فقد روى الحاكم والبيهقي بإسناد صحيح على شرط الشيخين(1) عن أبي مليكة أن عائشة كانت إذا سئلت عن المتعة قالت : بيني وبينكم كتاب الله قال الله عز و جل { والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين} فمن ابتغى غير ما زوجه الله فقد عدا .
فهذا النص من أم المؤمنين ، يدل على أنها ترى تحريم المتعة بنص كتاب الله تعالى ، ولم تفهم عائشة رضي الله عنها من قوله سبحانه { فما استمتعتم به منهن } المتعة ، لأنها لو اعتبرت هذا المعنى لصرحت بالنسخ ، ولأنه لا يتم لكون آية المؤمنون متقدمة نزولا على آية النساء ، فالأولى مكية ، والثانية مدنية ومثل هذا لا يجهله مثل أم المؤمنين.
قال ابن عبد البر و أبو محمد القيسي : وقالت عائشة رضي الله عنها : حرم الله المتعة بقوله { والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم}(2)
قال أبو محمد : وهذا قول حسن ، لأن المتعة لم تكن زواجا صحيحا ولا ملك يمين ، ففرض الله في هذه الآية حفظ الفروج إلا على زوجةٍ أو ملك يمين ، ونكاح المتعة ليس بملك يمين ، ولا بنكاح صحيح .
وهذا إنما يجوز على أن تكون إباحة المتعة بالسنة ، ثم نسخت بالقرآن ، ولا يجوز أن تكون إباحة المتعة على هذا القول بالقرآن ، لأنها نزلت في سورة مدنية ، وهي النساء وقوله { إلا على أزواجهم } الآية : مكي ، والمكي لا ينسخ المدني ، لأنه قبل المدني نزل ، ولا ينسخ القرآن قرآنا لم ينزل بعد.
قال القيسي : إن المتعة كانت بإباحة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم نهى عنها ، فهو من نسخ السنة بالسنة ، والآية إنما هي في النكاح الصحيح الجائز.
وقال القيسي : وروي أن الإباحة في المتعة من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كانت ثلاثة أيام ثم نهى عنها فنسخت بنهي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
__________
(1) الحاكم في المستدرك 2/305 والبيهقي في سننه 7/ 207
(2) الاستذكار 16/ 297(94/118)
وقيل : بل أبيحت في أول الإسلام مدة ثم نسخت بالنهي عنها من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
لذا قال بعض العلماء : وهذا النص وهو قوله تعالى { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة } قد تعلق به بعض المفسدين الذين لم يفهموا معنى العلاقات المحرمة بين الرجل والمرأة ، فادعوا أنه يبيح المتعة .... والنص بعيد عن هذا المعنى الفاسد بعد من قالوه عن الهداية ، لأن الكلام
كله في عقد الزواج فسابقه ولاحقه في عقد الزواج ، والمتعة -حتى على كلامهم -لا تسمى عقد نكاح أبدا !!!
وأما قولهم : إن النسخ إنما يثبت بآية قرآنية أو بخبر متواتر لا بخبر الواحد ....
فالجواب من وجوه :
أولا : إن المتعة شرعت بالسنة وليس بالكتاب ، ومادامت أبيحت بالسنة ، فان نسخها بالسنة جائز ..وهذا مما اتفق عليه الأصوليون ......
قال ابن الجوزي :" و قد تكلف قوم من مفسري القرآن فقالوا المراد بهذه الآية نكاح المتعة ثم نسخت بما روي عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه نهى عن متعة النساء وهذا تكلف لا يحتاج إليه لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أجاز المتعة ثم منع منها فكان قوله منسوخا بقوله وأما الآية فإنها لم تتضمن جواز المتعة " ...
ثانيا : إن المتواتر هو العلم بما كانت عليه قبل النسخ ، وهذا لا جدال فيه إنما موضوع البحث والشيء المطلوب هو ، أن يكون بقاء الحكم متواترا بعد ورود النسخ وهذا الذي لا وجود له ، لأن القائلين بحليتها بعد النسخ أشخاص معدودون ومعروفون بالاسم وفي ثبوته عن بعضهم خلاف كبير.
ومع هذا ادعى المجوزون للمتعة بأن حديث جواز المتعة حديث متواتر بينما حديث النسخ من أخبار الآحاد ..
وبالتالي خرجوا بنتيجة أن النسخ إنما يثبت بآية قرآنية أو بخبر متواتر لا بخبر الواحد ..(94/119)
فيقال : إن المتواتر على الرغم من الخلاف الكبير حوله ، حول إمكان وجوده من عدمه ، يشترط فيه أن يرويه جمع عن جمع عن جمع من أول السند إلى آخره ، دون أن ينقص هذا العدد ، مع ملاحظة عدم إمكانهم على الكذب ..
فهل بقى القائلون بهذا الاتجاه ، جمعا عن جمع ..حتى بعد النسخ ؟!
إن الذي حصل بالفعل ، هو أن عنق الزجاجة قد ضاق ، وبدلا من أن رواية الجواز كانت جمعا عن جمع أصبحت أفرادا يروون أمرا قد كان ، وإلا لما سار الركبان بفتوى ابن عباس ، ورويت فيها الأشعار وتندر بها الظرفاء .
غير أن المجوزين خلطوا تواتر العلم بما كانت عليه ، بتواتر بقاء الحكم ، وبين الاثنين فرق كبير .....
فالمنسوخ في فهم الفقهاء ، هو استمرار حل المتعة واستمرار حل المتعة ظني لا قطعي !
فالبحث ليس موضوع أصل الحل بل استمراره استصحابا للحال، وهذا يفيد الظن بلا نزاع ورفع الظني بالظني لا ينازع فيه أحد لأنه من بدائه علم الأصول .
وبهذا يتضح أن ما يدعونه من التواتر مغالطة غير صائبة ...و دعوى أن النسخ خبر آحاد مجازفة غريبة..لأن التواتر وفقا لما ذكره أهل الاختصاص ، متوفر في أحاديث النسخ من دون شك لتناول أصحاب السنن لجميع طرقها ورواتها وهي كثيرة متعددة .(1)
والجواب عن الشبهة (11) :
إن آية الاستمتاع لا صلة لها بالمتعة ، كما سبق .
أما نكاح المتعة فإنما أجازه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم نهى عنه ، وعليه لا نسخ بين الآيتين البتة ، أعني بين آية الاستمتاع بالأزواج بعقد دائم وبين آية الميراث .
نعم قد وقع نسخ نكاح المتعة - وليس بآية المتعة لأنه ليس في القرآن آية تشرع المتعة - من القرآن موضع ذكر ميراث الزوجة الثمن والربع فلم يكن لها في ذلك نصيب .
وأما قولهم : إن هناك من فقهاء الشيعة من يقول التوارث فيها وهذه المسألة خلافية بين أئمة الإمامية وفيها ثلاثة أقوال .
فالجواب من وجوه :
__________
(1) الأصل في الأشياء ص 105(94/120)
1- إن الدليل لابد أن يكون إما من الكتاب أو السنة النبوية المطهرة .
قال تعالى في سورة الرعد / 41 { والله يحكم لامعقب لحكمه}
وقال تعالى في سورة يوسف / 40 { إن الحكم إلا لله}
ولا يجوز لمسلم أن يخالف الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويتبع البشر ولو كان هذا الشخص من أعظم العلماء ، ومن يفعل ذلك فقد صدق عليه قوله تعالى في سورة البقرة / 170
{ وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون} فالله أمرنا في محكم كتابه باتباع قوله سبحانه و تعالى وقول رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذي بعثه رحمة للعالمين فقال تعالى { و ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } الحشر/7
فأين الدليل من الكتاب أو السنة النبوية المطهرة أن امرأة المتعة هي زوجة !
وأين الدليل من الكتاب أو السنة النبوية المطهرة بالتوارث فيها ؟
وسواء كانت هذه المسألة موضع اتفاق بين فقهاء الشيعة على الفرض الجدلي أو كانت موضع خلاف بينهم كما هو الحال ، فالنتيجة هي هي ، وهي أنه لا يوجد في القرآن ولا السنة المطهرة حكم ميراث امرأة المتعة ، بل لا يوجد حكم واحد لهذه المرأة المسماة " امرأة المتعة !
وأما سبب هذا الاختلاف فيما بينهم فناشيء بسبب اختلاف أقوال أئمتهم في حكم ميراث " امرأة المتعة " ، لذلك اختلفوا على أربعة أقوال !! ذكرها المجلسي في مرآة عقوله و البحراني في حدائقه.
قال البحراني في الحدائق الناضرة في حكم ميراث امرأة المتعة ما نصه : اختلف الأصحاب في ثبوت التوارث بهذا العقد على أقوال (1).
وأما قولهم : إنه قد خرج القسمان الأخيران بالدليل الخاص ! فخصص به الكتاب...
فالجواب :
إن هذا الدليل الخاص المزعوم ليس هو قول الله تعالى ولا قول رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
__________
(1) 24/ 175(94/121)
وأما تخصيصكم المتمتع بها من ظواهر آية المواريث كتخصيصنا الذمية والمقاتلة فهو تخصيص باطل لسبب يسير هو أننا لا نملك التخصيص والنسخ ، فليس لنا أن نخصص من عند أنفسنا ، إذ أن السنة النبوية هي التي تخصص وتنسخ أو ما شابه ذلك .......
فعدم ميراث القاتلة خصصته السنة النبوية المطهرة قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم " لا يرث القاتل شيئا " وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : " ليس لقاتل ميراث "
فالتخصيص والنسخ من عمل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وقد قال أهل السنة إن المتعة نسخت ! ولكن من الذي نسخها ، فهل هو أبو بكر أو عمر أو علي أو نسخها الشافعي أو أحمد أو الأوزاعي ؟
لا ، ليس لهؤلاء أن ينسخوا ، بل الذي نسخها هو النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما ثبت ذلك بالدليل القاطع من أحاديث سيد المرسلين صلى الله عليه وعلى آله وسلم ....
أذن فشتان ما بين التخصيصين ، تخصيصنا من قبل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وتخصيصكم من قبل أئمتكم -الذين تعتقدون فيهم العصمة المطلقة!
وكذلك الذمية خصصها قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : " لا يتوارث أهل ملتين شتى(1)" .
وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : " لا يرث المسلم الكافر والكافر المسلم"(2).
وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يرث المسلم النصراني إلا أن يكون عبده أو أمته" (3) .
__________
(1) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه ، انظر نيل الأوطار 6/73 المجلد الثالث باب امتناع الارث باختلاف الدين والحكم وحكم من أسلم على ميراث قبل أن يقسم
(2) رواه الجماعة إلا مسلما والنسائي ، انظر نيل الاوطار 6/73
(3) رواه الدار قطني ، انظر نيل الاوطار 6/73(94/122)
ومما يدل على أن تشريع عدم ميراث امرأة المتعة أو اشتراط الميراث في المتعة من تشريع أئمة الشيعة كما نقلوا عنهم، وانه ليس من عند الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قول إمامهم المعصوم في حديثي أبان بن تغلب وهشام بن سالم .
فعن أبان بن تغلب في صيغة المتعة انه قال لأبي عبد الله(ع) فإني استحي أن أذكر شرط الأيام قال : هو أضر عليك قلت كيف ؟ قال : لأنك إن لم تشترط !! كان تزويج مقام ولزمتك النفقة ...وكانت وارثا (1).
أي إن لم يشترط رجل المتعة عند ارتباطه بامرأة المتعة تحول هذا "الزنا " إلى زواج مشروع ، كما نص الله ورسوله على ذلك فيرثها وترثه وينفق عليها ولا يفك هذا الميثاق الغليظ عندئذ إلا الطلاق في طهر كما يدل على ذلك حديث المعصوم الآتي .
وعن هشام بن سالم قال : قلت لأبي عبد الله (ع) أتزوج المرأة متعة !! مرة مبهمة ؟ قال : فقال ذاك أشد عليك ، ترثها وترثك !! ولا يجوز لك أن تطلقها إلا على طهر وشاهدين . (2)
و أما قولهم : إن في الشرع مواضع كثيرة لا ترث فيها الزوجة الكافرة والقاتلة والمعقود عليها في المرض إذا مات زوجها فيه قبل الدخول.....و.....
فالجواب :
صحيح إن في الشرع مواضع كثيرة لا ترث فيها الزوجة كالكافرة وكالقاتلة... وكالأمة ،و.....و...و.....و
ولكن نسأل : لماذا لا يرثن؟
وبعبارة أخرى لنضرب لذلك أمثلة .
إن الزوجة الكافرة لم ترث لوجود المانع وهو الكفر .
والزوجة القاتلة لم ترث لوجود المانع وهو القتل .
والزوجة الأمة لم ترث لوجود المانع وهو الرق .
وهكذا قس على بقية الزوجات اللاتي لم يرثن لوجود المانع .
__________
(1) الوسائل 14/ 470 ح2و3
(2) الوسائل 14/ 476-477ح5(94/123)
فسبب عدم الإرث يعود إلى وجود مانع أي الكفر في الذمية ،والقتل في القاتلة ،والرق في الأمة ...فاذا زال أحد هذه الموانع ورثت بالإجماع ، فالمسألة وقتية لا تدوم ، تزول بزوال المؤثر ، فالمانع طارئ هنا أو قابل للزوال كالقتل طرأ على الزوجية فمنع الميراث بعد أن كان لازما ، وكذلك الكفر، فلو أسلمت في حياة زوجها ورثته بالعقد الأول ، وكذلك الرق فاذا أعتقت في حياة زوجها ورثته .
لذلك نقول : إنما لم يرث هؤلاء أي "الذمية والأمة والقاتلة " للكفر والرق والقتل وذلك غير موجود في نكاح المتعة ، فإن كل واحد منهما من أهل الميراث من صاحبه فاذا لم يكن بينهما ما يقطع الميراث ثم لم يرث مع وجود المتعة علمنا أن المتعة ليست بنكاح أصلا ، لأنها لو كانت نكاحا لأوجب الميراث مع وجود سببه من غير مانع له ، فالعقد الصحيح للزوجية الصحيحة موجب للميراث بمجرده فاقتضى عقلا وشرعا أن العقد الذي لا يقتضي الميراث لذاته ليس عقدا صحيحا وان الزوجة التي لا ترث بهذا العقد لا تكون زوجة صحيحة !!
فهل المتمتع بها ترث بأي حال من الأحوال ؟
وهل المتمتع بها تورث بمجرد العقد ؟؟
إنها لا ترث ولا تورث بعقد المتعة بخلاف الزوجة القاتلة التي منعت من الميراث ، فان منعها كما قلنا طارئ بسبب تعديها بالقتل ، ونقرب المسألة أقرب من هذا فنقول : لو قدر أن إنسانا آخر اعتدى عليها هي بعد اعتدائها على زوجها فماتت قبل زوجها ورثها زوجها ولا ترثه هي ! وكونها مُنعت من الميراث بالقتل لم يمنع زوجها من ميراثه فيها إذا ماتت قبله بخلاف المتمتع بها !!
لذلك نسأل : لماذا لا ترث امرأة المتعة المسلمة الحرة غير القاتلة ؟؟
فما السبب لمنعها من الميراث ، أو بصيغة أصرح لماذا حرمتموها من الميراث ؟
لذلك قال علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنه منسوخ ، فيما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما .(94/124)
وأخرج الدارقطني في سننه بإسناده عن علي رضي الله عنه قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن المتعة قال و إنما لمن لم يجد فلما نزل النكاح والطلاق والعدة والميراث بين الزوج والمرأة نسخت .(1)
وأخرج الدارقطني بإسناده عن أبي هريرة فيما يرويه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : هدم المتعة الطلاق والعدة والميراث .(2)
والجواب عن الشبهة (12) من وجوه :
أولا : إن القرآن لم يشرع نكاح المتعة ، ، لكي نقول إنه منسوخ بآية العدة .
والدليل قوله تعالى في عدة الطلاق { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن } وقوله
{ والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } .
وفي عدة الوفاة { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } وقوله { واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن }
فدل أن العدة عند الطلاق ، أو الوفاة ...لا عند انتهاء الأجل في المتعة !
فأما عدة الطلاق فلإعطاء الفرصة الكافية للزوج بعد الطلاق ليعود لزوجته المطلقة ....وذلك حرصا من الإسلام على إبقاء الرابطة الزوجية وتنويهاً بتعظيم شأن الزواج ....
__________
(1) أخرجه الدارقطني في سننه 1/ 260 والبيهقي في السنن الكبرى 7/ 207 و الحازمي في الاعتبار في الناسخ والمنسوخ ص428وعبد الرزاق في المصنف 7/ 505
(2) قال الشوكاني في النيل 3/6/ 138 : حسنه الحافظ ولا يمنع من كونه حسنا كون في اسناده مؤمل بن اسماعيل لأن الاختلاف فيه لايخرج حديثه عن حد الحسن اذا انضم اليه من الشواهد ما يقويه كما هو شأن الحسن لغيره .(94/125)
و أما عدة الوفاة فيراد تذكر نعمة الزواج ، ورعاية حق الزوج وأقاربه ..وإظهار التأثر لفقده !! وإبداء وفاء الزوجة لزوجها ، وصون سمعتها وحفظ كرامتها ....وأنى لامرأة المتعة التي تؤخذ لساعة أو عرد أن تذكر نعمة الزواج ، أو رعاية حق الزوج وأقاربه ..أو إظهار التأثر لفقده !! أو إبداء وفاء الزوجة لزوجها ، أو صون سمعتها وحفظ كرامتها .....
وأما قولهم : إن المتعة أيضاً لها عدة لكنها نصف عدة النكاح الدائم .....
فالجواب من وجوه :
1- إن القائلين بالمتعة هم الذين قالوا " إن عدة المتعة نصف عدة النكاح الدائم ...وهذا ليس لهم دليل عليه من القرآن أو السنة النبوية المطهرة ......
2- إن القائلين بالمتعة تضاربت وتناقضت أحاديثهم حول عدة امرأة المتعة (1) ....رغم انهم هم القائلون بالمتعة من بين جميع المذاهب والفرق ...
قال شيخهم البحراني في حدائقه ما نصه بالحرف : اختلف الأصحاب في عدة المتمتع بها متى دخل بها الزوج !! وانقضت مدتها ، أو وهبها إياها ولم تكن يائسة وكانت ممن تحيض على أقوال ، ومنشأ هذا الاختلاف اختلاف الروايات !!! في المسألة (2).
وفيما يلي ذكر لهذه الروايات التي نسبوها إلى أهل البيت وأقوال مشايخهم :
فعن زرارة عن أبي عبد الله انه قال : إن كانت تحيض فحيضة وان كانت لا تحيض فشهر ونصف .
وعن زرارة قال : سألت أبا جعفر ما عدة المتعة إذا مات عنها الذي تمتع بها ؟ قال : أربعة أشهر وعشرا ، قال : ثم قال : يا زرارة كل النكاح إذا مات الزوج فعلى المرأة حرة كانت أو أمة وعلى أيّ وجه كان النكاح منه متعة أو تزويجا أو ملك يمين فالعدة أربعة أشهر وعشرا وعدة المطلقة ثلاثة أشهر والأمة المطلقة عليها نصف ما على الحرة ، وكذلك المتعة عليها مثل ما على الأمة (3).
__________
(1) انظر هذه الروايات المزعومة في الوسائل 14/ 473 باب 22
(2) الحدائق 24/182-183
(3) الوسائل كتاب الطلاق باب 52ح2(94/126)
وعن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا قال : قال أبو جعفر عدة المتعة خمسة وأربعون يوما والاحتياط خمسة وأربعون ليلة .
وعن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا قال : سمعته يقول : قال أبو جعفر عدة المتعة حيضة ، وقال : خمسة و أربعون يوما لبعض أصحابه .
و عن عبد الله بن عمرو عن أبي عبد الله في حديث في المتعة قال : قلت : فكم عدتها ؟ فقال : خمسة وأربعون يوما أو حيضة مستقيمة .
وعن علي بن يقطين عن أبي الحسن قال : عدة المرأة إذا تمتع بها فمات عنها خمسة وأربعون يوما (1).
وعن عبد الرحمن بن الحجاج قال : سألت أبا عبد الله عن المرأة يتزوجها الرجل متعة ثم يتوفى عنها هل عليها العدة ؟ فقال : تعتد أربعة أشهر وعشرا وإذا انقضت أيامها وهو حي فحيضة ونصف مثل ما يجب على الأمة.
وعن علي بن عبيد الله عن أبيه عن رجل ! عن أبي عبد الله (ع) قال : سألته عن رجل تزوج امرأة متعة ثم مات عنها ما عدتها ؟ قال : خمسة وستون يوما (2).
أي انهم اختلفوا في عدة هذه المرأة على خمسة أقوال !!
قال المجلسي في المرآة :واختلف في عدة المتعة إذا دخل بها على أقوال :
أحدها - إنها حيضتان ذهب إليه الشيخ في النهاية وجماعة .
الثاني : إنها حيضة واحدة اختاره ابن أبي عقيل .
والثالث : إنها حيضة ونصف اختاره الصدوق في المقنع .
والرابع : إنها طهران ، اختاره المفيد وابن إدريس والعلامة في المختلف (3).
والجواب عن الشبهة (13) :
قولهم : إن تشريع الطلاق لم يحصر إباحة الوطء وشرعيته بما كان مورداً للطلاق وإلا فما تقولون في التسري والوطء بملك اليمين.
فالجواب :
صحيح إن تشريع الطلاق لم يحصر إباحة الوطء وشرعيته بما كان مورداً للطلاق ، ولكن ما علاقة التسري وملك اليمين بالطلاق !
__________
(1) الوسائل 15/ 485ح3
(2) المصدر السابق ح4
(3) مرآة العقول في شرح الكافي للمجلسي 20/ 242 ، وانظر الحدائق 24/ 182-187 وجواهر الكلام 30/ 196-202(94/127)
وبعبارة أخرى قياسكم عدم الطلاق في التسري والوطء بملك اليمين قياس فاسد لسبب بسيط هو أن التسري ملك والزواج عقد !
لذلك فالتسري لا يحتاج إلى طلاق لأنه ملك بينما الزواج هو الذي يحتاج إلى الطلاق لأنه عقد !
وأما قولهم : أن الطلاق ليس السبب الوحيد للمفارقة بل الفسخ إذا وجدت أسبابه أيضاً سبب للفراق كما أن انقضاء الأجل في النكاح المنقطع أيضاً سبب للفراق فلم ينحصر السبب في الطلاق.
فالجواب :
صحيح إن الطلاق ليس هو السبب الوحيد للمفارقة بل الفسخ إذا وجدت أسبابه أيضاً سبب للفراق، ولكن أين الدليل من الكتاب أو السنة على أن انقضاء الأجل في المتعة أو هبة المدة الباقية أيضاً سبب للفراق!! إن كان لم ينحصر السبب في الطلاق على الفرض الجدلي !
فالقضية ليست أن الطلاق ليس السبب الوحيد للمفارقة ،بل القضية أنكم تقيسون الطلاق أو الفسخ في الزواج الدائم على انقضاء الأجل في المتعة !
ثم إن الطلاق أمر وجودي شرعه الله تعالى في كتابه في سور وآيات كثيرة حتى إن سورة بكاملها سميت بسورة الطلاق ، بينما انتهاء مدة أو أجل المتعة أو هبة المدة أمر عدمي .
كما أن الطلاق فك عصمة قابلة للامتداد أي أن هناك رجعة بينما هبة المدة في المتعة ليست كذلك.
و أما قولهم : إن هناك حالات من الزواج لا طلاق فيها مثل الزوجة الملاعنة تبين بغير طلاق ، الأمة المزوجة إذا اشتراها زوجها فإنها تبين منه بغير طلاق ، الزوجة المرتدة ، الزوج المرتد تبين منه زوجته ، الزوجة الصغيرة التي أرضعتها أم الزوج تبين من زوجها لأنها بهذا الإرضاع أصبحت أختاً له ، الزوجة الصغيرة التي أرضعتها زوجته الكبيرة تبين من زوجها بغير طلاق ، زوجة المجنون إذا فسخت عقد زواجها منه تبين بغير طلاق ، الزوجة التي ملكت زوجها المملوك بأحد أسباب الملك..
فالجواب :(94/128)
إن هذا القول خطأ فاحش ، ولا يجوز الاحتجاج به لسبب يسير وهو أن القائلين بالمتعة خلطوا بين الفسخ والطلاق ..فأخذوا يقيسون مواضع الفسخ على مواضع الطلاق وبين الاثنين فرق كبير...
وبيان ذلك أن كلا من الطلاق والفسخ يعتبر فرقة بين الزوجين ، وهي انحلال عروة الزوجية ، فهي تتنوع إليهما ، وبينهما هذه الفروق :
فالطلاق: إنهاء للعقد ولا يزول الحل إلا بعد البينونة الكبرى أي بعد التطليقة الثالثة ....
بينما الفسخ : يكون رفعا لعقد الزواج ونقضا له من أساسه وإزالة الحل المترتب عليه في الحال بسبب حالات طارئة على العقد تنافي الزواج أو حالات مقارنة للعقد تقتضي عدم لزومه من الأصل .
فمن أمثلة الحالات الطارئة : ردة الزوجة أو إباؤها الإسلام ، أو الاتصال الجنسي بين الزوج وأم زوجته أو بنتها أو بين الزوجة وأبي زوجها أو ابنه مما يحرم المصاهرة ، وذلك ينافي الزواج .....
أما الطلاق فلا يكون إلا بناء على عقد صحيح لازم وهو من حقوق الزوج ، فليس فيه ما يتنافى مع عقد الزواج أو يكون بسبب عدم لزومه !
فنلخص من هذا ، أن الفرقة إذا كانت بعد زواج صحيح ، ولم تكن بسبب أمر اقترن بالعقد فجعله غير لازم من الأصل ، ولا بسبب طارىء يوجب الحرمة بين الزوجين ، ولا بسبب يوجب الخيار لأحد الزوجين ، فإنها تعتبر طلاقا أيا كان مصدره .
وأما إذا كانت الفرقة إثر زواج غير صحيح ، أو كانت بسبب أمر اقترن بالعقد ، فجعله غير لازم من الأصل ، أو كانت بسبب أمر طارىء يوجب الحرمة بين الزوجين ، أو كانت بسبب عيب يوجب الخيار لأحدهما ، فإنها تعتبر فسخا ...
وقد ذكر المالكية أن الفراق بين الزوجين يقع على خمسة عشر وجها وهي :(94/129)
الطلاق على اختلاف أنواعه ، والايلاء أن لم يفئ الزوج عن يمينه ، واللعان ، والردة ، وملك أحد الزوجين الآخر ، والإضرار بالزوجة ، وتفريق الحكمين بين الزوجين ، واختلاف الزوجين في الصداق قبل الدخول ، وحدوث الجنون أو الجذام أو البرص في الزوج ، ووجود العيوب في أحد الزوجين ، والإعسار بالنفقة ، أو الصداق ، والتغرير ، والفقد ، وعتق الأمة زوجة العبد ، وتزوج أمة على الحرة .
فهل انتهاء مدة المتعة أو هبة المدة بسبب حالات طارئة على العقد تنافي الزواج؟؟
وبمعنى آخر هل فسخ المتعة بانتهاء المدة أو هبتها بسبب الايلاء أن لم يفئ الزوج عن يمينه ؟
أو أن فسخ المتعة بانتهاء المدة أو هبتها كان بسبب اللعان ؟
أو أن فسخ المتعة بانتهاء المدة أو هبتها كان بسبب الردة ؟
أو أن فسخ المتعة بانتهاء المدة أو هبتها كان بسبب ملك أحد الزوجين الآخر ؟
أو أن فسخ المتعة بانتهاء المدة أو هبتها كان بسبب الإضرار بالزوجة ؟
أو أن فسخ المتعة بانتهاء المدة أو هبتها كان بسبب تفريق الحكمين بين الزوجين؟
أو أن فسخ المتعة بانتهاء المدة أو هبتها كان بسبب اختلاف الزوجين في الصداق قبل الدخول؟!
وأما قولهم : أن هبة المدة تغني عن الطلاق ولا حاجة إليه فالطلاق إنما يحتاج إليه في النكاح المؤبد لأنه غير موقت والنكاح الموقت لا يفتقر إلى الطلاق لأنه ينقطع حكمه بمضي الوقت ...
فالجواب :
وهل تملكون دليلا واحدا من كتاب الله أو من سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيما زعمتموه ؟! ودون ذلك خرط القتاد .
والجواب عن الشبهة (14) من وجوه :
قولهم : إن آية المتعة !! مما يستدل بها على مشروعية المتعة وعلى أنها تحصن.....قول باطل فإن المتعة لا تحصن عندهم ، وإليك نص أقوال أئمتهم وفقهائهم .
فعن هشام وحفص البختري عمن ذكره !! عن أبي عبد الله في رجل يتزوج المتعة أتحصنه ؟ قال : لا إنما ذاك على الشيء الدائم عنده .(94/130)
وعن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله في حديث قال : لا يرجم الغائب عن أهله ولا المملك الذي لم يبن بأهله ، ولا صاحب المتعة .
وعن إسحاق بن عمار قال : قلت لأبي إبراهيم الرجل تكون له الجارية أتحصنه ؟ قال : فقال : نعم إنما هو على وجه الاستغناء قال : قلت والمرأة المتعة ؟ قال :فقال : لا إنما ذلك على الشيء الدائم قال : قلت : فإن زعم انه لم يكن يطأها قال : فقال ¨لا يصدق و إنما أوجب ذلك عليه لأنه يملكها .
وعن أبي عبد الله انه قال : لا يقع الإحصان ولا يجب الرجم إلا بعد التزويج الصحيح !! والدخول ومقام الزوجين بعضهما على بعض فان أنكر الرجل أو المرأة الوطء بعد أن دخل الزوج بها لم يصدقا ، قال : ولا يكون الإحصان بنكاح متعة (1).
أما فقهاؤهم فقال شيخ طائفتهم الطوسي في مبسوطه ما نصه : " الإحصان عندنا أن يكون له فرج يغدو إليه ويروح ويكون قد دخل بها سواء كانت حرة أو أمة زوجة كانت أو ملك يمين وفي أصحابنا من قال أن ملك اليمين لا يحصن ولا خلاف بيننا أن المتعة لا تحصن(2).
وقال الطباطبائي : " ولا إحصان في النكاح المنقطع - ولذلك لا يرجم الرجل المتمتع إذا زنا لعدم كونه محصنا (3).
لذلك اشترطوا في إحصان الرجل ما يلي : الحرية و الدوام .
قالوا : " يعتبر في إحصان الرجل أمران :
الأول : الحرية فلا رجم على العبد .
الثاني : أن تكون له زوجة دائمة قد دخل بها أو أمة !!
وأما إحصان المرأة فقالوا ما يلي : " الحرية وان يكون لها زوج دائم قد دخل بها(4).
__________
(1) انظر الوسائل 18/ 352-356باب ثبوت الاحصان الموجب للرجم وعدم ثبوت الاحصان بالمتعة ، وانظر الدعائم 2/451
(2) المبسوط للطوسي 4/268
(3) تفسير الميزان 4/282
(4) مباني تكملة المنهاج للخوئي 2/201-207(94/131)
فاذاً بطل حمل الآية على أنها في المتعة وبطل الاستدلال بها على مشروعية المتعة وعلى أنها تحصن في نكاح المتعة! لأنها تتحدث عن النكاح الصحيح الذي يتحقق معه الإحصان ولا يقصد به سفح الماء وقضاء الشهوة فقط.
فالمتمتع بها لا يقصد الإحصان دون المسافحة بل يكون قصده المسافحة ، فانحصرت الداعية الفطرية في سفح الماء وصبه .... فقوله تعالى { أن تبتغوا بأموالكم محصنين } أي وأحل لكم ما وراء ذلكم لأجل أن تبتغوه وتطلبوه بأموالكم التي تدفعونها مهرا للزوجة أو ثمنا للأمة ، محصنين أنفسكم ومانعين
لها من الاستمتاع بالمحرم باستغناء كل منهما بآخر ، إذ الفطرة تدعو الرجل إلى الاتصال بالأنثى ، والأنثى إلى الاتصال بالرجل ليزدوجا وينتجا .فالإحصان هو هذا الاختصاص الذي يمنع النفس أن تذهب أيّ مذهب ، فيتصل كل ذكر بأي امرأة وكل امرأة بأي رجل ، إذ لو فعلا ذلك لما كان القصد من هذا إلا المشاركة في سفح الماء الذي تفرزه الفطرة إيثارا للذة على المصلحة ، إذ المصلحة تدعو إلى اختصاص كل أنثى بذكر معين ، لتتكون بذلك الأسرة ويتعاون الزوجان على تربية أولادهما ، فاذا انتفى هذا المقصد كما هو الحال في امرأة المتعة إذ كل شهر تحت صاحب بل كل يوم في حجر ملاعب فالمتمتع بها لا يقصد الإحصان دون المسافحة بل يكون قصده المسافحة ......
وأما قولهم : أن المراد بالإحصان في قوله{ محصنين غير مسافحين} هو إحصان العفة دون إحصان التزوج لكون الكلام بعينه شاملاً لملك اليمين كشموله النكاح ولو سلم أن المراد بالإحصان هو إحصان التزوج عاد الأمر إلى تخصيص الرجم في زنى المحصن بزنى المتمتع المحصن بحسب السنة ! دون الكتاب فإن حكم الرجم غير مذكور في الكتاب من أصله.
فالجواب من وجوه :(94/132)
1- إن الإحصان جاء في القرآن على أربعة معان ...فجاء في قوله { والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم } بمعنى الزواج أي المتزوجات ، وجاء بمعنى الحرية في قوله { فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب } وجاء بمعنى الإسلام في قوله { فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة } وجاء بمعنى العفاف في قوله { والذين يرمون المحصنات } .
و هنا في هذه الآية بمعنى العفة وتحصين النفس ومنعها فيما يغضب الله أي متناكحين نكاحا شرعيا صحيحا يحصنهم والإحصان لا يكون إلا في نكاح صحيح دائم.
2- لو سلم أن المراد بالإحصان هو إحصان التزوج عاد الأمر ليشمل النكاح الصحيح و ملك اليمين فقط كما قال إمامكم المعصوم : لا يقع الإحصان ولا يجب الرجم إلا بعد التزويج الصحيح !! وقال : ولا يكون الإحصان بنكاح متعة!!
وهذا هو الفيصل بيننا وبين المخالفين فقد أبطلوا متعتهم من حيث لا يشعرون ....فلو كان هذا النكاح صحيحا لوجب الرجم فلما انتفى هذا ، بطل أن يكون المتعة نكاحا صحيحا !
فالناكح بالمتعة لا يكون محصناً عندهم إذ لا يثبت حكم الإحصان إلا بالعقد الدائم أو الملك بخلاف العقد المنقطع فلا إحصان به ، فبطلت المتعة بهذا القيد فلزمهم أن يفسروه بالنكاح الصحيح .
3- إن الإحصان من "حصن " وتدل على المنع ومنه الحصن لأنه يمنع من فيه ويقال أحصن الرجل إذا تزوج و أحصن إذا عف وفي جميع ذلك معنى المنع فالرجل إذا تزوج منع نفسه من الزنا والعفيف يمنع نفسه من الفحش ....وهذا بخلاف المتعة فان امرأة المتعة كل شهر تحت صاحب وكل يوم في(94/133)
حجر ملاعب ...كما أن رجل المتعة لا يقصد الإحصان دون المسافحة بل يكون قصده المسافحة دون الإحصان ......فصاحب المتعة لا يطلب العفة ولا يقصد إحصان المرأة وحفظها من أن ينالها أحد سواه ! ...كما انه لاشيء يحصل من إحصان المرأة التي تؤجر نفسها كل طائفة من الزمن لرجل فلا صاحب المتعة يستغني عن امرأة المتعة ولا امرأة المتعة تستغني عن غيره ، فليس هناك استغناء كل منهما بالآخر عن طلب الاستمتاع المحرم !
فأي نوع من الإحصان هذا ؟!!
وأما تخصيصهم الرجم في زنى المحصن بزنى المتمتع المحصن بحسب السنة.....
فالجواب من وجوه :
1- انه لا يوجد في السنة النبوية أحكام المتعة لكي نخصصها ....
2- إن حكم الرجم موجود في القرآن ولكن مما نسخت تلاوته .....وهذا مما استفاضت الأخبار من طرق الفريقين(1).
فمن طرق الشيعة في الكافي والتهذيب عن أبي عبد الله قال : الرجم في القرآن قول الله عز وجل " إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة فانهما قضيا الشهوة .
وعن سليمان بن خالد قال : قلت لأبي عبد الله في القرآن رجم ؟ قال : نعم : قلت : كيف ؟ قال : الشيخة والشيخ فارجموهما البت(2).
والجواب عن الشبهة (15) :
__________
(1) انظر ذلك في الطبراني والترمذي والنسائي وأبي داود عن ابن عباس من حديث عمر بن الخطاب
(2) انظر الكافي 7/ 177ح3والتهذيب 10/3ح 7 ، والملاذ 16/10 ، والفقيه 4/17ح12، والوسائل 18/350ح18 ، والمرآة 23/ 267 ، ودعائم الاسلام 2/ 449، .....وتفسير القمي 2/ .....وانظر مباني تكملة المنهاج للخوئي 1/ 196 وقد صحح المجلسي هاتين الروايتين في ملاذه 16/ 10، وفي مرآته 23/267 وقال مانصه بالحرف : “ وعدت هذه الآية مما نسخت تلاوتها دون حكمها(94/134)
قولهم : إن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان المنكر الأول على من حرم المتعة وهو عمر .......هذا القول من أعظم الكذب ...إذ لا يستند إلى دليل أو حجة ! واحتجاجهم بالحديث الذي رواه الطبري في تفسيره أوهى من بيت العنكبوت !! لأنه حديث ضعيف منقطع ..من طرقنا وطرقهم كما بينت ...بل الثابت الذي لا يقبل النقاش إن عليا رضي الله عنه كان المنكر الأول على من استحل المتعة، وإنكاره على ابن عمه حبر الأمة معروف .
أخرج مسلم في صحيحه عن محمد بن الحنفية عن علي أنه سمع ابن عباس يلين في متعة النساء فقال : مهلا يا ابن عباس فان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عنها يوم خيبر وعن لحوم الحمر الإنسية .
وفي رواية : سمع علي بن أبي طالب يقول لفلان إنك رجل تائه نهانا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (1).
والآن إليك بيان مذهب علي رضي الله عنه في المتعة من عدة طرق ومذاهب .
1- من طرق الشيعة الإسماعيلية :
روى القاضي المغربي صاحب دعائم الإسلام عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه حرم نكاح المتعة ، وعن علي (ع) أنه قال : لا نكاح إلا بولي وشاهدين وليس بالدرهم والدرهمين واليوم ويومين ، ذلك السفاح ولا شرط في النكاح (2).
2- من طرق الشيعة الإمامية المستحلين لهذه " المتعة " :
روى شيخ طائفة الشيعة الطوسي في كتابيه الاستبصار و التهذيب بإسناده عن عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي (ع) قال : حرم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوم خيبر لحوم الحمر الأهلية ونكاح المتعة (3).
3- من طرق الشيعة الزيدية :
__________
(1) انظر صحيح مسلم بشرح النووي 9/ 189-190
(2) انظر دعائم الإسلام وذكر الحلال والحرام والقضايا والأحكام للقاضي أبي حنيفة النعمان التميمي 2/ 228-229ح858
(3) التهذيب 2/186 ، والإستبصار 3/142 وانظر الوسائل كتاب النكاح 14/441 ح32(94/135)
جاء في مسند الإمام زيد بن علي عن أبيه عن جده علي (ع) قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن نكاح المتعة عام خيبر .(1)
قال السياغي الصنعاني من علماء الزيدية في الروض النضير :قال المؤيد بالله أخبرنا أبو العباس الحسني قال نا عبد العزيز بن إسحاق قال نا أحمد بن منصور الحري نا محمد بن الأزهر الطائي نا إبراهيم بن يحيى المزني عن عبد الله بن الحسن عن أبيه عن جده عن علي (ع) قال : حرم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم المتعة من النساء يوم خيبر وقال لا أجد أحدا يعمل بها إلا جلدته .
قال السياغي : ولعل قوله :لا أجد أحدا يعمل بها إلا جلدته من قول علي (ع)(2) .
4- من طرق أهل السنة :
أخرج البخاري ومسلم وأصحاب السنن والمسانيد والموطآت .... عن الحسن وعبد الله ابني محمد بن علي عن أبيهما عن علي أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن نكاح المتعة يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأهلية . وهذا الحديث رواه أكثر أصحاب كتب السنة النبوية (3).
__________
(1) الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير4/ 23
(2) في الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير4/ 23
(3) البخاري في صحيحه والبيهقي في السنن ومسلم في صحيحه و الدارقطني في السنن و.الترمذي في سننه وابن حبان في صحيحه
والنسائي في سننه.و مالك في الموطأ.وابن ماجه في سننه.و ابن أبي شيبة في المصنف .والدارمي في سننه. والشافعي في مسنده و.ابو داود في سننه و أحمد في مسنده .والبزار في مسنده .و الطبراني في المعجم?و .سعيد بن منصور في سننه.و ابن جارود في المنتقى .وعبد الرزاق في مصنفه والمقدسي في تحريم نكاح المتعة.والنحاس في الناسخ و المنسوخ .وأبو نعيم في الحلية .والطيالسي في مسنده .(94/136)
ومن الملاحظ ، وهذه للمقارنة وبيان وجه الحق ، أن حديث تحريم متعة النساء الذي رواه الإمام علي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رواه كل أصحاب المذاهب فهو متفق عليه...بينما الحديث الذي أخرجه الثعلبي في تفسيره والسيوطي في الدر المنثور بعدة طرق والرازي وأبوحيان و رواه ابن جرير الطبري في تفسيره بإسناد منقطع ضعيف !! ومن المعلوم أن كتب التفسير تحوي الغث والسمين ، فإذا عرفت هذا ، فكيف يزعمون أن الرواية عن ابن الحنفية عن أبيه ( ع) موضوعة !! وما هو دليلهم ؟؟
الحقيقة أنه ليس لهم دليل سوى أقاويل منحوتة ومنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وآل بيته الأطهار ،كزعمهم أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعليا رضي الله عنه تمتعا والعياذ بالله.
فقد روى شيخهم المفيد في كتابه " المتعة " قال : يروي الفضل الشيباني بإسناده إلى الباقر (ع) أن عبد الله بن عطاء المكي سأله عن قوله تعالى { وإذا أسر النبي } الآية فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تزوج بالحرة متعة فاطلع عليه بعض نسائه فاتهمته بالفاحشة ! فقال : إنه لي حلال إنه نكاح بأجل فأكتميه فأطلعت عليه بعض نسائه .(1)
__________
(1) انظر خلاصة الإيجاز في المتعة " ص 24-25والوسائل 14/440 ح22 .من كتاب النكاح ، من أبواب المتعة.(94/137)
وروى ابن بابويه القمي -الملقب عندهم " بالصدوق !! - في الفقيه قال الصادق ! : إني لأكره للرجل إن يموت وقد بقيت عليه خلة من خلال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يأتها فقلت : فهل تمتع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ؟ قال : نعم و قرأ هذه الآية { و إذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا } إلى قوله { ثيبات و أبكارا } .(1)
فانظر كيف حمل التعصب البغيض هؤلاء على نسبة هذا الأمر القبيح إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولو فعل ذلك أبوه أو جده لعابه عليه ووبخه ، فاعتبروا يا أولى الأبصار !!
بيان مذهب بقية أهل البيت كابن الحنفية والباقر وزيد وجعفر :
أ)من كتب الشيعة الزيدية :
قال السياغي في شرحه على مسند زيد : وأما الباقر وولده الصادق فنقل في الجامع الكافي عن الحسن بن يحي بن زيد فقيه العراق أنه قال اجمع آل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على كراهية المتعة والنهي عنها وقال أيضا أجمع آل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على أنه لا نكاح إلا بولي وشاهدين وصداق بلا شرط في النكاح وقال محمد يعني ابن منصور سمعنا عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعن علي وابن عباس وأبي جعفر يعني الباقر وزيد بن علي وعبد الله بن حسن وجعفر بن محمد عليهم السلام أنهم قالوا لا نكاح إلا بولي وشاهدين (2).
ب) من كتب أهل السنة:
روى البيهقي في السنن بإسناده عن بسام الصيرفي قال : سألت جعفر بن محمد عن المتعة فوصفتها فقال لي ذلك الزنا (3).
__________
(1) الوسائل 14/442و الفقيه 2/151وجواهر الكلام 30/ 151-152 ?وكاشف الغطاء في " أصل الشيعة واصولها " ص 177والفكيكي في كتابه " المتعة" تحت عنوان " تفسير آية متعة النساء" ص47وهامش كتاب " المحجة البيضاء " للكاشاني 3/ 765-77
(2) مجموع الفقه الكبير 4/26
(3) السنن الكبرى7/207(94/138)
وهذا الوصف من جعفر للمتعة ليس ببعيد ، فقد سبقه السلف فوصفوا المتعة بالسفاح ، وهذا الوصف ، قد أخذه جعفر من شيوخه ، كالقاسم بن محمد بن أبي بكر جده أبي أمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر ، أحد الفقهاء السبعة الذين كونوا العلم المدني ، و القاسم هذا قد روى عن عائشة رضي الله عنها وعائشة كانت إذا سئلت عن المتعة قالت : بيني وبينكم كتاب الله قال الله عز و جل { والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فانهم غير ملومين} فمن ابتغى غير ما زوجه الله فقد عدا ..... و القاسم بن محمد قال : إني لأرى تحريمها في القرآن ، قال : فقلت : أين ، فقرأ عليّ هذه الآية {والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم }
ج) من كتب الشيعة الإمامية - المجوزين للمتعة :
روى أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره و ابن إدريس في سرائره عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله في المتعة قال : ما يفعله عندنا إلا الفواجر(1) .
وروى ابن إدريس في سرائره ص66 و أحمد بن محمد في نوادره ص66 بإسناده عن ابن سنان قال : سألت أبا عبد الله عن المتعة فقال لا تدنس بها نفسك .(2)
وروى الكليني عن المفضل قال : سمعت أبا عبد الله (ع) يقول في المتعة :دعوها أما يستحي أحدكم أن يرى في موضع العورة فيحمل ذلك على صالحي إخوانه وأصحابه (3).
وروى المفيد والكليني عن علي بن يقطين قال : سألت أبا الحسن عن المتعة فقال : ما أنت وذاك قد أغناك الله عنها(4)..
__________
(1) ابن ادريس في سرائره ص483والوسائل 14/456 ، وبحار الأنوار100/318
(2) الوسائل 14/450
(3) انظر الكافي 5/ 453، البحار 100، 103/ 311، العاملي في وسائله 14/450 ، النوري في المستدرك 14/ 455.
(4) انظر خلاصة الإيجاز في المتعة للمفيد ص57 ، الوسائل 14/449 ، ونوادر أحمد ص87ح199(94/139)
وروى الكليني عن عمار قال : قال أبو عبد الله (ع) لي و لسليمان بن خالد : قد حرمت عليكما المتعة .
وروى المفيد والكليني عن ابن شمون قال : كتب أبو الحسن (ع) إلى بعض مواليه لا تلحوا علّي المتعة إنما عليكم إقامة السنة فلا تشتغلوا بها عن فرشكم وحرائركم فيكفرن ويتبرين ويدعين على الآمر بذلك ويلعنونا !!
فان أرادوا الإفلات عن هذه الأحاديث وان الإمام قالها تقية كما زعم بعضهم ، فالجواب إن لا تقية في متعة النساء !
قال عالمهم كاشف الغطاء في أصل الشيعة ما نصه بالحرف الواحد :" ومن طرقنا الوثيقة !! عن جعفر الصادق (ع) أنه كان يقول : ثلاث لا أتقي فيهن أحدا : متعة الحج ، ومتعة النساء ، والمسح على الخفين .(1)
د) من كتب الشيعة الإسماعيلية :
روى صاحب دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد الصادق إن رجلا سأله عن نكاح المتعة قال : صفه لي قال : يلقى الرجل المرأة فيقول أتزوجك بهذا الدرهم والدرهمين وقعة أو يوما أو يومين قال : هذا زنا وما يفعل هذا إلا فاجر (2).
من كل هذه الأقوال يتبين لنا أن أهل البيت مذهبهم كمذهب القرآن و النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم و الصحابة في تحريم المتعة وهم موافقون للقرآن ولأحاديث جدهم في منع و تحريم هذه العلاقة المشبوهة المسماة " متعة " !
والجواب عن الشبهة (16)
قولهم : إن جابر بن عبد الله أنكر على عمر تحريمه للمتعة ،و لو كان هناك نهي من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما غاب عن الصحابة الذين تمتعوا في عهد أبي بكر و شطر من عهد عمر نفسه ، وهذا ينفي نسخها في عهد الرسول وإلا كان الخليفة الأول محللا لما حرم الله والرسول
فالجواب من وجوه :
هذا القول مجازفة ، فمتى يا ترى أنكر جابر رضي الله عنه على عمر رضي الله عنه ؟!
وفيما يلي أحاديث جابر فيما رواه مسلم في صحيحه .
__________
(1) أصل الشيعة وأصولها ص100
(2) دعائم الاسلام 2/229ح859(94/140)
1- خرج علينا منادي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد أذن لكم إن تستمتعوا ، يعني متعة النساء .
2- نعم استمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأبي بكر وعمر وذلك فيما يرويه عطاء لما قدم معتمرا قال فجئناه في منزله فسأله القوم عن أشياء ثم ذكروا المتعة.
3- كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأبي بكر حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث وذلك فيما أخبرنا أبو الزبير قال سمعت جابر بن عبد الله.
هذه هي أحاديث جابر و لا يجوز الاحتجاج بها على حلية المتعة لأمور :
أ) إن الحديث الأول منسوخ .
قال ابن القيم في الزاد : كان هذا زمن الفتح قبل التحريم ثم حرمها بعد ذلك بدليل ما رواه مسلم في صحيحه عن سلمة بن الأكوع قال : رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثاً ثم نهى عنها وعام أوطاس هو عام الفتح لأن غزاة أوطاس متصلة بفتح مكة .
قال المازري : ثبت أن نكاح المتعة كان جائزا في أول الإسلام ثم ثبت بالأحاديث الصحيحة المذكورة هنا أنه نسخ ..... ولم يخالف فيه إلا طائفة من المستبدعة وتعلقوا بالأحاديث الواردة في ذلك وقد ذكرنا أنها منسوخة فلا دلالة لهم فيها .
ب) الحديث الثاني:
1- محمول على أن الذي استمتع في عهد أبي بكر وشطراً من خلافة عمر لم يبلغه النسخ منهم جابر رضي الله عنه نفسه (1)..
__________
(1) كما ذكر ذلك النووي في شرحه لصحيح مسلم 9/ 183(94/141)
2- ليس في الحديث دلالة على أن أبا بكر رضي الله عنه يرى حلها إذ لم يذكر جابر اطلاع أبي بكر على فاعلها والرضى به ، كما أن كتب السنة لم تذكر رأي أبي بكر رضي الله عنه في المتعة والظاهر أن موقفه - وهو الملازم لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في جميع غزواته وأغلب حالاته -التحريم لها ، والذي نقصده في هذه السطور أنه لا يلزم من كون البعض فعلها أو مارسها في عهد أبي بكر أن يكون مطلعاً عليها (1).
وأعتقد شخصياً أنه لو اطلع الصديق على فاعلها في خلافته لوقف منها موقف الفاروق عمر رضي الله عنه لأن الفاروق فعلت في عهده ولم يطلع عليها كما يدل عليه حديث جابر الثاني ثم اطلع بعد ذلك ، فنهى عنها وقال فيها أشد القول ولعل السبب في عدم اطلاع الصديق عليها لكونها " نكاح سر" حيث لم يشترط فيها الإشهاد ، ولما كانت خالية عن الإعلان حق لها أن تخفي على القريب فضلا عن المضطلع بأعباء الخلافة وأمر المسلمين كافة كأبي بكر (2).
وفي ذلك يقول ابن العربي عن حديث جابر بما لفظه : فأما حديث جابر بأنهم فعلوها على عهد أبي بكر فذلك من اشتغال الخلق بالفتنة عن تمهيد الشريعة فلما علا الحق على الباطل وتفرغ المسلمون ونظروا في فروع الدين بعد تمهيد أصوله أنفذوا في تحريم المتعة ما كان مشهوراً لديهم حتى رأى عمر معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن حريث فنهاهما .(3)
فهذا بالنسبة إلى قول جابر "استمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم و أبي بكر" .......
__________
(1) نكاح المتعة لمحمد شميلة الأهدل ص190-191
(2) المصدر السابق
(3) ابن العربي في عارضة الأحوذي 3/51(94/142)
فغاية الأمر أنهم لم يبلغهم النسخ وهذا ليس معناه أنهم استمتعوا بعلم من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وافقهم وأقرهم أو أن الصدّيق أقرهم لقول جابر بأنهم فعلوها على عهد أبي بكر ، أو أن عمر أقرهم قبل بيانه لتحريم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عنها .
