داء قديم ذكره الله تبارك وتعالى عن الأمم الكافرة، حيث كانوا يتطيرون بأفضل الخلق وهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
مثل ما جاء في قصة فرعون وقومه، ومعاداتهم لنبي الله موسى عليه السلام، قال تعالى: ((فَإِذَا جَاءَتْهُمْ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ)) [الأعراف:131].
قال السيد محمد الحسيني الشيرازي:
((فَإِذَا جَاءَتْهُمْ الْحَسَنَةُ)) أصابهم الخير كالخصب والسعة والصحة وما أشبهه ((قَالُوا لَنَا هَذِهِ)) أي: إنا نستحق ذلك، وهذا من حسن حظنا، وعلو طالعنا، فلم يكونوا يشكرون الله سبحانه على ما أنعم عليهم ((وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ)) كالجوع والقحط والمرض ونحوها ((يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ)) من المؤمنين، فكانوا يقولون: هذا من شؤم موسى وسوء طالعه... فكان آل فرعون يرون البلايا من موسى عليه السلام ولم يكونوا يعلمون أنها من سوء أعمالهم ((أَلا)) أي: تنبيه أيها المخاطب ((إِنَّمَا طَائِرُهُمْ)) والشؤم الذي كان يلحقهم لم يكن من عند موسى ولأجله، بل من ((عِنْدَ اللَّهِ)) فإنه كان يضر بهم بالبلاء عقوبة لأعمالهم ((وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ)) ذلك بل كانوا يزعمون الشؤم من موسى(1).
وهذا ما وقع -أيضاً- مع قوم نبي الله صالح أنهم قالوا: ((قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ)) [النمل:47].
قال السيد محمد الحسيني الشيرازي:
__________
(1) تفسير تقريب القرآن: (9/32)، تفسير من وحي القرآن: (10/148).
(144/119)
((قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ)) تشاءمنا بك وبمن على دينك من المؤمنين فأنتم شؤم علينا توجبون لنا الفقر والقحط والمشاكل ((قَالَ)) لهم صالح ((طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ)) أي: أن الشؤم أتاكم من عند الله حيث كفرتم، وللكفر نكبة ومشاكل، كما قال سبحانه: ((وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً)) [طه:124] وقد كانت الأمم تتشاءم بالطائر الخاص كالبوم والغراب لما كان عندهم مشهوراً أن الإنسان إذا وقع عينه على الطائر الفلاني عند حاجة له فإنها لا تقضى تأثراً من ذلك الطائر، ثم سمي كل تشاؤم بالشر طائر، وإن كان من شخص أو حيوان برّي، واشتق منه التطير ((بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ)) أي: تختبرون بالخير والشر، فإن الفتنة بمعنى الاختيار، كما قال تعالى: ((إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ)) [التغابن:15] يعني: ليس هذا الذي يصيبكم من المشاكل بسببي وإنما هي فتنة وامتحان لكم(1). انتهى.
فمن توكل على الله وعظَّم قدره وعلم أن كل شيء بقضائه وقدره، مضى في أمره ولم يتردد في قصده ولم يثنه عن عزمه ما يعترضه من أوهام البشر وتخيلاتهم الفاسدة التي توهن من إقدام العبد المريض فقط.
الفصل الرابع
توحيد الأسماء والصفات
ويتضمن المباحث الآتية:
المبحث الأول: التعريف بتوحيد الأسماء والصفات.
المبحث الثاني: قواعد في فهم وإثبات الأسماء الحسنى.
المبحث الثالث: قواعد في فهم ومعرفة الصفات العلى.
المبحث الرابع: قواد مشتركة في أدلة أسماء الله وصفاته.
المبحث الخامس: أمثلة دالة على بعض صفات الله جل وعلا.
المبحث الأول:
التعريف بتوحيد الأسماء والصفات
__________
(1) تقريب القرآن: (19/147)، وانظر: مقتنيات الدرر: (8/100)، من وحي القرآن: (17/242).
(144/120)
إن أطيب ما في الحياة أن يعرف العبد أسماء وصفات سيده، وأحب ما في الوجود إلى قلبه هو الله سبحانه وتعالى، وأن يعطر لسانه بذكره سبحانه بأسمائه وصفاته المتناثرة في كتاب الله وسنة حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم.
جاء في القرآن الكريم أسماء كثيرة لله، كقوله تعالى: ((وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ)) [الزخرف:84] وفي غيرها من الآيات، وجاءت صفات لله أيضاً، كقوله تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)) [التوبة:4] فما الواجب علينا تجاه هذه الأسماء والصفات؟
فيجب على المسلم أن يثبت لله عز وجل أسماء وصفات حقيقية له على الوجه اللائق بجلاله وعظمته، على وفق ما جاء في كتابه وفي سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم الصحيحة، من غير تحريف ولا تكييف ولا تمثيل ولا تعطيل، خلافاً لما عليه أهل البدع الذين ينفون ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات، أو ينفون بعضاً منها ويثبتون البعض الآخر تحكماً منهم، ويجعلون مرجعهم في ذلك ما قررته عقولهم القاصرة وما قرره لهم علماؤهم.
وقد انقسم الناس في تقرير ومعرفة أسماء الله وصفاته إلى ثلاثة أقسام: ممثل ومعطل ومعتدل.
1- الممثلة: وهؤلاء مثلوا أو شبهوا الله بخلقه، وجعلوا صفاته سبحانه من جنس صفات المخلوقين، ولذلك سموا (بالممثّلة أو المشبّهة) وأول من قال هذه المقالة هشام بن الحكم وهشام بن سالم الجواليقي وغيرهما.
فعن محمد بن الفرج الرخجي قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عما قال هشام بن الحكم في الجسم وهشام بن سالم في الصورة؟ فكتب: دع عنك حيرة الحيران، واستعذ بالله من الشيطان، ليس القول ما قال الهشامان(1).
__________
(1) الكافي: (1/105)، أمالي الصدوق: (277)، التوحيد: (97).
(144/121)
وعن الصقر بن دلف قال: سألت الرضا عليه السلام عن التوحيد، وقلت له: إني أقول بقول هشام بن الحكم. فغضب ثم قال: ما لكم ولقول هشام، إنه ليس منا من زعم أن الله عز وجل جسم، ونحن منه براء في الدنيا والآخرة(1).
2- المعطلة: وهؤلاء نفوا عن الله ما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من صفات الكمال، زاعمين أن إثباتها يقتضي التشبيه والتجسيم، فهم على طرفي نقيض مع المشبهة، وهم في هذا التعطيل متفاوتون.
3- المعتدلة: هم أهل الحق والإنصاف، وهم الفرقة الناجية المنصورة.
فهم يثبتون لله عز وجل الأسماء والصفات على ظاهرها كما جاء في كتابه وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وأهل بيته الطاهرين على لغة العرب، فيثبتون صفات حقيقية تليق بجلال الله عز وجل وعظمته، لا تماثل صفات المخلوقين ولا تُعرف كيفيتها، وليس للعقل نصيب في تغيير معناها، سالكين قول الله عز وجل: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)) [الشورى:11].
فعند قوله تعالى: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)) ينفون كل ما يماثل أسماء الله وصفاته.
وعند قوله تعالى: ((وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)) [الشورى:11] يثبتون لله عز وجل الأسماء والصفات الحقيقية اللائقة بجلال الله عز وجل.
ويتذكرون مع الإثبات والنفي الآيات المباركة التالية: قال تعالى: ((وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً)) [طه:110].
وقال تعالى: ((وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً)) [الإسراء:36].
وقال تعالى: ((هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً)) [مريم:65].
وقال تعالى: ((وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ)) [الإخلاص:4].
وقال تعالى: ((فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً)) [البقرة:22].
__________
(1) بحار الأنوار: (3/291) (48/197)، أمالي الصدوق: (277)، التوحيد: (104).
(144/122)
وقال تعالى: ((فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ)) [النحل:74].
وهذا ما سار عليه واعتقده أئمة آل البيت عليهم السلام، وعلموه شيعتهم وأحبابهم، أن يتقيدوا بالقرآن الكريم، ولا يتجاوزوه إلى أفهامهم القاصرة.
فعن محمد بن عبيد قال: دخلت على الرضا عليه السلام، فقال لي: قل للعباسي يكفّ عن الكلام في التوحيد وغيره، ويكلم الناس بما يعرفون، ويكف عما ينكرون، وإذا سألوك عن التوحيد فقل كما قال الله عز وجل: ((قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ)) [الإخلاص]، وإذا سألوك عن الكيفية فقل كما قال الله عز وجل: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ))، وإذا سألوك عن السمع فقل كما قال الله عز وجل: ((وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)) [الشورى:11] فكلّم الناس بما يعرفون(1).
وعن المفضل قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن شيء من الصفة، فقال: لا تجاوز ما في القرآن(2).
وعن اليقطيني قال: قال الرضا عليه السلام: للناس في التوحيد ثلاثة مذاهب: نفي وتشبيه وإثبات بغير تشبيه، فمذهب النفي لا يجوز، ومذهب التشبيه لا يجوز؛ لأن الله تبارك وتعالى لا يشبهه شيء، والسبيل في الطريقة الثالثة إثبات بلا تشبيه(3).
وعن عبد الرحيم القصير قال: كتبت على يدي عبدالملك بن أعين إلى أبي عبد الله عليه السلام بمسائل فيها: أخبرني عن الله عز وجل هل يوصف بالصورة وبالتخطيط؟ فإن رأيت -جعلني الله فداك- أن تكتب إليَّ بالمذهب الصحيح من التوحيد؟
__________
(1) التوحيد: (95)، بحار الأنوار: (2/69) (4/297).
(2) الكافي: (1/102).
(3) بحار الأنوار: (3/262)، التوحيد: (100).
(144/123)
فكتب بيدي عبدالملك بن أعين: سألت رحمك الله عن التوحيد وما ذهب إليه من قبلك، فتعالى الله الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، تعالى الله عما يصفه الواصفون المشبهون لله تبارك وتعالى بخلقه المفترون على الله، واعلم رحمك الله أن المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به القرآن من صفات الله عز وجل، فانفِ عن الله البطلان والتشبيه، فلا نفي ولا تشبيه، هو الله الثابت الموجود تعالى الله عما يصفه الواصفون، ولا تعْدُ القرآن فتضل بعد البيان(1).
فالله نسأل بأسمائه الحسنى وصفاته المباركة العلى أن يوفقنا إلى كل خير، وأن يحشرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وآله المباركين عليهم السلام في مستقر رحمته.
المبحث الثاني:
قواعد في فهم الأسماء الحسنى وإثباتها
مع ما سبق بيانه ومعرفته بأن لله سبحانه وتعالى أسماء وصفات تفهم وفق لغة العرب، ولكن ينبغي معرفة أن للأسماء الحسنى قواعد تُعين على فهم هذه الأسماء المباركة ومعرفتها.. وهي كالآتي:
أولاً: أسماء الله كلها حسنى، لأنها متضمنة صفات كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه.
قال تعالى: ((وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا)) [الأعراف:180].
ومثال ذلك: (الرحمن)، فهو اسم من أسماء الله الحسنى، دال على صفة عظيمة وهي الرحمة الواسعة.
ومن ثم نعرف أنه ليس من أسماء الله (الدهر) في قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا الدهر؛ فإن الله هو الدهر)(2) لأنه لا يتضمن معنى يبلغ غاية الحسن، ولأن إسناد السب والذم لن يقع على الجمادات والمخلوقات، إنما سيكون لمدبر هذه المخلوقات وهو المتصرف بها كما أسلفنا.
ثانياً: أسماء الله غير محصورة بعدد معين:
__________
(1) التوحيد: (102)، الكافي: (1/100).
(2) عوالي اللآلي: (1/56)، كنز الفوائد: (1/49).
(144/124)
لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور: (أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك)(1).
وما استأثر الله به في علم الغيب عنده لا يمكن حصره ولا الإحاطة به.
والجمع بين هذا الحديث وبين قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: (إن لله تسعة وتسعين اسماً -مائة إلا واحداً- من أحصاها دخل الجنة)(2) يكون كالآتي:
أن من أسماء الله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة، وليس المراد حصر أسمائه تعالى بهذا العدد، ونظير هذا أن تقول: عندي مائة درهم أعددتها للصدقة، فلا ينافي أن يكون عندك دراهم أخرى أعددتها لغير الصدقة.
ومعرفة القواعد المتعلقة بالأسماء والصفات لله تعالى تعصمنا من أن نطلق على الله سبحانه اسماً لا يليق به أو لم يسم به نفسه سبحانه؛ لأنه لا أحد أعلم بالله منه هو سبحانه، فدلالة التعظيم والتوقير والحب لله سبحانه أن تتعلم أسماءه ومن ثم يلهج لسانك بها.
المبحث الثالث:
قواعد في فهم الصفات العلى ومعرفتها
لله سبحانه وتعالى صفات لا حصر لها دالة على الذات المقدسة، وقد وضع العلماء وفقهم الله مجموعة من القواعد لفهم ومعرفة صفات الله تعالى.. هي كالتالي:
أولاً: صفات الله تنقسم إلى قسمين: ثبوتية وسلبية:
* فالثبوتية: ما أثبتها الله لنفسه، كالحياة والعلم والقدرة، فيجب إثباتها لله على الوجه اللائق به؛ لأن الله أثبتها لنفسه وهو أعلم بصفاته.
* والسلبية: هي التي نفاها الله عن نفسه كالظلم، فيجب نفيها عن الله؛ لأن الله نفاها عن نفسه، لكن يجب مع النفي اعتقاد ثبوت ضدها لله على الوجه الأكمل؛ لأن النفي لا يكون كمالاً حتى يتضمن ثبوتاً.
__________
(1) بحار الأنوار: (83/311-323)، إرشاد القلوب: (1/81)، أعلام الدين: (361).
(2) مستدرك الوسائل: (5/264)، بحار الأنوار: (4/186)، أعلام الدين: (349)، التوحيد: (194).
(144/125)
مثال ذلك: قوله تعالى: ((وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً)) [الكهف:49].
فيجب نفي الظلم عن الله مع اعتقاد ثبوت العدل لله على الوجه الأكمل.
ثانياً: الصفات الثبوتية تنقسم إلى قسمين: ذاتية وفعلية:
* فالذاتية: هي التي لم يزل ولا يزال الله سبحانه وتعالى متصفاً بها كالسمع والبصر.
* والفعلية: هي التي تتعلق بمشيئته سبحانه، إن شاء فعلها وإن شاء لم يفعلها كالاستواء على العرش والمجيء، وربما تكون الصفة ذاتية فعلية باعتبارين كالكلام، فإنه باعتبار أصل الصفة صفة ذاتية؛ لأن الله لم يزل ولا يزال متكلماً، وباعتبار آحاد الكلام صفة فعلية؛ لأن الكلام متعلق بمشيئته يتكلم بما شاء متى شاء.
ثالثاً: صفات الله كلها عليا، فهي صفات كمال ومدح ليس فيها نقص بوجه من الوجوه، كما قال تعالى: ((وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى)) [النحل:60].
وهي تنقسم إلى قسمين:
1- صفة الكمال على الإطلاق: فهي ثابتة لله عز وجل، كالعزيز - العليم - الجبار، والقادر... ونحو ذلك.
2- صفة الكمال بقيد: فهذه لا يوصف الله بها إلا مقيدة، مثل: المكر والخداع والاستهزاء... وما أشبه ذلك.
فتكون صفة كمال في مقابل من يفعلون ذلك، كما نقيد ذلك ونقول: ماكر بالماكرين، مستهزىء بالمستهزئين، كقوله تعالى: ((وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ)) [البقرة:14-15]. خادع للمخادعين، كقوله تعالى: ((يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ)) [النساء:142] كائد بالكائدين، كقوله تعالى: ((إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * وَأَكِيدُ كَيْداً * فَمَهِّلْ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً)) [الطارق:15-17].
وعلى هذا فلا يصح أن نذكرها مطلقة ونصف الله بالماكر أو المستهزىء أو المخادع أو نقول: إن من أسمائه (الماكر والمستهزيء).
رابعاً: أن باب الصفات أوسع من باب الأسماء:
(144/126)
وذلك لأن كل اسم متضمن لصفة(1)، ولأن من الصفات ما يتعلق بأفعال الله تعالى وأفعاله لا منتهى لها، كما أن أقواله لا منتهى لها، قال الله تعالى: ((وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) [لقمان:27].
ومن أمثلة ذلك أن من صفات الله تعالى المجيء والإتيان والأخذ والإمساك والبطش، إلى غير ذلك من الصفات التي لا تحصى،والواردة في القرآن الكريم، كما قال تعالى: ((وَجَاءَ رَبُّكَ)) [الفجر:22]، وقال: ((هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمْ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنْ الْغَمَامِ)) [البقرة:210]، وقال: ((وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ)) [الحج:65]، وقال: ((إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ)) [البروج:12]، وقال: ((يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ)) [البقرة:185].
فنصف الله تعالى بهذه الصفات على الوجه اللائق به ولا نسميه بها، فلا نقول: من أسمائه: الجائي والآتي والآخذ والممسك والباطش والمريد والماكر، ونحو ذلك، وإنما نخبر بذلك عنه ونصفه بها.
فالالتزام بالوارد من الصفات فيه العصمة للعبد من أن يصف الله بما لا علم له، فيقع في وصف يقصر عن الله سبحانه.
المبحث الرابع:
قواعد مشتركة في أدلة أسماء الله وصفاته
هناك قواعد تشترك في البيان في الأسماء والصفات لله تعالى ينبغي على العبد المحب لربه أن يعرفها ويدرسها، ومن تلك القواعد المباركة ما يأتي:
أولاً: إن أسماء الله وصفاته لا تثبت بالعقل إنما هو إثبات توقيفي شرعي من كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم:
__________
(1) وسيأتي بيان ذلك في القاعدة الثانية من القواعد المشتركة في أدلة الأسماء والصفات.
(144/127)
فأسماء الله وصفاته من الأمور الغيبية، ولا يمكن في الأمور الغيبية أن يدركها العقل، وحينئذ فالواجب علينا أن لا نصف الله بما لم يصف به نفسه، ولا نكيّف صفاته، لأن ذلك ممتنع وغير جائز.
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام واعظاً الناس في ذكر ملك الموت: هل تحس به إذا دخل منزلاً؟ أم هل تراه إذا توفى أحداً؟ بل كيف يتوفى الجنين في بطن أمه؟ أيلج عليه من بعض جوارحها؟ أم الروح أجابته بإذن ربها؟ أم هو ساكن معه في أحشائها؟ كيف يصف إلهه من يعجز عن صفة مخلوق مثله؟!(1).
والأمثلة الدالة على ما نقول:
نعيم الجنة: فنحن الآن لا ندرك على الحقيقة نعيم الجنة من حيث الحقيقة مع أنه مخلوق، وفي الجنة فاكهة ونخل ورمّان وسُرُر وأكواب وأنهار، لكننا لا ندرك حقيقة هذه الأشياء كما هي، ولو قيل لأي إنسان: صفها لنا كما هي؟ فلن يتمكن من ذلك؛ لقوله تعالى: ((فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) [السجدة:17].
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم عن نعيم الجنة: (وفيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر)(2).
ولهذا فلو أعمل أي مسلم نظره وطبق هذه القاعدة النافعة على صفات الله لوجد السلامة والراحة، وانقطاع الطمع عن أن يطلب ما ليس له إليه سبيل، ومن ذلك قوله تعالى: ((مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ)) [ص:75].
فإن ظاهر الآية يدل على أن لله يدين حقيقيتين يجب علينا إثباتهما له، وهذا هو الحق الواجب الإيمان به.
فإن قال قائل: لعل المراد بهما القوة؟
قلنا له: هذا صرف للكلام عن ظاهره، فلا يجوز القول به؛ لأنه تقوُّل على الله بغير علم ولا يستقيم عقلاً.
__________
(1) نهج البلاغة: (1/221).
(2) من لا يحضره الفقيه: (1/295)، بحار الأنوار: (81/125).
(144/128)
والله سبحانه يحذرنا من التقول عليه بقوله: ((وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ)) [الأعراف:33].
فالواجب فهم النص على ظاهره، وهذا ما فعله الذين يجالسون النبي صلى الله عليه وسلم ويسمعون آيات الصفات، فكانوا يعلمون كيف يفهمونها، وما المراد بها.
ثانياً: كل اسم لله عز وجل فإنه يدل على ذاته وعلى الصفة التي يتضمنها، ولا يتم الإيمان بالاسم والصفة إلا بإثبات ذلك كله.
ومثال ذلك:
اسم: (العظيم) فلا يتم الإيمان به حتى نؤمن بإثباته اسماً من أسماء الله، دالاً على ذاته تعالى، وعلى ما تضمنه من الصفة وهي (العظمة).
اسم: (الرحمن) فلا يتم الإيمان به حتى نؤمن بإثباته اسماً من أسماء الله، دالاً على ذاته تعالى، وعلى ما تضمنه من الصفة وهي (الرحمة).
ثالثاً: يلزم من إثبات الأسماء والصفات التخلي عن أربعة أمور:
1- التمثيل: وهو اعتقاد أن أية صفة من صفات الله تعالى مماثلة لصفات المخلوقين وهذا قول باطل.
2- التكييف: وهو التساؤل عن كيفية أسماء الله وصفاته، كما يقول القائل: كيف يد الله؟ كيف وجه الله... إلخ؟
وهذا قول باطل؛ لأن الكيفية لا تدرك إلا بواحد من أمور ثلاثة: مشاهدة الشيء، أو مشاهدة نظيره، أو خبر صادق عنه، وكلها منتفية في حق الله، فنحن لم نر الله في الحياة الدنيا، وليس له من مثيل سبحانه، ولم يخبرنا جل وعلا عن كيفية صفاته، فانعدم السبيل إلى معرفة الكيف.
3- التحريف: أي التحريف المعنوي: وهو صرف اللفظ عن ظاهره. كإنكارهم صفة اليد لله عز وجل وتحريفها (بالقوة أو النعمة)، وإنكارهم صفة الوجه لله عز وجل وتحريفها (بالثواب)، وإنكارهم صفة المجيء، والإتيان لله عز وجل وتحريفها (بمجيء الأمر).
4- التعطيل: هو إنكار ما أثبت الله لنفسه من الأسماء والصفات سواء كان كلياً أو جزئياً، وسواء كان ذلك بتحريف أو بجحود.
فالخلاصة:
(144/129)
أن كل اسم وصفة لله عز وجل يتوجه عليهما ثلاثة أسئلة:
السؤال الأول: هل هي حقيقية؟ ولماذا؟
السؤال الثاني: هل يجوز تكييفها؟ ولماذا؟
السؤال الثالث: هل تماثل صفات المخلوقين؟ ولماذا؟
وجواب السؤال الأول: نعم حقيقية؛ لأن الأصل في الكلام إعمال الحقيقة، فلا يُعدل عنها إلا بدليل صحيح يمنع منها.
وجواب السؤال الثاني: لا يجوز تكييفها، فلا نقول: كيف هي صفات الله؟ لقوله تعالى: ((وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً)) [طه:110] ولأن العقل قاصر عن إدراك كيفية صفات الله.
وجواب السؤال الثالث: لا تماثل صفات المخلوقين؛ لقوله تعالى: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)) [الشورى:11].
وهذا الاعتقاد هو القول الحق الذي تتضافر عليه الأدلة، وتجتمع حوله الأقوال، وتطمئن إليه النفوس بإذن الله تعالى،وسنده ومعتمده كتاب الله سبحانه وتعالى.
المبحث الخامس:
من صفات الله تبارك وتعالى
بعد بيان جملة مباركة من القواعد المتعلقة بصفات الله تعالى.. أبيّن في هذا المبحث أمثلة على صفات الله، أثبتها الله لنفسه في كتابه الكريم، وفي سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وفهمها أهل العلم، ومن تلك الصفات العُلى:
أولاً: صفة الوجه:
من الصفات التي ثبتت لله عز وجل صفة الوجه، وهي صفة حقيقية تليق بجلاله، ولا تماثل صفات المخلوقين، ولا نعلم كيفيتها.
قال تعالى: ((كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ)) [الرحمن:26-27].
وقال تعالى: ((كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ)) [القصص:88].
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أهل بيته الطاهرين عليهم السلام أنهم كانوا يدعون الله عز وجل ويسألونه لذة النظر إلى وجهه الكريم سبحانه وتعالى.
(144/130)
قال النبي صلى الله عليه وسلم: من دعا به عقيب كل صلاة مكتوبة حُفِظ في نفسه وداره وماله وولده، والدعاء هو: (اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أعلنت وما أسررت، وإسرافي على نفسي... ثم قال: والرضا بالقضاء، وبرد العيش بعد الموت، ولذة النظر إلى وجهك الكريم، وشوقاً للقائك، من غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة)(1).
وكانت فاطمة الزهراء سيدة النساء ‘ تدعو في صلواتها الخمس: (سبحانك من يعلم جوارح القلوب، سبحانك من يحصي عدد الذنوب... إلى أن قالت: وأسألك الرضا بعد القضاء، وأسألك لذة النظر إلى وجهك...)(2).
وقالت الزهراء ‘ أيضاً: (الحمد لله الذي لا يحصي مدحه القائلون، والحمد لله الذي لا يحصي نعماءه... إلى أن قالت: والنظر إلى وجهك فارزقني(3))(4).
شبهة أن (الوجه) يراد به الثواب:
وقد أوّل بعضهم صفة الوجه أنها تعني (الثواب) وقالوا: المراد بالوجه في الآيات الثواب، أي: كل شيء يفنى إلا الثواب!
والجواب على هذا التأويل من عدة وجوه:
أولاً: إنه مخالف لظاهر اللفظ؛ فإن ظاهر اللفظ أن هذا وجه خاص، وليس هو الثواب كما مر علينا في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، ودعاء سيدة نساء العالمين ‘.
ثانياً: لو سلمنا أن (الوجه) يُراد به الثواب، فهل يمكن أن يوصف الثواب بهذه الصفات العظيمة: ((ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ)) [الرحمن:27]، هذا لا يمكن؛ لأننا لو قلنا مثلاً: ثواب المتقين ذو جلال وإكرام! فهذا لا يجوز أبداً ولا يستقيم عقلاً، لكن الصواب أن نقول: إن الله تعالى وصف هذا الوجه بأنه ذو الجلال والإكرام.
__________
(1) بحار الأنوار: (83/2).
(2) فلاح السائل: (202).
(3) فلاح السائل: (240)، وانظر: بحار الأنوار: (83/104).
(4) وانظر: كذلك أدعية الأئمة عليهم السلام (ص:144) من هذا الكتاب.
(144/131)
ثالثاً: نقول للمتأولين: ما تقولون في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن لله سبعين ألف حجاباً من نور وظلمة لو كشفها عن وجهه لاحترقت سبحات وجهه ما أدرك بصره من خلقه)(1).
فهل الثواب له هذا النور الذي يحرق ما انتهى إليه بصر الله من الخلق؟! أبداً، لا يمكن ولا يكون.
فإذا عرفنا فساد هذا التأويل، كان الواجب علينا أن نفسر هذا الوجه بما أراده الله، وهو أنه: وجه قائم به تبارك وتعالى، موصوف بالجلال والإكرام ونعوت الجمال، يليق بجلال الله وعظمته.
فإن قلت: هل كل ما جاء من كلمة(الوجه) مضافاً إلى الله يُراد به وجه الله الذي هو صفته؟
فالجواب: هذا هو الأصل؛ كما في قوله تعالى: ((وَلا تَطْرُدْ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ)) [الأنعام:52]. وقوله: ((وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى)) [الليل:19-21]. وما أشبهها من الآيات.
فالأصل أن المراد بالوجه المضاف إلى الله عز وجل هو صفة من صفاته.
فإن قيل:
ما المراد بالوجه في قوله تعالى: ((كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ)) [القصص:88]؟
فإن قلت: المراد بالوجه الذات؛ فيخشى أن تكون حرّفت، وإن أردت بالوجه نفس الصفة أيضاً؛ فتكون قد وقعت في محظور خطير وهو ما ذهب إليه بعض من لا يقدرون الله حق قدره؛ حيث قالوا: إن الله يفنى إلا وجهه، فماذا تصنع؟!
فالجواب:
إن أردت بقولك: إلا ذاته؛ فهذا يعني: أن الله تعالى يبقى هو نفسه مع إثبات الوجه لله؛ وهذا صحيح، ويكون هنا عبَّر بالوجه عن الذات لمن كان له وجه.
وإن أردت بقولك (الذات):أي أن الوجه عبارة عن الذات بدون إثبات الوجه؛ فهذا تحريف وهو غير مقبول.
__________
(1) عوالي اللآلي: (4/106)، بحار الأنوار: (55/45).
(144/132)
وعليه فنقول: ((إِلاَّ وَجْهَهُ)) [القصص:88] أي: إلا ذاته المتصفة بالوجه، وهذا ليس فيه تأويل ولا تحريف؛ لأن الفرق بين هذا وبين قول أهل التحريف واضح، لأنهم يقولون: إن المراد بالوجه (الذات)، وأنه سبحانه لا وجه له، ونحن نقول: المراد بالوجه الذات، وله وجه سبحانه، وعُبِر به عن الذات، وهذا كثير في كلام العرب، فتراهم يقولون: أقبل على القوم بوجهه.
وهذا معلوم عند أهل اللغة، وممن فقه علومها وسبر أغوارها، وعلى رأس أهل العربية آل البيت الأطهار، فكانوا يعلمون استخدام هذا اللفظ وغيره، وسار على دربهم أحبابهم.
ومن أدلة ذلك ما جاء عن سهل بن سعد قال: بينا أبو ذر قاعد مع جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت يومئذ فيهم، إذ طلع علينا علي بن أبي طالب عليه السلام فرماه أبو ذر بنظره، ثم أقبل على القوم بوجهه، فقال: من لكم برجل محبته تساقط الذنوب عن محبيه كما تساقط الريح العاصف الهشيم من الورق عن الشجر؟(1).
فهل يفهم عاقل من هذه الرواية أن علياً عليه السلام أقبل على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بوجهه فقط دون ذاته؟ ولله المثل الأعلى.
واعلم رحمك الله أن هذا الوجه العظيم الموصوف بالجلال والإكرام وجه لا يمكن الإحاطة به وصفاً ولا علماً ولا نظراً؛ فإن الله تعالى فوق ذلك وأعظم شأناً؛ كما قال تعالى: ((وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً)) [طه:110].
فإن حاول أحد أن يتصور هذه الكيفية بقلبه أو يتحدث عنها بلسانه فإنه مبتدع ضال قائل على الله بغير علم.
رؤية المؤمنين لربهم في الجنة:
__________
(1) بحار الأنوار: (27/112).
(144/133)
من أعظم النعم التي يمتن الله بها على عباده المؤمنين في الجنة لذة النظر إلى وجهه الكريم، فيمكّن لهم القدرة على النظر إليه بأعينهم بنظرة حقيقية، وهذه القدرة في النعيم ستكون قاصرة في إدراك الإحاطة به، لعظمته سبحانه؛ لأن الله تعالى يقول: ((لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ)) [الأنعام:103]، وقال تعالى: ((وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً)) [طه:110]، ونحن نعلم ربنا بقلوبنا، ولكن لا ندرك كيفيته وحقيقته سبحانه، وفي يوم القيامة سنرى ربنا بأبصارنا، ولكن لن تدركه -تحيط به- أبصارنا.
ومما جاء في إثبات إمكانية رؤيته سبحانه في الآخرة ما يأتي:
قال تعالى: ((وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)) [القيامة:23].
وقال تعالى: ((عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ)) [المطففين:23].
وقال تعالى: ((لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ)) [يونس:26]، والزيادة هي النظر إلى وجه الله عز وجل (1)، بعد أن حاز المؤمنون الحسنى وهي النعيم والسعادة في الجنة.
وقال تعالى: ((لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ)) [ق:35].
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن لله كرامة في عباده المؤمنين في كل يوم جمعة، فإذا كان يوم الجمعة بعث الله إلى المؤمن ملكاً معه حلة فينتهي إلى باب الجنة... إلى أن قال: فإذا اجتمعوا تجلى لهم الرب تبارك وتعالى، فإذا نظروا إليه خروا له سجداً، فيقول: عبادي! ارفعوا رؤوسكم ليس هذا يوم سجود ولا يوم عبادة، قد رفعت عنكم المؤنة، فيقولون: يا رب، وأي شيء أفضل مما أعطيتنا، أعطيتنا الجنة، فيقول: لكم مثل ما في أيديكم سبعين ضعفاً , فيرجع المؤمن في كل جمعة بسبعين ضعف مثل ما في أيديهم، وهو قوله: ((وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ)) [ق:35] (2).
__________
(1) تفسير القمي: (1/311).
(2) بحار الأنوار:(86/ 266) , (8/126).
(144/134)
وقد ورد في الأدعية الثابتة عن الأئمة عليهم السلام أنهم كانوا يحرصون على سؤال الله تعالى رؤيته ولقاءه يوم القيامة ويعلمون أحبابهم أن يتعلموها... ومن ذلك:
ما جاء في دعاء يوم الجمعة:
(وتلقن بها عند فراق الدنيا حجتي، وأنظر بها إلى وجهك الكريم يوم القيامة، وعليَّ منك نور وكرامة...)(1).
في تسبيح ليلة السبت:
(اجعل لنا منزلاً مغبوطاً، ومجلساً رفيعاً، وظلاً ومرتفعاً جسيماً جميلاً، ونظراً إلى وجهك يوم تحجبه عن المجرمين)(2).
ومن أدعية الإمام الكاظم عليه السلام:
(وأسألك لي ولها الأجر يوم القيامة، والعفو يوم اللقاء، وبرد العيش عند الموت، وقرّة عين لا تنقطع، ولذة النظر إلى وجهك، وشوقاً إلى لقائك...)(3).
ومن أدعية مناجاة الخائفين:
(إلهي لا تغلق على موحديك أبواب رحمتك، ولا تحجب مشتاقيك عن النظر إلى جميل رؤيتك...)(4).
ومن دعاء ليلة الجمعة:
(اللهم حبب إلينا لقاءك، وارزقنا النظر إلى وجهك، واجعل لنا في لقائك نضرة وسروراً...)(5).
ومع كل هذه الأدلة الواضحة والبراهين الساطعة على قضية إثبات رؤية المؤمنين لربهم في الجنة إلا أن هناك طائفة عارضت كل تلك الأدلة، وأنكرت إمكانية رؤية أهل الجنة لله عز وجل، واستدلوا بأدلة في غير محلها أو باطلة في فحواها، منها:
الأول: قالوا: إن الله لا يُرى، بل الذي يُرى هو (النور).
__________
(1) بحار الأنوار: (87/133).
(2) بحار الأنوار: (87/144)، البلد الأمين: (94)، مصباح الكفعمي: (99)، مصباح المتهجد: (429).
(3) بحار لأنوار: (87/205)، البلد الأمين: (135)، مصباح الكفعمي: (126)، مصباح المتهجد: (480).
(4) بحار الأنوار: (91/143).
(5) مصباح المتهجد: (442)، مصباح الكفعمي: (107)، البلد الأمين: (104)، بحار الأنوار: (87/159).
(144/135)
الثاني: قالوا: إن الله نفى إمكانية الرؤية في القرآن، ودليل ذلك قوله تعالى: ((وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنْ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنْ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً)) [الأعراف:143].
ووجه الدلالة: أن الله نفى الرؤية بأداة (لن) التي تفيد النفي المؤبد، والنفي خبر، وخبر الله تعالى صدق لا يدخله النسخ.
الثالث: قالوا: إن الله عز وجل نفى رؤيته إطلاقاً، فقال: ((لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)) [الأنعام:103].
الرابع: قالوا: العقل يمنع ويحيل إمكانية رؤيته سبحانه، إذ لو كان سبحانه يُرى للزم أن يكون جسماً، والجسم ممتنع على الله تعالى؛ لأنه يستلزم التركيب، والتركيب يستلزم التشبيه والتمثيل، فوجب نفي الرؤية.
وأما الرد على هذه الشبه فنقول:
أما الشبهة الأولى وهي قولهم: إن الله لا يرى بل الذي يرى هو(النور)، فهذا القول باطل، لأنه رد للنصوص الصريحة التي فيها إثبات الرؤية.
فإن الله عز وجل وصف وجهه بأن له نوراً، مثل ما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل: (إن لله سبعين ألف حجاباً من نور وظلمة، لو كشفها عن وجهه لأحرقت سُبحات وجهه ما أدرك بصره من خلقه)(1)؛ لذا فإن رؤية الله عز وجل في الدنيا مستحيلة، لأن الحال البشرية لا تقوى على تحمل رؤيته سبحانه وتعالى.
وجاء في كتاب الله عز وجل وصف لا يليق أن يطلق على النور، مثل قوله تعالى: ((وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ)) [الرحمن:27] وهذا وصف متعلق بالوجه، من أن لوجه الله جلالاً وإكراماً، ولا يمكن أن يقال هذا للنور.
__________
(1) عوالي اللآلي: (4/106)، بحار الأنوار: (55/45).
(144/136)
وأما الشبهة الثانية وهي قولهم: إن الله عز وجل قال لموسى: (لن تراني) و(لن) تفيد النفي المؤبد كما في اللغة العربية.
وهذا قول باطل من وجوه:
الأول: أن (لن) ليست للنفي المؤبد، وبرهان ذلك كما قال سبحانه عن المشركين: ((وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً)) [البقرة:95] أي: الموت، ومع ذلك فإن الكفار سيقولون بعد مدة في النار: ((وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ)) [الزخرف:77] والكفار لم يتمنوه فقط بل طلبوه، فدل على أن (لن) لا تفيد النفي المؤبد.
ولله در ابن مالك النحوي حين قال:
ومن رأى النفي بلن مؤبدا ... ... فقوله اردد وسواه فاعضدا
الثاني: أن موسى طلب الرؤيا في الدنيا بقوله لربه: ((قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ)) [الأعراف:143] أي: الآن، فأخبره الله بقوله: ((لَنْ تَرَانِي)) أي: في الدنيا، فدل على جواز الطلب، لكن بين الله له تعذر تحقق ذلك في الدنيا، وهو فهم معلوم؛ لأنه لم يقل سبحانه لنبيه: إني لا أرى.
وهذا ما فهمه آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، فعن الرضا عليه السلام قال: لما بعث الله عز وجل موسى بن عمران واصطفاه نجياً وفلق له البحر ونجَّى بني إسرائيل وأعطاه التوراة والألواح رأى مكانه من ربه عز وجل، فقال موسى: يا رب، فإن كان آل محمد كذلك، فهل في أصحاب الأنبياء أكرم عندك من صحابتي؟ قال الله عز وجل: يا موسى، أما علمت أن فضل صحابة محمد على جميع صحابة المرسلين كفضل آل محمد على جميع آل النبيين، وكفضل محمد على جميع النبيين، فقال موسى: يا رب، ليتني كنت أراهم! فأوحى الله عز وجل إليه: يا موسى، إنك لن تراهم فليس هذا أوان ظهورهم، ولكن سوف تراهم في الجنات، جنات عدن والفردوس بحضرة محمد، في نعيمها يتقلبون، وفي خيراتها يتبحبحون(1).
__________
(1) تفسير الإمام العسكري: (31)، بحار الأنوار: (13/340)، تأويل الآيات: (411).
(144/137)
الثالث: إن رؤية الله تعالى في الدنيا مستحيلة؛ لأن الحال البشرية لا تقوى على تحمل رؤية الله عز وجل ؛ كيف وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل: (إن لله سبعين ألف حجاباً من نور وظلمة لو كشفها عن وجهه لأحرقت سبحات وجهه ما أدرك بصره من خلقه)(1). ومعلوم أن بصر الله يدرك كل شيء يرى.
وهذا ملاحظ ومعلوم أن عين البشر لا تحتمل رؤية كل شيء في الحياة الدنيا، ومن أمثلة ذلك ضعفها عن رؤية الشمس المتواجدة يومياً، وهي من المخلوقات الضعيفة، فكيف الحال برؤية وجه الجبار سبحانه وتعالى الذي هو أعظم شأناً ووجوداً ونوراً من المخلوقات الضعيفة؟
الرابع: أن موسى عليه السلام كان أعلم بربه من هؤلاء النفاة، ولهذا نجده قد طلب ما يجوز له طلبه، لكن الله سبحانه أخبره أنه لم يحن وقت الرؤية بعد، بمثال ضربه له سبحانه وهو تعليق الرؤية بقدرة الجبل العظيمة من تحمل رؤيته.
ومما يدل على جواز وصحة ما سأله كليم الله موسى عليه السلام: أن الله لم ينكر عليه طلبه، مثل ما أنكر على نوح عليه السلام لما سأله ما لا يجوز له، وهو نجاة ابنه الكافر.
قال تعالى: ((قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْجَاهِلِينَ)) [هود:46]، وبهذا الوجه يتبين أن الآية دليل عليهم لا لهم.
وأما الشبهة الثالثة في قوله تعالى: ((لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)) [الأنعام:103].
فالجواب: أن الآية فيها نفي الإدراك لا نفي الرؤية.
والإدراك مثلما هو معلوم في اللغة العربية أعم من الرؤية، والرؤية لا تستلزم الإدراك؛ ألا ترى أن الرجل يرى السماء ولا يحيط بها إدراكاً، وكذا الحال مع البحر!
__________
(1) عوالي اللآلي: (4/106)، بحار الأنوار: (55/45).
(144/138)
فإذا أثبتنا أن الله تعالى يُرى؛ لم يلزم من هذا الإثبات أن يُدرك سبحانه بهذه الرؤية؛ لأن الإدراك أخص معنى من مطلق الرؤية.
ولهذا نقول: إن نفي الإدراك يدل على وجود أصل الرؤية؛ لأن نفي الأخص يدل على وجود الأعم، ولو كان الأعم منتفياً؛ لوجب نفيه.
ولقيل: لا تراه الأبصار؛ لأن نفيه يقتضي نفي الأخص، ولا عكس، ولأنه لو كان الأعم منتفياً؛ لكان نفي الأخص إيهاماً وتلبيساً ينزَّه عنه كلام الله عز وجل، وعلى هذا تكون الآية دليلاً على من ينفي لا دليلاً له.
وأما الشبهة الرابعة في قولهم: لو كان الله يُرى لزم أن يكون جسماً، والجسم ممتنع على الله تعالى؛ لأنه يفيد التركيب؛ وهذا يستلزم التشبيه والتمثيل.
فالجواب: نقول ابتداء: إن كان يلزم من رؤية الله تعالى أن يكون جسماً؛ فلنثبت الجسمية له سبحانه على سبيل الجدل والتسليم الافتراضي، لكننا نعلم علم اليقين أنه لا يماثل أجسام المخلوقين؛ لأن الله تعالى يقول: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)) [الشورى:11].
لكننا نقول: لا نسلم أنه لابد أن يكون جسماً حتى يُرى، فالإنسان يرى النور، والنور ليس بجسم.. وهكذا.
ثم إن لفظ الجسم لا يُثبت ولا يُنفى لله حتى يستفصل عن معناه، فإن أريد به ما هو مركب من لحم وعظم وغيرهما فباطل.
وإن أريد به ما هو قائم بذاته متصف بصفات الكمال فهو حق وثابت لله عز وجل، لكن لا يطلق هذا اللفظ لا نفياً ولا إثباتاً، لعدم وروده في الكتاب والسنة، بل نقتصر على ما ورد فيهما.
ثانياً: صفة العين:
ومن الصفات التي ثبتت لله عز وجل صفة العين، وهي صفة حقيقية تليق بجلال الله عز وجل لا تماثل صفات المخلوقين، ولا نعرف كيفيتها.
قال تعالى: ((وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا)) [الطور:48].
وقال تعالى: ((وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ)) [القمر:13-14].
(144/139)
وقال تعالى: ((وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي)) [طه:39].
قال قطب الدين الراوندي في كتاب الخرائج والجرائح:
وقد أخبرنا جماعة من أصحاب الحديث بأصبهان، وجماعة منهم من همدان وخراسان سماعاً وإجازة عن مشايخهم الثقات بأسانيد مختلفة -من حديث طويل- قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (ما بعث الله نبياً إلا وقد أنذر قومه الدجال، وإن الله أخره إلى يومكم هذا، فمهما تشابه عليكم من أمره فإن ربكم ليس بأعور)(1).
وعن النزال بن سبرة قال: خطبنا علي بن أبي طالب عليه السلام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: سلوني أيها الناس قبل أن تفقدوني ثلاثاً، فقام إليه صعصعة بن صوحان، فقال: يا أمير المؤمنين، متى يخرج الدجال؟ فقال له علي عليه السلام: اقعد فقد سمع الله كلامك وعلم ما أردت، والله ما المسؤول عنه بأعلم من السائل، ولكن لذلك علامات وهيئات يتبع بعضها كحذو النعل بالنعل، وإن شئت أنبأتك بها! قال: نعم يا أمير المؤمنين، فقال... يخرج من بلدة يقال لها: أصفهان من قرية تعرف باليهودية، عينه اليمنى ممسوحة والأخرى في جبهته تضيء كأنها كوكب الصبح، فيها علقة كأنها ممزوجة بالدم، بين عينيه مكتوب كافر يقرأه كل كاتب وأمي، ينادي بأعلى صوته، يسمع ما بين الخافقين من الجن والإنس والشياطين، يقول: إليَّ أوليائي، أنا الذي خلق فسوّى وقدّر فهدى أنا ربكم الأعلى. وكذب عدو الله، إنه الأعور، يطعم الطعام ويمشي في الأسواق، وإن ربكم ليس بأعور(2).
__________
(1) الخرائج والجرائح: (3/1138).
(2) كمال الدين : ( 2 / 525 ) , بحار الأنوار: (52/194), الخرائج والجرائح: (3/1133).
(144/140)
وقد أنكر بعضهم صفة العين، وأولوها بالرؤية بدون عين، وقالوا: (بأعيننا) برؤية منا، ولكن لا عين، والعين لا يمكن أن تثبت لله عز وجل أبداً، لأن العين جزء من الجسم؛ فإذا أثبتنا العين لله؛ أثبتنا تجزئة وجسماً، وهذا شيء ممتنع فلا يجوز، ولكنه ذكر العين من باب تأكيد الرؤية؛ يعني: كأنما نراك ولنا عين.
فنقول لهم: هذا القول خطأ من عدة أوجه:
الوجه الأول: أنه مخالف لظاهر اللفظ.
الوجه الثاني: أنه مخالف لما أثبته الله عز وجل في كتابه وما أثبته نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام وفق لغة العرب.
الوجه الثالث: أنه لا دليل على أن المراد بالعين مجرد الرؤية.
الوجه الرابع: أننا إذا قلنا بأنها الرؤية، وأثبت الله لنفسه عيناً، فيلزم من ذلك أنه يرى بتلك العين، وحينئذٍ يكون في الآية دليل على أنها عين حقيقية.
الوجه الخامس: لا يلزم من إثبات صفة العين لله عز وجل أن تكون مماثلة ومجزأة كالمخلوقين، فكل المخلوقات من البشر والحيوانات والحشرات لهم أعين متشابهة بالأسماء فقط ولكنها مختلفة في الأحجام والأشكال، فمنها الكبير والصغير والضخم والدقيق... إلخ، فهل يلزم من ذلك أن أعينهم متماثلة بالكيفية والجزئية؟!
ولله المثل الأعلى، فإننا نؤمن ونثبت ما أثبته الله عز وجل وما أثبته النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام من الصفات، كالعين وغيرها من الصفات الثابتة، من غير تحريف ولا تكييف ولا مماثلة، ونقول: نؤمن ونثبت هذه الصفات، وليس كمثله شيء.
فإذا قال المنكرون:
(144/141)
أنتم تثبتون الصفات بظاهر الآية والحديث، من غير تأويل ولا تكييف ولا تمثيل، والله عز وجل يقول: ((فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا)) [الطور:48] والظاهر من الآية على حسب طريقتكم أنكم جعلتم النبي صلى الله عليه وسلم في عين الله أو في وسطها لوجود الباء الظرفية في كلمة ((بِأَعْيُنِنَا)) أي: داخل أعيننا، فإن قلتم بهذا كفرتم، لأنكم جعلتم الله محلاً للخلائق، فأنتم حلولية، وإن لم تقولوا به تناقضتم!
فالجواب:
إن القرآن نزل وفق لغة العرب، والباء تستعمل في استعمالات عدة، وهنا استعملت لتفيد معنى المصاحبة، فإذا قلت: أنت بعيني؛ يعني: أن عيني تصحبك وتنظر إليك، لا تنفك عنك؛ فالمعنى: أن الله عز وجل يقول لنبيه: اصبر لحكم الله؛ فإنك محوط بعنايتنا وبرؤيتنا لك بالعين حتى لا ينالك أحد بسوء.
ولا يمكن أن تكون الباء هنا للظرفية؛ لأنه يقتضي أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم في عين الله، وهذا محال.
وأيضاً؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خوطب بذلك وهو في الأرض، فإذا قلتم: إنه كان في عين الله! كانت دلالة القرآن كذباً.
وقال المنكرون أيضاً:
إن الله عز وجل ذكر (العين) بصيغة الجمع، كما في قوله تعالى: ((تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا))، وفي قوله: ((فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا)) [الطور:48]، وبصيغة المفرد كما في قوله تعالى: ((وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي)) [طه:39]، فكيف تخرجون من هذا التناقض؟ وكم عين لله إذاً؟
والجواب من وجوه:
أولاً: لا تعارض بين الآيات، وذلك لأن المفرد المضاف يعم فيشمل كل ما ثَبَت لله من عين، وحينئذٍ لا منافاة بين المفرد وبين الجمع أو التثنية.
وإن كان أقل الجمع اثنين؛ فلا منافاة؛ لأننا نقول: هذا الجمع دال على اثنتين؛ فلا ينافيه، وإن كان أقل الجمع ثلاثة؛ فإن هذا الجمع لا يُراد به الثلاثة، وإنما يراد به التعظيم والتناسب بين ضمير الجمع وبين المضاف إليه.
(144/142)
ثانياً: أن قوله تعالى: ((تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا)) [القمر:14]، وقوله: ((فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا)) [الطور:48] وقوله: ((وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي)) [طه:39] معناها واحد ويفيد الاعتناء والحفظ والحفاوة من الله عز وجل لأوليائه، وهذا كما يقال على لسان العرب: أنت بعيني وبقلبي... إلخ، وعلى ضوء هذا البيان نكون بذلك أثبتنا صفة العين لله عز وجل مع تفسيرها، مخالفين مذهب من أنكر صفة العين وصرف معناها.
ثالثاً: أنه قد دل الحديث الصحيح كما أسلفنا(1) عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأهل بيته الطاهرين أن لله عز وجل عينين اثنتين فقط، حين وصف الدجال وقال: (وإن ربكم عز وجل ليس بأعور). ولا يقال (أعور) في اللغة العربية إلا لعور العين، وهذا يدل على أن لله تعالى عينين اثنتين فقط لا مثيل ولا شبيه لهما، ولا نعرف كيفيتهما، ونقول كما قال الله عز وجل عن نفسه: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)) [الشورى:11].
ثالثاً: صفة الكلام:
الكلام صفة من صفات الله عز وجل، وهو كلام حقيقي، يتكلم به الله متى شاء، كيف شاء، بما شاء، بحرف وصوت لا يماثل أصوات المخلوقين.
ولهذا كان القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق.
قال تعالى: ((وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ حَدِيثاً)) [النساء:87].
وقال تعالى: ((وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ قِيلاً)) [النساء:122].
وقال تعالى: ((وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ)) [المائدة:116].
وقال تعالى: ((وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً)) [النساء:164].
وقال تعالى: ((وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ)) [الأعراف:143].
وقال تعالى: ((وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً)) [مريم:52].
__________
(1) انظر: (ص:150) من هذا الكتاب.
(144/143)
وقال تعالى: ((وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ)) [الأعراف:22].
وقال تعالى: ((وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ)) [التوبة:6].
وقال تعالى: ((وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)) [البقرة:75].
وعن أبي عبدالله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد أسرى بي ربي عز وجل، فأوحى إليَّ من وراء حجاب ما أوحى، وكلمني بما كلم به، وكان مما كلمني به أن قال: يا محمد، إني أنا الله لا إله إلا أنا عالم الغيب والشهادة)(1).
وفي إعلام الورى: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكف عن عيب آلهة المشركين ويقرأ عليهم القرآن، فيقولون: هذا شعر محمد، ويقول بعضهم: بل هو كهانة، ويقول بعضهم: بل هو خطب، وكان الوليد بن المغيرة شيخاً كبيراً وكان من حكام العرب يتحاكمون إليه في الأمور وينشدونه الأشعار، فما اختاره من الشعر كان مختاراً، وكان له بنون لا يبرحون من مكة، وكان له عبيد عشرة، عند كل عبد ألف دينار يتّجر بها، وَمَلَكَ القنطار في ذلك الزمان، والقنطار جلد ثور مملوء ذهباً، وكان من المستهزئين برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عم أبي جهل بن هشام، فقال له: يا أبا عبد شمس، ما هذا الذي يقول محمد، سحر أم كهانة أم خطب؟ فقال: دعوني أسمع كلامه، فدنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في الحجر، فقال: يا محمد، أنشدني من شعرك؟ قال: (ما هو بشعر، ولكنه كلام الله الذي بعث أنبياءه ورسله)(2).
__________
(1) بحار الأنوار: (53/68).
(2) إعلام الورى: (41)، بحار الأنوار: (17/186).
(144/144)
وعن أبي معمر السعداني: أن رجلاً أتى أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: يا أمير المؤمنين، إني قد شككت في كتاب الله المنزل، قال له علي: ثكلتك أمك... إلى أن قال: فإياك أن تفسر القرآن برأيك حتى تفقهه عن العلماء، فإنه رُبَّ تنزيل يشبه كلام البشر وهو كلام الله، وتأويله لا يشبه كلام البشر، كما ليس شيء من خلقه يشبهه، كذلك لا يشبه فعله تبارك وتعالى شيئاً من أفعال البشر، ولا يشبه شيء من كلامه كلام البشر(1).
ونقل المجلسي في بحاره عن الطبرسي أنه قال في قوله تعالى: ((قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنْ الْجِنِّ)) [الجن:1] أي: استمع القرآن طائفة من الجن، وهم جيل رقاق الأجسام خفية على صورة مخصوصة بخلاف صورة الإنسان والملائكة، فإن الملك مخلوق من النور، والإنس من الطين، والجن من النار، فقالوا -أي الجن- بعضها لبعض: ((إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً)) [الجن:1] العجب ما يدعو إلى التعجب منه لخفاء سببه وخروجه عن العادة ((يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ)) [الجن:2] أي: الهدى ((فَآمَنَّا بِهِ)) [الجن:2] أي: بأنه من عند الله ((وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً)) [الجن:2] فنوجه العبادة إليه، وفيه دلالة على أنه صلى الله عليه وسلم كان مبعوثاً إلى الجن أيضاً وأنهم عقلاء مخاطبون وبلغات العرب عارفون، وأنهم يميزون بين المعجز وغير المعجز، وأنهم دعوا قومهم إلى الإسلام وأخبروهم بإعجاز القرآن وأنه كلام الله تعالى(2).
وجاءت النصوص والأخبار الدالة على تعظيم مدرسة آل بيت النبي عليهم السلام لكلام الله؛ فعن عثمان بن عيسى قال: سألته (الإمام الصادق عليه السلام) عن بيع المصاحف وشرائها، فقال: لا تشتر كلام الله، ولكن اشتر الحديد والجلود والدفتر، وقل: أشتري هذا منك بكذا وكذا(3).
__________
(1) مستدرك الوسائل: (17/326)، التوحيد: (265).
(2) بحار الأنوار: (18/79).
(3) وسائل الشيعة: (17/158).
(144/145)
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: تعلموا العربية؛ فإنها كلام الله الذي تكلم به خلقه (ونطقوا به الماضين) وبلغوا بالخواتيم(1).
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل ناجى موسى بن عمران بمائة ألف كلمة وأربعة وعشرين ألف كلمة في ثلاثة أيام ولياليهن، ما طعم فيها موسى ولا شرب فيها، فلما انصرف إلى بني إسرائيل وسمع كلام الآدميين مقتهم لما كان وقع في مسامعه من حلاوة كلام الله عز وجل)(2).
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكّر أصحابه بكلام الله ووجوب تعظيمه، ومن أمثلة ذلك: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يبعث سرية دعاهم فأجلسهم بين يديه، ثم يقول: (سيروا باسم الله وبالله، وفي سبيل الله، وعلى ملة رسول الله، لا تغلوا ولا تمثلوا ولا تغدروا ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا صبياً ولا امرأة، ولا تقطعوا شجراً إلا أن تضطروا إليها، وأيما رجل من أدنى المسلمين أو أفضلهم نظر إلى رجل من المشركين فهو جار حتى يسمع كلام الله، فإن تبعكم فأخوكم في الدين، وإن أبى فأبلغوه مأمنه واستعينوا بالله عليه)(3).
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من كان له إلى الله تعالى حاجة فليقل خمس مرات: (ربنا) يُعْطَ حاجته، ومصداق ذلك في كلام الله في قوله تعالى: ((رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً)) [آل عمران:191] إلى آخر الآيات فيها (ربنا) خمس مرات، ثم قال تعالى: ((فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ)) [آل عمران:195])(4).
__________
(1) وسائل الشيعة: (5/84)، وانظر أيضاً: الخصال: (1/258).
(2) الخصال: (2/641)، بحار الأنوار: (13/344)، القصص للجزائري: (304).
(3) الكافي: (5/27)، تهذيب الأحكام: (6/138).
(4) مستدرك الوسائل: (5/219).
(144/146)
وقد أنكر بعضهم صفة الكلام لله عز وجل، وقالوا: إن القرآن ليس بكلام الله، وإن الله لا يتكلم، وأن الكلام مخلوق، ألا تقرؤون قول الله عز وجل: ((اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ)) [الزمر:62].
والجواب من وجوه:
أولاً: إن كلام الله تعالى، صفة من صفاته، وصفات الخالق لا تشبه صفات المخلوق، قال تعالى: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)) [الشورى:11].
ثانياً: أن مثل هذا التعبير ((كُلِّ شَيْءٍ)) [الزمر:62] عام قد يراد به الخاص؛ مثل قوله تعالى عن ملكة سبأ: ((وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ)) [النمل:23] وقد خرج شيء كثير لم يدخل في ملكها منه شيء؛ مثل ملك سليمان، وقال عن الريح: ((تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا)) [الأحقاف:25]، ثم قال: ((فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ)) [الأحقاف:25]، فلم تدمر المساكن.
ثالثاً: وإذا قلنا: إن كلام الله مخلوق، لزم عن ذلك عدة أمور، منها:
1- تكذيب القرآن؛ لأن الله يقول: ((وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا)) [الشورى:52]. فجعله الله تعالى موحياً إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو كان مخلوقاً؛ ما صح أن يكون موحياً به، فإذا كان وحياً؛ لزم ألا يكون مخلوقاً، لأن الله هو الذي تكلم به.
2- إذا قلنا: إنه مخلوق؛ فإنه يلزم عن ذلك إبطال مدلول الأمر والنهي والخبر؛ لأن هذه الصيغ لو كانت مخلوقة، لكانت مجرد شكل خلق على هذه الصورة؛ كما خلقت الشمس على صورتها، والقمر على صورته، والنجم على صورته.. وهكذا.
3- وإذا قلنا: إن الكلام مخلوق، وقد أضافه إلى نفسه إضافة خلق؛ صح أن نطلق على كل كلام من البشر وغيرهم أنه كلام الله؛ لأن كل كلام الخلق مخلوق، وبهذا التزم أهل الحلول والاتحاد، حيث يقول قائلهم:
وكل كلام في الوجود كلامه ... ... سواء علينا نثره ونظامه
وهذا اللازم باطل، وإذا بطل اللازم بطل الملزوم.
(144/147)
رابعاً: أن نقول: إذا جوّزتم أن يكون الكلام -وهو معنى لا يقوم إلا بمتكلم- مخلوقاً؛ لزمكم أن تجوّزوا أن تكون جميع صفات الله مخلوقة؛ إذ لا فرق؛ فقولوا إذاً: سمعه مخلوق، وبصره مخلوق... وهكذا.
رابعاً: صفة اليد:
ومن الصفات التي ثبتت لله عز وجل صفة اليد، وهي صفة حقيقية تليق بجلاله، ولا مثيل لها ولا نعرف كيفيتها، وهي من الصفات الخبرية الغيبية التي ليس للعقل فيها مجال.
قال تعالى: ((مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ)) [ص:75].
وقال تعالى: ((وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ)) [المائدة:64].
وقال تعالى: ((وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)) [الزمر:67].
وعن أبي جعفر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المتحابون في الله يوم القيامة على أرض زبرجدة خضراء في ظل عرشه عن يمينه، وكلتا يديه يمين، وجوههم أشد بياضاً، وأضوأ من الشمس الطالعة، يغبطهم بمنزلتهم كل ملك مقرب وكل نبي مرسل، يقول الناس: من هؤلاء؟ فيقال: هؤلاء المتحابون في الله)(1).
وقد أنكر بعضهم صفة اليد لله عز وجل، وقالوا: إن المراد باليد (القوة والنعمة) وقالوا أيضاً: لا يمكن أن نثبت لله يداً حقيقية؛ لأنه يلزم من ذلك التجسيم لله عز وجل.
والجواب من وجوه:
أولاً: أن تفسير اليد بالقوة والنعمة مخالف لظاهر اللفظ، وما كان مخالفاً لظاهر اللفظ مردود إلا بدليل.
ثانياً: يمتنع غاية الامتناع أن يراد باليد النعمة أو القوة في مثل قوله: ((لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ)) [ص:75]، لأنه يستلزم أن تكون النعمة نعمتين فقط، ونعم الله لا تحصى!!
__________
(1) الكافي: (2/126)، وانظر أيضاً: بحار الأنوار: (7/159).
(144/148)
ويستلزم أن القوة قوتان، والقوة بمعنى واحد لا تتعدد، فهذا التركيب يمنع غاية المنع أن يكون المراد باليد القوة أو النعمة.
ثالثاً: قال تعالى: ((قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَاسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنْ الْعَالِينَ)) [ص:75] فلو كان المراد باليد في الآية (القوة)؛ ما كان لآدم فضل وخصوصية على خلق إبليس، بل ولا على أي جماد؛ لأنهم كلهم سيكونون قد خلقوا بقوة الله، فتشابهوا من هذه الجهة، والله هو القوي على كل شيء، وقوة الله ظاهرة في كل أمر، ولما صح الاحتجاج على إبليس؛ إذ إن إبليس سيقول: وأنا يارب خلقتني بقوتك؛ فما فضله عليَّ؟!
رابعاً: يقال: إن هذه اليد التي أثبتها الله جاءت على وجوه متنوعة يمتنع أن يراد بها النعمة أو القوة؛ فجاء فيها القبض والبسط واليمين، وكل هذه يمتنع أن يراد بها القوة؛ لأن القوة لا توصف بهذه الأوصاف.
خامساً: لا يلزم من إثبات اليد لله عز وجل أن نمثل الخالق بالمخلوقين، فكل المخلوقات من البشر والحيوانات لهم أيدي، متشابهة في الأسماء ولكنها مختلفة في الأحجام والشكل، منها الكبير والصغير، والقصير والطويل... إلخ، فهل يلزم من ذلك أن أيديهم متشابهة ومتماثلة.
فلا يلزم من هذا مماثلة صفة الخالق للمخلوق، فعلينا أن نؤمن ونثبتها بهذه الصفة وغيرها من الصفات الثابتة لله عز وجل، من غير تمثيل ولا تكييف، ونقولُ: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)) [الشورى:11].
خامساً: صفة الضحك:
الضحك صفة من الصفات التي أثبتها النبي صلى الله عليه وسلم، وهي صفة حقيقية تليق بجلال الله عز وجل لا يماثل ضحك المخلوقين ولا يجوز تكييفه، ولا أن نقول بأن لله فماً وأسناناً وما أشبه ذلك، ولكن نثبت الضحك لله على وجه يليق به سبحانه وتعالى.
(144/149)
قال أمير المؤمنين عليه السلام: يضحك الله عز وجل إلى رجل في كتيبة يعرض لهم سبع أو لص فحماهم أن يجوزوا(1).
وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: ثلاثة يضحك الله إليهم يوم القيامة: رجل يكون على فراشه مع زوجته وهو يحبها، فيتوضأ ويدخل المسجد فيصلي ويناجي ربه، ورجل أصابته جنابة فلم يصب ماء فقام إلى الثلج فكسره ثم دخل فيه واغتسل، ورجل لقي عدواً وهو مع أصحابه فجاءهم مقاتل فقاتل حتى قتل(2).
ومع كل هذه النصوص المباركة إلا أن هناك بعض الناس أنكروا صفة الضحك لله عز وجل، وقابلوا النصوص الصريحة بالتأويل الفاسد، فحرفوا معنى الضحك إلى الرضا بالثواب أو بإرادة الثواب.
وقالوا: إن المراد بالضحك هو الرضا؛ لأن الإنسان إذا رضِيَ عن الشيء سُرَّ به وضحك، والمراد بالرضا الثواب أو إرادة الثواب.
وقالوا: يلزم أيضاً من إثبات صفة الضحك لله تعالى أن يكون مماثلاً للمخلوقين.
وتفنيد هذه الشبه من وجوه، منها:
أولاً: أن قولهم بأن المراد بالضحك الرضا والثواب فهو قول باطل، وهو تحريف للكلم عن مواضعه، فما الذي أدراكم أن المراد به الرضا والثواب؟!
فأنتم الآن قلتم على الله ما لا تعلمون من وجهين:
الوجه الأول: صرفتم النص عن ظاهره بلا علم.
الوجه الثاني: أثبتم له معنىً خلاف الظاهر بلا علم.
ثم نقول لهم: ما تقولون في الإرادة؟ إذا قلتم: إنها ثابتة لله عز وجل ؛ فإن قاعدتكم تنتقض؛ لأن للإنسان إرادة؛ كما قال تعالى: ((مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ)) [آل عمران:152].
فللإنسان إرادة، بل للجدار إرادة؛ كما قال تعالى: ((فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ)) [الكهف:77].
__________
(1) الكافي: (5/54)، وسائل الشيعة: (15/141).
(2) مستدرك الوسائل: (1/487)، الاختصاص: (188)، بحار الأنوار: (75/32).
(144/150)
فأنتم إما أن تنفوا الإرادة عن الله عز وجل كما نفيتم ما نفيتموه من الصفات، وإما أن تثبتوا لله عز وجل ما أثبته لنفسه، وإن كان للمخلوق نظيره في الاسم لا في الحقيقة.
ثانياً: القول بأنه يلزم من إثبات صفة الضحك لله أن يكون مماثلاً للمخلوقين، فهذا باطل أيضاً، لأن الذي قال: (يضحك) هو الذي أنزل عليه قوله تعالى: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)) [الشورى:11].
ومن جهة أخرى؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يتكلم في مثل هذا إلا عن وحي؛ لأنه من أمور الغيب، ليس من الأمور الاجتهادية التي قد يجتهد فيها الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم يقره الله على ذلك أو لا يقرُّه، ولكنه من الأمور الغيبية التي يتلقاها الرسول صلى الله عليه وسلم عن طريق الوحي.
سادساً: صفة الغضب والسخط والكراهية والبغض:
ومن الصفات التي ثبتت لله عز وجل صفة الغضب والسخط والكراهية والبغض، وهي من الصفات الحقيقية الثابتة لله عز وجل اللائقة بجلاله، لا تماثل صفات المخلوقين، ولا نعرف كيفيتها.
قال تعالى: ((وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ)) [النساء:93].
وقال تعالى: ((ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ)) [محمد:28].
وقال تعالى: ((فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ)) [الزخرف:55].
وقال تعالى: ((وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ)) [التوبة:46].
وعن خالد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من عادى عماراً عاداه الله، ومن أبغض عماراً أبغضه الله)(1).
وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أسخط والديه فقد أسخط الله، ومن أغضبهما فقد أغضب الله)(2).
__________
(1) بحار الأنوار: (41/196).
(2) مستدرك الوسائل: (15/193).
(144/151)
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم عن فضل قريش والأنصار: (من أبغض قريشاً أبغضه الله... ومن أبغض الأنصار أبغضه الله)(1).
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله كره لكم ثلاثاً: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال، ونهى عن عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومِنْ منع وهات)(2).
وعن جعفر بن محمد عن آبائه في وصية النبي صلى الله عليه وسلم لعلي عليه السلام قال: (وكره الله لأمتي الغسل تحت السماء إلا بمئزر، وكره دخول الأنهار إلا بمئزر؛ فإن فيها سكاناً من الملائكة)(3).
وقد أنكر بعضهم تلك الصفات الثابتة لله عز وجل، وقالوا: إن الله لا يغضب ولا يسخط ولا يكره ولا يبغض، وإن المراد هو الانتقام؛ أو إرادة الانتقام، لأن تلك الصفات صفات المخلوقين، ولا يجوز لنا أن نشبّه الخالق بالمخلوق.
والجواب عن هذه الدعوى من وجوه... منها:
أولاً: أن السخط والغضب غير الانتقام، والانتقام نتيجة الغضب والسخط، كما نقول: إن الثواب نتيجة الرضا، فالله سبحانه وتعالى يسخط على هؤلاء القوم ويغضب عليهم ثم ينتقم منهم.
وإذا قال قائل: إن العقل يمنع ثبوت السخط والغضب لله عز وجل.
فنقول: بل العقل يدل على السخط والغضب، فإن الانتقام من المجرمين وتعذيب الكافرين دليل على السخط والغضب.
ونقول: وقوله تعالى: ((فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ)) يردُّ على المنكر؛ لأنه جعل الانتقام غير الغضب وهو الأسف؛ لأن الشرط غير المشروط.
ثانياً: قولهم بأن تلك الصفات تشابه صفات المخلوقين قول باطل من وجهين:
__________
(1) باختصار من كتاب الاحتجاج: (1/145).
(2) مستدرك الوسائل: (7/223).
(3) وسائل الشيعة: (2/41).
(144/152)
الوجه الأول: أن الله عز وجل أثبت لنفسه تلك الصفات في كتابه، وهو أعلم بنفسه، وأثبتها أيضاً نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وأهل بيته الطاهرين وأنتم تنفون تلك الصفات وتحرفونها، فهل أنتم أعلم من الله بنفسه، وأعلم من الرسول صلى الله عليه وسلم ومن أهل بيته؟!!
الوجه الثاني: أن الغضب والسخط والكراهية والبغض يتفاوت بين المخلوقات في المماثلة والكيفية ولله المثل الأعلى، فكيف نصف الخالق بصفات المخلوق!!!
والأمر بيّن لا خفاء فيه لمن وضع الأمور في مواضعها حسب ما جاء في الكتاب والسنة الصحيحة وفق فهم آل بيت النبي عليهم السلام وهم أهل اللغة العربية وخير من فهم مرادها.
سابعاً: صفة العلو والاستواء:
يؤمن المسلم بأن الله عز وجل في السماء مستوٍ على عرشه استواء يليق بجلاله، لا يماثل استواء المخلوقين، ولا نعرف كيفيته، وقد أثبت الله عز وجل استواءه على العرش في مواضع من كتابه، منها:
قال تعالى: ((إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)) [يونس:3].
وقال تعالى: ((اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)) [الرعد:2].
وقال تعالى: ((الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)) [طه:5].
وقال تعالى: ((ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ)) [الفرقان:59].
وقال تعالى عن علوه في السماء: ((يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ)) [آل عمران:55].
وقال تعالى: ((بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ)) [النساء:158].
وقال تعالى: ((إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ)) [فاطر:10].
(144/153)
وقال تعالى عن فرعون: ((وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِباً وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنْ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ)) [غافر:36-37].
وقال تعالى: ((أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ)) [الملك:16-17].
وعن أبي الصديق الناجي قال: خرج سليمان بن داود عليهم الصلاة والسلام يستسقي بالناس، فمر على نملة مستلقية على قفاها رافعة قوائمها إلى السماء وهي تقول: اللهم إنا خلق من خلقك ليس لنا غنى عن رزقك، فإما أن تسقينا وإما أن تهلكنا. فقال سليمان للناس: ارجعوا فقد سقاكم بدعوة غيركم(1).
وعن علي عليه السلام: أنه بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن بذهبة في أديم مقروظ -يعني: مدبوغ بالقرظ- لم تحصل من ترابها، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين خمسة نفر: الأقرع بن حابس، وعُيَيْنَةَ بن حصن بن بدر، وزيد الخيل، وعلقمة بن علاثة، وعامر بن الطفيل، فوجد في ذلك ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: نحن كنا أحق بهذا. فبلغه ذلك صلى الله عليه وسلم، فقال: ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر السماء صباحاً ومساء (2).
وقد أنكر بعضهم صفة العلو والاستواء لله عز وجل، وقالوا: لو كان العلو والاستواء لذات الله عز وجل لكان الله في جهة، وإذا كان في جهة كان سبحانه وتعالى محدوداً وجسماً وهذا ممتنع!
وبيان الصواب في هذا من وجوه، منها:
__________
(1) بحار الأنوار: (61/49).
(2) دعائم الإسلام: (1/260)، وانظر: بحار الأنوار: (93/70)، مستدرك الوسائل: (7/116).
(144/154)
أولاً: أن قولهم هذا مخالف لما أثبته الله في كتابه وما أثبته نبيه صلى الله عليه وسلم وآل بيته الطاهرون.
ثانياً: نقول: ما هو الحد والجسم الذي تريدونه؟
أتريدون بالحد أن شيئاً من المخلوقات كالعرش وغيره يحيط بالله عز وجل؟ فهذا باطل ومنتفٍ عن الله، وليس بلازم في إثبات العلو أيضاً لله.
أو تريدون بالحد أن الله بائن -أي: منفصل- عن خلقه غير حال فيهم؟ فهذا حق من حيث المعنى، ولكن نحتاط فلا نطلق لفظه لا نفياً ولا إثباتاً؛ لأننا نثبت ما أثبته الله لنفسه وما أثبته له نبيه صلى الله عليه وسلم فقط، من غير تمثيل ولا تكييف ولا تحريف.
وأما الجسم فنقول: ماذا تريدون بالجسم؟
أتريدون أنه جسم مركب من عظم ولحم وجلد ونحو ذلك؟
فهذا باطل ولا يجوز في حق الله؛ لأن الله ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)) [الشورى:11].
أم تريدون بالجسم ما هو قائم بنفسه متصف بما يليق به؟ فهذا حق من حيث المعنى، لكن لا نطلقه أيضاً لا نفياً ولا إثباتاً، لما سبق بيانه.
وقال أهل التحريف أيضاً: إن معنى الاستواء على العرش يعني (الاستيلاء) بدعوى: أن معنى قوله تعالى: ((ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)) [الأعراف:54] أي: استولى عليه.
وقالوا: لو أثبتنا أن الله عز وجل مستوٍ على عرشه بالمعنى الذي تقولون وهو العلو للزم من ذلك أن يكون محتاجاً إلى العرش، وهذا مستحيل!
والرد عليهم من وجوه:
أولاً: أن قولهم هذا مخالف لما أثبته الله عز وجل في كتابه وما أثبته نبيه صلى الله عليه وسلم وآل بيته الطاهرون.
ثانياً: هذا القول مخالف لظاهر اللفظ؛ لأن مادة (الاستواء) إذا تعدت بحرف (على) فهي بمعنى العلو، وهذا ظاهر في اللغة، ومواردها في القرآن وفي كلام العرب كثيرة.
ثالثاً: أنه يلزم عنه لوازم باطلة، منها:
(144/155)
أ- أن يكون الله عز وجل حين خلق السموات والأرض لم يكن مستولياً على عرشه؛ لأن الله يقول: ((خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)) [الأعراف:54]، فمن الذي كان قبل الله ليستولي الله على العرش بعده؟
و(ثم) في اللغة تفيد الترتيب، فيلزم أن يكون العرش قبل تمام خلق السموات والأرض لغير الله!
ب - أن الغالب من كلمة (استولى) أنها لا تكون إلا بعد مغالبة! ولا أحد يغالب الله.
أين المفر والإله الطالب ... ... والأشرم المغلوب ليس الغالب
جـ - من اللوازم الباطلة لهذه المقولة أنه يصح أن نقول: إن الله استوى على الأرض والشجر والجبال؛ لأنه مستولٍ عليها، وهذه لوازم باطلة، وبطلان اللازم يدل على بطلان الملزوم.
وأما قولهم: يلزم أن يكون محتاجاً إلى العرش. فنقول: لا يلزم.
لأن استواءه على العرش هو استواء خاص يليق بجلاله، وهو فوق العرش غير محتاج إليه، وليس كالمخلوق يحتاج إلى ما يستوي عليه، وعليه فمعنى كونه مستوياً على العرش أنه فوق العرش ولكنه ليس محتاجاً إليه، وبهذا تبطل حججهم السلبية.
ثامناً: صفة النزول:
ومن دلائل الإيمان بصفات الله عز وجل إثبات صفة النزول لله عز وجل، نزولاً حقيقياً يليق بجلاله إلى سماء الدنيا، ولا يماثل نزوله نزول أحد من خلقه، ولا نعرف كيفية نزوله.
فعن جابر الجعفي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن الله تبارك وتعالى ينزل في الثلث الباقي من الليل إلى السماء الدنيا، فينادي: هل من تائبٍ يتوب فأتوب عليه، وهل من مستغفر يستغفر فأغفر له، وهل من داعٍ يدعوني فأفك عنه، وهل من مقتور يدعوني فأبسط له، وهل من مظلوم يستنصرني فأنصره(1).
__________
(1) بحار الأنوار: (84/167).
(144/156)
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن للجمعة حقاً وحرمة، فإياك أن تضيّع أو تقصر في شيء من عبادة الله والتقرب إليه بالعمل الصالح وترك المحارم كلها؛ فإن الله يضاعف فيه الحسنات، ويمحو فيه السيئات، ويرفع فيه الدرجات، قال: وذكر أن يومه مثل ليلته، فإن استطعت أن تحييها بالصلاة والدعاء فافعل؛ فإن ربك ينزل في أول ليلة الجمعة إلى سماء الدنيا، فيضاعف فيه الحسنات ويمحو فيه السيئات، وإن الله واسع كريم(1).
وقد أنكر أهل التحريف صفة النزول، وقالوا: ليس لله نزول، بل الذي ينزل هو أمر الله.
وقال آخرون: بل الذي ينزل رحمة الله!
وقال آخرون: بل الذي ينزل مَلَك من ملائكة الله!
وهذا جميعه باطل؛ فإن أمر الله نزوله دائم أبداً ولا يتعلق بوقت من ليل أو نهار، ولا يختص نزوله في الثلث الأخير من الليل، كما قال سبحانه: ((يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ)) [السجدة:5] وقال سبحانه: ((وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ)) [هود:123].
وأما قولهم: تنزل رحمة الله إلى السماء حين يبقى ثلث الليل الآخر!
فسبحان الله! فهل الرحمة لا تنزل إلا في هذا الوقت! قال سبحانه: ((وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ)) [النحل:53]. كل النعم من الله، وهي من آثار رحمته، وهي تترى على العباد في كل وقت!!
ثم نقول: أي فائدة لنا بنزول الرحمة إلى السماء الدنيا؟!
ونقول أيضاً لمن قال: (إنه مَلك من ملائكته): هل من المعقول أن الملك من ملائكة الله يقول: مَن يدعوني فأستجيب له... إلخ؟!
فتبين بهذا أن هذه الأقوال تحريف باطل يبطله الحديث.
وقالوا أيضاً: كيف تقولون: إن الله ينزل؟! إذا نزل فأين العلو؟
وإذا نزل فأين الاستواء على العرش؟ وإذا قلنا بالنزول؛ فالنزول حركة وانتقال!! وإذا نزل فالنزول حادث، والحوادث لا تقوم إلا بحادث -أي: مخلوق-!!.
__________
(1) الكافي: (3/414)، تهذيب الأحكام: (3/3)، وسائل الشيعة: (7/375).
(144/157)
فنقول: هذا جدال عقيم باطل، وبعقل فلسفي سقيم، وهو ليس بمانع من القول بحقيقة النزول وفق النصوص الواضحة الباهرة.
هل أنتم أعلم بما يستحقه الله عز وجل من الرسول صلى الله عليه وسلم؟!
فالرسول صلى الله عليه وسلم ما قال هذه الاحتمالات أبداً؛ وهو الحريص على تنزيه الله عن كل ما يتبادر إلى الذهن أن فيه تنقصاً لله جل وعلا.
وأنتم أيها المتأولون المخالفون تأتون الآن وتجادلون بالباطل وتقولون: كيف.. وكيف؟!
لكن أحباب آل البيت عليهم السلام يلقون بـ(كيف) في البحر، ويقولون: ينزل الله عز وجل إلى السماء الدنيا نزولاً يليق بجلاله، وهو مستوٍ على عرشه، وعالٍ على خلقه، ولا يحيط به شيء من مخلوقاته، ولا نعرف كيفية نزوله ولا شبيه ولا مثيل له، وعقولنا أقصر وأدنى وأحقر من أن تحيط بالله عز وجل.
ولا يلزم من نزوله سبحانه خلو العرش منه، ولله المثل الأعلى، فإن العبد يمكنه أن ينزل يده عن كرسيه ولا يخلو الكرسي عنه، والله تعالى أعلى عن المثل.
فالسموات مطويات بيمينه، والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة، ثم لا يلزم من نزوله الحركة والانتقال، ولا يلزم من إثبات الحركة أي نقص أو عيب.
وكل هذا الإشكال إنما وقع لأنهم قاسوا الله بالمخلوقات بعقولهم الضعيفة الناقصة القاصرة، والله فوق ذلك.
وأما قول بعض الناس: إننا إذا أثبتنا النزول لله فهذا يعني أن الله ينزل ويصعد في كل لحظة لاختلاف الليل والنهار.
فنقول: وهذا من جهلهم بربهم الذي ليس كمثله شيء سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً، وذلك أنهم ما قدروا الله حق قدره.
(144/158)
ولو كان الأمر يقدّر بهذا التقدير، وهو أن نقيس الله على أحوالنا لضلّ الناس وما عرفوا قدر ربهم وعظمته، وذلك أن هذا الكلام يصدق كذلك على دعوى من يدعي أن الله عز وجل لا يمكن أن يسمع جميع الداعين على اختلاف أوقاتهم وسؤالاتهم وأماكنهم واختلاف لغاتهم، وكذا لا يمكن أن يحاسب كل العالمين في يوم واحد، ولا يمكن أن يسمع كل المتكلمين، ولا يرى كل العالمين، وهذا كفر بالله وخروج عن الإسلام، وطعن في الذات الإلهية.
تاسعاً: صفة المعيّة:
تنقسم معيّة الله سبحانه إلى قسمين:
القسم الأول: معيّة عامة:
وهي معيّة لكل أحد من خلقه، من المؤمنين والكفار، وتكون معية الله عز وجل لهم في سمعه وبصره وعلمه وسلطانه، وغير ذلك من معاني الربوبية.
قال تعالى: ((هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)) [الحديد:4].
وقال تعالى: ((مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا)) [المجادلة:7].
القسم الثاني: معية خاصة وتنقسم إلى قسمين:
1- معية خاصة مقيدة بوصف: ولا تكون إلا للمؤمنين، كما قال الله عز وجل: ((إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)) [النحل:128].
وقال تعالى: ((وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)) [الأنفال:46].
وقال تعالى: ((كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)) [البقرة:249].
(144/159)
2- معية خاصة مقيدة بشخص: كما قال الله عز وجل عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وعن صاحبه: ((إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)) [التوبة:40].
وكما قال عز وجل لموسى وهارون: ((إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى)) [طه:46]. والمعية الخاصة بوصف أو بشخص متضمنة للنصرة والمحبة والتأييد.
وإذا قال قائل: ألا يوجد تناقض بين معية الله عز وجل لخلقه وبين علوّه؟
فالجواب: لا تناقض بينهما، لوجوه ثلاثة:
الوجه الأول: أن الله جمع بينهما فيما وصف به نفسه، ولو كان هناك تناقض ما صح أن يصف الله بهما نفسه.
الوجه الثاني: أن نقول: ليس بين العلو والمعية تعارض أصلاً، إذ من الممكن أن يكون الشيء عالياً وهو معك، ومنه ما يقوله العرب: القمر معنا ونحن نسير، مع أن القمر والشمس في السماء، فإذا أمكن اجتماع العلو والمعية في المخلوق، فاجتماعهما في الخالق من باب أولى.
الوجه الثالث: أنه لو تعذر اجتماعهما في حق المخلوق لم يكن متعذراً في حق الخالق؛ لأن الله أعظم وأجل، ولا يمكن أن تقاس صفات الخالق بصفات المخلوقين، لظهور التباين بين الخالق والمخلوق.
وكان من دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم عند السفر: (اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل والمال والولد)(1).
__________
(1) الكافي: (4/284)، انظر: مستدرك الوسائل: (8/134)، من لا يحضره الفقيه: (2/525).
(144/160)
وثبت في مستدرك الوسائل عن أمير المؤمنين، عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا قال العبد: ((بسم الله الرحمن الرحيم)) [الفاتحة:1] قال الله عز وجل: بدأ عبدي باسمي، حق عليَّ أن أْتمم له أموره وأبارك له في أحواله، فإذا قال: ((الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)) [الفاتحة:2] قال عز وجل: حمدني عبدي وعلم أن النعم التي له من عندي والبلايا التي اندفعت عنه بتطوَّلي، أشهدهم أني أضيف له نعم الدنيا إلى نعيم الآخرة وأدفع عنه بلايا الآخرة كما دفعت عنه بلايا الدنيا، فإذا قال: ((الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)) [الفاتحة:3] قال الله عز وجل: شهد لي بأني الرحمن الرحيم، أشهدكم لأوفِّرنّ من رحمتي حظه، ولأجزلن من عطائي نصيبه، فإذا قال: ((مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)) [الفاتحة:4] قال الله عز وجل: أشهدكم كما اعترف بأني أنا المالك ليوم الدين لأسهلن يوم الحساب حسابه، ولأتقبلن حسناته، ولأتجاوزن عن سيئاته، فإذا قال العبد: ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ)) [الفاتحة:5] قال الله عز وجل: صدق عبدي إياي يعبد لأثيبنه على عبادته ثواباً يغبطه كل من خالفه في عبادته لي، فإذا قال: ((وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)) [الفاتحة:5] قال الله عز وجل: بي استعان وإليّ التجأ أشهدكم لأعيننه على أمره، ولأغيثنه في شدائده ولآخذن بيده يوم القيامة عند نوائبه، وإذا قال: ((اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)) [الفاتحة:6] إلى آخرها قال الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل، قد استجبت لعبدي وأعطيته ما أمل وأمنته مما منه وجل(1).
الخاتمة
فكن يا أخي الحبيب على بصيرة في دينك، وعند مناجاتك لخالقك؛ فإن هذا شرع تحتاج دائماً إلى التفقه والعلم فيه، وأن تسير فيه على نور، وخير نور كتاب الله وسنة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم ومدرسة آل البيت عليهم السلام.
__________
(1) مستدرك الوسائل: (4/228)، بحار الأنوار: (82/59)، أمالي الصدوق: (174).
(144/161)
والله سبحانه مولانا وسيدنا نسأله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، أن يجمع قلوب عباده المؤمنين على سنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم، وعلى منهج آله الطاهرين عليهم السلام، الذين لم يغيروا نهجه، ولم يحيدوا عن دربه، فكانوا أضواء حق، وسبل خير للمؤمنين جميعهم.
ونختم بدعاء سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم الذي كان يقوله في دعاء القيام:
(اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدنا إلى ما اختُلِف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم).
آمين.. ... آمين.. ... آمين..
قائمة المراجع
1- القرآن الكريم.
2- الاحتجاج - أبو منصور أحمد بن علي الطبرسي - نشر مرتضى مشهد مقدسي (1413هـ).
3- الاختصاص - محمد بن محمد بن النعمان الملقب (بالمفيد) - انتشارات كنكرة جهاني - قم - (1413هـ).
4- إرشاد القلوب - حسن بن أبي الحسن الديلمي - انتشارات شريف رضى - (1412هـ).
5- الاستبصار - أبو جعفر الطوسي - دار الكتب الإسلامية - طهران - (1390هـ).
6- أعلام الدين - حسن بن أبي الحسن الديلمي - مؤسسة آل البيت (4) قم - (1408هـ).
7- إعلام الورى - أمين الدين فضل بن حسن الطبرسي - دار الكتب الإسلامية - طهران.
8- إقبال الأعمال - سيد علي بن موسى طاوس - دار الكتب الإسلامية - طهران - (1367هـ).
9- أمالي الصدوق - لأبي جعفر محمد بن بابويه القمي المعروف بـ(الصدوق) - انتشارات كتابخانه إسلامية - (1362هـ).
10- أمالي الطوسي - تأليف شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي - انتشارات دار الثقافة - قم - (1414هـ).
11- أمالي المفيد - انتشارات كنكرة جهاني - للشيخ المفيد - قم - (1413هـ).
12- الأنوار النعمانية - السيد نعمة الله الجزائري - الطبعة الرابعة - مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت - (1404هـ).
(144/162)
13- أوائل المقالات - تأليف الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان - انتشارات كنكرة جهاني شيخ مفيد - قم (1413هـ).
14- بحار الأنوار - تأليف الشيخ محمد باقر المجلسي - مؤسسة الوفاء - بيروت - لبنان - (1404هـ).
15- البلد الأمين - لإبراهيم بن علي العاملي الكفعمي - جاب سنكي.
16- تأويل الآيات الظاهرة - للسيد شرف الدين حسين استرابادي - انتشارات جامعة مدرسين - قم - (1409هـ).
17- تهذيب الأحكام - أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي - دار الكتب الإسلامية - طهران - (1365هـ).
18- تفسير الأمثل - ناصر مكارم الشيرازي، الطبعة الأولى، مؤسسة البعثة للطباعة والنشر - بيروت.
19- تفسير البرهان - السيد هاشم الحسيني الشيرازي، الطبعة الأولى، مؤسسة البعثة للطباعة والنشر - طهران.
20- تفسير بيان السعادة - الحاج سلطان محمد الجنابذي، الطبعة الثانية، مطبعة جامعة طهران.
21- تفسير التبيان - أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، الطبعة الأولى، تحقيق: أحمد حبيب العاملي، قم، مكتب الإعلام الإسلامي.
22- تفسير تقريب القرآن - السيد محمد الحسيني الشيرازي، الطبعة الأولى، مؤسسة الوفاء - بيروت.
23- تفسير جامع الجوامع - أمين الدين أبو علي الفضل الطبرسي، الطبعة الثالثة، مؤسسة النشر والطبع، جامعة طهران.
24- تفسير الجديد - الشيخ محمد السبزواري النجفي، الطبعة الأولى، دار التعارف للمطبوعات - بيروت.
25- تفسير الجوهر الثمين - السيد عبد الله شبر، الطبعة الأولى، مكتبة الألفين - الكويت.
26- تفسير شبر - السيد عبد الله شبر، الطبعة الأولى، دار البلاغة للطباعة والنشر - بيروت.
27- تفسير الصافي - المولى محسن الملقب بـ(الفيض الكاشاني)، الطبعة الأولى، دار المرتضى للنشر - مشهد.
28- تفسير العياشي - أبو النضر محمد بن مسعود بن عياش، طهران - المكتبة العلمية الإسلامية.
(144/163)
29- تفسير القمي - علي بن إبراهيم القمي - الطبعة الثالثة - قم - مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر.
30- تفسير الكاشف - محمد جواد مغنية، الطبعة الثالثة، دار العلم للملايين.
31- تفسير كنز الدقائق، الشيخ محمد بن محمد القمي المشهدي، الطبعة الأولى، مؤسسة الطباعة والنشر، وزارة الثقافة والإرشاد - طهران.
32- تفسير مجمع البيان - أمين الدين أبو علي الفضل الطبرسي، بيروت: دار إحياء التراث العربي، (1379هـ).
33- تفسير مختصر مجمع البيان - الشيخ محمد باقر الناصري، الطباعة الثانية، قم: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين.
34- تفسير المعين - المولى نور الدين محمد بن مرتضى الكاشاني، الطبعة الأولى، قم: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي.
35- تفسير مقتنيات الدرر - مير سيد علي الحائري الطهراني، طهران: دار الكتب الإسلامية.
36- تفسير من هدي القرآن - السيد محمد تقي المدرسي، الطبعة الأولى، دار الهدى.
37- تفسير المنير - محمد الكرمي، قم، المطبعة العلمية (1402هـ).
38- تفسير من وحي القرآن - السيد محمد حسين فضل الله، الطبعة الثالثة، بيروت، دار الزهراء للطباعة والنشر.
39- تفسير الميزان - السيد محمد حسين الطبطبائي، الطبعة الثالثة، طهران: دار الكتب الإسلامية.
40- تفسير نور الثقلين - الشيخ عبد علي بن جمعة الحويزي، الطبعة الثانية - قم: المطبعة العلمية.
41- التوحيد - الصدوق - انتشارات جامعة مدرسين - قم - (1398هـ).
42- ثواب الأعمال - لأبي جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي - انتشارات شريف رضى - قم - (1346هـ).
43- الخرائج والجرائح - لقطب الدين الراوندي - مؤسسة إمام مهدي (عج) قم - (1409هـ).
44- الخصال - لأبي جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي (الصدوق) - انتشارات جامعة مدرسين - قم - (1403هـ).
45- دعائم الإسلام - لنعمان بن محمد التميمي المغربي - دار المعارف - مصر - (1385هـ).
(144/164)
46- رجال الكشي - تأليف محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي - انتشارات دانشكار - مشهد - (1348هـ).
47- روضة الواعظين - لمحمد بن حسن فتال النيسابوري - انتشارات رضى - قم-.
48- شرح نهج البلاغة - عبدالحميد بن أبي الحديد المعتزلي - كتابخانة آية الله المرعشي - قم- (1404هـ).
49- الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم - للشيخ زين الدين محمد العاملي النباطي - جاب كتابخانة حيدرية - النجف - (1348هـ).
50- عدة الداعي: ابن فهد الحلى - دار الكتاب الإسلامي - (1407هـ).
51- علل الشرائع: أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي (الصدوق) - انتشارات مكتبة الداوري - قم -.
52- العمدة: لابن بطريق يحيى بن حسن الحلي - انتشارات جامعة مدرسين - قم - (1407هـ).
53- عوالي اللآلى: لابن أبي جمهور الأحسائي - انتشارات سيد الشهداء (ع) - قم - (1405هـ).
54- عيون أخبار الرضا (ع): لأبي جعفر محمد بن علي (الصدوق) - انتشارات جهان - (1378هـ).
55- فلاح السائل: للسيد علي بن موسى بن طاوس - انتشارات دفتر تبليغات إسلامي - قم.
56- قصص الأنبياء (ع): للسيد نعمة الله الجزائري - انتشارات كتابخانة آية الله المرعشي - قم - (1404هـ).
57- قصص الأنبياء (ع): لقطب الدين الراوندي - جاب بنياد بزوهش هاي استان قدس رضوي - (1409هـ).
58- كشف الغمة في معرفة الأئمة: لأبي الحسن علي بن عيسى الأربلي - جاب مكتبة بني هاشم تبريز - (1381هـ).
59- كنز الفوائد: لأبي الفتح كراجكي - انتشارات دار الذخائر - قم - (1410هـ).
60- المؤمن: تأليف حسين بن سعيد الأهوازي - انتشارات مدرسة الإمام المهدي (عج) - قم - (1404هـ).
61- مجموعة ورام: لورام بن أبي فراس - انتشارات مكتبة الفقيه - قم.
62- المحاسن: لأحمد بن محمد بن خالد البرقي - دار الكتب الإسلامية - قم - (1371هـ).
63- متطرفات السرائر: لمحمد بن إدريس الحلي - انتشارات جامعة مدرستين - قم - (1411هـ).
(144/165)
64- مدينة المعاجز: السيد هاشم البحراني - مؤسسة المعارف الإسلامية - قم. ط. الأولى.
65- مسكن الفؤاد: سيد ثاني: كتابخانة بصرتي قم.
66- مستدرك الوسائل: لحسين النوري الطبرسي - مؤسسة آل البيت عليهم السلام - قم - (1408هـ).
67- مصباح الكفعمي: لإبراهيم بن علي العاملي الكفعمي - انتشارات رضى - قم - (1405هـ).
68- المقنعة: للشيخ المفيد - انتشارات كنكرة جهاني - قم - (1413هـ).
69- مكارم الأخلاق: تأليف رضى الدين حسن بن فضل الطبرسي - انتشارات شريف رضى - قم - (1412هـ).
70- مناقب آل أبي طالب (ع): لأبي جعفر محمد بن علي بن شهر آشوب المازندراني - مؤسسة انتشارات العلامة - قم - (1379هـ).
71- نهج البلاغة - من كلام أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب عليه السلام اختاره الشريف الرضي - انتشارات دار الهجرة - قم.
72- النوادر: السيد فضل الله الراوندي - مؤسسة دار الكتاب - قم.
الفهرس
المقدمة ... 3
الفصل الأول: أهمية التوحيد وأقسامه ... 7
المبحث الأول: الغاية من بعثة الأنبياء عليهم السلام ... 7
المبحث الثاني: فضل التوحيد وأقسامه ... 9
الفصل الثاني: توحيد الربوبية ... 15
المبحث الأول: التعريف بتوحيد الربوبية ... 13
المبحث الثاني:الإيمان بالقضاء والقدر ... 17
المطلب الأول: ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر ... 23
المطلب الثاني: المنحرفون في القدر ... 25
المطلب الثالث: الصبر على قضاء الله وقدره ... 27
الفصل الثالث: توحيد الألوهية ... 45
المبحث الأول: التعريف بتوحيد الألوهية ... 34
المبحث الثاني: سؤال وجواب في توحيد الألوهية ... 41
المبحث الثالث: خطر الوقوع في الشرك ... 55
المبحث الرابع: أمثلة على وقوع الشرك بين الناس ... 58
أولاً: الصور والتماثيل: ... 58
ثانياً: الغلو في الصالحين: ... 63
ثالثاً: الغلو في القبور: ... 67
رابعاً: الدعاء وأنواعه: ... 70
خامساً: التوسل: ... 75
سادساً: الشفاعة: ... 79
(144/166)
سابعاً: مسبة الدهر والرياح ونحوها: ... 84
ثامناً: الحلف بغير الله: ... 86
تاسعاً: التبرك: ... 89
عاشراً: شرك الخوف: ... 92
الحادي عشر: شرك المحبة: ... 96
الثاني عشر: شرك الطاعة: ... 101
الثالث عشر: الذبح: ... 105
الرابع عشر: النذر: ... 108
الخامس عشر: الرياء: ... 111
السادس عشر: السحر: ... 115
السابع عشر: الكهانة والروحانية والعرافة: ... 118
الثامن عشر: لبس الحلقة والخيط والتمائم...إلخ: ... 121
التاسع عشر: التطير (التشاؤم): ... 124
الفصل الرابع: توحيد الأسماء والصفات: ... 173
المبحث الأول: التعريف بتوحيد الأسماء والصفات ... 128
المبحث الثاني: قواعد في فهم الأسماء الحسنى وإثباتها ... 132
المبحث الثالث: قواعد في فهم الصفات العلى ومعرفتها ... 134
المبحث الرابع: قواعد مشتركة في أدلة أسماء الله وصفاته ... 137
المبحث الخامس: من صفات الله تبارك وتعالى ... 141
أولاً: صفة الوجه: ... 141
ثانياً: صفة العين: ... 151
ثالثاً: صفة الكلام: ... 155
رابعاً: صفة اليد: ... 159
خامساً: صفة الضحك: ... 161
سادساً: صفة الغضب والسخط والكراهية والبغض: ... 163
سابعاً: صفة العلو والاستواء: ... 165
ثامناً: صفة النزول: ... 168
تاسعاً: صفة المعيّة: ... 171
الخاتمة ... 174
قائمة المراجع ... 174
الفهرس ... 180
(144/167)
7
* حقوق الطبع محفوظة *
* الطبعة الرابعة *
(1425هـ - 2005م)
* طبعة منقحة ومزيدة *
* ومرتبة ترتيبًا جديدًا *
* دار التميز للنشر والتوزيع *
الجمهورية اليمنية - صنعاء
( 224459 - 009671 )
المقدمة
الحمد لله العزيز الغفار القائل: * ( - ((- رضي الله عنهم -(( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ((( } تمت ( { - صدق الله العظيم ( - - - تمهيد { - - - ( - - - - - ( - ( - ((( - صدق الله العظيم ( { - رضي الله عنه -((( - { - - - } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( } - قرآن كريم ( - ( - - رضي الله عنه -(- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( تمهيد (- رضي الله عنهم - - ( - ( - ( - - - } - ( قرآن كريم - ( - - عليه السلام - قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( - } - ( قرآن كريم - ( - - عليه السلام - قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - - ( - - - ( - ((( & [العصر].
والصلاة والسلام على سيدي ومولاي سيد الأنام وغرة الزمان محمد بن عبد الله القائل: «تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك», وأكرر السلام على الآل الأطهار، السادة الأخيار، وعلى الصحب الكرام البررة الأعلام.
أما بعد...
(145/1)
فإن الله تبارك وتعالى قد بعث حبيبه وخليله وصفوة خلقه محمدًا ص بالتوحيد الصافي النقي؛ لينشره بين الناس ويبثه فيهم، وقد قام بأبي هو وأمي صلوات الله وسلامه عليه بهذا الأمر خير قيام، فنشر التوحيد، وحارب الشرك بكل صوره وأشكاله، وما توفاه الله جل وعلا إلا بعد أن بلغ رسالة ربه كاملة، وحتى أنزل الله جل وعلا عليه قوله: * - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم ( قرآن كريم - عليه السلام - - ( - - - ( تمهيد ( - - رضي الله عنهم - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - - ( المحتويات ( - - - جل جلاله - - ( - ( تمهيد ( - - (( - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( (( - - رضي الله عنهم - - ((( الله أكبر ( تمهيد - ((- عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - - - المحتويات ( فهرس - ( - تمهيد { - - - - جل جلاله -- جل جلاله - - ( - & [المائدة:3].
وقام أصحابه ي بعده بهذه المهمة خير قيام، ومن هؤلاء الصحابة الكرام
أهل بيته الأطهار، السادة الأخيار، وعلى رأسهم الحبر البحر التقي النقي ابن عم الرسول ص وزوج البتول سيدة نساء العالمين علي بن أبي طالب ؛، وكذا قام بهذه الدعوة المباركة سبطا رسول الله ص وريحانتاه من الدنيا وحبيباه السيدان الجليلان: الحسن والحسين إ، وكذا البحر الزخار ترجمان القرآن عبد الله بن العباس ب.
(145/2)
وجاء بعدهم خير خلف لخير سلف من أئمة أهل البيت، كالإمام السجاد علي بن الحسين ؛، وولده الذي بقر العلوم وحصَّل الفهوم محمد بن علي ؛، وأخيه
زيد ؛ الذي كان قوي الفهم صافي الذهن، والإمام المقدم الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب، والإمام الصادق أبي عبد الله جعفر بن محمد ؛ الذي سارت الركبان بذكر محاسنه، وغيرهم كثير ممن جاء بعدهم، حيث كانوا على خطا جدهم رسول الله ص سائرين، ولسنته متبعين.
ولكن كما قيل: لا يخلو بحر من كدر، ولا ماء من عكر؛ فإن بعض الناس لما رأوا سيرة هؤلاء الأمجاد منتشرة بين الناس كانتشار النور عند الإصباح، صاروا يكذبون عليهم وينسبون إليهم من الباطل المحال ما تقشعر منه الأبدان، وتصطك الآذان، خاصة في أعظم أركان الدين وما يتعلق بذات الله جل جلاله.
فرأيت أن من الواجب عليَّ تجاه هؤلاء الصفوة الأبدال أن أذكر محاسن كلامهم في توحيد ربهم، وأبين بعدهم عن كل عيب ونقيصة مما نسبه إليهم أهل البهتان، ولقد مضيت في هذه الرسالة من بعد المقدمة، على النحو الآتي:
الفصل الأول: أهمية التوحيد وأقسامه:
المبحث الأول: الغاية من بعثة الأنبياء.
المبحث الثاني: فضل التوحيد وأقسامه.
الفصل الثاني: توحيد الربوبية:
المبحث الأول: التعريف بتوحيد الربوبية.
المبحث الثاني: أهمية الإيمان بالقضاء والقدر.
المطلب الأول: ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر.
المطلب الثاني: المنحرفون في القدر. ...
المطلب الثالث: الصبر على قضاء الله وقدره.
الفصل الثالث: توحيد الألوهية:
المبحث الأول: التعريف بتوحيد الألوهية.
المبحث الثاني: التحذير من خطر الشرك بالله.
المبحث الثالث: سؤال وجواب في توحيد الألوهية.
المبحث الرابع: أمثلة دالة على وقوع الشرك في الناس.
الفصل الرابع: توحيد الأسماء والصفات:
المبحث الأول: قواعد في فهم الأسماء الحسنى وإثباتها.
المبحث الثاني: قواعد في فهم الصفات العلى ومعرفتها.
(145/3)
المبحث الثالث: قواعد مشتركة في أدلة أسماء الله وصفاته.
المبحث الرابع: أمثلة لبعض صفات الله - سبحانه وتعالى -.
ثم قائمة المراجع التي نهلت منها في سبيل إيجاد هذه المعلومات.
وأسأل الله جل في علاه أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وسببًا موصلًا إلى محبة النبي ص وآله الطيبين المباركين، وأن يجعلهم ذخرًا لي يوم المعاد، وأن يشفعهم فيَّ كما دافعت عنهم في هذا الكتاب، وذلك يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المبحث الأول:
الغاية من بعثة الأنبياء عليهم السلام
خلق الله الثقلين (الإنس والجن) لعبادته وأوجبها عليهم، وهذه الغاية بينها الله سبحانه في كتابه حيث قال: * - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( تمهيد ( { فهرس - - رضي الله عنهم - - - صدق الله العظيم ( - ( - - - { { الله أكبر تمهيد { - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( { ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ((- عليه السلام - - ( - & [الذاريات:56], وقال تعالى: * - ( - ( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - - - - عليه السلام - - - صدق الله العظيم - صلى الله عليه وسلم - - } - (- صلى الله عليه وسلم -( - ( - (( - - - صدق الله العظيم ( { ( فهرس - ( - ( { & [الإسراء:23].
(145/4)
وأرسل إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه؛ ليرشدوا العباد إلى توحيده تبارك وتعالى، كما قال تعالى: * ( - - { - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام - - ( الله - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنه - - - (( (- صلى الله عليه وسلم - - ( - - { } تم بحمد الله ( - ( صدق الله العظيم قرآن كريم ( - { - ( - - صلى الله عليه وسلم - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( تمهيد (( - - { - - - } - قرآن كريم ( - ( - - رضي الله عنه - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - المحتويات قرآن كريم ((( { ( - - - & [النحل:36].
فكل الرسل بدءوا دعوتهم بتوحيد الله تبارك وتعالى، ابتداءً من نوح ؛ وانتهاء بمحمد ص، كما قال تعالى: * ( - - { - - - - عليه السلام - - ( - - رضي الله عنهم - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - ( فهرس قرآن كريم ( الله أكبر - - فهرس - ( { (( مقدمة ( تم بحمد الله ( قرآن كريم - - - رضي الله عنه - - - - { - ( ( الله ( قرآن كريم - { (- رضي الله عنه - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - (( - - { - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله المحتويات ( - - - ( صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله - مقدمة ( - - ( { ((( فهرس ( - ( - - ( ( - ( - الله أكبر ( { ( - - - } - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( - - - - - - رضي الله عنه -( تم بحمد الله الله ( قرآن كريم - رضي الله عنه - - - بسم الله الرحمن الرحيم - ((- رضي الله عنه -( (((( & [سورة الأعراف].
(145/5)
وقال تعالى: * - - فهرس - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - - رضي الله عنه -( ( تمهيد ( - - - } - صلى الله عليه وسلم - - - - جل جلاله - - قرآن كريم ( - - - رضي الله عنه - - - - - ( الله ( قرآن كريم - { (- رضي الله عنه - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - (( - - { - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - ( - - - ( صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله - مقدمة ( - - ( { ((( فهرس ( - ( - - ( - - - - (- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( { ( - - - (((( & [سورة الأعراف].
وقال تعالى: * - - فهرس - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - قرآن كريم ( - - صلى الله عليه وسلم - بسم الله الرحمن الرحيم ( المحتويات ( - - - } - صلى الله عليه وسلم - - - } - ( - ( - ( - - رضي الله عنه - - - - - ( الله ( قرآن كريم - { (- رضي الله عنه - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - (( - - { - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله المحتويات ( تمهيد - - ( صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله - مقدمة ( - - ( { (( فهرس ( - ( - - ( & [الأعراف:73].
وقال تعالى: * - - فهرس - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (- رضي الله عنه -(( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( المحتويات ( - - - } - صلى الله عليه وسلم - - - - جل جلاله - - ( - - رضي الله عنهم -(( { - - رضي الله عنه - - - - - ( الله ( قرآن كريم - { (- رضي الله عنه - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - (( - - { - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله المحتويات ( تمهيد - - ( صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله - مقدمة ( - - ( { (( فهرس ( - ( - - ( & [الأعراف:85].
(145/6)
وهذا خاتم الأنبياء والمرسلين محمد ص ظل في مكة ثلاثة عشر عامًا وهو يدعو قومه إلى توحيد الله تبارك وتعالى وينهاهم عن الشرك، كما قال تعالى: * ( - ( - } - ( قرآن كريم - - - - رضي الله عنهم -( - - ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم { - - رضي الله عنهم - مقدمة ( المحتويات ( تمهيد - - - عليه السلام - - ( المحتويات ( تمهيد ( - فهرس - - رضي الله عنه -( } - صدق الله العظيم - صلى الله عليه وسلم - - } - قرآن كريم ( - ( - ((( - (( مقدمة ( - - - (( - - { & [الأنعام:151].
قال الحاج مير سيد علي الحائري:
بدأ سبحانه بالتوحيد ونهى عن الشرك، وقدم الشرك؛ لأنه رأس المحرمات، ولا يقبل الله معه شيئًا من الطاعات(1).
وقد كان الأنبياء † عابدين لله حق العبادة غير مشركين به شيئًا، وعلى هذا سار أئمة آل البيت † منقادين، وامتثله الصحابة الكرام ي باختيارهم منحازين، فقد استجاب الصحابة ي صغارًا وكبارًا، ذكورًا وإناثًا، عبيدًا وأحرارًا، لهذه العقيدة الداعية إلى توحيد الله، المعظمة له تبارك وتعالى حق تعظيمه، وهذا ما كان النبي ص يربي عليه أصحابه في كل مكان وفي كل زمان، ويجعل محبة الله تبارك وتعالى والخوف منه تملأ قلوبهم.
فعن معاذ بن جبل ا قال: كنت رديف النبي ص فقال: «يا معاذ! هل تدري ما حق الله على العباد؟» -يقول ثلاثًا- قال: الله ورسوله أعلم! فقال رسول الله ص: «حق الله Q على العباد أن لا يشركوا به شيئًا»، ثم قال ص: «هل تدري ما حق العباد على الله Q إذا فعلوا ذلك؟» قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال ص: «أن لا يعذبهم». أو قال: «أن لا يدخلهم النار»(2).
__________
(1) تفسير مقتنيات الدرر: (4/284).
(2) التوحيد: (28)، بحار الأنوار: (3/10).
(145/7)
فأنت ترى أن الله Q ما خلق الخلق إلا ليعبدوه وحده لا شريك له، وبذلك أمرهم - سبحانه وتعالى -، وقد بعث الله الرسل † من أولهم إلى خاتمهم -وهو المصطفى ص- ليدعوا الناس إلى عبادة الله وحده، فمن أطاع فله الجنة، ومن عصى فله النار، والعياذ بالله.
المبحث الثاني:
فضل التوحيد وأقسامه
سبق أن بينّا أن الله خلق الإنس والجن من أجل تحقيق العبادة الخالصة له، وما ذلك إلا لعظمها وفضلها، ولذلك أثنى الله سبحانه على إبراهيم ؛ وشهد له أنه على الدين الحنيف ولم يكن من المشركين، كما قال سبحانه: * } تمت ( { - بسم الله الرحمن الرحيم - ( - (- رضي الله عنه - - ( - ( { - - - - - - { } تم بحمد الله ( - - - - ( الله أكبر - - - ( - - - ( - ( - - رضي الله عنهم - مقدمة ( بسم الله الرحمن الرحيم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - رضي الله عنه - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - رضي الله عنه -((( - ( - ((( - ( - - - ((((( & [سورة النحل].
قال أمين الدين الطبرسي: * - - - - - - { } تم بحمد الله ( - & كان وحده أمة من الأمم؛ لكماله في صفات الخير، وقال مجاهد: كان مؤمنًا وحده منفردًا دهره بالتوحيد والناس كفار.
قال قتادة: كان إمامًا، هدى... قدوة يؤتم به * - - - ( الله أكبر - - - & مطيعًا * ( - & دائمًا على عبادته، * - - ( - ( - - رضي الله عنهم - مقدمة & مستقيمًا في الطاعة، مائلًا إلى الإسلام غير زائل عنه، * ( بسم الله الرحمن الرحيم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - رضي الله عنه - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - رضي الله عنه -((( - ( - ((( - ( - - - & تكذيب لكفار قريش في زعمهم أنهم على ملّة إبراهيم(1).
__________
(1) تفسير جامع الجوامع: (2/312).
(145/8)
وقد أثنى الله تبارك وتعالى على أهل الجنة، وكان من أول أسباب دخولها أنهم لم يشركوا بربهم شيئًا، فقال: * - رضي الله عنه -((( - { - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( المحتويات ( - ( - - - رضي الله عنه - - ( - - صدق الله العظيم - - قرآن كريم ( - ( - ((( - (((( & [سورة المؤمنون].
قال الفيض الكاشاني: الذين هم بربهم لا يشركون شركًا جليًا ولا خفيًا(1).
فلاحظ أنهم لم يشركوا بالله شركًا جليًا واضحًا كعبادة الأصنام، ولا شركًا خفيًا كالرياء وإرادة الإنسان بعمله الدنيا، ونحو ذلك، وهذا يدل دلالة واضحة على ضرورة العبادة التامة لله سبحانه، وعدم الالتفات للناس.
وقد وردت عن أئمة آل البيت † نصوصًا كثيرة في هذا المعنى، منها:
- عن أبي حمزة، عن أبي جعفر ؛ قال: سمعته يقول: ما من شيء أعظم ثوابًا من شهادة أن لا إله إلا الله؛ لأن الله Q لا يعدله شيء، ولا يشركه في الأمر أحد(2).
- وعن الرضا ؛، عن آبائه † قال: قال رسول الله ص: «التوحيد ثمن الجنة»(3).
- وعن علي ؛ قال: قال رسول الله ص: «ما جزاء من أنعم الله عليه بالتوحيد إلا الجنة»(4).
- وعن الرضا، عن آبائه † قال: سمعت النبي ص يقول: «قال الله Q: إني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدوني، ومن جاء منكم بشهادة أن لا إله إلا الله بإخلاص دخل في حصني، ومن دخل في حصني أمِن من عذابي»(5).
__________
(1) تفسير الصافي: (3/402)، تفسير معين: (2/908)، تفسير كنز الدقائق: (9/195).
(2) بحار الأنوار: (3/3)، التوحيد: (19)، ثواب الأعمال: (3).
(3) بحار الأنوار: (3/3). وانظر: الأمالي للطوسي: (569)، مجموعة ورام: (2/70).
(4) بحار الأنوار: (3/5). وانظر: الاختصاص: (225)، الأمالي للصدوق: (386)، الأمالي للطوسي: (429، 569)، التوحيد: (22).
(5) بحار الأنوار: (3/6). وأنظر: التوحيد: (24)، عيون الأخبار: (2/134)، كشف الغمة: (2/135).
(145/9)
وقد وصف النبي ص في الحديث أناسًا موحدين لله تبارك وتعالى يدخلون الجنة يوم القيامة من غير حساب؛ لقوة تعلقهم بربهم وتوحيدهم إياه، ولعدم تذللهم لغيره، ولقوة اعتمادهم عليه عند المصائب والهموم، فقال ص: «هم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون »(1).
فتأمل نفسك أيها القارئ الكريم! هل أنت ممن قام بما أمره الله به من العبادة وترك الشرك؟ أو هل أنت ممن تعلق بالمخلوقين فدعاهم ورجاهم من دون الله - سبحانه وتعالى -؟
وبحسب إجابتك تعرف موقعك، أأنت مع من أنعم الله عليهم بالتوحيد الخالص، أم أنت مع الذين تذللوا لغير الله واعتمدوا على سواه من بشر وغيرهم، ولكل من هؤلاء الفريقين حساب وجزاء.
أقسام التوحيد:
التوحيد وإفراد الله بما يستحقه من خصائص بحسب ما جاء في القرآن ثم من خلال استقراء النصوص المباركة من قبل الأئمة †، يمكن تقسيمه وحصره في ثلاثة أنواع: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.
وبيان كل واحد منها سيأتي مفصلًا في موضعه بإذن الله، وبمعرفة التوحيد يدرك الإنسان هل هو سائر في ركب المرسلين عليهم الصلاة والسلام، وكذا أتباعهم من الأئمة † والصالحين من بعدهم، أو أنه حائد عن دربهم؟ وكل امرئ حَكَمٌ ومسئولٌ عن عمله.
المبحث الأول:
التعريف بتوحيد الربوبية
وهو إفراد الله بأفعاله، كالخلق والرزق والإحياء والإماتة وإنزال الغيث وإنبات الزرع.
ومعناه: إيمان المسلم بوحدانية الله Q، والاعتقاد الجازم بأنه لا خالق ولا مالك ولا متصرف أو مدبر في الخلق والملك إلا هو سبحانه، لا شريك له ولا ند له.
وهذه العقيدة هي فطرة الله التي فطر الناس عليها، لا ينكرها ولا يماري فيها إلا جاهل أو متكبر، فينبغي على العبد أن يعلم أن الله سبحانه له الخلق والملك والتدبير.
__________
(1) بحار الأنوار: (59/70)، (60/15).
(145/10)
وأدلة ذلك من كتاب ربنا - سبحانه وتعالى - كثيرة، فمما جاء من الآيات الدالة على تفرده بالخلق، قوله سبحانه: * ( - - رضي الله عنهم - - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - - ( - (- رضي الله عنهم - - ( - ( - - ( ( - - - المحتويات ( - ( - ( - ( - - رضي الله عنه - - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله (( - - - رضي الله عنهم - - - - - - - ((( - - } - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - سبحانه وتعالى - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - مقدمة ( - - ( { - صدق الله العظيم ( { - عليه السلام - قرآن كريم ( - & [فاطر:3].
ومما جاء من الآيات الدالة على تفرده بالملك، قوله - سبحانه وتعالى -: * - - - رضي الله عنه - - (- رضي الله عنه - تمهيد - - - ( - { - - - ( فهرس ( - - عليه السلام - - ( - ( - ( - ( - ( - - - - عليه السلام - قرآن كريم ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - فهرس - - رضي الله عنه -( (- صلى الله عليه وسلم - - ( - - ((( - ( ( - - ( - - - ((( & [سورة الملك].
ومما جاء من الآيات الدالة على تفرده بالتدبير، قوله سبحانه: * - صدق الله العظيم - صلى الله عليه وسلم - - ( - - - ( - ( - - - ( - - - ( - ( - - } - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - - عليه السلام - - - - رضي الله عنه - تمهيد - - ( - - - - - - عليه السلام - - - رضي الله عنه -((( - - - (- رضي الله عنهم -(( - - - (((( & [سورة الأعراف].
ولقد أقر كفار قريش بهذه العقيدة، وهم من أكابر الوثنيين، فكانوا يعلمون حقيقة أن الله Q هو الخالق وحده لا شريك له، وأنه لا رزق إلا من عنده، ولا يحيي ولا يميت إلا هو، ولا مدبر للأمور إلا هو، وأن جميع السموات ومن فيهن، والأرضين السبع ومن فيهن تحت تصرفه وقهره.
(145/11)
قال تعالى: * ((( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - المحتويات ( - - رضي الله عنه - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - ( صدق الله العظيم } تم بحمد الله - رضي الله عنه - - فهرس - - رضي الله عنهم - } ( المحتويات (- عليه السلام - قرآن كريم (- رضي الله عنهم - - - - - - - - عليه السلام -(( - - } - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - - } - - رضي الله عنهم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - { { ( - } ( - - - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - - { ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( - قرآن كريم ( { - عليه السلام - - - - ( - - - & [العنكبوت:61].
(145/12)
وقال سبحانه: * ( - ( - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله المحتويات ( - ( - ( - ( - - رضي الله عنه - - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله (( - - - رضي الله عنهم - - - - - - - ((( - - } - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم } تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - ( - ( - ( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم -(( - - - - - - - رضي الله عنه - - ( - (( - - } - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - ( - ( - - - - رضي الله عنهم -(( - - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( تمهيد ( - - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( - ( - ( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - تمهيد ( - - - رضي الله عنهم - - ( - - - - (( تم بحمد الله ( - - - رضي الله عنهم -(( - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( فهرس - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( - - } - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - عليه السلام - - - - - ( ( - - - - ( - ( { - ( - - - (- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( { ( - - - (((( ( - ( - ( - ( - - - ( ( - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - - - عليه السلام - - - - { - رضي الله عنه -( - - - } - - - - - رضي الله عنهم - - - ( - رضي الله عنهم - - ((- رضي الله عنه - - ( - - - رضي الله عنهم - - ( - - - - صدق الله العظيم ( { ( - ( فهرس - - ( - - - } - - ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - ( - - قرآن كريم ((- عليه السلام - - ((( - (((( & [سورة
(145/13)
يونس].
وقال عز ثناؤه: * - ( - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - ( - - ((( - - } - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنهم - - - (( تمت ( { ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - ( - - - قرآن كريم ( - فهرس - (( - - (((( - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - عليه السلام - - - رضي الله عنهم - - ( - - ( - ( - - - - (- صلى الله عليه وسلم - - - - - صلى الله عليه وسلم -( - { - - - - - (((( ( - ( - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - { - ( المحتويات (- عليه السلام - قرآن كريم (- رضي الله عنهم - - - - - - - ((( - - - - - - - - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ((( - - رضي الله عنهم -(( - - - ( - (((- رضي الله عنهم -(( - - - (((( - - قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - عليه السلام - - - رضي الله عنهم - - ( - - ( - ( - - - - (- صلى الله عليه وسلم - - - - قرآن كريم ( { ( - - - (((( ( - ( - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله (( فهرس ( - - عليه السلام - - ( - ( المحتويات قرآن كريم ( - صدق الله العظيم - - رضي الله عنه - تم بحمد الله (- صلى الله عليه وسلم - - ( - - ((( - ( - عليه السلام - قرآن كريم ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - ( - ( - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - { - ( - ( مقدمة ( - فهرس - - رضي الله عنه -( - ( { ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - ( - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - - (( - - (((( - - قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - عليه السلام - - - رضي الله عنهم - - ( - - ( - ( - - - ( الله
(145/14)
أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - ( - - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنهم - - ( - ( - (((( & [سورة المؤمنون].
لكن في عصرنا الحاضر نرى كثيرًا من الناس يخالفون فطرة الله Q في خلقه، معتقدين بأن للأولياء والصالحين حق التصرف والتدبير في خلق الله وملكه معه سبحانه، وخاصة آل البيت † كعلي بن أبي طالب ؛.
فقد نسبوا زورًا لأمير المؤمنين الإمام علي ؛ بأنه هو رب الأرض(1)، وأنه المتصرف بالدنيا والآخرة كيف يشاء(2)، وله جزئية إلهية في الخلق والرزق وإحياء الأموات(3)، وقد أحيا رسول الله ص(4)، وله من الأمر ما يشاء من استحضار السحب وإنزال الأمطار وصوت الرعود(5).
بل زادوا في ذلك بأن بمقدوره ؛ أن يركب السحاب ويذهب عليها لأي مكان يريد(6)، سالكين في إمكانية وقوع هذه الخوارق مخرجًا سمجًا لا ينطلي على العقلاء، وهو أن هذه الأمور والأعمال الخارقة كلها قد أذن الله في وقوعها على يده، وهذا القول زعموه من بعد عجزهم عن إيجاد دليل وحجة من القرآن أو السنة النبوية المباركة على ذلك.
__________
(1) بحار الأنوار: (7/326)، (7/194)، وانظر: تأويل الآيات: (736).
(2) الكافي: (1/408).
(3) انظر: بحار الأنوار: (42/17-50) (باب جوامع معجزاته)، (42/50-56) باب غرائب معجزاته، وانظر كتاب: مدينة المعاجز للسيد هاشم البحراني.
(4) انظر: إرشاد القلوب: (265).
(5) بحار الأنوار: (27/32)، الاختصاص: (327).
(6) الاختصاص: (199).
(145/15)
وهذه المعتقدات الخطيرة منافية لتوحيد الله Q في ربوبيته؛ لأن الله جل شأنه يقول: * ( المحتويات - - - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات فهرس - (( - - - - - صلى الله عليه وسلم - - { - - - (( - - - ( - ( - ( تم بحمد الله ( المحتويات (- عليه السلام - قرآن كريم (- رضي الله عنهم - - - - - - - ((( - - } - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - المحتويات ( تمهيد - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - ((- رضي الله عنه - الله أكبر ((((( & [سورة البقرة].
وقال تعالى: * - ( - { - - - (( مقدمة - - ( - ( - ( تم بحمد الله ( المحتويات (- عليه السلام - قرآن كريم (- رضي الله عنهم - - - - - - - ((( - - } - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - ( - - رضي الله عنه - - - - جل جلاله - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم ( - - رضي الله عنه - - (( - { - ( - - ( - - ( - (( ( - ( - ( - ( - - - & [الفرقان:2].
(145/16)
وقال تعالى: * ( - - رضي الله عنهم - - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - - ( - (- رضي الله عنهم - - ( - ( - - ( ( - - - المحتويات ( - ( - ( - ( - - رضي الله عنه - - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله (( - - - رضي الله عنهم - - - - - - - ((( - - } - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - & [فاطر:3].
وقال تعالى: * ( - - - - ( - { - - - ( - ( - ( - ( - - رضي الله عنهم - - (- رضي الله عنه - - ( - - - - - ( - - ( الله ( - - ( - - - - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم - - (( مقدمة ((( - ( تمهيد - عليه السلام - - - ( - (( (( - - - رضي الله عنهم - - - - - - - - رضي الله عنهم - - ( - - - (( - - - رضي الله عنه -( - - & [الروم:48].
وقال تعالى: * - عليه السلام - قرآن كريم ( - - ( - { - - - ( المحتويات ( تمهيد - ( - ( - - - ( - - رضي الله عنهم - - ( - - - - { (( قرآن كريم - رضي الله عنهم - - - - جل جلاله -(- رضي الله عنهم - - - (- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ((((- جل جلاله -( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - عز وجل - - - رضي الله عنهم - - - - - - - - رضي الله عنه - - - - { ( - الله - - - (((( & [سورة الرعد].
(145/17)
وقد ذكر العلامة الكشي في رجاله بأن أقوامًا من الناس يُحَدِّثون الناس بأحاديث منكرة ومكذوبة على جعفر بن محمد ؛ وعلى آله الطاهرين †، فيزعمون: بأن عليًا في السحاب يطير مع الريح، وأنه كان يتكلم بعد الموت، وأنه كان يتحرك على المغتسل، وأن إله السماء وإله الأرض الإمام، فجعلوا لله شريكًا جهلًا وضلالًا، والله ما قال جعفر شيئًا من هذا قط، وكان جعفر أتقى لله وأورع من ذلك، فسمع الناس ذلك فضعفوه، ولو رأيت جعفرَ لعلمت أنه واحد الناس(1).
وهنا قد يتساءل العاقل اللبيب ويقول: كيف نوفق بين ما نعتقده في توحيد
الله Q في خلقه وملكه وتدبيره وحده لا شريك له، وأنه لا ند ولا نظير له، وبين ما جرى للأنبياء والرسل والأولياء من المعاجز والكرامات الكثيرة: من إحياء الموتى، وشفاء المرضى، وتحويل العصا إلى ثعبان وغيرها؛ أليس في ذلك مشاركة في التصرف بخلق الله وملكه؟
والجواب من وجوه:
أولًا: أننا لا ننكر ما حصل للأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام من الآيات والمعجزات، ولا ننكر ما يحصل للأولياء والصالحين من الكرامات؛ لأنه حق ثابت ورد في كتاب الله Q وفي سنة نبيه محمد ص، ومما أجمع أئمة الإسلام عليه.
__________
(1) رجال الكشي: (324)، بحار الأنوار: (25/302).
(145/18)
قال تعالى: * - سبحانه وتعالى - صدق الله العظيم - صلى الله عليه وسلم - - - - ( { - عليه السلام -( - - - عليه السلام - - ( - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - ( - - - - صدق الله العظيم ( - ( قرآن كريم - رضي الله عنهم - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - - قرآن كريم ( الله أكبر - رضي الله عنه - - (- رضي الله عنه - - - (((( - ((( - { - - - } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( } - قرآن كريم ( الله أكبر - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - قرآن كريم ( { ( - - رضي الله عنه - - (((( & [سورة يونس].
فكل مؤمن هو ولي لله Q بقدر إيمانه وتقواه، وقد يُظهر الله على يديه ما يظهر من خوارق العادات، وهي الكرامات.
ثانيًا: لا بد للمسلم أن يتأكد من صحة الروايات التي تُروى عن كرامات الأولياء والصالحين، حتى لا ينسب إليهم أعمالًا لم يعملوها، وهذا يدخله في الكذب، كما كُذِب على أمير المؤمنين علي ؛ فنسبوا إليه كرامات وأقوالًا وأعمالًا لم يعملها، كما أسلفنا في القول من قبل.
ثالثًا: ليس بلازم أن كل ولي تقع له كرامة لابد أن تقع لغيره من الأولياء، وليس بحتم لازم أن كل من ظهرت له كرامة فهي الدلالة على أنه أفضل من غيره من الأولياء.
والعكس صحيح؛ من أن عدم وقوعها لا يدل على نقصهم؛ لأن وقوع الكرامة تأييد وتثبيت وإعانة للشخص في دينه، ولهذا كانت الكرامات في عهد التابعين أكثر منها في عهد الصحابة ي، لأن الصحابة ي عندهم من التثبيت والتأييد والنصر ما يستغنون به عن الكرامات، وهو وجود النبي ص، ووقوعها بعد عهد التابعين كان أكثر ممن قبلهم، وهذا معلوم مشاهد.
(145/19)
فلا يلزم على هذا أن تقع الكرامات والمعاجز لكل ولي، بل الكثير من الأولياء لم تحصل لهم الخوارق.
رابعًا: قد تُنسب بعض الكرامات زورًا إلى بعض الناس، لأننا لوفتشنا عن دلائل إيمان هذا الرجل والتزامه بالهدي النبوي، لوجدناه عاصيًا مفرطًا في الطاعات، لا يحافظ على الصلوات المفروضة، فضلًا عن محافظته على السنن المؤكدة، بل قد نجده أيضًا يدعو غير الله، ويتوجه بالعبادات إلى الأموات، فكيف يمكن أن نطلق على مثل هذا أنه ولي متقٍ، يحبه الله ويتولاه؟!
ولنتذكر أن أعظم كرامة تقع للعبد المسلم هي هدايته إلى الحق، وثباته على الصراط المستقيم وفق ما ثبت عن النبي ص، وفهمه ونشره أصحابه وآله ي.
وبعد ما سبق بيانه نحتاج إلى التوسع شيئًا قليلًا في جانب من جوانب توحيد الربوبية، وهو معتقد توحيد الله بالتدبير، وأن الله سبحانه له الخلق والأمر، أو ما يسمى الإيمان بالقضاء والقدر .
المبحث الثاني:
الإيمان بالقضاء والقدر
يؤمن المسلم بقضاء الله وقدره وحكمته ومشيئته، وأنه لا يقع شيء في الوجود أو في أفعال العباد إلاّ بعد علم الله به وتقديره، وأنه تعالى عدلٌ في قضائه وقدرته، حكيم في تصرفه وتدبيره، وأن حكمته تابعة لمشيئته، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا حول ولا قوة لأحد إلا به سبحانه.
قال رسول الله ص: «لا يؤمن أحدكم حتى يؤمن بالقدر خيره وشره وحلوه ومره»(1).
وقال أمير المؤمنين ؛: لكل أمة مجوس، ومجوس هذه الأمة الذين يقولون لا قدر(2).
__________
(1) التوحيد: (379).
(2) بحار الأنوار: (5/120).
(145/20)
وبيّن الإمام أبو الحسن موسى ؛ لأحد الأتباع معنى القضاء والقدر بيانًا شافيًا، فقال له: لا يكون شيء إلا ما شاء الله وأراد وقدّر وقضى، قلت: ما معنى شاء؟ قال: ابتداء الفعل، قلت: ما معنى قدر؟ قال: تقدير الشيء من طوله وعرضه، قلت: ما معنى قضى؟ قال: إذا قضى أمضاه، فذلك الذي لا مرد له(1).
واعلم أن الإيمان بقضاء الله وقدره يتضمن أربعة أمور لا ينفصل بعضها عن الآخر، وهي:
الأول: الإيمان بأن الله تعالى عَلِم بكل شيء جملةً وتفصيلًا، أزلًا وأبدًا، سواء كان ذلك مما يتعلق بأفعاله سبحانه أو بأفعال عباده.
قال تعالى: * - رضي الله عنهم -(( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - ( - - ((( - ( - - - ( - (( (((( & [سورة طه].
الثاني: الإيمان بأن الله كتب مقادير الخلق في اللوح المحفوظ عنده.
فيؤمن أهل السعادة والإتباع الصحيح للنبي ص وآله † أن الله سبحانه قد علم كل ما يكون وما سيكون قبل أن يخلق الخلق، وأنه سبحانه قد وسع كل شيء علمًا، فلا يقع أمر في ملكه إلا بعلمه، ولا يخفى عليه أي أمر يحدث من أحد من خلقه، حتى قبل أن يفعله العبد يعلمه الله - سبحانه وتعالى -، وهذا يدل على أنه قد أحاط علمه بكل شيء سبحانه.
وهذا العلم الأزلي قد تم تدوينه في اللوح المحفوظ عنده سبحانه في السموات العلى.
__________
(1) الكافي: (1/150)، بحار الأنوار: (5/122)، المحاسن: (1/244).
(145/21)
قال - سبحانه وتعالى -: * ( بسم الله الرحمن الرحيم - - - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات فهرس - (( - - - - - صلى الله عليه وسلم - - { - - - ( المحتويات فهرس - ((- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - (( (( - - - رضي الله عنهم - - - - - - - ((( - - } - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - } تمت ( { - درهم ( - ( - - - (( - - (- رضي الله عنه - - ( - - } تمت ( { - رضي الله عنهم - - ( - ( - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( - - - ( - - ( - - - (((( & [سورة الحج].
قال أمين الدين أبو علي الطبرسي: وهذا تسلية لرسول الله ص مما كان يلقاه منهم، أي: وكيف يخفى عليه أعمالهم وقد علم بالدليل أنه سبحانه يعلم كل ما يحدث في السموات والأرض وقد كتبه في اللوح المحفوظ قبل حدوثه، وحفظ ذلك وإثباته والإحاطة به عليه يسير(1).
وقال تعالى: * - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - - - (- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - { - رضي الله عنه - تمهيد - (( - تم بحمد الله - (( ((( - - } - - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - (( ( المحتويات ( - ( - (( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - صدق الله العظيم ( { - (( - - (- رضي الله عنه - - ( - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( - ( تمهيد - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - - - رضي الله عنهم - - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام - - ( - ( الله أكبر - } تمت ( { - درهم ( - ( - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( - - - ( - - ( - - - (((( & [سورة الحديد].
__________
(1) تفسير جامع الجوامع: (3/59).
(145/22)
قال أمين الدين أبو علي الطبرسي: * - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - - - (- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - { - رضي الله عنه - تمهيد - (( - تم بحمد الله & مثل: قحط المطر، وقلة النبات، ونقص الثمرات * - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - (( ( المحتويات ( - ( - (( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - & من الأمراض والثكل بالأولاد * - صدق الله العظيم ( { - (( - - (- رضي الله عنه - - ( - & يعني: إلا وهو مثبت مذكور في اللوح المحفوظ * صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( - ( تمهيد - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - - - رضي الله عنهم - - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام - - ( - ( الله أكبر & أي: من قبل أن نخلق الأنفس. والمعنى: أنه تعالى أثبتها في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق الأنفس ليستدل ملائكته به على أنه عالم لذاته يعلم الأشياء بحقائقها(1).
وقال تعالى: * ( - - - - - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنهم - - ( - - - (- صلى الله عليه وسلم - - ( - ( - - ((( - ( - - جل جلاله - - ( - - - ((( & [سورة الطلاق].
قال أمين الدين الطبرسي: أي تقديرًا وتوقيتًا، وفيه بيان لوجوب التوكل على الله؛ لأنه إذا علم كل شيء بتقديره وتوقيته لم يبق إلا التسليم لذلك والتفويض إليه(2).
__________
(1) تفسير مجمع البيان: (5/240)، تفسير شبر: (1/540).
(2) تفسير جامع الجوامع: (4/706)، وانظر: التبيان: (10/33)، الجديد: (7/178).
(145/23)
وقال الكاشاني في قوله تعالى: * - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - - - (- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - { - رضي الله عنه - تمهيد - (( - تم بحمد الله - صدق الله العظيم ( { ( تمت ( - ( - ( - ( - - - & [التغابن:11]: إلا بتقديره ومشيئته(1).
أما السيد عبدالله شبر فقال: بقضائه وعلمه(2).
وقال السيد محمد الحسيني الشيرازي: فالله سبحانه هو الذي يقدر الأشياء، فلولا تقديره لم يقع شيء في الكون(3).
وقال ناصر مكارم الشيرازي: فما يجري من حوادث كلها بإذن الله لا يخرج عن إرادته أبدًا، وهذا هو معنى «التوحيد الأفعالي» وإنما بدأ بذكر المصائب باعتبارها هي التي يستفهم عنها الإنسان دائمًا ويشغل تفكيره، وعندما نقول يقع ذلك بإرادة الله، فإنما نعني الإرادة التكوينية لا الإرادة التشريعية(4).
وعن حمدان بن سلمان قال: كتبت إلى الرضا ؛ أسأله عن أفعال العباد: أمخلوقة أم غير مخلوقة؟ فكتب: أفعال العباد مقدرة في علم الله تعالى قبل خلق العباد بألفي عام(5).
وعن أمير المؤمنين علي ؛ قال: قال رسول الله ص: «إن الله Q قدّر المقادير ودبّر التدابير قبل أن يخلق آدم بألفي عام»(6).
وعن أبي عبدالله ؛ قال: أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتُبْ، فكتب ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة(7).
__________
(1) الصافي: (5/184)، تفسير المعين: (3/1521).
(2) تفسير شبر: (1/557)، انظر: تفسير الجوهر الثمين: (6/227).
(3) تفسير تقريب القرآن: (28/129).
(4) تفسير الأمثل: (18/355).
(5) عيون الأخبار: (1/136)، كنز الدقائق: (18/135)، بحار الأنوار: (5/29)، التوحيد: (416).
(6) التوحيد: (376)، بحار الأنوار: (5/93)، عيون الأخبار: (1/140) (2/31).
(7) بحار الأنوار: (54/366)، تفسير القمي: (2/198).
(145/24)
وعن ابن عباس قال: إن أول ما خلق الله من شيء القلم، فأمره أن يكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، والكتاب عنده. ثم قرأ: * (( مقدمة ( الله أكبر ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - (( ( - الله ( - ( - (- رضي الله عنه - - ( - ( - - - - - عليه السلام - - ( - - رضي الله عنه - - - - - - ( - - رضي الله عنهم -( - - ( بسم الله الرحمن الرحيم - ( - - رضي الله عنهم - مقدمة & [الزخرف:4](1).
وقال مير سيد علي الحائري: قال ص: «يدخل الملك على النطفة بعدما تستقر في الرحم بأربعين أو بخمس وأربعين ليلة، فيقول: أشقي أم سعيد؟ فيكتبان، فيقول: أي رب! أذكر أم أنثى؟ فيكتبان، ويكتب عمله ورزقه وأجله، ثم يطوي الصحف فلا يزاد فيها ولا ينقص، ثم يقول الملك: يا رب! ما أصنع بهذا الكتاب؟ فيقول: علّقه في عنقه إلى قضائي عليه.
أقول(2): ولا يتنافى هذا مع اختيار العبد الصلاح والفساد، ولا يدل على الجبر في الشقاوة والسعادة، لأن المراد بهذا الكتاب إظهار علمه للملك، وليست هذه الكتابة من موجبات الفعل أبدًا، بل هو إظهار سابق علمه تعالى بأن هذا العبد يؤول أمره إلى هذا، فمثاله مثال أنك تعلم من ضمير السلطان أنه يقتل غدًا زيدًا السارق، فتخبر ابنك بأن زيدًا غدًا مقتول، فيُقتل غدًا، فهل القتل مسبب عن خبرك لابنك أو أن إخبارك له من موجبات قتله؟ فالحال الحال، والمثال المثال، فأمر الله تعالى للملك بالكتابة لسابقة علمه لا أنه قضى عليه بالسعادة أو الشقاوة، نعم! الجبر حاصل في التكوينيات، كالذكر والأنثى والطول والقصر ومثالها، وذلك لمقتضى الحكمة،
لكن الأفعال الصادرة منك بحسب مشتهيات نفسك اختيارية، وإنما دواعيها ميل خاطرك ونفسك(3). انتهى.
__________
(1) بحار الأنوار: (54/371).
(2) أي صاحب التفسير: مير سيد علي الحائري.
(3) تفسير مقتنيات الدرر: (2/162)، وانظر: بحار الأنوار: (57/383).
(145/25)
الثالث: الإيمان بأن جميع الكائنات لا تكون إلا بمشيئة الله تعالى، سواء كانت مما يتعلق بفعله أم مما يتعلق بفعل المخلوقين.
قال تعالى: * - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -(( - - - رضي الله عنه -( فهرس - - صدق الله العظيم ( { تمت - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنه -( - - ( - - - - - - عليه السلام - - - ((( - فهرس - (- رضي الله عنهم -(( - - - (((( & [سورة التكوير].
قال السيد محمد حسين فضل الله: فقد تملكون في كيانكم حركة المشيئة الذاتية فيما تملكون من عناصر الاختيار، ولكن مشيئتهم لابد أن تخضع للمشيئة الإلهية في تقدير النظام الكوني الذي تتحرك الأشياء في دائرته، فلا يملك العبد استقلالًا مطلقًا عن الله حتى في نطاق حريته المربوطة بالمشيئة الإلهية بطريقة أخرى(1).
وقال تعالى: * ( - - رضي الله عنهم -(((- رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله (( - - - رضي الله عنه -(- رضي الله عنه - - (((( & [سورة إبراهيم].
قال السيد عبدالله شبر: من تثبيت المؤمن وتَخلِيَة الكافر وكفره(2).
وقال محمد حسين فضل الله: مما تقتضيه الحكمة في تدبير أمور الناس وفي شؤون الحياة؛ لأنه هو الذي لا راد لمشيئته، فإذا أراد شيئًا كان(3).
وقال تعالى: * ( قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام -( - - - { ( - - - ( المحتويات ( - - (( - - - - - ( - ( - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( & [النساء:90].
قال الشيخ محمد السبزواري النجفي:
__________
(1) تفسير من وحي القرآن: (24/111).
(2) تفسير شبر: (1/259)، وانظر: الجوهر الثمين: (3/359).
(3) تفسير من وحي القرآن: (13/129).
(145/26)
وهذا إخبار عن مقدوره تعالى، فلو أراد فإنه يفعل ويجعلهم يقاتلونكم... ولكن لم يشأ بل قذف في قلوبهم الرعب(1).
وقال محمد جواد مغنية: إن الله سبحانه لا يتدخل بمشيئته التكوينية في شيء من أمور الناس والمسلمين، ولكن الله سبحانه صرفهم عن ذلك بوقوفهم على الحياد، فقوله: * ( قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام -( - - - { ( - - - ( المحتويات ( - - (( - - - - - ( - ( - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( & [النساء:90] معناه: لجرّأهم عليكم ولم يجعل لكم هيبة في نفوسهم تبعثهم على طلب الموادعة والمتاركة، وليس هذا من باب المشيئة التكوينية، بل من المشيئة التوقيفية إن صح التعبير(2).
وأعمال الإنسان متنوعة، وكلها واقعة بعلم الله سبحانه وبقدره وفق ما بينه أمير المؤمنين.
فجاء عن الحسين بن علي ؛ قال: سمعت أبي علي بن أبي طالب ؛ يقول: الأعمال على ثلاثة أحوال: فرائض وفضائل ومعاصي، فأما الفرائض فبأمر الله تعالى وبرضى الله وبقضائه وتقديره ومشيئته وعلمه، وأما الفضائل فليست بأمر الله ولكن برضى الله وبقضاء الله وبقدرة الله وبمشيئة الله وبعلم الله، وأما المعاصي فليست بأمر الله، ولكن بقضاء الله وبقدر الله وبعلمه، ثم يعاقب عليها(3).
وإذا فهم المسلم المعنى الحق لمفهوم القضاء والقدر ذهب عنه إشكالٌ ولبسٌ كبير في هذا المعتقد.
__________
(1) تفسير الجديد: (2/322)، وانظر: مقتنيات الدرر: (3/152).
(2) الكاشف: (2/402).
(3) التوحيد: (369)، بحار الأنوار: (5/29)، عيون الأخبار: (1/142)، كشف الغمة: (2/288).