وليس معنى هذا أن ممارستها دليل على حلها كما يظن بعض الجهال .....لأن أشياء كثيرة يمنعها القانون سواء الإسلامي أو الوضعي وتمارس من غير علم الحاكم وإذا بلغ ذلك للحاكم وقف منها الموقف الذي يجب وقفه ...
وما أحسن ما قاله شارح بلوغ المرام وهو : إن المبيحين إنما بنوا على الأصل لما لم يبلغهم الدليل الناسخ وليس مثل هذا من باب الاجتهاد و إنما هم معذورون لجهل الناسخ ، فالمسألة لا اجتهاد فيها بعد ظهور النص ، على أن الذي أوجب هذا الخفاء على بعض الصحابة ولم يعلم بالنسخ أمور أهمها :
أ- إن هذا النكاح " نكاح سر" حيث لم يشترط فيها الإشهاد ، ولما كانت خالية عن الإعلان حق لها أن تخفى حتى على القريب .
ب - إن هذا النكاح وقع فيه الترخيص مرتين وقد يحضر الصحابي موطن الرخصة فيسمعه ويفوته سماع النهي مما أدى إلى تمسك بعضهم بالرخصة فيه .(94/143)
والذي يعتقده أهل السنة في صحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بصورة عامة إنهم أحرص الناس على امتثال أوامر الله تعالى والابتعاد عن نواهيه فكل من بلغه نهي رسول الله عن المتعة فذلك موقفه منها وكل من لم يبلغه النهي في عصر النبوة ثم بلغه بعد ذلك فإنه التزمه وقال به إلا ابن عباس رضي الله عنهما فإن له مسلكاً سوف أتكلم عليه بعد ذلك (1).....ومع هذا فلا ينكر إن بعض الصحابة لم يبلغه النهي إطلاقاً إلا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهذا ليس بغريب فقد حدث مثل هذا كثير ، قد خفى على عدد من كبار الصحابة أحاديث كثيرة مع قربهم من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وتقدمهم في السن وطول صحبتهم .فقد خفى عن عمر حديث الجزية حتى أخبره عبد الرحمن رضي الله عنه .كما خفى عليه حديث الاستئذان حتى أخبر أبو موسى رضي الله عنه .
روى مسلم في صحيحه عن أبي نضرة قال كنت عند جابر بن عبد الله فأتاه آت فقال ابن عباس و ابن الزبير اختلفا في المتعتين فقال جابر فعلناهما مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما.
فهذا الحديث يدل على امتناع جابر عنها لما أطلع على نهي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن طريق عمر و تصريحه بعدم العودة إليها دليل على رجوعه عن القول بحلها ...
فأين إنكار جابر يا ترى على عمر ؟
__________
(1) نكاح المتعة ص189(94/144)
لذلك نقول لو كانت الإباحة باقية لورد النقل بها مستفيضاً متواتراً لعموم الحاجة إليه ولعرفتها الكافة كما عرفتها بدياً ولما اجتمع الصحابة على تحريمها لو كانت الإباحة باقية لما وجدنا الصحابة منكرين لإباحتها موجبين لحضرها مع علمهم بدياً بإباحتها دل ذلك على حضرها بعد الإباحة ألا ترى أن النكاح لما كان مباحاً لم يختلفوا في إباحته ومعلوم أن بلواهم بالمتعة لو كانت مباحة كبلواهم بالنكاح فالواجب إذا إن يكون ورود النقل في بقاء إباحتها من طرق الاستفاضة ولا نعلم أحداً من الصحابة روى عنه تجريد القول في إباحة المتعة غير ابن عباس .
والجواب عن الشبهة (17 )
قولهم : إن عبد الله بن عمر أنكر على أبيه تحريمه لمتعة النساء ....
هذا القول الذي نقله أغلب علماء الشيعة بالإجماع من أعظم الكذب ، وقد رجعت إلى جامع الترمذي ومسند أحمد(1) فلم أجد ما نسبته كتب الشيعة(2) .....
والحقيقة أنهم بدلوا حديث ابن عمر رضي الله عنهما الذي أخرجه أحمد في مسنده والترمذي في جامعه ، فبدلوا لفظة " متعة الحج " ووضعوا مكانها لفظة "متعة النساء ".
وفيما يلي بعض الأمثلة من هذا التحريف .
__________
(1) وجامع الترمذي ، وتفسير القرطبي ، و مسند الامام أحمد بن حنبل انظر.
(2) نهج الحق وكشف الصدق للحلي .،الطرائف لرضي الدين ابن طاوس الحلي .،الصراط المستقيم للنباطي .،الحدائق الناضرة للبحراني .،الفصول المهمة لعبدالحسين شرف الدين . ،النص والاجتهاد لعبد الحسين شرف الدين . ومسائل فقيه لعبدالحسين شرف الدين .،الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية للعامليين.،نقض الوشيعة لمحسن الأمين .،الزواج المؤقت ودوره في حل مشكلات الجنس لتقي الحكيم .،المتعة واثرها في الاصلاح الاجتماعي لتوفيق الفككي.،الزواج في القرآن والسنة لعزالدين بحر العلوم .،تفسير قلائد الدرر للجزائري 3/ 68 .(94/145)
قال الحلي في كتابه " نهج الحق وكشف الصدق " : تحت عنوان تحريم عمر لمتعة النساء قال ما نصه : وفي صحيح الترمذي قال: سئل ابن عمر عن متعة النساء ؟ فقال : هي حلال وكان السائل من أهل الشام فقال له : إن أباك قد نهى عنها ؟ فقال له ابن عمر إن كان أبي قد نهى عنها وصنعها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نترك السنة ونتبع قول أبي ...(1)
وقال زين الدين في الروضة ما نصه : وفي صحيح الترمذي إن رجلاً من أهل الشام سأل ابن عمر عن متعة النساء فقال هي حلال فقال : إن أباك قد نهى عنها فقال ابن عمر : أرأيت إن أبي قد نهى عنها وقد سنها [ صنعها] رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أتترك السنة وتتبع قول أبي.(2)
وقال عبد الحسين شرف الدين ص 80 ما نصه : ونقل العلامة في نهج الصدق والشهيد الثاني من روضته البهية عن الصحيح الترمذي إن اً رجلاً من أهل الشام سأل ابن عمر عن متعة النساء فقال هي حلال فقال : إن أباك قد نهى عنها فقال ابن عمر : أرأيت إن أبي قد نهى عنها وقد سنها [ صنعها] رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنترك السنة ونتبع قول أبي(3).
وقال عبد الحسين في كتابه "مسائل فقهية ما نصه : وسئل ابن عمر مرة أخرى عن متعة النساء فقال - كما عن صحيح الترمذي ! هي حلال ، فقيل له أن أباك نهى عنها ... فقال : أرأيت إن كان أبي نهى عنها وصنعها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنترك السنة ونتبع قول أبي (4).
وأخيرا كلام صاحب النص والاجتهاد للموسوي أيضا .
__________
(1) نهج الحق وكشف الصدق ص283
(2) الروضة البهية 5/ 283
(3) الفصول المهمة في تأليف الأمة ! ص80
(4) "مسائل فقهية " تحت عنوان المنكرون على عمر ص84(94/146)
في هذا الكتاب يتبين للقارىء الأكاذيب السابقة وأترك الكلام للموسوي لكي يكتشف أو يكشف أكاذيبه السابقة للقراء في كتابيه السابقين فتحت المورد [21] بعنوان " متعة الحج إذ نهى عنها عمر " . وتحت فصل المنكرون عليه أورد الموسوي حديث ابن عمر نقلاً عن جامع الترمذي فقال ما نصه: "وفي صحيح الترمذي أن عبد الله بن عمر سئل عن متعة الحج قال : هي حلال فقال له السائل : أن أباك قد نهى عنها فقال : أرأيت أن كان أبي نهى عنها وصنعها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أأمر أبي نتبع أم أمر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ؟ فقال الرجل
بل أمر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لقد صنعها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (1).
ومما يدل أن الكذابين يكذبون على ابن عمر ما رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم قال : سئل ابن عمر عن متعة الحج فأمر بها فقيل له إنك تخالف أباك فقال : إن أبي لم يقل الذي تقولون : إنما قال : افردوا العمرة من الحج أي أن العمرة لا تتم في شهور الحج إلا بهدي و أراد أن يزار البيت في غير أشهر الحج فجعلتموها أنتم حراما و عاقبتم الناس عليها و قد أحلها الله عز و جل و عمل بها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإذا أكثروا عليه قال : أو كتاب الله أحق أن تتبعوا أم عمر . (2)
__________
(1) تحت المورد [21] بعنوان " متعة الحج اذ نهى عنها عمر من كتابه النص والاجتهاد ص190
(2) رواه أحمد 2/95 وأورده إبن قدامة في المغني 3/281(94/147)
وفي رواية عن سالم بن عبد الله بن عمر قال : كان ابن عمر رضي الله عنهما يفتي بالذي أنزل الله عز و جل من الرخصة بالتمتع وسن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيه فيقول ناس لابن عمر كيف تخالف أباك و قد نهى عن ذلك ؟ فيقول لهم عبد الله ويلكم ألا تتقون الله إن كان عمر نهى عن ذلك فيبتغي فيه الخير يلتمس به تمام العمرة فلِمَ تحرمون ذلك وقد أحله الله و رسوله و عمل به رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أفرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أحق إن تتبعوا أم سنة عمر ؟ إن عمر لم يقل لكم إن العمرة في أشهر الحج حرام و لكنه قال أتم العمرة إن تفردها من أشهر الحج .
وقد صدق ابن عمر رضي الله عنهما حينما قال إن هناك ثلاثين كذابا يكذبون عليه ..
فعن الأعرج وغيره قال : سأل رجل ابن عمر عن متعة النساء - وأنا عنده فغضب وقال : ما كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بزنائين ولا مسافحين ثم قال : والله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول : ليكونن قبل يوم القيامة المسيح الدجال وثلاثون كذابا أو أكثر من ذلك (1).
ونختتم بيان كشف الكذب على ابن عمر بما رواه ابن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه قال : سئل ابن عمر عن متعة النساء فقال : لا نعلمها إلا السفاح (2).
والجواب عن الشبهة ( 18 )
__________
(1) أخرجه سعيد بن منصور في سننه (851) ص252 ، وأبو يعلي الموصلي في مسنده 10/ 69، وأحمد 2/95واسناده حسن....انظر الفتح الرباني للساعاتي 16/191 وانظر مسند أحمد 8/58 شرح ووضع الفهارس أحمد شاكر .....
(2) انظر مصنف ابن أبي شيبة 4/292-293 واسناده صحيح .(94/148)
قولهم : إن أهل السنة أنفسهم يعترفون بأن روايات النسخ عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مضطربة متناقضة .....هذا القول أو هذه النسبة إليهم غير صحيحة ......فصحيح إن روايات تحريم المتعة متعددة كيوم خيبر أو يوم الفتح أو غزوة تبوك أو حجة الوداع أو عمرة القضاء أو عام أوطاس .......ولكن هل هذه الروايات صحيحة أم هناك الغث والسمين ...لنرى ما ذا يقول علماء الحديث في هذا الموضوع أعني عن تعدد روايات تحريم المتعة .
قال ابن حجر في الفتح : قال السهيلي : وقد اختلف في وقت تحريم نكاح المتعة فأغرب ما روي في ذلك رواية من قال في غزوة تبوك ، ثم رواية الحسن أن ذلك كان في عمرة القضاء ، والمشهور في تحريمها أن ذلك في غزوة الفتح كما أخرجه مسلم من حديث الربيع بن سبرة عن أبيه ، وفي رواية عن الربيع أخرجها أبو داود أنه كان في حجة الوداع ، قال ومن قال من الرواة كان في غزوة أوطاس فهو موافق لمن قال عام الفتح ، فتحصل مما أشار إليه ستة مواطن : خيبر ، ثم عمرة القضاء ، ثم الفتح ، ثم أوطاس ، ثم تبوك ، ثم حجة الوداع ، وبقى حنين لأنها وقعت في رواية قد نبهت عليها قبل ، فإما أن يكون ذهل عنها أو تركها عمدا لخطأ رواتها ، أو لكون غزوة أوطاس وحنين واحدة(1).
وفيما يلي أقوال علماء الحديث عن هذه الغزوات وموطن تحريم المتعة .
1- غزوة خيبر :
قال الزرقاني في شرح الموطأ : فلم يبق صحيح صريح سوى خيبر والفتح ......
وقال الغماري في الهداية : " الصحيح من هذه الأقوال أن ذلك كان يوم خيبر ويوم الفتح والمراد زمنهما ....(2)
2- غزوة عمرة القضاء :
قال الحافظ ابن حجر في الفتح : وأما عمرة القضاء فلا يصح الأثر فيها لكونه من مرسل الحسن ومراسيله ضعيفة لأنه كان يأخذ عن كل أحد ..(3)
__________
(1) فتح الباري 9/ 74
(2) الهداية 6/510
(3) فتح الباري 9/ 75(94/149)
وقال ابن سعد في ترجمة الحسن البصري : كان عالما جامعا رفيعا ...الخ وكل ما اسند من حديثه وروى عمن سمع منه فهو حجة وما أرسله فليس بحجة (1).
3- فتح مكة :
اعلم أن حديث سبرة لم يرو عنه إلا من طريق ابنه الربيع هكذا في ما اطلعنا عليه من كتب الحديث التي في متناولنا وشروحها(2).... إلا ما رواه الإمام أبو حنيفة عن الزهري عن محمد بن عبد الله عن سبرة الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن متعة النساء يوم فتح مكة ......والأحاديث التي أخرجها مسلم كلها ذكرت النهي عنها في فتح مكة .....إلا ما أخرجه أبو داود من طريق إسماعيل بن أمية عن الزهري عن الربيع فانه يذكر النهي في حجة الوداع ....وقد تفرد بها إسماعيل وهي شاذة ، وأما ما رواه أحمد وابن ماجة وغيرهما فمن طريق عبد العزيز بن عمر عن الربيع عن أبيه ....وتفرد عبد العزيز بذكر حجة الوداع يتعين توهيمه ، وتوهيم المتفرد المخالف وان كان ثقة فكيف وقد تقرر انه صدوق يخطئ (3)ولاسيما والراوون عن الربيع جماعة بلغوا درجة الشهرة في تلك الطبقة (4)....بينما جميع الرواة الذين يروون القصة عن الربيع عند مسلم عمارة بن غزية وعبد الملك وعبد العزيز ابنا الربيع عنه والزهري كلهم يذكرون وقوع القصة في فتح مكة ....ورواية عبد العزيز نقدها الحفاظ و وهموه فيها لأن سائر الرواة عن الربيع وعن سبرة أطبقوا على إن الحادثة كانت في فتح مكة ..ولذا لم يخرج مسلم في صحيحه روايته (5).
4- غزوة أوطاس :
__________
(1) التهذيب لإبن حجر 2/ 266 وقال ابن سعد في ترجمة الحسن البصري : كان عالما جامعا رفيعا ...الخ وكل ما اسند من حديثه وروى عمن سمع منه فهو حجة وما أرسله فليس بحجة .
(2) الأهدل ص175
(3) التقريب لإبن حجر ص215
(4) الأهدل ص158
(5) الأهدل ص155(94/150)
قال ابن القيم في الزاد : " فان قيل : فكيف تصنعون بما روى مسلم في صحيحه من حديث جابر وسلمة بن الأكوع قالا : خرج علينا منادى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد أذن لكم إن تستمتعوا ، يعني متعة النساء ، قيل : إن هذا كان زمن الفتح قبل التحريم ثم حرمها بعد ذلك بدليل ما رواه مسلم في صحيحه عن سلمة بن الأكوع قال : رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثا ثم نهى عنها وعام أوطاس هو عام الفتح لأن غزاة أوطاس متصلة بفتح مكة .(1)
وقال البيهقي : وعام أوطاس وعام الفتح واحد ، فأوطاس وان كانت بعد الفتح فكانت في عام الفتح بعده بيسير فما نهى عنه لا فرق بين إن ينسب إلى عام أحدهما أو إلى الآخر (2).
5- غزوة حنين :
قال ابن حجر في الفتح : وبقى حنين لأنها وقعت في رواية قد نبهت عليها قبل ، فأما إن يكون ذهل عنها أو تركها عمدا لخطأ رواتها ، أو لكون غزوة أوطاس وحنين واحدة ........(3)
وقال الشوكاني في النيل : وأما في غزوة حنين فهو تصحيف كما تقدم ، والأصل خيبر وعلى فرض عدم ذلك التصحيف فيمكن إن يراد ما وقع في غزوة أوطاس لكونها هي وحنين واحدة (4).
وقال الصنعاني في السبل : " وعن علي رضي الله عنه قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن المتعة عام خيبر ...وقد وهم من رواه عام حنين أخرجه النسائي والدارقطني ونبه على انه وهم ....(5)
6- غزوة تبوك :
__________
(1) انظر زاد المعاد 3/462
(2) سنن البيهقي 7/204
(3) فتح الباري 9/ 74
(4) نيل الأوطار 3/ 137
(5) سبل السلام 3/126(94/151)
قال ابن حجر في الفتح : فأما رواية تبوك فأخرجها اسحق بن راهويه وابن حبان من طريقه من حديث أبي هريرة والحازمي عن طريق جابر ...وفي حديث أبي هريرة مقالا فانه من رواية مؤمل بن إسماعيل عن عكرمة بن عمار وفي كل منهما مقال ، وأما حديث جابر فلا يصح فانه من طريق عباد بن كثير وهو متروك(1).
وقال النووي : وذكر غير مسلم عن علي أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عنها في غزوة تبوك من رواية إسحاق بن راشد عن الزهري عن عبد الله بن محمد بن علي عن أبيه عن علي ولم يتابعه أحد على هذا وهو غلط منه ...(2)
7- حجة الوداع :
قال القرطبي : فأما حديث سبرة الذي فيه إباحة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لها في حجة الوداع فخارج عن معانيها كلها وقد اعتبرنا هذا الحرف فلم نجده إلا في رواية عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز خاصة وقد رواه إسماعيل بن عياش عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز فذكر أن ذلك كان في فتح مكة وأنهم شكوا إليه العزبة فرخص لهم فيها ومحال أن يشكوا إليه العزبة في حجة الوداع لأنهم كانوا حجوا بالنساء وكان تزويج النساء بمكة يمكنهم ولم يكونوا حينئذ كما كانوا في الغزوات المتقدمة.(3)
وقال ابن حجر في الفتح :" وأما حجة الوداع فالذي يظهر انه وقع فيها النهي مجردا إن ثبت الخبر في ذلك لأن الصحابة حجوا فيها بنسائهم بعد أن وسع عليهم فلم يكونوا في شدة ولا طول عزبة وإلا فمخرج حديث سبرة راويه هو من طريق ابنه الربيع عنه وقد اختلف عليه في تعيينها والحديث واحد في قصة واحدة ، فتعين الترجيح والطريق التي أخرجها مسلم مصرحة بأنها في زمن الفتح أرجح فتعين المصير إليها والله أعلم .(4)
__________
(1) فتح الباري 9/ 74
(2) صحيح مسلم بشرح النووي المجلد الثالث 9/ 180
(3) تفسير القرطبي 5/ 131
(4) فتح الباري 9/76(94/152)
وقال الشوكاني في النيل : وأما النهي عنها في حجة الوداع فهو اختلاف على الربيع بن سبرة والرواية عنه بأن النهي في يوم الفتح أصح وأشهر (1).
وقال : لم يقع منه صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذن بالاستمتاع (2).
وقال ابن القيم في الزاد : " واختلف في الوقت الذي حرمت فيه المتعة ....- إلى إن قال - والرابع : انه عام حجة الوداع وهو وهم من بعض الرواة سافر وهمه من فتح مكة إلى حجة الوداع كما سافر وهم معاوية من عمرة الجعرانة إلى حجة الوداع حيث قال : قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وسفر الوهم من زمان إلى زمان ومن مكان إلى مكان ومن واقعة إلى واقعة كثيرا ما يعرض للحفاظ فمن دونهم .....(3)
من ذلك نلخص : " إن الصواب المختار أن التحريم والإباحة كانا مرتين ، وكانت حلالا قبل خيبر ثم حرمت يوم خيبر ثم أبيحت يوم فتح مكة وهو يوم أوطاس لاتصالهما ثم حرمت يومئذ بعد ثلاثة أيام تحريما مؤبدا إلى يوم القيامة (4) .
ملخص هذه الأقوال : وفيما يلي جدول يبين غزوات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وموطن تحريم المتعة .
اسم الغزوة
راوي الحديث
متن الحديث
التخريج
درجة الحديث
التاريخ
1- خيبر
علي بن أبي طالب
" أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسية
البخاري ومسلم ومالك والحميدي وأحمد والدارمي وابن ماجة والترمذي والنسائي
صحيح
محرم 7 هـ
2- عمرة القضاء
الحسن البصري
"إنما كانت المتعة من النساء ثلاثة أيام ولم يكن قبل ذلك ولا بعده
سعيد بن منصور ومصنف
عبد الرزاق
ضعيف من مراسيل الحسن
ذي القعدة 7 هـ
3- فتح مكة
سبرة بن معبد الجهني
" نهى رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن نكاح المتعة
__________
(1) نيل الأوطار 3/ 137
(2) المصدر السابق
(3) زاد المعاد 2/459
(4) انظر صحيح مسلم بشرح النووي 3/181، وانظر تفسير الألوسي 5/7(94/153)
عام الفتح
مسلم والحميدي والدارمي وأبو داود والنسائي وأحمدوالطحاوي وسعيد وابن أبي شيبة
صحيح
رمضان 8 هـ
4- أوطاس
سلمة بن الأكوع
" رخص رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثا ثم نهى عنها
مسلم وأحمد والطحاوي وابن أبي شيبة والدارقطني والطيالسي والبيهقي
صحيح
8 هـ
5-حنين
علي بن أبي طالب
" نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوم حنين عن متعة
النساء
النسائي(1)
والدارقطني(2)
ضعيف (تفرد به عبد الوهاب الثقفي)
8 هـ
6-تبوك
أ-علي بن أبي طالب
ب-أبو هريرة
ج-جابر بن عبد الله
د- جابر بن عبد الله
" نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن المتعة في تبوك
".. قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : حرم أو هدم المتعة النكاح والطلاق والعدة والميراث
" خرجنا ومعنا النساء اللاتي استمتعنا بهن حتى أتينا ثنية الركاب فقلنا يا رسول الله هؤلاء النسوة اللاتي استمتعنا بهن فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم هن حرام إلى يوم القيامة ....
" خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى غزوة تبوك حتى إذا كنا عند العقبة مما يلي الشام جئن نسوة فذكرنا تمتعنا وهن يجلن في رحالنا أو قال يطفن في رحالنا فجاءنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فنظر إليهن فقال من هؤلاء النسوة فقلنا يا رسول الله نسوة تمتعنا منهن قال فغضب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى احمرت وجنتاه وتغير لونه واشتد غضبه وقام فينا خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم نهى عن المتعة .......الخ
الدارقطني
الدارقطني والطحاوي والبيهقي
الطبراني
__________
(1) قال ابن المثنى يوم حنين ، وقال هكذا حدثنا عبد الوهاب من كتابه . انظر سنن النسائي 2/ 126
(2) وأخرجه الدارقطني من طريق أخرى عن يحيى بن سعيد فقال خيبر على الصواب ....(94/154)
الحازمي
ضعيف
( لتفرد إسحاق بن راشد عن الزهر)
ضعيف (لوجود مؤمل بن إسماعيل
ضعيف (لضعف راويه صدقة بن عبد الله)
ضعيف جدا لضعف عباد بن كثير الثقفي
رجب 9 هـ
7- حجة الوداع
سبرة بن معبد
" خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حجة الوداع .........فتزوجتها فمكثت عندها ...ثم غدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قائم بين الركن والباب وهو يقول : أيها الناس إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع ألا وان الله حرمها إلى يوم القيامة فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيلها ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا
" كنا عند عمر بن عبد العزيز فتذاكرنا متعة النساء
فقال رجل يقال له ربيع بن سبرة اشهد على أبي انه حدث إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عنها في حجة الوداع .
أحمد والحميدي والدارمي وابن ماجة وعبد الرزاق
أبو داود وأحمد
ضعيف (وهم من عبد العزيز بن عمر)
ضعيف شاذ
( تفرد به إسماعيل بن أمية عن الزهري
وأما قولهم : إن أصدق شيء في الدلالة على عدم النسخ في عهده صلى الله عليه وعلى آله وسلم قول عمر بالذات : "متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما ، متعة الحج ومتعة النساء ....".
فالجواب من وجوه عديدة :
إن عمر لم يحرم المتعتين ، أي لا متعة الحج ولا متعة النساء ...ولبيان ذلك لابد من معرفة ما هي متعة الحج .
متعة الحج :
فأما متعة الحج :فقيل :هي العمرة في أشهر الحج ثم الحج من عامه .
و قيل : التمتع أيضا القران لأنه تمتع بسقوط سفره للنسك الآخر من بلده .
و قيل : التمتع أيضا فسخ الحج إلى العمرة .
فما هي المتعة التي نهى عنها عمر ؟
اختلف العلماء في المتعة التي نهى عنها عمر في الحج .
فقيل هي فسخ الحج إلى العمرة .(94/155)
أما التمتع بمعنى فسخ الحج إلى العمرة فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمرهم بأن يفسخوا إحرامهم بالحج ويحرموا بالعمرة و إنما فعل بهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذلك لأنهم كانوا يستعظمون فعل العمرة في أشهر الحج و يقولون : إذا عفا الأثر و بدأ الدبر و انسلخ صفر حلت العمرة لمن اعتمر .
فأمرهم أن يفسخوا الحج و يجعلوها عمرة لتأكيد البيان وإظهار الإباحة . و إنما أبيحت للركب الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يكن ذلك إلا في تلك السنة فإنه أمرهم بالإحرام بالحج ثم أمرهم بفسخه إلى العمرة .
وقد اختلف العلماء فيه .
هل هو خاص للصحابة تلك السنة أو باق لغيرهم إلى يوم القيامة ؟
فقال أحمد وطائفة من أهل الظاهر ليس خاصا بل هو باق إلى يوم القيامة فيجوز لكل من أحرم بحجٍ و ليس معه هدى أن يقلب إحرامه عمرة و يتحلل بأعمالها .
وقال مالك و الشافعي و أبو حنيفة وجماهير العلماء من السلف و الخلف هو مختص بهم في تلك السنة لا يجوز بعدها و إنما أمروا به في تلك السنة ليخالفوا ما كانت عليه الجاهلية من تحريم العمرة في أشهر الحج و مما يستدل به للجماهير حديث أبي ذر الذي أخرجه مسلم : كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم خاصة - يعني فسخ الحج إلى العمرة .(94/156)
و أما التمتع بمعنى الاعتمار في أشهر الحج قبل الحج ، فإن الناس كانوا في عهد أبي بكر وعمر لما رأوا في ذلك من السهولة صاروا يقتصرون على العمرة في الحج ويتركون سائر الأشهر لا يعتمرون فيها من أمصارهم فصار البيت يعرى عن العمار من أهل الأمصار في سائر الحول فأمرهم عمر بن الخطاب بما هو اكمل لهم بأن يعتمروا في غير اشهر الحج فيصير البيت مقصودا معمورا في اشهر الحج وغير اشهر الحج وعلم أن أتم الحج والعمرة أن ينشأ لهما سفراً من الوطن كما كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يفعل حيث اعتمر قبل الحجة ثلاث عمر مفردات، فلم ير عمر رضي الله عنه لتحصيل هذا الفضل والكمال لرغبته طريقا إلا أن ينهاهم عن الاعتمار مع الحج وإن كان جائزا فقد ينهى السلطان بعض رعيته عن أشياء من المباحات والمستحبات لتحصيل ما هو افضل منها من غير أن يصير الحلال حراما .
قال يوسف بن ماهك : إنما نهى عمر عن متعة الحج من أهل البلد ليكون موسمين في عام فيصيب أهل مكة من منفعتهما .
وقال عروة بن الزبير : إنما كره عمر العمرة في أشهر الحج إرادة ألا يعطل البيت في غير أشهر الحج .
وقال ابن كثير في البداية والنهاية: ولم يكن نهيه عن ذلك على وجه التحريم والحتم كما قدمنا و إنما كان ينهي عنها لتفرد عن الحج بسفر آخر ليكثر زيارة البيت(1) .
وأيضا : خاف إذا تمتعوا بالعمرة إلى الحج إن يبقوا حلالا حتى يقفوا بعرفة محلين ثم يرجعوا محرمين كما بين ذلك في حديث أبي موسى الذي رواه أحمد عن أبي موسى الأشعري أن عمر قال : هي سنة رسول الله - يعني المتعة - ولكن أخشى أن يعرشوا بهن تحت الأراك ثم يحجوا حجاجا (2).
__________
(1) 5-6 /141
(2) في مسنده 1/49(94/157)
روى مسلم والنسائي و أحمد عن إبراهيم بن أبي موسى أنه كان يفتي بالمتعة فقال له رجل رويدك بعض فتياك فإنك ما تدري ماذا أحدث أمير المؤمنين في النسك بعدك حتى لقيه بعد فسأله فقال عمر رضي الله عنه قد علمت أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد فعله وأصحابه ولكن كرهت إن يظلوا بهن معرسين في الأراك ثم يروحوا بالحج تقطر رؤوسهم (1).
وعن ابن عباس عن عمر انه قال : والله إني لأنهاكم عن المتعة وإنها لفي كتاب الله وقد فعلها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعني العمرة في الحج (2).
وعن طاوس عن ابن عباس قال : هذا الذي تزعمون أنه نهى عن المتعة -يعني عمر - سمعته يقول : لو اعتمرت ثم حججت لتمتعت .
وفي رواية رواه أبو حفص عن طاوس أن عمر قال : لو اعتمرت وسط السنة لتمتعت ولو حججت خمسين حجة لتمتعت .
وروى الأثرم عن طاوس قال : قال أبي بن كعب و أبو موسى الأشعري لعمر : ألا تقوم فتبين للناس أمر المتعة .
وفي رواية أن عمر قال : وهل بقى أحد إلا علمها أما أنا فأفعلها .
وأخرج البيهقي من طريق عبيد بن عمير قال ، قال علي بن أبي طالب لعمر بن الخطاب : أنهيت عن المتعة قال لا ولكني أردت زيارة البيت فقال علي من أفرد الحج فحسن ومن تمتع فقد أخذ بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم
فقد أراد عمر بنهيه عنها اختيار الأفضل والترغيب فيه لا تحريم التمتع وهو إفراد كل واحد منهما بسفر ينشئه له من بلده وهذا أفضل من القران والتمتع الخاص بدون سفرة أخرى وقد نص على ذلك أحمد وأبو حنيفة ومالك والشافعي وهذا هو الأفراد الذي فعله أبو بكر وعمر .
فعمر لم يحرم متعة الحج و مما يدل على ذلك أيضا علاوة على ما سبق ما رواه أصحاب السنن :
__________
(1) أخرجه أحمد 1/ 50ومسلم 4/45 والنسائي 5/153 ...
(2) أخرجه النسائي 5/ 153(94/158)
فروى النسائي وابن ماجة و غيرهما أن الضبي بن معبد لما قال له : إني أحرمت بالحج والعمرة جميعا فقال له عمر : هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وعلى آله وسلم (1).
ولما كان نهيه عن متعة الحج إنما هو رأي رآه واختاره غير مستند إلى نص كمتعة النساء لم يسلم له الصحابة ذلك حتى قال عمران بن حصين : نزلت آية المتعة - أي متعة الحج - في كتاب الله ففعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم ينزل قرآن يحرمه ولم ينه عنها حتى مات قال رجل برأيه ما شاء أي يقصد عمر .
ومع أن نهي عمر لم يكن على وجه التحريم والحتم و إنما كان ينهى عنها لتفرد عن الحج بسفر آخر ليكثر زيارة البيت .
فعن أبي سعيد قال : خطب عمر الناس فقال : إن الله عز وجل رخص لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما شاء وان نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد مضى لسبيله ، فأتموا الحج والعمرة لله كما أمركم الله عز وجل وحصنوا فروج هذه النساء (2).
ولكن رغم ذلك خالفه الصحابة وهذا يؤكد ما قلناه في بداية البحث أن عمر لو رام تحريم ما أحلّه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يقره الصحابة عليه وفي ذلك يقول ابن تيمية: وعمر لما نهى عن المتعة خالفه غيره من الصحابة كعمران بن حصين وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وغيرهم وهذا بخلاف نهيه عن متعة النساء فان عليا وسائر الصحابة وافقوه على ذلك (3).
__________
(1) أخرجه الحميدي 18 وأحمد 1/ 14 وأبوداود1798 وابن ماجه 2970
(2) أخرجه أحمد 1/ 17 (104)
(3) في الفتاوي 33/96(94/159)
وفي ذلك يقول البيهقي في السنن الكبرى عن المتعتين : ونحن لا نشك في كون المتعة على عهد رسول الله لكن وجدنا نهى نكاح المتعة عام الفتح بعد الإذن فيه ثم لم نجد أذن فيه بعد النهي عنه حتى مضى لسبيله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فكان نهي عمر بن الخطاب عن نكاح المتعة موافقا لسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأخذنا به و لم نجده صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن متعة الحج في رواية صحيحة عنه ووجدنا في رواية عمر رضي الله عنه ما دل على انه أحب أن يفصل بين الحج و العمرة ليكون أتم لهما فحملنا نهيه عن متعة الحج على التنزيه و على اختيار الإفراد على غيره لا على التحريم .
متعة النساء :
وأما متعة النساء فإن أهل السنة يقولون إن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو الذي أباحها وهو الذي حرّمها تحريما أبدياً إلى يوم القيامة كما سبق ذكر أحاديث التحريم .
ومما يدل على أن عمر رضي الله عنه نهى عنها لنهي الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم عنها ما رواه البيهقي في السنن من طريق سالم بن عبد الله عن أبيه عن عمر بن الخطاب قال : صعد عمر على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : ما بال رجال ينكحون هذه المتعة وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عنها ألا و إني لا أوتى بأحد نكحها إلا رجمته(1).
قال البيهقي في تعليقه على هذا الحديث ما نصه : " فهذا إن صح يبين أن عمر رضي الله عنه إنما نهى عن نكاح المتعة لأنه علم نهي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عنه (2).
وروى الدارقطني بسند حسن عن ابن عباس أن عمر نهى عن المتعة التي في النساء وقال : إنما أحل الله ذلك للناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم والنساء يومئذ قليل ثم حرم عليهم بعد فلا أقدر على أحد يفعل من ذلك شيئا فتحل به العقوبة (3).
__________
(1) السنن الكبرى 7/206
(2) السنن الكبرى 7/206
(3) الدارقطني 2/258(94/160)
و روى ابن ماجة عن ابن عمر قال لما ولى عمر بن الخطاب خطب الناس ،فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أذن لنا في المتعة ثلاثا ثم حرمها والله لا أعلم أحدا يتمتع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة إلا إن يأتيني بأربعة شهداء يشهدون إن رسول الله أحلها بعد إذ حرمها (1).
فهذه الآثار تدل على أن عمر رضي الله عنه إنما نهى عما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وفي ذلك يقول الطحاوي: فهذا عمر قد نهى عن متعة النساء بحضرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلم ينكر عليه وفي هذا دليل على متابعتهم له على ما نهى عنه من ذلك وفي إجماعهم على النهي في ذلك عنها دليل على نسخها وحجة (2).
وقال الشيخ محمود شلتوت: وما كان نهي عمر عنها وتوعده فاعلها أمام جمع من الصحابة و إقرارهم إياه إلا عملا بهذه الأحاديث الصحيحة واقتلاعا لفكرة مشروعيته من بعض الأذهان (3).
ومما يدل على ذلك ما رواها الشيعة بأنفسهم وهي حجة عليهم .
فقد روى أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره عن الفضل قال : سمعت أبا عبد الله (ع) يقول بلغ عمر أن أهل العراق يزعمون أن عمر حرم المتعة فأرسل فلانا قد سماه فقال : أخبرهم أني لم أحرمها وليس لعمر إن يحرم ما أحل الله ولكن عمر قد نهى عنه (4).
لأن عمر لم يحرم المتعتين أما متعة الحج فقد سبق بيانها و أما متعة النساء فإن الله تعالى هو الذي حرمها حسب رواياتهم ..
فروى القمي عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله قال : إن الله تبارك وتعالى حرم على شيعتنا المسكر من كل شراب وعوضهم من ذلك المتعة(5) .
__________
(1) سنن ابن ماجة كتاب النكاح
(2) معاني السنن والآثار2/258
(3) الفتاوي ص275
(4) انظر الوسائل 14 / 441 .
(5) أخرجها العاملي في وسائله 14/438 وانظر هذا الحديث في صحيح من لايحضره الفقيه للبهبودي ص288(94/161)
وروى ثقتهم الكليني في الروضة عن محمد بن مسلم قال عن أبي جعفر (ع) في حديث قال : إن الله رأف بكم فجعل المتعة عوضا لكن من الأشربة (1).
وأما قولهم : إن عمر أضاف النهي إلى نفسه ولو كان الرسول نهى عنهما لأضاف النهي إليه ولكان أوكد وأولى.
فالجواب :
لو كان التحريم من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال عمر : نهى النبي عنهما أي عن المتعتين لكان مفتريا عمدا على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهذا لا يصح وبيان ذلك :
أولا : إن الرسول لم يحرم متعة الحج بل حرم متعة النساء ولكن عمر قرن المنسوخ بالثابت المستقر .
فأما المنسوخ فهو متعة النساء و أما الثابت المستقر فهو متعة الحج، فان قوله "كانتا " يدل بظاهره على استقرار ذلك في زمنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يستقر حتى مات إلا التمتع إلى الحج .
وهو الذي نطق به القرآن والسنة وقد روى عمر بنفسه تحليل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لمتعة الحج ، قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : أتاني الليلة آت من ربي في هذا الوادي المبارك قل عمرة في حجة .
وروى النسائي وابن ماجة و غيرهما أن الضبي بن معبد لما قال له : إني أحرمت بالحج والعمرة جميعا فقال له عمر : هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وعلى آله وسلم
وأخرج البيهقي من طريق عبيد بن عمير قال ، قال علي بن أبي طالب لعمر بن الخطاب : أنهيت عن المتعة قال لا ولكني أردت زيارة البيت فقال علي من أفرد الحج فحسن ومن تمتع فقد أخذ بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
__________
(1) الروضة ص132(94/162)
فكيف تقولون : لو كان التحريم من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لكان عليه أن يقول : نهى النبي عنهما ، فإن هذا لا يصح إطلاقا ، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم ينه عن المتعتين بل نهى صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقط عن متعة النساء فلو كان عمر قال إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عنهما أي عن المتعتين لكان افتراء على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما بيناه فيما مضى .
ثانيا : إن هذا من باب التشريع وهو لا يحتمل ولا يجوز شرعا ومما يدل على ذلك قول عمر
" أنهي عنهما " ولم يقل كما يدعون أنه قال : "أنا أحرمهما" .
فهذا ما قاله عمر رضي الله عنه وهذا معنى قوله : متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما متعة النساء و متعة الحج .
ولم يقل عمر كما ادعوا " متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم و أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما متعة النساء ومتعة الحج (1).
او"متعتان كانتا محللتين على عهد رسول الله وأنا انهي عنهما " .
أو : " متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حلالا وأنا أنهي عنهما "
أو " متعتان كانتا على عهد رسول الله حلالين وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما .
__________
(1) المرتضى في انتصاره ص111 الكوفي في الاستغاثة ص44 الحلي في كتابه " منهاج الكرامة " 1/223 .البحراني في كتابه " الحدائق الناضرة " 24/ 114 . النجفي في كتابه " جواهر الكلام " 30/139 - 14 ، وعبد الحسين ! الأميني في كتابه " الغدير" 6/ 213. محمد بن مهدي الخالصي في كتابه " الإسلام سبيل السعادة والسلام " ص193.توفيق الفكيكي في كتابه " المتعة " ص110 وص148 .زين الدين العاملي في كتابه " الروضة البهية " 5/283 .(94/163)
أو " ثلاث كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنا أنهي عنهن وأحرمهن وأعاقب عليهن وهي : متعة النساء ومتعة الحج وحى على خير العمل ..... .
ولكن الصحيح من قول عمر - كما سبق تخريجه - كما في صحيح مسلم وسنن البيهقي أنه قال : متعتان كانتا على عهد رسول الله أنا أنهي عنهما وأعاقب عليهما : متعة النساء ومتعة الحج.(1)
وقد نقلوا بأنفسهم في كتبهم هذه الخطبة بهذا النص الصحيح .....(2)
وقد أورد الرازي في تفسيره ثلاثة احتمالات حينما ذكر عمر هذا الكلام في مجمع من الصحابة وما أنكر عليه أحد فالحال ههنا لا يخلو إما أن يقال :
أ - انهم كانوا عالمين بحرمة المتعة فسكتوا .
ب - أو كانوا عالمين بأنها مباحة ولكنهم سكتوا على سبيل المداهنة .
ج- أو ما عرفوا إباحتها أو حرمتها فسكتوا لكونهم متوقفين في ذلك .
والأول : هو المطلوب .
__________
(1) صحيح مسلم وسنن البيهقي 7/ 206
(2) منهم المرتضى في كتابه " الشافي " 4/196-197، و منهم علامتهم الحلي في كتابه المسمى " نهج الحق وكشف الصدق " ص281 حيث ناقض نفسه فيما افتراه في كتابه " منهاج الكرامة " و كشف عن كذبه ! ومنهم الأميني في غديره 6/ 211. ومنهم كاشف الغطاء في كتابه " أصل الشيعة " ص104، ومنهم البحراني في حدائقه 24/ 116 وكشف عن كذبه ص114، ومنهم مرتضى العسكري في مقدمة مرآة العقول للمجلسي 1/ 200 و 273 ، ومنهم الجزائري في تفسيره قلائد الدرر 3/ 68 ، ومنهم الفكيكي في كتابه " المتعة " ص 47 ومنهم عبد الله نعمة في كتابه روح التشيع ! ص470 ،ومنهم شيخهم محمد تقي الجواهري في كتابه " الحلال والحرام " ص 290، ومنهم مرجع هذا "المهتدي " الخوئي في كتابه " البيان " ص325(94/164)
والثاني : يوجب تكفير عمر وتكفير الصحابة لأن من علم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حكم بإباحة المتعة ثم قال إنها محرمة محظورة من غير نسخ لها فهو كافر بالله ومن صدقه عليه مع علمه بكونه مخطئا كافراً ، كان كافراً أيضا وهذا يقتضي تكفير الأمة وهو على ضد قوله { كنتم خير أمة}
والثالث : وهو انهم ما كانوا عالمين بكون المتعة مباحة أو محظورة فلهذا سكتوا فهذا أيضا باطل لأن المتعة بتقدير كونها مباحة تكون كالنكاح واحتياج الناس إلى معرفة الحال في كل واحد منهما عام في حق الكل ، ومثل هذا يمنع إن يبقى مخفيا بل يجب أن يشتهر اعلم به فكما أن الكل كانوا عارفين بأن النكاح مباح ، وأن إباحته غير منسوخة ، وجب أن يكون الحال في المتعة كذلك ، ولما بطل هذان القسمان ثبت أن الصحابة إنما سكتوا عن الإنكار على عمر رضي الله عنه لأنهم كانوا عالمين بأن المتعة صارت منسوخة في الإسلام (1).
وخلاصة القول أن الرازي قد ألزمهم بما يلي:
أ - إن الصحابة لم ينكروا على عمر حينما نهى عن متعة النساء لأنهم كانوا عالمين بحرمة المتعة فسكتوا .
ب- بتكفيرهم الإمام علي إذا لم يكن النسخ طرأ على المتعة وسكت على عمر حين نهى عنها من عنده ، و إلى يومنا هذا لم يستطعوا حل هذا الإشكال وفك هذا الإلزام و لله الحمد .
وقد يتوهم أحد أنهم يستطيعون الجواب عن ذلك بقولهم: انه سكت " تقية " ......وهذا لا يصح لأمور :
1- إن عليا - عندنا نحن أهل السنة وهو الإمام المعصوم الأول عندهم - من أفقه وأشجع وأعلم المسلمين ، وعلينا فقط أن نراجع أقواله وأفعاله كرم الله وجهه.
يقول كرم الله وجهه : علامة الإيمان إن تؤثر الصدق حين يضرك على الكذب حين ينفعك ...ولا يكون في حديثك فضل على علمك ...وأن تتقي الله في حديث غيرك " .
ويقول : " لا أداهن في ديني .. ولا أعطي الدنية في أمري " .
__________
(1) الرازي في تفسيره 10/41-42(94/165)
هذا هو الإمام علي .. وهذه أخلاقه ...وكلماته ...دلت سيرته وحياته على معدنه ...وانطبقت أعماله ...وحطم عقيدة التقية في جمل قليلة .
لذا فنحن أهل السنة نعتبر عليا من الأمثلة الوضاءة التي يجب إن نتمثل بها في الصدق والشجاعة والأخلاق والإقدام ..فالحق أحق أن يتبع .. وأن يعلن جهارا نهارا مهما كانت نتائجه (1).
و يقول كرم الله وجهه فيما جاء في أصح كتاب بعد القرآن عندهم وهو " نهج البلاغة" يقول لعمر في الثناء عليه ما نصه : لله بلاء فلان فقد قوم الأود وداوى العمد خلف الفتنة وأقام السنة ، ذهب نقي الثوب قليل العيب أصاب خيرها وسبق شرها أدى إلى الله طاعته وأتقاه بحقه رحل وتركهم في طرق متشعبة لا يهتدي فيها الضال ولا يستيقن المهتدي .(2)
2- إن القائلين بالمتعة لا يبيحون التقية لا في متعة النساء و لا في متعة الحج .
أما متعة الحج فقد جاء في الكافي عن زرارة قال : قلت له : في مسح الخفين تقية ! فقال : ثلاثة لا أتقي فيهن أحد :شرب المسكر ومسح الخفين و متعة الحج (3).
وروى الطوسي عن الحلبي عن أبي عبد الله قال إن عثمان خرج حاجا فلما صار إلى الأبواء أمر مناديا ينادي بالناس : اجعلوها حجة ولا تتمتعوا ، فنادى المنادي فمر المنادي بالمقداد بن الأسود فقال : أما لتجدن عند القلائص رجلا ينكر ما تقول فلما انتهى المنادي إلى علي (ع) وكان عند ركائبه يلقمها خبطا ودقيقا فلما سمع النداء تركها ومضى إلى عثمان فقال ما هذا الذي أمرت به ؟ فقال : رأي رأيته فقال : والله لقد أمرت بخلاف رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم أدبر موليا رافعا صوته لبيك بحجة وعمرة معا لبيك وكان مروان بن الحكم يقول بعد ذلك : فكأني انظر إلى بياض الدقيق مع خضرة الخبط على ذراعيه (4).
__________
(1) الشيعة فلسفة وتاريخ ص 222
(2) ص498
(3) انظر الوسائل 1/ 321 كتاب الطهارة
(4) التهذيبين 1/470 و 2/ 171(94/166)
كما روى أصحاب السنن مثل ذلك....(1).
وأما متعة النساء فقد قال شيخهم كاشف الغطاء في كتابه أصل الشيعة وأصولها : ومن طرقنا الوثيقة عن جعفر الصادق (ع) انه قال : ثلاث لا أتقي فيهن أحدا : متعة الحج ومتعة النساء والمسح على الخفين (2).
3-إن روايات أئمتهم تقول وتؤكد أن الله تعالى هو الذي حرم المتعة وليس عمر! وذلك حسب رواياتهم الصادرة كما يزعمون عن أهل البيت فان أهل البيت أدرى بما فيه كما يزعمون ونحن نلزمهم بروايات أهل البيت !!
فروى صدوقهم عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله قال : إن الله تبارك وتعالى حرم على شيعتنا المسكر من كل شراب وعوضهم من ذلك المتعة .
وروى ثقتهم الكليني في الروضة عن محمد بن مسلم قال عن أبي جعفر (ع) في حديث قال : إن الله رأف بكم فجعل المتعة عوضا لكن من الأشربة (3).
__________
(1) فروى النسائي في سننه 2/576 وصححه الألباني عن مروان بن الحكم قال : كنت جالسا عند عثمان فسمع عليا يلبي بعمرة وحجة فقال : ألم نكن ننهى عن هذا ؟ قال : بلى ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يلبي بهما جميعا فلم ادع قول رسول الله لقولك .
وعن مروان : ان عثمان نهى عن المتعة وأن يجمع الرجل بين الحج والعمرة فقال علي : لبيك بحجة وعمرة معا فقال عثمان : أتفعلها وانا انهي عنهما فقال علي : لم أكن لأدع سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأحد من الناس .
وعن سعيد بن المسيب قال : حج علي وعثمان فلما كنا ببعض الطريق نهى عثمان عن التمتع فقال علي : اذا رأيتموه قد ارتحل فارتحلوا ، فلبى علي وأصحابه بالعمرة فلم ينههم عثمان فقال علي : ألم أخبرك انك تنهى عن التمتع قال : بلى ، قال له علي : ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تمتع قال بلى .
انظر صحيح النسائي 578 للألباني
(2) أصل الشيعة وأصولها ص100
(3) انظر العاملي في وسائله 14/438(94/167)
وروى صدوقهم : قيل لأبي عبد الله: لم جعل في الزنا أربعة من الشهود وفي القتل شاهدين ؟ قال : إن الله أحل لكم المتعة وعلم أنها ستنكر عليكم فجعل أربعة الشهود احتياطا عليكم (1).
وروى أيضا : قال الصادق : " ليس منا من لم يؤمن بكرتنا ، ويستحل متعتنا (2).
والجواب عن الشبهة (19) :
قولهم : إن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد أباح المتعة لأصحابه ........
فالجواب :
يرد عليكم أن هذه " الإباحة " لأمر عارض ، يوم فتح مكة ، وهذا استثناء من أصل التحريم العام ، وقد ثبت قطعا نسخها ، بالأحاديث الصحيحة فنعود إلى الأصل ، وهو التحريم .... على أن ثمة تصريحا من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بتحريمها مؤبدا والى يوم القيامة ، وهذا إيذان
بأنه إذا تكرر السبب فلا يترتب عليه المسبب ، لأن النسخ أبدي وهو يمنع القول بالاستمرار ، ولو تجدد السبب ، استصحابا للحال فلا يجوز اللجوء إلى هذا الاستصحاب ، مادام قد قام الدليل على حكم التحريم على التأبيد ، على ما هو مقرر في علم الأصول ...على أن نسخ الحكم ، يوجب نسخ " العلة " التي اقتضته أيضا ، والعلة مظنة الحكمة ، كما هو معلوم ، ومعنى نسخها إلغاء الحكمة التي بنى عليها الحكم المنسوخ ، فلم تعُد ثمة " حكمة " بعد هذا الإلغاء أبدا ، ومن هنا قلنا ، لا يجوز تجدد الحكم بتجدد سببه .
وأما قولهم : إن المتعة كانت مباحة جائزة على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فمن ادعى أنه حرم ذلك احتاج إلى دليل .
فالجواب :
__________
(1) في الفقيه 2/ 150 وفي العلل ص173 وفي المحاسن للبرقي ص330
(2) الوسائل من أبواب المتعة 14/438(94/168)
إن هذه الأخبار ، ليس فيها أكثر من أنها قد أبيحت على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وقد ثبت من الأحاديث فيما تقدم بيانه أن الإباحة كانت مدة مخصوصة وهي ثلاثة أيام لقوم مخصوصين ، وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم دون من سواهم من الناس ، لعذر مخصوص ، وهو الإباحة على هذه الوجوه لا تجوز استدامته لكل حال ، والمخالف يبيح ذلك على الإطلاق فلم يكن له في هذه الأخبار دليل !
وأما قولهم : أجمع المسلمون على شرعية نكاح المتعة والإذن فيه في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بغير شبهة ثم ادعى نسخها ولم يثبت وقد ثبتت الإباحة.....
فالجواب :
إن تعريف الإجماع كما في كتب الأصول هو : اتفاق المجتهدين من هذه الأمة في عصر على حكم شرعي بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهذا لا ينعقد إلا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ........أما في حياته فهو المبين لحكم المسألة و قوله الحجة فيها ، فلا حاجة - من في عصره - إلى نظر أئمة الاجتهاد في مسألة وإجماعهم على حكمها .
وان قصدوا أن أهل العلم متفقون على أن المتعة رخص فيها الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لظروف خاصة ثم حرّمت فاتفاقهم على الطرفين وليُسمّه المخالف بما أحب ، فان حكى الترخيص بلفظ الإجماع .
قيل : التحريم إجماع ، على أن لفظ الترخيص مؤذن التوقيت ، مشعر بأن هذا الحكم في طريقه إلى النسخ ...