(145/27)
فعن يونس قال: قال الرضا ؛: يا يونس، لا تقل بقول القدرية؛ فإن القدرية لم يقولوا بقول أهل الجنة ولا بقول أهل النار ولا بقول إبليس، فإن أهل الجنة قالوا: «الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله»، ولم يقولوا بقول أهل النار، فإن أهل النار قالوا: «ربنا غلبت علينا شقوتنا»، وقال إبليس: «رب بما أغويتني، فقلت: يا سيدي، والله ما أقول بقولهم، ولكني أقول: لا يكون إلا ما شاء الله وقضى وقدر. فقال: ليس هكذا يا يونس، ولكن لا يكون إلا ما شاء الله وأراد وقدر وقضى، أتدري ما المشيئة يا يونس؟ قلت: لا، قال: هو الذِكْرُ الأول، وتدري ما الإرادة؟ قلت: لا، قال: العزيمة على ما شاء. وتدري ما التقدير؟ قلت: لا، قال: هو وضع الحدود من الآجال والأرزاق والبقاء والفناء. وتدري ما القضاء؟ قلت: لا، قال: هو إقامة العين، ولا يكون إلا ما شاء الله في الذكر الأول(1).
الرابع: الإيمان بأن جميع الكائنات مخلوقة لله تعالى بذواتها، وصفاتها، وحركاتها.
قال تعالى: * ( - - - ( - ( - (- رضي الله عنهم - - (- صلى الله عليه وسلم - - ( - - ((( - ( } - عليه السلام - قرآن كريم ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - فهرس - - رضي الله عنه -( (- صلى الله عليه وسلم - - ( - - ((( - ( ( - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (((( & [سورة الزمر].
وقال تعالى عن نبيه إبراهيم أنه قال لقومه: * ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - - { فهرس - - } - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - رضي الله عنهم - - (( - - & [الصافات:96].
__________
(1) بحار الأنوار: (5/116)، تفسير القمي: (1/24).
(145/28)
وقال تعالى: * - رضي الله عنه - - فهرس - - رضي الله عنهم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - ( - - ((( - ( (( فهرس - عليه السلام - - - - - { - ( - - - - ( - ( { - - ((( & [سورة الفرقان].
وعن الرضا ؛ فيما كتب للمأمون: من محض الإسلام أن الله تبارك وتعالى لا يكلف نفسًا إلا وسعها، وأن أفعال العباد مخلوقة لله خلق تكوين، والله خالق كل شيء، ولا نقول بالجبر والتفويض(1).
المطلب الأول:
ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر
إن الإيمان بالقضاء والقدر له ثمرات عظيمة في صحة عقيدة وإيمان المسلم.
فمن ثمراته: طمأنينة القلب وارتياحه وعدم التقلب وعدم القلق في هذه الحياة؛ لأن المؤمن بقضاء الله وقدره لا يتأثر بما يتعرض له من مشاق الحياة؛ لأنه مؤمن بما يصيبه، فهو مقدَّر لابد، ولا راد له.
قال تعالى * - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - - - (- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - { - رضي الله عنه - تمهيد - (( - تم بحمد الله - (( ((( - - } - - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - (( ( المحتويات ( - ( - (( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - صدق الله العظيم ( { - (( - - (- رضي الله عنه - - ( - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( - ( تمهيد - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - - - رضي الله عنهم - - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام - - ( - ( الله أكبر - } تمت ( { - درهم ( - ( - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( - - - ( - - ( - - - (((( & [سورة الحديد].
__________
(1) بحار الأنوار: (5/30).
(145/29)
لذلك فإن المؤمن بالقضاء والقدر يشعر بالطمأنينة والشكر لربه عند قول
النبي ص لعلي بن أبي طالب ؛: «ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك
لم يكن يصيبك»(1)، بخلاف من لا يؤمن بالقضاء والقدر فإنه تأخذه الهموم والأحزان حتى تضيق به الدنيا ويحاول الخلاص منها ولو بالانتحار.
ومنها: الثبات على مواجهة الأزمات، واستقبال مشاق الحياة بقلب ثابت ويقين صادق لا تزلزله الأحداث؛ لأنه يعلم أن هذه الحياة دار ابتلاء وامتحان، كما قال تعالى: * - ( - { - - - - رضي الله عنه - - فهرس - - رضي الله عنهم - } - المحتويات ( قرآن كريم - رضي الله عنهم - - ( - - - فهرس - - قرآن كريم - عليه السلام - - { - رضي الله عنه -( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - عليه السلام - قرآن كريم ( - ( - - عليه السلام - - ( - ( - ( - - - - صلى الله عليه وسلم - - ( صدق الله العظيم - - ( مقدمة - صلى الله عليه وسلم - - الله - - عليه السلام - - - رضي الله عنه -( - - عليه السلام - قرآن كريم ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - ( - - رضي الله عنهم -(( - - - ( - قرآن كريم ((- رضي الله عنه -(( - - - & [الملك:2].
__________
(1) بحار الأنوار: (2/154)، أعلام الدين: (346)، الخصال: (2/543).
(145/30)
وقال تعالى: * ( المحتويات ( - ( الله أكبر - عليه السلام - قرآن كريم ( - ( - - عليه السلام - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (( - - رضي الله عنهم - مقدمة - بسم الله الرحمن الرحيم فهرس - ((- رضي الله عنه - الله أكبر - رضي الله عنه -((( - ( - (- رضي الله عنهم - - ( - ( - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - ( تم بحمد الله - رضي الله عنه -((( - ( - ( - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - - عليه السلام - قرآن كريم ( - ( - - رضي الله عنه - الله أكبر - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - - عليه السلام - - - - رضي الله عنه - تمهيد ( - - صلى الله عليه وسلم - - & [سورة محمد].
لذلك فإن الأنبياء والرسل جرى لهم من المحن والشدائد الكثير، لكنهم واجهوها بالإيمان الصادق والعزم الثابت حتى اجتازوها بنجاح، وما ذاك إلا لإيمانهم بقضاء الله وقدره واستشهادهم به، ولتذكرهم الدائم بقوله تعالى: * - ( - صدق الله العظيم { - - - - عليه السلام - - - عليه السلام - - - ((( - - صدق الله العظيم ( { - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - - رضي الله عنه - - - - ( - - - - - عليه السلام - - - - - عليه السلام - قرآن كريم ( - - - عليه السلام - - - - - ( قرآن كريم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - فهرس - - رضي الله عنه -(- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - - ( - - - - عليه السلام - قرآن كريم - رضي الله عنه - - - عليه السلام - - ( - - ( - - قرآن كريم ( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - (((( & [سورة التوبة].
(145/31)
ومنها: تحويل المحن إلى منح والمصائب إلى أجر، قال تعالى: * - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - - - (- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - { - رضي الله عنه - تمهيد - (( - تم بحمد الله - صدق الله العظيم ( { ( تمت ( - ( - ( - ( - - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - ( - ( - ( - - عليه السلام - - (( مقدمة - رضي الله عنه - تمهيد ( - - - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (- صلى الله عليه وسلم - - ( - ( - - ((( - ( ( بسم الله الرحمن الرحيم - ( - - رضي الله عنه -( (((( & [التغابن].
قال الشيخ محمد باقر الناصري: أي بعلم الله، أو بمعنى تَخليَة الله بينكم وبين من يريد فعلها، وقيل: هو خاص فيما يفعله تعالى أو يأمر به. ومن يؤمن بالله ويرضى بقضائه يهد الله قلبه حتى يصبر ولا يجزع لينال الثواب، وقيل: إن المعنى: يهد قلبه، فإن ابتلي صبر، وإن أعطي شكر، وإن ظلم غفر(1).
ومن الثمرات أيضًا: الاعتماد على الله تعالى عند فعل الأسباب بحيث لا يعتمد على السبب نفسه؛ لأن كل شيء بقدر الله تعالى، وأن لا يعجب بنفسه عند حصوله على مراده؛ لأن حصوله نعمة من الله تعالى، بما قدره من أسباب الخير والنجاح، وإعجابه بنفسه ينسيه شكر هذه النعمة.
المطلب الثاني:
المنحرفون في القدر
من الطوائف التي ضلت في اعتقادها بالقضاء والقدر: القدرية والجبرية.
فالجبرية قالوا: إن العبد مجبر على عمله من عند الله وليس له به إرادة ولا قدرة.
__________
(1) مختصر مجمع البيان: (3/431).
(145/32)
وقولهم معلوم بطلانه عند أهل الإيمان؛ لأنهم يعلمون أن الله تعالى أثبت للعبد إرادة ومشيئة وأضاف العمل إليه، قال تعالى: * المحتويات ( تمهيد - جل جلاله -( تم بحمد الله صدق الله العظيم } تم بحمد الله ( - - ( - ( - - - عليه السلام - - ( الله أكبر - - - - - المحتويات ( تمهيد - جل جلاله -( تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم } تم بحمد الله ( - - ( - ( - فهرس - - رضي الله عنه - - ( - - - رضي الله عنهم - - - & [آل عمران:152].
وقال تعالى: * ( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنهم - - ( - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( فهرس - { - } صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - - ( - عليه السلام -( - - - { صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - ( (- رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام -( - - - { ( - ((( - - عليه السلام - - ( - - ( & [الكهف:29].
وقال تعالى: * ( صدق الله العظيم } تم بحمد الله - - ( - - ( - } - ( - ( - ( (( مقدمة ( - ((- عليه السلام - - ( - - ( ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنهم - - - صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنهم - - ( - فهرس - - رضي الله عنهم -( - ( - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - - - - عليه السلام - - - بسم الله الرحمن الرحيم (( - - (( - ( - - ( - - رضي الله عنهم -(( - ( - - & [فصلت:42].
(145/33)
وأما القدرية فقالوا: إن العبد مستقل بعمله في الإرادة والقدرة، وليس لمشيئة الله تعالى وقدرته فيه أثر، فلا يعلم الله شيئًا إلا بعد وقوعه من العبد.
وبيان بطلان اعتقادهم واضح كبطلان قول الجبرية، وذلك أن الله تعالى خالق كل شيء، وكل شيء كائن بمشيئته سبحانه، وقد بين الله تعالى في كتابه أن أفعال العباد تقع بمشيئته، قال تعالى: * ( قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام -( - - - { ( - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - ( - - - - رضي الله عنه -((( - { - - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله المحتويات ( - ( - ((- رضي الله عنه - - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( - ((- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم ( تمهيد ( - - جل جلاله -( } - - رضي الله عنه - تمهيد ( - - - ( صدق الله العظيم ( - ( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - قرآن كريم (( فهرس - - رضي الله عنه - - ( - - - المحتويات ( - ( { ( - - ( ( صدق الله العظيم } تم بحمد الله - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( المحتويات ( - ( { ( تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم } تم بحمد الله - رضي الله عنه - - - ( - - - ( قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام -( - - - { ( - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - ( - - - - صدق الله العظيم ( - ( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - { - - - ( - - رضي الله عنهم -(((- رضي الله عنه - -
(145/34)
- - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - - ( - ( - ((((( & [سورة البقرة].
والاعتقاد الصحيح الذي يتوسط هذين الطرفين، والذي أجمع عليه المسلمون من فهمهم لكتاب الله Q ولسنة النبي المصطفى ص، أن ما يقع على العبد من المصائب، أو يكون بفعله من الأعمال علمُه عند الله Q علم أزلي من قبل أن يخلق السموات والأرض، وكتبها من بعد ذلك وأثبتها في اللوح المحفوظ، وشاء الله أن يحصل هذا الفعل للعبد فخلقه في هذه الدنيا، ويسر له ما أراد فعله، قال تعالى:
* ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - - { فهرس - - } - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - رضي الله عنهم - - (( - - (((( & [سورة الصافات].
فهذه العقيدة مفتاح إلى السعادة وإلى المعتقد المبارك الذي ينبغي على كل مسلم أن يحققه في نفسه، فمن علم أن الله بيده كل شيء وأنه المتصرف في كونه والمدبر له من بعد خلقه له، يجد ذلًا وفقرًا واحتياجًا إليه سبحانه، فلن يدعو إلا العزيز القوي،
ولن يتوكل إلا على الحي القيوم، ولن يلجأ إلى أحد من الخلق الضعفاء المفتقرين
إلى عون الله - سبحانه وتعالى -.
المطلب الثالث:
الصبر على قضاء الله وقدره
من الأمور الهامة المتعلقة بمعتقد القضاء والقدر، الصبر على ما قدره الله سبحانه والرضا به، وهذا مطلب هام يغفل عنه بعض أهل الإسلام.
والصبر: هو حبس النفس عن الجزع، وحبس اللسان عن التشكّي والتسخّط، وحبس الجوارح عن لطم الخدود وشق الجيوب ونحوها عند المصيبة، والرضا بما قدره الله.
والصبر على ثلاثة أنواع:
النوع الأول: الصبر على ما أمر الله به.
النوع الثاني: الصبر عن ما نهى الله عنه.
النوع الثالث: الصبر على قضاء الله وقدره عند المصائب، وهذا هو محور البحث.
(145/35)
فاعلم رحمك الله أن عدم الصبر على قضاء الله وقدره يسخط الرب وينافي كمال التوحيد؛ لما فيه من عدم الاستسلام والرضا والإيمان بقضاء الله وقدره.
فيجب على المؤمن أن يصبر على ما أصابه، وليعلم بأن الله Q قد قدّر له ذلك، وأن يستسلم له بإخلاص، ومن فعل ذلك يعوضه ربه عما أصابه وما فاته في الدنيا والآخرة.
قال تعالى: * المحتويات ( - ( الله أكبر - عليه السلام - قرآن كريم ( - ( - - - جل جلاله - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (((- رضي الله عنهم -(( - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( - ( قرآن كريم - - ( - - - (( قرآن كريم ( - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (( { - رضي الله عنه - الله أكبر - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( - (- عليه السلام - قرآن كريم ( تم بحمد الله - } - - ( { (( الله أكبر - } - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات (- رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - } الله - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( - (- صلى الله عليه وسلم -( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ((( - ( - ( - ( - - - ((((( - رضي الله عنه -((( - { - - - - - - - ( { المحتويات ( - ( - - عليه السلام - - ( - (- صلى الله عليه وسلم - - ( { - رضي الله عنه - - - (( - تم بحمد الله } - ( قرآن كريم ( - - - - - ( الله أكبر ( { ( - - - ( الله أكبر ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( مقدمة ( - - - ( { - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - (- عليه السلام - - ((((( - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - ( المحتويات ( - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( ( المحتويات (- عليه السلام - قرآن كريم فهرس - - ( صدق الله العظيم ( }
(145/36)
تم بحمد الله ( المحتويات ( - ( فهرس - { - ( { - رضي الله عنهم - - ( مقدمة - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - درهم (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه - - ( - ( - ( - - - ((((( & [سورة البقرة].
وقد مر النبي ص على امرأة وهي تبكي عند قبر ولدها، فنهاها عن ذلك وأمرها بالصبر، وقال لها: الأجر مع الصدمة الأولى(1).
وعن أبي عبد الله ؛ أنه قال: من رضي القضاء أتى عليه القضاء وهو مأجور، ومن سخط القضاء أتى عليه القضاء وأحبط الله عمله.
وروي عنه ؛: رأس طاعة الله الصبر والرضا.
وروي عنه ؛: أعلمُ الناس بالله أرضاهم بقضاء الله(2). انتهى.
وفي عصرنا الحاضر نرى كثيرًا من المسلمين هداهم الله للحق يقومون بإحياء ذكرى وفاة بعض الأولياء والصالحين واستشهادهم، ويقومون بأعمال مخالفة لما شرع الله Q، ومخالفة لما نهى عنه النبي ص والأئمة †، من لطم للخدود وشق للجيوب وضرب للرؤوس بالخناجر والسيوف وضرب الطبول ولبس السواد، والإتيان بالشعراء والشاعرات وغيرها، معتقدين بأنها تحيي ذكراهم وتقربهم عند النبي وأهل بيته الطاهرين † وتشفعهم فيهم.
ويمكن توضيح الصواب والمنهج الحق في هذا المعتقد وفق الأمور الآتية:
أولًا: إن الاحتفال بيوم الميلاد أو الوفاة ليس من هدي النبي ص بل هو من هدي المخالفين لشريعة الإسلام.
__________
(1) مستدرك الوسائل: (2/351)، وانظر أيضاً: بحار الأنوار: (79/93)، دعائم الإسلام: (1/222).
(2) مستدرك الوسائل: (2/411).
(145/37)
فقد قُتل بعض الأنبياء وعذبوا، وهم مرسلون من الله Q لدعوة البشر وتعليمهم، منهم: نبي الله زكريا الذي قُتل وعُذب وقطع رأسه وأحرق، ثم من بعد ذلك وقع هذا الفعل الشنيع في بعض الصحابة ي، مثلما حصل لحمزة وجعفر بن أبي طالب وحنظلة ي وغيرهم، حتى إن النبي ص بكى واشتد حزنه عليهم، إلا أنه لم يأمر الصحابة بإقامة المآتم لهم ومجالس العزاء والندب، أو باتخاذ هذه الأيام مناسبة أو أعيادًا لذكرى وفاتهم، مثلما يفعل بعض الناس في هذا العصر.
ثانيًا: إن الله Q حثنا على الصبر في كثير من الآيات في القرآن الكريم، وكذلك فعل النبي ص، وأقوال الأئمة † ليست ببعيدة عنا، وعلى ما جاء فيها من احتساب الأجر كما سبق ذكره.
ثالثًا: إن الأعمال التي يعملها الناس في هذا العصر من لبس السواد
وضرب الرؤوس بالسيوف والسلاسل وغيرها مخالفة لأمر النبي ص، وكذلك لأقوال الأئمة †.
فعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ؛ قال: قال رسول الله ص: «أربعة لا تزال في أمتي إلى يوم القيامة: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والنياحة»(1).
وهذا ما حققه عملياً ؛ ونصح به المسلمين، حينما ورد الكوفة قادمًا من صفين، فلما مر بالشاميين وسمع بكاء الناس على قتلى صفين، فقال ؛ لشرحبيل الشامي: أتغلبكم نساؤكم على ما أسمع؟ ألا تنهونهن عن هذا الرنين؟(2).
وهذا ما سار عليه آله †، فعن الصادق عن آبائه قال: نهى رسول الله ص عن الرَنَّة عند المصيبة، ونهى عن النياحة والاستماع إليها، ونهى عن اتباع النساء للجنائز(3).
__________
(1) بحار الأنوار: (22/451)، وانظر: مستدرك الوسائل: (13/93)، وسائل الشيعة: (17/128)، الخصال: (1/226).
(2) نهج البلاغة: (532)، وسائل الشيعة: (3/275)، مستدرك الوسائل: (2/455)، بحار الأنوار: (32/619).
(3) بحار الأنوار: (78/257)، من لا يحضره الفقيه: (4/3)، وسائل الشيعة: (3/272)، وانظر: أمالي الصدوق: (422).
(145/38)
وكان من تحذيراته ص للنساء خاصة في أواخر حياته، ما جاء عن أبي عبد الله ؛ قال: لما فتح رسول الله ص مكة بايع الرجال ثم جاء النساء، فقالت أم حكيم: يارسول الله، ما ذلك المعروف الذي أمرنا الله أن لا نعصيك فيه؟ فقال: «لا تلطمن خدًا، ولا تخمشن وجهًا، ولا تنتفن شعرًا، ولا تَشُقنَّ جيبًا، ولا تسوِّدنَّ ثوبًا»(1).
حتى ولو كان إظهار الحزن في اللباس دون صراخ أو عويل ولطم؛ لقول أمير المؤمنين ؛ فيما علّم أصحابه: لا تلبسوا السواد؛ فإنه لباس فرعون(2).
وعن محسن بن أحمد قال: قلت لأبي عبد الله ؛: أُصلّي في القُلُنُسَوة السوداء؟ فقال: لا تصلّ فيها؛ فإنها لباس أهل النار(3).
وقد يتعاطف كثير من الناس مع ما حدث للإمام الحسين ؛ وأهل بيته الطاهرين من الظلم وسفك للدماء، فيحيون ما وقع لهم، يقولون: إننا نعمل تلك العروض من ضرب بالسيوف والسلاسل ولطم الخدود وغيرها لإحياء ذكرى يوم استشهاد الإمام الحسين ؛ الذي لم يصب أحد من المسلمين بمثل مصيبته.
وفرق بين التعاطف والشعور الإيجابي تجاه المصاب بالحسين ؛، وبين أن المسلم تقوده عواطفه إلى أن يفعل المخالفات تجاه آل البيت †، وهذه المقولة والحجة التي يبرر بها فعل بعض المسلمين تجاه مصابنا في حق سيد شباب أهل الجنة يمكن أن توجه للحق وفق الأمر التالي:
إن وفاة النبي ص وفقدان الأمة الإسلامية له أعظم من قتل الأنبياء والرسل والصالحين، لا يستثنى منهم أحد.
__________
(1) انظر: بحار الأنوار: (21/134)، الكافي: (5/527)، مستدرك الوسائل: (2/449)، وسائل الشيعة: (20/211)، تفسير القمي: (2/364).
(2) من لا يحضره الفقيه: (1/251)، وسائل الشيعة: (4/383)، وانظر: الخصال: (2/614)، علل الشرائع: (2/346).
(3) الكافي: (3/403)، تهذيب الأحكام: (2/213)، وسائل الشيعة: (4/384)، علل الشرائع: (2/346).
(145/39)
فعن عمر بن سعيد بن هلال قال: قلت لأبي عبد الله ؛: أوصني؟
قال: أوصيك بتقوى الله -إلى أن قال-: وإذا أصبت بمصيبة فاذكر مصابك
برسول الله ص؛ فإن الناس لم يصابوا بمثله أبدًا(1).
ومع أن مصابنا بالنبي ص كان أعظم من مصائب الناس أجمعين، إلا أن
النبي ص أوصى ابنته الحبيبة وسيدة النساء فاطمة الزهراء ‘ بالصبر، والتزامها الشرع الصحيح عند وفاته.
فعن عمر بن أبي المقداد قال: سمعت أبا جعفر ؛ يقول: تدرون ما قوله تعالى: * - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - درهم - - جل جلاله - - ((((- رضي الله عنه - - - (( - - - صلى الله عليه وسلم -( - ((- رضي الله عنه - تم بحمد الله & [الممتحنة:12] قلت: لا، قال: إن رسول الله ص قال لفاطمة ‘: «إذا أنا مت فلا تخمشي عليَّ وجهًا، ولا ترخي عليَّ شعرًا، ولا تنادي بالويل والثبور، ولا تقيمي عليَّ نائحة، قال: إن هذا المعروف الذي قال الله Q»(2).
وأما الحسين ؛ الذي ينتسب إليه كثير من الناس ويبكون ليوم استشهاده، فقد حرّم هذه الأفاعيل أيضًا وتبرأ منها، ناهجًا سنة جده المصطفى ص.
فعن محمد بن علي ؛ قال: لما هَمَّ الحسين بالشخوص إلى المدينة أقبلت نساء بني عبد المطلب فاجتمعن للنياحة، فمشى فيهن الحسين ؛، فقال: أنشدكن بالله أن تبدين هذا الأمر معصية لله ورسوله(3).
__________
(1) مستدرك الوسائل: (2/443)، وانظر: الكافي: (8/168)، بحار الأنوار: (22/545)، أمالي الصدوق: (681)، أمالي المفيد: (194).
(2) مستدرك الوسائل: (2/451)، وانظر: الكافي: (5/527)، وسائل الشيعة: (3/272)، بحار الأنوار (22/460).
(3) مستدرك الوسائل: (2/453).
(145/40)
وعن علي بن الحسين ؛ قال: إن الحسين قال لأخته زينب: يا أختاه! إني أقسمت عليك فأبرِّي قسمي: لا تشقي عليَّ جيبًا، ولا تخمشي عليَّ وجهًا، ولا تدعي عليَّ بالويل والثبور إذا أنا هلكت(1).
وقد يتعجب كثير من الناس من هذا الكلام ويتساءلون: كيف ينهى النبي ص عن البكاء، وقد بكى نبي الله يعقوب ؛ عند فقدان ابنه حتى ابيضّت عيناه؟ ألا ينافي ذلك الصبر على قضاء الله وقدره؟
فنقول: إن النبي ص لم ينه عن البكاء، ولكنه نهى عن غير ذلك مما قد يصاحب البكاء والحزن: من لطم الخدود، وضرب الصدور بالسلاسل، وشق الرؤوس بالخناجر والسيوف، ونهى عن الصراخ والنياحة والعويل ولبس السواد والإتيان بالشاعرات والنائحات، وغيرها من الأعمال الوحشية كما أسلفنا.
وقد قال ص يوم وفاة ابنه إبراهيم: «ما كان من حزن في القلب أو العين فإنما هو رحمة، وما كان من حزن اللسان وباليد فهو من الشيطان»(2).
وأما نبي الله يعقوب ؛ فقد صبر على قضاء الله وقدره عندما فقد ابنه
يوسف ؛، كما قال الله Q عن نبيه يعقوب: * ( - ( - - ( - ( ( - - ( - - - } ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( تمت - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنه - - ( - ( - ( - - - - - فهرس - - رضي الله عنه -( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم (((( - - (((( & [سورة يوسف].
يقول ناصر مكارم الشيرازي عن شدة بكاء نبي الله يعقوب ؛:
__________
(1) مستدرك الوسائل: (2/451)، وانظر: بحار الأنوار: (45/2)، الإرشاد: (2/93): إعلام الورى: (239).
(2) مستدرك الوسائل: (2/463).
(145/41)
إن قلوب العباد مركز للعواطف، فلا عجب أن ينهل دمع عينهم مدرارًا، المهم أن يسيطروا على أنفسهم ولا يفقدوا توازنهم، ولا يقولوا شيئًا يسخط الرب، ومن الطريف أن مثل هذا السؤال وجه إلى النبي ص حين بكى على موت ولده إبراهيم حيث قالوا له: يارسول الله، أتنهانا عن البكاء وتبكي؟ فأجابهم النبي الكريم ص: «تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب»، وفي رواية أخرى أنه قال: «ليس هذا بكاء، إنه رحمة»، وهذه إشارة إلى أن ما في صدر الإنسان هو القلب، وليس الحجر، وطبيعي أن يتأثر الإنسان أمام المسائل العاطفية، وأبسط هذا التأثر هو انهلال الدمع(1).
إذًا: يجب على من يحب النبي ص وأهل بيته وأصحابه أن يسير على نهجهم، ويتبع أمرهم الذي يحث على التمسك بالشرع، ولا يخالف كتاب الله الذي أمر بالصبر والمصابرة عند المصائب.
المبحث الأول:
التعريف بتوحيد الألوهية
وهو إفراد الله بالعبادة.. كالصلاة والرجاء والاستغاثة والاستعاذة والاستعانة... إلخ.
فالله خلق العالم من الإنس والجن لعبادته وحده لا شريك له، فأوجبها عليهم في هذه الدنيا الفانية للاختبار، ولأنه سبحانه هو المستحق إلى أن تصرف إليه هذه العبادات.
قال تعالى: * - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( تمهيد ( { فهرس - - رضي الله عنهم - - - صدق الله العظيم ( - ( - - - { { الله أكبر تمهيد { - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( { ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ((- عليه السلام - - ( - (((( & [سورة الذاريات].
__________
(1) تفسير الأمثل، وانظر: تفسير الكاشف، تفسير من وحي القرآن (سورة يوسف:18).
(145/42)
وقال تعالى: * - ( - ( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - - - - عليه السلام - - - صدق الله العظيم - صلى الله عليه وسلم - - } - (- صلى الله عليه وسلم -( - ( - (( - - - صدق الله العظيم ( { ( فهرس - ( - ( { & [الإسراء:23].
فمن عبد الله وحده أنجاه الله وأدخله جنته تكريمًا له لما فعل، ومن عبد غير الله، أو جعل لربه ندًا أو مساويًا عاقبه الله بنار جهنم خالدًا فيها.
ولأجل هذا المقصد العظيم أرسل الله تبارك وتعالى لهذا العالم الرسل؛ ليعلموا البشرية ما أمر الله به وما نهى عنه من العبادات والمعاملات والعقائد والتشريع والسياسة وغيرها من أمور البشر، وذلك لكمال حكمه وقضائه وعدله، والتي لا تصرف إلا له سبحانه.
ولعظم هذا المقصد فكل الرسل بدؤوا دعوتهم بتوحيده Q، ابتداءً من نوح وختامًا بمحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
قال تعالى: * ( - - { - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام - - ( الله - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنه - - - (( (- صلى الله عليه وسلم - - ( - - { } تم بحمد الله ( - ( صدق الله العظيم قرآن كريم ( - { - ( - - صلى الله عليه وسلم - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( تمهيد (( - - { - - - } - قرآن كريم ( - ( - - رضي الله عنه - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - المحتويات قرآن كريم ((( { ( - - - & [النحل:36].
(145/43)
وقال تعالى: * - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام - - ( - - رضي الله عنهم - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - درهم ( - ( تمهيد - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - - قرآن كريم ( - { - - صدق الله العظيم ( { (((- صلى الله عليه وسلم - قرآن كريم ( الله أكبر ( مقدمة ( - - - ( { (( مقدمة ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - سبحانه وتعالى - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - مقدمة ( - - ( { - صدق الله العظيم ( { بسم الله الرحمن الرحيم - - رضي الله عنه - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - (( - - - ( (((( & [سورة الأنبياء].
قال أبو جعفر محمد الطوسي: بأنه لا معبود على الحقيقة سواه * ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - (( - - - ( & أي: وجهوا العبادة إليه من دون غيره(1).
وقال الحاج سلطان الجنابذي: بالتوحيد وخلع الأنداد لا بالإشراك واتخاذ الأنداد(2).
وقال محمد جواد مغنية: ما أرسل رسولًا إلا بالتوحيد والإخلاص لله في العبادة(3).
إذًا: ما العبادة؟ وما تعريف شهادة «لا إله إلا الله»؟
العبادة: هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، ولها أركان وشروط(4).
__________
(1) تفسير التبيان: (7/240).
(2) تفسير بيان السعادة: (3/47).
(3) تفسير الكاشف: (5/270).
(4) أركان العبادة ثلاثة لابد من اجتماعها جميعاً دون استثناء، وهي: المحبة والرجاء والخوف. وشروطها: الإخلاص والمتابعة في العمل.
(145/44)
ومعنى شهادة «لا إله إلا الله»: أي: «لا معبود بحق(1) إلا الله»، ولها أركان وشروط أيضًا(2).
واعلم -رحمك الله- أن العبادة لها أنواع كثيرة، يجب صرفها جميعًا لله وحده لا شريك له، ومنها: الدعاء بأنواعه من استغاثة واستعانة واستعاذة، ومنها: الذبح والنذر والصلاة والزكاة والصيام والحج وقراءة القرآن... إلخ، فمن صرف شيئًا منها لغير الله فقد أشرك به Q.
قال تعالى: * } تمت ( { { - - - - صدق الله العظيم ( - ((((- رضي الله عنه - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - - - عليه السلام - - ((( - (( مقدمة ( - ( - ((((- رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - - صلى الله عليه وسلم -( - - درهم ( - ( - - صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - ( - (( - - - رضي الله عنه -( - - & [النساء:116].
وقال تعالى: * - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - قرآن كريم ( - ( - ((( - (( مقدمة ( - - - (( - - { & [النساء:36].
__________
(1) وذكرنا كلمة الحق زيادة في التعريف؛ لأن كثيرًا من الناس يعبدون آلهة لكنها آلهة باطلة ليست آلهة حقة، وليس لها من حق الألوهية شيء، قال تعالى: (ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير). [الحج:62].
قال مير سيد علي الطهراني: لأن بعض الناس يعبدونه تعالى ويعبدون غيره معه كما كان لبعض المشركين آلهة متعددة يعبدون إلهاً لأمر وإلهاً لأمر وهكذا. (مقتنيات الدرر: 3/99).
(2) وشهادة لا إله إلا الله لها ركنان: الأول: النفي وهو (لا إله)، والثاني: الإثبات وهو (إلا الله).
وشروطها سبعة: الأول: العلم، الثاني: اليقين، الثالث: الإخلاص، الرابع: الصدق، الخامس: المحبة، السادس: الانقياد، السابع: القبول.
(145/45)
قال الشيخ محمد السبزواري النجفي في تفسير هذه الآية: أمر سبحانه بعبادته؛ لأن العبادة منحصرة بذاته Q، لا بشيء غيره من الأشياء في السموات ولا في الأرض، إذ ليس فيها كائن قابل لأن يشاركه في الألوهية، بل كل شيء مخلوق له، مفتقر إليه(1).
وقال أمين الدين الطبرسي فيها أيضًا:
أي وحدوه وعظموه ولا تشركوا في عبادته غيره، فإن العبادة لا تجوز لغيره؛ لأنها لا تُستحق إلا بفعل أصول النعم ولا يقدر عليها سواه تعالى(2).
وكذلك قال ناصر مكارم الشيرازي:
لا تجعل معبودًا آخر مع الله: لا في العقيدة ولا في العمل ولا في الدعاء ولا في العبودية.
وقال أيضًا: إن للشرك ثلاثة آثار سيئة جدًا في وجود الإنسان:
1- الشرك يؤدي إلى الضعف والعجز والذلة، في حين أن التوحيد هو أساس الحركة والنهوض والرفعة.
2- الشرك موجب للذم واللوم؛ لأنه خط انحرافي واضح في قبالة منطق العقل، ويعتبر كفرًا واضحًا بالنعم الإلهية.
3- الشرك يكون سببًا في أن يترك الله - سبحانه وتعالى - الإنسان إلى الأشياء التي يعبدها، ويمتنع عن حمايته، وبما أن هذه المعبودات المختلفة والمصطنعة لا تملك حماية أي إنسان أو دفع القدر عنه، لأن الله لا يحمي مثل هؤلاء(3).
التفريق بين الربوبية والألوهية:
إن هؤلاء الناس الذين بُعث فيهم الرسل يقرون بموجب فطرتهم ونظرهم في الكون بأن الله هو ربهم الخالق والرازق والمحيي والمميت.
__________
(1) الجديد: (2/288).
(2) تفسير مجمع البيان: (2/45).
(3) تفسير الأمثل: (8/394).
(145/46)
لهذا قال تعالى في حقهم: * ((( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - بسم الله الرحمن الرحيم ( - - رضي الله عنه - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - ( صدق الله العظيم } تم بحمد الله - رضي الله عنه - - فهرس - - رضي الله عنهم - } ( المحتويات (- عليه السلام - قرآن كريم (- رضي الله عنهم - - - - - - - - عليه السلام -(( - - } - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( - قرآن كريم ( { - عليه السلام - - - - - صدق الله العظيم ( - - { فهرس - - رضي الله عنهم - - ( - - ( - - رضي الله عنهم -(( - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم - ( - - رضي الله عنهم -(( - - - ((( & [سورة الزخرف].
وقال تعالى: * (( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - بسم الله الرحمن الرحيم ( - - رضي الله عنه - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - ( صدق الله العظيم } تم بحمد الله - رضي الله عنه - - فهرس - - رضي الله عنهم - } ( المحتويات (- عليه السلام - قرآن كريم (- رضي الله عنهم - - - - - - - - عليه السلام -(( - - } - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (( - قرآن كريم ( { - عليه السلام - - - - ( - - - & [الزمر:38].
والآيات في هذا المعنى كثيرة، ولكنَّ هذا لا ينفعهم؛ لأن هذا إقرار بالربوبية فقط، ولا ينفع الإقرار بالربوبية، لأنه معرفة مجردة من العمل حتى يكون معها الإقرار بالألوهية، وهي العمل وعبادة الله وحده لا شريك له.
ولذا ركزت دعوة الرسل على توحيد الألوهية، وإفراد الله بالعبادة وحده من دون شريك ولا ند ولا واسطة.
(145/47)
فهذا نبي الله نوح ؛ دعا قومه إلى عبادة الله وحده وترك الأصنام التي جعلوها واسطة بينهم وبين الله يعبدونها ويتشفعون بها، وبقي فيهم ألف سنة إلا خمسين عامًا يدعوهم إلى التوحيد، فكان ردهم كما قال تعالى: * } - قرآن كريم ( - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم } تمت ( - - - - - ( - ( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - ( - - - عليه السلام -( - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } تمت ( - - - - - - - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - جل جلاله -( - - عليه السلام - قرآن كريم ( - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - الله قرآن كريم ((- رضي الله عنه - - - - قرآن كريم ((- رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - ( - فهرس - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (((( & [سورة نوح].
وذكر السيد عبد الله شبر معنى الأسماء الواردة في الآية، فقال:
هم أسماء قوم صلحاء بين آدم ونوح، فلما ماتوا صوروهم تبركًا بهم، فلما طال الزمان عُبِدوا، ثم انتقلت إلى العرب.
(145/48)
وقال القمي: كانوا قومًا مؤمنين قبل(1) نوح فماتوا، فحزن عليهم الناس، فجاء إبليس فاتخذ لهم صورهم ليأنسوا بها، فلما جاءهم الشتاء أدخلوهم البيوت، فمضى ذلك القرن وجاء القرن الآخر فجاءهم إبليس، فقال لهم: إن هؤلاء آلهة كان آباؤكم يعبدونها فعبدوهم وضل منهم بشر كثير، فدعا عليهم نوح فأهلكهم الله، وقال: كانت ود صنمًا لكليب، وسواع لهذيل، ويغوث لمراد، ويعوق لهمدان، ونسر لحصين(2).
وهذا خليل الله إبراهيم ؛ لما جاء بعد نوح، تبرأ من قومه وأبيه لعبادتهم الأصنام والكواكب حين جعلوها واسطة بينهم وبين الله كما يدعون، وتحمل الأذى في دعوتهم، ومدح الله نبيه الخليل لتمسكه بالتوحيد الخالص هو وأولاده.
قال تعالى: * ( - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - - - - - ( - (( - (- رضي الله عنه - - ( - ( { ( مقدمة - ( - - } ((( مقدمة ( تم بحمد الله ( قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( - ( الله أكبر ( { (( - - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - - - - ( } تم بحمد الله - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - (( - - (((( - صدق الله العظيم ( { - ( - { - - - - ( الله أكبر - رضي الله عنه - - - ( - ( (( مقدمة ( الله أكبر ( - - ( (((( - ( - - عليه السلام - - - رضي الله عنهم - - (((( & [سورة الزخرف].
قال السيد محمد تقي المدرسي:
__________
(1) وفي الأصل (والقمي قال: كان قوم مؤمنين).
(2) تفسير الجوهر الثمين: (6/290)، وانظر: الصافي: (5/232)، البرهان: (5/388)، نور الثقلين: (5/425)، كنز الدقائق: (13/458)، بيان السعادة: (4/206).
(145/49)
كانت رسالة إبراهيم عليه وعلى نبينا وآله السلام موجهة ضد استمرارية الأمر الواقع ضد عبادة الآباء وتقديس شرعهم ومعتقداتهم وتاريخهم، لذلك قال لأبيه: إنني براء مما تعبدون من دون الله، ويعتبر هذا من أهم ما يتميز به إبراهيم الخليل من بين سائر الرسل، وتبرؤ إبراهيم مما عبده آباؤه قطع صلاته بهم، واختط لنفسه ولآله من بعده خطًا جديدًا نظيفًا وهو التوحيد(1).
وأما عن الشرك الواقع في بني إسرائيل، فقال تعالى عن قصة موسى ؛:
* - - رضي الله عنه - الله أكبر ( - - عليه السلام - قرآن كريم (- رضي الله عنهم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ((( - - رضي الله عنه - - ( - - - - (((- عليه السلام - - ( - ( { - رضي الله عنه - - ( - - رضي الله عنه - - ( - - - } - ( قرآن كريم - - - صلى الله عليه وسلم - - - ( - - فهرس - - رضي الله عنه -( - الله ( قرآن كريم - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - ((- رضي الله عنه - - - - فهرس - - رضي الله عنه -( - الله - - - جل جلاله -((- صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - ( - - } - قرآن كريم ( - - - - (- رضي الله عنهم - - قرآن كريم ( - (- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنهم -(( - - - - - - عليه السلام - - { - - - جل جلاله - - ( - - ( { - - رضي الله عنهم - - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - - ( { - رضي الله عنهم - - ( - - - عليه السلام -( - - رضي الله عنه - - - - - ( المحتويات ( - ( الله أكبر ( { ( بسم الله الرحمن الرحيم ( قرآن كريم - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - رضي الله عنهم - - ( - - صلى الله عليه وسلم - تم بحمد الله ((((( & [سورة الأعراف]
__________
(1) تفسير من هدي القرآن: (12/461)، وانظر: تفسير الميزان: (18/99)، الجديد: (6/348).
(145/50)
قال أبو جعفر الطوسي: وتوهمهم أنه يجوز عبادة غير الله... فقال لهم موسى: إنكم قوم تجهلون من المستحق للعبادة، وما الذي يجوز أن يتقرب به إلى الله تعالى(1).
وقال أيضًا مير سيد علي الطهراني:
وطلبوا من موسى أن يعين لهم تمثالًا يتقربون بعبادته إلى الله، وهذا القول هو الذي حكاه عن عبدة الأوثان، حيث قالوا: * - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( المحتويات ( - ( - ( تمهيد ((- رضي الله عنه - الله أكبر - صدق الله العظيم ( { - - - رضي الله عنه - الله أكبر قرآن كريم ( - ( - - - { ( - ( - - فهرس - ( { ( - - - - - - - ( - ( - & [الزمر:3].
__________
(1) تفسير التبيان: (4/527).
(145/51)
وهذا يوسف ؛ في السجن يدعو صاحبيه إلى التوحيد عندما سألاه عن تعبير الرؤيا، وقبل أن يجيبهما قال لهما: * ((- رضي الله عنه - - ( - - - ((- رضي الله عنه - - ( صدق الله العظيم ( - ( تمت - - - - ( - - - رضي الله عنه - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -( - - قرآن كريم ( - ( - - - (- رضي الله عنه - - - تم بحمد الله ( - ( - - رضي الله عنهم - - ( الله - صلى الله عليه وسلم - - ( - - - ( - ( فهرس (- عليه السلام - قرآن كريم ( - - - ( - - - - - { ( - - - (((( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - (( - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ((( مقدمة ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم -( - - صدق الله العظيم ( { } ( - - - رضي الله عنهم - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - - - رضي الله عنهم - - قرآن كريم ( - ( - ( - - - - رضي الله عنهم - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - المحتويات ( - (- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام -(- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - } تم بحمد الله - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( - - - - { - ( - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - صدق الله العظيم ( - (( - ( - - ( تمت ( { ( المحتويات ( - ((( - - - - صدق الله العظيم ( { ( - - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - - صدق الله العظيم - صلى الله عليه وسلم - - } - (- صلى الله عليه وسلم -( - ( - (( - - - صدق الله العظيم ( { ( فهرس - ( - ( { - - رضي الله عنهم - - ( - ( - - ((((- صلى الله عليه وسلم - - - - - ( المحتويات ( - - - { ( - -
(145/52)
- - صدق الله العظيم ( - ( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام - - - - جل جلاله -( - - صلى الله عليه وسلم - - ( } - } - - - - - صدق الله العظيم - - قرآن كريم ( - فهرس - ((- رضي الله عنه - - (((( & [سورة يوسف].
وهذا خاتم الأنبياء والمرسلين محمد ص، وهو الذي كان معروفًا عند العرب قبل البعثة بالصادق الأمين، مكث في مكة ثلاثة عشر عامًا يدعوهم إلى عبادة الله وحده بقوله: «لا إله إلا الله» وترك ما كان يعبد آباؤهم، ففهموا معنى هذه الشهادة التي يدعو إليها، واعتذروا له قائلين: إنا لا نعبد هذه الأصنام لاعتقاد أنها آلهة مستقلة، وإنما نعبدها لأجل أنها تماثيل لأشخاص كانوا عند الله من المقربين فنحن نعبدها لأجل الشفاعة (1).
ولضلالهم العميق نسوا صدقه وأمانته واتهموه بالسحر والكذب، وقالوا له: أتعبد إلهًا واحدًا من غير واسطة وتهمل آلهة آبائنا؟! هذا شيء عجيب!
__________
(1) انظر: مقتنيات الدرر: (9/217)، وانظر: تفسير الجديد: (6/171).
(145/53)
قال تعالى: * } - ( قرآن كريم ( تمهيد ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - تمت - صلى الله عليه وسلم - - تمهيد ( - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم ( - ( - - - تم بحمد الله ( المحتويات ( - ( { ( } تم بحمد الله } - رضي الله عنه - - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ((( - - ( - - - - - - (- رضي الله عنهم - - ( - ( - (- رضي الله عنهم - - ( - - } - - - ((( - - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنهم - - - صلى الله عليه وسلم - - - { - - ( - - - رضي الله عنهم - - - - - جل جلاله - - ( - - ( { - ( - ( فهرس (- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } } تمت ( { - - - (- رضي الله عنهم - - ((((- رضي الله عنهم -( - - ( - - - رضي الله عنهم - - (( ((( & [سورة ص].
وقال تعالى: * ( المحتويات ( - } - ( { } - ( قرآن كريم ( الله أكبر - - - - - - ( { - - - ( - ( المحتويات ( - مقدمة - - سبحانه وتعالى - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - مقدمة ( - - ( { - صدق الله العظيم ( { ( - - - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - - رضي الله عنه - - ( - - - (((( - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - } - ((- صلى الله عليه وسلم - - } - ( قرآن كريم ( - ( - - - رضي الله عنه - - - - - - - جل جلاله -( - - رضي الله عنهم - - ( - - - عليه السلام -( - - (( - - رضي الله عنه -(( - { تمت قرآن كريم ( - ( - } - (((( & [سورة الصافات].
وشرح بعض العلماء سبب وقوع كفار مكة في الخطأ وعلى ماذا استندوا، فقال ناصر مكارم الشيرازي:
(145/54)
إن المشركين يستندون إلى الأوهام، فلا دليل لهم على ما يدعون سوى أنهم كالببغاء يقلدون آباءهم في التمسك بالخرافات والأساطير التي لا أساس لها من الصحة... ويقبلون الشرك من غير دليل صحيح عليه(1).
ومع كل هذا الضلال لم ييأس النبي ص من هذه الدعوة المباركة، بل بدأ بها مبتدئًا بأقربائه، فدعا عمه أبا طالب الذي حماه من ظلم قريش، وعند احتضاره للموت، قال له: « قل يا عم كلمة أشهد لك بها عند الله تعالى، فقال: لولا أن تقول العرب: إن أبا طالب جزع عند الموت لأقررت بها عينك»، وروي أنه قال: «أنا على دين الأشياخ، وقيل: إنه قال: أنا على دين عبد المطلب». وقيل غير ذلك(2).
واستمر النبي ص في هذه الدعوة حتى دخل كثير من الناس في دين الإسلام
-دين التوحيد- وبلغ قريشًا اليأس من محاربة هذا الدين الجديد الذي يسفه تعلقهم بآلهتهم المزعومة، التي لهم فيها المآرب الشخصية، وجلب الأرزاق من الحجيج الذين يفدون على مكة فيتوسلون بهذه الآلهة الباطلة لتتوسط لهم عند الخالق العظيم، فبذلوا للنبي ص المغريات، وأصبحت العروض تأتي إليه لكي يترك تلك الدعوة، فلم يلتفت إلى ذلك، بل استمر متحملًا مع أصحابه في سبيل دعوة التوحيد أذى قريش وجبروتهم وطغيانهم، حتى انتصرت دعوته بعد ثلاثة عشر عامًا، ولله الحمد والمنة.
أما في عصرنا الحاضر فإننا نرى كثيرًا من الناس -هداهم الله إلى الحق- يسيرون على طريق أهل الجاهلية، مع أنهم يقولون: «لا إله إلا الله»، ثم تراهم يجعلون الأولياء والصالحين شفعاء ووساطات بينهم وبين الله في جميع أنواع العبادات من الدعاء والخوف والنذر والتبرك.
ومع هذا التوضيح قد تتلجلج في صدور بعض المسلمين شبهات ووساوس قد تنخر في هذا الجانب العظيم والركن الوثيق من أركان الإيمان، وهذا ما سيكون مبحثنا في القادم من المباحث بعون الله ومنته.
المبحث الثاني:
__________
(1) تفسير الأمثل: (10/473).
(2) بحار الأنوار: (35/155).
(145/55)
سؤال وجواب في توحيد الألوهية
في هذا المبحث نتناول بعض التساؤلات المتعلقة في جانب العبادة بالبيان والرد، بغية إظهار الحق جليًا لا لبس فيه، خاصة في أعظم ما يقدمه المسلم لنفسه تجاه ربه ألا وهو: كمال العبودية لله سبحانه.
سؤال «1»:
نرى كثيرًا من ضعفاء الناس والمحتاجين يذهبون لأهل الجاه في البلد لكي يتوسطوا لهم عند أصحاب السلطة والرياسة لقضاء حوائجهم الدنيوية.
ونحن لنا حاجاتنا مع الله، فلما كنا نحب الأولياء وخاصة من آل بيت النبي ونتبع طريقهم لأنه هو الحبل المؤدي إلى صراط النجاة، فمن باب أولى أنهم لن يتركوا من يودهم ويحبهم، فحينئذٍ سيكونون لنا وسائط عند الله Q في الدنيا والآخرة.
الجواب:
أولًا: إن هذا الكلام غير صحيح، بل فيه طعن في علم الله Q ورحمته بخلقه، وفيه أيضًا تشبيه للخالق بالمخلوق.
فإن أصحاب السلطة والنفوذ لا يحيطون بكل ما يحصل بين الناس وبكل ما يحتاجونه من نصرة ومساعدة، وربما لا يعطون كل ذي حق حقه، ولا يستطيعون أن يسمعوا ويروا كل أحوال الناس وما يحتاجون إليه، وهذا الميت إذا طلب منه التوسط هل سيسمع من عند قبره فقط أو يسمع البعيد أيضًا، وهل بمقدوره أن يسمع جميع من يدعونه في وقت واحد؟
وإذا كان لا يستطيع ذلك في الدنيا وهو حي فكيف بعد موته؟! وهل من يستطيع ذلك غير الله؟!
أما الله Q فإنه يعلم كل ما كان وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف يكون، ولا يظلم عباده أبدًا، ويسمع كل من يناجيه من مختلف البلدان والألسن والأزمنة - سبحانه وتعالى -.
ثانيًا: إن الله تبارك وتعالى قد بيّن كيفية نهج الأنبياء † في اللجوء إليه سبحانه في كتابه العزيز.
(145/56)
فهذا نوح ؛ نادى ربه فنجاه من الكرب العظيم، وإبراهيم ؛ صدع في قومه مظهرًا تعلقه بربه، فقال: * ( - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - - - - - ( - (( - (- رضي الله عنه - - ( - ( { ( مقدمة - ( - - } ((( مقدمة ( تم بحمد الله ( قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( - ( الله أكبر ( { (( - - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - - - - ( } تم بحمد الله - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - (( - - (((( - صدق الله العظيم ( { - ( - { - - - - ( الله أكبر - رضي الله عنه - - - ( - ( (( مقدمة ( الله أكبر ( - - ( (((( - ( - - عليه السلام - - - رضي الله عنهم - - (((( - - رضي الله عنهم - - فهرس - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنهم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - بسم الله الرحمن الرحيم { - رضي الله عنهم - - ( - - - - { - عليه السلام - - ( - - - رضي الله عنه - - - (( (( مقدمة ( - ( { - رضي الله عنه -( ( المحتويات ( - ( - - رضي الله عنهم -( - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - ( - - رضي الله عنه - - (((( & [سورة الزخرف], وهذا موسى ؛ تحدي آل فرعون، فالتجأ إلى ربه، فقال عند اقتراب جيش فرعون من بني إسرائيل: * - رضي الله عنه - - - - - - - - - } } تمت ( { - (((- رضي الله عنه - تم بحمد الله - ( فهرس - - عليه السلام - - (((( - ( - - عليه السلام - - - رضي الله عنهم - - (((( & [سورة الشعراء]، وزكريا ؛ لما نزل به العجز نادى ربه نداءً خفيًا، وأيوب ؛ عندما مسه الضر نادى ربه وحده، ويوسف ؛ نادى ربه في حال الفتنة، فقال: * - - - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - - - } (( مقدمة ( الله أكبر ( { ( - ( فهرس - - عليه السلام - - - صدق الله العظيم -
(145/57)
- ( مقدمة - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - - - عليه السلام - قرآن كريم ( الله - رضي الله عنه - تم بحمد الله & [يوسف:23]، ويونس ؛ نادى الله وحده في الظلمات.
وسيد البشرنبينا محمد ص قال لصاحبه وهما في الغار: ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟! فقال تعالى: * ( - ( { ( - قرآن كريم ( { - رضي الله عنه - - (( مقدمة ( - ( - ( - (( - - صدق الله العظيم ( تمت - رضي الله عنه - - (- رضي الله عنه -- صلى الله عليه وسلم - تم بحمد الله - - ( { { - - - - - - جل جلاله -- رضي الله عنهم -(- رضي الله عنه - تم بحمد الله & [التوبة:40].
لذلك فمن جعل بينه وبين الله من الواسطات، فإنه ما أحسن الظن بربه أنه هو كاشف الضر والنافع والرزاق، وما سار على نهج المرسلين، وللعلم فإنه ما اتخذ إنسان الواسطة إلا أنه شبه الخالق بالمخلوق.
ثالثًا: إن طلب السؤال من العبد لربه لا يحتاج إلى واسطة كما يظنه بعضهم، فالدعاء وغيره من العبادات الخاصة والمتوجه إلى الله Q، ولا شأن للأنبياء والأولياء فيها، إنما أمرهم منحصر في تبليغ الناس رسالة الله تبارك وتعالى، وتعليم الناس شرع ربهم سبحانه من بعد أن يسألهم الناس.
(145/58)
وقد بين ذلك الله Q في كتابه العزيز؛ فقال تعالى: * - درهم - رضي الله عنه - الله أكبر قرآن كريم ( - - رضي الله عنه -(( - - - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه -( ( - { - ( - - } - - } ( - ( - { - ( - ( تمهيد - ( - (- عليه السلام - قرآن كريم - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( } - } - جل جلاله - - ( - & [البقرة:189]، وقال تعالى: * - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - الله أكبر قرآن كريم ( - - رضي الله عنه -(( - - - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه -( ( - ( - } ( - - - ( الله - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - ( - - - - - - - رضي الله عنه - - ( - ( مقدمة - (( } ( - ( - ( - - - رضي الله عنه - - ( - ( مقدمة - (( ( - - ( تمهيد - - & [البقرة:217].. وقال تعالى: * - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - الله أكبر قرآن كريم ( - - رضي الله عنه -(( - - - ((- رضي الله عنه -( ( - ( - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( - ( - ( - - رضي الله عنهم - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } ( - ( - - - - رضي الله عنهم - - ( - - (( ( المحتويات ( بسم الله الرحمن الرحيم ( { ( - - ( - - - ((((( - - جل جلاله -- رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( } - } - - ( - - - - رضي الله عنهم - - ( - ( - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - رضي الله عنه - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - - رضي الله عنهم - - ( - ((((( الله أكبر & [البقرة:219].. وقال تعالى: * - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - الله أكبر قرآن كريم ( - - رضي الله عنه -(( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه -( - - - رضي
(145/59)
الله عنهم - - (- رضي الله عنه - - - عليه السلام - - ( - - - } ( - ( - (- رضي الله عنهم - - - ((( { ( المحتويات ( - ( - ( - ( - - رضي الله عنهم - - } تمت ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - قرآن كريم ((( - - - - ( تم بحمد الله ( المحتويات ( - ( الله أكبر (- عليه السلام - قرآن كريم ( - ( - - ( & [البقرة:220].. وقال تعالى: * - درهم - رضي الله عنه - الله أكبر قرآن كريم ( - - رضي الله عنه -(( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه -( (( - ( - - رضي الله عنهم - - ( - - - } ( - ( - - عليه السلام - قرآن كريم ( - - { - - صلى الله عليه وسلم - - & [البقرة:222].. وقال تعالى: * - درهم - رضي الله عنه - الله أكبر قرآن كريم ( - - رضي الله عنه -(( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه -( (- رضي الله عنهم -- صلى الله عليه وسلم - - - - - - } ( - ( - (- رضي الله عنهم -- صلى الله عليه وسلم - - - - - - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ( تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - - ( فهرس - - عليه السلام - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - بسم الله الرحمن الرحيم ( - - ( - - صلى الله عليه وسلم -( - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ((( - - - - صدق الله العظيم ( { الله - - ( - - - (((( & [سورة الإسراء].
(145/60)
فهذه الآيات جميعها فيها لفظ «يسألونك»، وفيها الرد التعليمي «قل»، إلا آية واحدة جاءت على خلاف هذا النسق، وهي قوله تعالى: * - - - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - - - - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - - ( - - - رضي الله عنه - تمهيد (( (( - - - رضي الله عنه -( - ( - الله أكبر ( - - ( ( - - ( - - - } ( - - ( - ( - فهرس - - عليه السلام - قرآن كريم ((- رضي الله عنهم - - (( - } - - - - - - - ( { ( تمت - - رضي الله عنه -(- رضي الله عنهم - - } } - قرآن كريم ( تمهيد - ( - - رضي الله عنه - - ( - - عليه السلام - - ( - - ( - ( - } - قرآن كريم ( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( - ( المحتويات ( - ( - - رضي الله عنهم -( - - - - - صلى الله عليه وسلم -( - ( { ( - - رضي الله عنه - - ((((( & [سورة البقرة] فلم يقل سبحانه: «قل»، بل قال سبحانه مباشرة: «فإني قريب»، لأن طلب السؤال خاص بالله ولا يحتاج إلى واسطة بين العبد وربه، حتى من النبي ص، والصالحين من باب أولى، ولأن النبي ص هو رسول بين الله والناس في تبليغ الرسالة والشرع، وأما الدعاء والعبادة فليس بين العبد وربه حجاب أو واسطة، وهو مصداق قوله تعالى: * ( - - ( - ( - فهرس - - عليه السلام - قرآن كريم ((- رضي الله عنهم - - (( - } - - - - - - - ( { ( تمت - - رضي الله عنه -(- رضي الله عنهم - - & [البقرة:186].
رابعًا: إن الله هو وحده الذي كشف ضر الأنبياء والمرسلين، وهو الذي حفظهم، مثلما حفظ موسى في التابوت وهو رضيع، وأنجى يونس من بطن الحوت، وسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
فالسؤال العظيم:
إذا أصابك الكرب هل يقدر الله على كشفه أم لا؟
- وهل يعلم سبحانه بحالك ويسمع صوتك أم لا؟ وأليس اللهُ بكافٍ عباده؟
(145/61)
- أليس الله يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء؟
- وهل الأولياء والصالحون من الوسطاء يخافون عليك أكثر من الله؟
أو سيلطفون بك أكثر من الله؟ أو سيحبونك أكثر من الرحمن الرحيم؟
فنعلم يقينًا أنك ستقول: الأمر لله وحده..
إذًا : يا عبد الله.. لماذا لا تلجأ إلى الله مباشرة دون واسطة ؟!
ونقول لك أيضًا: لماذا تجعل في عبادتك واسطة من الأولياء والصالحين؟
أتظن أن هؤلاء الأولياء أعلم من الله بحالك وأقدر على عطاء سؤالك؟
فإن قلت: «نعم».. فهذا كفر بالله Q، وإن قلت: «لا».. فنقول لك: فلماذا تعدل عن سؤال الله Q إلى سؤال غيره؟!
سؤال «2»:
إن الله Q يقول: * - - رضي الله عنهم - - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - ((( - { - - - } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( } - قرآن كريم ( { ( - - - { - - - } - ( قرآن كريم ((- رضي الله عنه - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( مقدمة ( - - - ( { - - - - - ( - - عليه السلام - قرآن كريم ( - - - & [المائدة:35]. ونحن المذنبون نعلم أن الصالحين لهم من الجاه والمنزلة عند الله ما نؤمل به أننا إذا توسلنا إليه بهم وتقربنا إليه من طريقهم أن يستجيب الله ما طلبناه منه من قضاء الحوائج ودفع الضر وجلب النفع .
الجواب:
لا حجة لهؤلاء على ما استدلوا به في تلك الآية الكريمة من وجوه:
الوجه الأول: أن الوسيلة الشرعية التي أمر الله بها في القرآن الكريم إنما هي عبادة الله Q والتقرب إليه بما شرع(1)، لا أن يكون التقرب بأن يشرك معه في عبادته من دعاء وتوسل وشفاعة ورجاء وخوف أحد من الأولياء والصالحين.
__________
(1) انظر: التوسل المشروع (ص:102-105) من هذا الكتاب.
(145/62)
قال تعالى: * - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه -((( - { - - - - - قرآن كريم ((( - - رضي الله عنه - - - - قرآن كريم ((- رضي الله عنه - - ( تمهيد - رضي الله عنه - - - - فهرس - ( { ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( فهرس - - عليه السلام - - - - - - - ( - - عليه السلام - قرآن كريم ( - - - ( المحتويات ( - - - - صلى الله عليه وسلم - - ( - - رضي الله عنه - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( مقدمة - رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - ( مقدمة - عليه السلام - - - - قرآن كريم (( - - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ((( مقدمة - رضي الله عنه - - - - - - رضي الله عنه -( - } تمت ( { - - - - - - رضي الله عنه -( - رضي الله عنهم - - ( فهرس - - عليه السلام - - - رضي الله عنه - تمت - - - - - جل جلاله - - - صلى الله عليه وسلم -( - (- رضي الله عنه - - - (((( & [سورة الإسراء].
قال مير سيد الحائري الطهراني:
(145/63)
* - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه -((( - { - - - - - قرآن كريم ((( - - رضي الله عنه - - & إلى الله ويطلبون القربة و* - - - - - ( - - عليه السلام - قرآن كريم ( - - - & بالعبادة إليه
* ( المحتويات ( - - - - صلى الله عليه وسلم - - & أفضل و* ( - - رضي الله عنه - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - &، وذكر ذلك حثًا على الإقتداء بهم وترك هذه الطريقة الخبيثة، فليكن الإنسان يرجو رحمة الله ويخاف عذابه * } تمت ( { - - - - - - رضي الله عنه -( - رضي الله عنهم - - ( فهرس - - عليه السلام - - & يجب أن يحذر منه(1).
وقال الشيخ محمد باقر الناصري:
أي يطلبون التقرب إليه بفعل الطاعات... لأن الأنبياء مع علو مرتبتهم وشرف منزلتهم لم يعبدوا غير الله، فأنتم أولى أن لا تعبدوا غير الله(2).
الوجه الثاني: إذا أذنب الإنسان أو أخطأ فعليه أن يتوب إلى الله Q، ولا يحتاج إلى واسطة تقربه إلى ربه، كما قال تعالى: * صدق الله العظيم } تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - ( - - ( - ( - { - - (((( - ( - - - - - - ( { ( فهرس - - رضي الله عنه -(- رضي الله عنهم - - ( - ((( - - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام -(( قرآن كريم - - - - - & [النمل:62]، وأما من جعل في عبادته واسطة تقربه ويتشفع بها عند ربه فإنه يتعبد كما يتعبد النصارى باتخاذهم عيسى وأمه مريم العذراء إ شفعاء عند الله، وكما يتعبد العرب في الجاهلية للصالحين واتخاذهم اللات والعزى شفعاء ووسطاء.
__________
(1) تفسير مقتنيات الدرر: (6/246).
(2) مختصر مجمع البيان: (2/225).
(145/64)
وقال تعالى: * - } تم بحمد الله ( - - ( - - رضي الله عنهم - - ( - - - ((( - - - - بسم الله الرحمن الرحيم - رضي الله عنه - - ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - صدق الله العظيم ( { ( - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - ( - - - ( تمهيد فهرس - - رضي الله عنهم - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - ( - ( - - - - - - (( مقدمة - تم بحمد الله ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( { - { - ( - - (( - - رضي الله عنه - الله أكبر - - - ( تمت - - ( - ( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم - - رضي الله عنهم -( { ( - - - - ( - (( الله أكبر - - - رضي الله عنهم - - ( - - - ((( } (- رضي الله عنه - تمهيد ( الله أكبر ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - - ( تمهيد (- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنهم - - - - بسم الله الرحمن الرحيم ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - (( الله أكبر - - - - ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - - قرآن كريم ( - - (( - ( - (((( ( - ( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - (( - - - صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - صدق الله العظيم ( - ( - ( - - رضي الله عنه - - ( المحتويات ( تمهيد - - - - عليه السلام - - - ( - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - جل جلاله -(((- رضي الله عنه - الله أكبر - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام - قرآن كريم ( - (( - ( - - - - - - ( - (( - - رضي الله عنهم -(( - - - (((( & [سورة المائدة].
(145/65)
فقوله تعالى: * - - رضي الله عنه - الله أكبر - - - ( تمت - - ( - ( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم - - رضي الله عنهم -( { ( - - - & [المائدة:75] يبين لنا فيه حكمة عظيمة من أن عيسى ابن مريم ؛ كان وأمه يأكلان الطعام، فقد أراد الله سبحانه أن يبين لنا صفة الحاجة والفقر في المسيح وأمه، وأن صفتي الحاجة والفقر لا يليقان بمقام الإله العظيم، وأنهما عبدان مخلوقان لله، ولا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم ضرًا ولا نفعًا، لذلك ذكرت الآية التي بعدها على حصر النفع والضر بيد الله تبارك وتعالى.
وهذا ما أكده العلامة ناصر مكارم الشيرازي أيضًا، فقال عن تلك الآية:
إن من تكون له أم حملته في رحمها، ومن يكون محتاجًا إلى كثير من الأمور، فكيف يمكن أن يكون إلهًا؟ ثم إذا كانت أمه صدّيقة فذلك لأنها هي أيضًا على رسالة المسيح، منسجمة معه، وتدافع عن رسالته، لهذا فقد كان عبدًا من عباد الله المقربين، فينبغي أن لا يتخذ معبودًا كما هو السائد بين المسيحيين الذين يخضعون أمام تمثاله إلى حد العبادة(1).
وقال محمد جواد مغنية:
__________
(1) تفسير الأمثل: (4/105).
(145/66)
فإن المراد من «ما» كل ما اتخذ معبودًا من المخلوقات، فيدرج فيه عيسى ومريم والأصنام... أما وجه الاحتجاج على النصارى بهذه الآية: فلأن الإله المعبود هو الذي يملك لعباده ضرًا ونفعًا، وأما العاجز فمحال أن يكون إلهًا، وقد ذكرت الأناجيل أن عيسى الذي يَدَّعُون له الألوهية قد أهين وصُلب ودُفن بعد أن وضعوا إكليل الشوك على رأسه، ومن لا يملك لنفسه ضرًا ولا نفعًا، فبالأولى أن لا يملكها لغيره، ومن كان هذا شأنه لا يعبده عاقل، قال إبراهيم لأبيه: * ( - ( { - رضي الله عنه - - - - - ( مقدمة - ( - - } ( تمهيد - رضي الله عنه - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - المحتويات ( - ( - ( - (( - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - صدق الله العظيم ((- رضي الله عنهم - - ( - - رضي الله عنه - - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ((( - ( - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( - ((( - - رضي الله عنهم - - - جل جلاله -- رضي الله عنه -( - - (( - - { (((( & [سورة مريم]، وكان لأعرابي صنم يقدسه ويعبده وجاءه ذات يوم ليسجد له كعادته فرأى ثعلبًا بالقرب منه، فظن أن الثعلب قصده ليتبرك به، وحين أراد السجود له رأى قذارة الثعلب على رأسه، فثاب إليه رشده، وأخذ يحطم الصنم ويقول:
أرب يبول الثعلبان برأسه ... ... لقد ذل من بالت عليه الثعالب(1)
وهذا ما نعتقده بنبينا محمد ص، فقد رماه قومه بالحجارة، ووصفوه بالكاهن والساحر والمجنون، ورُمي على رأسه الشريف ص سلا الجزور، وهُزم في معركة أحد، وكسرت رباعيته، وشق رأسه الشريف، وطُرد من أرضه وأهله، وحاولوا قتله.
__________
(1) تفسير الكاشف: (3/106)، وانظر: تفسير الميزان: (6/77)، مختصر مجمع البيان: (1/419).
(145/67)
وكذلك الأنبياء والرسل من قبله، كإبراهيم ونوح وزكريا ويوسف وغيرهم، فهم لا يملكون النفع والضر للناس وهم في قبورهم، بل هم مأمورون بتبليغ الناس ما شرع الله Q لهم من توحيده وغير ذلك من العبادات والمعاملات، محذرين من خالفهم بنار جهنم، مبشرين من أطاعهم بجنة عرضها كعرض السموات والأرض.
وما وقع على الآل من بيت النبي ص من كرب وضيق يدل على ضعف حالهم وقلة حيلتهم في دفع قدر الله عنهم، لأنهم لا يملكون لأنفسهم قوة في دفع القتل عنهم وهم أحياء مثل ما وقع لعلي والحسين إ، فكيف سيملكون الحول والقوة لغيرهم وهم أموات؟
ولهذا قال تعالى: * - صدق الله العظيم - ( - { - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله (( مقدمة ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم -( - - صدق الله العظيم - - قرآن كريم (( - ((- رضي الله عنه - - ( - - - ( المحتويات ( - - عليه السلام - - ((- رضي الله عنه - الله أكبر - سبحانه وتعالى - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - } (( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - - - صلى الله عليه وسلم -( - ((- جل جلاله -- رضي الله عنه - - ((((( & [سورة الأعراف].
(145/68)
وقال تعالى على لسان نبيه محمد ص: * - ( - - صدق الله العظيم ( - ( - ( تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - (( } ((- عليه السلام - - ( - - - جل جلاله -(((- رضي الله عنه - الله أكبر - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - - ( - صدق الله العظيم ( { - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -( - - - { ( - - - - ( قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( تمهيد - ( - ( المحتويات فهرس - ((- صلى الله عليه وسلم - - - - ( - - رضي الله عنه -(( - - - ( المحتويات ( - - - جل جلاله -( تمهيد - رضي الله عنه - - ( - { صدق الله العظيم - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ( - - رضي الله عنهم - - ( - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (( - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ((( قرآن كريم - - - - - - ( تمت ( { بسم الله الرحمن الرحيم - - رضي الله عنه - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - صدق الله العظيم ( { ( - - ( - - رضي الله عنه - الله أكبر ( - - (( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - الله ( قرآن كريم - { ( - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( تم بحمد الله ( - ( - ((((( & [سورة الأعراف].
قال محمد جواد مغنية:
هذه عقيدة المسلمين بنبيهم محمد ص أشرف خلق الله أجمعين، لا يملك لنفسه شيئًا فضلًا عن أن يملك لغيره، وهذا الاعتقاد بمحمد ص هو نتيجة حتمية لعقيدة التوحيد... ولكن(1) مهمة الرسول تنحصر بتبليغ الناس رسالات ربهم وإنذار من عصى بالعقاب، وبشارة من أطاعه بالثواب، وأما علم الغيب والنفع والضر فبيد الله وحده(2).
__________
(1) في الأصل (ولكنه).
(2) تفسير الكاشف: (3/431)، وانظر: من هدي القرآن: (3/512).
(145/69)
بل إن النبي ص تبرأ من أن يملك ضرًا أو نفعًا أو هداية لأحد من الخلق استقلالًا من غير إذن الله في هذا.
وقال تعالى على لسان نبيه محمد ص: * ( - ( - - ( - الله أكبر ( { - سبحانه وتعالى - صدق الله العظيم ( - ( - ( تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - ( - ( - - - - - عليه السلام - - - ( - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - جل جلاله - - - { - عليه السلام - - & [الجن:21].
قال أبو جعفر الطوسي:
أمر الله تعالى نبيه محمدًا ص أن يقول للمكلفين:...إني لا أقدر على دفع القدر عنكم ولا إيصال الخير إليكم، وإنما يقدر على ذلك الله تعالى، وإنما أقدر على أن أدعوكم إلى الخير وأهديكم إلى طريق الرشاد، فإن قبلتم نلتم الثواب والنفع،
وإن رددتموه نالكم العقاب وأليم العذاب(1).
وقال السيد محمد تقي الدين المدرسي:
وهذه قمة التجرد لله وتوحيده، ودليل إخلاص المساجد له من قبل
الرسول ص، والآية تحريض على التوجه لله وحده؛ لأنه الذي يملك الضر والرشد، كما أن فيها تحريضًا على الاعتماد على مواهب الله للنفس البشرية والسعي الذاتي كمنهجية سليمة وكجزء من الطريقة(2).
سؤال «3»:
إن الآيات السابقة قد نزلت فيمن عبد الأصنام، فكيف تجعلون الأنبياء والصالحين كالأصنام؟
الجواب:
__________
(1) تفسير التبيان: (10/157)، وانظر: مجمع البيان: (5/373)، جامع الجوامع: (4/759).
(2) تفسير من هدي القرآن: (16/466).
(145/70)
أولًا: قبل الرد على الشبهة لنتذكر الآيات الكريمة الآتية، قال تعالى: * - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( قرآن كريم - رضي الله عنه - - ( - - - (( - - - عليه السلام - - ( مقدمة - } - - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - (- عليه السلام - قرآن كريم ( تم بحمد الله - } - - - } تمت ( { { - - - ((( - ( - ( - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله (( - - - رضي الله عنه -( - - } - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - تمهيد الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - (( - ( - ( - ( - صدق الله العظيم } تم بحمد الله - (( ( - قرآن كريم ( - ( { ( - - - (((( & [سورة فاطر].. وقال تعالى: * - ((( - { - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - - رضي الله عنه - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( { ( - ( - - - - - (( - - { ( المحتويات ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - قرآن كريم ( { فهرس - ( - ( - (((( ( المحتويات (- عليه السلام - قرآن كريم ( تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - ( - ( - - ( - ( - - - عليه السلام - - ( مقدمة - صلى الله عليه وسلم - - } - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - صلى الله عليه وسلم -( - (((( - - - رضي الله عنه - تمت - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - - قرآن كريم ( الله - رضي الله عنهم -(( - ( - (((( & [سورة النحل].
ولنسأل أنفسنا التساؤل الآتي: هل الأحجار تبعث الأموات؟!
(145/71)
والجواب البديهي أن نقول: وبالطبع فالجواب هو:لا، فهي تماثيل للصالحين، وقوله: «والذين» هي أداة صلة موصولة بالعقلاء على الدوام، وليس لها علاقة بالجمادات.
ثانيًا: إن الآيات نزلت في عبادة المشركين، ومن ماثلهم ممن جعل الوسائط من الأولياء والصالحين بينهم وبين الله في عباداتهم، سواء كان توسلًا أو استغاثة
أو شفاعة أو غيرها من العبادات، وسواء أكان عن طريق الأصنام أو الصور
أو الأضرحة أو آثارهم.
فالنصارى يتوسلون ويتشفعون بعيسى وبأمه مريم العذراء إ ومشركو العرب في الجاهلية يتوسلون ويتشفعون باللات والعزى ومناة وآلهة أخرى من الأولياء والصالحين.
قال مير سيد علي الطهراني:
ولما اعتذر المشركون: إننا لا نعبد هؤلاء الأصنام لاعتقادنا أنها آلهة مستقلة، وإنما نعبدها لأجل أنها تماثيل لأشخاص كانوا عند الله من المقربين فنحن نعبدها لأجل الشفاعة(1).
وكما في عصرنا الحاضر فإننا نرى كثيرًا من الناس سلكوا مسلك هؤلاء المخالفين، فإنهم يتوسلون ويتشفعون بالرسول ص وبالأئمة من أهل بيته †، وغيرهم من الأولياء والصالحين، فالأمر سواء.
سؤال «4»:
__________
(1) تفسير مقتنيات الدرر: (9/217)، وانظر: تفسير الجديد: (6/171).
(145/72)
إن الأولياء والصالحين وهم في قبورهم ليسوا كالجمادات، بل هم أحياء يسمعوننا ويعلمون ما يحصل بين الناس، كما قال Q: * - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } (- رضي الله عنه -( - - (- رضي الله عنه -- صلى الله عليه وسلم - تم بحمد الله - رضي الله عنه -((( - { - - - } - قرآن كريم ( - ( - ( - - (( ( - - ( تمهيد - رضي الله عنهم - - ( - - - - بسم الله الرحمن الرحيم - (- عليه السلام - قرآن كريم ( تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - - ( - - رضي الله عنه - - (( - - - عليه السلام - - ( مقدمة - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - - جل جلاله -(( ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( فهرس - - عليه السلام - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - رضي الله عنهم - - ( - ( - ((((( & [سورة آل عمران]. وكما ثبت عن النبي ص بأنه يردّ السلام على من يسلم عليه وهو في قبره.
لذلك فإننا نتوجه إلى أضرحة الأولياء والصالحين ونطلب منهم المدد وأن يتوسطوا لنا ويقربونا عند الله تعالى لقضاء حوائجنا من النفع والضر والرزق والشفاء في الدنيا والآخرة.
الجواب:
هذا تساؤل حق يراد به إثبات باطل، ولبيان مجانبته عن إثبات الحق نذكر الآتي:
أولًا: إن الاستدلال بهذه الآية على أن الأموات يسمعون ويعلمون ما يحصل بين الناس هو استدلال باطل، وليس له من الحق شيء.
بل الشهداء والصالحون لهم حياة برزخية غيبية لا نعلم كيفيتها، وهم مشغولون بالنعيم الذي أنعم الله عليهم به.
قال ناصر مكارم الشيرازي عن حياة الشهداء:
والمقصود من الحياة في الآية هي الحياة البرزخية في عالم ما بعد الموت لا الحياة الجسمانية، وإن لم تختص حياة البرزخية بالشهداء، فللكثيرين من الناس حياة برزخية أيضًا، ولكن حيث إن حياة الشهداء من النمط الرفيع جدًا(1).
وقال الحاج سلطان الجنابذي أيضًا:
__________
(1) تفسير الأمثل: (2/605).
(145/73)
حياة أتم وأكمل وأشرف وأعلى من هذه الحياة الدانية عند ربهم يرزقون بالرزق المناسب لمقامهم عند الرب(1).
وعن أمير المؤمنين ؛ عن النبي ص في حديث طويل في وصف الشهيد، قال: «ويجعل الله روحه في حواصل من طير خضر تسرح في الجنة حيث يشاء، ويأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة بالعرش»(2).
وإذا مات الإنسان وفارق الدنيا ستنقطع أعماله، ويكون مصيره في القبر، إما منعم وإما معذب، فهو في كلتا الحالتين مشغول بما أسلف في دنياه من نعيم أو جحيم، أو بما يقدم له من أعمال نص عليها نبينا ص.
قال ص: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية،
أو علم كان علمه للناس فانتفعوا به، أو ولد صالح يدعو له»(3).
ثانيًا: وأما سماع النبي ص سلامنا وصلاتنا له فإنها من خصائصه لا يشاركه فيها أحد من الخلق؛ لأنها ثبتت بالنص الشرعي الذي لا يقاس عليه غيره من الخلق.
فعن أمير المؤمنين ؛ قال: سمعت رسول الله ص يقول: «لا تتخذوا قبري مسجدًا، ولا بيوتكم قبورًا، وصلوا عليَّ حيثما كنتم؛ فإن صلاتكم وسلامكم يبلغني»(4).
ثالثًا: وأما قولهم بأنهم يذهبون إلى أضرحة الأولياء والصالحين ويطلبون منهم التوسط إلى الله Q لقضاء حوائجهم، فهذا من الشرك بالله Q، ذلك أن أهل
البيت † لا يسمعونهم، ولا يستجيبون لهم من باب أولى، بل هم براء منهم وممن توسل بهم، كبراءة الذئب من دم نبي الله يوسف ؛، ولنا فيهم -ومن قبلهم في رسول الله ص - أسوة حسنة فيما ثبت عنهم بالنص الصحيح.
__________
(1) تفسير بيان السعادة: (1/313).
(2) تفسير نور الثقلين: (1/409)، وانظر: مستدرك الوسائل: (11/10)، بحار الأنوار: (97/12).
(3) شرح نهج البلاغة: (20/258)، بحار الأنوار: (2/23)، عوالي اللآلي: (1/97).
(4) بحار الأنوار: (80/324)، مستدرك الوسائل: (3/343)، كنز الفوائد (2/152).
(145/74)
وهذا كما قال تعالى: * ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - (- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - - ( تم بحمد الله } - قرآن كريم ((( - - رضي الله عنه - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - صدق الله العظيم ( - - ( - - رضي الله عنه - - ( - - - ((( - - - - - فهرس - ( { ( الله ( قرآن كريم - رضي الله عنه - - ( { - رضي الله عنهم - - (- عليه السلام - - ( { ( - - - ( المحتويات ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم - رضي الله عنه -( ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - (( - - - رضي الله عنه -(( - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ((( - ( ((( & [سورة الأحقاف].
قال المولى محسن الكاشاني:
إنكار أن يكون أحد أضل من المشركين، حيث تركوا عبادة السميع المجيب القادر الخبير إلى عبادة من لا يستجيب لهم ولو سمع دعاءهم، فضلًا أن يعلم سرائرهم ويراعي مصالحهم إلى يوم القيامة ما دامت الدنيا، وهم عن دعائهم غافلون؛ لأنهم إما جمادات، وإما عباد مسخرون مشتغلون بأحوالهم(1).
وقال السيد محمد تقي المدرسي:
هكذا هم الشركاء، إنهم لو دعاهم الإنسان إلى يوم القيامة لما استجابوا له، بل هم غافلون عن دعائه يشغلهم شَأْنُهُمُ الخاص عن شؤون الداعين، سواء كان الشركاء الحجرية أو الأموات ممن يزعم الشركاء المشركون أنهم شفعاؤهم يوم القيامة، أو الأصنام البشرية التي تعبد من دون الله، فإن لكل واحد منهم سبب لغفلته عما يدعونهم، أما الأحجار فإنها لا تعي شيئًا، وأما الأموات فهم عند ربهم مجزيون بأعمالهم(2).
__________
(1) تفسير الصافي: (5/11)، وانظر: كنز الدقائق: (12/171)، الجوهر الثمين: (6/7).
(2) تفسير من هدي القرآن: (13/131).
(145/75)
ولنتذكر أن يوم القيامة ستظهر الدعاوى الصادقة من الباطلة، وذلك حين يرى كل مخلوق النار والحساب .
قال تعالى: * ( - ( { - صلى الله عليه وسلم - - { - - رضي الله عنه - - - - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - قرآن كريم ((( - - - - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - ((( - { - - - } - قرآن كريم ((- رضي الله عنه - - } - - - } - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - - - - رضي الله عنهم -(( - - - ( تمهيد - رضي الله عنهم -( { ( - { - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ( - ( - - - رضي الله عنه - - ( - - } - - ((((( - رضي الله عنه - - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - قرآن كريم ((- رضي الله عنه - - } - - - ( قرآن كريم - - - - - صلى الله عليه وسلم - - - - - جل جلاله - - - - - { - - - - صلى الله عليه وسلم - - { - - رضي الله عنه - تمهيد - - - - جل جلاله - - ( ( المحتويات ( - ( { ( تم بحمد الله - - رضي الله عنهم - - - - } - - صلى الله عليه وسلم -(( { - - رضي الله عنه - - - - - } - ( تم بحمد الله & [البقرة:166-167].
(145/76)
وقال تعالى: * - - - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -(- عليه السلام - - - ((( - { - - - } - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - ((- صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - عليه السلام -( - - - - - عليه السلام - - (( } - قرآن كريم ( - - - - - - - جل جلاله -( - - عليه السلام - - ((- سبحانه وتعالى - صدق الله العظيم ( - ((- رضي الله عنهم - - - - رضي الله عنه - الله أكبر (- رضي الله عنه - - - - - - عليه السلام - - (( - رضي الله عنه -((( - { - - - - } - ( - } - قرآن كريم ((( - - رضي الله عنه - الله أكبر صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - درهم ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم -( - } } - ( قرآن كريم - { ( - - صلى الله عليه وسلم - - - ( ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - - - ( { - رضي الله عنه - - ( قرآن كريم - { ( - - - ( المحتويات ( - ( الله أكبر ( { - - قرآن كريم ( - ( - ( - تمهيد - - & [النحل:86]، وكأن الرد عليهم كما في قوله: * ( المحتويات ( - ( - ( - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم ( قرآن كريم - رضي الله عنه - - ( { - (( - - - رضي الله عنهم - - - ( - ( { ( - قرآن كريم ( - ( { ( - - - - - رضي الله عنه - - - - ( - ( - - - عليه السلام - - { - رضي الله عنه -( - - - - رضي الله عنه -((( - ((( - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه -((( - ( - ( { ( - ( - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - بسم الله الرحمن الرحيم - ( - - قرآن كريم - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( - (( - { (( - - (( - (((( & [سورة غافر].
(145/77)
وقال تعالى عن عيسى ؛: * ( - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - - - - - ( - - - ( - } - (((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنه -((( - - - المحتويات - رضي الله عنه - - ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - تمهيد الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -( - تمهيد ( - ( - ( } - } - - ( - - ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( تم بحمد الله - - - عليه السلام - - ( - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ((((- رضي الله عنهم - - ( - - ( { صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - } - رضي الله عنه - - - - - - رضي الله عنهم - - - - جل جلاله -(- رضي الله عنهم - - ( تمهيد ( - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( تمت قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - - ( - ( - ( تمت - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - - قرآن كريم ( - - صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله { { ( - - - - ( - - - - - رضي الله عنهم - - ( - - تمت ( { ( تمهيد - ( - (( مقدمة ( - ( - ( - ( - - { - ( (( مقدمة - رضي الله عنه - - ( - ( - - رضي الله عنه -( - ( المحتويات فهرس - (( - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - (( (( } ((- رضي الله عنه - الله أكبر - سبحانه وتعالى - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم فهرس - ((- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - (( - رضي الله عنهم - - ( - ((- رضي الله عنه - الله أكبر - - رضي الله عنهم - - } الله أكبر ( { - تمهيد الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات (( - - رضي الله عنه -( ( - قرآن كريم ( - ((( - - - ((((( & [سورة المائدة]،
(145/78)
فقال عيسى متبرئًا: * - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( تمهيد ( - ( - ( المحتويات ( - مقدمة - - صدق الله العظيم ( { - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله (( - - - ( - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((( مقدمة ( - ( تمت - صلى الله عليه وسلم - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( تمهيد (( - - { - - - - ( فهرس - - عليه السلام - - ( المحتويات ( - ( - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( تمهيد - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( - - جل جلاله - - - ( - - رضي الله عنهم -( - } تم بحمد الله ( تمهيد ( تم بحمد الله ( - ( المحتويات ( - - (( } - - - فهرس - - ( (( - - رضي الله عنه - - ( - { (- عليه السلام - قرآن كريم - - - تمهيد - جل جلاله -( - - تمهيد الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - - - ( - { - - - - ( المحتويات ( - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( - - تمهيد الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - فهرس - - رضي الله عنه -( (- صلى الله عليه وسلم - - ( - - ((( - ( ( - - ( - - رضي الله عنهم -( ((((( & [سورة المائدة].
أي: ليس لي علم إلا بما شاهدته وحضرته حال معيشتي معهم، وأما وأنا غائب عنهم فلا أعلم عنهم شيئًا.
(145/79)
وقال تعالى: * تمت ( { ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - قرآن كريم ((( - - - - صدق الله العظيم } - قرآن كريم ((- رضي الله عنهم - - ( - - - ( - ( - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنه -(( - ( قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - قرآن كريم (((( - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله } - قرآن كريم ( - - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - - ( - - - ( - ( - - - } - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم ( قرآن كريم - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( { - رضي الله عنهم - - (- عليه السلام - - ( { ( - - - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ((( - - رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - ( - ( - ((( - - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - ( { ( مقدمة - - عليه السلام - - ( - ( - ( الله ( تم بحمد الله - - - ( - - رضي الله عنهم - - (((( & [سورة فاطر].
قال السيد محمد تقي المدرسي:
(145/80)
فكيف يسمعون نجواكم أو سركم، أو حين تدعونهم في الظلمات؟ ولو افترضنا أنهم سمعوا دعاءكم لم يستجيبوا لكم؛ لأنهم لا يملكون دفع الضر عن أنفسهم، فكيف بجلب الخير لكم؟ * - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم ( قرآن كريم - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( { - رضي الله عنهم - - (- عليه السلام - - ( { ( - - - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ((( - - رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - ( - ( - ((( - & الملائكة والأنبياء كعيسى والأولياء الصالحون سيكفرون بشرككم * - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - ( { ( مقدمة - - عليه السلام - - ( - ( - ( الله ( تم بحمد الله - - - ( - - رضي الله عنهم - - (((( & الخبير هو الذي خَبَرَ الشيءَ، وعرف أبعاده، وَمَنْ أَخْبَرُ من الرب وهو الخالق المحيط بكل شيء علمًا؟(1).
وقال محمد جواد مغنية:
__________
(1) تفسير من هدي القرآن: (11/39).
(145/81)
* تمت ( { ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - قرآن كريم ((( - - - - صدق الله العظيم } - قرآن كريم ((- رضي الله عنهم - - ( - - - ( - ( - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنه -(( - & إن كانوا بلا إحساس وشعور كالأحجار والأشجار والكواكب * ( قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - قرآن كريم (((( - - & إن كانوا من الإنس أو الجن أو الملائكة * - - رضي الله عنه - تم بحمد الله } - قرآن كريم ( - - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - - ( - - - ( - ( - - - & لأنهم لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًا، فكيف يملكون ذلك لغيرهم؟ * - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم ( قرآن كريم - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( { - رضي الله عنهم - - (- عليه السلام - - ( { ( - - - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ((( - - رضي الله عنه - - ( المحتويات ( - ( - ( - ((( - & يبرأون منكم ويوبخونكم على الشرك والضلال * - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - ( { ( مقدمة - - عليه السلام - - ( - ( - ( الله ( تم بحمد الله - - - ( - - رضي الله عنهم - - (((( & بمصير هؤلاء المكذبين بنبوتك يا محمد وغيرهم من العصاة والطغاة(1).
__________
(1) تفسير الكاشف: (6/284)، وانظر: من وحي القرآن: (19/104).
(145/82)
وقال تعالى: * - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم ( قرآن كريم - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ( - (((- رضي الله عنه - صدق الله العظيم - عز وجل - - - جل جلاله -( - ( - - - { المحتويات ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - قرآن كريم ( { - رضي الله عنه - الله أكبر - رضي الله عنه -((( - { - ( - } - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - ((- صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - رضي الله عنه - الله أكبر - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( - ( - (- رضي الله عنه - - - - - - عليه السلام - - ((- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - عليه السلام - - ( - ( - - رضي الله عنه - - - ( ( المحتويات ( - - عليه السلام - - ( - - رضي الله عنه - - } - رضي الله عنه - - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - المحتويات ( - (- رضي الله عنه - - - - - - عليه السلام - - (( - } تم بحمد الله ( - ((- جل جلاله -( - - - رضي الله عنه - الله أكبر - ( - ( { - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - (( - - (((( & [سورة يونس].
قال محمد حسين فضل الله:
(145/83)
* - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم ( قرآن كريم - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ( - (((- رضي الله عنه - صدق الله العظيم - عز وجل - - - جل جلاله -( - ( - - - & فلا يتخلف منهم أحد * { المحتويات ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - قرآن كريم ( { - رضي الله عنه - الله أكبر - رضي الله عنه -((( - { - ( - } - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - ((- صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - رضي الله عنه - الله أكبر - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( - ( - (- رضي الله عنه - - - - - - عليه السلام - - ((- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - & قفوا... لا تتحركوا، وليلزم كل واحد منكم مكانه، وليلزم كل واحد من شركائكم مكانه، وواجهوا الحقيقة الساحقة التي تتساقط فيها الآمال أمام تساقط المواقف، فهاهم أولاء الذين أشركوهم بعبادة ربهم، وعبدوهم من دونه، لا يتعرفون بهم، ولا يملكون لهم نفعًا ولا شفاعة * - - عليه السلام - - ( - ( - - رضي الله عنه - - - ( ( المحتويات ( - - عليه السلام - - ( - - رضي الله عنه - - & أي: قطعنا الروابط بينهم، فلا صلة تربطهم بهم , وهاهم يواجهونهم بالتنكر لهم والرفض لعبادتهم ليتخلصوا من مسؤوليتهم، فينكروا عليهم عبادتهم لهم؛ لئلا يتحملوا مسؤولية شركهم وضلالهم من موقع الإغراء والخديعة والتضليل، فما كانوا يمارسونه معهم * - رضي الله عنه - - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - المحتويات ( - (- رضي الله عنه - - - - - - عليه السلام - - (( - } تم بحمد الله ( - ((- جل جلاله -( - - - رضي الله عنه - الله أكبر - ( - ( { - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - (( - - (((( & لأننا لم نأمركم بذلك ليكون عملكم عبادة لنا من
(145/84)
موقع الخضوع والطاعة للأمر الصادر منا، وربما كان ذلك على سبيل الكناية من جهة عدم استحقاقهم للعبادة حتى لا يواجهوا مسؤولية ذلك أمام الله(1).
المبحث الثالث:
خطر الوقوع في الشرك
إن التوحيد الخالص للَّه يعني عدم الإشراك به سبحانه؛ لأن الشرك ظلم عظيم، وخطر جسيم، كما قال تعالى: * - - ( { - - ( - (- صلى الله عليه وسلم -( - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - (( - - ( بسم الله الرحمن الرحيم - ((- رضي الله عنه -( (((( & [لقمان:13]، وقال تعالى:
* } تمت ( { { - - - - صدق الله العظيم ( - ((((- رضي الله عنه - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - - - عليه السلام - - ((( - (( مقدمة ( - ( - ((((- رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - - صلى الله عليه وسلم -( - - درهم ( - ( - - صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - ( - (( - - - رضي الله عنه -( - - & [النساء:116].
قال الشيخ محمد السبزواري النجفي:
__________
(1) تفسير من وحي القرآن: (11/292).
(145/85)
أي أنه تعالى غفار للذنوب، ولكن الشرك به لا يغفره مطلقًا، وقد حكم على المشرك به بالخلود في عذاب النار؛ لأن أثر هذا الذنب لا ينمحي ولا يشمله العفو إلا أن يتوب المشرك ويرجع إلى الإسلام والتسليم لله تعالى بالوحدانية والربوبية، فتجبُّ توبته ما قبلها من الشرك * ( - ((((- رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - - صلى الله عليه وسلم -( - - درهم ( - ( - - & أي: ما سوى الشرك، من المعاصي وصغار الذنوب؛ فإنه يغفرها بلا توبة * صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - ( - (( - - - رضي الله عنه -( - - & للذين يريد لهم المغفرة والتجاوز تفضلًا منه وكرمًا؛ لأن مقتضى هذه الحالة هو الوقوف بين الخوف والرجاء، فلا إغراء فيه بعدم التوبة(1).
وهناك خطر على عمل وإيمان العبد لم يستثن منه أحد، ولا عصمة لبشر من العقاب إن وقع منه.
__________
(1) تفسير الجديد: (2/297)، وانظر: تفسير جامع الجوامع: (1/261)، تفسير الوجيز: (1/318).
(145/86)
وهو ما جاء في قوله تعالى مخاطبًا نبيه محمدًا ص: * ( - - { - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ((- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( { - فهرس - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه -((( - { - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - درهم ( - ( تمهيد - - (((( - - - تمهيد ( - - عليه السلام - - ((- صلى الله عليه وسلم - - - صدق الله العظيم - (- رضي الله عنه - تمهيد ( - - عليه السلام - - - - - رضي الله عنهم - - ( - - عليه السلام - - - ( - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - الله أكبر قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - صدق الله العظيم - ( - ( - ( - - ( - - - (((( & [الزمر].
قال السيد محمد الحسيني الشيرازي:
أكد الله سبحانه شأن التوحيد حتى إن كل أحد أشرك حبط عمله ولو كان نبيًا... ولقد أوحي إليك يا رسول الله وإلى الذين من قبلك من الأنبياء والرسل لئن أشركت بالله ودعوت معه غيره ليحبطن عملك، وحبط العمل بطلانه، بأن لا يكون له ثواب، أي: لم يكن لك أجرٌ على أعمالك الحسنة، ولتكونن حيث أشركت من الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم ودنياهم وآخرتهم، وتوجه الخطاب إلى الرسول وسائر الرسل لتنبيه الناس بأن الأمر هكذا حتى بالنسبة إلى أعظم الناس(1).
__________
(1) تفسير تقريب القرآن: (24/30).
(145/87)
وهذا ما كان يعلمه خليل الرحمن إبراهيم ؛، كان يخاف على نفسه وعلى أولاده من الشرك، وقد ذكر تعالى عنه قوله: * (( - ( - (- جل جلاله -( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (( - - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - ( - ((( الله أكبر - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم - - - جل جلاله -(( - } - - (((( & [سورة إبراهيم].
وهذا خاتم الأنبياء والمرسلين محمد ص كان يخاف على أمته من الشرك أيضًا.
روى المجلسي في بحاره أن النبي ص قال: «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر! قيل: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرياء»(1).
وعن جابر بن عبد الله ب عن النبي ص أنه قال: «الموجبتان: من مات يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله شيئًا يدخل النار»(2).
وعن الرضا علي بن موسى ؛ عن آبائه † قال: قال رسول الله ص: «إن لا إله إلا الله كلمة عظيمة كريمة على الله Q، من قالها مخلصًا استوجب الجنة، ومن قالها كاذبًا عصمت ماله ودمه وكان مصيره إلى النار»(3).
قال المجلسي معلقًا على قوله ص: «ومن قالها كاذبًا»: أي في الإخبار عن الإذعان لها، والتصديق بها(4).
ولهذا فقد بين سبحانه أن الشرك لا يغفره بدون التوبة، وهذا يوضح لك شدة خطره، فمن مات على الشرك فقد باء بالخسران والعياذ بالله، ولهذا حذر منه الأنبياء والأئمة †، وجعلوا الوقوع فيه موجبًا للنار وبئس المصير، وأمروا بالتوحيد الخالص لله، وهذا هو الطريق للفوز برضا الله ودخول جنته.
__________
(1) بحار الأنوار: (72/266).
(2) بحار الأنوار: (3/5).
(3) بحار الأنوار: (3/5).
(4) بحار الأنوار: (3/5).
(145/88)
ولما كان آل بيت النبي ص يحذرون من الإشراك بالله سبحانه ولو كان يسيرًا حقيرًا في أعين العوام، وهذا ما كان يخشاه أمير المؤمنين علي ؛ مثل ما جاء عنه أنه إذا توضأ لم يدع أحدًا يصب عليه الماء، فقيل له: يا أمير المؤمنين، لم لا تدعهم يصبون عليك الماء؟ فقال: لا أحب أن أشرك في صلاتي أحدًا(1).
لذلك سوف نذكر بعض المعتقدات والعبادات التي انحرفت فئة من الناس فيها عن الطريق المستقيم من بعد أن بينا خطر الوقوع في الشرك، سائلين المولى Q أن يكون هذا الكتاب حجة لنا لا علينا.
المبحث الرابع:
أمثلة لوقوع الشرك بين الناس
أولاً: الصور والتماثيل:
من المداخل الخطيرة لباب الشرك والتي تعد من الأمور العظيمة التي نهى عنها الله Q: الصور، وذلك لما يفعله ذلك المصور من تصاوير يضاهي بها خلق الله Q.
نقل النوري الطبرسي عن كتاب لب اللباب: أنه يخرج عنق من النار، فيقول: أين من كذب على الله؟ وأين من ضاد الله؟ وأين من استخف بالله؟ فيقولون: ومن هذه الأصنام الثلاثة؟ فيقول: من سحر فقد كذب على الله، ومن صوَّر التصاوير فقد ضاد الله، ومن تراءى في عمله فقد استخف بالله(2).
والمقصود من التصاوير التي حذر النبي ص منها: إما أن تكون تصوير ذوات الأرواح، لا سيما تصوير المعظمين من البشر كالأنبياء والأولياء والعلماء وغيرهم، أو ما يكون رسمًا في قماش، سواء أكان هذا الرسم عن طريق رسم الصورة على لوحة أو ورقة أو جدار، وكل ذلك يعد من الفعل المحرم؛ لأنه يعد وسيلة من الوسائل المؤدية إلى الشرك وفساد العقيدة بين الناس؛ لأن أول شرك حدث في الأرض كان بسبب التصوير ونصب الصور.
__________
(1) انظر: من لا يحضره الفقيه: (1/43).
(2) مستدرك الوسائل: (3/454)، (13/110).
(145/89)
جاء في الخبر عن أبي جعفر ؛: أن إبليس هو أوّل من صور صورة على مثال آدم ؛ ليفتن بها الناس، ويضلهم عن عبادة الله، ثم صوّر صورة «وُدّ»، وهكذا بعده «سواع» «فيغوث» ثم «يعوق»، حتى بعث الله إدريس ؛ فحذرهم من عبادة الأصنام ونهاهم عنها(1).
ولهذا لعن النبي ص المصورين، وأخبر أنهم أشد الناس عذابًا يوم القيامة، وأمر بطمس الصور، وأخبر أن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة، كل ذلك من أجل مفاسدها وشدة مخاطرها على الأمة في عقيدتها.
وأما اليوم فإننا نرى كثيرًا من الناسَ -هداهم الله إلى الحق- يعلقون صور الأنبياء والأولياء والعلماء وغيرهم في المساجد ومجالس الذكر والبيوت، وغيرها من الأماكن، أو يعلقون صورة النبي ص وآل بيته الطاهرين، وصورة نبي الله نوح وسليمان بن داود † وغيرهم، سالكين بذلك مسلك المخالفين من النصارى والمشركين وغيرهم من غير علم.
وقد نقل النوري الطبرسي من كتاب عوالي اللآلي أن النبي ص قال: «إن أهل هذه الصور يُعذَّبُون يوم القيامة، يُقال: احيوا ما خلقتم»(2).
وروى المجلسي في بحاره: أن رجلًا قال لابن عباس ب: إني أصور هذه الصور، فأفتني فيها! قال: سمعت رسول الله ص يقول: «كلُ مصور في النار، يجعل له لكل صورة صورها نفسًا فتعذبه في جهنم»(3).
وقد بوب ابن بابويه القمي في كتاب «من لا يحضره الفقيه» بابًا بعنوان: ذكر جمل من مناهي النبي ص، ثم قال: ونهى عن التصاوير وقال: «من صور صورة كلفه الله يوم القيامة أن ينفخ فيها وليس بنافخ»(4).
وعن أبي جعفر ؛ قال: إن الذين يؤذون الله ورسوله هم المصورون يكلفون يوم القيامة أن ينفخوا فيها الروح(5).
__________
(1) انظر: قصص الأنبياء: (67).
(2) مستدرك الوسائل: (13/210).
(3) بحار الأنوار: (80/245).
(4) من لا يحضره الفقيه:(4/5) وانظر:وسائل الشيعة:(17/297) بحار الأنوار:(80/244)، مجموعة ورام:(2/256).
(5) وسائل الشيعة: (5/307)، بحار الأنوار: (76/287)، المحاسن: (2/616).
(145/90)
وعن أبي عبد الله ؛، عن أبيه، عن آبائه قال: قال أمير المؤمنين: إياكم وعمل الصور؛ فإنكم تُسألون عنها يوم القيامة(1).
وعن محمد بن مروان، عن أبي عبد الله ؛ قال: سمعته يقول: ثلاثة يعذبون يوم القيامة: من صور صورة من الحيوان يُعذب حتى ينفُخ فيها، وليس بنافخ(2).
وهذا ما وصى به النبي ص أصحابه، وخص عليًا ؛ بذلك.
فعن أبي عبد الله ؛ قال: قال أمير المؤمنين ؛: بعثني رسول الله ص إلى المدينة، فقال: «لا تدع صورة إلا محوتها، ولا قبرًا إلا سويته، ولا كلبًا إلا قتلته»(3).
وقد يقول قائل: هذا النهي الصريح من سيدنا المصطفى ص إنما جاء في حق أولئك الذين يصورون الصور على شكل التماثيل المنحوتة، ولم يأت النهيُ عن التصوير الذي يُعرف بالرسم، أو ما يوضع على الجدار والقماش، فلم التشديد على الناس في ذلك؟
والجواب على هذه المقولة يأتي من نهي أحبابنا من آل البيت الأطهار †، فمن ذلك:
عن جراح المدائني، عن أبي عبد الله ؛ قال: لا تبنوا على القبور ولا تصوروا سقوف البيوت، فإن رسول الله ص كره ذلك(4).
ومن المعلوم بداهة أن السقوف لا يمكن وضع التماثيل بها، فكان النهي عن التصاوير التي على شكل الرسم.
وجاء في الأخبار الصحيحة النهي الصريح عن التصاوير المرسومة، والتي تكون في الستور، فجاء أن رسول الله ص كان إذا رأى سترًا فيه التصاوير أمر أن تقطع رأس تلك الصور(5).
وضرر هذا الأمر يبلغ إلى أمر خطير وهو: نزع البركة وذهاب الخير من البيوت، عند نفور الملائكة من التصاوير.
وهذا ما نقله النوري الطبرسي عن درر اللآلي: عن النبي ص أنه قال: «لا تدخل الملائكة بيتًا فيه صورة ولا كلب ولا جنب»(6).
__________
(1) مستدرك الوسائل: (13/210).
(2) الخصال: (1/108)، ثواب الأعمال: (223)، وسائل الشيعة: (17/297)، بحار الأنوار: (73/350).
(3) وسائل الشيعة: (3/562).
(4) وسائل الشيعة: (3/562).
(5) شرح نهج البلاغة: (9/234).
(6) مستدرك الوسائل: (3/453).
(145/91)
ولعل المحب لآل بيت النبي ص ينشرح صدره بتفسير الدميري للحديث السابق حيث يقول: وأما قوله ص: «لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا صورة»، فقال العلماء: سبب امتناعهم من البيت الذي فيه الصور كونها معصية فاحشة، وفيها مضاهاة خلق الله تعالى، وبعضها في صورة ما يعبدون من دون الله Q(1).
ولحرص الأئمة † على التوحيد وإخلاص العمل لله، فقد حذروا من الصلاة في مكان يكون فيه تماثيل أو تصاوير مرسومة، ونهوا عنه في فتاواهم †.
فعن عبد الله بن الحسن، عن جده علي بن جعفر، عن أخيه موسى ؛ قال: وسألته عن البيت قد صوّر فيه طير أو سمكة أو شبهه، يعبث به أهل البيت، هل تصلح الصلاة فيه؟ قال: لا، حتى يُقطع رأسه أو يفسده، وإن كان قد صلى فليس عليه إعادة. وسألته عن الدار والحجرة فيها تماثيل: أيُصلى فيها؟ قال: لا يُصلى فيها وشيء منها مستقبلك، إلا أن لا تجد بُدًا فتقطع رؤوسها، وإلا فلا تصل فيها(2).
وعن الحسن، عن جده علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر ؛ قال: سألته عن مسجد يكون فيه تصاوير وتماثيل: يُصلى فيه؟ فقال: تُكسر رؤوس التماثيل وتلطخ رؤوس التصاوير -أي: المرسومة- ويصلى فيه ولا بأس(3).
وعن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله ؛: إنا نبسط عندنا الوسائد فيها التماثيل -أي: المرسومة- ونفترشها، فقال: لا بأس بما يُبسط منها ويفترش ويوطأ، إنما يكره منها ما نصب على الحائط والسرير(4).
ولله در الإمام جعفر ؛، من هذه الإجابة التي تخرج من مشكاة النبوة، حين أوضح بالتفصيل أن ما يكون مهانًا من هذه الرسوم فلا بأس باقتنائه، أما ما يكون فيه دلالة على التعظيم، مثل أن يوضع على الجدران؛ فهذا قد بين حرمته وعظيم جرمه.
__________
(1) انظر: بحار الأنوار: (62/54).
(2) بحار الأنوار: (80/288).
(3) وسائل الشيعة: (5/172).
(4) وسائل الشيعة: (12/220).
(145/92)
وعن سعد بن إسماعيل، عن أبيه، قال: سألت أبا الحسن الرضا ؛ عن المصلى والبسائط يكون عليها التماثيل: أيقوم عليه فيصلي أم لا؟ فقال: والله إني لأكره. وعن رجل دخل على رجل عنده بساط عليه تمثال فقال: أتجد ههنا مثالًا؟ فقال: لا تجد عليه ولا تصل عليه(1).
وكل ما سبق ذكره من الأقوال والتحذيرات عن النبي صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين في هذا الجانب العظيم لم يكن إلا لسد باب عظيم يدخل منه الشرك إلى المسلمين من جانب التعظيم والغلو، وهم لا يشعرون، مثلما حدث لمن سبق من الأمم الغابرة.
ثانيًا: الغلو في الصالحين:
مما يقود إليه أمر التفريط والتهاون في التوحيد، الإفراط والغلو في الصالحين، وهذا الأمر من أشنع وأخطر ما يهدم جناب التوحيد، ولربما هو الباب إلى كل شرك وشر.
والغلو: مجاوزة الحد، كأن يجعل للصالحين حقًا من حقوق الله الخاصة به؛ فإن حق الله الذي لا يشاركه فيه مشارك هو الكمال المطلق، والغنى المطلق، والتصرف المطلق من جميع الوجوه، وأنه لا يستحق العبادة والتأليه أحد سواه سبحانه.
فمن غلا في أحد من المخلوقين حتى جعل له نصيبًا من هذه الأشياء فقد ساوى به رب العالمين، وذلك أعظم الشرك.
ومن رفع أحدًا من الصالحين فوق منزلته التي أنزله الله بها فقد غلا فيه، وذلك وسيلة إلى الشرك وهدم للدين.
قال رسول الله ص: «لا ترفعوني فوق حقي، فإن الله تعالى اتخذني عبدًا قبل أن يتخذني نبيًا»(2).
والناس في تعاملهم مع الصالحين على ثلاثة أقسام:
أهل الجفاء: الذين يهضمونهم حقوقهم، ولا يقومون بحقهم من الحب والموالاة لهم والتوقير والتبجيل.
أهل الغلو: الذين يرفعونهم فوق منزلتهم التي أنزلهم الله.
أهل الحق: الذين يحبونهم ويوالونهم، ويقومون بحقوقهم الحقيقية، ولكنهم يبرؤون من الغلو فيهم، وادعاء عصمتهم.
__________
(1) وسائل الشيعة: (3/462).
(2) نوادر الراوندي: (16).
(145/93)
وأهل الصلاح يتبرؤون من أن يدّعوا لأنفسهم حقًا من حقوق ربهم الخاصة، كما قال تعالى عن عيسى ابن مريم: * - رضي الله عنهم - - - - جل جلاله -(- رضي الله عنهم - - ( تمهيد ( - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( تمت قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - - ( - ( - ( تمت - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - - قرآن كريم ( - - صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله { { ( - - - - ( - - - - - رضي الله عنهم - - ( - & [المائدة:116] وهذا ما سار عليه وانتهجه واعتقده الآل الكرام †.
ولنأخذ مثالًا على ذلك:
هذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ؛ قد انقسم فيه المسلمون على ثلاثة أصناف، منهم من غلا في حبه، وجعل له المنزلة المساوية لمنزلة الرب جل جلاله(1).
ومن أمثلة غلوهم فيه ؛: زعمهم أن الله قد عرض ولايته ؛ على الأنبياء والمرسلين، فقبلها بعضهم وأنكرها آخرون، ولما وقع الإنكار حدثت البلايا، ذلك أن المصائب نزلت على الرسل والأنبياء، مثل ما لقي آدم من المعصية، وما لقي نوح من الغرق، وما لقي إبراهيم من النار، وما لقي يوسف من الجب، وما لقي أيوب من البلاء، وما لقي داود من الخطيئة، وما لقي يونس من الغرق(2).
والأدهى من ذلك دعواهم أن الذي أنجاهم هو أمير المؤمنين بنفسه بأمر الله(3).
ومن يقرأ مثل هذه الروايات يجد أن إدراج لفظ الجلالة في سياق الكلام ما هو إلا لذرّ الرماد على العيون، ولتلطيف العبارة الشنيعة، وإلا فأمير المؤمنين -كما زعموا- قد أعطي التصرف المطلق، المنبثق من القدرة الذاتية.
ومنهم من غلا في بغضه كالخوارج والنواصب ومن ماثلهم.
__________
(1) انظر: (ص:19) من هذا الكتاب.
(2) انظر: تفسير نور الثقلين: (3/435)، بحار الأنوار: (61/52)، قصص الأنبياء للجزائري: (438)، المناقب: (4/138).
(3) انظر: الأنوار النعمانية: (1/31)، بحار الأنوار: (26/5).
(145/94)
ومنهم من أعطاه حقه ومنزلته في المحبة والموالاة التي تليق به، ولم يغلُ في منزلته وهم أهل الحق.
وقد حذَّر أمير المؤمنين ؛ من خطورة الغلو خاصة فيه، فقال: يهلك فيّ اثنان: محب غالٍ، ومبغض غالٍ(1).
وقال أمير المؤمنين ؛: وسيهلك فيَّ صنفان: محب مفرط يذهب به الحب إلى غير الحق، ومبغض مفرط يذهب به البغض إلى غير الحق، وخير الناس فيّ حالًا النمط الأوسط فالزموه(2).
وقال أمير المؤمنين ؛: دعاني رسول الله ص فقال: «إن فيك مثلًا من عيسى، أبغضته يهود خيبر حتى بهتوا أمه، وأحبته النصارى حتى أنزلوه المنزلة التي ليسَ له، ألا فإنه يهلك فيَّ اثنان: محب مفرط يفرط بما ليس فيَّ، ومبغض يحمله بغضي على أن يبهتني، ألا إني لست بنبي ولا يوحى إلي، ولكني أعمل بكتاب الله وسنة نبيه ما استطعت، فما أمرتكم من طاعة الله فحق عليكم طاعتي فيما أحببتم أو كرهتم»(3).
بل اشتد وعيده ؛ وقوله على من غلا فيه ورفع من مكانته فيما ليس له، فقال: اللهم إني بريء من الغلاة كبراءة عيسى ابن مريم من النصارى، اللهم اخذلهم أبدًا، ولا تنصر منهم أحدًا (4) ) .
وهذا ما فطن إليه سائر الأئمة † فنبهوا عليه، وتكاثرت عباراتهم حوله.
فقال الصادق ؛: الغلاة شر خلق الله، يصغرون عظمة الله، ويدّعون الربوبية لعباد الله، والله إن الغلاة لشر من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا(5).
وهذا التحذير الخطيرمن الأئمة † يقودنا إلى التفتيش عن أساس الغلو ومنشأه فيهم، وهو ما كفانا مؤنته أبا عبد الله ؛.
__________
(1) بحار الأنوار: (25/285).
(2) شرح نهج البلاغة: (8/112) ، بحار الأنوار: (23/372).
(3) بحار الأنوار: (35/317) ، العمدة: (211).
(4) بحار الأنوار: (25/284) , امالي الطوسي: ( 650 ) , المناقب: ( 1/263 ).
(5) المصدر السابق
(145/95)
فعن أبان بن عثمان قال: سمعت أبا عبد الله ؛ يقول: لعن الله عبد الله بن سبأ إنه ادّعى الربوبية في أمير المؤمنين، وكان والله أمير المؤمنين عبدًا طائعًا، الويل لمن كذب علينا، وإن قومًا يقولون فينا ما لا نقول في أنفسنا، نبرأ إلى الله منهم، نبرأ إلى الله منهم(1).
والأمر لم يكن خافيًا عن انتباه الأئمة؛ إلى حال بعض محبيهم من شيعتهم وما سيؤدي إليه فرط حبهم فيهم، فتكلموا فيه وحذروا منه، فجاء عن ابن أبي نجران عن عبد الله قال: قال أبو عبدالله ؛: إنا أهل بيت صدّيقون، لا نخلو من كذاب يكذب علينا، ويسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس(2).
ولنتذكر دائمًا أن الأئمة؛ يرجون رحمة الله ويخافون عقابه، وهم يدعون الله سبحانه دائمًا وليس لهم من ميزة عن غيرهم، وهذا لسان قولهم ينطق بهذا:
فيقول الإمام جعفر بن محمد الصادق ؛: فوالله ما نحن إلا عبيد الذي خلقنا واصطفانا، ما نقدر على ضر ولا نفع، إن رحمنا فبرحمته، وإن عذبنا فبذنوبنا، والله ما لنا على الله من حجة، ولا معنا من الله براءة، وإنا لميتون ومقبورون ومنشورون ومبعوثون وموقوفون ومسؤولون، ويلهم! ما لهم لعنهم الله؟! فقد آذوا الله وآذوا رسول الله ص في قبره، وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي صلوات الله عليهم... أشهدكم أني امرؤ ولدني رسول الله ص، وما معي براءة من الله، إن أطعته رحمني، وإن عصيته عذبني عذابًا شديدًا(3).
ثالثًا: الغلو في القبور:
__________
(1) بحار الأنوار: (25/286).
(2) بحار الأنوار: (25/287).
(3) رجال الكشي: (225، 226).
(145/96)
ومن الغلو في حب الصالحين أيضًا ما نشاهده في كثير من بلدان المسلمين من بناء الأضرحة وتجصيصها وجعلها مزارات تعبد بالنذر والذبح والتوسل مع الله، ويُطاف بها ويستغاث ويطلب المدد والعون من أصحابها، وتقدم لها القرابين وأكاليل الزهور والبخور وتهدر فيها الأموال، ظنًا منهم أن لها الزلفى عند الله - سبحانه وتعالى -، إلى غير ذلك من البدع المشابهة لعقائد اليهود والنصارى.
قال النبي ص: «لا تتخذوا قبري قبلة ولا مسجدًا؛ فإن الله Q لعن اليهود حين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»(1).
وعن زرارة قال: قلت لأبي جعفر ؛: الصلاة بين القبور! قال: صلِّ بين خِلالها، ولا تتخذ شيئًا منها قبلة؛ فإن رسول الله ص نهى عن ذلك، وقال: «لا تتخذوا قبري قبلة ولا مسجدًا، فإن الله Q لعن الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»(2).
وعن أمير المؤمنين ؛ قال: سمعت رسول الله ص يقول: «لا تتخذوا قبوركم مساجدكم، ولا بيوتكم قبورا»(3) أي: مثل المقابر لا تُصلى فيها النوافل والمستحبات.
وتجاوز النهي والتحذير عن الصلاة في المقابر إلى النهي عن البناء أو تزيين القبور.
فعن علي بن جعفر قال: سألت أبا الحسن موسى ؛ عن البناء على القبر والجلوس عليها: هل يصلح؟ قال: لا يصلح البناء عليه، ولا الجلوس، ولا تجصيصه، ولا تطيينه(4).
وعن أبي عبد الله ؛ قال: لا تبنوا على القبور ولا تصوروا سقوف البيوت؛ فإن رسول الله ص كره ذلك(5).
__________
(1) من لا يحضره الفقيه: (1/178)، وسائل الشيعة: (3/235)، (5/161)، بحار الأنوار: (79/20).
(2) بحار الأنوار: (80/313)، علل الشرائع: (2/358).
(3) مستدرك الوسائل: (2/379).
(4) الاستبصار: (1/217).
(5) وسائل الشيعة: (3/210)، تهذيب الأحكام: (1/461)، بحار الأنوار: (73/159)، المحاسن:(2/612).
(145/97)
وعن الصادق عن آبائه † في حديث المناهي قال: نهى رسول الله ص أن تجصص المقابر ويصلى فيها، ونهى أن يصلي الرجل في المقابر والطرق والأرحية والأودية ومرابط الإبل وعلى ظهر الكعبة(1).
وعن الصادق عن آبائه † في حديث المناهي أيضًا: أن رسول الله ص نهى أن يأكل الإنسان بشماله، وأن يأكل وهو متكىء، ونهى أن تجصص المقابر ويصلى فيها(2).
وعن أبي عبدالله ؛ قال: قال أمير المؤمنين ؛: بعثني رسول الله ص في هدم القبور وكسر الصور(3).
وعن أبي عبد الله ؛ أنه قال: مِن أكلِ السحت سبعة: الرشوة في الحكم، ومهر البغي، وأجر الكاهن، وثمن الكلب، والذين يبنون البنيان على القبور... الخبر(4).
وجاء في بعض الروايات الأسباب المانعة من هذا الفعل.
فروى النوري الطبرسي عن العلامة الحلي في كتابه «النهاية» عن النبي ص أنه نهى أن يجصص القبر أو يبنى عليه وأن يقعد عليه أو يكتب عليه؛ لأنه من زينة الدنيا فلا حاجة بالميت إليه(5).
وقال الصادق ؛: كل ما جُعل على القبر من غير تراب القبر فهو ثقلٌ على الميت(6).
هذا هو حال وحرص آل البيت الكرام † على التوحيد من خلال فتاواهم، لا ما ينسب إليهم من الكذب المخالف للقرآن، وهديهم †، فإن النبي ص نهى عن البناء على القبر وعن تجصيصه، وأمر بعبادة الله - سبحانه وتعالى - مباشرة دون واسطة، وكذا
الأئمة † نهوا عن ذلك وحذروا منه.
__________
(1) وسائل الشيعة: (5/158)، (3/211).
(2) من لا يحضره الفقيه: (4/3)، بحار الأنوار: (73/328)، الأمالي للصدوق: (422)، مجموعة ورام: (2/256).
(3) الكافي: (6/528)، وسائل الشيعة: (3/211)، بحار الأنوار: (76/286)، المحاسن: (2/614).
(4) مستدرك الوسائل: (2/347).
(5) مستدرك الوسائل: (2/347).
(6) وسائل الشيعة: (3/202).
(145/98)
ومن العجيب! أن تجد من الناس من يستدل على مشروعية الطواف على القبور والحج إليها بروايات مكذوبة، وبقصص عجيبة، هي في الحقيقة من الوهم وتلبيس الشيطان؛ فإن كل من يعظم قبرًا لإمام أو عالم، كالحسين ؛ أو غيره كالبدوي والعيدروس مثلًا، تجده يتعلق بتلك القصص المكذوبة أو التي قد تقع من أوهام العوام حول بركة أحد الأشخاص، ويترك كتاب الله الذي فيه: * } تمت - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - ( - ( - - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( - - - - ( } - قرآن كريم ((( - - - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - - - - - جل جلاله - - - رضي الله عنه - فهرس - صلى الله عليه وسلم - - (((( & [سورة الجن]، وأيضًا فيه قوله: * صدق الله العظيم } تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - ( - - ( - ( - { - - (((( - ( - - - - - - ( { ( فهرس - - رضي الله عنه -(- رضي الله عنهم - - ( - ((( - - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام -(( قرآن كريم - - - - - ( المحتويات ( تمهيد ( - - رضي الله عنهم -(( - - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام -( - - - ( فهرس - ( - ((( - - } - - - ( مقدمة ( - - ((- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم -( } تم بحمد الله ( - - - & [النمل:62] وقوله:
* - - - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - - ( - - - - (( ( - ( - - رضي الله عنه - - ( - - - } - - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - - - - صدق الله العظيم ( { ( فهرس - ( - ( { } - ( - - - - ( ( - ( - - ( - صدق
(145/99)
الله العظيم - عز وجل - - فهرس - ( { ( - - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( - (((( - - ((- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنه - تمت - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( صدق الله العظيم ( - - الله أكبر تمهيد { - - - ( - قرآن كريم (( - - (((( & [سورة الإسراء].
أفنتعلق بتلك القصص التي تخالف كتاب الله وسار على منهجه الآل الكرام †؟ أم أننا نسير على هدى وصراط واضح سار عليه صفوة الخلق عليه الصلاة والسلام وحث عليه آل بيته †، فإن لم يكن مع هؤلاء الحق... إذًا فمن سيكون معه الحق؟!!
رابعًا: الدعاء وأنواعه:
الدعاء من أهم العبادات التي تقرب الإنسان إلى ربه، سواءً أكان مستغيثًا أم مستعينًا أم متعوذًا بالله Q، وذلك لتضمنه طلب الثواب، والخوف من العقاب، والافتقار واللجوء إليه، وهو سلاح المظلومين ومفزع الضعفاء المكسورين، وسبب السعادة في الدارين، فمن صرف شيئًا من الدعاء لغير الله فقد أشرك بالله شركًا أكبر.
والدعاء أنواع، فمنه المشروع ومنه المحرم غير المشروع، وبيان ذلك على النحو التالي:
الدعاء المشروع ينقسم إلى نوعين:
النوع الأول: دعاء الله وحده فيما لا يقدر عليه إلا هوسبحانه:
أرسل الله Q الرسل ليعلّموا البشرية توحيده في الدعاء والتضرع إليه وحده، وقد كان العرب قبل البعثة يدعون ربهم ويجعلون الوسائط بينهم وبين ربهم في الدعاء، من الأنبياء والأولياء والصالحين، معتقدين بأنها تشفع لهم وتقربهم عند ربهم.
(145/100)
فأتاهم النبي ص معلمًا وآمرًا بإفراد الله Q في الدعاء، سواءً أكان دعاء استغاثة أو استعانة أو استعاذة أو غيرها من دون وسيط ولا شفيع، امتثالًا لأمره تعالى: * } تمت - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - ( - ( - - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( - - - - ( } - قرآن كريم ((( - - - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - - - - - جل جلاله - - - رضي الله عنه - فهرس - صلى الله عليه وسلم - - (((( & [سورة الجن].
ولقوله تعالى: * صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ((( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - - - - ( - ( - - ( { - رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - - - عليه السلام -( - صدق الله العظيم - صدق الله العظيم (- رضي الله عنهم - - ( - ( - (( مقدمة - - (( مقدمة ( - - - رضي الله عنهم - - ( الله أكبر ( - - ( (( مقدمة ( - - - - ( مقدمة - رضي الله عنهم - - - (( ((( مقدمة ( فهرس - - عليه السلام - - - (( مقدمة ( الله أكبر ( { - صدق الله العظيم ( - ( - ((( - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ((( - - ( - - - ((((( & [سورة المؤمنون].
وقوله تعالى: * ( - ( - - - - رضي الله عنهم - - ( الله أكبر ( { } - قرآن كريم ((( - - صلى الله عليه وسلم - - - ( فهرس - - عليه السلام - - - سبحانه وتعالى - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - ((( - ((( مقدمة ( - - - جل جلاله - - - رضي الله عنه - فهرس - صلى الله عليه وسلم - - (((( & [سورة الجن].
(145/101)
وقوله تعالى: * صدق الله العظيم } تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - ( - - ( - ( - { - - (((( - ( - - - - - - ( { ( فهرس - - رضي الله عنه -(- رضي الله عنهم - - ( - ((( - - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام -(( قرآن كريم - - - - - & [النمل:62].
وقوله تعالى: * - - - ( - ( { ( - ( - ((- رضي الله عنه - الله أكبر - رضي الله عنهم - - - ( - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (((((- رضي الله عنه - - ( - فهرس - ((( & [سورة الفاتحة].
وقوله تعالى عن الاستغاثة: * ( - ( { - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( الله - ((- رضي الله عنه - - ( - فهرس - ( المحتويات ( - ( - - عليه السلام - - - - - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - - ( - - - - ( ( المحتويات ( تمهيد - - & [الأنفال:9].
وقاله تعالى: * ( - ( - ( - قرآن كريم ((- صلى الله عليه وسلم - - ( تمت - - رضي الله عنه - - ( - ( - فهرس - - (( - - - ((( & [سورة الفلق].
وقد علَّم النبي ص عبد الله بن العباس ب وهو غلام أصولَ التوحيد، وقال له: «يا غلام، ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهنّ؟ فقلت: بلى، فقال:احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله»(1).
النوع الثاني: طلب الدعاء من المخلوق الحي فيما يقدر عليه:
ومن الأدعية المباحة: أن يطلب الإنسان من أخيه الحي الحاضر أمرًا يقدر على فعله في الدين أو الدنيا، كأن يطلب منه أن يدعو له في صلاته أو عند ذهابه للحج، أو أن يستغيثه على النجاة من حيوان مفترس أو من الغرق، أو يستعين به على ركوب دابته، أو يستعيذ به من شر أذى أعداء له ليدافع عنه... إلخ.
__________
(1) بحار الأنوار: (79/138)، مستدرك الوسائل: (2/426).
(145/102)
وقد أجاز الشارع هذه الأدعية بقيود، منها:
1- أن يكون الداعي على قيد الحياة.
2- أن يكون حاضرًا غير غائب.
3- أن يكون مستطيعًا وقادرًا على الفعل غير عاجز عنه وفي حدود قدرة البشر.
قال تعالى: * } - قرآن كريم ( الله أكبر - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم -( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( - - ( - ( - - - - - - عليه السلام - قرآن كريم ( { ( - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - قرآن كريم ( الله أكبر - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم -( - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( بسم الله الرحمن الرحيم ( بسم الله الرحمن الرحيم تمهيد { - - ( تمت (- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -( - ((( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - & [المائدة:2].
وقال تعالى في قصة موسى ؛: * ( مقدمة - الله (- رضي الله عنه -(- رضي الله عنه - - ( - - - - ( - ( - { - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله (( مقدمة ( - - رضي الله عنهم -( - ( { - فهرس - - رضي الله عنه -( - ( - { - - - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله (( فهرس ( } - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه -( & [القصص:15].
أما الدعاء الممنوع:
فمثاله: دعاء المخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله، كأن يدعو الإنسان مستغيثًا مستعينًا بالأموات من الأولياء والصالحين أو بالأحياء الغائبين، وينزل بهم حوائجه من طلب الشفاء من المرض وتفريج الكرب ودفع الضرر عنه، فهذا النوع شرك أكبر.
(145/103)
وهذه الأمور ليست بمهجورة، أو أنها من نسج الخيال أو من وقع المحال، لإننا نرى كثيرًا من الناس -هداهم الله إلى توحيده- يشدون الرحال إلى أضرحة الأولياء والصالحين يدعونهم مستغيثين مستعينين بحجة أنها تقربهم إلى الله لقضاء حوائجهم ودفع الهموم والأحزان عنهم، سالكين بهذه الأعمال مسلك العرب في الجاهلية، ولا يخفى عليك -كما مر ذكره- أن هؤلاء يستدلون بقصص كثيرة معرضين عن كتاب الله سبحانه، فلنتأمل في الآيات الآتية:
قال تعالى: * } تمت ( { - رضي الله عنه -((( - { - - - - - قرآن كريم ((( - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - ( - - - رضي الله عنه - تمهيد (( ( المحتويات ( تمهيد ( - - - الله ( تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - } ( المحتويات ( - قرآن كريم ((( - - - - ( } - قرآن كريم ( تمهيد - ( - - رضي الله عنه - - ( - - عليه السلام - - ( - - ( ( بسم الله الرحمن الرحيم ( تمهيد - - تمت ( { ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - ( - - رضي الله عنه -((( - ( - ( - ( ((((( & [سورة الأعراف].
وقال تعالى: * - ((( - { - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - - رضي الله عنه - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( { ( - ( - - - - - (( - - { ( المحتويات ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - قرآن كريم ( { فهرس - ( - ( - (((( & [سورة النحل].
(145/104)
وقال تعالى: * - - - رضي الله عنهم - - - ( ( تمهيد - عليه السلام - - ((- صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - ( { - رضي الله عنه -( ( المحتويات ( - ( - - رضي الله عنهم - - ( - - - عليه السلام -( (( - { - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - - رضي الله عنه - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - ((( - ( & [هود:101].
قال أبو جعفر محمد الطوسي:
لأنهم كانوا يسمونها آلهة، ويطلبون الحوائج منها كما يطلب الموحدون من الله، ومعنى (من دون الله): مَنْ مَنزلته أدنى مِنْ منزلة عبادة الله؛ لأنه من (الأدون) وهو الأقرب إلى جهة السفل(1).
وقال تعالى على لسان نبيه محمد ص: * ( - ( - - ( - الله أكبر ( { صدق الله العظيم - - - ( الله أكبر - عليه السلام - - - ( - ( - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - - - ( - - رضي الله عنه - فهرس - صلى الله عليه وسلم - - ( صدق الله العظيم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - ( صدق الله العظيم - صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله (( مقدمة ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم -( - - ( - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - - ( - ( تم بحمد الله (((( & [سورة الجن].
قال محمد جواد مغنية:
... وهذه آية من عشرات الآيات التي تدل بصراحة ووضوح على أن الإسلام يرفض فكرة الواسطة بين الله وعباده، ويضع الإنسان أمام خالقه مباشرة يخاطبه ويناجيه بما شاء، ويتقرب إليه بفعل الخيرات من غير شفيع ولا وسيط(2).
__________
(1) تفسير التبيان: (6/62)، وانظر: تفسير الميزان: (11/3).
(2) تفسير الكاشف: (7/441).
(145/105)
ولما أنزل الله على نبيه محمد ص قوله: * ( - ( - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - - - - عليه السلام - - - ((- رضي الله عنه -( - ((( - - رضي الله عنه - - ( - - } - - ((((( & [سورة الشعراء] صعد النبي ص على الصفا وجمع عشيرته، وقال: «يا بني عبد المطلب، يا بني هاشم، يا بني عبد مناف، يا بني قصي، اشتروا أنفسكم من الله؛ فإني لا أغني عنكم من الله شيئًا، يا عباس عم محمد، يا صفية عمته، يا فاطمة ابنته، ثم نادى كل رجل باسمه وكل امرأة باسمها »(1).
وهذا تحذير من النبي ص لعشيرته وأمته أن يتخذوه بعد مماته إلهًا يدعونه ويتشفعون به كما يفعل كفار قريش بالصالحين، وكما يفعل النصارى بعيسى ابن مريم.
ولهذا حرص الأئمة † على نصح وتعليم الأمة بأن يتوجهوا بدعائهم إلى الله وحده.
__________
(1) إرشاد القلوب: (32).
(145/106)
فعن الحسن بن المغيرة أنه سمع أبا عبد الله ؛ يقول: إن فضل الدعاء بعد الفريضة على الدعاء بعد النافلة كفضل الفريضة على النافلة، قال: ثم قال: ادعه، ولا تقل: قد فُرِغ من الأمر؛ فإن الدعاء هو العبادة، إن الله يقول: * } تمت ( { - ((( - { - - - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - - رضي الله عنه - - ( - - - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه -( - ( - - رضي الله عنهم - - - - رضي الله عنه - تمهيد (( - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - ( - - عليه السلام - - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - - { (- رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم - - - ((( - ( - - - رضي الله عنهم - - (((( & [سورة غافر] وقال: * ( - ( الله أكبر قرآن كريم ((( - - - ( - ( - - رضي الله عنه - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - ( - ( - - - & [غافر:60]. وقال: إذا أردت أن تدعو الله فمجده وحمده وسبحه وهلله وأثن عليه، وصل على النبي ص، ثم سل تُعط(1).
والسبب في حث الأئمة أحبابهم بأن يحرصوا على دعاء الله وحده لأهمية تعلق المسلم بالدعاء لعظمه عند الله.
فعن النبي ص قال: «الدعاء مخ العبادة، وما من مؤمن يدعو الله إلا استجاب له، إما أن يعجل له في الدنيا، أو يؤجل له في الآخرة، وإما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا ما لم يدع بمآثم»(2).
وقال النبي ص: «افزعوا إلى الله في حوائجكم، والجؤوا إليه في ملماتكم، وتضرعوا إليه وادعوه؛ فإن الدعاء مخ العبادة»(3).
وقال النبي ص: «الدعاء مخ العبادة، ولا يهلك مع الدعاء أحد»(4).
فيا له من عمل يسير وطريق موجز قصير في قضاء الحاجات وتفريج الكربات بين العبد وسيده ومالك أمره، من دون صرف أموال ولا قطع مسافات ولا اختيار وساطات، فلله الحمد والمنة والشكر.
__________
(1) الكافي: (3/341).
(2) وسائل الشيعة: (7/27).
(3) مستدرك الوسائل: (5/174).
(4) بحار الأنوار: (90/300).
(145/107)
خامسًا: التوسل:
ومن أنواع الأدعية التي جاء النص على تأكيدها التوسل إلى الله Q، وقد أفردناه منفصلًا لأهميته، وكثرة الخلاف فيه.
والتوسل: مصدر توسل يتوسل، أي: اتخذ وسيلة إلى مقصوده، فأصله طلب الوصول إلى الغاية المقصودة.
وينقسم التوسل إلى قسمين: مشروع وممنوع:
القسم الأول: التوسل المشروع:
من الأمور التي يحبها الله Q من عباده التقرب له والتودد إليه والتوسل بما شرع الله Q من الفرائض، كالصلاة والزكاة والصوم والنوافل، وترك المحرمات واجتناب المنهيات، والتوسل إليه بأسمائه الحسنى، وبصفاته العلى، والتقرب إليه بالعمل الصالح.
فعن أبي جعفر؛ قال: قال الله Q: من أهان لي وليًا فقد أرصدته لمحاربتي، وما تقرب إليَّ عبد بمثل ما افترضت عليه، وإنه ليتقرب إليَّ بالنافلة حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته... الخبر(1).
فهذه دعوة مستجابة، وسؤال مجاب للولي الحبيب القائم بأمر الله.
وهذا التوسل المشروع هو الذي جاء الحث عليه والترغيب فيه من الله سبحانه بقوله تعالى: * - - رضي الله عنهم - - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - ((( - { - - - } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( } - قرآن كريم ( { ( - - - { - - - } - ( قرآن كريم ((- رضي الله عنه - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( مقدمة ( - - - ( { - - - - - ( - - عليه السلام - قرآن كريم ( - - - & [المائدة:35].
قال السيد محمد الحسيني الشيرازي:
السبب الذي يقربكم إليه سبحانه من فعل الخيرات والأعمال الصالحة(2).
__________
(1) مستدرك الوسائل: (3/58)، المؤمن: (32)، عوالي اللآلي: (4/103)، بحار الأنوار: (84/31)، الكافي: (2/352).
(2) انظر: تفسير تقريب القرآن: (6/83).
(145/108)
وقال بعضهم: ما تتوسلون به إلى ثوابه من الطاعات(1).
والتوسل له أنواع مشروعة يتوسل بها العبد إلى ربه، منها:
1- التوسل بالإيمان:
وهو أن يتوسل المؤمنون بإيمانهم، كقوله تعالى: * - - - - جل جلاله -( - { - - - - جل جلاله -( الله أكبر ( { - - - جل جلاله -((( - - رضي الله عنهم - - - - - ( - - - - جل جلاله -( تم بحمد الله - ( - - - - جل جلاله -( - ( صدق الله العظيم (- رضي الله عنهم - - - تمهيد - ( - ( تمت - صلى الله عليه وسلم - - } - قرآن كريم (- جل جلاله -( تم بحمد الله - - عليه السلام -( ( المحتويات ( - ( فهرس - - رضي الله عنه - - ( - - } - جل جلاله -- رضي الله عنه - تم بحمد الله - - رضي الله عنه -( - ( - - - - جل جلاله -( - - عليه السلام - - ( - (((( - - - ( - - عليه السلام - - - - - - - جل جلاله -- رضي الله عنه - - قرآن كريم ( الله أكبر ( - ( - (- صلى الله عليه وسلم -( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - } - جل جلاله -- رضي الله عنه -( - - - جل جلاله -( - - - رضي الله عنه -(( - - - رضي الله عنهم - - - - - جل جلاله - { (- عليه السلام - قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - - - رضي الله عنه - - ( - - } - - ((((( & [سورة آل عمران].
2- التوسل بتوحيد الله Q:
__________
(1) انظر: تفسير شبر: (1/112)، تفسير الوجيز: (1/378).
(145/109)
وهذا التوسل حرص عليه الأنبياء في دعائهم، كدعاء نبي الله يونس حين ابتلعه الحوت، قال تعالى: * - - - رضي الله عنهم - - - - - جل جلاله - - ( - (( ( تمهيد (- رضي الله عنهم - - ( - - ( - - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - مقدمة ( - - ( { - صدق الله العظيم ( { - تمهيد الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - درهم - - جل جلاله -(- رضي الله عنهم - - ( تمهيد ( - - ( - الله أكبر ( { ( تمهيد - ( - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - ((( - ( - ( { ( - - - (((( - - عليه السلام - - ( تمهيد - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - - ( - - - - ( (( مقدمة - - ( مقدمة ( - - جل جلاله -( - ( - صدق الله العظيم - عز وجل -- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - بسم الله الرحمن الرحيم - رضي الله عنه -(( - - - - - درهم ( - ( - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ((( - ( الله أكبر - رضي الله عنه -((( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - (((( & [سورة الأنبياء].
3- التوسل بأسماء الله الحسنى وبصفاته العلى:
قال تعالى: * ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( - - - (( - - } - - - ( - - ( - (- رضي الله عنه -( - - - ( فهرس قرآن كريم ((( - - - - ( - { - ( - & [الأعراف:180].
وكما يقال في الدعاء: «يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث»(1).
وكما يقال: «اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى»(2) ثم تذكر مرادك.
4- التوسل بالأعمال الصالحة:
ومن المشروع أن يتوسل الإنسان إلى ربه بالأعمال الصالحة، كالصلاة وبر الوالدين وحفظ الحقوق والأمانة وقراءة القرآن وغيرها.
__________
(1) الكافي: (2/524 , 562).
(2) مستدرك الوسائل: (5/78).
(145/110)
كقولك: اللهم إني فعلت ذلك -أي: من مساعدة الفقراء والمحتاجين ونصرة المسلمين وما أشبه ذلك- من أجلك سبحانك، ثم تذكر مرادك.
5- التوسل بطلب الدعاء من الأنبياء والصالحين الأحياء:
فعن أبي جعفر ؛ قال: مرّ أعمى على رسول الله ص، فقال النبي ص: تشتهي أن يرد الله عليك بصرك؟ قال: نعم، فقال له: توضأ وأسبغ الوضوء، ثم صل ركعتين، وقل: اللهم إني أسألك وأرغب إليك وأتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى الله ربي وربك أن يرد عليّ بصري، قال: فما قام حتى رجع الأعمى وقد رد الله عليه بصره(1).
ويفيد هذا الحديث: أن الرسول ص دعا للأعمى وهو حي، فاستجاب الله دعاءه وأمره أن يدعو لنفسه، ويتوجه إلى الله بدعاء نبيه، فقبل الله منه.
وهذا الدعاء خاص في حياته ص، ولا يمكن الدعاء بعد الوفاة؛ لأن آل بيته † والصحابة لم يفعلوه، ولم يستفد منه العميان بعد هذه الحادثة، فتنبه رعاك الله، وكذا الأعمى لم يقل مباشرة هذا الكلام، وإنما لقي النبي ص ثم قال ما قال.
القسم الثاني: التوسل الممنوع:
التوسل الممنوع هو الذي لا أصل له في الدين، مثل ما يفعله بعض جهلة المسلمين اليوم من اجتناب العمل الصالح والتوسل به، ولجوئهم إلى التوسل بواسطة الأنبياء والأولياء والصالحين.
فمنهم من يتوسل بجاه الرسول ص؛ كقوله: «يا رب بجاه محمد وآل محمد اغفر لي» فهذه بدعة(2)؛ لأن الصحابة ي لم يفعلوا ذلك ولم يفعله آل البيت †.
فإن المسلمين توسلوا بالعباس عم النبي ص حيًا بدعائه، ولم يتوسلوا
بالرسول ص بعد موته عندما طلبوا نزول المطر(3).
وأيضًا: التوسل بالجاه أمر حادث، والصحابة والأئمة † ليس بخافٍ عنهم مكانة النبي ص عند الله، فلم يتوسلوا بهذه المقولة.
__________
(1) مستدرك الوسائل: (6/390)، بحار الأنوار: (88/373).
(2) وهذا التوسل البدعي قد يؤدي إلى الشرك، وذلك إن اعتقد بأن الله يحتاج إلى واسطة.
(3) انظر: من لا يحضره الفقيه (1/449).
(145/111)
وكيف يتوسل إلى الله بأمر مخلوق، مثل الجاه والمكانة؟
وهذا مثل الحلف بالمخلوق، ولا يفعل مثل تلك الأعمال أو يقول تلك الأقوال إلا من جهل جادة الصواب، وغفل عن صحيح الجواب، واتبع ميراثًا خاطئًا بعيدًا عن سبيل الرشاد؛ لذلك يجب على العبد المحب لآل البيت والمتبع لهدي
المصطفى ص أن يتبع ما جاء به الأثر الصحيح.
سادسًا: الشفاعة:
ومن أنواع الأدعية التي جاء الخبر بذكرها: الشفاعة، وهي التوسط للغير بجلب منفعة أو دفع مضرة.
والشفاعة حق، وهي ما يعتقد به المسلم من شفاعة النبي ص لأهل الموقف للفصل بينهم، وشفاعته في دخول الجنة، وتشفعه لمن يستحق أن يدخل النار أن لا يدخلها، كما يعتقد المسلم أيضًا أن هناك شفاعة للملائكة وللشهداء في أهلهم، وشفاعة للصيام والقرآن وغيرها.
واعلم -رحمك الله- بأن للشفاعة شرطين لابد من تحقيقهما جميعًا حتى يتحقق المقصود يوم القيامة، وهما:
الشرط الأول: الإذن من الله Q:
قال تعالى: * - - ((- رضي الله عنه - تم بحمد الله ( قرآن كريم - رضي الله عنه - - - صدق الله العظيم (( - ( - - - ( { - رضي الله عنهم -(( - ( } ( - - - - صدق الله العظيم ( { ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه - تمت ( - - صلى الله عليه وسلم - - ( - - - ( صدق الله العظيم ( - - ( قرآن كريم { - - - - - (((- عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( مقدمة - - - صدق الله العظيم ( قرآن كريم - - ((((( & [سورة طه].
قال الشيخ محمد باقر الناصري:
(145/112)
وصف سبحانه القيامة يتبعون صوت داعي الله الذي ينفخ في الصور وهو إسرافيل، لا عوج لدعاء الداعي ولا يعدل عنه أحد، وهناك خضعت الأصوات بالسكون لعظمة الرحمن، فلا تسمع منهم إلا همسًا، ولا تنفع في ذلك اليوم شفاعة أحد، إلا من أذن الله له أن يشفع ورضي قوله من الأنبياء والأولياء والصديقين والشهداء(1).
بل إن الله سبحانه نفى أن يكون لأي مخلوق أدنى شفاعة يوم القيامة إلا بعد
إذنه - سبحانه وتعالى -، قال تعالى: * صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - - - ( - { - - - (( - ((( - - ((( فهرس - رضي الله عنهم - - - جل جلاله -(( - صدق الله العظيم ( { (( مقدمة ( الله أكبر ( - ( - ( - & [البقرة:255].
قال أبو جعفر الطوسي:
إن أحدًا ممن له شفاعة لا يشفع إلا بعد أن يأذن الله في ذلك ويأمره به، فأما أن يبتدئ أحد بالشفاعة من غير إذن، كما يكون فيما بيننا، فليس ذلك لأحد(2).
ويا حسرة من يظن أن هناك مخلوقًا بإمكانه الشفاعة أو النصرة لمن يدعوه من غير إذن الله له.
قال تعالى: * { { ( - - - بسم الله الرحمن الرحيم ( - - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله (( مقدمة ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم -( - - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( - (( - { ( المحتويات ( - ( - - رضي الله عنهم -( { - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( { ( - - رضي الله عنه - - (((( & [سورة الأنعام].
قال الشيخ محمد السبزواري النجفي:
فقد حصر الولاية به سبحانه، ثم الشفاعة التي أوردها بصيغة المبالغة ليهتم الناس بها، وإن كان النبي ص وأهل بيته يشفعون من بعد إذنه سبحانه(3).
وقال السيد محمد الحسيني الشيرازي:
__________
(1) مختصر مجمع البيان: (2/320).
(2) التبيان في تفسير القرآن: (2/308).
(3) الجديد في تفسير القرآن: (3/34).
(145/113)
وليس المراد أن الله يشفع، إذ لا معنى لشفاعته، بل المراد أن الشفاعة بيده، فلا يشفع أحد إلا بإذنه(1).
الشرط الثاني: الرضا عن الشافع والمشفوع له:
قال تعالى: * - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله - - فهرس - } تم بحمد الله - (( ( المحتويات (- عليه السلام - قرآن كريم (- رضي الله عنهم - - - - - - - - صدق الله العظيم (( - ((( - ( المحتويات ( - ( - - رضي الله عنهم -(( - ( - { - ((( - - { - صدق الله العظيم ( { - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ((- رضي الله عنه - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تمت - - ( - - رضي الله عنه - - ( - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - ( - (( - - - رضي الله عنه -( - - - (- رضي الله عنهم -(( - - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (((( & [سورة النجم].
قال السيد محمد الطبطبائي:
__________
(1) تقريب القرآن: (7/92).
(145/114)
الفرق بين الإذن والرضا أن الإذن إعلام ارتفاع المانع من قبل الآذن، والرضا ملاءمة نفس الراضي للشيء وعدم امتناعها، فربما تحقق الإذن بشيء مع عدم الرضا، ولا يتحقق رضا إلا مع الإذن بالفعل أو بالقوة، والآية مسوقة لنفي أن يملك الملائكة من أنفسهم الشفاعة مستغنين في ذلك عن الله سبحانه، كما يروم إليه عبدة الأصنام؛ فإن الأمر مطلقًا إلى الله تعالى، فإنما يشفع من يشفع منهم بعد إذنه تعالى له في الشفاعة ورضاه بها، وعلى هذا فالمراد بقوله: * صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - ( - (( - - - رضي الله عنه -( - - & الملائكة، ومعنى الآية: كثير من الملائكة في السموات لا تؤثر شفاعتهم أثرًا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء منهم
-أي: من الملائكة- ويرضى بشفاعته(1).
وهذه الشفاعة المباركة لا تتحقق لكل مخلوق، بل هي مقتصرة على فئة معينة دون غيرهم.
قال تعالى: * - - رضي الله عنهم - - - ( ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - (( - ( - - - ( { - رضي الله عنهم -(( - ( - { - رضي الله عنه -((((((( } ( - - - (((( & [سورة المدثر].
قال مير سيد علي الحائري الطهراني:
لو اجتمع الأنبياء والملائكة على شفاعتهم لا تنفعهم تلك الشفاعة، وليس المراد أنهم لا يشفعون لهم، إذ الشفاعة موقوفة بالإذن وقابلية المحل، فلو وقعت من المأذون للقابل قبلت، والكافر ليس بقابل لها، فلا إذن في الشفاعة له ولا شفاعة، فلا نفع في الحقيقة(2).
وقال الشيخ محمد باقر الناصري:
شفاعة الأنبياء والملائكة لا تنفع الكفار المنكرين، وإنما الشفاعة للمؤمنين الموحدين(3).
وما من شفاعة إلا بيده سبحانه، ولا تقع إلا بعد إذنه لمن يشفع.
__________
(1) الميزان في تفسير القرآن: (19/41)، وانظر: تفسير جامع الجوامع: (4/620)، كنز الدقائق: (21/497)، مقتنيات الدرر: (10/272)، الجديد: (7/49).
(2) تفسير مقتنيات الدرر: (11/299).
(3) مختصر مجمع البيان: (3/496).
(145/115)
قال تعالى: * - ( - ( - ( { - رضي الله عنهم -(( - ( } ( - - - - - جل جلاله -( - ( - - - & [الزمر:44].
قال الشيخ محمد السبزواري النجفي:
لا يشفع أحد إلا بإذنه، ولا يملك أحد الشفاعة إلا بتمليكه، والذي على هذه الصفة لا يقدر أحد أن يتكلم في أمره دون إذنه ورضاه؛ فإن أزمة الأمور كلها بيده(1).
وقال السيد محمد تقي المدرسي:
يزعم البشر أن باستطاعته التهرب من المسؤولية بسببهم، وذلك بإلقاء مسؤولية ضلاله وانحرافه عليهم، كأن يلقي بمسؤولية انحرافه وضلاله على والديه،
أو السلطات الحاكمة، أو المجتمع، ولكن الله ينسف فكرة الشفاعة عمومًا، فيقول:
* ( قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - } - قرآن كريم ( الله أكبر - - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - ( - - رضي الله عنه - - - - (( - - { & [الزمر:43] كالنفع والضر والموت والحياة، أو أقل من ذلك؛ لأن الملك كله لله Q، * - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - قرآن كريم ( - ( { ((- رضي الله عنه - - (((( & [سورة الزمر] لأنهم لو كانوا يعقلون لم يكونوا ليأمروا بما يخالف رضا الله تعالى، فهم إذن لا قوة لهم ولا علم، ومن يكون هكذا لا يكون شفيعًا.
__________
(1) تفسير الجديد: (6/171)، وانظر: تفسير التبيان: (9/33).
(145/116)
إن الشفيع الحقيقي هو الله الذي بيده ناصية كل شيء، وإذا كان ثمة آخرون فإنما يشفعون بإذنه، فإذا أراد البشر أن يفر من عذاب الله فليهرب إليه تعالى، فليس من ملجأ منه إلا إليه، وكلنا يخشى من ذنوبه ولن نجد غافرًا للسيئات التي احتطبناها سوى الله , ومن عادة البشر أنه إذا أذنب ذنبًا حاول تبريره، أو اخترع لنفسه شفيعًا يزعم أنه سوف يخلصه من ذنبه، والله يقول له: لماذا تذهب هنا وهناك؟ تعال إليّ، حتى ولو كنت مذنبًا تعال، فأنا الذي أخلصك من الذنب، لا أولئك الشفعاء، ولا تلك التبريرات فالله هو الشفيع حقًا؛ لأنه هو السلطان في السموات والأرض، فهو الذي يدبر الأمور اليوم، وإليه المصير، حيث الحساب الدقيق والجزاء الأوفى(1). انتهى
__________
(1) تفسير من هدي القرآن: (11/498).
(145/117)
مع ذلك فإننا نرى كثيرًا من الناس -هداهم الله للحق- يسافرون إلى أضرحة الأولياء والصالحين طالبين منهم الحاجات، ويتقربون إلى الله بشفاعة هؤلاء الصالحين وبمحبتهم لهم بأن يقضوا حوائجهم؛ وينسون أن الله ليس بينه وبين خلقه واسطة، بل يدعى سبحانه مباشرة، فيكشف الضر ويجيب المضطر، أو قد يؤخر الإجابة لحكمة منه، أو يؤخرها له يوم القيامة، أو يدفع عنه من الشر مثلها، والداعي في كل هذه الأحوال في عبادة لله، كما قال جلَّ ذكره: * - رضي الله عنه - - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( تمهيد - - - عليه السلام - - ( - ( الله أكبر قرآن كريم ((( - - - ( - ( - - رضي الله عنه - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - ( - ( - - - - } تمت ( { - ((( - { - - - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - - رضي الله عنه - - ( - - - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه -( - ( - - رضي الله عنهم - - - - رضي الله عنه - تمهيد (( - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - ( - - عليه السلام - - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - - { (- رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم - - - ((( - ( - - - رضي الله عنهم - - (((( & [سورة غافر] فسمى الدعاء عبادة , وما حال أولئك الذين يسافرون إلى الأضرحة والقبور ويطلبون حاجاتهم من الأولياء والصالحين إلا كحال عبادة النصارى وتشفعهم بعيسى ابن مريم، وكحال العرب في الجاهلية بتشفعهم وتقربهم إلى الله بأضرحة الصالحين وتماثيلهم.
(145/118)
وهؤلاء وصفهم الله بقوله: * - - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ((- رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - صدق الله العظيم ( المحتويات ( - - - (( - - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - (( - ( - - رضي الله عنه - - - - قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ((- سبحانه وتعالى - صدق الله العظيم ( - ((- رضي الله عنهم - - - - رضي الله عنه - الله أكبر ( - ((- رضي الله عنهم -( - (( { - رضي الله عنهم - - - جل جلاله -(( ( - - - & [يونس:18].
(145/119)
وقد أنكر عليهم - سبحانه وتعالى -، فقال: * ( - ( - - - قرآن كريم ((( مقدمة تمهيد - عليه السلام - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - { - - - - - رضي الله عنهم - - ( - - صدق الله العظيم ( المحتويات فهرس - ((- رضي الله عنه - - - (( ( المحتويات (- عليه السلام - قرآن كريم (- رضي الله عنهم - - - - - - - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (( ((( - - } - - - (( مقدمة - - جل جلاله -(- رضي الله عنهم - - ( - ( - - - فهرس - (- رضي الله عنهم -( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - - رضي الله عنه -( - - قرآن كريم ( - ( - ((( - (((( & [سورة يونس] أي: أن الله - سبحانه وتعالى - ليس بحاجة إلى وسيط أو شفيع ليرفع إليه حاجات الخلق؛ لأنه لا يخفى عليه شيء من حال عباده، بل أنكر عليهم التوسط بالأولياء والصالحين، وأنهم لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًا، بل هم يتقربون إليه بالأعمال الصالحة خوفًا من عذابه ورجاء رحمته، فقال تعالى: * ( - ( - } - قرآن كريم ((( - - - - رضي الله عنه -((( - { - - - بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - - رضي الله عنه -(- رضي الله عنهم - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله (( مقدمة ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم -( - - - - ( - - قرآن كريم ( - ( - ( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - (( - - ( - - - ( - - - ( المحتويات ( - - جل جلاله -- رضي الله عنه -( - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - ( قرآن كريم (- رضي الله عنه -- صلى الله عليه وسلم - تم بحمد الله (((( - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه -((( - { - - - - - قرآن كريم ((( - - رضي الله عنه - - - - قرآن كريم ((- رضي الله عنه - - ( تمهيد -
(145/120)
رضي الله عنه - - - - فهرس - ( { ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( فهرس - - عليه السلام - - - - - - - ( - - عليه السلام - قرآن كريم ( - - - ( المحتويات ( - - - - صلى الله عليه وسلم - - ( - - رضي الله عنه - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( مقدمة - رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - ( مقدمة - عليه السلام - - - - قرآن كريم (( - - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ((( مقدمة - رضي الله عنه - - - - - - رضي الله عنه -( - } تمت ( { - - - - - - رضي الله عنه -( - رضي الله عنهم - - ( فهرس - - عليه السلام - - - رضي الله عنه - تمت - - - - - جل جلاله - - - صلى الله عليه وسلم -( - (- رضي الله عنه - - - (((( & [سورة الإسراء].
وقال الحاج سلطان الجنابذي أيضًا:
(145/121)
ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم من الأصنام والكواكب عبادة العبيد، ومن الأهوية والآراء والشياطين عبادة اتباعية، ومن غير من نصبه الله من رؤسائهم الدنيوية أو رؤسائهم الدينية بزعمهم عبادة طاعة، والمقصود من نفي الضر والنفع نفي ما يتوهمونه ضرًا ونفعًا مما يؤول إلى دنياهم من غير نظر إلى عبادتهم، وإلا فهي عبادتهم إياها، تضر غاية الضرر، ويقولون: * ((- سبحانه وتعالى - صدق الله العظيم ( - ((- رضي الله عنهم - - - - رضي الله عنه - الله أكبر ( - ((- رضي الله عنهم -( - (( { - رضي الله عنهم - - - جل جلاله -(( ( - - - & [يونس:18] كما يقول الوثني: إن أصنامنا شفعاؤنا عند الله، وكما يقول أكثر الصابئين: إن الكواكب شفعاؤنا، والبعض يقول: هي قديمة مستقلة في الآلهة، كما يقول الزرداشتيون: النار تشفع لنا عند الله، وكما يقول المطيعون لمن يزعمونهم رؤساء الدين: هؤلاء وسائط بيننا وبين الله وأسباب قربنا إلى الله، والحال أنها وسائل الشيطان وأسباب القرب إلى الجحيم والنيران(1).
وقال الشيخ محمد السبزواري النجفي أيضًا:
يدعون أنهم بعبادتهم لها تقربهم إلى الله زلفى وتشفع لهم عنده، وأنه هو أذِن لهم بعبادتها وسيشفعها بهم يوم القيامة، وتوهموا -بعقيدتهم القبيحة- أن عبادة الله من خلالها تكون أشد تعظيمًا لله، فاجتمع عندهم قبح القول وقبح العمل(2).
فإذا كان هذا هو تمام القول في المعتقد الصحيح في قضية الشفاعة، التي نسأل الله أن نكون من أهلها ليجيرنا من نار جهنم، فهل تسألها أيها العبد -المحب للنبي وأهل بيته †- من الله الذي بيده كل شيء أو تسألها ممن لا يملك لنفسه شيئًا؟
سابعًا: مسبة الدهر والرياح ونحوها:
__________
(1) تفسير بيان السعادة: (2/296).
(2) تفسير الجديد: (3/411).
(145/122)
ومن الأشياء التي يقع فيها بعض الناس بحكم العادة، وهي مما ينقص التوحيد ويسيء إلى العقيدة مسبة الدهر والرياح وما أشبه ذلك، من توجيه الذم إلى مخلوقات فيما ليس لها فيه تصرف، فيكون هذا الذم في الحقيقة موجهًا إلى الله سبحانه؛ لأنه الخالق المتصرف الآمر لها , فمنهم من ينسب الهلاك إلى الدهر، لتعاقب الأيام والليالي عليهم.
قال تعالى: * } - قرآن كريم ( - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله { - ( - - صدق الله العظيم ( { - - عليه السلام - - ( - - - عليه السلام - - - رضي الله عنهم - مقدمة - - عليه السلام - - ( الله أكبر - - - - - ( المحتويات قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - الله أكبر - - عليه السلام - - (- رضي الله عنه - صدق الله العظيم - عز وجل -- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - عليه السلام - - ( - ( - ( - ( - - صدق الله العظيم ( { ( - ( - } - - - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - تمهيد ( - مقدمة - - رضي الله عنهم - - ( - ( - - ( - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - بسم الله الرحمن الرحيم ( - (( } ( تمت ( { ( - (- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( { - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم - - ((- رضي الله عنه - - (((( & [سورة الجاثية].
قال أمين الدين الطبرسي:
(145/123)
أي نموت نحن ويحيا أولادنا، أو يموت بعض منا ويحيا بعض، أو يصيبنا الأمرّان: الموت والحياة، يريدون الحياة في الدنيا والموت بعدها، وليس وراء ذلك حياة: * - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - عليه السلام - - ( - ( - ( - ( - - صدق الله العظيم ( { ( - ( - } - - - - & وما يحيينا إلا الأيام والليالي، وكانوا يضيفون كل حادثة تحدث إلى الدهر ويجعلونه المؤثر في هلاك النفس(1).
ومنهم من يسب الدهر والوقت، وربما يلعنه، وهذا ناشئ من ضعف الدين والجهل العظيم، فإن الدهر ليس عنده من الأمر شيء، فإنه مُدبَّر مُصرَّف، والتصاريف الواقعة فيه من تدبير العزيز الحكيم، فالسب واللعن في الحقيقة سيقع على المدبِّر لها.
قال رسول الله ص: «لا تسبوا الدهر فإن الدهر هو الله، ولا تسبوا السلطان؛ فإنه فيء الله في أرضه، ولا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء، ولا تسبوا الأموات؛ فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا»(2).
قال أمين الدين الطبرسي:
إن أهل الجاهلية كانوا ينسبون الحوادث المجحفة والبلايا النازلة إلى الدهر، فيقولون: فعل الدهر كذا وكانوا يسبون الدهر، فقال ص: إن فاعل هذه الأمور هو الله، فلا تسبوا فاعلها، وقيل معناه: فإن الله مصرف الدهر ومدبره، والوجه الأول أحسن، فإن كلامهم مملوء من ذلك، ينسبون أفعال الله إلى الدهر(3).
__________
(1) جامع الجوامع: (4/537).
(2) جامع الأخبار: (160)، وانظر: شرح نهج البلاغة: (7/198)، عوالي اللآلي (1/56)، كنز الفوائد: (1/49).
(3) مجمع البيان: (5/78).
(145/124)
ومنهم من يسب الرياح إذا رأى منها ضررًا، من قلع الأشجار، وهدم البيوت مثلًا، وقد نهى النبي ص عن سب الرياح وغيرها من مخلوقاته، وقال: «لا تسبوا الرياح؛ فإنها مأمورة، ولا تسبوا الجبال ولا الساعات، ولا الأيام ولا الليالي فتأثموا وترجع عليكم»(1).
قال المجلسي معلقًا: بيان الغرض النهي عن سب الرياح والبقاع والجبال والأيام والساعات؛ فإنها مقهورة تحت قدرة الله سبحانه، مسخرة له تعالى، لا يملكون تأخرًا عما قدمهم إليه، ولا تقدمًا إلى ما أخرهم عنه، فسبهم سب لمن لا يستحقه، ولعن من لا يستحق اللعن يوجب رجوع اللعنة على اللاعن، بل هو مظنة الكفر والشرك لولا غفلتهم عما يؤول إليه، كما ورد في الخبر: «لا تسبوا الدهر؛ فإنه هو الله» أي: فاعل الأفعال التي تنسبونها إلى الدهر، وتسبونه بسببها هو الله تعالى(2).
قال رسول الله ص: «لا تسبوا الليل والنهار ولا الشمس ولا القمر ولا الريح؛ فإنها تُبعث عذابًا على قوم ورحمة على آخرين»(3).
وجاءنا الهدي المبارك فيما نقوله تجاه هذه الأمور، فقال ص: «لا تسبوا الريح؛ فإنها بُشُر وإنها نُذُر وإنها لواقح، فاسألوا الله من خيرها، وتعوذوا به من شرها»(4).
فلذلك يجب على المؤمن أن يعلم أن التصاريف واقعة بقضاء الله وقدره وحكمته، فلا يتعرض لانتقاص أمر قد خلقه وأوجده الله سبحانه، بل يرضى بتدبير الله، ويسلم لأمره، وبذلك يتم توحيده وطمأنينته.
ثامنًا: الحلف بغير الله:
__________
(1) من لا يحضره الفقيه: (1/544)، وسائل الشيعة: (7/508)، بحار الأنوار: (56/2)، (57/9)، علل الشرائع: (2/577).
(2) بحار الأنوار: (57/9).
(3) بحار الأنوار: (57/19).
(4) تفسير العياشى: (2/239)، مستدرك الوسائل: (6/176)، بحار الأنوار: (57/12-19).
(145/125)
الحلف واليمين من الأقوال العظيمة والدالة على إيمان العبد وتعلقه بالله، ذلك أن الحلف: هو تأكيد لشيء بذكر معظم بصيغة مخصوصة، إما بحرف الباء أو التاء
أو الواو، مثل: بالله أو تالله أو والله.
ويشرع أن يحلف المسلم أيضًا بأسماء الله وصفاته ونحوها: كرب الكعبة،
أو بالعزيز، أو والذي خلقك؛ وذلك لأن الصفة تابعة للموصوف.
ومن حلف بغير الله أو جعل له مساويًا أو ندًا في حلفه مع ربه فقد أشرك في تعظيم الله Q، وذلك هو الشرك الأكبر، لكن لو حلف معتقدًا بأن المحلوف به أقل من ذلك فقد أشرك بالله شركًا أصغر.
وقد كثر بين الناس اليوم الحلف بالله كذبًا أو بغيره شركًا، كمن يحلف بالأمانة
أو بالوالدين أو بالشرف أو بالأولاد أو بحياة النبي ص وأهل بيته †، ومنهم من يحلف بالأحياء والموتى من الأولياء والصالحين تعظيمًا لهم وخوفًا من عقابهم.
فإذا اُستُحلِف ذلك الشخص بالله Q حلف بالله دون تردد، وإن كان كاذبًا، وإذا اسْتُحلِف بالنبي أو بأهل بيته أو بالولي الفلاني نراه يتكعكع ويتلعثم في قوله، ولن يحلف به إلا وهو صادقًا.
وقد روى النوري الطبرسي أن النبي ص قال: «من حلف بغير الله فقد كفر وأشرك»(1).
وروى أيضًا: «من حلف بغير الله فقد أشرك»(2).
وقال ص: «لا تحلفوا بآبائكم ولا بالأنداد، ولا تحلفوا إلا بالله، ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون»(3).
وعن الصادق عن آبائه عن النبي ص في حديث المناهي أنه نهى أن يحلف الرجل بغير الله، وقال: «من حلف بغير الله فليس من الله في شيء» ونهى أن يقول الرجل للرجل: «لا وحياتك وحياة فلان»(4).
وقال الشيخ المفيد:
__________
(1) مستدرك الوسائل: (16/65).
(2) مستدرك الوسائل: (16/50).
(3) عوالي اللآلي: (3/443).
(4) انظر: من لا يحضره الفقيه: (4/10)، وسائل الشيعة: (23/259)، بحار الأنوار: (89/175)، أمالي الصدوق: (347).
(145/126)
ولا يمين عند آل محمد † إلا بالله Q وبأسمائه الحسنى، ومن حلف بغير اسم من أسماء الله تعالى فقد خالف السنة، ويمينه باطلة لا توجب حنثًا ولا كفارة، ولا يمين بالله تعالى في معصية لله، فمن حلف بالله أن يعصيه فقد أثم وكفارة يمينه ترك الفعل لما حلف عليه والاستغفار من يمينه في الباطل(1).
ومن الأمور المنافية لكمال التوحيد ما يفعله الناس اليوم من كثرة حلفهم
بالله Q، وإن لم تكن الحاجة تدعوهم إليه، وهذا يدل على استخفافهم بربهم وعدم تعظيمهم له، قال تعالى: * - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ((((( - } - ( - - - - - - رضي الله عنهم - مقدمة - ((( - } تم بحمد الله (((( & [سورة القلم]، وقال Q:
* } - ( قرآن كريم (( - (( مقدمة - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - - جل جلاله -(- رضي الله عنهم - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - & [المائدة:89].
قال السيد محمد حسين فضل الله:
من هؤلاء الذين يكثرون الحلف على كل شيء مما يثيرونه أمام الآخرين، أو مما يختلفون فيه معهم، من القضايا المتعلقة بالدين وبالحياة وبالأوضاع المحيطة بهم، سواءً أكانت حقًا أم باطلًا؛ لأنهم لا يشعرون بالثقة في أنفسهم، أو بثقة الناس بهم، ولذلك فإنهم يلجئون لتأكيد الثقة إلى أسلوب الحلف، ولو على حساب المقدسات التي يحلفون بها، كما في الحلف بالله، حيث يسيئون إلى موقع عظمته بالقسم به في قصة كاذبة باطلة... وإذا حدقت بهؤلاء فيما يتصفون به من صفات أخلاقية على صعيد الواقع، فسترى المهانة النفسية، والحقارة العلمية التي توحي بكل سقوط وانحطاط(2).
وإذا قال قائل: يحدث أحيانًا بيننا كثير من الحلف من غير قصد، كالحلف على الامتناع من ترك لباس أو أكل، أو مثل ما نقول: لا والله، وبلى والله، أيكون ذلك من الحلف الكاذب؟
__________
(1) المقنعة: (54) باب الأيمان والأقسام.
(2) من وحي القرآن: (23/50).
(145/127)
فنقول له: لا حرج في ذلك الحلف؛ لأنه من باب اللغو، قال تعالى: * - صدق الله العظيم ( المحتويات ( - ( - ( } - - - ( - ( - - - ( قرآن كريم ((( - - - - ( - ( - (( ( المحتويات ( - ( - (- رضي الله عنهم - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - & [المائدة:89].
وشرح الشيخ محمد السبزواري النجفي هذه الآية بقوله:
اللغو: هو الكلام خالي القصد والهدف، والذي لا يعتد به؛ لأنه يصدر دون عقد القلب عليه، واللغو في الأيمان هو ما يقوله الناس كثيرًا في محادثاتهم: بلا والله،
ولا والله، وبظن وقوع الأمر كذلك، فالله تعالى -رحمة منه- لا يُؤاخذ عباده على تلك الأيمان اللاغية التي يستعملونها في كلامهم ومحادثاتهم، ويقول لهم: * صدق الله العظيم ( - ( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - المحتويات ( - ( - ( } - - - ( - - - رضي الله عنهم - - ( - ( المحتويات - - - } { - رضي الله عنه -( - صدق الله العظيم (- رضي الله عنهم - - ( - - } - - & [المائدة:89] أي أنه يحاسبكم على الأيمان المقصود الصادر عن عقد القلب والنية بجرم تام(1).
وروى أبو بصير عن أبي عبد الله ؛ في قول الله Q: * - صدق الله العظيم ( المحتويات ( - ( - ( } - - - ( - ( - - - ( قرآن كريم ((( - - - - ( - ( - (( ( المحتويات ( - (- جل جلاله -(- رضي الله عنهم - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - & [البقرة:225] قال: هو لا والله وبلى والله(2).
__________
(1) تفسير الجديد: (2/512).
(2) من لا يحضره الفقيه: (3/361).
(145/128)
وعن مَسْعَدَة بنِ صَدَقةَ، عن أبي عبد الله ؛: قال: سمعته يقول في قول
الله Q: * - صدق الله العظيم ( المحتويات ( - ( - ( } - - - ( - ( - - - ( قرآن كريم ((( - - - - ( - ( - (( ( المحتويات ( - (- جل جلاله -(- رضي الله عنهم - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - & [البقرة:225]، قال: اللغو قول الرجل: لا والله، وبلى والله، ولا يعقد على شيء(1).
لذا فالواجب على كل مسلم حفظ يمينه وكلامه وتعظيمه لله، وإن استلزم أن يقسم فليقسم بالله سبحانه ولا شيء غيره.
تاسعًا: التبرك:
مما يلحق بالغلو وتعظيم الأئمة والصالحين قضية التبرك، التي تناولها العلماء بالشرح والبيان.
والتبرك معناه: طلب البركة، وهي نعمة أنعم الله بها على خلقه إذا جاءوا ملتمسين بها للخير على ما جاء في كتاب الله Q وسنة نبيه محمد ص.
والتبرك له أنواع كثيرة منها:
التبرك بالأقوال: وهذا كقراءة القرآن الكريم وقراءة الأدعية والأذكار المأثورة عن النبي ص.
التبرك بالأمكنة: فهناك أمكنة قد اختصها الله تبارك وتعالى بفضل منه، وجعل فيها مزية وزيادة في البركة، مثل: مكة والمسجد الحرام فيها، والمدينة النبوية، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى ومسجد قباء، وسائربيوت الله «المساجد».
التبرك بالأزمنة: ومن الأزمنة التي جعل الله تبارك وتعالى فيها البركة والفضل العظيم شهر رمضان، وليلة القدر، ويوم الجمعة، ومثل الثلث الأخير من الليل وغيرها.
ولنكن على بينة أن أعظم البركة والخير والأجر هو في اتباع سنة النبي ص وترك ما نهى عنه، وعدم الزيادة على ما شرعه وما أقر به، لذلك فقد جعل النبي ص التحذير من البدع من سنته وذكر بها عند الاستفتاح لكل حديث وخطبة يخطبها
النبي ص على منبره، وجعلها سنة يتداولها أهل الصلاح والاستقامة، وهو قوله ص في أكثر خطبه: «وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وبالبدع هدم السنن»(2).
__________
(1) الكافي: (7/443).
(2) مستدرك الوسائل: (12/325).
(145/129)
وقال الإمام علي ؛: سمعت رسول الله ص يقول: «عليكم بسنتي، فعمل قليل في سنة خير من عمل كثير في بدعة»(1).
وعن منصور بن أبي يحيى، قال: سمعت أبا عبد الله ؛ يقول: صعد
رسول الله ص المنبر فتغيرت وجنتاه وألتمع لونه، ثم أقبل بوجهه، فقال: «يا معشر المسلمين، إنما بعثت أنا والساعة كهاتين، قال: ثم ضم السباحتين، ثم قال: يا معشر المسلمين، إن أفضل الهدى هدى محمد، وخير الحديث كتاب الله، وشر الأمور محدثاتها، ألا وكل بدعة ضلالة، ألا وكل ضلالة ففي النار»(2).
وقال أمير المؤمنين علي ؛ قبل موته: أيها الناس، كل امرئ لاق ما يفر منه في فراره، والأجل مساق النفس، والهرب منه موافاته، كم اطردت الأيام أبحثها عن مكنون هذا الأمر فأبى الله إلا إخفاءه، هيهات! علم مخزون، أما وصيتي: فالله لا تشركوا به شيئًا، ومحمد ص فلا تضيعوا سنته، أقيموا هذين العمودين(3).
ولو نظرنا في حالنا الآن لوجدنا كثيرًا منا على خلاف ما شرعه النبي ص، منحرفين عن هديه تاركين سننه، مبتدعين سننًا أخرى، فإننا نرى كثيرًا من الناس -هداهم الله تعالى إلى الصواب- يتعلقون بغير الله في طلبهم البركة.
فمن البركات الباطلة التي يتعبد بها الناس في هذا الزمان أنهم يتبركون في تعظيمهم للاحتفالات والابتهالات الإسلامية «كما يدّعون» كيوم مولد النبي ص، والأولياء والصالحين وغيرهم كثير، وتعظيمهم لذكرى وفاة النبي ص واستشهاد بعض الأولياء والصالحين، وكذا الاحتفال بليلة القدر أو الإسراء والمعراج، والاحتفال بهجرة النبي ص، ويوم فتح مكة، وغيرها من البدع.
__________
(1) إرشاد القلوب: (1/165)، أمالي الطوسي: (522).
(2) أمالي المفيد: (187)، بحار الأنوار: (2/263)، مستدرك الوسائل، (12/324).
(3) نهج البلاغة: (207)، الكافي: (1/299)، بحار الأنوار: (42/207).
(145/130)
فكل هذه المناسبات المحدثة هل ثبت لدينا بدليل واحد أن نبينا ص جعل لها يومًا للاحتفال بها؟ دلالة منه على أهمية هذه المناسبة وتذكيرًا لنا بها؟!
بل هل ثبت عند من بعده كأمير المؤمنين علي ؛ لما تولى الخلافة أنه خصص يومًا لتذكر وفاة النبي ص أو لمناسبة مولده أو إسرائه ومعراجه؟!
فإذا لم يثبت عندنا لتلك المناسبات بأي دليل مقبول، فلم نفعل أمرًا نظن فيه الحب والتقرب إلى آل البيت وهم أعلم الناس بالله سبحانه، فهل بلغنا علم لم يبلغهم؟!
أو هل نحن أعلم بالله أو أكثر حبًا للنبي ص منهم؟! وهل سبقناهم إلى علم فاتهم وقصر علمه عنهم؟!
والخطب ليس بيسير، فقد تجاوز الأمر في الاعتقاد إلى التبرك ببعض الأماكن، كتقبيلهم جدران الكعبة والتمسح بها، والتمسح كذلك بمقام نبي الله إبراهيم ؛، والسفر إلى أضرحة الصالحين للدعاء وطلب الحوائج والتبرك والمسح عليها، والأخذ من ترابها وقماشها الملون، وغيرها من الأفعال الشركية(1)، ولهذا حذر النبي ص فئة من الصحابة في غزوة حنين عندما طلبوا منه أمرًا ليتبركوا به، وذلك لقرب عهدهم بالإسلام وتأثرهم بالجاهلية، وظنهم أن هذه الأفعال لا حرج في فعلها.
وذكر الشيخ زين الدين النباطي في كتابه الصراط المستقيم:
__________
(1) أما ما يفعله الصحابة رضوان الله عليهم عند تبركهم بوضوء النبي ص وجسمه وملابسه وريقه وعرقه، فإنما هذه من خصوصيات النبي ص لا يشاركه فيها أحد.
(145/131)
أنه كان للمشركين شجرة يسمونها ذات أنواط يعلقون عليها أسلحتهم(1)، فقال المسلمون للنبي ص: اجعل لنا ذات أنواط! فقال: «هذا مثل قول قوم موسى:
* - - رضي الله عنهم -(( - - - - - - عليه السلام - - { - - - جل جلاله - - ( - - ( { - - رضي الله عنهم - - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - - ( { - رضي الله عنهم - - ( - - - عليه السلام -( & [الأعراف:138] لتركبن سنن من كان قبلكم»(2).
وقال شارح نهج البلاغة: قد جاء في المسانيد الصحيحة أن رسول الله ص قال: «لتركبن سنن من كان قبلكم حذو النّعل بالنّعل، والقذّة بالقذّة، حتى لو دخلوا جحر ضبّ لدخلتموه، فقيل: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فمن ذلك؟!(3)»(4).
فعليك أيها المسلم بخير الهدي وبالصراط القويم ولا يغرنك فعل الكثرة من العوام.
عاشرًا: شرك الخوف:
المسلم متعلق بالله ظاهرًا وباطنًا؛ لأنه يريد تحقيق العبادة في كل شيء حتى في أحاسيسه وفكره، رغبة ورهبة، حبًا وطمعًا، حتى في الخوف.
والخوف: هو انفعال يحصل بتوقع ما فيه هلاك أو ضرر أو أذى.
__________
(1) أنواط: هي شجرة كانوا يعبدونها ويعلقون عليها أي للبركة. انظر: بحار الأنوار (9/67).
(2) الصراط المستقيم (فصل:106).
(3) إن خطاب النبي ص للصحابة كان تعليميًا ومحذرًا للأمم القادمة من ارتكابهم للشرك والبدع، وهذا الخطاب شامل كامل لما أعطي للنبي ص من ربه جوامع الكلم، وهذا مشابه لقول الله تبارك وتعالى لنبيه
محمد ص: (ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين). وقوله تعالى: (ياأيها النبي اتق الله ولاتطع الكافرين). وقوله تعالى: (ولا تصل على أحد منهم).
(4) شرح نهج البلاغة: (9/286)، وانظر: بحار الأنوار (51/128).
(145/132)
وقد نهى الله Q المؤمنين أن يخافوا غيره، وأمرهم أن يقصروا خوفهم عليه، فلا يخافون إلا إياه، وهذا هو الإخلاص الذي أمر الله به عباده الموحدين، فإذا أخلصوا له في الخوف وفي جميع العبادات أعطاهم ما يرجون، وأمنهم من مخاوف الدنيا والآخرة.
عن جعفر بن محمد ؛ قال: من خاف الله Q أخاف الله منه كل شيء، ومن لم يخف الله Q أخافه الله من كل شيء(1).
وعن أبي عبد الله ؛ قال: من عرف الله خافه، ومن خاف الله حثه الخوف من الله على العمل بطاعته والأخذ بتأديبه، فَبَشَّر المطيعين المتأدبين بأدب الله والآخذين عن الله أنه الحق على الله أن ينجيهم من مضلات الفتن(2).
واعلم رحمك الله أن الخوف من الله تعالى درجات بين الناس، فمنهم من يغلو في خوفه، ومنهم من يفرط، ومنهم من يعتدل في خوفه.. وهذا هو الصواب.
فيجب على المؤمن أن يسير إلى الله بين الخوف والرجاء، بحيث لا يذهب مع الخوف وحده فيقنط من رحمة الله، ولا يذهب مع الرجاء وحده حتى يأمن من مكر الله؛ لأن القنوط من رحمة الله والأمن من مكر الله ينافيان التوحيد.
لذلك فإن الله Q يقول: * ( فهرس قرآن كريم ((( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - { (( قرآن كريم - رضي الله عنهم - - - ((- رضي الله عنهم - - - (- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - & [الأعراف:56].
واعلم رحمك الله بأن الخوف الحاصل عند الناس على أنواع ثلاثة:
النوع الأول: خوف طبيعي:
__________
(1) بحار الأنوار: (67/381)، وانظر: الكافي: (2/68)، وسائل الشيعة: (15/219).
(2) مستدرك الوسائل: (11/228).
(145/133)
وهو كخوف الإنسان من السباع والنار، وهذا لا يلام عليه العبد؛ لأنه أمر طبعي مفطور عليه خلقة. قال تعالى عن موسى ؛: * - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - - ((- صلى الله عليه وسلم - - - ( - (( ( { - عليه السلام - - - ( - - رضي الله عنهم - - ( - - - - - ((( - - - } ( - { - - عليه السلام - - - رضي الله عنه -- سبحانه وتعالى -- رضي الله عنه - - & [القصص:18].
النوع الثاني: خوف الطاعة:
وهو أن يترك الإنسان ما يجب عليه من الجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لغير عذر خوفًا من الناس مثلًا، فهذا محرم، وهو نوع من أنواع الشرك بالله المنافي لكمال التوحيد، قال تعالى: * - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( } - } - - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - قرآن كريم ( { - رضي الله عنه - - - } - جل جلاله -- رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( ( - - - ( - - - - - ( - - ( - رضي الله عنهم - - ( - - صلى الله عليه وسلم -( - - (( ( - - - - - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنهم - - - { - عليه السلام - - ( - (( ( } - } - جل جلاله - - - - ( - - - - - رضي الله عنهم -( - - ( - - - & [العنكبوت:10].
قال محمد الكرمي:
ومن الناس من يستسهل أمر العقيدة، ويراها لزامًا إذا واتته الصدف بها ولم يجد مزاجًا له عليها، فمتى افتتن في حقها انقلب عنها، وجعل تعذيب الناس على الحق كتعذيب الله له على الباطل، فكيف أن الإنسان يترك فعل الحرام لأجل خوفه من عذاب الآخرة، كذلك يترك العقيدة المخالفة لأجل خوفه من الناس في حال أنه لا سواء بين العذابين، فعذاب الناس منقطع وعذاب الله دائم(1).
__________
(1) تفسير المنير: (6/220)، وانظر: تفسير الميزان: (16/108).
(145/134)
وعن أمير المؤمنين ؛ أنه قال: من طلب رضا الله بسخط الناس رد الله ذامَّه من الناس حامدًا، ومن طلب رضا الناس بسخط الله رد الله حامده من الناس ذامًا(1).
النوع الثالث: خوف السر:
وهو خوف فئة من الناس من أضرحة الأنبياء والأولياء، فتراهم يتقربون إليهم بشتى أنواع العبادات من نذر وذبح وحلف خوفًا على أنفسهم وأولادهم وأموالهم من سخط وغضب صاحب ذلك القبر، أو يخاف من ولي مخافة ربما تزيد على مخافة الله Q من انقطاع رزقه وفقره بسبب ذاك الولي، وهذا من الشرك الأكبر.
قال تعالى: * - - رضي الله عنهم - - ( الله أكبر ( { ( - ( - ((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - ( - ( - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - - - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - (- رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( ( - - - ( - ( الله ( قرآن كريم - عليه السلام - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - - - رضي الله عنهم - - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم - - - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - فهرس - - قرآن كريم فهرس - - ( - - - - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام -(- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - فهرس - - قرآن كريم - - } - - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (( - - - - صدق الله العظيم ( { { - - - & [التوبة:18].
قال السيد محمد حسين الطبطبائي:
__________
(1) مستدرك الوسائل: (12/210).
(145/135)
الخشية الدينية وهي العبادة، من دون الخشية الغريزية التي لا يسلم منها إلا المقربون من أولياء الله كالأنبياء، قال تعالى: * - ((( - { - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - - - رضي الله عنه - - ( - ( تمهيد ( فهرس - (- رضي الله عنهم - - ( - ( - - - (( مقدمة - رضي الله عنه - الله أكبر ( قرآن كريم - رضي الله عنه -(( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت ( قرآن كريم - رضي الله عنه -(( - - - - ( - - رضي الله عنه - فهرس - صلى الله عليه وسلم - - - صدق الله العظيم ( { { - - - & [الأحزاب:39]، والوجه في التكنية عن العبادة بالخشية أن الأعرف عند الإنسان من علل اتخاذ الإله للعبادة الخوف من سخطه أو الرجاء لرحمته، ورجاء الرحمة أيضًا يعود بوجه إلى الخوف من انقطاعه وهو السخط، فمن عبد الله سبحانه أو عبد شيئًا من الأصنام فقد دعاه إلى ذلك، إما الخوف من شمول سخطه، أو الخوف من انقطاع نعمته ورحمته، فالعبادة ممثلة للخوف والخشية مصداق لها لتمثيلها إياها، وبينها حالة الاستلزام(1).
وقال تعالى: * - - رضي الله عنهم - - ( الله أكبر ( { ( المحتويات ( - ( - ( - - ( صدق الله العظيم ( - (( - } ( - - - ( - ( - قرآن كريم - - ( - (( فهرس - عليه السلام -( - - - عليه السلام - - ( - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - - - ( ( المحتويات ( - قرآن كريم (( - - رضي الله عنهم - - - - ( تمت قرآن كريم (( - - } - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - تمت ( { - (( - ( - - رضي الله عنه -((( - ( تم بحمد الله ( - - تم بحمد الله ((((( & [سورة آل عمران].
قال الشيخ محمد السبزواري النجفي:
__________
(1) تفسير الميزان: (9/209).
(145/136)
* - - - ( ( المحتويات ( - قرآن كريم (( - - رضي الله عنهم - - - - & أي: لا تفزعوا منهم أيها المؤمنون؛ لأني ناصركم ومعينكم
* ( تمت قرآن كريم (( - - } - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - & واحذروا مني؛ لأن السعادة الأبدية الطيبة هي أن يخاف العبد مولاه وربه الذي بيده أزمّة أموره في الدنيا والآخرة، فينبغي أن تتقوني * تمت ( { - (( - ( - - رضي الله عنه -((( - ( تم بحمد الله ( - - تم بحمد الله & أي: بمقتضى إيمانكم، ولا يجوز أن ينحصر خوفكم بغير الله تعالى؛ لأن المخلوقين أمورهم بيده سبحانه وهم ضعفاء مفتقرون إليه(1).
وكيف يخاف العبد المتعلق بالله الطائع له من أحد من الخلق؟ أليس الله بكاف عباده مما يضرهم؟
قال تعالى: * { { ( - - - - صلى الله عليه وسلم - - ( - - - - - - - - ( - (( فهرس - رضي الله عنهم - - ( تمهيد - رضي الله عنه -( } - درهم - رضي الله عنه - الله أكبر قرآن كريم ((( - قرآن كريم - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ((( - { - - - ( - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله (( مقدمة ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم -( - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - ((( - ( - - - - - رضي الله عنهم - - - ( (( مقدمة - - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - - - - رضي الله عنهم - - (((( & [سورة الزمر].
قال محمد الكرمي:
__________
(1) تفسير الجديد: (2/192).
(145/137)
أليس الله المقتدر على كل شيء بكاف عبده الملتجئ إليه؟ بلى هو كاف له، ولا يجوز أن يتخوف بالشركاء المتخذين للجهلاء؛ فإنهم ومهما كانوا لا وزن لهم، وضلال الضال إنما جاءه لانصرافه عن ربه، وهداية المهتدي إنما حصل له لإقباله عليه، ولئن سألت يا محمد هؤلاء المشركين المعاصرين لكم من هو خالق هذه السموات العظيمة والأرض الجسيمة ليقولن لكم: الله خلق ذلك، فقل لهم حينذاك: أفرأيتم أن ما تدعون من دون الله هذا الخالق، هل بهن أن يكشفن الضر عني إن أراده الله لي؟ أو أنهن هل يستطعن أن يقفن أمام وصول رحمته إلي إن أراد لي رحمة؟ فحتمًا سيجيبون: لا، ليست بالأصنام أن تدفع عذاب الله أو أن تجلب رحمته، فقل: إذًا حسبي الله عن كل ما سواه، وعليه فليتوكل المتوكلون(1).
لهذا ليكن دائمًا قولك يا عبد الله: «حسبي الله ونعم الوكيل» ولن يضرك شيء في الدنيا إلا ما قدره الله عليك.
الحادي عشر: شرك المحبة:
إن أصل التوحيد وروحه يكمن في إخلاص المحبة لله وحده، وهي أصل التألّه والتعبد له، بل هي حقيقة العبادة، ولا يتم التوحيد حتى تكمل محبة العبد لربه وتسبق جميع المحاب وتغلبها، بحيث تكون سائر محاب العبد تبعًا لهذه المحبة التي بها سعادة العبد وفلاحه.
ولما كان الإنسان يدور في حياته إقبالًا وإدبارًا للأشياء حوله حبًا أو كرهًا، كانت المحبة على أنواع كثيرة متنوعة هي كالآتي:
النوع الأول: محبة الله Q:
وهي إفراد المحبة المستلزمة للذل والخضوع، وكمال الطاعة وإيثار المحبوب على غيره، فهذه المحبة خالصة لله، ولا يجوز أن يشرك معه فيها أحد.
__________
(1) تفسير المنير: (7/11).
(145/138)
وهذا كحب نبي الله إبراهيم ؛ لربه عند استجابته في ذبح ابنه إسماعيل لرؤيا رآها في منامه، ورؤيا الأنبياء حق، فقال تعالى: * - ( - - - - ( - ( فهرس - - رضي الله عنه - - ( مقدمة - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنه - تم بحمد الله - ((( - - - - - - رضي الله عنه - - - - - - ( - - ( تمهيد (- رضي الله عنه - - ( - ( - الله أكبر ( { - - - عليه السلام - - - صلى الله عليه وسلم - - - (( ( الله - - عليه السلام - - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( - ( - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - (- رضي الله عنه -- صلى الله عليه وسلم - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - ( - (( الله أكبر - - - ( - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - - رضي الله عنه - - - - - - رضي الله عنه - - - - - ( تمهيد - رضي الله عنه - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - ( - - رضي الله عنهم -((( - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - ( - } ( - ( الله أكبر ( - ( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - تمت ( { - عليه السلام -( - - - { ( - - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - رضي الله عنه -((( - ( - ( - ( - - - ((((( & [سورة الصافات].
النوع الثاني: المحبة لله:
وهي محبة أنبياء الله ورسله وأتباعهم، وأن يحب العبد ما يحبه الله من الأعمال والأشخاص، ويبغض ما يبغضه الله من الأعمال والأشخاص، وأن يوالي أولياء
الله Q ويعادي أعداءه، وهذا هو كمال إيمان العبد وتوحيده.
(145/139)
فعن البراء بن عازب قال: «كنت عند رسول الله ص فقال: أتدرون أي عرى الإيمان أوثق؟ قلنا: الصلاة، قال: إن الصلاة لحسنة وما هي بها، قلنا: الزكاة، فقال: لحسنة وما هي بها، فذكرنا شرائع الإسلام، فقال: أوثق عرى الإيمان أن يحب الرجل في الله ويبغض في الله»(1).
وقال النبي ص في جواب شمعون بن لاوي بن يهودا من حواريي عيسى: «...وأما علامة البار فعشرة: يحب في الله، ويفارق في الله، ويغضب في الله، ويرضى في الله، ويعمل لله، ويطلب إليه، ويخشع لله خائفًا مخوفًا طاهرًا مخلصًا مستحييًا مراقبًا، ويحسن في الله»(2).
وعن النبي ص أنه قال: «ثلاث من كن فيه وجد طعم الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله»(3).
وهذا ما فعله الصحابة ي في تحقيق المحبة الصحيحة المباركة، وكان فيهم أمير المؤمنين علي ؛، فيتذكر بحسرة وأسى ما آل إليه أمره في الكوفة بين نفر من الناس لم يعرفوا حق الصحابة ي، وكيف أنهم حققوا المحبة الخالصة لله وحده.
فقال أمير المؤمنين ؛: ولقد كنا مع رسول الله ص نقتُل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وأعمامنا ما يزيدنا ذلك إلا إيمانًا وتسليمًا، ومضينا على اللقم، وصبرنا على مضض الألم وجِدًّا في جهاد العدو(4).
وعن أبي جعفر ؛ قال: إذا أردت أن تعلم أن فيك خيرًا فانظر إلى قلبك، فإن كان يحب أهل طاعة الله ويبغض أهل معصيته ففيك خير والله يحبك، وإن كان يبغض أهل طاعة الله ويحب أهل معصيته فليس فيك خير والله يبغضك، والمرء مع من أحب(5).
النوع الثالث: المحبة الطبيعية:
__________
(1) مستدرك الوسائل: (12/224)، الاختصاص: (365).
(2) انظر: بحار الأنوار: (1/117).
(3) مستدرك الوسائل: (12/234).
(4) شرح نهج البلاغة: (4/33)، بحار الأنوار: (30/328)، إرشاد القلوب: (1/267).
(5) الكافي: (2/126)، وسائل الشيعة: (16/183)، بحار الأنوار: (66/247)، علل الشرائع: (1/117).
(145/140)
وهي المحبة الفطرية التي فطر عليها الإنسان، كمحبة الوالدين والزوجة والأولاد، ومحبة الطعام واللباس وغيرها، ما لم تكن على محبة الله وطاعته.
والحذر من أن تقودك المحبة الطبيعية إلى تغليبها أكثر وأعظم من حب الله وطاعته.
قال تعالى: * ( - ( - تمت ( { - رضي الله عنه - تمت - - - ( المحتويات ( - (- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنه - - - - عليه السلام -( ( المحتويات ( - (- رضي الله عنه - - - - - جل جلاله -( - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ( الله أكبر (- عليه السلام - قرآن كريم ( - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - ( - (- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -( - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - - عليه السلام - - - ((- رضي الله عنه -(- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - (- عليه السلام - قرآن كريم ( تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - قرآن كريم ( - ( - ((- عليه السلام - - - رضي الله عنه -- سبحانه وتعالى -( - - - ( - - رضي الله عنه - - ( { - ( تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت ( قرآن كريم - رضي الله عنه -(( - - صلى الله عليه وسلم - تم بحمد الله - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم - - - - - - - ( صدق الله العظيم ( - ( - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - الله أكبر ( قرآن كريم - (( - - - - - - رضي الله عنهم - مقدمة - صلى الله عليه وسلم - - المحتويات ( تمهيد ( - - - ( { - (( } تم بحمد الله ( - - - (( - ( - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - -
(145/141)
عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - - رضي الله عنهم - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (( (( - ( - - ( - - رضي الله عنهم - - } - قرآن كريم ((( - - عليه السلام - - - رضي الله عنه -- سبحانه وتعالى - - ( - (( - - رضي الله عنهم - مقدمة - - ( - ( - - رضي الله عنه - - ( - - - (( فهرس ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - ( - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - ( - ( - - عليه السلام - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم ( قرآن كريم - { ( - - - - ((( { ( - ( - (( - - - (((( & [سورة التوبة].
قال محمد جواد مغنية:
والإنسان بفطرته يحب نفسه وأهله وأمواله، والدين لا يأبى ذلك، ولا يحجز على أحد أن يستمتع بما يشاء، ويحب من يريد، شريطة أن يتقي الله في هذا الاستمتاع والحب، وأن يكون على حساب جهوده، لا على حساب الآخرين(1).
لذلك فإن النبي ص جعل حب الله ورسوله شرطًا من شروط الإيمان:
فقال ص: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما»(2).
النوع الرابع: محبة مع الله:
وهي أن تكون محبه غير الله كمحبة الله أو أكثر من محبة الله، بحيث إذا تعارضت محبة الله ومحبة غيره قدّم محبة غير الله، والخشية من جعل هذه المحبة ندًا لله يقدمها على محبة الله أو مساوية بها.
وهذا ما نلاحظه في عصرنا، فإننا نجد كثيرًا من الناس يأتون إلى أضرحة الأولياء والصالحين بتلهف وشوق وبكاء لا يمكن أن يفعل عند الدعاء لله في الخلوة، وكذلك يرون أن زيارتهم لقبر الرسول ص أو آل بيته † أحب إليهم وأعظم مكانة وقصدًا من زيارة بيت الله الحرام.
__________
(1) تفسير الكاشف: (4/23).
(2) انظر: مسكن الفؤاد: (17).
(145/142)
ولهذا فقد نُسِب إلى أبي جعفر الباقر ؛ كذبًا وزورًا ما يخالف الأصول الشرعية، والنهج النبوي المبارك، مثل أنه قال: من زار الحسين يوم عاشوراء حتى يظل عنده باكيًا لقي الله Q يوم القيامة بثواب ألفي ألف حجة، وألفي ألف عمرة، وألفي ألف غزوة، وثواب كل حجة وعمرة وغزوة كثواب من حج واعتمر وغزا مع رسول الله ص ومع الأئمة الراشدين صلوات الله عليهم(1).
وهذا كذب مفضوح على الإمام الباقر ؛، فلو كانت زيارة الحسين يوم عاشوراء والبكاء عند قبره أعظم ثوابًا من الحج والعمرة لجاء حتمًا ذكرها في كتاب ربنا العزيز، وهذا مما يبين لنا أنهم قد كذبوا على الأئمة في شتى الأمور كهذا القول وغيره، وهم بريئون منه.
وقال تعالى حكاية عمن عبد غير الله: * ( - - - - - تمت ( { - } - ( - - ( - - - - - ( فهرس - - ( - ((( - - تم بحمد الله (((( ( - ( { المحتويات ( - - ( - قرآن كريم - - ( - ( تمت - - رضي الله عنه - - ( - - رضي الله عنه -((( - فهرس - (- رضي الله عنهم -(( - - - (((( & [سورة الشعراء].
قال الشيخ محمد السبزواري النجفي:
حيث جعلناكم مساوين في العبادة والخضوع لرب العالمين، هذا بناء على كون الخطاب للأصنام، وقيل: يقولون لمن تبعوهم: أطعناكم كما أطعنا الله فصرتم أربابًا(2).
وهذه المساواة التي أرادها الشيخ بشرحه للآية المباركة لا تتعرض للمساواة القلبية أو الباطنية فقط، لكنها ابتداء تتكلم عن المساواة الظاهرية في جوارح العباد، والدالة فيما بعد على ما في القلب من توقير وتعظيم للمتوجه إليه بالمساواة.
ومنهم من يكون جل اهتمامه متعلقًا بالدنيا وزينتها، حتى أصبحوا عبادًا لها، ولو فتشت عن قلوبهم لوجدتها ممتلئة من محبة متاع الدنيا.
__________
(1) بحار الأنوار: (98/290)، وانظر: وسائل الشيعة: (14/477)، مستدرك الوسائل: (10/293).
(2) الجديد: (5/193).
(145/143)
وقد سمعنا من القصص الشيء الكثير عن أولئك العباد وما جرى لهم عند احتضارهم، فكانوا يقولون لهم: قولوا: «لا إله إلا الله» فتجد أحدهم قلبه الذي تعلق بتجارة العقارات يأبى أن يقول كلمة التوحيد، فيهذي بما يدل على تعلق فؤاده بالبيع والشراء، ومنهم من كان يُغَنِّي عند احتضاره، ومنهم من طلب الخمر.
ولهذا قال المصطفى ص: «تعِس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس ولا انتعش بين أن محبها عبد لها، من عبد حجرًا فهو عابد صنم»(1).
وهؤلاء هم الذين قال الله فيهم: * - (( تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( } - } - - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - ( - ( - - رضي الله عنه - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - - - جل جلاله - - - - رضي الله عنهم - - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - رضي الله عنه - - قرآن كريم - تمهيد (- رضي الله عنه -( - ( تمت - ( - - - ( - - - } - رضي الله عنه -((( - { - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - ( قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( - - - { - صلى الله عليه وسلم - - - } تمهيد ( مقدمة ( - & [البقرة:165].
قال السيد محمد تقي المدرسي:
__________
(1) مجموعة ورام: (1/159)، وانظر: بحار الأنوار: (7/319).
(145/144)
لنظرتهم الجامدة، فهم يقدسون الشمس -مثلًا- بدلًا من أن يعبدوا الذي خلق الشمس ونظّم سيرها، وهو الله، لماذا؟ لأنهم ينظرون إلى ظاهر الشمس دون أن يستدلوا بها على ربها، كذلك فهم يرتبطون بأصحاب المال والجاه والعلم دون أن يفكروا أن هؤلاء جميعًا عباد الله، وأن الله هو الذي أعطاهم هذه النعم، فأولى بهم وأجدر أن يتصلوا بالله مباشرة، ولا يسمحوا لأنفسهم بأن يستعبدها هؤلاء الوسطاء: * - رضي الله عنه -((( - { - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - ( قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( - - - { - صلى الله عليه وسلم - - - } تمهيد ( مقدمة ( - & فبالرغم من إنشاء علاقة بينهم وبين أصحاب المال والجاه والعلم، فهم لا يسمحون لأنفسهم بالعبودية لهؤلاء، بل يبقون أبدًا مرتبطين بالله ارتباطًا أشد(1).
وبعد هذه النصوص والأخبار لنفرق بين الحب الذي يجر إلى التقديس والتعظيم لأمور عدة من غير بيان للحق والأثر الصحيح، حتى يبعد صاحبه عن محبة الله، وبين الحب المتوجه للأولياء والعلماء والأماكن والأزمان الذي يكون في مرضاة الله تعالى ووفق ما يحبه الله تعالى، وتبعًا لأمره الكريم.
الثاني عشر: شرك الطاعة:
يؤمن المسلم بوجوب محبة علماء الإسلام واحترامهم وتوقيرهم والتأدب معهم؛ لأنهم هم العارفون بشرع الله والمتفقهون في دينه، والعاملون بعلمهم على هدى وبصيرة.
__________
(1) من هدي القرآن: (1/300).
(145/145)
ولأن العلماء من خير البرية؛ لأنهم أشد الناس خشية لله سبحانه، قال تعالى:
* - - رضي الله عنهم - - ( الله أكبر ( { (- رضي الله عنهم -(( - - - { - - - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( فهرس ( - - - رضي الله عنه - تمهيد (( } - ( - ((- رضي الله عنهم - - فهرس - ((( - - - & [فاطر:28]، وقال تعالى: * - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - ( - ( - - رضي الله عنهم - } ( { ( - ( - - رضي الله عنهم - - ( - - - ((( ( تمهيد ( - (- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم - - - (( ( المحتويات ( - ( - - - عليه السلام - - ( تمهيد ( } - - رضي الله عنهم - - - تمت ( - - رضي الله عنه -( - ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - تم بحمد الله صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - - عليه السلام - - ( - (- رضي الله عنه -- صلى الله عليه وسلم - تم بحمد الله ( - ( { - ( - - } - - - رضي الله عنه -((( - ( - (- رضي الله عنهم - - - - { - - (( - - جل جلاله - - - رضي الله عنه - - - صلى الله عليه وسلم - - } - ((( { - ( - - - ( المحتويات ( - ( { - رضي الله عنه -( } - قرآن كريم ((- عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( مقدمة ( - - رضي الله عنه -( - - رضي الله عنهم - - ( - ( - - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - ( - - (((- رضي الله عنهم - - (( مقدمة ( - - عليه السلام - - ((( & [سورة البينة].
(145/146)
واعلم رحمك الله أن طاعة العلماء فرض على الناس بقيدها، وهي أن تكون تابعة لطاعة الله ورسوله وإلا فلا طاعة لهم، ودليل ذلك قوله تعالى: * - { - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - ( قرآن كريم (- جل جلاله -- رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( } - قرآن كريم (( - ((- صلى الله عليه وسلم - - { - - - } - قرآن كريم (( - ((- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - - قرآن كريم ( - { - - - - - ( - - - صلى الله عليه وسلم -( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - - } - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - ( تم بحمد الله & [النساء:59].
فمن تمعن في الآية الكريمة يلاحظ أن الله جعل طاعته مستقلة، وطاعة رسوله مستقلة أيضًا، بينما جعل طاعة أولي الأمر تابعة، ولهذا لم تسبق طاعة ولي الأمر بالفعل «وأطيعوا»، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وأولو الأمر هم أهل الشأن من العلماء والأمراء؛ لأن العلماء يسند إليهم أمر الشرع والعلم به، والأمراء يُسند إليهم تنفيذ الشرع وإمضاؤه.
وإذا استقام العلماء والأمراء استقامت أمور الناس، وبفسادهم تفسد الأمور؛ لأن العلماء أهل الإرشاد والدلالة، والأمراء أهل الإلزام والولاية.
ويجب على المسلم أن يستفتي من اعتقد أنه يفتيه بشرع الله وسنة رسوله
محمد ص بالأحاديث الصحيحة والفهم الصحيح الذي سار عليه وانتهجه
آل البيت †، ولا يقلد عالمًا معينًا في كل ما يقول ويلتزم بمذهبه التزامًا أعمى؛ لأن العلماء بشر يصيبون ويخطئون، فقد يخطئ أحدهم الحق في مسألة من المسائل، لا عن قصد وعمد ولكن عن غفلة وسهو، أو عدم إحاطة بالمسألة الشرعية.
(145/147)
فلهذا ينبغي للمسلم العاقل أن لا يتعصب لرأي عالم دون الآخر، بل يجعل نصب عينيه قوله تعالى: * } - ( قرآن كريم ( - - رضي الله عنه -(( - - ( - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - ( - ( - (- صلى الله عليه وسلم - - - - - تمت ( { ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - ( - - صدق الله العظيم - - قرآن كريم ( - فهرس - (( - - & [الأنبياء:7].
ولو نظرنا في أحوال المسلمين اليوم -إلا من رحمه الله- لوجدناهم قد أشركوا في طاعة الله Q، تاركين شرعه وسنة نبيه وحبيبه المصطفى ص ومعرضين عن ما نقله إلينا آل بيته †، متبعين طريقة الأولياء من الأمراء والعلماء الضلال.
فجعلوا حرياتهم وأفعالهم وتفكيرهم في أسر وقيد متين لا ينفك غله، ولا يستبين أمره في سبيل معرفة الحق من الضلال، وليس في مقدورهم النقاش أو السؤال لمعرفة السبب في الفعل أو الترك، أو للتفريق بين الهدي النبوي الصحيح، أو ما أحدثوه في دين الله من الشرك والبدع والخرافات من الاستغاثة بالأموات والدعاء من دون الله والاحتفال بأعياد الميلاد وغيرها من البدع الصادرة عن عقائد أحبار اليهود(1) ورهبان النصارى(2)، لكنه إن بدر منه التفاتة للسؤال بين يدي مقلده لكان هذا وسمًا عليه بالعار والتأنيب، وحكمًا بالخروج من الطاعة والانقياد وحب آل البيت †، إلى الضلال والبغض والشك بأقوالهم على لسان المبلغين عنهم.
وهذا ما جرّ كثيرًا من المسلمين إلى الوقوع في معتقد خطير، وهو أن أحدهم إذا قيل له: نهى الله Q في كتابه أو نهى نبيه محمد ص عن كذا أو كذا، لرد وقال مباشرة: لكن العالم الفلاني قال كذا وكذا.
وهذا من الشرك المنافي لتوحيد الله Q في طاعته، وذلك أنهم أطاعوا العلماء في تحريم ما أحل الله، وفي تحليل ما حرم الله Q.
__________
(1) الأحبار: جمع حِبر وحَبر، وهو العالم الواسع العلم.
(2) الرهبان: جمع راهب وهو العابد الزاهد.
(145/148)
وهو ما قال الله تعالى فيه: * } - (- صلى الله عليه وسلم -( - - - ( تم بحمد الله - - ( المحتويات ( - - عليه السلام - - - - رضي الله عنه - تمهيد ( مقدمة - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - عليه السلام - - (- رضي الله عنه - تمهيد ( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - - - رضي الله عنه - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - & [التوبة:31].
قال أبو جعفر ؛: أما المسيح فعصوه وعظموه في أنفسهم حتى زعموا أنه إله، وأنه ابن الله... وأما أحبارهم ورهبانهم فإنهم أطاعوهم، وأخذوا بقولهم واتبعوا ما أمروهم به ودانوا بما دعوهم إليه، فاتخذوهم أربابًا بطاعتهم لهم وتركهم ما أمر الله وكتبه ورسله فنبذوه وراء ظهورهم، وما أمرهم به الأحبار والرهبان اتبعوه وأطاعوهم وعصوا الله، وإنما ذكر هذا في كتابنا لكي نتعظ بهم(1).
وقال الإمام جعفر بن محمد الصادق ؛: أما والله ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم، ولو دعوهم إلى عبادة أنفسهم لما أجابوهم، ولكن أحلوا لهم حرامًا وحرموا عليهم حلالًا، فعبدوهم من حيث لا يشعرون.
وقال ؛: «من أطاع رجلًا في معصية الله فقد عبده»(2).
وقال ؛ أيضًا: «أما والله ما صاموا لهم ولا صلوا ولكنهم أحلوا لهم حرامًا وحرموا عليهم حلالًا فاتبعوهم»(3).
وقال ؛ أيضًا: «أما إنهم لم يتخذوهم آلهة، إلا أنهم أحلوا حرامًا فأخذوا به وحرموا حلالًا فأخذوا به، فكانوا أربابهم من دون الله»(4).
__________
(1) تفسير الميزان: (9/265)، تفسير القمي: (1/288).
(2) انظر: تفسير نور الثقلين: (2/209).
(3) المصدر السابق.
(4) المصدر السابق.
(145/149)
واتباع الأحبار والرهبان والعلماء من غير دليل بقصد مخالفة شرع الله يوقع في أمر خطير، قال تعالى: * ( تمت ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - قرآن كريم ( - ( - (( - (- صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - ( الله أكبر ( { - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - ((( الله أكبر مقدمة الله ((((( & [سورة الأنعام].
قال السيد محمد حسين فضل الله:
إشراك العبادة الذي يعني الطاعة والخضوع، فإذا كان هناك وحي الله ووحي الشيطان، واختار الإنسان غير وحي الله فإن ذلك يعني التمرد على الله والخضوع لغيره، وذلك هو الشرك الغير مباشر؛ لأن قضية التوحيد ليست مجرد فكرة تعيش في العقل، كما تعيش المعادلات الرياضية المجردة، بل هي فعل إيمان يتحرك في الفكر ليحرك المشاعر والأفعال والأقوال والمواقف لتكون -كلها- صورة حية له، لتتحول الحياة من حوله إلى فعل إيمانه بالله وفي طريق الله(1).
وقال الشيخ محمد السبزواري النجفي:
تسمعوا منهم وتذعنوا لقولهم في استحلال الحرام * ( المحتويات ( - ( الله أكبر ( { - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - ((( الله أكبر مقدمة الله & بترك دين الله والميل إلى دينهم، فإن ذلك شرك به تعالى وإدخال لغير حكمه في أحكامه(2).
وقال أمين الدين الطبرسي: لأن من اتبع غير الله في دينه فقد أشرك به(3).
ولقد علمنا ربنا - سبحانه وتعالى - ماذا نفعل إن اختلفنا في حكم شرعي، وماذا نتبع.
فقال تعالى: * - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - (((( فهرس - - رضي الله عنه - - ( - - - ( مقدمة - (( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - ((( - ( ((( مقدمة ( - ( - ( - - ( - فهرس - ( { ( - - - & [الشورى:10].
قال الفيض الكاشاني:
__________
(1) تفسير من وحي القرآن: (9/227).
(2) تفسير الجديد: (3/85).
(3) تفسير جامع الجوامع: (1/406).
(145/150)
وما اختلفتم فيه من شيء من المذاهب واخترتم لأنفسكم من الأديان فحكم ذلك كله إلى الله يوم القيامة، وقيل: وما اختلفتم فيه من تأويل متشابه فارجعوا إلى المحكم من كتاب الله، ذلكم الله ربي عليه توكلت في مجامع الأمور، وإليه أنيب وأرجع(1).
وهذا الباب والمعتقد من أخطر المعتقدات التي تهوي بفاعله إلى الشرك، ولو أن المسلم فكّر في كل ما ينقل أو يقدم إليه من قبل المشايخ والأئمة، وسأل عن صحة الخبر وبحث في مصادر الفتاوى لوجد أن أغلب الفتاوى لا سند لها، والله يعصمنا من الزلل في ديننا.
الثالث عشر: الذبح:
الذبح: هو إزهاق الروح بإراقة الدم لحيوان مأكول شرعًا، على وجه مخصوص، يقصد به تعظيم المذبوح له و التذلل له والتقرب إليه، وهذا لا يكون إلا لله وحده لا شريك له.
والذبح من العبادات والطاعات الدالة على ذل العبد لله سبحانه، فمن صرف وقصد في ذبحه ونيته لغير الله Q فقد أشرك بالله شركًا أكبر مخرجًا عن ملة الإسلام.
__________
(1) تفسير الصافي: (4/367).
(145/151)
قال تعالى: * ( - ( - } تمت ( { - ( - - - - ( - ( - ( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - - - عليه السلام - - (- رضي الله عنه - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ( - - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( تمت - - عليه السلام - - - رضي الله عنه -((( - - - (- رضي الله عنهم -(( - - - ((((( - صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - - ( - - ( (( مقدمة - - } - رضي الله عنهم - - ( - ( - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ( تم بحمد الله ( - بسم الله الرحمن الرحيم - - رضي الله عنه - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - } - صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه -((( - ( - ( - ( الله أكبر ( الله - - ((((( & [سورة الأنعام].
قال الشيخ محمد باقر الناصري:
فالنسك كل ما تقرب به إلى الله تعالى إلا أن الغالب عليه أمر الذبح(1).
وقرن الله بين الصلاة والنحر لأهميتهما ودلالتهما على تعظيم أمر الله.
قال تعالى: * (- صلى الله عليه وسلم - - - ( - ( - رضي الله عنهم - - ( فهرس - - رضي الله عنه - - ( - ( - { - رضي الله عنه -(- عز وجل - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ((( & [سورة الكوثر].
قال ناصر مكارم الشيرازي:
__________
(1) مختصر مجمع البيان: (1/509).
(145/152)
نِعم واهب النَّعم هو سبحانه، لذلك ليس ثمة معنى للعبادات إن كانت لغيره، خاصة وأن كلمه «رب» تعني استمرارية النعمة والتدبير والربوبية، وبعبارة أخرى العبادات سواء كانت صلاة أم نحرًا، تختص بالرب وولي النعمة وهو - سبحانه وتعالى -، والأمر بالصلاة والنحر للرب مقابل ما كان يفعله المشركون في سجودهم للأصنام ونحرهم لها، بينما كانوا يرون نعمهم من الله، وتعبير * - رضي الله عنهم - - ( فهرس - - رضي الله عنه - - ( - & دليل واضح على وجوب قصد القربة في العبادات(1).
وينبغي أن نعلم أن الذبح لغير الله ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن يكون الذبح لغير الله فرحًا أو إكرامًا للضيف، فهذا لا حرج فيه بل هو من الأمور المعتادة التي قد تكون مطلوبة تارة وغير مطلوبة تارة أخرى، فالأصل أنها مباحة.
فعن أبي عبد الله ؛ قال: مما علّم رسول الله ص فاطمة ‘ أن قال لها: «يا فاطمة، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه»(2).
ومن الذبح الجائز أيضًا ما يكون اتباعًا لسنة النبي ص، مثل: الذي يذبح للمولود وهو ما يسمى بالعقيقة. فعن أبي عبد الله ؛ قال: عقيقة الغلام والجارية كبش(3).
القسم الثاني: أن يكون الذبح تعظيمًا وتقربًا لغير الله، وإن ذُكر اسم الله ابتداء قبل الذبح، وهذا من الشرك الأكبر المخرج من ملة الإسلام، وهو ما يفعله بعض الناس هداهم الله في تقربهم للأنبياء والرسل والأولياء عن طريق الذبح، زاعمين بأن صدقة تلك الذبائح وثوابها لهم، وحقيقة الأمر أنهم يذبحون وينحرون للأولياء حفاظًا على أموالهم وأولادهم، لجلب الخير لهم ودفع المصائب عنهم.
__________
(1) تفسير الأمثل: (20/452).
(2) الكافي: (6/285)، وانظر: مكارم الأخلاق: (135)، وسائل الشيعة: (24/318)، بحار الأنوار: (43/61).
(3) الكافي: (6/26)، وسائل الشيعة: (21/417).
(145/153)
ومنهم من يذبح تقربًا وتعظيمًا لقدوم سلطان للبلد مثلًا، أو لبعض العادات مثل ما يذبح تحت أقدام العروس عند دخولها لبيت زوجها، وهذا من الشرك؛ لأنها لم تذبح إكرامًا ولا ضيافة ولا إخلاصًا لله Q، بل رأينا بأعيننا أناسًا يقومون بإسالة دماء الدجاج والخراف وغيرها على سياراتهم بقصد أن تحفظ وألا يحدث لها شيء من الحوادث، وكل هذا بسبب الجهل بالتوحيد وما كان عليه نبي الهدى ص وآل بيته الطاهرين من اعتقاد أن النفع والضر بيد الله وحده لا شريك له.
فعن عباس بن يزيد، عن أبي عبد الله ؛ قال: قلت له: إن هؤلاء العوام يزعمون أن الشرك أخفى من دبيب النمل في الليلة الظلماء على المسح الأسود! فقال: لا يكون العبد مشركًا حتى يصلي لغير الله، أو يذبح لغير الله، أو يدعو لغير الله Q(1).
وعن أبي عبد الله ؛ قال: ذكر أن سلمان قال: إن رجلًا دخل الجنة في ذباب، وآخر دخل النار في ذباب، فقيل له: وكيف ذا يا أبا عبد الله؟
قال: مرّا على قوم في عيد لهم وقد وضعوا أصنامًا لهم، لا يجوز بهم أحد حتى يقرّب إلى أصنامهم قربانًا، قلَّ أم كَثُر، فقالوا لهما: لا تجوزا حتى تقرّبا كما يقرب كل من مر، فقال أحدهما: ما معي شيء أقربه، فأخذ أحدهما ذبابًا فقربه، ولم يقرب الآخر قال: لا أقرب إلى غير الله Q شيئًا، فقتلوه فدخل الجنة، ودخل الآخر النار(2).
فإذا كان هذا قد دخل النار من أجل أنه قرّب ذبابًا لهذه الأصنام من دون الله Q، فكيف بمن يذبح ما غلا ثمنه من بهيمة الأنعام تقربًا لأي مخلوق من دون الله Q؟
الرابع عشر: النذر:
__________
(1) وسائل الشيعة: (28/341)، وانظر: بحار الأنوار: (69/96)، الخصال: (1/136).
(2) وسائل الشيعة: (24/213)، بحار الأنوار: (3/252)، ثواب الأعمال: (224).
(145/154)
بعد بيان ما يصنعه بعض الناس في عبادة النحر، كان لزامًا أن أتحدث عن عبادة مقاربة لها ولها صلة بالنحر، وضل في مفهومها وسبيلها أيضًا طائفة من المسلمين، وتعد بابًا إما إلى أبواب الخير أو إلى الشرك -والعياذ بالله- تلك هي عبادة النذر.
والنذر: هو إلزام المكلف نفسه لله شيئًا غير واجب عليه عند حصوله على ما يتمناه ويطلبه من ربه، مثل أن يقول: عليّ نذر لله إن حصل كذا وكذا، أو سأفعل كذا وكذا بما يرضي الله Q.
والنذر من العبادات التي امتدح الله Q الموفين بها، وكذلك أمر نبيُّه محمد ص بالوفاء من ألزم بها نفسه.
قال تعالى: * - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم (( قرآن كريم ( - ( - ( - } - - - - ( - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم (( - - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - جل جلاله - تم بحمد الله ( قرآن كريم - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - تمت - - - (( فهرس - - - ( - - - - ((- رضي الله عنه - - ( - ( تم بحمد الله ((( & [الإنسان].
قال السيد محمد الحسيني الشيرازي:
أي كانوا في الدنيا بحيث إذا نذروا وفّوا به ولم يخشوا، والنذر هو أن يلزم الإنسان على نفسه خيرًا لأجله سبحانه، كأن ينذر الصيام والصدقة أو ما أشبهه(1).
واعلم رحمك الله أن النذر عبادة(2)، كالصلاة والتوسل وغيرها من العبادات التي لا يجوز صرفها إلا لله وحده، ومن صرفها لغير الله فقد أشرك وكفر.
__________
(1) تفسير تقريب القرآن: (29/167).
(2) لأن الله عز وجل مدح الموفين بالنذر وأمر بوفائه، وكل أمر يمدحه الله ويحبه ويثني على فاعله فهو عبادة، لذلك فإن تعريف العبادة كما أسلفنا هو: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال الظاهرة والباطنة، والنذر من ذلك. انظر: (ص:48) من هذا الكتاب.
(145/155)
واعلم وفقني الله وإياك أن الأصل في عقد النذر ابتداء أنه مكروه؛ لأنه إلزام لنفس الإنسان مما جعله الله في حلٍّ منه، وفى ذلك زيادة تكليف على نفسه.
ولأن الغالب أن الذي ينذر يندم بعد عقد النذر أو عند الوفاء، وتجده يسأل في كيفية الخلاص مما نذر به لثقله ومشقته عليه، ولا سيما مع ما يفعله بعض الناس إذا مرض، أو تأخرت عنه حاجة يريدها، نسمعه ينذر، وكأن لسان حاله وباطنه يقول: إن الله لن ينعم عليه بجلب الخير أو دفع الضرر عنه إلا إذا أعطاه مقابله كذا وكذا، وهذا سوء ظن بالله Q.
ومن الناس من ينذر ويصرف نذره لغير الله Q، مثل من يقول للرسول أو الولي الفلاني: عليَّ نذر، أو لهذا القبر عليَّ نذر، أو للملك الفلاني عليَّ نذر وما أشبه ذلك.
فهذا النذر المبذول لغير الله لا ينعقد إطلاقًا، ولا تجب فيه كفارة إن لم يتيسر فعله، بل هو شرك تجب التوبة منه كالحلف بغير الله، فلا ينعقد وليس فيه كفارة.
ومنهم من ينذر في معصية الله Q كأن يقول: عليَّ نذر إن حصل كذا وكذا أن أسرق أو أشرب الخمر.
وهذا النذر منعقد في الذمة، ولكن لا يجوز الوفاء به، وعليه كفارة يمين، كالحلف بالله على المحرَّم ينعقد وفيه كفارة.
وكل ما سبق بيانه من أحكام تتعلق بالنذر وانعقاده بالنية، ومن مشروعيته أو عدمها ليست بخافية على الله سبحانه.
قال تعالى: * - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( { - ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله - { - { - (( الله أكبر (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - المحتويات ( - ( - - - - رضي الله عنه - الله أكبر صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله - - ( - ( الله أكبر - - ( - - ( { - - - (( مقدمة ( - فهرس - ((- رضي الله عنه - - & [البقرة:270].
قال مير سيد علي الحائري الطهراني:
(145/156)
أي نذر كان في طاعة أو معصية «والنذر» عقد الضمير على شيء والتزامه وهو في الشرع التزام بر وخير، ولا يقع في أمر غير مشروع * - - ( - - ( { - - - (( مقدمة ( - فهرس - ((- رضي الله عنه - - & الضمير راجع إلى «ما»، فإن الله يجازيكم عليه إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر، فهو ترغيب وترهيب ووعد ووعيد(1).
وهذا ما بينه النبي ص موافقًا للآية السابقة، فقال ص: «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه»(2).
وعن إسماعيل بن سعد الأشعري، عن أبي الحسن الرضا ؛ قال: سألته عن رجل حلف في قطيعة رحم؟ فقال: قال رسول الله ص: «لا نذر في معصية، ولا يمين في قطيعة رحم... الحديث»(3).
وفي الحديث أن رجلًا من الصحابة اسمه أبو إسرائيل نذر أن يصوم فلا يفطر، وأن يقوم فلا يقعد، وألا يستظل ولا يتكلم، فأسقط النبي ص عنه كل ما لا طاعة فيه، وألزمه بما فيه طاعة، فقال: «مروه فليتكلم وليقعد وليستظل وليتم صومه»(4).
وعن أبي جعفر ؛ قال: النذر نذران، فما كان لله وفَّى به، وما كان لغير الله فكفارته كفارة يمين(5).
وقال أيضًا: لا نذر في معصية ولا فيما لا يملك ابن آدم(6).
وقد يتساءل القارئ ويقول: كيف تكرهون ما أثنى الله على من وفَّى به؟
فالجواب: إننا لا نقول: إن الوفاء هو المحرم حتى يقال: إننا هدمنا النص، إنما نقول: المحرم أو المكروه كراهية شديدة هو عقد النذر والدخول فيه ابتداء، وفرق بين عقده والوفاء به، فالعقد ابتدائي، والوفاء في ثاني الحال تنفيذ لما فعلت.
__________
(1) تفسير مقتنيات الدرر: (2/134).
(2) مستدرك الوسائل: (16/92).
(3) وسائل الشيعة: (23/219)، وانظر: الكافي: (7/440).
(4) عوالي اللآلي: (3/448)، مستدرك الوسائل: (16/92).
(5) تهذيب الأحكام: (8/310)، الاستبصار: (4/55)، وسائل الشيعة: (22/393).
(6) عوالي اللآلي: (3/448).
(145/157)
والعبد المحب لربه متعلق بربه وسيده في السراء والضراء، ولسانه وفعله متبع لما يريده خالقه، فهو إما عبد شاكر أو صابر.. حتى يلقى الله على ذلك.
الخامس عشر: الرياء:
الإخلاص لله هو أساس الدين، وروح التوحيد والعبادة، وهو أن يقصد العبد بعمله كله وجه الله وثوابه وفضله، فيقوم بأصول الإيمان وشرائع الإسلام، وحقائق الإيمان التي هي الإحسان، وبحقوق الله وحقوق عباده، مكملًا لها، قاصدًا بها وجه الله والدار الآخرة، لا يريد بذلك رياء ولا سمعة، ولا رئاسة، ولا دنيا، وبذلك يتم إيمانه وتوحيده.
ومن أعظم ما ينافي هذا صرف شيء من العبادة لأجل المخلوقين، والعمل لأجل مدحهم وتعظيمهم، أو العمل لأجل الدنيا، فهذا يقدح في الإخلاص والتوحيد.
قال المفسرون: والرياء من الشهوة الخفية؛ لأنه شهوة الصيت والجاه بين الناس بأنه متين الدين مواظب على نوافل العبادات، وهذه هي الشهوة الخفية، أي: ليست كشهوة الطعام والنكاح وغيرها من الملاذ الحسية(1).
وعن أمير المؤمنين ؛ أنه قال: ثلاث علامات للمرائي: ينشط إذا رأى الناس، ويكسل إذا كان وحده، ويحب أن يحمد في جميع الأمور(2).
وقد ذكر المجلسي في بحاره أوصافًا للمرائين منها:
- الرياء بالقول: كرياء(3) أهل الدين بالوعظ والتذكير والنطق بالحكمة وحفظ الأخبار والآثار لأجل الاستعمال في المحاورة، إظهارًا لغزارة العلم ولدلالته على شدة العناية بأقوال السلف الصالحين، وتحريك الشفتين بالذكر في محضر الناس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمشهد الخلق، وإظهار الغضب للمنكرات، وإظهار الأسف على مقارفة الناس بالمعاصي وتضعيف الصوت في الكلام.
__________
(1) انظر: شرح نهج البلاغة: (19/167).
(2) الكافي: (2/295)، وسائل الشيعة: (1/73)، مستدرك الوسائل: (1/164)، بحار الأنوار: (69/288).
(3) وفي الأصل (ورياء).
(145/158)
- الرياء في العمل: كمراءات المصلي بطول القيام ومدته، وتطويل الركوع والسجود، وإطراق الرأس وترك الالتفات، وإظهار الهدوء والسكون، وتسوية القدمين واليدين , وكذلك بالصوم وبالحج وبالصدقة وبإطعام الطعام، وبالإخبات بالشيء عند اللقاء؛ كإرخاء الجفون وتنكيس الرأس والوقار في الكلام، حتى إن المرائي قد يسرع في المشي إلى حاجته فإذا اطلع عليه واحد من أهل الدين رجع إلى الوقار وإطراق الرأس خوفًا من أن ينسبه إلى العجلة وقلة الوقار، فإن غاب الرجل عاد إلى عجلته، فإذا رآه عاد إلى خشوعه , ومنهم من يستحي أن يخالف مشيته في الخلوة لمشيته بمرأى من الناس، فيكلف نفسه المشية الحسنة في الخلوة، حتى إذا رآه الناس لم يفتقر إلى التغيير ويظن أنه تخلص به من الرياء، وقد تضاعف به رياؤه؛ فإنه صار في خلواته أيضًا مرائيًا.
- المراءاة بالأصحاب والزائرين والمخالطين: كالذي يتكلف أن يزور عالمًا من العلماء ليُقال: إن فلانًا قد زار فلانًا أو عابدًا من العباد لذلك، أو ملكًا من الملوك وأشباهه ليقال: إنهم يتبركون به، وكالذي يكثر ذكر الشيوخ ليُري أنه لقي شيوخًا كثيرًا واستفاد منهم، فيباهي بشيوخه، ومنهم من يريد انتشار الصيت في البلاد لتكثر الرحلة إليه، ومنهم من يريد الاشتهار عند الملوك لتقبل شفاعته، ومنهم من يقصد التوصل بذلك إلى جمع حُطام وكسب مال ولو من الأوقاف وأموال اليتامى وغير ذلك(1).انتهى
ولخطر الرياء وفداحة إثمه جاء التنبيه عليه في كتاب الله Q.
__________
(1) انظر: بحار الأنوار: (69/166).
(145/159)
قال تعالى: * ( - ( - - - - رضي الله عنهم - - ( الله أكبر ( { بسم الله الرحمن الرحيم - - رضي الله عنه - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( - - ( - - ( - ( - ( - ( الله ( } تم بحمد الله - (- رضي الله عنهم -- صلى الله عليه وسلم - قرآن كريم ( - { - فهرس - ( { - - - رضي الله عنهم - - ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - ( - ( - - ( { ( مقدمة ( - - ( { ( - ( فهرس (- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - - ( - رضي الله عنه - تمت - - - } - قرآن كريم ( - ( - - رضي الله عنه - - - عليه السلام -( - - - { ( - (( مقدمة ( فهرس - - عليه السلام - - ( - - رضي الله عنهم - - ((- عليه السلام - - ( - - ( الله - - عليه السلام - - - رضي الله عنه -( - } - ( - ( - ( - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - ((( - ( - - رضي الله عنهم - - - - رضي الله عنه - - ((( - ((( مقدمة ( فهرس - - عليه السلام - - - - - - رضي الله عنه - فهرس - صلى الله عليه وسلم - - ((((( & [سورة الكهف].
وعن أبي جعفر؛ قال: سُئل رسول الله ص عن تفسير قول الله: * صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - - ( - رضي الله عنه - تمت - - - } - قرآن كريم ( - ( - - رضي الله عنه - - - عليه السلام -( - - - { ( - (( مقدمة ( فهرس - - عليه السلام - - & [الكهف:110] فقال: «من صلى مراءاة الناس فهو مشرك، ومن زكى مراءاة الناس فهو مشرك، ومن حج مراءاة الناس فهو مشرك، ومن عمل عملًا مما أمر الله به مراءاة الناس فهو مشرك، ولا يقبل الله عمل مراء»(1).
__________
(1) بحار الأنوار: (69/297، 281)، وانظر: وسائل الشيعة: (1/68)، تفسير القمي: (2/47).
(145/160)
وقال الرسول ص: «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر! قالوا: وما الشرك الأصغر يارسول الله؟ قال: الرياء، يقول الله تعالى إذا جازى العباد بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءونهم في الدنيا فاطلبوا جزاءكم منهم»(1).
وعنه ص قال: «يقول الله سبحانه: أنا خير شريك، من أشرك معي شريكًا في عمله فهو لشريكي دوني؛ لأني لا أقبل إلا ما أخلص لي»(2).
وقال أمير المؤمنين ؛: واعملوا في غير رياء ولا سمعة؛ فإنه من يعمل لغير الله يَكِلَهُ الله إلى من عمله له(3).
__________
(1) شرح نهج البلاغة: (2/179).
(2) بحار الأنوار: (69/304).
(3) مستدرك الوسائل: (1/105)، شرح نهج البلاغة: (1/312).
(145/161)
وقال الصادق ؛: لا تُراءِ بعملك من لا يحيي ويميت، ولا يغني عنك شيئًا، والرياء شجرة لا تثمر إلا الشرك الخفي، وأصلها النفاق، يُقال للمرائي عند الميزان: خذ ثوابك ممن عملت له ممن أشركته معي، فانظر من تدعو، ومن ترجو، ومن تخاف، واعلم أنك لا تقدر على إخفاء شيء من باطنك عليه وتصير مخدوعًا، قال الله Q:
* - - قرآن كريم ((( - ( - - ( - { - - - - رضي الله عنه -((( - { - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - قرآن كريم ((- رضي الله عنهم - - ( - - - - صدق الله العظيم ( { ( المحتويات ( - - - (( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - (((( - - ((( & [سورة البقرة] وأكثر ما يقع الرياء في النظر والكلام والأكل والمشي والمجالسة واللباس والضحك والصلاة والحج والجهاد وقراءة القرآن وسائر العبادات الظاهرة، ومن أخلص باطنه لله وخشع له بقلبه ورأى نفسه مقصرًا بعد بذل كل مجهود، وجد الشكر عليه حاصلًا، فيكون ممن يرجى له الخلاص من الرياء والنفاق إذا استقام على ذلك على كل حال(1).
وعن أبي جعفر وأبي عبد الله إ قالا: لو أن عبدًا عمل عملًا يطلب به وجه الله والدار الآخرة، ثم أدخل فيه رضا أحد من الناس كان مشركًا(2).
__________
(1) بحار الأنوار: (69/300)، مستدرك الوسائل: (1/107).
(2) بحار الأنوار: (69/301)، وانظر: وسائل الشيعة: (1/67)، مستدرك الوسائل: (1/105).
(145/162)
وعن أبي جعفر ؛ قال: ما بين الحق والباطل إلا قلة العقل، قيل: وكيف ذلك يا بن رسول الله؟ قال: إن العبد يعمل العمل الذي هو لله رضا، فيريد به غير الله، فلو أنه أخلص لله لجاءه الذي يريد في أسرع من ذلك(1).
والخزي على المرائي يوم القيامة حين يكشف عن عمله ونيته ويُفضح على رؤوس الخلائق.
قال رسول الله ص: «أخاف عليكم الشرك الأصغر! قالوا: وما الشرك الأصغر؟ قال رسول الله ص: هو الرياء، يقول الله تعالى يوم القيامة إذا جازى العباد بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم الجزاء؟».
وقال ص: «استعيذوا من جُبّ الخزي! قيل: وما هو يا رسول الله؟ قال: وادٍ في جهنم أعد للمرائين».
وقال ص: «إن المرائي ينادى يوم القيامة: يا فاجر، يا غادر، يا مرائي، ضلّ عملك وبطل أجرك، اذهب فخذ أجرك ممن كنت تعمل له»(2).
وعنه ص: «إن أول من يدعى يوم القيامة رجل جمع القرآن، ورجل قُتل في سبيل الله، ورجل كثير المال، فيقول الله Q للقارئ: ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي؟ فيقول: بلى يا رب، فيقول: ما عملت فيما علمت؟ فيقول: يا رب، قمت به آناء الليل وأطراف النهار، فيقول الله: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، ويقول الله تعالى:
إنما أردت أن يقال: فلان قارئ، فقد قيل ذلك.
ويُؤتى بصاحب المال، فيقول الله تعالى: ألم أوسع عليك المال حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد؟ فيقول: بلى يا رب، فيقول: فما عملت بما آتيتك؟ قال: كنت أصل الرحم وأتصدق، فيقول الله: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، ويقول الله سبحانه: بل أردت أن يقال: فلان جواد، وقد قيل ذلك.
__________
(1) بحار الأنوار: (69/299)، وانظر: الكافي: (1/8)، وسائل الشيعة: (1/61)، المحاسن: (1/254).
(2) مستدرك الوسائل: (1/106، 107)، بحار الأنوار: (69/303)، مجموعة ورام: (1/187).
(145/163)
ويُؤتى بالذي قُتل في سبيل الله، فيقول الله: ما فعلت؟ فيقول: أمرت بالجهاد
في سبيلك فقاتلت حتى قتلت، فيقول الله: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت،
ويقول الله سبحانه: بل أردت أن يقال: فلان شجاع جريء فقد قيل ذلك، ثم قال رسول الله ص: أولئك أول خلق الله تسعر بهم نار جهنم»(1). انتهى
ولخطورة هذا الأمر أسهبنا القول في بيانه؛ لأنه من الأمور الجسيمة التي تحبط عمل المسلم من غير أن يشعر أو يعلم، ولربما يعلم أن هذا خطر لكنه لا يراعي فيه عظمة الله سبحانه من أن تصرف له العبادة وحده - سبحانه وتعالى -.
السادس عشر: السحر:
الإنسان فيه طبع الفضول واللهفة على معرفة الغيب أو لتحقيق أمر عجزت عنه الماديات المعلومة بأي وسيلة كانت، والحذر إن كان هذا السبيل بوساطة طريق شقي فيه الخطر والوبال على الإنسان وغيره، ومن تلك الأمور الخفية قضية السحر.
والسحر: أمر خفي يحصل بين الساحر والشياطين من أعمال خفية لا تدركها الأبصار، وذلك من خلال رقى غير شرعية، وعزائم وطلاسم واستعمال للدخان وأدوية وإراقة دماء من البهائم وغيرها، حيث يقوم الساحر بتسخير أرواح خبيثة لتنفيذ ما يطلبه منها: إما بعقد الرجل عن زوجته أو إلقاء البغضاء بينهما أو بين أحد من الخلق، وغيرها من الأمور، وهذا لا يمكن وقوعه إلا بعد أن يأذن الله فيه إذنًا كونيًا قدريًا.
وللسحرة علامات يتصفون بها ويعرفون من خلالها، ومنها:
1- أنه يدّعي التدين، واضعًا أحيانًا في يده خواتم ومسابيح لجذب الناس إليه، مع استخدام نسب شريف لأجل الإيهام بالصلاح.
2- لا يكون حافظًا لكتاب الله، ولا لعلومه الشرعية الدالة على تبصره بالفقه.
3- يسأل عن اسم أم المريض غالبًا.
4- يجهر بقراءة القرآن على المريض ابتداء فقط عند الرقى.
__________
(1) بحار الأنوار: (69/305)، وانظر: مستدرك الوسائل: (1/111)، عدة الداعي: (228)، مجموعة ورام: (1/186).
(145/164)
5- يخبر عن أمور من الغيبيات كنوع المرض ومكان السحر، أو يدل المريض على أناس يتآمرون عليه.
6- يطلب أحيانًا من المريض خصلات من شعر أو ملابس، أو إراقة دماء من البهائم.
7- يعطي للمريض التمائم والحُجُب والطلاسم أو شيئًا من الخَرَز والخيوط، ويحذر من فتح المغلق منها.
ولفداحة وضرر هذا الفعل والمعتقد فقد ذكر الله سبحانه أمر السحر في كتابه، وبيَّن منشأه وأساسه وسوء عاقبة من يعلمه للناس.
فقال تعالى: * } - قرآن كريم ((- رضي الله عنه - - } - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله } - قرآن كريم ( - ( - - - ((((((- عليه السلام - - } ( - - - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( - ( - ( تم بحمد الله - صدق الله العظيم (- رضي الله عنهم - - ( - فهرس - ( - } - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - - - ( - - ( صدق الله العظيم (- رضي الله عنهم - - ( - فهرس - ( - - صدق الله العظيم ( - ( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (((((- عليه السلام - - } ( - - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - - - رضي الله عنهم -(( - { } - } - جل جلاله - - - - - رضي الله عنه - - ( - ( تمت - - - - & [البقرة:102].
قال المولى نور الدين الكاشاني:
(145/165)
* } - قرآن كريم ((- رضي الله عنه - - } - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله } - قرآن كريم ( - ( - - - ((((((- عليه السلام - - } ( - - - & ما تقرأه من السحر لينقاد لهم الناس * - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( - ( - ( تم بحمد الله - صدق الله العظيم (- رضي الله عنهم - - ( - فهرس - ( - & على عهده زعمًا منهم أنه بالسحر ما نال * - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - - - ( - - ( صدق الله العظيم (- رضي الله عنهم - - ( - فهرس - ( - & ولا استعمل السحر كما زعم هؤلاء * - صدق الله العظيم ( - ( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (((((- عليه السلام - - } ( - - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - - - رضي الله عنهم -(( - { } - } - جل جلاله - - - - - رضي الله عنه - - ( - ( تمت - - - - & كفروا بتعليمهم الناس السحر(1).
ولانعدام الخير في هذا الأمر فليس لمن تعلم السحر من حظ أو خير في الآخرة.
قال تعالى: * ( - - { - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - قرآن كريم ( - ( - - رضي الله عنه -( ( صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - - - ( مقدمة - - عليه السلام - - - رضي الله عنه -- سبحانه وتعالى -( { - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله (( مقدمة - - - (( ( - - رضي الله عنه - - ( - - - رضي الله عنهم - - - ((( تم بحمد الله - - ( فهرس - - رضي الله عنهم - - & [البقرة:102].
__________
(1) تفسير المعين: (1/61).
(145/166)
قال الكاشاني: * ( - - { - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - قرآن كريم ( - ( - - رضي الله عنه -( & هؤلاء المتعلمون * ( صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - - - ( مقدمة - - عليه السلام - - - رضي الله عنه -- سبحانه وتعالى -( { - - & بدينه الذي ينسلخ عنه بتعلمه، * - - رضي الله عنه - تم بحمد الله (( مقدمة - - - (( ( - - رضي الله عنه - - ( - - - رضي الله عنهم - - - ((( تم بحمد الله - - ( فهرس - - رضي الله عنهم - - & من نصيب في ثواب الجنة. وقال: وفي العيون عن الصادق ص قال: لأنهم يعتقدون أن لا آخرة، فهم يعتقدون أنها إذا لم تكن فلا خلاق لهم في دار الآخرة بعد الدنيا، وإن كانت بعد الدنيا آخرة، فهم مع كفرهم بها لا خلاق لهم فيها. انتهى(1).
ولأجل ذلك فقد حذر النبي ص من السحر وتعلمه والإتيان إليه، وجعله من المهلكات، قال ص: «اجتنبوا السبع الموبقات! قالوا: وما هي؟ قال ص: الإشراك والسحر...»(2).
وعلى هذا التحذير سار وفعل وأمر الأئمة † اقتداء بالنبي ص.
وعن جعفر بن محمد، عن أبيه، أن عليًا ؛ قال: من تعلم شيئًا من السحر قليلًا أو كثيرًا فقد كفر، وكان آخر عهده بربه، وحَدُّه أن يقتل إلا أن يتوب(3).
__________
(1) انظر: تفسير الصافي: (1/154)، نور الثقلين: (1/108).
(2) وسائل الشيعة: (15/330)، بحار الأنوار: (76/113)، الخصال: (2/364).
(3) قرب الإسناد: (71)، وسائل الشيعة: (17/148)، بحار الأنوار: (76/210).
(145/167)
وعن أبي عبد الله ؛: أنه سُئل عن المعوّذتين أنهما من القرآن؟ فقال الصادق: هما من القرآن... إلى أن قال: وهل تدري ما معنى المعوّذتين؟ وفي أي شيء نزلت؟ إن رسول الله ص سحره لبيد بن أعصم اليهودي، فقال أبو بصير لأبي عبد الله: وما كان ذا؟ وما عسى يبلغه من سحره؟ فقال أبو عبد الله: بلى كان النبي ص يرى أنه يجامع ولا يجامع، وكان يريد الباب ولا يبصره حتى يلمسه بيده، والسحر حق، وما سلط السحر إلا على الفرج والعين(1).
فالسحر له خطر ملموس وشر معلوم شاع خطبه بين جهلة العوام ودعاة السوء من بعض من يدعي العلم، وليس أساسه إلا الكفر ونشر الفساد والبعد عن الدين وفتنة الناس والكذب عليهم.
فعن أبي عبد الله، عن آبائه، عن علي ؛ في حديث: نحن أهل بيت عصمنا الله أن نكون فتانين أو كذابين أو زنّائين، فمن كان فيه شيء من هذه الخصال فليس منا ولا نحن منه(2).
السابع عشر: الكهانة والروحانية والعرافة:
مما يلحق بقضية السحر وخطورتها، عمل الكهانة والتنجيم وادعاء ما ليس للإنسان علم به.
فالكهانة: معرفة أمور غيبية، يُحدِّث بها ذلك المدّعي الذي يكون ظاهره التدين والصلاح، ويطلق عليه بالروحاني المعالج للناس الناصح لهم، سواء بالاستخارة أو بالكشف على فعل أمر ما أو بتركه أو بالإخبار عن مرض أو عما سيحدث في المستقبل أو عن أمر مفقود، فيصدّقه العوام على ما يقوله.
وقد جاء في القرآن كيفية تلقي الساحر الخبر من قرينه الجنّي.
__________
(1) مستدرك الوسائل: (13/109)، بحار الأنوار: (60/24) (89/365) (92/126).
(2) وسائل الشيعة: (17/148).
(145/168)
فقال تعالى: * ( - - رضي الله عنهم - - ( المحتويات ( - ( } ( مقدمة - - رضي الله عنه - الله أكبر ( - - - فهرس - - رضي الله عنه -( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - } - - رضي الله عنه - - - - ((((((- عليه السلام - - } ( - - - ((((( ( - } - - رضي الله عنه - - - - - - فهرس - - رضي الله عنه -( (- صلى الله عليه وسلم - - ( - - - - { (- صلى الله عليه وسلم - - - بسم الله الرحمن الرحيم - ( بسم الله الرحمن الرحيم - صلى الله عليه وسلم - - ((((( - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( { ( - ( - - رضي الله عنهم -(( - - - - - - ( المحتويات ( - ( - - - جل جلاله -( - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - قرآن كريم ( - ( - ( - - ((((( & [سورة الشعراء].
(145/169)
وعن أمير المؤمنين ؛ أنه قال: «كنا مع رسول الله ص ذات ليلة، إذ رُمي بنجم فاستنار، فقال رسول الله ص للقوم: ما كنتم تقولون في الجاهلية إذا رأيتم مثل هذا؟ قالوا: كنا نقول: مات عظيم ووُلد عظيم. فقال ص: فإنه لا يُرمى لموت أحد ولا لحياة أحد، ولكن ربنا إذا قضى أمرًا سبح حملة العرش: قضى ربنا بكذا، فتسمع ذلك أهل السماء التي تليهم، فيقولون ذلك حتى بلغ ذلك إلى السماء الدنيا، فيسرق الشياطين السمع، فربما اعتقلوا شيئًا فأتوا به إلى الكهنة فيزيدون وينقصون، فتخطئ الكهنة وتصيب , ثم إن الله Q منع السماء بهذه النجوم، فانقطعت الكهانة فلا كهانة». وتلا جعفر بن محمد ؛: * - صدق الله العظيم ( { ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - - عليه السلام - - - رضي الله عنه -- سبحانه وتعالى -( - - - - رضي الله عنهم -(( - - - - - - (( مقدمة - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنه - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - ( ( - - { - (( (((( - - تم بحمد الله (((( & [سورة الحجر]، وقوله Q: * - ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - } - ( - ( - ((( { - رضي الله عنه - الله أكبر - { - ( { ( تم بحمد الله - رضي الله عنهم - - ((( - { - رضي الله عنه - تم بحمد الله ((( - - - - ( - } صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - - ( ((( - - رضي الله عنه - - ( - - - - رضي الله عنه - تمت - - رضي الله عنهم - - - ( - ( - - - (( مقدمة - - - - - - { - (( - - جل جلاله - - - ( { - ((( & [سورة الجن](1) انتهي.
وللكهنة أساليب وطرق متنوعة يمارسون بها عملهم وكذبهم على الناس، وذلك من خلال مخادعتهم لأصحاب العقول والعقائد الضعيفة، ومن تلك الطرق:
1- قراءة الفنجان.
__________
(1) مستدرك الوسائل: (13/110), بحار الأنوار: (60/280), دعائم الإسلام: (2/142).
(145/170)
2- قراءة الكف.
3- «الخيرة»، وذلك من خلال فتح القرآن الكريم، وقراءة الآيات وتفسيرها بلا علم أو دليل.
4- النظر في وجه المخدوع، وإخباره بما سيقع له بعد ذلك.
5- ذكر رؤيا للمخدوع بأنه رآه في المنام وسيحصل له كذا وكذا.
وقد حكم الله تعالى على أمثال هؤلاء ومن تبعهم بالشرك؛ لأسباب منها:
الأول: تقربهم إلى الشياطين واستعانتهم بها من دون الله.
الثاني: ادعاء مشاركة الله Q في علم الغيب الذي يختص به سبحانه.
ذلك أن الساحر وأمثاله يلبّس على العوام بفعله من باب ادعاء معرفة الغيب، مع أن الله تعالى قال: * - ( - - صدق الله العظيم ( بسم الله الرحمن الرحيم فهرس - ((- رضي الله عنه - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - (( ( المحتويات (- عليه السلام - قرآن كريم (- رضي الله عنهم - - - - - - - ((( - - } - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - ( - - رضي الله عنه -(( - - - - صدق الله العظيم ( { ( - - - & [النمل:65], فعلم الغيب المطلق لا يعلمه إلا الله سبحانه، ولهذا قال سبحانه: * (( فهرس - رضي الله عنهم - - - جل جلاله -((- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - - - (- رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - ( - - رضي الله عنه -(( - - - - صدق الله العظيم - - - رضي الله عنهم - - ( - فهرس - ((- رضي الله عنه - - - صدق الله العظيم ( { - عليه السلام - قرآن كريم ( - & [الأنعام:59] وقد يُطلع بعض رسله على شيء من علم الغيب وليس علم الغيب كله، كما قال سبحانه: * ( المحتويات ( - (- رضي الله عنه -( ( - ( - - رضي الله عنه -(( - - - - - - ( ( - ( - ((( - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ((( مقدمة ( - ( - - ( - ( - - رضي الله عنه - فهرس - صلى الله عليه وسلم - - (((( - صدق الله العظيم ( { ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - (
(145/171)
- ( - - ( - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - - قرآن كريم ( - { - & [الجن:26-27]. وبهذا يتضح معنى هذه الآيات.
ولعظم وخطورة هذا العمل جاء الوعيد الشديد على من عمل أو أعان أو ذهب إلى السحرة لمجرد السؤال.
فعن أمير المؤمنين ؛ قال: إن الله أوحى إلى نبي في نُبُوَّته: أخبر قومك أنهم استخفوا بطاعتي وانتهكوا معصيتي... إلى أن قال: وأخبر قومك أنه ليس مني من تَكَهّن و تُكَهّن له، أو سَحَر أو سُحِر له(1).
وعن أمير المؤمنين ؛ أنه قال: من جاء عرافًا فسأله وصدّقه بما قال فقد كفر بما أنزل على محمد، وكان يقول: إن كثيرًا من الرقى وتعليق التمائم شعبة من الإشراك(2).
وعن أبي سعيد قال: قال رسول الله ص: «لا يدخل الجنة عاق ولا منّان ولا ديّوث ولا كاهن، ومن مشى إلى كاهن فصدّقه بما يقول فقد برئ مما أنزل الله على محمد ص»(3).
وعن الهيثم قال: قلت لأبي جعفر ؛: إن عندنا بالجزيرة رجلًا ربما أخبر من يأتيه يسأله عن الشيء يُسرق أو شبه ذلك، أفنسأله؟ قال: قال رسول الله ص: «من مشى إلى ساحر أو كاهن أو كذاب فصدّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ص من الكتاب»(4).
فتأمل أيها المسلم كيف أن الأئمة † كانوا يستعيذون بالله العظيم من شرور الكهنة والمشعوذين في أدعيتهم.
فعن مسعدة بن صدقة قال: سألت أبا عبد الله جعفر بن محمد ؛ أن يعلمني دعاء أدعو به في المهمات، فأخرج إليّ أوراقًا من صحيفة عتيقة، فقال: أتنسخ ما فيها، فهو دعاء جدّي علي بن الحسين زين العابدين ؛ للمهمات؟ فكتب ذلك: ...وأعوذ بك من شر كل كاهن وساحر(5).
__________
(1) مستدرك الوسائل: (18/193).
(2) مستدرك الوسائل: (13/110)، دعائم الإسلام: (2/483).
(3) مستدرك الوسائل: (13/111) (14/235).
(4) مستطرفات السرائر: (593)، بحار الأنوار: (2/308)، وسائل الشيعة: (17/150).
(5) الأمالي للمفيد: (239)، بحار الأنوار: (92/180)، الأمالي للطوسي: (15).
(145/172)
وكان الإمام أبو جعفر ؛ يقول في دعائه: الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى، له الخلق والأمر، منزل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان العظيم من شر كل طاغ وباغ ونافث وشيطان وسلطان وساحر وكاهن(1).
فهذا هو التعليم المبارك الذي سار عليه الآل في مدرستهم المباركة †، وكانوا يعلمونه شيعتهم وأحبابهم، ليكونوا جميعًا على نهج خير الخلق جميعًا محمد ص.
الثامن عشر: لبس الحلقة والخيط والتمائم والخواتم ونحوها لرفع البلاء أو دفعه:
من المعتقدات التي انجرف الناس بها إلى الشرك بالله Q لبس الخيط والحلقة والتمائم والخواتم، ونحوها من الأشياء التي يعتقد الإنسان بأنها تدفع أو ترفع البلاء عنه أو تجلب الخير له، كما يفعل بعض الناس هداهم الله تعالى بوضع الخيوط والحلقات والتمائم والخواتم بأيديهم أو في أعناقهم أو في أي مكان لجلب الخير والبركة لهم أو لدفع الضرر والمصائب والأمراض عنهم.
والحكم في هذه الأمور يتردد بين الشرك الأصغر والشرك الأكبر بحسب ما يعتقد به الإنسان.
فإن اعتقد الإنسان بهذه الأشياء أنها تنفع وتضر لبركتها أو أنها تؤثر من دون الله فقد أشرك شركًا أكبر.
ومن اعتقد بأنها سبب، وليس لها تأثير بنفسها فقد أشرك شركًا أصغر، وذلك لأنه التجأ إلى سبب غير شرعي ولا قدري، ولم يأمر به الله تبارك وتعالى، ولم يدلنا عليه نبيه محمد ص.
ولجهل بعض الناس بمعرفة الأسباب التي يشرع الأخذ بها، أو غيرها من الأسباب الباطلة، ينبغي أن نعرف جميعًا أن الأسباب تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: سبب شرعي:
وهو ما ثبت في كتاب الله تبارك وتعالى وسنة رسوله محمد ص، مثل: قراءة القرآن على المريض والأدعية الثابتة وغيرها.
الثاني: سبب قدري:
وهو ما عرف مثلًا أنه علاج نافع مجرب لألم أو مرض على أن يكون أثره ظاهرًا كالأدوية والإبر وغيرها.
__________
(1) انظر: البلد الأمين: (103)، مصباح الكفعمي: (103)، مصباح المتهجد: (438)، بحار الأنوار: (87/155).
(145/173)
الثالث: سبب وهمي:
وهو ما يتوهم الإنسان بأنه نافع ويخفف عنه الآلام والأمراض بمجرد شعور نفسي فقط وليس له طريق شرعي ولا قدري، كوضع الحلق والخيوط والتمائم على الأيدي والأعناق، سواء كانت هذه الحلق والخيوط والتمائم وغيرها من ولي صالح أو من مُشَعوذ أو من شخص يدعي بأنه يعالج الناس بالقرآن.
قال الله تعالى: * ( - ( - بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - - عليه السلام -(- رضي الله عنه - - - (- صلى الله عليه وسلم - - - } تم بحمد الله - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - - - ( تمت ( { - عليه السلام - - ( الله أكبر - رضي الله عنهم - - - - عليه السلام - - - صلى الله عليه وسلم - - ( - - - - - - ((( - ( - - رضي الله عنهم - - - صدق الله العظيم ( - ( تمهيد ( - (((( - - ((( فهرس ( - - (( & [الزمر:38].
قال السيد محمد حسين فضل الله:
فهل يملك هؤلاء في تغيير إرادة الله في عباده فيما قد قدّره لهم من مرض أو فقر أو خوف أو غير ذلك مما يتمثل في النقص بالنفس والمال ونحوهما، فيرفعون عنه ذلك فيما لا يريد الله أن يرفعه، فلو أراد الله أن ينزل المطر على الناس هل يستطيعون أن يحبسوه، أو أراد أن يعطي الصحة لإنسان هل يملكون نزعها عنه وهكذا... ويبقى السؤال دون الجواب الإيجابي... لأنهم يعرفون أن هؤلاء الذين يتخذون شركاء لا يملكون شيئًا من ذلك من قريب أو من بعيد(1).
__________
(1) انظر: تفسير من وحي القرآن: (19/380).
(145/174)
وقال الله تعالى: * تمت ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( - - رضي الله عنه - - ( - - - - - - ((( - - - - ( - رضي الله عنهم - - ( { - - - ((( - - - - صدق الله العظيم ( { - عليه السلام - قرآن كريم ( - } - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - ( - ( - ( - - - ( - - - ( - - - - ( } - - - - عليه السلام - - (( - ( - (( - (( - - ( - - ((( - (( مقدمة ( - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله (( - - - رضي الله عنه -( - - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله (( فهرس ( - - - رضي الله عنه - تمهيد (( - - عليه السلام - قرآن كريم ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - قرآن كريم ((- رضي الله عنه -(( - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم - ( مقدمة { - - - - ((((( & [سورة يونس].
قال السيد عبد الله شبر:
(145/175)
* تمت ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( - - رضي الله عنه - - ( - - - - - - ((( - & يصيبك ببلاء أو شدة أو مرض، وقوله تعالى: * - - - ( - رضي الله عنهم - - ( { - - - ((( - - - - صدق الله العظيم ( { - عليه السلام - قرآن كريم ( - & لا يقدر على دفعه غيره، قوله تعالى: * - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - ( - ( - ( - - - ( - - - ( - & من نعمة وخصب وصحة، قوله تعالى: * - - - ( } - - - - عليه السلام - - & مانع. قوله تعالى: * (( - ( - (( - (( - & الذي أراد به. قوله تعالى: * ( - - ((( - (( مقدمة ( - & بالخير. قوله تعالى: * صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله (( - - - رضي الله عنه -( - - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله (( فهرس ( - - - رضي الله عنه - تمهيد (( - - عليه السلام - قرآن كريم ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - قرآن كريم ((- رضي الله عنه -(( - - - & لذنوبهم. قوله تعالى: * ( بسم الله الرحمن الرحيم - ( مقدمة { - - - - & بهم ليتعرضوا لرحمته بالطاعة ولا ييأسوا من غفرانه بالمعصية(1).
وكان النبي ص ينهى الصحابة ي عن هذه الخرافات محذرًا من لبسها أو الاعتقاد بها، وذلك لقرب عهدهم بالإسلام وتأثرهم بالجاهلية.
فأورد المجلسي في بحاره من حديث عمران بن حصين أن رجلًا دخل على
النبي ص(2) وفي عضده حلقة من صفر(3) -وفي رواية: وفي يده خاتم من صفر-، فقال: ما هذا؟ قال: من الواهنة... قال: «أما إنها لا تزيدك إلا وهنًا»(4).
__________
(1) تفسير الجوهر الثمين: (3/192).
(2) وفي الأصل: أن فلانًا دخل عليه.
(3) الصفر: أي النحاس.
(4) بحار الأنوار: (95/121).
(145/176)
وقال المجلسي أيضًا: نهى النبي ص عن التمائم والتِّوَلة(1)، فالتمائم ما يعلق من الكتب والخرز وغير ذلك، والتِّوَلة ما تتحبب به النساء إلى أزواجهن كالكهانة وأشباهها، ونهى عن السحر(2).
وعن أمير المؤمنين ؛ أنه كان يقول: كثير من الرقى وتعليق التمائم شعبة من الإشراك(3).
فإذا كان الأمر وفق ما جاء في كتاب الله وهدي المصطفى ص وما نقله إلينا أحبابنا آل البيت †، فهل نتبعهم ونسير على الهدي المبارك، أو نحيد عن جادتهم؟
التاسع عشر: التطير «التشاؤم»:
مما يلتحق بباب ادعاء معرفة الغيب، والسعي لكشف الغائب عن الإنسان، اعتقاد التطير والتفاؤل والتفرس بالعلامات المشاهدة.
والتطير هو التشاؤم، وهو رجوع ذلك الشخص العازم وتأثره على فعل أمرٍ من أمور الدنيا أو الدين بسبب تشاؤمه من أمرٍ مرئي أو مسموع أو معلوم.
والتطير أنواع، منها:
التطير المرئي: وهو تطير ذلك الشخص عند رؤيته شيئًا يتشاءم منه، كالبومة والثعبان والهر الأسود وغيرها من الأشياء.
التطير السمعي: وهو تطير ذلك الشخص المتشائم من أقوال الناس عنه، كقولهم له: يا خسران، يا فقير، وغيرها من الألفاظ.
__________
(1) وقال المجلسي موضحًا: التمائم جمع تميمة، وهي خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم يتقون بها العين في زعمهم، فأبطله الإسلام، وإنما جعلها شركًا لأنهم أرادوا بها دفع المقادير المكتوبة عليهم، فطلبوا دفع الأذى من غير الله الذي هو دافعه... التولة بكسر التاء وفتح الواو: ما يحبب المرأة إلى زوجها من السحر وغيره مما جعله من الشرك لاعتقادهم أن ذلك يؤثر ويفعل خلاف ما قدره الله تعالى. انظر: بحارالأنوار: (65/18).
(2) بحارالأنوار: (60/18)، مستدرك الوسائل: (4/317)، (13/106)، دعائم الإسلام: (2/142).
(3) مستدرك الوسائل: (4/318) (13/110)، دعائم الإسلام: (2/483).
(145/177)
التطير المعلوم: وهو ما يتطير به الناس من الأيام والأشهر، كيوم الأربعاء مثلًا، ويزعمون أنه يوم شؤم، أو من شهر شوال، فتجدهم لا يعقدون النكاح فيه.
ولما كان للطيرة آثار خطيرة على عقيدة المسلم، وذلك لاستجابة ذلك المتطير خائفًا تاركًا حاجته وعمله خشية المصائب والهموم؛ لأجل ذلك حَكَم الشارع على المتطير بالشرك لتعلقه بغير الله Q، واعتقاده بحصول الضرر عليه من مخلوق لا يملك لنفسه ضرًا ولا نفعًا، ولكونه متأثرًا من وسوسة الشيطان له داخلًا بقلبه من الخوف والخشية من دون الله وهو منافٍ للتوكل على الله - سبحانه وتعالى -.
قال الشيخ ناصر مكارم الشيرازي:
قد يروج بين أبناء البشر والأقوام والشعوب المختلفة التفاؤل والتشاؤم، فيتفاءلون بأمور وأشياء ويعتبرونها دليل النجاح، ويتشاءمون بأمور وأشياء ويعتبرونها آية الهزيمة والفشل، في حين لا توجد أية علاقة منطقية بين النجاح والإخفاق وبين هذه الأمور، وبخاصة في مجال التشاؤم، حيث كان له دائمًا جانب خرافي غير معقول، وإن هذين الأمرين وإن لم يكن لهما أي أثر طبيعي إلا أنه يمكن أن يكون لهما أثر نفسي لا ينكر، وأن التفاؤل غالبًا يوجب الأمل والتحرك، ولكن التشاؤم يوجب اليأس والوهن والتراجع(1).
ولأجل هذا نهى الشارع الحكيم في القرآن الكريم والسنة الصحيحة عن التشاؤم بشدة؛ لأن التطير داء قديم ذكره الله تبارك وتعالى عن الأمم الكافرة، حيث كانوا يتطيرون بأفضل الخلق وهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
__________
(1) تفسير الأمثل: (5/159).
(145/178)
مثل ما جاء في قصة فرعون وقومه، ومعاداتهم لنبي الله موسى ؛، قال تعالى: * - - - ( - - ( ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم ( { - عليه السلام - - - - { - رضي الله عنه -( - - - } - قرآن كريم ( - - - - - - عليه السلام - - - - (( فهرس ( - (- رضي الله عنهم - - } تمت ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ( - ((( - ( { - رضي الله عنهم - { ( - - - رضي الله عنهم - - } - - صلى الله عليه وسلم -( - } - { (- رضي الله عنه - - - (- رضي الله عنهم - - قرآن كريم ( - ( - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ((( مقدمة - رضي الله عنهم -( } تم بحمد الله - - سبحانه وتعالى - صدق الله العظيم - صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنهم - - ( الله أكبر ( { ( المحتويات ( - ( - (((( - ( - رضي الله عنهم - - - جل جلاله -(( ( - - - - صدق الله العظيم ( - ( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - عليه السلام - - - - جل جلاله -( - - صلى الله عليه وسلم - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - فهرس - ((- رضي الله عنه - - ((((( & [الأعراف].
قال السيد محمد الحسيني الشيرازي:
(145/179)
* - - - ( - - ( ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم ( { - عليه السلام - - - - { - رضي الله عنه -( - - - & أصابهم الخير كالخصب والسعة والصحة وما أشبهه
* } - قرآن كريم ( - - - - - - عليه السلام - - - - (( فهرس ( - (- رضي الله عنهم - - & أي: إنا نستحق ذلك، وهذا من حسن حظنا، وعلو طالعنا، فلم يكونوا يشكرون الله سبحانه على ما أنعم عليهم * تمت ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ( - ((( - ( { - رضي الله عنهم - { ( - - - رضي الله عنهم - - & كالجوع والقحط والمرض ونحوها * } - - صلى الله عليه وسلم -( - } - { (- رضي الله عنه - - - (- رضي الله عنهم - - قرآن كريم ( - ( - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ((( مقدمة - رضي الله عنهم -( } تم بحمد الله & من المؤمنين، فكانوا يقولون: هذا من شؤم موسى وسوء طالعه... فكان آل فرعون يرون البلايا من موسى ؛ ولم يكونوا يعلمون أنها من سوء أعمالهم * - سبحانه وتعالى - صدق الله العظيم - صلى الله عليه وسلم - - & أي: تنبيه أيها المخاطب * - - رضي الله عنهم - - ( الله أكبر ( { ( المحتويات ( - ( - (((( - ( & والشؤم الذي كان يلحقهم لم يكن من عند موسى ولأجله، بل من * - رضي الله عنهم - - - جل جلاله -(( ( - - - & فإنه كان يضر بهم بالبلاء عقوبة لأعمالهم * - صدق الله العظيم ( - ( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - عليه السلام - - - - جل جلاله -( - - صلى الله عليه وسلم - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - فهرس - ((- رضي الله عنه - - ((((( & ذلك بل كانوا يزعمون الشؤم من موسى(1).
__________
(1) تفسير تقريب القرآن: (9/32)، تفسير من وحي القرآن: (10/148).
(145/180)
وهذا ما وقع -أيضًا- مع قوم نبي الله صالح أنهم قالوا: * } - قرآن كريم ( - - - - - - رضي الله عنه - الله أكبر ( - } - { ( - - - رضي الله عنهم - - ( - صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه -( } تم بحمد الله - - رضي الله عنه - - - - - ( المحتويات ( - ( - (((( - ( - رضي الله عنهم - - - (( ( - - - } ( - - رضي الله عنه - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( قرآن كريم - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - - ((( - (((( & [سورة النمل].
قال السيد محمد الحسيني الشيرازي:
(145/181)
* } - قرآن كريم ( - - - - - - رضي الله عنه - الله أكبر ( - } - { ( - - - رضي الله عنهم - - ( - صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه -( } تم بحمد الله & تشاءمنا بك وبمن على دينك من المؤمنين فأنتم شؤم علينا توجبون لنا الفقر والقحط والمشاكل * - رضي الله عنه - - - - - & لهم صالح * ( المحتويات ( - ( - (((( - ( - رضي الله عنهم - - - (( ( - - - & أي: أن الشؤم أتاكم من عند الله حيث كفرتم، وللكفر نكبة ومشاكل، كما قال سبحانه: * ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام -(- رضي الله عنه - - ((- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه -( - ( - ( - ( - } تمت ( - - ( (( - - - - { - رضي الله عنه -( - ((- رضي الله عنه - تم بحمد الله - - - - جل جلاله - - ( & [طه:124] وقد كانت الأمم تتشاءم بالطائر الخاص كالبوم والغراب لما كان عندهم مشهورًا أن الإنسان إذا وقع عينه على الطائر الفلاني عند حاجة له فإنها لا تقضى تأثرًا من ذلك الطائر، ثم سمي كل تشاؤم بالشر طائر، وإن كان من شخص أو حيوان برّي، واشتق منه التطير * ( - - رضي الله عنه - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( قرآن كريم - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - - ((( - (((( & أي: تختبرون بالخير والشر، فإن الفتنة بمعنى الاختيار، كما قال تعالى: * - - - رضي الله عنهم - - ( الله أكبر ( { ( المحتويات ( - ( - (- عليه السلام - قرآن كريم ( تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - ( - ( - ( - ( - - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -
(145/182)
( { - عليه السلام - - ( - (( & [التغابن:15] يعني: ليس هذا الذي يصيبكم من المشاكل بسببي وإنما هي فتنة وامتحان لكم(1). انتهى.
فمن توكل على الله وعظَّم قدره وعلم أن كل شيء بقضائه وقدره، مضى في أمره ولم يتردد في قصده ولم يثنه عن عزمه ما يعترضه من أوهام البشر وتخيلاتهم الفاسدة التي توهن من إقدام العبد المريض فقط.
المبحث الأول:
التعريف بتوحيد الأسماء والصفات
إن أطيب ما في الحياة أن يعرف العبد أسماء وصفات سيده، وأحب ما في الوجود إلى قلبه هو الله - سبحانه وتعالى -، وأن يعطر لسانه بذكره سبحانه بأسمائه وصفاته المتناثرة في كتاب الله وسنة حبيبنا محمد ص.
جاء في القرآن الكريم أسماء كثيرة لله، كقوله تعالى: * - عليه السلام - قرآن كريم ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم - ( - { - رضي الله عنه -( - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم - ( - - رضي الله عنهم -(( - - - & [سورة الزخرف] وفي غيرها من الآيات، وجاءت صفات لله أيضًا، كقوله تعالى: * } تمت ( { { - - - - - (- رضي الله عنه -( - - رضي الله عنه -((( { ( - ( - ( - - - ((( & [سورة التوبة] فما الواجب علينا تجاه هذه الأسماء والصفات؟
فيجب على المسلم أن يثبت لله Q أسماء وصفات حقيقية له على الوجه اللائق بجلاله وعظمته، على وفق ما جاء في كتابه وفي سنة نبيه محمد ص الصحيحة، من غير تحريف ولا تكييف ولا تمثيل ولا تعطيل، خلافًا لما عليه أهل البدع الذين ينفون ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات، أو ينفون بعضًا منها ويثبتون البعض الآخر تحكمًا منهم، ويجعلون مرجعهم في ذلك ما قررته عقولهم القاصرة وما قرره لهم علماؤهم.
وقد انقسم الناس في تقرير ومعرفة أسماء الله وصفاته إلى ثلاثة أقسام: ممثل ومعطل ومعتدل.
__________
(1) تقريب القرآن: (19/147)، وانظر: مقتنيات الدرر: (8/100)، من وحي القرآن: (17/242).
(145/183)
1- الممثلة: وهؤلاء مثلوا أو شبهوا الله بخلقه، وجعلوا صفاته سبحانه من جنس صفات المخلوقين، ولذلك سموا «بالممثّلة أو المشبّهة» وأول من قال هذه المقالة هشام بن الحكم وهشام بن سالم الجواليقي وغيرهما.
فعن محمد بن الفرج الرخجي قال: كتبت إلى أبي الحسن ؛ أسأله عما قال هشام بن الحكم في الجسم وهشام بن سالم في الصورة؟ فكتب: دع عنك حيرة الحيران، واستعذ بالله من الشيطان، ليس القول ما قال الهشامان(1).
وعن الصقر بن دلف قال: سألت الرضا ؛ عن التوحيد، وقلت له: إني أقول بقول هشام بن الحكم. فغضب ثم قال: ما لكم ولقول هشام، إنه ليس منا من زعم أن الله Q جسم، ونحن منه براء في الدنيا والآخرة(2).
2- المعطلة: وهؤلاء نفوا عن الله ما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله ص من صفات الكمال، زاعمين أن إثباتها يقتضي التشبيه والتجسيم، فهم على طرفي نقيض مع المشبهة، وهم في هذا التعطيل متفاوتون.
3- المعتدلة: هم أهل الحق والإنصاف، وهم الفرقة الناجية المنصورة.
فهم يثبتون لله Q الأسماء والصفات على ظاهرها كما جاء في كتابه وسنة نبيه محمد ص وأهل بيته الطاهرين على لغة العرب، فيثبتون صفات حقيقية تليق بجلال الله Q وعظمته، لا تماثل صفات المخلوقين ولا تُعرف كيفيتها، وليس للعقل نصيب في تغيير معناها، سالكين قول الله Q: * { { ( - - - (( مقدمة ( - ( الله ( - - - ((( - - ( } - عليه السلام - قرآن كريم ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( - ( - - - - - - ( - - ((- رضي الله عنه - - ( - - - (((( & [سورة الشورى].
فعند قوله تعالى: * { { ( - - - (( مقدمة ( - ( الله ( - - - ((( - - ( & ينفون كل ما يماثل أسماء الله وصفاته.
__________
(1) الكافي: (1/105)، أمالي الصدوق: (277)، التوحيد: (97).
(2) بحار الأنوار: (3/291) (48/197)، أمالي الصدوق: (277)، التوحيد: (104).
(145/184)
وعند قوله تعالى: * - عليه السلام - قرآن كريم ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( - ( - - - - - - ( - - ((- رضي الله عنه - - ( - - - (((( & يثبتون لله Q الأسماء والصفات الحقيقية اللائقة بجلال الله Q.
ويتذكرون مع الإثبات والنفي الآيات المباركة التالية: قال تعالى: * - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - قرآن كريم (( - (- رضي الله عنه -( - (( مقدمة ( - - - - ( - (( ((((( & [سورة طه].
وقال تعالى: * - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( { - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله { { ( - - - - رضي الله عنهم - - - - (( مقدمة ( - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - (( - } تمت ( { - رضي الله عنهم -(( - - - - - - - عليه السلام - - - (- رضي الله عنه - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - - - - ((( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - ( - - رضي الله عنهم - - (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنه - تمت - - - ( مقدمة (- جل جلاله -- رضي الله عنه -( - صدق الله العظيم قرآن كريم ((( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله (((( & [سورة الإسراء].
وقال تعالى: * ( - - رضي الله عنهم - - ( بسم الله الرحمن الرحيم فهرس - (( - - (( مقدمة - - - صدق الله العظيم - ( - - رضي الله عنهم - - (((( & [سورة مريم].
وقال تعالى: * ( المحتويات - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم ( - - رضي الله عنه - - (( - { - - ( قرآن كريم ((( - - - - رضي الله عنهم - مقدمة - صلى الله عليه وسلم - - ((( & [سورة الإخلاص].
(145/185)
وقال تعالى: * - - - ( } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنهم -(( - - صلى الله عليه وسلم - تم بحمد الله ( - - - جل جلاله - - - - رضي الله عنهم - - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - & [البقرة:22].
وقال تعالى: * - - - ( } - قرآن كريم ( - ( - (( - - ( - - رضي الله عنه - - - - - ( تم بحمد الله - } - - & [النحل:74].
وهذا ما سار عليه واعتقده أئمة آل البيت †، وعلموه شيعتهم وأحبابهم، أن يتقيدوا بالقرآن الكريم، ولا يتجاوزوه إلى أفهامهم القاصرة.
فعن محمد بن عبيد قال: دخلت على الرضا ؛، فقال لي: قل للعباسي يكفّ عن الكلام في التوحيد وغيره، ويكلم الناس بما يعرفون، ويكف عما ينكرون، وإذا سألوك عن التوحيد فقل كما قال الله Q: * ( - ( - - عليه السلام - قرآن كريم ( - ( - - - ( - - رضي الله عنهم - مقدمة - صلى الله عليه وسلم - - ((( ( - - - ( - - رضي الله عنهم - - - ( - - - ((( ( المحتويات - - ( - ( - - رضي الله عنه - - ( المحتويات - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - - قرآن كريم ( - ((( ( المحتويات - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم ( - - رضي الله عنه - - (( - { - - ( قرآن كريم ((( - - - - رضي الله عنهم - مقدمة - صلى الله عليه وسلم - - ((( & [سورة الإخلاص]، وإذا سألوك عن الكيفية فقل كما قال الله Q: * { { ( - - - (( مقدمة ( - ( الله ( - - - ((( - - ( & [الشورى:11]، وإذا سألوك عن السمع فقل كما قال الله Q: * - عليه السلام - قرآن كريم ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( - ( - - - - - - ( - - ((- رضي الله عنه - - ( - - - (((( & [سورة الشورى] فكلّم الناس بما يعرفون(1).
__________
(1) التوحيد: (95)، بحار الأنوار: (2/69) (4/297).
(145/186)
وعن المفضل قال: سألت أبا الحسن ؛ عن شيء من الصفة، فقال: لا تجاوز ما في القرآن(1).
وعن اليقطيني قال: قال الرضا ؛: للناس في التوحيد ثلاثة مذاهب: نفي وتشبيه وإثبات بغير تشبيه، فمذهب النفي لا يجوز، ومذهب التشبيه لا يجوز؛ لأن الله تبارك وتعالى لا يشبهه شيء، والسبيل في الطريقة الثالثة إثبات بلا تشبيه(2).
وعن عبد الرحيم القصير قال: كتبت على يدي عبدالملك بن أعين إلى
أبي عبد الله ؛ بمسائل فيها: أخبرني عن الله Q هل يوصف بالصورة وبالتخطيط؟ فإن رأيت -جعلني الله فداك- أن تكتب إليَّ بالمذهب الصحيح من التوحيد؟
فكتب بيدي عبدالملك بن أعين: سألت رحمك الله عن التوحيد وما ذهب إليه من قبلك، فتعالى الله الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، تعالى الله عما يصفه الواصفون المشبهون لله تبارك وتعالى بخلقه المفترون على الله، واعلم رحمك الله أن المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به القرآن من صفات الله Q، فانفِ عن الله البطلان والتشبيه، فلا نفي ولا تشبيه، هو الله الثابت الموجود تعالى الله عما يصفه الواصفون، ولا تعْدُ القرآن فتضل بعد البيان(3).
فالله نسأل بأسمائه الحسنى وصفاته المباركة العلى أن يوفقنا إلى كل خير، وأن يحشرنا مع النبي ص وآله المباركين † في مستقر رحمته.
المبحث الثاني:
قواعد في فهم الأسماء الحسنى وإثباتها
مع ما سبق بيانه ومعرفته بأن لله - سبحانه وتعالى - أسماء وصفات تفهم وفق لغة العرب، ولكن ينبغي معرفة أن للأسماء الحسنى قواعد تُعين على فهم هذه الأسماء المباركة ومعرفتها.. وهي كالآتي:
أولاً: أسماء الله كلها حسنى، لأنها متضمنة صفات كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه.
__________
(1) الكافي: (1/102).
(2) بحار الأنوار: (3/262)، التوحيد: (100).
(3) التوحيد: (102)، الكافي: (1/100).
(145/187)
قال تعالى: * ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( - - - (( - - } - - - ( - - ( - (- رضي الله عنه -( - - - ( فهرس قرآن كريم ((( - - - - ( - { - ( - & [الأعراف:180].
ومثال ذلك: (الرحمن)، فهو اسم من أسماء الله الحسنى، دال على صفة عظيمة وهي الرحمة الواسعة.
ومن ثم نعرف أنه ليس من أسماء الله «الدهر» في قوله ص: «لا تسبوا الدهر؛ فإن الله هو الدهر»(1) لأنه لا يتضمن معنى يبلغ غاية الحسن، ولأن إسناد السب والذم لن يقع على الجمادات والمخلوقات، إنما سيكون لمدبر هذه المخلوقات وهو المتصرف بها كما أسلفنا.
ثانيًا: أسماء الله غير محصورة بعدد معين:
لقوله ص في الحديث المشهور: «أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك»(2).
وما استأثر الله به في علم الغيب عنده لا يمكن حصره ولا الإحاطة به.
والجمع بين هذا الحديث وبين قوله ص في الحديث: «إن لله تسعة وتسعين اسمًا -مائة إلا واحدًا- من أحصاها دخل الجنة»(3) يكون كالآتي:
أن من أسماء الله تسعة وتسعين اسمًا من أحصاها دخل الجنة، وليس المراد حصر أسمائه تعالى بهذا العدد، ونظير هذا أن تقول: عندي مائة درهم أعددتها للصدقة، فلا ينافي أن يكون عندك دراهم أخرى أعددتها لغير الصدقة.
ومعرفة القواعد المتعلقة بالأسماء والصفات لله تعالى تعصمنا من أن نطلق على الله سبحانه اسمًا لا يليق به أو لم يسم به نفسه سبحانه؛ لأنه لا أحد أعلم بالله منه هو سبحانه، فدلالة التعظيم والتوقير والحب لله سبحانه أن تتعلم أسماءه ومن ثم يلهج لسانك بها.
المبحث الثالث:
__________
(1) عوالي اللآلي: (1/56)، كنز الفوائد: (1/49).
(2) بحار الأنوار: (83/311-323)، إرشاد القلوب: (1/81)، أعلام الدين: (361).
(3) مستدرك الوسائل: (5/264)، بحار الأنوار: (4/186)، أعلام الدين: (349)، التوحيد: (194).
(145/188)
قواعد في فهم الصفات العلى ومعرفتها
لله - سبحانه وتعالى - صفات لا حصر لها دالة على الذات المقدسة، وقد وضع العلماء وفقهم الله مجموعة من القواعد لفهم ومعرفة صفات الله تعالى.. هي كالتالي:
أولاً: صفات الله تنقسم إلى قسمين: ثبوتية وسلبية:
* فالثبوتية: ما أثبتها الله لنفسه، كالحياة والعلم والقدرة، فيجب إثباتها لله على الوجه اللائق به؛ لأن الله أثبتها لنفسه وهو أعلم بصفاته.
* والسلبية: هي التي نفاها الله عن نفسه كالظلم، فيجب نفيها عن الله؛ لأن الله نفاها عن نفسه، لكن يجب مع النفي اعتقاد ثبوت ضدها لله على الوجه الأكمل؛ لأن النفي لا يكون كمالًا حتى يتضمن ثبوتًا.
مثال ذلك: قوله تعالى: * - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - - - - عليه السلام - - - - جل جلاله - - - رضي الله عنه - فهرس - صلى الله عليه وسلم - - (((( & [سورة الكهف].
فيجب نفي الظلم عن الله مع اعتقاد ثبوت العدل لله على الوجه الأكمل.
ثانيًا: الصفات الثبوتية تنقسم إلى قسمين: ذاتية وفعلية:
* فالذاتية: هي التي لم يزل ولا يزال الله - سبحانه وتعالى - متصفًا بها كالسمع والبصر.
* والفعلية: هي التي تتعلق بمشيئته سبحانه، إن شاء فعلها وإن شاء لم يفعلها كالاستواء على العرش والمجيء، وربما تكون الصفة ذاتية فعلية باعتبارين كالكلام، فإنه باعتبار أصل الصفة صفة ذاتية؛ لأن الله لم يزل ولا يزال متكلمًا، وباعتبار آحاد الكلام صفة فعلية؛ لأن الكلام متعلق بمشيئته يتكلم بما شاء متى شاء.
ثالثًا: صفات الله كلها عليا، فهي صفات كمال ومدح ليس فيها نقص بوجه من الوجوه، كما قال تعالى: * ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - - - رضي الله عنهم - - ( - - - - - فهرس - (( - } - - & [النحل:60].
وهي تنقسم إلى قسمين:
(145/189)
1- صفة الكمال على الإطلاق: فهي ثابتة لله Q، كالعزيز - العليم - الجبار، والقادر... ونحو ذلك.
2- صفة الكمال بقيد: فهذه لا يوصف الله بها إلا مقيدة، مثل: المكر والخداع والاستهزاء... وما أشبه ذلك.
فتكون صفة كمال في مقابل من يفعلون ذلك، كما نقيد ذلك ونقول: ماكر بالماكرين، مستهزىء بالمستهزئين، كقوله تعالى: * - - - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - ( قرآن كريم فهرس - - رضي الله عنهم - - - - فهرس - ( { ( المحتويات ( - (- جل جلاله - - (((- عليه السلام - - - { } - ( قرآن كريم ( - - - - - ( الله أكبر ( { ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنه - تم بحمد الله - - رضي الله عنهم - - ( الله أكبر ( { ( صدق الله العظيم (- رضي الله عنه - صدق الله العظيم - عز وجل - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -((( - ( - - رضي الله عنه - - ( - ( تم بحمد الله (((( ( - - - ( - ( - ( - - رضي الله عنه - - ( - - - ( المحتويات ( - ( - & [سورة البقرة] . خادع للمخادعين، كقوله تعالى: * - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - ( - - ( - { - - - - عليه السلام - قرآن كريم ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ((( - (- رضي الله عنهم - - & [النساء:142] كائد بالكائدين، كقوله تعالى: * ( المحتويات ( - } - ( { - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - - ( - - رضي الله عنه - - - - جل جلاله - - ( - - - (((( ( - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - جل جلاله - - ( - - - (((( ( - ( - - - رضي الله عنهم - - - ( - رضي الله عنه -((( - ((( - - ( - - - ( المحتويات ( - ( - ( - ( تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - - - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -( - & [سورة
(145/190)
الطارق].
وعلى هذا فلا يصح أن نذكرها مطلقة ونصف الله بالماكر أو المستهزىء أو المخادع أو نقول: إن من أسمائه (الماكر والمستهزيء).
رابعًا: أن باب الصفات أوسع من باب الأسماء:
وذلك لأن كل اسم متضمن لصفة(1)، ولأن من الصفات ما يتعلق بأفعال الله تعالى وأفعاله لا منتهى لها، كما أن أقواله لا منتهى لها، قال الله تعالى: * ( قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - (( ((( - - } - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - - { ( بسم الله الرحمن الرحيم ( فهرس - ( - - صلى الله عليه وسلم - - ( - ( - - رضي الله عنه - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( فهرس - - ( - - رضي الله عنه - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله (( فهرس ( - ((- رضي الله عنه - - ( { - رضي الله عنهم -(( - - رضي الله عنهم - - - - (- رضي الله عنه -( - - صلى الله عليه وسلم - - - } تم بحمد الله ( المحتويات - رضي الله عنهم - - ((- رضي الله عنه - الله أكبر ( تمهيد (- رضي الله عنهم - - ( - - - ( - - - - } تمت ( { { - - - ( - - ( - - رضي الله عنه -( ( بسم الله الرحمن الرحيم - ( - - رضي الله عنهم - مقدمة (((( & [سورة لقمان].
__________
(1) وسيأتي بيان ذلك في القاعدة الثانية من القواعد المشتركة في أدلة الأسماء والصفات.
(145/191)
ومن أمثلة ذلك أن من صفات الله تعالى المجيء والإتيان والأخذ والإمساك والبطش، إلى غير ذلك من الصفات التي لا تحصى،والواردة في القرآن الكريم، كما قال تعالى: * - عليه السلام -( - - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - - - - عليه السلام - - & [الفجر:22]، وقال: * ( - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ((- جل جلاله -- رضي الله عنه - - - صدق الله العظيم ( { تمت - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - - عليه السلام - - ( - ( - - رضي الله عنه - - ( - - - - (( - - فهرس - (( - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( الله - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه -(( - - - & [البقرة:210]، وقال: * ( - ( - ( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنهم - - - - - - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم -( - { - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ((( - - } - - - صدق الله العظيم ( { ((( مقدمة ( الله أكبر ( - ( - ( - & [الحج:65]، وقال: * } تمت ( { - (((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - ( فهرس - - عليه السلام - - ( - - ( - - رضي الله عنه -( - - (((( & [سورة البروج]، وقال: * ( - - ( - ( - ( - - - ( المحتويات ( تمهيد ( - - رضي الله عنه - - ( - ( - ( - - - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - ( - ( - ( المحتويات ( تمهيد ( - - عليه السلام - - ( - ((( - - - & [البقرة:185].
فنصف الله تعالى بهذه الصفات على الوجه اللائق به ولا نسميه بها، فلا نقول: من أسمائه: الجائي والآتي والآخذ والممسك والباطش والمريد والماكر، ونحو ذلك، وإنما نخبر بذلك عنه ونصفه بها.
(145/192)
فالالتزام بالوارد من الصفات فيه العصمة للعبد من أن يصف الله بما لا علم له، فيقع في وصف يقصر عن الله سبحانه.