وجواب آخر : إن الصحابة أجمعوا على تحريم هذا النكاح المسمى "متعة " .
قال الجصاص : وقد دللنا على ثبوت الحظر بعد الإباحة من ظاهر الكتاب والسنة وإجماع السلف ...ولا خلاف فيها بين الصدر الأول على ما بينا وقد اتفق فقهاء الأمصار مع ذلك على تحريمها ولا يختلفون (1).
__________
(1) الجصاص في تفسيره 2/153(94/169)
وقال ابن المنذر : جاء عن الأوائل الرخصة فيها ، ولا أعلم اليوم أحدا يجيزها إلا بعض الرافضة ولا معنى يخالف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
وقال ابن عبد البر : وأما الصحابة ، فإن الأكثر منهم علي النهي عنها وتحريمها(1).
وقال المازري : ثبت أن نكاح المتعة كان جائزا في أول الإسلام ثم ثبت بالأحاديث الصحيحة المذكورة هنا أنه نسخ و انعقد الإجماع على تحريمه ولم يخالف فيه إلا طائفة من المستبدعة وتعلقوا بالأحاديث الواردة في ذلك وقد ذكرنا إنها منسوخة فلا دلالة لهم فيها .(2)
و قال الخطابي في معالم السنن : تحريم المتعة كالإجماع إلا عن بعض الشيعة ولا يصح على قاعدتهم في الرجوع إلى المختلفات إلى علي و آل بيته فقد صح عن علي أنها نسخت ونقل البيهقي عن جعفر بن محمد أنه سئل عن المتعة فقال هي الزنا بعينه .
وقال القاضي عياض : اتفق العلماء على أن هذه المتعة كانت نكاحا إلى أجل لا ميراث فيها وفراقها يحصل بانقضاء الأجل من غير طلاق ووقع الإجماع بعد ذلك على تحريمها من جميع العلماء إلا الروافض (3).
وقال القرطبي : الروايات كلها متفقة على أن زمن إباحة المتعة لم يطل وأنه حرم ثم أجمع السلف و الخلف على تحريمها إلا من لا يلتفت إليه من الروافض(4).
فأين هذا الإجماع المزعوم يا ترى ؟!
وأما قولهم : إننا نتفق معكم على الإباحة ونخالفكم في النسخ فنأخذ المجمع عليه ونترك غيره.
فالجواب :
إن النصوص التي أثبتت الإباحة هي التي أثبتت النسخ ، وما اتفقنا معكم على الإباحة لأننا نقرر نسخ الإباحة .
وأما قولهم : بأنه قد ثبت إباحتها بالإجماع فلم يعدل إلى تحريمها إلا بالإجماع فمن وجهين :
__________
(1) ابن عبد البر في الاستذكار 16/ 294
(2) في "المعلم " 2/ 131
(3) انظر صحيح مسلم بشرح النووي 9/181
(4) انظر فتح الباري 9/78-79(94/170)
الأول : انه ما ثبت به إباحتها هو الذي ثبت به تحريمها ، فان كان دليلا في الإباحة وجب إن يكون دليلا في التحريم .
الثاني : إن الإباحة الثابتة بالإجماع هي إباحة مؤقتة تعقبها نسخ ، وأنتم تدعون إباحة مؤبدة لم يتعقبها نسخ ، فلم يكن إجماعاً .
وأما قولهم : إن النسخ مجرد ادعاء لم يثبت ........
فالجواب :
هذا ليس ادعاء إذ الدعوى هي قول مجرد عن الدليل .....وأما النسخ فمرافق الأدلة التي تثبت الترخيص بها كأحاديث سلمة وابن مسعود وسبرة وعلي وغيرهم، فليس مجرد ادعاء ولكنه أمر ثابت .
و جواب آخر : إن الإجماع لم ينعقد على إباحتها ، والتعبير بإباحتها خطأ ، فلم يقل المحققون بأنها كانت مباحة ، إنما أذن فيها كما أذن بأكل الميتة فإن الإباحة تكون لأمر ذاتي في الفعل .
أما الإذن فإنه يكون لضرورة سوغت الإذن ، وإذا عبر بعض الأئمة بالإباحة فمن قبيل التسامح في التعبير ، وان الصحابة من بعد نهي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد أجمعوا على نسخها فلا موضع للقول بالإجماع .
و جواب ثالث : إن الأدلة التي أذنت بها هي التي نسخها فلا يقال إجماع على الإذن وعدم إجماع على النسخ ، فالأدلة ملزمة في الأمرين .
وجواب رابع : إن ترك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المتعة لهم قبل الأمر الجازم بالمنع ، ليس من قبيل الإباحة بل هو من قبيل الترك حتى تستأنس القلوب بالإيمان وتترك عادات الجاهلية وقد كان شائعاً بينهم اتخاذ الأخدان وهو ما نسميه اتخاذ الخلائل وهذه هي متعتهم ، فنهي القرآن الكريم والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عنها وإن الترك مدة لا يسمى إباحة وإنما يسمى عفوا حتى تخرج النفوس من جاهليتها والذين يستبيحونها باقون على الجاهلية الأولى .
وأما قولهم : إنه لا نزاع ولا خلاف في أن المتعة كانت مشروعة والخصم يقول إنها نسخت ، قلنا المشروعية دراية والنسخ رواية و لا تطرح الدراية بالرواية .....
فالجواب :(94/171)
إن أردتم بقولكم " المشروعية دراية " أنها دُريت وفُهمت من نصوص شرعية ، فكذلك نسخها دلت عليه نصوص شرعية وفُهِمَ منها فنسخت النصوص الدالة على الإذن فيها نصوص شرعية أخرى أفهمت رفع الإذن المتقدم وتحريمها على وجه التأبيد والنص المتأخر المشعر برفع الرخصة التي دل عليها النص المتقدم يعتبر ناسخا للمتقدم وأيضا الرخصة الثانية لم يرد نصها إلا مقيدا بثلاثة أيام كما في بعض الروايات ، فلو لم يرد النهي على الإطلاق لأغنى التقييد والتحديد بثلاثة أيام عن ذكر النص الناهي ، فكيف وقد ورد .
وإن أردتم بقولكم " المشروعية دراية " أن العقل حكم بحلية المتعة من غير استناد إلى نص من الشارع الحكيم .
فالجواب :
إنه لا حكم للعقل بعد الشرع .
وأما قولهم : إن المتعة ثبتت بدليل قطعي والأدلة المانعة لها كلها ظنية والقطعي لا ينسخ إلا بقطعي مثله...
فالجواب :
إن المراوغة بأن التحليل قطعي والتحريم ظني ، مدفوع بان استمرار ذلك القطعي ظني بلا خلاف والنسخ إنما للاستمرار لا لنفي ما قد وقع فإنه لا يقول عاقل بأنه ينسخ ما قد فرغ من فعله ..
وجواب آخر : إن هذه الحجة مردودة لأن الذين رووا إباحة المتعة هم الذين رووا ما يفيد نسخها وذلك إما قطعي في الطرفين أو ظني في الطرفين وقد تواترت الأخبار بالتحريم ونقلت عن عديد من الصحابة ولم ينكر ذلك عليهم أحد.
وجواب آخر أيضا : إن مستندهم لمصادر جواز المتعة هي هذه المصادر التي حرمتها والشك الذي يمكن أن يتسرب إلى هذه المصادر يشمل الحل والتحريم إذا كان بحثهم نزيهاً لم تترتب نتائجه قبل مقدماته ولكن أتباع مدرسة المتعة يشاركوننا في السبب ويفردوننا بالعجب !! فتتعدد روايات التحليل والتحريم فيقبلون الحل والجواز ويرفضون التحريم للتعدد.
وجواب آخر أيضا : بمنع هذه الدعوى أعني كون القطعي لا ينسخه الظني .
فما الدليل عليها ؟(94/172)
ومجرد كونها مذهب الجمهور غير مقنع لمن قام في مقام المنع يسائل خصمه عن دليل العقل والسمع بإجماع المسلمين .
وجواب آخر أيضا : إن البحث ليس موضوع أصل الحل بل استمراره استصحابا للحال وهذا يفيد الظن بلا نزاع ورفع الظني بالظني لا ينازع فيه أحد لأنه من بدائه علم الأصول .
والجواب عن الشبهة (20) :
قولهم : إن أهل البيت ابتداءً بالإمام علي ( ع) وانتهاء إلى آخر أولاده من الأئمة ومن شيعتهم أيضا أطبقوا على ذلك حتى عرفت كلمة الإمام ( ع) : لولا ما نهى عنه عمر ما زنى إلا شقي .....
فالجواب : ليس هناك إجماع من أهل البيت على إباحتها، بل أجمع أهل البيت قاطبة على تحريمها كما سبق بيانه بأدلة قاطعة منها :
1-فيما اطلعت عليه من كتبهم أنهم يزعمون أن الإمام علي يقول بحلية المتعة ومع ذلك لم يسندوا حديثا واحدا عنه في حلية المتعة إلا ما يحتجون به بما رواه الثعلبي و الطبري في تفسيره بإسناده عن شعبة عن الحكم قال : وقال علي رضي الله عنه : لولا أن عمر نهىعن المتعة ما زنى إلا شقي .
وهذا الأثر ضعيف من طريقنا وطريقهم .
ثم إن هذا الأثر مع انقطاعه وضعفه معارض بما ثبت عن عليا رضي الله عنه من التشديد في المتعة حتى قال لابن عمه ابن عباس حينما بلغه انه يرخص في المتعة " انك امرؤ تائه " .
فقد روى مسلم في صحيحه عن ابن الحنفية قال : سمع علي بن أبي طالب يقول لفلان انك رجل تائه نهانا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
وفي رواية إن عليا سمع ابن عباس يلين في متعة النساء فقال مهلا يا ابن عباس فان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عنها يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأنسية .(94/173)
2- وأما الباقر وولده الصادق فنقل في الجامع الكافي عن الحسن بن يحي بن زيد فقيه العراق أنه قال اجمع آل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على كراهية المتعة والنهي عنها وقال أيضا أجمع آل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على أنه لا نكاح إلا بولي وشاهدين وصداق بلا شرط في النكاح.
وروى البيهقي في السنن بإسناده عن بسام الصيرفي قال : سألت جعفر بن محمد عن المتعة فوصفتها فقال لي ذلك الزنا .
وروى القاضي النعمان في دعائمه عن جعفر بن محمد أن رجلا سأله عن نكاح المتعة قال : صفه لي قال : يلقى الرجل المرأة فيقول أتزوجك بهذا الدرهم والدرهمين وقعة أو يوما أو يومين قال : هذا زنا وما يفعل هذا إلا فاجر .
من كل هذه الأقوال يتبين لنا أن أهل البيت أجمعوا على تحريم المتعة فهم موافقون للقرآن ولأحاديث جدهم في منع و تحريم هذه العلاقة المحرمة المسمى " متعة " !
والجواب عن الشبهة (21) :
قولهم : لا نعلم فيها ضررا عاجلا أو آجلا وكل ما هذا شأنه فهو مباح لأنه لو كان فيها شيء من المفاسد لكان إما عقليا ! وهو منتف اتفاقا و إما شرعيا وليس كذلك وإلا لكان أحد مستمسكات الخصم ... هذا القول فاسد من أساسه فلو تأمل العاقل في أصل المتعة يجد فيها مفاسد مكنونة كلها تعارض الشرع فنفيهم جهة القبح عن هذا النوع من العلاقة - غفلة شديدة عما طفحت به كتبهم من تقبيحه وعقلائهم من استهجانه وأشرافهم من الترفع عنه ، على الرغم من الإشادة به وبيان هذه المفاسد من وجوه :
1- هل يرضى الذين يجوزون هذه العلاقة شيئا كهذا لبناتهم وأخواتهم وقريباتهم أم انهم إذا سمعوها اسودت وجوهم وانتفخت أوداجهم ولم يكظموا لذلك غيظا (1).
__________
(1) " الشيعة والتصحيح لموسى الموسوي ص113(94/174)
ويذكرني هذه " المتعة " بذلك الشاب الذي طلب من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يأذن له بالزنا !! فما كان من الرسول إلا أن قال له أتحبه لأمك أتحبه لأختك أتحبه لأبنتك !
فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ قَالُوا مَهْ مَهْ فَقَالَ ادْنُهْ فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا قَالَ فَجَلَسَ قَالَ أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ قَالَ لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ قَالَ وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ قَالَ أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ قَالَ لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ قَالَ وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ قَالَ أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ قَالَ لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ قَالَ وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ قَالَ أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ قَالَ لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ قَالَ وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ قَالَ أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ قَالَ لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ قَالَ وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ قَالَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ وَحَصِّنْ فَرْجَهُ فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ (1).
فلو كانت" المتعة" حلالا لأذن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بها بدلا من "الزنا " الذي طلب منه الشاب ، ولكن لا يرضاه الناس لِأُمَّهَاتِهِمْ ولا لِبَنَاتِهِمْ ولا لِأَخَوَاتِهِمْ ولا لِعَمَّاتِهِمْ ولا لِخَالَاتِهِمْ كما بينه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
__________
(1) مسند أحمد والحديث صحيح الاسناد(94/175)
فلماذا يغضبون حين يطلب منهم الواحد إن يزوجه ابنته زواج متعة ؟ كما شاهدت هذا بنفسي وسمعته بأذني ؟ وكان ذلك أثناء مناقشة حول المتعة ، والعالم الشيعي يتمسك بمشروعيتها ويمدحها فألقى عليه هذا الطلب ، فغضب وثار وقام من المجلس !! مع انه قبلها بدقيقة كان شديد التحمس لها(1).
هذا أحد علمائهم ويدعى " الملا هاشم " ، نقلت عنه إحدى الباحثات الشيعيات التي أجرت المقابلات مع من تمتعوا ، أنه أجرى كثيراً من زيجات المتعة ....
تقول الباحثة ما نصه : " لم يشعر الملا هاشم بأي إحراج من إخباري أنه منذ انتقاله إلى مدينة مشهد يعقد سرا ، زيجات متعة بكثرة وانتظام قال : في قريتي في الشمال ، لا أحد يمارس المتعة لأنه يجلب العار ! ولكنه ما أن وصل إلى مدينة مشهد حتى بدأ بممارسة زواج المتعة ، بدا لي انه يتفاخر بكثرة زيجاته المؤقتة ، إذ يعقد زواج المتعة مرة أو مرتين شهريا ومن دون علم زوجته ، لكن عندما سألته إذا كان مستعدا للسماح لابنته البالغة ستة عشر عاما من العمر بعقد زواج المتعة ، أجابني بحزم " أبد اً(2).
مع انهم يقولون : " أهل النجف خاصة ، وكل بلاد الشيعة يرون المتعة عيبا وان كانت حلالا " " والشيعة في كل مكان ترى المتعة عيبا وان كانت حلالا وليس كل حلال يفعل (3) .
__________
(1) كتاب الحرية لعبد المنعم النمر ص136
(2) انظر المتعة لشهلا حائري ص225-226
(3) أعيان الشيعة لمحسن الأمين ص159(94/176)
وفي ذلك تقول هذه الباحثة ما نصه : " أبدي الكثير من الناس ، مثل هذا التردد في كشف هوية الأشخاص الذين يمارسون المتعة ، لكن التردد كان أكبر ، عندما يتعلق الأمر برجال الدين ، على المستوى النظري البحت ، كانوا يستفيضون في تأكيد شرعية زواج المتعة والثواب الديني لممارسيها ، لكن عند الانتقال إلى المستوى العملي الفردي ، كانوا يصبحون مراوغين ، ويترددون في الحديث عن تجاربهم أو في تقديمي إلى أشخاص يمارسون المتعة ، كانوا متكتمين ، وبدا أنهم يتبنون النظرة الثقافية السلبية إلى زواج المتعة ، هذه الازدواجية كانت أشد وضوحا خلال عملي الميداني عام 1978 (1).
هذا إمام جليل من أئمة الشيعة محمد الباقر - حسب رواياتهم - يسكت ولا يبدي جوابا عندما سأله عبد الله بن عمير فقال :يسرك أن نساءك وبناتك وأخواتك وبنات عمك يفعلن ؟ فأعرض عنه أبو جعفر حين ذكر نساءه وبنات عمه (2).
ومعنى هذا السكوت إن الباقر لم يقبل على أسرته إن يكون بينهم هذا النوع من الزواج (3).
__________
(1) المتعة لشهلا حائري ص235
(2) وسائل الشيعة 14/ 437
(3) النكاح والقضايا المتعلقة به للحصري ص 185(94/177)
قال الشرباصي :و إني أذكر ليلة كنت جالسا فيها إلى المرحوم اللواء محمد صالح حرب وكان معنا كبار الفكر الإسلامي ، ثم دخل علينا شاعر لبناني شيعي ، ومعه ابنته المثقفة الأديبة ، وتجاذبنا أطراف الحديث ، حتى جاء ذكر زواج المتعة ، فأخذ الشاعر اللبناني الشيعي يدافع عنه ، لأن مذهبه يبيحه ، فما كان من المفكر الإسلامي إلا إن نهض ، ومد يده إلى الشاعر قائلا : إني أطلب يد ابنتك هذه لأتزوجها زواج متعة ، وحدد مدة قصيرة ، فأحمر وجه الفتاة خجلا ، واشتد الغضب بأبيها وأخذ يحتد في مخاطبة المفكر الإسلامي ، فما كان من اللواء صالح حرب إلا إن قال للشاعر في حدة : لا تغضب فأنت الذي فتحت على نفسك مجال النقد والهجوم ، ومادمت لا ترضى لابنتك أن تتزوج زواج متعة ، فكذلك كرام الناس لا يقبلون ذلك لأنفسهم ولا لبناتهم (1).
وقال الحصري : " أما في الحاضر فقد اختلطت بعديد من الرجال الشيعة بعضهم يمثل مركزا دينيا مرموقا وسطهم والبعض وان كان لا يعرف من مذهبه إلا انه منتسب له ، لكن والده من علماء هذا المذهب ، أو من أسرة دينية إلى آخره وبسؤالهم جميعا هل هم متمتعون " أي عاقدوا نكاح المتعة " كان الجواب لي دائما : لا ، وكان سؤالي لهم دائما : فلم الخلاف ؟ ولم لا تكون وحدة القول واجتماع الكلمة بتحريم هذا العقد الذي هو أشبه ما يكون باستئجار المرأة للزنى بها ساعات وأيام ؟ وكان جوابهم لي غير مقنع ، وكانت دعواتي دائما أن يجمع الله شمل المسلمين وأن يزيل ما بينهم من خلاف(2).
__________
(1) يسألونك في الدين والحياة للشرباصي 5/ 123-124
(2) الحصري في كتابه " النكاح والقضايا المتعلقة به " ص185(94/178)
فالمسألة ليست بهذه الصورة أي الذين لا يرتضونها لبناتهم وأخواتهم وقريباتهم في حدود التنزه والترفع بل لأنهم يرون فيها أمرا مهينا مشينا يتنافى وكرامة العائلة وشرف الأسرة (1).......وكل امرأة كريمة على أهلها أو على نفسها ، لا تقبله لذاتها ، ولا يقبل أهلوها لها إن تتزوج هذا الزواج الذي تحيط به الظنون (2).
كما أن مثقفي الشيعة والمجتمع الشيعي يرفضون هذا " الزنا " المتسمى باسم " المتعة" .
فان الناس في بعض المجتمعات حتى الشيعية ، ينظرون إلى علاقة المتعة نظرة أكثر خطورة من نظرتهم إلى الزنا ، فقد يواجهون الزنا بنظرة عدم الرضا ، بينما قد يواجهون المتعة بطريقة العنف ، وهذا ما لاحظناه عندما أثير الحديث في الإعلام في بداية الحركة الإسلامية الملتزمة التي تسمى بالحركة الإسلامية الأصولية في الوسط الشيعي حيث أثير في الإعلام الكثير من الحديث عن انتشار هذا الزواج وما إلى ذلك ، ورأينا أن هناك كلاما يعمل على مهاجمة هذه الحركة من خلال هذه الظاهرة التي لم تكن ظاهرة (3).
2- إن عقد المتعة من باب استئجار بضع المرأة وفي ذلك تضييع للمرأة نفسها ، وإذلالها ، وامتهانها وهذه شناعة يمجها الذوق السليم ، ، لذا ضج بالشكوى منه عقلاء فارس (4).
تقول إحدى الباحثات : " ....على الرغم من أن الشابات الخمس اللواتي صادفتني في قم يؤيدن زواج المتعة من حيث المبدأ ، فإنهن يرفضن ممارسته ، ووفقا لمنطقهن فان زواج المتعة يسيء إلى سمعة الفتاة ، وبالتالي يؤثر سلبا على حظها في عقد زواج دائم لائق (5).
__________
(1) موسى الموسوي في كتابه " الشيعة والتصحيح ص 113
(2) الشرباصي 5/ 124
(3) فضل الله في كتابه " تأملات إسلامية حول المرأة ص 129
(4) ضحى الاسلام لأحمد أمين 4/ 259
(5) شهلا حائري في كتابها المتعة عند الشيعة حالة ايران 1978- 1982 ص 32- 33(94/179)
ولابد من إيراد بعض الأمثلة والشواهد على مفاسد هذه المتعة من المجتمعات -الشيعية - التي مارستها وتمارسها....
تقول إحداهن وتدعى ل.أ وهي تروي قصتها مع زواج المتعة قائلة :" عمري 35 سنة طلقني زوجي بعد أن تزوج بأخرى منذ ست سنوات وترك أطفالي أربيهم بنفسي ولم أجد لإيوائى غير مؤسسة تابعة لأحد الأحزاب الأصولية ، فعملت لديها وبدأت تدريجيا أؤمن بمادئها ومع أنني لم أفكر يوما بأن أتزوج ثانية وجدت نفسي أغرم بشاب يسكن في حينا فانجذبت إليه وكذلك هو ، ولأنه أصغر مني سنا قررنا إن نتزوج زواجا مؤقتا دون علم الأهل ودون علم أولادي ، ولكن بتردده عليّ بدأ الأولاد يسألونني عن سبب تردده الدائم علينا ، فكنت أكذب وأقول ، لأنه يشفق علينا !
حتى قلت في إحدى المرات لابنتي انه سينتظرك لفترة سنتين حتى تكوني قد كبرت ويتزوجك وما زلت أعاني بعض المشاكل مع ابنتي بسبب هذه الجملة لأنني وفي أحد الأيام فوجئت بابنتي تستيقظ باكراً وتدخل غرفتي لتجده موجوداً في غرفتي مما سبب لها صدمة كبيرة وتركت البيت وذهبت إلى دارة جدها ولم تعد لغاية الآن ، ولهذا السبب اضطرينا في اليوم نفسه أنا وزوجي إن نذهب إلى المحكمة الشرعية ونتزوج زواجاً شرعياً وذلك فقط من أجل الحصول على وثيقة الزواج لكي أريها إلى أهلي وخاصة أخي الذي حمل سكينا وكاد يذبحني بها مع العلم انه هو قد مارس هذا النوع من الزواج عدة مرات ، وبالرغم من أن زواجي أصبح شرعيا ، إلا أن ابنتي لم تعد وحتى الآن مازال هذا الزواج سريا وغير معلن بسبب أهل زوجي لأنهم يرفضون هذا الزواج
وفي النهاية قالت ل. أ أنها تجربة قاسية ومريرة ، ولو كنت أعلم انه سيحصل لي ما حصل ، لما أقدمت على هذه الخطوة ....(1)
وهذه بعض الحالات التي تتكلم عن تجربتها في زواج المتعة كما أجرتها المجلة السابقة .
الشاب م. س ( غير متدين )
- ما هي المدة التي حددتها للزواج المنقطع ؟
__________
(1) " مجلة الشراع " العدد 684ص7(94/180)
- عشرة أيام !
- لماذا ؟
- لأنه أفضل من الزنى !!
- هل أعلنته ؟
- لا بقى سرا .
- لماذا ؟
- من أجل مصلحة الفتاة !
- كم مرة مارسته ؟
- عدة مرات .
- هل هي مطلقة أو أرملة ؟
- لا بل عذراء .
- إذا حملت ماذا ستفعل .
- سأجعلها تتخلى عن حملها .
- هل أنت عازب أم متزوج ؟
- عازب .
- هل ستسمح لأختك بالزواج المنقطع .
- لا .
الشاب أ. ع .
- ما هي مدة زواج المتعة الذي مارسته ؟
- 6 أشهر .
- لماذا تزوجت بالمتعة ؟
- لأنه أفضل من " الدوران " وراء الفتيات في الشوارع .
- هل تفضله على الزنى ؟
- نعم .
- هل أعلنته ؟
- لا بقى سرا .
- هل أهلك أو أهلها يتقبلون الفكرة ؟
- لا يهمني رأيهم !!
- كم عمرك ؟
-23 .
- كم عمرها ؟
- 21 .
- هل هي عزباء ؟
- مطلقة .
- ماذا ستفعل بالولد إذا حملت ؟
- سأضعه في " الميتم " .
- هل تسمح لأختك بهذا النوع من الزواج ؟
- لا ، بل لأذبحها إذا قامت بذلك .
أما الشاب هـ. م فدام عقد زواجه ساعتين ويقول إن ذلك كان فقط من أجل إن تهدأ شهوتي !!
ولكن هـ . م يختلف عن الذين سبقوه لأنه مؤمن بهذا النوع من الزواج ، فقال : أنا مستعد لأن أتحمل المسئولية الكاملة .. ، ولكن لم يختلف عن غيره بنقطة وهو انه غير مستعد لأخته بعقد زواج المتعة لأن المجتمع لن يتقبل هذه الفكرة ، وسينظر إلينا نظرة سيئة لم أتحملها (1).
__________
(1) انظر مجلة الشراع ص7، وانظر ممارسات المتعة في كتاب المتعة في إيران لشهلا حائري ص155- 276(94/181)
3- ومن مفاسد هذه المتعة ، تضييع الأولاد ، فان أولاد الرجل إذا كانوا منتشرين في كل بلدة ولا يكونون عنده فلا يمكنه أن يقوم بتربيتهم فينشأون من غير تربية كأولاد الزنا ، ولو فرضنا أولئك الأولاد إناثا يكون الخزي أزيد ، لأن نكاحهن لا يمكن بالأكفاء أصلا ، ومنها احتمال وطء موطوءة الأب للابن بالمتعة أو النكاح أو بالعكس بل وطء البنت وبنت البنت وبنت الابن والأخت وبنت الأخت وغيرهن من المحارم في بعض الصور خصوصا في مدة طويلة ، وهو أشد المحظورات ، لأن العلم بحبل امرأة المتعة في مدة شهر واحد أو أزيد لا يكون حاصلا لاسيما إن وقعت في السفر ويكون السفر أيضا طويلا ويتفق في كل منزل الشغل بالمتعة الجديدة ويتعلق الولد في كل منها وتولد الجارية من بعد تلك العلوقات ويرجع هذا الرجل إلى ذلك الطريق بعد خمسة عشر عاما مثلا أو يمر إخوته أو بنوه في تلك المنازل فيفعلون بتلك البنات متعة أو ينكحونهن ، ومنها عدم تقسيم ميراث مرتكب المتعة مرات كثيرة إذ لا يكون ورثته معلومين ولا عددهم ولا أسماؤهم وأمكنتهم ، فلزم تعطيل أمر الميراث ، وكذلك لزم تعطيل ميراث من ولد بالمتعة فان آباءهم وإخوتهم مجهولون ولا يمكن تقسيم الميراث ما لم يعلم حصر الورثة في العدد ويمتنع تعيين سهم من الأسهم ما لم تعلم صفات الورثة من الذكورة والأنوثة والحجب والحرمان وبالجملة فالمفاسد المترتبة على المتعة مضرة جدا ولاسيما في الأمور الشرعية كالنكاح والميراث ، فلهذا حصر الله سبحانه أسباب حل الوطء في شيئين : النكاح الصحيح ، وملك اليمين ، لأن الاختصاص التام الحاصل بين المرء وزوجته بسبب هذين العقدين ليحفظ الولد ويعلم الإرث .... (1)
__________
(1) التحفة الأثنى عشرية للدهلوي ص228(94/182)
4- انه لما حرمه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان قبيحا ، ولما استعملته الطائفة الجعفرية التي استحلته ، وشاع في دورها ونظرنا إلى آثارها السيئة (1)، قوى عندنا ظهور الحكمة الإلهية في منع المسلمين من تعاطيه (2)....
بل إن هذا النوع من الزواج ، تستقبحه بقية الأديان ..
يقول المطران جورج خضر : " إن زواج المتعة يتعارض مع الزواج أصلا الذي هو تعاهد بين رجل وامرأة للعيش معا على مدى العمر ، يعني في كل أعراف العالم وشرائعها وقوانينها كل زواج دائما كان قائما على روحية البقاء وعهده لأنه بنى على أساس تخطي فكرة المتعة والتمتع .....
ويقول المطران : " عندنا 99،99 متزوجون وليس الكل رهبانا ولكنهم يحاولون بالصلاة والنضال والجهاد الشخصي العظيم إن يعفوا .
ويقول عن المتعة :" إن هذا زواج جنسي محض غير إنساني (3) .
وبعد ، فقد أرسلنا أشعة البحث وأضواء الفكر على موضوع المتعة حتى تنفس صبح الحق معلنا تحريمها ، ببراهين بينة لا تدفع مكشوفة لا تتقنع ، مشكاة القرآن مصدرها ، وهدى النبوة معتمدهاوأحرقنا الهيكل المصنوع من الشبه الباطلة وهي حوالي (20) شبهة ، بنور الحق ، فأصبح هشيما تذروه الرياح، حيث دفعنا الشبهة المكسوة ثياب الحجة بالحجة ، فبان الحق واضح المحجة ، فإذا الحقيقة ليلها كنهارها لايزيغ عنها إلا أعمى نظر ، فاقد رشد ، يتخبط في ليل من الحيرة لا يدري أين يقع { بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون } الأنبياء /18
هذا مما وفقني الله لتحريره وأسأله أن يكون عملا نافعا والحمد لله الذي هدانا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله والصلاة والسلام على خير الأنام وعلى آله الطيبين الأطهار وصحابته الأبرار الكرام .
1- خيبر
2- عمرة القضاء
__________
(1) راجع كتاب المتعة عند الشيعة " لشهلا حائري
(2) الأهدل ص 324
(3) انظر مجلة الشراع اللبنانية الشيعية العدد 684 سنة 1995ص6-7(94/183)
3- فتح مكة
4- أوطاس
5- حنين
6- تبوك(94/184)
تحريم المتعة في الكتاب والسنة
تأليف : يوسف جابر المحمدي
{ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآياتٍ لقوم يتفكرون } صدق الله العظيم
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونتوب إليه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، فإن أصدق الحديث كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
أما بعد : قال تعالى{ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآياتٍ لقوم يتفكرون } الروم / 21
فالسكن النفسي الموحي بالهدوء واستجماع الشتات وإسكات صرخات الجسد على صورة مطمئنة لايزعجها الخوف وتجديد قوى النفس كلما أخمدها الملل من رتابة العمل المعاشي والاستئناس والاستمتاع بما في الجنس الآخر من غواية المتعة حتى تسكن نوازع التطلع إلى مثل تلك المفاتن في نساء اخريات ، هذا هو المعنى الرحيب للسكن النفسي المراد من الزواج في قوله تعالى { ليسكن إليها } الأعراف /189 .(95/1)
وليس المتاع الجنسي على هذه الصورة وحده مقصود الزواج في الإسلام ، فالزواج ليس مجرد اتصال جنسي ، بل إن الزواج الإسلامي نموذج للشمول في العواطف والوجدانات يتناسب مع الشمول في عقيدة الإيمان ، فهو وسيلة لثراء الإنسان في المشاعر العليا ، وفي تهذيب الغرائز الجامحة وترويضها. فالمودة والرحمة بين الزوجين من مقاصد الزواج الرئيسية ، ومن الرحمة تكون الرحم ، وهي صلة القرابة في الآباء والأمهات وتنشأ علاقة أخرى هي مودة الرحم التي سميت في الإسلام " صلة القرابة " والتي توعد الله قاطعها بالحرمان من الجنة ، وربط اسمها واسم " الرحمن " و" الرحيم " دلالة وثيقة على ما بين مقاصد الزواج ومقاصد الإيمان . فالزواج في الإسلام نبع يفيض بأسمى الأخلاق ، ومدرسة جامعة يتعلم فيها الزوجان أصول المودة والرحمة والحب ، وما ينشأ عنها من الغيرة والعزة والوفاء ورعاية المحرمات .(95/2)
ولكن في الآونة الأخيرة وبسبب جنوح العواطف وعرام الشهوات ، والتفنن في الإثارة ورواج سوق السياحة واتخاذ الجاهلية الحديثة المرأة سلعة تباع وتشترى ..واعتبارها تسلية ومتعة وجعلها تطوف الشوارع عارية السيقان والصدور ! وتفخر بعريها وعبوديتها لبيوت الأزياء ! وأساتذة التجميل ودكاكين الديكور حتىجعلت شركات الدعاية العالمية صورها على كل شيء حتى على الأحذية وآلات الحلاقة الرجالية . ففي السويد عرضت المرأة صورها بشكل فاضح ومخز ، وفي إنجلترا باعت المرأة جسدها وفي فرنسا وأمريكا أصبح البغاء تجارة تدر الأرباح الكثيرة وهي تنادي بمزيد من هذا التهتك والابتذال باسم الحرية والحضارة ..فبسبب كل هذا أخذ بعض ذوي الأهواء والشهوات في حث الشباب والشابات إلى التمتع ببعضهم البعض باليوم واليومين والأسبوع والشهر ليشبعوا بذلك شهواتهم أمام مغريات العصر ....فأخذوا بإحياء ، موضوع " نكاح المتعة " من جديد بعد أن حسم في العصور الخالية وكان مما عفا عليه الأثر ولم يبق عند المسلمين كافة أي اهتمام به ولاذكر لكونه معلوم البطلان بواضح الكتاب والسنة والإجماع والعقل !
وقد نجحوا في دفع المرأة المسلمة إلى هذه الهاوية والأدهى والأمر أن هؤلاء يدفعونها إلى هذه الهاوية باسم الدين...وقد كثرت هذه الأيام مجادلاتهم ونقاشاتهم وتفننوا في تأليف الكتب في هذا الموضوع الحساس حتى وقع بعض الشباب من أصحاب النفوس الضعيفة والمريضة في حبالهم ، ولكن لا منجاة من هذه المهالك إلا باتباع منهج الله تبارك وتعالى ..ولاعاصم من الحرام إلا بدخول حصن الحلال من أبوابه المشرّعة ..فذلك أزكى وأطهر وأحسن عاقبة وأكرم سبيلاً .
وقد رأيت أن الحاجة ملحة في الرد على مثل هذه الدعوة السافرة إلى فتح أبواب الزنا والتوسع فيه مما يجعل الشباب ينصرفون عن الزواج الشرعي ، فألفت هذه الرسالة المختصرة .(95/3)
أولاً : المتعة لغة اسم مصدر متّع وتدور مادته على معنى الانتفاع والالتذاذ ومنه قول الشاعر
المشعث:
تمتع يا مشعث أن شيئاً سبقت به الممات هو المتاع
أي انتفع وتلذذ .
تعريف نكاح المتعة لغة وشرعا وحكمه :
وردت كلمة " المتعة " ومشتقاتها في القرآن 71 مرة ، في سور مختلفة(1)، ومعانيها وإن اختلفت راجعة إلى أصل واحد ودائرة حول الانتفاع ولا يستقيم معناها على اعتباره في " المتعة " موضوع البحث (2).
فالاستمتاع في اللغة الانتفاع ، وكل ما انتفع به فهو متاع ، يقال : استمتع الرجل بولده ، ويقال فيمن مات في زمان شبابه : لم يتمتع بشبابه قال تعالى في سورة الأنعام / 128
{ ربنا استمتع بعضنا ببعض } وقال تعالى في سورة الأحقاف / 20{ أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها } يعني تعجلتم بها. وقال تعالى في سورة التوبة /69 { فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم } يعني بحظكم ونصيبكم من الدنيا (3).
وفي الحديث الشريف قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم : " الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة(4).
وأما شرعا فإن لفظ المتعة يطلق على ثلاثة أشياء :
1- متعة الحج (5).
2- متعة الطلاق (6).
3- متعة النساء .
__________
(1) انظر المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم للمرحوم فؤاد عبد الباقي " باب الميم " ص 833-834
(2) انظر الأصل في الأشياء الإباحة ولكن المتعة حرام ص78-80
(3) التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب للإمام فخر الدين الرازي 10/ 40
(4) أخرجه أحمد في مسنده باسناد صحيح 8/ 75
(5) أي الإحرام بالعمرة في أشهر الحج من عامه
(6) وهي مال يجب على الزوج دفعه لامرأته المفارقة في الحياة بطلاق وما في معناه بشروط مخصوصة(95/4)
وما يهمنا هو " متعة النساء " أو " نكاح المتعة " وهو نكاح المرأة لأجل محدود ثم إخلاء سبيلها بانقضائه (1) .
فتعريف المتعة اصطلاحاً : بأن يقول الرجل لامرأة : متعيني نفسك بكذا من الدراهم مدة كذا ، فتقول له : متعتك نفسي ، أو يقول لها الرجل : اتمتع بك أي لابد في هذا العقد من لفظ التمتع (2).
حكمه شرعا :
شرع النكاح في الإسلام ، لمقاصد أساسية ، قد نص القرآن الكريم عليها صراحة ، ترجع كلها إلى تكوين الأسرة الفاضلة قال تعالى { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة } حيث أشارت الآية الكريمة إلى أن مناط السكن إنما هو " الزوجة " لا مطلق المرأة ! وبذلك يمكن القول بأن " الزوجة الدائمة " هي التي جرت سنة الله تعالى بجعلها سكنا للرجل ، وجعل بينها وبين زوجها مودة ورحمة ، بحكم العلاقة الزوجية الصحيحة الدائمة في أسرة تنجب البنين والحفدة على ما ينص عليه قوله تعالى { والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة } النحل /72، وحينما يربط الله تعالى الزواج بغريزة الجنس لم يكن ليقصد مجرد قضاء الشهوة ، أي لمجرد سفح الماء ، بل قصد أن يكون على النحو الذي يحقق تلك " المقاصد " من تكوين الأسرة التي شرع أحكامها التفصيلية القرآن الكريم من الخطبة ، فالزواج ، فالطلاق ، إذا لم يتفق الزوجان ، ثم الرضاعة ، والحضانة ، والنفقة ....إلخ
فالزواج إذاً تبعات وتكاليف جسام لإنشاء أسرة ، يحفز عليه غريزة الجنس ، تحقيقا للمقاصد العليا الإنسانية التي أشرنا إليها.
__________
(1) انظر معاجم اللغة كالجوهري في الصحاح والزبيدي في تاج العروس وأحمد فارس في معجم مقاييس اللغة والفيروزآبادي في القاموس والجمهرة لإبن دريد ولسان العرب وغيرها.
(2) انظر النكاح وقضاياه لأحمد الحصري ص168(95/5)
وعلى هذا ، فإن مجرد قضاء الشهوة و " الاستمتاع " مجرداً عن الإنجاب وبناء الأسرة ، يخالف مقصد الشارع من أصل تشريع النكاح ، لذلك أطلق عليه القرآن الكريم " السفاح " وحذر من اتباع هذا السبيل بقوله تعالى{ وأحل لكم ماوراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين } النساء /24، ومعنى الآية الكريمة صريح ، إذ مؤداه ، أن تتزوجوا النساء بالمهور ، قاصدين ما شرع الله النكاح لأجله ، من الإحصان ، وتحصيل النسل ، دون مجرد سفح الماء ، وقضاء الشهوة ، كما يفعل الزناة ! يرشدك إلى هذا أيضا ، ما رواه معقل بن يسار قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال : إني أصبت امرأة ذات حسب ومنصب ، إلا أنها لا تلد ، فأتزوجها ؟ فنهاه ، ثم أتاه الثانية فنهاه ، ثم أتاه الثالثة فنهاه ، فقال : تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم (1). إذ ليس المقصد مجرد الاستمتاع بالحسن والجمال ، كل ذلك دال دلالة واضحة ، لا لبس فيه ولا إبهام على ما ذكرنا من " المقاصد " الاجتماعية الرفيعة التي لا يمكن أن تتحقق إلا عن طريق الزواج الصحيح الدائم الذي شرعه الله تعالى أصلاً (2).
أدلة تحريم المتعة :
استدل جماهير الأمة من فقهاء أهل السنة ومن معهم من فقهاء الأمصار من الظاهرية والإباضية من الخوارج والزيدية والإسماعلية (من الشيعة ) على تحريم هذا النوع من النكاح وبطلان هذا العقد بالكتاب والسنة والإجماع والعقل .
أولاً : أدلة تحريم المتعة في القرآن :
__________
(1) اخرجه أبوداود 2050، والنسائي 6/65
(2) انظر " الأصل في الأشياء لسائح علي بحث محمد الدريني ص 8-12(95/6)
أما الكتاب فلقوله تعالى في سورتي المؤمنون / 4-7 والمعارج / 29-31{ والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون } وجه الاستدلال :إن الله حرم على المؤمنين جميع الفروج إلا فرجاً أحله سبحانه وتعالى بعقد الزواج الشرعي أو بملك اليمين .
أما المنكوحة متعة فليست واحدة من هاتين ، فلا هي زوجة ، ولا هي مملوكة رقيقة ، بل هي امرأة مستأجرة !! كما يقول القائلون بالمتعة .....وسيأتي تفصيله إن شاء الله .
قال القاضي أبو حنيفة النعمان بن محمد صاحب دعائم الإسلام -وهو من علماء الشيعة المتعصبين الإسماعيلية وقيل إنه من الاثنى عشرية- إن إبطال نكاح المتعة موجود في كتاب الله تعالى لأنه يقول سبحانه وتعالى { والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير
ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون } ، فلم يطلق النكاح إلا على زوجة أو ملك يمين ، وذكر الطلاق الذي يجب به الفرقة بين الزوجين ، وورّث الزوجين بعضهما من بعض ، وأوجب العدة على المطلقات ونكاح المتعة على خلاف هذا ، إنما هو عند من أباحه أن يتفق الرجل والمرأة على مدة معلومة فإذا انقضت المدة بانت منه بلا طلاق ، ولم تكن عليها عدة ولم يلحق به ولد إن كان منها ، ولم يجب لها عليه نفقة ، ولم يتوارثا ، وهذا هو الزنا المتعارف الذي لاشك فيه(1). وفيما يلي بيان تفصيل ذلك .
بيان أن امرأة المتعة ليست زوجة وليست ملك يمين :
أما أنها ليست بملك يمين فمسلم عندهم إجماعا !
__________
(1) دعائم الإسلام للقاضي المغربي 2/229(95/7)
وأما أنها ليست بزوجة فبسبب أن المتعة لو كان زواجا لتعلقت به الأحكام الواردة في القرآن بصدد الزواج كالطلاق ، والإرث ، والعدة ،والعدد ، والنفقة ...كما مر ...لذلك ، القائلون بالمتعة -هؤلاء أنفسهم - لا يعطونها أحكام الزوجة ولوازمها ! وسوف نلزمهم بما جاء في رواياتهم وكتبهم ...وما قاله أئمتهم الذين يعتقدون فيهم العصمة المطلقة وما قاله علماؤهم المجتهدون الذين يقلدونهم.
أولا : يعدونها امرأة "مستأجرة " (1).
1) فعن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله-أي جعفر الصادق - أنه قال : تزوج منهن ألفا فإنهن
" مستأجرات"
2) وعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر - أي محمد الباقر قال : إنما هي "مستأجرة " .
3) وعن عبد السلام عن أبي عبد الله قال : ليست من الأربع إنما هي " إجارة " .
4) وعن عمر بن أذينة عن أبي عبد الله قال : قلت : كم يحل من المتعة ؟ فقال : هن بمنزلة الإماء!!
5) وعن زرارة عن أبي جعفر قال : قلت له : الرجل يتزوج المتعة وينقضي شرطها ثم يتزوجها رجل آخر حتى بانت منه ثم يتزوجها الأول حتى بانت منه ثلاثا وتزوجت ثلاثة أزواج يحل للأول أن يتزوجها ، قال : نعم كم شاء ليس هذه مثل " الحرة " هذه " مستأجرة " وهي بمنزلة الإماء !!
6) وعن الفضيل بن يسار أنه سأل أبا عبد الله عن المتعة فقال : هي كبعض إمائك.
7)و عن عمر بن أذينة عن إسماعيل ابن الفضل الهاشمي قال : سألت أبا عبد الله عن المتعة فقال : الق عبد الملك ابن جريج فسله عنها فإن عنده منها علما فلقيته فأملى عليّ شيئاً كثيراً في استحلالها !! ، وكان فيما روي لي فيها ابن جريج أنه ليس فيها وقت ولا عدد إنما هي بمنزلة الإماء يتزوج منهن كم شاء !!
__________
(1) انظر وسائل الشيعة الى تحصيل مسائل الشريعة " كتاب النكاح باب (4) 14/ 446 -447 .(95/8)
وقال النجفي في جواهره : إن المتمتع بها ليست كالحرة ، هي " مستأجرة " كالأمة خصوصا خبر أبي جعفر : " في المتعة قال : ليست من الأربع لأنها لا تطلق ولا ترث ولا تورث و إنما هي "مستأجرة" الظاهر أو الصريح في اختصاص الإرث بالأربع من الزوجات بخلاف المتعة التي هي " مستأجرة" وبمنزلة الأمة ، بل لا يخفى على من تأمل ما ورد في المتعة وخصوصاً نصوص النهي عنها لمن يتمكن من التعفف بالتزويج إنها ليست زوجة توارث ، و إنما هي استمتاع وانتفاع .
وقال أيضا :تطابقت النصوص والفتاوى خصوصاً بعد تصريح الأدلة بأنهن " مستأجرات" ، ولا ريب في جواز ذلك في " الإجارة " .(1)
وقالوا : النكاح الدائم بمنزلة تملك البضع والمنقطع بمنزلة إجارة البضع ولذلك يحكم عليه بكل ما يناسبه من أحكام الإجارة فكما أن طبع الحال يقتضي حكم الشارع بجواز الملك و " الإجارة " في سائر ما يتمتع بها فكذلك في البضع قضاء للضرورة والحاجة ....(2)
ثانيا : امرأة المتعة مادامت مستأجرة ، فلا ترث !
1) فعن عمر بن حنظلة عن جعفر بن محمد الصادق في حديث في المتعة قال : وليس بينهما ميراث!
2) وعن سعيد عن جعفر بن محمد قال : سألته عن الرجل يتزوج المرأة متعة ولم يشترط الميراث قال ليس بينهما ميراث اشترط أو لم يشترط!
3) وعن زرارة عن أبي جعفر - أي محمد بن علي الباقر - في حديث قال : ولا ميراث بينهما !! في المتعة إذا مات واحد منهما في ذلك الأجل .
4) وعن أبان بن تغلب قال : قلت لأبي عبد الله : كيف أقول لها إذا خلوت بها ؟ قال : تقول : أتزوجك متعة ......لا وارثة ولا موروثة كذا وكذا يوماً ...(3).
__________
(1) انظر جواهر الكلام 30/192و202-203
(2) المحجة البيضاء في فهم تهذيب الأحياء 3/76 .
(3) الوسائل باب (18) باب صيغة المتعة وما ينبغي فيها من الشروط ! ح1(95/9)
5) وعن الأحول قال : سألت أبا عبد الله قلت : ما أدنى ما يتزوج الرجل به المتعة ؟ قال : كف من بر يقول لها : زوجيني نفسك متعة ...على أن لا أرثك ولا ترثيني (1)....
وقال النجفي في "جواهره " : الظاهر أو الصريح في اختصاص الإرث بالأربع من الزوجات بخلاف المتعة التي هي مستأجرة وبمنزلة الأمة .
وقال الحلي : " لا يثبت بهذا العقد ميراث شرطا سقوطه أو أطلقا "
وقال الخميني : لا يثبت بهذا العقد توارث فلو شرطا التوارث أو توريث أحدهما ففي التوريث إشكال ...
وقال الخوئي : " ولا توارث بينهما إلا إذا اشترط ذلك لهما أو لأحدهما ومع الاشتراط ينفذ الشرط(2).
ثالثا : يجوز أن يجمع رجل المتعة تحته أكثر من أربع متمتعات (3)ولو مليون !!
1) عن بكر بن محمد قال : سألت أبا الحسن عن المتعة أهي من الأربع ؟ فقال : لا .
2) عن عبيد بن زرارة عن أبيه عن أبي عبد الله قال : ذكرت له المتعة أهي من الأربع ؟ فقال : تزوج منهن ألفا ! فإنهن مستأجرات !!
3) عن زرارة بن أعين قال : قلت : ما يحل من المتعة ؟ قال : كم شئت !!
4) عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر في المتعة ليست من الأربع لأنها لا تطلق ولا ترث و إنما هي مستأجرة .
5) عن عمر بن أذينة عن أبي عبد الله (ع) قال له : كم يحل من المتعة ؟ قال : فقال : هن بمنزلة الإماء .
6) عن أبي بصير قال : سئل أبو عبد الله عن المتعة أهي من الأربع ؟ فقال : لا ولا من السبعين !!!
__________
(1) المصدر السابق ح5
(2) انظرجواهر الكلام 30/ 190وتبصرة المتعلمين في أحكام الدين للحلي ص258و المتعة ومشروعيتها في الاسلام116-121
وزبدة الأحكام للخميني ص248وتحرير الوسيلة 2/288ومنهاج الصالحين للخوئي 2/301-304والمسائل المنتخبة ص340والمتعة للفكيكي ص38 والروضة 5/296.....
(3) انظر الوسائل باب (4) باب أنه يجوز ان يتمتع بأكثر من أربع نساء !!! وان كان عنده أربع زوجات !! بالدائم(95/10)
7) عن عمر بن أذينة عن إسماعيل ابن الفضل الهاشمي قال : سألت أبا عبد الله (ع) عن المتعة فقال : الق عبد الملك ابن جريج فسله عنها فان عنده منها علما فلقيته فأملى عليّ شيئا كثيرا في استحلالها !! ، وكان فيما روى لي فيها ابن جريج أنه ليس فيها وقت ولا عدد إنما هي بمنزلة الإماء يتزوج منهن كم شاء !! وصاحب الأربع نسوة يتزوج منهن ما شاء بغير ولي ولا شهود ...
8) عن الفضيل بن يسار أنه سأل أبا عبد الله عن المتعة فقال : هي كبعض إمائك!!
وأما بخصوص فقهائهم فقالوا : " ويجوز الجمع بين أكثر من أربع في المتعة (1).
وقال عبد الله نعمة : " يجوز الزيادة في المتعة على أربع نساء في آن واحد على قول مشهور ، بخلاف الدائم فانه لا يجوز (2).
رابعا : المتمتع بها تنحل بدون طلاق .
1) عن هشام بن سالم قال : قلت : كيف يتزوج المتعة ؟ قال : يقول : أتزوجك كذا وكذا يوما بكذا وكذا درهما فإذا مضت تلك الأيام كان طلاقها في شرطها (3).
2) عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر في المتعة ليست من الأربع لأنها لا تطلق ولا ترث و إنما هي مستأجرة (4).
3) عن ابن أبي عمير في خبر صدقه الصادق (ع) قال : إذا انقضى الأجل بانت منه بغير طلاق (5).
4) عن أبان بن تغلب في حديث صيغة المتعة أنه قال له أبو عبد الله (ع) إن لم تشترط كان تزويج مقام ...ولم تقدر على أن تطلقها إلا طلاق السنة (6).
__________
(1) المتعة ومشروعيتها في الإسلام لمجموعة من علماء الشيعة ص133
(2) انظر روح التشيع ص460، جواهر الكلام 30/ 161
(3) الوسائل 14/ 466-467 باب18ح3
(4) الوسائل 14/ 446ح4 وانظر مستدرك الوسائل 14/ 473ح1 باب ان المتمتع بها تبين بانقضاء المدة وبهبتها ولايقع بها طلاق
(5) مستدرك الوسائل 14/ 473ح3
(6) الوسائل 14/ 470ح2(95/11)
5) عن محمد بن إسماعيل عن أبي الحسن الرضا (ع) قال : قلت له : الرجل يتزوج المرأة متعة سنة أو أقل أو أكثر قال : إذا كان شيئا معلوما إلى أجل معلوم قال : قلت وتبين بغير طلاق ؟ قال : نعم .
6) عن زرارة عن أبي جعفر (ع) في حديث المتعة -إلى أن قال - فإذا جاز الأجل كانت فرقة بغير طلاق (1).
7) عن الحسن الصيقل عن أبي عبد الله (ع) قال : قلت له رجل طلق امرأته طلاقا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره فتزوجها رجل متعة أتحل للأول ؟ قال : لا....والمتعة ليس فيها طلاق (2).