المبحث الرابع:
قواعد مشتركة في أدلة أسماء الله وصفاته
هناك قواعد تشترك في البيان في الأسماء والصفات لله تعالى ينبغي على العبد المحب لربه أن يعرفها ويدرسها، ومن تلك القواعد المباركة ما يأتي:
أولاً: إن أسماء الله وصفاته لا تثبت بالعقل إنما هو إثبات توقيفي شرعي من كتاب الله وسنة نبيه محمد ص:
فأسماء الله وصفاته من الأمور الغيبية، ولا يمكن في الأمور الغيبية أن يدركها العقل، وحينئذ فالواجب علينا أن لا نصف الله بما لم يصف به نفسه، ولا نكيّف صفاته، لأن ذلك ممتنع وغير جائز.
قال أمير المؤمنين علي ؛ واعظًا الناس في ذكر ملك الموت: هل تحس به إذا دخل منزلًا؟ أم هل تراه إذا توفى أحدًا؟ بل كيف يتوفى الجنين في بطن أمه؟ أيلج عليه من بعض جوارحها؟ أم الروح أجابته بإذن ربها؟ أم هو ساكن معه في أحشائها؟ كيف يصف إلهه من يعجز عن صفة مخلوق مثله؟!(1).
والأمثلة الدالة على ما نقول:
نعيم الجنة: فنحن الآن لا ندرك على الحقيقة نعيم الجنة من حيث الحقيقة مع أنه مخلوق، وفي الجنة فاكهة ونخل ورمّان وسُرُر وأكواب وأنهار، لكننا لا ندرك حقيقة هذه الأشياء كما هي، ولو قيل لأي إنسان: صفها لنا كما هي؟ فلن يتمكن من ذلك؛ لقوله تعالى: * - - - ( ( المحتويات فهرس - (( - - ( { ((- رضي الله عنه - الله أكبر - - } تم بحمد الله - عليه السلام - - ( - ( - ( - تمهيد ( - مقدمة - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( - { - ( - - (((((- صلى الله عليه وسلم - - - ( - - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - - - رضي الله عنهم - - ( - } - قرآن كريم ( الله أكبر - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - رضي الله عنهم - - ((- رضي الله عنه - - (((( & [سورة السجدة].
__________
(1) نهج البلاغة: (1/221).
(145/193)
ولقول النبي ص عن نعيم الجنة: «وفيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر»(1).
ولهذا فلو أعمل أي مسلم نظره وطبق هذه القاعدة النافعة على صفات الله لوجد السلامة والراحة، وانقطاع الطمع عن أن يطلب ما ليس له إليه سبيل، ومن ذلك قوله تعالى: * - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم -(- عليه السلام - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله تمت - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - ( - ( - فهرس - - - رضي الله عنهم - - ( - ( تمهيد ( { فهرس - - رضي الله عنهم - - - - - رضي الله عنهم - - - عليه السلام - - ( - & [ص:75].
فإن ظاهر الآية يدل على أن لله يدين حقيقيتين يجب علينا إثباتهما له، وهذا هو الحق الواجب الإيمان به.
فإن قال قائل: لعل المراد بهما القوة؟
قلنا له: هذا صرف للكلام عن ظاهره، فلا يجوز القول به؛ لأنه تقوُّل على الله بغير علم ولا يستقيم عقلًا.
والله سبحانه يحذرنا من التقول عليه بقوله: * تمت - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - قرآن كريم ( - ( - ((( - ( - - - ( - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( بسم الله الرحمن الرحيم - - ( - ( } - - رضي الله عنه - - ( - (( مقدمة ( - - - جل جلاله - - ( - (( - ( - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - - (( - - (((( & [سورة الأعراف].
فالواجب فهم النص على ظاهره، وهذا ما فعله الذين يجالسون النبي ص ويسمعون آيات الصفات، فكانوا يعلمون كيف يفهمونها، وما المراد بها.
__________
(1) من لا يحضره الفقيه: (1/295)، بحار الأنوار: (81/125).
(145/194)
ثانيًا: كل اسم لله Q فإنه يدل على ذاته وعلى الصفة التي يتضمنها، ولا يتم الإيمان بالاسم والصفة إلا بإثبات ذلك كله.
ومثال ذلك:
اسم: «العظيم» فلا يتم الإيمان به حتى نؤمن بإثباته اسمًا من أسماء الله، دالًا على ذاته تعالى، وعلى ما تضمنه من الصفة وهي (العظمة).
اسم: « الرحمن » فلا يتم الإيمان به حتى نؤمن بإثباته اسمًا من أسماء الله، دالًا على ذاته تعالى، وعلى ما تضمنه من الصفة وهي (الرحمة).
ثالثًا: يلزم من إثبات الأسماء والصفات التخلي عن أربعة أمور:
1- التمثيل: وهو اعتقاد أن أية صفة من صفات الله تعالى مماثلة لصفات المخلوقين وهذا قول باطل.
2- التكييف: وهو التساؤل عن كيفية أسماء الله وصفاته، كما يقول القائل: كيف يد الله؟ كيف وجه الله... إلخ؟
وهذا قول باطل؛ لأن الكيفية لا تدرك إلا بواحد من أمور ثلاثة: مشاهدة الشيء، أو مشاهدة نظيره، أو خبر صادق عنه، وكلها منتفية في حق الله، فنحن لم نر الله في الحياة الدنيا، وليس له من مثيل سبحانه، ولم يخبرنا جل وعلا عن كيفية صفاته، فانعدم السبيل إلى معرفة الكيف.
3- التحريف: أي التحريف المعنوي: وهو صرف اللفظ عن ظاهره. كإنكارهم صفة اليد لله Q وتحريفها «بالقوة أو النعمة»، وإنكارهم صفة الوجه لله Q وتحريفها «بالثواب»، وإنكارهم صفة المجيء، والإتيان لله Q وتحريفها «بمجيء الأمر».
4- التعطيل: هو إنكار ما أثبت الله لنفسه من الأسماء والصفات سواء كان كليًا أو جزئيًا، وسواء كان ذلك بتحريف أو بجحود.
فالخلاصة:
أن كل اسم وصفة لله Q يتوجه عليهما ثلاثة أسئلة:
السؤال الأول: هل هي حقيقية؟ ولماذا؟
السؤال الثاني: هل يجوز تكييفها؟ ولماذا؟
السؤال الثالث: هل تماثل صفات المخلوقين؟ ولماذا؟
وجواب السؤال الأول: نعم حقيقية؛ لأن الأصل في الكلام إعمال الحقيقة، فلا يُعدل عنها إلا بدليل صحيح يمنع منها.
(145/195)
وجواب السؤال الثاني: لا يجوز تكييفها، فلا نقول: كيف هي صفات الله؟ لقوله تعالى: * - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - قرآن كريم (( - (- رضي الله عنه -( - (( مقدمة ( - - - - ( - (( ((((( & [سورة طه] ولأن العقل قاصر عن إدراك كيفية صفات الله.
وجواب السؤال الثالث: لا تماثل صفات المخلوقين؛ لقوله تعالى: * { { ( - - - (( مقدمة ( - ( الله ( - - - ((( - - ( & [الشورى:11].
وهذا الاعتقاد هو القول الحق الذي تتضافر عليه الأدلة، وتجتمع حوله الأقوال، وتطمئن إليه النفوس بإذن الله تعالى،وسنده ومعتمده كتاب الله سبحانه وتعالى.
المبحث الخامس:
من صفات الله تبارك وتعالى
بعد بيان جملة مباركة من القواعد المتعلقة بصفات الله تعالى.. أبيّن في هذا المبحث أمثلة على صفات الله، أثبتها الله لنفسه في كتابه الكريم، وفي سنة نبيه محمد ص، وفهمها أهل العلم، ومن تلك الصفات العُلى:
أولاً: صفة الوجه:
من الصفات التي ثبتت لله Q صفة الوجه، وهي صفة حقيقية تليق بجلاله، ولا تماثل صفات المخلوقين، ولا نعلم كيفيتها.
قال تعالى: * - - ( - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - { - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( - تمت - - ( (((( - - - - ( - - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( مقدمة ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - ( فهرس - - عليه السلام - - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( فهرس - { - ( - - - ( الله - - رضي الله عنه - - ( - تمهيد { - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (((( &
[سورة الرحمن].
وقال تعالى: * - - ( - - ((( - ( ( - ( - - - رضي الله عنهم - - - صدق الله العظيم ( { (( مقدمة - رضي الله عنهم - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - & [القصص:88].
(145/196)
وقد ثبت عن النبي ص وعن أهل بيته الطاهرين † أنهم كانوا يدعون الله Q ويسألونه لذة النظر إلى وجهه الكريم سبحانه وتعالى.
قال النبي ص: من دعا به عقيب كل صلاة مكتوبة حُفِظ في نفسه وداره وماله وولده، والدعاء هو: «اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أعلنت وما أسررت، وإسرافي على نفسي... ثم قال: والرضا بالقضاء، وبرد العيش بعد الموت، ولذة النظر إلى وجهك الكريم، وشوقًا للقائك، من غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة»(1).
وكانت فاطمة الزهراء سيدة النساء ‘ تدعو في صلواتها الخمس: «سبحانك من يعلم جوارح القلوب، سبحانك من يحصي عدد الذنوب... إلى أن قالت: وأسألك الرضا بعد القضاء، وأسألك لذة النظر إلى وجهك...»(2).
وقالت الزهراء ‘ أيضًا: «الحمد لله الذي لا يحصي مدحه القائلون، والحمد لله الذي لا يحصي نعماءه... إلى أن قالت: والنظر إلى وجهك فارزقني(3)»(4).
شبهة أن ( الوجه ) يراد به الثواب:
وقد أوّل بعضهم صفة الوجه أنها تعني «الثواب» وقالوا: المراد بالوجه في الآيات الثواب، أي: كل شيء يفنى إلا الثواب!
والجواب على هذا التأويل من عدة وجوه:
أولًا: إنه مخالف لظاهر اللفظ؛ فإن ظاهر اللفظ أن هذا وجه خاص، وليس هو الثواب كما مر علينا في دعاء النبي ص، ودعاء سيدة نساء العالمين ‘.
__________
(1) بحار الأنوار: (83/2).
(2) فلاح السائل: (202).
(3) فلاح السائل: (240)، وانظر: بحار الأنوار: (83/104).
(4) وانظر: كذلك أدعية الأئمة عليهم السلام (ص:196) من هذا الكتاب.
(145/197)
ثانيًا: لو سلمنا أن (الوجه) يُراد به الثواب، فهل يمكن أن يوصف الثواب بهذه الصفات العظيمة: * - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( فهرس - { - ( - - - ( الله - - رضي الله عنه - - ( - تمهيد { - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (((( & [سورة الرحمن]، هذا لا يمكن؛ لأننا لو قلنا مثلًا: ثواب المتقين ذو جلال وإكرام ! فهذا لا يجوز أبدًا ولا يستقيم عقلًا، لكن الصواب أن نقول: إن الله تعالى وصف هذا الوجه بأنه ذو الجلال والإكرام.
ثالثًا: نقول للمتأولين: ما تقولون في قول الرسول ص: «إن لله سبعين ألف حجابًا من نور وظلمة لو كشفها عن وجهه لاحترقت سبحات وجهه ما أدرك بصره من خلقه»(1).
فهل الثواب له هذا النور الذي يحرق ما انتهى إليه بصر الله من الخلق؟! أبدًا، لا يمكن ولا يكون.
فإذا عرفنا فساد هذا التأويل، كان الواجب علينا أن نفسر هذا الوجه بما أراده الله، وهو أنه: وجه قائم به تبارك وتعالى، موصوف بالجلال والإكرام ونعوت الجمال، يليق بجلال الله وعظمته.
فإن قلت:
هل كل ما جاء من كلمة«الوجه» مضافًا إلى الله يُراد به وجه الله الذي هو صفته؟
__________
(1) عوالي اللآلي: (4/106)، بحار الأنوار: (55/45).
(145/198)
فالجواب: هذا هو الأصل؛ كما في قوله تعالى: * - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - (( - - - رضي الله عنه -((( - { - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((( - - رضي الله عنه - - بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - - عليه السلام - - ( - - - صلى الله عليه وسلم -- رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه -(( - - - ( - ( - (((- رضي الله عنهم -(( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - - ( - ( - (( مقدمة - رضي الله عنهم - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - & [الأنعام:52]. وقوله: * - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنه - فهرس - } (( فهرس - رضي الله عنهم - - - جل جلاله -(( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - { - رضي الله عنهم - - ((( - الله أكبر - - - رضي الله عنه - - ( - ( تم بحمد الله (((( - صدق الله العظيم ( { - عليه السلام -( - - - رضي الله عنه -(( - ( - - - ( مقدمة ( صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( مقدمة ( فهرس - - عليه السلام - - - - فهرس - (( - } - - (((( - رضي الله عنه - - ( قرآن كريم - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (- رضي الله عنهم -(( - - رضي الله عنه - - (((( & [سورة الليل]. وما أشبهها من الآيات.
فالأصل أن المراد بالوجه المضاف إلى الله Q هو صفة من صفاته.
فإن قيل:
ما المراد بالوجه في قوله تعالى: * - - ( - - ((( - ( ( - ( - - - رضي الله عنهم - - - صدق الله العظيم ( { (( مقدمة - رضي الله عنهم - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - & [القصص:88]؟
(145/199)
فإن قلت: المراد بالوجه الذات؛ فيخشى أن تكون حرّفت، وإن أردت بالوجه نفس الصفة أيضًا؛ فتكون قد وقعت في محظور خطير وهو ما ذهب إليه بعض من لا يقدرون الله حق قدره؛ حيث قالوا: إن الله يفنى إلا وجهه، فماذا تصنع؟!
فالجواب:
إن أردت بقولك: إلا ذاته؛ فهذا يعني: أن الله تعالى يبقى هو نفسه مع إثبات الوجه لله؛ وهذا صحيح، ويكون هنا عبَّر بالوجه عن الذات لمن كان له وجه.
وإن أردت بقولك (الذات):أي أن الوجه عبارة عن الذات بدون إثبات الوجه؛ فهذا تحريف وهو غير مقبول.
وعليه فنقول: * - صدق الله العظيم ( { (( مقدمة - رضي الله عنهم - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - & أي: إلا ذاته المتصفة بالوجه، وهذا ليس فيه تأويل ولا تحريف؛ لأن الفرق بين هذا وبين قول أهل التحريف واضح، لأنهم يقولون: إن المراد بالوجه (الذات)، وأنه سبحانه لا وجه له، ونحن نقول: المراد بالوجه الذات، وله وجه سبحانه، وعُبِر به عن الذات، وهذا كثير في كلام العرب، فتراهم يقولون: أقبل على القوم بوجهه.
وهذا معلوم عند أهل اللغة، وممن فقه علومها وسبر أغوارها، وعلى رأس أهل العربية آل البيت الأطهار، فكانوا يعلمون استخدام هذا اللفظ وغيره، وسار على دربهم أحبابهم.
ومن أدلة ذلك ما جاء عن سهل بن سعد قال: بينا أبو ذر قاعد مع جماعة من أصحاب رسول الله ص وكنت يومئذ فيهم، إذ طلع علينا علي بن أبي طالب ؛ فرماه أبو ذر بنظره، ثم أقبل على القوم بوجهه، فقال: من لكم برجل محبته تساقط الذنوب عن محبيه كما تساقط الريح العاصف الهشيم من الورق عن الشجر؟(1).
فهل يفهم عاقل من هذه الرواية أن عليًا ؛ أقبل على أصحاب النبي ص بوجهه فقط دون ذاته؟ ولله المثل الأعلى.
__________
(1) بحار الأنوار: (27/112).
(145/200)
واعلم رحمك الله أن هذا الوجه العظيم الموصوف بالجلال والإكرام وجه لا يمكن الإحاطة به وصفًا ولا علمًا ولا نظرًا؛ فإن الله تعالى فوق ذلك وأعظم شأنًا؛ كما قال تعالى: * - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - قرآن كريم (( - (- رضي الله عنه -( - (( مقدمة ( - - - - ( - (( ((((( & [سورة طه].
فإن حاول أحد أن يتصور هذه الكيفية بقلبه أو يتحدث عنها بلسانه فإنه مبتدع ضال قائل على الله بغير علم.
رؤية المؤمنين لربهم في الجنة:
من أعظم النعم التي يمتن الله بها على عباده المؤمنين في الجنة لذة النظر إلى وجهه الكريم، فيمكّن لهم القدرة على النظر إليه بأعينهم بنظرة حقيقية، وهذه القدرة في النعيم ستكون قاصرة في إدراك الإحاطة به، لعظمته سبحانه؛ لأن الله تعالى يقول:
* - صدق الله العظيم ( مقدمة ( - ( - ( - ( - ( - ( - (( - - } - - & [الأنعام:103]، وقال تعالى: * - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - قرآن كريم (( - (- رضي الله عنه -( - (( مقدمة ( - - - - ( - (( ((((( & [سورة طه]، ونحن نعلم ربنا بقلوبنا، ولكن لا ندرك كيفيته وحقيقته سبحانه، وفي يوم القيامة سنرى ربنا بأبصارنا، ولكن لن تدركه -تحيط به- أبصارنا.
ومما جاء في إثبات إمكانية رؤيته سبحانه في الآخرة ما يأتي:
قال تعالى: * ( فهرس قرآن كريم ( - (- صلى الله عليه وسلم - - - ((- رضي الله عنه - تم بحمد الله ( قرآن كريم - رضي الله عنه - - ( - - عليه السلام - - (( - ( الله أكبر (((( - - فهرس - ( { - { - ( - - - عليه السلام - - ( - - رضي الله عنه - - (( - - رضي الله عنه - الله أكبر (((( & [سورة القيامة].
(145/201)
وقال تعالى: * - فهرس - - رضي الله عنه -( ( - (( - - - عليه السلام - - - } - - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - (( - - رضي الله عنه - - (((( & [سورة المطففين].
وقال تعالى: * - رضي الله عنه -((( - { - ( - - } - قرآن كريم ( - - - ( مقدمة - صلى الله عليه وسلم - - - ( - - ( - (- رضي الله عنه -( - - - ( - - رضي الله عنهم - - - - رضي الله عنه - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - & [يونس:26]، والزيادة هي النظر إلى وجه الله Q(1)، بعد أن حاز المؤمنون الحسنى وهي النعيم والسعادة في الجنة.
وقال تعالى: * تمهيد ( - مقدمة - - } تم بحمد الله - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -(( - - - رضي الله عنه -( - - - { - - (( - - - جل جلاله -( - - رضي الله عنه - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله (((( & [سورة ق].
وعن أبي عبد الله ؛ قال: إن لله كرامة في عباده المؤمنين في كل يوم جمعة، فإذا كان يوم الجمعة بعث الله إلى المؤمن ملكًا معه حلة فينتهي إلى باب الجنة... إلى أن قال: فإذا اجتمعوا تجلى لهم الرب تبارك وتعالى، فإذا نظروا إليه خروا له سجدًا، فيقول: عبادي! ارفعوا رؤوسكم ليس هذا يوم سجود ولا يوم عبادة، قد رفعت عنكم المؤنة، فيقولون: يا رب، وأي شيء أفضل مما أعطيتنا، أعطيتنا الجنة، فيقول: لكم مثل ما في أيديكم سبعين ضعفًا , فيرجع المؤمن في كل جمعة بسبعين ضعف مثل ما في أيديهم، وهو قوله: * - - - جل جلاله -( - - رضي الله عنه - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله (((( & [سورة ق] (2).
__________
(1) تفسير القمي: (1/311).
(2) بحار الأنوار:(86/ 266) , (8/126).
(145/202)
وقد ورد في الأدعية الثابتة عن الأئمة † أنهم كانوا يحرصون على سؤال الله تعالى رؤيته ولقاءه يوم القيامة ويعلمون أحبابهم أن يتعلموها... ومن ذلك:
ما جاء في دعاء يوم الجمعة:
«وتلقن بها عند فراق الدنيا حجتي، وأنظر بها إلى وجهك الكريم يوم القيامة، وعليَّ منك نور وكرامة...»(1).
في تسبيح ليلة السبت:
«اجعل لنا منزلًا مغبوطًا، ومجلسًا رفيعًا، وظلًا ومرتفعًا جسيمًا جميلًا، ونظرًا إلى وجهك يوم تحجبه عن المجرمين»(2).
ومن أدعية الإمام الكاظم ؛:
«وأسألك لي ولها الأجر يوم القيامة، والعفو يوم اللقاء، وبرد العيش عند الموت، وقرّة عين لا تنقطع، ولذة النظر إلى وجهك، وشوقًا إلى لقائك...»(3).
ومن أدعية مناجاة الخائفين:
«إلهي لا تغلق على موحديك أبواب رحمتك، ولا تحجب مشتاقيك عن النظر إلى جميل رؤيتك...»(4).
ومن دعاء ليلة الجمعة:
«اللهم حبب إلينا لقاءك، وارزقنا النظر إلى وجهك، واجعل لنا في لقائك نضرة وسرورًا...»(5).
ومع كل هذه الأدلة الواضحة والبراهين الساطعة على قضية إثبات رؤية المؤمنين لربهم في الجنة إلا أن هناك طائفة عارضت كل تلك الأدلة، وأنكرت إمكانية رؤية أهل الجنة لله Q، واستدلوا بأدلة في غير محلها أو باطلة في فحواها، منها:
الأول: قالوا: إن الله لا يُرى، بل الذي يُرى هو (النور).
__________
(1) بحار الأنوار: (87/133).
(2) بحار الأنوار: (87/144)، البلد الأمين: (94)، مصباح الكفعمي: (99)، مصباح المتهجد: (429).
(3) بحار لأنوار: (87/205)، البلد الأمين: (135)، مصباح الكفعمي: (126)، مصباح المتهجد: (480).
(4) بحار الأنوار: (91/143).
(5) مصباح المتهجد: (442)، مصباح الكفعمي: (107)، البلد الأمين: (104)، بحار الأنوار: (87/159).
(145/203)
الثاني: قالوا: إن الله نفى إمكانية الرؤية في القرآن، ودليل ذلك قوله تعالى: * - - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم - (- رضي الله عنهم - - قرآن كريم ( تم بحمد الله - - عليه السلام - - ( - ( - { - ( - ( - (( مقدمة - رضي الله عنهم - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( مقدمة - - - عليه السلام - - - رضي الله عنه - - - - - ( تمت - - عليه السلام - - ( - ( الله أكبر ( - - صلى الله عليه وسلم - - ( - (( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - درهم ( - - - ( { - - رضي الله عنه - - - - - صدق الله العظيم - - (( - - - رضي الله عنه - - - - ( صدق الله العظيم ( - ( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - (( الله أكبر - - - فهرس - ( { ( - - رضي الله عنه - تمهيد - رضي الله عنهم - - ( - - - ( تمت ( - - ( { - - { - رضي الله عنه - - ( - - - (( مقدمة - رضي الله عنه - الله أكبر - - تمهيد - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه - - ( قرآن كريم - - - ( (( - - - رضي الله عنه - - - - - - - - فهرس - - ( - - { - { - - صلى الله عليه وسلم - تم بحمد الله (( مقدمة - - - عليه السلام - - ( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - ( - ( - (( - - - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنهم - - - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم - - { - - رضي الله عنهم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (- رضي الله عنهم - - قرآن كريم ( تم بحمد الله - - { (( - ( & [الأعراف:143].
ووجه الدلالة: أن الله نفى الرؤية بأداة «لن» التي تفيد النفي المؤبد، والنفي خبر، وخبر الله تعالى صدق لا يدخله النسخ.
(145/204)
الثالث: قالوا: إن الله Q نفى رؤيته إطلاقًا، فقال: * - صدق الله العظيم ( مقدمة ( - ( - ( - ( - ( - ( - (( - - } - - - عليه السلام - قرآن كريم ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - ( - ( - - رضي الله عنه - - ( - (( - - } - - } - عليه السلام - قرآن كريم ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - ((( - - - - ( - - ( تمهيد - - ( - - - ((((( & [سورة الأنعام].
الرابع: قالوا: العقل يمنع ويحيل إمكانية رؤيته سبحانه، إذ لو كان سبحانه يُرى للزم أن يكون جسمًا، والجسم ممتنع على الله تعالى؛ لأنه يستلزم التركيب، والتركيب يستلزم التشبيه والتمثيل، فوجب نفي الرؤية.
وأما الرد على هذه الشبه فنقول:
أما الشبهة الأولى وهي قولهم: إن الله لا يرى بل الذي يرى هو(النور)، فهذا القول باطل، لأنه رد للنصوص الصريحة التي فيها إثبات الرؤية.
فإن الله Q وصف وجهه بأن له نورًا، مثل ما جاء في قول النبي ص عن
ربه Q: «إن لله سبعين ألف حجابًا من نور وظلمة، لو كشفها عن وجهه لأحرقت سُبحات وجهه ما أدرك بصره من خلقه»(1)؛ لذا فإن رؤية الله Q في الدنيا مستحيلة، لأن الحال البشرية لا تقوى على تحمل رؤيته - سبحانه وتعالى -.
وجاء في كتاب الله Q وصف لا يليق أن يطلق على النور، مثل قوله تعالى:
* - - - - ( - - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( مقدمة ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - ( فهرس - - عليه السلام - - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( فهرس - { - ( - - - ( الله - - رضي الله عنه - - ( - تمهيد { - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (((( & [سورة الرحمن] وهذا وصف متعلق بالوجه، من أن لوجه الله جلالًا وإكرامًا، ولا يمكن أن يقال هذا للنور.
__________
(1) عوالي اللآلي: (4/106)، بحار الأنوار: (55/45).
(145/205)
وأما الشبهة الثانية وهي قولهم: إن الله Q قال لموسى: * صدق الله العظيم - - (( - - - رضي الله عنه - - - - & و«لن» تفيد النفي المؤبد كما في اللغة العربية.
وهذا قول باطل من وجوه:
الأول: أن «لن» ليست للنفي المؤبد، وبرهان ذلك كما قال سبحانه عن المشركين: * صدق الله العظيم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( فهرس ( قرآن كريم } - جل جلاله -- رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه - - - - - - رضي الله عنه - - - صلى الله عليه وسلم - - & [البقرة:95] أي: الموت، ومع ذلك فإن الكفار سيقولون بعد مدة في النار: * } - (- صلى الله عليه وسلم -- رضي الله عنهم - - - - رضي الله عنه - الله أكبر - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - (- رضي الله عنهم - - (- رضي الله عنه - - ((( { - عليه السلام - - ( - - - عليه السلام - - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( - رضي الله عنهم - - - - - عليه السلام - - & [الزخرف:77] والكفار لم يتمنوه فقط بل طلبوه، فدل على أن «لن» لا تفيد النفي المؤبد.
ولله در ابن مالك النحوي حين قال:
ومن رأى النفي بلن مؤبدا ... ... فقوله اردد وسواه فاعضدا
الثاني: أن موسى طلب الرؤيا في الدنيا بقوله لربه: * - رضي الله عنه - - - - - ( تمت - - عليه السلام - - ( - ( الله أكبر ( - - صلى الله عليه وسلم - - ( - (( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - درهم ( - - - ( { & أي: الآن، فأخبره الله بقوله: * صدق الله العظيم - - (( - - - رضي الله عنه - - - - & أي: في الدنيا، فدل على جواز الطلب، لكن بين الله له تعذر تحقق ذلك في الدنيا، وهو فهم معلوم؛ لأنه لم يقل سبحانه لنبيه: إني لا أرى.
(145/206)
وهذا ما فهمه آل بيت النبي ص، فعن الرضا ( قال: لما بعث الله Q
موسى بن عمران واصطفاه نجيًا وفلق له البحر ونجَّى بني إسرائيل وأعطاه التوراة والألواح رأى مكانه من ربه Q، فقال موسى: يا رب، فإن كان آل محمد كذلك، فهل في أصحاب الأنبياء أكرم عندك من صحابتي؟ قال الله Q: يا موسى، أما علمت أن فضل صحابة محمد على جميع صحابة المرسلين كفضل آل محمد على جميع آل النبيين، وكفضل محمد على جميع النبيين، فقال موسى: يا رب، ليتني كنت أراهم! فأوحى
الله Q إليه: يا موسى، إنك لن تراهم فليس هذا أوان ظهورهم، ولكن سوف تراهم في الجنات، جنات عدن والفردوس بحضرة محمد، في نعيمها يتقلبون، وفي خيراتها يتبحبحون(1).
الثالث: إن رؤية الله تعالى في الدنيا مستحيلة؛ لأن الحال البشرية لا تقوى على تحمل رؤية الله Q؛ كيف وقد قال النبي ص عن ربه Q: «إن لله سبعين ألف حجابًا من نور وظلمة لو كشفها عن وجهه لأحرقت سبحات وجهه ما أدرك بصره من خلقه»(2). ومعلوم أن بصر الله يدرك كل شيء يرى.
وهذا ملاحظ ومعلوم أن عين البشر لا تحتمل رؤية كل شيء في الحياة الدنيا، ومن أمثلة ذلك ضعفها عن رؤية الشمس المتواجدة يوميًا، وهي من المخلوقات الضعيفة، فكيف الحال برؤية وجه الجبار - سبحانه وتعالى - الذي هو أعظم شأنًا ووجودًا ونورًا من المخلوقات الضعيفة؟
الرابع: أن موسى ؛ كان أعلم بربه من هؤلاء النفاة، ولهذا نجده قد طلب ما يجوز له طلبه، لكن الله سبحانه أخبره أنه لم يحن وقت الرؤية بعد، بمثال ضربه له سبحانه وهو تعليق الرؤية بقدرة الجبل العظيمة من تحمل رؤيته.
ومما يدل على جواز وصحة ما سأله كليم الله موسى ؛: أن الله لم ينكر عليه طلبه، مثل ما أنكر على نوح ؛ لما سأله ما لا يجوز له، وهو نجاة ابنه الكافر.
__________
(1) تفسير الإمام العسكري: (31)، بحار الأنوار: (13/340)، تأويل الآيات: (411).
(2) عوالي اللآلي: (4/106)، بحار الأنوار: (55/45).
(145/207)
قال تعالى: * - رضي الله عنه - - - - - (- رضي الله عنهم - قرآن كريم ( - (- رضي الله عنه - - (( مقدمة ( الله أكبر ( { { { ( - - - ( صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - درهم ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - } (( مقدمة ( الله أكبر ( { ( - - عليه السلام - - - ( ( - ( - - ( - - ( - ( - ( } - - - ( ( صدق الله العظيم ( - - رضي الله عنه -(( - فهرس - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله { { ( - - - - رضي الله عنهم - - - - (( مقدمة ( - ( المحتويات ( - (( } ( - ( - الله أكبر ( { - رضي الله عنهم - - ((((- صلى الله عليه وسلم - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - رضي الله عنه -((( - ( - (- رضي الله عنهم - - ( - - - (((( & [سورة هود]، وبهذا الوجه يتبين أن الآية دليل عليهم لا لهم.
وأما الشبهة الثالثة في قوله تعالى: * - صدق الله العظيم ( مقدمة ( - ( - ( - ( - ( - ( - (( - - } - - - عليه السلام - قرآن كريم ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - ( - ( - - رضي الله عنه - - ( - (( - - } - - } - عليه السلام - قرآن كريم ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - ((( - - - - ( - - ( تمهيد - - ( - - - ((((( & [سورة الأنعام].
فالجواب: أن الآية فيها نفي الإدراك لا نفي الرؤية.
والإدراك مثلما هو معلوم في اللغة العربية أعم من الرؤية، والرؤية لا تستلزم الإدراك؛ ألا ترى أن الرجل يرى السماء ولا يحيط بها إدراكًا، وكذا الحال مع البحر !
فإذا أثبتنا أن الله تعالى يُرى؛ لم يلزم من هذا الإثبات أن يُدرك سبحانه بهذه الرؤية؛ لأن الإدراك أخص معنى من مطلق الرؤية.
(145/208)
ولهذا نقول: إن نفي الإدراك يدل على وجود أصل الرؤية؛ لأن نفي الأخص يدل على وجود الأعم، ولو كان الأعم منتفيًا؛ لوجب نفيه.
ولقيل: لا تراه الأبصار؛ لأن نفيه يقتضي نفي الأخص، ولا عكس، ولأنه لو كان الأعم منتفيًا؛ لكان نفي الأخص إيهامًا وتلبيسًا ينزَّه عنه كلام الله Q، وعلى هذا تكون الآية دليلًا على من ينفي لا دليلًا له.
وأما الشبهة الرابعة في قولهم: لو كان الله يُرى لزم أن يكون جسمًا، والجسم ممتنع على الله تعالى؛ لأنه يفيد التركيب؛ وهذا يستلزم التشبيه والتمثيل.
فالجواب: نقول ابتداء: إن كان يلزم من رؤية الله تعالى أن يكون جسمًا؛ فلنثبت الجسمية له سبحانه على سبيل الجدل والتسليم الافتراضي، لكننا نعلم علم اليقين أنه لا يماثل أجسام المخلوقين؛ لأن الله تعالى يقول: * { { ( - - - (( مقدمة ( - ( الله ( - - - ((( - - ( } - عليه السلام - قرآن كريم ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( - ( - - - - - - ( - - ((- رضي الله عنه - - ( - - - (((( & [الشورى].
لكننا نقول: لا نسلم أنه لابد أن يكون جسمًا حتى يُرى، فالإنسان يرى النور، والنور ليس بجسم.. وهكذا.
ثم إن لفظ الجسم لا يُثبت ولا يُنفى لله حتى يستفصل عن معناه، فإن أريد به ما هو مركب من لحم وعظم وغيرهما فباطل.
وإن أريد به ما هو قائم بذاته متصف بصفات الكمال فهو حق وثابت لله Q، لكن لا يطلق هذا اللفظ لا نفيًا ولا إثباتًا، لعدم وروده في الكتاب والسنة، بل نقتصر على ما ورد فيهما.
ثانيًا: صفة العين:
ومن الصفات التي ثبتت لله Q صفة العين، وهي صفة حقيقية تليق بجلال
الله Q لا تماثل صفات المخلوقين، ولا نعرف كيفيتها.
(145/209)
قال تعالى: * ( - ( - (( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - ((( - - رضي الله عنهم - - ( فهرس - - عليه السلام - - - رضي الله عنهم - - ( الله أكبر ( - - ( - - - جل جلاله -( - ( - ((- صلى الله عليه وسلم - - ( - & [الطور:48].
وقال تعالى: * ( مقدمة ( - - جل جلاله -( - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم - مقدمة - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( المحتويات - - - - - رضي الله عنهم -(- عليه السلام - قرآن كريم ( - - صلى الله عليه وسلم - - - - ( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (((( - ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - تم بحمد الله - - عليه السلام - - ( - ( - ((- صلى الله عليه وسلم - - ( - } ( - - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - ( - - - رضي الله عنه - تمت - - - - رضي الله عنه - - ((( - (((( & [سورة القمر].
وقال تعالى: * ( تمهيد ( - - { ( - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( - { ( تمهيد { - رضي الله عنه - - - (( - - ( } تم بحمد الله - رضي الله عنهم -( - - جل جلاله -((( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ((( - ( - - رضي الله عنه -( (((( & [سورة طه].
قال قطب الدين الراوندي في كتاب الخرائج والجرائح:
وقد أخبرنا جماعة من أصحاب الحديث بأصبهان، وجماعة منهم من همدان وخراسان سماعًا وإجازة عن مشايخهم الثقات بأسانيد مختلفة -من حديث طويل- قال النبي ص لأصحابه: «ما بعث الله نبيًا إلا وقد أنذر قومه الدجال، وإن الله أخره إلى يومكم هذا، فمهما تشابه عليكم من أمره فإن ربكم ليس بأعور»(1).
__________
(1) الخرائج والجرائح: (3/1138).
(145/210)
وعن النزال بن سبرة قال: خطبنا علي بن أبي طالب ؛ فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: سلوني أيها الناس قبل أن تفقدوني ثلاثًا، فقام إليه صعصعة بن صوحان، فقال: يا أمير المؤمنين، متى يخرج الدجال؟ فقال له علي ؛: اقعد فقد سمع الله كلامك وعلم ما أردت، والله ما المسؤول عنه بأعلم من السائل، ولكن لذلك علامات وهيئات يتبع بعضها كحذو النعل بالنعل، وإن شئت أنبأتك بها! قال: نعم يا أمير المؤمنين، فقال: احفظ فإن علامة ذلك بلدة يقال لها: أصبهان من قرية تعرف باليهودية، عينه اليمنى ممسوحة والأخرى في جبهته تضيء كأنها كوكب الصبح، فيها علقة كأنها ممزوجة بالدم، بين عينيه مكتوب كافر يقرأه كل كاتب وأمي، ينادي بأعلى صوته، يسمع ما بين الخافقين من الجن والإنس والشياطين، يقول: إليَّ أوليائي، أنا الذي خلق فسوّى وقدّر فهدى أنا ربكم الأعلى. وكذب عدو الله، إنه الأعور، يطعم الطعام ويمشي في الأسواق، وإن ربكم ليس بأعور(1).
وقد أنكر بعضهم صفة العين، وأولوها بالرؤية بدون عين، وقالوا: «بأعيننا» برؤية منا، ولكن لا عين، والعين لا يمكن أن تثبت لله Q أبدًا، لأن العين جزء من الجسم؛ فإذا أثبتنا العين لله؛ أثبتنا تجزئة وجسمًا، وهذا شيء ممتنع فلا يجوز، ولكنه ذكر العين من باب تأكيد الرؤية؛ يعني: كأنما نراك ولنا عين.
فنقول لهم: هذا القول خطأ من عدة أوجه:
الوجه الأول: أنه مخالف لظاهر اللفظ.
الوجه الثاني: أنه مخالف لما أثبته الله Q في كتابه وما أثبته نبيه محمد ص وأهل بيته الطاهرين † وفق لغة العرب.
الوجه الثالث: أنه لا دليل على أن المراد بالعين مجرد الرؤية.
الوجه الرابع: أننا إذا قلنا بأنها الرؤية، وأثبت الله لنفسه عينًا، فيلزم من ذلك أنه يرى بتلك العين، وحينئذٍ يكون في الآية دليل على أنها عين حقيقية.
__________
(1) بحار الأنوار: (52/194).
(145/211)
الوجه الخامس: لا يلزم من إثبات صفة العين لله Q أن تكون مماثلة ومجزأة كالمخلوقين، فكل المخلوقات من البشر والحيوانات والحشرات لهم أعين متشابهة بالأسماء فقط ولكنها مختلفة في الأحجام والأشكال، فمنها الكبير والصغير والضخم والدقيق... إلخ، فهل يلزم من ذلك أن أعينهم متماثلة بالكيفية والجزئية؟!
ولله المثل الأعلى، فإننا نؤمن ونثبت ما أثبته الله Q وما أثبته النبي ص وأهل بيته الطاهرين † من الصفات، كالعين وغيرها من الصفات الثابتة، من غير تحريف ولا تكييف ولا مماثلة، ونقول: نؤمن ونثبت هذه الصفات، وليس كمثله شيء.
فإذا قال المنكرون:
أنتم تثبتون الصفات بظاهر الآية والحديث، من غير تأويل ولا تكييف ولا تمثيل، والله Q يقول: * - رضي الله عنهم - - ( الله أكبر ( - - ( - - - جل جلاله -( - ( - ((- صلى الله عليه وسلم - - ( - & [الطور:48] والظاهر من الآية على حسب طريقتكم أنكم جعلتم النبي ص في عين الله أو في وسطها لوجود الباء الظرفية في كلمة * - - - جل جلاله -( - ( - ((- صلى الله عليه وسلم - - ( - & أي: داخل أعيننا، فإن قلتم بهذا كفرتم، لأنكم جعلتم الله محلًا للخلائق، فأنتم حلولية، وإن لم تقولوا به تناقضتم!
فالجواب:
إن القرآن نزل وفق لغة العرب، والباء تستعمل في استعمالات عدة، وهنا استعملت لتفيد معنى المصاحبة، فإذا قلت: أنت بعيني؛ يعني: أن عيني تصحبك وتنظر إليك، لا تنفك عنك؛ فالمعنى: أن الله Q يقول لنبيه: اصبر لحكم الله؛ فإنك محوط بعنايتنا وبرؤيتنا لك بالعين حتى لا ينالك أحد بسوء.
ولا يمكن أن تكون الباء هنا للظرفية؛ لأنه يقتضي أن يكون رسول الله ص في عين الله، وهذا محال.
وأيضًا؛ فإن رسول الله ص خوطب بذلك وهو في الأرض، فإذا قلتم: إنه كان في عين الله! كانت دلالة القرآن كذبًا.
وقال المنكرون أيضًا:
(145/212)
إن الله Q ذكر «العين» بصيغة الجمع، كما في قوله تعالى: * - ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - تم بحمد الله - - عليه السلام - - ( - ( - ((- صلى الله عليه وسلم - - ( - & [القمر:14]، وفي قوله: * - رضي الله عنهم - - ( الله أكبر ( - - ( - - - جل جلاله -( - ( - ((- صلى الله عليه وسلم - - ( - & [الطور:48]، وبصيغة المفرد كما في قوله تعالى:
* - رضي الله عنهم -( - - جل جلاله -((( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ((( - ( - - رضي الله عنه -( (((( & [سورة طه]، فكيف تخرجون من هذا التناقض؟ وكم عين لله إذًا؟
والجواب من وجوه:
أولًا: لا تعارض بين الآيات، وذلك لأن المفرد المضاف يعم فيشمل كل ما ثَبَت لله من عين، وحينئذٍ لا منافاة بين المفرد وبين الجمع أو التثنية.
وإن كان أقل الجمع اثنين؛ فلا منافاة؛ لأننا نقول: هذا الجمع دال على اثنتين؛ فلا ينافيه، وإن كان أقل الجمع ثلاثة؛ فإن هذا الجمع لا يُراد به الثلاثة، وإنما يراد به التعظيم والتناسب بين ضمير الجمع وبين المضاف إليه.
ثانيًا: أن قوله تعالى: * - ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - تم بحمد الله - - عليه السلام - - ( - ( - ((- صلى الله عليه وسلم - - ( - & [القمر:14]، وقوله: * - رضي الله عنهم - - ( الله أكبر ( - - ( - - - جل جلاله -( - ( - ((- صلى الله عليه وسلم - - ( - & [الطور:48] وقوله: * - رضي الله عنهم -( - - جل جلاله -((( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ((( - ( - - رضي الله عنه -( (((( & [سورة طه] معناها واحد ويفيد الاعتناء والحفظ والحفاوة من الله Q لأوليائه، وهذا كما يقال على لسان العرب: أنت بعيني وبقلبي... إلخ، وعلى ضوء هذا البيان نكون بذلك أثبتنا صفة العين لله Q مع تفسيرها، مخالفين مذهب من أنكر صفة العين وصرف معناها.
(145/213)
ثالثًا: أنه قد دل الحديث الصحيح كما أسلفنا(1) عن الرسول ص وأهل بيته الطاهرين أن لله Q عينين اثنتين فقط، حين وصف الدجال وقال: «وإن ربكم Q ليس بأعور». ولا يقال «أعور» في اللغة العربية إلا لعور العين، وهذا يدل على أن لله تعالى عينين اثنتين فقط لا مثيل ولا شبيه لهما، ولا نعرف كيفيتهما، ونقول كما قال
الله Q عن نفسه: * { { ( - - - (( مقدمة ( - ( الله ( - - - ((( - - ( } - عليه السلام - قرآن كريم ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( - ( - - - - - - ( - - ((- رضي الله عنه - - ( - - - (((( & [سورة الشورى].
ثالثًا: صفة الكلام:
الكلام صفة من صفات الله Q، وهو كلام حقيقي، يتكلم به الله متى شاء، كيف شاء، بما شاء، بحرف وصوت لا يماثل أصوات المخلوقين.
ولهذا كان القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق.
قال تعالى: * ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - رضي الله عنهم - - ((- صلى الله عليه وسلم - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - - - - - - - ( - - رضي الله عنه - فهرس (((( & [سورة النساء].
وقال تعالى: * ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - رضي الله عنهم - - ((- صلى الله عليه وسلم - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - - - الله - - ( - ((((( & [سورة النساء].
وقال تعالى: * ( - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - - - - - ( - - - ( - } - (((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنه -((( - - - المحتويات - رضي الله عنه - - ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله & [المائدة:116].
__________
(1) انظر: (ص:203) من هذا الكتاب.
(145/214)
وقال تعالى: * - المحتويات ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - - - (- رضي الله عنهم - - قرآن كريم ( تم بحمد الله - - - - ( - ( تمهيد - - ((((( & [سورة النساء].
وقال تعالى: * - - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم - (- رضي الله عنهم - - قرآن كريم ( تم بحمد الله - - عليه السلام - - ( - ( - { - ( - ( - (( مقدمة - رضي الله عنهم - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( مقدمة - - - عليه السلام - - & [الأعراف:143].
وقال تعالى: * ( مقدمة (- عليه السلام - - ( - - رضي الله عنهم - - (- رضي الله عنه - الله أكبر - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ( الله أكبر - - رضي الله عنهم - - ( - قرآن كريم - ( - - - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - ( - - } - - ( مقدمة (- عليه السلام - - ( - { - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - ( - صدق الله العظيم - عز وجل - (((( & [سورة مريم].
وقال تعالى: * - - رضي الله عنهم - - ( - - - رضي الله عنهم - - - - رضي الله عنه - الله أكبر - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنهم - - ( - - - - عليه السلام - - ( بسم الله الرحمن الرحيم - - - صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنهم - - ( - { - ( - - صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه -( - - رضي الله عنهم - - ( - ( - ( - ( - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - } ( - - - & [الأعراف:22].
(145/215)
وقال تعالى: * ( تمت ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - رضي الله عنه - فهرس - صلى الله عليه وسلم - - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله - ((( - ( - ((( - ( - - - - - - عليه السلام - - - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - - ( - - - ( فهرس ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - ( - (( - - رضي الله عنهم - مقدمة - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنهم - - ( - - - - المحتويات ( فهرس - - - ( - - - & [التوبة:6].
وقال تعالى: * ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت - - - ( - - ( - - ( ( المحتويات ( - (- جل جلاله -( } تم بحمد الله - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((- رضي الله عنهم - - ( - - - - المحتويات ( فهرس - - - ( - - - - بسم الله الرحمن الرحيم ( بسم الله الرحمن الرحيم (( مقدمة - رضي الله عنه - الله أكبر قرآن كريم ((( - - { - رضي الله عنه -( - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ((- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( فهرس قرآن كريم ( - - { - رضي الله عنه -( ( المحتويات ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - قرآن كريم ( - فهرس - ((- رضي الله عنه - - (((( & [سورة البقرة].
وعن أبي عبدالله قال: قال رسول الله ص: «لقد أسرى بي ربي Q، فأوحى إليَّ من وراء حجاب ما أوحى، وكلمني بما كلم به، وكان مما كلمني به أن قال: يا محمد، إني أنا الله لا إله إلا أنا عالم الغيب والشهادة»(1).
__________
(1) بحار الأنوار: (53/68).
(145/216)
وفي إعلام الورى: كان رسول الله ص لا يكف عن عيب آلهة المشركين ويقرأ عليهم القرآن، فيقولون: هذا شعر محمد، ويقول بعضهم: بل هو كهانة، ويقول بعضهم: بل هو خطب، وكان الوليد بن المغيرة شيخًا كبيرًا وكان من حكام العرب يتحاكمون إليه في الأمور وينشدونه الأشعار، فما اختاره من الشعر كان مختارًا، وكان له بنون لا يبرحون من مكة، وكان له عبيد عشرة، عند كل عبد ألف دينار يتّجر بها، وَمَلَكَ القنطار في ذلك الزمان، والقنطار جلد ثور مملوء ذهبًا، وكان من المستهزئين برسول الله ص، وكان عم أبي جهل بن هشام، فقال له: يا أبا عبد شمس، ما هذا الذي يقول محمد، سحر أم كهانة أم خطب؟ فقال: دعوني أسمع كلامه، فدنا من رسول الله ص وهو جالس في الحجر، فقال: يا محمد، أنشدني من شعرك؟ قال: «ما هو بشعر، ولكنه كلام الله الذي بعث أنبياءه ورسله»(1).
وعن أبي معمر السعداني: أن رجلًا أتى أمير المؤمنين ؛، فقال: يا أمير المؤمنين، إني قد شككت في كتاب الله المنزل، قال له علي: ثكلتك أمك... إلى أن قال: فإياك أن تفسر القرآن برأيك حتى تفقهه عن العلماء، فإنه رُبَّ تنزيل يشبه كلام البشر وهو كلام الله، وتأويله لا يشبه كلام البشر، كما ليس شيء من خلقه يشبهه، كذلك لا يشبه فعله تبارك وتعالى شيئًا من أفعال البشر، ولا يشبه شيء من كلامه كلام البشر(2).
__________
(1) إعلام الورى: (41)، بحار الأنوار: (17/186).
(2) مستدرك الوسائل: (17/326)، التوحيد: (265).
(145/217)
ونقل المجلسي في بحاره عن الطبرسي أنه قال في قوله تعالى: * ( - ( - - ((- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم -( - { - فهرس - ( { ( مقدمة ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - - ( - - - ( - - (- رضي الله عنه - الله أكبر - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( - صدق الله العظيم ( - ( - - - & [الجن:1] أي: استمع القرآن طائفة من الجن، وهم جيل رقاق الأجسام خفية على صورة مخصوصة بخلاف صورة الإنسان والملائكة، فإن الملك مخلوق من النور، والإنس من الطين، والجن من النار، فقالوا -أي الجن- بعضها لبعض: * - ( الله أكبر ( { - - - جل جلاله -(((( - - - ( الله أكبر - - عليه السلام -(( - ( - - - جل جلاله - - { - - - ((( & [سورة الجن] العجب ما يدعو إلى التعجب منه لخفاء سببه وخروجه عن العادة * ( - ( - ( - - عليه السلام - - - فهرس - ( { ( - ( { - - - - - & أي: الهدى * - } - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - رضي الله عنه -( - ( (( مقدمة ( - & [الجن:2] أي: بأنه من عند الله * صدق الله العظيم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - ( - (( - - - - - عليه السلام - - ( فهرس - - رضي الله عنه - - ( - - - جل جلاله - - - رضي الله عنه - فهرس - صلى الله عليه وسلم - - ((( & [سورة الجن] فنوجه العبادة إليه، وفيه دلالة على أنه ص كان مبعوثًا إلى الجن أيضًا وأنهم عقلاء مخاطبون وبلغات العرب عارفون، وأنهم يميزون بين المعجز وغير المعجز، وأنهم دعوا قومهم إلى الإسلام وأخبروهم بإعجاز القرآن وأنه كلام الله تعالى(1).
__________
(1) بحار الأنوار: (18/79).
(145/218)
وجاءت النصوص والأخبار الدالة على تعظيم مدرسة آل بيت النبي† لكلام الله؛ فعن عثمان بن عيسى قال: سألته «الإمام الصادق ؛» عن بيع المصاحف وشرائها، فقال: لا تشتر كلام الله، ولكن اشتر الحديد والجلود والدفتر، وقل: أشتري هذا منك بكذا وكذا(1).
وعن أبي عبد الله ؛ قال: تعلموا العربية؛ فإنها كلام الله الذي تكلم به خلقه «ونطقوا به الماضين» وبلغوا بالخواتيم(2).
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله ص: «إن الله Q ناجى موسى بن عمران بمائة ألف كلمة وأربعة وعشرين ألف كلمة في ثلاثة أيام ولياليهن، ما طعم فيها موسى ولا شرب فيها، فلما انصرف إلى بني إسرائيل وسمع كلام الآدميين مقتهم لما كان وقع في مسامعه من حلاوة كلام الله Q»(3).
بل إن النبي ص كان يذّكر أصحابه بكلام الله ووجوب تعظيمه، ومن أمثلة ذلك: عن أبي عبد الله ؛ قال: كان رسول الله ص إذا أراد أن يبعث سرية دعاهم فأجلسهم بين يديه، ثم يقول: «سيروا باسم الله وبالله، وفي سبيل الله، وعلى ملة رسول الله، لا تغلوا ولا تمثلوا ولا تغدروا ولا تقتلوا شيخًا فانيًا ولا صبيًا ولا امرأة، ولا تقطعوا شجرًا إلا أن تضطروا إليها، وأيما رجل من أدنى المسلمين أو أفضلهم نظر إلى رجل من المشركين فهو جار حتى يسمع كلام الله، فإن تبعكم فأخوكم في الدين، وإن أبى فأبلغوه مأمنه واستعينوا بالله عليه»(4).
__________
(1) وسائل الشيعة: (17/158).
(2) وسائل الشيعة: (5/84)، وانظر أيضاً: الخصال: (1/258).
(3) الخصال: (2/641)، بحار الأنوار: (13/344)، القصص للجزائري: (304).
(4) الكافي: (5/27)، تهذيب الأحكام: (6/138).
(145/219)
وقال الرسول ص: «من كان له إلى الله تعالى حاجة فليقل خمس مرات: «ربنا» يُعْطَ حاجته، ومصداق ذلك في كلام الله في قوله تعالى: * - - عليه السلام - - ( - - عليه السلام - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - تمهيد ( { فهرس - - رضي الله عنهم - - - - - (- رضي الله عنهم - - الله - (((- رضي الله عنه - - & [آل عمران:191] إلى آخر الآيات فيها «ربنا» خمس مرات، ثم قال تعالى: * - - - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - - ( - - - - ( ( المحتويات ( - - - ( المحتويات ( - - - - عليه السلام - - & [آل عمران:195]»(1).
وقد أنكر بعضهم صفة الكلام لله Q، وقالوا: إن القرآن ليس بكلام الله، وإن الله لا يتكلم، وأن الكلام مخلوق، ألا تقرؤون قول الله Q: * ( - - - ( - ( - (- رضي الله عنهم - - (- صلى الله عليه وسلم - - ( - - ((( - ( } - عليه السلام - قرآن كريم ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - فهرس - - رضي الله عنه -( (- صلى الله عليه وسلم - - ( - - ((( - ( ( - - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (((( & [سورة الزمر].
والجواب من وجوه:
أولًا: إن كلام الله تعالى، صفة من صفاته، وصفات الخالق لا تشبه صفات المخلوق، قال تعالى: * { { ( - - - (( مقدمة ( - ( الله ( - - - ((( - - ( & [الشورى:11].
__________
(1) مستدرك الوسائل: (5/219).
(145/220)
ثانيًا: أن مثل هذا التعبير * (- صلى الله عليه وسلم - - ( - - ((( - ( & عام قد يراد به الخاص؛ مثل قوله تعالى عن ملكة سبأ: * ( تمهيد - عليه السلام - - ( - - صلى الله عليه وسلم -( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله (- صلى الله عليه وسلم - - ( - - ((( - ( & [النمل:23] وقد خرج شيء كثير لم يدخل في ملكها منه شيء؛ مثل ملك سليمان، وقال عن الريح: * ( - ( } تم بحمد الله - رضي الله عنهم - - ( - } - ( - { ((( - ( ( - ( تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - ( - - { - ( - - - عليه السلام - - & [الأحقاف:25]، ثم قال: * } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - - ((- صلى الله عليه وسلم - - - ( - صدق الله العظيم - - - رضي الله عنه - - ( - - صدق الله العظيم ( { ( المحتويات ( - ( { ( - ( - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله & [الأحقاف:25]، فلم تدمر المساكن.
ثالثًا: وإذا قلنا: إن كلام الله مخلوق، لزم عن ذلك عدة أمور، منها:
1- تكذيب القرآن؛ لأن الله يقول: * - رضي الله عنهم - - ( - ( - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - عليه السلام - - ( - - رضي الله عنهم - مقدمة (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( { - } فهرس - صلى الله عليه وسلم -( - ( صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله - - رضي الله عنه - الله أكبر ( - ( تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - & [الشورى:52]. فجعله الله تعالى موحيًا إلى الرسول ص، ولو كان مخلوقًا؛ ما صح أن يكون موحيًا به، فإذا كان وحيًا؛ لزم ألا يكون مخلوقًا، لأن الله هو الذي تكلم به.
(145/221)
2- إذا قلنا: إنه مخلوق؛ فإنه يلزم عن ذلك إبطال مدلول الأمر والنهي والخبر؛ لأن هذه الصيغ لو كانت مخلوقة، لكانت مجرد شكل خلق على هذه الصورة؛ كما خلقت الشمس على صورتها، والقمر على صورته، والنجم على صورته.. وهكذا.
3- وإذا قلنا: إن الكلام مخلوق، وقد أضافه إلى نفسه إضافة خلق؛ صح أن نطلق على كل كلام من البشر وغيرهم أنه كلام الله؛ لأن كل كلام الخلق مخلوق، وبهذا التزم أهل الحلول والاتحاد، حيث يقول قائلهم:
وكل كلام في الوجود كلامه ... ... سواء علينا نثره ونظامه
وهذا اللازم باطل، وإذا بطل اللازم بطل الملزوم.
رابعًا: أن نقول: إذا جوّزتم أن يكون الكلام -وهو معنى لا يقوم إلا بمتكلم- مخلوقًا؛ لزمكم أن تجوّزوا أن تكون جميع صفات الله مخلوقة؛ إذ لا فرق؛ فقولوا إذًا: سمعه مخلوق، وبصره مخلوق... وهكذا.
رابعًا: صفة اليد:
ومن الصفات التي ثبتت لله Q صفة اليد، وهي صفة حقيقية تليق بجلاله، ولا مثيل لها ولا نعرف كيفيتها، وهي من الصفات الخبرية الغيبية التي ليس للعقل فيها مجال.
قال تعالى: * - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم -(- عليه السلام - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله تمت - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - ( - ( - فهرس - - - رضي الله عنهم - - ( - ( تمهيد ( { فهرس - - رضي الله عنهم - - - - - رضي الله عنهم - - - عليه السلام - - ( - & [ص:75].
(145/222)
وقال تعالى: * ( تمهيد - - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - ( - - - ( - - رضي الله عنه - - ( - - - ( - - - قرآن كريم ( - ((- رضي الله عنه - تم بحمد الله - ( تمهيد ( - (( ( المحتويات ( - - ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - } - قرآن كريم (- جل جلاله -((( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - (( - } - قرآن كريم ( - - - - - ( - - رضي الله عنه - - ( فهرس - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - - ( تمت - - رضي الله عنه - - - ( قرآن كريم ( - ( تمهيد - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - ((- جل جلاله -( - - رضي الله عنهم - - ( - - - (( - - - رضي الله عنه -( - - & [المائدة:64].
وقال تعالى: * - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - - صلى الله عليه وسلم -( - - رضي الله عنهم - - - - { - - - } - - رضي الله عنهم - مقدمة (( فهرس ( - ( - - - ((( - - } - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - جل جلاله -( - ( - - رضي الله عنهم - - (( مقدمة ( - - (( تمهيد - - - رضي الله عنه - بسم الله الرحمن الرحيم ( قرآن كريم - رضي الله عنه - - ( { - رضي الله عنهم - - (- عليه السلام - - ( { ( - - - ( - (- عليه السلام - قرآن كريم (- رضي الله عنهم - - - - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - تمهيد (( - ( قرآن كريم ((- رضي الله عنه - تم بحمد الله (( مقدمة (- جل جلاله - - ( - - عليه السلام - - ( - - (( مقدمة - - جل جلاله -(- رضي الله عنهم - - ( - ( - - - فهرس - (- رضي الله عنهم -( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - - رضي الله عنه -( - - قرآن كريم ( - ( - ((( - (((( & [سورة الزمر].
(145/223)
وعن أبي جعفر قال: قال رسول الله ص: «المتحابون في الله يوم القيامة على أرض زبرجدة خضراء في ظل عرشه عن يمينه، وكلتا يديه يمين، وجوههم أشد بياضًا، وأضوأ من الشمس الطالعة، يغبطهم بمنزلتهم كل ملك مقرب وكل نبي مرسل، يقول الناس: من هؤلاء؟ فيقال: هؤلاء المتحابون في الله»(1).
وقد أنكر بعضهم صفة اليد لله Q، وقالوا: إن المراد باليد «القوة والنعمة» وقالوا أيضًا: لا يمكن أن نثبت لله يدًا حقيقية؛ لأنه يلزم من ذلك التجسيم لله Q.
والجواب من وجوه:
أولًا: أن تفسير اليد بالقوة والنعمة مخالف لظاهر اللفظ، وما كان مخالفًا لظاهر اللفظ مردود إلا بدليل.
ثانيًا: يمتنع غاية الامتناع أن يراد باليد النعمة أو القوة في مثل قوله: * - - رضي الله عنهم - - ( - ( تمهيد ( { فهرس - - رضي الله عنهم - - - - - رضي الله عنهم - - - عليه السلام - - ( - & [ص:75]، لأنه يستلزم أن تكون النعمة نعمتين فقط، ونعم الله لا تحصى!!
ويستلزم أن القوة قوتان، والقوة بمعنى واحد لا تتعدد، فهذا التركيب يمنع غاية المنع أن يكون المراد باليد القوة أو النعمة.
__________
(1) الكافي: (2/126)، وانظر أيضاً: بحار الأنوار: (7/159).
(145/224)
ثالثًا: قال تعالى: * - رضي الله عنه - - - - - ( { - ( - ( - ( - ((- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم -(- عليه السلام - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله تمت - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - ( - ( - فهرس - - - رضي الله عنهم - - ( - ( تمهيد ( { فهرس - - رضي الله عنهم - - - - - رضي الله عنهم - - - عليه السلام - - ( - } - المحتويات ( - - رضي الله عنهم - - ( - - رضي الله عنه - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - ( بسم الله الرحمن الرحيم - صلى الله عليه وسلم - - - تمهيد - ( - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - رضي الله عنه -( - ( - - - رضي الله عنهم -(( - - - (((( & [سورة ص] فلو كان المراد باليد في الآية (القوة)؛ ما كان لآدم فضل وخصوصية على خلق إبليس، بل ولا على أي جماد؛ لأنهم كلهم سيكونون قد خلقوا بقوة الله، فتشابهوا من هذه الجهة، والله هو القوي على كل شيء، وقوة الله ظاهرة في كل أمر، ولما صح الاحتجاج على إبليس؛ إذ إن إبليس سيقول: وأنا يارب خلقتني بقوتك؛ فما فضله عليَّ؟!
رابعًا: يقال: إن هذه اليد التي أثبتها الله جاءت على وجوه متنوعة يمتنع أن يراد بها النعمة أو القوة؛ فجاء فيها القبض والبسط واليمين، وكل هذه يمتنع أن يراد بها القوة؛ لأن القوة لا توصف بهذه الأوصاف.
خامسًا: لا يلزم من إثبات اليد لله Q أن نمثل الخالق بالمخلوقين، فكل المخلوقات من البشر والحيوانات لهم أيدي، متشابهة في الأسماء ولكنها مختلفة في الأحجام والشكل، منها الكبير والصغير، والقصير والطويل... إلخ، فهل يلزم من ذلك أن أيديهم متشابهة ومتماثلة.
(145/225)
فلا يلزم من هذا مماثلة صفة الخالق للمخلوق، فعلينا أن نؤمن ونثبتها بهذه الصفة وغيرها من الصفات الثابتة لله Q، من غير تمثيل ولا تكييف، ونقولُ: * { { ( - - - (( مقدمة ( - ( الله ( - - - ((( - - ( } - عليه السلام - قرآن كريم ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( - ( - - - - - - ( - - ((- رضي الله عنه - - ( - - - (((( & [سورة الشورى].
خامسًا: صفة الضحك:
الضحك صفة من الصفات التي أثبتها النبي ص، وهي صفة حقيقية تليق بجلال الله Q لا يماثل ضحك المخلوقين ولا يجوز تكييفه، ولا أن نقول بأن لله فمًا وأسنانًا وما أشبه ذلك، ولكن نثبت الضحك لله على وجه يليق به - سبحانه وتعالى -.
قال أمير المؤمنين ؛: يضحك الله Q إلى رجل في كتيبة يعرض لهم سبع أو لص فحماهم أن يجوزوا(1).
وعن أمير المؤمنين ؛ أنه قال: ثلاثة يضحك الله إليهم يوم القيامة: رجل يكون على فراشه مع زوجته وهو يحبها، فيتوضأ ويدخل المسجد فيصلي ويناجي ربه، ورجل أصابته جنابة فلم يصب ماء فقام إلى الثلج فكسره ثم دخل فيه واغتسل، ورجل لقي عدوًا وهو مع أصحابه فجاءهم مقاتل فقاتل حتى قتل(2).
ومع كل هذه النصوص المباركة إلا أن هناك بعض الناس أنكروا صفة الضحك
لله Q، وقابلوا النصوص الصريحة بالتأويل الفاسد، فحرفوا معنى الضحك إلى الرضا بالثواب أو بإرادة الثواب.
وقالوا: إن المراد بالضحك هو الرضا؛ لأن الإنسان إذا رضِيَ عن الشيء سُرَّ به وضحك، والمراد بالرضا الثواب أو إرادة الثواب.
وقالوا: يلزم أيضًا من إثبات صفة الضحك لله تعالى أن يكون مماثلًا للمخلوقين.
وتفنيد هذه الشبه من وجوه، منها:
__________
(1) الكافي: (5/54)، وسائل الشيعة: (15/141).
(2) مستدرك الوسائل: (1/487)، الاختصاص: (188)، بحار الأنوار: (75/32).
(145/226)
أولًا: أن قولهم بأن المراد بالضحك الرضا والثواب فهو قول باطل، وهو تحريف للكلم عن مواضعه، فما الذي أدراكم أن المراد به الرضا والثواب؟!
فأنتم الآن قلتم على الله ما لا تعلمون من وجهين:
الوجه الأول: صرفتم النص عن ظاهره بلا علم.
الوجه الثاني: أثبتم له معنىً خلاف الظاهر بلا علم.
ثم نقول لهم: ما تقولون في الإرادة؟ إذا قلتم: إنها ثابتة لله Q؛ فإن قاعدتكم تنتقض؛ لأن للإنسان إرادة؛ كما قال تعالى: * المحتويات ( تمهيد - جل جلاله -( تم بحمد الله صدق الله العظيم } تم بحمد الله ( - - ( - ( - - - عليه السلام - - ( الله أكبر - - - - - المحتويات ( تمهيد - جل جلاله -( تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم } تم بحمد الله ( - - ( - ( - فهرس - - رضي الله عنه - - ( - - - رضي الله عنهم - - - & [آل عمران:152].
فللإنسان إرادة، بل للجدار إرادة؛ كما قال تعالى: * - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم - عليه السلام - قرآن كريم - ( - { - - (( - - جل جلاله - - - - رضي الله عنهم - - ( صدق الله العظيم ( - - ( - ( - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - ( - { - - رضي الله عنه - - (( مقدمة - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - - - صلى الله عليه وسلم - - - ( & [الكهف:77].
فأنتم إما أن تنفوا الإرادة عن الله Q كما نفيتم ما نفيتموه من الصفات، وإما أن تثبتوا لله Q ما أثبته لنفسه، وإن كان للمخلوق نظيره في الاسم لا في الحقيقة.
(145/227)
ثانيًا: القول بأنه يلزم من إثبات صفة الضحك لله أن يكون مماثلًا للمخلوقين، فهذا باطل أيضًا، لأن الذي قال: «يضحك» هو الذي أنزل عليه قوله تعالى: * { { ( - - - (( مقدمة ( - ( الله ( - - - ((( - - ( } - عليه السلام - قرآن كريم ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( - ( - - - - - - ( - - ((- رضي الله عنه - - ( - - - (((( & [سورة الشورى].
ومن جهة أخرى؛ فالنبي ص لا يتكلم في مثل هذا إلا عن وحي؛ لأنه من أمور الغيب، ليس من الأمور الاجتهادية التي قد يجتهد فيها الرسول ص، ثم يقره الله على ذلك أو لا يقرُّه، ولكنه من الأمور الغيبية التي يتلقاها الرسول ص عن طريق الوحي.
سادسًا: صفة الغضب والسخط والكراهية والبغض:
ومن الصفات التي ثبتت لله Q صفة الغضب والسخط والكراهية والبغض، وهي من الصفات الحقيقية الثابتة لله Q اللائقة بجلاله، لا تماثل صفات المخلوقين، ولا نعرف كيفيتها.
قال تعالى: * صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - ( { - رضي الله عنه - - - - جل جلاله -- جل جلاله -( تم بحمد الله ( - ( تم بحمد الله - - جل جلاله - - ( - - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنه - - - تم بحمد الله (( فهرس (- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - - ( ( بسم الله الرحمن الرحيم } - جل جلاله -- رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم - - - - - ( - (- رضي الله عنهم - - - { - - (( - - (( - (- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - - ( مقدمة ( - فهرس - - رضي الله عنه -( (( مقدمة - عليه السلام - - - رضي الله عنهم -( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - & [النساء:93].
(145/228)
وقال تعالى: * - درهم ( - ( - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( - } - قرآن كريم ((- رضي الله عنه - - } - - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - (- رضي الله عنهم - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - { - - - } - قرآن كريم ( - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( مقدمة - رضي الله عنه - الله أكبر (- عليه السلام - قرآن كريم ((( - & [محمد:28].
وقال تعالى: * - - - - فهرس - - ( - - رضي الله عنه - الله أكبر قرآن كريم ((- رضي الله عنهم - - - - عليه السلام -( - - - جل جلاله -( - - { - رضي الله عنه - - الله أكبر - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - (- جل جلاله -( تم بحمد الله & [الزخرف:55].
وقال تعالى: * صدق الله العظيم ( - ( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - فهرس ( - - - ( - - - ( المحتويات ( - - صلى الله عليه وسلم - بسم الله الرحمن الرحيم - - رضي الله عنهم -(( - - الله أكبر - - ( المحتويات ( - - (( - - - - ( & [التوبة:46].
وعن خالد أن رسول الله ص قال: «من عادى عمارًا عاداه الله، ومن أبغض عمارًا أبغضه الله»(1).
وعن النبي ص أنه قال: «من أسخط والديه فقد أسخط الله، ومن أغضبهما فقد أغضب الله»(2).
وقال الرسول ص عن فضل قريش والأنصار: «من أبغض قريشًا أبغضه الله... ومن أبغض الأنصار أبغضه الله (3).
وعن رسول الله ص أنه قال: «إن الله كره لكم ثلاثًا: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال، ونهى عن عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومِنْ منع وهات»(4).
__________
(1) بحار الأنوار: (41/196).
(2) مستدرك الوسائل: (15/193).
(3) باختصار من كتاب الاحتجاج: (1/145).
(4) مستدرك الوسائل: (7/223).
(145/229)
وعن جعفر بن محمد عن آبائه في وصية النبي ص لعلي ؛ قال: «وكره الله لأمتي الغسل تحت السماء إلا بمئزر، وكره دخول الأنهار إلا بمئزر؛ فإن فيها سكانًا من الملائكة»(1).
وقد أنكر بعضهم تلك الصفات الثابتة لله Q، وقالوا: إن الله لا يغضب ولا يسخط ولا يكره ولا يبغض، وإن المراد هو الانتقام؛ أو إرادة الانتقام، لأن تلك الصفات صفات المخلوقين، ولا يجوز لنا أن نشبّه الخالق بالمخلوق.
والجواب عن هذه الدعوى من وجوه... منها:
أولًا: أن السخط والغضب غير الانتقام، والانتقام نتيجة الغضب والسخط، كما نقول: إن الثواب نتيجة الرضا، فالله - سبحانه وتعالى - يسخط على هؤلاء القوم ويغضب عليهم ثم ينتقم منهم.
وإذا قال قائل: إن العقل يمنع ثبوت السخط والغضب لله Q.
فنقول: بل العقل يدل على السخط والغضب، فإن الانتقام من المجرمين وتعذيب الكافرين دليل على السخط والغضب.
ونقول: وقوله تعالى: * - - - - فهرس - - ( - - رضي الله عنه - الله أكبر قرآن كريم ((- رضي الله عنهم - - - - عليه السلام -( - - - جل جلاله -( - - { - رضي الله عنه - - الله أكبر - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - (- جل جلاله -( تم بحمد الله & يردُّ على المنكر؛ لأنه جعل الانتقام غير الغضب وهو الأسف؛ لأن الشرط غير المشروط.
ثانيًا: قولهم بأن تلك الصفات تشابه صفات المخلوقين قول باطل من وجهين:
الوجه الأول: أن الله Q أثبت لنفسه تلك الصفات في كتابه، وهو أعلم بنفسه، وأثبتها أيضًا نبيه محمد ص وأهل بيته الطاهرين وأنتم تنفون تلك الصفات وتحرفونها، فهل أنتم أعلم من الله بنفسه، وأعلم من الرسول ص ومن أهل بيته؟!!
الوجه الثاني: أن الغضب والسخط والكراهية والبغض يتفاوت بين المخلوقات في المماثلة والكيفية ولله المثل الأعلى، فكيف نصف الخالق بصفات المخلوق!!!
__________
(1) وسائل الشيعة: (2/41).
(145/230)
والأمر بيّن لا خفاء فيه لمن وضع الأمور في مواضعها حسب ما جاء في الكتاب والسنة الصحيحة وفق فهم آل بيت النبي † وهم أهل اللغة العربية وخير من فهم مرادها.
سابعًا: صفة العلو والاستواء:
يؤمن المسلم بأن الله Q في السماء مستوٍ على عرشه استواء يليق بجلاله، لا يماثل استواء المخلوقين، ولا نعرف كيفيته، وقد أثبت الله Q استواءه على العرش في مواضع من كتابه، منها:
قال تعالى: * } تمت ( { ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - - عليه السلام - - ( - - - - ( - { - - - - رضي الله عنه - - فهرس - - رضي الله عنهم - } ( المحتويات (- عليه السلام - قرآن كريم (- رضي الله عنهم - - - - - - - - عليه السلام -(( - - } - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (( ( { ( - ( - - الله - ( - - صلى الله عليه وسلم - - { المحتويات ( بسم الله الرحمن الرحيم - - - عليه السلام - قرآن كريم - رضي الله عنه - - ( - - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ((( - - رضي الله عنهم -(( - - - & [يونس:3].
وقال تعالى: * ( - - - - ( - { - - - - رضي الله عنهم -( - (- عليه السلام - - ( المحتويات (- عليه السلام - قرآن كريم (- عليه السلام - - - - - - - ( - ( - - رضي الله عنه -(( - - - - عليه السلام - - - ( - { - - رضي الله عنه - - (- صلى الله عليه وسلم -- رضي الله عنه - - - - } { المحتويات ( بسم الله الرحمن الرحيم - - - عليه السلام - قرآن كريم - رضي الله عنه - - ( - - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ((( - - رضي الله عنهم -(( - - - & [الرعد:2].
وقال تعالى: * ( صدق الله العظيم ( - - ( قرآن كريم { - - - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ((( - - رضي الله عنهم -(( - - - - - - عليه السلام - قرآن كريم - رضي الله عنه - - ( - - - ((( & [سورة طه].
(145/231)
وقال تعالى: * - بسم الله الرحمن الرحيم ( بسم الله الرحمن الرحيم - - - عليه السلام - قرآن كريم - رضي الله عنه - - ( - - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ((( - - رضي الله عنهم -(( - - - - ( صدق الله العظيم (- رضي الله عنهم - - ( مقدمة { - - - - & [الفرقان:59].
وقال تعالى عن علوه في السماء: * - ( - } - (((- رضي الله عنه - - - ( - الله أكبر ( { - درهم - ( - (- عليه السلام - قرآن كريم - رضي الله عنه - - ( تم بحمد الله - رضي الله عنهم - - (((( - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - { - فهرس - ( { &
[آل عمران:55].
وقال تعالى: * - - رضي الله عنه - - ( مقدمة - رضي الله عنهم -( - ( { - ( - - - ( مقدمة ( - - - ( { & [النساء:158].
وقال تعالى: * ( مقدمة ( - - - ( { ( - - رضي الله عنهم -(((- رضي الله عنه - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - - ( - - - ( - ( - - { ( - - - ( - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم -(( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - ( - ( - - - (( مقدمة (( - (( - - رضي الله عنه - - & [فاطر:10]
(145/232)
وقال تعالى عن فرعون: * - رضي الله عنه - - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( تمت ( قرآن كريم - رضي الله عنه -(( - (( ( صدق الله العظيم (- رضي الله عنهم - - (- رضي الله عنهم - - (- رضي الله عنه - - (((( - - - ( - - } فهرس ( - - ( ( - ( - - - رضي الله عنهم -( { - ((( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - - (- رضي الله عنه - - ( - - } - - (((( - - (- رضي الله عنه - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات (- عليه السلام - قرآن كريم (- رضي الله عنهم - - - - - - - - رضي الله عنهم -(( - { (- صلى الله عليه وسلم - - - ( - - فهرس - ( { ( مقدمة ( - - ( { - (- رضي الله عنهم - - قرآن كريم ( تم بحمد الله - ( - الله أكبر ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( مقدمة - - (( - } - - - ( - ( - - & [غافر:36-37].
(145/233)
وقال تعالى: * - ((- جل جلاله -( تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -( صدق الله العظيم } تم بحمد الله - (( (( - - - رضي الله عنهم - - - - - - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - ( - ( - - - ( المحتويات ( - ( - - عليه السلام -(( - - } - - - - - ( - - ( - - ( - ( - قرآن كريم ( - - - (((( ( بسم الله الرحمن الرحيم - صلى الله عليه وسلم - - - ((- جل جلاله -( تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم } تم بحمد الله - (( (( - - - رضي الله عنهم - - - - - - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - - ( - ( - ( - ( المحتويات ( - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( - - جل جلاله - تمهيد (( - - رضي الله عنه - فهرس } - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - - ((- رضي الله عنه - - - - - ( - رضي الله عنهم - - ( - - - ( - - ( - - رضي الله عنه - الله أكبر (((( & [سورة الملك].
وعن أبي الصديق الناجي قال: خرج سليمان بن داود عليهم الصلاة والسلام يستسقي بالناس، فمر على نملة مستلقية على قفاها رافعة قوائمها إلى السماء وهي تقول: اللهم إنا خلق من خلقك ليس لنا غنى عن رزقك، فإما أن تسقينا وإما أن تهلكنا. فقال سليمان للناس: ارجعوا فقد سقاكم بدعوة غيركم(1).
__________
(1) بحار الأنوار: (61/49).
(145/234)
وعن علي ؛: أنه بعث إلى رسول الله ص من اليمن بذهبة في أديم مقروظ
-يعني: مدبوغ- بالقرظ لم تحصل من ترابها، فقسمها رسول الله ص بين خمسة نفر: الأقرع بن حابس، وعُيَيْنَةَ بن حصن بن بدر، وزيد الخيل، وعلقمة بن علاثة، وعامر بن الطفيل، فوجد في ذلك ناس من أصحاب رسول الله ص وقالوا: نحن كنا أحق بهذا. فبلغه ذلك ص، فقال: ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر السماء صباحًا ومساء (1).
وقد أنكر بعضهم صفة العلو والاستواء لله Q، وقالوا: لو كان العلو والاستواء لذات الله Q لكان الله في جهة، وإذا كان في جهة كان - سبحانه وتعالى - محدودًا وجسمًا وهذا ممتنع!
وبيان الصواب في هذا من وجوه، منها:
أولًا: أن قولهم هذا مخالف لما أثبته الله في كتابه وما أثبته نبيه ص وآل بيته الطاهرون.
ثانيًا: نقول: ما هو الحد والجسم الذي تريدونه؟
أتريدون بالحد أن شيئًا من المخلوقات كالعرش وغيره يحيط بالله Q؟ فهذا باطل ومنتفٍ عن الله، وليس بلازم في إثبات العلو أيضًا لله.
أو تريدون بالحد أن الله بائن -أي: منفصل- عن خلقه غير حال فيهم؟ فهذا حق من حيث المعنى، ولكن نحتاط فلا نطلق لفظه لا نفيًا ولا إثباتًا؛ لأننا نثبت ما أثبته الله لنفسه وما أثبته له نبيه ص فقط، من غير تمثيل ولا تكييف ولا تحريف.
وأما الجسم فنقول: ماذا تريدون بالجسم؟
أتريدون أنه جسم مركب من عظم ولحم وجلد ونحو ذلك؟
فهذا باطل ولا يجوز في حق الله؛ لأن الله * { { ( - - - (( مقدمة ( - ( الله ( - - - ((( - - ( } - عليه السلام - قرآن كريم ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( - ( - - - - - - ( - - ((- رضي الله عنه - - ( - - - (((( & [سورة الشورى].
__________
(1) دعائم الإسلام: (1/260)، وانظر: بحار الأنوار: (93/70)، مستدرك الوسائل: (7/116).
(145/235)
أم تريدون بالجسم ما هو قائم بنفسه متصف بما يليق به؟ فهذا حق من حيث المعنى، لكن لا نطلقه أيضًا لا نفيًا ولا إثباتًا، لما سبق بيانه.
وقال أهل التحريف أيضًا: إن معنى الاستواء على العرش يعني «الاستيلاء» بدعوى: أن معنى قوله تعالى: * { المحتويات ( بسم الله الرحمن الرحيم - - - عليه السلام - قرآن كريم - رضي الله عنه - - ( - - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ((( - - رضي الله عنهم -(( - - - & [الأعراف:54] أي: استولى عليه.
وقالوا: لو أثبتنا أن الله Q مستوٍ على عرشه بالمعنى الذي تقولون وهو العلو للزم من ذلك أن يكون محتاجًا إلى العرش، وهذا مستحيل!
والرد عليهم من وجوه:
أولًا: أن قولهم هذا مخالف لما أثبته الله Q في كتابه وما أثبته نبيه ص وآل بيته الطاهرون.
ثانيًا: هذا القول مخالف لظاهر اللفظ؛ لأن مادة «الاستواء» إذا تعدت بحرف «على» فهي بمعنى العلو، وهذا ظاهر في اللغة، ومواردها في القرآن وفي كلام العرب كثيرة.
ثالثًا: أنه يلزم عنه لوازم باطلة، منها:
أ- أن يكون الله Q حين خلق السموات والأرض لم يكن مستوليًا على عرشه؛ لأن الله يقول: * - رضي الله عنه - - فهرس - - رضي الله عنهم - } ( المحتويات (- عليه السلام - قرآن كريم (- رضي الله عنهم - - - - - - - - عليه السلام -(( - - } - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (( ( { ( - ( - - الله - ( - - صلى الله عليه وسلم - - { المحتويات ( بسم الله الرحمن الرحيم - - - عليه السلام - قرآن كريم - رضي الله عنه - - ( - - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ((( - - رضي الله عنهم -(( - - - & [الأعراف:54]، فمن الذي كان قبل الله ليستولي الله على العرش بعده؟
و«ثم» في اللغة تفيد الترتيب، فيلزم أن يكون العرش قبل تمام خلق السموات والأرض لغير الله!
(145/236)
ب - أن الغالب من كلمة «استولى» أنها لا تكون إلا بعد مغالبة! ولا أحد يغالب الله.
أين المفر والإله الطالب ... ... والأشرم المغلوب ليس الغالب
جـ - من اللوازم الباطلة لهذه المقولة أنه يصح أن نقول: إن الله استوى على الأرض والشجر والجبال؛ لأنه مستولٍ عليها، وهذه لوازم باطلة، وبطلان اللازم يدل على بطلان الملزوم.
وأما قولهم: يلزم أن يكون محتاجًا إلى العرش. فنقول: لا يلزم.
لأن استواءه على العرش هو استواء خاص يليق بجلاله، وهو فوق العرش غير محتاج إليه، وليس كالمخلوق يحتاج إلى ما يستوي عليه، وعليه فمعنى كونه مستويًا على العرش أنه فوق العرش ولكنه ليس محتاجًا إليه، وبهذا تبطل حججهم السلبية.
ثامنًا: صفة النزول:
ومن دلائل الإيمان بصفات الله Q إثبات صفة النزول لله Q، نزولًا حقيقيًا يليق بجلاله إلى سماء الدنيا، ولا يماثل نزوله نزول أحد من خلقه، ولا نعرف كيفية نزوله.
فعن جابر الجعفي قال: سمعت أبا عبد الله ؛ يقول: إن الله تبارك وتعالى ينزل في الثلث الباقي من الليل إلى السماء الدنيا، فينادي: هل من تائبٍ يتوب فأتوب عليه، وهل من مستغفر يستغفر فأغفر له، وهل من داعٍ يدعوني فأفك عنه، وهل من مقتور يدعوني فأبسط له، وهل من مظلوم يستنصرني فأنصره(1).
وعن أبي عبد الله ؛ قال: إن للجمعة حقًا وحرمة، فإياك أن تضيّع أو تقصر في شيء من عبادة الله والتقرب إليه بالعمل الصالح وترك المحارم كلها؛ فإن الله يضاعف فيه الحسنات، ويمحو فيه السيئات، ويرفع فيه الدرجات، قال: وذكر أن يومه مثل ليلته، فإن استطعت أن تحييها بالصلاة والدعاء فافعل؛ فإن ربك ينزل في أول ليلة الجمعة إلى سماء الدنيا، فيضاعف فيه الحسنات ويمحو فيه السيئات، وإن الله واسع كريم(2).
__________
(1) بحار الأنوار: (84/167).
(2) الكافي: (3/414)، تهذيب الأحكام: (3/3)، وسائل الشيعة: (7/375).
(145/237)
وقد أنكر أهل التحريف صفة النزول، وقالوا: ليس لله نزول، بل الذي ينزل هو أمر الله.
وقال آخرون: بل الذي ينزل رحمة الله!
وقال آخرون: بل الذي ينزل مَلَك من ملائكة الله!
وهذا جميعه باطل؛ فإن أمر الله نزوله دائم أبدًا ولا يتعلق بوقت من ليل أو نهار، ولا يختص نزوله في الثلث الأخير من الليل، كما قال سبحانه: * ( - ( فهرس - - رضي الله عنهم - - ( - - رضي الله عنه - - ( تم بحمد الله - } - - - (( تم بحمد الله (( - - - رضي الله عنهم - - - - - - - - فهرس - ( { ((( - - } - - - بسم الله الرحمن الرحيم ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - ((- رضي الله عنه - - ( مقدمة ( - - - ( { & [السجدة:5] وقال سبحانه: * ( مقدمة ( - - - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ((- رضي الله عنهم - - ( - ( - ( - ( تم بحمد الله - } - - (( - - - ( - & [هود:123].
وأما قولهم: تنزل رحمة الله إلى السماء حين يبقى ثلث الليل الآخر!
فسبحان الله! فهل الرحمة لا تنزل إلا في هذا الوقت! قال سبحانه: * - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - المحتويات ( - ( - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله - { - رضي الله عنهم - - ((( - الله أكبر - صدق الله العظيم ( - - ( ( - - - & [النحل:53]. كل النعم من الله، وهي من آثار رحمته، وهي تترى على العباد في كل وقت!!
ثم نقول: أي فائدة لنا بنزول الرحمة إلى السماء الدنيا؟!
ونقول أيضًا لمن قال: «إنه مَلك من ملائكته»: هل من المعقول أن الملك من ملائكة الله يقول: مَن يدعوني فأستجيب له... إلخ؟!
فتبين بهذا أن هذه الأقوال تحريف باطل يبطله الحديث.
وقالوا أيضًا: كيف تقولون: إن الله ينزل؟! إذا نزل فأين العلو؟
(145/238)
وإذا نزل فأين الاستواء على العرش؟ وإذا قلنا بالنزول؛ فالنزول حركة وانتقال!! وإذا نزل فالنزول حادث، والحوادث لا تقوم إلا بحادث -أي: مخلوق-!!.
فنقول: هذا جدال عقيم باطل، وبعقل فلسفي سقيم، وهو ليس بمانع من القول بحقيقة النزول وفق النصوص الواضحة الباهرة.
هل أنتم أعلم بما يستحقه الله Q من الرسول ص؟!
فالرسول ص ما قال هذه الاحتمالات أبدًا؛ وهو الحريص على تنزيه الله عن كل ما يتبادر إلى الذهن أن فيه تنقصًا لله جل وعلا.
وأنتم أيها المتأولون المخالفون تأتون الآن وتجادلون بالباطل وتقولون: كيف.. وكيف؟!
لكن أحباب آل البيت † يلقون بـ«كيف» في البحر، ويقولون: ينزل الله Q إلى السماء الدنيا نزولًا يليق بجلاله، وهو مستوٍ على عرشه، وعالٍ على خلقه، ولا يحيط به شيء من مخلوقاته، ولا نعرف كيفية نزوله ولا شبيه ولا مثيل له، وعقولنا أقصر وأدنى وأحقر من أن تحيط بالله Q.
ولا يلزم من نزوله سبحانه خلو العرش منه، ولله المثل الأعلى، فإن العبد يمكنه أن ينزل يده عن كرسيه ولا يخلو الكرسي عنه، والله تعالى أعلى عن المثل.
فالسموات مطويات بيمينه، والأرض جميعًا قبضته يوم القيامة، ثم لا يلزم من نزوله الحركة والانتقال، ولا يلزم من إثبات الحركة أي نقص أو عيب.
وكل هذا الإشكال إنما وقع لأنهم قاسوا الله بالمخلوقات بعقولهم الضعيفة الناقصة القاصرة، والله فوق ذلك.
وأما قول بعض الناس: إننا إذا أثبتنا النزول لله فهذا يعني أن الله ينزل ويصعد في كل لحظة لاختلاف الليل والنهار.
فنقول: وهذا من جهلهم بربهم الذي ليس كمثله شيء سبحانه وتعالى عما يقولون علوًا كبيرًا، وذلك أنهم ما قدروا الله حق قدره.
(145/239)
ولو كان الأمر يقدّر بهذا التقدير، وهو أن نقيس الله على أحوالنا لضلّ الناس وما عرفوا قدر ربهم وعظمته، وذلك أن هذا الكلام يصدق كذلك على دعوى من يدعي أن الله Q لا يمكن أن يسمع جميع الداعين على اختلاف أوقاتهم وسؤالاتهم وأماكنهم واختلاف لغاتهم، وكذا لا يمكن أن يحاسب كل العالمين في يوم واحد، ولا يمكن أن يسمع كل المتكلمين، ولا يرى كل العالمين، وهذا كفر بالله وخروج عن الإسلام، وطعن في الذات الإلهية.
تاسعًا: صفة المعيّة:
تنقسم معيّة الله Q إلى قسمين:
القسم الأول: معيّة عامة:
وهي معيّة لكل أحد من خلقه، من المؤمنين والكفار، وتكون معية الله Q لهم في سمعه وبصره وعلمه وسلطانه، وغير ذلك من معاني الربوبية.
(145/240)
قال تعالى: * - عليه السلام - قرآن كريم ( - - ( - { - - - - رضي الله عنه - - فهرس - - رضي الله عنهم - } ( المحتويات (- عليه السلام - قرآن كريم (- رضي الله عنهم - - - - - - - - عليه السلام -(( - - } - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (( ( { ( - ( - - الله - ( - - صلى الله عليه وسلم - - { المحتويات ( بسم الله الرحمن الرحيم - - - عليه السلام - قرآن كريم - رضي الله عنه - - ( - - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ((( - - رضي الله عنهم -(( - - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم فهرس - ((- رضي الله عنه - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - ( - - رضي الله عنه - - - (( ((( - - } - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - ( - - - - { - ( { ( تم بحمد الله - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - - - رضي الله عنه - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله (( - - - عليه السلام - - - - - - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - ((- رضي الله عنه - - - { - - (( } - عليه السلام - قرآن كريم ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه -(((- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( المحتويات ( - - جل جلاله -( - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - - ( - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - - عليه السلام - - (( - - ( - - ((- رضي الله عنه - - ((( & [سورة الحديد].
(145/241)
وقال تعالى: * - - رضي الله عنه - تم بحمد الله ( - قرآن كريم ( تمهيد - رضي الله عنه - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - - - عليه السلام - قرآن كريم ( - (- عز وجل - - { - الله ( فهرس - - صلى الله عليه وسلم - بسم الله الرحمن الرحيم - صدق الله العظيم ( { - عليه السلام - قرآن كريم ( - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ((( - - - عليه السلام - - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - { - - ( - - - - صدق الله العظيم ( { - عليه السلام - قرآن كريم ( - ( المحتويات ( - ( - ( - - - رضي الله عنهم - - - سبحانه وتعالى - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - الله أكبر ( - - صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - رضي الله عنهم - - ( - ( - - - سبحانه وتعالى - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام - - - - جل جلاله -( - - صلى الله عليه وسلم - - - صدق الله العظيم ( { - عليه السلام - قرآن كريم ( - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه -(((- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله } - قرآن كريم ( الله أكبر - - - & [المجادلة:7].
القسم الثاني: معية خاصة وتنقسم إلى قسمين:
1- معية خاصة مقيدة بوصف: ولا تكون إلا للمؤمنين، كما قال الله Q: * } تمت ( { { - - - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه -((( - { - - - } - قرآن كريم - { } - - - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - صلى الله عليه وسلم - المحتويات ( - - - قرآن كريم ( - ( - (- رضي الله عنه - - - ((((( & [سورة النحل].
(145/242)
وقال تعالى: * } - (- صلى الله عليه وسلم -( - ( - (( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - } تمت ( { { - - - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنه - تم بحمد الله - ((( - ( - ( - ( - - - (((( & [سورة الأنفال].
وقال تعالى: * المحتويات - - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله - { - رضي الله عنه - } (( - - - - - ( - - - ( تمهيد - رضي الله عنه - - فهرس - - ( - { - رضي الله عنه - } (( بسم الله الرحمن الرحيم - - عليه السلام - - - ( الله - - ( تمت ( - ( - ( - ( - - - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه -((( - ( - ( - ( - - - & [البقرة:249].
2- معية خاصة مقيدة بشخص: كما قال الله Q عن نبيه محمد ص وعن صاحبه: * ( - ( { ( - قرآن كريم ( { - رضي الله عنه - - (( مقدمة ( - ( - ( - (( - - صدق الله العظيم ( تمت - رضي الله عنه - - (- رضي الله عنه -- صلى الله عليه وسلم - تم بحمد الله - - ( { { - - - - - - جل جلاله -- رضي الله عنهم -(- رضي الله عنه - تم بحمد الله & [التوبة:40].
وكما قال Q لموسى وهارون: * (( - ( الله أكبر ( { - - - رضي الله عنهم - - ( تمهيد - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنه - تم بحمد الله ((- رضي الله عنهم - - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - - - عليه السلام - - - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (((( & [سورة طه]. والمعية الخاصة بوصف أو بشخص متضمنة للنصرة والمحبة والتأييد.
وإذا قال قائل: ألا يوجد تناقض بين معية الله Q لخلقه وبين علوّه؟
فالجواب: لا تناقض بينهما، لوجوه ثلاثة:
الوجه الأول: أن الله جمع بينهما فيما وصف به نفسه، ولو كان هناك تناقض ما صح أن يصف الله بهما نفسه.
(145/243)
الوجه الثاني: أن نقول: ليس بين العلو والمعية تعارض أصلًا، إذ من الممكن أن يكون الشيء عاليًا وهو معك، ومنه ما يقوله العرب: القمر معنا ونحن نسير، مع أن القمر والشمس في السماء، فإذا أمكن اجتماع العلو والمعية في المخلوق، فاجتماعهما في الخالق من باب أولى.
الوجه الثالث: أنه لو تعذر اجتماعهما في حق المخلوق لم يكن متعذرًا في حق الخالق؛ لأن الله أعظم وأجل، ولا يمكن أن تقاس صفات الخالق بصفات المخلوقين، لظهور التباين بين الخالق والمخلوق.
وكان من دعاء الرسول ص عند السفر: «اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل والمال والولد»(1).
__________
(1) الكافي: (4/284)، انظر: مستدرك الوسائل: (8/134)، من لا يحضره الفقيه: (2/525).
(145/244)
وثبت في مستدرك الوسائل عن أمير المؤمنين، عن الرسول ص أنه قال: إذا قال العبد: * ? بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - ? - - - ( صدق الله العظيم (- عليه السلام - - ( قرآن كريم { - - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم - ( مقدمة { - - - - & [سورة الفاتحة] قال الله Q: بدأ عبدي باسمي، حق عليَّ أن أْتمم له أموره وأبارك له في أحواله، فإذا قال: * ( - ( - - رضي الله عنهم - - ( - - - ( - ( - - عز وجل -- عليه السلام - - - ((( - فهرس - (- رضي الله عنهم -(( - - - & [الفاتحة:2] قال Q: حمدني عبدي وعلم أن النعم التي له من عندي والبلايا التي اندفعت عنه بتطوَّلي، أشهدهم أني أضيف له نعم الدنيا إلى نعيم الآخرة وأدفع عنه بلايا الآخرة كما دفعت عنه بلايا الدنيا، فإذا قال: * ( صدق الله العظيم (- عليه السلام - - ( قرآن كريم { - - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم - ( مقدمة { - - - - & [الفاتحة:3] قال الله Q: شهد لي بأني الرحمن الرحيم، أشهدكم لأوفِّرنّ من رحمتي حظه، ولأجزلن من عطائي نصيبه، فإذا قال: * ( - ( - (- رضي الله عنه - تم بحمد الله ( الله ( قرآن كريم - رضي الله عنه - - ((((- صلى الله عليه وسلم - - - - - & [الفاتحة:4] قال الله Q: أشهدكم كما اعترف بأني أنا المالك ليوم الدين لأسهلن يوم الحساب حسابه، ولأتقبلن حسناته، ولأتجاوزن عن سيئاته، فإذا قال العبد: * - - - ( - ( { ( - ( - ((- رضي الله عنه - الله أكبر & [الفاتحة:5] قال الله Q: صدق عبدي إياي يعبد لأثيبنه على عبادته ثوابًا يغبطه كل من خالفه في عبادته لي، فإذا قال
* - رضي الله عنهم - - - ( - ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (((((- رضي الله عنه - - ( - فهرس - & [الفاتحة:5] قال الله Q: بي استعان وإليّ التجأ أشهدكم لأعيننه على أمره، ولأغيثنه في شدائده ولآخذن بيده يوم القيامة عند نوائبه، وإذا قال:
(145/245)
* - - رضي الله عنه - الله أكبر ( - ( - - - - ((- عليه السلام - - ( - ( - - - - رضي الله عنه - - (( { - رضي الله عنه - - ( - ( - ( - - - & [الفاتحة:6] إلى آخرها قال الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل، قد استجبت لعبدي وأعطيته ما أمل وأمنته مما منه وجل(1).
الخاتمة
فكن يا أخي الحبيب على بصيرة في دينك وعند مناجاتك لخالقك؛ فإن هذا شرع تحتاج دائمًا إلى التفقه والعلم فيه، وأن تسير فيه على نور، وخير نور كتاب الله وسنة نبيه المصطفى ص ومدرسة آل البيت †.
والله سبحانه مولانا وسيدنا نسأله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجمع قلوب عباده المؤمنين على سنة نبيه الكريم ص وعلى منهج آله الطاهرين † الذين لم يغيروا نهجه ولم يحيدوا عن دربه، فكانوا أضواء حق، وسبل خير للمؤمنين جميعهم.
ونختم بدعاء سيدنا ومولانا محمد ص الذي كان يقوله في دعاء القيام :
«اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدنا إلى ما اختُلِف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم».
آمين.. ... آمين.. ... آمين..
قائمة المراجع
1- القرآن الكريم.
2- الاحتجاج - أبو منصور أحمد بن علي الطبرسي - نشر مرتضى مشهد مقدسي (1413هـ).
3- الاختصاص - محمد بن محمد النعمان الملقب «بالمفيد» - انتشارات كنكرة جهاني - قم - (1413هـ).
4- إرشاد القلوب - حسن بن أبي الحسن الديلمي - انتشارات شريف رضى - (1412هـ).
5- الاستبصار - أبو جعفر الطوسي - دار الكتب الإسلامية - طهران - (1390هـ).
6- أعلام الدين - حسن بن أبي الحسن الديلمي - مؤسسة آل البيت (4) قم - (1408هـ).
7- إعلام الورى - أمين الدين فضل بن حسن الطبرسي - دار الكتب الإسلامية - طهران.
__________
(1) مستدرك الوسائل: (4/228)، بحار الأنوار: (82/59)، أمالي الصدوق: (174).
(145/246)
8- أقبال الأعمال - سيد علي بن موسى طاوس - دار الكتب الإسلامية - طهران - (1367هـ).
9- أمالي الصدوق - لأبي جعفر محمد بن بابويه القمي المعروف بـ«الصدوق» - انتشارات كتابخانه إسلامية - (1362هـ).
10- أمالي الطوسي - تأليف شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي - انتشارات دار الثقافة - قم - (1414هـ).
11- أمالي المفيد - انتشارات كنكرة جهاني - للشيخ المفيد - قم - (1413هـ).
12- الأنوار النعمانية - السيد نعمة الله الجزائري - الطبعة الرابعة - مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت - (1404هـ).
13- أوائل المقالات - تأليف الشيخ المفيد بن محمد بن محمد النعمان - انتشارات كنكرة جهاني شيخ مفيد - قم (1413هـ).
14- بحار الأنوار - تأليف الشيخ محمد باقر المجلسي - مؤسسة الوفاء - بيروت - لبنان - (1404هـ).
15- البلد الأمين - لإبراهيم بن علي العاملي الكفعمي - جاب سنكي.
16- تأويل الآيات الظاهرة - للسيد شرف الدين حسين استرابادي - انتشارات جامعة مدرسين - قم - (1409هـ).
17- تهذيب الأحكام - أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي - دار الكتب الإسلامية - طهران - (1365هـ).
18- تفسير الأمثل - ناصر مكارم الشيرازي، الطبعة الأولى، مؤسسة البعثة للطباعة والنشر - بيروت.
19- تفسير البرهان - السيد هاشم الحسيني الشيرازي، الطبعة الأولى، مؤسسة البعثة للطباعة والنشر - طهران.
20- تفسير بيان السعادة - الحاج سلطان محمد الجنابذي، الطبعة الثانية، مطبعة جامعة طهران.
21- تفسير التبيان - أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، الطبعة الأولى، تحقيق: أحمد حبيب العاملي، قم، مكتب الإعلام الإسلامي.
22- تفسير تقريب القرآن - السيد محمد الحسيني الشيرازي، الطبعة الأولى، مؤسسة الوفاء - بيروت.
23- تفسير جامع الجوامع - أمين الدين أبو علي الفضل الطبرسي، الطبعة الثالثة، مؤسسة النشر والطبع، جامعة طهران.
(145/247)
24- تفسير الجديد - الشيخ محمد السبزواري النجفي، الطبعة الأولى، دار التعارف للمطبوعات - بيروت.
25- تفسير الجوهر الثمين - السيد عبد الله شبر، الطبعة الأولى، مكتبة الألفين - الكويت.
26- تفسير شبر - السيد عبد الله شبر، الطبعة الأولى، دار البلاغة للطباعة والنشر - بيروت.
27- تفسير الصافي - المولى محسن الملقب بـ«الفيض الكاشاني»، الطبعة الأولى، دار المرتضى للنشر - مشهد.
28- تفسير العياشي - أبو النضر محمد بن مسعود بن عياش، طهران - المكتبة العلمية الإسلامية.
29- تفسير القمي - علي بن إبراهيم القمي - الطبعة الثالثة - قم - مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر.
30- تفسير الكاشف - محمد جواد مغنية، الطبعة الثالثة، دار العلم للملايين.
31- تفسير كنز الدقائق، الشيخ محمد بن محمد القمي المشهدي، الطبعة الأولى، مؤسسة الطباعة والنشر، وزارة الثقافة والإرشاد - طهران.
32- تفسير مجمع البيان - أمين الدين أبو علي الفضل الطبرسي، بيروت: دار إحياء التراث العربي، (1379هـ).
33- تفسير مختصر مجمع البيان - الشيخ محمد باقر الناصري، الطباعة الثانية، قم: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين.
34- تفسير المعين - المولى نور الدين محمد بن مرتضى الكاشاني، الطبعة الأولى، قم: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي.
35- تفسير مقتنيات الدرر - مير سيد علي الحائري الطهراني، طهران: دار الكتب الإسلامية.
36- تفسير من هدي القرآن - السيد محمد تقي المدرسي، الطبعة الأولى، دار الهدى.
37- تفسير المنير - محمد الكرمي، قم، المطبعة العلمية (1402هـ).
38- تفسير من وحي القرآن - السيد محمد حسين فضل الله، الطبعة الثالثة، بيروت، دار الزهراء للطباعة والنشر.
39- تفسير الميزان - السيد محمد حسين الطبطبائي، الطبعة الثالثة، طهران: دار الكتب الإسلامية.
40- تفسير نور الثقلين - الشيخ عبد علي بن جمعة الحويزي، الطبعة الثانية - قم: المطبعة العلمية.
(145/248)
41- التوحيد - الصدوق - انتشارات جامعة مدرسين - قم - (1398هـ).
42- ثواب الأعمال - لأبي جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي - انتشارات شريف رضى - قم - (1346هـ).
43- الخرائج والجرائح - لقطب الدين الراوندي - مؤسسة إمام مهدي «عج» قم - (1409هـ).
44- الخصال - لأبي جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي «الصدوق» - انتشارات جامعة مدرسين - قم - (1403هـ).
45- دعائم الإسلام - لنعمان بن محمد التميمي المغربي - دار المعارف - مصر - (1385هـ).
46- رجال الكشي - تأليف محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي - انتشارات دانشكار - مشهد - (1348هـ).
47- روضة الواعظين - لمحمد بن حسن فتال النيسابوري - انتشارات رضى - قم-.
48- شرح نهج البلاغة - عبدالحميد بن أبي الحديد المعتزلي - كتابخانة آية الله المرعشي - قم- (1404هـ).
49- الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم - للشيخ زين الدين محمد العاملي النباطي - جاب كتابخانة حيدرية - النجف - (1348هـ).
50- عدة الداعي: ابن فهد الحلى - دار الكتاب الإسلامي - (1407هـ).
51- علل الشرائع: أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي «الصدوق» - انتشارات مكتبة الداوري - قم -.
52- العمدة: لابن بطريق يحيى بن حسن الحلي - انتشارات جامعة مدرسين - قم - (1407هـ).
53- عوالي اللآلى: لابن أبي جمهور الأحسائي - انتشارات سيد الشهداء «ع» - قم - (1405هـ).
54- عيون أخبار الرضا «ع»: لأبي جعفر محمد بن علي «الصدوق» - انتشارات جهان - (1378هـ).
55- فلاح السائل: للسيد علي بن موسى بن طاوس - انتشارات دفتر تبليغات إسلامي - قم.
56- قصص الأنبياء «ع»: للسيد نعمة الله الجزائري - انتشارات كتابخانة آية الله المرعشي - قم - (1404هـ).
57- قصص الأنبياء «ع»: لقطب الدين الراوندي - جاب بنياد بزوهش هاي استان قدس رضوي - (1409هـ).
58- كشف الغمة في معرفة الأئمة: لأبي الحسن علي بن عيسى الأربلي - جاب مكتبة بني هاشم تبريز - (1381هـ).
(145/249)
59- كنز الفوائد: لأبي الفتح كراجكي - انتشارات دار الذخائر - قم - (1410هـ).
60- المؤمن: تأليف حسين بن سعيد الأهوازي - انتشارات مدرسة الإمام المهدي «عج» - قم - (1404هـ).
61- مجموعة ورام: لورام بن أبي فراس - انتشارات مكتبة الفقيه - قم.
62- المحاسن: لأحمد بن محمد بن خالد البرقي - دار الكتب الإسلامية - قم - (1371هـ).
63- متطرفات السرائر: لمحمد بن إدريس الحلي - انتشارات جامعة مدرستين - قم - (1411هـ).
64- مدينة المعاجز: السيد هاشم البحراني - مؤسسة المعارف الإسلامية - قم. ط. الأولى.
65- مسكن الفؤاد: سيد ثاني: كتابخانة بصرتي قم.
66- مستدرك الوسائل: لحسين النوري الطبرسي - مؤسسة آل البيت † - قم - (1408هـ).
67- مصباح الكفعمي: لإبراهيم بن علي العاملي الكفعمي - انتشارات رضى - قم - (1405هـ).
68- المقنعة: للشيخ المفيد - انتشارات كنكرة جهاني - قم - (1413هـ).
69- مكارم الأخلاق: تأليف رضى الدين حسن بن فضل الطبرسي - انتشارات شريف رضى - قم - (1412هـ).
70- مناقب آل أبي طالب «ع»: لأبي جعفر محمد بن علي بن شهر آشوب المازندراني - مؤسسة انتشارات العلامة - قم - (1379هـ).
71- نهج البلاغة - من كلام أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب ؛ اختاره الشريف الرضي - انتشارات دار الهجرة - قم.
72- النوادر: السيد فضل الله الراوندي - مؤسسة دار الكتاب - قم.
الفهرس
المقدمة ... 3
الفصل الأول: أهمية التوحيد وأقسامه ... 7
المبحث الأول: الغاية من بعثة الأنبياء عليهم السلام ... 9
المبحث الثاني: فضل التوحيد وأقسامه ... 12
الفصل الثاني: توحيد الربوبية ... 15
المبحث الأول: التعريف بتوحيد الربوبية ... 17
المبحث الثاني:الإيمان بالقضاء والقدر ... 23
المطلب الأول: ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر ... 32
المطلب الثاني: المنحرفون في القدر ... 34
المطلب الثالث: الصبر على قضاء الله وقدره ... 36
(145/250)
الفصل الثالث: توحيد الألوهية ... 45
المبحث الأول: التعريف بتوحيد الألوهية ... 47
المبحث الثاني: سؤال وجواب في توحيد الألوهية ... 57
المبحث الثالث: خطر الوقوع في الشرك ... 77
المبحث الرابع: أمثلة على وقوع الشرك بين الناس ... 81
أولًا: الصور والتماثيل: ... 81
ثانيًا: الغلو في الصالحين: ... 87
ثالثًا: الغلو في القبور: ... 92
رابعًا: الدعاء وأنواعه: ... 96
خامسًا: التوسل: ... 102
سادسًا: الشفاعة: ... 107
سابعًا: مسبة الدهر والرياح ونحوها: ... 115
ثامنًا: الحلف بغير الله: ... 118
تاسعًا: التبرك: ... 122
عاشرًا: شرك الخوف: ... 126
الحادي عاشر: شرك المحبة: ... 131
الثاني عشر: شرك الطاعة: ... 138
الثالث عشر: الذبح: ... 143
الرابع عشر: النذر: ... 147
الخامس عشر: الرياء: ... 151
السادس عشر: السحر: ... 157
السابع عشر: الكهانة والروحانية والعرافة: ... 161
الثامن عشر: لبس الحلقة والخيط والتمائم...إلخ: ... 165
التاسع عشر: التطير «التشاؤم»: ... 169
الفصل الرابع: توحيد الأسماء والصفات: ... 173
المبحث الأول: التعريف بتوحيد الأسماء والصفات ... 175
المبحث الثاني: قواعد في فهم الأسماء الحسنى وإثباتها ... 180
المبحث الثالث: قواعد في فهم الصفات العلى ومعرفتها ... 182
المبحث الرابع: قواعد مشتركة في أدلة أسماء الله وصفاته ... 185
المبحث الخامس: من صفات الله تبارك وتعالى ... 190
أولًا: صفة الوجه: ... 190
ثانيًا: صفة العين: ... 203
ثالثًا: صفة الكلام: ... 208
رابعًا: صفة اليد: ... 214
خامسًا: صفة الضحك: ... 217
سادسًا: صفة الغضب والسخط والكراهية والبغض: ... 220
سابعًا: صفة العلو والاستواء: ... 223
ثامنًا: صفة النزول: ... 228
تاسعًا: صفة المعيّة: ... 232
قائمة المراجع ... 237
الفهرس ... 245
(145/251)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أخي العزيز: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد
هذا ما فتح الله به علينا في هذا البحث فله الحمد وله الشكر فهو العليم الخبير بما تُكن صدورهم وما يعلنون.. ففي حالة وجود أي ملاحظات يرجى الاتصال بالأخ أبو عبد الرحمن.
والبحث عملناه بصورة موجزة وأحلنا القارئ على بعض المصادر إذا أراد المزيد من المعلومات. عسى الله ربنا سبحانه وتعالى أن ينفع به المسلمين ويجعله في ميزان حسناتنا يوم القيامة وجزاك الله خيراً.
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتدي ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. وبعد.
تأتي أهمية الكتابة في هذا الموضوع من أهمية أقوال علماء السلف في التحذير من أهل البدع والأهواء الذين ابتليت بهم الأمة منذ انتهاء عصر صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين وأخذوا يزدادون يوماً بعد آخر حتى طفح الكيل بهم وبلغ السيل الزبى بحيث استسلم لهم الكثير ممن ينتسبون إلى العلم إن لم نقل بعض العلماء وانقاد لهم الكثير من الناس ولبسوا على الكثير دينهم وأفسدوا عليهم دنياهم. وما نراه اليوم يعتصر له القلب من تداعي الأمم على الإسلام من حوله. ومما يزيد ألم قلوبنا أن ترى من يتعاون معهم من أبناء جليتنا الذين يتكلمون بألسنتنا والذين اتبعوا اليهود والنصارى حذوا القذر بالقذرة فوجهوا سلاحهم مع سلاح الأعداء إلى صدورنا وتحت مختلف الشعارات والمسميات.
(146/1)
وعن هؤلاء الذين أصابوا أمن الإسلام وقتلا منذ عهده الأول إلى يومنا هذا هم الرافضة أعداء الله ورسوله وصحابته وآل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكل من استن بسنة المصطفى واهتدى بهديه الذين لم يكتفوا بلعن الأمة من أولها إلى آخرها حتى تعاونوا مع كل فاجر وكافر للنيل من أهل هذا الدين وهدمه عقيدة وعبادة وأخلاقاً ومعاملات مما جر ذلك إلى فساد دنيا الناس بعد فساد دينهم. ويظهرون مودتهم للمسلمين بوجههم الآخر ليضربوا الإسلام بسلاح جديد هو سلاح التقريب بين المذاهب حتى يتهم لهم تمييع أهل الحق في باطلهم وبذلك تكون الدائرة لهم على الإسلام وأهله.
لذلك كان بحثنا هذا لبيان عقائدهم وموقفهم من أهل السنة وتعاونهم مع الأعداء مستندين بذلك إلى أقوال علمائهم وحقائق أفعالهم على مر التاريخ في الدولة الإسلامية وبصورة مختصرة حتى يكونوا مكشوفين لعامة الناس بعد أن غطوا باطلهم بالتقية وتباكوا على أنفسهم بأنهم مظلومون وتباكى عليهم كثير ممن لا علم له بحالهم وكثير ممن انتسب إلى العلم ومن الكُتاب والشعراء والأدباء، فالتحذير منهم من واجبات الأمة في هذا الزمان حتى تتقي شرهم وتوهن كيدهم. وعلى العموم فنحن ننقل حقائق تاريخية وأقوال علماء ومؤرخين ووقائع رأيناها بأعيننا بحكم واقعنا الجغرافي مع الرافضة فما كان فيها من عبر اعتبرنا به وما كان فيه من شر اتقيناه ونسأل الله تعالى المغفرة من زلاتنا إنه هو الغفور الرحيم.
المبحث الأول
الرافضة وفرقهم القديمة والحديثة
أولاً: من هم الرافضة
رفض: الرفض تركك الشيء تقول: رفضني فرفضته، رفضت الشيء أرفضه وأرفضه رفضاً ورفضناً: تركته وفرقته.
قال الجوهري: الرفض: الترك وقد رفضه يرفضه ويرفضه والرفض: الشيء اتفرق والجمع أرفاض.
(146/2)
الروافض: جنود تركوا قائدهم وانصرفوا فكل طائفة منهم رافضة والنسبة إليهم رافضي. والروافض: قوم من الشيعة سموا بذلك لأنهم تركوا زيد بن علي؛ قال الأصمعى: كانوا بايعوه ثم قالوا له: إبرأ من الشيخين نقاتل معك فأبى وقال كانا وزيري جدي فلا أبرأ منهما فرفضوه وأرفضوا عنه فسموا رافضة وقالوا الروافض ولم يقولوا الرفاض لأنهم عنوا الجماعات(1).
وقال عبد الله بن الإمام أحمد: سألت أبي من الرافضة؟ فقال الذين يشتمون أو يسبون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما(2)
يقول الدكتور علي بن محمد بن ناصر الفقيهي في مقدمته على كتاب الإمامة والرد على الرافضة. الرافضة: اسم يطلق على كل من تبرأ من الشيخين أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما وكذلك على كل من تبرأ من الصحابة.
ويقول: وعلى هذا فالرافضة: هم كل من تبرأ من الصحابة وسبهم وشتمهم ومن باب أوى أن من حكم بكفرهم كما يقول ابن حزم(3)
ويدخل في الصحابة رضي الله عنهم أمهات المؤمنين زوجات الرسول -صلى الله عليه وسلم - حيث إن عقيدتهم هذه كانت في بدايتها تفضيل علي رضي الله عنه على عثمان رضي الله عنه ثم زين لهم الشيطان تفضيل علي على باقي الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم ثم بعد تكفيرهم والبراءة منهم ومن باقي الصحابة وجرهم ذلك إلى زوجات الرسول - صلى الله عليه وسلم - ثم سبعهم جميعاً ثم سب الأمويين ثم العباسيين ثم الأمة جميعاً ممن هو على غير مذهبهم فهم يعتقدون أن كل من لم يتبرأ من ؤلاء فهو منهم وبذلك يكون عدواً لهم ولآل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ثانياً: فرق الرافضة:
__________
(1) ابن منظور (630-711هـ)، لسان العرب، بيروت، دار إحياء التراث العربي 5/266.
(2) ابن تيمية (661-728هـ) الصارم المسلول في الرد على شاتم الرسول، تحقيق محمد محيي الدين، 567..
(3) الأصبهاني أبو نعيم (336-430)، الإمامة والرد على الرافضة، تحقيق علي محمد ناصر الفقيهي، المدينة المنورة، مكتبة العلوم والحكم، 23.
(146/3)
ربما يقرأ الكثير من المسلمين التاريخ الإسلامي وتمر عليه أسماء فرق ودويلات ولا يعرف أن معظم هذه الفرق والدويلات هي من الرافضة وذلك لعدم إيضاح ذلك من قبل كثير من الذين كتبوا التاريخ الإسلامي، ولجهل القارئ المسلم بالفرق وأصولها ومعتقداتها. لذا كان لزاماً علينا في مثل هذا البحث أن نعطي صورة مختصرة واضحة عن فرق الرافضة ومسمياتها حتى يعرف المسلمين من هم عندما يمرون على هذه المسميات في بطون الكتب والصحف والأعلام في الماضي والحاضر.
تجتمع كل فرق الرافضة في الوقت الحاضر تحت قسمي الشيعة وتحاول كل فرقة أن لا تتمسك باسمها الأصلي، هذه التسمية في بداياتها الأولى، كانت يعنى بها هم الذين شايعوا علياً رضي الله عنه وقالوا بإمامته وخلافته، ولم تكن فيها عقيدة البراءة من الشيخين وزوجات النبي -صلى الله عليه وسلم - وباقي الصحابة. ولكن أصبح اسم الشيعة يضم تحت لوائه جميع فرق الرافضة على اختلاف معتقداتهم فهم يستترون تحت هذا الاسم بالرغم من تعدد فرقهم ويجتمعون على عدة أمور:
1- الإيمان بأن الإمامة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- نص إلهي وتنحصر في وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - بها لعلي بن أبي طالب وهي لا تخرج من أولاده وإن خرجت فبظلم من غيره .
2- اعتقاد عصمة الأئمة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- على اختلافهم في عددهم وأعيانهم.
3- البراءة من الصحابة وزوجات الرسول - صلى الله عليه وسلم - والاعتقاد أنهم اغتصبوا الخلافة من آل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وعدم صحة خلافة الشيخين، إلا قليلاً من قالوا بصحة خلافتهما ولكن علياً فضل منهما.
4- العمل بالتقية مع جميع طوائف المسلمين بحيث يظهرون لهم عكس ما يبطنون.
5- أصبحت قصة قتل الحسين رضي الله عنه مظلوماً عليها مدار فرق الشيعة فأقاموا على أساسها مشاهد وعبادات ومناسبات لم تكن عند الأوائل منهم.
(146/4)
يقول إحسان إلهي ظهير رحمة الله: إن سبب تشيعهم أنهم رأوا أن الدم الذي يجري في عروق علي بن الحسين وفي أولاده دم إيراني من قبل أمه شهر بانو إبنة يزدجرد ملك إيران من سلالة الساسانيين المقدسين عندهم، ففي تشيعهم لآل البيت إحياء لعقيدة المجوس، ووقوفهم مع الحسين بن علي رضي الله عنه نابع من عصبيتهم الفارسية لأولاد شهرباتو الساسانية(1)
يقول الشهرستاني في الملل والنحل: وهم خمس فرق: كيسانية وزيدية وإمامية وغلاة وإسماعيلية.
يقول الشهرستاني في الملل والنحل: وهم خمس فرق كيسانية وزيدية وإمامية وغلاة وإسماعيلية(2)
وقد وصفهم الإسفرايين كلهم بالرافضة في كتابه الفرق بين الفرق وعدتهم عشرون فرقة من فرق الإسلام منها ثلاثة زيدية، وفرقتان في الكيسانية وخمس عشرة فرقة من الإمامية.
فقال: وأما الروافض فإن السيئة منهم أظهروا بدعتهم في زمان علي رضي الله عنه فقال بعضهم لعلي أنت الإله فأحرق علي قوماً منهم ونفي ابن سبأ إلها ساباط المدائن وهذه الفرقة ليست من فرق أمة الإسلام لتسميتهم علياً إلها. وقال ثم افترقت الرافضة بعد زمان علي رضي الله عنه إلى أربعة أصناف: زيدية وإمامية وكيسانية وغلاة. وافترقت الزيدية فرقاً والإمامية فرقاً والغلاة فرقاً؛ كل فرقة منها تكفر سائرها.
وقال: فإما الزيدية من الرافضة فمعظمها ثلاث فرق: الجارودية والسليمانية، وقد يقال الجريرية، والتبرية وهذه الفرق الثلاث يجمعها القول بإمامة علي بن الحسن رضي الله عنه في زمن هشام بن عبد الملك.
- والكيسانية منهم فرق كثيرة يرجع محصلها إلى فرقتين إحداها تزعم أن محمداً بن الحنفية حي لم يمت وهم في انتظاره ويزعمون أنه المهدي المنتظر، والفرقة الثانية منهم يقرون بإمامته في وقته وينقلون الإمامة بعد موته إلى غيره.
__________
(1) انظر إحسان إلهي ظهير، الشيعة والسنة، 49.
(2) الشهرستاني، أبو الفتح محمد عبد الكريم، الملل والنحل، بيروت، دار المعرفة 1/224، 2/1.
(146/5)
- وأما الإمامية: فإنها خمس عشرة فرقة وهي المحمدية، والباقرية، والناووسية، والشمطية والعمادية والإسماعيلية، والمباركية، والموسوية، والقطعية، والإثنا عشرية، والهشامية، الزرارية، واليونسية، والشيطانية، والكاملية.
- وأما الغلاة: منهم البيانية، والمغيرية والجناحية، والمنصورية، والخطابية، والحلولية وقال عن الغلاة فما هم من فرق الإسلام وإن كانوا منتسبين إليه(1)
وهذه معظم فرقهم التي ذكرها علماء المسلمين الذين كتبوا في الفرق وأصولها وعقائدها ولكن هذه الفرق لم تبق على مسمياتها الأصلية فبعضها تغيرت أسماؤها وبعضها انصهرت تحت مسمى الشيعة، ولما عم الجهل معظم أتباع هذه الفرق أخذت بعضها من أفكار بعض فاختلطت عقائدهم مع بعضها حتى أصبح من الصعب التمييز بينها حتى عند اتباعها واتبع أغلبهم الإمامية على اختلاف فرقها وكلهم يحاولون الابتعاد عن مسمياتهم الأصلية ويحاولون جمع كلمتهم تحت مسمى الشيعة ويتغطون بغطاء حب آل البيت وموالاتهم.
ويجد القارئ في صفحات التاريخ الإسلامي كثيراً من أسماء الدويلات والجماعات يمر عليها القارئ ولا يعلم أنها تعود إلى هذه الفرق وتحمل عقائدها ولكن تحمل أسماءً أخرى غير أسمائها. فأغلب الدويلات التي انفصلت عن الدولة العباسية ينادون بالتشيع لآل البيت. فعلى القارئ المسلم أن ينتبه عندما تمر عليه بعض الأسماء فهي صورة الرافضة وجميعها تحمل عقائدهم وإن لم تنتسب إلى فرقة من فرقها بالإضافة إلى عقائد أخرى جاءتها من الديانة اليهودية والديانات الفارسية. ومنها:
- القرامطة – البويهيون – العبيديون – الصفويون – البهائيون – البابيون – النصيريون – الحشاشون – الإسماعيليون – الباطنيون – والملاحدة – والزنادقة ومنهم في الوقت الحاضر.
- حزب الله في لبنان والعراق
__________
(1) الأسفراييني، عبد القاهر بن طاهر بن محمد (ت 429هـ)، الفرق بين الفرق، القاهرة، دار التراث، 41-43.
(146/6)
- المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق بقيادة عائلة الحكيم.
- وقوات بدر التي تتبع إلى المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق.
- وحزب الدعوة في العراق بقيادة إبراهيم الجعفري.
- وجيش المهدي في العراق بقيادة عائلة الصدر.
- والائتلاف العراقي الموحد الذي يضم عشرات الأحزاب الشيعية والعلمانية من الشيعة الذي أيده آية الله السيستاني أكبر علماء الرافضة في النجف.
- ومنهم الدروز في سوريا ولبنان.
- وحركة أمل في لبنان.
- والنصيريون في سوريا الذين بدلوا اسمم إلى العلويين.
- والهازارا متمثلين في حزب الوحدة في أفغانستان.
- وطائفة البهرة الذين انقسموا من الإسماعيلية ويسمون بالطيبية وهم اليوم في اليمين والهند وباكستان(1)
- وجماعة الخالصي في ديالي بالعراق.
- وجماعة جيش المهدي وجماعة الخالص هم الوحيدون الذين لم يؤيدوا الاحتلال الأمريكي للعراق. وهم يؤمنون بالمقاومة السلمية للاحتلال. وقد قاومت جماعة جيش المهدي لعدة أيام في العراق ثم سلمت سلاحها إلى القوات الأمريكية لقاء مبالغ من المال واتجهت إلى المقاومة السلمية. أما جماعة حزب الله في لبنان فهي الوحيدة التي قاومت الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان.
أما باقي الجماعات والأحزاب فقد وقفت يداً بيد مع اليهود والنصارى والمحتلين ضد أبناء جلدتها، بالسلاح والقول والعمل كعملاء وجواسيس وقام رؤوسهم وأصحاب العمائم فيهم بتقبيل (برايمر) الحاكم العسكري الأمريكي في العراق أمام شاشات التلفزيون والصحافة ووصف أمريكا وحلفائها أنها جيش تحرير العراق من حكم السنة العلمانيين.
يقول طه الولي في كتابه القراطمة أول حركة اشتراكية في الإسلام:
__________
(1) حسن إبراهيم، تاريخ الإسلام، بيروت، دار إحياء التراث، 4/279، طه الولي، القراطمة ص 35.
(146/7)
وجدير بالذكر أن أصحاب نظرية الإمامة كانوا على مدى التاريخ الإسلامي يلتزمون جانب المعارضة للحكومات الإسلامية ويقصرون نشاطهم في السر أو في العلانية وفقاً للظروف المحيطة بهم على مقاومة هذه الحكومات من أجل إسقاطها والحلول محلها ولم يفكروا في أي وقت من الأوقات بمقاومة الحكومات الأجنبية أو ردها عن حياض الوطن الذي كان يتعرض لعدوان هذه الحكومات بين الحين والآخر. وتحت تأثير هاجس الوصول إلى السلطة والحكم باسم آل البيت، تسبب أصحاب هذه النظرية بانقسام العالم الإسلامي بينهم وبين أهل السنة والجماعة الذين لا يرون رأيهم مما أتاح للغرب الصليبي والشرق المغولي الوثوب على الإسلام في عقر داره واحتلال أجزاء كبيرة من أقطار المسلمين أكثر من مرة على مر العصور(1)
لهذا تم تلخيص تاريخ أصحاب نظرية الإمامة وموقفهم من الإسلام وديار المسلمين عند مداهمتها من قبل أعدائها.
__________
(1) --- الولي، القرامطة أول حركة اشتراكية في الإسلام، بيروت، دار العلم للملايين 130.
(146/8)
ونحن نضيف على هذا الكلام ونقول أنهم لم يلتزموا حتى جانب الحياد بين المسلمين والكفار قبل دخول الكفار إليها وبعد دخولهم بل قاموا بمكاتبة الكفار وترغيبهم بدخول ديار المسلمين والاستيلاء عليها وكتبوا لهم بأخبار المسلمين وكانوا عيوناً للكفار على المسلمين فتحوا لهم أبواب الحصون وكانوا لهم بمثابة الحمير يركبونهم فيدلونهم على الطريق ويعيثون في بلاد الإسلام فساداً بمساعدتهم ثم يقومون بعد دخولهم بوضع أيديهم بأيدي الكفار لقتل المسلمين في ديارهم لا يفرقون في ذلك بين صغير أو كبير أو شيخ أو امرأة وأول ما يقومون به قتل العلماء والدعاة إلى الله من أهل السنة واغتصاب أموالهم والاستيلاء على مساجدهم وجعلها مراكز لتدريس خرافاتهم وبدعهم وحرق المكتبات التي تحتوي على العلم الشرعي من أجل القضاء على كل أثر من آثار القرون الأولى التي شهد لها سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لخيريه. ثم بعد استقرار الأمور للكفار في بلاد المسلمين يقومون بالعمل خدماً في معسكراتهم ولا يقتصر ذلك على الرجال بل يتعداه إلى نسائهم اللاتي تعمل الكثيرات منهن خادمات عندهم. ثم يكونون عيوناً لهم على المسلمين الذين يقومون بدفعهم لمحاولة إخراجهم من بلاد المسلمين، فمنهم من يعاونهم سراً ومنهم من يعاونهم علناً، كل حسب طاقته والظروف المحيطة به. وكلما طال عليهم الأمد ازدادت معاونتهم للكفار ومذلاتهم للمسلمين فقد وصلت معاونتهم لهم أوجها عند سقوط بغداد الثاني على أيد الأمريكان.
وإليك بعض ما وقعت عليه أيدينا من الشواهد التاريخية على ذلك.
ثالثاً: شواهد تاريخية في حربهم الإسلام والمسلمين
(146/9)
بدأ العداء الفارسي للعرب والمسلمين منذ أن بعث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عبد الله بن خذامة السهمي بكتاب إلى كسرى ملك الفرس يدعوه فيه إلى الإسلام وأمره أن يرفعه إلى عظيم البحرين. دفع عبد الله الكتاب إلى عظيم البحرين فدفعه هذا إلى كسرى فلما قرئ الكتاب عليه أخذه ومزقه وكتب إلى باذان عامله على اليمن (أن ابعث من عندك رجلين جلدين إلى هذا الرجل الذي بالحجاز فليأتياني برأسه)، وعاد عبد الله بن حذافة إلى المدينة وأخبر الرسول ((صلى الله عليه وسلم)) بتمزيق الكتاب فقال عليه الصلاة والسلام ((مزق الله ملكه))(1) لقد كان الفرس ينظرون إلى العرب على أنهم أتباع لهم، فلما وصل كتاب النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى كسرى أخذته العزة بالإثم ومزق الكتاب.
وبعد أن هزم الفرس عسكرياً وزالت دولة بني ساسان من الوجود وأيقن الفرس أنه من المستحيل التغلب على الدولة الإسلامية بالمواجهة العسكرية اجتمع دهاقنتهم وقرروا الدخول في الإسلام لتهديمه من الداخل فجاءوا محملين بالعقائد الفارسية ودياناتها الزرادشتية والمزدكية والماتوية وحاولوا خلطها بالإسلام.
إن أول حلقة من حلقات التآمر على الدولة الإسلامية قام بها سلفهم وحامل لواء عقائدهم الأولى أبو لؤلؤة الهرجوان بالتعاون مع جفينه النصراني لقتل عمر الخطاب رضي الله عنه في المدينة لأنهم يعتبرونه الشخص الأول الذي أسقط راية المجوس(2)
ثاني حلقة من حلقات التآمر لواءها عبد الله بن سبأ اليهودي وأتباعه من قبائل مصر واليمن والأعراب الذين تجمعوا على عثمان رضي الله عنه وقتلوه في المدينة وهو صائم يقرأ القرآن.
__________
(1) عبد الله محمد أسود، موسوعة العراق السياسية، بيروت، الدار العربية للموسوعات 1/205.
(2) ينظر محمد بن جرير (ت 310)، تاريخ الطبري، 4/190.
(146/10)
ثم فتحت أبواب الفتن والمؤامرات على الإسلام من قبل أعدائه من اليهود والنصارى والمجوس وبذلوا كل ما في وسعهم فرادى ومجتمعين في السر والعلن من أجل القضاء على الدين وأهله وجاءوا بعقائد باطلة ما أنزل الله بها من سلطان وأقحموها مع عقائد المسلمين الخالصة، كتلك التي أدخلها عبد الله بن سبأ اليهودي من قوله بالولاية والوصاية والإثنى عر نقيباً أو تلك التي أدخلها الفرس مثل العصى والرجعة والبداء والتقية وتلاقحت هذه المعتقدات فأنجبت فكرة تحريف القرآن والطعن في السنة وحملتها ورفعت شعار حب آل البيت والولاء لهم وعداء المسلمين من أجل إعادة حق أهل البيت المغتصب كما يدعون في ظاهرهم ولك ما تكن صدورهم أعظم وهو تقويض دعائم الإسلام وحكم الله في الأرض متخذين لذلك مختلف الوجوه وحسب كل ظرف من الظروف لتنفيذ مآربهم.
دولة القرامطة
وضع أسس القرامطة حمدان قرمط بن ميمون القداح فارس مجوسي تظاهر بالإسلام والتشيع لآل البيت ومذهبهم، ظاهره الرفض وباطنه الكفر ومركز دعوتهم واسط بالعراق واستولوا على الأحساء والبحرين واليمن وعمان تسترت حركة القرامطة بالإسماعيلية واستغلت مبدأ التأويل وقد غيروا العبادات وأباحوا المحرمات. فقالوا أشهد أن محمداً بن الحنفية رسول الله والقبلة إلى بيت المقدس ويوم الجمعة والإثنين لا يعمل فيه شيء والصوم يومان في السنة وهما المهرجان أو عيد النور وزولا الغسل من الجنابة إلا الوضوء كوضوء الصلاة وذهبوا إلى هدم المجتمع عن طريق إباحة المحرمات فقالوا بزواج الأخت والبنت(1)
__________
(1) السامرائي عبد الله سلوم، الغلو والفرق الغالبة، بغداد، دار الحرية 1972م، 111.
(146/11)
وذهب القرامطة إلى مهاجمة المسلمين وهم في موسم الحج وقتلوا أعداداً كبيرة منهم كما هدموا قبة زمزم وخلعوا الحجر الأسود وأخذوه إلى بلادهم عشرين سنة وقد وجه المهدي العلوي إلى أبي طاهر الجنابي القرمطي لما قتل الحاج ودخل البيت الحرام وقلع الحجر الأسود وأخذه إلى البحرين سنة 317هـ سجلت علينا في التاريخ نقطة سوداء لا تمحوها الليالي والأيام قد حققت على دولتنا وشيعتنا ودعاتنا اسم الكفر والزندقة والإلحاد بفعالك الشنيعة(1)
__________
(1) محمد ماهر حمادة، الوثائق السياسية والإدارية للعهود الفاطمية والأتابكية والأيوبية، بيروت، مؤسسة الرسالة ص 29.
(146/12)
وفعل القرامطة بالمسلمين العرب كما فعل من قبلهم سابور ذو الأكتاف فحرق القرامطة بني عبد القيس في منازلهم ودخلوا الكوفة عام 293 هـ وأوقعوا فيها مذبحة رهيبة وفي عام 311هـ دخل أبو طاهر البصرة ووضع فيها السيف وفي عام 317هـ(1) يقول ابن الجوزي في كلامه عن القرامطة: أجمع جماعة من الثنوية والمجوس والملحدين ومن دان بدين الفلاسفة المتقدمين فأعملوا أراءهم وقالوا قد ثبت عندنا أن جميع الأنبياء قد كذبوا ----- على أممهم وأعظم كل بلية علينا محمد فإنه نبغ من الغرب الطغام فخدعهم بناموسه فبذلوا أموالهم وأنفسهم ونصروه وأخذوا ممالكنا وقد طالت مدتهم والآن قد تشاغل أتباعه فمنهم مقبل على كسب الأموال ومنهم على تشييد البنيان ومنهم على الملاهي وعلماؤهم يتلاعبون ويكفر بعضهم بعضا وقد ضعفت بصائرهم فنحن نطمع في إبطال دينهم إلا أننا لا يمكننا محاربتهم لكثرتهم فليس الطريق إلا إنشاء دعوة في الدين والانتماء إلى فرقة منهم وليس فيهم فرقة أضعف عقولاً من الرافضة فندخل عليهم نذكر ظلم سلفهم الأشراف من آل نبيهم ودفعهم عن حقهم وقتلهم وما جرى عليهم من الذل نستعين بها على إبطال دينهم فتناصروا وتكاتفوا وتوافقوا وانتسبوا إلى إسماعيل بن جعفر بن محمد الصادق(2)
الدولة البويهية: (334-447هـ) – (945 – 1005م)
__________
(1) ينظر ابن كثير، البداية والنهاية 11/160-161، وجاء دور المجوس 77.
(2) ابن الجوزي، (ت 597)، القرامطة محمد الصياغ، بيروت ، المكتب الإسلامي 31-34.
(146/13)
تنسب الدولة البويهية إلى زعيم فارس يدعى بويه من إقليم الديلم في جنوب بحر قزوين ويرجع البعض نسبه إلى آل ساسان ملوك الفرس القدماء بينما يرجع البعض الآخر نسبه إلى عامة الناس وأن هذه نسبة الملكية قد انتحلت وانتعلت بعد انتقال الملك إلى بنى بوية لرفع شأنهم وتمجيد ذكرهم وعاصمتهم شيراز ببلاد الفرس. وكانوا على مذهب الزيدية وهم يجيزون إمامة المفضول مع وجود الفاضل، بعد احتلال بغداد سنة 334هـ - 945م بايع أحمد بن بويه الخليفة العباسي المستكفي وبعد شهر واحد خلعه وبايع ابن عمه المطيع بالخلافة (334- 36هـ = 946-974م)(1)
وأظهر البويهيون ولاءهم للخلافة العباسية حرصاً منهم على مصلحتهم السياسية ويقول المؤرخون أنهم فكروا في القضاء على الخلافة العباسية وإقامة خلافة علوية مكانها وعدلوا عن ذلك بعد أن نصحهم العلويون؛ لأن عامة المسلمين قد اعتادوا على الدعوة العباسية وأطاعوا الخلفاء العباسيين كطاعتهم لله. ورسوله ، ورأوهم أولى الأمر.
يقول ابن كثير وابن الأثير: إن معز الدولة البويهي فكر في مبايعة الخليفة العلوي في مصر المعز لدين الله الفاطمي بدلاً من الخليفة العباسي(2) وقد عدل عن رأيه بناءً على نصيحة أحد مستشاريه وعملاً بمبدأ التقية : هم أظهروا ولاءهم للخلافة العباسية نسبة في بغداد وتوثيق علاقاتهم بالخلافة الفاطمية الشيعية في مصر. يقول الدمشقي: وفي سنة 352هـ وفى العاشر من محرم عطلوا البيع ونصبوا القباب في الأسواق وخرجت نساء الرافضة منشرات الشعور يلطمن ويفتن الناس، واحتلفوا بعيد غدير خم(3)
__________
(1) ----- أحمد مختار، في التاريخ العباسي والفاطمي، الإسكندرية، مؤسسة شباب الجامعة 1982م، ص 162، 164.
(2) بن الأثير، الكامل في التاريخ 6/315، ابن كثير البداية والنهاية 11/212.
(3) الدمشقي: ابن الفلاح عبد الحي بن العماد الحنبلي (ت 1089هـ) شفرات الذهب 3/9.
(146/14)
يقول الدكتور عبد الله محمد الغريب: وفي عهدهم تجرأ سفهاء الناس على شتم الصحابة .
أمر الخليفة العباس القادر بالله (381-433 هـ) بوقف النواح والبكاء في بغداد في يوم عاشوراء كما رفض تعيين رجل شيعي اختاره البويهيون لشغل منصب قاضي بغداد في سنة 398هـ قام الشيعة بمظاهرة مسلحة طالبوا فيها بإقامة الدعوة للخليفة الفاطمي في مصر، الحاكم بأمر الله وصاروا ينادونه في الشوارع يا حاكم يا منصور وحاربهم الخليفة بفرقة من حرسه وانتهت المعركة بهزيمتهم وإخماد ثورتهم. وقام قراقوش بن المقلد صاحب الموصل الذي خرج عن طاعة الخليفة القادر سنة 401هـ ونشر الدعوة الفاطمية في الموصل والمدائن والأنبار ودعا للخليفة الحاكم بأمر الله على منابر تلك البلاد وقد وجه إليه الخليفة القادر العباس جيشاً قضى على حركته. وقد انتهت دولة بني بويه على يد الأتراك السلاحقة حينما دخل زعيهم طفرليك مدينة بغداد سنة 447هـ وقضى على دولة الملك الرحيم آخر ملوكهم(1)
الدولة الفاطمية (296هـ - 568هـ)
تأسست الدولة الفاطمية في شمال أفريقيا سنة 296 على يد المهدي العلوي وداعيته ابن عبد الله الشيعي ويعتبر ذلك انتصاراً حقيقياً للرافضة وتتويجاً لجهودهم ومساعيهم في التآمر على الدولة الإسلامية. وهذا ما يسميه المؤرخون العهد المغربي. ثم انتقل المعز لدين الله إلى مصر عام 358هـ واستولى عليها بقيادة مولاه جوهر. حيث بني القاهرة وبنى الجامع الأزهر ليكون خاصاً بإقامة شعائر المذهب الإسماعيلي ومسجداً رسمياً للدولة الفاطمية ورمزاً لدعوتها المذهبية والفاطميون رافضة يرفضون خلافة أبي بكر وعمر ويقرون بأن النبي - صلى الله عليه وسلم -أوصى إلى علي بالخلافة.
__________
(1) في التاريخ العباسي والفاطمي 172-174.
(146/15)
يقول العبادي: وأهم حدث في حياة الجامع الأزهر كان في سنة 378هـ في عهد الخليفة العزيز حينما قام وزيره يعقوب بن كلس الذي كان يهودياً وأسلم (هو الذي حرض المعز على غزو مصر) بتعيين 37 فقيهاً ليقوموا بإلقاء الدروس والمحاضرات المنظمة في فقه الشيعة ورتب لهم الأرزاق والجرايات وأنشأ لهم داراً مجاورة لسكناهم. وفرض جوهر الشعائر الفاطمية الرسمية في البلاد وزاد في الأذان والإقامة (بعد حي على الفلاح) (حي على خير العمل)(1) وشارك الفاطميون في الاحتفال بالأعياد القومية والمسيحية في مصر مثل عيد الدروز (11 سبتمبر) ويوم الغطاس خميس العهد وعيد وفاء النيل. وخرجت احتفالاتهم الإسلامية عن التقليد المعروف والاحتفال بالعيدين فقط عيد الفطر وعيد الأضحى إذا تجاوزت ذلك إلى الاحتفال بميلاد أهل البيت كالمولد النبوي ومولد الحسين والسيدة زينب إلى جانب الاحتفال برؤيا هلال رمضان وبليالي رمضان وليلة الإسراء والمعراج (27 رجب) وليلة النصف من شعبان وكان يصاحب ذلك بيع الحلوى واللعب وعرايس المولد كل هذه الأشياء ابتدعها الفاطميون(2)
__________
(1) في التاريخ العباسي والفاطمي 256، 257.
(2) نفس المصدر 361.
(146/16)
لقد كانت سياسة الفاطميين عدائية نحو الخلافة العباسية في بغداد وكذلك عدائية نحو الخلافة الأموية في الأندلس وعدائية أيضاً نحو الفاتح صلاح الدين الأيوبي الذي تمكن في النهاية من إسقاط دولتهم 568هـ وفي عام 569 قام المتآمرون من الرافضة بمن يدعون أنهم من شيعة العلويين منهم عمارة بن أبي الحسن اليمني الشاعر وعبد الصمم الكاتب والقاضي العويرس وداعي الدعاة وغيرهم من جند المصريين وحاشية القصر ووافقهم جماعة من أمراء صلاح الدين وجنده واتفق رأيهم على استدعاء الفرنج من صقلية ومن ساحل الشام إلى ديار مصر ووصل الخبر إلى صلاح الدين ---- الحال فقبض على المقدمين منهم وصلبهم(1) تآمروا على صلاح الدين وكاتبوا الفرنج من أجل إعادة الدولة العبيدية(2) واستولى الفرنج على القدس وخلافه الخليفة الفاطمي المستعلي الذي تكاسل عن نجدة واليه على القدس وتم محاصرة إنطاكية سنة إحدى وتسعين وأربعمائة فتح لهم فيروز الفارس أحد المستحفظين للأبراج في الليل شباكاً فدخلوا منه. وتم الاستيلاء على الرملة والمعرة.
يقول ابن تغري بردي في النجوم الزاهرة عن المستعلي الخليفة الفاطمي إلا أنه كان مع تقاعده عن الجهاد وتهاونه في أخذ البلاد متغالياً في الرفض والتشيع كان يقع منه الأمور الشنيعة في مآثم عاشوراء ويبالغ في النواح والمآثم ويآمر الناس بلبس المسوح وغلق الحوانيت واللطم والبكاء زيادة عما كان يفعله آباؤه مع أن الجميع رافضة ولكن التفاوت نوع آخر(3)
النصيريه
ينتمي النصيرية إلى مؤسسي هذه الطائفة وهو الفقيه الشيعي محمد بن نصير المتوفي (260هـ) الذي كان يدعو إلى عقائدهم.
__________
(1) ابن الأثير، الكامل في التاريخ 9/390 (حوادث 569هـ)، الذهبي، تاريخ الإسلام حوادث سنة 569هـ وجاء دور المجوس 771.
(2) ينظر: تغري بردي، جمال الدين بن المحاسن (ت 874) النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة 60/21.
(3) ينظر: النجوم الزاهرة ص 5/145-152.
(146/17)
لقد تصدت الطائفة النصيرية للسلطة الإسلامية في زمن الدولة الأيوبية التى وقفت بوجه الصليبيين، واستولى الصليبيون على السواحل الشامية من جهتهم ولتأكيد صلتهم بالغزاة دبروا محاولة مزدوجة لاغتيال الفاتح صلاح الدين وإنهاء حياته، ولو وفقوا كما يقول محمد كرد علي إلى قتله لقتلوه به أمة بأسرها، حيث وثب أحد المستأجرين على صلاح الدين في حصاره عزاز فضربه بسكين في رأسه فجرحه فأمسك صلاح الدين يد الجاني وبقي يضرب بالسكين فلا يؤثر حتى قتله على تلك الحال ووثب آخر عليه فقتله أيضا(1).
وعندما تصدى الحاكم المملوكي الظاهر بيبرس لحملات التتار المغول وأفلح في صد اجتياحهم الأسود للبلاد العربية أيدهم البصيريون فكانوا عوناً لهم (فما دخل التتار بلاد الإسلام وتمكنوا من حلب ودمشق وغيرهما من الحواضر الإسلامية إلا بمعاونتهم ومؤازرتهم لهم)(2)
ولهذا ما إن انتهى الظاهر بيبرس سنة (676 هـ) من التتار وقضى على جموعهم الكاسرة في واقعة عين جالوت (1268م) ودفع عن الشام عادية المغول؛ حتى توجه إلى حصون النصيرية وقلاعهم فعمل فيها الهدم والتخريب وألزمهم بناء المساجد وتعميرها علهم يعودون إلى دين الإسلام ثم لم يلبثوا أن تركوها خربة لا يدخلونها ولا يعمرونها وربما أوت إليها مواشيهم وربما أوى إليها مستطرق فأذن فيها فيقولون له: لا تنهق علفك يأتيك(3) .
__________
(1) ابن تيمية: رسائل ابن تيمية، ص 94، أبو الفدا، المختصر في تاريخ البشر 3/57 أحداث سنة 571.
(2) ابن تيمية. المصدر نفسه.
(3) ------------: تحفة النظار، 65، تغري بردي، النجوم الزاهرة: 7/150.
(146/18)
وفي مطلع القرن الثامن للهجرة خرجت النصيرية عن الطاعة وكان بينهم رجل اسمه محمد بن الحسن المهدي القائم بأمر الله، وتارة يدعي أنه علي بن أبي طالب فاطر السموات والأرض تعالى الله عما يقولون علواً كبيرا وتارة يدعي أنه محمد بن عبد الله صاحب البلاد خرج يكفر المسلمين وأن النصيريه على الحق.. وحملوا على مدينة جبل فدخلوها وقتلوا خلقاً من أهلها وخرجوا منها يقولون لا إله إلا علي ولا حجاب إلا محمد ولا باب إلا سليمان وسبوا الشيخين. وأمر أصحابه بخراب المساجد واتخاذها خمارات وكانوا يقولون لمن أسروه من المسلمين قل لا إله إلا علي واسجد لإلهك المهدي الذي يحي ويميت حتي يحقن دمك(1)
وجاء في ذكر أخبار الإسماعيلية في المختصر في أخبار البشر أن أبو الوفا لما صار الحكم له بدمشق كاتب الفرنج على أن يسلم لهم دمشق ويسلموا إليه عوضها مدينة صور وانفضوا على ذلك وأن يكون قدوم الفرنج إلى دمشق يوم الجمعة ليجعل أبو الوفا أصحابه على أبواب جامع دمشق وعلم تاج الملوك تروي صاحب دمشق بذلك فاستدعى وزيره المزدغاني وقتله وأمر بقتل الإسماعيلية الذين بدمشق فثار عليهم أهل دمشق وقتلوا من الإسماعيلية ستة آلاف نفر ووصل الفرنج إلى الميعاد وحصروا دمشق ولم يظفروا بشيء وأما إسماعيل الباطين فإنه سلم قلعة بانياس إلى الفرنج وصار معهم(2)
الرافضة وسقوط بغداد الأول 656 هـ
سقوط بغداد الأول:
__________
(1) ابن كثير: البداية والنهاية أحداث 707.
(2) أبو الوفا، عماد الدين إسماعيل، المختصر في أخبار البشر، بيروت لبنان دار المعرفة 3/2.
(146/19)
إن أعظم نكبة أصيبت بها دولة الإسلام والمسلمين منذ أعظم مصيبة وهي وفاة رسول الله ((صلى الله عليه وسلم)) حتى عام 656هـ هو سقوط بغداد الأول على يد هولاكو والتتر الذين عاثوا في بغداد وبلاد الإسلام فساداً فهذه الحادثة لم تحدث مثلها إلا عند سقوط بغداد الثاني عام 2002م على يد الأمريكان وحلفائهم. فالحادثتان تتشابهان من حيث الدوافع والأشخاص والإفساد والمتآمرين مع الأعداء من الرافضة.
يقول ابن كثير: كان ابن العلقمي(1) وزيراً للخليفة العباس المعتصم بالله وهو شيعي رافضي وكان الخليفة سنياً على طريقة واعتقاد الجماعة كما كان أبوه وجده ولكن كان فيه لين وعدم تيقظ فكان وزيره الشيعي الرافضي يترصد الوقيعة بأهل السنة الذين كانت تحدث بينهم وبين الشيعة الرافضة خصومات من حين لآخر فخطط لإبادة أهل السنة ودولتهم وإقامة دولة رافضية.
وبحكم منصبه – وزيراً للدولة- وغفلة الخليفة العباسي فقد اجتهد في صرف الجيوش وإسقاط اسمهم من الديوان فكانت العساكر في آخر أيام المستنصر قريباً من مائة ألف مقاتل منهم من الأمراء من هو كالملوك الأكابر الأكاسر فلم يزل يجتهد في تقليلهم إلى أن لم يبق منهم سوى عشرة آلاف كلهم قد صرفوا عن استقطاعاتهم حتى استعطى كثير منهم في الأسواق وأبواب المساجد وأنشد فيهم الشعراء قصائد يرثون لهم ويحزنون على الإسلام وأهله وذلك كله بتدبير الوزير ابن العلقمي.
__________
(1) ابن العلقمي: يقول ابن كثير كان شيعياً جلداً رافضياً خبيثاً مات في مستهل جمادي الآخرة سنة 656هـ - البداية والنهاية 13/203.
(146/20)
ولما تم له ذلك وأصبحت بغداد بلا جيش يدافع عن الإسلام والمسلمين كاتب التتار وأطمعهم في أخذ البلاد وسهل عليهم ذلك وحكى لهم حقيقة الحال وكشف لهم ضعف الرجال وذلك كله طمعاً منه في أن يزيل السنة بالكلية وأن يظهر بدعه الرافضة وأن يقيم خليفة من الفاطميين. وقد حمله ذلك المعتقد الخبيث على أن دبر على الإسلام وأهله ما وقع من الأمر الفظيع الذي لم يؤرخ أبشع منه منذ أن بنيت بغداد.
وحينما قدم التتار بقيادة سلطانهم هولاكو خان وفي صحبته مستشاره النصير الطوسي(1) إلى بغداد كان أول من برز إلى ملاقاته ابن العلقمي فخرج بأهله وأصحابه وخدمه وحشمه، فاجتمع بالسلطان هولاكو خان لعنه الله وذلك للخطة المرسومة ثم عاد فأشار على الخليفة العباسي المعتصم بالخروج إليه والمثول بين يديه لتقع المصالحة على أن يكون نصف خراج العراق له ونصفه للخليفة.
فاضطر الخليفة إلى أن يخرج في سبعمائة راكب من القضاه والفقهاء والصوفية ورؤوس الأمراء والدولة والأعيان فلما اقتربوا من منزل السلطان هولاكو خان حجبوا عن الخليفة إلا سبعة عشر نفساً فخلص الخليفة بهؤلاء المذكورين وأنزل الباقون عن مراكبهم ونهبت وقتلوا عن آخرهم.
وأحضر الخليفة بين يدي هولاكو خان فسأله عن أشياء كثيرة ويقال عند ذلك اضطرب كلام الخليفة من هول ما رأى من الإهانة والجبروت. ثم عاد إلى بغداد وفي صحبته خوجه نصير الدين الطوسي والوزير ابن العلقمي وغيرهما والخليفة تحت الحوطة والمصادرة. فأحضر من دار الخلافة شيئاً كثيراً من الذهب والحلي والجواهر والأشياء النفيسة.
__________
(1) هو محمد بن عبد الله الطوسي نصير الدين – أي دين الكفر وزير لهولاكو وكان معه في وقعة بغداد وعلت منزلته عنده: كان يطيعه فيما يشير به عليه ويحده بالأموال توفي في بغداد في ذي الحجة سنة 672هـ البداية والنهاية 13/267، معجم المؤلفين 11/207.
(146/21)
وقد أشار أولئك الملأ من الرافضة وغيرهم من المنافقين على هولاكو أن لا يصالح الخليفة، وقال الوزير ابن العلقمي متى وقع الصلح على المناصفة لا يستمر إلا عاماً أو عامين ثم يعود الأمر إلى ما كان عليه قبل ذلك وحسنوا له قتل الخليفة.
فلما عاد الخليفة إلى السلطان هولاكو أمر بقتله ويقال إن الذي أشار بقتله هو الوزير ابن العلقمي والمولى نصير الدين الطوسي وهو كالوزير المستشار لهولاكو فلما تهيب هولاكو قتل الخليفة هون عليه الوزير ذلك فقتلوه رفساً وهو في جوال لئلا يقع على الأرض شيء من دمه خافوا أن يؤخذ بثأره كما قيل لهم لأنهم مشركون، فباءوا بإثمه وإثم من معه من سادات العلماء والقضاة والأكابر والرؤساء وأهل الحل والعقد ببلاده.
وبعد قل الخليفة مالوا على البلد فقتلوا جميع من قدروا عليه من الرجال والنساء والولدان والمشايخ والكهول والشباب ودخل كثير من الناس في الآبار وأماكن الحشوش وقني الوسخ وكانوا كذلك لا يظهرون وكان الجماعة من الناس يجتمعون في الخانات ويغلقون عليهم الأبواب، فيفتحها التتار إما بالكسر وإما بالنار ثم يدخلون عليهم فيهربون إلى أعالى الأمكنة فيقتلونهم بالأسطحة حتى تجري الميازيب من الدماء في الأزقة وكذلك عملوا بمن في المساجد والجوامع والربط ولم ينج منهم أحد سوى أهل الذمة من اليهود والنصارى ومن التجأ إليهم وإلى دار الوزير ابن العلقمي الرافضي الذي دبر هذه المكيدة للمسلمين الأبرياء
(146/22)
يقول الأستاذ علي بن محمد بن ناصر الفقيهي في شرحه لكتاب الإمامة لأبي نعيم الأصبهاني بعد نقله هذه النصوص من سقوط بغداد في البداية والنهاية لابن كثير: ولما كان الرفض عقيدة أسسها عبد الله بن سبأ اليهودي الماكر فقد جازاه ابن العلقمي الرافضي على ذلك فدبر الأمر مع هولاكو بألا يُمس أحد من اليهود بسوء وكذلك النصارى، لأن الكفر ملة واحدة والتأريخ يشهد على الرافضة بأنهم يوالون الكفار ويناصرونهم على المسلمين في كل زمان ومكان(1)
يقول ابن كثير وقد اختلف الناس في عدد من قتل ببغداد من المسلمين في هذه الواقعة فقيل ثمانمائة ألف وقيل ألف ألف وثمانمائة ألف وقيل بلغت القتلى ألفي ألف نفس أي مليونين.
وكان دخول التتار إلى بغداد في آخر المحرم ومازال السيف يقتل أهلها أربعين يوماً وقتل الخليفة كما سبق ذكر ذلك، وقتل معه ولداه الأكبر والأوسط وأسر ولده الأصغر وأسرت أخواته الثلاث وأسر من دار الخلافة ما يقارب ألف بكر كما قيل وقتل أستاذ دار الخلافة الشيخ محي الدين يوسف بن الشيخ أبي الفرج بن الجوزي وكان عدواً للوزير وقتل أولاده الثلاثة وأكابر الدولة واحداً بعد واحد وجماعة من أمراء السنة وأكابر البلد وكان الرجل يستدعي من دار الخلافة من بني العباس فيخرج بأولاده ونسائه فيذهب به إلى مقبرة الخلال تجاه المنظرة فيذبح كما تذبح الشاه ويؤسر من يختارونه من بناته وجواريه.
وقتل الخطباء والأئمة وحملة القرآن وتعطلت المساجد والجمعة والجماعات مدة شهور ببغداد(2)
الصفويون
__________
(1) الأصبهاني، الإمامة: 56، 57، 58.
(2) ابن كثير، البداية والنهاية.
(146/23)
ينتمي الصفويون بالأساس إلى أسرة تركمانية صوفية تنتسب إلى الشيخ صفي الدين (ت 1334م) واشتهر هذا الشيخ في أردبيل. استولى الشاه إسماعيل بن حيدر الصفوي على بغداد وبقية أنحاء العراق في 914هـ/ 1508م وبالرغم من أن الشاه دخل بغداد سلمياً فإنه أمر بمذبحة راح ضحيتها عدد كبير من السكان دون مبرر. نجح الشاه في تأسيس أول دولة صوفية شيعية فتحقق بذلك حلم تاق التشيع إلى التطلع إليه ذلك هو استغلال التصوف لصالح الدولة الشيعية الهدف الذي تجاوز الاستغلال إلى الانصهار وتعدي التعاون إلى الضياع والتجول ظلاً للتشيع وكان الشاه إسماعيل الصفوي يؤكد لمريديه أنه لم يكن يتحرك إلا بمقتضى الأئمة الإثنى عشر. أحيا إسماعيل الصفوى سب أعداء الشيعة في مختلف العصور وتنظيم الاحتفال بذكرى استشهاد الحسين على النحو المبالغ فيه وإضافة الشهادة الثالثة ((أشهد أن علياً ولي الله)) إلى الأذان(1)
وفي الوقت الذي كان فيه العثمانيون يركزون نشاطهم في شرقي أوروبا والبلقان ويبذل المماليك في السنوات الأخيرة من عمر دولتهم محاولات مستميتة من أجل التصدي للخطر البرتغالي في البحر الأحمر والمحيط الهندي كان الشاه إسماعيل الصفوي يسعى إلى استغلال الأوضاع القائمة لتحقيق أطماعه متجاهلاً المصالح الإسلامية فرسم سياسته التوسعية على أساسا التحالف مع البرتغاليين في الخليج العربي والتنسيق مع القوى المعادية للدولة العثمانية ودولة المماليك في مصر والشام وبعث بوفوده إلى أوروبا مفاوضاً ملوكها للتحالف ضد سلطات مصر واقتسام ممتلكاته على أن تكون مصر وفلسطين من نصيبهم بينما يستحوذ هو على بقية بلاد الشام وقد تزامنت مشاريع الشاه هذه مع سعيه إلى انتزاع الأناضول وإنهاء الدولة العثمانية(2)
__________
(1) مصطفى كامل، الطريقة الصفوية، بغداد، النهضة 1967م، 30-31.
(2) العراق في التاريخ، بغداد، دار الحرية 1382م، 564، 568.
(146/24)
وأدرك السلطان العثماني سليم الأول الخطر الصفوي فتحرك نحوهم باتجاه تبريز عاصمة الصفوية ودحر جيشهم في معركة جالديران (920هـ / 1514م).
وما توفى الشاه خلفه ابنه طهماسب (630-648هـ) (1523-1576م) فأوكل أمر بث التشيع وتنظيمه إلى الأخصائيين، ولخلو إيران من فقهاء متقنين توجه شطر جبل عامل في سوريا فاستدعى الشيخ علي بن عبد العال الكركي الذي يلقبه الشيعة بالمحقق الثاني (ت 940هـ/ 1534م) ينهض بأعباء هذه المهمة وانصب في إيران سيل العاملين حتى فاضت بهم مثل الشيخ حسين عبد الصمد الحارثي (984هـ / 1576م) وابنه بهاء الدين المنصف المشهور فاستغرقت هذه المهمة قرنين من الزمان وأثمرت بعدها بالتشيع الخالص في إيران حتى ظهر في الميدان الشيعة الإيرانيون فكان أبرزهم محمد باقر المجلس (1110هـ/ 1699م) الذي تمت على يده غلبة التشيع على التصوف في سنة (1106هـ/ 1694م) لما أمر بموافقة الشاه حسين الصفوي بإجلاء الصوفية على أصفهان العاصمة ومنع إقامة الأذكار وحرم ممارسة كل تقليد يتصل بالتصوف وأجهز الأفغان على الدولة الصفوية بعد انتصارهم على الجيش الصفوي في كتاباد سنة (1134هـ/ 1722م)(1) ثم حوصرت أصفهان العاصمة ليسفر ذلك عن تنازل السلطان حسين المذكور عن العرش وتتويج محمود الأفغاني بعد ذلك سنة (1135هـ/ 1722م)
الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)
ومن الشواهد التاريخية التي مرت علينا في العصر الحديث الحرب العراقية الإيرانية التي وقعت عام 1980م بعد مرور ما يقارب سنة من قيام ما يسمى بالثورة الإسلامية في إيران وتسلم الخميني للسلطة نادى هو ورؤوس الرافضة علناً بتصدير الثورة الإيرانية إلى الدول الإسلامية وبدءوا بالعراق الذي يعتبرونه كعبتهم لأن فيه قبر الحسين رضي الله عنه.
__________
(1) ينظر: على ظريف، تاريخ الدولة الفارسية، بغداد، 1924م، 112-113.
(146/25)
قال الخميني في كلمة ألقاها أبنه بالنيابة عنه يوم 21/3/1980 بأنا نبذل قصارى جهدنا لتصدير ثورتنا إلى الأجواء الأخرى من العالم ونترك فكرة إبقاء الثورة ضمن حدودنا.
وقال عن حكومة العراق في كلمة له نقلتها إذاعة طهران باللغة الفارسية إن هؤلاء يريدون أن نحيي عهد بين أمية، يريدون العودة إلى ذلك العهد الجاهلي لتكون القوى عربية فقط دون أن يكون هنالك أثر للإسلام.
ووقف النظام النصيري في سوريا ولمدة ثاني سنوات هي فترة الحرب العراقية الإيرانية مع النظام الطائفي الرافضي في إيران ضد العراق وذلك للعقيدة الباطنية المشتركة التي يحملونها بالرغم من أن عقيدة النظام النصيري المعلنة في سوريا هي العقيدة القومية وتم التوقيع على اتفاقية التعاون بين سوريا وإيران في العاصمة طهران وقام بغلق الحدود مع العراق وفتح مطاراته للطائرات الإيرانية وتزويد إيران بالأسلحة والعتاد وإرسال المساعدات، كل ذلك بسبب المعتقد المذهبي الذي أثر على حكام سوريا وإيران وأنهما التقيا عند هذه النقطة واتفقا على العمل سوية بموجبها.
(146/26)
واستمر سفك الدماء لمدة ثماني سنوات وخلال هذه الفترة هرب الكثير من الرافضة الذين كانوا في الجيش العراقي إلى إيران حيث قامت بتنظيمهم وتشكيل ما يسمى فيلق بدر منهم بقيادة محمد باقر حكيم وهؤلاء قاموا بكثير من الهجومات على القوات العراقية إلى جنب القوات الإيرانية. وقاموا في يوم 29 تشرين الثاني 1981 والأيام التالية تقتل عدد كبير من الأسرى العراقيين بالاشتراك مع القوات الإيرانية وقد بث التليفزيون العراقي فلماً مصوراً لبعض عمليات القتل حيث يقومون بربط كل يد من يدي الأسير بحبل إلى سيارة واليد الأخرى إلى سيارة أخرى واقفة باتجاه معاكس وتنطلق السيارتان في وقت واحد باتجاهين متعاكسين فتنخلع يدا الأسير من الكتف وتنفصلان عن جسمه ليعيدوا سنة قدوتهم عابد النيران سابور ذو الأكتاف الذي كان يقوم بخلع أيدي ضحاياه من الكتف(1)
وقصص الأسرى العراقيين لا تعد ولا تحصى عن طرق التعذيب التي كان يشرف عليها قائد قوات (غدر) محمد باقر حكيم ويباشر بعضها بنفسه .. استمر احتجاز عدد كبير من أسرى الحرب السنة بعد انتهاء الحرب وكانوا يختارون أصحاب الأعمار الصغيرة ويبقونهم حتى يقضوا أكبر فترة من الأسر ما شهد بذلك الأسرى العائدون من إيران.
الرافضة وسقوط بغداد الثاني 1423 هـ
سقوط بغداد الثاني
ما أشبه اليوم بالبارحة
لقد اختلف الناس في حوادث التاريخ هل تتكرر أو لا تتكرر وهل أن التاريخ يعيد نفسه أو لا يعيد نفسه؟ ومن خلال نظرة واحدة بشواهد التاريخ عند سقوط بغداد الأول على يد التتار والرافضة عام 656 هـ وسقوط بغداد الثاني على يد الأمريكان والرافضة عام 1424هـ نجدها تتشابه في أغلب تفاصيلها لتثبت للعالم أن التاريخ يعيد نفسه. ومن أوجه الشبه في ذلك.
__________
(1) ينظر موسوعة الحرب العراقية الإيرانية، بيروت، الدار العربية للموسوعات، 1/140، 5/120، 5/216.
(146/27)
- السقوط الأولى بدأ بمراسلات ابن العلقمي إلى التتار والسقوط الثاني بدأ باجتماع رؤوس الرافضة مع الأمريكان في شمال العراق للإعداد للاحتلال بغداد فاجتمع محمد باقر الحكيم وأحمد الجلبي وإبراهيم الجعفري وأعوانهم من الأكراد جلال الطالباني ومسعود البارزاني مع المسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية في أربيل ووزع عليهم 99 مليون دولار من أجل الإعداد لاحتلال العراق وإقامة حكم ديمقراطي بقيادة الرافضة.
- لقد زين الشيعة في زمن صدام حسين له قوة جيشه ووصفوه له أنه الجيش الذي لا يقهر، وقاموا بسرقة أغلب ما يصرف للجنود من أجل إعدادهم وتدريبهم فكانت المعدات العسكرية غير صالحة للعمل وأغلب العتاد فاسداً ولا يخبرون قيادتهم بذلك. فالرافضة كانوا متغلغلين في أغلب المؤسسات العسكرية وأعدوا الجيش للهزيمة بدل إعداده للقتال.
- أول من فتح أبواب المحافظات الجنوبية واستقبل المحتلين هم الشيعة حيث بدأ الهجوم على العراق من الجنوب لأن أغلب سكانه من الرافضة.
- وبعد أن أصدر لهم طاغوتهم الأكبر على السيستاني فتوى بعدم التعرض للقوات الأمريكية، فانهار الجيش لعدم وجود الإسناد الشعبي حيث كان أغلبه متحصناً في المدن. وكان الرافضة يتلقون الجنود الأمريكان والإنكليز بالورود على الطرقات. وقام الجنود الأمريكان بإجراء مباراة بكرة القدم مع فريق محافظة النجف وهي معقل الشيعة وبعد دخولها مباشرة.
- قام الرافضة بقتل أغلب المتطوعين العرب المسلمين السنة الذين جاءوا قبل الهجوم لنصرة العراق وتم تسليم الكثير منهم للقوات المحتلة، فيما تم إنقاذ البعض منهم من قبل السنة في العراق وإيواءهم وإعادتهم إلى بلدانهم عن طريق الحدود السورية. وقد أخبرونا بأن النار كانت تطلق عليهم من خلفهم من قبل الشيعة.
(146/28)
- قام الرافضة بالاستيلاء على أكثر من 30 ثلاثين مسجداً لأهل السنة في المحافظات الجنوبية ولم يتعرضوا لكنيسة واحدة من كنائس النصارى الموجودة هناك. وأعطوا جميع البيانات الملحقة لمسجد الدولة الذي بناه صدام حسين في الحلة للقوات المحتلة وأخذوهم المصلى ودار الإمام والمؤذن لأن المسجد كان كبيراً جداً وله حديقة كبيرة وفيه مدرسة دينية وقاعة مناسبات.
- قام الشيعة بعد سيطرتهم على الإذاعة بإقفال إذاعة القرآن الكريم وإيقاف بثها.
- قاموا بسرقة أموال الدولة في مناطقهم وفي معظم مناطق بغداد وذلك بفتاوى مسبقة من علمائهم، وقاموا بسرقة المتاحف وحرق الوزارات وحرق مكتبة الأوقاف العامة التي تحوي الكثير من المخطوطات وسرقة كافة محتويات كلية العلوم الإسلامية في بغداد بما في ذلك مكتبتها ثم تدمير كل ما لا يمكن حمله منها وتكسر زجاجها. وقد وجدنا توجيهات مكتوبة إلى قوات بدر التابعة لما يسمى بالمجلس الأعلى للثورة الإسلامية بوجوب حرق مكتبات أهل السنة والدوائر الحكومية والاستيلاء على دور الدولة ولم تسلم من الحرق سوى وزارة النفط التي قامت القوات الأمريكية بحمايتها وتم سرقة كافة محتويات المعسكرات ثم تهديمها ورفع أنقاضها وبيعها لتجار الخردة حتى أصبحت أثر بعد عين.
- وبعد إعلان انتهاء العمليات العسكرية من قبل المحتلين اتجه الشيعة للعمل في المعسكرات الأمريكية ومعسكرات الدول الأخرى داخل العراق كمترجمين ومتعهدي أرزاق وعمال لإعداد المعسكرات الثابتة للجيوش المحتلة وكذلك عملت نساؤهم كمنظفات في المعسكرات وخادمات للكثير من قياداتهم العسكرية.
- ثم بعد انطلاق المقاومة السنية بعد شهر تقريباً من الاحتلال أخذ الشيعة يعملون كعيون وجواسيس للمحتلين على أهل السنة مقابل استلام أموال من المحتلين على كل تقرير أو خبر يقدمونه لهم وكانوا يأتون ملثمين مع الجنود الأمريكان لبيوت أهل السنة للقبض عليهم.
(146/29)
- قاموا بتشكيل جماعات من قوات بدر الشيعية لاغتيال علماء السنة وطلبة العلم وخطباء المساجد والدعاة والكثير من المجاهدين الذين لم تستطع القوات الأمريكية القبض عليهم.
- وبعد أن عجزت القوات الأمريكية عن استدعاء المزيد من جنودها أو من جنود الدول الأخرى فتحوا باب التطوع في الجيش للعراقيين تحت اسم الحرس الوطني وكان الشيعة أول المتطوعين مع الأمريكان فحملوا السلاح يداً بيد مع الجندي الأمريكي وهاجموا مدن السنة مثل الفلوجة والرمادي وسامراء واللطيفية وأحياء السنة في بغداد مثل الأعظمية والدورة وشاعر حيفا وقتلوا واعتقلوا الأبرياء وسرقوا كل ما خف حمله وغلا ثمنه من أموال نقدية ومصوغات وأثاث وسيارات وذلك عند مداهمتهم لهذه الدور بحجة التفتي عن أسلحة.
- بعد اعتقال الآلاف من أهل السنة الذين لا علاقة لهم بالمقاومة والجهاد قاموا بتعذيبهم بأشد أنواع العذاب مثل تكسير الأطراف والصعق بالكهرباء والثقب في أجسامهم بواسطة المذرف الكهربائي (الديل) والمشي على الزجاج المكسور وشرب الماء الحار ووضع المئات منهم في غرف صغيرة بحيث لا يستطيع أحد منهم الجلوس أو النوم لأوقات طويلة. ورغ كل ما سمعناه عن أبي غريب من تعذيب كان السجين يتمني أن يعتقله الأمريكان ويذهبون به إلى أبي غريب. حتى لا يقع بيد الحرس الوطني أو الشرطة العراقية من الشيعة وفور ما استلم إبراهيم الجعفري رئيس ما يسمى بحزب الدعوة الإسلامية عندهم رئاسة الوزارة أصدر أمراً بإعادة فتح الخمارات والملاهي التي كانت قد أغلقت في زمن النظام السابق وبحجة أن ذلك من الحرية الشخصية التي لا يجوز التعرض لها.
- وأصدر أمراً بالعفو عن كل الإيرانيين المتهمين والمحكومين بجرائم تجارة المخدرات وتجاوز الحدود وكافة الجرائم الأخرى.
(146/30)
- قام الشيعة بإنشاء حسينيات بالقرب من كل مسجد للسنة في بغداد وذلك لتحويل بغداد إلى منطقة شيعية بعد أن عجزوا عن الاستيلاء على مساجدهم كما فعلوا بالجنوب. ولكن الفضل لله فإن لأهل السنة شوكة قوية في بغداد يصعب عليهم القضاء علي أهلها ببغداد وكل محيط ببغداد هو من السنة فحول بغداد جميعها عشائر عربية سنية ومن كافة جهاتها.
- قاموا بطباعة أغلب كتب الشيعة التي كان ممنوعاً عليهم طباعتها في عهد النظام السابق لما تحمله من بدع وخرافات وبغض للصحابة، وفي المقابل قاموا بإتلاف مكتبات الكثير من مساجد السنة ودور أهل السنة بعد الاستيلاء عليها وقد صرحوا على لسان مدير الوقف الشيعي بضرورة إنشاء جامعة دينية شيعية لأن الشيعة ليس لهم جامعات دينية وضرورة إنشاء مساجد للشيعة في كافة مدن العراق حتى السنية منها.
قاموا بإدخال عدد كبير من الفرس إلى العراق وإعطائهم الجنسية العراقية وذلك لتغيير هوية العراق العربية ورفع نسبة الشيعة في المجتمع العراقي.
جماعة الخالصي
تنتسب هذه الجماعة إلى محمد بن محمد مهدي الخالصي من شيوخ الشيعة المعاصرين ودعاة الوحدة الإسلامية في العراق. ومركز هذه الجماعة هو في محافظة ديالي بالعراق واتي مركز محافظتها بعقوبة. وهم يعتبرون أقلية بالنسبة للأكثرية في العشائر السنية المنتشرة في هذه المحافظة ولوضعهم هذا ومناداتهم بشعار الوحدة جعلهم يقفون ضد الاحتلال الأمريكي للعراق ظاهراً ويقولون بالمقاومة السلمية لإخراج المحتل أي عن طريق المفاوضات. ولكن هل هذا يعني أنهم لا يعتقدون بمعاداة أهل السنة؟
إليك الأدلة من كتبهم
1- يرى الخالصي (أن الأئمة الإثنى عشر أركان الإيمان ولا يقبل الله تعالى الأعمال من العباد إلا بولايتهم)(1)
__________
(1) محمد بن محمد مهدي القاظمي الخالصي، الاعتصام بحبل الله 43.
(146/31)
2- ويقول عن أبي بكر وعمر (وأن قالوا إن أبا بكر وعمر من أهل بيعة الرضوان الذين نص على الرضا عنهم القرآن في قوله {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ}- (18) سورة الفتح- قلنا لو أنه قال لقد رضي عن الذين يبايعونك تحت الشجرة أو عن الذين بايعوك لكان في الآية دلالة على الرضا عن كل من بايع ولكم لما قال {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ} فلا دلالة فيها إلا على الرضا عمن مخض الإيمان(1)
يقول ناصر بن عبد الله القفاري: ومعنى هذا أن أبا بكر وعمر لم يمحضا الإيمان فلم يشملهما رضا الله في زعم هذا الرافضي(2) ويقول: ولقد وفقنا على نص خطير له يكشف حقيقة الوحدة التي يدعو إليها وأنها تقوم على سب الصحابة فإنه صرح بأنه يريد من أهل السنة أن يتحدوا معه على سب عائشة أم المؤمنين وخيار صحابة رسول الله المؤمنين وإلا يفعلوا فلا وحدة، ويلوز الخالصي بالتقية بقول (فإن وافقنا باقي طوائف المسلمين يعنى على لعن الصحابة وسبهم – تمت الكلمة وائتلف الشمل وإن أبوا رجعنا إلى حكمنا الأول وهو التقية حذرا من الفرقة وحرصاً على اتحاد الكلمة وقلنا لا نسب معاوية لأنه صحابي وخال المؤمنين وإن جاء بالسيئات التي لا تغتفر ونذكر عائشة بكل خير وإن قتلت أبناءها وأحدثت الفتن! ولكن الأولى بإخواننا أن يتفقوا معنا)(3)
هذا قليل من كثير من معتقد جماعة يقال أنها معتدلة في العراق. والأصح أنها جماعة قد أجادت من التقية وكيفية استعماله لتظهر بمظهر الاعتدال عند من لا يعرف أصوله مذهب الإمامية.
جيش المهدي
__________
(1) محمد بن محمد مهدي الكاظمي الخالصي، أحياء الشريعة في مذهب الشيعة، 1/63-64.
(2) ناصر بن عبد الله الغفاري، مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة، الرياض، دار طيبة، 2/111.
(3) الخالصي: الإسلام سبيل السعادة، 90.
(146/32)
من المعروف لدى الكثير من أهل السنة في العراق أن جيش المهدي بقيادة مقتدى الصدر قد تم تشكيله بعد الاحتلال الأمريكي، ومهمته الرئيسية هي قتل أهل السنة بالعراق وهذا حصل قبل السماح لقوات بدر بقيادة محمد باقر حكيم بالدخول إلى العراق من إيران حيث منعوا من الدخول عند بداية الاحتلال. وعندما عقد محمد باقر حكيم اتفاقاً مع القوات الأمريكية للسماح له بدخول العراق هو ومليشياته ولكن من دون سلاح، فدخلوا وتسلحوا من الداخل بأسلحة الجيش العراقي المنهوبة من المعسكرات، اصطدموا بجيش المهدي والتيار الصدري في أغلب المناطق الشيعية في العراق وذلك من أجل الصراع على مراكز القوى والسيطرة على أكثر عدد من الشيعة وكان الصراع على أوجه في النجف حيث تطور إلى صدام مسلح فاستعانت قوات بدر التي كان أغلبها قد تطوع في الشرطة والحرس، بالأمريكان من أجل القضاء على الصدر وجيش المهدي وكانت قيادة قوات بدر بيد عبد العزيز الحكيم بعد أن قضى محمد باقر حكيم في سيارة مفخخة في النجف. فأصبح ظاهر الصراع بين جيش المهدي بقيادة مقتدى الصدر والأمريكان. أما باطنه فهو بين الصدريين وقوات بدر.
(146/33)
وعند هجوم القوات الأمريكية على قوات جيش المهدي في النجف ومحاصرتهم في داخل مشهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومنع الطعام والماء عنهم هب أهل السنة من كل أنحاء العراق لنجدتهم وفك الحصار عنهم فتبرع الكثير من أهل السنة بالأطعمة والأدوية وأدخلوا لهم بعض الأسلحة والمتطوعين معهم وقاموا بالقتال إلى جانبهم ونقل جرحاهم في حين كان أبناء مذهبهم من أهل النجف يداً بيد مع الأمريكان وقوات بدر وبعد أن فقدوا الكثير من مقاتليهم وتعفنت الجثث داخل المشهد تدخل علي السيستاني عالمهم الأكبر في النجف والذي كان على علاقة وثيقة بالقوات الأمريكية المحتلة؛ من أجل إنهاء حصار مدينة النجف على أن يسلم جيش المهدي حساباته فأصبح أكثر قرباً من أهل السنة لأنهم وقفوا بجانبه في محنته في حين وقف من هو على معتقده مع الأمريكان فأخذ يندد بالاحتلال وقاموا بجمع تبرعات لأهالى الفلوجة عند محاصرتهم رداً لما قاموا به من جلب الطعام من الفلوجة إلى النجف.
ولكن بقي جيش المهدي وقائده على الحياد بين الشيعة والسنة ولم يستنكروا أعمال منظمة بدر ضد أهل السنة وشاركوهم في الانتخابات، فهم بينهم خلافات لا يعلمها إلا الله ولكنهم يجتمعون على أهل السنة فلا يتفقون في أمر مثل اتفاقهم على معاداة أهل السنة وهذا ما يجعل كل ذي عقل لا يطمئن لهم ولا لظواهرهم فهم يعملون على أساس عقيدة تجمعهم على تقديم قتل النواصب وهم أهل السنة كما ورد ذلك في كبتهم على قتل اليهود والنصارى.
المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق
(منظمة بدر)
(146/34)
تعتبر هذه المنظمة التابعة لما يسمى بالمجلس الأعلى للثورة الإسلامية بالعراق من أشد رافضة المعادين لأهل السنة، قام بتأسيسها آية الله محمد باقر حكيم في إيران من الجنود العراقيين الرافضة الهاربين من الجيش العراقي عند قيام الحرب العراقية الإيرانية عام 1980، وأخذت أعدادهم تزداد عندما بدأ محمد باقر حكيم بتعذيب الأسرى العراقيين مع الجنود الإيرانيين لإجبارهم على الانضمام لمنظمته فانضم معهم بعض الأسرى الذين أخرجوهم من الأسر وأدخلوهم في معسكرات تدريبهم وسمحوا لهم بالتجول داخل إيران والزواج من إيرانيات وإعطائهم رواتب من الحكومة الإيرانية بقيادة آية الله خميني. قامت هذه المنظمة باغتيال عدد من العراقيين والقيام بهجومات على الجنود العراقيين في الجبهة جنباً لجنب مع الجنود الإيرانيين. وبقيت هذه المنظمة في إيران بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية لم يسمح لهم بالدخول إلى العراق بعد الاحتلال الأمريكي إلا بعد أن عقدوا اتفاقاً معهم على دخولهم بغير سلاح وانخراطهم في قوات الأمن العراقية التي تم تشكيلها من قبل القوات الأمريكية وبهذا أخذوا يستلمون رواتب من الحكومة العراقية المشكلة من قبل المحتلين وحملوا السلاح مرة ثانية وبصفة رسمية وعلى مرأى وموافقة الأمريكان.
وبعد اغتيال محمد باقر حكيم في النجف أمام مشهد علي رضي الله عنه بسيارة مفخخة أدت إلى اختفاء جثته تماماً ولم يجدوا منها شيئاً هو وبعض مساعديه وذلك من شدة الانفجار، آلت قيادة المنظمة إلى أخيه عبد العزيز الحكيم الذي ألقي بالمنظمة بكاملها في أحضان الأمريكان وأصبحوا يعملون بجانبهم يداً بيد ويتجسسون لهم على السنة وكذلك أخذت نساؤهم تعمل داخل المعسكرات الأمريكية كمترجمات وخادمات وإداريات.
(146/35)
وعندما قويت شوكة المنظمة بعد أن أعطاهم الأمريكان وزارة الداخلية قاموا بتشكيل فرق لاغتيال العلماء والأطباء والطيارين الذين شاركوا في ضرب إيران في الحرب، وضباط الجيش قدماء من أهل السنة وشيوخ المساجد والدعاة وكثير من المصلين الذين كانوا يقومون باغتيالهم بعد خروجهم من صلاة الفجر أو العشاء وقتل المسلمين السنة الذين ينحدرون من أصول شيعية أو هم من عوائل شيعية ولكنهم غيروا عقيدتهم بعد أن تبين لهم الحق. وقاموا بالقبض على الكثير م السنة وتسليمهم إلى القوات الأمريكية أو قتلهم ورميهم على الطرقات بعد قتلهم أو وفاتهم تحت التعذيب في سجونهم ثم إخراجهم ورميهم في مناطق مهجورة.. وقاموا بالقبض على الكثير من العرب من غير العراقيين واتهامهم بالإرهاب وقتلهم تعبيراً عن نظرتهم الشعوبية العدائية للعرب. وقاموا باغتيال أو سجن الكثير من الضباط والشرطة التابعين لوزارة الداخلية من السنة واتهامهم بمساعدة الإرهاب والمقاومة ثم طرد عدد آخر منهم وكل ذلك حصل بتوجيه من وزير الداخلية الإيراني الاصل باقر صولاغ الذي هو رافضي العقيدة شعوبي الفكر حاقد خبيث عاث في العراق فساداً وأعوانه من منظمة بدر.
منظمة أمل
ومن الشواهد الحديثة على تعاون الروافض مع اليهود والنصارى لمنظمة أمل الشيعية لقد أنشئت حركة أمل من قبل إيران وقام بإنشائها عدد من تلامذة الخميني منهم موسى الصدر تلميذ الخيمين وصهره والدكتور مصطفى جمران وزير دفاعه الذي أهلكه الله في حادث سقوط طائرة ونائب وزير وزراء خميني الدكتور صادق طبا طبائي ابن أخت موسى الصدر وصهر الخميني وقادة أمل كلهم من تلامذة الصدر(1)
__________
(1) ينظر، عبد الله محمد الغريب، أمل والمخيمات الفلسطينية، 89، 160، 182، 189.
(146/36)
يقول عبد الله محمد الغريب في كتابه (أمل والمخيمات الفلسطينية): تعاون الشيعة مع العدو الصهيوني في جنوب لبنان حقيقة ثابتة وليس أسطورة اخترعها خصوم الرافضة. لقد تحدثت الصحف ووكالات الأنباء المحلية والعالمية عن هذا التعاون ولمسه المسلمون والنصارى في الجنوب لمس اليد واعترف به الشيعة من خلال تبادل الاتهامات فيما بينهم. ويقول إن الفظائع التي ارتكبتها أمل بحق الفلسطينيين الآمنين في مخيماتهم يندى لها الجبين عاراً ويعجز مثل هذا القلم عن وصفها وتحديد حجمها لأن الرافضة حرصوا على ممارسة التعتيم الإعلامي على ما اقترفت أيديهم من جرائم.
وتناقلت وكالات الأنباء عمليات ذبح الأشخاص من الأعناق وقتل المعاقين وقتل البعض في داخل المستشفيات من الراقدين والعاملين فيها ونقل البعض الآخر خارج المستشفيات ثم قتلهم ونسفت الملاجئ على الشيوخ والنساء والأطفال ونهبت أموال المسلمين بعد أن تردد أن مقاتلي أمل اللصوص يعتبرون أن ما يستولون عليه من ممتلكات الفلسطينيين هو من غنائم الحروب. وتناقلت خبر اغتصاب 25 فتاة فلسطينية من أهالي مخيم صبرا أمام أهالي المخيم وصدر بيان عن جبهة الإنقاذ الفلسطينية بعد الذي قامت به أمل في المخيمات الفلسطينية في 19/5/1985 وما بعدها، جاء فيه أن المساجد جرفت وخزانات المياه فجرت والكهرباء والمياه قطعت والمواد الغذائية نفدت والجرحى دون أطباء أو أدوية والشهداء في الشوارع بسبب حصار حركة أمل واللواء السادس والثامن ومن يساندهم، وأكد بيان الجبهة أن ما جرى في المخيمات حالياً لم يحدث له مثيل حتى أثناء الاجتياح الإسرائيلي.
وتم أيضاً قصف برج البراجنة من قبل حركة أمل وارتكبت فيه مذابح أيضاً بعد أن صمد ---- أكثر من مخيمات صبرا وشاتيلا.
(146/37)
ورددت حركة أمل خلال مسيرات لمقاتليها في شوارع بيروت الغربية في 2/6/1985 احتفالاً بيوم النصر بعد سقوط مخيم صبرا وشاتيلا وموت الكثيرين داخله من الجوع وانعدام العناية الصحية وانتشار الأمراض فيه، شعاراً تقول فيه (لا إله إلا الله والعرب أعداء الله). مما يؤكد نظرتهم الشعوبية المقيتة(1)
حزب الله
هو التيار الخميني داخل حركة أمل انشق عنها بقيادة حسين الموسوي وتسمى (بحركة أمل الإسلامية) وتطور فيما بعد إلى (حزب الله) وكان ذلك عام 1982م. ودعم من إيران بالمال والسلاح والتدريب.
حزب الله منظمة شيعية تنتمي إلى فرقة الشيعة الإثنى عشرية يتركز نشاطه في ضاحية بيروت الجنوبية وبعض مناطق البقاع والهرمل.
ومن قيادات هذا الحزب محمد حسين فضل الله الذي يقول في معرض رد ه على الأسئلة الموجهة إليه في أحد البرامج (لم يكن هؤلاء الذين حكموا العالم الإسلامي في الماضي يحكمون باسم الإسلام، نحن لا نعتقد –على سبيل المثال- أن الحكم العثماني كان عادلاً وحراً وإسلامياً)(2)
يقول عبد المنعم شفيق في كتابه حقيقة المقاومة: (كان الشيعة أول من سارع لمساندة الجيش اللبناني (الموارنه) في الاشتباكات التي جرت مع المنظمات الفلسطينية بل ومساعدة اليهود في ذلك فالموارنه لا يريدون تكثير (السنة) لأجل إنشاء دولتهم النصرانية واليهود لا يريدون الفلسطينيين في لبنان لئلا يتهدد أمنهم من الشمال والشيعة لا يريدونهم كذلك لأنهم يمثلون عائقاً أمام تحقيق وجودهم وكيانهم الذي يسعون من أجله(3)
ويقول في الهامش: عند الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982 استقبل سكان الجنوب من الشيعة القوات اليهودية بالورد والأرز لفرحتهم بأنهم سوف يخلصونهم من الفلسطينيين.
__________
(1) ينظر، عبد الله محمد الغريب، أمل والمخيمات الفلسطينية، 89، 160، 182، 189.
(2) عبد المنعم شفيق، حقيقة المقاومة، 56 منقول عن مقال د. إبراهيم خضر، مجلة المجتمع العدد 953 ص 45.
(3) المصدر السابق، 95.
(146/38)
وعندما تحول الشيعة من مرحلة المهادنة في لبنان إلى العلم المسلح الظاهر واضحاً هدفهم بالتخلص من الفلسطينيين السنة معلناً، فمن جهة ينادون بالتقارب مع السنة وإزالة الحواجز ومن جهة أخرى يقومون بالمذابح ويتبرأ منها الآيات ويلصقون بالعلمانيين منهم.
بعد توقيع اتفاق الطائف عام 1989م واتخاذه تسوية للأزمة اللبنانية تضع نهاية للحرب الأهلية خرج حزب الله بعبارات مكتوبة على لافتات في تظاهرة مكتوبة عليا (الوهابيون رجس من عمل الشيطان، سننتقم من الوهابيين؛ لن تمر هذه الجريمة دون عقاب(1) كانت هذه عبارات مكتوبة ومحمولة تبين الحقد الطائفي الدفين من الرافضة على أهل السنة.
وفي الخطاب الذي ألقاه حسن نصر الله في بنت جبيل عقب الانسحاب الإسرائيلي والذي حضره مائة ألف جنوبي أشار نصر الله إلى أن حزب الله لن يشارك في أي عمل عسكري ضد إسرائيل بهدف تحرير فلسطين، وخلا هذا المهرجان الخطابي من شعار (زحفاً زحفاً، نحو القدس)(2) وقد تكرس التزام حزب الله بضوابط الصراع مع إسرائيل في تفاهمي تموز 1993 ونيسان 1996 حيث تعهد الحزب بعدم ضرب أهداف إسرائيلية داخل فلسطين المحتلة(3)
المبحث الثاني
سبب العداء هو عقائد الرافضة
__________
(1) المصدر السابق، 11.
(2) جريدة الأنباء العدد 863، 27/5/2000 نقلاً عن المصدر السابق.
(3) لمزيد من التفصيل راجع المصدر السابق ص 214.
(146/39)
رب سائل يسأل ما الدافع الذي يدفع الرافضة لعداء أهل السنة وموالاة أعداء المسلمين من اليهود والنصارى؟ هذا السؤال تسهل الإجابة عليه لمن أطلع على عقائد الرافضة فهم يعملون على أساس عقيدة يحملونها ويغرسونها في قلوب أتباعهم فيتولد منها العداء والبغض والعداء لصحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن ثم عداء كل من يتبعهم وموالاة من يعاديهم. هذه العقائد موجودة في كتب علمائهم على شكل فتاوى يقومون بنقلها إلى أتباعهم عن طريق مجالسهم الحسينية التي يقيمونها على مدار السنة في ذكرى مولد ووفاة أئمتهم الإثنى عشر. ويمكن معرفة بعض هذه العقائد من خلال النقاط التالية:
أولاً: تكفير الرافضة للمسلمين من غير الشيعة
1- يقول عبد الله الجميلي في كتابه (بذل المجهود في إثبات مشابهة الرافضة لليهود): يعتقد الرافضة أنهم هم المؤمنون فقط وأن ما عداهم من المسلمين كفار مرتدون ليس لهم في الإسلام نصيب، أما سبب تكفير الرافضة للمسلمين فلأنهم لم يأتوا (بالولاية) والتي يعتقد الرافضة أنها ركن من أركان الإسلام فكل من لم يأت بالولاية فهو كافر عند الرافضة كالذي ترك الصلاة أو منع الزكاة بل إن الولاية مقدمة عندهم على سائر أركان الإسلام(1)
هذه العقيدة وردت في أمهات الكتب عند القوم. منها
2- روى صدر الأئمة أخطب خوارزم بسنده أن الله عز وجل قال لنبيه عن ولاية أئمتهم الأثنى عشر فمن قبلها كان عندي من المؤمنين ومن جحدها كان عندي من الكافرين يا محمد لو أن عبداً من عبادي عبدني حتى ينقطع أو يصير كالشن البالي ثم أتاني جاحداً لولايتكم ما غفرت له حتى يقر بولايتهم(2)
وفي هذا دليل على أن كل من لم يؤمن بولاية الأئمة الإثنى عشر فهو كافر ولا مغفرة له.
__________
(1) عبد الله الجميلي، بذل المجهود في إثبات مشابهة الرافضة لليهود، 532.
(2) ناصر عبد الله، مسلة التقريب بين أهل السنة والشيعة، في رياض دار طيبة، 2/82.
(146/40)
3- تفسير القمي: عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال ليس على ملة الإسلام غيرنا وغيرهم (الشيعة) ثم يقول من فارقنا هلك ومن تبعنا نجا والمفارق لنا والجاحد لولايتنا كافر ومتبعنا ومتبع أوليائنا مؤمن(1)
4- الاختصاص للمفيد: عن علي بن الحسين أنه قال ليس على فطرة الإسلام غيرنا وغير شيعتنا وسائر الناس من ذلك براء(2)
5- روى الكليني في روضة الكافي: عن أبي عبد الله أنه قال لبعض أتباعه أما والله أنكم لعلى الحق وأن من خالفكم لعل غير الحق(3)
6- روى البرقي عن أبي عبد الله أنه قال ما أحد على ملة إبراهيم إلا نحن وشيعتنا وسابق الناس منها براء(4)
7- ونسبوا إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: وأيم الله إن عندي لصحف كثيرة قطائع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأهل بيته وإن فيها لصحيفة يقال لها العبيط وما ورد على العرب أشد عليهم منها وإن فيها لستين قبيلة من العرب مبهرجة مالها في دين الله نصيب(5)
8- وعن الباقر في قوله سبحانه {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (65) سورة الزمر قال لئن أمرت بولاية أحد مع ولاية علي عليه السلام ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين(6)
__________
(1) تفسير القيمي: 2/4.
(2) الشيخ المفيد، الاختصاص 107.
(3) رفضة الكافي، 8/145 ذكرها عبد الله الجميلي في بذل المجهود وقال أوردها البرقي في المحاسن ص 146.
(4) المحاسن، 147 نفس المصدر، 523.
(5) الصفار، بصائر الدرجات، 169، المجلس، بحار الأنوار 26/37 ذكرت في نفس المصدر السابق.
(6) تفسير الصافي 2/472 ينظر ناصر عبد الله، التقريب بين أهل السنة والشيعة 2/220.
(146/41)
9- وعن أبي عبد الله في قوله سبحانه {فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (110) سورة الكهف قال العمل الصالح المعرفة بالأئمة {وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} التسليم لعلي لا يشرك معه في الخلافة من ليس ذلك له ولا هو في أهله(1)
10- قاموا بتأويل الآيات الواردة في الكفار والمنافقين تأويلهم لها بخيار الصحابة وأقدمهم في الفضل أبو بكر وعمر وعثمان فقالوا في قوله تعالى {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا} (29) هما أبو بكر وعمر. وورد أو {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ} (22) سورة إبراهيم قالوا هو الثاني يعنون به عمر وقالوا ليس في القرآن {وَقَالَ الشَّيْطَانُ} ألا وهو الثاني. وقالوا في قوله تعالى {فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} (12) سورة التوبة طلحة والزبير من أئمة الكفر، وقالوا في الجبت والطاغوت (أبو بكر وعمر). وفي قوله تعالى {يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ} (74) سورة التوبة قالوا سبعة نفر من المنافقين أبو بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأبو عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة والمغيرة بن شعبة(2)
هذا غيض من فيض مما قالوه في تكفير عامة المسلمين وتكفير القرن الأول الذين شهد لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالخيرية وتكفير خيارهم صحبة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبو بكر وعمر، والطعن في زوجات الرسول -صلى الله عليه وسلم- وخصوصاً حفصة وعائشة، ولعن الصحابة عموماً وأبي بكر وعمر وعائشة وحفصة خصوصاً. ونختم بما جاء في دعاء لعن صنمي قريش وابنتيهما كما ورد عن الخميني الذي حاز على موافقة علمائهم.
ثانياً: وصفهم أهل السنة بالنواصب:
__________
(1) تفسير العياش 2/353 ينظر المصدر السابق.
(2) ينظر المصدر السابق لمزيد من التفصيل.
(146/42)
كلمة النواحب هي من الألقاب التي يرمز بها الرافضة لأهل السنة عندما يريدون الطعن منهم ومن قرأ أمهات الكتب عندهم علم يقيناً أنهم إنما يقصدون بالنواصب أهل السنة. وإليك الأدلة التي وردت:
1- يقول حسين الدارزي في تحقيقه للناصب.. وأما معناه الذي دلت عليه الأخبار فهو ما قدمناه هو تقديم غير علي عليه السلام على ما رواه ابن إدريس في مستطرقات السرائر نقلاً عن كتاب مسائل الرجال بالإسناد إلى محمد بن علي بن موسى قال: كتبت إليه – يعني علياً عليه السلام- عن الناصب هل يحتاج في امتحانه إلى أكثر من تقديمه الجبت والطاغون (يعني أبو بكر وعمر) واعتقاداً ما منهما؟ فرجع الجواب من كان على هذا فهو ناصب.
2- وما في شرح نهج البلاغة الراوندي عن النبي ((صلى الله عليه وسلم)) أنه سئل عن الناصب قال: من يقدم على علي غيره، إلى أن قال (بل إن أخبارهم عليهم السلام تنادي بأن الناصب هو ما يقال له عندهم سنياً)(1)
3- ويؤيد هذا ما ذكره نعمة الله الجزائري في كتابه الأنوار النعمانية قال: وأما الناصبي وأحواله وأحكامه فهو ما يتم ببيان أمرين:
الأول: في بيان معنى الناصب الذي ورد في الأخبار أنه بخس وأنه شر في اليهودي والنصراني والمجوس وهو كافر بخس بإجماع علماء الإمامية رضوان الله عليهم.
وقد تفظن شيخنا الشهيد الثاني من الإطلاع على غرائب الأخبار فذهب إلى أن الناصبي هو الذي نصب العداوة لشيعة أهل البيت عليهم السلام وتظاهر بالوقوع فيهم كما هو حال أكثر المخالفين لنا في هذه الأعصار في كل الأمصار.
4- يقول الخميني في تحرير الوسيلة: وأما الخوارج والنواصب لعنهم الله تعالى فهم بخسان في غير توقف(2)
__________
(1) المحاسن النفسية في أجوبة المسائل الخراسانية، 145، 147.
(2) تحرير الوسيلة 333.
(146/43)
وقد قاموا برمي خيار أهل السنة وعلمائهم بالنصب مثل الإمام أبو حنيفة والإمام أحمد وكفروا أعلام الله مثل سعيد بن المسيب وأبي مسلم الخولاني وأويس القرني وعطاء بن أبي رياح وإبراهيم النحفي ومالك والأوزاعي والثوري وحماد بن زيد وحماد بن سلمة والشافعي وغيرهم(1)
هذه نظرتهم لأهل السنة عموماً ولعلمائهم خصوصاً الذين أظهر الرافضة العداوة لهم ولعنوهم وأخرجوهم من الملة وجعلوا أحكام التعامل معهم أحكام التعامل مع المشركين والكفار وكما سترعى لاحقاً.
ثالثاً: اعتقادهم بخلود المخالفين لهم من أهل السنة وغيرهم في النار
إن الرافضة يعتقدون أن أهل السنة وكل من خالفهم من طوائف المسلمين في العقيدة، أنهم مخلدون في النار وأنهم مهما تعبدوا واجتهدوا فذلك لا ينجيهم من عذاب الله يوم القيامة.
1- روى الصدوق في عقاب الأعمال عن الصادق عليه السلام أنه قال: إن الناصب لنا أهل البيت لا يبالي صام أم صلى أم زنا أم سرق، إنه في النار إنه في النار(2)
وعن إبان بن تغلب قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: كل ماصب وإن تعبد واجتهد بصير إلى هذه الآية {عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً}(3)
2- وفي المحاسن عن علي الخدمي قال: قال أبو عبد الله عليه السلام إن الجار ليشفع لجارة والحميم لحميمه ولو أن الملائكة المقربين والأنبياء والمرسلين شفعوا في ناصب ما شفعوا(4)
__________
(1) المزيد من التفصيل راجع عبد الله الجميلي، بذل المجهود، 532 وما بعدها.
إبن تيمية، درة التعارض بين العقل والنقل 7/138-139.
(2) ثواب الأعمال وعقاب الأعمال 215، المجلسي: بحار الأنوار 27/235.
(3) الشيخ الصدوق، ثواب الأعمال، 247..
(4) البرقي 184
(146/44)
3- يقول العياشي في تفسيره عن أبي عبد الله عليه السلام: (وأعداء علي أمير المؤمنين هم الخالدون في النار وإن كانوا في أديانهم على غاية الورع والزهد والعبادة، والمؤمنون بعلي عليه السلام هم الخالدون في الجنة وإن كانوا في أعمالهم ضد ذلك)(1)
يقول عبد الله الجميلي في بذلك المجهود: وأعداء علي عندهم كل من قدم على علي غيره من الصحابة واعتقد صحة إمامة الشيخين فأهل السنة بهذا الاعتبار هم من أعداء علي الذين يحكم الرافضة بخلودهم في النار.
ويقول ويتمادى الرافضة في أكاذيبهم ودعاويهم البطالة إلى أكثر من هذا فيزعمون أن كل الناس ما عداهم وأئمتهم سيدخلون النار.
4- جاء في الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال (وخلق أرواح شيعتنا في طينتنا وأبدلنهم من طينة مخزونة مكنونة أسفل من ذلك الطينة ولم يجعل لأحد في مثل الذي خلفهم نصيباً إلا للأنبياء ولذلك صرنا نحن وهم الناس وصار سائر الناس همجاً للنار وإلى النار(2)
رابعاً: اعتقادهم بطلان حكم أي دولة إسلامية ما عدا خلافة علي رضي الله عنه
وعلى أساس تكفيرهم للمسلمين من القرن الأول واتهامهم ومن اتبعهم من المسلمين أنهم نصبوا العداء لأهل البيت، بنوا على هذا الأساس أن كل بيعة لأي شخص من غير أهل البيت باطلة ويدخل في ذلك بطلان دولة الخلفاء الراشدين أبو بكر وعمر وعثمان وأقروا بخلافة علي رضي الله عنهم جميعاً وأبطلوا خلافة الدولة الأموية والعباسية ومن بعدهم إلى يومنا هذا، وهذا مقرر عندهم على قول كبار علمائهم وفي أمهات كتبهم. وعليه يكون كل حكم في أي أمر من أمور الحياة الدينية والدنيوية لم يرد عن المعصومين باطلاً وغير واجب الطاعة إلا على سبيل التقية.
__________
(1) تفسير العياشي 1/139.
(2) ينظر بذل المجهود، 544.
(146/45)
1- قال المجلسي في بحار الأنوار عن الخلفاء الثلاثة الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم (أنهم لم يكونوا إلا غاصبين جائرين مرتدين عن الدين لعنة الله عليهم وعلى من اتبعهم في ظلم أهل البيت من الأولين والآخرين) ويعد كتاب بحار الأنوار من مصادرهم الأساسية(1)
2- وورد في (الكافي بشرحه) للمازندراني عن أبي جعفر قال (كل راية ترفع قبل راية القائم (ع) صاحبها طاغوت). قال شارح الكافي (وإن كان رافعها يدعو إلى الحق) وصحح المجلسي هذه الرواية.
3- وورد في الكافي للكليني عن أبي جعفر (ع) قال ( قال الله تبارك وتعالى لأعذن كل رعية في الإسلام دانت بولاية كل إمام جائر ليس في الله وإن كانت الرعية في أعمالها برة تقية ولأعفون عن كل رعية في الإسلام دانت بولاية كل إمام عادل من الله وإن كانت الرعية في أنفسها ظالمة مسيئة)(2)
4- ويقول الخميني في كتاب كشف الأسرار (كل حكومة تقوم قبل ظهور القائم هي حومة باطلة وكل راية ترفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت يعبد من دون الله ثم يقول إن عمل السلطان عديل الكفر بسألته عن عمل السلطان فقال الدخول في أعمالهم والعون لهم والسعي في حوائجهم عديل الكفر ويقول: إن القتال مع الإمام مثل أكل لحم الخنزير(3)
5- يروي محدثهم الكليني بسنده عن عمر بن حنظلة قال سألت أبا عبد الله عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث وتحاكما إلى السلطان وإلى القضاء أيحل ذلك قال من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت وما يحكم له فإنما يأخذ سحتاً وغن كان حقاً ثابتاً له لأنه أخذه بحكم الطاغوت.
وعلى هذه الأصول تكون كل خلافة أو حكومة من غير المعصومين أو أتباعهم باطلة جملة وتفصيلاً.
__________
(1) المجلسي: البحار 25/110 وما بعدها أوردها صاحب كتاب مسألة التغريب 2/311.
(2) الكليني: الكافي 1/376 وردت في نفس المصدر السابق.
(3) محمد أحمد الخطيب، كشف الأسرار، عمان، دار عمار، 238.
(146/46)
وكانوا لا يقيمون صلاة الجمعة في العراق بحجة أن الجمعة لا تقام إلا بوجود إمام عادل فلما تم احتلال العراق من قبل الأمريكان وأصبح حاكم العراق الأمريكي (بول برايمر) أقيمت صلاة الجمعية في مساجدهم(1) .
المبحث الثالث
عملهم على أساس العقيدة
أولاً: استباحة دماء أهل السنة وأموالهم:
بعد أن اتضح المعنى الحقيقي للنواصب والمقصود منه عند الرافضة هم أهل السنة. فقد دلت نصوصهم الكثيرة وفتاوي علمائهم المنتشرة في كتبهم التي تنص على استباحة دماء المسلمين وأموالهم عموماً وأهل السنة خصوصاً وجاءت روايات كثيرة عندهم بالحث على قتل أهل السنة منها:
1- روى المجلسي في البحار بسنده عن ابن فرقد قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما تقول في قتل الناصب؟ قال حلال الدم اتقى عليك فإن قدرت أن تقلب عليه حائطاً أو تغرقه في ماء لكي لا يشهد به عليك فافعل، قلت فما ترى في ماله؟ قال: توه(2) ما قدرت عليه(3) فدلت هذه الرواية على استباحتهم دماء أهل السنة وأموالهم بل قد جاء الإرشاد إلى قتلهم بحيث لا تثبت تهمة القتل على القاتل إما بقلب حائط عليم أو بإغراقهم في ماء كما هي أساليب اليهود للفتك بمخالفيهم.
2- ويصرح نعمة الله الجزائري بجواز قتل أهل السنة واستباحة أموالهم فيقول بعد أن ذكر أقوال علمائهم في المعنى المقصود من النواصب: الثاني في جواز قتلهم واستباحة أموالهم قد عرفت أن أكثر الأصحاب ذكروا للناصبي ذلك المعنى الخاص في باب الطهارات والنجاسات وحكمه عندهم كالكافر الحربي في أكثر الأحكام. ثم روى شيخ الطائفة نور الله برقده في باب الخمس والغنائم من كتبا التهذيب بسند صحيح عن مولانا الصادق عليه السلام قال: خذ مال الناصب وابعث إلينا الخمس.
__________
(1) الكليني: الكافي 1/67، لمزيد من التفصيل راجع نار بن عبد الله، مسألة التقريب 2/312.
(2) التوه: هو الهلاك، انظر القاموس المحيط 4/282.
(3) المجلسي: بحار الأنوار 27/231.
(146/47)
3- يقول الخميني في تحرير الوسيلة: والأقوى إلحاق الناصب بأهل الحرب في إباحة ما اغتنم منه وتعلق الخمس به بل الظاهر جواز أخذ ماله أين وجد وبأي نحوٍ كان ووجوب إخراج خُمسه.
ويعتبر الخميني الناصبي أشد كفراً من اليهود والنصارى فيقول (يعتبر في المتصدق عليه في الصدقة المندوبة الفقر لا الإيمان والإسلام فتجوز على الغني وعلى الذمي والمخالف وإن كانا أجنبيين، نعم لا تجوز على الناصب ولا على الحربي وإن كانا قريبين(1)
فهذا هو الخميني يفتي للرافضة بإباحة أموال أهل السنة وأخذها أينما وجدت وبأي وسيلة ولم يرد عليه في قوله هذا عالم واحد من علمائهم المعاصرين مما يدل على اجتماعهم على تلك الفتوى، لكن الخميني كان أجرأ منهم فصرح بها فهم التزموا مبدأ التقية مع موافقتهم له(2)
__________
(1) الخميني: تحرير الوسيلة 1/318، 1/91، 1/119.
(2) ينظر بذل المجهود، 542. وجاء دور المجوس 1/186-187 لمزيد من التفصيل.
(146/48)
على أساس هذه العقيدة الفاسدة استباحوا دماء المسلمين من غيرهم وأموالهم فتشابهوا اليهود الذين قالوا {لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} (75) سورة آل عمران فحصل من ذلك عندهم فساد عظيم أدى بهم إلى أخذ أي مال يستطيعون سلبه أو نهبه دون مراعاة لخلق أو دين بل يجعلون ذلك تديناً، فجرهم ذلك إلى استباحة أموال المخالفين لهم من خيرانهم وأصدقائهم وممن يعملون عنده أو يستأمنهم على ماله وكذلك الأخذ من أموال الدولة التي يعملون بها إذا كانت لغير الشيعة مما أدى إلى فساد الوظائف التي تحت ولايتهم، وأباحوا قطع الطرق وأخذ أموال القوافل من المخالفين كما فعل القرامطة لأنفسهم في قتل حجاج بيت الله الحرام وأخذ أموالهم. وأباحوا سرقة مساجد أهل السنة وأخذ كل ما ينتفع به منها. ولقد رأينا والله من ذلك عجباً في الديار التي يكثرون فيها فمنهم من يسرق جاره أو صاحبه ومنهم من سرق المساجد وأخذ فراشها ومصابيحها وأجهزة مكبرات الصوت، ووصل الأمر إلى سرقة المصاحف منها وبيعها وكذلك سرقة أحذية المصلين وحوائجهم التي يغفلون عنها. وكثير منهم سرق من يعمل في محله أو دكانه أو أرضه، وأغلب الموظفين عندهم ممن يعرف عقائدهم يقوم بأخذ أي مال عام يقع تحت يده ودون علم مرؤوسيه. وكلما كان الواحد منهم أكثر تديناً وأكثر معرفة بعقائدهم كان أكثر سرقة وخيانة وإباحة لأموال غيره لأنه على علم بمعتقدهم ويظهر لك أنه يحبك وأمين على مالك وأهلك لأنه يغطي ذلك بثوب التقية التي تبيح لهم الكذب وأن يظهر بعكس ما يبطن. أما الذين لا علم لهم بأصول مذهبهم أو فتاوى علمائهم منهم أكثر أمانة وخلقاً من متدينيهم لأنهم بقي عندهم شيء من الفطرة التي ينكرونه بها هذه المنكرات ومنهم من يستغرب هذه الأفعال ولا يقرها، نسأل الله تعالى الهداية لهم، وما رأيناه منهم في العراق عجباً فقد استباحوا أموال الدولة قبل الاحتلال وبعده فقبل الاحتلال كانوا يأخذون أغلب الأموال
(146/49)
التي تخصصها الدولة للمصالح العامة مثل إصلاح الطرق وبناء المدارس والمستشفيات وقام كثير من الضباط ومن هو دونهم منهم في الجيش العراقي باستباحة الأموال المخصصة لإصلاح الجيش وسرقة الأسلحة والعتاد ومخصصات الجند وتموين الجنود وأرزاقهم وأخذ الرشوة والكذب على قياداتهم مما أدى إلى انهيار الجيش العراقي من الداخل قبل الاحتلال وكثير منهم كانوا على علاقة بالكفار ينقلون لهم أخبار الجيش والتحركات العسكرية والكثير منهم أم جنوده بالتسليم قبل القتال، أما ما حصل بعد الاحتلال فهو أعجب فقد قاموا بسرقة كل ما وقعت عليه أيديهم من أموال الدولة فسرقوا الوزارات ثم أحرقوها وسرقوا دوائر الدولة الأخرى والمتاحف والمكتبات والمعسكرات والأسلحة والعتاد المتبقي فيها ثم القيام بتهديمها وأخذ مواد بنائها وكذلك سرقة المصانع الحكومية وأخذ ما فيها من آلات. والأعجب من ذلك أنهم كانوا يأتون بالكثير من هذه الأموال إلى مقلديهم حتى تكدست الأموال في بيوتهم وحسينياتهم وفي الشوارع التي أمامها وكل ذلك حصل بفتاوي من كبرائهم وساداتهم التي أدت بهم إلى سرقة وزارة الأوقاف ومكتبة الأوقاف العامة وكلية العلوم الإسلامية ثم حرق هذه المؤسسات بحجة أنها سنية.
(146/50)
أما ما حصل بعد دخول قوات بدر والمتطوعين من الرافضة في الشرطة وما يسمى بالحرس الوطني بعد تشكيلهما من قبل قوات الاحتلال منهم أخذوا بمداهمة دور أهل السنة مع الجنود الأمريكان يداً بيد بحجة تفتيشها والبحث عن مسلحين وإرهابيين كما يسمون أهل السنة بعد الاحتلال فيأخذون كل ما تقع عليه أيديهم من ذهب وأموال وسيارات وآليات أخرى وأجهزة كهربائية وممتلكات أخرى لا نستطيع حصرها في هذا البحث القصير، ثم يقومون بتخريب باقي الدار بإطلاق النار على الزجاج والأثاث الذي لا يستطيعون حمله، أو حرق الدار مع ما تبقى فيها وسب الله تعالى علناً وكذلك الصحابة رضي الله عنهم لأنهم يعلمون أن ذلك مما يغيظ أهل السنة. وعندما يأخذون أي أموال من أهل السنة قابلة للتلف ولا يمكن الاحتفاظ بها كالأطعمة مثلاً يقومون بتوزيعها على الشيعة في الشوارع. وكل ما حصل في العراق حصل في الكويت عند دخول الجيش العراقي عام 1990م إليها. حيث استباح الرافضة الذين في الجيش ضباطاً وجنود أموال المسلمين في الكويت ودماءهم وأعراضهم فنهبوا الدور والمحلات ومساجد أهل السنة ودوائر الدولة والمصانع والممتلكات العامة وقتلوا الأطفال وهتكوا الأعراض ولقد رأينا وسمعنا من ذلك كثيراً وعندما تسألهم عن ذلك يقولون لك هذه غنائم حرب فهي حلال وكأن من دخلوا إليهم كفار وغير مسلمين وكذلك عندما كانوا يسرقون أموال الدولة في العراق قبل الاحتلال يقولون إن أموال الدولة خلال، وهذا يعني أنهم أخذوا الفتاوى الفقهية بذلك من مقلديهم ومن اطلع على كتب علمائهم يجد فيها أن كل مال حرام تعطى خمسه حتى يصبح حلال هذا إذا كنت معتقداً حرمة المال. ومن يقرأ كتاب المسائل الفقهية لإمامهم أبو القاسم الخوئي زعيم الحوزة العلمية في النجف بالعراق في زمن احتلال الكويت يجد فتوى حلية المال الحرام بإعطاء خُمسه. ومن لم يسرق منهم في الكويت والعراق هم من غير الذين عندهم علم بمذهبهم ومعتقداتهم، أما من
(146/51)
علم منهم فد قام والله بأعمال يتورع عنها فساق أهل السنة وليس أهل الدين من السنة. ونحن لا نقول أن أهل السنة معصومون ولم يقم أحد منهم بمثل هذه الأعمال ولكن الأغلبية الكثيرة من السنة بما فيها فساقهم يغتصبوا شيئاً والقليل منهم شارك غيره من الرافضة في أعمالهم، والفرق هو أن القلة من أهل السنة الذين أخذوا الأموال يعتقدون حرمتها على فسقهم وفجورهم والأغلبية من الشيعة أخذوها وهم يعتقدون حليتها على علمهم وتدينهم.
ثانياً: العمل على زوال أي حكم لغير الشيعة:
لقد دأب المتآمرون على الإسلام من الرافضة الحاملين عقائد عبد الله بن سبأ والمجوس على العمل لإزالة أي حكم إسلامي على الكتاب والسنة أو علماني ورموزه من المحسوبين على السنة، ومن تطلع في تاريخهم وأقوال علمائهم يجد الكثير من هذه الشواهد.
1- عملوا على إزالة حكم الخلافة الأموية بدعوة أهل الكوفة للحسين رضي الله عنه لمبايعته سنة 60هـ ثم نقضوا عهودهم معه وتركوه يصطلي بنار الحرب وحده حتى مات شهيداً رضي الله عنه.
2- وأخيراً نجح أبو مسلم الخراساني في إسقاط الدولة الأموية باسم الدعوة لآل البيت وإظهار تأييده للدولة العباسية ثم التآمر عليها لولا حنكة المنصور وتخلصه منه في الوقت المناسب(1)
3- ولا يخفى تآمر البرامكة الذين يحملون نفس المعتقدات على الدولة العباسية في زمن هارون الرشيد واستئثارهم بالسلطة والتصرف بها كما يشاءون إلى أن قضى عليه الرشيد(2)
ويتضح من البحث في الصفحات السابعة تآمرهم على صلاح الدين الأيوبي وعلى إزالة الدولة العثمانية.
__________
(1) ينظر ابن كثير: البداية والنهاية 10/132.
(2) ينظر ابن خلدون، تاريخه 3/279، محمد الخضري، محاضرات من تاريخ الأمم الإسلامية 111.
(146/52)
وآخر ما عملوه هو تآمرهم مع اليهود والنصارى والأكراد لإزالة الحكومة العلمانية في العراق التي بعض رموزها من السنة العلمانيين مما أدى إلى احتلال العراق عام 2003م بعد أن فشلت إيران في حربها ضد العراق عام 1980 ولمدة ثماني سنوات
وقبل ذلك تعاونت إيران مع أمريكا وشيعة أفغانستان لإزالة النظام الإسلامي هناك يقول حسين الخرساني (إن طوائف الشيعة يترقبون من حين لآخر أن يوماً قريباً آت يفتح الله تعالى لهم تلك الأراضي الممتدة –مرة أخرى- كذا- ليدخلوها آمنين مطمئنين فيطوفوا ببيت ربهم ويؤدوا مناسكهم ويزوروا قبور سادتهم ومشايخهم وفي مقدمتا قبر صاحب الشريعة الإسلامية ومسجده الشريف وقبور أهلل بيته وعترته الطاهرين في البقيع ولا يكون هناك سلطان جائر يتجاوز عليهم بهتك أعراضهم وذهاب حرمة إسلامهم وسفك دمائهم المحقونة ونهب أموالهم المحترمة ظلماً وعدواناً حقق الله تعالى أمالنا)(1)
ثالثاً: العمل على ترسيخ هذه العقائد عند عامتهم
__________
(1) الإسلام على ضوء التشيع 132-133 من كتاب مسألة التقريب 2/81.
(146/53)
لا شك أن مذهب الرافضة مبني على وجود هذه العقائد التي ذكرنا قسماً منها آنفاً مع عقائد أخرى لم نتطرق لها في هذا البحث يجرى زرعها وترسيخها عند عامتهم عن طريق مجالسهم الحسينية وتربية أتباعهم عليها علموها أو لم يعلموها، واتخذوا من قصة قتل الحسين رضي الله عنه مداراً لها. فيقومون بربط كل عقيدة من عقائدهم الفاسدة بحدث مصطنع من أحداث هذه القصة لربط المستمع من جهلتهم نفسياً بالإعجاب بالشخصية التي تدور حولها الأحداث. كما يحدث للأطفال عند مشاهدتهم الأفلام، فبعد انتهاء الفلم يقوم الطفل بتقليد بطل الفيلم وهو لا يشعر وكأنه هو البطل فتراه يضرب هذا ويكلم هذا على أنه تلك الشخصية. وكذلك عامتهم وجهلتهم عند ربطهم بأحداث تلك الشخصيات سوف يتصرفون بدون شعور على أنهم جزء من تلك الشخصيات فمثلاً عندما يجعلون من مسألة ظلم آل البيت واغتصاب حقوقهم من قبل مخالفيهم يجعلون المقلد منهم يشعر وكأنه هو المظلوم فيتنامى عنده الحقد على المخالفين وخصوصاً أن النفوس مجبولة على بغض الظلم والظالمين وحب الانتقام لهم وبما أن الذين ظلموا آل البيت لهم أتباع في وقتنا الحاضر وهم عامة المسلمين متمثلين بأهل السنة فيبدأ العداء لأهل السنة وحب القضاء عليهم. فلذلك لم يكتفوا بذكرى مقتل الحسين وإنما عملوا مناسبات ولادة لأئمتهم ومناسبات وفاة يجلسون فيها يتذكرون قصصهم. ولم يكتفوا بذكر قصة الحسين رضي الله عنه بل قاموا بتمثيلها لتكون أوقع في النفوس ففي كل سنة يختارون ساحة كبيرة ويجمعون الناس ويقومون بتمثيل قصة القتل وقطع الرؤوس ورقص القتلى بسنابك الخيل فيخرج المشاهد ممتلئاً حقداً على من قتل أهل البيت وحب الانتقام منه. وكذلك يصورون قصة ظلم أبو بكر وعمر لعلي ودخولهم البيت على فاطمة الزهراء من أجل إجبار علي على البيعة. وهكذا تعاد القصص عدة مرات في السنة. ويربطون الناس بالأجر العظيم ودخول الجنة لمن يحب آل البيت، ولا يتم حبهم إلا بالبراءة
(146/54)
من أعدائهم الذي هم مخلدون في النار. ولم يكتفوا بهذا فيعملون مجالس النساء أيضاً وإن كانت نساؤهم لا تمنع من الاختلاط بالرجال من مثل هذه المناسبات. فيقول خطيبهم الوائلي الذي يعتبرونه عالماً عندهم يقول في إحدى خطبه (للنساء دور كبير في الحفاظ على مذهب أهل البيت) وذلك لأن أغلب زيارات القبور تقوم بها النساء عندهم فيقمن بسفرات أسبوعية تستمر لعدة أيام منفردات بحجة أداء الزيارات. فأصبح الدين عندهم ولادات ووفيات وزياراته وعمل أطعمة فهذا طعام يحبه علي رضي الله عنه وهذا طعام يحبه الحسين وهذا يوم فرحة الزهراء وهذا يوم عرس القاسم والنوروز وعيد غديرهم وهكذا فلا داعي للصلاة والصيام والحج ينسلخون من الدين وينسلخون من أخلاق المسلمين وهم لا يشعرون.
المبحث الرابع
كلمة إلى دعاة التقريب
نحن نعتقد أن التقريب غير ممكن مع من هذا تاريخهم وإن لم يكن بعد فيجب وضع بعض الأسس:
الأساس الأول: معرفة تاريخ الرافضة وعقائدهم
(146/55)
بعد هذا البيان ووضوح تاريخ الرافضة وعدائهم للصحابة والتابعين وأتباع التابعين وباقي الأمة. وتعاونهم مع أعداء الأمة من أجل إزالة كيانها وإزالة حكم الله تعالى في أرضه. ومنظماتهم السرية والعلنية واتخاذهم التقية ستاراً لذلك وتقلبهم حسب الظروف. ويخطئ من يقول إن شيعة اليوم غير شيعة الأمس. فشيعة اليوم قد جمعوا تراكمات فتاوى الشيعة منذ بداية دعوتهم ولحد الآن فالصحيح أن شيعة الأمس هم أفضل من شيعة اليوم، حيث إن الشيعة في أولهم هم من يفضل علي على عثمان فقط ثم تطورت عقيدتهم إلى تفضيله على أبي بكر وعمر ثم بعد ذلك لعن الخلفاء الثلاثة ثم لعن الرعيل الأول من الصحابة ثم لعن الأمة جميعها من غير المؤمنين بالأئمة الإثنى عشر. واليوم لا يوجد من شيعة الأمس أحد. فشيعة اليوم جمعوا ما قال به سلفهم جميعاً وأصبحوا داخل شبكة من العقائد الفائدة نتج عنا شبكة أخرى من البدع والخرافات من الصعب جداً التخلص منها في أن يتخلص من بدعة حتى يقع في واحدة أشر منها. وعن طريق وسائل الاتصال الحديثة والطباعة الحديثة وصلت أغلب قصصهم وخرافاتهم إلى عامتهم وتربوا عليها، وأصبح مقلدوهم الأحياء والأموات كثيرين ودعاتهم كثيرين وأصبحوا يقتدون بمن سبقهم. فمثلاً عندما قلت لأحدهم لماذا توافقوا على احتلال بغداد من قبل الأمريكان؟ أجاب قائلاً ولماذا لم نوافق على ذلك أم يوافق عليه نصير الدين الطوسي عند احتلال التتار لبغداد فأصبح فعل الطوسي وابن العلقمي سنداً لهم وسنة يستنون به بدل أن ينكروه.
(146/56)
فواهم أشد الوهم من يعتقد أن شيعة اليوم أفضل حالاً من شيعة الأمن ومن قال ذلك فإنه يجهل عقائد ديانات الفرس القديمة وديانات اليهود والنصارى التي تشكلت منها عقائد الرافضة فمن يطلع على تاريخ الأديان يجدهم قد أخذوا من كل دين عقيدة وبدعة أو خرافة واتخذوا الكذب ديناً. ومن هذه صفاته يصعب التعامل معه والاتفاق معه حتى على حلول وسط. ولابد من معرفة التجارب السابقة في التقريب وأقوال علمائهم وطريقة معاملتهم لأهل الإسلام ومعاملتهم لأهل الكفر حتى يكون المسلم على بينة وعلم بما يفكرون وبما يقولون وبما يريدون أن يصلوا إليه من وراء ذلك. وعليه أن يحلل كل كلمة يقولونها وكل فعل يفعلونه لمعرفة الهدف من ورائه فهؤلاء القوم هدفهم الأول والأخير هدم الإسلام وتقويض بيناته وهذا أساس قيام هذا المذهب الذي قام على الطعن في القرآن والطعن في السنة وحملتها ويريدون من أهل الإسلام أن يقروا بعقائد ما أنزل الله بها من سلطان هي مجموعة خرافات أتوا بها من الديانات السماوية الأخرى المحرفة والديانات الوضعية الباطلة.
الأساس الثاني: أن نعمل وفق عقيدة واتباع
لابد لكل مسلم أن تكون عقيدته ثابتة وهي العقيدة الصافية التي أرادها الله تعالى لعباده من الأنبياء وأتباعهم وأن يكون متبعاً لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم وسنته وصحابته المتبعين لهديه. فالرافضة على عقائد باطلة يعملون على أساسها ومتبوعين ضالين مضلين ويتبعونهم. فلماذا لا يكون عمل أهل الحق على أساس عقائدي واتباع صحيح وليس تبعاً للأهواء والعواطف وعندنا من أقوال علمائنا فيهم ما ينير لنا الطريق ومن ذلك.
(146/57)
يقول ابن تيمية رحمه الله فيهم (وحال الجيمية والرافضة شر من حال الخوارج فإن الخوارج كانوا يقاتلون المسلمين ويدعون قتال الكفار وهؤلاء أعانوا الكفار على قتال المسلمين وذلوا للكفار فصاروا معاونين للكفار إذلاء لهم معادين للمؤمنين أعزاء عليهم كما قد وجد مثل ذلك في طوائف القرامطة والجهمية الفناة والحلولية ومن استقرأ أحوال العالم رأى من ذلك عبراً وصار في هؤلاء شبهاً من الذين قال الله فيهم {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً} (51) سورة النساء(1)
ويقول: وكثير منهم يواد الكفار في وسط قلبه أكثر من موادته للمسلمين ولهذا لما خرج الترك الكفار من جهة المشرق فقاتلوا المسلمين وسفكوا دماءهم ببلاد خراسان والعراق والشام والجزيرة وغيرها كان الرافضة معاونة لهم على قتال المسلمين ووزير بغداد المعروف بالعلقمي هو وأمثاله كانوا من أعظم الناس معاونة لهم على المسلمين وكذلك الذين كانوا بالشام بحلب وغيرها من الرافضة كانوا من أشد الناس معاونة لهم على قتال المسلمين وكذلك النصارى الذين قاتلهم المسلمون بالشام كان الرافضة من أعظم أعوانهم وكذلك إذا صار اليهود دولة بالعراق وغيره تكون الرافضة من أعظم أعوانهم فهم دائمً يوالون الكفار من المشركين واليهود والنصارى ويعاونونهم على قتال المسلمين ومعاداتهم(2)
__________
(1) ابن تيمية: درء التعارض بين العقل والنقل، تحقيق محمد رشاد سالم، 7/138، 139.
(2) ابن تيمية: منهاج السنة، 3/377.
(146/58)
وقد صارت دول لليهود بالعراق وكان الرافضة من أعظم أعوانهم وقام أصحاب العمائم منهم بتقبيل الحاكم الأمريكي برايمر وأصدر السيستاني فتوى بعدم التعرض للقوات الأمريكية ووضعت قوات بدر التابعة لما يسمى بالثورة الإسلامية في العراق يدها بيد الجنود الأمريكان وعاثوا في ديار أهل السنة فساداً وعملوا في معسكرات الأمريكان رجالاً ونساءاً. فهؤلاء العلماء الربانيون كانوا أعرف الناس بحالهم.
الأساس الثالث: هو أننا على الحق وهم على الباطل
لابد لكل من يناظرهم أن يعتقد أنه هو على الحق ثابت عليه وهم على باطل لابد أن يرجعوا، عنه إلى الحق كما ذهب عبد الله بن عباس رضي الله عنه إلى الخوارج وناظرهم وأعادهم إلى الحق ولم يتنازل لهم عن شيء من الحق. فأهل الحق لا يتركونه من أجل أن يؤلف قلوب أهل الباطل، فالمسلم ليس عنده بضاعة كاسدة يبيعها بثمن بخس. فنحن عندنا عقيدة صافية وشريعة وافية وهم عندهم خرافات وأباطيل وإذا تنازلوا عن الباطل واتبعوا الحق فهم الرابحون. فعند تركهم للقول بتحريف القرآن أو سب الصحابة أو الطعن في أمها المؤمنين لا يخسرون شيئاً، أما إذا تنازلنا نحن عن موالاة الصحابة وانتقضنا من أمهات المؤمنين وطعنا في السنة أو في حديث واحد مما يثبت عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو أقررنا بتفسيرهم الباطني لبعض الآيات فهذا يعني الهلاك وقد نهى الله سبحانه وتعالى رسوله عن المداهنة وهي التنازل عن الحق واتباع الباطل ولو صلينا ف حسينياتهم أو حضرنا مناسباتهم المبتدعة لكانوا هم الرابحين ونحن الخاسرون. فلا تقريب إلا على الإسلام.
(146/59)
ومن لا تحضره الأدلة على إفساد عقائدهم فلينظر إلى حالهم: فكل عقيدة لابد أن يكون لها واقع في العمل، فمن تطلع إلى أعمالهم وجدها أشد فساداً من عقائدهم فلقد أوصلت عقائدهم هذه الكثير منهم إلى الشرك الأكبر وهو لا يعلم فوالله رأينا الكثير منهم أهون شيء عليه أن يسب الله سبحانه وتعالى ويسب النبي صلى الله عليه وسلم وإذا حلف الله يحلف كاذباً وإذا حلف بواحد من آل البيت يخاف أن يكذب لأنه يعتقد أنهم يضرونه وينفعونه فلا تعظيم لله في قلوبهم، نشأ من ذلك فساد عباداتهم فأكثرهم لا يصلون ولا يصومون ولا يحجون فتجد مساجدهم خراباً فهم يؤذنون ثلاث مرات فقط: الفجر والظهر والمغرب ويجمعون القصر مع الظهر والعشاء مع المغرب ومع ذلك لا يحضرون، أما في صلاة الفجر فربما تجد المؤذن وحده في المسجد، فعدم تعظيم الله عندهم ناشئ من تربيتهم على تعظيم المخلوق فهان عليهم ربهم مما أدى عندهم إلى عدم تعظيم أوامره ونواهيه فبعد فساد العبادات فسدت عندهم المعاملات فهم أسوأ الناس حالاً في الغش والخداع والكذب وخيانة الأمانة وأشد من ذلك ارتكست عندهم الأخلاق فهم أسوأ الناس خلقاً في كل مدينة يعيشون فيها فمع وجودهم يكثر السلب والنهب وقطع الطريق والسرقة. وترى نسائهم كاسيات عاريات وعندما تزور القبر تلبس عباءة فتراهن دائرات على القبور أياماً وليالي، أفراد وجماعات وليس معهن رجل، وما رأيناه وسمعنا به عند القبول، والله يندي له الجبين فوالله من رأى حالهم لابد أن يقول أن هذا ليس دين الإسلام. فالإسلام الحق عقيدة صافية تنبثق عنها أخلاق حميدة ومعاملات حسنة وعبادات منضبطة وفساق أهل السنة أحس حالاً من علمائهم الذين لو اطلعت عليه لوليت منهم فراراً.
الأساس الرابع: وضع ضوابط وأصول يرجع إليها عند الخلاف
لابد لكل من يفاوضهم ويقوم بعملية التقريب أن يتفق معهم على ضوابط وأصول يرجع إليها عند الخلاف.
(146/60)
يقول: ناصر عبد الله الغفاري في مسألة التقريب: (وأولها القرآن الكريم وذلك قبل الدخول معهم في الحوار حول المسائل التفصيلية في الخلافة وغيرها(1) ويذكر أن الشيخ عثمان الدمياطي(2) يضع أصولاً للدخول مع الروافض في حوار أو مناظرة ويعلم ذلك تلاميذه ننقلها باختصار فيذكر: أنه لابد أولاً أن يتفق على الأصل الأول في الإسلام وهو القرآن العظيم فيقال للرافضين: (هل تؤمن بأن ما بين دفتي المصحف كلام الله المنذل على سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- المتعبد بتلاوته المتحدي بأقصر سوره منه فإن أنكر ذلك أو شك فيه فلا يحتاج إلى المناظرة معه بل يجري عليه أحكام الكافرين وكذا إن اعتقد أن في القرآن تغييراً أو تبديلاً لأنه مكذب لقول الله تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (9) سورة الحجر وإن أقر واعترف يتلو عليه أو يكتب له في ورقة الآيات التي أنزلها الله تعالى ثناءاً على الصحابة رضي الله عنهم. ثم بعد تلاوة هذه الآيات أو كتابتها في صحيفة يقول له هذه آيات أنزلها الله تعالى مثنياً على أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وشاهد لهم بأنهم صادقون ومخبراً بأن لهم الجنة. وقد أقر بأنها آيات الله فيلزم ترك الطعن عليهم والقدح فيهم لأنك إن فعلت ذلك كنت مكذباً بما تضمنته هذه الآيات وتكذيب آيات الله كفر فما تقول في ذلك؟ فإن قال هذه الآيات لا تشملهم قلنا يدفع ذلك قوله تعالى {وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى} (95) سورة النساء
__________
(1) ناصر عبد الله، مسألة التقريب، 2/264.
(2) عثمان بن محمد الدمياطي البكري الشافعي نزيل مكة (أبو بكر) فقيه صوفي كان حياً عام 1300هـ.
(146/61)
فإن قال إن الصحابة ارتدوا إلا قليلاً خمسة أو ستة كما هو المشهور عن الرافضة فهذا تكذيب لله ولرسوله -صلى الله عليه وسلم- وإنكار للحقائق المتواترة فلا يجرى معه مناظرة بل ينبغي أن لا يخاطب لأنه غير عاقل بل غير مسلم وإن اعترف بالآيات والأحاديث التي جاءت في الثناء عليهم فحين ذاك يصار للبعث والمناظرة في مسألة استحقاق الخلافة ونحوها ويكون المرجع عند الخلاف الكتاب والسنة الصحيحة والإجماع(1)
أرى أن هذا الأسلوب والمحاورات ربما تنجح مع أفراد من عامتهم من الذين لم تدخل فكرة تحريف القرآن في عقولهم، أما من يؤمن بأن هذا القرآن محرف وعندهم قرآن غيره فلا ينفع معهم الحوار كما قال لي أحدهم عند مناظرته (هذا قرآنكم). أما رؤوسهم فصعب عليهم ترك الأموال والجاه بعد إقراره بمذهب أهل السنة وربما تتعرض حياته للخطر أيضاً لأنهم لا يتركون عالماً من علمائهم ترك عقائدهم إلا حاولوا قتله.
الأساس الخامس: أن لا ننخدع بما يقولون
__________
(1) ينظر مسألة التقريب لمزيد من التفصيل 2/264.
(146/62)
لابد لكل مسلم أن يعلم أن تسعة أعشار الكذب في الرافضة، فهم أمة خداعة تستخدم التقية ستاراً لما تكنه صدورهم. فهم يتكلمون عن وحدة المسلمين ويعملون على فرقة المسلمين. ويحاولون جر أهل السنة ولو للعمل بواحدة من بدعهم وخرافاتهم. فالذين ساروا وراء الشعارات البراقة وزحرف القول لما يسمى بالثورة الإسلامية في إيران واهمون عندما ظنوا أن الخميني هو حامل لواء الإسلام وذهبوا ليبايعوه على أنه خليفة المسلمين. وعندما علموا وهمهم قالوا ذهبنا له لنقول له نحن معك لتحكم بالكتاب والسنة وهذا عذر أقبح من فعل فأمة مثلهم لا ترضى بخلافة أبي بكر وعمر تريدها أن ترضى بمن هو دونهم. وخميني الذي يلعن أبا بكر وعمر في دعاء صنمي قري تريده أن يرضى بسنتهما وحكمهما وهي سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحكمه فما غيرا وما بدلا. وأمة تبغض زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- أمهات المؤمنين شهدت على نفسها بعدم الإيمان، فلو كان عندهم إيمان لرضوا بأن تكون عائشة وحفصة وباقي أمهات المؤمنين أمهات لهم لأن الله تعالى يقول {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} (6) سورة الأحزاب
(146/63)
ونورد هذه القصة للاعتبار حصلت في بعض مناطق العراق التي أهلها من السنة والشيعة. أخبرونا أنهم يريدون التقارب حتى لا تحدث فتنة، بين السنة والشيعة فقلنا لهم كيف ترون الوحدة والتقارب قالوا نصلى معكم وتصلون معنا ونحن مستعدون أن نأتي ونصلي معكم أولاً بما في ذلك إمامنا الذي سوف يصلي خلف إمام مسجدكم وهذا كلام انخدع به الكثير ممن لا علم لهم. فقلنا لإخواننا إنهم يريدون منا أن نقرهم على باطلهم بحضورنا للصلاة معهم فدخولهم أهل السنة إلى حسينياتهم المبتدعة يعدونه نصراً وحضور أهل السنة في مناسباتهم المبتدعة إقراراً لهم عليها. فأخبرناهم أنه لابد من أمور عامة نتفق عليها حتى لا تحدث الفتنة فكتبنا عشرة نقاط هي من أسباب قيام الفتنة. وهي باختصار.
أولاً: أن لا يكفر بعضنا بعضاً فنحن وأنتم مسلمون
ثانياً: كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه.
ثالثاً: أن لا نعين قوات الاحتلال في أي أمر ولا يعمل أحد منا جاسوساً لهم.
رابعاً: أن لا نتعاون مع الأحزاب العلمانية في جهودها لتغيير الطابع الإسلامي للمدينة.
خامساً: أن نبتعد عن الخطب والمحاضرات التي تسيء للصحابة وزوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- وآل البيت.
سادساً: أن يكون المسلمون يداً واحدة على من سواهم.
سابعاً: أن لا يمنع أي من المسلمين من الشيعة والسنة من دخول مساجد الآخر.
ثامناً: التصرفات الفردية من قبل بعض الأفراد لا تحتسب على الجماعة.
تاسعاً: في حالة حصول خلاف يرجع فيه إلى لجنة تحكيم.
عاشراً: أن يكون ظاهرنا هذا مثل باطننا وينصب الله لكل غادر لواء يوم القيامة والله على ما نقول شهيد.
(146/64)
فوالله كنا منصفين معهم في كل ما كتبناه فكتبنا أن لا يسيء أحد منا إلى الصحابة وآل البيت وهم يعلمون أنهم يسيئون إلى الصحابة ويتهموننا بالإساءة إلى آل البيت ونحن نحب آل البيت أكثر منهم وكتبنا أن لا يمنع أي واحد من دخول مساجد الآخر لأنهم يفهمونا بأنا نمنعهم من دخول مساجدنا ويفهمون ذلك لأتباعهم ويقولون لهم لا تذهبوا وتصلون في مساجدهم فهم يمنعونكم ولا يرضون بذلك ونحن والله ما منعنا أحداً وكانوا يحضرون ويصلون وحدهم فرادى خلف الصف ولا يمنعهم أحد وإن رأينا منهم غريباً نبش في وجهه وندعوه لضيافتنا ونعاملهم في المسجد أحسن معاملة.
(146/65)
وعندما أطلعناهم على الشروط قلنا لهم إذا كان عندكم إضافة فاخبرونا لنضعها ضمن الشروط فقالوا ليس لدينا إضافة ولا اعتراض ولكننا نحتاج لمدة أسبوع لنعرض هذه النقاط على السيد في النجف حتى يوافق عليها لتكون عهداً بيننا وذهب أسبوع وجاء آخر وقالوا أن السيد مشغول ويحتاج إلى أسبوع آخر حتى يوقع على الوثيقة فقلنا لهم نحن غير مستعجلين ونحن عاملون بما قلنا وكتبناه وانتظرنا أسابيعاً وشهوراً فلم يرد علينا وفي هذه الأثناء خرجوا بمظاهرة مع الحزب الشيوعي الذي كل أعضائه منهم في هذه المدينة والأحزاب العلمانية الأخرى وهم ينادون بشعارات يعرضون فيها بأهل السنة. ثم بعد ذلك جاء الأمريكان وقبضوا على اثنين من أئمة المساجد السنية في المدينة بحجة الهجوم على قوات الاحتلال وفي التحقيق قالوا لهم أن لدينا عليكم ملفاً في التقارير، أنكم تقومون بضرب قوات الاحتلال وتحرضون عليها في خطبكم. وكل هذه التقارير من جواسيسهم الذين يعملون جواسيس للأمريكان المحتلين على المسلمين ثم استمر اعتقال أهل السنة ومداهمة دورهم وسرقة أموالهم ومهاجمة قراهم وأيدي الرافضة بأيدي الأمريكان وقاموا بقتل بعض أهل السنة في دورهم وقاموا باعتقال أغلب من يصلي في مساجد السنة حتى وإن كان شيعياً حتى الأحداث منهم دون سن 15 سنة وأغلقت بعض المساجد لعدم وجود من يؤذن ويصلي فيها. وأخذ الكثير من أهل السنة وألقوا في السجون والمعتقلات التي تدار من قبل الأمريكان والرافضة وأذيقوا ألوان التعذيب من أجل انتزاع اعترافات منهم وهم أبعد ما يكونون عن المقاومة والجهاد.
(146/66)
وعندما نورد أعمالهم وقصصهم في مثل هذا المقام ليكون إخواننا المسلمون على بينة منها لتكون لهم عبرة فاحتلال العراق من قبل أمريكا بالرغم مما فيه من يأس نحن نشهد لربنا أنه أحكم الحاكمين في هذا فلقد فضح الله تعالى فيه الرافضة وأخرجوا كل ما في جعبتهم علناً ودون تقية ليحذرهم الناس جميعاً والمسلمون خصوصاً في وقت كانوا يحاولون جاهدين من أجل خداع المسلمين بمسألة التقريب. ولو واصلنا الليل بالنهار عملاً وأنفقنا كل ما نملك ما استطعنا أن نفضحهم بجزء يسير كما فضحهم الله سبحانه وتعالى به وهذا هو عذاب الخذي في الدنيا ولهم ما يستحقون من الله تعالى في الآخرة.
المبحث الخامس
من أساليبهم في السيطرة على بلاد الإسلام
ربما لا يخفى على الكثير من دعاة الإسلام والكثير ممن اطلع على أحوالهم واهتم بها أن حكماء (قم) قد اجتمعوا ووضعوا خطة للسيطرة على بلاد الإسلام وحددوا لها مدة (50 عاماً) تسمى الخطة الخمسينية. وهم جادون في تطبيقها على أرض الواقع وفق السياسة التالية.
1- بناء القبور التي يدعون أنها لأهل البيت وتمثل رموزاً لهم في كافة أرجاء بلاد المسلمين باسم السياحة تارة وباسم التعاون تارة أخرى، وما من قبر يشيد أو مشهد يقام في بلاد الإسلام إلا وللرافضة يداً في ذلك ويقوم متبرعون منهم بالتشييد بتوجيه من آياتهم.
(146/67)
2- القيام بتكثير الشيعة في ديار السنة لجعلهم أكثرية وذلك بتهجير أعداد منهم إلى ديار السنة وتقديم المساعدات لهم والإغراءات للسكن هناك ويقومون بشراء دور لهم من أهل السنة وبأغلى الأثمان إذا اقتضى الأمر وبذلك يتخلصون من سني ويأتون مكانه بشيعي. وهذا حصل في سامراء بالعراق مثلاً حتى في زمن صدام حسين حيث أخذوا يغرون أتباعهم بالسكن هناك وعندما علمت الدولة بذلك منعوا بيع وشراء الدور لفترة في سامراء. ولكن بعد سقوط النظام قاموا بإدخال ما يقارب ثلاثة ملايين إيراني إلى كربلاء والنجف وبدون جوازات سفر واستوطنوا النجف وكربلاء والجنوب من أجل ترجيح كفة الشيعة في الانتخابات وعندما استلمت الحكومة الشيعية الحكم أصدرت قراراً بالسماح بمنح الجنسية العراقية لمن يطلبها من أجل تجنيسهم، وقبل ذلك قامت هذه الحكومة بمطاردة العرب وخصوصاً الفلسطينيين وإخراجهم من العراق بعد اتهامهم أنهم جاءوا لمساعدة المقاومة والقيام بأعمال تفجيرية. ووصل الأمر إلى محاولة تكثيرهم في مكة والمدينة لغايات بعيدة يعملون لأجلها. وكذلك دول الخليج عن طريق الإقامة لفترة ثم طلب الجنسية ويتم ذلك بمساعدة تجارهم الذين يعملون عقود عمل للرافضة من أجل الحصول على الإقامة ثم طلب الجنسية.
(146/68)
3- السيطرة على الإعلام المرئي والمسموع والمقروء بإقامة الفضائيات مثل قناة الفيحاء من الإمارات والفرات والعراقية من العراق، وهاتان تعملان بجهوداً لتقنين الأمريكان ومثل قناة المنار من لبنان والعالم من إيران وإقامة الإذاعات الخاصة بالراديو والسيطرة على كثير من المراكز الثقافية ودور النشر عن طريق إنشائها ودعمها بالمال من أجل إغرائها وقيامها بالترويج لمذهب الرافضة وطبع منشوراتهم وكتبهم، وكثير من الصحف والمجلات تكتب مقالات كثيرة تعرض بها بالصحابة وزوجات الرسول - صلى الله عليه وسلم- وحصلت ضجة إعلامية كبيرة في دولة خليجية بسبب نشر مثل هذه المقالات. ومشاركة دور النشر الرافضية في معارض الكتب العربية لبث سمومهم.
4- الإكثار من إنشاء الحسينيات في المناطق السنية حتى وإن لم يصلوا فيها فكثير من المساجد أنشأت بالقرب منها حسينيات فما أن يقوم المسجد بإلقاء خطبة الجمعة أو درس في الشريعة إلا قاموا بفتح درس أو كاسيت قراءة على الحسين وفي بعض الحالات يذيعون آيات من القرآن لا حباً به ولكن للتشويش على السامعين خارج المسجد حتى لا يفهموا شيئاً من المحاضرة.
5- الارتماء في أحضان اليهود والنصارى بحجة انهم يساعدونهم في مكافحة الإرهاب لإفهامهم أن الإرهاب يأتي من جهة السنة فقط، وأن مذهبهم لا علاقة له بالإرهاب وهذا الدور يقوم به الشيعة حالياً بالعراق بقيادة آيتهم علي السيستاني وعبد العزيز الحكيم الذي قال عنه أحد قادة الاحتلال أتمنى أن يطول عمره ويمنح جائزة نوبل للسلام (يقصد بذلك علي السيستاني) وسيأتي الوقت الذي يظهر فيه حقيقة علاقة إيران باليهود.
(146/69)
الاتجاه نحو الشيعة الذين هم في دول غير إسلامية ومحاولة تجمعهم وإقامة حسينيات لهم وإرسال دعاة ومساعدات لهم خوفاً عليهم من أن يتحولوا إلى سنة وذلك لانتشار مساجد السنة والدعاة في البلدان غير الإسلامية وطبع الكثير من منشوراتهم في هذه البلدان مستفيدين من حرية النشر والصحافة.
قبول الطلاب المسلمين من بلدان أخرى في الجامعات الإيرانية ومساعدتهم من أجل تلقينهم مذهب الإمامية، أو على الأقل عودتهم وهم متعاطفون معهم.
الحرص على مشاركتهم في المؤتمرات الإسلامية وكذلك الندوات ومراكز البحوث، ويحاولون جاهدين تضمين أي بيان ختامي ولو إشارة بالاعتراف بمذهبهم حرصاً على وحدة المسلمين كما يدعون وحصل ذلك في عدة مؤتمرات معروفة لدى الكثير.
في الوقت الذي ينادون فيه بوحدة المسلمين تجدهم يعتزلون المسلمين في المساجد فلا يصلون معهم وفي الحج لهم شعائرهم وحتى لبسهم لملابس الإحرام ويحاولون البقاء على عرفة في اليوم الثاني للوقوف. ويصومون في اليوم التالي لصوم المسلمين والعيد عندهم في اليوم الثاني من إعلان يوم العيد وأحياناً في اليوم الثالث ويحرصون على إنشاء منابر خاصة بهم ومناسبات وأعياد خاصة بهم، كل ذلك حفاظاً على شعائرهم الخاصة بهم من الزوال والانقراض عند اختلاطهم بباقي المسلمين.
(146/70)
ومن ذلك حصراً لكثير من أسمائهم بالعبودية لآل البيت مثل (عد الحسين وعبد العباس وعبد الأمير وعبد علي وعبد الزهراء) ولا تجد عندهم اسم عبد الرحمن مطلقاً بحجة أن عبد الرحمن ملجم هو الذي قتل علي رضي الله عنه. ولا تجد عندهم أبو بكر أو عمر أو معاوية، ووصل بهم الحال إلى التسمي بأسماء الكفار ولم يتسموا بأسماء هؤلاء حتى إنهم يسمون فرعون ورستم وكسرى ولا يسمون أبو بكر وعمر ومعاوية وطلحة والزبير. وهذا شيء لا نبالغ فيه فعشيرة كاملة بالعراق اسمها عشيرة (آل فرعون) ورأينا وسمعنا برستم وكسرى وشاه زنان وغيرهم برغم كل الخلافات التي عندهم تجدهم يجتمعون على أهل السنة وهذا ما حصل في العراق فاحزابهم التي تحمل الصفة الإسلامية وأحزابهم العلمانية والملحدون منهم اجتمعوا تحت اسم (البيت الشيعي) ودخلوا الانتخابات، ورمزوا لهذا الائتلاف الذي جمعهم بصورة (شمعة ---) اجتماعاً منهم على تقديس النار ورمزها لهم كما عملوا كلمة الله في العلم الإيراني على شكل الشعلة.
محاولتهم التقرب من علماء السنة ومن مؤسساتهم الدينية من أجل أن يوافقوا على إنشاء مراكز للتقريب وبدءوا بالجامع الأزهر الذي يعتبرونه المؤسسة الدينية الأولى لهم التي أقامها الرافضة العبيدين لتدريس أصولهم الفاسدة، ولولا عناية الله وتفضله على المسلمين بمجئ صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، إذ عمل على تغير منهجها من تدريس البدع والخرافات إلى تدريس مذهب أهل السنة، لكانت اليوم وبالاً على المسلمين. والكبوة الكبيرة التي كباها الأزهر وعلماؤه كانت عند إقرارهم على أن المذهب الجعفري مذهب خامس ويجوز التعبد به وموافقتهم على إنشاء دار للتقريب في مصر.
(146/71)
ومحاولتهم إنشاء جامعات دينية باسم آل البيت لتدريس مذهب آل البيت كما يدعون وهو لا علاقة له بجعفر الصادق رحمه الله ولا بآل البيت، وكذلك إنشاء الكثير من المدارس الابتدائية بعد عزوف كثير من الناس عن حوزاتهم العلمية هذا حصل في العراق وفلسطين وكثير من بلاد الإسلام ودس أفكارهم في رؤوس الصغار من خلالها.
الاستثمارات التي يقيمونها في البلدان الإسلامية التي تسمح بالاستثمار وأغلبها بتوجيه من الآيات وذلك للسماح بالسيطرة على بلاد الإسلام عن طريق رؤوس الأموال وجلب عمالة شسيعية تستوطن هذه البلدان بصفة رسمية موافق عليها من قبل السلطة.
انتشار ممثلين عن آياتهم ووكلاء في جميع البلدان الإسلامية وذلك لاستمرار الاتصال بهم وجلب الخمس إلى الآيات والحوزات العلمية في قم والنجف وكل التوجيهات السياسية والشرعية تأتيهم عن طريق هؤلاء الوكلاء ويعتبرونهم سفراء حوزه يقومون بمصالح الشيعة فيها فالحوزات تتصرف وكأنها دولة لها كيانها داخل دولة يتصرف الفاتيكان بالنسبة لعلاقته بالدول والكنائس وتعيين القسسه فيها.
قاموا بتغيير المناهج الدراسية في المدارس الابتدائية في العراق بعد استلامهم وزارة التربية فيها من قبل ما يسمى بحزب الدعوة الإسلامية حيث قام مدير المناهج بها بتحريف تاريخ الخلفاء الراشدين وعدم الترضي عنهم وتغير مواضيع أخرى ووضع دروس للديمقراطية مما أدى إلى اغتياله من قبل مجهولين.
تكرار مطالبتهم بالفيدرالية للمحافظات الشيعية الجنوبية وذلك لغايات بعيدة من أجل فصلها عن العراق وإقامة دولة شيعية موالية لإيران لأنهم يعلمون أن السنة لا يتركونهم إذا خرجت قوات الاحتلال.
المبحث السادس
الموالاة والمعاداة أو الولاء والبراء في الإسلام
لإتمام الفائدة من هذا البحث رأيت أن أجعل فيه هذا المبحث حتى يعلم المسلم أن هؤلاء الناس بينهم وبين ما أراده الله ورسوله من الولاء والبراء بون شاسع.
(146/72)
الموالاة: لغة هي المحبة فكل من أحببته ابتداءً من غير مكافأة فقد أوليته وواليته والولاية ضد العداوة ومجمل القول في الموالاة أو الولاء: أنه المحبة والنصرة والاتباع واللفظ مشعر بالقرب والدنو من الشيء.
المعاداة: لغة: مصدر عادى يعادي معاداة والعداء والعداوة: الخصومة والمباعدة وهي الشعور المتمكن في القلب من قصد الإضرار وحب الانتقام والعدو ضد الصديق وملخصه: أنها التباعد والاختلاف وهي ضد الموالاة.
الموالاة والمعاداة شرعاً: أصل الموالاة الحب وأصل المعاداة البغض وينشأ عنهما من أعمال القلب والجوارح ما يدخل في حقيقة الموالاة والمعاداة كالنصرة والأنس والمعاونة والجهاد والهجرة.
فالموالاة: الاقتراب من الشيء والدنو منه عن طريق القول أو الفعل أو النية.
والمعاداة ضد ذلك. ومن هنا نعلم أنه لا يكاد يوجد فرق بين المعنيين اللغوي والشرعي وأن الله تعالى قد أوجب على المؤمنين أن يقدموا كامل الموالاة للمؤمنين وكامل المعاداة للكافرين ولا يتم الولاء للمؤمنين إلا بالبراء من المشركين فهما متلازمان.
قال تعالى {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ}(1) وقال تعالى {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ}(2) وقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ}(3)
__________
(1) سورة التوبة: الآية 71.
(2) سورة آل عمران: الآية 28.
(3) سورة الممتحنة: الآية 1.
(146/73)
فالموالاة والمعاداة من الأصول المهمة وهي جزء من شهادة أن لا إله إلا الله فإن معناها البراءة من كل ما يعبد من دون الله. قال تعالى {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}(1)
ولذلك فإن الموالاة والمعادلة واجبة شرعاً وجعلها العلماء من شروط (لا إله إلا الله) وهي أصل عظيم من أصول العقيدة بجي على المسلم الإيمان به والعمل بمقتضاه(2) وبين النبي -صلى الله عليه وسلم - ما ينشأ عن الإيمان بهذه العقيدة وهو الحب في الله والبغض في الله فقال عليه الصلاة والسلام ((أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله والمعاداة في الله والحب في الله والبغض في الله)(3)
وقد جعلها النبي -صلى الله عليه وسلم- سبباً لتذوق حلاوة الإيمان فقال عليه الصلاة والسلام ((ثلاثة من كن فيه وجد حلاوة الإيمان، من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ومن أحب عبداً لا يحبه إلا لله ومن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله كما يكره أن يلقى في النار)).(4) وعند تحقيق هذه العقيدة يستكمل المسلم إيمانه كما أوضح ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله ((من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان)).(5)
ويصبح من الواجب عليه ثلاثة أمور:
__________
(1) سورة الممتحنة: الآية 4.
(2) ينظر: عبد الله بن عبد الحميد الأثري، الوجيز في عقيدة السلف الصالح ص 133 وما بعدها.
(3) الألباني، مسلسلة الأحاديث الصحيحة (998).
(4) متفق عليه.
(5) الألبان، الصحيحة 380.
(146/74)
1- حب المسلمين: وحب المسلمين ليس كلاماً يقال أو دعوى تدعى ولا يتم إلا بحب المسلم لأخيه ما يحبه لنفسه وأن يكره له ما يكره لها. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)).(1) وكذلك حب النبي -صلى الله عليه وسلم- باتباع سنته وحب من اتبعه وأولم صحابته رضي الله عنهم.
2- أداء حقوقهم: وهي خمسة حقوق بينها النبي -صلى الله عليه وسلم- بقول ((حق المسلم على المسلم خمس در السلام وتشميت العاطس واتباع الجنازة وعيادة المريض وإجابة الدعوة)).(2) والتعاون معهم على البر والتقوى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وكذلك كف الأذى عنهم وإصلاح ذات بينهم.
3- نصرتهم: وهي أن يكون المسلم يداً واحدة مع المسلمين على عدوهم في القلب والقول والعمل ولا يغلي بين المسلم وعدوه ما استطاع إلى ذلك سبيلا.(3)
ويدل على ذلك آيات كثيرة منها قوله تعالى {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا}(4)
ويدل عليه قول النبي -صلى الله عليه وسلم- ((انصر أخاك ظالماً أو مظوما)).(5) وقد فسره -صلى الله عليه وسلم- برد الظالم عن ظلمه عندما يكون ظالماً. ونصرة المظلوم برد الظلم عنه. وقوله -صلى الله عليه وسلم- ((المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه)).(6) .. ومعنى تسليمه يخلي بينه وبين أعداءه وكذلك عدم التجسس عليهم ونقل أخبارهم وأسرارهم إلى عدوهم.
__________
(1) البخاري 13.
(2) رواة البخاري 1240.
(3) ينظر، عبد الرحمن عبد الخالق، الحد الفاصل بين الإيمان والكفر ويليه دراسة في الولاء والبراء ص 93.
(4) سورة النساء: الآية 75.
(5) البخاري 2444.
(6) البخاري ومسلم وغيرهم .
(146/75)
وعلى هذا يقسم الناس في الموالاة والمعاداة إلى ثلاثة أقسام كما بين ذلك عبد الله بن عبد الحميد الأثري في عقيدة السلف الصالح(1) :-
أولاً: من يستحق الولاء المطلق: وهم المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وقاموا بشعائر الدين مخلصين له قال تعالى {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}
ثانياً: من يستحق الولاء من جهة والبراء من جهة اخرى: مثل المسلم العاصي الذي يهمل بعض الواجبات ويفعل المحرمات التي لا تصل إلى الكفر. فيجب مناصحة هؤلاء والإنكار عليهم وإقامة الحدود والتعذيرات عليهم كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- مع عبد الله بن حمار عبدما أتى به وهو شارب للخمر ولعنه بعض الصحابة فقال النبي –صلى الله عليه وسلم- ((لا تلعنوه ما علمت إنه بحب الله ورسوله)).(2) فأقام عليه الحد ومنع من لعنه.
ثالثاً: من يستحق البراء المطلق: وهو الكافر والمشرك سواء كان يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً أو ملحداً أو وثنياً وهذا الحكم ينطبق أيضاً على من فعل المكفرات من المسلمين كدعاء غيرا لله أو الاستغاثة بغيره أو التوكل على غيره أو سب الله ورسوله أو دينه أو فصل الدين عن الحياة اعتقاداً أن الدين لا يلائم هذا العصر أو نحو ذلك – بعد إقامة الحجة عليهم.
قال تعالى {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} (3)
__________
(1) ينظر الوجيز في مفيدة السلف الصالح ص 136-137.
(2) سورة المائدة: الآية 55-56.
(3) سورة المجادلة: الآية 22.
(146/76)
ومن نواقض الموالاة موالاة الكافر وإعانته على المسلم. نوجزها من كلام أهل العلم
موالاة الكافر وإعانته على المسلم:
جعل العلماء من نواقض الإسلام العشرة مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين والدليل قوله تعالى {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}(1)
يقول الشيخ سليمان بن عبد الله في رسالته (حكم موالاة أهل الإشراك): أعلم رحمك الله أن الإنسان إذا أظهر للمشركين الموافقة على دينهم خوفاً منهم ومداراة لهم ومداهنة لدفع شرهم فإنه كافراً مثلهم وإن كان يكره دينهم ويبغضهم ويحب الإسلام والمسلمين ويقول: وقد أجمع العلماء على أن من تكلم بالكفر هازلاً أنه يكفر فكيف بمن أظهر الكفر خوفاً وطمعاً في الدنيا وذكر بعض الأدلة على ذلك منها.
قوله تعالى {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} فأخبر تعالى أن اليهود والنصارى وكذلك المشركون لا يرضون عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى يتبع ملتهم ويشهد أنهم على حق ثم قال تعالى {قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ}(2)
وفي الآية الأخرى {إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ}(3) فإذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لو يوافقهم على دينهم ظاهراً من غير عقيدة القلب لكن خوفاً من شرهم ومداهنة كان من الظالمين فكيف بمن أظهر لعباد القبور والقباب أنهم على حق وهدى مستقيم فإنهم لا يرضون إلا بذلك(4)
وقوله تعالى {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ}(5)
__________
(1) سورة المائدة: الآية 51.
(2) سورة البقرة: الآية 120.
(3) سورة البقرة: الآية 145.
(4) مجموعة التوحيد النجدية، مصر، وطبعة المنار 1419هـ ص 178.
(5) البقرة: الآية 217.
(146/77)
وقوله تعالى {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ}(1)
وقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ}(2)
يقول عبد الرحمن عبد الخالق: كل من والى كافراً أو أعانه على مسلم فقد كفر ونقض هذا الأصل (الموالاة) وخرج في دين الله سبحانه وتعالى وهذا يصدق أيضاً على من اطلع الكفار على عورات المسلمين في الحرب وأفشى لهم أسرار المسلمين وقد جاء بشن هذا آيات كثيرة منها قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}(3)
فقوله تعالى فإنه منهم يدل على إنه قد خرج بذلك من الإيمان إلى الكفر وهو نص صريح.
ويخرج من هذا من فعل هذا غير مستحل له في حال ضعف أو خوف أو رغبة كما قال تعالى {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ}(4)
فقوله {إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً} يدل على أن من اتقى شر الكفارة وداراهم وردهم عن نفسه في حال ضعف ولا يجب أن ينتصر الكفار ولا أن يظهروا على المسلمين فإنه لا يكفر بذلك بل يكون معذوراً عند الله والله أعلم بالقلوب.. وأما من استحل ورضي بمعاونة الكفار ومظاهرتهم على المسلمين وهو غني عن ذلك فهو كافر قطعاً ناقض لأصل الموالاة.
__________
(1) آل عمران: الآية 28.
(2) آل عمران: الآية 149.
(3) سورة المائدة: الآية 132.
(4) سورة آل عمران: الآية 28.
(146/78)
وجعل من ضوابط تحقيق البراء: عدم جواز إعانة الكافر على المسلم فقال: الأمر الثالث الذي تقتضيه البراءة من الكفار هو عدم جواز إعانتهم على المسلمين بحال فإذا كان المسلم دمه وماله وعرضه حرام على أخيه المسلم وكان سباب المسلم فسوق واقتطاع حقه موجب للنار وسفك دمه ظلماً موجب الخلود فيها أيضاً فإن إعانة الكافر على مسلم خروج من الدين مطلقاً وكفراً أو رده.
والبراءة من الكافرين: تعني أن لا يتنازل لهم عن شيء من الدين وأن لا نحبهم فنحب ما هم عليه من كفر وأن لا نساعدهم على مسلم قط وأن لا نتخذ منهم بطانة وأعواناً في أماكن يطلعون منها على أسرار المسلمين وينفذون من خلالها إلي إضعافهم وتفشيلهم(1)
الخاتمة
يعد خفاء تاريخ الرافضة على كثير من المسلمين جزءاً من عقدتهم في التقية لإخفاء باطلهم إذا أردنا في مجمل هذه الصفحات بيان تاريخهم المشين المليئ بالأحداث المعادية للإسلام والمسلمين والولاء للكفر والكافرين. ليكون المسلمون على حذر منهم لأنهم يحاولون جر بلاد المسلمين إلى عقائدهم الفاسدة وبمختلف الطرق وأفضلها عندهم طلب العون من الكفار وتسليمهم أراضي المسلمين وديارهم في مقابل أن يسمحوا لهم بإقامة شعائرهم البطالة ونشر عقائدهم الفاسدة، وهذا ما شهد به تاريخهم. وكذلك محاولاتهم المتكررة لإنشاء مراكز للتقريب الغرض منها إدخال عقائدهم إلى المذاهب الإسلامية ومعاملتهم معاملة هذه المذاهب ليساعدهم ذلك على غش الناس الجهلة لحمل أفكارهم والتعاطف معهم ليؤدى ذلك إلى تقويض كيان الإسلام في العقيدة والعبادات والأخلاق والمعاملات.
وما وضحناه بعد قليلاً من كثير ومن أراد الاستزادة فعليه مراجعة المصادر التي ذكرناه وغيرها من التي لم نحصل عليها ليتأكد بنفسه من خطر هذه الفرقة على الإسلام والمسلمين في إفساد دينهم ودنياهم. وما توصلنا إليه من نتيجة هو:
__________
(1) ينظر: الحد الفاصل ص 93.
(146/79)
1- إن هذه الفرقة تسير وفق عقائد مصدرها أعداء الإسلام، وضعت من أجل هدم هذا الدين وإزالة حكمه من الأرض.
2- إن هؤلاء الناس صبغتهم الغدر وشيمتهم الخيانة ويتخذون من الكذب ديناً فلذلك لا يؤمن جانبهم أفراداً أو جماعات.
3- بطلان قولي القائلين أن شيعة اليوم غير شيعة الأمس وإنما شيعة اليوم يحملون كل تراكمات الماضي ولا يريدون التخلص منه.
4- إن مسألة التقريب معهم هي كمن ينفخ في الرماد أو في قربة مخرومة وأنهم يريدون من التقريب تقريب باطلهم إلى أذهان المسلمين.
5- على كل مسلم أن لا تسيره عواطفه تحت شعار ما يسمى بوحدة المسلمين. فوحدة المسلمين لا يمكن أن تتم إلا وفق عقيدة صافية ينبثق عنها نظام إسلامي يرضاه الله تعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم- فالمسلم لابد أن يكون تبعاً لعقيدته وتبعاً للوحي والكتاب والسنة واتبعاً لعواطفه وردود فعله الآنية.
6- إن هذه الفرقة شأنها شأن كل الفرق الباطلة التي سبقتها والتي انتهت وصار مصيرها إلى الزوال فكل باطل لابد أن ينتهي وأن الحق لابد أن يبقى ويظهر وهذه سنة الله تعالى الكونية.
فما كان في هذا البحث من خير فهو من الله تعالى وما كان فيه من شر فهو من أنفسنا ونستغفر الله تعالى، إنه سميع مجيب.
المصادر والمراجع بعد القرآن الكريم
1- الاستفراييني: عبد القاهر بن طاهر (ت 429هـ)، الفرق بين الفرق، القاهرة، دار التراث.
2- الأصبهاني: أبو نعيم (ت 430 هـ)، الإمامة والرد على الرافضة، تم محمد ناصر الفقيهي، المدينة المنورة، مكتبة العلوم والحكم.
3-ابن الأثير، عز الدين الحسن على بن أبي الكرم (ت 630هـ) تم عمر عبد السلام، بيروت، دار الكتاب العربي 1422هـ.
4- الألباني: محمد ناصر الدين (ت هـ) سلسلة الأحاديث الصحيحة.
5- إحسان الهي ظهير، الشيعة والسنة.
6- ابن تيمية، أبي العباس تقي الدين بن عبد الحليم (ت 728هـ) منهاج العنة، تج محمد رشاد سالم 1406هـ.
(146/80)
7- رسائل ابن تيمية: تج محمد رشاد سالم.
8- درء التعارض بين العقل والنقل: تج محمد رشاد سالم، الرياض، دار العطاء، 1422هـ.
9- ابن تغري بردي، جمال الدين أبو المحاسن (ت 874)، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، بيروت، دار الكتب العلمية، 1413هـ.
10- ابن الجوزي: أبو الفرج عبد الرحمن بن علي (ت 597)، القرامطة، تج محمد الصباغ، بيروت، المكتب الإسلامي .
11- حسن إبراهيم، تاريخ الإسلام، بيروت، دار إحياء التراث.
12- ابن خلدون، عبد الرحمن بن خلدون (ت 808هـ) تاريخ ابن خلدون، بيروت، دار الفكر 1421هـ.
13- ابن خلدون: عبد الرحمن بن خلدون (ت 808هـ)، تاريخ ابن خلدون، بيروت، دار الفكر 1421هـ.
14- الخالصي: محمد بن محمد مهدي، الاعتصام بحبل الله.
15- إحياء الشريعة في مذهب الشيعة.
16- الإسلام سبيل السعادة.
17- الخميني، تحرير الوسيلة.
18- الذهبي، محمد بن أحمد بن عثمان (748هـ)، تاريخ الإسلام تج عمر عبد السلام، بيروت، دار الكتاب 1423 هـ.
19- الدمشقي: الفلاح عبد الحي بن العماد الحنبلي (ت 1089هـ) شذرات الذهب، بيروت دار الفكر 1414هـ.
20- السامرائي: عبد الله سلوم، الغلو والفرق الغالية، بغداد، دار الحرية، 1972م.
21- الشهرستاني، أبو الفتح محمد عبد الكريم، الملل والنحل، بيروت، دار المعرفة.
22- الشيبي، مصطفى كامل، الطريقة الصفوية، بغداد، دار النهضة 1967م.
23- الشيخ الصدوق، ثواب الأعمال.
24- الطبري، محمد بن جرير (ت 310 هـ) تاريخ الرسل والملوك، بيروت، دار الفكر.
25- طه الولي، القرامطة، أول حركة اشتراكية في الإسلام، بيروت، دار العلم للملايين.
26- العبادي، أحمد مختار، في التاريخ العباسي والفاطمي، الإسكندرية، شباب الجامعة 1982.
27- عبد الله محمد أسود، موسوعة العراق السياسية، بيروت، الدار العربية للموسوعات.
28- موسوعة الحرب العراقية الإيرانية، بيروت، الدار العربية للموسوعات.
(146/81)
29- عبد الله محمد الغريب، أمل والمخيمات الفلسطينية، 1408 هـ.
30- وجاء دور المجوس، ط1، 1407هـ - 1987م.
31- عبد المنعم شفيق، حقيقة المقاومة، ط1، 1407.
32- عبد الله محمد الغريب، أمل والمخيمات الفلسطينية 1409هـ - 2001م.
33- عبد الله الجميلي، بذل المجهود في مشابهة الرافضة لليهود، القاهرة، مكتبة ابن تيمية 1413 هـ.
34- نجد الله بن عبد الحميد الأثري: الوجيز في عقيدة السلف الصالح، مجمع الملك فهد 1422هـ.
35- عبد الرحمن عبد الخالق، الحد الفاصل بين الإيمان والكفر، حولي، الدار السلفية 1414هـ 1984م.
36- علي ظريف، تاريخ الدولة الفارسية، بغداد 1924م.
37- إبن كثير، أبو الفداء الحافظ ابن كثير الدمشقي (774هـ)، البداية والنهاية، القاهرة مكتبة ابن تيمية ط1، 1408هـ، 1988م.
38- الغفاري، ناصر بن عبد الله، مسألة التقريب، بين أهل الشيعة والسنة، الرياض.
39- محمد ماهر حماده، الوثائق السياسية للعهود الفاطمية والأتايلية والأيوبية، بيروت مؤسسة الرسالة.
40- محمد أحمد الخطيب، كشف الأسرار، عمان، دار عمار، 1208هـ.
41- محمد الخضري بك، محاضرات في تاريخ الأمم الإسلامية
42- ابن منظور (63- 711هـ) لسان العرب، بيروت، بيروت، دار إحياء التراث العربى.
(146/82)
جاء في كتاب "الرسائل الحسان في نصائح الاخوان" للشيخ عبدالله بن محمد بن حميد رحمه الله (ص39) نقلاً عن نشرة قم بنشرها مركز الدعوة والإرشاد بجدة ما يلي:
(الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ( أما بعد:
لقد اعتاد كثير من الناس في مثل هذا الشهر شهر ربيع الأول من كل سنة إقامة الحفلات الرائعة لذكرى مولد الرسول (، وذلك ليلة الثانية عشر منه قائلين: إنه عبارة عن إظهار الشكر لله عز وجل على وجود خاتم النبيين وأفضل المرسلين، بإظهار السرور بمثل اليوم الذي ولد فيه (، وبما يكون فيه من الصدقات والأذكار، فنقول:
لا شك أنه سيد الخلق، وأعظمهم، وأفضل من طلعت عليه الشمس، ولكن لماذا لم يقم بهذا الشكر أحد من الصحابة والتابعين، ولا الأئمة المجتهدين، ولا أهل القرون الثلاثة الذين شهد لهم الرسول ( بالخيرية ؟ مع أنهم أعظم محبة له منا، وهم على الخير أحرص، وعلى اتباعه اشد، بل كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته، واتباع أمره، واجتناب نهيه، وإحياء سنته ظاهراً وباطناً، ونشر ما بعث به، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان، فإن هذه طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين ابعوهم بإحسان، لا في إقامة الحفلات المبتدعة التي هي من سنن النصارى، فإنه إذا جاء الشتاء في اثناء (كانون الأول) لأربع وعشرين خلت منه بزعمهم أنه ميلاد عيسى عليه الصلاة والسلام اضاءوا في ذلك الأنوار، ووضعوا الطعام، وصار يوم سرور وفرح عندهم، وليس في الإسلام اصل لهذا، بل الإسلام ينهى عن مشابهتهم، ويأمر بمخالفتهم، وقد قيل إن أول من احتفل بالمولد النبوي (كوكبري أبو سعيد بن أبي الحسن علي بن بكتكين التركماني صاحب إربل) أحدث ذلك في أواخر القرن السادس أو أوائل القرن السابع، فإنه يقيم ذلك الاحتفال ليلة التاسعة على
(147/1)
ما أختاره المحدثون من ولادته ( تلك الليلة، وفارق ليلة الثانية عشر على ما قاله الجمهور، فهل كان الرتكماني ومن تبعه أعلم وأهدى سبيلاً من خيار هذه الأمة وفضلائها من الصحابة ومن بعدهم، في حين أنه لو قيل إن يوم البعثة أولى بهذا الشكر من يوم الولادة لكان أحرى، لأن النعمة والرحمة والخير والبركة إنما حصلت برسالته بنص قوله تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } ]الأنبياء:107[، ومعلوم أن كل بدعة يتعبد بها أصحابها أو تجعل من شعائر الدين فهي محرمة ممنوعة، لأن الله عز وجل أكمل الدين، وأجمعت الأمة على أن أهل الصدر الأول أكمل الناس إيماناً وإسلاماً ، فالمقيمون لتلك الحفلات وإن قصدوا بها تعظيمه ( فهم مخالفون لهديه، مخطئون في ذلك، إذ ليس من تعظيمه أن تبتدع في دينه بزيادة أو نقص أو تغيير أو تبديل، وحسن النية وصحة القصد لا يبيحان الابتداع في الدين، فإن جلّ ما أحدثه من كان قبلنا من التغيير في دينهم عن حسن نية وقصد، وما زالوا يزيدون وينقصون بقصد التعظيم وحسن النية، حتى صارت أديانهم خلاف ما جاءتهم به رسلهم والله أعلم) .
* * *
(147/2)
فتوى في حكم الاحتفال بالمولد النبوي
سئل فضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله كما في "فتاوى الشيخ محمد الصالح العثيمين" إعداد وترتيب أشرف عبد المقصود (1/126) السؤال التالي:
ما الحكم الشرعي في الاحتفال بالمولد النبوي ؟
فأجاب فضيلته:
(نرى أنه لا يتم إيمان عبد حتى يحب الرسول ( ويعظمه بما ينبغي أن يعظمه فيه، وبما هو لائق في حقه ( ولا ريب أن بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام ولا أقول مولده بل بعثته لأنه
لم يكن رسولاً إلا حين بعث كما قال أهل العلم نُبىءَ بإقرأ وأُرسل بالمدثر، لا ريب أن بعثته عليه الصلاة والسلام خير للإنسانية عامة، كما قال تعالى: { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } ]الأعراف:158[، وإذا كان كذلك فإن من تعظيمه وتوقيره والتأدب معه واتخاذه إماماً ومتبوعاً ألا نتجاوز ما شرعه لنا من العبادات لأن رسول الله ( توفى ولم يدع لأمته خيراً إلا دلهم عليه وأمرهم به ولا شراً
(148/1)
إلا بينه وحذرهم منه وعلى هذا فليس من حقنا ونحن نؤمن به إماماً متبوعاً أن نتقدم بين يديه بالاحتفال بمولده أو بمبعثه، والاحتفال يعني الفرح والسرور وإظهار التعظيم وكل هذا من العبادات المقربة إلى الله، فلا يجوز أن نشرع من العبادات إلا ما شرعه الله ورسوله وعليه فالاحتفال به يعتبر من البدعة وقد قال النبي (: { كل بدعة ضلالة } قال هذه الكلمة العامة، وهو ( أعلم الناس بما يقول، وأفصح الناس بما ينطق، وأنصح الناس فيما يرشد إليه، وهذا الأمر لا شك فيه، لم يستثن النبي ( من البدع شيئاً لا يكون ضلالة، ومعلوم أن الضلالة خلاف الهدى، ولهذا روى النسائي آخر الحديث: { وكل ضلالة في النار } ولو كان الاحتفال بمولده ( من الأمور المحبوبة إلى الله ورسوله لكانت مشروعة، ولو كانت مشروعة لكانت محفوظة، لأن الله تعالى تكفل بحفظ شريعته، ولو كانت محفوظة ما تركها الخلفاء الراشدون والصحابة والتابعون لهم بإحسان وتابعوهم، فلما لم يفعلوا شيئاً من ذل علم أنه ليس من دين الله، والذي أنصح به إخواننا المسلمين عامة أن يتجنبوا مثل هذه الأمور التي لم يتبن لهم مشروعيتها لا في كتاب الله، ولا في سنة رسوله (، ولا في عمل الصحابة رضي الله عنهم، وأن يعتنوا بما هو بيّن ظاهر من الشريعة، من الفرائض والسنن المعلومة، وفيها كفاية وصلاح للفرد وصلاح للمجتمع.
وإذا تأملت أحوال هؤلاء المولعين بمثل هذه البدع وجدت أن عندهم فتوراً عن كثير من السنن بل في كثير من الواجبات والمفروضات، هذا بقطع النظر عما بهذه الاحتفالات من الغلو بالنبي ( الموديء إلى الشرك الأكبر المخرج عن الملة الذي كان رسول الله ( نفسه يحارب الناس عليه، ويستبيح دماءهم وأموالهم وذراريهم، فإننا نسمع أنه يلقى في هذه الاحتفالات من القصائد ما يخرج عن الملة قطعاً كما يرددون قول البوصيري:
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حدوث الحادث العمم
(148/2)
إن لم تكن آخذاً يوم المعاد يدي صفحاً وإلا فقل يا زلة القدم
فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم
مثل هذه الأوصاف لا تصح إلا لله عز وجل، وأنا أعجب لمن يتكلم بهذا الكلام إن كان يعقل معناه كيف يسوغ لنفسه أن يقول مخاطباً النبي عليه الصلاة والسلام:(فإن من جودك الدنيا وضرتها) ومن للتبعيض والدنيا هي الدنيا وضرتها هي الآخرة، فإذا كانت الدنيا والآخرة من جود الرسول عليه الصلاة والسلام، وليس كل جوده، فما الذي بقي لله عز وجل، ما بقي لله عز وجل، ما بقي له شيء من الممكن لا في الدنيا ولا في الآخرة.
وكذلك قوله:(ومن علومك علم اللوح والقلم) ومن: هذه للتبعيض ولا أدري ماذا يبقى لله تعالى من العلم إذا خاطبنا الرسول عليه الصلاة والسلام بهذا الخطاب.
ورويدك يا أخي المسلم.. إن كنت تتقي الله عز وجل فأنزل رسول الله ( منزلته التي أنزله الله.. أنه عبد الله ورسوله فقل هو عبدالله ورسوله، واعتقد فيه ما أمره ربه أن يبلغه إلى الناس عامة: { قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ } ]الأنعام:50[، وما أمره الله به في قوله: { قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً } ]الجن:21[، وزيادة على ذلك: { قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً } ]الجن:22[، حتى النبي عليه الصلاة والسلام لو أراد الله به شيئاً لا أحد يجيره من الله سبحانه وتعالى.
فالحاصل أن هذه الأعياد أو الاحتفالات بمولد الرسول عليه الصلاة والسلام لا تقتصر على مجرد كونها بدعة محدثة في الدين بل هي يضاف إليها شئ من المنكرات مما يؤدي إلى الشرك.
(148/3)
وكذلك مما سمعناه أنه يحصل فيها اختلاط بين الرجال والنساء، ويحصل فيها تصفيق ودف وغير ذلك من المنكرات التي لا يمتري في إنكارها مؤمن، ونحن في غِنَى بما شرعه الله لنا ورسوله ففيه صلاح القلوب والبلاد والعباد).
انتهت فتوى الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في حكم الاحتفال بالمولد.
* * *
(148/4)
فقه المزار عند الأئمة (ع)
مركز إحياء تراث آل البيت
تأليف: د. عبد الهادي الحسيني - الطبعة الأولى
حقوق الطبع غير محفوظة
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
فقد كثرت المرويات عن الأئمة عليهم السلام سواء كانت صحيحة أو مكذوبة عليهم ، ولكن للأسف فإن الكذب عليهم لا يكاد يحصى ، ومن الأمور العظام التي لها مساس بعمل المسلم وعقيدته ويحتاج إليها دائماً : دعاء الله سبحانه وتعالى ، والإحسان إلى الموتى ، وزيارتهم في قبورهم ، والدعاء لهم ، والصدقة عنهم، وغير ذلك من الأعمال ، وقد رأيت أن أجمع نبَذاً من أقوال الأئمة عليهم السلام، والمروية بالأسانيد من كتبنا المعتمدة، والموافقة لكتاب الله ، وسيرهم تدل عليها ولا تخالفها ، وهي مختصرة ، وقد أسميتها ( فقه المزار) ولا يغرنك ما تراه عيناك من جفوة وبعد عن زيارة القبور ، و الإتعاظ بها .. ، والتي يقابلها وللأسف زيارات غلب عليها طابع المكابرة والتباهي والرياء والسمعة ، ووصل الأمر على جعل الزيارة مواسم للفرح والعشق ، وعند البعض معصية لله سبحانه وتعالى جهاراً نهاراً، فلا تجد الآداب التي كان عليها الأئمة عليهم السلام والتي كانوا يأمرون الناس بالتأدب بها كما لا تجد الاتعاظ والحزن وأخذ العبرة بالموت والعمل لما بعده وهذا مشاهد في بقاع الأرض ولا يخالف فيه إلا مكابر يجهل الحقيقة أو لم يكلف نفسه عناء النظر فيما حوله.
... ومن هنا فقد جمعت هذه النبذ من أقوال الأئمة عليهم السلام التي ساروا عليها و عملوا بها ، فاقرأ وتأمل عسى الله أن ينفع بها القارىء والكاتب.
النهي عن اتخاذ القبور مساجد
(149/1)
هذه بعض الروايات والأخبار من كتب الشيعة المعتمدة، تدل على النهي عن رفع القبور والبناء عليها واتخاذها مساجد. فإليك أيها المحب الصادق لأهل البيت نقدم هذه الحقائق لعلّ ذلك يكون فيه فلاحك في الدنيا والآخرة بسبب إتباعك لهم "إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد". [ق:73]
... يتلخص اتخاذ القبور مساجد في ثلاثة معان:
الأول ... : الصلاة على القبور ، بمعنى السجود عليها.
الثاني ... : السجود إليها وجعلها قبلة بالصلاة والدعاء.
الثالث ... : بناء المساجد عليها وقصد الصلاة فيها.
واعلم أن هذه المعاني مستنبطة من الروايات والأخبار الواردة في ذلك ، وإليك بعضها:
عن أبي عبد الله عليه السلام : " لا تتخذوا قبري قبلة ولا مسجداً ، فإن الله لعن اليهود حيث اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". [من لا يحضره الفقيه: 1/128، وسائل الشيعة : 2/887] .
عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت له : " الصلاة بين القبور ؟ قال : صلِّ في خلالها ولا تتخذ شيئاً منها قبلة ، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن ذلك ، وقال : لا تتخذوا قبري قبلة ولا مسجداً ، فإن الله تعالى لعن الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". [علل الشرائع: 358].
عن سماعة بن مهران أنه سأل أبا عبد الله عن زيارة القبور وبناء المساجد فيها فقال: أمّا زيارة القبور فلا بأس بها ، ولا يُبني عندها مساجد." [ فروع الكافي: 3/228، من لا يحضره الفقيه: 821، وسائل الشيعة:2/887].
(149/2)
عن أبي عبد الله عليه السلام قال : " عشرة مواضع لا يصلي فيها : الطين والماء ، والحمام ، والقبور ، وميدان الطريق ، وقرى النمل ، ومواطن الإبل ، ومجرى الماء ، و السبخ ، والثلج" . [ فروع الكافي: 3/390، من لا يحضره الفقيه: 1/171]. قال الصدوق بعد هذا الخبر: " وأمّا القبور فلا يجوز أن تتخذ قبلة ولا مسجداً ، ولا بأس بالصلاة بين خللها ما لم يتخذ شيىء منها قبلة ، والمستحب أن يكون بين المصلي وبين القبور عشرة أذرع من كل جانب" [ من لا يحضره الفقيه: 1/171].
عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن حد الطين الذي لا يسجد فيه ما هو؟ قال: " إذا غرق الجبهة ولم تثبت على الأرض". وعن الرجل يصلي بين القبور ؟ قال: " لا يجوز ذلك إلا أن يجعل بينه وبين القبور إذا صلى عشرة أذرع من بين يديه ، وعشرة أذرع من خلفه ، وعشرة أذرع عن يمينه وعشرة أذرع عن يساره ، ثم يصلى إن شاء" . [فروع الكافي: 3/390، الإستبصار: 1/397 ، وغيرها].
وقد يعترض على هذه الرواية بما روي عن الرضا عليه السلام قال: " لا بأس بالصلاة إلى القبر ما لم يُتخذ القبر قبلة" [الإستبصار: 1/397 وغيره].
... وعن علي بن يقطين قال : سألت أبا الحسن الماضي عليه السلام عن الصلاة بين القبور هل تصلح؟ قال : " لا بأس" [الإستبصار: 1/397 وغيره].
... وقد أجاب الطوسي عن هذين الخبرين فقال:
" فالأوجه في هذين الخبرين أن نحملهما على أنه إذا كان بينه وبين القبر حائل أو يكون بينه وبين القبر عشرة أذرع حسب ما فصّله في الخبر الأول" [الإستبصار: 1/397].