8) عن الحسن الصيقل عن أبي عبد الله (ع) قال : قلت له رجل طلق امرأته طلاقا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره فتزوجها رجل متعة أتحل للأول ؟ قال : لا لأن الله تعالى يقول { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها } والمتعة ليس فيها طلاق !!
9) عن عمر بن أذينة عن إسماعيل ابن الفضل الهاشمي قال : سألت أبا عبد الله (ع) عن المتعة فقال : الق عبد الملك ابن جريج فسله عنها فإن عنده منها علما فلقيته فأملى عليّ شيئاً كثيراً في استحلالها ، وكان فيما روى لي فيها ابن جريج انه ليس فيها وقت ولا عدد إنما هي بمنزلة الإماء يتزوج منهن كم شاء !! وصاحب الأربع نسوة يتزوج منهن ما شاء بغير ولي ولا شهود فإذا انقضى الأجل بانت منه بغير طلاق ويعطيها الشيء اليسير وعدتها حيضتان وإن كانت لا تحيض فخمسة وأربعون يوما ، قال: فأتيت بالكتاب أبا عبد الله (ع) فقال : صدق و أقر به ، قال ابن أذينة : وكان زرارة يقول هذا ، ويحلف أنه الحق !! إلا أنه كان يقول : إن كانت تحيض فحيضة وان كانت لا تحيض فشهر ونصف.
__________
(1) مستدرك الوسائل 14/ 473ح2
(2) تهذيب الأحكام 8/33-34(95/12)
وأما بخصوص فقهائهم فقال البحراني في حدائقه : " لا خلاف نصا وفتوى في أن المتعة لا يقع بها طلاق ، بل تبين بانقضاء المدة (1).
وقال نعمة : " لا طلاق في المتعة ، بل تبين المتمتع بها بمجرد انتهاء أجلها أو هبته لها ، بخلاف الدائم فانه لابد في بينونتها من طلاق أو نحوه (2).
خامسا : المتمتع بها لا تحلل المطلقة لزوجها الأول .
1) عن زرارة عن أبي جعفر قال : قلت له : الرجل يتزوج المتعة وينقضي شرطها ثم يتزوجها رجل آخر حتى بانت منه ثم يتزوجها الأول حتى بانت منه ثلاثا وتزوجت ثلاثة أزواج يحل للأول أن يتزوجها ، قال : نعم كم شاء ليس هذه مثل " الحرة " هذه مستأجرة وهي بمنزلة الإماء (3).
2) عن أبان عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله في الرجل يتمتع من المرأة المرات قال : لا بأس يتمتع منها ما شاء (4).
3) عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر قال : سألته عن رجل تزوج امرأة متعة كم مرة يرددها ويعيد التزويج قال : ما أحب (5).
4) عن محمد بن مسلم عن أحدهما - أي الصادق أو الباقر - قال : سألته عن رجل طلق امرأته ثلاثا ثم تمتع فيها رجل آخر ، هل تحل للأول : قال : لا (6).
5) عن الحسن الصيقل قال : سالت أبا عبد الله عن رجل طلق امرأته طلاقا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ويزوجها رجل متعة أيحل له أن ينكحها ؟ قال لا حتى تدخل في مثل ما خرجت منه (7).
__________
(1) انظر الحدائق 24/ 174 و الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 5/289وشرائع الإسلام للحلي 2/307
(2) انظر روح التشيع ص459- 460
(3) الوسائل 14/ 480 باب انه يجوز ان يتمتع بالمرأة الواحدة مرارا كثيرة ولا تحرم في الثالثة ولا في التاسعة كالمطلقة بل هي
كالأمة
(4) المصدر السابق ح2
(5) المصدر السابق ح3
(6) الكافي 5/ 425 باب تحليل المطلقة لزوجها وما يهدم الطلاق ح1
(7) المصدر السابق ح2(95/13)
6) عن الحسن الصيقل عن أبي عبد الله (ع) قال : قلت له رجل طلق امرأته طلاقا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره فتزوجها رجل متعة أتحل للأول ؟ قال : لا لأن الله تعالى يقول { فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره فإن طلقها } والمتعة ليس فيها طلاق (1).
7) عن عمار الساباطي قال : سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل طلق امرأته تطليقتين ثم تزوجت متعة هل تحل لزوجها الأول بعد ذلك ؟ قال : لا حتى تزوج بتاتا (2).
وأما بخصوص فقهائهم فقال عبد الله نعمة : " لا يقع بعقد المتعة المحلل للطلاق الثالث ، بل هو مختص بالنكاح الدائم مع الدخول بها إجماعا ، ونص الآية { حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها...}(3).
وقالوا : " لو طلق الرجل الدائمة ثلاثا مع تخلل رجعتين أو عقدين جديدين في البين حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره .....
وقالوا : يعتبر في زوال التحريم بالنكاح أمور أولها :" أن يكون العقد دائماً لا متعة !!
سادسا : يجوز لرجل المتعة أن ينكح مشركة ( زردشتية ) .
1) فعن محمد بن سنان عن الرضا قال : سألته عن نكاح اليهودية والنصرانية ، فقال : لا بأس ، فقلت : فمجوسية ؟ فقال : لا بأس به يعني متعةً (4).
2) عن ابن سنان عن منصور الصيقل عن أبي عبد الله قال : لا بأس بالرجل أن يتمتع بالمجوسية (5).
وأما بخصوص فقهائهم فقال الحلي في شرائعه : " فيشترط أن تكون الزوجة !! مسلمة أو كتابية كاليهودية والنصرانية والمجوسية ..(6)
سابعا : عدة المتمتع بها هي عدة المستأجرة (7).
1) فعن زرارة عن أبي عبد الله أنه قال : إن كانت تحيض فحيضة وإن كانت لا تحيض فشهر ونصف.
__________
(1) التهذيب 8/33-34ح22
(2) تهذيب الأحكام 8/33-34ح20
(3) انظر روح التشيع ص460
(4) باب حكم التمتع بالكتابية الوسائل 14/ 462ح4
(5) المصدر السابق ح5
(6) الشرائع للحلي 2/ 303
(7) انظر هذه الروايات المزعومة في الوسائل 14/ 473 باب 22(95/14)
2)و عن زرارة قال : عدة المتعة خمسة وأربعون يوماً كأني أنظر إلى أبي جعفر يعقده بيده خمسة وأربعين ، فإذا جاز الأجل كانت فرقة بغير طلاق .
3) وعن عمر بن أذينة عن زرارة قال : سألت أبا جعفر ما عدة المتعة إذا مات عنها الذي تمتع بها ؟ قال : أربعة أشهر وعشراً ، قال : ثم قال : يا زرارة كل النكاح إذا مات الزوج فعلى المرأة حرة كانت أو أمة وعلى أيّ وجه كان النكاح منه متعة أو تزويجا أو ملك يمين فالعدة أربعة أشهر وعشراً وعدة المطلقة ثلاثة أشهر والأمة المطلقة عليها نصف ما على الحرة ، وكذلك المتعة عليها مثل ما على الأمة (1).
4)وعن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا (ع) قال : قال أبو جعفر (ع) عدة المتعة خمسة وأربعون يوما والإحتياط خمسة وأربعون ليلة .
5) وعن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا قال : سمعته يقول : قال أبو جعفر (ع) عدة المتعة حيضة ، وقال : خمسة و أربعون يوماً لبعض أصحابه .
6) وعن عبد الله بن عمرو عن أبي عبد الله في حديث في المتعة قال : قلت : فكم عدتها ؟ فقال : خمسة وأربعون يوما أو حيضة مستقيمة .
7) وعن عمر بن أذينة عن إسماعيل ابن الفضل الهاشمي قال : سألت أبا عبد الله عن المتعة فقال : الق عبد الملك ابن جريج فسله عنها فان عنده منها علما فلقيته فأملى عليّ شيئا كثيرا في استحلالها !! ، وكان فيما روي لي فيها ابن جريج انه ليس فيها وقت ولا عدد إنما هي بمنزلة الإماء يتزوج منهن كم شاء !! وصاحب الأربع نسوة يتزوج منهن ما شاء بغير ولي ولا شهود فإذا انقضى الأجل بانت منه بغير طلاق ويعطيها الشيء اليسير وعدتها حيضتان وان كانت لا تحيض فخمسة وأربعون يوما ، قال : فأتيت بالكتاب أبا عبد الله (ع) فقال : صدق وأقر به ، قال ابن أذينة : وكان زرارة يقول هذا ويحلف انه الحق !! إلا انه كان يقول : أن كانت تحيض فحيضة وان كانت لا تحيض فشهر ونصف(2).
__________
(1) الوسائل كتاب الطلاق باب 52ح2
(2) الوسائل 14/ 447ح8(95/15)
8) وعن أبي بصير عن أبي جعفر في المتعة قال : لا بأس بأن تزيدها وتزيدك إذا انقطع الأجل بينكما فتقول :استحللتك بأمر آخر برضا منها ولا يحل لغيرك حتى تنقضي عدتها وعدتها حيضتان (1).
9 ) وعن أبي بصير قال : لابد من أن يقول فيه هذه الشروط : أتزوجك متعة كذا وكذا يوما ، بكذا وكذا درهما ، نكاحا غير سفاح على كتاب الله !!! وسنة نبيه !!!! وعلى أن لا ترثيني ولا أرثك وعلى أن تعتدي خمسة وأربعين يوما ، وقال بعضهم : حيضة (2).
أما عدة المتمتع بها إذا هلك رجل المتعة فهي :
1) فعن علي بن يقطين عن أبي الحسن قال : عدة المرأة إذا تمتع بها فمات عنها خمسة وأربعون يوما(3).
2) وعن عبد الرحمن بن الحجاج قال : سألت أبا عبد الله عن المرأة يتزوجها الرجل متعة ثم يتوفى عنها هل عليها العدة ؟ فقال : تعتد أربعة أشهر وعشرا وإذا انقضت أيامها وهو حي فحيضة ونصف مثل ما يجب على الأمة.
3) وعن علي بن عبيد الله عن أبيه عن رجل ! عن أبي عبد الله قال : سألته عن رجل تزوج امرأة متعة ثم مات عنها ما عدتها ؟ قال : خمسة وستون يوما (4).
وأما بخصوص فقهائهم فقالوا : " وعدتها مع الدخول إن انقضت مدتها أو وهبها حيضتان إن كانت ممن تحيض ..
ثامنا : المتمتع بها لها أجر (5) الأيام التي تحضرها.
1) فعن عمر بن حنظلة قال : قلت لأبي عبد الله: أتزوج المرأة شهرا بشيء مسمى فتأتي بعض الشهر ولا تفي ببعض قال : يحبس عنها من صداقها مقدار ما احتبست عنك إلا أيام حيضها فإنها لها(6).
2)و عن عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله قال : قلت له : أتزوج المرأة شهرا فأحبس عنها شيئا فقال: نعم خذ منها بقدر ما تخلفك أن كان نصف شهر فالنصف وان كان ثلثا فالثلث .
__________
(1) الوسائل 14/ 477ح6
(2) الوسائل 14/ 467ح4
(3) الوسائل 15/ 485ح3
(4) المصدر السابق ح4
(5) الوسائل 14/ 481-482 باب 27
(6) الوسائل 14/ 482ح4(95/16)
3) وعن عمر بن حنظلة قال : قلت لأبي عبد الله : أتزوج المرأة شهرا فتريد مني المهر كملا وأتخوف أن تخلفني قال : يجوز أن تحبس ما قدرت عليه فان هي أخلفتك فخذ منها بقدر ما تخلفك .
4) وعن إسحاق بن عمار قال : قلت لأبي الحسن (ع) يتزوج المرأة متعة تشترط له أن تأتيه كل يوم حتى توفيه شرطه أو يشترط أياما معلومة تأتيه فتغدر به فلا تأتيه على ما شرطه عليها ، فهل يصلح له أن يحاسبها على ما لم تأته من الأيام فيحبس عنها بحساب ذلك ؟ قال نعم ينظر إلى ما قطعت من الشرط فيحبس عنها من مهرها مقدار ما لم تف ماله خلا أيام الطمث فإنها لها ولا يكون لها إلا ما أحل له فرجها !!
وأما أتباعهم فقالوا : " لو أخلت بشيء من المدة ..قاصها من المهر بنسبة ما أخلت به من المدة بأن يبسط المهر على جميع المدة ويسقط منه بحسابه حتى لو أخلت بها جميعا سقط عنه المهر(1) .
وقال أحد فقهاؤهم تعليقا على هذا القول ما نصه بالحرف : كما لو متعها عشرة أيام بعشرة دنانير !!! فمنعت الزوجة !! الزوج !! عن الاستمتاع يومين مثلا فيسقط من المهر ! بنسبة هذين اليومين ديناران (2).
تاسعا : يقولون إنها لا تحصن(3).
1) فعن هشام وحفص البختري عمن ذكره !! عن أبي عبد الله (ع) في رجل يتزوج المتعة أتحصنه ؟ قال : لا إنما ذاك على الشيء الدائم عنده .
2) وعن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (ع) في حديث قال : لا يرجم الغائب عن أهله ولا المملوك الذي لم يبن بأهله ، ولا صاحب المتعة .
عاشرا : يجوز لرجل المتعة أن ينكح متعة امرأة متزوجة !!
__________
(1) الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 5/ 285
(2) انظر المصدر السابق الحاشية لكلانتر ص 285-286
(3) انظر الوسائل 18/ 351-355 أبواب حد الزنا باب 2 باب ثبوت الاحصان الموجب للرجم في الزنا بأن يكون له فرج حرة أو يغدو عليه ويروح بعقد دائم أو ملك يمين مع الدخول وعدم ثبوت الاحصان بالمتعة.(95/17)
فقد عقد كل من العاملي في وسائله والنوري في مستدركه(1) بابا في ذلك وسمياه " باب تصديق المرأة في نفي الزوج والعدة ونحوهما وعدم وجوب التفتيش السؤال ولا منها(2) " وهذه الروايات هي:
1) عن ميسر قال : قلت لأبي عبد الله (ع) ألقى المرأة بالفلاة التي ليست فيها أحد فأقول لها : لك زوج ؟ قتقول : لا فأتزوجها ؟ قال : نعم هي المصدقة على نفسها!!
2) وعن يونس بن عبد الرحمن عن الرضا (ع) في حديث قال : قلت له المرأة تتزوج متعة فينقضي شرطها وتتزوج رجلا آخر قبل أن تنقضي عدتها قال : وما عليك إنما إثم ذلك عليها !!
3) وعن إسحاق بن عمار عن فضل مولى محمد بن راشد ! عن أبي عبد الله (ع) قال : قلت إني تزوجت امرأة متعة فوقع في نفسي أن لها زوجا ففتشت عن ذلك فوجدت لها زوجا قال : ولم فتشت!!!
4) وعن أيوب بن نوح عن مهران بن محمد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) قال : قيل له : أن فلانا تزوج امرأة متعة فقيل له : أن لها زوجا فسألها فقال أبو عبد الله (ع) ولم سألها ؟ !!
5) وعن محمد بن أحمد بن نصر ومحمد بن الحسن الأشعري عن محمد بن عبد الله الأشعري قال : قلت للرضا (ع) الرجل يتزوج بالمرأة فيقع في قلبه أن لها زوجا ، فقال : وما عليه ؟ أرأيت لو سألها البينة يجد من يشهد أن ليس لها زوج!!
6) عن أبان بن تغلب عن أبي عبد الله(ع) في المرأة الحسناء ترى في الطريق ولا يعرف أن تكون ذات بعل أو عاهرة ، فقال : ليس هذا عليك إنما عليك أن تصدقها .(3)
__________
(1) مستدرك الوسائل للنوري 14/ 458-459 باب 9 ، وانظر بحار الأنوار 100أو 103/ 310والخلاصة
للمفيد ص55-56
(2) انظر الوسائل ا14/ 456-457الباب السابق
(3) مستدرك الوسائل للنوري 14/ 458-459 باب 9 ، وانظر بحار الأنوار لعلامتهم المجلسي 100أو 103/ 310وخلاصة الايجاز في المتعة لمفيدهم ص55-56(95/18)
7) عن جعفر بن محمد بن عبيد الله قال : سألت أبا الحسن (ع) عن تزويج المتعة وقلت : أتهمها بأن لها زوجا ، يحل لي الدخول بها قال (ع) : أرأيتك أن سألتها البينة على أن ليس لها زوج هل تقدر على ذلك (1).
وأما بخصوص أتباعهم فقال البحراني في تعليقه على هذه الأخبار ما نصه : " ومنها انه يصح التمتع بها بغير سؤال ، بل الأفضل ترك الفحص والسؤال فإنها مصدقة في عدم الزوج والعدة والأخبار !! بذلك متكاثرة (2).
حادي عشر : يجوز التمتع بالزانية!!
فقد عقد العاملي في وسائله(3) والنوري في مستدركه باباً أسمياه " باب عدم تحريم التمتع بالزانية وان أصرت!! "
1) فعن زرارة قال : سأله عمار وأنا عنده عن الرجل يتزوج الفاجرة متعة ، قال : لا بأس وان كان التزويج الآخر فليحصن بابه .
2) عن إسحاق بن جرير قال : قلت لأبي عبد الله أن عندنا بالكوفة امرأة معروفة بالفجور أيحل أن أتزوجها متعة قال : فقال : رفعت راية ؟ قلت : لا ، لو رفعت راية أخذها السلطان قال : نعم تزوجها متعة قال : ثم أصغى إلى بعض مواليه فأسر إليه شيئا فلقيت مولاه فقلت له : ما قال لك ؟ فقال : إنما قال لي : ولو رفعت راية ما كان عليه في تزويجها !! شيء إنما يخرجها من حرام إلى حلال.
3) عن علي بن يقطين قال : قلت لأبي الحسن نساء أهل المدينة قال : فواسق قلت : فأتزوج منهن ؟ قال : نعم.
4) عن زرارة عن أبي جعفر : سئل عن رجل أعجبته امرأة فسأل عنها فإذا الثناء عليها يثني في الفجور فقال : لا بأس بأن يتزوجها ! ويحصنها .
__________
(1) مستدرك الوسائل للنوري 14/ 458-459 باب 9 ، وانظر بحار الأنوار 100أو 103/ 310وخلاصة الايجاز في المتعة ص56
(2) انظر الحدائق 24/ 130
(3) انظر الوسائل باب (9) 14/ 454-455(95/19)
وأما بخصوص أقوالهم عن المتعة بالزانية فقال البحراني في تعليقه على الخبر الأول ما نصه : " وفيه دلالة على جواز التمتع بها وان كان يعلم أنها تزني بخلاف الزوجة الدائمة ، فانه شرط عليه أن يمنعها من الفجور (1).
وقال النجفي في جواهره : " يستحب له أن يسألها عن حالها مع التهمة وعلى كل حال فليس السؤال المزبور شرطا في الصحة !....ويكره أن تكون زانية فان فعل فليمنعها من الفجور وليس شرطا في أصل الجواز الذي عرفت لما تقدم سابقا - أي من الروايات - الدالة صريحا عليه وانه ليس عليه من إثمها شيء واختلاط الماء بعد أن قال الشارع " الولد للفراش ..غير قادح كما أوضحناه سابقا ...(2)
وقال الشيرازي ما نصه : " كراهية التمتع بالفاجرة لعلها من جهة احتمال التلوث بالأمراض مع المعاشرة و بتوحل السمعة !! وبعدم الأمن من اختلاط المياه ، لكن لا تلازم بين عقدها وبين مباشرتها ...(3)
ثاني عشر : يجوز أن يتمتع بالبكر دون أن يفتض بكارتها !!
1) فعن زياد بن أبي حلال قال : سمعت أبا عبد الله يقول : لا بأس أن يتمتع البكر ما لم يفض إليها كراهية العيب على أهلها .
2) وعن أبي سعيد القماط عمن رواه !! قال : قلت لأبي عبد الله : جارية بكر بين أبويها تدعوني إلى نفسها سرا من أبويها فأفعل ذلك ؟ قال : نعم واتق موضع الفرج ، قال : قلت : فان رضيت بذلك ، قال : وان رضيت فانه عار على الأبكار.
3) وعن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله قال : سألته عن التمتع بالأبكار فقال : هل جعل ذلك إلا لهن فليستترن وليستعففن !!
4) وعن الحلبي قال : سألته عن التمتع من البكر إذا كانت بين أبويها بلا إذن أبويها قال : لا بأس ما لم يقتض ما هناك لتعف بذلك .
__________
(1) الحدائق 24/ 133
(2) انظر جواهر الكلام 30/ 159-160والسرائر لابن إدريس 2/621 وملاذ الأخيار للمجلسي 12/35 و تحرير الوسيلة للخميني 2/261 و الحدائق 24/131و135و133.
(3) الفقه للشيرازي65/251-252(95/20)
وأما بخصوص أتباعهم فقال الحلي المحقق والعلامة : " للبالغة الرشيدة أن تمتع نفسها ، وليس لوليها اعتراض بكرا كانت أو ثيبا على الأشهر .....ويكره أن يتمتع ببكر ليس لها أب فان فعل فلا يفتضها وليس بمحرم (1).
وقال الطوسي : ولا بأس أن يتزوج الرجل متعة بكرا ليس لها أب من غير ولي ويدخل بها فان كانت البكر بين أبويها وكانت دون البالغ لم يجز له العقد عليها إلا بإذن أبيها وان كانت بالغا وقد بلغت حد البلوغ وهو تسع سنين إلى عشر جاز له العقد عليها من غير إذن أبيها إلا انه لا يجوز له أن يفضي إليها والأفضل ألا يتزوجها إلا بإذن أبيها على كل حال(2) .
ثالث عشر : لا لعان في المتعة (3).
1) عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله قال : لا يلاعن الرجل التي يتمتع منها .
2) عن ابن سنان عن أبي عبد الله قال : لا يلاعن الحر الأمة ولا الذمية ولا المتمتع بها .
وأما بخصوص أتباعهم فقالوا : " لا يقع بها لعان على الأظهر (4).
رابع عشر : لا ظهار في المتعة .
1) محمد بن علي بن الحسين قال : قال الصادق : لا يقع ظهار على طلاق ولا طلاق على ظهار (5).
2) عن فضال عمن أخبره ! عن أبي عبد الله قال : لا يكون الظهار إلا على مثل موضع الطلاق (6)..
وأما فقهاؤهم فقالوا : لا يقع بالمتمتع بها ظهار (7).
خامس عشر : لا إيلاء في المتعة .
__________
(1) الشرائع 2/306و تبصرة المتعلمين في أحكام الدين ص151 و انظر الجواهر 30/ 186 والنهاية للطوسي ص490
(2) النهاية للطوسي ص490
(3) انظر الوسائل 15/ 605 كتاب اللعان باب عدم ثبوت اللعان بين الزوج ! والمتعة
(4) انظر الشرائع للحلي 2/ 306 و الجواهر 30/ 189
(5) الوسائل كتاب الظهار باب (20)
(6) الوسائل كتاب الظهار باب (16)
(7) جواهر الكلام 30/ 189 ، وروح التشيع ص 460(95/21)
1) عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله قال : سألته عن الإيلاء فقال : إذا مضت أربعة أشهر ووقف فأما أن يطلق وإما أن يفيء ، قلت فان طلق تعتد عدة المطلقة ؟ قال : نعم (1).
أما بخصوص أتباعهم فقالوا : " و لا إيلاء على أصح القولين لقوله تعالى في قصة الإيلاء { وإن عزموا الطلاق } وليس في المتعة طلاق ، ولأن من لوازم الإيلاء المطالبة بالوطء وهو منتف في المتعة وبانتفاء اللازم ينتفي الملزوم(2).
سادس عشر : لا نفقة لامرأة المتعة في المتعة .
1) فعن هشام بن سالم عن أبي عبد الله في حديث في المتعة قال : ولا نفقة ولا عدة عليك (3).
وأما بخصوص أتباعهم فقالوا : لا نفقة للمنقطعة إلا مع الشرط ! أما الدائمة فلها النفقة حتى ولو اشترط عليها عدم الإنفاق ...لأن هذا الشرط لا أثر له ...(4)
وقال صاحب الجواهر في شرحه لنفقة الزوجة ما نصه : " أما الشرط المتفق عليه فاثنان الأول : أن يكون العقد دائما فلا نفقة لذات العقد المنقطع إجماعا بقسميه ..
والثاني : التمكين الكامل وهو التخلية بينها وبينه .(5).
سابع عشر : لا سكنى في المتعة فيجوز اشتراط المرة والمرتين .
1) عن القاسم بن محمد عن رجل سماه !! قال : سألت أبا عبد الله عن الرجل يتزوج المرأة على عرد واحد فقال : لا بأس ، ولكن إذا فرغ فليحول وجهه ولا ينظر !
2) عن زرارة قال: قلت له : هل يجوز أن يتمتع الرجل من المرأة ساعة ! أو ساعتين ؟ فقال : الساعة والساعتان لا يوقف على حدهما ، ولكن العرد والعردين واليوم واليومين والليلة وأشباه ذلك .
__________
(1) الوسائل كتاب الإيلاء والكفارات باب(12) ح2
(2) الروضة البهية 5/ 289، والجواهر 30/ 188وروح التشيع ص460
(3) الوسائل باب انه لانفقة على الرجل في المتعة 14/ 495-496 ح1
(4) المتعة ومشروعيتها في الإسلام لمجموعة من علماء الشيعة ص 122و133
(5) جواهر الكلام 30/ 303(95/22)
3) عن خلف بن حماد قال : أرسلت إلى أبي الحسن : كم أدنى أجل المتعة ؟ هل يجوز أن يتمتع الرجل بشرط مرة واحدة ؟ قال : نعم (1).
وأما بخصوص أتباعهم فقالوا : " يجوز أن يشترط عليها وعليه الإتيان ليلا أو نهارا وان يشترط المرة أو المرات مع تعيين المدة بالزمان (2).
وقد علق أحدهم على هذا القول بما نصه: " وحاصل الغاية أن المتمتع إنما يشترط هذا الشرط مع عدم وجوب المضاجعة والوطي في المتعة ليتوسع أوقاته لبقية أموره الدنيوية حتى لا يشغله الاستمتاع بها عن أعماله اليومية (3).
ثامن عشر : يجوز في المتعة اشتراط عدم الفض !
1) عن سماعة بن مهران وعن عمار بن مروان عن أبي عبد الله قال : قلت رجل جاء إلى امرأة فسألها أن تزوجه نفسها فقالت : أزوجك نفسي على أن تلتمس مني ما شئت من نظر والتماس وتنال مني ما ينال الرجل من أهله إلا أن لا تدخل فرجك في فرجي وتتلذذ بما شئت ! فإني أخاف الفضيحة ، قال : ليس له إلا ما اشترط(4) .
وأما بخصوص أتباعهم فقال البحراني : " المشهور بين الأصحاب انه لو اشترط المرأة المتمتع بها أن لا يطأها في الفرج !! لزم الشرط ولم يجز له الوطء ولو أذنت بعد ذلك جاز (5).
تاسع عشر : يجوز العزل في المتعة دون إذن امرأة المتعة .
1) فعن محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله عن العزل ، فقال : ذاك إلى الرجل يصرفه حيث شاء .
2) وعن ابن أبي عمير وغيره قال : الماء ماء الرجل يضعه حيث شاء (6).
__________
(1) الوسائل 14/ 479-480باب (25)
(2) السرائر 2/623 وتحرير الوسيلة 2/ 260
(3) حاشية الروضة 5/ 289 تعليق محمد كلانتر
(4) الوسائل باب جواز اشتراط الاستمتاع بما عدا الفرج ! في المتعة فيلزم الشرط ، وانظر الوسائل 15/45 باب 36
(5) الحدائق 24/197
(6) الوسائل 14/ 489 باب جواز العزل عن المتمتع بها(95/23)
وأما بخصوص أتباعهم فقال البحراني ما نصه : " قد صرحوا بأنه يجوز للمتمتع العزل وان لم ترض وان الولد يلحق به وان عزل ....(1)
عشرين : لا خلع في المتعة .
1) عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله قال : الخلع والمباراة تطليقة بائن وهو خاطب من الخطاب(2).
وفيما يلي جدول يبين أحكام الزوجة كما أنزلها وشرعها الله تعالى في محكم كتابه وأحكام امرأة المتعة كما شرعها أئمة الشيعة و أتباعهم .
أحكام الزوجة كما شرعها الله في القرآن
أحكام امرأة المتعة كما شرعها أئمة الشيعة
1- الزوجة في القرآن إما زوجة حرة أو زوجة أمة أو ملك يمين .
قال تعالى { والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم }
وقال تعالى { والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم } النساء /24
وقال تعالى { ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات } النساء /25
وقال تعالى { فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب} النساء /25
1- امرأة المتعة ليست زوجة حرة أو زوجة أمة ولا ملك يمين و إنما هي مستأجرة.
- عن زرارة عن أبي عبد الله (ع) قال : ذكرت له المتعة أهي من الأر بع ؟ فقال : تزوج منهن ألفا فإنهن مستأجرات!!
- عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) في المتعة ليست من الأربع ...... و إنما هي مستأجرة !!!
2- ثبوت الميراث للزوجة :
قال تعالى :{ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين } النساء/12
__________
(1) الحدائق 24/ 170-171 و انظر تبصرة المتعلمين ص152 ، والمتعة للفكيكي ص36 و المتعة ومشروعيتها في الاسلام ص133
(2) الوسائل كتاب الخلع والمباراة باب ( 5) ان طلاق المختلعة بائن(95/24)
2-عدم ثبوت الميراث لامرأة المتعة :
قال أئمة الشيعة :
- عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا (ع) قال : تزويج المتعة نكاح بميراث ونكاح بغير ميراث إن اشترطت كان و إن لم تشترط لم يكن .
- عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر (ع) يقول في الرجل يتزوج المرأة متعة انهما يتوارثان إذا لم يشترطا و إنما الشرط بعد النكاح .
- عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه ! عن أبي عبد الله (ع) في حديث في المتعة قال : أن حدث به حدث لم يكن لها ميراث .
- عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله (ع) كم المهر يعني في المتعة فقال : ما تراضيا عليه -إلى أن قال - وان اشترطا الميراث فهما على شرطهما .
- عن عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله (ع) في حديث عن المتعة قال : وليس بينهما ميراث .
- عن سعيد بن يسار عن أبي عبد الله (ع) قال : سألته عن الرجل يتزوج المرأة متعة ولم يشترط الميراث قال : ليس بينهما ميراث اشترط أو لم يشترط .
- عن عبد الله بن عمرو قال : سألت أبا عبد الله (ع) عن المتعة فقال : حلال لك من الله ! ورسوله ! قلت : فما حدها ؟ قال : من حدودها أن لا ترثها ولا ترثك .
- عن زرارة عن أبي جعفر (ع) في حديث قال : ولا ميراث بينهما في المتعة إذا مات واحد منهما في ذلك الأجل .
- عن أبان بن تغلب قال : قلت لأبي عبد الله (ع) : كيف أقول لها إذا خلوت بها ؟ قال : تقول : أتزوجك متعة على كتاب الله وسنة نبيه لا وارثة ولا موروثة كذا وكذا يوما ......
- عن أن أبي نصر عن ثعلبة قال : تقول : أتزوجك متعة على كتاب الله وسنة نبيه نكاحا غير سفاح وعلى أن لا تريثيني ولا أرثك ، كذا وكذا يوما بكذا وكذا درهما وعلى أن عليك العدة .(95/25)
- عن سماعة عن أبي بصير قال : لابد من أن يقول فيه هذه الشروط : أتزوجك متعة كذا وكذا يوما بكذا وكذا درهما نكاحا غير سفاح على كتاب الله وسنة نبيه وعلى أن لا تريثيني ولا أرثك وعلى أن تعتدي خمسة و أربعون يوما .
- عن الأحول قال : سألت أبا عبد الله (ع) قلت : ما أدنى ما يتزوج الرجل به المتعة ؟ قال : كف من بر يقول لها : زوجيني نفسك متعة على كتاب الله وسنة نبيه نكاحا غير سفاح على أن لا أرثك ولا ترثيني ، ولا أطلب ولدك إلى أجل مسمى فان بدا لي زدتك وزدتني .
3- الفرقة تكون بالطلاق أو بالخلع أو بالفسخ أو تفريق قاض ، و الطلاق مرتان والطلاق رجعي وبائن.
قال تعالى { وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن} البقرة/ 231
وقال تعالى { الطلاق مرتان} البقرة /229
وقال تعالى { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن } الطلاق /1
وقال تعالى {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن } البقرة / 237
وقال تعالى {والمطلقات يتربصن بأنفسهن} البقرة /228
وقال تعالى { وللمطلقات متاع بالمعروف } البقرة / 241
وقال تعالى { وان يتفرقا يغن الله كلا من سعته } النساء /131
وقال تعالى { فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به}
البقرة /229
وقال تعالى { الطلاق مرتان فامساك بمعروف أو تسريح باحسان} البقرة /229
قال تعالى { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله و اليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن ارادوا إصلاحا } البقرة /228
قال تعالى{ فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا} البقرة /230
3- باب أن المتمتع بها تبين بانقضاء المدة أو بهبتها ولا يقع بها طلاق وانه يجوز للمتمتع بالمرأة الواحدة مراراً كثيرة ولا تحرم في الثالثة ولا في التاسعة كالمطلقة ! بل هي كالأمة .(95/26)
- عن زرارة عن أبي جعفر (ع) في حديث قال : فإذا جاء الأجل يعني في المتعة كانت فرقة بغير طلاق.
-عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) في المتعة ليست من الأربع لأنها لا تطلق ولا ترث و إنما هي مستأجرة .
- عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال : قلت له : الرجل يتزوج المتعة وينقضي شرطها ثم يتزوجها رجل آخر حتى بانت منه حتى يتزوجها الأول حتى بانت منه ثلاثا وتزوجت ثلاثة أزواج يحل للأول أن يتزوجها ؟ قال : نعم كم شاء ليس هذه مثل الحرة هذه مستأجرة وهي بمنزلة الإماء .
- عن أبان عن بعض أصحابه ! عن أبي عبد الله (ع) في الرجل يتزوج من المرأة المرات قال : لا بأس يتمتع منها ما شاء .
- عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (ع) قال : سألته عن رجل تزوج امرأة متعة كم مرة يرددها ويعيد التزويج قال ما أحب .
4- المطلقة المدخول بها لها كامل المهر والغير مدخول بها ولا مسمى لها المهر لها المتعة و الغير مدخول بها وقد فرض لها المهر نصف الفريضة و المطلقة المدخول بها والغير مفروض لها المهر مهر المثل.
قال تعالى{ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا} البقرة /229
قال تعالى { لاجناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين} البقرة /236
قال تعالى {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم} البقرة /237
قال تعالى { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة} النساء /24
4- باب أن من تمتع امرأة ثم وهبها المدة قبل الدخول أو بعده لم يجز له الرجوع وان انتهاء المدة أو هبتها غير بائن فهي مستأجرة و باب جواز حبس المهر !! عن المرأة المتمتع بها بقدر ما تخلف من المدة إلا أيام حيضها فإنها لها(95/27)
- عن علي بن رئاب قال : كتبت إليه أسأله عن رجل تمتع بامرأة ثم وهبها لها أيامها قبل أن يفضي إليها أو وهب لها أيامها بعد ما أفضى إليها هل له أن يرجع فيما لها من ذلك ؟ فوقع (ع) لا يرجع.
- عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال : قلت له : الرجل يتزوج المتعة وينقضي شرطها ثم يتزوجها رجل آخر حتى بانت منه حتى يتزوجها الأول حتى بانت منه ثلاثا وتزوجت ثلاثة أزواج يحل للأول أن يتزوجها ؟ قال : نعم كم شاء ليس هذه مثل الحرة هذه مستأجرة وهي بمنزلة الإماء .
- عن عمر بن حنظلة قال : قلت لأبي عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : أتزوج المرأة شهرا فتريد مني المهر !!!!كملا وأتخوف أن تخلفني قال : يجوز أن تحبس ما قدرت عليه فان هي أخلفتك فخذ منها بقدر ما تخلفك.
5) المطلقة ثلاثا تحل للزوج الأول .
قال تعالى { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون }
البقرة /230
5)المتمتع بها لا تحل المطلقة للزوج الأول .
- عن محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال : سألته عن رجل طلق امرأته ثلاثا ثم تمتع فيها رجل آخر ، هل تحل للأول : قال : لا !
- عن الحسن الصيقل قال : سالت أبا عبد الله (ع) عن رجل طلق امرأته طلاقا لا تجل له حتى تنكح زوجا غيره ويزوجها رجل متعة أيحل له أن ينكحها ؟ قال : لا !! حتى تدخل في مثل ما خرجت منه.
- عن إسحاق بن عمار قال : سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل طلق امرأته طلاقا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره فتزوجها عبد ثم طلقها هل يهدم الطلاق ؟ قال : نعم لقول الله عز وجل في كتابه ( حتى تنكح زوجا غيره ) وقال هو أحد الأزواج .
- عن عمار الساباطي قال : سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل طلق امرأته تطليقتين ثم تزوجت متعة ! هل تحل لزوجها الأول بعد ذلك ؟ قال : لا !! حتى تزوج بتاتا !!(95/28)
- عن الحسن الصيقل عن أبي عبد الله (ع) قال : قلت له رجل طلق امرأته طلاقا لا تحل حتى تنكح زوجا غيره ، فتزوجها رجل متعة ! أتحل للأول ؟ قال : لا !! لأن الله تعالى يقول ( فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فان طلقها ) والمتعة ليس فيها طلاق
6- السكن والمودة والرحمة من أركان الزوجية :
قال تعالى { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} الروم /21
وقال تعالى{ هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها } الأعراف / 189
6-ل امودة ولا رحمة في المتعة :
- عن القاسم عن رجل سماه !! قال : سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يتزوج ! المرأة على عرد واحد ، فقال : لا بأس !! ولكن إذا فرغ فليحول وجهه ولا ينظر !
- عن خلف بن حماد قال : أرسلت إلى أبي الحسن (ع) كم أدنى أجل المتعة ؟؟ هل يجوز أن يتمتع الرجل بشرط مرة واحدة
قال : نعم !!!
- عن أبي بصير قال : لابد من أن تقول فيه هذه الشروط : أتزوجك متعة كذا وكذا يوما بكذا وكذا درهما
7- وجوب الإسكان .
قال تعالى { أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن ...} الطلاق /6
7- لا سكن في المتعة !
- عن إسحاق بن عمار قال : قلت لأبي الحسن (ع) يتزوج المرأة متعة تشترط له أن تأتيه !! كل يوم حتى توفيه شرطه أو يشترط أياما معلومة تأتيه فتغدر به فلا تأتيه على ما شرطه عليها ، فهل يصلح له أن يحاسبها على ما لم تأته من الأيام فيحبس عنها بحساب ذلك ؟ قال : نعم ينظر إلى ما قطعت من الشرط فيحبس عنها من مهرها مقدار ما لم تف ماله خلا أيام الطمث فإنها لها ولا يكون لها إلا ما أحل له فرجها !!
8- حرمة الجمع بأكثر من أربع زوجات .(95/29)
قال تعالى { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا} النساء /3
8- باب انه يجوز أن يتمتع بأكثر من أربع نساء !! وان كان عنده أربع زوجات بالدائم !
- عن بكر بن محمد قال : سألت أبا الحسن (ع) عن المتعة أهي من الأربع ؟ فقال : لا .
- عن زرارة عن أبي عبد الله (ع) قال : ذكرت له المتعة أهي من الأربع ؟ فقال : تزوج منهن ألفا فإنهن مستأجرات !!!
- عن زرارة قال : قلت : ما يحل من المتعة ؟ قال : كم شئت
- عن عمر بن أذينة عن أبي عبد الله (ع) قال : قلت : له كم يحل من المتعة ؟ قال : فقال : هن بمنزلة الإماء !!!
- عن أبي بصير قال : سئل أبا عبد الله (ع) عن المتعة أهي من الأربع ؟ فقال : لا . ولا من السبعين !!!!
9-وجوب العدة و المطلقة الغير مدخول بها لاعدة لها ، والمطلقة المدخول بها التي لا تحيض ثلاثة أشهر وعدة المتوفى عنها زوجها وهي غير حامل أربعة اشهر وعشرة أيام ، وعدة المطلقة الحامل و المتوفى عنها زوجها وهي حامل وضع الحمل .
قال تعالى { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم }.الطلاق /1
قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها} الأحزاب /4قال تعالى{واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر و اللائي لم يحضن} الطلاق
قال تعالى { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} البقرة /228
قال تعالى{والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} } البقرة /234
قال تعالى { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} الطلاق /4(95/30)
9- عدم وجوب العدة وإن المتمتع بها الغير مدخول بها لاعدة لها قياسا بالدائم وإن عدة المطلقة المدخول بها التي تحيض ثلاثة اشهر و عدة المتمتع بها المدخول بها التي لا تحيض و عدة المتمتع بها إذا هلك رجل المتعة .
- عن يونس بن عبد الرحمن عن الرضا (ع) في حديث قال : قلت له : المرأة تتزوج متعة فينقضي شرطها وتتزوج رجلا آخر قبل أن تنقضي عدتها ، قال : وما عليك إنما إثم ذلك عليها .
- عن زرارة عن أبي عبد الله (ع) أنه قال : أن كانت تحفحيضة وان كانت لا تحيض فشهر ونصف .
-عن زرارة عن أبي عبد الله (ع) أنه قال : أن كانت تحيض فحيضة وان كانت لا تحيض فشهر ونصف .
- عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا (ع) قال : قال أبو جعفر (ع) عدة المتعة خمسة وأربعون يوما والاحتياط خمسة وأربعون ليلة .
- وعن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا قال : سمعته يقول : قال أبو جعفر (ع) عدة المتعة حيضة ، وقال : خمسة و أربعون يوما لبعض أصحابه .
د)وعن أبي بصير عن أبي جعفر في المتعة قال : لا بأس بأن تزيدها وتزيدك إذا انقطع الأجل بينكما فتقول :استحللتك بأمر آخر برضا منها ولا يحل لغيرك حتى تنقضي عدتها وعدتها حيضتان
- فعن علي بن يقطين عن أبي الحسن قال : عدة المرأة إذا تمتع بها فمات عنها خمسة وأربعون يوما .
-وعن عبد الرحمن بن الحجاج قال : سألت أبا عبد الله عن المرأة يتزوجها الرجل متعة ثم يتوفى عنها هل عليها العدة ؟ فقال : تعتد أربعة أشهر وعشرا وإذا انقضت أيامها وهو حي فحيضة ونصف مثل ما يجب على الأمة.
- وعن علي بن عبيد الله عن أبيه عن رجل ! عن أبي عبد الله قال : سألته عن رجل تزوج امرأة متعة ثم مات عنها ما عدتها ؟ قال : خمسة وستون يوما.
9-تحريم التزوج بالمرأة المتزوجة .
قال تعالى {حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم .....والمحصنات من النساء } النساء /23-24(95/31)
9- باب تصديق المرأة في نفي الزوج والعدة ونحوهما وعدم وجوب !! التفتيش والسؤال ولا منها !!
- عن ميسر قال : قلت لأبي عبد الله (ع) : ألقى المرأة بالفلاة التي ليس فيها أحد فأقول لها : لك زوج ؟ فتقول : لا . فأتزوجها ؟ قال: نعم هي المصدقة على نفسها .
- عن الرضا (ع) في حديث قال : قلت له : المرأة تتزوج متعة فينقضي شرطها ، وتتزوج رجلا آخر قبل أن تنقضي عدتها ، قال : وما عليك إنما إثم ذلك عليها .
- عن فضل مولى محمد بن راشد عن أبي عبد الله (ع) قال : قلت : إني تزوجت امرأة متعة فوقع في نفسي أن لها زوجاً ففتشت عن ذلك فوجدت لها زوجا ً ، قال : ولم فتشت ؟
- عن مهران بن محمد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) قال: قيل له : أن فلانا تزوج امرأة متعة ، فقيل له : إن لها زوجاً فسألها ، فقال أبو عبد الله (ع) : ولم سألها ؟ .
- عن محمد بن عبد الله الأشعري قال : قلت للرضا (ع) : الرجل يتزوج بالمرأة فيقع في قلبه أن لها زوجاً ، فقال : وما عليه ؟ أرأيت لو سألها البينة كان يجد من يشهد أن ليس لها زوج .
10- ثبوت اللعان وعدم نفي الولد .
قال تعالى { والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه من الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم} النور /6-10
10-باب عدم ثبوت اللعان بين الزوج ! والمتعة !
- عن ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال : لا يلاعن الحر الأمة ولا الذمية ولا التي يتمتع بها !
- عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (ع) قال : لا يلاعن الرجل المرأة التي يتمتع منها !!
11- ثبوت الظهار .(95/32)
قال تعالى { الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا } المجادلة /2
11- عدم الظهار في المتعة .
- عن محمد بن علي بن الحسين قال : قال الصادق : لا يقع ظهار على طلاق ولا طلاق على ظهار .
- عن فضال عمن أخبره ! عن أبي عبد الله قال : لا يكون الظهار إلا على مثل موضع الطلاق.
12- وجوب النفقة .
قال تعالى {أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن} الطلاق / 6
وقال تعالى { لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لايكلف الله نفسا إلا ما آتاها} الطلاق /7
وقال تعالى {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } البقرة /233
12- باب انه لا نفقة ولا قسم ولا عدة على الرجل في المتعة .
- عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (ع) في حديث في المتعة قال : ولا نفقة ولا عدة عليك .
13- ثبوت الخلع .
قال تعالى { ولايحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به} البقرة /229
13- عدم الخلع في المتعة .
أ)عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله قال : الخلع والمباراة تطليقة بائن وهو خاطب من الخطاب .
14- شرط الإتيان في موضع الحرث .
قال تعالى { ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض و لا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } البقرة /223
14- باب جواز اشتراط الاستمتاع بما عدا الفرج في المتعة فيلزم الشرط !(95/33)
-عن عمار بن مروان عن أبي عبد الله (ع) قال : قلت : رجل جاء إلى امرأة فسألها أن تزوجه نفسها فقالت : أزوجك نفسي على أن تلتمس مني ما شئت من نظر والتماس وتنال مني ما ينال الرجل من أهله إلا أن لا تدخل فرجك في فرجي وتتلذذ بما شئت فإني أخاف الفضيحة !!! قال : ليس له إلا ما اشترط !
15-ثبوت الإيلاء .
قال تعالى { للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم} البقرة /226-227
15-عدم الإيلاء في المتعة !
- عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله قال : سألته عن الإيلاء فقال : إذا مضت أربعة أشهر ووقف فأما أن يطلق وإما أن يفيء ، قلت فان طلق تعتد عدة المطلقة ؟ قال : نعم.
16- وجوب الإحصان .
قال تعالى{ محصنين غير مسافحين}
المائدة /5
وقال تعالى { محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان} النساء / 25
وقال تعالى { وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله }
النور /33
وقال تعالى {ومن لم يستطع منكم أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ... ذلك لمن خشى العنت منكم وأن تصبروا خير لكم } النساء /25
16- باب عدم ثبوت الإحصان الموجب للرجم في الزنا ! بأن يكون له فرج حرة!! أو أمة ! يغدو عليه ويروح بعقد دائم !! أو ملك يمين ! مع الدخول وعدم ثبوت الإحصان بالمتعة !
- عن هشام وحفص البختري عمن ذكره !! عن أبي عبد الله (ع)
في رجل يتزوج المتعة أتحصنه ؟؟ قال : لا !! إنما ذاك على الشيء الدائم عنده !
- عن إسحاق بن عمار قال : قلت لأبي إبراهيم (ع) : الرجل تكون له الجارية أتحصنه ؟ قال : فقال : نعم إنما هو على وجه الاستغناء ، قال : قلت : والمرأة المتعة ؟ قال : فقال : لا إنما ذلك على الشيء الدائم ، قال : قلت : فان زعم أنه لم يكن يطأها ، قال: فقال : لا يصدق وإنما أوجب ذلك عليه لأنه يملكها .(95/34)
17- حرمة التزوج بالمشركة كالمجوسية .
قال تعالى { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} البقرة /221
وقال تعالى { ولا تمسكوا بعصم الكوافر} الممتحنة /10
وقال تعالى{ اليوم أحل لكم الطيبات ... والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} المائدة /5
وقال تعالى { وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين } الأنعام / 155-156
17- جواز المتعة مع المجوسية .
- عن ابن سنان عن الرضا (ع) قال : سألته عن نكاح اليهودية والنصرانية فقال : لا بأس فقلت : فمجوسية ؟ فقال : لا بأس به يعني متعة .
- عن منصور الصيقل عن أبي عبد الله (ع) قال : لا بأس بالرجل أن يتمتع بالمجوسية !
18-حرمة التزويج بالزانية .
قال تعالى { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين} النور / 3
18- باب عدم تحريم التمتع بالزانية !! وان أصرت !!!
- عن زرارة قال : سأله عمار و أنا عنده عن الرجل يتزوج الفاجرة !! متعة ، قال : لا بأس ! وان كان التزويج الآخر فليحصن بابه .
- عن إسحاق قال : قلت لأبي عبد الله (ع) : أن عندنا بالكوفة امرأة معروفة بالفجور أيحل أن أتزوجها متعة ؟ قال : فقال : رفعت راية ؟ قلت : لا لو رفعت راية أخذها السلطان قال : نعم تزوجها متعة ، قال : ثم أصغى إلى بعض مواليه فأسر إليه شيئا ، فلقيت مولاه فقلت له : ما قال لك ؟ فقال : إنما قال لي : ولو رفعت راية ما كان عليه في تزويجها شيء إنما يخرجها من حرام !! إلى حلال !(95/35)
-عن الحسن بن ظريف قال : كتبت إلى أبي محمد (ع) قد تركت التمتع ثلاثين سنة ثم نشطت ! لذلك ، وكان في الحي امرأة وصفت لي بالجمال ، فمال قلبي إليها وكانت عاهرا لا تمنع يد لامس فكرهتها ثم قلت قد قال الأئمة ! (ع) تمتع بالفاجرة! فانك تخرجها من حرام إلى حلال ، فكتبت إلى أبي محمد (ع) أشاوره في المتعة وقلت : أيجوز بعد هذه السنين أن أتمتع ؟ فكتب : إنما تحيى سنة !!! وتميت بدعة !!!! فلا بأس وإياك وجارتك المعروفة بالعهر وان حدثتك نفسك أن آبائي ! قالوا : تمتع بالفاجرة !! فانك تخرجها من حرام إلى حلال فان هذه امرأة معروفة بالهتك وهي جارة وأخاف عليك استفاضة الخبر ! منها فتركتها ولم أتمتع بها وتمتع بها شاذان بن سعد رجل من إخواننا وجيراننا فاشتهر بها حتى علا أمره وصار إلى السلطان وغرم بسببها ملا نفيسا وأعاذني الله من ذلك ببركة سيدي !!
- عن الحسن بن حريز قال : سألت أبا عبد الله (ع) في المرأة تزني عليها أيتمتع بها ؟ قال : أرأيت ذلك ؟ قلت : لا ، ولكنها ترمى به ، قال : نعم ، تمتع بها على انك تغادر وتغلق بابك!!!
- عن فضل مولى محمد بن راشد عن أبي عبد الله (ع) قال : قلت : إني تزوجت امرأة متعة فوقع في نفسي أن لها زوجاً ففتشت عن ذلك فوجدت لها زوجا ً ، قال : ولم فتشت ؟
- عن مهران بن محمد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) قال: قيل له : أن فلانا تزوج امرأة متعة ، فقيل له : إن لها زوجاً فسألها ، فقال أبو عبد الله (ع) : ولم سألها ؟!!
- عن أحمد بن محمد بن عيسى عن بعض رجاله ! عن أبي عبد الله (ع) قال : سألته عن رجل تزوج بالمرأة متعة أياما معلومة فتجيئه في بعض أيامها فتقول : إني قد بغيت قبل مجيئي إليك بساعة أو بيوم هل له أن يطأها وقد أقرت له ببغيها ؟ قال : لا ينبغي له أن يطأها .
ثانياً : أدلة تحريم المتعة من السنة النبوية:(95/36)
وفيما يلي بعض الأحاديث التي حرم فيها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نكاح المتعة ، ومنها حديث علي وسلمة وسبرة وابن عمر ...