النهي عن رفع القبور والبناء عليها و الحث على هدمها
قال الصادق عليه السلام : " كلما جعل على القبر من غير تراب القبر فهو ثقل على الميت" [من لا يحضره الفقيه: 1/135، وسائل الشيعة: 2/864]. فرفع القبر أو البناء عليه وسيلة إلى التثقيل على الميت، وهذا التثقيل منهي عنه فإنه نوع من الإيذاء.
(149/3)
عن أبي عبد الله عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهي أن يُزاد على القبر تراب لم يخرج منه. [ فروع الكافي: 3/203، وسائل الشيعة:2/ 864].
وقال أمير المؤمنين عليه السلام : " من جدد قبراً، أو مثل مثالاً فقد خرج من الإسلام" . [ من لا يحضره الفقيه: 1/135، وسائل الشيعة : 2/868].
عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : " بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة فقال : لا تدع صورة إلاً محوتها ، ولا قبراً إلا سويته ، ولا كلباً إلا قتلته" . [ وسائل الشيعة: 2/869، 3/ 62 وغيره].
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: " بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في هدم القبور وكسر الصور". [ وسائل الشيعة: 2/870].
عن علي بن جعفر قال : سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن البناء على القبر ، والجلوس عليه هل يصلح ، قال: " لا يصلح البناء عليه ولا الجلوس ولا تجصيصه ولا تطيينه". [الإستبصار: 1/217، وسائل الشيعة: 2/869].
عن أبي عبد الله عليه السلام قال : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُصلى على قبر أو يُقعد عليه أو أ، يُبنى عليه أو يُتكأ عليه".[ الإستبصار: 1/482، وسائل الشيعة: 2/795، 2/869 وغيرها].
عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سمعه يقول: " لما قُبض أمير المؤمنين عليه السلام أخرجه الحسن والحسين ورجلان آخران حتى إذا خرجوا من الكوفة تركوها عن إيمانهم ثم أخذوا الجُبّانة حتى مروا به إلى الغرى فدفنوه وسووا قبره فانصرفوا" [ أصول الكافي: 1/458].
قال شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي: " ولا يجوز الدفن في شيىء من المساجد" [ النهاية ص:111].
وقال أيضاً: " ويكره تجصيص القبور والتظليل عليها والمقام عندها وتجديدها بعد إندراسها ، ولا بأس بتطييبها ابتداء".[ النهاية ص44].
(149/4)
وقال عماد الدين محمد بن علي الطوسي المشهدي: " والمكروه تسعة عشر – ثم قال بعدها - .. وتجصيص القبر والتظليل عليه والمقام عنده وتجديده بعد الإندراس" [ الوسيلة إلى نيل الفضيلة: ص 62 مطبعة الآداب – النجف].
عن أبي عبد الله عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يُصلى على قبره أو يُقعد عليه أو يُبنى عليه. [وسائل الشيعة: 3/454].
رفع القبر
من خلال الروايات والأخبار الواردة في كتب الشيعة يتبين أن مقدار رفع القبر هو أربع أصابع أو شبر أو ما بينهما، ولا ينقص من ذلك ولا يُزاد عليه ، واعلم أنه لو كان رفع القبر مطلقاً جائزاً لما قيدت الأخبار الواردة رفع القبر بهذا المقدار ولما أوصى الأئمة برفعه بهذا القدر. ومن الروايات في ذلك :
عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي عليه السلام : " يا علي ، ادفنيِّ في هذا المكان وارفع قبري من الأرض أربع أصابع ورشّ عليه الماء" [أصول الكافي : 1/450-451،وسائل الشيعة:2/856].
عن جعفر عن أبيه عليه السلام أن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع شبراً من الأرض، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر برش القبور" [وسائل الشيعة:2/857، علل الشرائع:307وغيرها].
عن جعفر عن أبيه عن علي عليها لسلام أن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع من الأرض قدر شبر وأربع أصابع ورش عليه الماء وقال: " والسنة أن يُرش على القبر ماء" [وسائل الشيعة: 2/858].
عن أبي عبد الله عليه السلام قال : " إن أبي قال لي ذات يوم في مرضه: إذا أنا مت فغسلني وكفنّي وارفع قبري أربع أصابع ورشه بالماء" [ فروع الكافي:3/200، وسائل الشيعة: 2/857 و غيرها]
قال أبو عبد الله عليه السلام : " إن أبي أمرني أن أرفع القبر عن الأرض أربع أصابع مفرجات، وذكر أن رش القبر بالماء حسن".[فروع الكافي: 3/140، وسائل الشيعة: 2/857وغيرها].
(149/5)
وعنه عليه السلام قال: " أمرني أبي أن أجعل ارتفاع قبره أربع أصابع مفرجات، وذكر أن الرش بالماء حسن ،وقال : توضأ إذا أدخلت الميت القبر".[ وسائل الشيعة: 2/857 وغيره].
عن محمد بن مسلم قال: سألت أحدهما عليهما السلام عن الميت فقال: " تسلم من قبل الرجلين و تلزق القبر بالأرض إلا قدر أربع أصابع مفرجات: تربع و (تُرفع) قبره" [فروع الكافي: 3/195، وسائل الشيعة:2/848 وغيرها].
عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال : " يُدعى للميت حين يدخل حفرته ويرفع القبر فوق الأرض أربع أصابع" [فروع الكافي: 3/201، وسائل الشيعة: 2/856].
عن أبي عبد الله عليه السلام : " يُستحب أ، يدخل معه في قبره جريده رطبة، ويرفع قبره من الأرض إلا قدر أربع أصابع مضمومة، وينضح عليه الماء ويخلى عنه". [ فروع الكافي:3/199، وسائل الشيعة: 2/856 وغيرها].
قال محمد الآخوندي المعلّق على الكافي ، تعليقاً على قوله" يخلي عنه" ما نصه: " أي لا يعمل عليه شيء آخر من جص وآجر وبناء، أو لا يتوقف عنده بل ينصرف عنه وعلى كل واحد منهما يكون مؤيداً لما ورد من الأخبار في كل منهما".[ هامش رقم 3 على فروع الكافي: 3/199]
وفي خبر طويل فيه ذكر وفاة موسى بن جعفر عليه السلام جاء فيه قوله : " فإذا حملت إلى المقبرة المعروفة بمقابر قريش فألحدوني بها ولا ترفعوا قبري فوق أربع أصابع مفرجات". [ عيون أخبار الرضا: 1/84، وسائل الشيعة:2/858].
وقال محمد بن جمال الدين العاملي المعروف بالشهيد الأول: " ورفع القبر عن وجه الأرض بمقدار أربع أصابع مفرجات إلى شبر لا أزيد ليعرف فيُزار فيحترم". [ اللمعة الدمشقية:1/410]
قال شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي: " فإذا أراد الخروج من القبر فليخرج من قبل رجليه ثم يطم القبر ويرفع من الأرض مقدار أربع أصابع ولا يطرح فيه من غير ترابه".[ النهاية: ص39].
محرمات تُرتكب عند القبور
(149/6)
... اعلم أن هذه القبور المبنية التي تقصد وتُزار من سائر البقاع يقع عندها كثير من المحرمات، قد جاء القرآن الكريم والروايات المعتمدة بتُنادي بتحريمها والنهي عنها، فمن هذه المحرمات:
اعتقاد الضر والنفع من قبل الأموات: والله سبحانه وتعالى هو الضار النافع وحده ، قال الله سبحانه وتعالى: " واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئاً وهن يُخلقون ولا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً" [الفرقان:3].
وقال سبحانه وتعالى: " والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئاً وهم يُخلقون ، أموات غير أحياء وما يشعرون أيّان يُبعثون".[ النحل: 20-21].
وقال تعالى: " قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلاً ، أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه". [ الإسراء : 56-57]. وقال أمير المؤمنين عليه السلام في ذكر الموتى: " فهم جيرة لا يجيبون داعياً ولا يمنعون ضيماً ولا يبالون مندبة". [نهج البلاغة: 1/220]. قال عليه السلام واصفاً الموتى أيضاً : " لا في حسنة يزيدون ولا من سيئة يستعتبون" [نهج البلاغة: 2/15].
اتخاذ أصحاب القبور شفعاء ووسائط تقربهم إلى الله: وهذا قد ذمّه القرآن الكريم بقوله سبحانه وتعالى حكاية عن المشركين : " والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى". [ الزمر: 3]. وقال سبحانه وتعالى: " ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله" [ يونس:18]. وقال أمير المؤمنين علي عليه السلام في وصيته للحسن عليه السلام: " واعلم أن الذي بيده خزائن السماوات والأرض قد أذن لك في الدعاء و تكقّل لك بالإجابة وأمرك أن تسأله ليعطيك وتسترحمه ليرحمك، ولم يجعل بينك وبينه من يحجبه عنك، ولم يُلجئك إلى من يشفع لك إليه" . [ نهج البلاغة:3/47].
(149/7)
دعاء أصحاب القبور و الإستغائة بهم من دون الله: وهذا شرك بنص القرآن الكريم؛ قال سبحانه وتعالى: " والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير ، إن تدعوهم لا يسمعوا دعائكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير" [ فاطر:13-14]. وقال سبحانه وتعالى: " ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداءً وكانوا بعبادتهم كافرين" [ الأحقاف:5-6].
وقال سبحانه وتعال: " وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً" [ الجن:16]. وقال أمير المؤمنين عليه السلام: " فاسألوا الله به وتوجهوا إليه بحبه، ولا تسألوا به بخلقه، إنه ما توجّه العباد إلى الله بمثله". [ نهج البلاغة: 2/91-92].
وقال عليه السلام في وصية للحسن عليه السلام: " و ألجىء نفسك في الأمور كلها إلى إلهك ، فإنك تلجئها إلى كهف حريز ومانع عزيز، وأخلص في المسألة لربك فإن بيده العطاء والحرمان" . [نهج البلاغة: 3/39-40].
... وعن الباقر عليه السلام أنه قال : " اتخذ الله عز وجل إبراهيم خليلاً لأنه لم يرد أحداً ولم يسأل أحداً غير الله عز وجل". [ علل الشرائع:34، عيون أخبار الرضا: 2/75].
... وذكر إبراهيم بن محمد الهمداني قال : " قلت لأبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام : لأي علة أغرق الله عز وجل فرعون وقد آمن به وأقرّ بالتوحيد؟ قال : أنه آمن عند رؤية اليأس وهو غير مقبول.. إلى أن قال: ولعلة أخرى أغرق الله عز وجل فرعون وهي أنه استغاث بموسى لما أدركه الغرق ولم يستغث بالله ، فأوحى الله عز وجل إليه: يا موسى ، ما أغثت فرعون لأنك لم تخلقه ولو استغاث بي لأغثته" [ علل الشرائع: 59، عيون أخبار الرضا: 2/76].
(149/8)
الذبح والنذر للقبور وأصحابها: وهذا يدخل فيما أُهلّ به لغير الله، قال الله سبحانه وتعالى : " إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أُهل به لغير الله" [ البقرة: 173].
وقال عز وجل: " وجعل لله مما ذرأ من الحرث و الأنعام نصيباً فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وكان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون". [ الأنعام: 136].
وعن محمد بن سنان أن أبا الحسن الرضا عليه السلام كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله : " حرم ما أهل به لغير الله الذي أوجب على خلقه من الإقرار به وذكر اسمه على الذبائح المحللة، ولئلا يساوي بين ما تقرب به إليه وما جعل عبادة للشياطين والأوثان، لأن في تسمية الله عز وجل الإقرار بربوبيته وتوحيده، وما في الإهلال لغير الله من الشرك والتقريب إلى غيره، ليكون ذكر الله وتسميته على الذبيحة فرقاً بين ما أحل الله وبين ما حرم " [ علل الشرائع: 481-482، عيون أخبار الرضا: 2/91].
الحلف بأصحاب القبور من دون الله : فعن الصادق عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأكل جنباً" . وذكر جملة من المناهي ثم قال: " ونهى أن يحلف الرجل بغير الله وقال: من حلف بغير الله فليس من الله في شيىء".[ مكارم الأخلاق: 466].
قال شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي: " اليمين المنعقد عند آل محمد صلى الله عليه وسلم هي أن يحلف الإنسان بالله تعالى أو بشيء من أسمائه أي اسم كان، وكل يمين بغير الله أو بغير اسم من أسمائه فلا حكم له ، ثم قال: ولا يجوز لأحد أن يحلف بالقرآن ولا بوالديه ولا الكعبة ولا النبي ولا بأحد من الأئمة عليهم السلام، فمن حلف بشيء من ذلك كان مخطئاً ولا يلزمه حلف اليمين" . [النهاية: ص555].
(149/9)
... ملاحظة: يجوز الحلف بالقرآن لأنه صفة من صفات الله عز وجل ، قال عماد الدين الطوسي المشهدي: " ولا يجوز اليمين بغير الله" . [ الوسيلة إلى نيل الفضيلة:ص415].
الطواف بالقبور: فعن أبي عبد الله قال:" لا تشرب وأنت قائم، وتطف بقبر، ولا تبل في ماء نقيع، فإنه من فعل ذلك فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه، ومن فعل شيء من ذلك لم يكن يفارقه إلا ما شاء الله".[علل الشرائع: 283، وسائل الشيعة: 10/450] . وقد بوّب الحر العاملي في كتابه " وسائل الشيعة" باباً قال فيه: " باب استحباب الدعاء بالمأثور عند زيارة القبور وعدم الطواف بالقبر". [ وسائل الشيعة: 2/882]. وقال: " باب عدم جواز الطواف بالقبور".[وسائل الشيعة 1/450].
اللطم وضرب الخدود والصدور: عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " ضرب المسلم يده على فخذه عند المصيبة إحباط لأجره".[ فروع الكافي: 3/224، وسائل الشيعة:2/914].
وعن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت له: ما الجزع؟ قال : " أشد الجزع الصراخ بالويل والعويل ولطم الوجه والصدر وجز الشعر من النواصي ، ومن أقام النواحة فقد ترك الصبر وأخذ في غير طريقة، ومن صبر واسترجع وحمد الله عز ودل فقد رضي بما صنع الله ووقع أجره على الله ، ومن لم يفعل ذلك جرى عليه القضاء وهو ذميم وأحبط الله أجره". [ فروع الكافي: 3/222-223، وسائل الشيعة:2/915].
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال : " ثلاثة لا أدري أيهم أعظم جرماً: الذي يمشي خلف جنازة في مصيبة بغير رداء ، والذي يضرب على فخذه عند المصيبة، والذي يقول ارفقوا وترحموا عليه يرحمكم الله . [ وسائل الشيعة: 2/678 وغيره].
(149/10)
الاختلاط : ويحدث كثيراً عند هذه القبور المبنية فترى الرجال والنساء مختلطين بعضهم ببعض اختلاطاً فاحشاً، خصوصاً عند الطواف حول القبر بأعداد كبيرة في هذه المكان الضيق، فترى الرجل ملاصقاً للمرأة و المرأة ملتصقة به. ومعلوم أن مثل هذا يولد الشهوات ثم يؤدي إلى ارتكاب الفواحش من زنا وغيره، ومن شاهد ما يحدث هناك علم بصدق ما نقول. واعلم أن المخالفات والمنهيات التي تحدث عند القبور كثيرة ولكننا اقتصرنا على ذكر بعضها لعل الغافل أن ينتبه والنائم أن يستيقظ والضال أن يهتدي، والله المستعان.
اعتراضات وأجوبة
اعترض البعض على ما تقدم من روايات النهي عن رفع القبور بعدة اعتراضات نعرض أهمها مع الجواب عنها باختصار:
أولاً ... : إن رفع قبور الأنبياء والأئمة عليهم السلام مستثنى من روايات النهي المتقدمة.
الجواب ... : إن الأئمة أنفسهم أمروا ووصوا بعدم رفع قبورهم أكثر من شبر وأربع أصابع، كما ذكرته بعض الروايات التي مرت، وهذا يرد على هذا الإستثناء بل يدل على أن النهي في قبورهم عليهم السلام آكد.
ثانياً ... : إن رفع قبور الأنبياء والأئمة والبناء عليها فيه مصلحة عظيمة، وهي إبقاء قبورهم مدى الزمان وعدم إندراسها ومحوها؟
الجواب ... : إن هذا الإعتراض مردود، فإنه لا يستلزم من عدم البناء على قبورهم أنها سوف تدرس وتُمحى آثارها. فها هي قبور الأئمة الحسن ومحمد الباقر وجعفر الصادق وفاطمة عليهم السلام وغيرها لم تٌرفع فوق المقدار الشرعي ، وهي مع ذلك لم تدرس ولم تُمحى آثارها، بل مازالت تُذكر وتُزار للسلام عليكم والدعاء لهم. وإبقائها على ماكانت عليه من دون رفع أو بناء مع الحرص على عدم إندراسها أو محوها يحقق أمرين:
الأول: ... اتباعهم للأئمة.
الثاني: ... حرصهم على قبورهم.
ثالثاً ... : اتفاق الناس على البناء على قبور الأئمة من غير إنكار يدل على جواز ذلك.
(149/11)
الجواب ... : إن قول " من غير إنكار" يرد عليه كلام الأئمة عليهم السلام أنفسهم كما هو مبين في روايات النهي عن البناء على القبور المذكورة سابقاً ، فلا عبرة بهذا الإعتراض ، ثم إن العوام والأكثرية ليس بحجة شرعية ولا معتبر فيه ، بل المعتبر هو إجماع العلماء من أهل الحل والعقد، ومنهم الأئمة ، ولم يثبت عنهم جواز ذلك، بل عكسه هو الثابت كما هو مبين.
رابعاً ... : إن الأئمة عليهم السلام قالوا ذلك تقية..
الجواب ... : أن هذا الإعتراض مستبعد جداً لأن العلماء لم يُحمّلوا هذه الروايات على التقية، وإن حملت لكان ذلك بعيداً، بسبب أن بعض هذه الروايات ورد مورود الأمر والوصية لأولادهم الأئمة من بعدهم ، وهذا الحال يستبعد معه القول بالتقية، ثم إن شجاعة أهل البيت وقولهم الحق في كل حال تبعد هذا التصور ، فهم لا يخافون في الله لومة لائم ، ثم ما المانع من أن تكون روايات الجواز قالوها تقية أيضاً؟!
خامساً ... : هناك روايات تدل على جواز البناء على القبور وهي كثيرة ..
الجواب ... : إن روايات النهي هي كثيرة أيضاً – وقد ذكرنا بعضاً منها – وهي أقرب لموافقتها لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فهي مقدمة على ورايات الجواز، ثم إن المفاسد المترتبة على بناء القبور كثيرة – وقد ذكرنا بعضها – ترجح على روايات الجواز ، سداً لذريعة الحرام والفساد وفقاً للقاعدة التي تقول : " درء المفاسد مقدم على جلب المصالح" .
والله أعلم. والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله علي سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين ، وعلى أهل بيته الأطهار الطيبين ، وعلى أصحابه الغر الميامين.
المراجع
بعد القرآن الكريم
الكافي للكليني : الأصول والفروع – ط. طهران.
من لا يحضره الفقيه للصدوق – ط. مؤسسة الأعلمي / بيروت.
الإستبصار للطوسي –ط. النجف.
علل الشرائع للصدوق – ط. المكتبة الحيدرية / النجف.
عيون أخبار الرضا للصدوق – ط. المكتبة الحيدرية / النجف.
(149/12)
وسائل الشيعة للحر العالمي – ط. دار إحياء التراث العربي / بيروت
نهج البلاغة – دار الفكر بشرح محمد عبده.
مكارم الأخلاق للطبرسي – ط. مؤسسة النعمان / بيروت.
النهاية للطوسي – دار الكتاب العربي / بيروت.
الوسيلة إلى نيل الفضيلة للطوسي المشهدي. مطبعة الآداب / النجف.
اللمعة الدمشقية للشهيد الأول – مطبعة الآداب / النجف.
قام مركز الدفاع عن السنة بنشر هذه المادة العلمية على شبكة الإنترنت
منقول من الرابط التالى
http://www.d-sunnah.net/books/2-30.htm
(149/13)
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا .
من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .
وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
أما بعد ،
لقد كان الشيخ عثمان الخميس موفقا غاية التوفيق في ردوده المتنوعة على الرافضة من مناظرات ومحاضرات وكتب ، وقد اشتملت ردوده على نفائس منثورة في غاية النفع والفائدة ؛ لذلك أحببت أن أنتقي من ردوده جملة من الفوائد المهمة وأنظمها في سلك واحد ؛ ليسهل الانتفاع بها وتدنو قطوفها لكل من رامها وطلب ثمارها .
وإليك المراجع التي رجعت إليها من كتب الشيخ وأشرطته ومناظراته :
كشف الجاني محمد التيجاني.(كتاب مطبوع ) .
حقبة من التاريخ.(كتاب مطبوع ) .
آل البيت.(شريط مفرغ ).
وقفات مع كتاب المراجعات.(شريط مفرغ ).
سياحة في كتاب الكافي.(شريط مفرغ ).
من هو المهدي المنتظر؟ .(شريط مفرغ ).
الفروقات المفحمة بين الزواج الصحيح والمتعة المحرمة .
ماذا تعرف عن دين الشيعة .(شريط مفرغ).
أسئلة مهمة حول مناظرة المستقلة .
شبهات شيعية والرد عليها .
التوحيد عند الشيعة .(شريط).
زواج المتعة .(شريط ).
تراث الإمام جعفر الصادق .(قرص حاسوب).
الشيعة والقرآن .(شريط).
موقف الشيعة من الصحابة .(شريط).
مناظرات الشيخ في قناة المستقلة .
مناظرة الشيخ مع عصام العماد .
وأنا أحث طلبة العلم أن يقرؤوا كتاب ( حقبة من التاريخ ) للشيخ عثمان الخميس – أثابه الله وحفظه - ويُعنوا به عناية فائقة فهو في غاية الأهمية والفائدة .
والآن أتركك للقراءة في هذا الكتاب النفيس النافع سائلا المولى الكريم أن ينفع به من قرأه ، ويدخر ثوابه للشيخ عثمان الخميس ، ولمن قام بجمعة وتلخيصه ، إنه سميع مجيب .
الفقير إلى الله
غالب الساقي
المبحث الأول
آيات قرآنية تثني على الصحابة وتبين فضلهم
(150/1)
قال تعالى : (( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً )) (الفتح:18) . وقال : (( وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ )) (الحديد:10) .
وقال تبارك وتعالى :(( لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ، وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ، وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ )) (الحشر:8-10).
وقال سبحانه : (( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ )) (آل عمران:110).
وقال : (( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً )) (البقرة:143) .
(150/2)
وقال : (( لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ )) (التوبة:117).
وقال : (( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)) (الفتح:29).
( منهم ) مِن هنا ليست للتبعيض كما يقول الذين في قلوبهم زيغ ، بل هي لبيان الجنس أو للتأكيد .
من مجيء مِن لبيان الجنس في القرآن الكريم (( فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ)) (الحج:30).
ومن مجيئها للتأكيد فيه ((وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً)) (الاسراء:82).
وسياق الآية يدل على ذلك فهي مدح لجميع الصحابة ليس فيها ذم لبعضهم وهي تثني على ظاهر الصحابة وباطنهم وهذا الوصف لا ينطبق على المنافقين .
(150/3)
وقال – سبحانه - : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) (التحريم:8) وقال : (( إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً )) (الفتح:26).
وقال جل شأنه :
(( وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ)) (الحجرات:7).
وقال : (( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)) (التوبة:100).
وقال تبارك وتعالى :
(( إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ)) (لأنفال:11).
(150/4)
وقال : (( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)) (آل عمران:173).
وقال جل جلاله :
(( الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ)) (آل عمران:172).
وقال- أيضا- :
(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً )) (الأحزاب:9).
وقال تبارك وتعالى : (( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً )) (الفتح:4).
وقال أيضا : (( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )) (التوبة:79).
ويقول – سبحانه - :(( وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)) (التوبة:98).
وقال من لا إله غيره :
(( فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )) (البقرة:137).
(150/5)
وقال – سبحانه - : (( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)) (النور:55).
وقد حقق الله وعده للصحابة الكرام فدل على أنهم يتصفون بالإيمان والعمل الصالح .
المبحث الثاني
من هم الشيعة الإمامية ؟
الشيعة الإمامية :- هم الذين يقولون بإمامة علي بن أبي طالب – رضي الله عنه بعد رسول الله صلى الله علية وآله وسلم – مباشرة بدون فصل ويرون أن أبا بكر اغتصب الخلافة من على – وكذلك فعل عمر وعثمان .
والصحابة عند الشيعة قسمان :
القسم الأول : وافق أبا بكر وعمر وعثمان على تجنيهم على علي وهؤلاء هم جل الصحابة.
القسم الثاني : هم الذين لم يرضوا بهذا وخالفوا ذلك الأمر ورأوا أن أبا بكر وعمر وعثمان قد اغتصبوا الخلافة من على وأن الخلافة لعلي، وهؤلاء قد اختلف الشيعة في أعدادهم أو أسمائهم ولكن أجمعوا على ثلاثة وهم ، سلمان الفارسي رضي الله عنه ، و المقداد بن الأسود رضي الله عنه، وأبو ذر الغفاري رضي الله عنه .
ولذلك جاء في الكافي عن حنان عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام: كان الناس أهل ردة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله إلا ثلاثة فقلت من الثلاثة فقال : المقداد بن الأسود وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي 8/ ص 245 .
ثم بعد ذلك يستثنون عمار بن ياسر وبعض الصحابة – رضي الله عنهم أجمعين .
فإذا الشيعة هم الذين يقولون بإمامة علي بن أبي طالب بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم – بلا فصل ، ولكنهم بعد ذلك اختلفوا اختلافا شديدا في الإمامة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم
(150/6)
فمنهم من وقف عند علي ، ومنهم من جعل الإمام بعده الحسن ثم الحسين، ومنهم من جعل الإمام بعد الحسين أخاه محمد بن الحنفية.
ومنهم من وقف عند الحسين ، ومنهم من جعل الإمام بعد الحسين علي بن الحسين ثم ابنه محمد ثم ابنه جعفر واختلفوا بعد جعفر فمنهم من وقف عند جعفر ومنهم من جعل الإمام بعده ابنه إسماعيل وهم الشيعة الإسماعيلية ، ومنهم من جعل الإمام بعده ابنه موسى، واختلفوا بعد الحسن العسكري : الذي هوالحسن بن علي الهادي فمنهم من وقف عنده ، ومنهم من قال بإمامة المنتظر الذي ادعوا أنه ولد الحسن العسكري وبعضهم قال بإمامة أخيه جعفر- ولذلك يقول النوبختي (وهو من علماء الشيعة) : بعد الحسن اختلفت الشيعة على أربع عشرة فرقة . هذا بعد الحسن فقط .
وحديثنا في هذه الرسالة عن الشيعة الاثني عشرية ومن أسمائهم الرافضة والإمامية . ويطلقون على أنفسهم الجعفرية وجعفر الصادق بريء منهم بل هو من أئمة السنة ولا يعتقد ما يعتقده الرافضة من العقائد الشنيعة .
المبحث الثالث
هل يوثق بمصادر الرافضة ؟
لقد كان قدماء الرافضة يأخذون ما في كتبهم من روايات وإن كانت عن المجاهيل والضعفاء والكذابين .
قال الحر العاملي (من كبار علماء الرافضة ) : الثقات الأجلاء كأصحاب الإجماع ونحوهم عن الضعفاء والكذابين والمجاهيل حيث يعلمون حالهم ويروون عنهم ويعملون بحديثهم ويشهدون بصحتة ( وسائل الشيعة ) جـ 30/ ص 206.
وقال أيضا ومن المعلوم قطعا : أن الكتب التي أمروا عليهم السلام بها كان كثير من رواتها ضعفاء ومجاهيل (الوسائل 30/ ص 244 ) .
قال أيضا ( في خاتمة الوسائل ج 20 ص 100 ) : (( إن طريقة المتقدمين مباينة لطريقة العامة والاصطلاح الجديد موافق لاعتقاد العامة واصطلاحهم بل هو مأخوذ من كتبهم كما هو ظاهر بالتتبع وكما يفهم من كلامهم الشيخ حسن وغيره ، وقد أمرنا الأئمة عليهم السلام باجتناب طريقة العامة )) .
(150/7)
ولم يكن عندهم علم للجرح والتعديل ولا قواعد لمعرفة صحيح الحديث من سقيمه .
ثم ألف بعض الرافضة في القرن السابع في علم الرجال.
ولكن كلام الرافضة في الجرح والتعديل لا يمكن التوصل من خلاله إلى تمييز الصحيح من الضعيف ؛ لكونه عبارة عن تخبطات وأقوال ينقض بعضها بعضا مع كونه شديد النقص ، ثم ألف بعض الرافضة في مصطلح الحديث، وذلك في القرن العاشر فعرف الحديث الصحيح بأنه : ما رواه العدل الضابط الإمامي في جميع الطبقات ؛ وبذلك يكون الرافضة كباحثة عن حتفها بظلفها إذ الالتزام بهذا التعريف هو إقرار منهم على جميع أحاديثهم بالضعف والرد . قال الفيض الكاشاني ( وهو من كبار علماء الرافضة ) في كلامه في الجرح والتعديل : فإن في الجرح والتعديل وشرائطه اختلافات وتناقضات واشتباهات لا تكاد ترتفع بما تطمئن إليه النفوس كما لا يخفى على الخبير بها فالأولى الوقوف على طريقة القدماء . ( الوافي في المقدمة الثانية ص 25 ) .
قال الحر العاملي : يستلزم ضعف أكثر الأحاديث التي علم نقلها من الأصول المجمع عليها لأجل ضعف بعض رواتها أو جهالتهم أو عدم توثيقهم .... بل يستلزم ضعف الأحاديث كلها عند التحقيق ؛ لأن الصحيح عندهم ما رواه العدل الإمامي الضابط في جميع الطبقات . ولم ينصوا على عدالة أحد من الرواة إلا نادرا ، وإنما نصوا على التوثيق وهو لا يستلزم العدالة …حيث يوثقون من يعتقدون فسقه وكفره وفساد مذهبه. ( الوسائل جـ 30/ ص 259 ) .
فلم يبق للرافضة إلا منهج القدماء وهو الأخذ بجميع روايات كتبهم ولا قدرة لهم على تمييز صحيحها من ضعيفها ، وكل من ادعى أنه يأخذ بما صح دون ما ضعف فهو كاذب مموه وقد تحدى بعض طلبة العلم شيوخ الرافضة على أن يأتوا بحديث واحد صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبحسب تعريفهم هم ومن كتب رجالهم هم فما استطاعوا .
(150/8)
وإن الأخذ بكل ما في كتبهم أمر لا يمكن تطبيقه أيضا لكون كتبهم لا تتفق على شيء فهي أقوال ينقض بعضها بعضا ويهدم بعضها بعضا.
فهذا الفيض الكاشاني يقول : تراهم يختلفون في المسألة الواحدة على عشرين قولا أو ثلاثين قولا أو أزيد بل لو شئت أقول لم تبق مسألة فرعية لم يختلفوا فيها أو في بعض متعلقاتها . ( وهذا قاله في الوافي في المقدمة ص 9 ) .
وقال الطوسي ـ أكبر علماء الشيعة على الإطلاق ـ : إنه لا يكاد يتفق خبر إلا وبإزائه ما يضاده ولا يسلم حديث إلا وفي مقابلته ما ينافيه ( تهذيب الأحكام في المقدمة ج 1/ ص 2) .
وهذا جندار علي ( أحد علماء الهند من الشيعة) يقول : إن الأحاديث المأثورة عن الأئمة مختلفة جدا لا يكاد يوجد حديث إلا وفي مقابله ما ينافيه، ولا يتفق خبر إلا وبإزائه ما يضاده ( أساس الأصول ص 51).
وصدق الله إذ يقول : (( وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً )) (النساء:82).
من كتب الرافضة المعتمدة ما صنف في القرن الثاني عشر ومنها ما صنف في القرن الرابع عشر .
ومنها ما يذكر الأخبار بدون أسانيد . فهل يثق بما فيها عاقل؟! .
إن من كتب الرافضة ما صنفه من لا يوثق به باعترافهم مع اعتمادهم على نقله وروايته .
قال الطوسي الرافضي ( الوسائل جـ 30/ ص 224 ) : (( إن كثيرا من المصنفين وأصحاب الأصول كانوا ينتحلون المذاهب الفاسدة ، وإن كانت كتبهم معتمدة )) .
إن أوثق رواة الرافضة على الإطلاق زرارة بن أعين واسمعوا ما رووا في كتبهم مما يظهر كونه كان أفاكا أثيما :
جاء في ( رجال الكشي ص 160 ) : أن الإمام الصادق سأل أحد شيعته بقوله : متى عهدك بزرارة ؟ قال : ما رأيته منذ أيام قال : لا تبالي وإن مرض فلا تعده وإن مات فلا تشهد جنازته قال ( أي السائل ) زرارة؟ متعجبا مما قال : قال : أقول : نعم زرارة شر من اليهود والنصارى ومن قال : إن الله ثالث ثلاثة .
(150/9)
وروى الكشي بسنده عن مسمع كردين أنه : سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول : لعن الله بريدا ولعن الله زرارة .
وأخرج الكشي بسنده عن أبي مسكان قال : سمعت زرارة يقول : رحم الله أبا جعفر وأما جعفر فإن في قلبي عليه لفتة فقلت له : وما حمل زرارة على هذا ؟ قال : حمله على هذا أن أبا عبد الله أخرج مخازيه .(رجال الكشي ص 144 ).
والرافضة تستكثر ما رواه أبو هريرة عن رسول الله مع صحبته له أربع سنوات ودعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له بالحفظ وتفرغه لهذا الشأن وكثرة تلاميذه وتأخر وفاته .
والمروي عن أبي هريرة خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعة وسبعون حديثا فيها الثابت وغير الثابت والمكرر وغير المكرر وما رواه عن الصحابة وما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم .
إلا أن الرافضة لا تستكثر ما رواه جابر الجعفي فقد روى عن الباقر سبعين ألف حديث وهو لم يدخل عليه إلا مرة واحدة وروى عن باقي الأئمة مائة وأربعين ألف حديث .
قال العاملي وروي أنه روى سبعين ألف حديث عن الباقر عليه السلام وروى مائة وأربعين ألف حديث . ( وسائل الشيعة ( الإسلامية ) ج 20 ص 151 ) .
وهذا أبو عبد الله جعفر الصادق ابن الباقر يقول : (( ما رأيته عند أبي قط إلا مرة واحدة وما دخل علي قط )) ( اختيار معرفة الرجال للطوسي جـ 2 ص 436 ).
وهو عند أهل السنة من الكذابين .
ومن عجيب روايات الرافضة أن الرواة عن جعفر الصادق عندهم كلهم أو جلهم كوفيون مع أن جعفر الصادق من أهل المدينة مولدا ونشأة ووفاة فسبحان من جعل على الكذب علامات ودلائل .
(150/10)
ومن ظلم الرافضة وبعدها عن الإنصاف أنهم يعيبون على أهل السنة قلة روايتهم عن آل البيت مع أن أهل السنة رووا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه أكثر من روايتهم عن أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما . والروايات عن علي قريبة من الرواية عن عمر وأما ابن عباس الذي هو من أكابر آل البيت وإن رغمت أنوف الرافضة فهو من المكثرين من الرواية عن رسول الله عند أهل السنة .
ولا يستحي الرافضة أن يعيبوا أهل السنة بمثل هذا وهم لا يروون عن فاطمة في أعظم كتاب لهم ( الكافي ) ولا حديثا واحدا مرفوعا ولقد رووا فيه عن الحسن عشرين حديثا وعن الحسين ستة عشر حديثا .
وكتاب الكافي للكليني هو أصح كتاب للرافضة وأقدمها وهو كتاب أمره عجيب ونبأه غريب هذا الكتاب جمهور الرافضة يعتقدون صحته كله هو عندهم أصح من القرآن الكريم ؛ لأن القرآن عندهم منه الصحيح ومنه الضعيف حتى ألف النوري الطبرسي وهو صاحب كتاب ( مستدرك الوسائل) وهو من صحاح الرافضة والكتب المعتمدة لديهم كتاب : ( فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب) من ضمن كلامه فيه: من الأدلة على تحريف القرآن فصاحته في بعض الفقرات البالغة، يقصد الفصاحة أنها بالغة جداً وعظيمة جداً وتصل حد الإعجاز وسخافة بعضها الآخر ، أي سخافة بعض الآيات .
كيف يؤمن الرافضة بأن القرآن محفوظ وهم يعتقدون كفر من نقله إلينا من الصحابة ومن يروي عنهم من أهل السنة .
إن قول الرافضة بتحريف القرآن وافتراءهم سورة الولاية وغيرها هو من أوجه الشبه بين اليهود والرافضة فإن اليهود هم أهل التحريف لكتب الله كما هو معلوم .
إن الله سبحانه بين في كتابه العزيز أنه حفظ هذا القرآن العظيم من التحريف فقال : (( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)) (الحجر:9).
وقد أجمع على ذلك المسلمون وقد نقل إلينا القرآن بالتواتر ، وهذه أسانيد القرآن الكريم لا تزال متصلة إلى هذا الزمان .
(150/11)
ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء ، وشرائع الإسلام كالصلاة والصوم والزكاة والحج ، والإيمان باليوم الآخر وغيره من أركان الإيمان وحجية السنة إنما ثبتت بالقرآن فلا يمكن أن يبقى إسلام مع القول بتحريف القرآن .
أما الكافي عندهم فله شأن آخر فهو عند جماهيرهم صحيح كله لا يتطرق إليه الشك ولا يصل إليه الارتياب .
قال النوري الطبرسي , صاحب المستدرك : الكافي بين الكتب الأربعة(1) كالشمس بين النجوم , وإذا تأمل المنصف استغنى عن ملاحظة حال آحاد رجال السند المودعة فيه , وتورثه الوثوق , ويحصل له الاطمئنان بصدورها وثبوتها وصحتها . ( مستدرك الوسائل للطبرسي جـ 3 ص 532 ) .
وقال الحر العاملي : أصحاب الكتب الأربعة وأمثالهم قد شهدوا بصحة أحاديث كتبهم وثبوتها ونقلها من الأصول المجمع عليها , فإن كانوا ثقات تعين قبول قولهم وروايتهم ونقلهم . ( وسائل الشيعة جـ 20 ص 104 ) .
وقال عبد الحسين شرف الدين الموسوي , صاحب المراجعات : الكافي والاستبصار والتهذيب ومن لا يحضره الفقيه , يعني الكتب الأربعة , متواترة مقطوع بصحة مضامينها , والكافي أقدمها وأعظمها وأحسنها وأتقنها . ( المراجعات للموسوي ، مراجعة رقم 110 ) .
وقال محمد صادق الصدر : والذي يجدر بالمطالعة أن يقف عليه , يعني القارئ , هو أن الشيعة وإن كانت مجمعة على اعتبار الكتب الأربعة، وقائلة بصحة كل ما فيها من روايات غير أنها لا تطلق عليها اسم الصحاح كما فعل ذلك إخوانهم من أهل السنة . ( كتابه : الشيعة ص 127 ) .
__________
(1) الكتب الأربعة هي الكافي والاستبصار والتهذيب و من لا يحضره الفقيه , التي هي مُعتمد الشيعة في دينهم .
(150/12)
بل إن مؤلف الكتاب وهو الكليني , قال عن سبب تأليف كتابه للسائل: وقلت إنك تحب أن يكون عندك كتاب كافٍ يجمع من جميع فنون علم الدين ما يكتفي به المتعلم ويرجع إليه المسترشد , ويأخذ منه من يريد علم الدين والعمل به بالآثار الصحيحة عن الصادقين .( مقدمة الكافي ص 24 ). ولذلك قال المحقق النائيني - عندهم - : إن المناقشة في إسناد روايات الكافي حِرفة العاجز .( كتاب الانتصار للمحقق النائيني في صحة الكافي ص 8 لعلي أبو الحسن ).
وأما محقق كتاب الكافي , علي أكبر الغفاري فقال : اتفق أهل الإمامة وجمهور الشيعة على تفضيل هذا الكتاب والأخذ به والثقة بخبره والاكتفاء بأحكامه , وهم مجمعون على الإقرار بارتفاع درجته وعلو قدره على أنه القطب الذي عليه مدار روايات الثقات المعروفين بالضبط والإتقان , إلى اليوم , وهو عندهم أجمل وأفضل من سائر أصول الحديث.( مقدمة الكافي ص 26 ) .
وقال المفيد : الكافي وهو من أجل كتب الشيعة وأكثرها فائدة .( المصدر نفسه ). وقال الفيض الكاشاني عن كتب الشيعة : الكافي أشرفها وأوثقها وأتمها وأجمعها ؛ لاشتماله على الأصول من بينها وخلوه من الفضول وشينها .( مقدمة الكافي ص 27 ).
وقال المجلسي : كتاب الكافي أضبط الأصول وأجمعها , وأحسن مؤلفات الفرقة الناجية وأعظمها .( المصدر نفسه ) .
وقال محمد أمين الإسترابادي : وقد سمعنا من مشائخنا وعلمائنا أنه لم يصنف في الإسلام كتاب يوازيه أو يدانيه.(المصدر نفسه). وقال عباس القمي : الكافي هو أجل الكتب الإسلامية وأعظم المصنفات الإمامية، والذي لم يُعمل للإمامية مثله .(الكنى والألقاب جـ 3 ص98 ).
(150/13)
إذا كلام الشيعة , عندما يقولون : ليس بصحيح كله , بل فيه ما هو صحيح وما هو ضعيف , إنما هو للخروج من إلزامات أهل السنة لهم , بل من إلزامات الشيعة الذين يؤمنون بالكافي كله كالإخباريين والشيخية وغيرهم , لكن مع هذا حتى على التنزل , وعلى القول بأن الكافي ليس صحيحاً كله فهو بإجماع الشيعة أصح كتاب عندهم , وأحسن مؤلفاتهم ولا يوجد كتاب يوازيه لا عند الشيعة فقط , بل في الإسلام كله .
وإليك بعض ما في هذا الكتاب واحكم بنفسك عليه وعلى من يتبعه :
روى الكليني في الكافي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه أُخبرَ أن عُفيراً حمار الرسول انتحر فقال علي : ( إِنَّ ذَلِكَ الْحِمَارَ كَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) فَقَالَ بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي إِنَّ أَبِي حَدَّثَنِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ مَعَ نُوحٍ فِي السَّفِينَةِ فَقَامَ إِلَيْهِ نُوحٌ فَمَسَحَ عَلَى كَفَلِهِ ثُمَّ قَالَ يَخْرُجُ مِنْ صُلْبِ هَذَا الْحِمَارِ حِمَارٌ يَرْكَبُهُ سَيِّدُ النَّبِيِّينَ وَ خَاتَمُهُمْ فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَنِي ذَلِكَ الْحِمَارَ ).(الكافي 1/237 ) .
ذكرنا هذا الحديث الذي يرويه الكليني بالإسناد , وإسناده , كما ترون , كله حمير , والعجيب في هذا الإسناد أنه في أعظم كتاب لهم , وليس فيه حمير بل هو مسلسل بالحمير فعفير يروي عن أبيه عن جده عن جد أبيه , فكرم الله تبارك وتعالى علياً من أن يروى عن حمار عن آباءه .
أما من الناحية الحديثية فللحديث أكثر من علة :
أولا : الإسناد فيه مجاهيل , وذلك أن أولئك الحمير لا ندري هل هم ثِقات حفاظ أم لا !! , ولم أجد من ترجم لهؤلاء الحمير , ولعل القارئ الكريم يبحث معي في تراجم هؤلاء الحمير في كتاب حياة الحيوان للدميري أو كتاب الحيوان للجاحظ لعلنا نصل إلى شيء هناك.
(150/14)
ثانياً : كيف يقول الحمار لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( بأبي أنت وأمي ) ؟؟!! ومن أبوه ومن أمه ؟؟ !! حتى يفدِّي بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم , وهذا لا شك أنه طعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم كما لا يخفى , بل وإسفاف وقلة أدب ممن ينسب مثل هذا الكلام إلى سيد الخلق صلوات الله وسلامه عليه أن حمارا يقول له بأبي أنت وأمي !! .
ثالثاً : أن هذا الحديث فيه متهم بالكذب , وهو جد والد الحمار ( عفير ) وذلك أنه قطعاً لم يدرك نوحاً عليه السلام , وهو يدعي أن نوحاً مسح على كفله !! .
- وعن علي بن أبي طالب أنه سُئل عن مدة غيبة المهدي فقَالَ: ( سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ أَوْ سِتَّ سِنِينَ ) .(الكافي1/338).
قلت : تدعي الشيعة أن المهدي دخل السرداب سنة 260هـ ونحن الآن في 1423هـ , وبمسألة حسابية بسيطة يتبين لنا أنه مر على دخوله للسرداب 1163 سنة , ويقولون عن علي أنه قال : أنها 6 سنوات وإلى الآن لم يخرج !! .
- عن أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السلام ) قَالَ : ( مَنْ خَرَجَ مِنْ مَنْزِلِهِ مُعْتَمّاً تَحْتَ حَنَكِهِ يُرِيدُ سَفَراً لَمْ يُصِبْهُ فِي سَفَرِهِ سَرَقٌ وَ لَا حَرَقٌ وَ لَا مَكْرُوهٌ ).(الكافي6/461).
- و روى الكليني عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السلام ) أَنَّهُ نَظَرَ إِلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ وَ عَلَيْهِ نَعْلٌ سَوْدَاءُ فَقَالَ : ( مَا لَكَ وَ لِلنَّعْلِ السَّوْدَاءِ أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّهَا تُضِرُّ بِالْبَصَرِ وَ تُرْخِي الذَّكَرَ وَ هِيَ بِأَغْلَى الثَّمَنِ مِنْ غَيْرِهَا وَ مَا لَبِسَهَا أَحَدٌ إِلَّا اخْتَالَ فِيهَا ) .(الكافي6/465).
(150/15)
وفي الصفحة نفسها عَنْ حَنَانِ بْنِ سَدِيرٍ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السلام ) وَ فِي رِجْلِي نَعْلٌ سَوْدَاءُ فَقَالَ يَا حَنَانُ مَا لَكَ وَ لِلسَّوْدَاءِ أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ فِيهَا ثَلَاثَ خِصَالٍ تُضْعِفُ الْبَصَرَ وَ تُرْخِي الذَّكَرَ وَ تُورِثُ الْهَمَّ وَ مَعَ ذَلِكَ مِنْ لِبَاسِ الْجَبَّارِينَ قَالَ فَقُلْتُ فَمَا أَلْبَسُ مِنَ النِّعَالِ قَالَ عَلَيْكَ بِالصَّفْرَاءِ فَإِنَّ فِيهَا ثَلَاثَ خِصَالٍ تَجْلُو الْبَصَرَ وَ تَشُدُّ الذَّكَرَ وَ تَدْرَأُ الْهَمَّ وَ هِيَ مَعَ ذَلِكَ مِنْ لِبَاسِ النَّبِيِّينَ.(المصدر نفسه).
- وفيه أيضا في الجزء السادس صفحة 501 عن أبي الحسن الماضي قال: العورة عورتان القبل والدبر ، أما الدبر فمستور بالإليتين فإذا سترت القضيب والبيضتين فقد سترت العورة . وفي رواية : وأما الدبر فقد سترته الإليتان وأما القبل فاستره بيدك .
- وفي هذا الكتاب أيضا عن أبي جعفر محمد الباقر أنه قال : ( والله يا أبا حمزة إن الناس كلهم أولاد بغايا ما خلا شيعتنا ).(الكافي8/239). كل الناس أولاد زنى إلا الشيعة ! ثم يشرح هذه الرواية في رواية أخرى عن أبي عبد الله أنه قال لأبي بصير : ( إِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَجِي ءُ حَتَّى يَقْعُدَ مِنَ الْمَرْأَةِ كَمَا يَقْعُدُ الرَّجُلُ مِنْهَا وَ يُحْدِثُ كَمَا يُحْدِثُ وَ يَنْكِحُ كَمَا يَنْكِحُ قُلْتُ بِأَيِّ شَيْ ءٍ يُعْرَفُ ذَلِكَ قَالَ بِحُبِّنَا وَ بُغْضِنَا فَمَنْ أَحَبَّنَا كَانَ نُطْفَةَ الْعَبْدِ وَ مَنْ أَبْغَضَنَا كَانَ نُطْفَةَ الشَّيْطَانِ ).(الكافي5/502). يعني من يؤمن بهذا الكتاب يعتقد أن الشيطان جامع زوجته معه , لكن النطفة تخرج منه هو !! وهذا لا شك أنه لا يعتقده إلا إنسان فاجر .
(150/16)
- ومما جاء في هذا الكتاب عن أبي بصير أنه قال لجعفر الصادق : جُعِلْتُ فِدَاكَ فَإِنَّا قَدْ نُبِزْنَا نَبْزاً انْكَسَرَتْ لَهُ ظُهُورُنَا وَ مَاتَتْ لَهُ أَفْئِدَتُنَا وَ اسْتَحَلَّتْ لَهُ الْوُلَاةُ دِمَاءَنَا فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ لَهُمْ فُقَهَاؤُهُمْ قَالَ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السلام ) الرَّافِضَةُ قَالَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ لَا وَ اللَّهِ مَا هُمْ سَمَّوْكُمْ وَ لَكِنَّ اللَّهَ سَمَّاكُمْ بِهِ أَمَا عَلِمْتَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَنَّ سَبْعِينَ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ رَفَضُوا فِرْعَوْنَ وَ قَوْمَهُ .. ) .(الكافي 8/28) الشاهد أن الله هو سماهم الرافضة ! يعني رفضوا الباطل , هذه ترقيعة .
- ومما جاء في هذا الكتاب : عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السلام ) قَالَ : ( لَمْ يَرْضَعِ الْحُسَيْنُ مِنْ فَاطِمَةَ ( عليها السلام ) وَ لَا مِنْ أُنْثَى كَانَ يُؤْتَى بِهِ النَّبِيَّ فَيَضَعُ إِبْهَامَهُ فِي فِيهِ فَيَمُصُّ مِنْهَا مَا يَكْفِيهَا الْيَوْمَيْنِ وَ الثَّلَاثَ فَنَبَتَ لَحْمُ الْحُسَيْنِ ( عليه السلام ) مِنْ لَحْمِ رَسُولِ اللَّهِ وَ دَمِهِ ). (الكافي 1/465). إذا من الذي أرضع الحسين ؟؟ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(150/17)
- وفيه أيضا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السلام ) قَالَ : ( لَمَّا وُلِدَ النَّبِيُّ ( صلى الله عليه وآله ) مَكَثَ أَيَّاماً لَيْسَ لَهُ لَبَنٌ فَأَلْقَاهُ أَبُو طَالِبٍ عَلَى ثَدْيِ نَفْسِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ لَبَناً فَرَضَعَ مِنْهُ أَيَّاماً حَتَّى وَقَعَ أَبُو طَالِبٍ عَلَى حَلِيمَةَ السَّعْدِيَّةِ فَدَفَعَهُ إِلَيْهَا ) (الكافي 1/448). أيش هذا الكلام يا جماعة الخير !!!!!!!! .. أبو طالب هو الذي أرضع النبي صلى الله عليه وآله وسلم !! فيكون علي عماً لفاطمة كيف تزوجها ؟ إسفاف .. هذا أحسن كتاب في الدنيا !! لم يؤلف في الإسلام كتاب يوازيه أو يدانيه والعياذ بالله .
- وفيه أيضا عن الرِّضَا ( عليه السلام ) قال : ( لَيْسَ عَلَى مِلَّةِ الْإِسْلَامِ غَيْرُنَا وغير شيعتنا )(الكافي 1/223).
- وفيه أيضا عن خالد القلانسي قال : قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ): ألقى الذمي فيصافحني ماذا أصنع قال : امسحها بالتراب وبالحائط قلت فالناصب قال : اغسلها .
وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السلام ) أَنَّهُ كَرِهَ سُؤْرَ وَلَدِ الزِّنَا وَ سُؤْرَ الْيَهُودِيِّ وَ النَّصْرَانِيِّ وَ الْمُشْرِكِ وَ كُلِّ مَا خَالَفَ الْإِسْلَامَ وَ كَانَ أَشَدَّ ذَلِكَ عِنْدَهُ سُؤْرُ النَّاصِبِ (الكافي 3/11).
- وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السلام ) قَالَ : ( لَا تَغْتَسِلْ مِنَ الْبِئْرِ الَّتِي تَجْتَمِعُ فِيهَا غُسَالَةُ الْحَمَّامِ فَإِنَّ فِيهَا غُسَالَةَ وَلَدِ الزِّنَا وَ هُوَ لَا يَطْهُرُ إِلَى سَبْعَةِ آبَاءٍ وَ فِيهَا غُسَالَةَ النَّاصِبِ وَ هُوَ شَرُّهُمَا إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ خَلْقاً شَرّاً مِنَ الْكَلْبِ وَ إِنَّ النَّاصِبَ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنَ الْكَلْبِ ..).(الكافي3/14).
والناصبي يقصدون به السني .
(150/18)
- و عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السلام ) قَالَ : ( أَهْلُ الشَّامِ شَرٌّ مِنْ أَهْلِ الرُّومِ وَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ شَرٌّ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَ أَهْلُ مَكَّةَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ جَهْرَةً ) (الكافي2/409).
وفي الصفحة التي بعدها يقول : ( إِنَّ أَهْلَ مَكَّةَ لَيَكْفُرُونَ بِاللَّهِ جَهْرَةً وَ إِنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَخْبَثُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَخْبَثُ مِنْهُمْ سَبْعِينَ ضِعْفا) (الكافي2/410).
هكذا يقولون عن أنصار سول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعن الذين هاجروا في سبيل الله عز وجل !.
- وفيه أيضا في الجزء الثامن , أي الروضة , يروي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : ( لله قباب كثيرة ألا إن خلف مغربكم هذا تسعة وثلاثون مغرباً أرضا بيضاء مملوءة خلقاً يستضيئون بنوره لم يعصوا الله طرفة عين ما يدرون خُلق آدم أو لم يُخلق يبرءون من فلان وفلان ) (الكافي 8/193). يعنون أبا بكر وعمر .
ولكن للإضافة نذكر هذا من الأنوار النعمانية لنعمة الله الجزائري يقول: قد وردت في أخبار الخاصة – يعني الشيعة – أن الشيطان يُغل بسبعين غلاً من حديد جهنم ويُساق إلى المحشر فينظر ويرى رجلا أمامه يقوده ملائكة العذاب وفي عنقه مائة وعشرون غلاً من أغلال جهنم – ممكن أبو جهل ممكن فرعون ممكن النمرود ممكن أبو لهب ؟ - فيدنو الشيطان إليه فيقول ما فعل هذا الشقي حتى زاد عليّ في العذاب وأنا أغويت الخلق وأوردتهم موارد الهلاك , فيقول عمر للشيطان : ما فعلت شيئاً سوى أني غصبت خلافة علي بن أبي طالب) (الأنوار النعمانية 1/81). صار عمر هذا الرجل !! .
والجزائري هذا الخبيث يقول : إن عمر كان مصابا بداء في دبره لا يهدأ إلا بماء الرجال .( الأنوار النعمانية 1/63).
(150/19)
وكتاب الكافي مشحون بالروايات التي تقدح في القرآن وتزعم تحريفه وفيه من الضلال والشرك والزندقة ما لا يمكن لأحد لم يقرأه أن يتصوره فارجع إليه بنفسك لتعلم مدى ضلال من يتبعه .
المبحث الرابع
التحذير من أخبار يحتج بها الرافضة
إن كثيرا من الروايات التي توغر الصدور على أصحاب رسول الله لم تصح أصلا ، فكيف يعتمد عليها مع كونها مخالفة لثناء الله على صحابة نبيه في القرآن الكريم ، ومخالفة لما هو معلوم من حال الصحابة من نصرة للإسلام وجهاد في سبيل الله ، وبذل المهج والأموال لتكون كلمة الله هي العليا . من هذه الأخبار ما يلي :
أن معاوية سم الحسن ـ رضي الله عنهما ـ كذب لا يصح.
أن عائشة كانت تقول : اقتلوا نعثلا فقد كفر . تعنى عثمان هذه الرواية في تاريخ الطبري من طريق سيف بن عمر التميمي ، وهو كذاب مشهور .
أن عمرو بن العاص اتفق مع أبي موسى الأشعري على عزل علي ومعاوية فصعد أبو موسى الأشعري المنبر وقال : إني أنزع عليا من الخلافة كما أنزع خاتمي هذا ، ثم نزع خاتمه ، وقام عمرو بن العاص وقال : وأنا أنزع عليا كذلك كما نزعه أبو موسى ، كما أنزع خاتمي هذا ، وأثبت معاوية كما أثبت خاتمي هذا . فصار اللغط فخرج أبو موسى غاضبا ورجع إلى مكة ولم يذهب إلى علي في الكوفة ورجع عمرو بن العاص إلى الشام . هذه القصة في تاريخ الطبري وفي سندها أبو مخنف لوط بن يحيى وهو شيعي كذاب .
أن سعد بن عبادة قال حين بايع الصحابة أبا بكر : والله لا أبايعكم أبدا حتى أرميكم بكل سهم في كنانتي من نبل .. فكان لا يصلي بصلاتهم ولا يجمع بجمعتهم ولا يفيض بإفاضتهم. هذه الرواية في تاريخ الطبري من رواية لوط بن يحيى أبي مخنف. قال عنه ابن حجر : إخباري تالف لا يوثق به. وقال ابن تيمية : لوط بن يحيى معروف بالكذب عند أهل العلم .
(150/20)
أن عمر عندما رشح ستة للخلافة قال : إذا اتفق أربعة وخالف اثنان فاقتلوهما وإذا انقسم الستة إلى فريقين في كل جهة فخذوا برأي الثلاثة الذين يقف معهم عبد الرحمن بن عوف ، وإذا مضى وقت ولم يتفق الستة فاقتلوهم . هذه القصة التي أوردها التيجاني الرافضي الكذاب ، واحتج بها فيها أبو مخنف الكذاب .
أن عثمان أعطى مروان خمس إفريقية كذب.
قد ذكر التيجاني أن عمر قال لخالد : يا عدو الله قتلت امرءا مسلما ثم نزوت على امرأته والله لأرجمنك بالحجارة . فلنا أن نقول للتيجاني أين سند هذه الرواية ؟ نعم ذكرت في بعض كتب التاريخ فكان ماذا ؟.
أن الأئمة كانوا يسبون عليا على المنابر في دولة بني أمية حتى منعهم عمر بن عبد العزيز لا يصح .
أن عثمان فتق أمعاء ابن مسعود وضرب عمار حتى كسر أضلاعه وهذا كذب ولو فتق أمعاء ابن مسعود ما عاش .
لم يثبت أن أحدا من الصحابة شارك في مقتل عثمان ، فقد قيل للحسن البصري : أكان فيمن قتل عثمان أحد من المهاجرين أو الأنصار ؟ فقال : كانوا أعلاجا من أهل مصر ( تاريخ خليفة ص 176 بإسناد صحيح).
ما يذكر بأن طلحة والزبير جاءا إلى عائشة بخمسين رجلا وجعلا لهم جعلا فأقسموا بالله أن هذا ليس بماء الحوأب فواصلت مسيرها حتى البصرة وأنها أول شهادة زور في الإسلام. كذب لا حقيقة له .
المبحث الخامس
تاريخ الرافضة وموقفهم من أهل السنة
من المؤسف أن مؤسسي مذهب الرافضة ولا شك أنهم من الزنادقة الحاقدين على الإسلام جعلوا من عقائد الرافضة تكفير أهل السنة والقول بنجاستهم واستباحة دمائهم وأموالهم وتحريم الجهاد معهم فصار الرافضة بسبب ذلك بلاء عظيما على الإسلام وشرا كبيرا فاق ضرر من لا ينتسب إلى الإسلام أصلا . فقد أخطأ خطأ كبيرا الذين يعتقدون أن انتصار الرافضة هو انتصار للإسلام وأنهم أقل ضررا على الإسلام من الكفار المعلنين للكفر .
(150/21)
فعن داود بن فرقد قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام : ما تقول في قتل الناصب؟ قال: حلال الدم، ولكني أتقي عليك فإن قدرت أن تقلب عليه حائطا أو تغرقه في ماء لكي لا يشهد به عليك فافعل ، قلت : فما ترى في ماله ؟ قال توه ماقدرت عليه . (علل الشرائع وفي الأنوار النعمانية الجزء الثاني صفحة 308).
والناصب كل من لم يكن شيعياً ، فأنا وأنت وكل سني ناصبي عندهم، قال الشيخ حسين بن الشيخ آل عصفور الزراري البحراني : بل أخبارهم عليهم السلام تنادي بأن الناصب هو ما يقال له عندهم سنيا شاء أم أبى ( وهذا في المحاكم النفسانية صفحة 147).
ويروي الطوسي عن أبي عبد الله جعفر أنه قال : خذ مال الناصب حيث وجدته وادفع إلينا الخمس (تهذيب الأحكام الجزء الرابع صفحة 122) .
وقال الخميني : " والأقوى إلحاق الناصب بأهل الحرب في إباحة ما اغتنما منه وتعلق الخمس به " طبعا قوله من أهل الحرب معناها ليست إباحة ماله فقط بل أيضا النفس ولكن ما ذكرها هنا بل الظاهر جواز أخذ ماله أين وجد وبأي نحو كان ووجوب إخراج خمسه ( هذا ما قاله في تحرير الوسيلة الجزء الأول صفحة 352) .
وروى الكليني عن جعفر بن محمد أنه قال : قال أبي ، أي محمد الباقر: أماترضون أن تصلوا ويصلوا فيقبل منكم ولا يقبل منهم، أما ترضون أن تزكوا ويزكوا فيقبل منكم ولا يقبل منهم، أما ترضون أن تحجوا ويحجوا فيقبل الله جل ذكره منكم ولا يقبل منهم والله ما تقبل الصلاة إلا منكم ولا الزكاة إلا منكم ولا الحج إلا منكم فاتقوا الله عز وجل فإنكم في هدنة.
فهم يرون الأمر هدنة فقط متى انتهت هذه الهدنة انتهى كل شيء . ( وهذا قاله في الروضة من الكافي صفحة 198 ).
(150/22)
أما الجهاد فهو ممنوع عند الشيعة في عصر غيبة ولي الأمر وسلطان العصر عجل الله فرجه الشريف يقوم بوابه وهم الفقهاء الجامعون لشرائع الفتوى والقضاء مقامه في إجراء السياسات وسائر مال الإمام عليه السلام إلا البدئة بالجهاد . ( وهذا قاله الخميني في تحرير الوسيلة جزء الأول صفحة 482 ) .
وروى الكليني في الكافي عن بشير الدهان قال قلت لأبي عبد الله يعني جعفر الصادق - رضي الله عنه – إني رأيت في المنام أني قلت لك إن القتال مع غير الإمام المفروض طاعته حرام مثل الميتة والدم ولحم الخنزير فقلت لي هو كذلك ، فقال أبو عبد الله : هو كذلك هو كذلك . ( وهذه الرواية في الكافي الجزء الخامس صفحة 23 ).
ولذلك لا تجدهم يقاتلون مع المسلمين أبدا ولم ينصروا المسلمين في معركة قط واقرأ التاريخ إن شئت . ومن الجدير بالذكر أن استباحة دماء المسلمين وأموالهم واعتقاد التفضل عليهم وعلى سائر الأمم وتحريم الجهاد إلى أن يخرج المنتظر هي عقيدة اليهود .
وموقف الرافضة من المجاهدين من المسلمين ( أهل السنة ) أنهم إلى النار يتعجلون عن عبد الله بن سنان قال قلت لأبي عبد الله جعلت فداك ما تقول في هؤلاء الذين يقتلون في هذه الثغور قال فقال : الويل يتعجلون قتلة في الدنيا وقتلة في الآخرة والله ما الشهيد إلا شيعتنا ولو ماتوا على فرشهم . ( الوسائل 15/ ص 31 ).
وتاريخ الرافضة أسود فإنهم لم ينصروا الإسلام يوما ما ولا فتحوا بلادا ولا دفعوا عدوا بل العكس هو الصحيح فجهادهم دائما ضد أهل السنة في القديم والحديث.
أما القديم : فلا نعرف لهم جهادا ولا غناء في الإسلام والذي نعرفه لهم هو ما يلي:-
1-مساندتهم للتتار عندما دخلوا بغداد وعاثوا فيها فسادا عن طريق ابن العلقمي والنصير الطوسي .
2-مساندتهم للنصارى في الحروب الصليبية وفتحهم الثغور لهم .
3-إقامة الاحتفالات عندما هزم جيش العثمانيين على يد الروس وقتالهم المستمر للعثمانيين .
(150/23)
4-قتلهم الحجاج وقلع الحجر الأسود ونهبه إلى الإحساء .
وأما في الحديث:
1-قول الخميني الطريق إلى القدس يمر عبر العراق وثناؤه على النصير الطوسي الذي تسبب في مذبحة بغداد أيام التتار .
2-قتل دعاة السنة في إيران مثل أحمد مفتي زادة ، أحمد الكسروي- البقاعي- مظفريان وغيرهم كثير .
3-مذبحة صبرا وشاتيلا على يد حركة أمل الشيعية .
4-رواياتهم وأقاويلهم عن تحرير البيت الحرام والمسجد النبوي، تفجيرات الحرم .
وغير هذا كثير ويكفيك من هذا ما قاله الأحقاقي الحائري عن الفتوحات الإسلامية لبلاد فارس.
قال الأحقاقي: إن الصدمات التي واجهتها كل من شعبي إيران والروم الكبيرين نتيجة لحملات المسلمين والمعاملة التي تلقوها من الأعراب البدائيين الذين لا علم لهم بروح الإسلام العظيمة أورثت في نفوسهم نزعة صدود عن العرب وشريعة العرب فطبيعة سكان البادية الأوباش الخشنة وذلك الخراب والدمار اللذين ألحقوهما بالمدن الجميلة والأراضي العامرة في الشرق والغرب وغارات عباد الشهوات العطاشى إلى عفة وناموس الدولتين الملكية والإمبراطورية.. الخ. (رسالة الإيمان ص 323 )
هلا تمعنت أخي القارئ في كلام هذا الأحقاقي المعاصر والذي يصف لنا الصحابة الفاتحين لبلاد فارس –التي يحن إليها قلبه لأنه شعوبي- بأنهم أعراب بدائيون وأنهم أوباش وأنهم عباد الشهوات وعطاشى إلى عفة الفارسيات ولا أدري أي عفة للفرس يبكي عليها وهم يبيحون نكاح المحارم.
أيقول هذا الكلام مسلم؟ وهذا هو السبب الرئيسي لبغض الشيعة لعمر وهو تحطيمه دولة فارس ، ونجد السبب نفسه في تعظيمهم لأولاد الحسين دون أولاد الحسن ، لأن أولاد الحسين أخوالهم الفرس من زوجته شهربانو بنت يزدجرد . وكذا تعظيمهم لسلمان الفارسي من دون الصحابة حتى قالوا أنه يوحى إليه (بحار الأنوار45/329). لا لشيء إلا أنه فارسي.
(150/24)
ولهذا يروون في كتبهم عن علي بن أبي طالب أنه قال عن كسرى: إن الله خلصه من عذاب النار والنار محرمة عليه .(بحار الأنوار14/41).
المبحث السادس
ما هو نكاح المتعة وما حكمه عند الرافضة ؟
لقد انفرد الرافضة بإباحة نكاح المتعة من بين الفرق التي تنتسب إلى الإسلام. قال الإمام الشوكاني رحمه الله :
(( اعلم أن النكاح الذي جاءت به هذه الشريعة، هو النكاح الذي يعقده الأولياء للنساء، وقد بالغ الشارع في ذلك حتى حكم بأن النكاح الواقع بغير ولي باطل، وكرر ثلاثا ثم النكاح الذي جاءت به هذه الشريعة هو النكاح الذي أوجب الشارع فيه إشهاد الشهود، كما ثبت ذلك بالأحاديث، ثم النكاح الذي شرعه الشارع هو النكاح الذي يحصل به التوارث ويثبت به النسب ويترتب عليه الطلاق والعدة. وإذا عرفت هذا فالمتعة ليست بنكاح شرعي وإنما هي رخصة للمسافر مع الضرورة ولا خلاف في هذا، ثم لا خلاف في ثبوت الحديث المتضمن للنهي عنها إلى يوم القيامة وليس بعد هذا شيء ولا تصلح معارضته بشيء مما زعموه … ثم قد أجمع المسلمون على التحريم ولم يبق على الجواز إلا الرافضة وليسوا ممن يحتاج إلى دفع أقوالهم، ولا هم من يقدح في الإجماع؛ فإنهم في غالب ما هم عليه مخالفون للكتاب والسنة ولجميع المسلمين. قال ابن المنذر: جاء عن الأوائل الرخصة فيها -يعني المتعة- ولا أعلم اليوم أحدا يجيزها إلا بعض الرافضة. وقال القاضي عياض: أجمع العلماء على تحريمها إلا الروافض. وقال ابن بطال: وأجمعوا الآن على أنه متى وقع يعني المتعة أبطل سواء كان قبل الدخول أو بعده. وقال الخطابي: تحريم المتعة كالإجماع إلا عن بعض الشيعة )) .(السيل الجرار 2/267).
والمتعة عندهم كما يلي :
محددة بمدة ويجوز أن تكون على عرد واحد، أي على جماع واحد .
ليس فيها طلاق ولا ظهار ولا لعان .
نكاح المتعة لا يحتاج إلى ولي ولا شهود حتى لو كان عمر البنت تسع سنين .
(150/25)
عن أبي عبد الله قال : (يتزوج منهن ما شاء بغير ولي ولا شهود ) ( الوسائل ج 21 ص 64 ) .
قال أبو عبد الله : ( لابأس يتزوج البكر إذا رضيت من غير إذن أبيها ) ( مستدرك الوسائل ج 4 ص 459 ).
قال الحر العاملي في - وسائل الشيعة (آل البيت ) – ج 12 ص 36 :
(( باب عدم جواز التمتع بالبنت قبل البلوغ بغير ولي عن جميل بن دراج قال : سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يتمتع من الجارية البكر ؟ قال : لا بأس به ما لم يستصغرها . ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : قلت : الجارية ابنة كم لا تستصبى ؟ أبنت ست أو سبع ؟ فقال : لا ، ابنة تسع لا تستصبى ، وأجمعوا كلهم على أن ابنة تسع لا تستصبى إلا أن يكون في عقلها ضعف ، وإلا فإذا بلغت تسعا فقد بلغت )) .
لا يشترط فيها البينة ولا توثق مدنيا .
لا تهدف إلى إنشاء أسرة .
غير مبنية على الدوام بل على الانقطاع .
لا يكون للمرأة فيها سكنى .
لا تحصن فمن تمتع ثم زنى لا يعد محصنا .
تسمى المتمتع بها مستأجرة وما يعطى لها أجرة ويجوز أن يكون ولو بكف من بر .
ليس عليها عدة وفاة إذا توفي المتمتع بها .
لا يحصل التوارث بين المتمتعين .
لا يطلب العدل بين المستمتع بهن .
يجوز التمتع بالرضيعة ( يمسها ويتفخذها ) قال الخميني : ( اللمس بشهوة والضم والتفخيذ لا بأس به حتى في الرضيعة ) ( تحرير الوسيلة للخميني ج 2 ص 241 ).
له أن يصدق المرأة أنه ليس لها زوج إن لقيها في الفلاة وإن كانت كاذبة .
من التطبيقات العملية له في إيران دخول جماعة من الرجال على المرأة الواحدة بالدور يتمتع كل واحد منهم بها بغير الجماع ثم يخرج ويدخل الآخر .
يجوز التمتع عندهم بالزانية .
يجوز التمتع عندهم بالهاشمية . في ( تهذيب الأحكام للطوسي 7/ص 271 ) : (( عن أبي عبد الله : تمتع بالهاشمية )) ( وهو في الوسائل 21/ ص 73 ).
لا يشترط أن لا يزيد المستمتع بهن على أربع بل العدد مفتوح .
(150/26)
إذا استأجرها ليستمتع بها مدة فغابت فله أن يخصم عليها من أجرتها بقدر غيابها .
إذا اشترطت عليه أن يستمتع بها بغير الجماع فيجب عليه الالتزام بذلك .
لا يشترط في المستمتع بها أن تكون مسلمة أو كتابية بل يجوز ولو كانت مجوسية .
المقصود منه الحصول على متعة مؤقتة وليس السكينة والاستقرار .
عدة الطلاق فيه إذا كان فيه جماع حيضتان أو خمسة وأربعون يوما وقيل حيضة أما بدون جماع فلا عدة فيه .
من طلقت ثلاثا ثم تمتعت فلا تحل لزوجها الأول .
لقد أباح الرافضة هذه القذارة وجعلوها من ضروريات مذهبهم وخطوا فيها الأساطير في فضلها والحث عليها. روى الحر العاملي في ( الوسائل 21/ ص 16 ) : (( ما من رجل تمتع ثم اغتسل إلا خلق الله من كل قطرة تقطر منه سبعين ملكا يستغفرون له إلى يوم القيامة، ويلعنون متجنبها إلى أن تقوم الساعة )).
وقد دل القرآن الكريم على تحريمها في آيات عديدة منها ما يلي :
- قوله تعالى : (( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ)) (المؤمنون:5-6). والمستمتع بها ليست زوجة ولكنها مستأجرة لمتعة مؤقتة لا يترتب عليها ما يترتب على الزواج من الاستقرار وبناء أسرة .
- قوله : (( وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ )) (النور:33) . فأمر غير الواجد بالاستعفاف لا بالاستمتاع.
- قوله : (( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ )) (النساء:25) . رخص لمن لا يستطيع نكاح الحرة بنكاح الأمة ولم يرخص له بالاستمتاع . وقد نص رسول الله على حرمتها إلى يوم القيامة فلا يبقى اجتهاد لمجتهد .
(150/27)
عن سَبُرَة الجهني رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا أيها الناس إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع ألا وإن الله قد حرمها إلى يوم القيامة , فمن كان عنده منهن شيء فَلْيُخَل سبيلها , ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً ) رواه الأمام مسلم ( ج 4 ص 134 ).
وقد أسند أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه نهيهُ إلى نهي النبي صلى الله عليه وسلم , فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : لما وَلِيَ عمر بن الخطاب , خطب الناس فقال : ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذِنَ لنا في المتعة ثلاثاً , ثم حرمها , والله لا أعلم أحدا يتمتع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة إلا أن يأتيني بأربعة يشهدون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحلها بعد أن حرمها ) حديث حسن رواه بن ماجة ( صحيح سنن ابن ماجه للمحدث الشيخ الألباني رحمه الله ج 2 ص 154 ) .
والمتعة التي كانت حلالا ثم حرمت تختلف عن هذه المتعة التي عند الرافضة فهي عبارة عن إباحة للتمتع في السفر بالكافرة للحاجة بولي وشهود . أبيحت ثلاثة أيام ثم حرمت إلى يوم القيامة كما كان الخمر مباحا ثم حرم . ولا نجد للمتعة أثرا في حياة آل البيت الذين ينتسب إليهم الرافضة كذبا وزورا بل روى البيهقي في سننه عن بسام الصيرفي قال : (( سألت جعفر بن محمد عن المتعة فوصفتها فقال لي : ذلك الزنا )) .
فليسأل عامة الرافضة علماءهم مَن من أبناء الأئمة من أولاد المتعة هذا علي له الكثير من الأبناء والبنات فمن منهم من أولاد المتعة ؟ لا أحد.
وكذلك أولاد سائر أئمة آل البيت لا أحد منهم من أولاد المتعة .
فلو كانت المتعة جائزة وفيها من الفضل ما يذكرون فكيف يترك أئمة آل البيت العمل بها ؟ !
(150/28)
وأما احتجاج الرافضة بقوله تعالى : (( وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً)) (النساء:24).
فالرد عليهم من وحوه هي :
الآية في سياق النكاح الشرعي لا نكاح المتعة فمن قرأها وما قبلها وما بعدها لم يرتب في ذلك .
قوله تعالى ( محصنين ) دليل واضح على أنه النكاح الشرعي ؛لأن المتعة لا تحصن لا عندنا ولا عندهم جاء عن إسحاق بن عمار , قال : ( سألت أبا إبراهيم ( الكاظم ) عن الرجل إذا هو زنا وعنده الأمه يطأها , تحصنه الأمه ؟ قال : نعم , قال : فإذا كانت عنده امرأة متعة، أتحصنه ؟ قال : لا, إنما هو على الشيء الدائم عنده ) ( كتاب وسائل الشيعة للعاملي جزء 38 ص 68 )،
لذلك قال ابن الجوزي :
(( قوله تعالى فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فيه قولان ،
أحدهما: أنه الاستمتاع في النكاح بالمهور .
قاله ابن عباس والحسن ومجاهد والجمهور
(150/29)
والثاني : أنه الاستمتاع إلى أجل مسمى من غير عقد نكاح . وقد روي عن ابن عباس أنه كان يفتي بجواز المتعة ثم رجع عن ذلك وقد تكلف قوم من مفسري القراء فقالوا المراد بهذه الآية نكاح المتعة ثم نسخت بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن متعة النساء. وهذا تكلف لا يحتاج إليه ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز المتعة، ثم منع منها فكان قوله منسوخا بقوله ، وأما الآية فإنها لم تتضمن جواز المتعة ؛ لأنه تعالى قال فيها ( أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين) فدل ذلك على النكاح الصحيح قال الزجاج ومعنى قوله (فما استمتعتم به منهن) فما نكحتموهن على الشريطة التي جرت، وهو قوله (محصنين غير مسافحين) أي عاقدين التزويج فآتوهن أجورهن أي مهورهن. ومن ذهب في الآية إلى غير هذا فقد أخطأ وجهل اللغة )).(زاد المسير 2/52 ).
لقد جاء في كتب الرافضة ما يدل على تحريم المتعة فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : ( حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم نكاح المتعة ولحوم الحُمُر الأهلية يوم خيبر ) ( (الاستبصار للطوسي ج 2 ص 142،وكتاب وسائل الشيعة للعاملي ج 21 ص 12 ) . وهذا الحديث أيضا عند البخاري ومسلم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
وسئل جعفر بن محمد ( الإمام الصادق ) عن المتعة فقال : ( ماتفعله عندنا إلا الفواجر ) . ( بحار الأنوار للمجلسي – الشيعي – ج 100 ص 318 ).
وعن علي بن يقطين قال : سألت أبا الحسن موسى أي الكاظم عن المتعة فقال وما أنت وذاك فقد أغناك الله عنها (وهذا في الكافي جـ 5 ص 452 ).
وعن عبد الله بن سنان قال سألت أبا عبد الله عن المتعة فقال : لا تدنس نفسك بها (وهذا في مستدرك الوسائل 14/ ص 455 ).
(150/30)
فلمَ يأخذ الرافضة بالروايات التي تبيح لهم المتعة ولا يأخذون بالروايات التي تحرمها ؟ هل هو الرغبة في وصول الملالي إلى بنات الناس؟ إن الملالي في إيران يجتمعون مع الأهالي بحجة إقامة الشعائر الدينية ويتابعون بنات كل بيت حتى إذا صارت البنت في سن تشتهى فيه طلبوا الوصول إلى التمتع بها؛ لتحل البركة عليها وعلى أهل البيت .
أهذا دين الإسلام أم دين المجوس؟! .
إن أي عاقل لا يمكن أن يقول بإباحة المتعة لما فيها من مفاسد جمة لا يمكن أن يرضى بها الإسلام من هذه المفاسد ما يلي :
ـ عزوف الشباب عن الزواج . لماذا يتزوج الرجل ويتحمل أعباء الزواج مع أن أبواب الاستمتاع مفتحة لديه ؟ .
- ضياع الأولاد وتشردهم . صرح رافسنجاني أنّ في إيران ربع مليون لقيط بسبب زواج المتعة : ( مجلة الشراع الشيعية ص 4 عدد 684 السنة الرابعة ).
ـ ضياع الأنساب واختلاطه . وقد يتزوج الرجل ابنته أو أخته أو خالته أو عمته من نكاح المتعة وهو لا يدري .
ـ إهانة للمرأة وإفساد لها وتضييع لحقها .
ـ وهو يفتح الباب للعاهرات على مصراعيه .
وأخيرا نقول لعوام الشيعة إن الملالي استباحوا أعراضكم وأفسدوها وصانوا أعراضهم فهم لا يقبلون ذلك لبناتهم ويقبلون ذلك لبناتكم .
وكما استباحوا أعراضكم نهبوا أموالكم فأخذوا منكم خمس أموالكم .
قوله تعالى : (( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ )) (لأنفال:41) .فيه أن خمس خمس غنائم الحرب التي تؤخذ من الكفار لا من المسلمين تصرف إلى آل البيت فكيف تحول ذلك إلى الخمس ومن أموال المسلمين وإلى من لم يثبت أنه من آل البيت .
لقد أهمل الرافضة ذكر الزكاة وأكثروا من ذكر الخمس لنهب أموال الأتباع ، أفلا يعقلون .
(150/31)
أما علماء السنة فقد صانوا أعراض أتباعهم وأموالهم واتبعوا شرع الله ولم يحرفوه للوصول إلى شهواتهم وأغراضهم .
المبحث السابع
الرافضة وآل البيت
آل محمد هم أزواجه وكل من مُنع الصدقة وهم بنو هاشم بن عبد مناف أى جميع أعمام النبى وأولادهم ( المسلمين منهم ) .
ولقد أخرج الرافضة زوجات النبي من آل البيت. وكونهن من آل البيت هو نص القرآن الكريم قال تعالى :
(( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً ، وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ، وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً)) (الأحزاب:33-35) .فسياق الآية وسباقها يدل دلالة قطعية على أن المقصود بقوله تعالى : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) نساء النبي فهي كقوله تعالى : (( قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ )) (هود:73)
فبين أن زوجة إبراهيم عليه السلام من أهل بيته .
وقد أخرج الرافضة العباس وأولاده من آل البيت مع قرابتهم من النبي صلى الله عليه وسلم .
وأخرج الرافضة بنات الرسول زينب ورقية وأم كلثوم من آل البيت . فقد أنكر متأخروهم أنهم بنات النبي ؛ لما في ذلك من طعنة في صدروهم إذ كيف يزوجهن النبي لمن يرون كفره .
(150/32)
إن أهل السنة يحترمون آل البيت ويكرمونهم ويعتقد أهل السنة أن الاثني عشر إماما الذين تنتسب لهم الرافضة بريئون من هذا المذهب لا يمت إليهم بصلة وهم يكذبون عليهم .
قال شيخ الإسلام مبينا عقيدة أهل السنة في آل البيت :
(( ويحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتولونهم ويحفظون فيهم وصيةرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال يوم غدير خم : ( أذكركم الله في أهل بيتي ) وقال أيضا للعباس عمه ، وقد اشتكى إليه أن بعض قريش يجفو بني هاشم فقال : ( والذي نفسي بيده لا يؤمنون حتى يحبوكم لله ولقرابتي ) وقال : ( إن الله اصطفى بني إسماعيل واصطفى من بني إسماعيل كنانة واصطفى من كنانة قريشا واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم ) ويتولون أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين ويؤمنون بأنهن أزواجه في الآخرة خصوصا خديجة رضي الله عنها أم أكثر أولاده وأول من آمن به وعاضده على أمره وكان لها منه المنزلة العالية، والصديقة بنت الصديق رضي الله عنها التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم : ( فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ) ويتبرءون من طريقة الروافض الذين يبغضون الصحابة ويسبونهم، وطريقة النواصب الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عمل )) (العقيدة الواسطية ).
وأما الرافضة فهم يطعنون في أكثر آل البيت ويغلون في طائفة منهم فيجعلونهم فوق الأنبياء ولهم خصائص الربوبية والألوهية .
وهاك من كتبهم بعض طعونهم في آل بيت النبوة ؛ لتعلم كذب ادعاءهم أنهم على مذهب آل البيت ومنهاجهم :
1- العباس عم النبي – صلى الله عليه وآله وسلم –
(150/33)
رووا كذبا عن محمد الباقر أنه قال عن العباس عم النبي، وعقيل أخي علي: بقي مع علي [ أي بعد موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ] رجلان ضعيفان ذليلان حديثا عهد بالإسلام، عباس وعقيل. وفي رواية أنه قال: بقيت بين خلَفين خائفين ذليلين حقيرين، عباس وعقيل. ( الشيعة وأهل البيت267) .
وعن علي بن الحسين أنه قرأ: ( من كان في هذا أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا )، نزلت في العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم. ( رجال الكشي52. 2) .
ـ عبد الله بن العباس الحبر البحر ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وابن عم علي رضي الله عنه لم يسلم منهم أيضا، فماذا قالوا عنه ؟؟!
يروون عن أبي عبد الله جعفر الصادق أنه قال: هل تدرون ما أضحكني ؟ قالوا: لا. قال: زعم ابن عباس أنه من الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا [ وذكر كلاماً طويلاً ] ثم قال: فاستضحكت، ثم تركته يومه ذلك لسخافة عقله. (الكافي1/247).
وعن علي أنه قال: اللهم العن ابني فلان واعم أبصارهما كما أعميت قلوبهما. (رجال الكشي52 ). قال المحقق في حاشية كتاب الكشي: ابني فلان كناية عن عبد الله وعبيد الله ابني العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم.
وذكروا عن علي أنه قال لابن العباس: فلما أمكنتك الشدة من خيانة أمة محمد أسرعت الوثبة وعجلت العدوة فاختطفت ما قدرت عليه. أما تؤمن بالمعاد، أو ما تخاف من سوء الحساب، أو ما يكبر عليك أن تشتري الإماء وتنكح النساء بأموال الأرامل والمهاجرين. (رجال الكشي 58 ).
3- أولاد الحسن بن علي بن أبي طالب:
عن أبي عبد الله جعفر الصادق أنه قال: وعندي الجفر الأحمر. فقال له عبد الله بن أبي يعقوب: أصلحك الله أيعرف هذا بنو الحسن؟ قال: إي والله، كما يعرفون الليل أنه ليل والنهار أنه نهار، ولكنهم يحملهم الحسد وطلب الدنيا على الجحود والإنكار. ( الكافي 1/240) .
(150/34)
4- محمد بن علي بن أبي طالب أخو الحسن والحسين والذي يعرف بابن الحنفية ؛ لأن أمه من بني حنيفة، فرووا عن علي أنه جمع الناس لإقامة حد الزنا على امرأة، ثم قال: لا يقيم الحد مَنْ لله عليه حد. يعني لا يقيم عليها الحد إلا الطاهرون. قال: فانصرف الناس يومئذ كلهم ما خلا أمير المؤمنين والحسن والحسين. وانصرف فيمن انصرف محمد ابن أمير المؤمنين . ( الكافي7/187).
5- زيد بن علي بن الحسين، عم جعفر الصادق وأخو محمد الباقر:
عن حنان بن سدير قال: كنت جالسا عند الحسن بن الحسن، فجاء سعيد ابن منصور وكان من رؤساء الزيدية، فقال: ما ترى في النبيذ ؟ قال: إن زيدًا كان يشربه عندنا. قال: ما أُصدق على زيد أنه شرب مسكرًا. قال: بلى قد شربه. قال: فإن كان فعل، فإن زيداً ليس بنبي ولا وصي نبي، إنما هو رجل من آل محمد.
6- عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب:
عن صفوان الجمال أنه قال: وقع بين أبي عبد الله وبين عبد الله بن الحسن كلام، حتى وقعت الضوضاء بينهما واجتمع الناس فتفرقا، [وذكر قصة طويلة ] قال المحقق في الحاشية: فيه دلالة على حسن رعاية الرحم وإن كان بهذه المثابة، وإن كان فاسقاً ضالاً. ( الكافي2/155).
7- إسماعيل بن جعفر الصادق الذي تنتسب إليه الإسماعيلية وهو أخو موسى الكاظم:
يروون عن جعفر الصادق والده أنه قال له: أفعلتها يا فاسق؟ أبشر بالنار ( الكشي211 ).
وذكروا عن أبي عبد الله جعفر الصادق أنه قال عن ولده إسماعيل: إنه عاص، لا يشبهني ولا يشبه أحداً من آبائي. ( بحار الأنوار 47/ 247 ).
8- موسى بن علي بن موسى أخو محمد بن علي الجواد :
عن يعقوب بن المثنى قال: كان المتوكل يقول: أعياني أمر ابن الرضا [ يعني محمد بن علي الجواد ] أبَى أن يشرب معي. فقالوا له: فإن لم تجد منه، فهذا أخوه موسى قصَّاف، عزَّاف، يأكل، ويشرب، ويتعشق. ( الكافي1/ 502 ).
9- جعفر بن علي بن محمد، أخو الحسن العسكري، وعم المهدي المنتظر:
(150/35)
عن أحمد بن عبيد الله بن خاقان أنه سأل أباه عن الحسن العسكري؟ فأطراه وأعلى منزلته. فسأله عن أخيه جعفر؟ فقال: ومن جعفر فتسأل عن خبره؟! أوَ يُقرن بالحسن جعفر؟ معلن الفسق، فاجر، ماجن شريب للخمور، أقلُّ من رأيتَ من الرجال، وأهتكُهم لنفسه، خفيفٌ، قليلٌ في نفسه. ( الكافي 1/504 ) .
فهل من ينسب هذه الأمور لآل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحبهم ؟؟؟ .
لقد اتخذ الرافضة اثني عشر شخصا من آل البيت آلهة مع الله فتوجهوا لهم بأنواع العبادات من دعاء وذبح ونذر وتوكل وغير ذلك ، وجعلوا لهم معنى النبوة حين زعموا عصمتهم ووجوب طاعتهم وأنهم يوحى إليهم بل هم يصرحون بتفضيلهم على الأنبياء سوى محمد صلى الله عليه وسلم هؤلاء الاثنا عشر هم :
1- علي بن أبي طالب .
2- الحسن .
3 – الحسين .
4- علي بن الحسين زين العابدين.
5 - ولده محمد الباقر .
6- ولده جعفر الصادق .
7- ولده موسى الكاظم .
8- ولده علي الرضا .
9- ولده محمد الجواد .
10ـ ولده علي الهادي .
11- ولده الحسن العسكري .
12- ولده محمد المنتظر .
وهؤلاء يمكن أن نقسمهم إلى أربعة أقسام :
القسم الأول : الصحابة منهم وهم علي والحسن والحسين.
القسم الثاني : وهم علماء أتقياء من جملة علماء أهل السنة والجماعة وهم ستة :-
1ـ علي بن الحسين 2ـ محمد الباقر
3ـ جعفر الصادق 4ـ موسى الكاظم
5ـ علي الرضا 6ـ محمد الجواد .
القسم الثالث : من جملة المسلمين لم يُعرف له كبير علم ، ولا طُعن في دينهم ، فهم مستورون ويكفيهم فخراً نسبهم إلى النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – وهما اثنان:
1- علي الهادي 2- الحسن العسكري.
وأنهما ممن يحق لهما أن يأتيا عند قبر النبي – صلى الله عليه وآله وسلم. وأن يقولا: السلام عليك يا أبت.
القسم الرابع : معدوم لم يخلق: وهو واحد وهو المنتظر، محمد بن الحسن.
(150/36)
ومع كونهم يغالون فيهم كما يغلوا النصارى في عيسى بن مريم فهم أيضا قد وقعوا في الطعن فيهم ، وإليك ما يدل على ذلك من كتبهم :
1- علي بن أبي طالب:
ذكروا عن علي رضي الله عنه أنه كان ينام مع عائشة في فراش واحد ولحاف واحد، والنبي بينهما، ثم يقوم النبي يصلي الليل، وعلي وعائشة في فراش واحد وفي لحاف واحد . ( بحار الأنوار40/2 ) .
ويروون عن جعفر الصادق أنه قال: لما خطب عمر إلى علي ابنته أم كلثوم، قال له علي: إنها صبية. فلقي عمر العباس عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ما لي، أبِي بأس؟ قال: وما ذاك؟ قال: خطبت إلى ابن أخيك فردَّني، أما والله لأُعَوِرَنَّ زمزم [ يعني أدفنها ] ولا أدع لكم مكرمة إلا هدمتها، ولأُقِيمَنَّ عليه شاهدين بأنه سرق فَلَأَقْطَعَنَّ يده. فأتاه العباس [ يعني عليا ] فأخبره، وسأله أن يجعل الأمر إليه، فجعله إليه فزوجها عمر بن الخطاب.
وفي رواية أن أبا عبد الله قال عن زواج عمر من أم كلثوم بنت علي ابن أبي طالب: إن ذلك فرجا غُصِبناه. ( الكافي 5/336 ) .
وهذا لا شك من أعظم الطعن في علي رضي الله عنه، والله إن العربي ليموت دفاعاً عن عرضه، ويشرفه ذلك، ويمدح به، أعلي رضي الله عنه وهو سيد من سادات الشرفاء، وسيد من سادات الأتقياء يقول ذلك فرج غصبناه؟ تُأخذ ابنته غصباً.
هذا لا يمكن أن يكون من أدنى الأشراف منزلة، فكيف يكون من علي رضي الله عنه، ولذلك حار الشيعة كثيراً في هذا الزواج ، وما عرفوا له مخرجاً إلى أن جاء أحدهم فزعم أنه لما جاء عمر يخطب أم كلثوم بنت علي حار علي في أمره ثم دعا امرأة من الجن فجاءته، فقال لها: إن عمر قد طلب ابنتي أم كلثوم، فتزوجيه أنت. فتشكلت الجنية بشكل أم كلثوم ثم تزوجها عمر . وأخفى علي أم كلثوم طول هذه المدة حتى مات عمر. فلما مات جاءت الجنية فأخذت ميراثها من عمر ثم انصرفت وأخرج علي أم كلثوم.
(150/37)
ولعمر من أم كلثوم من الأولاد زيد وحفصة الصغرى وهي غير حفصة أم المؤمنين.
وأم كلثوم رضي الله عنها قتل زوجها عمر في صلاة الفجر، ثم قتل أبوها علي وهو خارج لصلاة الفجر ولذلك كانت تقول: ما لي ولصلاة الغداة [ تعني صلاة الفجر ] قتل زوجي في صلاة الغداة وقتل أبي في صلاة الغداة.
وكذلك روي عن أبي عبد الله جعفر الصادق أنه قال: أتي عمر بامرأة قد تعلقت برجل من الأنصار كانت تهواه ولم تقدر عليه، فذهبت وأخذت بيضة وصبت البياض على ثيابها وبين فخذيها ثم قالت: زنا بي هذا الرجل. فقال عمر لعلي: ماذا ترى؟ فنظر علي إلى بياض على ثوب المرأة وبين فخذيها، ثم حكم بأنه بياض بيض. أعلي كرم الله وجهه ينظر بين فخذي امرأة غريبة عنه؟ هذا والله أعظم الطعن فيه. ( بحار الأنوار40/303 ) .
2- محمد بن علي الباقر :
عن عبيد الله الدابغي قال: دخلت حماماً في المدينة فإذ شيخ كبير وهو قيِّم الحمام [ يعني المسؤول عنه والحمام يعني الحمامات العامة ]، فقلت: يا شيخ لمن هذا [ يعني الحمام ] ؟ قال: لأبي جعفر؟ قلت: كان يدخله؟ قال: نعم. قلت: كيف كان يصنع؟ قال: كان يدخل فيبدأ فيطلي عانته وما يليها، ثم يلُف على طرف إحليله [ يعني الذكر ] ويدعوني فأطلي سائر بدنه. فقلت له يوما: الذي تكره أن أراه قد رأيته. فقال: كلا إن النورة سترته ( الكافي 6/497 ) .
3- جعفر الصادق:
وعن زرارة قال: سألت أبا عبد الله يعني جعفر الصادق عن التشهد؟ فأجاب. فقال زرارة: فلما خرجت ضرطت في لحيتي وقلت: لا يفلح أبداً ( الكشي142 ) .
عن ابن أبي يعقوب قال: خرجت إلى السواد [ العراق ] أطلب دراهم للحج ونحن جماعة وفينا أبو بصير المرادي، قلت له: يا أبا بصير اتق الله وحج في مالك فإنك ذو مالٍ كثير. فقال: اسكت، فلو كانت الدنيا وقعت على صاحبك لاشتمل عليها بكسائه [ يعني جعفر الصادق ].
وأبو بصير وزرارة هذان من كبار رواة الشيعة.
(150/38)
عن أبي عبد الله قال: زرارة وأبو بصير ومحمد بن مسلم وبريد من الذين قال تعالى: ( والسابقون السابقون أولئك المقربون ) ( الكشي124 ) .
4- موسى بن جعفر [ الكاظم ]:
قال شعيب: دخلت على أبي الحسن [ يعني موسى الكاظم ] فقلت له: امرأة تزوجت ولها زوج؟ قال: ترجم المرأة ولا شيء على الرجل. قال: فلقيت أبا بصير فقلت له [ يعني هذه الفتوى ] . فمسح على صدره، وقال: ما أظن صاحبنا تناها حكمه بعد. ( الكشي153 ) .
بعد هذا كله لنا أن نسأل: من هم أتباع آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ومن هم محبوهم؟.
ومما يدل على محبة أهل السنة لآل البيت ومحبتهم لأهل السنة ما وقع بينهم من المصاهرات وتسمية الأولاد.
المصاهرات :
أولهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
تزوج عائشة بنت أبي بكر الصديق، وهي من تيم.
وتزوج حفصة بنت عمر بن الخطاب، وهي من بني عدي.
وتزوج أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان، وهي من بني أمية.
وزوَّج ابنته رقية من عثمان بن عفان، وهو من بني أمية.
فلما توفيت زوجه أختها أم كلثوم.
وزوج ابنته زينب للعاص بن الربيع وهو من بني عبد شمس بن عبد مناف.
وعلي بن أبي طالب زوج ابنته أم كلثوم لعمر بن الخطاب. ( الكافي5/346 ) .
وتزوج علي أرملة أبي بكر الصديق أسماء بنت عميس. ( سير أعلام النبلاء).
وتزوج علي أيضًا أمامة بنت العاص بن الربيع، بعد أن توفيت خالتها فاطمة.
ومحمد بن علي بن الحسين الباقر تزوج أم فروة بنت القاسم بن محمد ابن أبي بكر الصديق، وكان جعفر بن محمد بن علي بن الحسين الصادق يقول: ولدني أبو بكر مرتين ( سير أعلام النبلاء6/255 ) .
وأمه أم فروه بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، وجدته أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق.
وأبان بن عثمان بن عفان تزوج أم كلثوم بنت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب. ( الشيعة وأهل البيت141 ) .
(150/39)
وسكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب تزوجها مصعب بن الزبير بن العوام. ( طبقات ابن سعد5/183 ) . وغير هذا كثير.
تسمية الأولاد:
لعلي بن أبي طالب من الأولاد: أبو بكر وعمر وعثمان. ( كشف الغمة في معرفة الأئمة 2/67 ) .
وللحسن بن علي من الأولاد: أبو بكر. ( كشف الغمة2/198) .
ولعلي بن الحسن من الأولاد: عمر. ( كشف الغمة 2/302 ) .
ولموسى بن جعفر من الأولاد: عمر وعائشة. ( كشف الغمة3/29) .
المبحث الثامن
المهدي المنتظر عند الرافضة ؟
يؤمن أهل السنة بما جاء في الأحاديث الصحيحة أنه سيظهر في آخر الأمة محمد بن عبد الله المهدي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا يملك سبع سنين من نسل فاطمة رضي الله عنها .
لكن الرافضة لهم مهدي آخر هو غير مهدي أهل السنة .
فهم يعتقدون أن الحسن العسكري حين مات كان له ولد غاب في سرداب سامراء وهم ينتظرون خروجه إلى الآن .
ومن المؤكد تاريخيا أن الحسن العسكري حين مات لم يكن له عقب حتى جاء في الكافي أن ميراثه قد قسم بين أمه وأخيه جعفر ( الكافي 1 / 503 ) .
من الغريب أن الرافضة يقولون لا بد من وجود إمام معصوم في كل عصر يقود الأمة سياسيا ودينيا وأن ذلك ضرورة لا بد منها ثم يزعمون أنه غائب منذ أكثر من ألف ومائة سنة فما هذا التناقض الصارخ .
ومن دلائل كذب هذا المعتقد أن هذا المهدي المزعوم لا تعرف أمه وقد اختلفوا في سنة ولادته اختلافا كبيرا واختلفوا في مدة حمله وكيفية ولادته .
فقيل إن أمه : جارية اسمها سوسن وقيل جارية اسمها نرجس ، وقالوا : جارية اسمها صيقل ، وقالوا جارية اسمها مليكة ، وقالوا : جارية اسمها خمط، وقالوا : جارية اسمها حكيمة ، وقالوا : جارية اسمها ريحانة ، وقيل : هي أمة سوداء ، وقيل :هي امرأة حرة اسمها مريم ....
(150/40)
وقيل ولد بعد وفاة أبيه بثمانية أشهر ، وقيل ولد قبل وفاة أبيه سنة 252، وقيل ولد سنة255 ،وقيل ولد سنة 256 ، وقيل ولد سنة 257 ، وقيل ولد في 8 من ذي القعدة ، وقيل ولد في 8 من شعبان ، وقيل ولد في 15 من شعبان ،وقيل ولد في 15 من رمضان .
وقيل حملت به في بطنها كما يحمل سائر النساء ، وقيل حملته في جنبها ليس كسائر النساء .
وقيل ولدته أمه من فرجها كسائر النساء ، وقيل ولدته من فخذها على غير عادة النساء .
ولنا سؤال : لماذا لم يخرج المهدي إلى الآن ؟؟
كما هو معلوم ، عمر المهدي الآن سبع وستون ومئة وألف سنة ( 1167 سنة ) لمَ لم يخرج إلى الآن ؟ أجابوا بأجوبة كثيرة على هذا التساؤل منها : قالوا إنه خائف ، وهذا عليه أغلبهم إلى الآن ، ولذلك من أسمائه أو من ألقابه الخائف .
قال الطوسي : لا علة تمنع من ظهوره إلا خوفه على نفسه من القتل ؛ لأنه لو كان غير ذلك لما جاز له الاستتار . ( الغيبة ص 203 ) .
قلت : أولا : إن كان الخوف من القتل يمنعه من الظهور فعليه ألا يظهر أبدا ، لأن العداوة والحقد من طبع البشر دائما قال تعالى(( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً)) (الفرقان:31) .
ثانيا : لمَ لم يغب الأنبياء والمرسلون ، والأئمة السابقون ، كيف وقد نص كثير من علماء الشيعة على أن جميع أئمتهم ماتوا إما مسمومين أو مقتولين، وهل أعداءه إلا أعداء آبائه ، كلهم كانوا يموتون مسمومين أو مقتولين ، لماذا لم يخافوا ؟ لماذا لم يختفوا ؟ لماذا هو الوحيد الذي يخاف ، وهو الوحيد الذي يختفي ؟
ثالثا : إن نظرية الخوف بعيدة جداً عن أخلاق أهل البيت ، وحبهم للشهادة في سبيل الله ،خاصة وقد علم المهدي أنه يعيش إلى أن ينزل عيسى عليه السلام ، وأنه لا يقدر أحد على قتله حتى يملأ الأرض عدلا ، ثم هل قاهر الأعداء ومزلزل الدول يخاف كل هذا الخوف ؟؟
(150/41)
هذا لا شك كلام باطل ، والاختفاء مناف تماما لمنصب الإمامة ، الذي مبناه على الشجاعة والإقدام فهلا خرج وصبر حتى يكون الظفر .
رابعا : نقول قامت دول شيعية كثيرة كالفاطمية والبويهية والقرامطة والصفوية والبهلوية و الخمينية وغيرها ، فلمَ لم يخرج ؟ فيأنسوا بطلعته، ويطمأنوا بصدق الوعد ، ويستفيدوا من علمه ، ثم إذا زالت دولتهم أو ضعفت ، غاب مرة أخرى .
خامسا : لا نعرف سببا مقنعا للخوف الذي من أجله غاب الإمام المهدي، ما عٌلم أنهم أرادوا قتله أو غير ذلك ، كله كذب لا حقيقة له.
سادسا : كيف يخاف ؟ وقد رووا عن الرضا أنه قال : إن القائم إذا خرج، كان في سن الشيوخ ومنظر الشباب ، قويا في بدنه حتى لو مد يده : إلى أعظم شجرة على وجه الأرض لقلعها ، ولو صاح بين الجبال لتدكدكت صخورها يكون معه عصا موسى وخاتم سليمان …… هل مثل هذا يخاف؟.
ولك أن تسأل الرافضي إذا كان عمر المهدي الآن 1167 سنة ، فهل تزوج أم هو أعزب إلى الآن ، وهل يجوز أن يبقى أعزب طوال هذه المدة ( 1167 سنة ) !! ، وإذا كان تزوج هل هي معمرة مثله أم كل 50 سنة يتزوج واحدة جديدة غير الأولى ؟ وهل عنده أولاد ؟ وهل هم معمرون ؟ أسئلة كثيرة تحتاج إلى جواب .
إذا خرج المهدي ماذا سيفعل ؟
فيما يتعلق بأعمال المهدي وإنجازاته عند ظهوره يعتقد الرافضة ما يلي:
أنه يأتي بقرآن جديد . عن أبي عبد الله قال : لكأني أنظر إليه بين الركن والمقام يبايع الناس على كتاب جديد ، على العرب شديد ( كتاب الغيبة للنعماني ص 102 ) .
وعن علي رضي الله عنه قال : كأني أنظر إلى الشيعة ، قد بنوا الخيام بمسجد الكوفة ، جلسوا يعلمون الناس القرآن الجديد ( الأنوار النعمانية 2 / 95 ) .
يقيم الحد على أم المؤمنين عائشة : عن أبي جعفر قال : أما لو قام قائمنا، وردت إليه الحميراء ، حتى يجلدها الحد وحتى ينتقم لابنة محمد فاطمة . ( بحار الأنوار 52 /314 ).
(150/42)
يخُرج أبا بكر وعمر من قبريهما ويصلبهما ويحرقهما ( الأنوار النعمانية 2 /85 ).
يبعثه الله نقمة : عن أبي جعفر قال : إن الله بعث محمداً رحمة ، وبعث القائم نقمة . ( بحار الأنوار 52 /315 ) ,
يقتل ذراري قتلة الحسين : قيل للرضا : يا ابن رسول الله ما تقول في حديث روي عن الصادق أنه قال : إذا خرج القائم قتل ذراري قتلة الحسين بفعل آبائها ، قال : هو كذلك ، قلت : وقول الله تعالى ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) قال ذراري قتلة الحسين يرضون بفعال آبائهم ويفتخرون بها .
المهدي حريص على قتل العرب : عن أبي عبدالله قال : ما بقي بيننا وبين العرب إلا الذبح …. نزعة فارسية ( الأنوار العمانية 52/ 349 ).
وعن أبي عبدالله قال : اتق العرب ، فإن لهم خبر سوء أما أنه لم يخرج مع القائم منهم أحد ( بحار الأنوار 52 / 333 ).
وعن أبي عبدالله قال : إذا قام القائم من آل محمد ! [ انظروا إلى هؤلاء الذين يعظمون آل بيت النبي ويعظمون قريشاً ] أقام خمسمائة من قريش فضرب أعناقهم ، ثم أقام خمسمائة مئة فضرب أعناقهم ، ثم خمسمائة حتى يفعل ذلك ست مرات . قيل أو يبلغ عدد هؤلاء هذا قال : لا هم ومواليهم ..... حتى تمشى القضية !!
عن أبي جعفر قال : لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحب أكثرهم ألا يروه ، مما يقتل من الناس ، أما إنه لا يبدأ إلا بقريش فلا يأخذ منها إلا السيف ولا يعطيها إلا السيف حتى يقول كثير من الناس ليس هذا من آل محمد ، لو كان من آل محمد لرحم . ( بحار الأنوار 52/ 354 ).
هذا الفعل موافق لقول الله تبارك وتعالى ( قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ) هذه هي المودة في قربى النبي - صلى الله عليه وسلم ( كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا ).
فعقيدة المهدي المنتظر عند الرافضة من نسج الخيال وهوس العقول نسأل العافية والسلامة .
المبحث التاسع
طعن الرافضة في شرف النبي صلى الله عليه وسلم
(150/43)
قال القمي في تفسيره لقوله تعالى : ( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ) (التحريم:10).
قال : والله ما عنا بقوله " فخانتاهما " إلا الفاحشة [ لكنه لا يتكلم عن امرأة لوط وامرأة نوح ] وإنما يتكلم عن عائشة وحفصة ولهذا قال: وليقيمن الحد على عائشة ، وكان طلحة يحبها فلما أرادت أن تخرج إلى البصرة قال لها فلان لا يحل لك أن تخرجي من غير محرم ، فتزوجت طلحة.
وقال رجب البرسي ( في مشارق أنوار اليقين صفحة 86 ) : إن عائشة جمعت أربعين دينارا من خيانة وفرقتها على مبغضي على .
وقد مر بكم أنها نامت مع على في فراش واحد ، وفي كتاب ( بحار الأنوار) : أن عليا جاء إلى النبي وهو جالس عند عائشة فجلس على فخذ عائشة وقالت له عائشة : يا علي أما وجدت لاستك غير فخذي.
وهذا العياشي في تفسيره لقول الله تبارك وتعالى ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل ) (آل عمران 144 ).
قال : بالسند عن جعفر الصادق: تدرون مات النبي أو قتل ، إن الله يقول ( أفإن مات أو قتل ) فسم قبل الموت إنهما سقتاه قبل الموت السم. يقصد عائشة وحفصة .
إن الطعن في زوجات النبي ووصف عائشة بما برأها الله منه في سورة النور هو طعن في رسول الله إذ أن زوج العاهرة يكون ديوثا عياذا بالله تعالى .
وهذا من التشابه بين اليهود والرافضة فكما اتهم اليهود مريم العذراء بالزنا اتهم الرافضة عائشة الصديقة بنت الصديق بالزنا .
المبحث العاشر
فوائد متنوعة
اعلم رعاك الله ما يلي :
ـ إذا كان الصحابة قبلوا وصية أبي بكر لعمر في الخلافة فكيف لا يقبلون وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي لو كان الأمر كما يزعمون .
(150/44)
ـ عدم وصية أبي بكر لابنه ، ولا عمر لابنه في الخلافة ، وعدم نهبهما لأموال الدولة ، وما قاما به من الجهاد ونصر للإسلام وفتح للبلدان ، دليل على أنهما ليسا كما يدعي الرافضة .
ـ الرافضة يعيبون على الدولة الأموية أنها جعلت الخلافة وراثية وهم يدعون أنها وراثية وأن النبي جعلها وراثية في نسله .
ـ كون عليا بايع أبا بكر وعمر وعثمان وسمى أولاده بأسمائهم وزوج ابنته أم كلثوم لعمر يجتث مذهب الرافضة من جذوره ، لو كانوا يعقلون .
- لم يكن عند أبي بكر دنيا يسوقها إلى الصحابة ولا عشيرة قوية يهابونها فما الذي يحملهم على بيع آخرتهم من أجل دنياه ، وما الذي منعهم من بيعة علي لو كان الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى له كما يزعمون مع أنهم بايعوه عند مقتل عثمان فما الذي غيرهم ؟! .
ـ الذين قتلوا الحسين كلهم من الشيعة من أهل الكوفة موطن التشيع ومعقله لم يشارك في قتله أحد غيرهم .
ـ تنازل الحسن بن علي بالخلافة لمعاوية ومبايعته له دليل قاطع على بطلان مذهب الرافضة إذ كيف يتنازل الحسن عن منصب إلهي هو مثل النبوة أو أعظم وكيف يتنازل بالخلافة لكافر فلو أن مسلما جعل الخليفة على المسلمين كافرا لكان أعظم خائن للأمة .
ـ إن مبايعة الحسين لمعاوية عشرين سنة وطاعته له وعدم خروجه عليه تبطل دعواهم أن معاوية كان كافرا وأن الحسين هو الإمام المعصوم .
من كذب الرافضة ما يلي :
ـ أن الرسول أوصى بالخلافة لعلي في غدير خم (1). والحديث في صحيح مسلم وليس فيه ذكر للخلافة . وغدير خم يبعد عن مكة أكثر من 250 كيلو فلو أراد الرسول أن يوصي لعلي لأوصى له في عرفات لا بعد أن يتفرق الحجيج .
__________
(1) انظر التفصيل في حقبة من التاريخ للشيخ عثمان الخميس ص 191-197 .
(150/45)
ـ أن النبي كان يريد أن يوصي لعلي بالخلافة في حديث الكتاب (1). وهذا مجرد دعوى بلا دليل والدعوى لا يعجر عنها أحد ، والبينة على المدعي ، والرافضة يزعمون أن الرسول أوصى لعلي في غدير خم وقبل ذلك أيضا ، ثم يقولون أراد أن يوصي له في حديث الكتاب ولم يوص فما هذا التناقض؟!.
ـ أن الرسول قال : أنا مدينة العلم وعلي بابها . وهذا كذب على رسول الله ، والعلم بحر وليس مدينة وهذا الحديث يعني أن النبي لم يرسل إلى الناس كافة إنما أرسل إلى علي وعلي هو الذي أرسل إلى الناس كافة ثم هو لم يذكر باقي الأئمة الذين يعتقد الرافضة بعصمتهم وأن الدين لا يؤخذ إلا من جهتهم .
ـ أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : لعن الله من تخلف عن جيش أسامة (2). هذا كذب على رسول الله ، وأبو بكر لم يكن في جيش أسامة أما عمر فقد استأذن أبو بكر أسامة في عدم خروجه معه لحاجته إليه فأذن له .
ـ أن آية الولاية (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)) (المائدة:55)
نزلت في علي (3) وهذا لا يصح ، وسياق الآية وسباقها وألفاظها تدل قطعا على أنها أمر من الله بترك موالاة الكفار وجعل الولاء أي المحبة والنصرة للمؤمنين .
ـ أن قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة كلهم من قريش )) أخرجه مسلم . المقصود به الأئمة المعصومون عندهم (4). هكذا زعم الرافضة بدون أي دليل ، وألفاظ الحديث تدل على بطلان هذا الزعم من وجوه عديدة منها ما يلي :
أن الرسول قال : من قريش ولم يقل من أولاد علي .
__________
(1) انظر حقبة من التاريخ ص 180-182 و كشف الجاني ص77-81 .
(2) انظر التفصيل في حقبة من التاريخ ص 169-170.
(3) انظر التفصيل في حقبة من التاريخ ص 202-205 .
(4) انظر التفصيل في حقبة من التاريخ ص 215-217 .
(150/46)
أن الرسول أخبر أنهم يتولون أمر الأمة .
والاثنا عشر الذين يعتقد الرافضة بعصمتهم وأنهم أفضل من الأنبياء لم يتول منهم الخلافة سوى علي والحسن ستة أشهر رضي الله عنهم . وخبر الرسول لا يمكن أن يكون كذبا .
ـ أن آية التطهير آية 33 في سورة الأحزاب ، ليست في زوجات النبي(1) وسياقها وسباقها يدل دلالة قطعية أن المراد بها زوجات النبي اللاتي يطعن بههن الرافضة قبحهم الله .
ـ أن الأحاديث التي وردت عند أهل السنة في فضل علي والحسن والحسين كحديث المباهلة والمنزلة تدل على عصمتهم وأنهم الخلفاء بعد الرسول مباشرة وأن الصحابة اغتصبوا منهم الخلافة هذا من كذب الرافضة وضلالهم فالأحاديث الواردة لا تدل على ذلك بل هي تبين فضل علي والحسن والحسين وهذا الذي يؤمن به أهل السنة وليس فيها ما يدل على أنه الخليفة بعد رسول الله وأنه أفضل من الأنبياء الذين ملأ الله كتابه بذكرهم والثناء عليهم وبيان أفضليتهم قال تعالى :
(( وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ، وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلّاً هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ،وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ، وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلّاً فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ) (الأنعام:83-86).
هذا ما تيسر لي جمعه ، من ردود شيخي الفاضل عثمان الخميس رفع الله درجته مع الاختصار والتصرف وقليل من الزيادة ، سائلا المولى أن ينفع به إخواني المسلمين ويدخر لي ثوابه يوم الدين ! .
وسبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك .
__________
(1) انظر حقبة من التاريخ 197-202 .
(150/47)
كتبه غالب الساقي
25/صفر/1428
الفهرس
المقدمة ص 3 .
المبحث الأول : آيات قرآنية تثني على الصحابة ص 5 .
المبحث الثاني : من هم الشيعة الإمامية ص 10 .
المبحث الثالث : هل يوثق بمصادر الرافضة ؟ ص 12 .
المبحث الرابع : التحذير من أخبار يحتج بها الرافضة ص 27 .
المبحث الخامس : تاريخ الرافضة وموقفهم من أهل السنة ص 29
المبحث السادس : ما هو نكاح المتعة وما حكمه عند الرافضة ؟ ص 34 .
المبحث السابع : الرافضة وآل البيت ص 44 .
المبحث الثامن : المهدي المنتظر عند الرافضة ص 57 .
المبحث التاسع : طعن الرافضة في شرف النبي ص 62 .
المبحث العاشر : فوائد متنوعة ص 64 .
(150/48)
لكتاب نهج البلاغةقراءة راشدة
تأليف
عبد الرحمن عبد الله الجميعان
تصدير
إلى كل مؤمن بالله ورسوله ص.
إلى كل حر تفكك من أغلال التقليد.
إلى كل من يخاف أن يلقى الله حاملًا وزر من سبقوه.
إلى كل من يحب آل بيت النبي ص.
إلى كل شيعي يؤمن بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد عبدًا ورسولًا ص.. إلى كل هؤلاء أقدم هذه القراءة المتواضعة والمختلفة لنهج البلاغة.
المقدمة
عشت مع نهج البلاغة أزمانًا طويلة، أقرؤه وأسمر معه، وأقف مع صاحبه حيث وقف، وأسير معه حيث سار، أغضب لغضبه، وأثور لثورته، وأحزن لحزنه، وأفرح لفرحه.
ورأيت عليًّا خطيبًا يقذف حممًا بركانية على لسانه، كأنه ينذر جيشًا، لا. بل كأنه ينذر العالم أجمع، ورأيت علمًا مستفيضًا، وسيفًا مسنونًا، وفقهًا مبثوثًا، ولا غرو؛ فهو ربيب بيت النبوة، وراضع لبان الرسالة، عاش حياة كلها صخب وضوضاء، وحروب وجروح.. حياة مليئة بالجد والاجتهاد، والعمل المتواصل الذي لا يهدأ ولا يكلّ ولا يملّ، لم يفلّ له سنان، ولم تكسر لعنفوانه قناة.
عاش أجيالًا عدة في حياة واحدة، حياة طوت تجارب دهور متوارثة من الشرك والكفر والإيمان، ورأى النفاق، وشاهد تقاعس الأصدقاء، وتقلبت به الحياة حتى قيل له: «علي لا خبرة له بالحرب»، وحارب مرغمًا إخوانه في العقيدة والدين، ورأى تقلب الحياة بأهلها، وفعل الأهواء بأصحابها.. إنها حياة صاخبة لا تهدأ!
وبدأت أقلب صفحات هذا السفر الضخم، وأحس أنني أقلب حياة رجل عظيم، لا صفحات كتاب كبير!
ولكنني رأيت عجبًا!
فالرجل يقول كلامًا، ثم أرى ضده ومناقضًا له في بعض كتب القوم، فوقفت أتأمل هذه الحياة طويلًا، وطفقت أَعبّ من كتبهم عبًّا، وأقرأ ما بين السطور، وأتوغل في القراءة؛ فازداد عجبي ولم يزل!
وأدركت أن الأمر بحاجة إلى قراءة متأنية لأقوال وأفعال هذا الرجل.
(151/1)
فقمت أقرأ هذا السفر بهذه الحياة، واضطربت مرارًا، ثم أعدت القراءة بنفس لا تهدأ ولا تقنع، حتى أيقنت أننا بحاجة إلى قراءة راشدة تغوص في أعماق «النهج»، ولا تخرج عن إطار التفكير عند الإمام!
ثم قرأت تارة أخرى، وأدون ما أقرؤه حتى كتبت بعض مقالات في «النهج»، وناقشت بعض الأشخاص في كثير من المسائل، ولم تهدأ نفسي إلى شيء، حتى كانت القراءة التي استبان لي وجه صحتها، وهي هذه التي أنقلها اليوم أو بعضها.
فهذا الكتيب الصغير الذي لم يحو كل مشاهداتي وقراءاتي ولكنني أدفعه للمطبعة كي يتسنى للقارئ العادي الاطلاع عليه وقراءته قراءة سريعة، ويكون سهلًا عليه دون تكلف ولا تعال، وابتعدت قدر الإمكان عن القضايا التي قد تكون محل جدال عقيم، وولجت إلى لب الموضوع، وهو: كيف يجب أن نفهم «النهج»؟!
وأيقنت أن الذي يقرأ بعقل منفتح لا بد أن يقترب كثيرًا من تفكير ومعتقد أهل السنة، أو تكون المسافة قريبة جدًا بيننا وبينه.
إنني على يقين بأن هذا هو الطريق الصائب والسليم الذي ينبغي الالتفات إليه، ولا طريق دونه للوصول إلى فهم سليم لأقوال هذا الإمام العظيم؛ الذي خذل من أصحابه قبل أعدائه!
أقول: هذا جهدي وهذا فهمي؛ لم أدّع فيه الكمال، وإن كنت أصبو إليه.
وإنني على أتم استعداد لتصويب خطأ بدر مني، أو سوء فهم لم أدركه، غير محتقب لإثم، ولا متعمد لسهو ولا خطأ.
وفقنا الله تعالى لإصابة الحق، وألهمنا الصواب في القول، والصدق في العمل.
ملاحظة: النسخة التي اعتمدتها هي مطبوعة محمد أبو الفضل إبراهيم، وشرح ابن أبي الحديد.
وكتبه
عبد الرحمن عبد الله الجميعان
المبحث الأول
الإمامة
(151/2)
هناك من يعتقد بأن الإمامة من أصول الدين، والبعض يرى أنها من ضروريات المذهب، والجميع يعتقد بالنصية والتسلسل من علي إلى المهدي ب، بنص الرسول ص، ونص كل إمام بالذي بعده! فكل عمل عند الأئمة إنما مبعثه الوحي لا اجتهاد فيه، ولهذا نفوا الخطأ والاجتهاد عن الأئمة.
هذا ما قالته كتبهم في مصادرها المختلفة، الجديدة والقديمة على حد سواء، ولكننا سنقابل نصوصًا لعلي بن أبي طالب ا حول الإمامة والخلافة، قد تعارض أو تنسف كلامهم، منها مثلًا قوله: «أول الدين معرفته»(1)، فهذا الكلام الصادر عنه يؤكد حقيقة أن أهم مبدأ في الدين، وأعظم شيء فيه، والواجب على المكلف معرفته والعلم به، هو: معرفة الله تعالى وتوحيده.
ولا شك أن الكتاب والسنة يؤكدان هذا الأمر كل التأكيد، فليست معرفة الإمام أو الإمامة أهم شيء في الدين، وحتى تتكامل الصورة علينا المضي في هذا الأمر مع كتاب النهج :
1- ففي كلام لعلي ا لكميل بن زياد النخعي، يؤكد أنه: «لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة، إما ظاهرًا مشهورًا، وإما خائفًا مغمورًا، لئلا تبطل حجج الله وبيناته»(2)، ثم يقول: «أولئك الأقلون عددًا، والأعظمون عند الله قدرًا، يحفظ الله بهم حججه وبيناته، حتى يودعها نظراءهم، ويزرعها في قلوب أشباههم...»، أفتدري من هؤلاء؟ إنهم العلماء، لا كما يقولون: إن الأئمة هم حجج الله في أرضه!
ثم يكمل علي ا كلامه قائلًا: [أولئك خلفاء الله في أرضه والدعاة إِلى دينه.. آهٍ آهٍ.. شوقًا إِلى رؤيتهم..]، فالعلماء هم الذين يثني عليهم هذا الصحابي الجليل، ويرفع من مكانتهم في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد!
فأين ذكر الأئمة في هذا الكلام المهم؟!
__________
(1) شرح النهج ) (1/72).
(2) 18/347) (143).
(151/3)
ثم نقول: إذا كان الإمام يأتي من النص ومن قبل الله تعالى؛ فهو لا حاجة به إلى التعلم؛ لأنه متعلم من لدن الحكيم الخبير، وهو ممّن يكلّم أو يوحى إليه، غير أنه لا يرى الملك كما تقول كتبهم، فعلي بن أبي طالب ا يقول: [من نصب نفسه إِمامًا، فعليه أن يبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه، ومعلّم نفسه ومؤدبها أحقّ بالإجلال من معلّم الناس ومؤدبهم](1).
ماذا يعني بقوله: [من نصب نفسه إمامًا]؟ وهل يسمى مغتصب الخلافة إمامًا؟ ثم هذا القول الصادر من علي ا، يؤكد عكس ما تقوله كتبهم من لدنّيّة العلم عند الإمام، فالإمام يجب أن يتعلم العلم ويهذب نفسه ويربيها!
2- وفي كتاب من كتبه المهمة جاء فيه: «أما بعد: فإن الله سبحانه بعث محمدًا ص نذيرًا للعالمين، ومهيمنًا على المرسلين، فلما مضى صلى الله عليه وآله تنازع المسلمون الأمر من بعده؛ فوالله ما كان يلقى في روعي، ولا يخطر ببالي، أن العرب تزعج هذا الأمر من بعده ص عن أهل بيته، ولا أنهم منحّوه عني من بعده، فما راعني إِلا انثيال الناس على فلان يبايعونه، فأمسكت بيدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام، يدعون إلى مَحقِ دين محمد ص ؛ فخشيت إن لم أنصر الإِسلام وأهله أن أرى فيه ثلمًا أو هدمًا، تكون المصيبة به عليّ أعظم من فوت ولايتكم التي إِنما هي متاع أيام قلائل، يزول منها ما كان كما يزول السراب، وكما يتقشّع السحاب، فنهضت في تلك الأحداث حتى زاح الباطل وزهق، واطمأن الدين وتنهنه»(2).
هذا كتاب الخليفة علي ا إلى أهل مصر، أرسله مع صاحبه مالك الأشتر لما ولاه إمرة مصر، والكتاب يحفظ وتتناقله الرواة أكثر من الخطب، والكلمات التي قد ينقلها البعض بالمعنى دون اللفظ، أما الكتاب فالخطأ فيه أقل من الخطبة بكثير، وبطريق الكتابة والتدوين حوفظ على الكتاب والسنة، المهم في الأمر ما في هذا الكتاب من معان:
__________
(1) 18/220) (71).
(2) 7/151 ) (62).
(151/4)
انظر إلى كلماته:
أ- تنازع المسلمون الأمر من بعده...، ولم يقل: الكفار أو الذين ارتدوا بعد وفاته ص أو الفساق، وإنما سماهم «المسلمون».
ثم انظر إلى قوله: ولا يخطر ببالي... من بعده...، فماذا تلاحظ أيها القارئ الكريم؟
ب- أنه أولًا: ليس هناك نص يستند إليه في قضيته «الخلافة والإمامة»؛ لأن الإمام عليًا ا لم يذكر هذا النص، وكيف تناساه الناس، وهو أحوج ما يكون إليه اليوم، حيث يوضح قضية من أخطر القضايا التي مرت على الأمة وسببت لها فرقتها، وكادت تصدع حتى بالصدر الأول من الصحابة، فلما لم يذكر هذا النص؛ علم أنه لا نص يخدم هذه القضية الخطيرة.
جـ - ثم انظر إلى كلامه: «فما راعني إلا انثيال الناس على فلان يبايعونه..»، و(انثيالهم) تصوير بليغ وكلام عال، فمعناه إسراعهم وانصبابهم إلى بيعة أبي بكر ا، وهذا مما يدل على أن الناس اختاروا أبا بكر، وهم أفضل الناس بعد الأنبياء، فلم تكن البيعة رغمًا عنهم، ولم يكن السيف فوق رءوسهم، وإنما هو الاختيار الحر، والرؤية الصائبة من جماعة المسلمين.
د- ثم في: «فأمسكت.... هدمًا»، ويعني المرتدين ومانعي الزكاة الذين حاربهم الصديق بسيوف الصحابة؛ فليس هؤلاء كما يقال: إنهم الذين رفضوا بيعة أبي بكر ا، وإنما هم كما قال الإمام علي ا: «فرق رجعت عن الإسلام»، لأنه لا يمكن أن يعني الصديق والصحابة؛ لأنه كان معهم، وكان وزيرًا للخلفاء.
3- وفي وصية من وصاياه يقول: «هذا ما أمر به عبد الله علي بن أبي طالب أمير المؤمنين في ماله. وإن لابني فاطمة من صدقة عليّ مثل الذي لبني عليّ، وإني إنما جعلت القيام بذلك إلى ابني فاطمة ابتغاء وجه الله، وقربة إلى رسول الله ص، وتكريمًا لحرمته، وتشريفًا لوصلته، ويشترط على الذي..»(1).
نلاحظ ما يلي:
أ- لم يفرق في قضية الصدقة بين بنيه كلهم: لا الحسنين ولا غيرهم! هذا أولًا.
__________
(1) 15/146) (34).
(151/5)
ب- أما الأمر الآخر المهم، فهو قوله: إنه جعل القيام لابني فاطمة، لا لنص في الولاية والإمامة، كلا. بل ابتغاء وجه الله.
أليس من الأولى أن يعتمد علي بن أبي طالب على النص في الولاية، وينشر هذا الأمر في هذه الوصية، ويعلم أصحابه أنه قرب ابني فاطمة لأجل نصوص الولاية والإمامة؟
وهذه وصية، والوصية تكون آخر ما ينطق به الرجل لأهل بيته، ويوضح فيها الأمور، ولا يجوز تأخير البيان عند كثير من الفقهاء خاصة في أمثال هذه القضايا، لأن عليًا ا لم يدر متى يأتيه الموت! حتى وإن علم بموته، فلم يكن ليؤخر البيان في قضية خطيرة مثل هذه.
4- قال الإمام علي ا:
«ثم جعل سبحانه من حقوقه حقوقًا افترضها لبعض الناس على بعض، فجعلها تتكافأ في وجوهها، ويوجب بعضها بعضًا، ولا يستوجب بعضها إِلا ببعض، وأعظم ما افترض سبحانه من تلك الحقوق: حق الوالي على الرعية، وحق الرعية على الوالي، فريضة فرضها الله ـ لكل على كل، فجعلها نظامًا لألفتهم، وعزًا لدينهم، فليست تصلح الرعية إلا بصلاح الولاة، ولا تصلح الولاة إِلا باستقامة الرعية، فإذا أدت الرعية إلى الوالي حقه، وأدى الوالي إليها حقها؛ عزّ الحق بينهم، وقامت مناهج الدين، واعتدلت معالم العدل، وجرت على أذلالها السنن، فصلح بذلك الزمان، وطمع في بقاء الدولة، ويئست مطامع الأعداء»(1).
__________
(1) 11/91).
(151/6)
أ- تأمل هذه الكلمات جيدًا، فليست هي من قبيل الكلام المغسول عن المعاني، بل إن هذه الكلمات فيها الدواء الشافي لمن سأل عن مفهوم الخلافة والولاية في تفكير علي بن أبي طالب ا، الذي لم ينطلق من النص، لأنه قال: [فليست تصلح الرعية إلا بصلاح الولاة، ولا تصلح الولاة إلا باستقامة الرعية] إن لهذا معنى واحدًا محددًا: أن الوالي أو الخليفة، أو المنّصب لحكم الناس، إنما هو إنسان ليس معصومًا، لأن علي بن أبي طالب ربط صلاح الوالي بصلاح رعيته، فلو كان النص كانت العصمة، فلا يكون للكلام معنى حينئذ، لأنه كان يجب أن يقول: إن من ولاهم الله تعالى من آل محمد، لا يمكن أن يزيغوا مهما زاغت الرعية.
ب- ثم إنه بهذا النص يحدد أنه لا بد للناس من أمير(1)، ولا يهم من يكون هذا الأمير ما دام صالحًا قائمًا بالعدل، يقيم حكم الله تعالى ويؤدي حقوق الناس.
5- وفي كلام له وجهه إلى طلحة والزبير ب بعد بيعته بالخلافة:
«لقد نقمتما يسيرًا، وأرجأتما كثيرًا، ألا تخبراني أي شيء كان لكما فيه حق دفعتكما عنه! أم أي قسم استأثرت عليكما به! أو أي حق رفعه إلي أحد من المسلمين ضعفت عنه، أم جهلته، أم أخطأت بابه؟!
والله ما كانت لي في الخلافة رغبة، ولا في الولاية إربة، ولكنكم دعوتموني إليها، وحملتموني عليها، فلما أفضت إلي نظرت إِلى كتاب الله، وما وضح لنا وأمرنا بالحكم به فاتبعته، وما استنّ النبي ^ فاقتديته، فلم أحتج إِلى رأيكما، ولا رأي غيركما، ولا وقع حكم جهلته فأستشيركما وإخواني من المسلمين، ولو كان ذلك لم أرغب عنكما ولا عن غيركما.
__________
(1) 2/307) (40).
(151/7)
وأما ما ذكرتما من أمر الأسوة، فإِن ذلك أمر لم أحكم أنا فيه برأيي، ولا وليته هوى مني، بل وجدت أنا وأنتما ما جاء به رسوله الله ^ قد فرغ منه، فلم أحتج إِليكما فيما فرغ الله من قسمه، وأمضى فيه حكمه، فليس لكما والله عندي ولا لغيركما في هذا عتبى، أخذ الله بقلوبنا وقلوبكم إِلى الحق، وألهمنا وإِياكم الصبر»(1).
ولنا بعض الوقفات التي لا بد منها:
أ- هنا يقول الإمام لطلحة والزبير : [ألا تخبراني...] ولم يقل لهما: إنكما تعلمان أن رسول الله ^ أخبر بتوليتي، ولم يورد أي أثر حول الإمامة واستحقاقه لها نصًا، وهو هنا يريد أن يحاججهما في هذا الأمر، فكان الأولى أن يخرج لهما النص حتى يقيم عليهما الحجة، فإذ لم يكن شيء من ذلك، علم أنه لا نص في المسألة.
ب- ثم إذا كان هناك نص فكيف يتخلف عنه الإمام، كان يجب أن يسارع في التصدي لأمر الخلافة، لا أن يقول: [والله ما كانت لي في الخلافة... غيركما]، فلم يكن منه قبول الخلافة إلا بعد دعوة الناس له وحمله عليها.
جـ - ثم هنا يضع لنا حقيقة ناصعة، وهي: أن المسلم والحاكم على وجه خاص، عليه النظر في الكتاب والسنة، ولم يقل: رأي الأئمة وتشريعهم!
د- ثم هو يقول: [فلم أحتج... عن غيركما]، لم يحتج إلى آراء الصحابة، لأن عنده من نصوص الكتاب والسنة ما أغناه عن آراء الرجال، ولو وقع حكم لم يعلمه لاستشار المسلمين، مما يدل على نفي العصمة والإمامة عنه، ألا تراه قال: [ولو كان ذلك لم أرغب عنكما ولا عن غيركما] أي: لو وقع شيء لا أعرفه فسأستشير الناس وأستشيركما أيضًا، ولن أرغب عنكما!
هـ- ثم انظر إلى دعائه في ختام الكلمة، تدرك أن الرجل غير معصوم!
6- «أيها الناس؛ إن أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه، وأعلمهم بأمر الله فيه، فإن شغب شاغب استعتب، فإن أبى قوتل.
__________
(1) 11/7) (198).
(151/8)
ولعمري لئن كانت الإمامة لا تنعقد حتى تحضرها عامة الناس؛ ما إلى ذلك من سبيل، ولكن أهلها يحكمون على من غاب عنها؛ ثم ليس للشاهد أن يرجع، ولا للغائب أن يختار.
ألا وإني أقاتل رجلين، رجل ادعى ما ليس له، وآخر منع الذي عليه](1).
أريد من القارئ أن ينعم النظر في هذا الكلام، ما معنى [أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه]؟ ويجب أن نعلم بأن الخطبة أمام حشود من الناس، (هذا الأمر) يعني أمر الخلافة والإمامة والحكم، لم يقل: من نصّ عليه، وهم الأئمة الأطهار آل بيت النبي ص.
ثم قال: [ولعمري... يختار] ماذا تجد؟ إنه يضع معالم الهدى للخلافة والشورى وانتخاب الأمير، فيحدد أنه ليس المفروض أن يبايع جميع الناس، لأن ذلك متعذر، ولكن أهل الحل والعقد يحكمون على من غاب عنها، ثم يحدد أنه ليس لمن شهد البيعة النكوص على عقبيه واستقالة بيعته، وليس لمن غاب أن يختار.
هل هناك نص أقوى وأكثر جلاء في نفي الإمامة والنص، كمفهوم من هذا النص؟
نخلص من ذلك كله إلى أن الإمام لم يستخدم النص في الإمامة عند كلامه مع حاجته إليه؛ لأنه توكيد لأفعاله وأقواله وسلوكه، وإثبات حججه على الآخرين، مما يدل على نفي هذا النص لديه!
المبحث الثاني
العصمة
والعصمة من العقائد التي اعتنقها القوم، وآمنوا بأن جميع الأئمة يتصفون بالعصمة منذ قلامة أظافرهم، بل منذ ولادتهم، وأنهم يعلمون الغيب، ولا يخطئون في صغيرة ولا كبيرة، هذا ما تنطق به كتبهم وما يعتقده السابقون واللاحقون، ولا ينكره أحد منهم اليوم.
ولكن وردت بعض كلمات علي ا، فيما نعتقد أنها منافية للعصمة.
1- يقول في دعاء له كان يردده كثيرًا(2):
__________
(1) 9/328) (174).
(2) 11/84) (208).
(151/9)
«الحمد لله الذي لم يصبح بي ميتًا ولا سقيمًا... ولا مأخوذًا بأسوأ عملي... ولا مرتدًا عن ديني، ولا منكرًا لربي...، ولا ملتبسًا عقلي، أصبحت عبدًا مملوكًا ظالمًا لنفسي... اللهم إِني أعوذ بك أن أفتقر في غناك، أو أضل في هداك،... اللهم إِنّا نعوذ بك أن نذهب من قولك، أو أن نفتن عن دينك، أو تتابع بنا أهواؤنا دون الهدى الذي جاء من عندك».
انظر إلى هذه الألفاظ: [أسوأ عملي]، [ظالمًا لنفسي]، [أضل في هداك]، [نذهب عن قولك]، [نفتن عن دينك]، [تتابع بنا أهواؤنا..]، هل هذا دعاء رجل معصوم لا يخطئ ولا يظلم نفسه، ولا يخشى أن تزل به قدم، أو ينحرف بعض الشيء عن المنهج؟
فإن كان الجواب نعم، فالإمام يدعو لغوًا، وحاشاه ا، وإن كان الجواب لا، فالعصمة منتفية ومرتفعة عنه! ثم هل المعصوم يخشى الضلال والهوى؟ وهناك من يقول: إن الله طهرهم وأعطاهم الولاية التكوينية! ولا يستقيم هذا مع كلام الإمام ا.
2- ثم المعصوم لا يحتاج إلى رأي الناس ما دام مسددًا من الله تعالى، بل إن هناك من ينفي مسألة الشورى، فهذا علي ا يقول: «أعينوني بمناصحة خليّة من الغش، سليمة من الريب، فوالله إِني لأولى الناس بالناس»(1) وهل يطلب المعصوم النصيحة؟ وفوق ذلك يطلب منهم أن لا يغشوه في مناصحة، لأنه بشر قد يخدع بمناصحة الآخرين والمتظاهرين بالخير، كما سترى لاحقًا.
3- ثم انظر إلى دعائه الفذّ ا، وهو يسأل الله بقوله: «احشرنا في زمرته، غير خزايا ولا نادمين، ولا ناكبين ولا ناكثين، ولا ضالين ولا مضلين ولا مفتونين»(2).
مع أنه من العشرة المبشرين بالجنة، إلا أنه لم يتكل على هذا بل كان دائم الخوف من الله تعالى، فهو لا يأمن على نفسه الفتنة، لهذا يسأل الله تعالى الثبات في الأمر في هذا الدعاء.
__________
(1) 7/284) (117).
(2) 7/173).
(151/10)
4- ثم هو يقول لأصحابه: «فلا تكفوا عن مقالة بحق، أو مشورة بعدل، فإِني لست في نفسي بفوق أن أخطئ، ولا آمن ذلك من فعلي، إِلا أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به مني، فإِنما أنا وأنتم عبيد مملوكون لرب لا رب
غيره، يملك منا ما لا نملك من أنفسنا، وأخرجنا مما كنا فيه إلى ما صلحنا عليه، فأبدلنا بعد الضلالة بالهدى، وأعطانا البصيرة بعد العمى»(1).
أ- يطلب الإمام من أصحابه أن يناصحوه وينصحوه، ولا يبخلوا عليه بالمشورة، لأنه إنسان يخطئ ويصيب.
ب- انظر إلى قوله: [إني لست في نفسي بفوق أن أخطئ ولا آمن ذلك من فعلي...] فهل أدلّ من هذا النصّ على عدم عصمته ا بأنه فوق أن يخطئ، إذ لا يأمن ذلك من نفسه، مما يدل على أنه ليس فوق البشر، لا خلقة طبيعية ولا عصمة إلهية.
جـ- ثم تأمل قوله: [أبدلنا بعد الضلالة بالهدى، وأعطانا البصيرة بعد العمى].
5- وكتب عهدًا إلى بعض أصحابه جاء في آخره:
«وأنا أسأل الله بسعة رحمته، وعظيم قدرته على إِعطاء كل رغبة، أن يوفقني وإِياك لما فيه رضاه، من الإِقامة على العذر الواضح إِليه وإِلى خلقه، ومن حسن الثناء في العباد، وجميل الأثر في البلاد، وتمام النعمة، وتضعيف الكرامة، وأن يختم لي ولك بالسعادة والشهادة، إِنا إِلى الله راغبون، والسلام على رسول الله ص الطيبين الطاهرين»(2).
وتأمل أخي القارئ [وأن يختم لي ولك...]، فهو يدعو الله دعوة راغب راهب، لا معصوم لا يخطئ، ولا إمام من الأئمة الذين جاء وصفهم في كثير من الكتب.
6- وفي كتاب أرسله إلى المنذر بن الجارود يقول فيه:(3)
«أما بعد: فإِن صلاح أبيك غرّني منك، وظننت أنك تتبع هديه، وتسلك سبيله، فإِذا أنت فيما رقّي إلي عنك لا تدع لهواك انقيادًا... ومن كان بصفتك فليس بأهل أن يسدّ به ثغر».
__________
(1) 11/102) (210).
(2) 17/117).
(3) 18/54) (71).
(151/11)
يدل هذا الكتاب دلالة لا وجه معها إلى أن عليًا أخطأت فراسته في هذا الرجل، وخدع لما رأى من هيئة الصلاح والوقار، وما ظن أنه لأبيه مشابه، ولاجتهاده تابع، فتخلفت فراسته، وخدعه عقله، وخدع كما يخدع أي إنسان مخلوق في هذه الحياة، لا إلهام ولا وحي ولا عصمة!(1).
وقد كان يقول في دعائه إذا مدحه قوم في وجهه: «اللهم إِنك أعلم بي من نفسي، وأنا أعلم بنفسي منهم، اللهم اجعلني خيرًا مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون»(2).
ولنسأل: ما معنى [خيرًا مما يظنون]؟ وما هو الذي يطلب الإمام من ربه أن يغفره له؟!
ومثله هذا الدعاء العظيم:
«اللهم إِني أعوذ بك من أن تحسن في لامعة العيون علانيتي، وتقبح فيما أبطن لك سريرتي، محافظًا على رياء الناس من نفسي بجميع ما أنت مطلع عليه مني، فأبدي للناس حسن ظاهري، وأفضي إِليك بسوء عملي، تقربًا إِلى عبادك وتباعدًا من مرضاتك»(3).
أرجو من القارئ أن يتأمل!
ومثله: «ما أهمني أمر أمهلت بعده، حتى أصلي ركعتين وأسأل الله العافية»(4).
أرجوك أخي القارئ! أن تتأمل هذا الكلام وتنزله منزلته من فعل الإمام، فالإمام بشر كسائر البشر، يهتم ويغتم ولا يدري ما يدار في هذا الكون؛ لأنه لا يعلم الغيب، وقد تتخبطه الأكدار؛ لأنه ليس معصومًا، ثم استمع إليه قائلًا لأصحابه: «وأما حقي عليكم فالوفاء بالبيعة، والنصيحة في المشهد والمغيب..»(5)، فهل أدل من هذه النصوص على نفي العصمة عن هذا الصحابي الجليل؟! نعم هناك أقوى وأدلّ من كل هذه الكلمات، وسنحاول بحثه بعد قليل.
7- الوصية:
وهذه وصية مهمة يوصي بها عليّ ابنه الحسن، ولأهميتها أرجأتها إلى آخر كلامي حول العصمة، لأنها وصية إمام لإمام، ووالد لابنه، ومعصوم لمعصوم حسب المفهوم الإمامي لمعنى الإمامة، ومن مستلزماتها العصمة!
جاء في الوصية:
__________
(1) انظر (18/62) (73).
(2) 18/256) (196).
(3) 19/167).
(4) 19/205).
(5) 2/190).
(151/12)
1- «من الوالد الفان، المقر للزمان، المستدبر العمر، المستسلم للدهر، الذامّ للدنيا، الساكن مساكن الموتى، الظاعن عنها غدًا.
إِلى المولود المؤمّل ما لا يدرك، السالك سبيل من قد هلك، غرض الأسقام، ورهينة الأيام، ورميّة المصائب، وعبد الدنيا، وتاجر الغرور، وغريم المنايا، وأسير الموت، وحليف الهموم، وقرين الأحزان، ونصب الآفات، وصريع الشهوات، وخليفة الأموات»(1).
هذه هي مقدمة الوصية، وهي من أب إلى ابنه، فهي تحمل من الأهمية ما تحمله.
أ- انظر أيها القارئ الكريم! وتمعن في هذه الكلمات [إلى المولود المؤمل... وخليفة الأموات]، وهل يكون معصومًا من يسميه عليّ [عبد الدنيا]، و[تاجر الغرور].
ب- بل انظر إلى عباراته التي تنبئ عن رفض العصمة رفضًا قاطعًا، فهو يسميه [صريع الشهوات] كيف؟ أم أن الإمام يتكلم بما لا يدرك ولا يعي، ويلقي الكلام على عواهنه؟!
جـ- وإما أن يكونا معصومين، فأخطأ العبارة علي ا وقال: [صريع الشهوات]، أي تصرعه الشهوات فلا يكون معصومًا، أو أن يكون يدلس على سامعيه ومنهم الحسن، ويستخدم التقيّة ليخبرهم بأن إمامكم صريع الشهوات، ولكن في حقيقة الأمر أنه معصوم!
إذن: لا بد من التفكر والتدبر في هذا الكلام، ولماذا قاله.
2- ثم يسترسل الإمام في وصية ابنه:
«أما بعد: فإِن فيما تبينت من إِدبار الدنيا عني، وجموح الدهر عليّ، وإقبال الآخرة إِليّ، ما يزعني عن ذكر من سواي، والاهتمام بما ورائي، غير أني حيث تفرّد بي دون هموم الناس همّ نفسي، فصدّقني رأيي وصرفني عن هواي، وصرّح لي محض أمري، فأفضى بي إِلى جدّ لا يكون فيه لعب، وصدق لا يشوبه كذب، وجدتك بعضي، بل وجدتك كلّي، حتى كأن شيئًا لو أصابك أصابني، وكأن الموت لو أتاك أتاني، فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي، فكتبت إِليك كتابي هذا مستظهرًا به إِن أنا بقيت لك أو فنيت»(2).
__________
(1) 16/31).
(2) 57).
(151/13)
تأمل جيدًا قوله: «غير أني حيث... فصدقني رأيي، وصرفني عن هواي، وصرّح لي محض أمري...» انظر إلى الكلمات: همّ نفسي، رأيي، هواي، محض أمري....
وهل للمعصوم هوى حتى يمضي به في كل الاتجاهات؟
3- «فإِني أوصيك بتقوى الله- أي بنيّ- ولزوم أمره، وعمارة قلبك بذكره، والاعتصام بحبله، وأي سبب أوثق من سبب بينك وبين الله، إِن أنت أخذت به.
أحي قلبك بالموعظة، وأمته بالزهادة، وقوّه باليقين، ونوّره بالحكمة، وذلّله بذكر الموت، وقرّره بالفناء، وبره بفجائع الدنيا، وحذّره صولة الدهر، وفحش تقلب الليالي والأيام، واعرض عليه أخبار الماضين، وذكّره بما أصاب من كان قبلك من الأولين.
وسر في ديارهم وآثارهم، فانظر فيما فعلوا؟ وعمّا انتقلوا؟ وأين حلّوا ونزلوا؟ فإِنك تجدهم انتقلوا عن الأحبة، وحلّوا دار الغربة، وكأنك عن قليل قد صرت كأحدهم.
فأصلح مثواك، ولا تَبِع آخرتك بدنياك، ودع القول فيما لا تعرف، والخطاب فيما لم تكلّف، وأمسك عن طريق إذا خفت ضلالته، فإِن الكفّ عند حيرة الضلال خير من ركوب الأهوال»(1).
ولنا أن نقف هنا بعض الوقت نتريث:
أ- لماذا يوصي المعصوم معصومًا آخر بما هو متأكد من عمله؟ وأعني لماذا يوصي علي الحسن بتقوى الله، ولزوم أوامره، ثم يأمره بإحياء قلبه بالموعظة؟
أو ليس المعصوم على وتيرة واحدة في سلوكه لا يزيغ ولا يضل ولا تتجارى به الأهواء؟...
ب- ثم انظر وتدبر الفقرة الأخيرة، بقوله: [فأصلح مثواك... الأهوال]، النهي عن بيع الآخرة بالدنيا، وأن يدع القول بما لا يعرف، وكيف يكون إمامًا لا يعرف؟
أدع القارئ المنصف يتأمل هذه الوصية ويتدبرها!
4- «وأمر بالمعروف تكن من أهله، وأنكر المنكر بيدك ولسانك، وباين من فعله بجهدك، وجاهد في الله حق جهاده، ولا تأخذك في الله لومة لائم.
وخض الغمرات إِلى الحق حيث كان، وتفقه في الدين، وعوّد نفسك الصبر على المكروه، ونعم الخلق التصبّر في الحق!
__________
(1) 62-63).
(151/14)
وألجئ نفسك في الأمور كلها إِلى إِلهك، فإِنك تلجئها إلى كهف حريز، ومانع عزيز.
وأخلص في المسألة لربك، فإن بيده العطاء والحرمان، وأكثر الاستخارة، وتفهّم وصيتي، ولا تذهبنّ عنك صفحًا، فإِن خير القول ما نفع، واعلم أنه لا خير في علم لا ينفع، ولا ينتفع بعلم لا يحقّ تعلّمه»(1).
ما أصفى وأنقى وأرفع هذا الكلام!
إنها ليست وصية؛ إنها منهاج يكتب بماء الذهب لمسلمة اليوم كافة، ولمن تدبره وفقهه حق الفقه، ثم انظر إلى ألفاظه: [تفقّه في الدين]، وهذا ينفي العلم اللدنّي الذي عند الأئمة: [عود نفسك الصبر على المكروه] أي: درّبها على هذا الخلق الجميل، وهل معصوم يدرّب نفسه على ذلك، أم أنها الفطرة التي فطر عليها، ثم: [أكثر الاستخارة] إذا كان معصومًا لا يخطئ في طريقه، فما حاجته إلى الاستخارة وهو المسدد المؤيد؟
ثم قال:
5- «ورأيت حيث عناني من أمرك ما يعني الوالد الشفيق، وأجمعت عليه من أدبك أن يكون ذلك وأنت مقبل العمر ومقتبل الدهر، ذو نية سليمة، ونفس صافية، وأن أبتدءك بتعليم كتاب الله عزّ وجلّ وتأويله، وشرائع الإِسلام وأحكامه، وحلاله وحرامه، لا أجاوز ذلك بك إِلى غيره، ثم أشفقت أن يلتبس عليك ما اختلف الناس فيه من أهوائهم وآرائهم مثل الذي التبس عليهم، فكان إحكام ذلك على ما كرهت من تنبيهك له، أحبّ إلي من إِسلامك إِلى أمر لا آمن عليك فيه الهلكة، ورجوت أن يوفقك الله فيه لرشدك، وأن يهديك لقصدك، فعهدت إِليك وصيتي هذه»(2).
أ- ماذا يعني [ذو نية سليمة]؟ وهل تتغير نيات المعصوم حتى ينعته بأنه [كان ذا نية سليمة ونفس صافية]؟
ب- ثم لماذا يعلمه أبوه ويبتدؤه بكتاب الله عز وجل، ما دام الإمام لا يعلّم الكتاب، ويكون حافظًا مستوعبًا للعلوم كلها، هل المعصوم بحاجة إلى معلم؟!
جـ- ثم تأمل [أشفقت أن...]كيف يلتبس هذا الأمر الذي يختلف فيه الناس؛ على إمام منصوب بالنص، معصوم عن الأهواء والأخطاء؟
__________
(1) 64).
(2) 68).
(151/15)
ثم انظر إلى قوله: «ورجوت أن يوفقك الله...» تجدها ملأى بالمعاني الإنسانية البشرية لأب يعتصر قلبه ألمًا وحزنًا وخوفًا على ابنه!
6- «واعلم يا بُنيّ! أن أحبّ ما أنت آخذ به من وصيتي تقوى الله، والاقتصار على ما فرضه الله عليك، والأخذ بما مضى عليه الأولون من آبائك، والصالحون من أهل بيتك، فإِنهم لم يدعوا أن نظروا لأنفسهم كما أنت ناظر، وفكروا كما أنت مفكّر، ثمّ ردّهم آخر ذلك إِلى الأخذ بما عرفوا، والإِمساك عما لم يكلّفوا، فإِن أبت نفسك أن تقبل ذلك دون أن تعلم كما علموا، فليكن طلبك ذلك بتفهّم وتعلّم، لا بتورّط الشبهات وعلق الخصومات.
وابدأ قبل نظرك في ذلك بالاستعانة بإِلهك، والرغبة إِليه في توفيقك، وترك كل شائبة أولجتك في شبهة، أو أسلمتك إِلى ضلالة، فإِن أيقنت أن قد صفا قلبك فخشع، وتمّ رأيك فاجتمع، وكان همّك في ذلك همًّا واحدًا، فانظر فيما فسّرت لك.
وإِن أنت لم يجتمع لك ما تحب من نفسك، وفراغ نظرك وفكرك، فاعلم أنك إِنما تخبط خبط العشواء، وتتورط الظلماء، وليس طالب الدين من خبط أو خلط، والإمساك عن ذلك أمثل»(1).
أ- تأمل أخي المنصف والقارئ الناقد.. ذا القلب الحصيف، في هذه الكلمات: أن الإمام يأمر ابنه بالاقتصار على الفرائض، والاقتداء بالسابقين الصالحين، ثم يخبره أن الأمر نظر وتفكر وتدبر، لا إلهام أو وحي أو عصمة أو تسديد دائم، ثم ينهاه أن يكون طريقه بتورط الشبهات، ولكن بتفهم وتدبر.
ب- ثم انظر الفقرة الثانية: [أولجتك في شبهة]، أي: أدخلتك في شبهة، والشبهة هي التي لا يتبين صوابها من خطئها، وحلالها من حرامها، وهل المعصوم يقع في الشبهات؟ وتتخبطه الأهواء والأمور كغيره من الناس؟ وإلا ما معنى كلام الأب هذا لابنه؟!
جـ- ثم تدبر آخر فقرة [فاعلم أنك إنما...] وزنها بعقلك، وتبصّر بها، واعقل هذا الكلام الرفيع عن هذا الرجل العظيم.
ثم قال:
__________
(1) 70-71).
(151/16)
7- «فتفهّم يا بُنيّ! وصيّتي، واعلم أن مالك الموت هو مالك الحياة، وأن الخالق هو المميت، وأن المفني هو المعيد، وأن المبتلي هو المعافي، وأن الدنيا لم تكن لتستقرّ إِلا على ما جعلها الله عليه من النعماء والابتلاء والجزاء في المعاد، أو ما شاء مما لا تعلم، فإِن أشكل عليك شيء من ذلك فاحمله على جهالتك، فإِنك أول ما خلقت به جاهلًا ثم علّمت، وما أكثر ما تجهل من الأمر، ويتحيّر فيه رأيك، ويضل فيه بصرك، ثم تبصره بعد ذلك!»(1).
في هذا النص الجلي والواضح عدة مسائل:
أ- طلب الإمام ابنه ليتفهم الوصية، وفي هذا معنى طلب التركيز والوعي والاستماع والتنبه إلى القائل وإلى المقول.
ب- تأمل هذه الألفاظ واقرأ معانيها بعقل وذهن، وعينين منفتحين، ولا تغمض عينك طلبًا للتقليد، فالحسن ا لا يعلم كل شيء، وإنما هناك أمور لم يعرفها فيتعلمها من غيره: [فإن أشكل عليك شيء] معناه ماذا؟ معناه أن هناك أمورًا ستشكل عليه ولا يعرفها.
جـ- يعلمنا الإمام بأن الحسن ولد جاهلًا كخلق الله أجمعين، ثم علم، وتدرج بالتعلم.
د- نفي العصمة نفيًا قاطعًا لا لبس فيه بهذه الكلمات: [وما أكثر ما تجهل].
هـ- أدع القارئ يتأمل هذا القول السديد من هذا الرجل المشفق على ولده، انظر إلى كلامه: [مما لا تعلم...]، [فإن أشكل عليك...]، [فإنك أول ما خلقت به جاهلًا ثم علّمت...]، [وما أكثر ما تجهل من الأمر، ويتحير فيه رأيك، ويضلّ فيه بصرك...].
كن منصفًا أيها القارئ! ثم كن ذا عقل لمّاح، وتفكير ناقد، وإنما يؤتى المرء من شبهاته وشهواته، ولا يكن التقليد لك طريقًا.. بل انبذه وانطلق؛ لأن الله وهب لنا العقول لنتفكر ونتدبر، لا لنقلد وننكفئ على من سبقنا!
8- وقال أيضًا:
«فاعتصم بالذي خلقك ورزقك وسوّاك، فليكن له تعبّدك، وإليه رغبتك، ومنه شفقتك.
__________
(1) 74).
(151/17)
واعلم يا بنيّ! أن أحدًا لم ينبئ عن الله ـ، كما أنبأ عليه نبينا ص، فارض به رائدًا، وإِلى النجاة قائدًا، فإِني لم آلك نصيحة، وإِنك لن تبلغ في النظر لنفسك وإِن اجتهدت مبلغ نظري لك»(1).
انظر إلى قوله [فارض به رائدًا] وكفى!
9- «واعلم يا بنيّ! أنه لو كان لربك شريك لأتتك رسله، ولرأيت آثار ملكه وسلطانه، ولعرفت أفعاله وصفاته، ولكنه إله واحد كما وصف نفسه، لا يضادّه في ملكه أحد، ولا يزول أبدًا ولم يزل، أول قبل الأشياء بلا أولية، وآخر بعد الأشياء بلا نهاية، عظم أن تثبت ربوبيته بإحاطة قلب أو بصر.
فإِذا عرفت ذلك، فافعل كما ينبغي لمثلك أن يفعله في صغر خطره، وقلّة مقدرته، وكثرة عجزه، وعظيم حاجته إِلى ربه في طلب طاعته، والرهبة من عقوبته، والخشية من عقوبته، والشفقة من سخطه فإِنه لم يأمرك إِلا بحسن، و لم ينهك إِلا عن قبيح»(2).
إن خوف علي بن أبي طالب ا على ابنه ذهب به بعيدًا، فقام يذكره بالأوليات والمبادئ التي أول ما يتعلمها المسلم من وحدانية الله تعالى، ثم قال له: [فإذا عرفت ذلك]، وهل المعصوم تعزب عنه أمثال هذه القضايا، إما أن يكون الحسن ا بحاجة إلى هذا التذكير كإنسان مثل كل الأناسيّ، وإما أنّ كلام الإمام لغو لا فائدة فيه، وحاشاه ا.
10- «يا بنيّ! اجعل نفسك ميزانًا فيما بينك وبين غيرك، فأحبب لغيرك ما تحب لنفسك، واكره له ما تكره لها، ولا تظِلم كما لا تحب أن تُظلم، وأحسن كما تحبّ أن يحسن إليك، واستقبح من نفسك ما تستقبحه من غيرك، وارض من الناس بما ترضاه لهم من نفسك، ولا تقل ما لا تعلم وِإن قلّ ما تعلم، ولا تقل ما لا تحبّ أن يقال لك.
واعلم أن الإعجاب ضدّ الصواب، وآفة الألباب، فاسع في كدحك، ولا تكن خازنًا لغيرك، وإذا أنت هديت لقصدك، فكن أخشع ما تكون لربك»(3).
أريد منك أن تقرأ: [ولا تظلم كما لا تحب أن تظلم... ولا تقل ما لا تعلم] هل نحن بحاجة أي مزيد بيان؟
__________
(1) 76).
(2) 77).
(3) 84).
(151/18)
11- «واعلم أن أمامك طريقًا ذا مسافة بعيدة، ومشقّة شديدة، وأنه لا غنى لك فيه عن حسن الارتياد، وقدر بلاغك من الزاد، مع خفة الظهر، فلا تحملن على ظهرك فوق طاقتك، فيكون ثقل ذلك وبالًا عليك، وإذا وجدت من أهل الفاقة من يحمل لك زادك إلى يوم القيامة، فيوافيك به غدًا حيث تحتاج إليه فاغتنمه وحمّله إِياه، وأكثر من تزويده وأنت قادر عليه، فلعلك تطلبه فلا تجده.
واغتنم من استقرضك في حال غناك، ليجعل قضاءه لك في يوم عسرتك.
واعلم أن أمامك عقبة كئودًا، المخفّ فيها أحسن حالًا من المثقل، والمبطئ عليها أقبح أمرًا من المسرع، وأن مهبطها بك لا محالة إِما على جنة أو على نار، فارتد لنفسك قبل نزولك، ووطئ المنزل قبل حلولك، فليس بعد الموت مستعتب، ولا إلى الدنيا منصرف»(1).
أرجو أن تتدبر الفقرة الأخيرة [واعلم أن أمامك...] ماذا تجد؟ يقول الإمام لابنه الحسن ا: [اعمل ليكون مصيرك الجنة!] وهل المعصوم بحاجة إلى هذا؟
قال: «فلرب أمر قد طلبته فيه هلاك دينك لو أوتيته...»(2) كيف يسأل المعصوم ربه شيئًا فيه هلاك دينه؟ هل يمكن ذلك أن يكون؟
12- «واعلم يا بني! أنك خلقت للآخرة لا للدنيا، فكن منه -الموت- على حذر أن يدركك وأنت على حال سيئة، قد كنت تحدّث نفسك منها بالتوبة، فيحول بينك وبين ذلك، فإِذا أنت قد أهلكت نفسك...»(3).
هل يكون المؤمن المسلم على حال سيئة عند الموت فضلًا عن المعصوم؟! وإلا لماذا يحذره الإمام هذا التحذير، أتراه لا معنى له ولا فائدة تنطوي تحته؟!
13- وكان مما قال في الوصية:
«من أكثر أهجر، ومن تفكر أبصر.
قارن أهل الخير تكن منهم، وباين أهل الشر تبن عنهم.
بئس الطعام الحرام، وظلم الضعيف أفحش الظلم!
إِذا كان الرفق خرقًا، كان الخرق رفقًا.
ربما كان الدواء داءً، والداء دواءً، وربما نصح غير الناصح، وغش المستنصح.
__________
(1) 85).
(2) 87).
(3) 89).
(151/19)
وإِياك والاتكال على المنى، فإِنها بضائع النوكى، والعقل حفظ التجارب، وخير ما جرّبت ما وعظك، بادر الفرصة، قبل أن تكون غصّة، ليس كل طالب يصيب، ولا كل غائب يثوب، ومن الفساد إِضاعة الزاد، ومفسدة المعاد، ولكل أمر عاقبة، سوف يأتيك ما قدر لك.
التاجر مخاطر، ورب يسير أنمى من كثير!»(1).
انظر إلى كلامه: [قارن أهل الخير...]، كن من أقرانهم وصاحبهم، ثم انظر: [وإياك والاتكال على المنى...] يحذره أن يكون من أصحاب الأماني الذين يتمنون على الله الأماني، ويتكلون عليها دون عمل، ثم انظر قوله: خير ما جربت ما وعظك...]، و[بادر الفرصة قبل أن تكون غصّة...].
لا يمكن أن يصدر هذا الكلام إلى معصوم يعرف تكليفه الشرعي، ولا ينسى، وعلمه رباني!
14- «لا تتخذن عدو صديقك صديقًا فتعادي صديقك، وامحض أخاك النصيحة، حسنة كانت أو قبيحة، وتجرع الغيظ؛ فإني لم أر جرعة أحلى منها عاقبة، ولا ألذ مغبة، ولِن لمن غالظك؛ فإنه يوشك أن يلين لك، وخذ على عدوّك بالفضل، فإِنه أحد الظفرين، وِإن أردت قطيعة أخيك فاستبق له من نفسك بقية يرجع إِليها إِن بدا ذلك له يومًا ما، ومن ظنّ بك خيرًا فصدّق ظنه، ولا تضيعنَ حق أخيك اتكالًا على ما بينك وبينه، فإِنه ليس لك بأخ من أضعت حقه، ولا يكن أهلك أشقى الخلق بك، ولا ترغبنّ فيمن زهد عنك، ولا يكوننّ أخوك أقوى على قطيعتك منك على صلته، ولا تكوننّ على الإساءة أقوى منك على الإحسان، ولا يكبرنّ عليك ظلم من ظلمك، فإنه يسعى في مضرّته ونفعك، وليس جزاء من سرّك أن تسوءه»(2).
ثم استمر في النصيح قائلًا:
«استدلّ على ما لم يكن بما قد كان، فإِن الأمور أشباه، ولا تكوننّ ممن لا تنفعه العظة إِذا بالغت في إِيلامه، فإِن العاقل يتّعظ بالآداب، والبهائم لا تتّعظ إلا بالضرب.
اطرح عنك واردات الهموم، بعزائم الصبر وحسن اليقين.
__________
(1) 97).
(2) 105).
(151/20)
من ترك القصد جار، والصاحب مناسب، والصديق من صدق غيبه، والهوى شريك العمى، وربّ بعيد أقرب من قريب، وقريب أبعد من بعيد، والغريب من لم يكن له حبيب.
من تعدى الحق ضاق مذهبه، ومن اقتصر على قدره كان أبقى له، وأوثق سبب أخذت به سبب بينك وبين الله سبحانه، ومن لم يبالك فهو عدوّك.
قد يكون اليأس إدراكًا إذا كان الطمع هلاكًا.
ليس كل عورة تظهر، ولا كل فرصة تصاب، وربما أخطأ البصير قصده، وأصاب الأعمى رشده.
أخّر الشرّ، فإِنك إذا شئت تعجلته، وقطيعة الجاهل تعدل صلة العاقل.
من أمن الزمان خانه، ومن أعظمه أهانه.
ليس كلّ من رمى أصاب.
إذا تغير السلطان، تغيّر الزمان.
سل عن الرفيق قبل الطريق، وعن الجار قبل الدار»(1).
تؤكد لنا هذه النصيحة العظيمة، بما لا يدع مجالًا للشك والطعن برفع العصمة والعلم اللدنّي عن الأئمة، وأنهم لا يحملون نصًا يفردهم عن بقية العباد، وأنهم بشر كسائر البشر، ينسون ويخطئون، ويجهلون ويشكون، وقد يخدعون عن عقولهم.
المبحث الثالث
الصحابة
الصحابة عندهم إما كفار خارجون عن الإسلام، وإما فساق خالفوا أمر الرسول ص عمدًا على عين! ولهذا فالكثيرون منهم يلعنونهم ويسبونهم، ويخصّون بالسبّ واللعن أو التبري الخلفاء الثلاثة، وعائشة ومعاوية ي، وينسبون إلى الأئمة أحاديث وأقوالًا تطعن بالصحابة وتنقص من مكانتهم ويتهمونهم أشنع التهم.
وبالنظر إلى كلام الإمام في نهج البلاغة نرى منطقًا آخر، وتوجهًا مخالفًا كل المخالفة لما يدور على ألسنتهم.
وسنتكلم في هذا المبحث عن الصحابة، ونرجئ الكلام عن معاوية وأهل الشام إلى مبحث آخر.
1- قال الإمام علي واصفًا الرسول ص مع أصحابه في القتال:
«وكان رسول الله ص إِذا احمرّ الباس، وأحجم الناس، قدّم أهل بيته، فوقى بهم أصحابه حرّ السيوف والأسنّة»(2).
فهل الرسول ص يقي أناسًا فسّاقًا أو كفارًا، بأعزّ ما لديه وهم أهل بيته؟
__________
(1) 113).
(2) 14/47) (9).
(151/21)
ثم أحبّ أن تتدبر هذه الكلمات القليلة التي قالها الإمام، وتتفكر فيها، وتنظر لماذا قال الإمام هذا الكلام؟ أهي التقيّة كما يدّعي البعض، أم أن هناك أمرًا آخر؟
2- قال مرة كلامًا حول البيعة هذا نصه:
«إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يردّ، وإِنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسمّوه إِمامًا كان ذلك لله رضًا، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردّوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى»(1).
إنه نص ثمين، ذو قيمة عالية في فهم الأمور في قضية الشورى والبيعة، وإليك بعض الملاحظات المهمة في هذا الأمر :
أ- أريد منك أن تقف طويلًا أمام [بايعني القوم...] وتتساءل لماذا قال الإمام: إنّ هؤلاء القوم الذين بايعوا الخلفاء السابقين هم من بايعني؟ ولماذا يحدد هؤلاء الناس في البيعتين؟ أوليس هناك أمر مهم جدًا يريد الإمام توضيحه؟ فأولئك المبايعون لم يخرج أحد منهم على الخلفاء بطعن أو بدعة، ولا شيء آخر؛ فهكذا أنا بويعت!
ب- ثم لو افترضنا أن عليًا ا إنما يريد أن يلزم خصمه بالحجة، فيقول: إن هؤلاء بايعوني كما بايعوا السابقين، فتلزمك الحجة بالمبايعة، لو سلمنا جدلًا بصحة هذا الادعاء، فأين نذهب بكلمة: [إنما الشورى للمهاجرين والأنصار]؟
__________
(1) 14/35) (6).
(151/22)
والإمام يتكلم بلغة العرب، ونحن نعرف ماذا تؤدي: (إنما) التي تفيد القصر والحصر، كما قال تعالى: * - - رضي الله عنهم - - ( الله أكبر ( { - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - ( - - عليه السلام - قرآن كريم ( - ( { & [الحجرات:10]، وما عداهم لا يدخل في زمرتهم، فهو ليس أخًا لهم..! وكذلك هذه: [أي لا تكون الشورى في البيعة والاختيار إلا للمهاجرين والأنصار]، فهذا مدح لهم أولًا؛ لأنهم أهل لهذه الشورى عن أمة محمد ص.
ب- ثم انظر إلى قوله: [فإن اجتمعوا على رجل وسموه إمامًا كان ذلك لله رضًا..]، فهؤلاء إذا اجتمعوا على رجل خليفة لهم سيكون ذلك رضًا لله تعالى، أيُّ مدح أكبر من ذلك لهم؟! فما اتفقوا عليه رضي الله تعالى عنه!
د- ثم انظر إلى: [فإن خرج...] وتأمل كلماته جيدًا، ثم لاحظ كلمة الإمام: [... فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين...]، وما هو سبيل المؤمنين غير سبيل ومنهج المهاجرين والأنصار، أي: أصحاب النبي ص؟
3- وفي كتاب له لمعاوية يقول فيه:
«ألا ترى -غير مخبر لك، ولكن بنعمة الله أحدث- أن قومًا استشهدوا في سبيل الله تعالى من المهاجرين والأنصار، ولكلّ فضل، حتى إذا استشهد شهيدنا قيل: سيد الشهداء، وخصّه رسول الله ص بسبعين تكبيرة عند صلاته عليه!»(1).
ماذا تجد في هذا الكتاب، إنه مدح وتعظيم لهؤلاء النفر من أصحاب النبي ص: [ولكلّ فضل].
رحمك الله أبا الحسن! كنت تنزل الناس منازلها. وفي كتاب آخر يقول فيه: «وذهب المهاجرون الأولون بفضلهم...»(2).
4- وقال مرة في وصف شدة قتال أصحاب النبي ص:
__________
(1) 15/181) (28).
(2) 15/117) (17).
(151/23)
«لقد كنّا مع رسول الله ص نقتل آباءنا وأبناءنا وإِخواننا وأعمامنا، ما يزيدنا ذلك إلا إيمانًا وتسليمًا، ومضيًّا على اللقم، وصبرًا على مضض الألم، وجدًّا في جهاد العدو، ولقد كان الرجل منا والآخر من عدونا يتصاولان تصاول الفحلين، يتخالسان أنفسهما، أيهما يسقي صاحبه كأس المنون، فمرة لنا من عدونا ومرة لعدونا منا، فلما رأى الله صدقنا أنزل بعدونا الكبت، وأنزل علينا النصر، حتى استقرّ الإِسلام ملقيًا جرانه، ومتبوئًا أوطانه.
ولعمري لو كنا نأتي ما أتيتم ما قام للدين عمود، وما اخضرّ للإيمان عود، وايم الله لتحتلبنّها دمًا، ولتتبعنّها ندمًا!»(1).
مَنْ هؤلاء الذين كانوا يقاتلون مع النبي ص ولم يسمهم عليّ ا؟ أوليسوا هم معظم الصحابة الذين نصروا الإسلام وعززوا مكانته، ونصروا رسوله ص؟
أين هذا من كلام الذين يتهمون الصحابة بعدم نصرة الدين والنبي ص، وادعائهم بأن الإمام فقط هو من نصر النبي ص؟
5- وفي كلام له يخاطب أصحابه الذين معه يقاتلون، قال موبخًا لهم، ومتذكرًا ما كان من السابقين من الصحابة:
«أين القوم الذين دعوا إِلى الإِسلام فقبلوه، وقرءوا القرآن فأحكموه، وهيجوا إِلى الجهاد فولهوا له وَلَه اللقاح إِلى أولادها، وسلبوا السيوف أغمادها، وأخذوا بأطراف الأرض زحفًا زحفًا، وصفًا صفًا، بعض هلك، وبعض نجا، لا يبشّرون بالأحياء، ولا يعزّون على الموتى، مُره العيون من البكاء، خمص البطون من الصيام، ذبل الشفاه من الدعاء، صفر الألوان من السهر، على وجوههم غبرة الخاشعين؟! أولئك إِخواني الذاهبون، فحقّ لنا أن نظمأ إِليهم، ونعضّ الأيدي على فراقهم!»(2).
من هؤلاء القوم الذين عناهم عليّ ا؟ وهم جمع وكثرة لا تحصى، ومنهم أموات ومنهم أحياء، هل هم من قال أولئك إن الصحابة جميعهم ارتدوا إلاّ أربعة، فهل هم هؤلاء الأربعة، أم أنهم جميع أصحاب النبي ^؟
__________
(1) 4/33) (55).
(2) 7/291) (120).
(151/24)
إن المنصف المحبّ للإمام عليّ ا لا يمكن إلا أن يقرّ بأن هؤلاء هم أصحاب النبي ص.
6- ومن كلام له ا قاله للخوارج، سأذكره دون تعليق:
«فإِن أبيتم إِلا أن تزعموا أني أخطأت وضللت، فَلِمَ تضللون عامة أمة محمد ص بضلالي، وتأخذونهم بخطئي، وتكفّرونهم بذنوبي! سيوفكم على عواتقكم، تضعونها مواضع البرء والسقم، وتخلطون من أذنب بمن لم يذنب، وقد علمتم أن رسول الله ص رجم الزاني المحصن، ثم صلى عليه، ثم ورثه أهله، وقتل القاتل وورث ميراثه أهله، وقطع يد السارق، وجلد الزاني غير المحصن، ثم قسم عليهما من الفيء، ونكحا المسلمات، فأخذهم رسول الله ص بذنوبهم، وأقام حق الله فيهم، ولم يمنعهم سهمهم من الإِسلام، ولم يخرج أسماءَهم من بين أهله.
ثمّ أنتم شرار الناس، ومن رمى به الشيطان مراميه، وضرب به تيهه.
وسيهلك فيّ صنفان: محبّ مفرط يذهب به الحب إِلى غير الحقّ، ومبغض مفرط يذهب به البغض إِلى غير الحقّ، وخير الناس فيّ حالًا النمط الأوسط، فالزموه والزموا السواد الأعظم، فإِن يد الله على الجماعة، وإِياكم والفرقة»(1).
7- وجاء في الكتاب من خطبة له × في شأن الحكمين وذمّ أهل الشام :
«جفاة طغام، عبيد أقزام، جمعوا من كل أرب، وتلقطوا من كل شوب، ممن ينبغي أن يفقه ويؤدّب، ويعلّم ويدرب، ويولّى عليه، ويؤخذ على يديه، ليسوا من المهاجرين والأنصار، ولا من الذين تبوءوا الدار والإيمان»(2).
ينفي أن يكون هؤلاء من المهاجرين والأنصار الذين تبوءوا الدار والإيمان، أوليس هذا مدحًا للمهاجرين والأنصار الذين نفى أن يكون هؤلاء الجفاة الطغام منهم؟!
ثم يقول عن الأنصار: «هم والله ربّوا الإِسلام كما يربى الفلوّ مع غنائهم بأيديهم السباط، وألسنتهم السلاط»(3).
أيّ مدح أكبر من هذا للأنصار رضي الله تعالى عنهم؟ فالإمام يخبر بأنهم هم الذين رعوا الإسلام وحافظوا عليه، حتى انتشر وقام للدين عموده!
__________
(1) 8/112) (127).
(2) 13/309) (242).
(3) 20/184) (474).
(151/25)
8- وقال مرة: «وذهب المهاجرون الأولون بفضلهم»(1)، قال هذا في كتاب له إلى معاوية بن أبي سفيان.
9- وقال مرة عن الصحابة: «إِنما اختلفنا عنه لا فيه»(2)، إن هذا معناه تسويغ الخلاف بينه وبين إخوانه من الصحابة بعد وفاة النبي ص، فالاختلاف لم يكن في الرسول ص وحول أصول الإسلام، وإنما كان الاختلاف في أمور في فهمهم لبعض النصوص، وهذا مما يدلّ على أن الرجل لا يكفر إخوانه ولا يفسقهم.
10- والآن سأورد خطبة أوردها شارح النهج :
«فتولى أبو بكر تلك الأمور، فيسّر وسدّد، وقارب واقتصد، وصحبته مناصحًا، وأطعته فيما أطاع الله فيه جاهدًا، وما طمعت - أن لو حدث له حادث وأنا حيّ؛ أن يردّ إليّ الأمر الذي نازعته فيه- طمع مستيقن، ولا يئست منه يأس من لا يرجوه، ولولا خاصة ما كان بينه وبين عمر، لظننت أنه لا يدفعها عنّي، فلما احتضر بعث إلى عمر فولاه، فسمعنا وأطعنا وناصحنا»(3).
ثم قال: «وتولى عمر الأمر، فكان مرضي السيرة، ميمون النقيبة...».
أي عاقل منصف أو قارئ محايد، لا يمكن إلا أن يقر بأن علي بن أبي طالب ا إنما يمدح هذين الخليفتين بهذا الكلام، حتى ولو كان هناك خلاف بينهم إن كان ثمة خلاف؛ فهذا الخلاف لم يؤثر على خلق عليّ ا ويجعله ينطق بالحق لأبي بكر وعمر رضي الله عن الجميع.
هذا من حيث العموم، أما على وجه الخصوص في المدح فنقول:
1- مدح عمر بن الخطاب ا:
جاءت خطب كثيرة فيها مدح عمر تلميحًا، وسأذكر ما جاء فيه تصريح لهذا الخليفة الراشد ا.
أ- قال: «لله بلاد فلان، فلقد قوّم الأود، وداوى العمد، وأقام السنة، وخلّف الفتنة؛ ذهب نقيّ الثوب، قليل العيب، أصاب خيرها وسبق شرها.
أدّى إلى الله طاعته، واتقاه بحقه، رحل وتركهم في طرق متشعبة، لا يهتدي بها الضال، ولا يستيقن المهتدي»(4).
__________
(1) 15/117) (17).
(2) 20/225) (323).
(3) 6/94) وما بعدها.
(4) 12/3) (323).
(151/26)
تأمل هذه الكلمات في حق هذا الخليفة الراشد الثاني: [أقام السنة]، [ذهب نقي الثوب، قليل العيب]، [أدى إلى الله طاعته]، هل يتناسب هذا الكلام مع ما يذكر حول هذا الخليفة من سبّ وشتم ولعن، وأنه غصب الخلافة عليًا؟
من نصدّق؟ الذي عاصر وعاشر وأدرك زمانهم، أم ذاك الذي تأخر عنهم فقام يفتري عليهم؟
ب- ومن كلام له ا، وقد شاوره عمر بن الخطاب في الخروج إلى غزو الروم:
«وقد توكل الله لأهل هذا الدين بإِعزاز الحوزة، وستر العورة، والذي نصرهم وهم قليل لا ينتصرون، ومنعهم وهم قليل لا يمتنعون، حيّ لا يموت.
إِنك متى تسر إلى هذا العدو بنفسك، فتلقهم فتنكب؛ لا يكن للمسلمين كهف دون أقصى بلادهم، ليس بعدك مرجع يرجعون إِليه، فابعث إِليهم رجلًا مجربًا، واحفز معه أهل البلاء والنصيحة، فإِن أظهر الله فذاك ما تحب، وإن تكن الأخرى كنت ردءًا للناس، ومثابة للمسلمين»(1).
هذا كلام عليّ لابن الخطاب ا، وأريدك أن تتأمل: [لا يكن للمسلمين كهف...]، [ليس بعدك مرجع...] [فإن أظهر الله... ومثابة للمسلمين....].
أرأيت كيف يكون الإنصاف وتمحيص النصح؟ وكيف أن الرجل قد قال كلمة حق في الخليفة الراشد الثاني ا؟ ولا أظن أن علي بن أبي طالب ا يداهن أو ينافق، أو يتخذ من التقيّة سبيلًا.
جـ- ومن كلام له ا، وقد استشاره عمر في الشخوص لقتال الفرس بنفسه:
«إِن هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا بقلة، وهو دين الله الذي أظهره، وجنده الذي أعدّه وأمدّه، حتى بلغ ما بلغ وطلع حيثما طلع، ونحن على موعود من الله، والله منجز وعده، وناصر جنده، ومكان القيّم بالأمر مكان النظام من الخرز، يجمعه ويضمه، فإِن انقطع النظام تفرق وذهب، ثم لم يجتمع بحذافيره أبدًا.
__________
(1) 8/296) (134).
(151/27)
والعرب اليوم وإن كانوا قليلًا، فهم كثيرون بالإِسلام، عزيزون بالاجتماع، فكن قطبًا واستدر الرحى بالعرب، وأصلهم دونك نار الحرب، فإنك إن شخصت من هذه الأرض انتقضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها، حتى يكون ما تدع وراءك من العورات، أهمّ إِليك مما بين يديك.
إِن الأعاجم إن ينظروا إِليك غدًا يقولوا: هذا أصل العرب، فإِذا اقتطعتموه استرحتم، فيكون ذلك أشدّ لكلبهم عليك وطمعهم فيك»(1).
تأمل أن هذا كلام لعمر بن الخطاب، الخليفة آنذاك، وهي كلمات تدلّ على ثقة الخليفة، وعلى حب الإمام له، وعلى أهمية هذا الخليفة في هذه الحرب!
د- وقال مرة أخرى: «ووليهم وال، فأقام واستقام حتى ضرب الدين بجرانه»(2).
وهذا الوالي هو عمر بن الخطاب ا.
2- مع عثمان ا:
أ- قال في كتاب أرسله إلى معاوية :
«ثم ذكرت ما كان من أمري وأمر عثمان، فلك أن تجاب عن هذه لرحمك منه، فأينا كان أعدى له، وأهدى إلى مقاتله! أمن بذل له نصرته فاستقعده واستكفّه، أمّن استنصره فتراخى عنه وبث المنون إليه، حتى أتى قدره عليه!
__________
(1) 9/95) (146).
(2) 20/218) (476).
(151/28)
كلا والله لقد * ( بسم الله الرحمن الرحيم فهرس - ((- رضي الله عنه - - ( - - - - رضي الله عنه -((( - ( - قرآن كريم - رضي الله عنهم -(( - ( - - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - ( تم بحمد الله - رضي الله عنه -( - ( - (( - - - { ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - ( الله أكبر (- عليه السلام - قرآن كريم ( - - { { المحتويات ( - - رضي الله عنهم - - - - عليه السلام - - ( - - - ( { } - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - - رضي الله عنه - - { } ( - - رضي الله عنه - - ( - - - - صدق الله العظيم ( { ( - - ( - - - (((( & [الأحزاب:18](1)، فإذا كان عثمان ا فاسقًا أو مغتصبًا للخلافة، فكيف جاز للإمام أن يذود عن فاسق أو مغتصب للخلافة؟ وهل يجوز أن ينصر الإمام عليّ أهل الزيغ والضلال والباطل؟
حاشاه ا، وإنما ينصر الحق وأهله، وقد نسب قول للنبي صلى الله عليهم وآله وسلم بأن: «عليّ مع الحق والحق مع علي»، فهل نصرة هذا الإمام حق أم باطل؟
فإذا كان عليّ ا مع الحق ولا يفارقه، فهذه نصرة للخليفة، فهو حق، فلماذا لا تنصر الشيعة بألسنتها من نصره الإمام عليّ ا بسيفه؟ إما أن يكون الإمام فعل فعلًا باطلًا، فلا يجوز الاقتداء به، وهل يجوز على المعصوم فعل الباطل؟ وإما أن الإمام فعل ما كان حقًا عليه وواجبًا ولم يخالف الشرع!
ب- وقال مرة لعثمان ا عندما ثار الناس عليه:
«إِن الناس ورائي، وقد استسفروني بينك وبينهم، ووالله ما أدري ما أقول لك! ما أعرف شيئًا تجهله، ولا أدلك على أمر لا تعرفه!
__________
(1) 15/183).
(151/29)
إنك لتعلم ما نعلم، ما سبقناك إلى شيء فنخبرك عنه، ولا خلونا بشيء فنبلّغكه، وقد رأيت كما رأينا، وسمعت كما سمعنا، وصحبت رسول الله ص كما صحبنا، وما ابن أبي قحافة ولا ابن الخطاب بأولى بعمل الخير منك، وأنت أقرب إلى رسول الله ص وشيجة رحم منهما، وقد نلت من صهره ما لم ينالا، فالله الله في نفسك! فإنك والله ما تبصّر من عمى، ولا تعلّم من جهل، وإن الطرق لواضحة، وإن أعلام الدين لقائمة.
فاعلم أن أفضل عباد الله عند الله إمام عادل، هُدي وهَدى، فأقام سنّة معلومة، وأمات بدعة مجهولة، وإن السنن لنيرة لها أعلام، وإن البدع لظاهرة لها أعلام، وإن شر الناس عند الله إمام جائر، ضَلّ وضُلّ به، فأمات سنة مأخوذة، وأحيا بدعة متروكة!
وإني سمعت رسول الله ص يقول: «يؤتى يوم القيامة بالإمام الجائر وليس معه نصير ولا عاذر، فيلقى في نار جهنم، فيدور فيها كما تدور الرحى، ثم يرتبط في قعرها». وإني أنشدك الله أن تكون إمام هذه الأمة المقتول! فإنّه كان يقال: يقتل في هذه الأمة إمام يفتح عليها القتل والقتال إلى يوم القيامة، ويلبس أمورها عليها، ويبثّ الفتن فيها، فلا يبصرون الحق من الباطل، يموجون فيها موجًا، ويمرجون فيها مرجًا، فلا تكونن لمروان سيقة يسوقك حيث شاء بعد جلال السنّ، وتقضّي العمر»(1).
ولنا أن نقف مع هذا الخطاب السياسي العظيم للإمام، الذي يخاطب به عثمان أمير المؤمنين:
انظر إلى هذه الكلمات الصادقة وتدبرها، يقول: [ما أعرف شيئًا تجهله، ولا أدلك على أمر لا تعرفه...]، أي: أن عثمان وعليًا ا يشتركان في العلم والمعرفة، وليس أحدهما بأعلم من الآخر، فعليّ يخبر أنه لا يعرف ويعلم شيئًا من أمور الدين لم يعرفها عثمان.
__________
(1) 9/261) (165).
(151/30)
ثم استمر في القراءة: [إنك لتعلم ما نعلم، ما سبقناك...]، تدبر هذه الكلمة، فعليّ ا ينفي أن يكون قد استأثر بعلم من الرسول ص لم يعرفه عثمان، بل إن عثمان صاحب ورأى وسمع وعلم، وليس كما يقال: إن عليًا استؤثر بعلم النبي ص.
ثم تأمل قوله: [وما ابن أبي قحافة ولا ابن الخطاب بأولى بعمل الخير منك...]، فهذا يعني أن الخلفاء قبله قد عملوا الخير في هذه الأمة ولم يجاوزوه، وهما ليسا بأولى من الثالث ي بعمل الخير؛ لأن الخير ميسر ومتوافر في الزمن الأول.
[وأنت أقرب إلى رسول الله ص وشيجة رحم منهما، وقد نلت...] وهناك من يقول: إن رسول الله ص لم يزوج بناته عثمان، وإنما هاتان من بنات خديجة من رجل آخر، وها هو الإمام يردّ على هذه الفرية بكل وضوح وصراحة؛ تصريحًا لا تلميحًا، فالرحم موصولة بينه وبين النبي ص.
ثم انظر إلى الفقرة الأخيرة: [وإني أنشدك الله أن تكون إمام هذه الأمة المقتول...] فسمّاه علي ا إمامًا، ثم جعله بابًا من الأبواب إذا كسر تسارعت الفتن وانثالت على هذه الأمة، وقد كان ما قال!
فأقول لإخواننا: إن عليهم التريث والتفكير قبل السب والطعن، فهاهو الإمام يوضح منهاجه من هؤلاء الصحابة ومن قيل إنهم اغتصبوا منه الخلافة، فالمتبع الصادق الذي يتبع إمامه في جميع أفعاله.
3- عائشة ل:
عائشة زوج النبي ص برأها الله تعالى، وسمّاها أُمًا للمؤمنين، وكانت في زمن النبي ص من أحب أزواجه إليه، ولكن البعض هداهم الله يطعنون عليها، والبعض يسبها ويلعنها، ولو لم يكن لها إلا فضيلة أنها زوجة النبي ص لكفتها، وكفى برسول الله ص صهرًا وزوجًا، ومع علو كعبها في هذا الفضل المبين، إلا أننا نرى من يسبها أو يلعنها دون أن يراعي حرمة لرسول الله ص ولا لعرضه ص، مع العلم بأن أفعاله ص ليست كأفعال البشر؛ فهو مأمور من السماء بهذا الزواج وغيره، فكيف يجوز الطعن بهذا الزواج، وتزويجه قد تم من قبل ربه تعالى؟!
(151/31)
ثم قبل أن تذهب بك المذاهب، وتروح بك الأهواء كل مذهب، التفت إلى كلام الإمام في شأنها:
أ- قال علي ا عن السيدة عائشة، في أصحاب الجمل:
«خرجوا يجرون حرمة رسول الله ص كما تجرّ الأمة عند شرائها، متوجّهين بها إِلى البصرة، فحبسا نساءهما في بيوتهما، وأبرزا حبيس رسول الله ص لهما ولغيرهما»(1).
فسماها عليّ حرمة رسول الله ص، والحرمة المكان الذي يحرم الدنو والاقتراب منه، وهذا من فضائلها أنها ظلت حرمًا للرسول ص حتى بعد وفاته، والإمام يتعامل وفق نصوص الكتاب والسنة، ونقول: إذا سمّاها الإمام حرمة، فهل يجوز استطالة اللسان فيها والتعرّض لها، ونبزها والتشفي منها!
ب- وذكرها مرة فقال: «فمن استطاع عند ذلك أن يعتقل نفسه على الله فليفعل، وإن أطعتموني فإني حاملكم إن شاء الله على سبيل الجنة، وإن كان ذا مشقّة شديدة ومذاقة مريرة، وأما فلانة فأدركها رأي النساء، وضغن غلا في صدرها كمرجل القين، ولو دعيت لتنال من غيري ما أتت إلي لم تفعل، ولها بعد حرمتها الأولى، والحساب على الله»(2).
ما معنى حرمتها الأولى؟ تدبر هذه الكلمة، لا أظن الإمام عنى إلا أنها زوج النبي ص وأنها أم للمؤمنين.
هل نحن بحاجة إلى مزيد بيان أو شرح أو تفصيل حول هذه القضية الخطيرة، التي ولغت فيها ألسن الكثيرين وقامت تخبط خبط عشواء، وتنال من أصحاب النبي ص ومن عرضه وأهله دون وجه حق؟!
إن الحجة قائمة بكلام الإمام ا، فمن أراد أن ينال حبّ آل البيت، وحب النبي ص؛ فليستمع إلى كلام الإمام المعصوم والذي مدح فيه الصحابة، ولم يطعن على أحد، ولم تسمع منه كلمة سبّ أو شتم أو تفسيق لأي واحد منهم، مع قدرته على ذلك لو أراد.
المبحث الرابع
أهل الشام
__________
(1) 9/308، 309).
(2) 9/189) (156).
(151/32)
انتهينا في الفصول السابقة إلى تبيان بعض الأمور المهمة التي أخذناها من في عليّ ا غضة طرية، وخلصنا إلى أن هذا الرجل كان يعلم من نفسه أنه ليس معصومًا، وأنه ليس هناك نص جلي في استخلافه، ولم يلعن أو يسبّ أحدًا من الصحابة بعامة، والخلفاء بخاصة، بل على العكس جاءت النصوص تزكية لهم ومدحًا لأفعالهم.
وسنعرض في هذا الفصل إلى كلامه حول أهل الشام.
يستند البعض في تكفير أهل الشام ومن قاتله بحديث: «يا علي ! سلمك سلمي وحربك حربي»، فلننظر إلى كلام هذا الرجل فيمن قاتله بالسيف!
1- قال الإمام عليّ يصف ما جرى:
«وكان بدء أمرنا أنا التقينا بالقوم من أهل الشام، والظاهر أن ربنا واحد، ونبينا واحد، ودعوتنا في الإسلام واحدة، ولا نستزيدهم في الإِيمان بالله والتصديق برسوله ولا يستزيدوننا، والأمر واحد، إلا ما اختلفنا فيه من دم عثمان، ونحن منه براء، فقلنا: تعالوا نداوي ما لا يدرك اليوم، بإطفاء النائرة وتسكين العامة، حتى يشتد الأمر ويستجمع، فنقوى على وضع الحق في مواضعه، فقالوا: بل نداويه بالمكابرة، فأبوا حتى جنحت الحرب وركدت، ووقدت نيرانها وحمشت.
فلما ضرستنا وإياهم، ووضعت مخالبها فينا وفيهم، أجابوا عند ذلك إلى الذي دعوناهم إِليه، فأجبناهم إلى ما دعوا، وسارعناهم إلى ما طلبوا، حتى استبانت عليهم الحجة، وانقطعت منهم المعذرة، فمن تم على ذلك منهم، فهو الذي أنقذه الله من الهلكة، ومن لجّ وتمادى، فهو الراكس الذي ران الله على قلبه، وصارت دائرة السوء على رأسه»(1).
أ- انظر إلى كلماته: [ربنا واحد]، [نبينا واحد] [ودعوتنا في الإسلام واحدة]، بل انظر إلى: [لا نستزيدهم في الإيمان بالله والتصديق برسوله ولا يستزيدوننا]؛ هل تشتم فيه رائحة تفسيق أو تضليل أو تكفير لأهل الشام؟
__________
(1) 17/141) (58).
(151/33)
ب- ثم انظر إلى: [ما اختلفنا فيه من دم عثمان]، فالخلاف ليس في أصول الدين، وإنما كان في قضية اجتهادية أو سياسية، كان كلّ ينظر فيها برأي، حتى في الفقرة الأخيرة لا يدلّ على أنه كفّرهم، بل إنهم لم يذعنوا إلى الحق الذي معه، فصاروا في المهلكة.
2- وهناك نص آخر في عدم تكفيرهم: «لا تقاتلوهم حتى يبدءوكم، فإنكم بحمد الله على حجة، وترككم إياهم حتى يبدءوكم حجة أخرى لكم عليهم، فإذا كانت الهزيمة بإذن الله، فلا تقتلوا مدبرًا، ولا تصيبوا معورًا، ولا تجهزوا على جريح، ولا تهيجوا النساء بأذى وإن شتمن أعراضكم، وسببن أمراءكم، فإنهن ضعيفات القوى والأنفس والعقول، إن كنّا لنؤمر بالكفّ عنهنّ وإنهنّ لمشركات، وِإن كان الرجل ليتناول المرأة في الجاهلية بالفهر أو الهراوة، فيعيّر بها وعقبه من بعده»(1).
لم يأمرهم إلا بالحق؛ بحيث لا يجهزوا على جريح، وانظر إلى قوله: [إن كنّا لنؤمر بالكفّ عنهنّ وإنّهنّ لمشركات...] مما يدل على أنه يميز بين أهل الشام وأهل الشرك.
3- ثم انظر إلى أشدّ من ذلك، جاء في شرح النهج :
«ومن كلام له × وقد سمع قومًا من أصحابه يسبّون أهل الشام أيام حربهم بصفين: «إنّي أكره لكم أن تكونوا سبّابين، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم؛ كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبّكم إِياهم: اللهم احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا، واهدهم من ضلالتهم، حتى يعرف الحق من جهله، ويرعوي عن الغي والعدوان من لهج به»)(2).
هل يطبق هؤلاء ما قاله عليّ ا في أهل الشام، فلا يكونون سبّابين ولا لعّانين، ويحفظوا ألسنتهم عن الولوغ بأعراض الصحابة ي.
4- وقال مرة أخرى:
__________
(1) 15/104) (14).
(2) 11/21) (199).
(151/34)
«أوصيكم عباد الله بتقوى الله، فإنها خير ما تواصى به العباد، وخير عواقب الأمور عند الله، وقد فتح باب الحرب بينكم وبين أهل القبلة، ولا يحمل هذا العلم إلا أهل البصر والصبر، والعلم بمواقع الحق، فامضوا لما تؤمرون به، وقفوا عند ما تنهون عنه، ولا تعجلوا في أمر حتى تتبينوا، فإن لنا مع كل أمر تنكرونه غيرًا»(1).
أ- ما معنى: [فتح باب الحرب بينكم وبين أهل القبلة]؟ أو ليس معناه: أننا مسلمون نتقاتل؟
ب- ثم تأمل: [ولا يحمل...]، فهل تحب أن تكون ممن عناهم الإمام، فتكف لسانك وتعف فيك عن ذكر السوء؟
5- وقال مرة أخرى:
«ولكنّا إنما أصبحنا نقاتل إخواننا في الإسلام، على ما دخل فيه من الزيغ والاعوجاج، والشبهة والتأويل، فإذا طمعنا في خصلة يلمّ الله بها شعثنا، ونتدانى بها إلى البقية فيما بيننا، رغبنا فيها، وأمسكنا عمّا سواها»(2).
وهذا تأكيد لما سبق من أنه قاتل إخوانه في الإسلام، ثم تأمل كيف حرص هذا الرجل على الوحدة والتآلف والجماعة: [فإذا طمعنا...]، فهل هناك مطعن أو مغمز لرجل بعد كلام هذا الرجل العظيم!
المبحث الخامس
أصحاب علي رضي الله عنه
بعد أن استعرضنا مواقف علي ا من الصحابة وأهل الشام، ورأينا كيف مدح الخلفاء قبله، سنتعرض إلى كلامه حول أصحابه، وكيف كان يذمهم هو بنفسه، وكثيرون لا يرضون بذمّ أصحاب علي ا بل يمدحونهم ويرفعونهم، ولكنهم في المقابل يرمون أصحاب خير الخلق محمد ص، وتلك هي قسمة ضيزى!
1- خطب مرة فيهم قائلا:ً
«منيت بمن لا يطيع إذا أمرت، ولا يجيب إذا دعوت، لا أبا لكم! ما تنتظرون بنصركم ربّكم، أما دين يجمعكم، ولا حميّة تحمشكم؟!
__________
(1) 9/330) (174).
(2) 7/298) (121).
(151/35)
أقوم فيكم مستصرخًا، وأناديكم متغوّثًا؛ فلا تسمعون لي قولًا، ولا تطيعون لي أمرًا، حتى تكشف الأمور عن عواقب المساءة، فما يدرك بكم ثأر، ولا يبلغ بكم مرام، دعوتكم إلى نصر إخوانكم، فجرجرتم جرجرة الجمل الأسرّ، وتثاقلتم تثاقل النضو الأدبر، ثم خرج إليّ منكم جنيد متذائب ضعيف، كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون»(1).
هؤلاء هم أصحاب هذا الرجل العظيم.. عصيان وصمم عن الأمر، لا الدين يجمعهم، ولا يدرك بهم أحد ثأره، ويتثاقلون عن نصرة الحق، قارن بين هؤلاء وبين كلام الإمام عن أصحاب النبي ص في القتال والمنشط والمكره!
2- ثم انظر كيف وصل بهم الأمر إلى ادعاء الكذب على عليّ ا: [أما بعد يا أهل العراق! فإنما أنتم كالمرأة الحامل، حملت فلمّا أتمت أملطت، ومات قيّمها، وطال تأيّمها، وورثها أبعدها، أما والله ما أتيتكم اختيارًا، ولكن جئت إليكم سوقًا، ولقد بلغني أنّكم تقولون: عليّ يكذب! قاتلكم الله تعالى! فعلى من أكذب؟ أعلى الله، فأنا أول من آمن به؟ أم على نبيه، فأنا أول من صدق به؟»(2).
ونقول: أيرضى القوم بهؤلاء بديلًا عن صحابة محمد ص، الذين زكاهم الكتاب وطهرتهم السنة؟
ثم ماذا تقولون إذا جاء مدَّعٍ يدّعي بأن عليًا كان مثل أصحابه، لأن الصاحب لا يكون إلا مثل صاحبه، فهل نرضى بهذا القول الفاسد؟
3- واشتدّ غضبه على أصحابه مرة فقال:
«ألا وإني قد دعوتكم إِلى قتال هؤلاء القوم ليلًا ونهارًا، وسرًا وإعلانًا، وقلت لكم: اغزوهم قبل أن يغزوكم، فوالله ما غزي قوم قط في عقر دارهم إِلا ذلوا، فتواكلتم وتخاذلتم، حتى شنّت عليكم الغارات وملكت عليكم الأوطان»(3).
__________
(1) 2/300) (39).
(2) 6/127) (70).
(3) 2/74) وما بعدها.
(151/36)
أيُّ قوم كان هؤلاء القوم، وقائدهم هذا البطل الباسل، هل يعني هذا أن الإمام أساء في اختيار أصحابه؟ أم أنه أخطأ في الخروج من المدينة والتوجه إلى الكوفة واتخاذها عاصمة له؟ أم أن هؤلاء نتاج تربية طويلة لم يستطع أن يتغلب على مفرداتها؟
4- ثم يواصل توبيخه لهم:
«فهذا أخو غامد، قد وردت خيله الأنبار، وقد قتل حسان بن حسان البكري، وأزال خيلكم عن مسالحها، ولقد بلغني أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة، فينتزع حجلها وقُلُبها، وقلائدها ورعثها، ما تمتنع منه إلا بالاسترجاع والاسترحام، ثم انصرفوا وافرين، ما نال رجلًا منهم كُلم، ولا أريق لهم دم، فلو أن امرءًا مسلمًا مات من بعد هذا أسفًا ما كان به ملومًا، بل كان به عندي جديرًا!»(1).
أيُّ ذلّ وهوان مُني به هؤلاء القوم؟ أهؤلاء ينصرون الدين، ويعتز بهم جند أو سلطان؟ وفي المقابل انظر إلى أصحاب معاوية كيف كانت الفتوحات والانتصارات على أيديهم، وكيف عمّ الإسلام المعمورة، وأين عليّ من معاوية؟
5- ويستمر في حزنه وكمده وتوبيخه لهم:
«فيا عجبًا! عجبًا والله يميت القلب ويجلب الهمّ، من اجتماع هؤلاء القوم على باطلهم، وتفرقكم عن حقّكم، فقبحًا لكم وترحًا حين صرتم غرضًا يرمى، يغار عليكم ولا تغيرون، وتُغزون ولا تَغزون، ويعصى الله وترضون!
فإِذا أمرتكم بالسير إِليهم في أيام الحرّ قلتم: هذه حمارّة القيظ، أمهلنا يسبخ عنا الحر، وإذا أمرتكم بالسير إليهم في الشتاء قلتم: هذه صبارّة القرّ، أمهلنا ينسلخ عنا البرد، كلّ هذا فرار من الحرّ والقرّ، فإذا كنتم من الحرّ والقرّ تفرون، فأنتم والله من السيف أفرّ!»(2).
__________
(1) 2/74) وما بعدها.
(2) 2/74) وما بعدها.
(151/37)
أرأيت كيف كان هؤلاء القوم؟ أين هم من أصحاب النبي ص الذين نصروه صيفًا وشتاءً، سرًا وعلانية، حرًّا وبردًا، وفي جميع أحايينه ص، فها هو علي يذمّ هؤلاء ويمدح أولئك، فمن للحق أقرب: من يذم أصحاب النبي ص ويمدح هؤلاء، أم من يذمّ هؤلاء ويمدح أولئك؟
6- ثم يبلغ الرجل قمة الغضب والسخط على أصحابه، فيقوم يعيّرهم ويسبهم ويشتمهم، انظر إلى كلامه:
«يا أشباه الرجال ولا رجال، حلوم الأطفال وعقول ربات الحجال، لوددت أني لم أركم ولم أعرفكم.. معرفة والله جرَّت ندمًا، وأعقبت سدمًا، قاتلكم الله! لقد ملأتم قلبي قيحًا، وشحنتم صدري غيظًا، وجرعتموني نغب التهمام أنفاسًا، وأفسدتم علي رأيي بالعصيان والخذلان، حتى لقد قالت قريش: إن ابن أبي طالب رجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب، لله أبوهم! وهل أحد منهم أشد لها مراسًا، وأقدم فيها مقامًا مني! لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين، وهأنذا قد ذرّفت على الستين! ولكن لا رأي لمن لا يطاع!»(1).
لنكاد نبكي مع الرجل هذه الحرقة الدامية، وهو ينشد هؤلاء نصرته ونصرة الحق والدين، ولكن هيهات.. ذهب أهل السبق بفضلهم، وأنى لهؤلاء هذا الفضل؟
7- وجاء في «النهج» بهذا العنوان (ومن كلام له × في ذم أصحابه):
[كم أداريكم كما تدارى البكار العمدة، والثياب المتداعية، كلما حيصت من جانب تهتكت من آخر، كلما أطلّ عليكم منسر من مناسر أهل الشام، أغلق كل رجل منكم بابه، وانجحر انجحار الضبّة في جحرها، والضبع في وجارها.
الذليل والله من نصرتموه، ومن رمي بكم فقد رمي بأفوق ناصل.
إنكم والله لكثير في الباحات، قليل تحت الرايات، وإني لعالم بما يصلحكم، ويقيم أودكم، ولكني والله لا أرى إصلاحكم بإِفساد نفسي.
أضرع الله خدودكم، وأتعس جدودكم! لا تعرفون الحق كمعرفتكم الباطل، ولا تبطلون الباطل كإِبطالكم الحق»(2).
__________
(1) 2/74) وما بعدها.
(2) 6/102) (68).
(151/38)
هل رأيت ذمّا كهذا الذمّ؟! ثم هل سمعت برجل خذله أصحابه كما خذلوا هذا الرجل؟ فإذا كان هؤلاء هم الذين كانوا مع عليّ وعاصروه وعاشروه، فكيف نأمن منهم حقًا أو علمًا أو...!
ثم إذا كان هؤلاء الأوائل، فما بالك بمن أتى بعدهم؛ فهل هم أحسن حالًا منهم؟
تأمل أيها الأخ! وتدبر هذا الكلام، فإنه كلام إمام منصف متّق لله تعالى.
8- وجاء أيضا في «النهج»:
(وقال × لما بلغه إغارة أصحاب معاوية على الأنبار، فخرج بنفسه ماشيًا حتى أتى النخيلة، وأدركه الناس وقالوا: يا أمير المؤمنين! نحن نكفيكهم، فقال ×: «والله ما تكفونني أنفسكم، فكيف تكفونني غيركم! إِن كانت الرعايا قبلي لتشكو حيف رعاتها، فإني اليوم أشكو حيف رعيتي، كأنّني المقود وهم القادة، أو الموزوع وهم الوزعة»)(1).
9- ثم يقول عن تقاعسهم عن القتال والجهاد:
«أيها الناس! إِنه لم يزل أمري معكم على ما أحبّ، حتى نهكتكم الحرب، وقد والله أخذت منكم وتركت، وهي لعدوكم أنهك.
لقد كنت أمس أميرًا فأصبحت اليوم مأمورًا، وكنت أمس ناهيًا فأصبحت اليوم منهيًا، وقد أحببتم البقاء، وليس لي أن أحملكم على ما تكرهون!»(2).
انظر إلى كلامه، وكيف أصبح ينصاع لأمرهم من كثرة ضجره وغضبه على تقاعسهم!
10- ثم قام الإمام يقارن بين الماضين وبين هؤلاء، ويتحسر على فراق من سبقوه:
«ولوددت أن الله فرق بيني وبينكم، وألحقني بمن هو أحق بي منكم، قوم والله ميامين الرأي، مراجيح الحلم، مقاويل بالحق، متاريك للبغي، مضوا قدمًا على الطريقة، وأوجفوا على المحجة، فظفروا بالعقبى الدائمة، والكرامة الباردة»(3) من هؤلاء الذين عناهم: [قوم ميامين]؟
__________
(1) 19/145) (267).
(2) 11/29) (201).
(3) 7/115) (276).
(151/39)
وتأمل معي هذه المقارنة والمفارقات في الحكم عندما قال: «لقد رأيت أصحاب محمد، فما أرى أحدًا يشبههم منكم، كانوا يصبحون شعثا غبرًا، وقد باتوا سجّدا وقيامًا، يراوحون بين جباههم وخدودهم، ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم، كأن بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم، إذا ذكر الله هملت أعينهم حتى تبلّ جيوبهم، ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف، خوفًا من العقاب ورجاء للثواب»(1).
هؤلاء هم أصحاب محمد ص، قام يتذكرهم عليّ عندما رأى هذا التقاعس غير المبرر عن الحق!
11- وخاطبهم مرة وقلبه يحترق أسفًا وغمًّا:
«ولئن أمهل الله الظالم فلن يفوت أخذه، وهو له بالمرصاد على مجاز طريقه، وبموضع الشجا من مساغ ريقه.
أما والذي نفسي بيده، ليظهرن هؤلاء القوم عليكم، ليس لأنهم أولى بالحق منكم، ولكن لإسراعهم إِلى باطلهم، وإبطائكم عن حقي، ولقد أصبحت الأمم تخاف ظلم رعاتها، وأصبحت أخاف ظلم رعيتي.
استنفرتكم للجهاد فلم تنفروا، وأسمعتكم فلم تسمعوا، ودعوتكم سرًا وجهرًا فلم تستجيبوا، ونصحت لكم فلم تقبلوا.
شهود كغياب، وعبيد كأرباب، أتلو عليكم الحِكم فتنفرون منها، وأعظكم بالموعظة البالغة فتتفرقون عنها، وأحثّكم على جهاد أهل البغي، فما آتي على آخر قولي حتى أراكم متفرّقين أيادي سبأ، ترجعون إِلى مجالسكم، وتتخادعون عن مواعظكم، أقوّمكم غدوة وترجعون إلي عشية كظهر الحنيّة عجز المقوُّم وأعضل المقوَّم.
أيها القوم! الشاهدة أبدانهم، الغائبة عنهم عقولهم، المختلفة أهواؤهم، المبتلى بهم أمراؤهم، صاحبكم يطيع الله وأنتم تعصونه، وصاحب أهل الشام يعصي الله وهم يطيعونه، لوددت والله أن معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم، فأخذ مني عشرة منكم وأعطاني رجلًا منهم!
يا أهل الكوفة ! منيت منكم بثلاث واثنتين، صمّ ذوو أسماع، وبكم ذوو كلام، وعمي ذوو أبصار، لا أحرار صدق عند اللقاء، ولا إخوان ثقة عند البلاء.
__________
(1) 7/70) (96).
(151/40)
تربت أيديكم، يا أشباه الإبل غاب عنها رعاتها! كلما جمعت من جانب تفرقت من آخر.
والله لكأني بكم -فيما إخالكم- أن لو حمس الوغى، وحمي الضراب، قد انفرجتم عن ابن أبي طالب انفراج المرأة عن قُبُلها، وإني لعلى بينة من ربي، ومنهاج من نبيي، وإني لعلى الطريق الواضح ألقطه لقطًا»(1).
هل هذا كلام يحتاج إلى تعليق وشرح، أم أنه يشرح ما كان عليه الإمام وصحبه؟! أين هؤلاء من أصحاب النبي ص؟
12- ومن كلام له ا في ذمّ أصحابه:
«أحمد الله على ما قضى من أمر، وقدّر من فعل، وعلى ابتلائي بكم أيتها الفرقة التي إذا أمرتُ لم تطع، وإذا دعوتُ لم تجب.
إن أهملتم خضتم، وإن حوربتم خرتم، وإن اجتمع الناس على إمام طعنتم، وإن أجئتم إلى مشافة نكصتم.
لا أبا لغيركم! ما تنتظرون بنصركم، والجهاد على حقكم!
الموت أو الذل لكم، فوالله لئن جاء يومي وليأتينّي، ليفرقن بيني وبينكم، وأنا بصحبتكم قالٍ، وبكم غير كثير.
لله أنتم، أما دين يجمعكم، ولا حمية تشحذكم، أوليس عجبًا أن معاوية يدعو الجفاة الطغام، فيتبعونه على غير معونة ولا عطاء، وأنا أدعوكم -وأنتم تريكة الإسلام وبقيّة الناس- إلى المعونة أو طائفة من العطاء، فتتفرّقون عني وتختلفون عليَّ.
إنه لا يخرج إليكم من أمري رضىً ترضونه، ولا سخط فتجتمعون عليه، وإن أحب ما أنا لاقٍ إلي الموت.
قد درّستكم الكتاب، وفاتحتكم الحجاج، وعرّفتكم ما أنكرتم، وسوغتم ما مججتم، لو كان الأعمى ينحط أو النائم يستيقظ!»(2).
13- وقال لهم مرة:
«أيها الناس المجتمعة أبدانهم، المختلفة أهواؤهم، كلامكم يوهي الصمّ الصلاب، وفعلكم يطمع فيكم الأعداء.
تقولون في المجالس كيت وكيت، فإذا جاء القتال قلتم: حيدي حياد!
ما عزّت دعوة من دعاكم، ولا استراح قلب من قاساكم، أعاليل بأضاليل، دفاع ذي الدَّين المطول.
لا يمنع الضيم الذليل، ولا يدرك الحق إلا بالجد.
__________
(1) 7/70) (96).
(2) 10/67) (181).
(151/41)
أي دار بعد داركم تمنعون، ومع أيّ إمام بعدي تقاتلون، المغرور والله من غررتموه، ومن فاز بكم فقد فاز والله بالسهم الأخيب، ومن رمى بكم فقد رمى بأفوق ناصل.
أصبحت والله لا أصدّق قولكم، ولا أطمع في نصركم، ولا أوعد العدو بكم.
ما بالكم؟ ما دواؤكم؟ ما طبّكم؟ القوم رجال أمثالكم.
أقولًا بغير علم، وغفلة من غير ورع، وطمعًا في غير حق؟!»(1).
أأمثال هؤلاء يعتمد عليهم عليّ ا في حمل علم أو حديث أو أي شيء؟ ثم هل هؤلاء يعتز المرء بالانتماء إليهم؟ ويترك الذين زكاهم الله والرسول ثم عليّ؟
14- وقام مرة يستنفر أصحابه لقتال أهل الشام فقال:
«أفّ لكم، لقد سئمت عتابكم، أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة عوضًا، وبالذلّ من العز خلفًا، إذا دعوتكم إلى جهاد عدوكم دارت أعينكم، كأنكم من الموت في غمرة، ومن الذهول في سكرة.
يرتج عليكم حواري فتعمهون، فكأن قلوبكم مألوسة، فأنتم لا تعقلون، ما أنتم لي بثقة سجيس الليالي، وما أنتم بركن يمال بكم، ولا زوافر عزّ يفتقر إليكم، ما أنتم إلا كإبل ضلّ رعاتها، فكلما جمعت من جانب انتشرت من آخر.
لبئس لعمر الله سعر نار الحرب أنتم! تُكادون ولا تكيدون، وتُنتقص أطرافكم فلا تمتعضون، لا ينام عنكم وأنتم في غفلة ساهون، غلب والله المتخاذلون!
وأيم الله! إِني لأظن بكم أن لو حمس الوغى، واستحرَ الموت، قد انفرجتم عن ابن أبي طالب انفراج الرأس.
والله إن امرءًا يمكّن عدوه من نفسه، يعرق لحمه وينهش عظمه، ويفري جلده، لعظيم عجزه، ضعيف ما ضمّت عليه جوانح صدره.
أنت فكن ذاك إن شئت، فأما أنا فوالله دون أن أعطي ذلك ضرب بالمشرفية تطير منه فراش الهام، وتطيح السواعد والأقدام، ويفعل الله بعد ذلك ما يشاء.
__________
(1) 2/111) (29).
(151/42)
أيها الناس! إن لي عليكم حقًا، ولكم علي حق، فأما حقكم علي فالنصيحة لكم، وتوفير فيئكم عليكم؛ وتعليمكم كيلا تجهلوا، وتأديبكم كيما تعلموا، وأما حقي عليكم، فالوفاء بالبيعة، والنصيحة في المشهد والمغيب، والإجابة حين أدعوكم، والطاعة حين آمركم»(1).
هذه الخطب وغيرها كلها في ذمّ أصحابه ا، فهل يؤتمن هؤلاء الذين ذمّهم هذا القائد في إيصال علم، وفي حمل قرآن أو سنة، أم أولئك الذين مدحهم وتمنّى أن يكون معهم.
فمن أين يجب أن يؤخذ علم الدين: من الذين مدحوا أم من ذُمّوا؟ قليلًا من الإنصاف أيها القوم، وقليلًا من التفكر والتدبر، وما أريد إلا الإصلاح ما استطعت.
المبحث السادس
الكتاب والسنة
لهم مفهوم مخالف كل المخالفة للمفهوم الذي يحمله أهل السنة، فكتبهم القديمة تقر بتحريف الكتاب- القرآن- ونقصانه؛ منذ علي القمي والكليني، وكتبهم: تفسير القمي، والكافي، وبحار الأنوار، وغيرها، تنطق بهذا الكلام إلى يومنا الحالي.
ولهم أيضًا مفهوم يختصون به للسنة الشريفة، وينفون أن يكون حديث (تركت فيكم..) مقصودًا به السنة، وإنما هم العترة آل البيت.
ولنا أن نعرض كلام الإمام ونتفحصه حول الكتاب والسنة، لنرى كيف كان الإمام يتعامل مع هذين المصدرين.
* الكتاب العزيز
1- قال في إحدى خطبه:
«وإن القرآن ظاهره أنيق، وباطنه عميق، لا تفنى عجائبه، ولا تنقضي غرائبه، ولا تكشف الظلمات إلا به»(2).
وصف يدلّ على إيمانه التام به، وأنه لا قرآن غيره، وأنه هو الدائم الذي لا يبدل ولا يحول.
2- وجاء في «النهج»:
ومن كلام له × قاله قبل موته على سبيل الوصية، لما ضربه ابن ملجم لعنه الله:
«وصيتي لكم ألا تشركوا بالله شيئًا، ومحمّد ص؛ فلا تضيّعوا سنّته، أقيموا هذين العمودين، وأوقدوا هذين المصباحين، وخلاكم ذمّ!»(3).
هذا آخر كلامه ا، يوصي أصحابه والمؤمنين بثلاثة أشياء:
__________
(1) 2/189) (34).
(2) 1/288) (18).
(3) 15/143) (223).
(151/43)
عدم الإشراك بالله تعالى، وعدم تضييع سنّة النبي ص، ويسمي الكتاب والسنة العمودين والمصباحين، فلم يدَّع أن هناك قرآنًا آخر، ولم يطلب من الحضور الاقتداء بالأئمة الاثني عشر، وإنما حصر الهدي بهذين المصباحين، وهو في مرض موته يجب أن يوصي بأهم الأشياء، فلم يوص إلا بهذين.
3- وقال ذات مرة:
«فالقرآن آمر زاجر، وصامت ناطق، حجة الله على خلقه، أخذ عليه ميثاقهم، وارتهن عليهم أنفسهم، أتمّ نوره، وأكرم به دينه، وقبض نبيه ص وقد فرغ إِلى الخلق من أحكام الهدى به»(1).
تأمل هذا الكلام العظيم، مات الرسول ص بعد فراغ القرآن من جميع أحكام الإسلام، فانقطع التشريع به وتمّ، فليس أحد بعده مشرعًا وإنما مجتهدًا.
4- ووصف مرة القرآن بقوله:
«فإن الله سبحانه لم يعظ أحدًا بمثل هذا القرآن، فإنه حبل الله المتين، وسببه الأمين، وفيه ربيع القلب، وينابيع العلم، وما للقلب جلاء غيره، مع أنه قد ذهب المتذكرون، وبقي الناسون أو المتناسون، فإذا رأيتم خيرًا فأعينوا عليه، وإذا رأيتم شرًا فاذهبوا عنه، فإن رسول الله ص كان يقول: يا ابن آدم! اعمل الخير ودع الشر، فإذا أنت جواد قاصد»(2).
وتأمل كلامه الآتي:
«واعلموا أن هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغش، والهادي الذي لا يضل، والمحدّث الذي لا يكذب، وما جالس هذا القرآن أحد إلا قام عنه بزيادة أو نقصان، زيادة في هدى، أو نقصان من عمى.
واعلموا أنه ليس على أحد بعد القرآن من فاقة، ولا لأحد قبل القرآن من غنى، فاستشفوه من أدوائكم، واستعينوا به على لأوائكم، فإن فيه شفاءً من أكبر الداء، وهو الكفر والنفاق، والغي والضلال، فاسألوا الله به، وتوجهوا إليه بحبّه، ولا تسألوا به خلقه، إنه ما توجه العباد إلى الله تعالى بمثله.
__________
(1) 10/115).
(2) 10/31).
(151/44)
واعلموا أنه شافع مشفّع، وقائل مصدّق، وأنه من شفع له القرآن يوم القيامة شفّع فيه، ومن محل به القرآن يوم القيامة صدّق عليه؛ فإنه ينادي مناد يوم القيامة: ألا إن كل حارث مبتلى في حرثه وعاقبة عمله، غير حرثة القرآن.
فكونوا من حرثته وأتباعه، واستدلوه على ربكم، واستنصحوه على أنفسكم، واتهموا عليه آرائكم، واستغشوا فيه أهواءكم»(1).
هل يمكن أن يصدر مثقال ذرة من قول لهذا الإمام أو أحد أبنائه حول تحريف القرآن ونقصانه أو زيادته؟ أيعقل هذا؟ أما آن لنا أن ننظر إلى تلك الروايات فنتبرأ منها ومن أهلها، ونعود إلى المنهل الصافي الذي كان يستقي منه عليّ ا وبنوه؟
5- وقال مرة: «ولكم علينا بكتاب الله تعالى وسنة رسوله ص والقيام بحقه، والنعش لسنته»(2).
وأوصى أصحابه ذات مرة بقوله:
«وعليكم بكتاب الله، فإنه الحبل المتين، والنور المبين، والشفاء النافع، والري الناقع، والعصمة للمتمسّك، والنجاة للمتعلّق، لا يعوجّ فيقام، ولا يزيغ فيستعتب، ولا يخلقه كثرة الرد، وولوج السمع، من قال به صدق، ومن عمل به سبق»(3).
عليكم: الزموه وداوموا عليه.
إنها وصية ثمينة جدًا، فهل يعي المعارضون ذلك؟
6- ومن كلام له × في الخوارج لما أنكروا تحكيم الرجال، ويذم فيه أصحابه في التحكيم:
__________
(1) 10/18) (177).
(2) 9/259) (170).
(3) 9/203) (156).
(151/45)
«إنّا لم نحكم الرجال، وإنما حكمنا القرآن، هذا القرآن إنما هو خط مسطور بين الدفتين، لا ينطق بلسان، ولا بدّ له من ترجمان، وإنما ينطق عنه الرجال، ولما دعانا القوم إلى أن نحكم بيننا القرآن، لم نكن الفريق المتولّي عن كتاب الله ـ، وقد قال الله تعالى عزّ من قائل: * تمت ( - - ( ( - ((((- رضي الله عنه - - (- عليه السلام - - - - - (( - ((( - ( ( فهرس - صلى الله عليه وسلم - - - ( - - ( - فهرس - ( { ( - - - ( - قرآن كريم ( - { - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - & [النساء:59]، فردّه إلى الله أن نحكم بكتابه، وردّه إلى الرسول أن نأخذ بسنته، فإذا حكم بالصدق في كتاب الله، فنحن أحق الناس به، وإن حكم بسنة رسول الله ص فنحن أحق الناس وأولاهم بها»(1).
فهذا أمر بردّ الأمور كلها إلى الكتاب والسنة فقط، إذًا: لا تحكيم للرجال أيّ رجال؛ لا يكون التحكيم ولا التحاكم إلا إلى القرآن والسنة، لأنهما مصدرا التشريع فقط، فلم يقل: إنني مشرع أو يحق لي التشريع، وأن ما فعلته حجة لا يجوز الخروج عليه، وإنما كان يستند إلى نصوص الكتاب والسنة المطهرة، ثم انظر إلى قوله ا: [فنحن أحقّ..]، فهو ا لا يرى نفسه في نفس مكانة النبي ص، وإنما هو مسلم يتحرى الاقتداء به ص.
7- وقال: «في القرآن نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم»(2).
* السنّة النبوية:
هذا كان عن الكتاب، أما عن السنة، فإليك بعض أقواله ا:
1- من وصية له × لعبد الله بن عباس أيضًا، لما بعثه للاحتجاج على الخوارج :
«لا تخاصمهم بالقرآن، فإن القرآن حمّال ذو وجوه، تقول ويقولون... ولكن حاججهم بالسنة، فإنهم لن يجدوا عنها محيصًا»(3).
__________
(1) 8/103) (125).
(2) 19/220) (319).
(3) 18/71) (77).
(151/46)
لماذا يحاججهم بالسنة؟ وما معنى السنة هنا في مقابل القرآن؟ أوليس معنى هذا أن الرجل يعدّ سنة النبي ص حدًا فاصلًا في الاحتكام؟ وأنها هي التي تزيل الإيهام عمن يتشكك في القرآن.
2- وكتب مرة ناصحًا وموجهًا:
«فتأسّ بنبيك الأطيب الأطهر ص، فإن فيه أسوة لمن تأسى، وعزاء لمن تعزّى، وأحب العباد إلى الله المتأسي بنبيه، والمقتصّ لأثره، قضم الدنيا قضمًا، ولم يعرها طرفًا، أهضم أهل الدنيا كشحًا، وأخمصهم من الدنيا بطنًا، عرضت عليه الدنيا فأبى أن يقبلها، وعلم أن الله تعالى أبغض شيئًا فأبغضه، وحقر شيئًا فحقره، وصغّر شيئًا فصغّره.
ولو لم يكن فينا إلا حبّنا ما أبغض الله ورسوله، وتعظيمنا ما صغّر الله ورسوله؛ لكفى به شقاقًا لله تعالى، ومحادّة عن أمر الله تعالى! ولقد كان ص يأكل على الأرض، ويجلس جلسة العبد، ويخصف بيده نعله، ويرقع بيده ثوبه، ويركب الحمار العاري، ويردف خلفه، ويكون الستر على باب بيته، فتكون فيه التصاوير فيقول: يا فلانة -إِحدى أزواجه- غيّبيه عنّي، فإني إذا نظرت إليه ذكرت الدنيا وزخارفها، فأعرض عن الدنيا بقلبه، وأمات ذكرها من نفسه، وأحب أن تغيب زينتها عن عينيه، لكيلا يتخذ منها رياشًا، ولا يعتقدها قرارًا، ولا يرجو فيها مقامًا، فأخرجها من النفس، وأشخصها عن القلب، وغيّبها عن البصر»(1).
إنها وصية للحفاظ على السنة والمحافظة عليها، والاقتداء بالنبي ص فقط، لا ينازعه أحد في هذا الاقتداء!
3- وسأورد لك كتابه ا للأشتر النخعي، وأرجو منك أن تتدبر كلماته، وتنزلها منازلها، وتضعها في حق موضعها؛ فإنه كان هو الحاكم آنذاك، وكان الأمير على جميع الأمصار.
«ولا تنقض سنّة صالحة عمل بها صدور هذه الأمة، واجتمعت بها الألفة، وصلحت عليها الرعية.
__________
(1) 9/232).
(151/47)
ولا تحدثن سنّه تضر بشيء من ماضي تلك السنن، فيكون الأجر لمن سنّها، والوزر عليك مما نقضت منها، وأكثر مدارسة العلماء، ومناقشة الحكماء، في تثبيت ما صلح عليه أمر بلادك، وإقامة ما استقام به الناس قبلك..
ثم اعرف لكل امرئ منهم ما أبلى، ولا تضمّن بلاء امرئ إِلى غيره، ولا تقصّرن به دون غاية بلائه، ولا يدعونك شرف امرئ إلى أن تعظم من بلائه ما كان صغيرًا، ولا ضعة امرئ إلى أن تستصغر من بلائه ما كان عظيمًا، واردد إلى الله ورسوله ما يضلعك من الخطوب، ويشتبه عليك من الأمور، فقد قال الله سبحانه لقوم أحبّ إرشادهم: * - { - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - ( قرآن كريم (- جل جلاله -- رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( } - قرآن كريم (( - ((- صلى الله عليه وسلم - - { - - - } - قرآن كريم (( - ((- صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - - قرآن كريم ( - { - - - - - ( - - - صلى الله عليه وسلم -( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - - } - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - ( تم بحمد الله } تمت ( - - ( ( - ((((- رضي الله عنه - - (- عليه السلام - - - - - (( - ((( - ( ( فهرس - صلى الله عليه وسلم - - - ( - - ( - فهرس - ( { ( - - - ( - قرآن كريم ( - { - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - & [النساء:59]، فالردّ إلى الله الأخذ بمحكم كتابه، والرد إلى الرسول الأخذ بسنته الجامعة غير المفرقة.
(151/48)
والواجب عليك أن تتذكر ما مضى لمن تقدّمك، من حكومة عادلة، أو سنّة فاضلة، أو أثر عن نبينا ص، أو فريضة في كتاب الله، فتقتدي بما شاهدت مّما عملنا به فيها، وتجتهد لنفسك في اتباع ما عهدت إليك في عهدي هذا، واستوثقت به من الحجة لنفسي عليك، لكيلا تكون لك علّة عند تسرّع نفسك إلى هواها»(1).
ما يؤخذ من الكتاب :
أ- لا تنقضن... السنة معناها: الطريقة، فهو يوصي عامله أن لا ينقض سنة صالحة عمل بها الخلفاء قبله، فلا يجوز الخروج على هذه السنن التي عملها الخلفاء آنذاك.
ب- لم يقل الإمام: إن أولي الأمر هم العترة، مع استدلاله بالآية وحاجته إليها.
جـ- رد الأمر إلى مصدرين اثنين فقط: الكتاب والسنة.
د- في الفقرة الأخيرة ربط بين أفعال الخلفاء السابقين، وتواصل بينه وبينهم: [مما عملنا به فيها..].
المبحث السابع
الدعاء
الدعاء عبادة لا يجوز صرفها لغير الله تعالى، ولا يجوز التوسل في الدعاء بغير المشروع، ولا الذهاب إلى القبور للدعاء عندها والتبرك بها، ومن المعلوم أن هناك من يقصدون قبور الأئمة للدعاء عندها، ودعاء هؤلاء الأئمة لكشف الضر وإغاثة الملهوف، وتحقيق الحاجات وغيرها، وهذه من الأمور التي خالف فيها الشيعة أئمة أهل البيت ‡، وإليك البيان:
1- قال الإمام:
«إذا كانت لك إلى الله سبحانه حاجة، فابدأ بمسألة الصلاة على رسوله ص، ثم سل حاجتك، فإن الله أكرم من أن يسأل حاجتين، فيقضي إحداهما ويمنع الأخرى»(2).
يشير الإمام علي لمن كانت له حاجة، أن يبدأ بالصلاة على النبي ص، ولم يأمر هذا بالذهاب إلى قبر النبي ص أو قبور الأنبياء والأولياء.
2- وقال مرة للإمام الحسن ا في وصيته:
«واعلم أن الذي بيده خزائن السموات والأرض قد أذن لك في الدعاء، وتكفّل لك بالإجابة، وأمرك أن تسأله ليعطيك، وتسترحمه ليرحمك، ولم يجعل بينه وبينك من يحجبك عنه، ولم يلجئك إلى من يشفع لك إليه.
__________
(1) 17/47) وما بعدها.
(2) 19/279) (367).
(151/49)
ولم يمنعك إن أسأت من التوبة، ولم يعاجلك بالنقمة، ولم يفضحك إن تعرّضت للفضيحة، ولم يشدد عليك في قبول الإنابة، ولم يناقشك بالجريرة، ولم يؤيسك من الرحمة، بل جعل نزوعك عن الذنب حسنة، وحسب سيئتك واحدة، وحسب حسنتك عشرًا، وفتح لك باب المتاب، وباب الاستعتاب، فإذا ناديته سمع نداك، وإذا ناجيته علم نجواك، فأفضيت إليه بحاجتك، وأبثثته ذات نفسك، وشكوت إليه همومك، واستكشفته كروبك، وسألته من خزائن رحمته ما لا يقدر على إعطائه غيرُه؛ من طول الأعمار، وصحة الأبدان، وسعة الأرزاق»(1).
انظر كلامه: [ولم يجعل بينك وبينه من يحجبك عنه، ولم يلجئك إلى من يشفع إليك فيه..]، ما معنى هذا الكلام؟ أليس معناه طرح الواسطة بينك وبين الله في المسألة؟
ثم انظر إلى: [أذن ذلك...]؛ فالله أمر الناس بسؤاله، ولم يجعل بينه وبين السائل أية واسطة.
3- ودعا مرة في الاستسقاء فقال: «اللهم قد انصاحت جبالنا، واغبرّت أرضنا، وهامت دوابّنا، وتحيرت في مرابضها، وعجّت عجيج الثكالى على أولادها، وملّت التردد في مراتعها، والحنين إلى مواردها!
اللهم فارحم أنين الآنة وحنين الحانة.
اللهم فارحم حيرتها في مذاهبها، وأنينها في موالجها.
اللهم خرجنا إليك حين اعتكرت علينا حدابير السنين، واختلفتنا مخايل الجود، فكنت الرجاء للمبتئس، والبلاغ للملتمس.
ندعوك حين قنط الأنام، ومنع الغمام، وهلك السّوام، ألا تؤاخذنا بأعمالنا، ولا تؤاخذنا بذنوبنا، وانشر علينا رحمتك بالسحاب المنبعق، والربيع المغدق، والنّبات المونق، سحًّا وابلًا، تحيي به ما قد مات، وترد به ما قد فات.
اللهم سقيا منك محيية مروية، تامّة عامّة، طيبة مباركة، هنيئة مريئة مريعة، زاكيًا نبتها، ثامرًا فرعها، ناضرًا ورقها، تنعش بها الضعيف من عبادك، وتحيي بها الميت من بلادك.
__________
(1) 16/89).
(151/50)
اللهم سقيا منك تعشب بها بجادنا، وتجري بها وهادنا، ويخصب بها جنابنا، وتقبل بها ثمارنا، وتعيش بها مواشينا، وتندى بها أقاصينا، وتستعين بها ضواحينا، من بركاتك الواسعة، وعطاياك الجزيلة، على بريّتك المرملة، ووحشك المهملة، وأنزل علينا سماء مخضلة، مدرارًا هاطلة، يدافع الودق منها الودق، ويحفز القطر منها القطر، غير خلّب برقها، ولا جهام عارضها، ولا قزع ربابها، وشفّان ذهابها، حتى يخصب لإمراعها المجدبون، ويحيا ببركتها المسنتون، فإنّك تنزل الغيث من بعد ما قنطوا، وتنشر رحمتك، وأنت الولي الحميد»(1).
هذه خطبة في الاستسقاء، وليس فيها ذكر للتوسل والاستشفاع وسؤال المخلوقين!
4- وفي خطبة له قال:
«إِن أفضل ما توسّل به المتوسّلون إلى الله الإيمان به وبرسوله، والجهاد في سبيله، فإنه ذروة الإسلام، وكلمة الإخلاص فإنها الفطرة، وإقام الصلاة فإنها الملة، وإيتاء الزكاة فإنها فريضة واجبة، وصوم شهر رمضان فإنه جنّة من العقاب، وحج البيت واعتماره فإنهما ينفيان الفقر ويرحضان الذنب، وصلة الرحم فإنها مثراة في المال، ومنسأة في الأجل، وصدقة السر فإنها تكفّر الخطيئة، وصدقة العلانية فإنها تدفع ميتة السوء، وصنائع المعروف فإنها تقي مصارع الهوان.
أفيضوا في ذكر الله فإنه أحسن الذكر، وارغبوا فيما وعد المتقين فإن وعده أصدق الوعد، واقتدوا بهدي نبيكم فإنه أفضل الهدي، واستنّوا بسنّته فإنها أهدى السنن، وتعلموا القرآن فإنه أحسن الحديث، وتفقهوا فيه فإنه ربيع القلوب، واستشفوا بنوره فإنه شفاء الصدور، وأحسنوا تلاوته فإنه أنفع القصص، وإن العالم العامل بغير علمه، كالجاهل الحائر الذي لا يستفيق من جهله، بل الحجة عليه أعظم، والحسرة له ألزم، وهو عند الله ألوم»(2).
__________
(1) 7/262) (114).
(2) 7/221) (109).
(151/51)
انظر إلى ما يقوله الإمام: [أفضل ما توسل به المتوسلون...] ونقول: حتى على فرض جواز التوسل بالأشخاص، أفلا يحرص المؤمن على الكمال، فيطبق في دعائه الأصوب والأفضل والأكمل؟
وهذه من الخطب الشاملة التي أمر فيها ا بالإيمان والجهاد والصلاة والزكاة، ولم يذكر الخمس!
وذكر سنّة المصطفى ص فقط لا يشاركه فيها أحد!
5- وفي كلام له يقول عن ربنا سبحانه:
«فاستفتحوه واستنجدوه، واطلبوا إليه واستمنحوه، فما قطعكم عنه حجاب، ولا أغلق عنكم دونه باب»(1)، هل نحتاج إلى تعليق؟!
المبحث الثامن
العبادات
خالف القوم في بعض قضايا العبادات، مثل الأضحية في العيد، والصلاة وميقاتها، والزكاة، ونحن نعرض أقوال الإمام في شأن هذه الأمور:
1- فمن خطبه في ذكر يوم النحر وصفة الأضحية:
«ومن تمام الأضحية استشراف أذنها، وسلامة عينها، فإذا سلمت الأذن والعين سلمت الأضحية وتمّت، ولو كانت عضباء القرن تجرّ رجلها إلى المنسك»(2).
فالكلام عن أضحية يوم النحر، والتي في الحج لا تسمّى أضحية، وإنما تسمّى هديًا.
2- الصلاة:
للصلاة عندهم ثلاثة أوقات، يجمعون في وقتين صلاتين، ولكن لننظر إلى كلام الإمام في هذا الشأن: فمن كتاب له ا إلى أمراء البلاد في معنى الصلاة:
«أما بعد فصلوا بالناس الظهر حتى تفيء الشمس مثل مربض العنز، وصلوا بهم العصر والشمس بيضاء حية في عضو من النهار حين يسار فيها فرسخان، وصلوا بهم المغرب حين يفطر الصائم، ويدفع الحاج إلى منى، وصلوا بهم العشاء حين يتوارى الشفق إلى ثلث الليل، وصلوا بهم الغداة والرجل يعرف وجه صاحبه، وصلوا بهم صلاة أضعفهم، ولا تكونوا فتّانين»(3).
هذا كتاب مهم جدًا، لأنه بعثه إلى جميع الأمصار التي تحت يده، ومن هنا نتبين أهميته، وتكمن أهميته الأخرى في أنه أوضح قضية من أهم العبادات في الإسلام: الصلاة.
فيقول:
__________
(1) 10/170) (188).
(2) 4/3).
(3) 17/22 ) (52).
(151/52)
أ- صلاة الظهر بعد الزوال، ثم أخبر أن صلاة العصر والشمس بيضاء قبل أن تزول إلى الشفق، ولو كانت الصلاة جمعًا لما أوضح الوقتين، ولكن لاختلاف في الوقتين أوضح كل وقت لكل صلاة.
ب- ثم صلاة المغرب: [حين يفطر الصائم ويدفع الحاج إلى منى ]، وهذان الأمران يكونان عند غروب الشمس، ثم حدد وقتًا لصلاة العشاء بعد صلاة المغرب، فكان وقت صلاة المغرب من الغروب إلى ما قبل زوال الشفق الأحمر، ثم يدخل وقت العشاء إلى ثلث الليل، وهذه كانت السنة في عهد الصحابة رضوان الله عليهم، ثم هنا يحرص على صلاة الجماعة؛ بوجود إمام وجماعة مأمومين.
جـ- هذا كتاب أمير المؤمنين، وحاكم الدولة الإسلامية، يرسله إلى جميع الأمصار التي كانت تحت يده، فلا يجوز أن يتعبد الناس بغير الحق، وبما فيه ما يخالف الكتاب والسنة.
ولا نريد الاستفاضة في القضايا الفقهية واختلاف الفقهاء حول هذه الأمور، ولكن ما يهمنا أن عليًّا ا حدد خمسة أوقات للصلاة.
وفي كتاب له للحارث المداني يذكر فيه يوم الجمعة:
«ولا تسافر في يوم جمعة حتى تشهد الصلاة، إلا فاصلًا في سبيل الله، أو في أمر تعذر به، وأطع الله في جمل أمورك، فإن طاعة الله فاضلة على ما سواها، وخادع نفسك في العبادة وارفق بها ولا تقهرها، وخذ عفوها ونشاطها، إلا ما كان مكتوبًا عليك من الفريضة، فإِنه لا بد من قضائها، وتعاهدها عند محلّها»(1).
هذا بعض ما جاء في قضية الصلاة وأوقاتها، وأهمية يوم الجمعة.
3- الزكاة:
يؤخذُ لآل البيت الخمس، وتهمل عندهم الزكاة على أموالهم، مع أن الأمر جاء بالزكاة مرات عديدة، ولنر ماذا يقول صاحب «النهج»:
أ- من وصية له ا كان يكتبها لمن يستعمله على الصدقات:
__________
(1) 18/42 ) (96).
(151/53)
«انطلق على تقوى الله وحده لا شريك له، ولا تروّعنّ مسلمًا، ولا تجتازنّ عليه كارهًا، ولا تأخذنّ منه أكثر من حق الله في ماله، فإذا قدمت على الحي فانزل بمائهم من غير أن تخالط أبياتهم، ثم امض إليهم بالسكينة والوقار، حتى تقوم بينهم فتسلّم عليهم.
ولا تخدج بالتحية لهم، ثم تقول: عباد الله! أرسلني لكم وليّ الله وخليفته، لآخذ منكم حق الله في أموالكم، فهل لله في أموالكم من حق فتؤدوه إلى وليه!
فإن قال قائل: لا، فلا تراجعه، وإن أنعم لك منعم فانطلق معه من غير أن تخيفه أو توعده، أو تعسفه أو ترهقه، فخذ ما أعطاك من ذهب أو فضة، فإن كان له ماشية أو إبل فلا تدخلها إلا بإذنه، فإن أكثرها له، فإِذا أتيتها فلا تدخل عليها دخول متسلط عليه، ولا عنيف به.
ولا تنفّرن بهيمة ولا تفزعنّها، ولا تسوءن صاحبها فيها.
واصدع المال صدعين ثم خيّره، فإذا اختار فلا تعرضنّ لما اختاره، فلا تزال كذلك حتى يبقى ما فيه وفاء لحقّ الله في ماله، فاقبض حقّ الله منه»(1).
وهذا الكتاب كله في الزكاة التي تسمّى الصدقات، وليس هناك أي ذكر للخمس!
ب- وقال ذات مرة في زكاة الدّيْن:
«إن الرجل إذا كان الدين الظنون -هل يقضى أم لا؟- يجب عليه أن يزكّيه لما مضى إِذا قبضه»(2).
لم يقل الإمام: (ليخمّسه)، أو ليخرج (خمسه)، وإنما قال: ليزكيه، وهي اللفظة التي كانت معروفة لديه، وهي لفظة قرآنية نبوية شرعية، تنصرف إلى الزكاة فقط.
جـ- وقال مرة:
«سوسوا إيمانكم بالصدقة، وحصّنوا أموالكم بالزكاة، وادفعوا أمواج البلاء بالدعاء»(3).
وحتى لا أطيل عليك في هذه القضية، ارجع أيضًا إلى كلامه في «النهج» (10/302) (192)، ففيها تعاهد بالصلاة والمحافظة عليها، والأمر بإيتاء الزكاة.
متفرقات وشوارد
هذا الفصل الأخير من هذا المؤلف، وسيكون شوارد ومتفرقات؛ لأنها ليس فيها ناظم ينظمها:
__________
(1) 15/151 ) (25).
(2) 19/112 ) (263).
(3) 18/345 ) (142).
(151/54)
انقطاع خبر السماء بموت النبي ص:
نعتقد أن رسل الله المبلغة للرسالة والنبوة، انقطع نزولها إلى الأرض للتبليغ بعد وفاة النبي ص، ولكن القوم أو كثير منهم يعتقدون بنزول جبريل بعد وفاة النبي ص مواساة للزهراء أو لعليّ ا، ولكن هذا عليّ صاحب الشأن يخبر عن النبي ص: «بأبي أنت وأمي يا رسول الله! لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك من النبوة والإنباء وأخبار السماء، خصّصت حتى صرت مسلّيًا عمن سواك، وعممت حتى صار الناس فيك سواء، ولولا أنك أمرت بالصبر، ونهيت عن الجزع، لأنفدنا عليك ماء الشئون، ولكان الداء مماطلًا، والكمد محالفًا، وقلاّ لك! ولكنه ما لا يملك ردّه، ولا يستطاع دفعه!
بأبي أنت وأمي، اذكرنا عند ربك، واجعلنا من بالك!»(1).
في هذه الخطبة أو الكلمات أمور عظيمة جدًا، منها:
أ- إخبار عليّ بأن أخبار السماء والملائكة المرسلة انقطعت، فلا تنزل أبدًا.
ب- والأمر الثاني هو الجزع على المصيبة، ولهذا مبحث قادم سنذكره لاحقًا.
2- الجزع:
يظن هؤلاء أنهم يحسنون إلى الأئمة وهم يلطمون ويشقّون الجيوب، ويضربون بالسلاسل وغيرها، مشاركة في مصاب الحسين ا، وهاهو علي يخبرنا بعدم جواز هذا كله، حتى على أفضل الخلق محمد ص.
أ- ويقول مرة: «ينزل الصبر على قدر المصيبة، ومن ضرب يده على فخذه عند مصيبته حبط أجره»(2).
من يضرب على فخذه فقط يحبط أجره، فكيف نصرف هذا الكلام على الذين يفعلون ما يغضب الله ورسوله في محرّم، من ضرب القامات، وشق الجيوب، والضرب بالسيوف... وغيرها من المنكرات؟
ب- وقال مرة:
«من أصبح على الدنيا حزينًا، فقد أصبح لقضاء الله ساخطًا.
ومن أصبح يشكو مصيبة نزلت به، فإنما يشكو ربه.
ومن أتى غنيًا فتواضع له لغناه، ذهب ثلثا دينه.
ومن قرأ القرآن فمات فدخل النار، فهو كان ممّن يتخذ آيات الله هزوًا.
__________
(1) 13/24 ) (230).
(2) 18/342 ) (140).
(151/55)
ومن لهج قلبه بحبّ الدنيا، التاط منها بثلاث: همّ لا يغبّه، وحرص لا يتركه، وأمل لا يدركه»(1).
ماذا يفعلون في عاشوراء، أوليسوا يشاركون مصيبة نزلت قبل أكثر من 1300 سنة؟
فهل معنى هذا أنهم يشكون ربهم حزنهم على مصاب الحسين؟!
جـ- ثم اقرأ ما جاء في «النهج»: (وروي أنه × لما ورد الكوفة قادمًا من صفين، مرّ بالشباميّين، فسمع بكاء النساء على قتلى صفين، وخرج إليه حرب بن شرحبيل الشبامي، وكان من وجوه قومه، فقال له: «أيغلبكم نساؤكم على ما أسمع، ألا تنهوهنّ عن هذا الرنين!».
وأقبل حرب يمشي معه وهو × راكب، فقال له: «ارجع! فإن مشي مثلك مع مثلي فتنة للوالي ومذلة للمؤمن»(2).
وكان هذا بكاء طبيعيًا، ويعبر عن حرارة الموقف وجدّته، ونهى عنه الإمام، فماذا عن الآخرين؟
3- نور الأنبياء:
هم يعتقدون بأن الأنبياء والأولياء والأوصياء مخلوقون من نور، وليسوا بشرًا كسائر البشر، ولكن عليًا يقول: «ولو أراد الله أن يخلق آدم من نور يخطف الأبصار ضياؤه، ويبهر العقول رواؤه، وطيب يأخذ الأنفاس عرفه؛ لفعل، ولو فعل لظلّت له الأعناق خاضعة، ولخفّت البلوى فيه على الملائكة، ولكن الله سبحانه يبتلي خلقه ببعض ما يجهلون أصله، تمييزًا بالاختبار لهم، ونفيًا للاستكبار عنهم، وإبعادًا للخيلاء منهم، فاعتبروا بما كان عن فعل الله بإبليس إذ أحبط عمله الطويل، وجهده الجهيد، وكان قد عبد الله ستة آلاف سنة، لا يُدرى أمن سنيّ الدنيا أم من سنيّ الآخرة، عن كبر ساعة واحدة، فمن ذا بعد إبليس، يسلم على الله بمثل معصيته؟!
كلا. ما كان الله سبحانه ليدخل الجنة بشرًا بأمر أخرج به منها ملكًا، إن حكمه في أهل السماء والأرض لواحد، وما بين الله وبين أحد من خلقه هوادة في إباحة حمى حرّمه على العالمين»(3).
4- أمان أهل الأرض:
جاء في «النهج»:
وحكى عنه أبو جعفر محمد بن علي الباقر إ أنه كان × قال:
__________
(1) 19/52 ) (24).
(2) 19/234 ) (328).
(3) 13/ ) (238) 131.
(151/56)
«كان في الأرض أمانان من عذاب الله، وقد رفع أحدهما، فدونكم الآخر فتمسّكوا به، أما الأمان الذي رفع فهو رسول الله ص، وأما الأمان الباقي فالاستغفار، قال الله تعالى: * - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - - - ( - - - ( المحتويات ( - - رضي الله عنه - - ( - - - رضي الله عنهم -(( - ( - - تمهيد الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( المحتويات ( - - (( - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - - - ( - - - ( المحتويات ( - - رضي الله عنه - - ( - - - رضي الله عنهم -(( تم بحمد الله ( المحتويات ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ((((- رضي الله عنه - - ( - - - (((( & [الأنفال:33]»(1).
5- أولى الناس بالأنبياء:
«إن أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاءوا به، ثم تلا ×: * - - ( { - فهرس - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - ( } - } - جل جلاله - - - - - المحتويات - ( - (- رضي الله عنه - - ( - ( - ( - - رضي الله عنه -((( - { - - - ( فهرس قرآن كريم ((- رضي الله عنه - - } - - - - - - (- رضي الله عنهم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - (( - } - - - - - ((( - { - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( & [آل عمران:68].
ثم قال ×: إن ولي محمد من أطاع الله وإن بعدت لحمته، وإن عدو محمد من عصى الله وإن قربت قرابته»(2).
6- المداهنة:
__________
(1) 18/240 ) (85).
(2) 18/252 ) (92).
(151/57)
هناك من يظن بأن الإمام كان يداهن، ويستخدم التقيّة؛ ولكن عليًا نفى هذا نفيًا قاطعًا، فيقول لأصحابه: «فاستدركوا بقية أيامكم، واصبروا لها أنفسكم، فإنها قليل في كثير الأيام التي تكون منكم فيها الغفلة، والتشاغل عن الموعظة، ولا ترخصوا لأنفسكم؛ فتذهب بكم الرخص مذاهب الظلمة، ولا تداهنوا فيهجم بكم الإدمان على المعصية.
عباد الله: إنّ أنصح الناس لنفسه أطوعهم لربه، وإن أغشّهم لنفسه أعصاهم لربه، والمغبون من غبن نفسه، والمغبوط من سلم له دينه، والسعيد من وعظ بغيره، والشقي من انخدع لهواه وغروره»(1).
أوتراه يقول شيئًا ويخالفه؟ حاشاه ا.
7- عمال علي :
يتهم البعض الخلفاء الثلاثة، نتيجة لاتهام ولاتهم وعمّالهم على المناطق، وعند قراءتي للنهج رأيت عليًا يطعن في كثير من عمّاله، وسنورد بعضًا من هذه الطعون هنا:
أ- فمثلًا جاء في «نهج البلاغة» ما نصّه:
ومن كتاب له × إلى كميل بن زياد النخعي وهو عامله على هيت، ينكر عليه تركه دفع من يجتاز به من جيش العدوّ طالبًا للغارة: «أما بعد: فإن تضييع المرء ما ولّي، وتكلّفه ما كُفي؛ لعجزٌ حاضر، ورأي متبر، وإن تعاطيك الغارة على أهل قرقيسيا، وتعطيلك مصالحك التي ولّيناك -ليس لها ما يمنعها، ولا يردّ الجيش عنها- لرأي شعاع؛ فقد صرت جسرًا لمن أراد الغارة من أعدائك على أوليائك، غير شديد المنكب، ولا مهيب الجانب، ولا سادّ ثغرة، ولا كاسر لعدو شوكة، ولا مغن عن أهل مِصرِه، ولا مجز عن أميرِه»)(2).
فهذا طعن لوال من ولاته بلسانه هو!
ب- وذات مرة بنى رجل من عماله بناء فخمًا فقال ×: «أطلعت الورق رءوسها، إن البناء يصف لك الغنى»)(3).
__________
(1) 6/353 ) (85).
(2) 17/149 ) (61).
(3) 19/271 ) (361).
(151/58)
(روي أن شريح بن الحارث قاضي أمير المؤمنين × اشترى على عهده دارًا بثمانين دينارًا، فبلغه ذلك فاستدعى شريحًا، وقال له: «بلغني أنّك ابتعت دارًا بثمانين دينارًا، وكتبت لها كتابًا، وأشهدت فيه شهودًا، فقال له شريح : قد كان ذلك يا أمير المؤمنين، قال: فنظر إِليه نظر المغضب، ثم قال له:
يا شريح ! أما إِنه سيأتيك من لا ينظر في كتابك، ولا يسألك عن بيّنتك، حتى يخرجك منها شاخصًا، ويسلمك إلى قبرك خالصًا، فانظر يا شريح ! لا تكون ابتعت هذه الدار من غير مالك، أو نقدت الثمن من غير حلالك، فإذا أنت قد خسرت دار الدنيا ودار الآخرة.
أما إنك لو كنت أتيتني عند شرائك ما اشتريت، لكتبت لك كتابًا على هذه النسخة، فلم ترغب في شراء هذه الدار بالدرهم فما فوق، والنسخة هذه.
هذا ما اشترى عبد ذليل، من ميت قد أزعج للرحيل، اشترى منه دارًا من دار الغرور، من جانب الفانين، وخطّة الهالكين، وتجمع هذه الدار حدود أربعة: الحد الأول ينتهي إلى دواعي الآفات، والحد الثاني ينتهي إلى دواعي المصيبات، والحد الثالث ينتهي إلى الهوى المردي، والحد الرابع ينتهي إلى الشيطان المغوي، وفيه يشرع باب هذه الدار، اشترى هذا المغترّ بالأمل، من هذا»)(1).
إن عماله ا كعمّال غيره، فيهم الأعلى والأوسط والأدنى، وهكذا البشر يتفاوتون، فقوي في العبادة ضعيف في الإدارة، ضعيف في الإدارة قوي في الحرب، ضعيف في العبادة قوي في القتال... وهكذا، فلا عيب على عليّ ولا غير عليّ إن كان هناك ضعف أو خور، ولكن نقول: إن ما يوجه إلى الخلفاء من طعن في هذا الجانب، فإن لعليّ منه نصيبًا مفروضًا.
الخاتمة
وبعد؛ فقد صدق الإمام عندما قال: «هلك فيّ رجلان: محبّ غال، ومبغض قال»(2).
__________
(1) 1/404 ) (3).
(2) 18/282 ) (113).
(151/59)
فالمحب الغالي لن يرى كل شيء إلا حسنًا، والمبغض القالي لن يرى الشيء إلا سيئًا، والوسطية مطلوبة، فـ«حبّ عليّ من الإيمان، وبغضه من النفاق» كما صحّ في حديث مسلم، فلا نرفعه إلى درجة الأنبياء، ولا ننزله إلى درجة الفسّاق وغيرهم، بل هو صحابي جليل، وإمام من أئمة المسلمين، وهو رابع أفضل الصحابة، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وحاز فضلًا لم يحزه سواه: تزويجه فاطمة بنت النبي ص وكفى به فضلًا، وكفى به صحبة وصهرًا، فهي سيدة نساء العالمين، وابنة خير خلق الله أجمعين.
نحبه ونترضّى عليه، وعلى أصحابه وأبنائه، ونحارب ونبغض من يغلو فيه أو يقلوه.
وفقنا الله لكلّ خير، هذا جهدي وقد اجتهدت، فإن وجدت خيرًا أيها القارئ فلا تنسنا من دعاء بليل، وإن كان خطأ فأستغفر الله، وأرجو منك أن تسأل الله لي المغفرة، لأنني ما تعمّدت الخطأ، وكل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون.
فهرس المحتويات
تصدير ... 3
المقدمة ... 5
المبحث الأول : الإمامة ... 9
المبحث الثاني : العصمة ... 22
المبحث الثالث : الصحابة ... 47
المبحث الرابع: أهل الشام ... 67
المبحث الخامس : أصحاب عليّ ا ... 72
المبحث السادس : الكتاب والسنة ... 88
المبحث السابع: الدعاء ... 99
المبحث الثامن: العبادات ... 105
متفرقات وشوارد ... 111
الخاتمة ... 121
فهرس المحتويات ... 123
* ... * ... *
(151/60)
بسم الله الرحمن الرحيم
ونطق الرويبضة الرافضي:
حسن شحاتة00000
الحمد لله رب العالمين مالك الملك وملك يوم الدين , منَّ علي أمة الحبيب محمد ( صلي الله عليه وسلم ) بخاتم الأنبياء والمرسلين وأشهد أن لا اله إلا الله وحد ه لا شريك له ولي المتقين واشهد أن محمدا عبده ورسوله حبيب رب العالمين الذي قال الله تعالي فيه ": وما ينطق عن ألهوي .إن هو إلا وحي يوحي" ( النجم : 4,3 )
والذي أمرنا سبحانه وتعالي بإتباعه فيما انزل عليه من وحي السماء فقال تعالي":قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم" ( آل عمران |31")
صل اللهم وسلم وبارك عليه وعلي اله وصحبه ومن سار علي نهجه وانبع هداه إلي يوم الدين0اللهم آمين ،،،
ثم أما بعد :-
فإننا في هذه الأيام تتعرض امتنا الإسلامية لهزات عنيفة ينال فيها الأدعياء وأشباه الرجال من الدين ورسوله محمدا صلي الله عليه وسلم000 يحدث ذلك من خارج امتنا المسلمة ومن داخلها والأشد إيلاما للنفس هو أن يحد ث ذلك من بعض أبناء جلدتنا الذين يتكلمون لغتنا ويدٌعون أنهم مسلمون أكثر من غيرهم وينالون بألسنتهم من رسول الله صلي الله عليه وسلم وصحابته وأزواجه رضي الله عنهن الذين كانوا جميعا يمثلون طليعة هذه الأمة كما قال تعالي(كنتم خير امة أخرجت للناس تأمرون با لمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) آل عمران110 جزء ثمن الآية .وتمثل ذلك بوضوح تام في القرون الخيرة الثلاثة التي ذكرها النبي صلي الله عليه وسلم00وهي القرون التي لم ولن تتكرر في خيريتها وخيرية من كانوا فيها00
وذلك أنهم يريدون إسقاط الرموز في الأمة الإسلامية ويريدونها ثلة من الغلمان بلا رؤوس, ويرحم الله أبا حنيفة إذ مر علي جماعة يتفقهون فقال ألهم رأس؟ قالوا: لا000قال إذن لا لايفلحون .
ولله در من قال
(152/1)
متى يصل العطاش إلي ارتواء إذا استقت البحار من الركايا
ومن يثني الأصاغر عن مراد إذا جلس الأكابر في الزوايا
وإن ترفع الوضعاء يوما علي الرفعاء من احدي الرزايا
إذا استوت الأسافل والأعالي فقد طابت منادمة المنايا
واخرج قاسم بن اصبغ في مصنفه بسند صحيح كما قال الحافظ في الفتح ( 1/201- 202)
عن عمر بن الخطاب قال: فساد ألد ين إذا جاء العلم من ِقبل الصغير000 استعصي عليه الكبير وصلاح الناس إذا جاء العلم من قبل الكبير تابعه عليه الصغير،،،
واخرج ابن عبد البر في جامع العلم ( 1 /159)
عن ابن مسعود قال إنكم لن تزالوا بخير ما دام العلم في كباركم فإذا كان العلم في صغاركم سفّه الصغير الكبير وهذا مصداق قوله صلي الله عليه وسلم من حديث أبي بكر بن أبي شيبة
عن يزيد بن هارون عن المقبري عن أبي هريرة :-
قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: سيأتي علي الناس سنوات خدّاعات يُصدّق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤْتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة .
قيل :- وما الرويبضة ؟
قال :- الرجل التافه في أمر العامة . (الصحيحة: رقم:1887)
(152/2)
فيا أيها الرويبضة يامن تد عي "حسن شحاته " فكم من منافق مثلك إ فتري علي الله وتطاول علي رسول الله فأذله الله ,,, وكم من عاصٍ قبلك من هؤلاء الذين وقفوا صفا واحدا للكيد للدعوة ومنع انتشارها ظنا منهم أنهم مانعوها أو معطلوها00وكم من أمثالك كثير قد حادوا الله ورسوله وأبطل الله كيدهم ورده إلي نحورهم وكم مثلك كثير صور لهم شيطانهم ا وقل شياطينهم في قواعد الخبث في ( قم )الشيعية" اكبر معمل لتفريخ الشر " أنهم قادرون علي إطفاء نور الله فأخزاهم الله00ولنصغ السمع جيدا إلي قوله تعالي :(.. ويحذركم الله نفسه والى الله المصير) آل عمران { 28} جزء من الآية00000
ذلك الدعي النكرة ( حسن شحاتة ) والله الذي لا إله إلا هو ما هو بحسن ولكنه قبيح كقبح ما خرج من فيه العفن من تطاول وبذاءة علي الرموز العالية علو السحاب ، الصافية صفاء السماء في رابعة النهار ،،،صحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم ونساءه الطاهرات العفيفات رغم أنوف هؤلاء المعاندين المكابرين00000
وهو كغيره من الأقزام والفرق الضالة التي رفعت عقيرتها في هذه الأيام قد جاوزوا كل الحدود مما تعارف عليه الشرفاء في خلافاتهم لكنه وغيره من الأدعياء قد غرّهم حلم ربهم باستدراجهم إلي هذا المستنقع الذي لن يخرجوا منه إلا إلي نار جهنم ويئس المصير .وهذا جزاء من يحاد الله ورسوله فإنهم او غيرهم لن يستطيعوا إطفاء نور الله المتمثل في رسالة الدين الاسلامي الذي ارتضاه الله جل وعلا لنا دينا وهؤلاء مأواهم جهنم ويئس المصير000
أليس !!!
هذا هو الذي يتمناه هؤلاء الذين يودون أن يحشروا مع ( أبي لؤلؤة المجوسي)
[ وهو قاتل سيدنا عمر ابن الخطاب رضي الله عنه ]
اللهم إنا نسألك أن تعطيهم سؤلهم ولا تحرمهم من الحشر معه00 آمين00
(152/3)
ولعل ما يمثله هذا الشيعي الجاهل من فكر شيعي ضال مضل قد حمل أوزار القوم في معاداتهم لله ولرسولهِ صلي الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم أجمعين لأنه تقدم قبيلته فأوردهم النار فيئس الورد المورود ،،،
وأصبح في غفلة من نفسه انه القادر بباطله المزعوم أن يقهر الحق فإذا ربك القادر علي كل شيء يقذف بالحق علي الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق .!!!!!!!!
كما قال تعالي ( بل نقذف بالحق علي الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون) الأنبياء/18جزء من الاية0
إنه احد خفافيش الظلام التي تأوي إلي الخرائب من الدور والأطلال في انتظار الأمل المفقود هكذا كان المدعو حسن شحاتة .في سعيه لتغيير ماهو معلوم من الدين بالضرورة0!!!!
هذا الدعي الخبيث الذي خرج من رحم الشيعة الإماميةالحاقدة00 صال وجا ل في أرض مصر طولا وعرضا فتطاول علي رسول الله صلي الله عليه وسلم بالكذب عليه وادعاء ما لم يقله ولم يأمر به صلي الله عليه وسلم ،وسب صحابته الطيبين الطاهرين كما سب-لعنه الله- ام المؤمنين الطاهرة العفيفة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهم اجمعين0وكان تطاوله علي أزواج
النبي وصحابته بما لم يقل به احد من قبل ولن يقول به احد من بعد إلا من هو اشد كفرا ونفاقا من هذا الخبيث الرافضي الذي نفذ أوامر سادته الروافض ولعب الشيطان بعقله الضائع أصلا
منذ ذهب إلي وكرا لشيعة في مدينة( قُم) التي يعتبرونها مدينة مقدسة بل ما أنجسها من مدينة تلك التي تأوي هؤلاء الأخباث وهؤلاء المأجورين أمثال المدعو" حسن شحاتة"ومن هم علي شاكلته المغرر بهم المخدوعين بالأوهام المكذوبة في فكر الشيعة الخبيث الباطل000
{ ........ ألا ساء ما يحكمون } سورة النحل/59 جزء من الآية .
هؤلاء الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة وما لهم في الآخرة من خلا ق.
ونفث هذا الدعي سم الشيعة الروافض وتجرا كأمثاله الضالين المضلين تجرا
(152/4)
((( بسب زوجات النبي ))) صلي الله عليه وسلم00000
سبحانك ربي هذا بهتان عظيم !!!!!!!!!!!!!
وهل لم تسمع من قبل:
حديث النبي صلي الله عليه وسلم كما في الصحيحين ( إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يدري ما تبلغ يهوي بها في النار ابعد ما بين السماء والأرض) { وفي رواية لا يُلقي لها بالا } فتح الباري ( 11 / 314 ) ومسلم ( 4/2290)
وإنك أيها الدعي إن شاء الله لمنهم بل قُل في مقدمتهم كما كان فرعون من قبلك وهو يقول : (أنا ربكم الأعلى )
وفي الحديث الذي أدلي به لصحيفة( المنبر الشيعية الكويتية )
((( قا ل إن أزواج النبي صلي الله عليه وسلم لسن من آل البيت )))
وقال بتهكم جاهلي :ما دخلُ أزواج النبي بآل البيت ؟؟؟
وبرر هذا الجاهل غباءه عندما ربط بين كلمة " الفاحشة " التي سيأتي ذكرها في الآية التالية مما أدي بزعمه المريض إلي استبعادهن من آل البيت وقال بفضل ما تجرعه من سم الكراهية لهؤلاء الطاهرات العفيفات بان قال :
لأدخل لزوجات النبي بال البيت لان الله كشف عن إمكان وقوع" الفاحشة" منهن
سبحان ربي مااجراه علي الله !!!!! وكيف قل حياؤه مع النبي صلي الله عليه وسلم ونساءه :العفيفات الطاهرات00وذكر قول الله تعالي كما في" الأحزاب"-ولكن ذلك لشئ في نفسه الخبيثة ليفسر بخبث الشيعة الروافض بالمعني الذي يؤذي به هؤلاء الزوجات الطاهرات:
{ يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك علي الله يسيرا} ( سورة الأحزاب /30 )
ونسي هذا الجاهل أن يرجع إلي التفاسير الصحيحة ليعرف تفسير كلمة ( الفاحشة ) فهي ليست كما يتصور هذا الجاهل" بالزنا " حاشى لله من هذا الذي تصوره بفكره الشيعي الخبيث عن أمنا الطاهرة العفيفة 00حتي أننا نقرا ونسمع من" آياتهم " الضالين أن" مهديهم"المزعوم
(152/5)
في فكرهم المنحرف عندما يظهر-واني لهم ذلك- سيقيم الحد علي الطاهرة العفيفة أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها وكل أزواج النبي الطاهرات العفيفات00 هذا ما يفهم من كلام هذا الخبيث وأمثاله من الروافض قاتلهم الله 00وفسر المفسرون الربانيون كلمة الفاحشة" بالأمر القبيح"كما جاء في تفسير
الأمام النسفي والشيخ حسنين محمد مخلوف رحمهما الله رحمة واسعة .
أنها تعني السيئة البليغة في القبح وهو عصيانهن رسول الله صلي الله عليه وسلم ونشوزهن.
وهن معصومات بعصمة الله لهن بعصمة أزواجهن000
وقال ابن عباس رضي الله عنهما ( لم ترتكب زوجة نبي الفاحشة قط )
وفي المقابل يروي هذا الخبيث:
قول الله تعالي { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا }
( سورة الأحزاب/33 )ولعلنا قد فهمنا ما يرمي إليه هذا الخبيث حتي ولو لم يصرح به0
ثم يضيف هذا الجاهل فيقول: ولم يلحق بآل البيت سوي جبريل عليه السلام من الملائكة ومولانا سلمان المحمدي من البشر.!!!!!! سلمان الفارسي رضي الله عنه أصبح في لغة هؤلاء الاغمار: سلمان المحمدي0ماذ نقول أمام هذا التيار الجارف من الجهل من هؤلاء الذين كادوا أن يضيعوا ما بقي من عقولنا أمام هذا السخف الفكري الذي ليس له نظير !!!!!!!!!
وبالنسبة للواقعة التي ادعاها هذا الجاهل وادعي فيها كذبا أن السيدة عائشة رضي الله عنها قد رفضت دفن
الحسن بن علي)
رضي الله عنهما في الحجرة مع النبي صلي الله عليه وسلم وصاحبيه.
فإن ذلك من افتراء الشيعة وهذا الجاهل واحد منهم بل اشد كفرا منهم عندما يطلق للسانه العنان ليقول ما يقول بما يهديه إليه شيطانه الرجيم الذي تلبس نفسه الخبيثة 00فياويله من الله!!
ولقد نقل الإمام الذهبي رحمه الله في "سير أعلام النبلاء"ما قا له ابن عبد البر:أنهم لما التمسوا من عائشة أن يدفن الحسن في الحجرة قالت :-" نعم وكرامه "0 وهذا هو ديدن الصالحين
(152/6)
0فردهم مروان ( أي مروان بن الحكم وكان عامل معاوية علي المدينة وكان في نفس معاوية رضي الله عنه شيئا من مروان فأراد استرضاءه وتوسط ألصا لحون ممن كانوا بالمدينة واقنعوا الحسين بدفنه بالبقيع-وإن دل ذلك علي شيء فإنما يدل علي تماسك المجتمع الإسلامي في ذلك الوقت وحب الصحابة لبعضهم البعض بعكس ما يدعي الشيعة المنافقون الذين قالوا إن الصحابة كانوا يحقدون علي بعض00 ألا ساء ما يحكمون ؟؟وقد اثبت ابن كثير رحمه الله في لبداية والنهاية هذه الرواية ايضا00000
ولبسوا السلاح فدفن عند أمه بالبقيع إلي جانبها00 وليست هذه هي الفرية الأولي علي أم المؤمنين رضي الله عنها بل إنهم كانوا - قاتلهم الله - يبحثون عن كل نقيصة ويجعلوها وينسبوها إلي الطاهرة المطهرة أحب نساء النبي صلي الله عليه وسلم إلي قلبه00
(سير أعلام النبلاء / 1- فقرة /4 )
ولقد خاض هذا الجاهل في تفسير القران الكريم بما لم يقل به أحدٌ قبله,ولن يقول احد بعده علي ما أتصور!!!!!!!! في تفسير قوله تعالي "ق00 والقران المجيد"00سورة: ق/1
يقول: القاف قاف القربى والقران المجيد هو قرآنهم هو 0!!! لأنهم ينكرون قرآننا00
لأنهم بزعمهم المريض يقولون إنهم عندهم قران فاطمة رضي الله عنها ويحتفظ به مهديهم المزعوم حتى يخرج إليهم –واني لهم ذلك- لأنه لن يخرج لأنه خرافة من خرافاتهم التي يكذبون بها علي الناس وآياتهم يعلمون ذلك علم اليقين 000
ويفسر قوله تعالي": القيا في جهنم كل كفار عنيد0"0 أن الأمر هنا لرسول الله صلي الله عليه وسلم والإمام علي رضي الله عنه بان يلقيا في جهنم من يريدون ويدخلان الجنة من يريدون وكأن الأمر يوم القيامة للرسول وعلي بن أبي طالب - فياله من جهل اعمي بصائرهم-وهذا مما
يعطل النواميس الإلهية التي يعرفها الناس عن أحداث يوم القيامة كما جاءت في الكتاب والسنة
(152/7)
ومرة أخري ولعشرات المرات سيظهر جهل هؤلاء الروافض الحمقى الجهلاء أمثال هذا الفاسق الذي رمي بنفسه في مهالك الردى يوم دخل تحت عباءتهم المهلهلة البالية 00وغير ذلك كثير و كثير مما يفضح جهل وكفر هذا الرافضي وشيوخه من" الآيات الجاهلة الكاذبة" علي الله وعلي رسوله صلي الله عليه وسلم .
ثم يتطاول هذا الخبيث ويخوض ككل الأدعياء الخبثاء في" ا م المؤمنين عائشة رضي الله عنها "فيقول: أتعرفون لماذا سميت عائشة بالحميراء؟؟؟ ثم أجاب فقال بجهل فوق جهله "لأنها تعني تصغير حماره ". كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا0وإذا أردت الحقيقة أيها الجاهل فارجع إلي التفاسير الصحيحة لتعرف الصواب والحق 0 ومن المعلوم حديثيا أن حديث "خذوا شطر دينكم عن هذه الحميراء"انه حديث مكذوب مصنوع علي النبي صلي الله عليه وسلم كما قال الإمام الذهبي والمزي وابن كثير رحمهم الله جميعا00"علوم الحديث ومصطلحه د0صبحي الصالح /365"
... وهو حديث لااصل له وقال عنه السخاوي في المقاصد الحسنة: قال شيخنا- أي ابن حجر- في تخريج أحاديث ابن الحاجب من إملائه:لا اعرف له سندا ولا رايته في شيء من كتب الحديث إلا في النهاية لابن الأثير وذكر الحافظ ابن كثير انه سال الحافظين المزي والذهبي عنه فلم يعرفاه0000 ومعذرة إذا تكرر الكلام عن هذا الحديث مرة أخري ليزداد الناس معرفة به000
(152/8)
ولقد خاض كثيرا هذا الجاهل في صحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم ونعت الصاحبين الجليلين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما بأنهما( الجبت والطاغوت ) ويدعي كما أدعي أسياده من مئات السنين و رفض كما هو اعتقاد الروافض ا00 الاعتراف يهما وبإمامتها للخلافة بل ويلعنهما لعنا شديدا نسال الله جل وعلا أن ترتد هذه اللعنات عليه وأشباهه من هؤلاء الزنادقة الكفرة 0 ويقول كمنهج الشيعة المرفوض شرعا وعرفا إن كلمة0( الصحابة) كلمة مبتدعة لم يرد بها نص من القرآن أو من سنة النبي صلي الله عليه وسلم ويقول: لم يرد عن النبي صلي الله عليه وسلم حديث ثابت بل وردت فيه حديث مكذوب .: "أصحابي كالنجوم " وإنما الحديث الصحيح" : أهل بيتي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم "0قاتلك الله ما أجهلك لأبسط قواعد الحديث وعد م معرفتك للصحيح من السقيم000واني يكون له ذلك وقد شغل كل وقته في سب الصالحين الأطهار؟؟؟؟فلم يعد عنده فسحة من الوقت ليقرا أو يطا لع القران الكريم وتفسيره والحديث النبوي الشريف وما فيهما معالم الطريق الصحيح الذي يؤدي إلي الجنة0ولم يكن همه إلا سب الصحابة وازواج النبي صلي الله عليه وسلم –قاتله الله اني يؤفك-
وبا لطبع كما هو معلوم أن فا قد الشئ لا يعطيه فكذلك ذلك الجاهل بأبسط قواعد الحديث وعلومه وليسمع هذا الجاهل وأمثاله من طواغيت الشيعة الجهلاء ليسمعوا:لا تسبوا أصحابي
فوالذي نفسي بيده لو انفق أحدكم مثل احد ذهبا, ما بلغ مد احدهم ولا نصيفه :"صحيح
الجامع /2/1222 حديث :7310
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم
(152/9)
قا ل:" لاتسبوا أصحابي ، لاتسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو انفق أحدكم مثل احد ذهبا ما أدرك مد احدهم ولا نصيفه " (مسلم/نووي16/75) حديث :331-354
هكذا كان نهج هذا الجاهل الحاقد علي الإسلام مثل أسياده في إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة حتى يتمكنوا من خداع العامة بفكرهم الضال ولكن هيهات هيهات فإن ربك لبالمرصاد لهؤلاء الكذابين المنافقين الذين أعمت الشياطين أبصارهم فعموا وصموا00
وسأبدأ مع هذا الدعي بذكر ماقاله في خطبه علي المنابر التي شرفها الله بالدعوة إلي الله- بأقوال تخرجه من ملة الإسلام إذا كان بقي منه شئ ولا أظنه هكذا من فرط ما أساء وخاض في صحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم وأزواجه الطيبات العفيفات الطاهرات0000
بل تنكر لربه ولنبيه ولدينه وانطلق يخوض في صحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم ويصفهم با قذر الصفات كما هي عادة الروافض من" آيات" ( قم ) الذين تلبسوا الكفر البواح الذي أخرجهم من الملة السمحاء إلي ظلام الجهل بتقديسهم للائمة
الاثنا عشر وجعلهم من المعصومين بدرجة تفوق عصمة الأنبياء حتى عموا عن الحق والتزموا الباطل الذي سيورد هم النار بإذنه تعالي .فالجزاء من جنس العمل .
وسأقف معكم مع أحدي خطب هذا الكذاب, , ذلك الموقف الذي تكلم فيه بكل صفاقة عن العشرة المبشرين بالجنة التي لن يراها ولن يشم رائحتها هو ومن يسيرون في هذا الضلال الذي ليس له نظير حتى عند أكثرا لناس كفرا وإلحادا ،
حتى ولقد سمعت من احد" آياتهم " الذين هم رؤوس الكفر : سمعته بأذني وهو يقول عن الملحد الجهنمي " أبو لؤلؤه المجوسي " قاتل الشهيد العابد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وصحابة رسول الله صلي الله عليه وسلما جمعين
(152/10)
يقول : اللهم احشرني مع أبي لؤلؤة ولي الله ويقول لهم امنوا آمنوا .!!!!!!
فقلت : اللهم لا تحرمهم من طلبهم هذا وحقق رجاءهم يا الله 0
وأخر يدعو: اللهم احشرنا مع بوش !!! وما أدراك ما بوش !!! هكذا والله الذي لااله أإالاهو سمعتهما بأذني !! فقلت : اللهم أمين لاتحرمهم من هذا الشرف العظيم الذي سينالونه من غير كبير عناء00تري ماهذا الجهل وما هذا الغباء الذي وقع فيه هؤلاء الأغبياء الجهلاء من اجل ماذا؟؟؟ ليس إلا للحقد والكراهية ومحاولة جذب الناس إلي باطلهم المذموم لقبح ما فيه .
وآلان مع الداعية الكذوب مرة أخري بل مرات ومرات000
حتى أن الشيعة الروافض عندما يحتفلون بسيدهم" أبي لؤلؤة المجوسي" ثلاثة أيام يدعون كذبا كعادتهم أن الملائكة لاتكتب ذنوب هولأء المحتفلين بمولد سيدهم ويمكثون هذه الأيام ويأتون بكل قبيح وسيء ويشربون من الخمر ويأتون من المنكرات والمعا عصي مالا يعلمه إلا الله000
وفي تسجيل صوتي مرئي يقول هذا الجاهل: سألني بعض الناس عن رأي في العشرة المبشرون بالجنة من الصحابة ؟؟
فقلت : تاني ؟ يخرب بيوتكم أنا كرهت رقم عشرة بسببهم كرهته يا سلام ؟ العشرة المبشرين بالجنة الذين بشرهم الرسول بالجنة فعلا لم يعدهم بالعشرة شفت البلاء !!!! " استغفر الله العظيم مما إبتلانابه بك " 00!!!!!
لم يعدهم . كانوا قا لوا 15 او20 او25: ثم يعلو صوته بالباطل فيقول : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة "الجنة تشتاق إلي أربعة : علي منهم علي منهم علي منهم هكذا يقول النبي ثلاث مرات –بزعمه-ولن اقسم كما اقسم هو واعلم والله انه يكذب-ان ذلك لم يقله النبي صلي الله عليه وسلم وإنما ذلك كله من وحي شيطانه ولا اقول خياله لانه مريض لا خيال له00
(152/11)
ولقد حرصت علي كتابة كلماته بنصها وبالحرف حتى يري الناس معي ما وصل إليه هذا الكذوب من الكذب والافتراء علي الله وعلي رسوله صلي الله عليه وسلم00ثم يضيف هذا الجاهل إلي جهله فيقول000وكأن مقادير العباد بيديه:
وسلمان منهم وعمار منهم وبلال منهم ويقول:" علي فكره عَلِي اللي معدود عندهم مش علي بتابعنا بتاعهم هم 00" إمامنا رقم واحد وعلي رقم واحد مكرر إمامنا رقم واحد مكرر0!!!!!0
ثم يتجرا ويقول بوقاحة:
الله يلعنهم هم وعشرتهم، الله يلعنهم هم ؟؟وعشرتهم. أيه يا سيدي العشرة المبشرين بالجنة؟؟؟؟؟
اسمع العجايب يقولون: النبي صعد المنبر وقال: والله -، ويقسم بالله وبكل إيمان مغلظة فيقول وكأنه ممن رفع عنه الحساب يوم القيامة :
ويقول :-
والله ما حصل والله الذي لا اله إِلا هو
ما حصل كذب وافتراء علي رسول الله 0000 00أبو بكر في الجنة بإمارة أيه؟ فوضي هي وألا أيه؟ هي زريبة ؟ الزريبة هم دخلوها00 الجنة ملها ومال هذا الموضوع؟
شوف النيلة اللي جايه : إزاي إزاي خالص؟ عمر في الجنة يخرب بيته إزاي ؟؟؟
ماينفعش خالص00 عثمان في الجنة يخرب بيتك يا عثمان عثمان في الجنة؟ طب إزاي؟ طيب بأي دليل؟ وبعدين بعد البلاوي دي كلها 00 وعلي في الجنة 0 وسعد بن ابي وقاص في الجنة لا اله إلا الله؟
وسعيد بن زيد في الجنة ؟؟؟ وطلحة والزبير في الجنة؟؟؟
يادي المصيبة السوده 00
وعبد الرحمن بن عوف في الجنة؟؟؟ وأبو عبيدة في الجنة؟؟؟
أدي يا سيدي العشرة المبشرين بالجنة00" الله يلعنهم وعشرتهم " هذا والله نص كلامه وبنفس الحروف والكلمات ولم أزد عليها حرفا واحدا للأمانة مع الله في النقل 00
نعم ؟ (اللهم أردد هذه اللعنات عليه ومن والاهم وحرضوه علي هذا الافتراء علي الله ورسوله والصحابة وأمهات المؤمنين") 0000
(152/12)
والغريب بعد ذلك يصلي علي النبي صلي الله عليه وسلم ونقول مثله: طيب إزاي ؟ماينفعش؟ماينفعش يا مولانا باللي بتكدب وأنت علي منبر رسول الله صلي الله عليه وسلم00!!!!!!!!!!!!!00وفي المكان الذي تشرف بوقوف النبي صلي الله عليه وسلم عليه !!!1
وألا أيه ياعم الشيخ المعمم الذي سود وجوه المعممين00 والا إيه ؟؟؟؟؟؟ماينفعش!!!!!!!!!!!!!!
ونري ان ما فعله ذلك الجاهل من السب والشتم ا لبذئ لصحابة النبي صلي الله عليه وسلم وأمهات المؤمنين رضي الله عنهن لم يكن إلا استجابة لما كان يضمره الخميني من حقد وكراهية علي الصاحبين وابنتيهما علي وجه الخصوص كما جاء في كتابه المشئوم":كشف الاسرار"/107-108) والذي قال فيه بما ما معناه"ويري الخميني أن لعنهما واجب وان من يلعنهما ويلعن أمهات المؤمنين عائشة وحفصة ابنتيهما وزوجتي النبي صلي الله عليه وسلم:له فضل واجر عظيمين" وقد سلك ذلك الجاهل الأحمق( حسن شحاته ) مسلك الخميني وآياتهم الفسقة بجهل وغباء فاق بهما جهل وخبث هؤلاء الشياطين من الشيعة الروافض –لعنهم الله جميعا- بلعنهم هؤلاء الأطهار الخيرين الذين تربوا في نور النبوة الطاهر العفيف 00
ونعود إلي حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وكل أمهات المؤمنين رضي الله عنهن فيما يتعلق بالحديث المشهور بين العامة وربما أيضا بين بعض العلماء إلا من رحم ربك وصيغته:
( خذوا شطر دينكم عن هذه الحميراء) والحميراء هي البيضاء المشبب بالحمرة لان العرب تسمي الأبيض؛احمر،
فإن هذا الحديث لا سند له وقد صرح ابن حجر والمزي والذهبي وابن كثير بأنه- حديث مكذوب مصنوع لكن القارئ يقول معناه صحيح (علوم الحديث ومصطلحه للدكتور صبحي الصالح/364)
(152/13)
وإن دل ذلك علي شيء فإنما يدل علي جهل هذا الرجل وعد م درايته بعلم الحديث وإن شئت فقل ليس عنده دراية بأي شئ اللهم إلا براعته الفائقة في السب والشتم وهذا مسلك الجهلاء والحمقى وما أكثر ما نصادف في الحياة أمثال هذا كثير ولا حول ولا قوة إلا بالله0
ونعود مرة أخري لمعاوية رضي الله عنه ليسمع هذا المنافق وأسياده في (قم) المقدسة- بزعمهم الباطل - ماذا قال عنه الذي لا ينطق عن الهوى:من حديث عبد الرحمن بن أبي عميرة 00 وكان من أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم:"انه قال لمعاوية: اللهم أجعله هاديا مهديا وأهد به" المشكاة رقم:623 والصحيحة:1969
ولما عزل عمر ابن الخطاب رضي الله عنه عميرا بن سعد وولي معاوية فقال الناس :عزل عميرا وولي معاوية فقال عميرا: لاتذكروا معاوية إلا بخير فإني سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول له: اللهم أهد به" 000 وصححه الألباني رحمه الله000
وقد ولي عمر معاوية رضي الله عنهما الشام لما رأي من حسن سيرته وقيامه بحماية البيضة وسد الثغور وإصلاح الجند والظهور علي العدو وسياسة الخلق وقد شهد له في صحيح الحديث بالفقه وشهد بخلافته في حديث أم حرام" أن ناسا من أمته يركبون تبج البحر الأخضر ملوكا علي الأسرة وكان ذلك في ولايته"(العواصم من القوا صم لأبي بكر ابن العربي/200وما بعدها)
وقال شيخ الإسلام أبن تيمية رحمه الله في تعليقه علي أحداث( العواصم من القوا صم):
"وكانت سيرة معاوية مع رعيته من خيار سيرة الولاة وقد كانت رعيته يحبونه وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلي الله عليه انه قال: خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم "00000 الحديث)
(152/14)
هذه شهادات بعض الصحابة والتابعين في معاوية رضي الله عنهم جميعا وقد رأينا ماقال بحقه النبي صلي الله عليه وسلم فمن ابغضه فقد أنكر ما جاء في السنة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم في حقه وطعن في ثناء الصحابة والتابعين عليه000وفيه تكذيب للنبي صلي الله عليه وسلم ومن يكذب النبي صلي الله عليه فهو كافر باتفاق فقهاء المسلمين0
ووو
وفي أخر الكلام عن معاوية رضي الله عنه ننقل رأيا طريفا للعلامة ابن خلدون في اعتبار معاوية من الخلفاء الراشدين فقد قال:" إن دولة معاوية وأخباره كان ينبغي أن تلحق بدول الخلفاء الراشدين وإخبارهم فهو تاليهم في الفضل والعدالة والصحبة00(تاريخ ابن خلدون/2/458)وهذا الذي ذكرناه أنفا كان ردا علي ماقاله هذا الشيعي الرافضي الضال في حوار أجرته معه مجلة "روز اليوسف" بتاريخ16/9/1966عندما لعن معاوية رضي الله عنه واتهمه بالكفر وانكر كتابته للوحي وقال بتبجح ليس له نظير:انه وابيه أبا سفيان بن حرب رضي الله عنهما كانا كافرين وان معاوية كافر ابن كافر 00سبحانك ربي مااحلمك !!!!!!!!!