1- عن محمد بن علي عن علي بن أبي طالب : " أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر ، وعن أكل لحوم الحمر الإنسية (1)
__________
(1) اخرجه مالك ص335 ، والحميدي ص37 قال : حدثنا سفيان ، وأحمد 1/ 79 (592) قال : حدثنا سفيان وفي 1/142 (1203) قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : أنبأنا معمر ، والدارمي 1996 قال : أخبرنا أحمد بن عبد الله ، قال : حدثنا مالك وفي
( 2203) قال : حدثنا محمد ، قال : حدثني ابن عيينة
والبخاري 5/172 قال : حدثنا يحيى بن قزعة ، قال : حدثنا مالك وفي 7/16 قال : حدثنا مالك بن اسماعيل ، قال : حدثنا ابن عيينة وفي 7/123قال : حدثنا عبد الله بن يوسف ، قال أخبرنا مالك وفي 9/31 قال : حدثنا مسدد ، قال : حدثنا يحيى ، عن عبيد الله بن عمر، ومسلم 4/134و135و6/63 قال : حدثنا يحيى بن يحيى ، قال : قرأت على مالك ابن أنس (ح) وحدثنا أبوبكر بن أبي شيبة وابن نمير وزهير بن حرب ، قالوا : حدثنا سفيان ح وحدثنا ابن نمير ، قال : حدثنا أبي قال : حدثنا عبيد الله ح وحدثني أبو الطاهر وحرملة ، قالا : أخبرنا ابن وهب ، قال : اخبرني يونس ، وفي 4/134 قال : وحدثناه عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي ، قال : حدثنا جويرية ، عن مالك وفي 6/ 63 قال : حدثنا : اسحاق وعبد بن حميد قالا : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، وابن ماجة 1961 قال : حدثنا محمد ابن يحيى قال : حدثنا بشر بن عمر قال : حدثنا مالك بن أنس ، والترمذي 1121و1794 قال : حدثنا ابن أبي عمر قال : حدثنا سفيان وفي (1794) قال : حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الوهاب الثقفي عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن مالك بن أنس (ح) وحدثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي قال : حدثنا سفيان ، والنسائي 6/125 قال : أخبرنا عمرو بن علي قال : حدثنا يحيى عن عبيد الله بن عمر وفي 6/126 قال : أخبرنا محمد بن سلمة والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع قالا : انبأنا ابن القاسم عن مالك (ح) وأخبرنا عمرو بن علي ومحمد بن بشار ومحمد بن المثنى ، قالوا : أنبأنا عبد الوهاب قال : سمعت يحيى بن سعيد يقول : أخبرني مالك بن أنس وفي 7/202 قال : أخبرنا محمد بن منصور والحارث بن مسكين قراءة عليه وانا أسمع عن سفيان (ح) أخبرنا سليمان بن داود قال : حدثنا عبد الله بن وهب قال : أخبرني يونس ومالك وأسامة ، ستتهم ( مالك وسفيان بن عيينة ، ومعمر ، وعبيد الله بن عمر ، ويونس ، وأسامة بن زيد ) عن الزهري عن عبد الله والحسن ابني محمد بن على ، عن أبيهما ، فذكره .....انظر المسند الجامع 13/266-268، مسند علي بن أبي طالب .(95/37)
.
2- وعن الربيع بن سبرة عن أبيه قال : " نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن نكاح المتعة عام الفتح (1).
3- وعن إياس بن سلمة عن أبيه قال : " رخّص رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثا ، ثم نهى عنها (2)
__________
(1) أخرجه الحميدي 846 قال : حدثنا سفيان وأحمد 3/ 404 قال : حدثنا اسماعيل بن ابراهيم ، قال : حدثنا معمر ، وفي 3/ 404 قال : حدثنا عبد الصمد قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا اسماعيل بن أمية ، وفي 3/404 قال : حدثنا عبد الرزاق قال : حدثنا معمر ، وفي 3/ 405 قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، والدارمي 2202 قال : أخبرنا محمد بن يوسف قال : حدثنا ابن عيينة ، ومسلم 4/ 133 قال : حدثنا عمرو الناقد ، وابن نمير ، قالا : حدثنا سفيان بن عيينة (ح) وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا ابن علية ، عن معمر (ح) وحدثنيه حسن الحلواني ، وعبد بن حميد ، عن يعقوب بن ابراهيم بن سعد ، قال حدثنا أبي عن صالح (ح) وحدثني حرملة بن يحيى ، قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني يونس ، وأبوداود 2072 قال : حدثنا مسدد بن مسرهد ، قال : حدثنا عبد الوارث ، عن اسماعيل بن أمية ، وفي 2073 قال : حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، والنسائي في الكبرى " تحفة الأشراف 3809 عن محمد بن عبد الله بن بزيع عن يزيد وهو ابن زريع عن معمر (ح) وعن محمد بن بشار ، عن وهب بن جرير عن أبيه عن محمد بن اسحاق ، ستتهم ( ابن عيينة ، ومعمر ، واسماعيل بن أمية ، وصالح ، ويونس ، ومحمد ابن اسحاق ) عن الزهري عن الربيع بن سبرة ، فذكره ...انظر المسند الجامع 6/32-33
(2) أخرجه أحمد 4/55 ، ومسلم 4/131 قال : حدثنا أبوبكر بن أبي شيبة كلاهما (أحمد ، وأبوبكر ) قالا : حدثنا يونس بن
محمد قال : حدثنا عبد الواحد بن زياد قال : حدثنا أبو عميس ، عن إياس بن سلمة ، فذكره ..انظر المسند الجامع ، مسند سلمة بن الأكوع 7/ 94-95(95/38)
.
4- وعن ابن عمر قال : لما ولى عمر بن الخطاب ، خطب الناس فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أذن لنا في المتعة ثلاثا ، ثم حرمها ، والله ، لا أعلم أحدا يتمتع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة ، إلا أن يأتيني بأربعة يشهدون أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أحلها بعد إذ حرمها (1).
5- وعن سالم بن عبد الله أن رجلا سأل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن المتعة فقال حرام قال : فان فلانا يقول فيها فقال : والله لقد علم أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حرمها يوم خيبر وما كنا مسافحين (2).
6- وعن سالم بن عبد الله قال : أتى عبد الله بن عمر فقيل له إن ابن عباس يأمر بنكاح المتعة فقال ابن عمر : سبحان الله ما أظن ابن عباس يفعل هذا ، قالوا بلى إنه يأمر به قال : وهل كان ابن عباس إلا غلاما صغيرا إذ كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم قال ابن عمر : نهانا عنها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وما كنا مسافحين (3).
ثالثا : أدلة تحريم المتعة من الإجماع .
وأما الإجماع : فقد أجمع الصحابة على تحريم هذا النكاح المسمى "متعة " لنهي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عنه .
__________
(1) أخرجه ابن ماجه (1963) قال حدثنا محمد بن خلف العسقلاني قال : حدثنا الفريابي عن أبان بن أبي حازم عن بكر حفص عن ابن عمر ، فذكره انظر المسند الجامع ، مسند عمر 13/ 552
(2) رواه الطبراني ....انظر مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 4/265 و السنن الكبرى 7/ 202
(3) رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح خلا المعافي بن سليمان وهو ثقة انظر مجمع الزوائد للهيثمي 4/265 ...،ورواه
عبد الرزاق في مصنفه 7/ 502(95/39)
وقد انعقد هذا الإجماع في شورى الصحابة حينما نهى عنها عمر رضي الله عنه وهو على المنبر أيام خلافته ، وأقره الصحابة (1).
قال الجصاص : وقد دللنا على ثبوت الحظر بعد الإباحة من ظاهر الكتاب والسنة وإجماع السلف ...ولا خلاف فيها بين الصدر الأول على ما بينا وقد اتفق فقهاء الأمصار مع ذلك على تحريمها ولا يختلفون (2).
وقال المازري : انعقد الإجماع على تحريمه ولم يخالف فيه إلا طائفة من المستبدعة وتعلقوا بالأحاديث الواردة في ذلك وقد ذكرنا أنها منسوخة فلا دلالة لهم فيها .(3)
و قال الخطابي في معالم السنن : تحريم المتعة كالإجماع إلا عن بعض الشيعة ولا يصح على قاعدتهم في الرجوع إلى المختلفات إلى علي و آل بيته فقد صح عن علي أنها نسخت ونقل البيهقي عن جعفر بن محمد أنه سئل عن المتعة فقال هي الزنا بعينه .
وقال القاضي عياض : " ..ووقع الإجماع بعد ذلك على تحريمها من جميع العلماء إلا الروافض (4).
وقال القرطبي : " أجمع السلف و الخلف على تحريمها إلا من لا يلتفت إليه من الروافض (5).
رابعا : أدلة تحريم المتعة من المعقول :
__________
(1) وما كانوا ليقروه على خطأ لو كان مخطئا ....فلم ينكر عليه أحد ...فلو سكتوا لعلمهم بحرمتها فذاك ولو سكتوا لجهلهم بحلها وحرمتها فمحال عادة لشدة احتياجهم الى البحث عن أمور النكاح ولو سكتوا مع علمهم بحلها وحرمتها عادة لشدة احتياجهم إلى البحث عن أمور النكاح ولو سكتوا مع علمهم بحلها فاخفاء الحق مداهنة وكفر وبدعة وذلك محال منهم .
(2) الجصاص في تفسيره 2/153
(3) المعلم 2/ 131
(4) انظر صحيح مسلم بشرح النووي 9/181
(5) انظر فتح الباري 9/78-79(95/40)
إن النكاح ما شرع لاقتضاء الشهوة فقط ،و إنما شرع مؤبدا لأغراض ومقاصد اجتماعية ومقاصد أخرى يتوسل به إليها ، مثل سكن النفس وإنجاب الأولاد وتكوين الأسرة ......وبقاء النوع الإنساني على وجه يليق بكرامة الإنسان ، وان غريزة الجنس إنما تأصلت في الفطرة ، لتكون حافزا على " النكاح الصحيح المشروع " الذي من شأنه أن يحقق تلك المقاصد السامية ، كيلا يتسافد الرجل والمرأة ، تسافد الحيوان ، وفي ذلك تضييع المرأة لنفسها و اذلالها وامتهانها ..... .إذ تصبح كالسلعة التي تنتقل من يد إلى يد ، فيضر بالأولاد حيث لا يجدون البيت الذي يستقرون فيه ويتعهدهم بالتربية والتأديب . ....وهذا تغيير لمجرى سنة الله في خلقه ، ونزع المرأة عن وظيفتها الشريفة السامية التي خلقها الله تعالى لها، وأحكم تكوينها الفطري لأدائها ولتكون زوجة يسكن إليها زوجها من عناء الحياة وتكون أما تحنو على أولادها ، وتتولى تنشئتهم النشأة الصالحة ، وبذلك تكون " الأسرة " هي المحضن الطبيعي ، للقادة والساسة والعظماء والعباقرة والعلماء ومن إليهم ولا يتصور أن يتخرج أمثال هؤلاء في غير الأسرة الشريفة النظيفة التي ينقطع فيها تعهد الآباء والأمهات بأبنائهم وإلا كانت الإباحية والانحلال الاجتماعي ، وفي ذلك القضاء المبرم على الأمة كلها ...(1)
لقد أراد الشارع الحكيم من عقد النكاح أن يكون عقدا للألفة والمحبة و الشراكة في الحياة ، وأية ألفة وشركة تجيء من عقد لا يقصد منه إلا قضاء الشهوة على شرط واحد أو على عرد واحد ....وإذا فرغ فليحول وجهه ؟!!
كيف يقع الزنا إذا لم يكن هذا النوع بالذات من النكاح زنا ؟!!
أليس الزنا يقع بالتراضي بين الطريفين على قضاء الوطر ؟
وهل تقل المفاسد التي تترتب على الزنا عن المفاسد التي تترتب على المتعة إذا أبيح مثل هذا النوع من النكاح ؟!
__________
(1) انظر الفقه الإسلامي للزحيلي 7/ 70، والحصري ص177، وفقه السنة 2/ 43 .(95/41)
فكيف يعرف الناس أبناءهم ؟
ومن ذا الذي يضمن استبراء المرأة رحمها بحيضة أو حيضتين أو 45 يوما ....أو ...بعد مفارقة المتمتع لها ، لتعرف نفسها هل هي حامل أم حائل ؟
وإذا لم يعرف الناس أبناءهم فمن الذي ينفق على هذا الجيش الجرار نتيجة المتعة ....
وأين العاقدون وقد قضى كل منهم وطره ومضى لسبيله ..؟ ولاسيما أن القائلين بالمتعة يقولون أن صاحب المتعة لو نفى الولد انتفى بلا لعان !
أن على المجتمع أن يخصص خطة تنمية لبناء دور الإيواء لأبناء المتعة ، وليصرف عليهم من صندوقي الضمان الاجتماعي والجهاد ! ولتشكر مشرعي المتعة لأنهم ألزموا صاحبة المتعة بعدة وفاء كاملة لأبعد الأجلين !....
ولتقفل الدكان وتجلس أمام الجامع للتسول حتى تنتهي العدة !
أن بيوت المال وخزائن الدول لتنوء بالإنفاق على هؤلاء ، وهي وان فتحت أبوابها لهؤلاء فقد تعطلت مرافق الحياة الأخرى التي من أجلها تجبى الأموال في بيوت المال .....وهذا ما حدث لإحدى هذه الدول حينما استحلت المتعة واستساغتها .
فقد كتبت مجلة " الشراع " الشيعية : أن رفسنجاني أشار إلى ربع مليون لقيط في إيران بسبب زواج المتعة (1).
وقالت : إن رفسنجاني هدد بتعطيل زواج المتعة بسبب المشكلات الكثيرة التي خلفها (2).
وقد وصفت مدينة " مشهد " الشيعية الإيرانية حيث شاعت ممارسة المتعة بأنها : " المدينة الأكثر انحلالا على الصعيد الأخلاقي في آسيا (3).
أن الجماعة التي تنطلق منها الشهوات بغير حساب -كهؤلاء ، جماعة معرضة للخلل والفساد ..لأنه لا أمن فيها للبيت ، ولا حرمة فيها للأسرة ....
هذا أحد مشايخهم يمارس المتعة بنهم وشبق ويدعى " ملا هاشم ! " يقول فيما نقلته إحدى الباحثات الشيعيات عنه ما نصه : " في إحدى المرات طلبت منه امرأة أن يذهب إلى منزلها ويصلي من أجلها ،
__________
(1) انظر مجلة " الشراع " العدد 684 السنة الرابعة ص4
(2) المصدر السابق
(3) انظر المتعة لشهلا حائري ص 39(95/42)
بعد الصلاة طلبت منه المرأة أن يبقى لفترة أطول ، لم يكن الملا ! هاشم عالما بطبيعة نواياها فقال لها إنه مضطر للمغادرة ، عندئذ نطقت المرأة بالعبارة المتعارف عليها " هذا الذي سيبقى سرا بيننا " فقال لها إنه لا يستطيع قضاء الليل معها ، ولكن باستطاعته " قضاء ساعتين " ......
وتقول أيضا : كان الملا هاشم سعيدا في وظيفته الدينية ! ، وقال لي مرارا انه لا يستطيع رفض أي عرض من امرأة للمتعة لم تتجاوز مدة أي عقد متعة ، الساعتين!! أو الثلاث !! ، يقول إنه كان يزور النساء في البيوتسابقا .....حسب رأي الملا ! هاشم ..فان زواج المتعة ينتشر بين رجال الدين أساسا (1).
إن هذا هدم للحياة الزوجية الصحيحة وتقويض لدعائم الأسرة وفتح لأبواب الفحشاء على مصاريعها من قبل من يستترون تحت الإسلام ...وأنهم من رجال الدين والدين منهم براء !
إنه لا يمكن لأي إنسان محايد غير متعصب ، إلا إنكار" هذا الزنا " والقول بأن أمثال هؤلاء الرجال زناة يجب إقامة الحد الشرعي عليهم ، وكما قال الصادق - فيما روى عنه صاحب "دعائم الإسلام " : إن رجلا سأله عن نكاح المتعة قال : صفه لي قال : يلقى الرجل المرأة فيقول أتزوجك بهذا الدرهم والدرهمين وقعة أو يوما أو يومين قال : هذا زنا وما يفعل هذا إلا فاجر (2).
وفيما روى عنه هشام بن الحكم عن أبي عبد الله في المتعة قال : ما يفعله عندنا إلا الفواجر !!!
أي أمثال هذا الملا المتستر ومن على شاكلته من أصحاب المتعة والجنس !!
شبهات المخالفين والرد عليها:
تعلق القائلون بالمتعة -وهم الاثنا عشرية- بشبهات وأوهام على استمرارية حل نكاح المتعة ، فاستدلوا حسب زعمهم من الكتاب والسنة والإجماع والعقل ....على إباحة المتعة !وهذه الشبهات
__________
(1) المصدر السابق ص226-227
(2) دعائم الاسلام 2/229ح859(95/43)
هي أوهن من بيت العنكبوت ولكن قد يبدو لمن لم يطلع على موضوع نكاح المتعة ، أن أدلتهم قوية ودامغة في حين إنها شبهات واهية وهي :
أولا: قالوا : إن في القرآن الكريم آيتين محكمتين أحداهما في تشريع متعة الحج وهي الآية 196 من سورة البقرة والأخرى في تشريع متعة النساء وهي الآية 24 من سورة النساء (1).
قالوا : ونحن حسبنا القرآن الكريم في نص إباحتها وهو قول الله عز وجل { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة } والمراد بإجماع أمة التوحيد بالاستمتاع المذكور في هذه الآية نكاح المتعة ، ولقد ذكر نزولها بهذا المعنى في أوثق مصادر التفسير عند أهل السنة .
ثانيا: قالوا : إن سياق الآية دال على نكاح المتعة بالنظر إلى ما قبلها وما بعدها من آيات يدلنا على اختصاصها بشأن المتعة ، فإن الآيات بصدد بيان شأن المحرمات عن المحللات والتأكيد على غض النظر عن الأموال التي تمتلكها الزوجات على ما كانت عليه الجاهلية الأولى من التطاول على أموال نسائهم استغلالا لجانب ضعفهن......
قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن } .... (19)
وقال عز وجل { وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا}....(21)
ثم قال { ولاتنكحوا ما نكح آباؤكم } ......( 22)
{حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم } .....(23)
__________
(1) الفصول المهمة ص63 ، ومسائل فقهية للموسوي ص75 ، ومقدمة مرآة العقول 1/ 275و321 ، والمتعة للفكيكي ص45(95/44)
{وأن تجمعوا بين الأختين } ....(23)
{والمحصنات من النساء } ....(24)
{وأحل لكم ما وراء ذلكم } ....(24)
إلى هنا اكتمل الهدف من تحريم البغي على الأزواج وهضم حقوقهن وتفصيل المحرمات ثم الحكم بتحليل ما عداهن إذ بقى حكم آخر غير مذكور في الآيات المذكورة فيتعرض له القرآن تتميما للفائدة قال { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة } ..... ( 24)
فتعرف من ذلك أن هناك نوعاً آخر من الأزواج غير المتقدم ذكرهن وقد لا يشملهن حكم الأولى فمست الحاجة إلى بيان آخر لتفصيل هذه فقال : وأما النساء المستمتع بهن فادفعوا إليهن أيضاً ما توافقتم عليه من أجر ولا تذهبوا بأجورهن كما كان الحكم كذلك في زواج الدائميات أيضاً .
ثم بيّن تعالى قسماً ثالثاً من النساء اللاتي يجوز نكاحهن : ( الإماء ) وهذه الأخيرة تخص أولئك الذين لا يستطيعون طولاً أن ينكحوا المحصنات : الحرات قال تعالى {ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات } ثم ينتهي الحديث بقوله تعالى { يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم ... }
تلك قرائن مكتنفة تدلنا على ترجيح القول بأن الآية المبحوث عنها تهدف إلى المتعة ( الزواج المؤقت ) وبذلك ينسجم سياق الآيات المرتبطة بعضها مع بعض من دون ما حصول تكرار أو إهمال ....
فلو كانت هذه الآية في بيان الدائم للزم التكرار في سورة واحدة أما إذا كانت لبيان المتعة فإنها تكون لبيان معنى جديد ... فالدائم وملك اليمين تبينا بقوله تعالى { فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم}(95/45)
ونكاح الإماء مبين بقوله تعالى { ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات } إلى أن قال :{ فإنكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف }. والمتعة مبينة بآيتها هذه { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن } والحاصل أن الله قد بين في أول السورة النكاح الدائم { فانكحوا ما طاب لكم من النساء }ثم وجوب إيتاء الصداق { وآتوا النساء صدقاتهن } ثم محرمات النكاح ثم إحلال ما عداها بنكاح دائم أو منقطع أو ملك يمين ثم وجوب إيتاء المهر في نكاح المتعة وجواز تجديده قبل انقضاء الأجل أو بعد زيادة في الفريضة(1).
ثالثا: قالوا : إن لفظة "الاستمتاع " يراد بها نكاح المتعة أو الزواج المؤقت !!
__________
(1) انظر مسائل فقهية ص76، ونقض الوشيعة 285و286، والميزان 4/ 280، وروح التشيع 461-262 ، وفقه الجنس ص137 ،
والروضة 5/ 249-251 .(95/46)
نقول : إن لفظ الاستمتاع والتمتع وإن كان في الأصل واقعاً على الانتفاع والالتذاذ فقد صار بعرف الشرع مخصوصاً بهذا العقد المعين لاسيما إذا أضيفت إلى النساء .....ولأن لفظة الاستمتاع كانت دائرة في أعراف الناس يراد منها " الزواج المؤقت " وورد لفظ القرآن بذلك فلابد من حمله على نفس المعنى المتداول جريا وفق أسلوب القرآن في جميع أحكامه وتشريعاته المترتبة على أعراف الناس أمثال البيع والربا والربح والغنيمة وما إلى ذلك ....فإذا أطلق لفظ الاستمتاع لا يستفاد به في الشرع إلا العقد بالأجل ألا ترى أنهم يقولون : فلان يقول بالمتعة وفلان لا يقول بها ولا يريدون إلا العقد المخصوص ....فالمراد بالاستمتاع المذكور في الآية نكاح المتعة بلا شك فإن الآية مدنية نازلة في سورة النساء في النصف الأول من عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد الهجرة على ما يشهد به معظم آياتها وقد كان الناس آنذاك يتمتعون بالنساء تمتعا مؤقتا إزاء أجر !! معين والآية وردت وفقا للعادة الجارية مؤكدة الوفاء بالأجر الذي يتفقان عليه .(1)
رابعا : قالوا : إن الله تعالى ذكر الاستمتاع و أعقبه بالأجر عليه فدل ذلك على جواز الاستمتاع.
خامسا : قالوا : إن الآية صرحت بلفظة " أجورهن" ولا أجر في النكاح الدائم بل هو مهر أو صداق ..... فحمل اللفظ على غير معناه المعهود تأويل لا شاهد عليه ....(2).
سادسا: قالوا : لو كان المراد بهذه الآية النكاح الدائم لوجب للمرأة بحكم الآية جميع المهر بنفس العقد .....
__________
(1) انظر تفسير الرازي 10/ 42-44 ، وتفسير الميزان 4/ 279 ، والروضة 5/ 284
(2) روح التشيع ص462 وص136 من كتاب المتعة ومشروعيتها في الاسلام لمجموعة من علماء مدرسة المتعة ، و المحجة البيضاء ص76 ( الهامش) ، والروضة 5/ 249(95/47)
ومما يدل أن لفظ " الاستمتاع " في الآية لا يجوز أن يكون المراد به الانتفاع والجماع انه لو كان المراد به عقد النكاح الدائم لوجب لها جميع المهر بنفس العقد لأنه قال { فآتوهن أجورهن } يعني مهورهن عند أكثر المفسرين وذلك غير واجب بلا خلاف و إنما يجب الأجر بكماله في عقد المتعة ..... بخلاف ما لو لم يحصل الاستلذاذ لم يجب إعطاء المهر وهو باطل لأنه قد يجب بالموت والفسخ ونصفه بالطلاق إذا حصل شيء من ذلك قبل الدخول .....لأنه لو كان كذلك لوجب أن لا يلزم من لا ينتفع بها من شيء من المهر وقد علمنا انه لو طلقها قبل الدخول لزمه نصف المهر وان خلا بها خلوة تامة لزمه جميع المهر عند كثير من الفقهاء وان لم يلتذ وينتفع (1)
سابعا : قالوا : إن الآية أمرت بوجوب إعطاء المهر بالاستمتاع وذلك يقتضي أن يكون معناها هذا العقد المسمى " نكاح المتعة " . لأن الله علق وجوب إعطاء المهر بالاستمتاع وذلك يقتضي أن يكون معناه هذا العقد المخصوص دون الجماع (2) .
ثامنا : وقالوا (3): إن جماعة من الصحابة كانوا يقرؤون الآية بزيادة " إلى أجل مسمى " .
فقد أخرج الحافظ أبو بكر البيهقي المتوفى 458 بإسناده في السنن الكبرى 7/205 عن محمد بن كعب عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " كانت المتعة في أول الإسلام وكانوا يقرؤون هذه الآية “ فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى " الحديث .وذكر (4) الحافظ أبو زكريا النووي الشافعي المتوفى 676 في شرح صحيح مسلم 9/181 أن عبد الله بن مسعود قرأ : فما استمتعتم به منهن إلى أجل .(5) .
__________
(1) التبيان للطوسي 3/ 166 ، ومجمع البيان 5/ 72 ، وتفسير قلائد الدرر 3/ 65 ، وفقه الجنس ص137 .
(2) مجمع البيان 5/ 71-72 ، أصل الشيعة ص105 ، السرائر 2/ 619
(3) الغدير 6/ 230 ، ومقدمة مرآة العقول 1/ 277
(4) المصدر السابق
(5) كاشف الغطاء في أصل الشيعة ص94، والفصول لعبد الحسين ص 66-67 ، ومقدمة مرآة العقول 1/ 278(95/48)
تاسعا : قالوا : إن آية المتعة غير منسوخة بل من المحكمات .
إن جماعة من أكابر علماء السنة رووا أن آية المتعة غير منسوخة منهم الزمخشري في تفسيره " الكشاف " حيث نقل عن ابن عباس إن آية المتعة من المحكمات .
وقالوا : ونقل غيره أن الحكم ابن عتيبة سئل : آية المتعة هل هي منسوخة ؟ فقال لا .
وقالوا : إن عمران بن حصين الصحابي صرح بنزول هذه الآية في المتعة وأنها لم تنسخ(1) ..
فقد أخرج أحمد في مسنده 4ص436 بإسناد رجاله كلهم ثقات عن عمران بن حصين قال : نزلت آية المتعة في كتاب الله تبارك وتعالى وعملنا بها مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلم تنزل آية تنسخها ولم ينه عنها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى مات.
وقالوا : إن هذه الروايات ونظائرها موجودة في أكثر صحاح السنة وتفاسيرهم وكتبهم الفقهية (2).
عاشرا: قالوا : إن نسخ آية المتعة بآية الأزواج مستحيل لأن آية المتعة في سورة النساء وهي مدنية ، وآية الأزواج في سورة المؤمنون والمعا رج وكلتاهما مكيتان ويستحيل تقدم الناسخ على المنسوخ (3)
__________
(1) الأميني 6/ 220 تحت عنوان " المتعة في الكتاب
(2) انظر ص 80-81 ، ومسائل فقهية ص75 وكاشف الغطاء في أصل الشيعة ص98 و الخوئي في تفسيره البيان ص319، وعبد الله نعمة في روح التشيع ص 464 و الفكيكي في " المتعة " ص 56 ، وجواد مغنية في تفسيره الكاشف 5/ 296
(3) انظر أدلتهم في " نقض الوشيعة " لمحسن الأمين ص273 وتفسير آلآء الرحمن للبلاغي 2/75 ، وكاشف الغطاء ص 94-100 ومجمع البيان 5/71-72 والتبيان 3/ 165 و تفسير قلائد الدرر للجزائري 3/67 و الغدير للأميني 6/208و229-235 وفقه
الجنس للوائلي ص 138-141 و مقدمة مرآة العقول للعسكري 1/275-278 والسرائر 2/ 619 و المتعة ومشروعيتها في الإسلام بحث عبد الله نعمة ص136 و الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية ( الحاشية ) 5/ 249-251 و 260و266و267 و274
الفكيكي ص41و133و143و 169 ، التفسير الكاشف 5/297 ومسائل فقهية ص75و84 ، وجواهر الكلام 30/ 145 ، والخوئي ص317و319و320(95/49)
.
وقالوا :إن أهل السنة يقولون " إن المتعة نسختها آية الأزواج في قوله { والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم} على الاعتبار أن المتمتع بها ليست بمملوكة وليست بزوجة لأنه لا عدة لها ولا طلاق ولا نفقة ولا إرث فتدخل في عموم قوله تعالى { فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون } وهذا خطأ ،فان آية المتعة من آيات سورة النساء المدنية وهي آخر ما نزل من القرآن الكريم وآية { إلا على أزواجهم } مكية لأن هذه الآية من آيات سورة " المؤمنون " ومن آيات سورة " المعارج " وكلتاهما مكيتان ولا يمكن نسخ المدني المتأخر زماناً بالمكي المتقدم زماناً.........
وقالوا : إن النسخ إنما يثبت بآية قرآنية أو بخبر متواتر لا بخبر الواحد ..... فالكتاب لا ينسخ بأخبار الآحاد . .
أحد عشر : قالوا : إن أهل السنة يقولون إن آية المتعة نسختها آية مواريث الأزواج { لكم نصف ما ترك أزواجكم}
قالوا : وفي الشرع مواضع كثيرة لا ترث فيها الزوجة كالكافرة والقاتلة والمعقود عليها في المرض إذا مات زوجها فيه قبل الدخول كما أنها قد ترث حق الزوجة مع خروجها عن العدة قبل انقضاء الحول إذاً فالإرث لا يلزم الزوجية طرداً ولا عكساً .على أن عدم التوارث في المتعة إنما هو لدليل خاص مضافاً إلى إن هناك من فقهاء الشيعة من يقول بالتوارث فيها وهذه المسألة خلافية بين أئمة الإمامية وفيها ثلاثة أقوال :
أ- يتوارثان مطلقاً بحكم ظاهر آية المواريث .
ب- يتوارثان مع الشرط .
ج- لا إرث بينهما وإن شرطا .(95/50)
وقد خرج القسمان الأخيران بالدليل الخاص ! فخصص به الكتاب ويجوز ذلك من حيث إن نفس النكاح مؤجل بأجل ، فتكون العلاقة مؤقتة لا توجب التوارث على أننا نتفق مع القائلين بلزوم اتباع ظاهر آية المواريث لأن المتمتع والمتمتع بها زوجان مع إن جمهور أهل السنة جوزوا نكاح الكتابية بالعقد الدائم واتفقوا على عدم التوارث بينها وبين زوجها المسلم تخصيصاً منهم لعموم الإرث بما رووه من قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يتوارث أهل ملتين(1) .
اثنى عشر : قالوا : إن أهل السنة يقولون بأن نكاح المتعة منسوخ بآية العدة بقوله تعالى { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن} و هذا الزعم باطل فإن المتعة أيضاً لها عدة لكنها نصف عدة النكاح الدائم .. (2).
ثالث عشر: قالوا : إن أهل السنة يقولون إن المتعة نسختها آية الطلاق، وهذا باطل فإن الطلاق ليس السبب الوحيد للمفارقة بل الفسخ إذا وجدت أسبابه أيضاً سبب للفراق كما أن انقضاء الأجل في النكاح المنقطع أيضاً سبب للفراق فلم ينحصر السبب في الطلاق .
ثم إن تشريع الطلاق لم يحصر إباحة الوطء وشرعيته بما كان مورداً للطلاق وإلا فما تقولون في التسري والوطء بملك اليمين فإن مورد الطلاق هو العقد المبني على الدوام لأن الطلاق هو الحل لعقدة الزواج الدائم قطع لدوامه.
رابع عشر : قالوا : إن أهل السنة يقولون إن المتعة نسختها آية الإحصان وهذا باطل فان آية المتعة مما يستدل بها على مشروعية المتعة وعلى أنها تحصن وذلك أن الآية بعد أن ذكرت المحرمات ذكرت ما يحل { وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن}
__________
(1) انظر كاشف الغطاء ص96 ، البيان للخوئي ص316-317 ، المتعة ومشروعيتها في الاسلام ص 144 .
(2) انظر الروضة مع اللمعة ( الحاشية ) 5/ 258 ، الخوئي في تفسيره ص 315-316 ، تفسير البلاغي 2/ 83 ، الانتصار للمرتضى ص 114 ، كاشف الغطاء ص96 .(95/51)
فأباحت ما وراء المحرمات وهو الابتغاء عن طريق الإحصان أو قل ابتغاء ما يحصّنكم ويبعدكم عن السفاح ... ومن هذا الابتغاء المتعة...كما أن المراد بالإحصان في قوله{ محصنين غير مسافحين} هو إحصان العفة دون إحصان التزوج لكون الكلام بعينه شاملاً لملك اليمين كشموله النكاح ولو سلم أن المراد بالإحصان هو إحصان التزوج عاد الأمر إلى تخصيص الرجم في زنى المحصن بزنى المتمتع المحصن بحسب السنة ! دون الكتاب فإن حكم الرجم غير مذكور في الكتاب من أصله (1).
خامس عشر: قالوا : كان علي بن أبي طالب المنكر الأول على من حرم المتعة وهو عمر كما أخرج ابن جرير الطبري بسند صحيح!! إن الحكم سئل عن هذه الآية أمنسوخة ؟ قال : لا وقال علي : لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي.(2)
وقالوا : إن الرواية عن ابن الحنفية عن أبيه ( ع) موضوعة ، فالحسن بن محمد ابن الحنفية معروف عندهم بآراء قبيحة كالإرجاء .......إذ لا يخفى على ابن الحنفية رأي أبيه ( ع) في المتعة ، فرواية النهي عن المتعة إلى أمير المؤمنين علي موضوعة قطعاً... وكيف يتم عزوها المختلق إلى أمير المؤمنين
( ع) وبين يدي الأمة قوله الصحيح ! الثابت ! : لولا أن عمر نهى عنه ما زنى إلا شقي ، فقد صح ! عنه (ع) مذهبه إلى تحليل المتعة ، والحديث أخرجه الثعلبي والطبري وصاحب الدر المنثور بعدة طرق والرازي وأبو حيان ......
سادس عشر : قالوا : إن جابر بن عبد الله أنكر على عمر تحريمه للمتعة.(3)
__________
(1) انظر المصدر السابق
(2) انظر " الفصول المهمة " ص79 لعبد الحسين ! الموسوي و الفكيكي في " المتعة" و مرتضى العسكري في " مقدمة مرآة العقول" 1/ 276 ومحمد كلانتر في اللمعة والغدير للأميني 6/ 239 وعبد الله نعمة في روح التشيع ص463-464 .
(3) في كتابه " مسائل فقهية " ص84(95/52)
وقالوا : لو كان هناك نهي من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما غاب عن الصحابة الذين تمتعوا في عهد أبي بكر و شطر من عهد عمر نفسه ، وهذا ينفي نسخها في عهد الرسول وإلا كان الخليفة الأول محللا لما حرم الله والرسول (1).
سابع عشر : قالوا : إن عبد الله بن عمر أنكر على أبيه تحريمه لمتعة النساء ....فقد نقل العلامة في نهج الصدق والشهيد الثاني من روضته البهية عن صحيح !! الترمذي أن رجلاً من أهل الشام سأل ابن عمر عن متعة النساء فقال هي حلال فقال : إن أباك قد نهى عنها فقال ابن عمر : أرأيت إن كان أبي قد نهى عنها وقد سنها [ صنعها] رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنترك السنة ونتبع قول أبي.
وقالوا : سئل ابن عمر مرة أخرى عن متعة النساء فقال - كما عن صحيح الترمذي !! هي حلال ، فقيل له إن أباك نهى عنها ... فقال : أرأيت إن كان أبي نهى عنها وصنعها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنترك السنة ونتبع قول أبي (2).
ثامن عشر: قالوا : إن أهل السنة استدلوا على ثبوت النسخ بروايات عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، ورد الشيعة هذه الروايات وناقشوها متنا وسندا وأثبتوا بالمنطق السليم أنها موضوعة على الرسول الأعظم بأدلة منها:
أ) تناقض روايات التحريم .
__________
(1) انظر كذلك التفسير الكاشف لمغنية 2/ 296-297 ، ودراسات في عقائد الشيعة ص260 لمحمد الحسني .
(2) الفصول المهمة ص80 وانظر الزواج المؤقت ودوره في حل مشكلات الجنس ص36 ، 37 لمحمد تقي الحكيم ، و الفكيكي في كتابه " المتعة " ص55-65 و130و 137 ، ونهج الحق للحلي ص282-283 ، والروضة البهية 5/ 283 ، و الصراط المستقيم للنباطي 3/ 269 ، و نقض الوشيعة لمحسن الأمين ص326-327 ? و المتعة ومشروعيتها في الإسلام ص 185 ، والزواج في القرآن والسنة لعز الدين بحر العلوم ص272 ، و الحدائق الناضرة للبحراني 24/ 114 .....(95/53)
قالوا إن أهل السنة أنفسهم يعترفون بأن روايات النسخ عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مضطربة متناقضة(1)في تاريخ الإباحة والنسخ والنهي ففي بعضها كما في روايات مسلم وابن حنبل أن الإباحة والتحريم كانا يوم الفتح ، وفي بعضها لم يعين الوقت وفي بعضها في حجة الوداع ، وإذا ضممنا إلى ذلك ما ورد في إباحتها يوم خيبر وعمرة القضاء وحنين وأوطاس وتبوك تكون قد أبيحت و نسخت ست مرات أو يبع مرات وروايات النسخ ليست بحجة حتى لو سلمت من التناقض لأنها من أخبار الآحاد ..والنسخ يثبت بآية قرآنية أو بخبر متواتر ،لا يثبت بخبر الواحد .(2)
وعارضوا النسخ بحديث عمران بن حصين وحديث جابر: كنت عند جابر بن عبد الله فأتاه آت فقال : ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين ، فقال جابر : فعلناهما مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما (3).
ومن ردود الشيعة : إن أصدق شيء في الدلالة على عدم النسخ في عهده صلى الله عليه وعلى آله وسلم قول عمر : "متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهي عنهما وأعاقب عليهما ، متعة الحج ومتعة النساء (4).
__________
(1) انظرجواد مغنية في تفسيره " الكاشف 5/ 297 ،النجفي في جواهر الكلام 30/ 147، والفكيكي 127-132 ،الحدائق 24/114-116 ، والإنتصار ص 110 ، روح التشيع لعبد الله نعمة ص465-467، خلاصة الإيجاز للمفيد ص33 ، قلائد الدررللجزائري 3/ 69 ، تفسير الميزان 4/ 282و299-300، و البيان للخوئي321، ومسائل فقهية للموسوي ص77-78 و مقدمة مرآة العقول 1/ 313 و319
(2) انظر التفسير الكاشف لمغنية 5/ 297 .
(3) انظر المصدر السابق
(4) طريق الهدى ص165(95/54)
فالخليفة لم يدع النسخ كما سمعته من كلامه الصريح في إسناد التحريم والنهي إلى نفسه ، ولو كان هناك ناسخ من الله عز وجل أو من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأسند التحريم إلى الله تعالى أو إلى الرسول ! فان ذلك أبلغ في الزجر وأولى بالذكر .(1)
تاسع عشر : قالوا : إن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد أباح المتعة لأصحابه .
واجمع المسلمون على شرعية نكاح المتعة والإذن فيه في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بغير شبهة ثم ادعى نسخها ولم يثبت وقد ثبتت الإباحة بالإجماع فعلى من ادعى الحظر والنسخ الدلالة ، وقد ثبت إباحتها بالإجماع فلم يعدل إلى تحريمها إلا بالإجماع .
و النسخ مجرد ادعاء لم يثبت .
وقالوا : إنه لا نزاع ولا خلاف في أن المتعة كانت مشروعة والخصم يقول إنها نسخت ، قلنا المشروعية دراية والنسخ رواية و لا تطرح الدراية بالرواية .
وقالوا : أن المتعة ثبتت بدليل قطعي والأدلة المانعة لها كلها ظنية والقطعي لا ينسخ إلا بقطعي مثله.
و إذا تعارضت الأخبار وتكافأت سقطت عن الحجة والاعتماد وصارت من المتشابهات ولا بد من رفضها والعمل بالمحكمات وبعد ثبوت المشروعية والإباحة باتفاق المسلمين واستصحاب بقائها وأصالة عدم النسخ عند الشك يتعين القول بجوازها وحليتها إلى يوم القيامة.
وقالوا : إن المكي لا ينسخ المدني ، فآية الأزواج أو الفروج في سورة المؤمنين و المعارج وكلاهما مكيتان نزلتا قبل الهجرة بالاتفاق ، و آية المتعة في سورة النساء وهي مدنية فلا يمكن أن تكون ناسخة لإباحة المتعة المشروعة في المدينة بعد الهجرة بالإجماع ، ويستحيل تقدم الناسخ على المنسوخ.
وقالوا :إن روايات النسخ ليست بحجة حتى ولو سلمت من التناقض ، لأنها من أخبار الآحاد ...والنسخ إنما يثبت بآية قرآنية أو بخبر متواتر ولا يثبت بالخبر الواحد .
__________
(1) انظر الموسوي في مسائل فقهية ص78 ، ومغنية في تفسيره 5/ 297 .(95/55)
عشرين : قالوا : إن أهل البيت ( ع) ابتداءً بالإمام علي ( ع) وانتهاء إلى آخر أولاده من الأئمة ومن شيعتهم أيضا أطبقوا على ذلك وحتى عرفت كلمة الإمام ( ع) : لولا ما نهى عنه عمر ما زنى إلا شقي ........لذلك أجمع الإمامية -تبعا لأئمتهم الاثنى عشر - على دوام حلها ....فقد ثبت عدم نسخها بنصوص صحاحنا المتواترة عن أئمة العترة الطاهرة فراجعها في مظانها من وسائل الشيعة إلى أحكام الشريعة .(1)
وقالوا : لا نعلم في المتعة ضررا عاجلا أو آجلا وكل ما هذا شأنه فهو مباح لأنه لو كان فيها شيء من المفاسد لكان أما عقليا ! وهو منتف اتفاقا و إما شرعيا وليس كذلك وإلا لكان أحد مستمسكات الخصم ... لذلك فقد ثبت بالأدلة الصحيحة إن كل منفعة لا ضرر فيها في عاجل ولا آجل مباحة بضرورة العقل وهذه صفة نكاح المتعة فيجب إباحته بأصل العقل ...
فإن قيل فمن أين لكم نفي المضرة عن هذا النكاح في الآجل والخلاف في ذلك ؟
قلنا : من ادعى ضرراً في الآجل فعليه الدليل .(2)
أجوبة هذه الشبهات الواهيات
والجواب عن هذه الشبهات والتي هي أقوى شبهاتهم حسب الترتيب السابق ما يلي:
الجواب عن الشبهة (1) من وجوه عديدة :
أولا : صحيح أن الله تعالى شرع متعة الحج بالقرآن ، وذلك في قوله تعالى من سورة البقرة / 196{ فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي }، ولكنه سبحانه وتعالى لم يشرع متعة النساء بالقرآن بقوله تعالى { فما استمتعتم به منهن ....} ، وتفصيل ذلك : أن القرآن الكريم من أسلوبه في الدلالة على الأحكام ، إن هناك أحكاما مفصلة وأخرى مجملة ..
__________
(1) انظر جواهر الكلام للنجفي 30/ 150، " خلاصة الإيجاز في المتعة " ص27 ، و " مسائل فقهية " ص75و87 ، وفقه الجنس ص154 و الحدائق 24 / 113 .
(2) انظر الفكيكي ص166 ، السرائر 2/618(95/56)
فالحكم المجمل : وغالبا ما يأتي القرآن الكريم في بيان الأحكام بالحكم مجملا ، ليفسح المجال لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليقوم بالبيان الذي كلفه الله به في قوله تعالى في سورة النحل / 44{ وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون } ومن أمثلة ذلك :
أ) الأمر بإقامة الصلاة : فقد تعددت آيات القرآن في الحث على إقامة الصلاة والمحافظة عليها ، ومع ذلك لم يتعرض القرآن لبيان كيفياتها ، ولا لعدد ركعاتها ....وما إلى ذلك مما بينته السنة النبوية ، وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم في ذلك : صلوا كما رأيتموني أصلي .
ب) الأمر بإيتاء الزكاة : أمر القرآن بإخراجها وبين الأصناف الذين تدفع لهم الزكاة ، لكنه لم يحدد مقادير الزكاة ولا الأموال التي تخرج منها ، وجاءت السنة فبينت ذلك كله .
ج) ومثل ذلك الحج : بيّن القرآن وجوب الحج على المستطيع ولم يبيّن من هو المستطيع ، ولم يذكر من أركانه سوى طواف الإفاضة ، والسعي ، وتكلفت السنة ببيان كل ما يتعلق بالحج من أحكام ، وأدى الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم مناسك الحج ، وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأصحابه : خذوا عني مناسككم .
وهكذا في بقية الأحكام كالوصية والقصاص ....وغيرهما ...لو تتبعنا أكثر الأحكام التي جاءت في القرآن الكريم نجد إن بيان القرآن لها إنما هو على سبيل الإجمال لا التفصيل ......
الحكم المفصل :
ولكن بجانب ذلك هناك أنواع أخرى من الأحكام فصلها القرآن تفصيلا كاملا ، ولم يترك للسنة فيها مجالا إلا القليل ، وهذا هو الحكم المفصل ..
ومن أمثلة الحكم المفصل :
أ) أحكام المواريث : حيث بين القرآن فرض كل وارث ومقدار إرثه في حالاته المختلفة ......
ب) أحكام الأسرة :وهو موضوع البحث كالزواج والطلاق ، وما يتبع ذلك من أحكام العدة والنفقة .....
عناية القرآن والسنة النبوية بالنساء :(95/57)
يعلم كل المسلمين وكل من اطلع على القرآن وإن لم يؤمن به أن جميع هذه القضايا لها أحكام محددة في القرآن والسنة ولم تترك لاجتهادات البشر وتقديراتهم ......
فالزوجة وأحكامها وتشريعاتها بينتها أكثر من سورة أو آية ......
فنحن المسلمون عندنا أكبر سورة لأحكام النساء في القرآن وهي سورة النساء ، وأصح ما ذكر من حيث ترتيب النزول أنها سادسة السور التي نزلت بالمدينة ، فأول ما نزل بالمدينة سورة البقرة ثم الأنفال ثم آل عمران ثم الأحزاب ثم الممتحنة ثم النساء ....
هذه السورة هي الرابعة في المصحف والتي كثيرا ما يطلق عليها اسم " سورة النساء الكبرى " تمييزا لها عن سورة أخرى عرضت لبعض شؤونهن وهي " سورة الطلاق " التي كثيرا ما يطلق عليها اسم " سورة النساء الصغرى "(1) .
ولم تكن هاتان السورتان فقط هما كل ما عرض فيه القرآن لشأن النساء ، بل عرض لهن في أكثر من عشر سور ، وان لم تسم بهذا الاسم ، كما يأتي توضيح ذلك .
كيان الأسرة داخل الإطار الإسلامي :
لقد استوفى القرآن شأن الأسرة من جميع وجوهها وشرحت السنة النبوية المطهرة مقاصد القرآن الكريم وبينتها وفصلتها ..... ومن أهم ما جاء في القرآن والسنة عن نظام الأسرة ما يلي :
1- الأهداف النبيلة من الزواج .
2- الحث على الزواج والتزويج.
3- صفات الزوج والزوجة الصالحة.
4- طريقة توجيه الغريزة الجنسية إذا لم توجد القدرة على الزواج.
5- الطريقة التي يتم بها الزواج .
6- حقوق كل من الزوجين وواجباتهما .
7- كيف تتم المحافظة على هذه العلاقات المقدسة.
8- مدى استمرار آثار هذه العلاقة بعد الفرقة .
9- الأسرة والإسلام وقبله وتعدد الزوجات إلى أربع .
كما وان الإسلام من أجل تكريم المرأة ورفع الظلم عنها :
1-قيد تعدد الزوجات فجعل أقصى التعدد أربعا .
2-قيد الطلاق فجعله ثلاثا .
__________
(1) انظر تفسير القرآن الكريم لمحمود شلتوت من ص163 وما بعدها(95/58)
3- شرع الخلع إذا كرهت الزوجة زوجها وأرادت الفراق.
4- منع الظهار الذي يوجب الحرمة بين الزوجين مع بقاء الزوجية.
5- جعل للإيلاء مدة وأجلا وهو أربعة أشهر....
6- عاقب قاذف امرأته .....
وفيما يلي ذكر لبعض هذه النقاط .
ففي سورة البقرة عرض لهن في ربعين عظيمين هما { يسألونك عن الخمر والميسر } البقرة /219
{ والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أ راد أن يتم الرضاعة } البقرة/233
بين في أولهما حكم تزوج المسلم بالمشركة التي لا تؤمن بكتاب ولا برسول وحكم تزوج المسلمة بالمشرك { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون } البقرة /221
وأبطل بعض العادات الضارة التي كان يعتادها أهل الجاهلية مع النساء { ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولاتقربوهن حتى يطهرن فاذا تطهرن ....}
وأبطل بعض المعاملات التي كان يؤذي بها أهل الجاهلية النساء ، كما بين الطلاق الذي يملك الرجل فيه رجعة الزوجة ، والطلاق الذي لا يملك فيه ا لرجعة وبين أن للمرأة الحق في افتداء نفسها بما تملك من مال إذا أساء الرجل عشرتها وامتنع عن طلاقها ، وبين مساواتها للرجل فيما لها وفيما عليها من الحقوق الزوجية ، وأمر بإمساكها بمعروف أو تسريحها بإحسان ، وحذر من عضل النسا ء ومنعهن من أن يتزوجن بمن يرون طمعا في مالهن وإضرارا لهن .(95/59)
وبين في الربع الثاني أن المرأة شريكة الرجل في شأن الولد وإرضاعه ، وأنه لا يصح للرجل أن يبت في هذا الشأن برأي إلا عن { تراض منهما وتشاور } ، وبين الخطبة وأدبها ، كما بين حق المطلقات في المتعة : وهي ما يبذله الرجل للمرأة بعد طلاقها مما تتعزى به ويخفف عنها وقع الفراق ، وجعله حقا على المتقين ، وبين عدة المتوفى عنها زوجها ، وحث الأزواج على الإيصاء لهن بعد الوفاء ، وبالبقاء في منازلهن دون إخراج لهن منها ، نري ذلك كله في الآيات من 226-242 .
وعرض لهن في سورة المائدة ، وبين حل تزوج المحصنات الكتابيات منهن ، وسوى في حقوق الزوجية بينهن وبين المحصنات المؤمنات ، ونرى ذلك في الآية الخامسة من هذه السورة .
وعرض لهن في سورة النور ، وبين ما يردعهن عن ارتكاب ما يزري بالكرامة ويخل بالشرف والمكانة ، كما بين من تعدى عليهن بالقذف زوجا كان أو غير زوج وشرع الأدب الواجب على الرجال حين يريدون الدخول عليهن في البيوت ، حفظا لهن من أن تقع عليهن الأنظار وهن في حالة التبذل والقيام بالمصالح المنزلية ، كما خص هؤلاء الذين نضبت وجوههم من ماء الحياء بشديد من التحذير مما اعتادوا في إكراه الفتيات على البغاء تكسبا بعرضهن ، نرى ذلك كله في الآية الثانية حتى الآية الرابعة والثلاثين ، ثم في الآية الثامنة والخمسين حتى الآية الحادية والستين .
وعرض لهن في سورة الأحزاب وعالج كثيرا من المشاكل المنزلية وما يجب عليهن من آداب وقد اتخذت السورة زوجات الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم مثالا حيا فيما ينبغي أن تتخذه الزوجة الصالحة أساسا لحياتها الفاضلة ، ونرى ذلك في الآية الثلاثين من هذه السورة حتى الآية التاسعة والخمسين .(95/60)
وعرض لهن في سورة المجادلة ، فاستمع إلى رأي المرأة وقرره مبدءً يسير عليه التشريع العام الخالد ، وبذلك كانت آيا ت الظهار التي افتتحت بها السورة المذكورة أثرا من آثار الفكر النسائي ، وصفحة إلهية خالدة تلمح فيها على ممر الدهور صورة احترام الإسلام للمرأة ،و أن الإسلام ليس - كما يظن أعداؤه من أصحاب المتعة ومن لف لفهم - يراها مخلوقة يقاد بفكر الرجل ورأيه ، وإنما هي مخلوق له إبداء رأيه ، وللرأي قيمته ووزنه .
يقول أوس بن الصامت لزوجه خولة بنت ثعلبة : أنت علي كظهر أمي ، وكان المعروف في الجاهلية أن الرجل قال هذه الكلمة لزوجته حرمت عليه، ثم دعاها أوس إلى نفسه فأبت وقالت : والذي نفس خولة بيده لا تصل إليّ وقد قلت ما قلت حتى يحكم الله ورسوله ، ثم جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقالت :
يا رسول الله إن أوسا تزوجني وأنا شابة مرغوب فيّ ، فلما خلا سني ونثرت بطني جعلني كأمه ، وتركني إلى غير واحد ، فإن كنت تجد لي رخصة يا رسول الله فحدثني بها : فقال عليه والصلاة والسلام : ما أمرت في شأنك بشيء حتى الآن ، وما أراك قد حرمت عليه ، فأخذت تجادل رسول الله مرارا وتقول في الرد عليه : إنه ما ذكر طلاقا ، فكيف أحرم عليه ؟ إن لي منه صبية صغارا إن ضمهم إليه ضاعوا وإن ضممتهم إليّ جاعوا ، وجعلت ترفع رأسها إلى السماء وتقول : اللهم إني أشكو إليك ، وما برحت علي هذه الحال حتى نزلت الآيات الأربع الأوائل من هذه السورة .