هذه المعلومات القيمة اهديها للشيعة الروافض وأشباههم كالمدعو" حسن شحاتة" علي وجه الخصوص وإلي من يقف خلفهم من طابور هم الخامس المنهزم دائما لكذبهم ولجهلهم الذي اعمي إبصارهم عن الحق ألوا ضح وضوح الشمس في رابعة النهار0000
إن من لم يقدم الصديقا لم يكن لي حتى الممات صديقا
والذي لا يقول في الفاروق قولي اهوي لشخصه تفريقا
وبنار الجحيم باغض عثمان ويهوي منها مكانا سحيقا
من يوالي عندي عليا وعاداهم جميعا عددته زنديقا
وقال أبو حازم المدني :-
ما رأيت هاشميا افقه من علي بن الحسين 00 سمعته وقد سئل:
(152/15)
كيف00 كانت منزلة أبي بكر وعمر عند رسول الله صلي الله عليه وسلم ؟
فأشار بيده إلي القبر ثم قال :-
بمنزلتهما منه الساعة (سيرة أعلام النبلاء للذهبي1/406فقره/5)
قال عثام بن علي العامري :-
سمعت سفيان يقول :" لايجتمع حب علي وعثمان إلا في قلوب النبلاء من الرجال"
(سيرة أعلام النبلاء للذهبي 2/1120 فقره:2)
وقال أبو نعيم :-
سمعت شريكا يقول: قدم عثمان يوم قدم وهو أفضل القوم 000
وقال ابن عيينة :-
قيل لشريك (وهو شريك بن عبد الله 00 العلامة الحافظ أبو عبدا لله النخاعي)
ما تقول فيمن يفضل عليا علي أبي بكر؟00قال: إذن يفتضح أمره يقول: اخطأ المسلمون00
(سيرة أعلام النبلاء للذهبي2/631)
وذكر الإمام الذهبي رحمه الله في كتابه (الكبائر) الكبيرة رقم /70
وثبت في الصحيحين أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: يقول الله تعالي:( من عادي لي وليا فقد آذنته بالحرب00000الحديث)
ولقد سبقت الإشارة إلي حديث مسلم رحمه الله :(لاتسبوا اصحابي0000الحديث)
وقال الذهبي :-
"0000إنما يعرف فضائل الصحابة رضي الله عنهم من تدبر أحوالهم وسيرهم وأثارهم في حياة الرسول صلي الله عليه وسلم وبعد موته من المسابقة إلي الإيمان والمجاهدة للكفار ونشر الدين وإظهار شعائر إلا سلام وإعلاء كلمة الله ورسوله وتعليم فرائضه وسننه ولولاهم ما وصل إلينا من الدين أصل ولا فرع ولا علمنا من الفرائض والسنن سنة ولا فرضا ولا علمنا من الأحاديث شيئا00000
(152/16)
فمن طعن فيهم أو سبهم" فقد خرج من الدين ومرق من ملة الإسلام" لان الطعن لايكون إلا عن اعتقاد مساوي وإضمار الحقد عليهم وإنكار ذكره الله تعالي في كتابه من الثناء عليهم وما لرسول الله صلي الله عليه من ثناء عليهم وفضلهم ومناقبهم وحبهم ولأنهم ارضي الوسائل من المأثور والوسائط من المنقول والطعن في الوسائط طعن في الأصل والازدراء بالناقل إذدراءُ بالمنقول ، هذا ظاهر لمن تدبره وسلم من النفاق ومن الزندقة والإلحاد في عقيدته وحسبك ما جاء في الإخبار والآثار، من ذلك كقول النبي صلي الله عليه وسلم " إن الله اختارني واختار لي أصحابا فجعل لي منهم وزراء وأنصارا وأصهارا فمن" سبهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا"00
وعن انس بن مالك رضي الله عنه قال:-
قال أناس من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم :-
" إنا نسب " 0فقال صلي الله عليه وسلم
(من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)
وكذلك من ذم أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم بشيء وتتبع عثراتهم وذكر عيبا وأضافه إليهم كان منافقا بل الواجب علي المسلم حب الله وحب رسوله صلي الله عليه وسلم وحب ما جاء به وحب من يقوم بأمره وحب من يأخذ يهديه ويعمل بسنته وحب اله وأصحابه وأزواجه وأولاده وغلمانه وخدامه وحب من يحبهم وبغض من يبغضهم" لأن أوثق عري الإيمان : الحب في الله والبغض في الله"0
وأضاف الذهبي رحمه الله :-
وقال السختياني رضي الله عنه :-
من أحب أبا بكر فقد أقام الدين ومن أحب عمر فقد أوضح السبيل ومن أحب عثمان فقد استنار بنور الله ومن أحب عليا فقد أستمسك بالعروة الو ثقي ومن قال الخير في أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم فقد" برئ من النفاق0"
وأما مناقب الصحابة وفضائلهم فأكثر من أن تذكر0000
(152/17)
وأجمعت علماء السنة أن أفضل الصحابة: العشرة المشهود لهم وأفضل العشرة: ابوبكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين" ولا يشك في ذلك إلا مبتدع منافق خبيث " 00 0000(الكبائر للذهبي/236-240)
فيا أيها الرويبضة00 يا أيها الفاسق بِسبَّك لأطهر من مشي علي ظهر الأرض أما تسمع؟؟؟؟؟
أما أحسست لحظة
بثقل ذنوبك فوق راسك ؟؟؟؟؟؟؟ أما تشعر بالندم ؟؟؟؟؟؟؟
أما تشعر بالخزي والعار لأنك تجاوزت حدود الأدب مع اشرف الخلق بعد رسول الله صلي الله عليه وسام ؟؟؟؟ الم تأتك لحظة أسف علي سبك لاطهر الناس لعائشة الصديقة بنت الصديق؟؟؟؟؟؟؟
الم تستيقظ في نفسك لحظة وقوفك أمام الله ليسألك:
لماذا قلت ما قلت من غير سبب يقبله الدين والعقل؟؟؟؟ ألا تخشي لحظة وقوفك أمام ملك الملوك ولحم وجهك يتساقط من الخزي والعار الذي رميت بنفسك فيه؟؟
من اجل من ؟؟؟؟؟
من اجل هؤلاء الشياطين الذين يقبعون في (قم) كالفئران الذين رموا بك في لظى سقر وتركت لسانك العفن يخوض في الأطهار والطاهرات من غير فهم او إدراك لعواقب كلامك وأفعالك التي تنم عن جهلك بأبسط أنواع00 الأدب مع الله ومع رسوله صلي الله عليه وسلم ومع أزواجه وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين 00
فض فوك وملئ بالتراب وتربت يداك0
يا أيها الأحمق وقطع لسانك بما جرحت به العفيفة الطاهرة أمنا عائشة التي زوجها ربنا جل وعلا-من فوق سبع سماوات يوم أرسل جبريل بصورتها في خرقة حرير خضراء إلي النبي صلي الله عليه وسلم وقال له: إن هذه زوجتك في الدنيا والآخرة
( صحيح الترمذي3/573-514)
أما سمعت -حديث النبي صلي الله عليه وسلم الذي قال فيه:
(152/18)
يا عائشة هذا جبريل وهو يقرا عليك السلام- فقالت: قلت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته" تري ما لا نري !!!!!!!!!!!!
(صحيح الترمذي3/76) ح:2694
أما سمعت - قول النبي صلي الله عليه وسلم:(فضل عائشة علي النساء كفضل الثريد علي سائر الطعام.
(سنن أبن ماجه/3281)
أيها الرويبضة :-
ما ذا تقول بعد أن سمعت ما لم تسمع من قبل لأنك أغلقت أُذنيك عن كل شيء إلا السباب والشتم الرديء الفاحش في كل طاهرمطهر من اثر نبينا وحبيبنا صلي الله عليه وسلم000
وأغمضت عينك عن كل شيء إلا النظر بالشك إلي كل شيء كما علمك أسيادك" آيات الشياطين في (قم) وباقي المدن الإيرانية التي تربي الجرذان والحيات والغربان أمثالك000
ثم تطلقها ليعيثوا في الأرض فسادا ولم تنل سوي الخيبة والخسران في الدنيا والآخرة ورجعت مذموما مدحورا بفِيك التراب وفي الآخرة جهنم ويئس المصير !!!!!!
ولتعلم أيها الجهول ومن أعطوك الدولارات في قم وغيرها ونبحت كثيرا000 كثيرا00 ولم تغير شيئا من عقيدة أهل مصر المحروسة وكما صرخت وصور لك خيالك المريض انك طاووس زهوا بباطل لم تعرف عقباه واعلم ان كل ماقلته ذهب أدراج الرياح ولم تنل من دنياك إلا العار وخيبة الأمل وضحك الشيطان عليك .
بل والناس أيضا ولم تدري ما يقولونه عنك أيها الجاهل الغبي فلطالما أحزنتني وابكيتني0!!! ا أبكيتني من أقوالك البذيئة وتبجحك علي الله وعلي رسوله وعلي أبناء مصرنا العزيزة حماها الله من شر أمثالك الذين فقدوا الحياء في كل شيء ومن لم يستح من الله حق الحياء فله ان يفعل ما يشاء .
ولله در من قال :-
إذا لم يكن للمرء عين صحيحة فلاغرو أن يرتاب والصبح مسفر
(152/19)
ومن يتبع لهواه اعمي بصيرة ومن كان اعمي في الدجى كيف يبصر
واسمع أيضا أيها الجهول:
إذا لم تخش عاقبة الليالي ولم تستحي فاصنع ما تشاء
فلا والله ما في العيش خير ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
هل تدري أيها الرافضي لماذا سميت رافضيا ؟؟؟؟؟
إذا لم تكن تعرف فاسمع –:
جاءت الرافضة زيدا بن علي بن الحسين( رضي الله عنهم جميعا ) فقالوا له :-
تبرأ من أبي بكر وعمر (رضي الله عنهما) حتى ننصرك 000
قال:- بل أتولاهما قالوا :- إذاً نرفضك000
فقال رضي الله عنه :- رفضتموني رفضتموني؟؟؟؟؟
فمن ثم قيل لهم الرافضة000
يا رافضي فما أقبحه من اسم وما أقبحها من كنية !!!
وعن زيد بن علي ( رضي الله عنه ) قال:-
كان أبو بكر وعمر إماما الشاكرين ثم تلا قوله تعالي:وسيجزي الله الشاكرين
ثم قال رضي الله عنه:- البراءة من أبي بكر هي البراءة من علي0000
(سيرة أعلام النبلاء3/1376) فقره/3
فالحياء ،" لآياتي إلا بخير" كما في الحديث المتفق عليه00 وفي رواية لمسلم رحمه الله: الحياء كله خير00او قال: الحياء خير كله (رياض الصالحين/294)حديث:687:688
فإذا ضاع الحياء من المرء فلا خير فيه وليقل بعد ذلك ما يقول فإنه لإيلام 00ولااري قول النبي صلي الله عليه وسلم :"إذا لم تستح فافعل ما شئت" لا أراه إلا أصابك في مقتل وهذا جزاء الذي يفتري علي الله
وقد قال تعالي { 00000وقد خاب من افتري } طه/61 جزء من آلا ية000000
واسمع أيها التا ئه في الظلمات اسمع مصيرك الذي يجب أن تكون عليه وأمثالك ممن أحدثوا في الدين وبدلوا قول النبي صلي الله عليه وسلم كما في صحيح الجامع :-
(152/20)
( من احدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) حديث:5970
واسمع - قوله صلي الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم رحمه الله:-
( إنه ستكون هنات وهنات" أي فتن وأمور حادثة" فمن أراد إن يفرق هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائنا من كان ) مسلم نووي(12/202)حديث:59
فهلا كنت من هؤلاء الذين يضربون بالسيف ويستريح العباد والجماد والزر ع والشجر منك لان كل هذه المخلوقات قد آذيتها وآلمتها من طول لسانك وذهاب الحياء منك00فماذا بقي لكم بعدما تبراتم –وبمعني اصح"- آياتكم " من الله ورسوله والقران العظيم الذي انزل علي قلب نبينا محمد الذي أحببناه وسوف نظل نحبه إلي ان نلقاه علي الحوض لنرتوي منه 00اما انتم فمبعدون عنه بعدما قال احد آياتكم وهو نعمة الله الجزائري مقولته التي تعرفها أنت أيها الجاهل المخدوع الذي يجري وراء السراب واسمع إذا كنت لم تسمع مقولة الكفر البواح التي نطق بها عالمكم الجهنمي نعمة الله وهو يقول:
رب اهل السنة ليس ربنا ونبيهم ليس نبينا وكتابنا لا يلتقون معنا فيه0"الانوار النعمانية/2"!!!!!
فهل بعد هذا الكفر من كفر؟؟؟ اجب" بفيك التراب" ياداعية الشيعة الروافض إذا كان مازال فيك
شيئ من الحياء !!!!ولكني لااظنك كذلك !!!!
والله الذي لا إله إلا هو لو أن إلا مر بيدي لعلقتك في ميدان عام ليراك القاصي والداني ثم قطعتك إربا كما فعل بالشهيد الصابر المحتسب "خبيب بن عدي" رضي الله عنه .
لكن هيهات هيهات بينك وبين هذا الطاهر الشريف فالبعد بينكما كالبعد بين المشرق والمغرب 0وهل يستوي الصحابي الطاهر والرافضي الأحمق؟؟؟؟؟؟؟
(152/21)
ولنعش موقفا أخر مع هذا الكذوب الذي يكذب علي نفسه قبل أن يكذب علي الناس لان الناس عقيدتهم نقية طاهرة أما هو وأشباهه من أبواق الكفر الشيعي الضال المضل فقد تلوثت عقيدتهم وأبدلوها بفكرهم الأسود الحاقد علي كل شئ إلا فكرهم الخبيث الذي يتصورونه صالحا.0
الموقف الذي اعنيه هو حكايته عن الصحابي الجليل: أبو هريرة رضي الله عنه
فيقول هذا الكذوب عنه " كيف تأخذون دينكم من رجل كان يحمل قطة فيطلقها تدخل بيوت الناس فيدخل وراءها ليفتش في الصحون يفتشها ويقلبها ويأكل ما فيها 0هذا والله ما قاله هذا الرجل –وما أظنه كذلك- ولم أزد عليه حرفا واحدا.!!!
أتتصوره مثلك أيها الأحمق الذليل يوم رميت نفسك الدنيئة تحت إقدام هؤلاء الأخباث النواصب في معسكر الشر في ( قم ) يوم رموا لك ببعض الدولارات-التي ضبطت- عندك في مسكنك يوم القي القبض عليك وسجنت بتهمة التخابر والعمالة لدولة أجنبية وليس كما أدعيت أنت واسيا دك انك سجنت لأنك أعلنت الولاية للإمام علي رضي الله عنه .
وروج لهذه الكذبة أبواق الشيعة حتى لا يفتضح أمرهم للناس ولكن يأبي الله إلا إن تنكشف وسائلكم الخبيثة وعرف الناس عمالتك ورقّك لشيوخ الكذب في أوكار الشر في طهران وقم .
فهؤلاء الصحب أيها الخبيث ليسوا مثلك ينتقلون من مذهب إلي مذهب جريا وراء المال،
يوم ارتميت في أحضان هؤلاء الروافض الملاعين الذين يتمنون أن يحشروا مع " أبي لؤلؤة المجوسي الفارسي" الحاقد علي الإسلام ونبي الإسلام ومن كل من يقول "لاإله إلا الله محمد رسول الله" والله الذي لا إله إلا هو
لو أنهم قالوها إلي بوم القيامة ما نفعهم شئ بعد الذي قالوه ورددته أبواقهم المنكرة كالمدعو الجاهل :
" حسن شحاتة " وأمثاله من الإذناب وأشباه الرجال0
ونقطة أخيرة
أريد إن أسالك فيها ولو أن إجابتك فيها اعلم انك ستراوغ فيها كما يراوغ 0الثعلب: الرؤيا 00معذرة 0000
(152/22)
الحلم لان الرؤيا من الله أقول :-
الحلم الذي رايته بزعمك والذي تقول فيه انك رأيت النبي صلي الله عليه وسلم والإمام علي رضي الله عنه وانه جري بينه وبين الرسول صلي الله عليه وسلم حديثا لم تفهمه ، واراك صادق هذه المرة لان الشيطان هو الذي رايته في حلمك لان النبي صلي الله عليه وسلم لا يأتي لأمثالك الذين يكذبون ما جاءهم بوحي السماء الصادق وإنما الذي تمثل لك إما الخميني وإما شيطان مثلك وحسبته بجهلك انه النبي صلي الله عليه وسلم .
وكل ذلك يحدث لأمثالك إذ ا انكشف الغطاء عنهم فانظر وتذكر علي أي حال كنت ، لكن حكاية أن النبي صلي الله عليه وسلم أمرك با لسير وراء الإمام وكأنه أمر منه صلي الله عليه وسلم بإتباع الإمام وأعلنت انك قطب زمانك فأقولها لك (قديمه)!!!!!!!!"
دي واسعة حبتين أو ثلاته يا مولانا " وكفاية ضحك علي الذقون بقي أنت خلاص كرتك أتحرق!!!!!!!
وإذا كنت تريد ان تسمع أكثر فاذهب إلي "موقع البينة"علي شبكة الإنترنيت واقرأ ماهو مكتوب في هذا الموقع00بس دي حاجه في سرك محدش يسمعها ( خبر سار) المدعو حسن شحاتة هذا مخابرات مصريه مثل رأفت الهجان عندما كان في إسرائيل يتجسس لصالح مصر دعوه يتجسس علي الرافضة كل إخباره عند المخابرات المصرية إن لعبة المستبصرين هذه طريقه مفيدة للتجسس عليهم 000
حسن شحاتة أكل شارب متمتع علي حساب المجوس من ظهر فقراء عامة الرافضة من أموال ( الخمس )
وكما يقال في الأمثال :"مال الحرامي (المرجع الشيعي) يأكله النصاب حسن شحاتة ورزق الهبل علي المجانين)
أيها العميل الذليل هل تريد أن تسمع شيئا آخر يصم أذنيك ؟؟؟؟؟؟؟؟
فما زال في الجعبة الكثير والكثير من مخازيك أنت ومن وظفوك في العمالة للمجوس الروافض الذين يتمنون أن يحشروا مع( أبي لؤلؤة المجوسي) الذي قتل الفاروق عمر رضي الله عنه وأرضاه
(152/23)
وندعو الله لهم بان يحقق لهم رجاءهم ولا يردهم خائبين في دعائهم00وحشرهم مع كبيرهم النار التي سيجمعهم الله بعدله جميعا فيها0
ولسوف أسمعك بإذنه تعالي ما كنت تكره أن تسمعه في حلقاتنا القادمة عندما نتكلم بحوله تعالي عن الشيعة ومخازيهم وما يحويه ذلك الفكر من خروج صارخ علي كل جوانب الشرع الذي جاء به الحبيب المصطفي (صلى الله عليه وسلم )
الذي تدعون محبته وانتم جميعا قضكم وقضيضكم تكرهون كل شئ ينتسب إليه صلي الله عليه وسلم ولن تنالوا شفاعته ولن تشربوا من حوضه الشريف ولن تتمتعوا برؤية ربكم جل وعلا يوم القيامة ككل المؤمنين الصادقين الذين صدقوا ماعاهدوا الله عليه يوم تحرمون من الجنة
المكتوب علي بابها (: لهم مايشاءون فيها ولدينا مزيد)كما في صحيح مسلم من حديث صهيب بن سنان الرومي:" إنها النظر إلي وجه الله تعالي"
( المصباح المنير في تهذيب تفسير إبن كثير للمباكفوري وغيره من العلماء/1039)
ونسال الله جل في علاه أن يخزي الروافض في كل مكان وفي كل زمان وان يرينا فيهم آية قدرته وعجائب صنعه0 آمين
اواخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين 000
وصل اللهم وسلم وبارك علي عبدك ورسولك محمد صلي الله عليه وسلم
وكتب
الراجي عفو ربه الكريم وخادم الكتاب والسنة
الشيخ / راشد بن عبد المعطي بن محفوظ
الموجه الاول سابقا بالازهر الشريف
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف بدولة الإمارات العربية المتحدة
هاتف : 05078196339ابو ظبي
Haj-rashed@hotmail.com
(152/24)
الأنوار الكاشفة
لما في كتاب أضواء على السنة من الزلل والتضليل والمجازفة
تأليف
عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني
غفر الله له
المطبعة السلفية – ومكتبتها
عالم الكتب
بيروت
1402هـ. – 1982م.
تنبيه
يوجد في أثناء الكتاب إحالات على ما تقدم منه أو تأخر بقيد الصفحات. والمعتبر في ذلك صفحات الأصل الذي بخط المؤلف ، وهو التي أشير عليها في هامش هذا المطبوع
سبسم الله الرحمن الرحيم
أقدم كتابي هذا إلى أهل العلم وطالبيه الراغبين في الحق، المؤثرين له على كل ماسواه، سائلاً الله تعالى أن ينفعني وإياهم بما فيه من الحق، ويقيني وإياهم شر ما فيه من باطل حكيته عن غيري أو زلل منى، فإن حظى من العلم زهيد، وكان جمعي للكتاب على استعجال مع اشتغالي بغيره، فلم أكثر من مراجعة ما في متناولي من مؤلفات أهل العلم، ولا ظفرت ببعضها، ومنها ما هو من مصادر الكتاب المردود عليه (( أضواء على السنة )).
وقد سبقني إلى الرد عليه فضيلة الأستاذ العلامة الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة، مدير دار الحديث بمكة المكرمة، والمدرس بالحرم الشريف، واستفدت من كتابه جزاه الله خيراً.
ولفضيلة السلفي الجليل المحسن الشهير نصير السنة الشيخ محمد نصيف اليد الطولى في استحثاثي لإكمال الكتاب، وإمدادي بالمراجع.
وكذلك للأخ الفاضل البحاثة الشيخ سليمان بن عبد الرحمن الصنيع عضو مجلس الشورى، ومدير مكتبة الحرم المكي، فإنه أمدني ببعض المراجع من مكتبته الخاصة النفيسة.
ورجائي ممن يطالع كتابي هذا من أهل العلم أن يكتب إلي بما عنده من ملاحظات واستدراكات، لأراعيها أنا - أو من شاء الله تعالى- عند إعادة طبع الكتاب إن شاء الله تعالى. وفقنا الله جميعاً لما يحب ويرضي.
غرة شهر رجب سنة 1378 المؤلف
عبد الرحمن بن يحيى المعلمي
بسم الله الرحمن الرحيم
(153/1)
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
أما بعد، فإنه وقع إلي كتاب جمعه الأستاذ محمود أبو رية وسماه (( أضواء على السنة المحمدية)) فطالعته وتدبرته، فوجدته جمعاً وترتيباً وتكميلاً للمطاعن في السنة النبوية، مع أشياء أخرى تتعلق بالمصطلح وغيره.
وقد ألف أخي العلامة الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة – وهو على فراش المرض- عافاه الله- رداً مبسوطاً على كتاب أبي رية لم يكمل حتى الآن.ورأيت من الحق علي أن أضع رسالة أسوق فيها القضايا التي ذكرها أبو رية، وأعقب كل قضية ببيان الحق فيها متحرياً إن شاء الله تعالى الحق،وأسأل الله التوفيق والتسديد، إنه لا حول ولا قوة إلا به، وهو حسبي ونعم الوكيل.
عُني أبو رية بإطراء كتابه، فأثبت على لوحة: (( دراسة محررة تناولت حياة الحديث المحمدي وتاريخه، وكل ما يتعلق به من أمور الدين والدنيا. وهذه الدراسة الجامعية التي قامت على قواعد التحقيق العلمي (؟!) هي الأولى في موضوعها، لم ينسج أحد من قبل على منوالها )).
وكرر الإطراء في مقدمته وخاتمته، وكنت أحب له لو ترفع عن ذلك وترك الكتاب يبنبيء عن نفسه، فإنه – عند العقلاء – أرفع له ولكتابه إن حمدوا الكتاب، وأخف للذم إذا لم يحمدوه.
(153/2)
بل استجراه حرصه على إطراء كتابه إلى أمور أكرهها له، تأتي الإشارة إلى بعضها قريباً إن شاء الله. كان مقتضى ثقته بكتابه وقضاياه أن يدعو مخالفيه إلى الرد عليه إن استطاعوا، فما باله يتقيهم بسلاح يرتد عليه وعلى كتابه، إذ يقول ص14 (( وقد ينبعث له من يتطاول إلى معارضته ممن تعفنت أفكارهم وتحجرت عقولهم )). ويقول في آخر كتابه (( وإن تضق به صدور الحشوية وشيوخ الجهل من زوامل الأسفار، الذين يخشون على علمهم المزور من سطوة الحق، ويخافون على كساد بضاعته العفنة التي يستأكلون بها أموال الناس بالباطل،أن يكتنفهم ضوء العلم الصحيح، ويهتك سترهم ضوء الحجة البالغة، فهذا لا يهمنا، وليس لمثل هؤلاء خطر عندنا ولا وزن في حسابنا )). أما أنا، فأرجوا أن لا يكون لي ولا لأبي رية ولا لمتبوعيه عند القراء خطر ولا وزن، وأن يكون الخطر والوزن للحق وحده.
/ قال أبو رية ص 4 (( تعريف بالكتاب )) يعني كتابه طبعاً. ثم ذكر علو قدر الحديث النبوي، ثم قال: (( وعلى أنه بهذه المكانة الجليلة والمنزلة الرفيعة، فإن العلماء والأدباء لم يولوه ما يستحق من العناية والدرس، وتركوا أمره لمن يسمون رجال الحديث يتداولونه فيما بينهم ويدرسونه على طريقتهم، وطريقة هذه الفئة التي اتخذتها لنفسها قامت على قواعد جامدة لا تتغير ولا تتبدل، فترى المتقدمين منهم وهم الذين وضعوا هذه القواعد قد حصروا عنايتهم في معرفة رواة الحديث والبحث على قدر الوسع في تاريخهم، ولا عليهم بعد ذلك إن كان ما يصدر عن هؤلاء الرواة صحيحاً في نفسه أو غير صحيح، معقولاً أو غير معقول، إذ وقفوا بعلمهم عند ما يتصل بالسند فحسب، أما المعنى فلا يعنيهم من أمره شيء… ))
أقول: مراده بقوله (( العلماء )) المشتغلون بعلم الكلام والفلسفة، ولم يكن منهم أحد في الصحابة والمهتدين بهديهم من علماء التابعين وأتباعهم والذين يلونهم، هؤلاء
(153/3)
كلهم ممن سماهم(( رجال الحديث )) ومنهم عامة المشهورين عند الأمة بالعلم والإمامة من السلف. أولئك كلهم ليسوا عند أبي رية علماء، لأنهم لم يكونوا يخوضون في غوامض المعقول، بل يفرون منها وينهون عنها ويعدونها زيفاً وضلالاً وخروجاً عن الصراط المستقيم، وقنعوا بعقل العامة! وأقول: مهما تكن حالهم فقد كانوا عقلاء العقل الذي ارتضاه الله عزوجل لأصحاب رسوله ورضيهم سبحانه لمعرفته ولفهم كتابه، ورضى ذلك منهم، وشهد لهم بأنهم ( المؤمنون حقاً )، ( الراسخون في العلم )، (خير أمة أخرجت للناس ) وقال لهم في أواخر حياة رسوله: ( ا ليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي )، فمن زعم أن عقولهم لم تكن مع تسديد الشرع لها كافية وافية بمعرفة الله تعالى وفهم كتابه ومعرفة ما لا يتم الإيمان ولا يكمل الدين إلا بمعرفته؛ فأنما طعن في الدين نفسه. وكان التابعون المهتدون بهدي الصحابة أقرب الخلق إليهم عقلاً وعلماً وهدياً، وهكذا من اهتدى بهديهم من الطبقات التي بعدهم، وهؤلاء هم الذين سماهم أبو رية (( رجال الحديث )) قد يقال: أما نفي العلم والعقل عنهم فلا التفات إليه، ولكن هل راعوا العقل في قبول الحديث وتصحيحه؟ أقول: نعم، راعوا ذلك في أربعة مواطن: عند السماع، وعند التحديث، وعند الحكم على الرواة، وعند الحكم على الأحاديث، فالمتثبتون إذا سمعوا خبراتمتنع صحته أو تبعد لم يكتبوه ولم يحفظوه، فإن حفظوه لم يحدثوا به، فإن ظهرت مصلحة لذكره ذكروه مع القدح فيه وفي الراوي الذي عليه تبعته. وقال الإمام الشافعي في الرسالة ص 399: (( وذلك أن يستدل على الصدق والكذب فيه بأن يحدث المحدث ما لا يجوز أن يكون مثله أو ما يخالفه ما هو أثبت أو أكثر دلالات بالصدق منه )). وقال الخطيب في الكفاية في علم الرواية ص 429: (( باب وجوب إخراج المنكر والمستحيل من الأحاديث )). وفي الرواية جماعة يتسامحون عند السماع وعند التحديث، لكن الأئمة بالمرصاد للرواة، فلا
(153/4)
تكاد تجد حديثاً بين البطلان إلا وجدت في سنده واحداً أو اثنين أوجماعة قد جرحهم الأئمة،والأئمة كثيراً ما يجرحون الراوي بخبر واحد منكر جاء به، فضلاً عن / خبرين أو أكثر.
ويقولون للخبر الذين تمتنع صحته أو تبعد: (( منكر )) أو (( باطل )). وتجد ذلك كثيراً في تراجم الضعفاء، وكتب العلل والموضوعات، والمتثبتون لا يوثقون الراوي حتى يستعرضوا حديثه وينقدوه حديثا ًحديثاً.
فأما تصحيح الأحاديث فهم به أعنى وأشد احتياطا، نعم ليس كل من حكي عنه توثيق أو تصحيح متثبتاً، ولكن العارف الممارس يميز هؤلاء من أولئك.
هذا وقد عرف الأئمة الذين صححوا الأحاديث، أن منها أحاديث تثقل على بعض المتكلمين ونحوهم، ولكنهم وجدوها موافقة للعقل المعتد به في الدين، مستكملة شرائط الصحة الأخرى، وفوق ذلك وجدوا في القرآن آيات كثيرة توافقها أو تلاقيها، أو هي من قبيلها، قد ثقلت هي أيضاً على المتكلمين،وقد علموا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدين بالقرآن ويقتدي به، فمن المعقول جداً أن يجيء في كلامه نحو ما في القرآن من تلك الآيات.
من الحقائق التي يجب أن لا يغفل عنها أن الفريق الأول وهم الصحابة ومن اهتدى بهديهم من التابعين وأتباعهم ومن بعدهم عاشوا مع الله ورسوله، فالصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم وهديه ومع القرآن، والتابعون مع القرآن والصحابة والسنة وهلم جرا. وإن الفريق الثاني وهم المتكلمون والمتفلسفون ونحوهم عاشوا مع النظريات والشبهات والأغلوطات والمخاصمات، والمؤمن يعلم أن الهدي بيد الله، وأنه سبحانه إذا شرع إلى الهدى سبيلاً فالعدول إلى غيره لن يكون إلا تباعداً عنه وتعرضاً للحرمان منه، وبهذا جاء القرآن، وعليه تدل أحوال السلف واعتراف بعض أكابرهم في أواخر أعمارهم، والدقائق الطبيعية شيء والحقائق الدينية شيء آخر، فمن ظن الطريق إلى تلك طريقاً إلى هذه فقد ضل ضلالاً بعيداً.
(153/5)
واعلم أن أكثر المتكلمين لا يردون الأحاديث التي صححها أئمة الحديث، ولكنهم يتأولونها كما يتأولون الآيات التي يخالفون معانيها الظاهرة. لكن بعضهم رأى أن تأويل تلك الآيات والأحاديث تعسف ينكره العارف باللسان وبقانون الكلام وبطبيعة العصر النبوي، والذي يخشونه من تكذيب القرآن لا يخشونه من تكذيب الأحاديث، فأقدموا عليه وفي نفوسهم ما فيها، ولهم عدة مؤلفات في تأويل الأحاديث أو ردّها – قد طبع بعضها – فلم يهملوا الأحاديث كما زعم أبو رية.
قول أبي رية (( والأدباء )) يعني بهم علماء البلاغة، يريد أنهم لم يتصدوا لنقد الأحاديث بمقتضى البلاغة، قال في ص6 (( ولما وصلت من دراستي إلى كتب الحديث ألفيت فيها من الأحاديث ما يبعد أن يكون في / ألفاظه أو معانيه أو أسلوبه من محكم قوله وبارع منطقه صلوات الله عليه … ومما كان يثير عجبي أنى إذا قرأت كلمة لأحد أجلاف العرب أهتز لبلاغتها، وتعروني أريحية من جزالتها، وإذا قرأت لبعض ما ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول لا أجده له هذه الأريحية ولا ذاك الاهتزاز، وكنت أعجب كيف يصدر عنه صلوات الله عليه مثل هذا الكلام المغسول من البلاغة، والعارى عن الفصاحة، وهو أبلغ من نطق بالضاد، أو يأتي منه مثل تلك المعاني السقيمة،وهو أحكم من دعا إلى رشاد ))
(153/6)
أقول: أما الأحاديث الصحيحة فليست هي بهذه المثابة، والاهتزاز والأريحية مما يختلف باختلاف الفهم والذوق والهوى، ولئن كان صادقاً في أن هذه حاله مع الأحاديث الصحيحة فلن يكون حاله مع كثير من آيات القرآن وسوره إلا قريباً من ذلك. هذا والبلاغة مطابقة الكلام لمقتضى الحال، والنبي صلى الله عليه وسلم كان همه إفهام الناس وتعليمهم على اختلاف طبقاتهم، وقد أمره الله تعالى أن يقول ( وما أنا من المتكلفين ) والكلمات المنقولة عن العرب ليست بشيء يذكر بالنسبة إلى كلامهم كله، وإنما نقلت لطرافتها، ومقتضى ذلك أنه لم يستطرف من كلامهم غيرها. وكذلك المنقول من شعرهم قليل، وإنما نقل ما استجيد، والشعر مظنة التصنع البالغ، ومع ذلك قد تقرأ القصيدة فلا تهتز إلا للبيت والبيتين، ثم إن كثيراً مما نقل عن
النبي صلى الله عليه وسلم روي بالمعنى كما يأتي، فأما سقم المعنى فقد ذكر علماء الحديث أنه من علامات الموضوع، كما نقله أبو رية نفسه ص 104.
وذكر ابن أبي حاتم في تقدمة ( الجرح والتعديل ) ص 351 في علامات الصحيح (( أن يكون كلاماً يصلح أن يكون من كلام النبوة )) فإن كان أبو رية يستسقم معاني الأحاديث الصحيحة فمن نفسه أتي.
يجد مرّاً به العذبَ الزُّلالا
ومن يكُ ذا فم مرّ مريض
قوله: (( أما المعنى فلا يعنيهم من أمره شيء )) كذا قال، وقد أسلفتُ أن رعايتهم للمعنى سابقة، يراعونه عند السماع، وعند التحديث،وعند الحكم على الراوي، ثم يراعونه عند التصحيح، ومنهم من يتسامح في بعض ذلك، وهم معروفون كما تقدم. وقد قال أبو رية ص104: (( ذكر المحققون أموراً كلية يعرف بها أن الحديث موضوع … )) فذكر جميع ما يتعلق بالمعنى- نقلاً عنهم.
فإن قال: ولكن مصححي الأحاديث لم يراعوا ذلك.
(153/7)
قلت: أما المثبتون كالبخاري ومسلم فقد راعوا ذلك، بلى في كل منهما أحاديث يسيرة انتقدها بعض الحفاظ أو ينتقدها بعض الناس. ومرجع ذلك إما إلى اختلاف النظر، وإما إلى اصطلاح لهما يغفل عنه المنتقد، وإما إلى الخطأ الذي لا ينجو منه بشر، وقد انُتقدت عليهما أحاديث من جهة السند، فهل يقال لأجل ذلك إنهمالم يراعيا هذا أيضاً؟
/ قال ص5 (( وعلى أنهم قد بذلوا أقصى جهدهم في دراسة علم الحديث من حيث روايته… فإنهم قد أهملوا جميعاً أمراً خطيراً …. أما هذا كله.. فقد انصرف عنه العلماء والباحثون، وتركوه أخباراً في بطون الكتب مبعثرة…)).
يعني فجمعها هو في كتابه. وغالب ذلك قد تكفلت به كتب المصطلح، وسائره في كتب أخرى من تأليف المحدثين أنفسهم، ومنها ينقل أبو رية.
وقال ص6(( أسباب تصنيف هذا الكتاب الخ )) إلى أن قال: (( ومما راعني أنى أجد في معاني كثير من الأحاديث ما لا يقبله عقل صريح )).
أقول: لا ريب أن في ما ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من الأخبار ما يرده العقل الصريح، وقد جمع المحدثون ذلك وما يقرب منه في كتب الموضوعات، وما لم يذكر فيها منه فلن تجد له إسناداً متصلاً إلا وفي رجاله ممن جرحه أئمة الحديث رجل أو أكثر، وزعم أن في الصحيحين شيئاً من ذلك سيأتي النظر فيه وقد تقدمت قضية العقل.
قال (( ولا يثبته علم صحيح ولا يؤيده حس ظاهر أو كتاب متواتر )) أقول: لا أدري ما فائدة هذا،مع العلم بأن ما يثبته العلم الصحيح أو يؤيده الحس الظاهر لابد أن يقبله العقل الصريح، وإن القرآن لا يؤيد ما لا يقبله العقل الصريح.
ثم قال: (( كنت أسمع من شيوخ الدين عفا الله عنهم أن الأحاديث التي تحملها كتب السنة قد جاءت كلها على حقيقتها … ))
(153/8)
أقول: العامة في باديتتا اليمن، والعامة من مسلمي الهند، إذا ذكرت لأحدهم حديثاُ قال: أصحيح هو؟ فإن قلت له: هو في سنن الترمذي- مثلاً- قال: هل جميع الأحاديث التي في الكتاب المذكور صحيحة؟ فهل هؤلاء أعلم من شيوخ الدين في مصر؟
ثم ذكر حديث (( من كذب علىّ الخ )) وقضايا أخرى ذكر أنها انكشفت له، أجمل القول فيها هنا على أن يفصلها بعد، فأخرت النظر فيها إلى موضع تفصيلها.
ثم قال ص 13 (( لما انكشف لي ذلك كله وغيره مما يحمله كتابنا، وبدت لي حياة الحديث المحمدي في صورة واضحة جلية تتراءى في مرآة مصقولة، أصحبت على بينة من أمر ما نسب إلى الرسول من أحاديث آخذ ما آخذ منه ونفسي راضية، وأدع ما أدع وقلبي مطمئن، ولا على في هذا أو ذلك حرج، أو جناح ))
أقول: أما إنه بعد إطلاعه على ما نقله في كتابه هذا صار عارفا بتاريخ الحديث النبوي إجمالاً فهذا قريب، لولا أن هناك قضايا عظيمةيصورها في كتابه هذا على نقيض حقيقتها كما سنقيم عليه الحجة ا لواضحة إن شاء الله تعالى.
وأما أنه أصحب على بينة إلى آخر ما قال فهذه دعوى تحتمل تفسيرين: الأول: أنه أصبح يعرف بنظرة واحدة إلى الحديث من الأحاديث حقيقة حاله من الصحة قطعاً أو ظناً/ أو احتمالاً أو البطلان كذلك.
الثاني: أنه ساء ظنه بالحديث النبوي- إن لم يكن بالدين كله – فصار لا يراه إلا أداة يستغلها الناس لأهوائهم، فأصبح يأخذ منه ما يوافق هواه، ويرد ما يخالف هواه، بدون اعتبار لما في نفس الأمر من صحة أو بطلان. من الجور أن نزعم أن مراد أبي رية هو ما تضمنه التفسير الأول، لأن ذلك باطل مكشوف، وذلك أن للقضية شطرين: الأول: أن يدع الحديث، الثاني: أنه يأخذ به.
(153/9)
فأما الشطر الأول، فالمسلم لا يدع الحديث وقلبه مطمئن، إلا إذا بان له أنه لا يصح، والذي في كتاب أبي رية مما ذكر أنه يدل على عدم الصحة، إما أن يقتضي امتناع الصحة قطعاً، كمناقضة الخبر للعقل الصريح أو للحس أو لنص القرآن، وإما أن يقتضي استبعادها فقط، والأول لا يحتاج الناس فيه إلى كتاب أبي رية هذا، والثاني لا يكفي، فإنه قد يثبت الخبر ثبوتاً يدفع الاستبعاد، إذن فثمرة مجهوده وكتابه بالنظر إلى هذا الشطر ضئيلة لا يليق التبجح بها.وأما الشطر الثاني، فمن الواضح أن انتفاء الموانع الظاهرة كمناقضة العقل الصريح ونحوه إنما يفيد إمكان الصحة، ثم يحتاج بعد ذلك إلى النظر في السنة، فإن كان موثق الرجال، ظاهر الاتصال، قيل: صحيح الإسناد، ثم يبقى احتمال العلة القادحة بما فيه من
الشذوذ الضار، والتفرد الذي لا يحتمل.
والنظر في ذلك هو كما قال أبو رية ص 302 (( لا يقوم به إلا من كان له فهم ثاقب وحفظ واسع، ومعرفة تامة بالأسانيد والمتون وأحوال الرواة )) وهذه درجة لا تنال بمجهود أبي رية ولا بأضعاف أضعافه، فبان يقيناً أن أبا رية لا يمكنه الاستقلال بتصحيح حديث، بل كتابه ينادي عليه أنه لا يمكنه أن يستقل بتصحيح إسناد. إذن فلم يفده مجهوده شيئاً في هذا الشطر، وبقي فيه كما كان عالة على تصحيح علماء الحديث. هذا حال التفسير الأول.
وأما التفسير الثاني فلا أدري، غير أنه يشهد له صنيع أبي رية في ما يأتي من كتابه من رد الأحاديث والأخبار الثابتة،والاحتجاج كثيراً بالضعيفة والواهية والمكذوبة، والله أعلم.
قال ص 13 (( ولا يتوهمن أحد أني بدع في ذلك، فإن علماء الأمة لم يأخذوا بكل حديث نقلته إليهم كتب السنة، فليسعني ما وسعهم بعد ما تبين لي ما تبين لهم، وهذا أمر معلوم لا يختلف فيه عالم، اللهم إلا الحشوية الذين يؤمنون بكل ما حمل سيل الرواية، سواء كان صحيحاً أم غير صحيح، ما دام قد ثبت سنده على طريقتهم ))
(153/10)
أقول: لم يجهل أحد من أهل العلم ما قدمته قريباً في شأن صحة الحديث، ولكنهم لا يجيزون مخالفة حديث تبين إمكان / صحته ثم ثبت صحة إسناده ولم يعلم ما يقدح فيه أو يعارضه. وأبو رية يعيب عليهم هذا، ويبيح لنفسه أن يعارض نصوص القرآن وإجماع أهل الحق بأحاديث وأخبار وحكايات لا يعرف حال أسانيدها، ومنها الضعيف والواهي والساقط والكذب، ويكثر من ذلك كما ستراه
قد يقال: ربما يدّعي أنه أصبحت له ملكة وذوق يعرف بهما الصحيح بدون معرفة سند ولا غيره ! أقول: هذه دعوى لا تقع من عاقل يحترم عقول الناس،
وقد قال أبو رية ص 21 (( قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصدق بعض ما يفتريه المنافقون )) ونقل ص 142 عن صاحب المنار محتجاً به قوله (( والنبي صلى الله عليه وسلم ما كان يعلم الغيب، فهو كسائر البشر يحمل كلام الناس على الصدق إذا لم تحف به شبهة، وكثيراً ماصدق المنافقين والكفار في أحاديثهم )) فهل يدّعي أبو رية لنفسه درجة لم يبلغها النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره؟ إذن فلن نعدم ممن عرف ما في كتابه هذا وأضعاف أضعافه من يعارضه قائلاً: قد حصل لي ملكة وذوق أعلى مما حصل لك، وأنا أعرف بطلان هذا الذي احتججت به، فتسقط الدعويان، ويقوم العقل والعدل. أما ذكره عن علماء الأمة فستأتي حكايته في ذلك ونبين حالها إن شاء الله. والحق أنه لم يكن في علماء الأمة المرضيين من يرد حديثاً بلغه إلا لعذر يحتمله له أكثر أهل العلم على الأقل، ولو كان حال أبي رية في الرد والعذر كحال أحدهم لساغ أن يقال: يسعه ما يسعهم، وإن كان البون شاسعاً جداً. ولكن له شأن آخر كما يأتي.
قال: قال ابن أبي ليلى(( لا يفقه الرجل في الحديث حتى يأخذ منه ويدع )) وقال عبد الرحمن بن مهدي (( لا يكون إماماً في الحديث من تتبع شواذ الحديث، أو حدث بكل ما يسمع، أوحدث عن كل أحد ))
(153/11)
أقول: هذا موجه إلى فريق من الرواة كانوا يكتبون ويروون كل ما يسمعون من الأخبار، يرون أنه ليس عليهم إلا الأمانة والصدق وبيان الأسانيد، تاركين النقد والفقه في الحديث والإمامة لغيرهم. فأما الأخذ والرد للعمل والاحتجاج، فكل أحد يعلم أنه يؤخذ ما يصح،ويترك ما لا يصح.ومر قريباً حال أو رية في هذا
قال أبو رية (( ولما كان هذا البحث لم يعن به أحد من قبل كما قلنا … )) أقول: قد تقدم أن الذي يسوغ له ادعاؤه هو أنه جمع في كتابه هذا ما لم يجمع
في كتاب من قبل، والقناعة راحة
ثم قال (( وكان يجب أن يفرد بالتأليف منذ ألف سنة عندما ظهرت كتب الحديث المعروفة… حتى توضع هذه الكتب في مكانها الصحيح من الدين، ويعرف الناس حقيقة ما روي فيها من أحاديث … ))
أقول: إن ما جمعه في كتابه من كلام غيره منه ماهو مقبول، ومنه ما يعلم حاله من رسالتي هذه، فأما المقبول فمن مؤلفات/ المحدثين نقل، وفيها أكثر منه وأنفع وأرفع، وأما المرذول فليس له حساب وقد نبهوا عليه في مؤلفاتهم، وكثرة الباطل نقصان، غير أن للباطل هواة: منهم طائقة يثني عليها أبو رية من قلبه، وطائفة لا يرضها ولكنه رأى أن في كلامه ما يعجبها فراح يتملقها في مواضع رجاء أن يروج لديها كتابه كماراج لديها كتاب فلان
ثم قال ص 14 ((ولأن هذا البحث كما قلنا طريف أو غريب ))
أقول: قد خجلت من كثرة مناقشة أبي رية في إطرائه لكتابه، مع أنه عنده بمنزلة ولده يتعزى به عن ولده العزيز مصطقى، ولذلك جعله باسمه كما ذكره أول الكتاب تحت عنوان (( الاهداء )) وأحسبه يتصور أن الرد على كتابه معناه أن يلحق هذا الولد بمصطفى، ولذلك يقول هنا (( وقد ينبعث له من يتطاول إلى معارضته ممن تعفنت أفكارهم وتحجرت عقولهم )) ولو قال: قلوبهم لكان أنسب لحاله
قال (( فقد استكثرت فيه من الأدلة التي لا يرقى الشك إليها، وأتزيد من الشواهد التي لا ينال الضعف منها ))
أقول:
أفرس تحتك أم حمار !
(153/12)
سوف ترى إذا انجلى الغبار
قال: (( وبرغمي أن أنصرف في هذا الكتاب عن النقد والتحليل، وهي الأصول التي يقوم العلم الصحيح في هذا العصر عليها ))
أقول: قد ذكر هو ص 327 أن علماء الحديث قد عرفوا تلك الأصول ونقل عن صاحب المنار قوله (( إن لعلماء فقه الحديث من وراء نقد أسانيد الأخبار والآثار نقدا آخر لمتونها.. ويشاركهم في هذا النوع من النقد رجال الفلسفة والأدب والتاريخ ويسمونه في عصرنا النقد التحليلي )) فإن كان أبو رية يحسنه فإنماً عدل عنه ليتسع له المجال فيما يكره أن يتضح للمثقفين
(153/13)
لكن قال بعد هذا (( وقد اضطررت إلى ذلك لأن قومنا حديثوا عهد بمثل هذا البحث، على أنى أرجو أن يكون قد انقضى ذلك العهد الذي لا يشيع فيه إلا النفاق العلمي والرثاء الديني، ولا ينشر فيه إلا ما يروج بين الدهماء ويرضي عنه من يزعمون للناس زورا أنهم من المحدِّثين أو العلماء )) وهذا يشعر أو يصرح بأنه يريد بالنقد التحليلي أمراً آخر انصرف برغمه عنه اتقاء لعلماء المسلين وعامتهم وأخذا بنصيب مما يسميه بالنفاق العلمي والرثاء الديني. وفي كتابه أشياء تدل على قرب وأشياء تلد على بعد، وعبارته هذه ونحوها قريب من الضرب الأول وتلفت النظر إلى الثاني، فمنه ما مر في أ ول كتابه من الإشارة إلى أن جميع الذين اشتهروا في القرون الأولى بالعلم والإمامة ليسوا عنده علماء. ويأتي كلامه في الصحابة رضي الله عنهم وهجوه السوقى لأبي هريرة رضي الله عنه ومحاولته قلب محاسنه عيوباً والاستدلال بالحكايات الكاذبة للغض منزه واختلاق التهم / الباطلة لتكذيبه، وذلك ينبئ عن فقر مدقع من توقير النبي صلى الله عليه وسلم واحترام جانبه وجحود شديد لبركة صحبته وملازمته وخدمته، وأهم من ذلك أن أبا رية يقسم الدين إلى عام وخاص، ويقول إن العام هو الدلائل القطعية من القرآن، والسنن العملية المتواترة التي أجمع عليها مسلمو الصدر الأول وكانت معلومة عندهم بالضرورة. انظر ص 350 في كتابه. ثم يعود فيقرر أن الدلائل النقلية كلها ظنية. انظر 353،346منه. وأن الدين كله في القرآن لا يحتاج معه إلى غيره. ((حسبنا كتاب الله )) انظر ص 349 منه، وأنه لا يلزم من الإجماع على حكم مطابقته لحكم الله في نفس الأمر )) انظر ص352منه. ومجموع هذا يقتضي أن يكون الدين كله خاصاً عنده. ومعنى الخاص على ما يظهر من كلامه أن الدين فيما عدا الأمور القضائية (( موكول إلى اجتهاد الأفراد )) كأنه يريد أنه قضية فردية تخص كل فرد فيما بينه وبين الله لا شأن له بغيره ولا لغيره به. وفي الأمور
(153/14)
القضائية (( موكول إلى أولى الأمر )) كأنه يريد أن للمقنن أو القاضي أن يأخذ بالحكم الديني إذا وافق رأيه وله أن يدعه. انظر ص 353 منه. وتجده يحتج كثيراً بأقوال لا يعتقد صحتها بل قد يعتقد بطلانها ولكنه يراها موافقة لغرضه. ويحاول إبطال أحاديث صحيحة بشبهات ينتقل الذهن فور إيرادها إلى ورودها على آيات من القرآن. فهذا وأشباهه يجعلنا نشفق على أبي رية ومنه.
قال (( وأرجو كذلك وقد حسرت النقاب عن وجه الحق في أمر الحديث المحمدي الذي جعلوه الأصل الثاني من الأدلة الشرعية بعد السنة العملية.. . )) أقول: نعم نحن المسلمين لا نفرق بين الله ورسله، بل نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله المبلغ لدين الله والمبين لكتاب الله بسنته، بقوله وفعله وغير ذلك مما بين به الدين، ونؤمن وندين بما بلغنا إياه بالكتاب وبالسنة، والأحاديث أخبار عن السنة، إذا ثبتت ثبت ما دلت عليه السنة، ولسنا نحن بالجاعلى السنة بهذه المرتبة، بل الله عزوجل جعلها. وهذا أمر معلوم من الدين بالضرورة، وقد تكفل الله تعالى بحفظ دينه، ووفق الأمة التي وصفها بأنها خير أمة أخرجت للناس فقام أئمتها وعلماؤها بما أمروا به من حفظ الدين وتبليغه على الوجه الذي اختاره الله ورسوله فلم يزل محفوظاً إن خفي بعضه عل الجهال لم يخف على العلماء، وإن خفي على بعض العلماء لم يخف على بقيتهم، وما في كتابك هذا من حق فمنهم نقلته، وباطلك مردود عليك.
قال (( واتخذوا منه أسانيد لتأييد الفرق الإسلامية ودلائل على الخرافات
والأوهام، وقالوا بزعمهم إنها دينية ))
(153/15)
أقول: ما من فرقة من الفرق الإسلامية إلا ولديها شيء من الحق، وما تسميه أنت خرافات وأوهاما منه ما هو حق وإن / زعمت. والأحاديث التي يثبتها أهل العلم حق ولا يستنكر للحق أن يشهد للحق، وأما الأحاديث الباطلة فمنها ما نصوا على بطلانه وهو كثير، ومنها ما يعرف بالنظر فيه على طريقتهم بطلانه أو وهنه أو على الأقل الشك في صحته.
قال(( وكشفت القناع عما خفي على الناس أمره ))
أقول: أما أهل العلم فلم تزدهم علماً، وأما غيرهم فالذي في كتابك مما يضللهم ويلبس عليهم دينهم أكثر مما قد يفيدهم
ثم قال (( أرجو أن أكون قد وفقت إلى.. . الدفاع عن السنة القولية وحياطتها عما يشوبها، وأن يصان كلام الرسول من أن يتدسس إليه شيء من افتراء الكاذبين، أو ينال منه كيد المنافقين وأعداء الدين، وأن تنزه ذاته الكريمة من أن يعزى إليها إلا ما يتفق وسمو مكانها وجلال قدرها.. .. ))
أقول: أما ما نقله من كتب علماء الحديث من شرائط الصحيح وبيان المعتل وعلامات الموضوع وبيان أن كثيراً من الأحاديث الصحيحة رويت بالمعنى ونحو ذلك فإنه يليق به هذاالوصف. وأما كثير مما نقله عن غيرهم أو جاء به من عنده فوصفه بذلك بمنزلة أن يجمع رجل كتاباً يطعن في آيات كتيرة من القرآن بزعم أنها ليست منه وأن فيه كثيراً من ذلك ثم يزعم أن غرضه هو (( الدفاع عن الكلام الرباني وحياطته عما يشوبه ,أن يصان كلام رب العزة.. .. وأن تنزه ذاته المقدسة من أن يعزى إليها إلا ما يليق بجلالها.. .. )) ونحو ذلك
قال ص15 (( وإذا كان هذا الكتاب سيغير ولا ريب من آراء كثير من المسلمين فيما ورثوه من عقائد.فإنه سيقفهم إن شاء الله على حقائق كثيرة تزيدهم تبصرة وعلماً بدينهم، ويحل لهم مشاكل متعددة مما تضيق به صدروهم، ويدفع شبهات يتكئ عليها المخالفون.. . ))
أقول: الكلام على هذا نحو مما قبله.
(153/16)
وبعد فإن أضر الناس على الإسلام والمسلمين هم المحامون الاستسلاميون، يطعن الأعداء في عقيدة من عقائد الإسلام أوحكم من أحكامه ونحو ذلك فلا يكون عند أ ولئك المحامين من الإيمان واليقين والعلم الراسخ بالدين والاستحقاق لعون الله وتأييده ما يثبتهم على الحق ويهديهم إلى دفع الشبهة، فيلجأون إلى الاستسلام بنظام، ونظام المتقدمين التحريف ونظام المتوسطين زعم أن النصوص النقلية لا تفيد اليقين والمطلوب في أصول الدين اليقين، فعزلوا كتاب الله وسنة رسوله عن أصول الدين، ونظام بعض العصريين التشذيب.
وأبو رية يحاول استعمال الأنظمة الثلاثة ويوغل في الثالث، على أن أولئك الذين سميتهم محامين كثيراً ما يكونون هم الخصوم، والباطل جشع، وقد قال الله تبارك وتعالى ( 70:23ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن)
/ وقال الله عزوجل (120:2ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم، قل إن هدى الله هو الهدى ) وقال سبحانه (100:3 يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين. وكيف تكفرن بالله وأنتم تتلى علكيم آيات الله وفيكم رسوله ) والرسول فينا بسنته. وقال تعالى (217:2 ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا، ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أ عمالهم في الدينا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)
قال أبو رية ص 15: (( وإني لأتوجه بعملي هذا – بعد الله سبحانه وله العزة- إلى المثقفين من المسلمين خاصة، ولى المعتمين بالدراسات الدينية عامة)) يعني المستشرقين من اليهود والنصارى والملحدين (( ذلك بأن هؤلاء وهؤلاء الذين يعرفون قدره.والله أدعو أن يجدوا فيه جميعاً ما يرضيهم ويرضي العلم والحق معهم ))
(153/17)
أقول: أما المستشرقون فالذي يرضيهم معروف. وأما المثقفون فيريد أبو رية الثقافة الغربية، ويطمع أبا رية فيهم أن يرى أكثرهم عزلاً عن الواقيين الاسلاميين: العلم الديني، والمناعة. وأما علماء المسلمين، وعامتهم وهم مظنة الخير فهم عند أبي رية سفهاء، واقرأ عشرين آية من أول سورة البقرة
ثم ختم أبو رية مقدمته بالدعاء لمجهوده وكتابه.وأنا أسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعني والمسلمين ومن شاء من عباده بما في كتابي من صواب، ويقيني وإياهم شر ما فيه من خطأ، ويوفقنا جميعاً لما يحبه ويرضاه
السنة
/ ثم شرع أبو رية بعد الخطبة في الكتاب فقال في ص 16 (( السنة.. . ))، ونقل عبارات منها عبارة عن تعريفات الجرجاني زاد في آخرها زيادة في نحو ثلاثة أسطر لم أجدها في التعريفات في آخرها (( ثم اصطلح المحدثون على تسمية كلام الرسول حديثاً وسنة )) ثم قال أبو رية (( وقالوا: السنة تطلق في الأكثر على ما أضيف إلى النبي من قول أو فعل أو تقرير ))
أقول: تطلق السنة لغة وشرعاً على وجهين: الأول: الأمر يبتدئه الرجل فيتبعه فيه غيره. ومنه ما في صحيح مسلم في قصة الذي تصدق بصرة فتبعه الناس فتصدقوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( من سن في الإسلام سنة حسنة فعمل بها بعده كتب له مثل أ جر من عمل بها... )) الحديث. والوجه الثاني: السيرة العامة، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى هي التي تقابل الكتاب، وتسمى الهدى.
(153/18)
وفي صحيح مسلم: أ ن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته (( أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة )) هذا وكل شأن من شئون النبي صلى الله عليه وسلم الجزئية المتعلقة بالدين من قول أو فعل أو كف أو تقرير، سنة بالمعنى الأول،و مجموع ذلك هو السنة بالمعنى الثاني. ومدلولات الأحاديث الثابتة هو السنة أو من السنة حقيقة، فإن أطلقت (( السنة )) على ألفاظها فمجاز أو اصطلاح. وإنما أوضحت هذا لأن أبا رية يتوهم أو يوهم أنه لا علاقة للأحاديث بالسنة الحقيقية.
ثم قال ص17 (( مكان السنة من الدين. جعلوا السنة القولية في الدرجة الثانية أو في الدرجة الثالثة من الدين.. .. وأما الذي هو في الدرجة ا لثانية من الدين فهو السنة العملية ))
أقول: المعروف بين أهل العلم قولهم (( الكتاب والسنة )) ثم يقسمون دلالات الكتاب إلى قطعية وغيرها، والسنة إلى متواتر وآحاد، وإلى قول وفعل وتقرير- إلى غير ذلك من التقسيمات. وسيأتي ذكر (( ثلاث مراتب )) من صاحب المنار، وننظر فيه
فأما منزلة السنة جملة من الدين فلا نزاع بين المسلمين أن ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من أمر الدين فهو ثابت عن الله عز وجل، ونصوص القرآن في ذلك كثيرة، منها (80:4 من يطع الرسول فقد أطاع الله) وكل مسلم يعلم أن الإيمان لا يحصل إلا بتصديق الرسول فيما بلغه عن ربه، وقد بلغ الرسول بسنته كما بلغ كتاب الله عزوجل.
(153/19)
ثم تكلم الناس في الترتيب بالنظر إلى التشريع، فمن قائل: السنة قاضية على الكتاب/ وقائل: السنة تبين الكتاب. وقائل: السنة في المرتبة الثانية بعدالكتاب. وانتصر الشاطبي في الموافقات لهذا القول وأطال، ومما استدل به هو وغيره قول الله عزوجل (89:16ويوم نبعث في كل أمة شهيداً عليهم من أنفسهم وجئناً بك شهيداً على هؤلاء، ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة للمسلمين. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون )
قالوا: فقوله (( تبياناً لكل شيء )) واضح في أن الشريعة كلها مبينة في القرآن. ووجدنا الله تعالى قد قال في هذه السورة (44:16 وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ) فعلمنا أن البيان الذي في قوله ( تبياناً لكل شيء ) غير البيان الموكول إلى الرسول. ففي القرآن سوى البيان المفصل الوافي بيان مجمل وهو ضربان: الأول: الأمر بالصلاة والزكاة والحج والعدل والإحسان وإيتاء ذي
القربى، والنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي، وتحريم الخبائث، وأكل أموال الناس بالباطل، وغير ذلك.
الثاني: الأمر باتباع الرسول وطاعنه وأخذ ما أتى والاننتهاء عما نهى ونحو ذلك. وفي الصحيحين وغيرهما عن علقمة بن قيس النخعي- وكان أعلم أصحاب عبد الله بن مسعود أو من أعلمهم – قال ((لعن عبد الله ا لواشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله. فقالت أم يعقوب: ما هذا؟ قال عبد الله: ومالي لا ألعن من لعن سول الله وفي كتاب الله؟ قالت: والله لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدته، قال: والله لئن قرأتيه لقد وجدتيه ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ).
(153/20)
ظاهر صنيع ابن مسعود أن الاعتماد في كون القرآن مبيناً لكل ما بينته السنة على الضرب الثاني. وتعقيب آية التبيان بالتي تليها كأنه يشير إلى أن الاعتماد على ا لضر بين مجتمعين، ورجحه الشاطبي وزعم أن الاستقراء يوافقه. فعلى هذا لا يكون للخلاف ثمرة.
ثم قال قوم: جميع ما بينه الرسول علمه بالوحي. وقال آخرون: منه ماكان باجتهاد أذن الله له فيه وأقره عليه. ذكرهما الشافعي في الرسالة.
ثم قال ص 104 (( وأي هذا كان فقد بين الله أنه فرض فيه طاعة رسوله... )) وبالغ بعضهم فقال: كل ما بلغه الرسول فهمه من القرآن. ونسبه بعض المتأخرين إلى الشافعي، فعلى هذا كان القرآن في حق الرسول تبياناً لكل شيء وتفصيلاً، فأما في حق غيره فعلى ما مر. والله الموفق
ثم نقل أبور ية كلاما عن موافقات الشاطبي. وكلام الموافقات طويل جداً وفي ماتركه أبو رية منه ما قد يخالف ظاهر بعض مانقله، وإنما الكلام العربي الناصع كلام الشافعي في الرسالة
/ ثم قال أبو رية ص19: (( وكان الإمام مالك يراعي كل المراعاة العمل
المستمر والأكثر، ويترك ما سوى ذلك وإن جاء فيه أحاديث ))
أقول: كان مالك رحمه الله يدين باتباع الأحاديث الصحيحة إلا أنه ربما توقف عن الأخذ بحديث ويقول: ليس عليه العمل عندنا. يرى أن ذلك يدل على أن الحديث منسوخ أو نحو ذلك.
والانصاف أنه لم يتحرر لمالك قاعدة في ذلك فوقعت له أشياء مختلفة. راجع الأم للشافعي 177:7 – 249. وقد اشتهر عن مالك قوله (( كل أحدٍ يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر )) يعني النبي صلى الله عليه وسلم. وقوله للمنصور إذ عرض عليه أن يحمل الناس على الموطأ: إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرقوا في الأمصار فعند أهل كل مصر علم ))
قال أبو رية ص 19 (( وقال [مالك] أحب الأحاديث إلىّ ما اجتمع الناس عليه )) أقول: لا ريب أن المجمع عليه أعلى من غيره مع قيام الحجة بغيره إذا ثبت عند مالك وغيره.
(153/21)
ثم حكى عن صاحب المنار قوله (( والنبي مبين للقرآن بقوله وفعله، ويدخل في البيان التفصيل والتخصيص والتقييد، لكن لا يدخل فيه إبطال حكم من أحكامه أو نقض خبر من أخباره، ولذلك كان التحقيق أن السنة لا تنسخ القرآن ))
أقول: أما الإبطال ونقض الخبر بمعنى تكذيبه فهذا لا يقع من السنة للقرآن ولا من بعض القرآن لبعض، فالقرآن كله حق وصدق (42:41 لا يأتيه البطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) وأما التخصيص والتقييد ونحوهما والنسخ فليست بإبطال ولا تكذيب، وإنما هي بيان.
فالتخصيص مثلاً إن اتصل بالخطاب بالعام كأن نزلت آية فيها عموم ونزلت معها آية من سورة أخرى فيها تخصيص للآية الأولى، أو نزلت الآية فتلاها النبي
صلى الله عليه وسلم وبين ما يخصصها فالأمر واضح، إذ البيان متصل بالمبين فكان معه كالكلام الواحد، وإن تأخر المخصص عن وقت الخطاب بالعام ولكنه تبعه وقت العلم بالعام أو عنده فهذا كالأولى عند الجمهور،وهذا مرجعه إلى عرف العر ب في لغتهم كما بينه الشافعي في الرسالة.[قد يكون كذلك في غير العربية، ولكن الشافعي رأى بعض المستعربين يستنكرونه فجوزمخالفة لغاتهم الأعجمية للعربية في ذلك]
أما إذا جاء بعد العمل بالعام ما صورته ا لتخصيص فإنما يكون نسخا جزئياً، لكن بعضهم يسمى النسخ تخصيصاً جزئياً كان أو كلياً نظراً إلى أن اقتضاء الخطاب بالحكم لشموله لما يستقبل من الأوقات عموم، والنسخ إخراج لبعض تلك الأوقات وهو المستقبل بالنسبة إلى النص الناسخ،وهذا مما يحتج به من يجيز نسخ بعض أحكام الكتاب بالسنة.
/قال صاحب ا لمنار (( والعمدة في الدين كتاب الله تعالى في المرتبة الأولى والسنة العملية المتفق عليها في المرتبة الثانية، وما ثبت عن النبي وأحاديث الآحاد فيها رواية ودلالة في الدرجة ا لثالثة ))
(153/22)
أقول: قد سبق أن المعروف بين أ هل العلم ذكر الكتاب والسنة ثم يقسمون السنة إلى متواتر وآحاد وغيرذلك. قال (( ومن عمل بالمتفق عليه كان مسلماً ناجياً في الآخرة مقرباً عند الله تعلى. وقد قرر ذلك الغزالي ))
علق أبو رية في الحاشية (( قرر الغزالي ذلك في كتاب القسطاس المستقيم )) وعبارة صاحب المنار في مقدمته لمغني ابن قدامة (( فمن مقتضى أصولهم كلهم وجوب ترك أسباب كل هذا التفرق والاختلاف[أسباب التفرق والاختلاف الواجب تركها باتفاقهم هي الجهل والهوى والتعصب، وكذلك الخطأ بقدر الوسع. فأما أن يترك أحدهم ما يراه حقاً فلا قائل به،بل هو محظور باتفاقهم] حتى قال الغزالي في القسطاس المستقيم
بالاكتفاء بالعمل بالمجمع عليه وعد المسائل الظنية المختلف فيها كأن لم تكن ))
كذا قال. والذي في القسطاس ا لمستقيم خلاف هذا، فإن فيه ص89 فما بعدها: أنه يعظ العامي الطالب الخلاص من الخلاف في الفروع بأن يقول له: (( لا تشغل نفسك بمواقع الاختلاف مالم تفرغ من جميع المتفق عليه، فقد اتفقت الأمة على أن زاد الآخرة هو التقوى والورع، وأن الكسب الحلال والمال الحرام والغيبة والنميمة والسرقة والخيانة.. . حرام، والفرائض كلها واجبة، فإن فرغت من جميعها علمتك طريق الخلاص من الخلاف )). قال: (( فإن هو طالبني بها قبل الفراغ من هذا كله فهو جَدَ ليّ وليس بعامي.. . نعم لو رأيتم صالحاً قد فرغ من حدود التقوى كلها وقال ها أنا تشكل عليّ مسائل.. . فأقول له إن كنت تطلب الأمان في طريق الآخرة فاسلك سبيل الاحتياط وخذ بما يتفق عليه الجميع فتوضأ من كل ما فيه خلاف، فإن كل من لا يوجبه يستحبه.. فإن قال: هو ذا يثقل علي.. ..، فأقول له: الآن اجتهد مع نفسك وانظر إلى الأئمة أيهم أفضل.. فمن غلب على ظنك أنه الأفضل فاتبعه )).
(153/23)
حاصل هذا أن الغزالي كان يعلم أن العامة في زمانه ينتسب كل منهم إلى مذهب ويتعصب له، فإن فرض أن أحدهم سأل عن الخلاف وكيف يتخلص منه فلن يكون إلا أحد رجلين: إما فارغاً متليهاً وإما ورعا تقياً، والتقى الورع لابد أن يكون قد شغل فكره المحافظة على الفرائض المتفق عليها وتجنب المحرمات المتفق عليها وعمل بذلك على مذهبه قبل أن يشغله الخلاف. فإذا كان السائل مقصراً مفرطاً وجاء يسأل عن الخلاف فلن يكون إلا متلهيا، فيقال له: ابدأ بالعمل بما تعلمه يقيناً ثم سل، فإن أبى فهو جَدَليّ يتعنت في السؤال ولا يهمه العلم، والإعراض عن مثله أولى.
فأما من أتى بما عليه بحسب مذهبه وسأل عن الخلاص / من الخلاف فالظاهر أنه يسأل ليعلم ويعمل، قال الغزالي (( فأقول له: إن كنت تطلب الأمان في طريق الآخرة فاسلك سبيل الاحتياط وخذ بما يتفق عليه الجميع )) وفسر ذلك بما بعده، وذلك يوضح قطعاً أن مراده بما يتفق عليه الجميع أن يلتزم أن يكون وضوؤه الذي يصلي به وضوءاً يتفق العلماء على صحته، يتوضأ من كل ما قال عالم إنه ينقض الوضوء. وهكذا في سائر عمله، يأخذ بالأشد الأشد من أقول المختلفين. وفهم منها صاحب المنار أن لا يتوضأ من شيء قال عالم إنه لا ينقض الوضوء. وهكذا في سائر عمله أيضا ًبالأخف الأخف من أقوال المختلفين. فلينظر العالم أين هذا من ذلك؟
على أنه إن لم يتوضأ إلا بما اتفقوا على أنه قد ينقض الوضوء قد يكون وضوؤه باطلاً بإتفاقهم وذلك أن بعض العلماء يوجب الوضوء بمس الذكر ولا يوجبه من خروج الدم، وبعضهم يعكس، فإذا وقع لعامي هذا وهذا ولم يتوضأ فوضوؤه الأول باطل باتفاق الفريقين ومع أن مراد الغزالي الاحتياط الأكيد اقتصر على أن فيه (( الأمان في طريق الآخرة )) ومع أن صاحب المنار قلبه على التفريط الشديد لم يقتصر على أن صاحبه يكون ناجياً في الآخرة بل زاد (( مقربا ً عند الله تعالى ))
(153/24)
وبعد فلندع الغزالي وصاحب المنار، ولنرجع إلى الححة، إننا نعلم أن لكثير من علماء الفرق زلات وشواذ مخالفة لدلالات واضحة من القرآن، ولأحاديث تبلغ درجة التواتر المعنوي أو درجة القطع عند من يعرف الرواية والرواة، ومثل هذا غير قليل، فالمقتصر على ما اتفق عليه على ما فهمه صاحب المنار لابد أن يخالف الكتاب والسنة حتماً في كثير من القضايا، هذا في المخالفة القطعية، فأما الظنية فحدَّث عن كثرتها ولا حرج
ومن جهة آخرى، فمن المحال عادة أن يكون الحق دائماً من المسائل الخلافية مع المرخصين، فالترخص فيهاكلها ترك متيقن لكثير من الحق. ولنفرض أن جماعة تتبعوا أقوال علماء المسلمين من جميع الفرق ثم جمعوا كتاباً ضمنوه ما اتفق المسلمون على أنه واجب أو حرام أو باطل[انظر هل يسمحون بزيادة (( أو مندوب )) ] وأهملوا ما عدا ذلك، فهل يقال إن من حافظ على ما في الكتاب بدون نظر إلى غيره (( كان مسلماً ناجياً في الآخرة مقربا ًعند الله تعالى )) ثم يستغنى الناس بذاك الكتاب عن كتاب الله وتفسيراته وعن كتب السنة وشروحها ومتعلقاتها، وعن كتب الفقه كلها، ثم لا يعدم المشذبون مقالاً يشكك في ما ضمه ذاك الكتاب،كالشك في تحقق الإجماع وفي حجيته، ولتغير الأحكام بتغير الزمان. وحينئذ يستريح الذين يدعون أنفسهم بالمصلحين من كل أثر للإسلام
وقال ابن حرم في الأحكام 114:3 (( وبالحملة فهذا مذهب لم يخلق له معتقد قط، وهو أن لا يقول القائل بالنص حتى يوافقه الإجماع، بل قد صح الإجماع عل أن قائل هذا القول معتقداً له كافر بلا خلاف، لرفضه القول بالنصوص التي لا خلاف في وجوب طاعتها ))
هذا وقد برثت ذمة ا لغزالي من ذاك القول كما علمت. وأنا أجل السيد محمد رشيد رشا عن أن يقول به متصوراً حقيقته، وإنما هذا شأن الإنسان كمن يكون على جسر غير محجر فتستولى على ذهنه خشية السقوط من جانب فيتأخر عنه ويتأخر حتى يسقط بغير اختياره من الجانب الآخر.
(153/25)
بلى من عمل بالمتفق عليه كان مسلماً ناجياً في الآخرة مقرباً عند الله تعالى، وهذا المتفق عليه هو العلم بالدلائل القطعية والظنية من كتاب اللله تعالى ومن سنة رسوله الثابتة قطعاً أو ظناً، فالعالم يتحرى ذلك بالنظر في الأدلة، فإن اشتبهت عليه أو تعارضت أخذ بأحسنها مع تجنب خرق الإجماع الصحيح. والعامي يسأل العلماء ويأخذ بفتواهم، فإن اختلفوا عليه احتاط أو طلب ترجيحاً ما، وإذا علم الله حسن نيته فلابد أن ييسر له ذلك. فأما تقليد الأئمة فمهما قيل فيه فلا ريب أنه خير بكثير من تتبع الرخص. وراجح الموافقات 72:4-86
ثم قال أبو رية ص 20 (( حكم كلام الرسول صلى الله عليه وسلم في الأمور الدنيوية.. . ))
إلى أن قال: (( أما كلامه صلات الله عليه في الأمور الدنيوية فإنه كما قالوا من الآراء المحضة، ويسميه العلماء إرشاداً أي إن أمره صلى الله عليه وسلم في أي شيء من أمور الدنيا يسمى أمر إرشاد.. . لأنه لا يقصد به القربة ولا فيه معنى التعبد.ومن المعلوم أنه لادليل على وجوب أو ندب إلا بدليل خاص ))
أقول: ليس في هذا الكلام ما يصح أن يكون قاعدة ثابتة، فأمور الدنيا خاضعة لأحكام الشرع، وقد أمر الله تعالى بطاعة رسوله وحذر من المخالفة عن أمره، فأمره صلى الله عليه وسلم بشيء دليل قام على وجوبه، إلا أن يقوم دليل يصرف الأمر عن الوجوب إلى غيره. وتفصيل ذلك في كتب الفقه.
ثم قال(( لأن الرسل غير معصومين في غير التليغ. قال السفارينى.. . قال ابن حمدان.. . (( وإنهم معصومون فيما يؤدونه عن الله تعالى، وليسوا بمعصومين في غير ذلك ))، وقال ابن عقيل.. . لم يعتصموا في الأفعال، بل في نفس الأداء، ولا يجوز عليهم الكذب في الأقوال فيما يؤدونه عن الله تعالى.. وقال القاضي عياض:.. . ))
(153/26)
أقول:هذا الذي اقتصر عليه أبو رية يوهم أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ليسوا معصومين عن تعمد الكذب في غير التبليغ ولا عن الكبائر لا عن صغائر الخسة. وفي هذه الكتب التي نقل عنها وغيرها بيان عصمتهم عن ذلك وعن غيره مماترى تفصيله فيها.
ا حتاج أبو رية إلى صنعيه ليرد كثيراً من الأحاديث الصحيحة بزعم أنها لم تكن على وجه التبليغ، وأن الأنبياء إنما عصموا من الكذب في التبليغ. فليتدبر القارئ/ هذا مع قول أبي رية نفسه في حاشية ص39 (( ولعنة الله على الكاذبين، متعمدين وغير متعمدين )) !
وذكر قصة التأبير، فدونك تحقيقها: أخرج مسلم في صحيحه من حديث طلحة قال (( مررت مع رسول الله صلى الله عل يوسلم بقوم على رءوس النخل فقال: ما يصنع هؤلاء ؟ فقالوا: يلقحونه، يجعلون الذكر في الأنثى فيلقح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أظن يغني ذلك شيئاً. قال فأخبروا بذلك فتركوه، فأخبر رسول الله صلى ا لله عليه وسلم بذلك، فقال: إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه، فإني إنما ظننت ظناً فلا تؤاخذوني بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئاً فخذوا به فإني لن أكذب على الله عز وجل )).
ثم أخرجه عن رافع بن خديج وفيه (( فقال لعلكم لولم تفعلوا كان خيراً. فتركوه فنقضت.. فقال: إنما أنا بشر، إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنما أنا بشر. قال عكرمة: أو نحو هذا ))
(153/27)
ثم أخرجه عن حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، وعن ثابت عن أنس.. . )) وفيه (( فقال: لو لم تفلعوا لصلح )) وقال في آخره (( أنتم أعلم بأمر دنياكم )) عادة مسلم أن يرتب روايات الحديث بحسب قوتها:يقدم الأصح فالأصح. قوله صلى الله عليه وسلم في حديث طلحة (( ما أظن يغني ذلك شيئاً، إخبار عن ظنه، وكذلك كان ظنه، فالخبر صدق قطعاً، وخطأ الظن ليس كذباً، وفي معناه قوله في حديث رافع (( لعلكم.. . )) وذلك كما أشار إليه مسلم أصح مما في رواية حماد، لأن حماداً كان يخطئ.
وقوله في حديث طلحة ((( فإني لن أكذب على الله )) فيه دليل على امتناع أن يكذب على الله خطأ، لأن السياق في احتمال الخطأ، وامتناعه عمداً معلوم من باب أولى، بل كان معلوماً عندهم قطعاً. ونقل عن شفاء عياض قال (( وفي حديث ابن عباس في الخرص: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما أنا بشر، فما حدثتكم عن الله فهو حق، وما قلت فيه من قبل نفسي فإنما أنا بشر أخطئ، وأصيب )).
أقول: ذكر شارح الشفاء أن البزار أخرجه بسند حسن، وتحسين المتأخرين فيه نظر، فإن صح فكأنهم مروا بشجر مثمر فخرصوه يجربون حدسهم، وخرصها النبي صلى الله عليه وسلم فجاءت على خلاف خرصه. ومعلوم أن الخرص حزر وتخمين، فكأن الخارص يقول: أظن كذا. وقد مر حكمه.والله أعلم
(153/28)
وقال أبو ريةقبل هذا (( وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصدق بعض ما يفتريه المنافقون كما وقع في غزووة تبوك وغيرها، وصدق بعض أزواجه، وتردد في حديث الإفك.. حتى نزل عليه آيات البراءة )). وذكر ص142 عن صاحب المنار: ((.... والنبي صلى الله عليه وسلم ماكان يعلم الغيب فهو كسائر البشر/ يحمل كلام الناس على الصدق إذ لم تحف به شبهة، وكثيراً ما صدق المنافقين والكفار في أحاديثهم. وحديث العرنيين وأصحاب بئر معونة مما يدل على ذلك.. إذ أذن لبعض المعتذرين من المنافقين في التخلف عن غزوة تبوك،وما علله به وهو قوله تعالى ( عفا الله عنك، لم أذنت لهم حتى بتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين ) وإذا جاز على الأنبياء والمرسلين أن يصدقوا الكاذب فيما لا يخل بأمر الدين.. . ))
وذكر ص22 عن عياض حيدث (( فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض فأحسب أنه صادق فأقضي له )) وفي رواية (( ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فاقضي له على نحو ما أسمع.. . ))
أقول: لم يكن صلىالله عليه وسلم يعلم من الغيب ما لم يعلمه الله تعالى به، ولم يكن - بأبي وأمي- مغفلاً، ولم يصدق المنافقين أي يعتقد صدقهم، بل ولا ظنه، وإنما كان الأمر عنده على الاحتمال. ولهذا عاتبه الله عزوجل على الإذن لهم، هذا واضح بجمد الله.
والعرنيون لم يتحقق منهم كذب، فلعلهم كانوا صادقين في إسلامهم وإنما بدا لهم أن يرتدوا لما وجدوا أنفسهم منفردين بالإبل والراعي بعيداً عن المدينة. وقصة بئر معونة اختلف فيها فلم يتحقق فيها شاهد على ما نحن فيه. راجح فتح الباري 296:7.
(153/29)
وقصته مع بعض أزواجه أراها في الصحيحين عن عائشة (( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش ويشرب عندها عسلاً، فتواصيت أنا وحفصة أن أيتنا دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فلتقل: إني لأجد منك ريح مغافير، أكلت مغافير؟ فدخل على إحداهما فقالت له ذلك فقال: لا، بل شربت عسلاً عند زينب بنت جحش ولن أعود له. فنزلت ( يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله
لك ) إلى ( إن تتوبا إلى الله ) لعائشة وحفصة.. . ))
وتمام الآية(لم تحرِّم ما أحل الله لك تبتغي مرضاتك أزواجك،والله غفور رحيم ) ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم صدق المرأة في أن لذاك العسل رائحة كريهة لكان امتناعه لكراهيتها، وكذلك كان خلقه الكريم المطلوب منه شرعاً، وسياق الآية تخالف ذلك كا هو واضح.
فالذي يظهر أنه صلى الله عليه وسلم فطن للحيلة وعلم أن قائلة ذلك إنما غارت لطول مكثه عند ضرتها وانفرادها بسقيه العسل الذي يحبه، فحملتها شدة ا لغيرة، فتكرم فلم يكاشفها، وامتنع من شرب العسل عند ضرتها تطييباً لنفسها
وأما تردده في قصة الإفك فليس فيه ما يوهم التصديق ولا ظن الصدق
وأما قوله (( فأحسب أنه صادق )) فالحسبان هو الظن،ولينظر سند هذه الرواية
/وذكر (ص22) عن شفاء عياض (( فأما ما تعلق منها (أي معارف الأنبياء) بأمر الدنيا فلا يشترط في حق الأنبياء العصمة من عدم معرفة الأنبياء ببعضها أو اعتقادها على خلاف ما هي عليه ))
أقول: كلمة (( اعتقادها )) فيهانظر، فينبغي أن يقال بدلها (( ظنها ))
كتابة الحديث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم
تعرض أبو رية (ص7-8) لهذه القضية، ثم أفردها بفصل (ص23)، فمما قاله ((... تضافرت الأدلة.. . على أن أحاديث الرسول صلوات الله عليه لم تكتب في عهد النببي صلى الله عليه وسلم كما كان يكتب القرآن، ولا كان لها كتاب يقيدونها عند سماعها منه وتلفظه بها.. ))
(153/30)
أقول: قد وقعت كتابة في الجملة كما يأتي، لكن لم تشمل ولم يؤمر بها أمراً.
أما حكمة ذلك فمنها: أن الله تبارك وتعالى كما أراد لهذه الشريعة البقاء أراد سبحانه أن لايكلف عباده من حفظها إلا بما لا يشق عليهم مشقة شديدة، ثم هو سبحانه يحوطها ويحفظها بقدرته، كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي يعجل بقراءة مايوحى إليه قبل فراغه خشية أن ينسى شيئاً منه، فأنزل الله عليه (114:20 ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يُقضى إليك وحيه، وقل رب زدني علماً ) وقوله (16:75- لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه، فإذا قرأنه فاتبع قرآنه، ثم إن علينا بيانه ) وقوله (6:87- سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله إنه يعلم الجهر وما يخفى ونيسرك لليسرى )
وكانت العرب أمة أمية يندر وجود من يقرأ أو يكتب منهم، وأدوات الكتابة عزيزة ولا سيماما يكتب فيه، و كان الصحابة محتاجين إلى ا لسعي في مصالحهم، فكانوا في المدينة منهم من يعمل في حائطه، ومنهم من يبايع في الأسواق، فكان التكليف بالكتابة شاقاً، فاقتصر منه على كتابة ما ينزل من القرآن شيئاً فشيئاً ولو مرة واحدة في قطعة من جريد النخل أو نحوه تبقى عند الذي كتبها.
وفي صحيح البخاري وغيره من حديث زيد بن ثابت في قصة جمعه القرآن بأمر أبي بكر (( فتتبعتُ القرآن أجمعه من العُسُب واللخاف وصدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة ا لتوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أ جدها مع أحد غيره ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم ) حتى خاتمة سورة براءة ))
وفي فتح الباري: أن العسب جريد النخل، ,إن اللخاف الحجارة الرقاق، وإنه وقع في رواية: القصب والعسب والكرانيف وجرائد النخل، ووقع في روايات أخر ذكر الرقاع وقطع الأديم والصحف.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلقن بعض أصحابه ما شاء الله من القرآن ثم يلقن بعضهم بعضاً، فكان القرآن محفوظاً جملة في صدورهم ومحفوظاً بالكتابة في
(153/31)
قطع مفرقة عندهم. والمقصود أنه اقتصر من كتابة القرآن على ذاك القدر إذ كان أكثر منه شاقاً عليهم، وتكفل الله عزوجل بحفظه في صدورهم وفي تلك القطع، فلم يتلف منها شيء، حتى جمعت في عهد أبي بكر، ثم لم يتلف منها شيء حتى كتبت عنها المصاحف في عهد عثمان، وقد الله تعالى (9:15 إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )، وتكفله سبحانه بحفظ لا يعفي المسلمين أن يفعلوا ما يمكنهم كما فعلوا – بتوفيقه لهم – في عهد أبي بكر، ثم في عهد عثمان. فأما السنة فقد تكفل الله بحفظها أيضا، لأن تكفله بحفظ القرآن يستلزم تكفله بحفظ بيانه وهو السنة، وحفظ لسانه وهو العربية، إذ المقصود بقاء الحجة قائمة والهداية باقية بحيث ينالها من يطلبها، لأن محمداً خاتم الأنبياء وشريعته خاتمة الشرائع. بل دل على ذلك قوله ( ثم إن علينا بيانه )، فحفظ الله السنة في صدور الصحابة والتابعين حتى كتبت ودونت كما يأتي، وكان التزام كتابتها في العهد النبوي شاقاً جداً، لأنها تشمل جميع أقول النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وأحواله وما يقوله غيره بحضرته أو يفعله وغير ذلك. والمقصود الشرعي منها معانيها، ليست كالقرآن المقصود لفظه ومعاناه، لأن كلام الله بلفظه ومعناه، ومعجز بلفظه ومعناه، ومتعبد بتلاوته بلفظه بدون أدنى تغيير، لاجرم خفف الله عنهم واكتفى من تبليغ السنة غالباً بأن يطلع عليها بعض الصحابة، ويكمل الله تعالى حفظها وتبليغها بقدرته التي لا يعجزها شيء، فالشأن في هذا ا لأمر هو العلم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ ما أمر به التبليغ الذي رضيه الله منه، وأن ذلك مظنة بلوغه إلى من يحفظه من الأمة ويبلغه عند الحاجة ويبقى موجوداً بين الأمة، وتكفل الله تعالى بحفظ دينه يجعل تلك المظنة مئنة، فتم الحفظ كما أراد الله تعالى، وبهذا التكفل يدفع ما يتطرق إلى تبليغ القرآن كاحتمال تلف بعض القطع التي كتبت فيها الآيات، واحتمال أن يغير فيها من كانت عنده ونحو ذلك.
(153/32)
ومن طالع تراجم أئمة الحديث من التابعين فمن بعدهم وتدبر ما آتاهم الله تعالى من قوة الحفظ والفهم والرغبة الأكيدة في الجد والتشمير لحفظ النسة وحياطتها بان له ما يحير عقله، وعلم أن ذلك ثمرة تكفل الله تعالى بحفظ دينه. وشأنهم في عظيم جداً، أو هو عبادة من أعظم العبادات وأشرفها، وبذلك يتبين أن ذلك من المصالح المترتبة على ترك كتابة الأحديث كلها في العهد النبوي، إذ لو كتبت لانسد باب تلك العبادة وقد قال الله تعالى (56:51 وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ).
وثم مصالح أخرى منها: تنشئة علوم تحتاج إليها الأمة، فهذه الثروة العظيمة التي بيد المسلمين من تراجم قدمائهم، إنما جاءت من احتياج المحدثين إلى معرفة أحوال الرواة، فاضطروا إلى تتبع ذلك، وجمع التواريخ والمعاجم، ثم تبعهم غيرهم.
ومنها: الإسناد الذي يعرف به حال الخبر، كان بدؤه في الحديث ثم سرى إلى التفسير والتاريخ و الأدب.
هذا والعالم الراسخ هو الذي إذا حصل له العلم الشافي بقضية لزمها ولم يبال بما قد يشكك فيها، بل إما أن يعرض عن تلك المشككات، وإما أن يتأملها في ضوء ما قد ثبت، فههنا من تدبر كتاب الله وتتبع هدي رسوله ونظر إلى ما جرى عليه العمل العام في عهد أصحابه وعلماء أمته بوجوب العمل بأخبار الثقات عن النبي صلى الله عليه وسلم وأنها من صلب الدين، فمن أعرض عن هذا وراح يقول: لماذالم تكتب الأحاديث ؟ بماذا، لماذا؟ ويتبع قضايا جزئية- إما أن لا تثبت، وإما أن تكون شاذة،وإما أن يكون لها محمل لا يخالف المعلوم الواضح – من كان شأنه فلا ريب في زيغه
هل نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كتابة الحديث
قال أبو رية (ص23): (( وقد جاءت أحاديث صحيحة وآثار ثابتة تنهى كلها عن كتابة أحاديثه صلى الله عليه وسلم ))
أقول: أما الأحاديث فإنما هي حديث مختلف في صحته، وآخر متفق على ضعفه.
(153/33)
فالأول: حديث مسلم وغيره عن أبي سعيد الخدري مرفعاً (( لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدثوا عني ولا حرج، ومن كذب عليّ-قال همام: أ حسبه قال (( متعمداً ))– فليتبوأ مقعده من النار )) هذا لفظ مسلم. وذكره أبو رية مختصراً، وذكر لفظين آخرين، وهو حديث واحد. والثاني: ذكره بقوله (( ودخل زيد بن ثابت على معاوية فسأله عن حديث وأمر إنساناً أن يكتبه فقال له زيد: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا أن لا نكتب شيئا من حديثه. فمحاه )) وقد كان ينبغي لأبي رية أن يجري على الطريقة التي يطريها وهي النقد التحليلي فيقول: معقول أن لا يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابة أحاديثه لقلة الكتبة وقلة ما يكتب فيه والمشقة، فأما أن ينهى عن كتابتها ويأمر بمحوها فغير معقول، كيف وقد أذن لهم في التحديث فقال (( وحدثوا عني ولا حرج )). أقول: إما حديث أبي سعيد ففي فتح الباري (185:1): (( منهم (يعني الأئمة ) من أعلّ حديث أبي سعيد وقال: / الصواب وقفه على أبي سعيد، قاله البخاري وغيره (( أي الصواب أنه من قول أبي سعيد نفسه، وغلط بعض الرواة فجعله عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أورد ابن عبد البر في كتاب العلم (64:1) قريباً من معناه موقوفاً عن أبي سعيد من طرق لم يذكر فيها النبي صلى الله عليه وسلم. وأما حديث زيد بن ثابت فهو من طريق كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قال: دخل زيد بن ثابت الخ. وكثير غير قوي، والمطلب لم يدرك زيداً. أما البخاري فقال في صحيحه (( باب كتابة العلم )) ثم ذكر قصة الصحيفة التي كانت عند علي رضي الله عنه، ثم خطبة النبي صلى الله عليه وسلم زمن الفتح وسؤال رجل أن يكتب له،فقال النبي صلى الله عليه وسلم (( اكتبوا لأبي فلان )) وفي غير هذه الرواية (( لأبي شاه )) ثم قول أبي هريرة (( ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثاً عنه مني إلا ما كان من عبد الله بن
(153/34)
عمرو، فإنه كان يكتب وأنا لا أكتب )) ثم حديث ابن عباس في قصة مرض النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله (( ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده )) وفي بعض روايات حديث أبي هريرة في شأن عبد الله بن عمرو (( استأذن رسول الله صلى اله عليه وسلم أن يكتب بيده ما سمع منه فأذن له )) رواه الإمام أحمد والبيهقي. قال في فتح الباري (185:1): (( إسناده حسن، وله طريق أخرى.. .)) وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو نفسه جاء من طرق، راجح فتح الباري والمستدرك (104:1) ومسند أحمد بتحقيق الشيخ أ حمد محمد شاكر رحمه الله الحديث: 0 651 وتعليقه. وقد ا شتهرت صحيفة عبد الله بن عمرو التي كتبها عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يغتبط بها ويسميها (( الصادقة )) وبقيت عند ولده يروون منها، راجح ترجمة عمرو بن شعيب في تهذيب التهذيب. أما مازعمه أبو رية أن صحيفة عبد الله بن عمرو إنما كانت فيها أذكار وأدعية فباطل قطعاً. أما زيادة ما انتشر عن أبي هريرة من الحديث عما انتشر عن عبد الله بن عمرو؛ فلأن عبد الله لم يتجردللرواية تجرد أبي هريرة، وكان أبو هريرة بالمدينة وكانت دار الحديث لعناية أهلها بالرواية،ولرحلة الناس إليها لذلك، وكان عبد الله تارة بمصر،وتارة بالشام، وتارة بالطائف، مع أ نه كان يكثر من الأخبار عما وجده من كتب قديمة باليرموك، وكان الناس لذلك كأنهم قليلو الرغبة في السماع منه، ولذلك اكان معاوية وابنه قد نهياه عن التحديث.
(153/35)
فهذه الأحاديث، وغيرها مما يأتي إن لم تدل على صحة قول البخاري وغيره: إن حديث أبي سعيد غير صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإنها تقضي بتأويله، وقد ذكر في فتح الباري أوجها للجمع، والأقرب ما يأتي: قد ثبت في حديث / زيد بن ثابت في جمعه القرآن (( فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف ))، وفي بعض رواياته ذكر القصب وقطع الأديم. وقد مر قريبا ً(ص20)، وهذه كلها قطع صغيرة، وقد كانت تنزل على النبي صلى الله عليه وسلم الآية والآيتان فكان بعض الصحابة يكتبون في تلك القطع فتتجمع عند الواحد منهم عدة قطع في كل منها آية أو آيتان أو نحوها وان هذا هو المتيسر لهم، فالغالب أنه لو كتب أحدهم حديثا ًلكتبه في قطعة من تلك القطع، فعسى أن يختلط عند بعضهم القطع المكتوب فيها الأحاديث بالقطع المكتوب فيها الآيات، فنهوا عن كتابة الحديث سد للذريعة.
(153/36)
أما قول أبي رية (ص27): (( هذا سبب لا يقتنع به عاقل عالم.. . اللهم [ إلا ] إذا جعلنا ا لأحاديث من جنس القرآن في البلاغة وأن أسلوبها في الإعجاز من أسلوبه )) فجوابه: أن القرآن إنما تحدى أن يؤتى بسورة من مثله، والآية والآيتان دون ذلك. ولا يشكل على هذا الوجه صحيفة علي، لأنه جمع فيها عدة أحكام، وكان علي لا يخشى عليه الالتباس. ولا قصة أبي شاه، لأن أبا شاه لم يكن ممن يكتب القرآن، وإنما سأل أن تكتب له تلك الخطبة. ولا قوله صلى الله عليه وسلم في مرض موته: أئتوني بكتاب الخ. لأنه لوكتب لكان معروفاً عند الحاضرين وهم جمع كثير. ولاقضية عبد الله بن عمرو، فإنه فيما يظهر حصل على صحيفة فيها عدة أوراق، فاستأذن أن يكتب فيها الأحاديث فقط. وكذلك الكتب التي كتبها النبي صلى الله عليه وسلم لعماله وفيها أحكام الصدقات وغيرها، وكان كلها أو أكثرها مصدراً بقوله (( من محمد رسول الله الخ )) هذا كله على فرض صحة حديث أبي سعيد. أما على ما قاله البخاري وغيره من عدم صحته عن النبي صلى الله عليه وسلم فالأمر أوضح، وسيأتي ما يشهد لذلك. قال أبو رية (ص23): وروى الحاكم بسنده عن عائشة قالت: جمع أبي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت خمسمائة حديث، فبات يتقلب.. . فلما أصبح قال: أي بنية هلمي الأحاديث التي عندك، فجئته بها فأحرقها، وقال: خشيت أن أموت وهي عندك فيكون فيها أحاديث عن رجل ائتمنته ووثقت به ولم يكن كما حدثني فأكون قد تقلدت ذلك. زاد الأحوص بن المفضل في روايته: أو يكون قد بقى حديث لم أجده فيقال: لو كان قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خفي على أبي بكر )).
(153/37)
أقول: لو صح هذا لكان حجة على ما قلناه، فلو كان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كتابة الأحاديث مطلقاً لما كتب أبو بكر. فأما الإحراق فلسبب أو سببين آخرين كما رأيت. لكن الخبر ليس بصحيح، أحال به أبو رية على تذكرة الحفاظ للذهبي وجمع الجوامع للسيوطي ولم يذكر طعنهما فيه، ففي التذكرة عقبه (( فهذا لا يصح )).
وفي كنز العمال (237:5) – وهو ترتيب جمع الجوامع ومنه أخذ أبو رية-: (( قال ابن كثير هذا غريب من هذا الوجه جداً،. وعلي بن صالح أحد رجال سنده لا يعرف )
أقول: وفي السند غيره ممن فيه نظر. ثم وجهه ابن كثير على فرض صحته.
قال أبو رية (24): (( وروى حافظ المغرب ابن عبد البر والبيهقي في المدخل عن عروة: أن عمر أراد أن يكتب السنن فاستفتى أصحاب رسول الله في ذلك – ورواية البيهقي: فاستشار – فأشاروا عليه أن يكتبها، فطفق عمر يستخير الله شهراً، ثم أصبح يوماً وقد عزم الله له فقال: إني كنت أريد أن أكتب السنن، وإني ذكرت قوماً كانوا قبلكم كتبوا كتباً فأكبوا عليها وتركوا كتاب الله، وإني والله لا أشوب كتاب الله بشيء أبداً. ورواية البيهقي لا ألبس بكتاب الله بشيء أبداً )).
أقول: وهذا وإن صح حجة لما قلناه، فلو كان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كتابة الأحاديث مطلقا ً لماهم بها عمر وأشاربها عليه الصحابة، فأما عدوله عنها فلسبب آخر كما رأيت.
لكن الخبر منقطع لأن عروة لم يدرك عمر: فإن صح فإنماً كانت تلك الخشية في عهد عمر ثم زالت. وقد قال عروة نفسه كما في ترجمته من تهذيب التهذيب: (( وكنا نقول لا نتخذ كتاباً مع كتاب الله، فمحوت كتبي. فوالله لوددت أن كتبي عندي وإن كتاب الله قد استمرت مريرته )) يعني قد استقر أمره وعلمت مزيته وتقرر في أذهان الناس أنه الأصل، والسنة بيان له. فزال ماكان يخشى من أ ن يؤدي وجود كتاب للحديث إلى أن يكب الناس عليه، ويدعوا القرآن.
(153/38)
قال أبو رية (( وعن يحيى بن جعدة أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنة، ثم بدا له أن لا يكتبها، ثم كتب إلى الأمصار من كان عنده شيء فليمحه )).
أقول: وهذا منقطع أيضاً، يحيى بن جعدة لم يدرك عمر، عروة أقدم منه وأعلم جداً، وزيادة يحيى منكرة، لوكتب عمر إلى الأمصار لاشتهر ذلك، وعنده علي وصحيفته، وعند عبد الله بن عمرو صحيفة كبيرة مشهورة.
قال أبو رية (( وروى ابن سعد عن عبد الله بن العلاء قال: سألت القاسم ابن محمد بن يملى على أحاديث فقال: إن الأحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطاب فأنشد الناس أن يأتوه بها، فلما أ توه بها أمر بتحريقها: مثناة كمثناة أهل الكتاب. قال فمنعني القاسم بن محمد يومئذ أن أكتب حديثاً )). أقول: وهذا منقطع أيضاً إنماولد القاسم بعد وفاة عمر ببضع عشرة سنة. ثم ذكر خبر زيد بن ثابت وقد مر ثم قال (( وعن جابر بن عبد الله بن يسار قال: سمعت علياً يخطب يقول: أعزم على كل من عنده كتاب إلا رجع فمحاه فإنما هلك الناس حين تتبعوا أحاديث علمائهم وتركوا كتاب ربهم ))
(153/39)
/ أقول ذكره ابن عبد البر من طريق شعبة عن جابر، ولم أ جد لجابر بن عبد الله بن يسار ذكرا وقد استوعب صاحب التهذيب مشايخ شعبة في ترجمته ولم يذكر فيهم من اسمه جابر إلا جابر بن يزيد الجعفي، فلعل الصواب (( جابر عن عبد الله بن يسار )) وجابر الجعفي ممقوت كان يؤمن برجعة على إلى الدنيا، وقد كذبه جماعة في الحديث منهم أبو حنيفة، وصدقه بعضهم في الحديث خاصة بشرطان يصرح بالسماع. ولم يصرح هنا،. وعبد الله بن يسار لا يعرف. وقد كان عند علي نفسه صحيفة فيها أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم كما مر. فإن صحت هذه الحكاية فإنما قال (( أحاديث علمائهم )) ولم يقل (( أحاديث أنبيائهم، وكلمة (( حديث ))بمعنى (( كلام )) واشتهارها فيما كان عن النبي صلى الله عليه وسلم اصطلاح متأخر، وقد كان بعض الناس يثبتون كلام علي في حياته، وفي مقدمة صحيح مسلم عن ابن عباس ما يعلم منه أنه كان عنده كتاب فيه قضاء علي، منها ما عرفه ابن عباس ومنها ما أنكره ولفظه (( فدعا بقضاء علي فجعل يكتب منه أشياء، ويمر به الشيء فيقول: والله ما قضى بهذا علي إلا أن يكون ضل، ثم ذكر عن طاوس قال (( أتى ابن عياش بكتاب فيه قضاء علي.. . )).
فإن صحت هذه الحكاية فكأن بعض الناس كتب شيئاً من كلام علي أو غيره من العلماء فتناقله الناس فبلغ علياً ذلك فقال ما قال.
قال أبو رية (( وعن الأسود بن هلال قال: أتى عبد الله بن مسعود بصحيفة فيها حديث فدعاء بماء فمحاها ثم غسلها ثم أمر بها فأحرقت ثم قال: أذكر الله رجلا يعلمها عند أ حد إلا أعلمني به، والله لو أعلم أنها بدير هند لبلغتها. بهذا هلك أهل الكتاب قبلكم حين نبذوا كتاب الله وراء ظهوركم كأنهم لا يعلمون ).
(153/40)
أقول روى الدارمي هذه القصة من وجه آخر (( عن الأشعت [بن أبي الشعتاء سليم بن أسود ] عن أبيه – وكان من أ صحاب عبد الله قال: رأيت مع رجل صحيفة فيها: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. فقلت له: أنسخنيها، فكأنه بخل بها، ثم وعدني أن يعطينيها، فأتيت عبد الله فإذا هي بين يديه فقال: إن ما في هذا الكتاب بدعة وفتنة وضلالة.. . أفسم لو أنها ذكرت له بدار الهند (كذا) – أراه يعني مكاناً بالكوفة بعيداً – إلا أتيته ولو مشياً ).
لا ريب أنه لم يكن في الصحيفة تلك الكلمات وفقط وإلا ما طلب استنساخها لأنه قد حفظها فيمكنه أن يكتبها إن شاء من حفظه. وعند الدارمي قصة أخرى تفسر لنا هذه، ذكرها في باب كراهية أخذ الرأي، وفيها: إن قوماً تحلقوا في المسجد (( في كل حلقة رجل وفي أيديهم حصى فيقول: كبروا مائة، فيكبرون، فيقول: هللوا مائة فيهللون.. . )) وذكر إنكار ابن مسعود عليهم فكأنه كان في تلك الصحيفة وصف طريقة للذكر بتلك الكلمات ونحوها بعدد مخصوص وهيأة مخصوصة كما يبينه قول ابن مسعود (( إن ما في الكتاب بدعة وفتنة وضلالة )).
وقد ذكر الدارمي رواية أ خرى في صحيفة جئ بها من الشام فمحاها ابن مسعود. وفيها ((فقال مرة [ابن شرحبيل الهمداني أحد كبار أصحاب ابن مسعود]: أما إنه لوكان من القرآن أو السنة لم يمحه، ولكن كان من كتب أهل الكتاب )).
ثم قال أبو رية ص25 (( هناك غير ذلك أخبار كثيرة.. . )).
أقول: ذكر ابن عبد البر عن مالك (( أن عمر أراد أن يكتب الأحاديث أو كتبها ثم قال: لا كتاب مع كتاب الله )) وهذا معضل، وقد مرت رواية عروة عن عمر وبيان وجهها.
وذكر عن أبي بردة بن أ بي موسى أنه كتب من حديث أبيه، فعلمه أبوه فدعا بالكتاب فمحاه. وقد أخرج الدارمي نحوه ثم أخرج عن أبي بردة عن أبيه (( أن بني إسرائيل كتبوا كتاباً فتتبعوا وتركوا التوراة )) وهذا كما مر عن عمر.
(153/41)
وذكر عن أبي نضرة قال (( قيل لأبي سعيد [ الخدري ] لو أكتبتنا الحديث فقال: لا نكتبكم، خذوا عنا كما أخذنا عن نبينا صلى الله عليه وسلم، ثم ذكره من وجه آخر في سنده من لم أ عرفه وفيه (( أتريدون أن تجعلوها مصاحف )) ثم من وجه ثالث بنحوه. وهذا من أبي سعيد بمعنى ما مر عن عمر وأبي موسى.
وذكر عن سعيد بن جبير قال (( كنا نختلف في أشياء فكتبتها في كتاب ثم أتبت بها ابن عمر أ سأله عنها خفياً فلو علم بها كانت الفيصل بيني وبينه )) في رواية كتب إلي أهل الكوفة مسائل ألقى بها ابن عمر، فلقيته فسألته عن الكتاب ولو علم أن معي كتاباً لكانت الفيصل بيني وبينه )). وهذا ليس مما نحن فيه إ نما هوباب كراهية الصحابة أن تكتب فتاواهم وما يقولونه برأيهم.
وذكر عن ابن عباس أنه قال (( إنا لا نكتب العلم ولا نكتبه )). وقد ذكر عن هارون بن عنترة عن أبيه أن ابن عباس أرخص له أن يكتب.
هذا وقد أخرج الدارمي بسند رجاله ثقات عن أنس أنه كان يقول لبنيه (( يا بني قيدوا هذا العلم )) وذكر ابن عبد البر ولفظه (( قيدوا العلم بالكتاب )) وروى هذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم ومن قول عمر ومن قول ابن عمر، وإنما يصح من قول أنس رضي الله عنه.
وروى الدارمي وابن عبد البر وغيرهما بسند حسن أن أبا أمامة الباهلي رضي الله عنه سئل عن كتاب العلم فقال: لا بأس به.
وأخرج الدارمي وغيره بسند رجاله ثقات عن بشير بن نهيك وهو ثقة قال (( كنت أكتب ما أسمع من / أبي هريرة، فلما أردت أن أفارقه أتيته بكتابه فقرأته عليه وقلت له: هذا ما سمعت منك؟ قال: نعم )).
(153/42)
فالحاصل أن ما روى عن عمر وأبي موسى من الكراهة إنما كان كما صرحا به خشية أن يكب الناس على الكتب ويدعوا القرآن، وأما من عاش بعدهما من الصحابة فمنهم أ بو سعيد بقي على الامتناع، ومنهم ابن عباس امتنع ورخص، ومنهم من رأى أنه قد زال المانع كما قال عروة الراوي امتناع عمر (( إن كتاب الله قد استمرت مريرته )) وقد مر ذلك ورأوا أن الحاجة إلى الكتابة قد قويت لأن الصحابة قد قلوا وبقاء الأحاديث تتناقل بالسماع والحفظ فقط لا يؤمن معه الخلل فرأوا للناس الكتابة كما مر عن أبي هريرة وأبي أمامة وأنس رضي الله عنهم.
وأما التابعون فغلبت فيهم الكتابة إلا أن من كان ذا حافظة نادرة كالشعبي والزهري وقتادة كانوا لا يرون إبقاء الكتب لكن يكتب ما يسمع ثم يتحفظه فإذا
أتقنه محاه- وأكثرهم كانت كتبه باقية عنده كسعيد بن جبير والحسن البصري وعبيدة السلماني ومرة الهمداني وأبي قلابة الجرمي وأبي المليح وبشير بن نهيك وأيوب السختياني ومعاوية بن قرة ورجاء بن حيوة وغيرهم. [ مقتبس من كتاب العلم لابن عبد البر، وسنن الدارمي، وغيرهما]
ثم قال أبو رية (ص25): (( ولئن كانت هناك بعض أحاديث رويت في الرخصة
بكتابة الأحاديث فإن أحاديث النهي أصح، بله ما جرى عليه العمل في عهد الصحابة والتابعين )).
أقول: قد علمت أنه ليس في النهي غير حديثين أحدهما متفق على ضعفه وهو المروى عن زيد بن ثابت، والثاني مختلف في صحته وهو حديث أبي سعيد، فأما أحاديث الإذن فلو لم يكن منها إل حديث أبي هريرة في الإذن لعبد الله بن عمرو لكان أصح مما جاء في النهي. أما الصحابة والتابعون فقدتقدم ويأتي ما فيه كفاية.
ثم قال أبو رية (ص25-27) عن مجلة المنار كلاماً بدئ فيه بمحاولة الجمع بين حديث النهي وقصة (( اكتبوا لأبي شاه )) بأن ما أمر بكتابته لأبي شاه من الدين العام,، وأن النهي كان عن كتابه سائر الأحاديث التي هي من الدين الخاص.
(153/43)
أقول: نظرية (( دين عام ودين خاص )) مردودة عليه، وقد تقدمت الإشارة إليها ص15. وحديث الأذان لعبد الله بن عمرو قاطع لشغبه لابتة.
قال صاحب المنار ((ولنا أن نستدل على كون النهي هو المتأخر بأمرين، أحدهما استدلال من روي عنهم من الصحابة الامتناع عن الكتابة ومنعها بالنهي عنها وذلك بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم )).
أقول: لم يثبت استدلال أحد منهم بنهي النبي صلى الله عليه وسلم، فالمروى عن زيد بن ثابت متفق على ضعفه، / وعن أبي سعيد روايتان إحداهما فيها الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر فيها امتناع أبي سعيد، ونحن لم نقل في هذا إنه منسوخ إنما قلنا إنها إ ما خطأ والصواب عن أبي سعيد من قوله، كما قال البخاري وغيره، وإما محمول على أمر خاص تقدم بيانه. وثانيتهما رواية أبي نضرة عن أبي سعيد ا متناعه هو، وليس فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى. وقد بقيت صحيفة علي عنده إلى زمن خلافته، وكذلك بقيت صحيفة عبد الله بن عمرو عنده وعند أولاده كما مر، فلو كان هناك نسخ لكان بقاء الصحيفتين دليلاً واضحاً جداً على أن الإذن هو المتأخر، وتقدم أن عمر عزم على الكتابة وأشار عليه الصحابة بها ثم تركها لمعنى آ خر، ولم يذكروا نهياً كان من النبي صلى الله عليه وسلم – وذلك صريح فيما قلنا، وقد أجاز الكتابة من الصحابة عبد الله بن عمرو وأبو هريرة وأبو أمامة وأنس رضي الله عنهم، وروى هارون بن عنتزة عن أبيه، أن ابن عباس رخص فيها ثم أجمعت عليها الأمة.
قال (ص26): وثانيهما عدم تدوين الصحابة الحديث ونشره )).
(153/44)
أقول أما النشر فقد نشروه بحمد الله تعالى، وبذلك بلغنا. وأما التدوين فيعني به الجمع في كتاب كما جمعوا القرآن، فاعلم أن الله تبارك وتعالى تكفل بحفظ القرآن وبيانه وهو السنة كما مر، وما تكفل الله بحفظه فلابد أن يحفظ وقدعلمنا من دين الله أن عاى عباده مع إيمانهم بحفظ ما تكفل بحفظه أن يعملوا ما من شأنه في العادة حفظ ذاك الشيء، وأنه لا تنافى بين الأمرين. وفي جامع الترمذي والمستدرك وغيرها عن أبي خزامة عن أبيه قال (( قلت: يا رسول الله أرأيت رقي نسترقى بها ودواء نتداوى به وتقاة نتقيها هل ترد من قدر الله شيئاً ؟ قال: هو من قدر الله )) فأما القرآن فأمروا بحفظه بطريقين: الأولى حفظ الصدور، وعليها كان اعتمادهم في الغالب. الثانية بالكتابة فكان يكتب في العهد النبوي في قطع صغيرة من جريد النخل وغيرها، فلما غزا المسلمون اليمامة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بقليل استحر القتل بالقراء قبل أن يأخذ عنهم التابعون، فكان ذلك مظنة نقص في الطريق الأولى، فرأى عمر المبادرة إلى تعويض ذلك بتكميل الطريق الثانية، فأشار على أبي بكر بجمع القرآن في صحف، فنفر منه أبو بكر وقال(( كيف تفعل ما لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ))؟ فقال عمر (( هو والله خير )) يريد أنه عمل يتم به مقصود الشرع من حفظ القرآن، وعدم فعل النبي صلى الله عليه وسلم له إنما كان لعدم تحقق المقتضى وقد تحقق، ولا يترتب على الجمع محذور، فهو خير محض. فجمع القرآن في صحف بقيت عند أبي بكر ثم عند عمر ثم عند ابنته حفصة / أم المؤمنين حتى طلبها
(153/45)
عثمان في خلافته وكتب المصاحف. ومعنى هذا أنه طول تلك المدة التي لم تبد حاجة إلى تلك الصحف بل بقي القراء يبلغون القرآن من صدورهم ومنهم من كتب من صدره مصحفاً لنفسه، فلما كان في زمن عثمان احتيج إلى تلك الصحف لاختيار الوجه الذي دعت الحاجة إلى قصر الناس على القراءة به دون غيره- وكتب عثمان بضعة مصاحف وبعث بها إلى الأمصار لا لتبليغ القرآن بل لمنع أن يقرأ أحد بخلاف ما فيها.
هذا شأن القرآن. فأما السنة فمخالفة لذلك في أمور: الأول أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعن بكتابتها بل اكتفى بحفظهم في صدورهم وتبليغهم منها أي بنحو الطريق الأولى في القرآن. الثاني أنها كانت منتشرة لا يمكن جمعها كلها بيقين. الثالث أنه لم يتفق لها في عهد الصحابة ما اتفق للقرآن إذ استحر القتل بحفاظه من الصحابة قبل أن يتلقاه التابعون، فإن الصحابة كانوا كثيراً ولم يتفق أن استحر القتل بحفاظ السنة منهم قبل تلقي التابعين. الرابع أنهم كانوا إذا هموا بجمعهارأوا أنه لن يكون كما قال عمر في جمع القرآن: (( هو والله خير )) أي خير محضن لا يترتب عليه محذور.
كانوا يرون أنه يصعب جمعها كلها، وإذا جمعوا ما أمكنهم خشوا أن يكون ذلك سبباً لرد من بعدهم ما فاتهم منها وقد مر ص24 عن أبي بكر في سبب تحريقه ما كان جمعه منها (( أو يكون قد بقي حديث لم أجده فيقال لو كان قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ماخفي على أبي بكر )) وخشوا أيضاً من جمعها في الكتب قبل استحكام أمر القرآن أن يقبل الناس على تلك الكتب ويدعوا القرآن لما مر ص25 عن عمر وص27 عن أبي موسى، فلذلك رأوا أن يكتفوا بنشرها بطريق الرواية ويكلوها إلى حفظ الله تعالى الذي يؤمنون به.
ثم ذكر ص26أشياء قد تقدم الجواب عنها ثم قال (( وكون التابعين لم يدونوا الحديث إلا بأمر الأمراء )).
(153/46)
أقول:وجمع القرآن إنما كان بأمر الأمراء أبي بكر وعمر وعثمان فإن قيل هم أمراء المؤمنين وأئمة في العلم وأئمة في التقوى، قلنا فعمر بن عبد العزيز كذلك في هذا كله وهو الآمر بالتدوين، وتبعه الخلفاء بعده.
قال((يؤيد ما ورد أنهم كانوا [ قبل ذلك ] يكتبون الشيء لأجل حفظه ثم يمحونه )).
أقول: هذه حال بعضهم،وقد تقدم ص 27-28 أن جماعة كانوا يكتبون ويبقون كتبهم.
قال (( وإذا أضفت إلى هذا ما ورد في عدم رغبة كبار الصحابة في التحديث بل في رغبتهم عنه )).
أقول: سيأتي رد هذا مفصلاً. والتحقيق أن بعض كبار الصحابة يرون أن تبليغ الأحاديث إنما يتعين / عند وقت الحاجة، ويرون أنهم إذا بلغوا بدون حضور حاجة فقد يكون منهم خطأ ما قد يؤاخذون به، بخلاف ما إذا بلغوا عند حضور الحاجة فإن ذلك متعين عليهم، فإما أن يحفظهم الله تعالى من الخطأ، وإماأن لا يؤاخذهم، لهذا رويت الأحايث عنهم كلهم، ولم ينقل عن أحد منهم أنه كان عنده حديث فتحققت الحاجة إلى العمل به فلم يحدث به.
وكان جماعة آخرون من الصحابة يحدثون وإن لم تتحقق حاجة، يرون أن التبليغ قبل وقت الحاجة مرغب فيه لقول النبي صلى الله عليه وسلم ((حدثوا عني ولا حرج)) وغير ذلك من الأدلة الداعية إلى نشر العلم وتبليغ السنة. ولكل وجهة، وكلهم على خير، على أنه لما قل الصحابة رجحت كفة الفريق الثاني.
قال (( بل في نهيهم عنه )).
أقول: لم ينهوا، وكيف ينهون وما من أحد منهم إلا وقد حدث بعدد من الأحاديث، أ و سأل عنها، وإنما جاء عن عمر أنه نهى عن الإكثار، ومرجع ذلك إلى أمرين: الأول استحباب أن لا يكون التحديث إلا عند حضور الحاجة.
الثاني:ما صرح به من إيثار أن لا يشغل الناس – يعني بسماع الأحاديث دون حضور حاجة – عن القرآن.
وجاء عنه كما يأتي (( أقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا فيما يعمل به )) و(( العمل )) في كلامه مطلق، يعم العبادات والمعاملات والآداب، لا كما يهوى أبو رية.
(153/47)
قال (( قوي عندك ترجيح كونهم لم يريدوا أن يجعلوا الأحاديث (كلها) ديناً عاماً دائماً كالقرآن )).
أقول: هذه نظريته القائلة (( دين عام ودين خاص )) والذي يظهر من كلماته أن الدين العام الدائم هو الدين الحقيقي اللازم وأنه كما عبر عنه فيما مضى ص15 (( المتفق عليه )) وعلى هذا فمقصوده أن ما ذكر هنا يقوي عند مخاطبه أ ن الصحابة كانوا لا يوجبون العمل بالأحاديث الثابتة عندهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قدراً يسيراً هو الذي اتفقوا ووافقهم بقية الأمة بعدهم على العمل به، وأن ما زاد على ذلك فالأمر فيه على الاختيار: من شاه أخذ، ومن شاء ترك. بل إنهم كانوا يرون من الخير أمانة تلك الأحاديث !
فإن كان هذا مراده فبطلانه معلوم من الدين قطعاً. وحسبك أنه لم يحد أحداً من علماء الأمة ينسب إليه هذا القول بحق أو باطل سوى ما مر ص15 من نسبته أو نحوه إلى الغزالي، وقدمنا بيان بطلان تلك النسبة. هذا ونصوص الكتاب والسنة والمتواتر عن الصحابة وإجماع علماء الأمة، كل ذلك يبطل قوله هذا قطعاً على أن نظريته هذه لا تقتصر على إهمال الأحاديث الصحيحة بل تتضمن كما تقدم ص15 إهمال دلالات القرآن/ التي نقل ما يخالفها عن بعض من نسب إلى العلم ولو واحداً فقط، فعلى زعمه دلالات القرآن الظاهرة والأحاديث الصحيحة ولو رواها عدد من الصحابة لا يلزم المسلم أن يعمل بشيء منها قد نقل عن منسوب إلى العلم ما يخالفه
وإن كان الجمهور على وفق ذلك الدليل،كأن عنده أن العالم إن خالف الدليل فهو معصوم من أن يغلط أو يغفل أو يزل أو يضل، وإن وافق الدليل فليس بمعصوم. هذا حكمهم غير متفقين، فأما إذا اتفقوا فهم معصومون إلا في مخالفتهم لنظرية هذه.
قال ((ولو كانوا فهموا من النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لكتبوا أو لأمروا بالكتابة ولجمع الراشدون ما كتب وضبطوا ما وثقوا به ولم يكتفوا بالقرآن والسنة المتبعة المعروفة للجمهور بجريان العلم بها )).
(153/48)
أقول: قد بينا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكتب مصحفاً، وأن أبا بكر وعمر وعثمان مدة من ولايته لم يكتبوا إلا مصحفاً واحداً بقي عندهم لا يكاد يصل إليه أحد، فما بالك بالإرسال إلى العمال، وإن عثمان إنما كتب وبعث بضعة مصاحف إلى بعض الأقطار لمنع الناس من القراءة بخلاف ما فيها، وقد علمنا أنه لم يحفظ القرآن كله في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا نفر يسير، أربعة أو نحوهم، وذكر ابن سعد وغيرهم أن أبابكر وعمر ماتا قبل أن يحفظا القرآن كله. وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم ثم أبو بكر ثم عمر جماعة من العمال لم يحفظ كل منهم القرآن كله ولا كان عنده مصحف، فهل يقال لهذا إن القرآن لم يكن حينئذ من الدين العام؟ نعم كان العامل يحفظ طائفة من القرآن ويعلم جملة من السنة، فكان يبلغ هذا وهذا. ومن عرف وضع الشريعة عرف الحقيقة:إن وضع الشريعة عدم الإعنات، وتوجيه معظم العناية إلى التقوى. كان كثير من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هاجروا من مكة إلى الحبشة، ونزل بعدهم قرآن وأحكام، وجعلت كل من الظهر والعصر والعشاء أربعاً بعد أن كانت ركعتين، وحولت القبلة وغير ذلك، فلم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عقب تجدد حكم من هذه وغيرها يبعث رسلاً إلى من بالحبشة أو إلى غيرهم ممن بعد عنه يبلغهم ذلك، بل كان يدعهم على ماعرفوا حتى يبلغهم ما تجدد اتفاقاً، وجاء أنه صلى الظهر إلى الكعبة أول ما صلى
(153/49)
إليها، فخرج ممن كان معه لحاجته فمر وقت العصر ببي حارثة- وهم في بعض أطراف المدينة – وهم يصلون إلى بيت المقدس، فأخبرهم فاستداروا إ لى الكعبة فأتموا صلاتهم. وهكذا تحريم الكلام في الصلاة وتحريم الخمر،ومن المتفق عليه فيما أعلم أنه ليس واجباً على الأعيان / حفظ القرآن سوى الفاتحة، ولا تعلم القراءة والكتابة واتخاذ مصحف، ولايجب على الرجل أن يتعلم الفريضة إلا قرب العلم بها. وإنما الواجب أن يكون في الأمة علماء، ثم على العامي أن يسأل عالماً ويعمل بفتواه، وكان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه يكتفى في العامل أن يكون – مع حفظه لما شاء الله من القرآن – عارفاً بطائفة حسنة من السنة ثم يقال له: إذا لم تجد الحكم في الكتاب والسنة فاسأل من ترجو أن يكون عنده علم، فإن لم تجد فاجتهد رأيك، وقد كان أبو بكر وعمر إذا لم يجدا الحكم في الكتاب ولا فيما يعلمانه من السنة سألا الصحابة فإذا أخبرا بحديث أخذا به، وربما أخبرهما من هو دونهما في العلم والفضل بكثير. وترى في رسالة الشافعي عدة قضايا لعمر من هذا القبيل. وإذ كان الواجب على الأمة أن يكون فيها علماء كل منهم عارف بالقرآن عارف بجملة حسنة من السنة ليعمل ويفتي ويقضي بما علم ويسأل من تيسر له من العلماء عما لم يعلم فإن لم يجد اجتهد فقد كان الصحابة يعلمون أن منهم عدداً كثيراً هكذا وأن من تابعيهم عدداً كثيراً كذلك لا يزالون في ازديار، وأن حال من بعدهم سيكون كذلك، وأن القرآن والسنة موجودان بتمامهما عند أولئك العلماء مافات أحدهم منهما فموجود عند غيره، رأوا أن هذا كاف في أداء الواجب عليهم مع الإيمان التام بأن الله تعالى حافظ لشريعته، نعم فكروا في الاحتياط لجمع السنة فعرض لهم خشيةُ أن يؤدي ذلك إلى محذور كما مر فكفوا عنه. مكتفين بما ظهر لهم من حرص المسلمين وما آمنوا به من حفظ رب العالمين. وغاية ما يخشى بعد هذا أن يجهل العالم شيئاً من السنة ولا يتيسر له من
(153/50)
يخبره بها فيجتهد فيخطئ. وهذا في نظر الشرع ليس بمحذور كما علم مما مر في حال من كان من المسلمين بعيداً عن المدينة إذ بقوا مدة يصلون الرباعية ركعتين ويتكلمون في الصلاة ويصلون إلى بيت المقدس ويستحلون الخمر بعد نزول الأحاكم المخالفة لذلك حتى بلغتهم. وكما أذن الله تعالى أن يبنيى المسلم على ظنه وإن اتفق له أن ينكح أخته وهو لا يدري وأن يقتل مسلماً يحسبه كافراً وأن يأكل لحماً يظنه حلالاً فبان لحم خمزير ميت وغير ذلك. إنما المحذور أن تدع الدليل الشرعي عمداً اتباعاً منك لقول عالم قد يجهل ويذهل ويغفل ويغلط ويزل، وأشد من ذلك وأضر وأدهى وأمر ما يول صاح بتلك النظرة: إن الدليل الشرعي إذا وجد قول لعالم يخالفه ينزل بذلك عن الدين العام اللازم إل الدين الخاص الاختياري،من شا ه أخذ ومن شاء ترك،/ ومن خالف كل دليل من هذا القبيل مع علمه بها وعقله لها واقتصر على ما لم يخالفه أحد (( كان مسلماً ناجياً في الآخرة مقرباًً عند الله تعالى )) كما تقد م عنه ص 16، فهذا هو المحذور عند من يعقل.
قال (( وبهذا ييسقط قول من قال: إن الصحابة كانوا يكتفون في نشر الحديث بالرواية )).
أقول: قد عرفت الحقيقة ولله الحمد، وعرفت ما هو الساقط.
قال: (( وإذا أضفت إلى ذلك حكم عمر بن الخطاب على أعين الصحابة بما يخالف بعض تلك الأحاديث )).
أقول: كان عليه أن يبينها، فإن كان يريد مطاعن الرافضة في أمير المؤمنين عمر فجوابها في منهاج السنة وغيره، ويكفينا هنا أن نسأله: هل علمت عمر ثبت عنده حيديث فتركه لغير حجة قائلاً: لا يلزمنا الأخذ بالأحاديث؟
قال (( ثم ماجرى عليه علماء الأمصار في القرن الأول والثاني من اكتفاء الواحد منهم كأبي حنيفة بما بلغه ووثق به من الحديث وإن قل وعدم تعنيه في جمع غيره إليه ليفهم دينه ويبين أحكامه )).
(153/51)
أقول: لزم أبو حنيفة حماد بن أبي سليمان يأخذ عنه مدة، وكان حماد كثير الحديث، ثم أ خذ عن عدد كثير غيره كماتراه في مناقبه، وقلة الأحاديث المروية عنه لا تدل على قلة ما عنده، ذلك أنه لم يتصدى للرواية، وقد قدمنا أن العالم لا يكلف جمع السنة كلها، بل إذا كان عارفاً بالقرآن وعنده طائفة صالحة من السنة بحيث يغلب على اجتهاده الصواب كان له أن يفتي، وإذا عرضت قضية لم يجدها في الكتاب والسنة سأل من عنده علم بالسنة، فإن لم يجد اجتهد رأيه. وكذلك كان أبو حنيفة يفعل، وكان عنده في حلقته جماعة من المكثيرين في الحديث كمسعر وحبان ومندل، والأحايدث التي ذكروا أنه خالفها قليلة بالنسبة إلى ما وافقه، وما من حديث خالفه إلا وله عذر لا يخرج إن شاء الله عن أعذار العلماء، ولم يدع هو العصمة لنفسه ولا ادعاها له أحد، وقد خالفه كبار أصحابه في كثير من أقواله، وكان جماعة من علماء عصره ومن قرب منه ينفرون عنه وعن بعض أقواله، فإن فرض أنه خالف أحاديث صحيحة بغير حجة بينة فليس معنى ذلك أنه زعم أن العمل بالأحاديث الصحيحة غير لازم، بل المتواتر عنه ما عليه غيره من أهل العلم أنها حجة، بل ذهب إلى أن القهقهة في الصلاة تنقض الوضوء اتباعاً لحديث ضعيف[ وذكر ابن القيم في إعلام الموقعين مسائل أخرى لأبي حنيفة من هذا القبيل وكذلك غيره] ومن ثم ذكر أصحابه أن من أصله تقديم الحديث الضعيف – بله الصحيح – على القياس.
قال (( قوى عندي ذلك الترجيح )).
أقولك أما عند من يعرف دينه فهيهات.
/ قال (( بل تجد الفقهاء بعد اتفاقهم على جعل الأحاديث أصلاً من أصول الأحكام الشرعية، وبعد تدوين الحفاظ لها في الدواوين وبيان ما يحتج به وما لا يحتج
(153/52)
به لم يتفقوا على تحرير الصحيح والاتفاق على العمل به. فهذه كتب الفقه في المذاهب المتبعة – ولا سيما كتب الحنفية فالمالكية فالشافعية- فيها مئات من المسائل المخالفة للأحاديث المتفق على صحتها، ولا يعد أ حد منهم مخالفاً لأصول الدين ))
أقول: أما ما اعترفت به من اتفاقهم على أن الأحاديث الصحيحة أصل من أصول الأحكام الشرعية، فحجة عليك وعليهم مضافة إلى سائر الحجج. وأما عدم اتفاقهم على تحرير الصحيح وعدم اتفاقهم على العمل به فأنما حاصه أنهم يختلفون في صحة بعض الأحاديث، وذلك قليل بالنسبة إلى ما اتفقوا عليه، ويتوقف بعضهم عن الأخذ ببعضها بدعوى أنه منسوخ أو مؤول أو مرجوح، وليس في ذلك مخالفة للأصل الذي اتفقوا عليه.
فإن قيل: منهم من يتعمد رد الصحيح بدعوى ضعفه أو نسخه أو تأويله أو رجحان غيره عليه وهو يعلم أنه لا شيء من ذلك.قلنا: لنا الظاهر والله يتولى السرائر – على أنهم قد تراموا بهذا زمناً طويلاً وجرت فتن وحروب ثم ملوا فمالوا إلى التجامل وحسن الظن غالباً. وعلى كل حال فلا متشبث لك فيما ذكر، والفرق واضح بين من يستحل معلناً قتل المؤمنين بغير حق، ومن يقول: قتل المؤمن حرام، ثم يتفق له أن يقتل مؤمناً قائلاً: حسبته كافراً حربياً، وإن فرض دلالة القرائن على كذبه.
قال (( وقد أورد ابن القيم في إعلام الموقعين شواهد كثيرة جداً من رد الفقهاء للأحاديث الصحيحة عملاً بالقياس ولغير ذلك )).
أقول: القياس في الجملة دليل شرعي. وعلى كل حال فلا متنفس لك في ذلك كما مر.
قال (( ومن أغربها أخذهم ببعض الحديث الواحد دون باقيه، وقد أورد لهذا
أكثر من ستين شاهداً )).
أقول: نصف عليك، ونصف ليس لك.
ثم ذكر أبو رية (ص27-28) كلاما قد تقدم جوابه مستوفي ولله الحمد
الصحابة ورواية الحديث
(153/53)
/ ذكر أبو رية (ص29) تحت هذا العنوان أن الصحابة (( كانوا يرغبون عن رواية الحديث، وينهون عنه، وأنهم كان يتشددون في قبول الأخبار تشديداً قوياً )).
أقول: دعوى عريضة، فما دليلها؟
قال (( روى الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ قال: ومن مراسيل ابن أبي مليكة أن أبا بكر جمع الناس بعد وفاة نبيهم فقال: إنكم تحدثون عن رسول الله أحاديث تختلفون فيها والناس بعدكم أشد اختلافاً، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئاً، فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه )).
أقلو: قدم الذهبي في التذكرة قول أبي بكر للجدة (( ما أجد في كتاب الله شيئاً، وما علمت أن رسو ل الله صلى الله عليه وسلم ذكر لك شيئاً، ثم سأل الناس – الخ )).
فقضى بما أخبره المغيرة ومحمد بن مسلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر الذهبي هذا الخبر – ولا ندري ما سنده إلى ابن أبي مليلكة، وبين الذهبي أنه مرسل أي منقطع، لأن ابن أبي مليكة لم يدرك أبا بكر ولا كاد، ومثل ذلك ليس بحجة، إذ لايدرى ممن سمعه، ومع ذلك قال الذهبي (( مراد الصديق التثبت في الأخبار والتحرى، لا سد باب الرواية.. . ولم يقل حسبنا كتاب الله كما تقوله الخوارج )).
أقول: المتواتر عن أبي بكر رضي الله عنه، أنه كان يدين بكتاب الله تعالى وسنة رسوله، وأخذ بحديث (( لا نورث )) مع مايتراءى من مخالفته لظاهر القرآن،
(153/54)
وأحاديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم موجودة في دواوين الإسلام، وقد استدل أبو رية (كما مر ص24) بما روي أن أبا بكركتب خمسمائة حديث ثم أتلف الصحيفة وذكر ممما يخشاه إن بقيت قوله (( أبو يكون قد بقي حديث لم أ جده فيقال لو كان قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خفي على أبي بكر. وقد ذكر أهل العلم أن أصول أحاديث الأحاكم نحو خمسمائة حديث. انظر أعلام الموقعين 342:2وفيه 61:1 (( عن ابن سيرين قال... وإن أبا بكر نزلت به قضية فلم يجد في كتاب الله منها أصلاً ولا في السنة أثراً فاجتهد رأيه ثم قال: هذا رأيي فإن كان صواباً فمن الله.. . )) وفيه 70:1 (( عن ميمون بن مهران قال: كان أبو بكر الصديق إذا ورد عليه حكم نظر في كتاب الله تعالى.. . وإن لم يجد في كتاب الله نظر في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن وجد فيها ما يقضي به قضي به، فإن أعياه ذلك سأل الناس: هل علمتم أن رسول الله صلى الله علي وسلم قضى فيه.. . )). / وفيه 379:3 (( لا يحفظ للصديق خلاف نص واحدٍ أبداً )). وفي تاريخ الإسلام للذهبي 381:1 في قصة طويلة عن أبي بكر (( وددت أني سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم.. . وأني سألته عن العمة وبنت لأخ فإن في نفسي منها حاجة )) فإن كان لمرسل بن أبي مليكة أصل فكونه عقب الوفاة النبوية يشعر بأنه يتعلق بأمر الخلافة، كأن الناس عقب البيعة بقوا يختلفون يقول أحدهم: أبو بكر أهلها لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال كيت وكيت. فيقول آخر (( وفلان قد قال له النبي صلىالله عليه وسلم كيت وكيت، فأحب أبو بكر صرفهم عن الخوض في ذلك وتوجيهم إلى القرآن وفيه (( وأمرهم شورى بينهم )).
(153/55)
قال أبو رية (( وروى ابن عساكر عن [إبراهيم بن ] عبد الرحمن بن عوف قال: والله مامات عمر بن الخطاب حتى بعث إلى أصحاب رسول الله فجمعهم من الآفاق: عبد الله بن حذيفة وأبا الدرداء وأبا ذر وعقبة بن عامر قال: ما هذا الأحاديث التي أفشيتم عن رسول الله في الآفاق؟ قالوا تنهانا؟ قال [لا]، أقيموا عندي، لا والله لا تفارقوني ما عشت، فنحن أعلم، نأخذ منكم ونرد عليكم، فما فارقوه حتى مات.
أقول: أخذ أبو رية هذا من كنز العمال 239:1 وأسقط منه ما أضفته بين حاجزين. وفي خطبة كنز العمال 3:1 إن كل ما عزى فيه إلى تاريخ ابن عساكر فهو ضعيف، وعبد الله بن حذيفة غير معروف، إنما في الصحابة عبد الله ابن حذافة، وهو مقل جداً لا يثبت عنه حديث واحد، فلا يصلح لهذه القصة. وفي سماع إبراهيم ابن عبد الرحمن بن عوف من عمر خلاف والظاهر أنه لا يثبت ثم إن هؤلاء النفر لم يكونوا جميع الصحابة، بل كان كثير جداً من الصحابة في الأمصار والأقطار يحدثون.
قال أبو رية (( وفي رواية ابن حزم في ا لأحكام أنه حبس ابن مسعود وأبا موسى وأبا الدرداء في المدينة على الإكثار من الحديث )).
أقول: هذا من أحكام ابن حزم 39:3، وتعقبه بقوله (( مرسل ومشكوك فيه.. . ثم هو في نفسه ظاهر الكذب والتوليد.. ))وسيأتي الكلام في الإكثار.
قال (ص30): (( وروا ابن عساكر عن السائب بن يزيد قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول لأبي هريرة لتتركن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لألحقنك بأرض دوس. وقال لكعب الأحبار: لتتركن الحديث [عن الأول] أو لألحقنك بأرض القردة )).
/ أقول: قد علمت حال تاريخ ابن عساكر، وقد أعاد أبو رية هذا الخبر (ص163) ويأتي الكلام عليه هناك وبيان سقوطه. وأسقط أبو رية هناكلمة (( عن الأول )) لغرض خبيث، وصنع مثل ذلك ص115وص126 وفعل ص163 فعلة أخرى، ويأتي شرح ذلك في الكلام عليها إن شاء الله.
(153/56)
قال (( وكذلك فعل معهما عثمان بن عفان )). أقول: لم يعزه، ولم أجده قال (( وروى ابن سعد وابن عساكر عن محمود ابن لبيد[تحرف على أبي رية بلفظ (( محمود بن عبيد )) لم ينبه على تصحيحه] قال سمعت عثمان ابن عفان على المنبر يقول: لا يحل لأحد يروي حديثاً لم يسمع به في عهد أبي بكر ولا عهد عمر،فإنه لم يمنعني أن أحدث عن رسول الله أن لا أكون أوعى أصحابه، إلا أني سمعته يقول:من قال علي مالم أقل فقد تبوأ مقعده من النار)).
أقول: هو عند ابن سعد عقب السيرة النبوية في باب (( ذكر من كان يفتي بالمدينة )) رواه ابن سعد عن محمد بن عمر الأسلمي وهو الواقدي أحد المشهورين بالكذب، وكان ابن عساكر رواه من طريقه، وحال تاريخ ابن عساكر قد مر، وأحاديث عثمان ثابتة في أمهات الحديث كلها، ولم يزل يحدث حتى قتل.
قال (( وفي جامع بيان العلم.. . عن الشعبي عن قرظة بن كعب قال: خرجنا نريد العراق، فمشى معنا عمر إلى صرار ثم قال لنا: أتدرون لم مشيت معكم ؟ قلنا أردت أن تشيعنا وتكرمنا، قال: إن مع ذلك لحاجة خرجت لها، إنكم لتأتون بلدة لأهلها دوىّ كدوى النحل، فلا تصدوهم بالأحاديث عن رسول الله وأنا شريككم.
قال قرظة: فما حدثت بعده حديثاً عن رسول الله.. . وفي رواية أخرى: إنكم تأتون أهل قرية لها دوي بالقرآن كدوي النحل،فلا تصدوهم بالأحاديث لتشغلوهم، جردوا القرآن، وأقلوا الرواية عن رسول الله.
وفي الأم الشافعي.. . فلما قدم قرظة قالوا:حدثنا. قال: نهانا عمر ))
أقول اختلف في وفاة قرظة والأكثرون أنها كانت في خلافة علي، ووقع في صحيح مسلم في رواية ما يدل أنه تأخر بعد ذلك ولعلها خطأ.وسماع الشعبي منه غير متحقق، وقد جزم ابن حزم في الأحكام 138:2 بأنه لم يلقه، ورد هذا الخبر وبالغ كعادته، ومما قاله: إن عمر نفسه رويت عنه خمسمائة حديث ونيف فهو
(153/57)
مكثر بالقياس إل المتوفين قريباً من وفاتته. أقول: مع اشتغاله بالوزارة لأبي بكر ثم بالخلافة. وكذلك رده ابن عبد البر في كتاب العلم 121:2-123 وأطال، قال (( والآثار الصحاح عنه (أي عمر) من رواية أهل المدينة بخلاف حديث قرظة هذا، وإنما يدل على بيان عن الشعبي وليس مثله حجة في هذا الباب لأنه يعارض السنة والكتاب )) وذكر آيات وأحاديث وآثاراً عن عمر في الحض على تعلم السنن، والشعبي لم يذكر في طبقات المدلسين، لكن ذكر أبو حا تم في ترجمة سلميان بن قيس اليشكري أن أكثر ما يرويه الشعبي عن جابر إنما أخذه الشعبي من صحيفة سليمان بن قيس اليشكري عن جابر، وهذا تدليس. ثم أقول: كان قد تجمع في العراق كثير من العرب من أهل اليمن وغيرهم وشرعوا في تعلم القرآن، فكره عمر أن يشغلوا عنه بذكر مغازى النبي صلى الله عليه وسلم ونحوها من أخباره التي لا حكم فيها. ولا مانع أن يجب / فيما فيه حكم أن تتوخى به الحاجة، وإن كان الخبر الآتي يخالف هذا.
قال (( وكان عمر يقول: أقلوا الرواية عن رسول الله إلا فيما يعمل به ))
أقول: عزاه إلى البداية والنهاية، وهو فيها عن الزهري، ولم يدرك عمر. وعلق عليه أبو رية قوله (( أي السنة العملية )) فإن أراد اصطلاح شيخه (( السنة العملية المتواترة )) فلا يخفى بطلانه، لأن هذا اصطلاح محدث، وإنما المراد ما يترتب عليه عمل شرعي، فيدخل في ذلك جميع الأحكام والآداب وغيرها، ولا يخرج إلا القصص ونحوها،استحب الاقلال من القصص ونحوها، ولم يمنع من الإكثار فيما فيه عمل.
ثم قال (( ولا غرابة في أن يفعل عمر ذلك لأنه كان لا يعتمد إلا على القرآن والسنة العملية، فقد روى البخاري عن ابن عباس أنه لما حضر النبي وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب قال النبي: هلم أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده. فقال عمر: إن النبي غلبه الوجع، وعندكم القرآن فحسبنا كتاب الله )).
(153/58)
أقول: تكلم بعض المتأخرين في هذا الحديث وذكر أنه لوكانت الواقعة بنحو هذه الصورة لما أغفل الصحابة ذكرها والتنويه بشأنها، فما باله لم يذكرها إلا ابن عباس مع أنه كان صغيراً يؤمئذ. ويميل هذا المتأخر إلى أنها كانت واقعة لا تستحق الذكر تجسمت في ذهن ابن عباس واتخذت ذاك الشكل، والذي يهمنا هنا أن نتبين أنه من المعلوم بقينا أن عمر لا يدعي كفاية كتاب الله عن كل ما سواه بما فيه بيان الصلاة والزكاة والحج وغير ذلك، إذن فإنما ادعى كفاية القرآن عن أمر خاص، ودلالة الحال تبين أنه ذاك الكتاب الذي عرض عليهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتبه لهم. والظاهر أنه قد كان جرى ذكر قضية خاصة بدا للنبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب لهم في شأنها، فرأى عمر أن حكمها في القرآن، وأن غاية ما سيكون في ذاك الكتاب تأكيد أو زيادة توضيح أو نحو ذلك، فرأى أنه لا ضرورة إلى ذلك مع ما فيه من المشقة على النبي صلى الله عليه وسلم في شدة وجعه.
هذا وفي رسالة الشافعي ص422-445 وإعلام الموقعين 61:1-98،74 وأحكام ابن حزم 137:2-141 وكتاب العلم لابن عبد البر 121:2-124 وغيرها آثار كثيرة تبين تمسك عمر بالأحاديث والسنن، ورجوعه إليها، وعنايته بها، وحضه على تعلمها وتعليمها، وأمره باتباعها، فمن أحب فليراجعها، ومعنى ذلك في الجملة متواتر.
/ قال أبو رية ص31 (( وروى ابن سعد في الطبقات عن السائب بن يزيد أنه صحب سعد بن وقاص من المدينة إلى مكة، قال: فما سمعته يحدثنا حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى رجع )).
أقول: أحاديث سعد موجودة في كتب الإسلام، وقد قدمنا أن جماعة من الصحابة كانوا لا يحبون أن يحدثوا في غير وقت الحاجة.
قال (( وسئل عن شيء فاستعجم وقال: إني أخاف أن أحدثكم واحداً فتزيدوا عليه المائة )).
(153/59)