وعرض لهن في سورة الممتحنة ، وبّين حكم النساء يهاجرن مؤمنات من بلاد الأعداء إلى بلاد الإسلام وحكم زوجيتهن لأزواجهن لأزواجهن السابقين ، وزواجهن بالمؤمنين ، وبين حقهن في المبالغة على السمع والطاعة ، وعلى القيام(95/61)
بحدود الشريعة وأحكامها وأنهن حقهن في ذلك كالرجال ، وقد وري المفسرون قصة هذه المبالغة التي شغلت مركز المفاوضة فيها عن النساء هند بنت عتبة زوج أبي سفيان وهي قصة طريفة تبدو فيها ظاهرة عظيمة من حرية الرأي في ا لنقاش والحوار ، ونرى ذلك في الآيات من العاشرة حتى الثانية عشرة من هذه السورة .
وعرض لهن في سورة التحريم في شأن جرى بين زوجات الرسول ، ويجري بين كل الزوجات في كل زمان ومكان ، وتقررت في هذه السورة مسؤلية المرأة عن نفسها مسؤلية مستقلة عن مسؤلية الرجل ، وأنه لا يؤثر عليها وهي صالحة ، فساد الرجل وطغيانه ، ولا ينفعها وهي طالحة صلاح الرجل وتقواه ، ونرى ذلك في الآيات الخمس الأوائل من هذه السورة ، والآيات التي ختمت بهن . وأخيراً عرض القرآن الكريم للنساء في سورتهن الكبرى والصغرى : النساء والطلاق . وكم تنبض قلوب النساء فرحاً لتكريم الله لهن وعنايته بهن حينما يسمعن أو يعلمن أن القرآن عرض لهن في هذه السور كلها وأن من بين هذه السور سورتين سميتا باسمهن وعالجتا كثيراً من شئونهن في أطوار حياتهن كلها من عهد الطفولة إلى عهد الزوجية والأمومة (1).
__________
(1) تفسير القرآن لمحمود شلتوت ص162-167(95/62)
فمثل هذه الأحكام والتشريعات فصلها القرآن تفصيلا كاملا ، ولم يترك للسنة فيها مجالا إلا القليل، فليس بمعقول أبدا أن يذكر القرآن تشريع نكاح المتعة بقوله تعالى{ فما استمتعتم به } التي هي في حقيقتها أكثر من قضية الزواج تعقيدا وأشد عسرا وأخطر أثرا بالإشارة إليها تلك الإشارة الخفية لو صح أن الإشارة كانت إليها ، ولما عرضها هذا العرض الخاطف ، بل لجعلها قضية بذاتها ، ولرسم حدودها ، وبين معالمها وموقف كل من الرجل والمرأة فيها ......ولما ترك المجال للبشر أن يشرعوا أحكامها وقوانينها هذا يقول :ترث وذاك يقول لا ترث إلا مع الشرط وآخر يقول اشترطا أم لم يشترطا فلا يرث .......
وإذا لم يكن القرآن الكريم بين أحكام امرأة المتعة وفصلها تفصيلا كاملا ، فلابد أنه ترك للسنة فيها مجالا، ليفسح المجال لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليقوم ببيان أحكام امرأة المتعة الذي كلفه الله به في قوله تعالى من سورة النحل / 44{ وأنزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم ولعلهم يتفكرون } إذ المفروض أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد بين للناس أن هذه الآية في المتعة ، وبين أحكامها ....لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ولكن ماذا نفعل والحال والواقع أن لا هذا ولا ذاك وقع ...إذ لا يوجد حديث واحد ولو ضعيف أو حتى موضوع سواء حول تفسير الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لهذه الآية في أنها نزلت في المتعة ..أو بيان أحكام امرأة المتعة !!
ثانيا : إن جمهور أهل السنة لم يتفقوا على تشريع نكاح المتعة بهذه الآية واليك أدلة ذلك من عدة وجوه :
أ) تفسير الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم ):
إن الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) لم يقل إنها نزلت في نكاح المتعة وبيان ذلك :(95/63)
إن المصدر الثاني الذي كان يرجع إليه الصحابة في تفسيرهم لكتاب الله تعالى هو رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) فيبين لهم ما خفي عليهم لأن وظيفته البيان كما اخبر الله عنه بذلك في كتابه حيث قال { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم و لعلهم يتفكرون } و كما نبه على ذلك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
فقد روى أبو داود بسنده عن المقدام بن معدي كرب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ألا لا يحل لكم لحم الحمار الأهلي ولا كل ذي ناب من السبع ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه (1) .
والذي يرجع إلى كتب السنة يجد أنها قد أفردت للتفسير بابا ذكرت فيه كثيرا من التفسير المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فمن ذلك على سبيل المثال لا الحصر :
ما أخرجه أحمد وغيره عن عدي بن حاتم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : إن المغضوب عليهم هم اليهود و إن الضالين هم النصارى .
وما رواه البخاري وغيره عن علقمة عن عبدالله رضي الله عنه قال لما نزلت { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم } شق ذلك على المسلمين فقالوا يا رسول الله أينا لا يظلم نفسه قال ليس ذلك إنما هو الشرك ألم تسمعوا ما قال لقمان لابنه وهو يعظه { يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم }(2) .
وما أخرجه أحمد بسنده عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الكوثر نهر في الجنة وعدنيه ربي عز وجل(3) .
وغير هذا كثير.......
__________
(1) سنن أبي داود كتاب السنة
(2) البخاري كتاب أحاديث الأنبياء ، الترمذي في تفسير القرآن وأحمد
(3) مسند أحمد(95/64)
فأين تفسير الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لهذه الآية التي يطلقون عليها " آية المتعة " ؟
وأين قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إن هذه الآية نزلت في نكاح المتعة أو النكاح المنقطع ؟!
ب) تفسير الصحابة رضى الله عنهم :
إن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ،لم يقولوا فيما يروونه عن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن الآية نزلت في المتعة ، وخير مثال نضربه ونلقم المخالف حجراً قول الإمام علي رضي الله عنه - الذي يعتبره أتباع المتعة أنه حجة وأنه الإمام المعصوم والوصي الأول وكان أعلم الصحابة بمواقع التنزيل ومعرفة التنزيل ، فإن السنة و الشيعة لم يروا عنه بأن هذه الآية نازلة في المتعة مع أنه كان يعلم نزول كل آية زماناً و مكاناً !
فقد أخرج أبو نعيم في الحلية عن علي رضي الله عنه أنه قال والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيم نزلت و أين نزلت وإن ربي وهب لي قلبا عقولا و لسانا سئولا.
و روى أبو الطفيل قال : شهدت عليا يخطب وهو يقول : سلوني فوالله لا تسئلوني عن شيء إلا أخبرتكم وسلوني عن كتاب الله فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل .
فأين تفسير علي كرم الله وجهه لهذه الآية التي يسمونها آية المتعة ؟؟!!
أما عمر ، فقد ذكر ابن عبد البر في الاستذكار في تأويل { فما استمتعتم به منهن} : أن جماعة منهم عمر رضي الله عنه قال : هو النكاح الحلال ، فإذا عقد النكاح ، ولم يدخل ، فقد استمتع بالعقدة ، فإن طلقها قبل أن يدخل بها ، فلها نصف الصداق ، وإن دخل بها ، فلها الصداق كله ، لأنه قد استمتع بها المتعة الكاملة (1).
وقال ابن مسعود : إنها محمولة على الاستمتاع بهن في النكاح ، وقول ابن مسعود إلى أجل مسمى يعني به المهر دون العقد (2).
ج) تفسير علماء الأمة :
__________
(1) الاستذكار 16/ 298
(2) الحاوي الكبير للماوردي 9/ 331(95/65)
وأما تفسير علماء الأمة ، فإنهم لم يقولوا إن الآية نزلت في المتعة ، بل يقولون أن هذه الآية لا تمت بصلة بنكاح المتعة أصلا و لا تدل على جواز نكاح المتعة والقول إنها نزلت في المتعة غلط... وتفسير البعض لها بذلك غير مقبول .
قال الحسن البصري أن { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن } هو النكاح .
وقال ابن شهاب : هو النكاح ، فإذا فرض النكاح {ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة } من إيجاب الصداق ، قليلا كان أو كثيرا .
وقال ربيعة : ذلك النكاح فما استمتعت به من امرأتك قلّ أو كثر ، ولم تصبها إلا ليلة ، قال الله تعالى { ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة } أي أعطت زوجها بعد الفريضة ، وذلك الذي قال الله عز وجل .
وقال المقدسي في كتابه " تحريم نكاح المتعة : " وروى غيرهم في تفسير ذلك ، ما يدل على صحة ما ذهبنا إليه ، وروي أن المراد به تقدير الصداق .
فعن سعيد عن الحسن و قتادة قالا في هذه الآية : إلى موت أو طلاق(1) .
وعن قتادة { فآتوهن أجورهن فريضة } قال : ما تراضوا عليه من قليل أو كثير ، فقد أحلّ الله ذلك لهما(2).
بيان تفاسير أهل السنة :
إن جمهور أهل السنة لم يقولوا بنزول هذه الآية في متعة النساء ولم يتفقوا أو يجمعوا على نزول هذه الآية في المتعة ، ونسبة القول اليهم كذب بين ، ومن أصر على ذلك فهو كاذب.
كما وان الشيعة القائلين بالمتعة لم يتفقوا على نزول هذه الآية في المتعة ، وإليك بيان أقوال علماء الفريقين من أهل التفسير في ذلك وقبل إيراد هذه الأقوال لابد من بيان أن الجمهور لم يقولوا بأن المراد من هذه الآية نكاح المتعة بشكل مفصل .
بيان أن الجمهور لم يقولوا بأن المراد من هذه الآية نكاح المتعة :
إن أكثر أهل التفسير لم ينسبوا ذلك إلى الجمهور وهذه بعض أقوالهم باختصار :
__________
(1) المقدسي في كتابه " تحريم نكاح المتعة " ص 181-182
(2) المقدسي ص 181-182(95/66)
أ) الرازي أن في الآية قولان ... الأول : إنها النكاح وهذا قول أكثر علماء الأمة.
الثاني : إن المراد المتعة .
ب) الإمام ابن الجوزي : إن مجاهد والحسن والجمهور قالوا المراد بالاستمتاع النكاح والثاني : انه نكاح المتعة .
ج) الطبري : أورد عدة أقوال في تفسير الآية بروايات مسندة فتارة إنها في النكاح رواية عن مجاهد والحسن وابن زيد وابن عباس ثم أورد من فسرها بالمتعة رواية عن مجاهد وابن عباس ...
وأما قوله تعالى { لا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة } أورد الطبري قول إنها النكاح وقال آخرون إنها المتعة ....
د) الكيا الهراسي : وظن ظانون أن الآية وردت في نكاح المتعة ..... والذي ذكروه هؤلاء لا يحتمل.
ه) النحاس يقول : اختلف العلماء في هذه ..... فقال قوم : هو النكاح بعينه وما أحل الله المتعة قط في كتابه وهذا قول حسن ومجاهد .....
و) البيضاوي : حكى قولين ، قول بأنها نكاح والقول الثاني قال عنه بأسلوب التمريض : وقيل إنها نزلت في المتعة .
ز) ابن العربي : أورد قولين ، الأول المراد النكاح وهذا قول الحسن ومجاهد والثاني المتعة.
ح) الماوردي : قال إن في الآية قولين أحدهما : إنها في النكاح وهو قول مجاهد والحسن وأحد قولي ابن عباس والقول الثاني إنها في المتعة بقراءة أبيّ وهذا قول السدي أيضاً .
ط) البغوي أورد قولين في الآية أحدهما قول الحسن ومجاهد إنها النكاح والثاني قال وقال آخرون : هو نكاح المتعة .
ي) الخازن : واختلفوا في معناه فقال الحسن ومجاهد المراد النكاح وعندما فسر قوله تعالى ل{ ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة } قال : واختلفوا فيه : فمن حمل ما قبله على نكاح المتعة - وأورد قولهم ثم قال - ومن حمل الآية على الاستمتاع بالنكاح الصحيح - وأورد قولهم..
يا) والإمام النسفي أورد قولين في تفسير الآية من دون أن ينسب القول الثاني أي إنها نزلت في المتعة إلى الجمهور .(95/67)
يب ) ابن كثير :حكى عن مجاهد بأنها في المتعة ، وقال أن الجمهور على خلاف ذلك .
يج ) رشيد رضا : أورد قولين في الآية انه في النكاح وهو المتبادر من نظم الآية......وذهبت الشيعة إلى أن المراد بالآية نكاح المتعة .....
يد) الألوسي أورد قولين في تفسير الآية :قول انه قيل في المتعة ..والقول الثاني انه في النكاح لا المتعة التي يقول بها الشيعة .
يه) الجصاص : إن الاستمتاع هو الانتفاع وهو ههنا كناية عن الدخول ...وفي فحوى الآية من الدلالة على أن المراد النكاح دون المتعة ثلاثة أوجه ......
يو) الشنقيطي : إن الآية في عقد النكاح لا في نكاح المتعة كما قال به من لا يعلم معناه....
والآن إليك ذكر هذه التفاسير بالتفصيل .
أ- ذكر تفاسير أهل السنة :
1- قال ابن الجوزي في تفسير قوله تعالى { فما استمتعتم به منهن فآتوهن }
فيه قولان :
أحدهما : انه الاستمتاع في النكاح بالمهور قاله ابن عباس والحسن ومجاهد والجمهور .
والثاني : انه الاستمتاع إلى أجل مسمى من غير عقد نكاح وقد روي عن ابن عباس انه كان يفتي بجواز المتعة ثم رجع و قد تكلف قوم من مفسري القراء فقالوا : المراد بهذه الآية نكاح المتعة ثم نسخت بما روي عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه نهى عن متعة النساء وهذا تكلف لا يحتاج إليه لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أجاز المتعة ثم منع منها فكان قوله منسوخا بقوله وأما الآية فإنها لم تتضمن جواز المتعة لأنه تعالى قال فيها { أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين } فدل ذلك على النكاح الصحيح قال الزجاج : ومعنى قوله { فما استمتعتم به منهن } فما نكحتموهن على الشريطة التي جرت وهو قوله {محصنين غير مسافحين } أي عاقدين التزويج { وآتوهن أجورهن } أي : مهورهن ومن ذهب في الآية إلى غير هذا فقد أخطأ وجهل اللغة .
قوله تعالى { ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة } فيه ستة أقوال :(95/68)
أحدها : إن معناه : لا جناح عليكم فيما تركته المرأة من صداقها ووهبته لزوجها ، هذا مروي عن ابن عباس وابن زيد .
والثاني : ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من مقام أو فرقة بعد أداء الفريضة روي عن ابن عباس أيضاً .
والثالث : ولا جناح عليكم أيها الأزواج إذا أعسرتم بعد الفرض لنسائكم فيما تراضيتم به من أن ينقصنكم أو يبرئنكم قاله أبو سليمان التيمي .
والرابع : لا جناح عليكم إذا انقضى أجل المتعة إن يزدنكم في الأجل وتزيدونهن في الأجر من غير استبراء قاله السدي ، وهو يعود إلى قصة المتعة .
والخامس : لا جناح عليكم أن تهب المرأة للرجل مهرها أو يهب هو للتي لم يدخل بها نصف المهر الذي لا يجب عليه قاله الزجاج .
والسادس : إنه عام في الزيادة والنقصان والتأخير والإبراء قاله القاضي أبو يعلى (1).
2- ويقول الكياالهراسي : وظن ظانون أن هذه الآية وردت في نكاح المتعة ....والذي ذكره هؤلاء في معنى قوله تعالى {فما استمتعتم به منهن }لا يحتمل ما ذكره هذا القائل الذي حمله على نكاح المتعة (2).
3- وقال الإمام النحاس : اختلف العلماء بعد اجتماع من تقوم به الحجة أن المتعة حرام بكتاب الله عز وجل وسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقول الخلفاء الراشدين المهديين وتوقيف علي بن أبي طالب رضي الله عنه ابن عباس وقوله انك رجل تائه وان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم " قد حرم المتعة ولا اختلاف بين العلماء في صحة الإسناد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وصحة طريقه بروايته عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تحريم المتعة ....
فقال قوم { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة } هو النكاح بعينه ! وما أحل الله المتعة قط في كتابه (3).
__________
(1) ابن الجوزي في تفسيره زاد المسير في علم التفسير 2/ 52-53
(2) الكياالهراسي في تفسيره " أحكام القرآن " ص412-413
(3) النحاس في تفسيره الناسخ والمنسوخ ص102(95/69)
4- وقال القيسي في " الإيضاح " {فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة }
هذه الآية نزلت فيما كان أباح النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من نكاح المتعة ثلاثة أيام، كان الرجل يقول للمرأة : أتزوجك إلى اجل كذا وكذا على ألا ميراث بيننا ولا طلاق ولا شاهد وأعطيك كذا وعلى القول الأول : النكاح إلى أجل بغير شاهد ولا ولي.
القول الثاني قال الحسن ومجاهد.
فالمعنى على هذا القول : فما استمتعتم به ممن تزوجتم وإن قّل الاستمتاع فلها صداقها فريضة
فالاستمتاع على هذا القول : النكاح الصحيح .
قوله تعالى { ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة }
من قال : إن قوله : { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة} في جواز المتعة نزل ثم نسخ ، قال : إن قوله : {ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة } منسوخ أيضاً ، لأن معناه عنده : لا حرج عليكم إذا تم االأجل الذي اشترطتم في الاستمتاع أن تزيدك المرأة في أجل الاستمتاع وتزيدها أنت في الأجرة على ما تراضيتم به قبل أن تستبرىء نفسها .
قال السدي : كان الرجل إن شاء أرضاها بعد الفريضة الأولى وتقيم معه بأجرة أخرى إلى أجل آخر.
فأما من قال : إن آية الاستمتاع محكمة يراد بها النكاح الصحيح المباح قال : هذا أيضاً محكم غير منسوخ مراد به النكاح الصحيح المباح ومعناه عنده : لا حرج عليكم فيما وهبت الزوجة لزوجها من صداقها إذا تراضوا على ذلك.
قال ابن زيد : إن وضعت له شيئاً من صداقها فهو سائغ له (1).
5- وقال القاضي الماوردي في تفسيره ما نصه { فما استمتعتم به منهن فآتوهن اجورهن فريضة}
أي آتوهن صدقاتهن معلومة ، وهذا قول مجاهد ، والحسن ، وأحد قولي ابن عباس .
والقول الثاني : إنها المتعة إلى أجل مسمى من غير نكاح ، قاله ابن عباس (2) .
__________
(1) القيسي في " الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه " ص 221-224
(2) القاضي الماوردي في تفسيره 2/ 471(95/70)
6- وقال النسفي في تفسيره ما نصه : { فما استمتعتم به منهن } فما نكحتموهن منهن { فآتوهن أجورهن } مهورهن لأن المهر ثواب على البضع فما في معنى النساء ومن للتبعيض أو للبيان ويرجع الضمير إليه على اللفظ في به وعلى المعنى في فآتوهن { فريضة } حال من الأجور أي مفروضة أو وضعت موضع إيتاء لأن الإيتاء مفروض أو مصدر مؤكد أي فرض ذلك فريضة {ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة } فيما تحط عنه من المهر أو تهب له من كله أو يزيد لها على مقداره أو فيما تراضيا به من مقام أو فراق .
وقيل : إن قوله فما استمتعتم نزلت في المتعة التي كانت ثلاثة أيام حين فتح الله مكة على رسوله ثم
نسخت .(1)
7-و قال الجصاص {فما أستمتعتم به منهن } يعني دخلتم بهن { فآتوهن أجورهن } كاملة و هو كقوله تعالى {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة }وقوله تعالى { فلا تأخذوا منه شيئا} والاستمتاع هو الانتفاع وهو ههنا كناية عن الدخول ...وفي فحوى الآية من الدلالة على أن المراد النكاح دون المتعة ثلاثة اوجه ......(2)
8- وقال نظام الدين النيسابوري في تفسيره {فما استمتعتم به منهن } أي فما استمتعتم به من المنكوحات ، من جماع ، أو عقد عليهن ، أو خلوة صحيحة عند أبي حنيفة { فآتوهن أجورهن } أي عليه ، فأسقط الراجع للعلم به ، ويجوز أن يراد بما النساء ، ومن للتبعيض أو للبيان لا لابتداء الاستمتاع ، ويكون رجوع الضمير إليه في {به} على اللفظ وفي { فآتوهن } على المعنى . والأجور : المهور ، لأن المهر ثواب على البضع كما يسمى بدل منافع الدار والدابة أجرا ( فريضة ) حال من الأجور ، بمعنى مفروضة أو أقيمت مقام إيتاء ، لأن الإيتاء مفروض أو مصدر مؤكد : أي فرض ذلك فريضة ، ولا يخفى أنه إن استمتع بها بدخول بها يجب تمام المهر ، وان استمتع بعقد النكاح فقط فالأجر نصف المهر .
__________
(1) مدارك التنزيل وحقائق التأويل 1/ 304-305
(2) " أحكام القرآن " 2/ 146(95/71)
قال أكثر علماء الأمة : إن الآية في النكاح المؤبد ، وقيل المراد بها حكم المتعة ... واتفقوا على أنها كانت مباحة في أول الإسلام ، ثم السواد الأعظم من الأمة على أنها صارت منسوخة ، وذهب الشيعة إلى أنها ثابتة كما كانت .....{ ولاجناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة } الذين حملوا الآية على بيان حكم النكاح ، قالوا : المراد أنه إذا كان المهر مقدرا بمقدار معين فلا حرج في أن تحط عنه شيئا أو تبرئه عنه بالكلية . كقوله { فإن طبن لكم عن شيء }
وقال الزجاج : لا أثم عليكم في أن تهب المرأة للزوج مهرها ، أو يهب الزوج للمرأة تمام المهر إذا طلقها قبل الدخول .
قال أبوحنيفة : إلحاق الزيادة بالصداق جائز ، لأن التراضي قد يقع على الزيادة ، وقد يقع على النقصان ، وهي ثابتة إن دخل بها أو مات عنها ، أما إذا طلقها قبل الدخول بطلت الزيادة وكان لها نصف المسمى في العقد .
وقال الشافعي : الزيادة بمنزلة الهبة ، فإن أقبضها ملكته بالقبض ، وإن لم يقبضها بطلت . والدليل على بطلان هذه الزيادة أنها لو التحقت بالأصل ، فإما أن ترفع العقد الأول وتحدث عقدا ثانيا وهو باطل بالإجماع ،وإما أن تحصل عقدا مع بقاء العقد الأول وهو تحصيل الحاصل .
والذين حملوا الآية على حكم المتعة قالوا : المراد أنه ليس للرجل سبيل على المرأة من بعد الفريضة وهي المقدار المفروض من الأجر والأجل ، فان قال لها زيدي في الأيام وأزيد في الأجر فهي بالخيار(1).
__________
(1) " غرائب القرآن ورغائب الفرقان "4/ 15-18(95/72)
9- وقال الشنقيطي عند تفسيره { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة} ما نصه : يعني : كما إنكم تستمتعون بالمنكوحات فأعطوهن مهورهن في مقابلة ذلك وهذا المعنى تدل له آيات من كتاب الله كقوله تعالى { وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض } فإفضاء بعضهم إلى بعض المصرح بأنه سبب لاستحقاق الصداق كاملا هو بعينه الاستمتاع المذكور هنا في قوله { فما استمتعتم به منهن} وقوله { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } وقوله { ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا } فالآية في عقد النكاح لا في نكاح المتعة كما قال به من لا يعلم معناه (1).
10- وقال جلال الدين في تفسير الجلالين ما نصه : { فما } فمن { استمتعتم } تمتعتم { به منهن } ممن تزوجتم بالوطء {فآتوهن أجورهن } مهورهن التي فرضتم لهن { فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم } أنتم وهن { به من بعد الفريضة } من حطها أو بعضها أو زيادة عليها (2).
11- وقال الشيخ عبد الكريم الخطيب في تفسيره : {فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة } الاستمتاع المطلوب إيتاء الأجر عنه هنا ، هو ما يحققه الزواج للرجل من سكن نفسي ، وأنس روحي ، وقرة عين بالبنين والبنات إلى ما يجد من إشباع لغريزته الجسدية مع العفة والتصّون .. و "ما " في قوله تعالى فما استمتعتم به منهن .. اسم موصول لغير العاقل ، معدول به عن " من" التي يقع في حيزها العقلاء وهن النساء المرغوب في الزواج منهن وفي اختيار النظم القرآني لهذا الأسلوب إعجاز من إعجازه ... فإن ما في كلمة {ما } من التجهيل والتفخيم ما يلقي إلى شعور الرجال إحساساً بعظم الأمانة التي سيحملونها بهذا الزواج الذي هم مقدمون عليه وبأنه نعمة عظيمة من نعم الله لمن يعرف كيف يكشف أسرارها ويتعرف على مواقع الخير فيها (3).
__________
(1) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن" 1/384
(2) الجلالين ص 95
(3) التفسير القرآني للقرآن " 5/740 -753 .(95/73)
فالمرأة عالم رحيب ، أشبه بالبحر ، تكمن في أعماقه اللآلئ والدرر كما تضطرب في كيانه الحيتان والأخطبوطات .. والصيد في هذا البحر يحتاج إلى مهارة وكياسة وإلا وقع المحذور وساءت العاقبة.
هذا وقد حمل كثير من المفسرين قوله تعالى فما استمتعتم به منهن .. على نكاح " المتعة " وإن قوله تعالى فآتوهن أجورهن هو إشارة إلى الثمن الذي يقدمه الرجل للمرأة مقابل الاستمتاع بها.
والآية الكريمة في منطوقها لا تعطي هذا المفهوم ، الذي فوق إنه - في وضعه هذا - عنصر دخيل على القضية التي أمسك القرآن الكريم بجميع أطرافها هنا ، وهي قضية " الزواج " وما أحل الله وما حّرم على الرجال من النساء - فوق هذا فإن هذا المفهوم يناقض قوله تعالى {فريضة } الذي هو وصف ملازم للمهر الذي أشار إليه سبحانه تعالى بقوله فآتوهن أجورهن فريضة كما إنه يناقض قوله تعالى والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون .
والمرأة المتمتع بها ليست زوجة لأنها لا تحسب في الأربع المباح للرجل الإمساك بهن ولا ترث المتمتع بها ولا يرثها كما أنها ليست ملك يمين لمن يتمتع بها ...إن القرآن الكريم لم يجر فيه ذكر بإباحة المتعة وإن الآية الكريمة التي يستشهدون بها لهذا وهي قوله تعالى فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن إنما هي لتقرير حكم من أحكام الزواج الشرعي الدائم وهذا الحكم هو المهر الواجب لصحة عقد هذا الزواج (1) .
__________
(1) " التفسير القرآني للقرآن " 5/740 -753(95/74)
12- وقال الشيخ محمد علي السايس في تفسيره { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة} - ما - واقعة على الاستمتاع والعائد في الخبر محذوف أي فآتوهن أجورهن عليه كقوله { ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور } أي منه ويجوز أن تكون واقعة على النساء وأعاد الضمير في به عليها باعتبار اللفظ وفي منهن باعتبار المعنى وقوله فريضة معمول لفرض محذوف والمراد بالأجور المهور لأنها في مقابلة الاستمتاع فسميت أجر.{ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة} من حط لكله أو بعضه أو زيادة عليه - أمر بإيتاء الأزواج مهورهن وأجاز الحط بعد الاتفاق برضا الزوجين - وعلى ذلك تكون الآية نزلت في النكاح المتعارف .
وقيل نزلت في المتعة وهي أن يستأجر الرجل المرأة بمال معلوم إلى أجل معين وكان الرجل ينكح امرأة وقتاً معلوماً ليلة أو ليلتين أو أسبوعاً بثبوت أو غير ثبوت ويقضي منها وطراً ثم يتركها .
واتفق العلماء على أنها كانت جائزة ثم اختلفوا فذهب الجمهور إلى أنها نسخت وذهب ابن عباس إلى إنها لم تنسخ وهناك رواية عنه أنها نسخت وروى أنه رجع عن القول بها قبل موته.
والراجح أن الآية ليست في المتعة لأن الله ذكر المحرمات في النكاح المتعارف ثم ذكر إنه أحل ما وراء ذلكم أي في هذا النكاح نفسه .
والراجح أن حكم المتعة الثابت بالسنة قد نسخ لما أخرج مالك عن علي أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن متعة النساء وعن أكل لحوم الحمر الإنسية .....(1)
13- وقال الشيخ محمد السيد طنطاوي في تفسيره :
قال تعالى { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة}
والاستمتاع : طلب المتعة والتلذذ بما فيه منفعة ولذة .
والمراد بقوله { أجورهن } أي مهورهن لأنها في مقابلة الاستمتاع فسميت أجراً .
و (ما) في قوله { فما استمتعتم به منهن .. }واقعة على الاستمتاع . والعائد في الخبر محذوف أي فآتوهن أجورهن عليه .
__________
(1) " آيات الأحكام " ص76(95/75)
والمعنى : فما انتفعتم وتلذذتم به من النساء عن طريق النكاح الصحيح فآتوهن أجورهن عليه.
ويصح أن تكون { ما } واقعة على النساء باعتبار الجنس أو الوصف .
وأعاد الضمير عليها مفرداً في قوله { به} باعتبار لفظها ، وأعاده عليها جمعا في قوله { منهن}
باعتبار معناها .
ومن في قوله { منهن } للتبعيض أو للبيان . والجار والمجرور في موضع النصب على الحال من ضمير {به} والمعنى : فأي فرد أو الفرد الذي تمتعتم به حال كونه من جنس النساء أو بعضهن فأعطوهن أجورهن على ذلك . والمراد من الأجور : المهور وسمى المهر أجراً لأنه بدل عن المنفعة لا عن العين.
وقوله { فريضة } مصدر مؤكد لفعل محذوف أي : فرض الله عليكم ذلك فريضة ، أو حال من الأجور بمعنى مفروضة . أي : فآتوهن أجورهن حالة كونها مفروضة عليكم .
ثم بين - سبحانه - أنه لا حرج في أن يتنازل أحد الزوجين لصاحبه عن حقه أو عن جزء منه مادام ذلك حاصلاً بالتراضي فقال - تعالى { ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن الله كان عليما حكيما } أي : لا إثم ولا حرج عليكم فيما تراضيتم به أنتم وهن من إسقاط شيء من المهر أو الإبراء منه أو الزيادة عليه ما دام ذلك بالتراضي بينكم ومن بعد اتفاقكم على مقدار المهر الذي سميتموه وفرضتموه على أنفسكم .
وقد ذيل - سبحانه - الآية الكريمة بقوله { إن الله كان عليما حكيما } لبيان أن ما شرعه هو بمقتضى علمه الذي أحاط بكل شيء وبمقتضى حكمته التي تضع كل شيء في موضعه .(95/76)
فأنت ترى أن الآية الكريمة مسوقة لبيان بعض الأنواع من النساء اللاتي حرم الله نكاحهن ، ولبيان ما أحله الله منهن بعبارة جامعة ، ثم لبيان أن الله تعالى قد فرض على الأزواج الذين يبتغون الزوجات عن طريق النكاح الصحيح الشريف أن يعطوهن مهورهن عوضاً عن انتفاعهم بهن وأنه لا حرج في أن يتنازل أحد الزوجين لصاحبه عن حقه أو عن أي شيء منه مادام ذلك بسماحة نفس ، ومن بعد تسمية المهر المقدر .
هذا ، وقد حمل بعض الناس هذه الآية على أنها واردة في نكاح المتعة وهو عبارة عن أن يستأجر الرجل المرأة بمال معلوم إلى أجل معين لكي يستمتع بها .
قالوا : لأن معنى قوله تعالى { فما استمتعتم به منهن فأتوهن اجورهن } : فمن جامعتموهن ممن نكحتموهن نكاح المتعة فآتوهن أجورهن .
ولا شك أن هذا القول بعيد عن الصواب ، لأنه من المعلوم أن النكاح الذي يحقق الإحصان والذي لا يكون الزوج به مسافحا . هو النكاح الصحيح الدائم المستوفى شرائطه ، والذي وصفه الله تعالى بقوله { وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا باموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة}
وإذاً فقد بطل حمل الآية على أنها في نكاح المتعة ، لأنها تتحدث عن النكاح الصحيح الذي يتحقق معه الإحصان ولا يقصد به سفح الماء وقضاء الشهوة ..
قال بعض العلماء : وهذا النص وهو قوله تعالى { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة } قد تعلق به بعض المفسدين الذين لم يفهموا معنى العلاقات المحرمة بين الرجل والمرأة ، فادعوا أنه يبيح
المتعة ... والنص بعيد عن هذا المعنى الفاسد بعد من قالوه عن الهداية ، لأن الكلام كله في عقد الزواج فسابقه ولاحقه في عقد الزواج والمتعة حتى على كلامهم لا تسمى عقد نكاح أبداً .(95/77)
وقد تعلقوا مع هذا بعبارات رواها عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه أباح المتعة في غزوات ثم نسخها ، وبأن ابن عباس كان يبيحها في الغزوات وهذا الاستدلال باطل لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم - نسخها فكان عليهم عند تعلقهم برواية مسلم أن يأخذوا بها جملة أو يتركوها ، وجملتها تؤدي إلى النسخ لا إلى البقاء (1).
14- وقال سعيد حوى في تفسيره " الأساس في التفسير " ما نصه : حمل بعضهم قوله تعالى { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة } على أنه في نكاح المتعة ، والنص لا يفهم ذلك كما رأينا ، وسواء كانت في نكاح المتعة أو لم تكن ، فحرمة نكاح المتعة مقررة في السنة وثابتة فيها ، فالمسألة تدور بين كون الآية منسوخة بالسنة إذا فهمناها على أنها في المتعة أو أنها غير منسوخة إذا فهمناها على إنها في غير المتعة ، والعمدة في تحريم المتعة ما ثبت في الصحيحين عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قال : " نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر " ، وفي صحيح مسلم عن سبرة بن معبد الجهني أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوم فتح مكة فقال : " يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرّم ذلك إلى يوم القيامة ، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا (2).
15- وقال عبد الحميد كشك في تفسيره " في رحاب التفسير " ما نصه : { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة } أي وأي امرأة من النساء اللواتي أحللن لكم تزوجتموها ، فأعطوها الأجر وهو المهر بعد أن تفرضوه في مقابلة ذلك الاستمتاع .
__________
(1) " الوسيط " 3/ 144
(2) " الأساس في التفسير المجلد الثاني(95/78)
وسر هذا : أن الله لما جعل للرجل على المرأة حق القيام ، وحق رياسة المنزل الذي يعيشان فيه : وحق الاستمتاع بها ، فرض لها في مقابلة ذلك جزاء وأجراً تطيب به ويتم به العدل بينها وبين زوجها.
والخلاصة : أن أي امرأة طلبتم أن تتمتعوا وتنتفعوا بتزوجها فأعطوها المهر الذي تتفقون عليه عند العقد فريضة فرضها الله عليكم ، وذلك أن المهر يفرض ويعين في عقد النكاح ويسمى ذلك إيتاءً وإعطاء ويقال عقد فلان على فلانة وأمهرها ألفاً كما يقال فرض لها ألفاً ومن هذا قوله تعالى { وقد فرضتم لهن فريضة } وقوله { ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة } فالمهر يتعين بفرضه في العقد ويصير في حكم المعطى وقد جرت العادة بان يعطى كله أو أكثره قبل الدخول ولكن لا يجب كله إلا بالدخول فمن طلق قبله وجب عليه نصفه لا كله ومن لم يعط شيئاً قبل الدخول وجب عليه كله بعد .{ ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة } أي ولا تضييق عليكم إذا تراضيتم على النقص في المهر بعد تقديره أو تركه كله والزيادة فيه إذ ليس الغرض من الزوجين إلا أن يكونا في عيشة راضية يستظلان فيها بظلال المودة والرحمة ، والهدوء والطمأنينة ، والشارع الحكيم لم يضع لكم إلا ما فيه سعادة الفرد والأمة ورقى الشؤون الخاصة والعامة .
{ إن الله كان عليما حكيما } وقد وضع لعباده من الشرائع بحكمته ما فيه صلاحهم ما تمسكوا به ومن ذلك أنه فرض عليهم عقد النكاح الذي يحفظ الأموال والأنساب وفرض على من يريد الاستمتاع بالمرأة مهراً يكافئها به على قبولها قيامه ورياسته عليها ثم أذن للزوجين أن يعملا ما فيه الخير لهما من رضى فيحطا المهر كله أو بعضه أو يزيدا عليه .(95/79)
ونكاح المتعة " وهو نكاح المرأة إلى أجل معين كيوم أو أسبوع أو شهر " كان مرخصاً فيه في بدأ الإسلام وأباحه النبي لأصحابه في بعض الغزوات لبعدهم عن نسائهم ، فرخص فيه في مرة أو مرتين خوفاً من الزنا فهو من قبيل ارتكاب أخف الضررين ثم نهى عنها نهياً مؤبداً لأن المتمتع به لا يكون مقصده الإحصان و إنما يكون مقصده المسافحة وللأحاديث المصرحة بتحريمه تحريماً مؤبداً إلى يوم القيامة ونهى عمر في خلافته وإشادته بتحريمه على المنبر وإقرار الصحابة له(1).
فكبار أهل التفسير من أهل السنة ذهبوا إلى أن الآية في النكاح القرآني كابن الجوزي والزجاج والطبري والنحاس و الجصاص و الكيا الهراسي وابن كثير والشوكاني والألوسي ورشيد رضا والسايس والخطيب والطنطاوي أجمعوا على تفسير الآية على اعتبارها في النكاح ثم حكاية الرأي القائل إنها في المتعة .
ثانيا : إن الشيعة لم يتفقوا على نزول هذه الآية في المتعة واليك البيان :
ب- ذكر تفاسير الشيعة :
1- قال الطبرسي في تفسيره ما نصه : { فما استمتعتم به منهن فآتوهن اجورهن فريضة } قيل المراد بالاستمتاع هنا درك البغية والمباشرة وقضاء الوطر من اللذة ... عن الحسن ومجاهد وابن زيد والسدي فمعناه على هذا فما استمتعتم أو تلذذتم من النساء بالنكاح فآتوهن مهورهن .
وقيل المراد به نكاح المتعة ..... عن ابن عباس والسدي وابن سعيد وجماعة من التابعين وهو مذهب أصحابنا الإمامية ....(2)
2- وقال الطوسي في تفسيره التبيان 3/165 ما نصه : {فما استمتعتم به منهن }
قال الحسن ومجاهد وابن زيد هو النكاح!
وقال ابن عباس والسدي : هو المتعة إلى أجل مسمى وهو مذهبنا (3).
__________
(1) في رحاب التفسير " المجلد الأول 5/ 879-880
(2) مجمع البيان 5/71
(3) التبيان 3/165(95/80)
3- ويقول عبد الله شبر في تفسيره المسمى "الجوهر الثمين "2/ 31 ما نصه : قوله تعالى {فما استمتعتم به منهن} فمن تمتع به من المنكوحات أو فما استمتعتم به منهن من جماع أو عقد عليهن(1).
4- وقال الشيخ محمد المشهدي في تفسيره " كنز الدقائق" ما نصه :{ فما استمتعتم به منهن } فمن تمتعتم به من المنكوحات أو فما استمتعتم به منهن من جماع أو عقد عليهن (2).
5- وقال الشيخ السبزواري في تفسيره "الجديد في تفسير القرآن المجيد " ما نصه: فقوله تعالى {استمتعتم } يعني تمتعتم به منهن من لذة (3).
وقيل المراد به نكاح المتعة ..... عن ابن عباس والسدي وابن سعيد وجماعة من التابعين وهو مذهب أصحابنا الإمامية .) انتهى كلامه .
من كل هذا نلخص أن السنة والشيعة لم يتفقوا على نزول هذه الآية في نكاح المتعة بل لم يتفقوا على تشريع المتعة بهذه الآية .
فأين اتفاق أهل التفسير من السنة والشيعة على تشريع هذا النكاح بآية 24 من سورة النساء ؟!
وبعد أن علمنا أن أغلب أهل التفسير فسروا الآية أنها في النكاح القرآني ، لابد من بيان أنها في النكاح الدائم فعلا بأدلة قاطعة لا يتطرق إليها الشك أبدا وأن هذا القول يستند إلى أقوى الأدلة والبراهين ، ومن أجل بيان ذلك نورد بقية شبهات القائلين بالمتعة مع أدلتنا لكي تكون هذه الحجج دامغة .
والجواب عن الشبهة (2) :
__________
(1) الجوهر الثمين "2/ 31
(2) " كنز الدقائق" 2/414
(3) "الجديد في تفسير القرآن المجيد(95/81)
إن الآية الكريمة في منطوقها لا تعطي هذا الفهم - أي أنها في المتعة -الذي فوق انه في وضعه هذا - عنصرا دخيلا على القضية التي أمسك القرآن بجميع أطرافها هنا وهي قضية الزواج وما أحل الله وما حرم على الرجال من النساء فدلالة الآية لا تدل على ما ذهبوا إليه من جواز عقد المتعة بل هي حجة عليهم بدليل سياقها إذ لا تعلق لها بموضوعنا " المتعة " إطلاقا فهو استدلال في غير موضوع البحث بل الآية واردة في نكاح الزوجات الدائم المشروع يدل على ذلك سوابقها وسياقها ولواحقها فاستدلالهم مردود يتنافى مع أسلوب اللغة وبلاغتها يرشدك إلى هذا ما يلي :
أ) سوابق الآية :
بين سبحانه من يحرم نكاحهن من الأقارب فقال تعالى { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فان لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفورا رحيما والمحصنات من النساء إلا ما ملكت ايمانكم .
ب) سياق الآية :
ثم قال تعالى مباشرة { وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن الله كان عليما حكيما}
ج) لواحق الآية :(95/82)
ثم قال الله تعالى مباشرة { ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ذلك لمن خشى العنت منكم وأن تصبروا خيرلكم والله غفور رحيم }
ولا جرم أن هذا السياق من أول الآية إلى آخرها خاص بالنكاح الدائم فكان هذا مانعا أن يقحم نكاح المتعة في وسطها و مانعا أيضا من الدلالة على ذلك لوحدة السياق الذي ينتظم وحدة الموضوع التي تتناولها الآيات بأحكامها ، فالاستدلال بهذه الآية على جواز المتعة تكلف وتأويل للآية الكريمة تأويلا مستكرها ويؤكد هذا النظر أنك لو أمعنت النظر في السابق واللاحق لوجدت :
1) أن قوله تعالى { فما استمتعتم } مراد به الاستمتاع بالنكاح الصحيح المشروع لا هذا السفاح - المتعة !! لأن منطوق الآية من أوله إلى آخره في موضوع النكاح الدائم المشروع فقد ذكر الله ثلاث مرات لفظة " النكاح " تارة بقوله تعالى { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم } و ثانية بقوله تعالى { ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح }
و ثالثة بقوله {فانكحوهن بإذن أهلهن } و لم يذكر المتعة و لا الإجارة فيصرف قوله تعالى {فما استمتعتم } إلى النكاح ، فحمل العبارة المتوسطة بقطع الكلام من السياق والسباق تحريف صريح لكلام الله تعالى لأن العطف بالفاء مانع من قطع المعنى بعدها عما قبلها فالفاء تربط ما بعدها بما قبلها وإلا تفكك النظم القرآني فيتعين أن يكون قوله تعالى ( فما استمتعتم ) منصرفا إلى النكاح الدائم الصحيح لا إلى المتعة لأن العطف يمنع هذا الانقطاع كما هو مبين في النحو ......(95/83)
ولو كانت هذه الجملة لبيان المتعة لاختل نظم هذه الآيات الثلاث و لبقى الكلام الأول في أصل النكاح أبتر و لبطل التفريع بالفاء و هذا غير صحيح لغة .
2) إن قوله تعالى { أن تبتغوا بأموالكم محصنين } أي وأحل لكم ما وراء ذلكم لأجل أن تبتغوه وتطلبوه بأموالكم التي تدفعونها مهرا للزوجة أو ثمنا للأمة ، محصنين أنفسكم ومانعين لها من الاستمتاع بالمحرم باستغناء كل منهما بالآخر ، إذ الفطرة تدعو الرجل إلى الاتصال بالأنثى ، والأنثى إلى الاتصال بالرجل ليتزوجا.
فالإحصان هو هذا الاختصاص الذي يمنع النفس أن تذهب أيّ مذهب ، فيتصل كل ذكر بأي امرأة وكل امرأة بأي ذكر ، إذ لو فعلا ذلك لما كان القصد من هذا إلا المشاركة في سفح الماء الذي تفرزه الفطرة إيثارا للذة على المصلحة ، إذ المصلحة تعدو إلى اختصاص كل أنثى بذكر معين ، لتتكون بذلك الأسرة ويتعاون الزوجان على تربية أولادهما ، فاذا انتفى هذا المقصد كما هو الحال في امرأة المتعة إذ كل شهر تحت صاحب بل كل يوم في حجر ملاعب فالمتمتع بها لا يقصد الإحصان دون المسافحة بل يكون قصده المسافحة ، فانحصرت الداعية الفطرية في سفح الماء وصبه ، وذلك هو البلاء العام الذي تصطلي بناره الأمة كلها.....
و الإحصان هنا بمعنى العفة وتحصين النفس ومنعها فيما يغضب الله أي متناكحين نكاحا شرعيا صحيحا يحصنهم والإحصان لا يكون إلا في نكاح صحيح لأن الناكح بالمتعة لا يكون محصناً بل عند المجيزين لا يثبت حكم الإحصان إلا بالعقد الدائم أو الملك بخلاف العقد المنقطع فلا إحصان به ، فبطلت المتعة بهذا القيد لأن الإحصان لا يكون إلا في نكاح صحيح والقائلين بالمتعة يقولون أن المتعة لا يوجب إحصانا فالإحصان لا يكون مقصودا في المتعة أصلا إذ امرأة المتعة كل شهر تحت صاحب بل كل يوم في حجر ملاعب فالمتمتع بها لا يقصد الإحصان دون المسافحة بل يكون قصده المسافحة فلزمهم أن يفسروه بالنكاح الصحيح .(95/84)
إن قوله تعالى { غير مسافحين } أي لا زانين مسافحين يعني في حال كونكم مخصصين أزواجكم بأنفسكم ومحافظين عليهن لكي لا يرتبطن بالأجانب ولا تقصدوا بهن محض قضاء شهوتكم وصب مائكم واستبراء أوعية المني ، والسفاح مأخوذ من السفح وهو صب الماء وسيلانه وسمي به الزنا لأن الزاني لا غرض له إلا صب النطفة فقط دون النظر إلى الأهداف الشريفة التي شرعها الله وراء النكاح ، وهذا إشارة إلى تحريم المتعة وذلك لما كان الزنا ليس إلا مجرد سفح الماء في الرحم وليس لأحكام النكاح به تعلق ، سماه الله تعالى سفاحاً، ولما كانت المتعة لا تتعلق بها لوازم الزوجية أيضا أشبهت السفاح ، فكذلك صاحب المتعة لا غرض له إلا سفح الماء فبطلت المتعة بهذا القيد .(95/85)
4) ومما يدل على أن الآية في النكاح الشرعي الدائم ، أن سياق ما بعد الآية منصب في النكاح الشرعي ، حيث يقول الله تعالى بعد الآية مباشرة { ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ....... فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان............... ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خيرلكم والله غفور رحيم } فدل على أن القرآن الكريم في هذه الآيات يبين أحكام النكاح ، الذي فصل أحكامه وأرسى قواعده ، لا متعة الشيعة التي لا هدف لها سوى مباشرة الجنس ليس إلا، فلو كانت متعة الشيعة جائزة لما نصت الآية التي بعدها صراحة على التزوج من الإماء ولما أضطر الناس إلى ذلك ولما جعل الشارع عن ترك نكاح الإماء خيرا من نكاحهن ولكان في نكاح المتعة مندوحة عن ذلك ، ففي هذه الآية ما يشير إلى وهن استدلالهم بالآية السابقة على حل المتعة لأن الله أمر بالاكتفاء بنكاح الإماء عند عدم الطول إلى نكاح الحرائر فلو كان أحل المتعة في الكلام السابق لما قال سبحانه بعده { ومن لم يستطع } لأن المتعة في صورة عدم الطول فمجرد نزول هذه الآية بعد قوله تعالى { فما استمتعتم } يكفي في تحريم المتعة فإن الآية نقلت من لا يستطيع أن ينكح " الحرة " المحصنة إلى ملك اليمين " الأمة " ولم يذكر له ما هو عليه أقدر من ملك اليمين فلو كان التمتع بكف من بر جائز لذكره ! فأية ضرورة كانت داعية إلى تحليل نكاح الإماء بهذا التقييد والتشديد و إلزام الشرط والقيود.
فيعلم أن أنواع الأنكحة ثلاثة لا كما زعموا :
1- نكاح دائم بالحرة أو حرتين أو ثلاث أو أربع .
2- نكاح دائم بالأمة لمن خاف العنت ولا يملك الطول .
3- التسري بالإماء .(95/86)
وهكذا في معرض المقارنة بين نكاح الإماء ونكاح الحرائر : لم نجد القرآن يشير إلى المتعة في معرض بيان الرخصة ورفع المشقة عند خشية العنت ..بل أباح الإماء وحث على الصبر ... قال تعالى في نفس الآية { وأن تصبروا خيرلكم والله غفور رحيم } أي أن الحل الوحيد لمن خشي العنت وعجز عن نكاح الحرائر دائر بين نكاح الإماء و الصبر !
{ انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون} المائدة /75.
ومن ذلك يعلم بطلان قولهم : " لو كانت هذه الآية في بيان الدائم للزم التكرار في سورة واحدة، لأنه لا تكرار لحكم واحد في هذه السورة ، مع أنه لا مانع يمنع ذلك ، بل إن كل آية دلت على خلاف ما دلت عليه الآية الأخرى ...وبيان ذلك : أن الآية الأولى { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } تنشئ للمرأة حقا صريحا وحقا شخصيا في صداقها ، وتنبئ بما كان واقعا في المجتمع الجاهلي من هضم هذا الحق في صور شتى ، ومنها قبض الولي لهذا الصداق وأخذه لنفسه ، وكأنما هي صفقة بيع هو صاحبها ....فدلت الآية على نهي الأولياء عن أكل مهور مولياتهن .....
أما الآية الثانية أي قوله { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن } فأوجبت على الأزواج المستمتعين من زوجاتهم بالدخول ، بإيتاء مهورهن التي سميت عند عقدة النكاح ....
فعلى هذا فلا تكرار في السورة الواحدة لحكم واحد (1).
وبالجملة هذه الآيات صريحة الدلالة على تحريم المتعة وقد تبين عدم دلالة الآية التي استدلوا بها على مدعاهم ولعمري أن القول بذلك بعيد كما لا يخفى على من أطلق ربقة قيد التقليد .
تفسير آية الاستمتاع :
__________
(1) المتعة للأهدل ص308-309(95/87)
بدأ الله تعالى بذكر المحرمات في النكاح فقال { حرمت عليكم ....} أي هؤلاء المذكورات وبعد أن أنهى البيان في ذلك عطف بقوله{و أحل لكم ما وراء ذلكم } اقتضى ذلك إباحة النكاح فيمن عدا المحرمات المذكورة أي سواهن من النساء ، فتعين أن يكون المعنى إباحة نكاح ما عدا المحرمات لا محالة ، لأنه لا خلاف في أن النكاح مراد بذلك فوجب أن يكون ذكر الاستمتاع بائنا لحكم المدخول بها بالنكاح في استحقاقها لجميع الصداق ، فقال { أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين } يعني بالنكاح أي الإحصان بعقد النكاح والمراد بقوله تعالى {محصنين } حث الرجال على حظهم المحمود فيما أبيح لهم من الإحصان دون السفاح ، فقيل لهم : اطلبوا منافع البُضع بأموالكم على وجه النكاح لا على وجه السفاح ، والسفاح اسم الزنا ، وهو مأخوذ من سفح الماء أي صبه وسيلانه ....، ثم عطف عليه حكم النكاح إذا اتصل به الدخول بقوله { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن} والمعنى فكل امرأة أو أية امرأة من أولئك النساء اللواتي أحل لكم أن تبتغوا تزوجهن بأموالكم استمتعتم بها أي تزوجتموها فأعطوها الأجر والجزاء بعد أن تفرضوه لها في مقابلة ذلك الاستمتاع وهو المهر ، والأجور : المهور وسمى المهر أجرا لأنه أجر الاستمتاع وهذا نص على أن المهر يسمى أجرا ، وذلك دليل على انه في مقابلة البُضع ، لأن ما يقابل المنفعة يُسمى أجرا .
وهل يعطى هذا الأجر المفروض والمهر المحدود قبل الدخول بالمرأة أو بعده ؟(95/88)
إذا قلنا إن السين والتاء في " استمتعتم " للطلب يكون المعنى فمن طلبتم أن تتمتعوا وتنتفعوا بتزوجها فأعطوها المهر الذي تفرضونه لها عند العقد عطاء فريضة أو حال كونه فريضة تفرضونها على أنفسكم أو فرضها الله عليكم ، وإذا قلنا إنها ليست للطلب يكون المعنى فمن تمتعتم بتزوجها منهن بأن دخلتم بها أو صرتم متمكنين من الدخول بها لعدم المانع بعد العقد فأعطوها مهرها فريضة أو افرضوه لها فريضة أو فرض الله عليكم ذلك فريضة لا هوادة فيها ، أو حال كون ذلك المهر فريضة منكم أو منه تعالى . فالمهر يفرض ويعين في عقد النكاح ويسمي ذلك إيتاء و إعطاء حتى قبل القبض
يقولون حتى الآن عقد فلان على فلانة وأمهرها بألف أو أعطاها عشرة آلاف مثلاً . وكانوا يقولون أيضاً فرض لها كذا فريضة ولذلك اخترنا أن الذي فرض الفريضة هو الزوج بتقديمه في التقدير ويؤيده قوله تعالى { ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة } وقوله { وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم } فالمهر يجب ويتعين بفرضه وتعيينه في العقد ويصير في حكم المعطى والعادة أن يعطى كله أو أكثره قبل الدخول وجب عليه نصف المهر لا كله . ومن لم يعطه قبل الدخول يجب عليه إعطاءه بعده .
والجواب عن الشبهة (3) :
إن لفظة "الاستمتاع " لا يراد بها نكاح المتعة وبيان ذلك :
أ- إن أئمة اللغة قالوا : إن " الاستمتاع " في اللغة الانتفاع ، وكل ما انتفع به فهو متاع ، يقال : استمتع الرجل بولده ، ويقال فيمن مات في زمان شبابه : لم يتمتع بشبابه ، قال تعالى عن الكفار أنهم قالوا { ربنا استمتع بعضنا ببعض } وقال تعالى { أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا و استمتعتم بها} يعني تعجلتم الانتفاع بها ، وقال { فاستمتعتم بخلاقكم } يعني بحظكم ونصيبكم من الدنيا .
ب- إن لفظ " الاستمتاع " ورد في غير هذا الموضع من القرآن ولم يرد به المتعة اتفاقاً .(95/89)
قال تعالى في سورة الأنعام / 128 { ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا }.
وقال تعالى في سورة الأحقاف /20 { أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا و استمتعتم بها}
وقال تعالى في سورة التوبة / 69 { فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم} .
ج- إن الله تعالى لم يعبر في الآية الكريمة بلفظ المصدر " الاستمتاع " ولا بلفظ اسمه " المتعة " فهو لم يقل مثلا " فما نكحتم بالمتعة " وإلا لما وجد خلاف ولكن عبر بلفظ الفعل فقال { فما استمتعتم } والفرق بينهما واضح والفعل يدور معناه على الالتذاذ والنفع كما في كتب اللغة وهو هنا بهذا المعنى وصرح أئمة اللغة بأن الفعل " استمتع " في هذا الموضع لا معنى له إلا ما ذكرنا والقول بأنه يدل على المتعة يدل على جهل بالعربية من القائل به و أهل اللسان أدرى ولو كان الله تعالى يريد نكاح المتعة لاستعمل لفظة " المتعة " التي جاءت في القرآن عدة مرات في غير النكاح { ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى } هود /3
{ ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون } الحجر /3
{والذين كفروا يتمتعون و يأكلون كما تأكل الأنعام }محمد /12
{ قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار} إبراهيم /30
{و أمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم} هود /48
{ كلوا و تمتعوا قليلا إنكم مجرمون} المرسلات /46
فهذا دليل قاطع على أن لفظ " الاستمتاع " و" التمتع " لم يقتصر في عرف الشرع على هذا العقد المعين كما زعموا.(95/90)
د- إن حقيقة " الاستمتاع " في القرآن الكريم وفي عرفه الاستعمالي لا تدل على " إنشاء عقد المتعة " أصلا في أي موضع من آي القرآن ومن ذهب إلى أن المقصود بالاستمتاع هنا هو " إنشاء عقد المتعة " فعليه بالدليل وإلا كان تقولا على الله تعالى و إنما يعبر القرآن عن إنشاء " العلاقة الزوجية الصحيحة الدائمة " إما بلفظ " النكاح " و مشتقاته وهو الكثير الغالب وإما بلفظ " التزويج ، " أما بلفظ " الاستمتاع " فلم يعهد استعماله في القرآن الكريم لإنشاء عقدٍ أصلا ، فيبقى " الاستمتاع " إذن على معناه الحقيقي اللغوي و الشرعي حتى يقوم الدليل على صرفه عن معناه الأصلي ، ثم لو كان استعمال " الاستمتاع " هنا في إنشاء عقد المتعة لاستدل ابن عباس رضي الله عنه في محاورته ابن الزبير ، وابن عباس ترجمان القرآن ولهذا قلنا إنه لا ينبغي لأحد أن يستدل على إباحة "المتعة" بالقرآن الكريم وأن ُيحمّل آياته مالا تحتمل انتصاراً لمذهب أو رأي فإن القرآن الكريم فوق كل المذاهب و الآراء جميعاً . ...
والجواب عن الشبهة (4) :
4- إن إيتاء الأجر بعد الاستمتاع بهن لا يجوز اعتباره على إباحة المتعة في شيء لأن في الآية الكريمة تقديما وتأخيرا كأنه تعالى قال : فآتوهن أجورهن إذا استمتعتم بهن أي إذا أردتم الاستمتاع بهن فهذا على طريقة في اللغة من التقديم والتأخير مثل قوله تعالى { إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن } أي إذا أردتم الطلاق أو تطليق النساء ومثل قوله تعالى{ إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا} أي إذا أردتم القيام إلى الصلاة .
والجواب عن الشبهة (5) :
إن استدلالهم بان الله تعالى قد ذكر "الأجر" { فآتوهن أجورهن} ولم يذكر المهر لا حجة فيه من وجوه:
1- " الأجر" في المفهوم القرآني ينصرف إلى " المهر" في كثير من المواضع بدلالة السياق ، ألا ترى أن القرآن الكريم استعمل " الأجر " بمعنى “ المهر" في مثل قوله تعالى :(95/91)
أ) في سورة النساء : {فأنكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف}
ب) في سورة الأحزاب { ياأيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن}
ج) في سورة الممتحنة : {ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن}
د) في سورة المائدة : {اليوم أحل لكم الطيبات ....... والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن}
و) في سورة النساء : { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن}
2- لم يثبت أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أعطى " أجرا " و إنما أعطى "مهرا " قال تعالى { ياأيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن}
يقول الطبرسي -وهو من علماء الشيعة البارزين - عند تفسيره لهذه الآية : {أجورهن} أي مهورهن لأن المهر أجر على البضع .
وقال أحمد الجزائري من علماءهم عند تفسيره لهذه الآية ما نصه : والأجور هي المهور لأن المهر أجر
البضع (1).
3- إن شيخ طائفة الشيعة الإمامية الطوسي وشيخه المرتضى قد سفها هذا القول.
قال الطوسي شيخ طائفة الشيعة الإمامية في تفسيره " التبيان " 3/166 ما نصه : وفي أصحابنا من قال: قوله : يدل على إنه أراد المتعة لأن المهر لا يسمى أجرا بل سماه الله صدقة ونحلة وهذا ضعيف لأن الله سمى المهر أجرا في قوله { فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن } {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن}ومن حمل ذلك كله على المتعة كان مرتكبا لما يعلم خلافه (2).
__________
(1) جوامع الجامع 2/330 وتفسير قلائد الدرر 3/204
(2) " التبيان " 3/166(95/92)
وقال الشريف المرتضى من أعلام الإمامية في كتابه الانتصار ما نصه : وفي أصحابنا من استدل على أن لفظة "استمتعتم " تنصرف إلى هذا النكاح المؤجل دون المؤبد بأنه تعالى سمّى العوض عليه أجرًا ولم يسم العوض على النكاح المؤبد بهذا الاسم في القرآن كله بل سماه نحلا و صداقا وفرضا و هذا غير معتمد لأنه تعالى قد سمى العوض عن النكاح المؤبد في غير هذا الموضع بالأجر في قوله تعالى { ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن } و في قوله عز و جل { فأنكحوهن باذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف} (1).
و قال ابن العربي في تفسيره : قوله تعالى{ فآتوهن أجورهن }سمّاه في هذه الآية أجرا وسماه في الآية الأولى في أول السورة نحلة (2) .
4- أن أئمتهم الذين يدعون فيهم العصمة وإنهم يعلمون تأويل القرآن وتفسيره ، يقولون إن الأجر بمعنى المهر !!
فعن عمر بن حنظلة قال : قلت لأبي عبد الله : أتزوج المرأة شهرا بشيء مسمى فتأتي بعض الشهر ولا تفي ببعض قال : يحبس عنها من صداقها مقدار ما احتبست عنك إلا أيام حيضها فإنها لها (3).
وفي رواية أخرى : " أتزوج المرأة شهرا فتريد مني المهر كملا .....
وعقد شيخهم العاملي في وسائله تحت هذه الروايات بابا سماه " باب جواز حبس المهر عن المرأة المتمتع بها.
والجواب عن الشبهة (6) :
إن هذا الاحتجاج غير سديد من وجوه:
__________
(1) الانتصارص112
(2) أحكام القرآن 1 / 499
(3) الوسائل باب جواز حبس المهر عن المرأة المتمتع بها بقدر ما تخلف من المدة إلا أيام حيضها فانها لها .(95/93)
1- إن قوله سبحانه { فما استمتعتم به منهن} متناول لكل من دخل بها ، أما غير المدخول بها ، فإنها لا تستحق إلا نصفه وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحالة ، وهي المطلقة قبل الدخول المسمى لها بقوله تعالى { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح } فأما الآية { فما استمتعتم به منهن } فهي كقوله سبحانه { وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا } فجعل الإفضاء مع العقد موجبا لاستقرار الصداق فتبين بذلك ، انه ليس لتخصيص النكاح المؤقت بإعطاء الأجر فيه دون النكاح المؤبد معنى ، بل إعطاء الصداق كاملا في المؤبد أولى.
2- إن هذا الاحتجاج غير صحيح لحكم استحقاق المبلغ في نكاح المتعة عند المجوزين .....
فهذا اكبر مرجع للشيعة يقول في كتابه تحرير الوسيلة وفي كتابه زبدة الأحكام ما نصه بالحرف الواحد : " تملك المتمتعة المهر بالعقد فيلزم على الزوج دفعه إليها بعده لو طالبته وان كان استقراره بالتمام مراعي بالدخول ووفائها بالتمكين في تمام المدة فلو وهبها المدة ، فان كان قبل الدخول لزمه نصف المهر وان كان بعده لزمه الجميع(1).
ويقول المبيحون للمتعة من علماء الشيعة في كتابهم " المتعة ومشروعيتها في الإسلام " ما نصه :
" إذا طلق الزوجة قبل الدخول يثبت لها نصف المهر المسمى وكذا إذا وهب المدة للزوجة المؤقتة قبل أن يدخل أما إذا انقضت المدة دون أن يدخل لسبب فلها المهر كاملا وقيل نصف المهر (2).
__________
(1) تحرير الوسيلة 2/289 وفي كتابه زبدة الأحكام ص248
(2) " المتعة ومشروعيتها في الاسلام ! ص119(95/94)
ويقول شيخهم بحر العلوم في كتاب المتعة ومشروعيتها في الإسلام ما نصه : " وتستحق كل من الدائمة والمنقطعة جميع المهر على الزوج بعد الدخول أما قبل الدخول فيثبت نصف المهر لو طلق في الدائم أو وهبها المدة في المنقطع (1).
ويقول العاملي في كتابه الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية : ولو كانت الهبة بعد الدخول للجميع أو البعض لم يسقط منه شيء قطعا لاستقراره بالدخول (2).
وإذا كان المهر في الزواج يتشطر ، نصفه تستحقه بالعقد ونصفه بالدخول وأوضح ما يكون ذلك في الطلاق قبل الدخول أو بعده ، فان الأمر في المتعة لا يختلف بشهادة أكبر إمام شيعي إمامي معاصر.
مع ملاحظة أن المتعة لا طلاق فيها لا قبل الدخول ولا بعده ، و إنما تنتهي العلاقة بانتهاء الأجل المتفق عليه وهناك صورة محتملة يشبه الأمر فيها الطلاق قبل الدخول في النكاح المعتاد .
فلو أن إنسانا كان في سفر وعقد اتفاقا مع امرأة ليتمتع بها بمبلغ معين في زمن معين ، ثم كلف بالسفر أو الخروج من هذا البلد لسبب من الأسباب قبل انقضاء المدة المتفق عليها فليس بإمكانه الطلاق لأنه لا يملكه ولكن بإمكانه أن يهبها المدة الباقية . ولا تخلو هذه الهبة التي حلت محل الطلاق من أن تكون قبل الدخول أو بعده . فان كانت قبله استحقت نصف المتفق عليه وان كانت بعده استحقت المبلغ كله وبهذا ينعدم الفرق بين المتعة والنكاح المشروع في هذه الحالة . ويصبح فهم الآية على أنها خاصة بالمتعة لا أساس له . وإذا كان أصحاب المتعة يرون عدم صلتها بالنكاح المعتاد لعدم إشارتها إلى تشطير المهر فإننا نقول لهم : وهي بهذا الشرط لا علاقة لها بالمتعة ، لأنها لا تختلف عن الزواج في هذا الحكم !
وهل لأن الآية لم تشر إلى تشطير المهر تصبح دليلا على المتعة ؟!
__________
(1) كتاب المتعة ومشروعيتها في الاسلام ص266
(2) العاملي في كتابه الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 5/285(95/95)
فماذا تقولون في قوله تعالى { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } وهي لم تشر إلى تقسيم الصداق ..
فهل هذا أيضا في المتعة ؟!
إنها تتحدث عن الصداق الذي هو من خواص النكاح ولا علاقة له بمسألة الأجر المتفق عليه في المتعة موضوع البحث (1).
والجواب عن الشبهة (7) من وجوه :
1- إن المقصود " بالاستمتاع" في سياق الآية الكريمة هو "الاستمتاع بالزوجة " المعقود عليها نكاحا صحيحا مشروعا دائما و إنما أورده الله تعالى هنا ، للدلالة على "تأكيد المهر" بعد الاستمتاع وعدم قابليته للسقوط بعد هذا الاستمتاع ، إذ من المعلوم أن "عقد الزواج" وان كان يثبت به المهر كاملا ، أثر إبرامه ، وتستحقه الزوجة بنفس العقد ،غير انه يثبت ثبوتا قابلا لسقوط بعضه ، كالطلاق قبل الدخول ، مثلا حيث يثبت نصفه فقط ، أما بعد "الاستمتاع " بالزوجة فيتأكد "المهر" كاملا ويصبح العقد غير قابل لأن يسقط شيء منه .
فالآية الكريمة { فما استمتعتم به منهن } تفيد أن المهر يتأكد وجوبه كاملا بالاستمتاع ، لا بعقد الزواج وحده لأنه عرضة لأن يسقط نصفه بالطلاق قبل الدخول فيتأكد حق المرأة في تمام المهر بالدخول فالاستمتاع هنا أثر لعقد النكاح الصحيح الدائم الذي يثبت به المهر كاملا غير قابل للسقوط وليس إنشاء لعقد المتعة.
فالآية الكريمة تبين حكم المرأة المدخول بها التي سمي لها الصداق ولم تستلمه فقال سبحانه { فما استمتعتم به منهن } أي بالدخول فعلا بموجب العقد وقد سميتم لهن الصداق ولكن لم تسلموه إليهن فآتوهن أجورهن فريضة لازمة لا يحق لكم أن تنقصوهن منه شيئا كما قال تعالى في آية أخرى { وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا}
فتكون الآية مبينة لحكم صداق المدخول بها المسمى لها المستمتع منها .
فالآية { فما استمتعتم به منهن فآتوهن } أمر بإيتائهن وهو إنشاء الإيتاء .
__________
(1) انظر كتاب السائح علي " الأصل في الأشياء ص78-79و96-98 .(95/96)
وآية { وآتيتم إحداهن قنطارا } أخبار عن إيتاء سابق والفرق بينهما هو الفرق بين مدلول الأمر الذي للإنشاء والخبر الواقع بالفعل .
فآية { فما استمتعتم } تتكلم عن استمتاع سابق وقع بهن وحصل الرجل عليهن منهن ، فطولبوا بدفع أجورهن إليهن .
وهذا الاستمتاع الواقع بالفعل المطلوب إعطاء الأجر عليه لا بد له من عقد سابق يبيحه ولا يكون إلا بالملك أو النكاح الدائم .
فالزوجات مع المهر لهن أربع حالات :
أ- معقود عليها ولم يسم لها ولم يدخل بها .
ب- معقود عليها وسمي لها وغير مدخول بها .
ج- معقود عليها ولم يسم لها ودخل بها .
د- معقود عليها وسمي لها ودخل بها .
وقد جاء القرآن الكريم ببيان تلك الحالات بالنسبة لاستحقاق المهر كله أو بعضه قبل الدخول أو بعده أي في حالة الفرقة بالطلاق .
الحالة الأولى : وهي إذا عقد عليها ولم يسم لها صداقا ولم يدخل بها وطلقها قال تعالى: {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين}
الحالة الثانية : هي المعقود عليها والمسمى لها ولم يدخل بها وطلقها فقال تعالى : {وإن طلقتموهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح} .
الحالة الثالثة : فشملها عموم قوله تعالى{وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } وقد أجمع الفقهاء على أن المدخول بها التي لم يسم لها أن لها صداق المثل ولعل التعبير عن الصداق بنحلة مما يؤيد ذلك لأنه بعد الدخول والتمكين أصبح كالهبة والعطية يعطيه الزوج نحلة وإلا لتوقفت عن تسليم نفسها حتى تقبض صداقها .(95/97)
الحالة الرابعة : فلعل هذه الهدية تعتبر تتمة حلقة التشريع وذلك في حق المدخول بها المسمى لها ولم تستلم صداقها فقال تعالى : {فما استمتعتم به منهن } أي بالدخول فعلا بموجب العقد السابق وقد سميتم لهن الصداق ولكن لم تسّلموه إليهن {آتوهن أجورهن فريضة }لازمة لا يحق لكم أن تنقصوهن منه شيئا {وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا} فاستوجب الإفضاء والمسيس كامل الصداق { فان طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا } وهذا لا يكون إلا في غير المدفوع فتكون الآية { فما استمتعتم به منهن } مبينة لحكم صداق المدخول بها المسمى لها المستمتع منها .
وقد أشار القرطبي إشارة مجملة خفيفة إلى هذا فقال : ولو قال قائل إن آية {آتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا }كافية عن هذا المعنى فإنما يقال له ليست كافية ، لأن تلك فيها آتاها وسلّمها بالفعل فلا يعود للأخذ منه وهذه لمن لم يسلمها شيئا فليؤتها أجرها فريضة لازمة .
ومما يشهد لهذا تقدم الآية بقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة}
فحرم أن يرثوهن كرها وهذا يشمل عدم إعطائهن ما لهن من الصداق ونهى عن عضلهن للذهاب ببعض ما آتيناهن وهذا يشمل ما قد تسلمنه فعلا ليسترجع منهن بعضه فقد فرقت الآية هنا بين المسلّم لها فعلا وما لم يسلّم فما لم يسلّم لا يحل له ميراثه كرها عليها ، اللهم إلا إن طبن نفسا عن شيء منه وما سلم فعلا فلا يضيعه عليهن لاسترجاع بعضا منه ولو كان قنطارا (1).
والجواب عن الشبهة (8) من وجوه عديدة:
1- إن لفظة " إلى أجل مسمى " جاءت في القرآن ( 18) مرة في آيات متفرقة وهي:
قال تعالى في سورة البقرة / 282 {إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه}
__________
(1) انظر تحريم نكاح المتعة مقدمة شيخنا عطية محمد ص75- 78(95/98)
وقال تعالى في سورة الأنعام / 2 { و هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلاً وأجل مسمى}
وقال تعالى في سورة الأنعام / 60 {ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم}
وقال تعالى في سورة هود / 3 {ثم توبوا إليه يمتعكم متاعاً حسناً إلى أجل مسمى}
وقال تعالى في سورة النحل / 61 { ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى}
وقال تعالى في سورة فاطر / 45{ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى}
وقال تعالى في سورة إبراهيم / 10 {يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى}
وقال تعالى في سورة طه /129 {ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاماً وأجل مسمى}
وقال تعالى في سورة الحج / 5 {ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى}
وقال تعالى في سورة الحج / 33{ لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق }
وقال تعالى في سورة العنكبوت / 53 { ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب}
وقال تعالى في سورة الرعد / 2 { وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى }
وقال تعالى في سورة لقمان / 29{وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى }
وقال تعالى في سورة فاطر /13 {وسخر الشمس والقمر كل يجري لأ جل مسمى}
وقال تعالى في سورة الشورى / 14{ ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضى بينهم}
وقال تعالى في سورة نوح / 4{ يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى}
وقال تعالى في سورة غافر / 67 {ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلا مسمى }
فهذه اللفظة لم تأت في آية { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة } كما يزعم القائلون بالمتعة ، وكان الأولى أن تذكر " هذه اللفظة هنا في هذه الآية ، لكي لا يكون هناك خلاف . فترى ما هو السبب في عدم ذكرها في الآية ؟(95/99)
إن السبب واضح وجلي لأدنى من له أدنى مسكة من عقل ، وهو أن هذه الآية المفترى عليها بزعمهم إنها في المتعة ، لا دخل لها بالمتعة إطلاقاً لا من قريب ولا من بعيد ، وهذا ما نصت عليه الآية كما أنزلها الله وبينه لنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فلو كان الله شرع نكاح المتعة بالقرآن كما يدّعون لأثبت هذا الحرف أو هذه اللفظة " إلى أجل مسمى " في هذه الآية -المختلف حولها - ولما نسخ هذا الحرف من القرآن ولما اختلف اثنان حول الآية ، هذا يقول إنها في المتعة ! وذاك يقول إنها في النكاح الدائم .
وأما قولهم : انه قد استفاضت الرواية عن الصحابة والتابعين في أن الآية المذكورة نزلت في المتعة ...
فالجواب :
إن هذا من الكذب فان هذه الرواية غير مستفيضة بل آحادية ، كما وان هذه القراءة شاذة واليك بيان ذلك بالتفصيل :
1- إن هذه الرواية غير متواترة بل أحادية والقراءة شاذة بخلاف ما جاءت به مصاحف المسلمين.
قال ابن جرير الطبري في تفسيره ما نصه بالحرف الواحد : وأما ما روي عن أبيّ بن كعب وابن عباس من قراءتهما " فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى " فقراءة بخلاف ما جاءت به مصاحف المسلمين وغير جائز لأحد أن يلحق بكتاب الله شيئاً لم يأت الخبر القاطع العذر عمن لا يجوز خلافه(1) .
وقال القيسي في الإيضاح بعد أن ذكر قراءة ابن عباس وأبي بزيادة إلى أجل مسمى قال ص 222 ما نصه : ولا يجوز لأحد اليوم أن يقرأ بذلك ، لأنها قراءة على التفسير مخالفة للمصحف ، ولأن القرآن لا يؤخذ بأخبار الآحاد .(2)
__________
(1) جامع البيان " 4/ 15
(2) الإيضاح ص 222(95/100)
وقال المازري في " المعلم : إن طائفة من المستبدعة تعلقوا بقوله تعالى {فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن } وفي قراءة ابن مسعود : فما استمتعتم به منهن إلى أجل ، وقراءة ابن مسعود هذه شاذة لا يحتج بها قرآناً ولا خبراً ولا يلزم العمل بها (1).
وقال الجصاص ما نصه: وأما احتجاج من احتج فيها بقوله تعالى { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن } أن قراءة أبي " إلى أجل مسمى " فإنه لا يجوز إثبات الأجل في التلاوة عند أحد من المسلمين فالأجل عندنا غير ثابت في القرآن .(2)
وقال الرازي ما نصه : إنا لا ننكر أن المتعة كانت مباحة ، إنما الذي نقوله : إنها صارت منسوخة ، وعلى هذا التقدير فلو كانت هذه الآية دالة على أنها مشروعة لم يكن ذلك قادحا في غرضنا ، وهذا هو الجواب أيضا عن تمسكهم بقراءة أبي وابن عباس ، فإن تلك القراءة بتقدير ثبوتها لا تدل إلا على أن المتعة كانت مشروعة ، ونحن لا ننازع فيه ، إنما الذي نقوله : إن النسخ طرأ عليه ، وما ذكرتم من الدلائل لا يدفع قولنا .
ثم أن هذه القراءة الشاذة أي " إلى أجل مسمى " جار ومجرور ، متعلق بالاستمتاع ، لا بنفس " العقد " في حين أن المدة المتعينة إنما تكون متعلقة بنفس العقد .....ومن هنا أبطلوا متعتهم بأيديهم وهم لا يشعرون!
2-فاذا ثبت أن هذه القراءة بخلاف ما جاءت به مصاحف المسلمين فإنها إذن لم تتجاوز حد الآحاد ، فليست بقرآن لأن القرآن من شرط ثبوته التواتر ولم تتواتر !
فأما إنها ليست بقرآن فلما استقر في علم الأصول أن " القراءة الشاذة " لا تثبت قرآنا يتلى لأنها ليست متواترة فيكون من قبيل تفسير الآية وليس ذلك بحجة وأما عند من لم يشترط التواتر في ثبوت القرآن فلا مانع من نسخ ظني القرآن بظني السنة كما تقرر في علم الأصول.
__________
(1) " المعلم بفوائد مسلم " 2/ 130
(2) " أحكام القرآن " 2/ 148(95/101)
فاذا كان ليس بقرآن وليس بمنزل من الله تعالى إذ لو كان قرآنا لوجدناه فيه ولقريء به في المحاريب وبين أظهر الناس ولما لم يجز ذلك بحال علم أنه ليس من القرآن وكفانا بالمصحف وإجماع الصحابة ، ألا ترى أنا أجمعنا على أن سورتي القنوت ليستا من القرآن وإنْ كانتا في قراءة أبي فكذلك هذا مثله ، فهذه الزيادة لم تثبت قرآنا لإجماع الصحابة على عدم كتابتها في المصاحف العثمانية وأكثر الأصوليين على أن ما قرأه الصحابي على أنه قرآن ولم يثبت كونه قرآناً لا يستدل به على شيء لأنه باطل من أصله .
وأما أنها لا تثبت سنة أيضاً على الأصح ، فلأنها لم تُروَ على أنها سنة مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذ يعوزها السند ، فبقيت على إنها مجرد فهم صحابي ، عبر عنه بلفظه هو ، ومعلوم - أصولياً - أن رأي الصحابي ليس بحجة ، لأنه محض اجتهاد ، ولو لزمنا رأي الصحابي كما يلزمنا قول الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لتعدد الرسل، وعلم الله أنه لم يرسل لنا إلا رسولاً واحداً فلا يصح الاحتجاج أذن على إباحة المتعة بقراءة شاذة منسوبة إلى صحابي ، إطلاقاً ، لأنها لا تعدو أن تكون رأياً اجتهادياً خاصاً به .
3-فاذا ثبت أن هذه القراءة ليست متواترة فغايتها أن تكون كأخبار الآحاد ونحن لا ننكر إن المتعة أحلت في أول الإسلام ولكن الكلام في دلالة القرآن على ذلك ، فإن كان هذا الحرف أنزل فلا ريب إنه ليس ثابتاً من القراءة المشهورة فيكون منسوخاً ويكون لما كانت المتعة مباحة فلما حرمت نسخت هذا الحرف .
4-لو مشينا على الاحتجاج بهذا التفسير كخبر آحاد فهو معارض بأقوى منه لأن القرآن على خلافه لقوله تعالى في آيتي المؤمنون والمعارج إذ كلتاهما تدلان على تحريم المتعة وهما ترشدان أيضاً إلى أن آية النساء غير واردة في المتعة وبالتالي تسقط قراءة ابن عباس إذ لا يعدو كون هذا الحرف خبر آحاد عورض بنص قرآني وخبر نبوي أصح منه أيضاً .(95/102)
قال الألوسي في تفسيره :القراءة شاذة وما دل على التحريم كآية {إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم } قطعي فلا تعارضه .
كما أن الأحاديث الصحيحة الصريحة القاطعة بتحريم نكاح المتعة إلى يوم القيامة وجمهور العلماء على خلافه كما سبق .
5-ونقول هذه القراءة على الرغم من شذوذها ومعارضتها بأقوى منها فلو فرضنا جدلاً أن الدليلين متساويان في القوة وتعارضا في الحل والحرمة يلزم تقديم دليل الحرمة منهما لأن الحظر مقدم على الإباحة أصولياً وذلك لأن تقديم المحرم قد يؤدي إلى ترك المباح وتقديم المبيح قد يؤدي إلى ارتكاب الحرام وترك المباح أولى من ارتكاب الحرام .
6- إنه ليس في الآية ما يدل على أن الاستمتاع إلى أجل مسمى حلال فإنه تعالى لم يقل : وأحل لكم أن تستمتعوا بهن إلى اجل بل قال تعالى{فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن }.
7- لو كان في القرآن ذكر الأجل على الفرض الجدلي ، لما دل على متعة النساء لأن الأجل يجوز أن يكون داخلا على المهر ، فيكون تقديره - فما دخلتم به منهن بمهر إلى أجل مسمى فآتوهن مهورهن عند حلول الأجل .
وجواب آخر : لو سلمنا ما ذكروا من الزيادة في القراءة ، فليس فيها دليل على إباحة نكاح المتعة ، و إنما فيها دليل على وجوب المهر على من ارتكب الحرام من ذلك ووطيء فيه ، ونحن نقول : إن المهر يلزم بالوطيء فيه لأجل الشبهة التي سقط الحد لأجلها عنه ، فهو كما لو وجد امرأة نائمة على فراشه فوطأها معتقدا أنها زوجته ، فانه يجب عليه مهر مثلها لأجل الشبهة ، فكذلك ها هنا .(95/103)
8-ونقول إن هذه القراءة الشاذة " إلى أجل مسمى " تتعلق بالاستمتاع لا بنفس العقد والمدة المتعينة في المتعة حسب مذهبهم إنما تكون متعلقة بنفس العقد لا بالاستمتاع فصار معنى الآية : فان تمتعتم بالمنكوحات إلى مدة معينة فأدوا مهورهن تماماً وفائدة زيادة هذه العبارة دفع ما عسى أن يتوهم إن وجوب تمام المهر معلق بمضي تمام مدة النكاح كما اشتهر في العرف أن ثلث المهر يعجّل والثلثين يؤجلان إلى بقاء النكاح فهذا التأجيل يحصل بتصرف المرأة واختيارها وإلا فلها المطالبة بعد الوطء مرة تمام المهر في الشرع ولو كان " إلى أجل مسمى " قيد العقد لم تصح المتعة عندهم إلى مدة العمر أبداً مع إنها صحيحة كذلك بإجماعهم وهذا عجيب !
9- ونقول إن هذه القراءة الشاذة " إلى أجل مسمى " جار ومجرور ، متعلق بالاستمتاع ، لا بنفس العقد ، ومعلوم أن المدة المتعينة في المتعة عند أتباع المتعة ، إنما تكون متعلقة بنفس العقد ، لا بالاستمتاع على ما هو مقرر عندهم بسبب بسيط ، هو أنهم جعلوا تعيين الأجل شرطا لصحة العقد ، فاذا لم يعين الأجل فيه ، لا يكون زواج متعة ! ولذلك قالوا : لو وهبها المدة قبل الدخول ، لزمه المهر!
10- ونقول إن القائلين بالمتعة تضاربت وتناقضت روايات وأقوال أئمتهم في لفظة " إلى أجل مسمى " من آية 24 من سورة النساء أهي تنزيل من الله أو قراءة ! وفيما يلي ذكر جملة من رواياتهم المعتبرة :
أ- قالوا :إن الآية نزلت هكذا " فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن .
فعن أبي جعفر " فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة.(1)
وروى الكليني في كافيه عن أبي عبد الله قال : إنما نزلت " فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة (2).
__________
(1) انظر مستدرك الوسائل للنوري 14/ 447-448 .
(2) الكليني في كافيه 5/ 449(95/104)
وروى شيخهم العياشي في تفسيره عن أبي عبد الله قال : قلت له : ما تقول في المتعة ؟ قال : قول الله تعالى " فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة إلى أجل مسمى ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة (1).
وروى شيخهم القمي في تفسيره ما نصه بالحرف : " فمن استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة " قال الصادق (ع) فهذه الآية !! دليل على المتعة (2).
ب- في أن الآية نزلت {فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة}
روى الكليني والطوسي وأحمد بن عيسى عن أبي بصير قال : سألت أبا جعفر عن المتعة فقال : نزلت في القرآن {فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة }(3)
و روى شيخهم المفيد في خلاصة الإيجاز و الكليني عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : سمعت أبا حنيفة يسأل أبا عبد الله (ع) عن المتعة فقال : عن أي المتعتين تسأل ؟ قال : سألتك عن متعة الحج فأنبئني عن متعة النساء أحق هي ؟ قال : سبحان الله أما تقرأ كتاب الله { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة } فقال أبو حنيفة : والله لكأنها آية لم أقرأها قط .(4)
__________
(1) العياشي في تفسيره 1/260
(2) القمي في تفسيره 1/ 136
(3) الكليني في كافيه 5/448ح1 والطوسي في تهذيبه 2/186 وفي استبصاره 3/141 وانظر البحار 103/ 315ح20 ، والوسائل 14/ 436ح1 ، وقال المجلسي في مرآة العقول 20/ 225 ، وفي تهذيب الأخيار 12/ 29 عن هذا الحديث بانه " حسن كالصحيح!
(4) خلاصة الإيجاز في المتعة " ص 29 و الكليني في الفروع 5/ 449 ح6 وانظر الوسائل 14/ 437 ح6
وقال المجلسي في مرآة العقول 20/229 عن هذا الحديث بأنه " حسن " .(95/105)
و روى العياشي في تفسيره عن أبي بصير عن أبي جعفر قال : نزلت هذه الآية {فما استمتعتم به منهن فآتوهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة }قال: لا بأس بأن تزيدها وتزيدك إذا انقطع الأجل فيما بينكما يقول : استحللتك بأجل آخر برضى منها ولا تحل لغيرك حتى تنقضي عدتها وعدتها حيضتان (1).
وروى الحميري في قرب الإسناد عن بكر بن محمد قال : سألت أبا عبد الله (ع) عن المتعة فقال {فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة}(2)
وروي الصفار في بصائر الدرجات في رواية طويلة ص85 عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله (ع) ...وان مما أحل الله المتعة من النساء في كتابه ..كما قال الله عز و جل{ما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة }(3)
ج- في أقوال أئمتهم أنهم يقرأون الآية " فما استمتعتم به منهن " إلى أجل مسمى"
روى العياشي في تفسيره عن أبي بصير عن أبي جعفر (ع) قال : كان يقرأ ( فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة ) فقال : هو أن يتزوجها إلى أجل مسمى ثم يحدث شيئا بعد الأجل .(4)
__________
(1) انظر العياشي 259ح86وانظر نوادر أحمد بن محمد ص65 ، والكاشاني في تفسيره الصافي 1/346 والبحراني في تفسيره البرهان 1/360 و المجلسي في بحاره 23/ 73 ، والعاملي في وسائله 14/ 477ح6 ، ومستدرك الوسائل للنوري 14/ 449 .
(2) انظر الوسائل 14/ 439ح17 ، قرب الاسناد ص21
(3) الصفار في بصائر الدرجات ص85 وانظر الوسائل 14/ 476ح5 .
(4) العياشي في تفسيره 1/ 260ح87وانظر ، الوسائل 14/ 477ح7 ، و البحار 103/ 314-315 ح 17 ، ومستدرك الوسائل للنوري 14/ 447 .(95/106)
وروى العياشي أيضا في تفسيره ما نصه بالحرف : وكان ابن عباس يقول : " فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة(1).
وجاء في تفسير ناسخ القرآن ومنسوخه لسعد بن عبد الله : برواية جعفر بن قولويه بإسناده قال : قرأ أبو جعفر وأبو عبد الله " فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة(2) .
وقال ابن بابويه القمي في الفقيه وعلله ما نصه : وقرأ ابن عباس " فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة (3).
نلخص من كل ما تقدم أن القائلين بالمتعة - وهم الفرقة الوحيدة - الشيعة الاثنا عشرية- اختلفوا في " إلى أجل مسمى " هل هي قول الله تعالى أي بمعنى آخر هل هي آية أم قراءة ؟ وإذا كانت آية ، فهل هي قبل قوله تعالى {فآتوهن أجورهن فريضة } أم بعدها ؟؟
فمنهم من أثبتها بعد قوله تعالى {فآتوهن أجورهن فريضة } ومنهم من أثبتها قبل قوله تعالى{فآتوهن أجورهن}.
فما أكثر الاختلافات والكل يدعي أن هذا من عند الله ........ فهذا الاختلاف أن دل على شيء فإنما يدل على أن هذه اللفظة " إلى أجل مسمى " ليست من القرآن !!
قال تعالى { أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا } النساء /82
وأما احتجاجهم بحديث ابن عباس على متعتهم بهذا النص المقطوع ، فالجواب من وجوه :
أولا : أن الحديث لم يرووه بتمامه كما أشاروا إليه في السنن الكبرى.... ، واليك متن الحديث في كتب الحديث(4).
__________
(1) في تفسيره 1/259ح85وانظر الوسائل 14/ 440ح20 ، والبحار 103/ 314ح15 .
(2) انظر البحار 103/ 305ح 12 ، ومستدرك الوسائل للنوري 14/ 448ح6.
(3) الفقيه 3/ 292ح3 والعلل ص173وانظر الوسائل 14/ 438ح 13 .
(4) انظر تحفة الأحوذي 4/ 269 ، والسنن الكبرى للبيهقي 7/ 205-206 ، ونيل الأوطار للشوكاني 6/ 134-135 والحازمي في كتابه " الناسخ والمنسوخ من الآثار" ص429-430(95/107)
أ- رواية البيهقي في السنن :
عن موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب عن ابن عباس رضي الله عنهم قال كانت المتعة في أول الإسلام وكانوا يقرؤن هذه الآية فما استمتعتم به منهن إلى اجل مسمى الآية فكان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج بقدر ما يرى انه يفرغ من حاجته لتحفظ متاعه وتصلح له شأنه حتى هذه الآية ( حرمت عليكم أمهاتكم ) إلى آخر الآية فنسخ الله عز و جل الأولى فحرمت المتعة وتصديقها من القرآن { إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم } وما سوى هذا الفرج فهو حرام .
ب- رواية الترمذي :
عن موسى ابن عبيدة عن محمد بن كعب إنما كانت المتعة في أول الإسلام كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم فتحفظ له متاعه وتصلح له شيئه حتى إذا نزلت الآية { إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم } قال ابن عباس : فكل فرج سوى هذين فهو حرام .
ج- رواية الحازمي :
عن موسى بن عبيدة سمعت محمد ابن كعب القرظي يحدث عن ابن عباس قال : كانت في أول الإسلام :متعة النساء فكان الرجل يقدم بسلعته البلد ليس له من يحفظ عليه ضيعته ويضم إليه متاعه فيتزوج المرأة إلى قدر ما يرى أنه يقضي حاجته وقد كانت تقرأ ( فما استمتعتم به منهن- إلى اجل مسمى- فآتوهن أجورهن ) الآية حتى نزلت : {حرمت عليكم أمهاتكم و بناتكم } إلى قوله : {محصنين غير مسافحين}فتركت المتعة وكان الإحصان إذا شاء طلق وإذا شاء امسك ، ويتوارثان وليس لهما من الأمر شيء .
ثانيا : إن هذا الحديث ضعيف ، فقد رواه البيهقي والترمذي والحازمي كلهم من طريق موسى بن عبيدة .
قال الحازمي بعد إيراده الرواية كما سبق 0 ما نصه : هذا إسناد صحيح لولا موسى بن عبيدة وهو الربذي كان يسكن الربذة .(1)
__________
(1) الحازمي بعد ايراده الرواية كما سبق ص430(95/108)
وقال ابن حجر في الفتح :و أما ما أخرجه الترمذي من طريق محمد بن كعب عن ابن عباس قال : إنما كانت المتعة في أول الإسلام كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما يرى انه يقيم فتحفظ له متاعه " فإسناده ضعيف ، وهو شاذ مخالف لما تقدم من علة إباحتها .(1)
وقال في " تقريب التهذيب ": موسى بن عبيدة ضعيف من صغار السادسة (2) .
وأما احتجاجهم بحديث عبد الله بن مسعود بأنه قرأ : فما استمتعتم به منهن إلى أجل إلخ ......
فقد تقدم الجواب عن هذه القراءة من أكثر من وجه وأضيف هنا ما قاله الإمام المازري .
قال رحمه الله تعالى : هذه القراءة ليست عندنا بحجة لأنها من طريق الآحاد والقرآن لا يثبت بخبر الواحد ولا يلزم العمل بخبر الواحد في مثل هذه النقول على أنه قرآن على الصحيح من القول في ذلك .
فالمخالف ملزم بإثبات أن ابن مسعود كان يقرأ ( فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى ) على إنها قراءة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وان نسبت بعض كتب التفسير ذلك القول إليه ، وإذا لم يستطع المخالف إثبات ذلك ولن يستطيع أبداً ، فيلزم أن يفتري على الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .. وُيلزم المسلمين بقراءة شاذة لا يستطيع هو أن يثبتها أنها من قراءة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
والجواب عن الشبهة (9) من وجوه :
1- إن الآية محكمة غير منسوخة نزلت في النكاح الدائم كما بيناها سالفا ، فقد روي عن عائشة رضي الله عنها وابن عباس مثل ذلك ....
قال أبو محمد القيسي في " الإيضاح " ص 22-223 : وقالت عائشة رضي الله عنها : حرم الله المتعة بقوله { والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم }
__________
(1) ابن حجر في الفتح 9/ 77
(2) " تقريب التهذيب " ص 552 ، وانظر ترجمته في الميزان 4/ 213 ، والضعفاء الكبير للعقيلي 4/ 16 .(95/109)
قال أبو محمد : وهذا قول حسن ، لأن المتعة لم تكن زواجا صحيحا ولا ملك يمين ، ففرض الله في هذه الآية حفظ الفروج إلا على زوجةٍ أو ملك يمين ، ونكاح المتعة ليس بملك يمين ، ولا بنكاح صحيح ......
فقد ذكر القيسي عن ابن عباس : أن الآية محكمة غير منسوخة لكنها نزلت في النكاح الصحيح .(1)
فالمعنى على هذا القول : فما استمتعتم به ممن تزوجتم وإن قلّ الاستمتاع فلها صداقها فريضة ، فالاستمتاع على هذا القول : النكاح الصحيح .
2- ليس من الإنصاف أن يقتصروا على قول الزمخشري في كشافه ويتركوا أقوال بقية المفسرين المتقدمين عليه عند الأمة ، خاصة في الأحكام الذين صرحوا بنسخها ، ولاسيما الزمخشري لم يقتصر على القول بالنسخ ، ولكنه ذكره قولا محكيا كما صرح به النسفي الذي لخصه ..
وأما قولهم : أن الحكم ابن عتيبة سئل : عن آية المتعة هل هي منسوخة ؟ فقال لا.
فالجواب :
إن هذا الحديث ضعيف من طريقنا وطريقهم .
فأما من طريق السنة فلأمور :
1- الحكم بن عتيبة كان يدلس كما قال ابن حبان ولم يصرح بالسماع من علي فالسند غير متصل وهو دليل الضعف إلا أن يصرح بسماعه !
2- إن الحكم بن عتيبة لم يدرك عليا رضي الله عنه وذلك يظهر من تاريخ ميلاده فانه ولد سنة خمسين وقيل سنة سبع وأربعين وكان استشهاد سيدنا علي بن أبي طالب سنة أربعين فالسند منقطع جزما لا تقوم به الحجة (2).
3-إن هذا الحديث مع انقطاعه وضعفه معارض بما ثبت عن علي رضي الله عنه من التشديد في المتعة حتى قال لابن عمه ابن عباس حينما بلغه أنه يرخص في المتعة " إنك امرؤ تائه " .
فقد روى مسلم في صحيحه عن ابن الحنفية قال : سمع علي بن أبي طالب يقول لفلان انك رجل تائه نهانا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
__________
(1) " الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه " ص 221
(2) انظر التهذيب لإبن حجر 2/434(95/110)
وفي رواية أن عليا سمع ابن عباس يلين في متعة النساء فقال مهلا يا ابن عباس فان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عنها يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأنسية .
فأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه هو الذي أنكر على ابن عباس في تحليله للمتعة كما رواه مسلم وأما إنكاره على عمر رضي الله عنه في تحريمه للمتعة كما جاء ذلك في تفسير الطبري فسنده ضعيف فيما سبق !
وأما من طريق الشيعة فلأمور :
1- إن الحكم بن عتيبة غير ثقة ومطعون فيه عند الشيعة وإليك أقوالهم :
قال الطوسي: الحكم بن عتيبة أبو محمد الكوفي الكندي مولى زيدي بتري(1).
وقال الحلي: الحكم بن عتيبة مذموم من فقهاء العامة (2).
كما أن ابن داود الحلي أورده في رجاله في القسم الثاني أيضا المختص بالمجهولين والمجروحين ، قال عنه ما نصه : زيدي بتري(3) .
وقال الأردبيلي: روى الكشي في ذمه روايات كثيرة (4).
فإن احتجوا بهذا الحديث بما رووه من طرقهم فيما أخرجه الكليني في كافيه عن ابن مسكان عن عبد الله بن سليمان قال : سمعت أبا جعفر يقول : كان علي يقول (ع) : لولا ما سبقني به ابن الخطاب ما زنى إلا شقي .
وكذلك فيما أخرجه الطوسي في تهذيبه بنفس الإسناد المذكور عن ابن مسكان عن أبي جعفر الباقر.
فان احتجاجهم باطل لأن الحديث ضعيف من طرقهم أيضا ....
فقد حكم المجلسي على الحديث بأنه مجهول وذلك في كتابه ملاذ الأخيار وفي كتابه مرآة العقول(5).
__________
(1) في رجاله ص171
(2) في رجاله ص218 في القسم الثاني المختص بالضعفاء
(3) ابن داود الحلي في رجاله ص243
(4) في جامع الرواة 1/266
(5) ملاذ الأخيار 12/29ح5 وفي كتابه مرآة العقول 20/227ح2 .(95/111)
فإن احتجوا بما أورده المجلسي في بحاره في رواية طويلة عن المفضل بن عمر يقول المفضل للصادق (ع) : يا مولاي فالمتعة قال المتعة حلال طلق .... وقول أمير المؤمنين (ع) : لعن الله ابن الخطاب فلولاه ما زنى إلا شقي أو شقية لأنه كان يكون للمسلمين غناء في المتعة عن الزنا (1)..
فإن هذه الرواية باطلة أيضا من طرقهم : لأن الراوي هو المفضل بن عمر الخطابي المتهافت ، مطعون فيه عندهم وإليك ايها القارئ أقوال علمائهم في الجرح والتعديل فيه :
قال النجاشي: المفضل بن عمر أبو عبد الله وقيل أبو محمد الجعفي الكوفي ، فاسد المذهب ! مضطرب الرواية لا يعبأ به و قيل : أنه كان خطابيا و قد ذكرت له مصنفات لا يعول عليها و إنما ذكره للشرط الذي قدمناه له .(2)
وقال ابن الغضائري كما نقل عنه صاحب مجمع الرجال للقهبائي 6/131 والحلي في رجاله ص258 وأبو داود الحلي في رجاله ص280 : المفضل بن عمر الجعفي أبو عبد الله ضعيف متهافت مرتفع القول خطابي وقد زيد عليه شيء كثير وحمل الغلاة في حديثه حملا عظيما ولا يجوز أن يكتب حديثه (3).
وقال الأردبيلي: وروى روايات غير نقية الطريق في مدحه وأورد الكشي أحاديث تقتضي مدحه والثناء عليه لكن طرقها غير نقية كلها ، وأحاديث تقتضي ذمه والبراءة منه وهي أقرب إلى الصحة فالأولى عدم الاعتماد والله أعلم (4).
وأخرج الكشي في رجاله بسند معتبر صحيح ص322 عن إسماعيل بن جابر : قال أبو عبد الله: ائت المفضل وقل له يا كافر يا مشرك ما تريد إلى ابني تريد أن تقتله(5) .
__________
(1) في بحاره 103/305 والبحراني في حدائقه 24/116.
(2) رجاله 2/359 -360
(3) مجمع الرجال للقهبائي 6/131 والحلي في رجاله ص258 وأبو داود الحلي في رجاله ص280
(4) في جامع الرواة 2/258 - 259
(5) الكشي في رجاله ص322(95/112)
وأخرج الكشي بإسناد صحيح عن حماد بن عثمان قال: سمعت أبا عبد الله يقول للمفضل بن عمر الجعفي يا كافر يا مشرك مالك ولابني يعني إسماعيل بن جعفر وكان منقطعا إليه يقول فيه مع الخطابية ثم رجع بعد (1).
وروى الكشي بسند صحيح عن عبد الله بن مسكان قال : دخل حجر بن زايدة وعامر بن جذاعة على أبي عبد الله فقالا : جعلنا فداك إن المفضل بن عمر يقول لكم : إنكم تقدرون أرزاق العباد فقال والله ما يقدر أرزاقنا إلا الله ولقد احتجت إلى طعام لعيالي فضاق صدري وأبلغت إلى فكرة في ذلك حتى أحرزت قوتهم فعندها طابت نفسي لعنه الله وبرىء منه قالا أفتلعنه وتتبرأ منه ؟ قال نعم فالعناه وابرءا منه برىء الله ورسوله منه....
وأما احتجاجهم بحديث عمران فباطل روايةً و درايةً.....
فأما رواية فمن وجوه :
أولاً : إن الحديث الذي استشهدوا به من صحيح البخاري أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الحج لا في كتاب النكاح .
ثانيا :إن الحديث نفسه قد رواه غير البخاري و صرح فيه عمران بأنه يقصد متعة الحج وأخرجه مسلم في صحيحه و أحمد في مسنده وابن ماجه في سننه والنسائي في سننه وابن سعد في الطبقات الكبرى والطيالسي في مسنده والدارمي في سننه وغيرهم .
ثالثا : أطبق شراح صحيح البخاري كالعسقلاني والعيني و القسطلاني وشراح صحيح مسلم كالنووي والمازري وغيرهم على تفسير المتعة هنا " بمتعة الحج" .
وفيما يلي ذكر لمتن الحديث في كتب السنة .
أولاً : ذكر أحاديث صحيح البخاري :
1- أخرج البخاري في صحيحه بإسناده عن مطرف عن عمران رضي الله عنه قال : " تمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فنزل القرآن قال رجل برأيه ما شاء .
والحديث أخرجه البخاري في كتاب الحج باب التمتع على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
__________
(1) الكشي في رجاله ص321ح581(95/113)
2- أخرج البخاري بإسناده عن أبي رجاء عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال : أنزلت آية المتعة في كتاب الله . ففعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم ينزل قرآن يحرمه ولم ينه عنه حتى مات قال رجل برأيه ما شاء .
والحديث أخرجه البخاري في كتاب التفسير " تفسير سورة البقرة " باب { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج}.
وعلق الحافظ ابن حجر على الحديث الأول في فتح الباري ما لفظه(1) : قوله أي قول عمران " ونزل القرآن " أي بجوازه يشير إلى قوله تعالى { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج } الآية ورواه مسلم من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث عن همام بلفظ " ولم ينزل فيه القرآن " أي بمنعه وتوضحه رواية مسلم الأخرى من طريق شعبة وسعيد بن أبي عروبة كلاهما عن قتادة بلفظ " ثم لم ينزل فيها كتاب الله ولم ينه عنها نبي الله " وزاد من طريق شعبة .. عن مطرف " ولم ينزل فيه قرآن بحرمة " وله من طريق أبي العلاء عن مطرف " فلم تنزل آية تنسخ ذلك ولم تنه عنه حتى مضى لوجهه " ... وقد أخرجه المصنف في تفسير البقرة .
ثانياً : ذكر أحاديث صحيح مسلم :
1-أخرج مسلم بإسناده عن مطرف قال : قال لي عمران بن حصين إني لأحدثك بالحديث اليوم ينفعك الله بعد اليوم واعلم أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد أعمر طائفة من أهله في العشر فلم تنزل آية تنسخ ذلك ولم ينه عنه حتى مضى لوجهه ارتأى كل امريء بعد ما شاء أن يرتئي .
2- وأخرج مسلم بإسناده عن مطرف قال : قال لي عمران بن حصين أحدثك حديثا عسى الله أن ينفعك به أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم جمع بين حجة وعمرة ثم لم ينه عنه حتى مات ولم ينزل فيه قرآن يحّرمه وقد كان يسلم علّى حتى اكتويت فتركت ثم تركت الكي فعاد .
__________
(1) في فتح الباري 3/505(95/114)
3- وأخرج مسلم بإسناده عن مطرف قال بعث إليّ عمران بن حصين في مرضه الذي توفى فيه فقال إني كنت محدثك بأحاديث لعل الله أن ينفعك بها بعدي فإن عشت فأكتم عني وإن مت فحدث بها إن شئت إنه قد سُلّم عليّ واعلم أن نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد جمع بين حجة وعمرة ثم لم ينزل فيها كتاب الله ولم ينه عنها نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال رجل فيها برأيه ما شاء .
4- وأخرج مسلم بإسناده عن مطرف عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال اعلم أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم جمع بين حج وعمرة ثم لم ينزل فيها كتاب ولم ينهنا عنهما رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال فيها رجل برأيه ما شاء .
5- وأخرج مسلم بإسناده عن مطرف عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم ينزل فيه القرآن قال رجل برأيه ما شاء .
6- وأخرج مسلم بإسناده عن مطرف عن عمران بن حصين رضي الله عنه بهذا الحديث قال تمتع نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وتمتعنا معه .
7-وأخرج مسلم بإسناده عن أبي رجاء قال قال عمران بن حصين نزلت آية المتعة في كتاب الله " يعني متعة الحج " وأمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم لم ينزل آية تنسخ آية متعة الحج ولم ينه عنها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى مات قال رجل برأيه بعد ما شاء .
8- وأخرج مسلم بإسناده عن أبي رجاء عن عمران بن حصين بمثله غير أنه قال وفعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يقل وأمرنا بها .(95/115)
قال النووي في صحيح مسلم عند شرحه لهذه الأحاديث : وهذه الروايات كلها متفقة على أن مراد عمران أن التمتع بالعمرة إلى الحج جائز وكذلك القران وفيه التصريح بإنكاره على عمر بن الخطاب رضي الله عنه منع التمتع وقد سبق تأويل فعل عمر أنه لم يرد إبطال التمتع بل ترجيح الإفراد عليه (1).
ثالثاً : ذكر أحاديث مسند أحمد :
روى أحمد بإسناده عن مطرف بن عبد الله قال : بعث إليّ عمران بن حصين في مرضه فأتيته فقال لي : إني كنت أحدثك أحاديث لعل الله تبارك وتعالى ينفعك بها بعدي ، واعلم أنه كان يسلّم علّي فان عشت فاكتم علّي وان مت فحدث إن شئت واعلم أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد جمع بين حجة وعمرة ثم لم ينزل فيها كتاب ولم ينه عنها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال رجل فيها برأيه ما شاء (2).
وعن أبي العلاء بن الشخير عن مطرف قال : قال لي عمران : اعلم أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد أعمر من أهله في العشر ، فلم تنزل آية تنسخ ذلك و لم ينه عنه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى مضى لوجهه ، ارتأى كل امريء بعد ما شاء الله أن يرتئي .
رابعاً: سنن النسائي :
1- أخرج النسائي في سننه من كتاب الحج " باب القران " بإسناده عن عمران بن حصين قال : جمع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بين حج وعمرة ثم توفى قبل أن ينهى عنها وقبل أن ينزل القرآن بتحريمه .
2- وأخرج النسائي بإسناده عن عمران أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم جمع بين حج وعمرة ثم لم ينزل فيها كتاب ولم ينه عنهما النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال فيهما رجل برأيه ما شاء .
__________
(1) النووي في صحيح مسلم 9/ 208
(2) اسناده صحيح على شرط الشيخين وأخرجه إبن سعد في الطبقات الكبرى 4/290(95/116)
3- و أخرج النسائي بإسناده عن عمران بن حصين قال : تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .(1)
خامساً : سنن ابن ماجة :
1-أخرج ابن ماجة في سننه من كتاب الحج باب "التمتع بالعمرة إلى الحج " بإسناده عن مطرف قال : قال لي عمران بن الحصين : إني أحدثك حديثا لعل الله أن ينفعك به بعد اليوم اعلم أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد اعتمر طائفة من أهله في العشر من ذي الحجة ولم ينه عنه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم ينزل نسخه قال في ذلك ، بعد رجل برأيه ما شاء أن يقول (2).
وأما بطلانه دراية فذلك من وجوه :
أولاً : أن اللفظ الذي استدلوا به يرشد إلى أن المنهي عنه " متعة الحج " و ذلك عند قول عمران " فعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم " ومعلوم أن الصيغة هنا تقتضي التعميم وهذا ما حدث في حجة الوداع عندما أمر أصحابه الذين لم يسوقوا هدياً أن يحلوا من إحرامهم بعمل عمرة .
ثانياً : قول عمران " ولم ينه عنها حتى مات " لم يحصل إلا بشأن متعة الحج لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لما قيل له : ألنا خاصة قال: لا الحديث .
أما متعة النساء فقد نهى عنها قبل ذلك ..
والجواب عن الشبهة (10) :
قولهم : إن نسخ آية المتعة بآية الأزواج مستحيل .....
فالجواب :
إن آية الاستمتاع محكمة غير منسوخة نزلت في النكاح الصحيح الدائم.
فلا يوجد نسخ بين الآيتين البتة ، أعني بين آية الاستمتاع بالأزواج بعقد دائم المدنية وبين آية الفروج المكية !
وقد استدلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وغيرها بهذه الآية على تحريم المتعة ونسخها في القرآن .
__________
(1) انظر صحيح سنن النسائي للألباني 2/76 .
(2) انظر صحيح سنن إبن ماجه للألباني 2/ 166.(95/117)
فقد روى الحاكم والبيهقي بإسناد صحيح على شرط الشيخين(1) عن أبي مليكة أن عائشة كانت إذا سئلت عن المتعة قالت : بيني وبينكم كتاب الله قال الله عز و جل { والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين} فمن ابتغى غير ما زوجه الله فقد عدا .
فهذا النص من أم المؤمنين ، يدل على أنها ترى تحريم المتعة بنص كتاب الله تعالى ، ولم تفهم عائشة رضي الله عنها من قوله سبحانه { فما استمتعتم به منهن } المتعة ، لأنها لو اعتبرت هذا المعنى لصرحت بالنسخ ، ولأنه لا يتم لكون آية المؤمنون متقدمة نزولا على آية النساء ، فالأولى مكية ، والثانية مدنية ومثل هذا لا يجهله مثل أم المؤمنين.
قال ابن عبد البر و أبو محمد القيسي : وقالت عائشة رضي الله عنها : حرم الله المتعة بقوله { والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم}(2)
قال أبو محمد : وهذا قول حسن ، لأن المتعة لم تكن زواجا صحيحا ولا ملك يمين ، ففرض الله في هذه الآية حفظ الفروج إلا على زوجةٍ أو ملك يمين ، ونكاح المتعة ليس بملك يمين ، ولا بنكاح صحيح .
وهذا إنما يجوز على أن تكون إباحة المتعة بالسنة ، ثم نسخت بالقرآن ، ولا يجوز أن تكون إباحة المتعة على هذا القول بالقرآن ، لأنها نزلت في سورة مدنية ، وهي النساء وقوله { إلا على أزواجهم } الآية : مكي ، والمكي لا ينسخ المدني ، لأنه قبل المدني نزل ، ولا ينسخ القرآن قرآنا لم ينزل بعد.
قال القيسي : إن المتعة كانت بإباحة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم نهى عنها ، فهو من نسخ السنة بالسنة ، والآية إنما هي في النكاح الصحيح الجائز.
وقال القيسي : وروي أن الإباحة في المتعة من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كانت ثلاثة أيام ثم نهى عنها فنسخت بنهي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
__________
(1) الحاكم في المستدرك 2/305 والبيهقي في سننه 7/ 207
(2) الاستذكار 16/ 297(95/118)
وقيل : بل أبيحت في أول الإسلام مدة ثم نسخت بالنهي عنها من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
لذا قال بعض العلماء : وهذا النص وهو قوله تعالى { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة } قد تعلق به بعض المفسدين الذين لم يفهموا معنى العلاقات المحرمة بين الرجل والمرأة ، فادعوا أنه يبيح المتعة .... والنص بعيد عن هذا المعنى الفاسد بعد من قالوه عن الهداية ، لأن الكلام
كله في عقد الزواج فسابقه ولاحقه في عقد الزواج ، والمتعة -حتى على كلامهم -لا تسمى عقد نكاح أبدا !!!
وأما قولهم : إن النسخ إنما يثبت بآية قرآنية أو بخبر متواتر لا بخبر الواحد ....
فالجواب من وجوه :
أولا : إن المتعة شرعت بالسنة وليس بالكتاب ، ومادامت أبيحت بالسنة ، فان نسخها بالسنة جائز ..وهذا مما اتفق عليه الأصوليون ......
قال ابن الجوزي :" و قد تكلف قوم من مفسري القرآن فقالوا المراد بهذه الآية نكاح المتعة ثم نسخت بما روي عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه نهى عن متعة النساء وهذا تكلف لا يحتاج إليه لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أجاز المتعة ثم منع منها فكان قوله منسوخا بقوله وأما الآية فإنها لم تتضمن جواز المتعة " ...
ثانيا : إن المتواتر هو العلم بما كانت عليه قبل النسخ ، وهذا لا جدال فيه إنما موضوع البحث والشيء المطلوب هو ، أن يكون بقاء الحكم متواترا بعد ورود النسخ وهذا الذي لا وجود له ، لأن القائلين بحليتها بعد النسخ أشخاص معدودون ومعروفون بالاسم وفي ثبوته عن بعضهم خلاف كبير.
ومع هذا ادعى المجوزون للمتعة بأن حديث جواز المتعة حديث متواتر بينما حديث النسخ من أخبار الآحاد ..
وبالتالي خرجوا بنتيجة أن النسخ إنما يثبت بآية قرآنية أو بخبر متواتر لا بخبر الواحد ..(95/119)
فيقال : إن المتواتر على الرغم من الخلاف الكبير حوله ، حول إمكان وجوده من عدمه ، يشترط فيه أن يرويه جمع عن جمع عن جمع من أول السند إلى آخره ، دون أن ينقص هذا العدد ، مع ملاحظة عدم إمكانهم على الكذب ..
فهل بقى القائلون بهذا الاتجاه ، جمعا عن جمع ..حتى بعد النسخ ؟!
إن الذي حصل بالفعل ، هو أن عنق الزجاجة قد ضاق ، وبدلا من أن رواية الجواز كانت جمعا عن جمع أصبحت أفرادا يروون أمرا قد كان ، وإلا لما سار الركبان بفتوى ابن عباس ، ورويت فيها الأشعار وتندر بها الظرفاء .
غير أن المجوزين خلطوا تواتر العلم بما كانت عليه ، بتواتر بقاء الحكم ، وبين الاثنين فرق كبير .....
فالمنسوخ في فهم الفقهاء ، هو استمرار حل المتعة واستمرار حل المتعة ظني لا قطعي !
فالبحث ليس موضوع أصل الحل بل استمراره استصحابا للحال، وهذا يفيد الظن بلا نزاع ورفع الظني بالظني لا ينازع فيه أحد لأنه من بدائه علم الأصول .
وبهذا يتضح أن ما يدعونه من التواتر مغالطة غير صائبة ...و دعوى أن النسخ خبر آحاد مجازفة غريبة..لأن التواتر وفقا لما ذكره أهل الاختصاص ، متوفر في أحاديث النسخ من دون شك لتناول أصحاب السنن لجميع طرقها ورواتها وهي كثيرة متعددة .(1)
والجواب عن الشبهة (11) :
إن آية الاستمتاع لا صلة لها بالمتعة ، كما سبق .
أما نكاح المتعة فإنما أجازه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم نهى عنه ، وعليه لا نسخ بين الآيتين البتة ، أعني بين آية الاستمتاع بالأزواج بعقد دائم وبين آية الميراث .
نعم قد وقع نسخ نكاح المتعة - وليس بآية المتعة لأنه ليس في القرآن آية تشرع المتعة - من القرآن موضع ذكر ميراث الزوجة الثمن والربع فلم يكن لها في ذلك نصيب .
وأما قولهم : إن هناك من فقهاء الشيعة من يقول التوارث فيها وهذه المسألة خلافية بين أئمة الإمامية وفيها ثلاثة أقوال .
فالجواب من وجوه :
__________
(1) الأصل في الأشياء ص 105(95/120)
1- إن الدليل لابد أن يكون إما من الكتاب أو السنة النبوية المطهرة .
قال تعالى في سورة الرعد / 41 { والله يحكم لامعقب لحكمه}
وقال تعالى في سورة يوسف / 40 { إن الحكم إلا لله}
ولا يجوز لمسلم أن يخالف الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويتبع البشر ولو كان هذا الشخص من أعظم العلماء ، ومن يفعل ذلك فقد صدق عليه قوله تعالى في سورة البقرة / 170
{ وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون} فالله أمرنا في محكم كتابه باتباع قوله سبحانه و تعالى وقول رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذي بعثه رحمة للعالمين فقال تعالى { و ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } الحشر/7
فأين الدليل من الكتاب أو السنة النبوية المطهرة أن امرأة المتعة هي زوجة !
وأين الدليل من الكتاب أو السنة النبوية المطهرة بالتوارث فيها ؟
وسواء كانت هذه المسألة موضع اتفاق بين فقهاء الشيعة على الفرض الجدلي أو كانت موضع خلاف بينهم كما هو الحال ، فالنتيجة هي هي ، وهي أنه لا يوجد في القرآن ولا السنة المطهرة حكم ميراث امرأة المتعة ، بل لا يوجد حكم واحد لهذه المرأة المسماة " امرأة المتعة !
وأما سبب هذا الاختلاف فيما بينهم فناشيء بسبب اختلاف أقوال أئمتهم في حكم ميراث " امرأة المتعة " ، لذلك اختلفوا على أربعة أقوال !! ذكرها المجلسي في مرآة عقوله و البحراني في حدائقه.
قال البحراني في الحدائق الناضرة في حكم ميراث امرأة المتعة ما نصه : اختلف الأصحاب في ثبوت التوارث بهذا العقد على أقوال (1).
وأما قولهم : إنه قد خرج القسمان الأخيران بالدليل الخاص ! فخصص به الكتاب...
فالجواب :
إن هذا الدليل الخاص المزعوم ليس هو قول الله تعالى ولا قول رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
__________
(1) 24/ 175(95/121)
وأما تخصيصكم المتمتع بها من ظواهر آية المواريث كتخصيصنا الذمية والمقاتلة فهو تخصيص باطل لسبب يسير هو أننا لا نملك التخصيص والنسخ ، فليس لنا أن نخصص من عند أنفسنا ، إذ أن السنة النبوية هي التي تخصص وتنسخ أو ما شابه ذلك .......
فعدم ميراث القاتلة خصصته السنة النبوية المطهرة قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم " لا يرث القاتل شيئا " وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : " ليس لقاتل ميراث "
فالتخصيص والنسخ من عمل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وقد قال أهل السنة إن المتعة نسخت ! ولكن من الذي نسخها ، فهل هو أبو بكر أو عمر أو علي أو نسخها الشافعي أو أحمد أو الأوزاعي ؟
لا ، ليس لهؤلاء أن ينسخوا ، بل الذي نسخها هو النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما ثبت ذلك بالدليل القاطع من أحاديث سيد المرسلين صلى الله عليه وعلى آله وسلم ....
أذن فشتان ما بين التخصيصين ، تخصيصنا من قبل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وتخصيصكم من قبل أئمتكم -الذين تعتقدون فيهم العصمة المطلقة!
وكذلك الذمية خصصها قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : " لا يتوارث أهل ملتين شتى(1)" .
وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : " لا يرث المسلم الكافر والكافر المسلم"(2).
وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يرث المسلم النصراني إلا أن يكون عبده أو أمته" (3) .
__________
(1) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه ، انظر نيل الأوطار 6/73 المجلد الثالث باب امتناع الارث باختلاف الدين والحكم وحكم من أسلم على ميراث قبل أن يقسم
(2) رواه الجماعة إلا مسلما والنسائي ، انظر نيل الاوطار 6/73
(3) رواه الدار قطني ، انظر نيل الاوطار 6/73(95/122)
ومما يدل على أن تشريع عدم ميراث امرأة المتعة أو اشتراط الميراث في المتعة من تشريع أئمة الشيعة كما نقلوا عنهم، وانه ليس من عند الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قول إمامهم المعصوم في حديثي أبان بن تغلب وهشام بن سالم .
فعن أبان بن تغلب في صيغة المتعة انه قال لأبي عبد الله(ع) فإني استحي أن أذكر شرط الأيام قال : هو أضر عليك قلت كيف ؟ قال : لأنك إن لم تشترط !! كان تزويج مقام ولزمتك النفقة ...وكانت وارثا (1).
أي إن لم يشترط رجل المتعة عند ارتباطه بامرأة المتعة تحول هذا "الزنا " إلى زواج مشروع ، كما نص الله ورسوله على ذلك فيرثها وترثه وينفق عليها ولا يفك هذا الميثاق الغليظ عندئذ إلا الطلاق في طهر كما يدل على ذلك حديث المعصوم الآتي .
وعن هشام بن سالم قال : قلت لأبي عبد الله (ع) أتزوج المرأة متعة !! مرة مبهمة ؟ قال : فقال ذاك أشد عليك ، ترثها وترثك !! ولا يجوز لك أن تطلقها إلا على طهر وشاهدين . (2)
و أما قولهم : إن في الشرع مواضع كثيرة لا ترث فيها الزوجة الكافرة والقاتلة والمعقود عليها في المرض إذا مات زوجها فيه قبل الدخول.....و.....
فالجواب :
صحيح إن في الشرع مواضع كثيرة لا ترث فيها الزوجة كالكافرة وكالقاتلة... وكالأمة ،و.....و...و.....و
ولكن نسأل : لماذا لا يرثن؟
وبعبارة أخرى لنضرب لذلك أمثلة .
إن الزوجة الكافرة لم ترث لوجود المانع وهو الكفر .
والزوجة القاتلة لم ترث لوجود المانع وهو القتل .
والزوجة الأمة لم ترث لوجود المانع وهو الرق .
وهكذا قس على بقية الزوجات اللاتي لم يرثن لوجود المانع .
__________
(1) الوسائل 14/ 470 ح2و3
(2) الوسائل 14/ 476-477ح5(95/123)
فسبب عدم الإرث يعود إلى وجود مانع أي الكفر في الذمية ،والقتل في القاتلة ،والرق في الأمة ...فاذا زال أحد هذه الموانع ورثت بالإجماع ، فالمسألة وقتية لا تدوم ، تزول بزوال المؤثر ، فالمانع طارئ هنا أو قابل للزوال كالقتل طرأ على الزوجية فمنع الميراث بعد أن كان لازما ، وكذلك الكفر، فلو أسلمت في حياة زوجها ورثته بالعقد الأول ، وكذلك الرق فاذا أعتقت في حياة زوجها ورثته .
لذلك نقول : إنما لم يرث هؤلاء أي "الذمية والأمة والقاتلة " للكفر والرق والقتل وذلك غير موجود في نكاح المتعة ، فإن كل واحد منهما من أهل الميراث من صاحبه فاذا لم يكن بينهما ما يقطع الميراث ثم لم يرث مع وجود المتعة علمنا أن المتعة ليست بنكاح أصلا ، لأنها لو كانت نكاحا لأوجب الميراث مع وجود سببه من غير مانع له ، فالعقد الصحيح للزوجية الصحيحة موجب للميراث بمجرده فاقتضى عقلا وشرعا أن العقد الذي لا يقتضي الميراث لذاته ليس عقدا صحيحا وان الزوجة التي لا ترث بهذا العقد لا تكون زوجة صحيحة !!
فهل المتمتع بها ترث بأي حال من الأحوال ؟
وهل المتمتع بها تورث بمجرد العقد ؟؟
إنها لا ترث ولا تورث بعقد المتعة بخلاف الزوجة القاتلة التي منعت من الميراث ، فان منعها كما قلنا طارئ بسبب تعديها بالقتل ، ونقرب المسألة أقرب من هذا فنقول : لو قدر أن إنسانا آخر اعتدى عليها هي بعد اعتدائها على زوجها فماتت قبل زوجها ورثها زوجها ولا ترثه هي ! وكونها مُنعت من الميراث بالقتل لم يمنع زوجها من ميراثه فيها إذا ماتت قبله بخلاف المتمتع بها !!
لذلك نسأل : لماذا لا ترث امرأة المتعة المسلمة الحرة غير القاتلة ؟؟
فما السبب لمنعها من الميراث ، أو بصيغة أصرح لماذا حرمتموها من الميراث ؟
لذلك قال علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنه منسوخ ، فيما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما .(95/124)
وأخرج الدارقطني في سننه بإسناده عن علي رضي الله عنه قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن المتعة قال و إنما لمن لم يجد فلما نزل النكاح والطلاق والعدة والميراث بين الزوج والمرأة نسخت .(1)
وأخرج الدارقطني بإسناده عن أبي هريرة فيما يرويه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : هدم المتعة الطلاق والعدة والميراث .(2)
والجواب عن الشبهة (12) من وجوه :
أولا : إن القرآن لم يشرع نكاح المتعة ، ، لكي نقول إنه منسوخ بآية العدة .
والدليل قوله تعالى في عدة الطلاق { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن } وقوله
{ والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } .
وفي عدة الوفاة { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } وقوله { واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن }
فدل أن العدة عند الطلاق ، أو الوفاة ...لا عند انتهاء الأجل في المتعة !
فأما عدة الطلاق فلإعطاء الفرصة الكافية للزوج بعد الطلاق ليعود لزوجته المطلقة ....وذلك حرصا من الإسلام على إبقاء الرابطة الزوجية وتنويهاً بتعظيم شأن الزواج ....
__________
(1) أخرجه الدارقطني في سننه 1/ 260 والبيهقي في السنن الكبرى 7/ 207 و الحازمي في الاعتبار في الناسخ والمنسوخ ص428وعبد الرزاق في المصنف 7/ 505
(2) قال الشوكاني في النيل 3/6/ 138 : حسنه الحافظ ولا يمنع من كونه حسنا كون في اسناده مؤمل بن اسماعيل لأن الاختلاف فيه لايخرج حديثه عن حد الحسن اذا انضم اليه من الشواهد ما يقويه كما هو شأن الحسن لغيره .(95/125)
و أما عدة الوفاة فيراد تذكر نعمة الزواج ، ورعاية حق الزوج وأقاربه ..وإظهار التأثر لفقده !! وإبداء وفاء الزوجة لزوجها ، وصون سمعتها وحفظ كرامتها ....وأنى لامرأة المتعة التي تؤخذ لساعة أو عرد أن تذكر نعمة الزواج ، أو رعاية حق الزوج وأقاربه ..أو إظهار التأثر لفقده !! أو إبداء وفاء الزوجة لزوجها ، أو صون سمعتها وحفظ كرامتها .....
وأما قولهم : إن المتعة أيضاً لها عدة لكنها نصف عدة النكاح الدائم .....
فالجواب من وجوه :
1- إن القائلين بالمتعة هم الذين قالوا " إن عدة المتعة نصف عدة النكاح الدائم ...وهذا ليس لهم دليل عليه من القرآن أو السنة النبوية المطهرة ......
2- إن القائلين بالمتعة تضاربت وتناقضت أحاديثهم حول عدة امرأة المتعة (1) ....رغم انهم هم القائلون بالمتعة من بين جميع المذاهب والفرق ...
قال شيخهم البحراني في حدائقه ما نصه بالحرف : اختلف الأصحاب في عدة المتمتع بها متى دخل بها الزوج !! وانقضت مدتها ، أو وهبها إياها ولم تكن يائسة وكانت ممن تحيض على أقوال ، ومنشأ هذا الاختلاف اختلاف الروايات !!! في المسألة (2).
وفيما يلي ذكر لهذه الروايات التي نسبوها إلى أهل البيت وأقوال مشايخهم :
فعن زرارة عن أبي عبد الله انه قال : إن كانت تحيض فحيضة وان كانت لا تحيض فشهر ونصف .
وعن زرارة قال : سألت أبا جعفر ما عدة المتعة إذا مات عنها الذي تمتع بها ؟ قال : أربعة أشهر وعشرا ، قال : ثم قال : يا زرارة كل النكاح إذا مات الزوج فعلى المرأة حرة كانت أو أمة وعلى أيّ وجه كان النكاح منه متعة أو تزويجا أو ملك يمين فالعدة أربعة أشهر وعشرا وعدة المطلقة ثلاثة أشهر والأمة المطلقة عليها نصف ما على الحرة ، وكذلك المتعة عليها مثل ما على الأمة (3).
__________
(1) انظر هذه الروايات المزعومة في الوسائل 14/ 473 باب 22
(2) الحدائق 24/182-183
(3) الوسائل كتاب الطلاق باب 52ح2(95/126)
وعن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا قال : قال أبو جعفر عدة المتعة خمسة وأربعون يوما والاحتياط خمسة وأربعون ليلة .
وعن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا قال : سمعته يقول : قال أبو جعفر عدة المتعة حيضة ، وقال : خمسة و أربعون يوما لبعض أصحابه .
و عن عبد الله بن عمرو عن أبي عبد الله في حديث في المتعة قال : قلت : فكم عدتها ؟ فقال : خمسة وأربعون يوما أو حيضة مستقيمة .
وعن علي بن يقطين عن أبي الحسن قال : عدة المرأة إذا تمتع بها فمات عنها خمسة وأربعون يوما (1).
وعن عبد الرحمن بن الحجاج قال : سألت أبا عبد الله عن المرأة يتزوجها الرجل متعة ثم يتوفى عنها هل عليها العدة ؟ فقال : تعتد أربعة أشهر وعشرا وإذا انقضت أيامها وهو حي فحيضة ونصف مثل ما يجب على الأمة.
وعن علي بن عبيد الله عن أبيه عن رجل ! عن أبي عبد الله (ع) قال : سألته عن رجل تزوج امرأة متعة ثم مات عنها ما عدتها ؟ قال : خمسة وستون يوما (2).
أي انهم اختلفوا في عدة هذه المرأة على خمسة أقوال !!
قال المجلسي في المرآة :واختلف في عدة المتعة إذا دخل بها على أقوال :
أحدها - إنها حيضتان ذهب إليه الشيخ في النهاية وجماعة .
الثاني : إنها حيضة واحدة اختاره ابن أبي عقيل .
والثالث : إنها حيضة ونصف اختاره الصدوق في المقنع .
والرابع : إنها طهران ، اختاره المفيد وابن إدريس والعلامة في المختلف (3).
والجواب عن الشبهة (13) :
قولهم : إن تشريع الطلاق لم يحصر إباحة الوطء وشرعيته بما كان مورداً للطلاق وإلا فما تقولون في التسري والوطء بملك اليمين.
فالجواب :
صحيح إن تشريع الطلاق لم يحصر إباحة الوطء وشرعيته بما كان مورداً للطلاق ، ولكن ما علاقة التسري وملك اليمين بالطلاق !
__________
(1) الوسائل 15/ 485ح3
(2) المصدر السابق ح4
(3) مرآة العقول في شرح الكافي للمجلسي 20/ 242 ، وانظر الحدائق 24/ 182-187 وجواهر الكلام 30/ 196-202(95/127)
وبعبارة أخرى قياسكم عدم الطلاق في التسري والوطء بملك اليمين قياس فاسد لسبب بسيط هو أن التسري ملك والزواج عقد !
لذلك فالتسري لا يحتاج إلى طلاق لأنه ملك بينما الزواج هو الذي يحتاج إلى الطلاق لأنه عقد !
وأما قولهم : أن الطلاق ليس السبب الوحيد للمفارقة بل الفسخ إذا وجدت أسبابه أيضاً سبب للفراق كما أن انقضاء الأجل في النكاح المنقطع أيضاً سبب للفراق فلم ينحصر السبب في الطلاق.
فالجواب :
صحيح إن الطلاق ليس هو السبب الوحيد للمفارقة بل الفسخ إذا وجدت أسبابه أيضاً سبب للفراق، ولكن أين الدليل من الكتاب أو السنة على أن انقضاء الأجل في المتعة أو هبة المدة الباقية أيضاً سبب للفراق!! إن كان لم ينحصر السبب في الطلاق على الفرض الجدلي !
فالقضية ليست أن الطلاق ليس السبب الوحيد للمفارقة ،بل القضية أنكم تقيسون الطلاق أو الفسخ في الزواج الدائم على انقضاء الأجل في المتعة !
ثم إن الطلاق أمر وجودي شرعه الله تعالى في كتابه في سور وآيات كثيرة حتى إن سورة بكاملها سميت بسورة الطلاق ، بينما انتهاء مدة أو أجل المتعة أو هبة المدة أمر عدمي .
كما أن الطلاق فك عصمة قابلة للامتداد أي أن هناك رجعة بينما هبة المدة في المتعة ليست كذلك.
و أما قولهم : إن هناك حالات من الزواج لا طلاق فيها مثل الزوجة الملاعنة تبين بغير طلاق ، الأمة المزوجة إذا اشتراها زوجها فإنها تبين منه بغير طلاق ، الزوجة المرتدة ، الزوج المرتد تبين منه زوجته ، الزوجة الصغيرة التي أرضعتها أم الزوج تبين من زوجها لأنها بهذا الإرضاع أصبحت أختاً له ، الزوجة الصغيرة التي أرضعتها زوجته الكبيرة تبين من زوجها بغير طلاق ، زوجة المجنون إذا فسخت عقد زواجها منه تبين بغير طلاق ، الزوجة التي ملكت زوجها المملوك بأحد أسباب الملك..
فالجواب :(95/128)
إن هذا القول خطأ فاحش ، ولا يجوز الاحتجاج به لسبب يسير وهو أن القائلين بالمتعة خلطوا بين الفسخ والطلاق ..فأخذوا يقيسون مواضع الفسخ على مواضع الطلاق وبين الاثنين فرق كبير...
وبيان ذلك أن كلا من الطلاق والفسخ يعتبر فرقة بين الزوجين ، وهي انحلال عروة الزوجية ، فهي تتنوع إليهما ، وبينهما هذه الفروق :
فالطلاق: إنهاء للعقد ولا يزول الحل إلا بعد البينونة الكبرى أي بعد التطليقة الثالثة ....
بينما الفسخ : يكون رفعا لعقد الزواج ونقضا له من أساسه وإزالة الحل المترتب عليه في الحال بسبب حالات طارئة على العقد تنافي الزواج أو حالات مقارنة للعقد تقتضي عدم لزومه من الأصل .
فمن أمثلة الحالات الطارئة : ردة الزوجة أو إباؤها الإسلام ، أو الاتصال الجنسي بين الزوج وأم زوجته أو بنتها أو بين الزوجة وأبي زوجها أو ابنه مما يحرم المصاهرة ، وذلك ينافي الزواج .....
أما الطلاق فلا يكون إلا بناء على عقد صحيح لازم وهو من حقوق الزوج ، فليس فيه ما يتنافى مع عقد الزواج أو يكون بسبب عدم لزومه !
فنلخص من هذا ، أن الفرقة إذا كانت بعد زواج صحيح ، ولم تكن بسبب أمر اقترن بالعقد فجعله غير لازم من الأصل ، ولا بسبب طارىء يوجب الحرمة بين الزوجين ، ولا بسبب يوجب الخيار لأحد الزوجين ، فإنها تعتبر طلاقا أيا كان مصدره .
وأما إذا كانت الفرقة إثر زواج غير صحيح ، أو كانت بسبب أمر اقترن بالعقد ، فجعله غير لازم من الأصل ، أو كانت بسبب أمر طارىء يوجب الحرمة بين الزوجين ، أو كانت بسبب عيب يوجب الخيار لأحدهما ، فإنها تعتبر فسخا ...
وقد ذكر المالكية أن الفراق بين الزوجين يقع على خمسة عشر وجها وهي :(95/129)
الطلاق على اختلاف أنواعه ، والايلاء أن لم يفئ الزوج عن يمينه ، واللعان ، والردة ، وملك أحد الزوجين الآخر ، والإضرار بالزوجة ، وتفريق الحكمين بين الزوجين ، واختلاف الزوجين في الصداق قبل الدخول ، وحدوث الجنون أو الجذام أو البرص في الزوج ، ووجود العيوب في أحد الزوجين ، والإعسار بالنفقة ، أو الصداق ، والتغرير ، والفقد ، وعتق الأمة زوجة العبد ، وتزوج أمة على الحرة .
فهل انتهاء مدة المتعة أو هبة المدة بسبب حالات طارئة على العقد تنافي الزواج؟؟
وبمعنى آخر هل فسخ المتعة بانتهاء المدة أو هبتها بسبب الايلاء أن لم يفئ الزوج عن يمينه ؟
أو أن فسخ المتعة بانتهاء المدة أو هبتها كان بسبب اللعان ؟
أو أن فسخ المتعة بانتهاء المدة أو هبتها كان بسبب الردة ؟
أو أن فسخ المتعة بانتهاء المدة أو هبتها كان بسبب ملك أحد الزوجين الآخر ؟
أو أن فسخ المتعة بانتهاء المدة أو هبتها كان بسبب الإضرار بالزوجة ؟
أو أن فسخ المتعة بانتهاء المدة أو هبتها كان بسبب تفريق الحكمين بين الزوجين؟
أو أن فسخ المتعة بانتهاء المدة أو هبتها كان بسبب اختلاف الزوجين في الصداق قبل الدخول؟!
وأما قولهم : أن هبة المدة تغني عن الطلاق ولا حاجة إليه فالطلاق إنما يحتاج إليه في النكاح المؤبد لأنه غير موقت والنكاح الموقت لا يفتقر إلى الطلاق لأنه ينقطع حكمه بمضي الوقت ...
فالجواب :
وهل تملكون دليلا واحدا من كتاب الله أو من سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيما زعمتموه ؟! ودون ذلك خرط القتاد .
والجواب عن الشبهة (14) من وجوه :
قولهم : إن آية المتعة !! مما يستدل بها على مشروعية المتعة وعلى أنها تحصن.....قول باطل فإن المتعة لا تحصن عندهم ، وإليك نص أقوال أئمتهم وفقهائهم .
فعن هشام وحفص البختري عمن ذكره !! عن أبي عبد الله في رجل يتزوج المتعة أتحصنه ؟ قال : لا إنما ذاك على الشيء الدائم عنده .(95/130)
وعن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله في حديث قال : لا يرجم الغائب عن أهله ولا المملك الذي لم يبن بأهله ، ولا صاحب المتعة .
وعن إسحاق بن عمار قال : قلت لأبي إبراهيم الرجل تكون له الجارية أتحصنه ؟ قال : فقال : نعم إنما هو على وجه الاستغناء قال : قلت والمرأة المتعة ؟ قال :فقال : لا إنما ذلك على الشيء الدائم قال : قلت : فإن زعم انه لم يكن يطأها قال : فقال ¨لا يصدق و إنما أوجب ذلك عليه لأنه يملكها .
وعن أبي عبد الله انه قال : لا يقع الإحصان ولا يجب الرجم إلا بعد التزويج الصحيح !! والدخول ومقام الزوجين بعضهما على بعض فان أنكر الرجل أو المرأة الوطء بعد أن دخل الزوج بها لم يصدقا ، قال : ولا يكون الإحصان بنكاح متعة (1).
أما فقهاؤهم فقال شيخ طائفتهم الطوسي في مبسوطه ما نصه : " الإحصان عندنا أن يكون له فرج يغدو إليه ويروح ويكون قد دخل بها سواء كانت حرة أو أمة زوجة كانت أو ملك يمين وفي أصحابنا من قال أن ملك اليمين لا يحصن ولا خلاف بيننا أن المتعة لا تحصن(2).
وقال الطباطبائي : " ولا إحصان في النكاح المنقطع - ولذلك لا يرجم الرجل المتمتع إذا زنا لعدم كونه محصنا (3).
لذلك اشترطوا في إحصان الرجل ما يلي : الحرية و الدوام .
قالوا : " يعتبر في إحصان الرجل أمران :
الأول : الحرية فلا رجم على العبد .
الثاني : أن تكون له زوجة دائمة قد دخل بها أو أمة !!
وأما إحصان المرأة فقالوا ما يلي : " الحرية وان يكون لها زوج دائم قد دخل بها(4).
__________
(1) انظر الوسائل 18/ 352-356باب ثبوت الاحصان الموجب للرجم وعدم ثبوت الاحصان بالمتعة ، وانظر الدعائم 2/451
(2) المبسوط للطوسي 4/268
(3) تفسير الميزان 4/282
(4) مباني تكملة المنهاج للخوئي 2/201-207(95/131)
فاذاً بطل حمل الآية على أنها في المتعة وبطل الاستدلال بها على مشروعية المتعة وعلى أنها تحصن في نكاح المتعة! لأنها تتحدث عن النكاح الصحيح الذي يتحقق معه الإحصان ولا يقصد به سفح الماء وقضاء الشهوة فقط.
فالمتمتع بها لا يقصد الإحصان دون المسافحة بل يكون قصده المسافحة ، فانحصرت الداعية الفطرية في سفح الماء وصبه .... فقوله تعالى { أن تبتغوا بأموالكم محصنين } أي وأحل لكم ما وراء ذلكم لأجل أن تبتغوه وتطلبوه بأموالكم التي تدفعونها مهرا للزوجة أو ثمنا للأمة ، محصنين أنفسكم ومانعين
لها من الاستمتاع بالمحرم باستغناء كل منهما بآخر ، إذ الفطرة تدعو الرجل إلى الاتصال بالأنثى ، والأنثى إلى الاتصال بالرجل ليزدوجا وينتجا .فالإحصان هو هذا الاختصاص الذي يمنع النفس أن تذهب أيّ مذهب ، فيتصل كل ذكر بأي امرأة وكل امرأة بأي رجل ، إذ لو فعلا ذلك لما كان القصد من هذا إلا المشاركة في سفح الماء الذي تفرزه الفطرة إيثارا للذة على المصلحة ، إذ المصلحة تدعو إلى اختصاص كل أنثى بذكر معين ، لتتكون بذلك الأسرة ويتعاون الزوجان على تربية أولادهما ، فاذا انتفى هذا المقصد كما هو الحال في امرأة المتعة إذ كل شهر تحت صاحب بل كل يوم في حجر ملاعب فالمتمتع بها لا يقصد الإحصان دون المسافحة بل يكون قصده المسافحة ......
وأما قولهم : أن المراد بالإحصان في قوله{ محصنين غير مسافحين} هو إحصان العفة دون إحصان التزوج لكون الكلام بعينه شاملاً لملك اليمين كشموله النكاح ولو سلم أن المراد بالإحصان هو إحصان التزوج عاد الأمر إلى تخصيص الرجم في زنى المحصن بزنى المتمتع المحصن بحسب السنة ! دون الكتاب فإن حكم الرجم غير مذكور في الكتاب من أصله.
فالجواب من وجوه :(95/132)
1- إن الإحصان جاء في القرآن على أربعة معان ...فجاء في قوله { والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم } بمعنى الزواج أي المتزوجات ، وجاء بمعنى الحرية في قوله { فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب } وجاء بمعنى الإسلام في قوله { فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة } وجاء بمعنى العفاف في قوله { والذين يرمون المحصنات } .
و هنا في هذه الآية بمعنى العفة وتحصين النفس ومنعها فيما يغضب الله أي متناكحين نكاحا شرعيا صحيحا يحصنهم والإحصان لا يكون إلا في نكاح صحيح دائم.
2- لو سلم أن المراد بالإحصان هو إحصان التزوج عاد الأمر ليشمل النكاح الصحيح و ملك اليمين فقط كما قال إمامكم المعصوم : لا يقع الإحصان ولا يجب الرجم إلا بعد التزويج الصحيح !! وقال : ولا يكون الإحصان بنكاح متعة!!
وهذا هو الفيصل بيننا وبين المخالفين فقد أبطلوا متعتهم من حيث لا يشعرون ....فلو كان هذا النكاح صحيحا لوجب الرجم فلما انتفى هذا ، بطل أن يكون المتعة نكاحا صحيحا !
فالناكح بالمتعة لا يكون محصناً عندهم إذ لا يثبت حكم الإحصان إلا بالعقد الدائم أو الملك بخلاف العقد المنقطع فلا إحصان به ، فبطلت المتعة بهذا القيد فلزمهم أن يفسروه بالنكاح الصحيح .
3- إن الإحصان من "حصن " وتدل على المنع ومنه الحصن لأنه يمنع من فيه ويقال أحصن الرجل إذا تزوج و أحصن إذا عف وفي جميع ذلك معنى المنع فالرجل إذا تزوج منع نفسه من الزنا والعفيف يمنع نفسه من الفحش ....وهذا بخلاف المتعة فان امرأة المتعة كل شهر تحت صاحب وكل يوم في(95/133)
حجر ملاعب ...كما أن رجل المتعة لا يقصد الإحصان دون المسافحة بل يكون قصده المسافحة دون الإحصان ......فصاحب المتعة لا يطلب العفة ولا يقصد إحصان المرأة وحفظها من أن ينالها أحد سواه ! ...كما انه لاشيء يحصل من إحصان المرأة التي تؤجر نفسها كل طائفة من الزمن لرجل فلا صاحب المتعة يستغني عن امرأة المتعة ولا امرأة المتعة تستغني عن غيره ، فليس هناك استغناء كل منهما بالآخر عن طلب الاستمتاع المحرم !
فأي نوع من الإحصان هذا ؟!!
وأما تخصيصهم الرجم في زنى المحصن بزنى المتمتع المحصن بحسب السنة.....
فالجواب من وجوه :
1- انه لا يوجد في السنة النبوية أحكام المتعة لكي نخصصها ....
2- إن حكم الرجم موجود في القرآن ولكن مما نسخت تلاوته .....وهذا مما استفاضت الأخبار من طرق الفريقين(1).
فمن طرق الشيعة في الكافي والتهذيب عن أبي عبد الله قال : الرجم في القرآن قول الله عز وجل " إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة فانهما قضيا الشهوة .
وعن سليمان بن خالد قال : قلت لأبي عبد الله في القرآن رجم ؟ قال : نعم : قلت : كيف ؟ قال : الشيخة والشيخ فارجموهما البت(2).
والجواب عن الشبهة (15) :
__________
(1) انظر ذلك في الطبراني والترمذي والنسائي وأبي داود عن ابن عباس من حديث عمر بن الخطاب
(2) انظر الكافي 7/ 177ح3والتهذيب 10/3ح 7 ، والملاذ 16/10 ، والفقيه 4/17ح12، والوسائل 18/350ح18 ، والمرآة 23/ 267 ، ودعائم الاسلام 2/ 449، .....وتفسير القمي 2/ .....وانظر مباني تكملة المنهاج للخوئي 1/ 196 وقد صحح المجلسي هاتين الروايتين في ملاذه 16/ 10، وفي مرآته 23/267 وقال مانصه بالحرف : “ وعدت هذه الآية مما نسخت تلاوتها دون حكمها(95/134)
قولهم : إن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان المنكر الأول على من حرم المتعة وهو عمر .......هذا القول من أعظم الكذب ...إذ لا يستند إلى دليل أو حجة ! واحتجاجهم بالحديث الذي رواه الطبري في تفسيره أوهى من بيت العنكبوت !! لأنه حديث ضعيف منقطع ..من طرقنا وطرقهم كما بينت ...بل الثابت الذي لا يقبل النقاش إن عليا رضي الله عنه كان المنكر الأول على من استحل المتعة، وإنكاره على ابن عمه حبر الأمة معروف .
أخرج مسلم في صحيحه عن محمد بن الحنفية عن علي أنه سمع ابن عباس يلين في متعة النساء فقال : مهلا يا ابن عباس فان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عنها يوم خيبر وعن لحوم الحمر الإنسية .
وفي رواية : سمع علي بن أبي طالب يقول لفلان إنك رجل تائه نهانا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (1).
والآن إليك بيان مذهب علي رضي الله عنه في المتعة من عدة طرق ومذاهب .
1- من طرق الشيعة الإسماعيلية :
روى القاضي المغربي صاحب دعائم الإسلام عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه حرم نكاح المتعة ، وعن علي (ع) أنه قال : لا نكاح إلا بولي وشاهدين وليس بالدرهم والدرهمين واليوم ويومين ، ذلك السفاح ولا شرط في النكاح (2).
2- من طرق الشيعة الإمامية المستحلين لهذه " المتعة " :
روى شيخ طائفة الشيعة الطوسي في كتابيه الاستبصار و التهذيب بإسناده عن عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي (ع) قال : حرم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوم خيبر لحوم الحمر الأهلية ونكاح المتعة (3).
3- من طرق الشيعة الزيدية :
__________
(1) انظر صحيح مسلم بشرح النووي 9/ 189-190
(2) انظر دعائم الإسلام وذكر الحلال والحرام والقضايا والأحكام للقاضي أبي حنيفة النعمان التميمي 2/ 228-229ح858
(3) التهذيب 2/186 ، والإستبصار 3/142 وانظر الوسائل كتاب النكاح 14/441 ح32(95/135)
جاء في مسند الإمام زيد بن علي عن أبيه عن جده علي (ع) قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن نكاح المتعة عام خيبر .(1)
قال السياغي الصنعاني من علماء الزيدية في الروض النضير :قال المؤيد بالله أخبرنا أبو العباس الحسني قال نا عبد العزيز بن إسحاق قال نا أحمد بن منصور الحري نا محمد بن الأزهر الطائي نا إبراهيم بن يحيى المزني عن عبد الله بن الحسن عن أبيه عن جده عن علي (ع) قال : حرم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم المتعة من النساء يوم خيبر وقال لا أجد أحدا يعمل بها إلا جلدته .
قال السياغي : ولعل قوله :لا أجد أحدا يعمل بها إلا جلدته من قول علي (ع)(2) .
4- من طرق أهل السنة :
أخرج البخاري ومسلم وأصحاب السنن والمسانيد والموطآت .... عن الحسن وعبد الله ابني محمد بن علي عن أبيهما عن علي أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن نكاح المتعة يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأهلية . وهذا الحديث رواه أكثر أصحاب كتب السنة النبوية (3).
__________
(1) الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير4/ 23
(2) في الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير4/ 23
(3) البخاري في صحيحه والبيهقي في السنن ومسلم في صحيحه و الدارقطني في السنن و.الترمذي في سننه وابن حبان في صحيحه
والنسائي في سننه.و مالك في الموطأ.وابن ماجه في سننه.و ابن أبي شيبة في المصنف .والدارمي في سننه. والشافعي في مسنده و.ابو داود في سننه و أحمد في مسنده .والبزار في مسنده .و الطبراني في المعجم?و .سعيد بن منصور في سننه.و ابن جارود في المنتقى .وعبد الرزاق في مصنفه والمقدسي في تحريم نكاح المتعة.والنحاس في الناسخ و المنسوخ .وأبو نعيم في الحلية .والطيالسي في مسنده .(95/136)
ومن الملاحظ ، وهذه للمقارنة وبيان وجه الحق ، أن حديث تحريم متعة النساء الذي رواه الإمام علي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رواه كل أصحاب المذاهب فهو متفق عليه...بينما الحديث الذي أخرجه الثعلبي في تفسيره والسيوطي في الدر المنثور بعدة طرق والرازي وأبوحيان و رواه ابن جرير الطبري في تفسيره بإسناد منقطع ضعيف !! ومن المعلوم أن كتب التفسير تحوي الغث والسمين ، فإذا عرفت هذا ، فكيف يزعمون أن الرواية عن ابن الحنفية عن أبيه ( ع) موضوعة !! وما هو دليلهم ؟؟
الحقيقة أنه ليس لهم دليل سوى أقاويل منحوتة ومنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وآل بيته الأطهار ،كزعمهم أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعليا رضي الله عنه تمتعا والعياذ بالله.
فقد روى شيخهم المفيد في كتابه " المتعة " قال : يروي الفضل الشيباني بإسناده إلى الباقر (ع) أن عبد الله بن عطاء المكي سأله عن قوله تعالى { وإذا أسر النبي } الآية فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تزوج بالحرة متعة فاطلع عليه بعض نسائه فاتهمته بالفاحشة ! فقال : إنه لي حلال إنه نكاح بأجل فأكتميه فأطلعت عليه بعض نسائه .(1)
__________
(1) انظر خلاصة الإيجاز في المتعة " ص 24-25والوسائل 14/440 ح22 .من كتاب النكاح ، من أبواب المتعة.(95/137)
وروى ابن بابويه القمي -الملقب عندهم " بالصدوق !! - في الفقيه قال الصادق ! : إني لأكره للرجل إن يموت وقد بقيت عليه خلة من خلال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يأتها فقلت : فهل تمتع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ؟ قال : نعم و قرأ هذه الآية { و إذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا } إلى قوله { ثيبات و أبكارا } .(1)
فانظر كيف حمل التعصب البغيض هؤلاء على نسبة هذا الأمر القبيح إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولو فعل ذلك أبوه أو جده لعابه عليه ووبخه ، فاعتبروا يا أولى الأبصار !!
بيان مذهب بقية أهل البيت كابن الحنفية والباقر وزيد وجعفر :
أ)من كتب الشيعة الزيدية :
قال السياغي في شرحه على مسند زيد : وأما الباقر وولده الصادق فنقل في الجامع الكافي عن الحسن بن يحي بن زيد فقيه العراق أنه قال اجمع آل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على كراهية المتعة والنهي عنها وقال أيضا أجمع آل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على أنه لا نكاح إلا بولي وشاهدين وصداق بلا شرط في النكاح وقال محمد يعني ابن منصور سمعنا عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعن علي وابن عباس وأبي جعفر يعني الباقر وزيد بن علي وعبد الله بن حسن وجعفر بن محمد عليهم السلام أنهم قالوا لا نكاح إلا بولي وشاهدين (2).
ب) من كتب أهل السنة:
روى البيهقي في السنن بإسناده عن بسام الصيرفي قال : سألت جعفر بن محمد عن المتعة فوصفتها فقال لي ذلك الزنا (3).
__________
(1) الوسائل 14/442و الفقيه 2/151وجواهر الكلام 30/ 151-152 ?وكاشف الغطاء في " أصل الشيعة واصولها " ص 177والفكيكي في كتابه " المتعة" تحت عنوان " تفسير آية متعة النساء" ص47وهامش كتاب " المحجة البيضاء " للكاشاني 3/ 765-77
(2) مجموع الفقه الكبير 4/26
(3) السنن الكبرى7/207(95/138)
وهذا الوصف من جعفر للمتعة ليس ببعيد ، فقد سبقه السلف فوصفوا المتعة بالسفاح ، وهذا الوصف ، قد أخذه جعفر من شيوخه ، كالقاسم بن محمد بن أبي بكر جده أبي أمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر ، أحد الفقهاء السبعة الذين كونوا العلم المدني ، و القاسم هذا قد روى عن عائشة رضي الله عنها وعائشة كانت إذا سئلت عن المتعة قالت : بيني وبينكم كتاب الله قال الله عز و جل { والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فانهم غير ملومين} فمن ابتغى غير ما زوجه الله فقد عدا ..... و القاسم بن محمد قال : إني لأرى تحريمها في القرآن ، قال : فقلت : أين ، فقرأ عليّ هذه الآية {والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم }
ج) من كتب الشيعة الإمامية - المجوزين للمتعة :
روى أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره و ابن إدريس في سرائره عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله في المتعة قال : ما يفعله عندنا إلا الفواجر(1) .
وروى ابن إدريس في سرائره ص66 و أحمد بن محمد في نوادره ص66 بإسناده عن ابن سنان قال : سألت أبا عبد الله عن المتعة فقال لا تدنس بها نفسك .(2)
وروى الكليني عن المفضل قال : سمعت أبا عبد الله (ع) يقول في المتعة :دعوها أما يستحي أحدكم أن يرى في موضع العورة فيحمل ذلك على صالحي إخوانه وأصحابه (3).
وروى المفيد والكليني عن علي بن يقطين قال : سألت أبا الحسن عن المتعة فقال : ما أنت وذاك قد أغناك الله عنها(4)..
__________
(1) ابن ادريس في سرائره ص483والوسائل 14/456 ، وبحار الأنوار100/318
(2) الوسائل 14/450
(3) انظر الكافي 5/ 453، البحار 100، 103/ 311، العاملي في وسائله 14/450 ، النوري في المستدرك 14/ 455.
(4) انظر خلاصة الإيجاز في المتعة للمفيد ص57 ، الوسائل 14/449 ، ونوادر أحمد ص87ح199(95/139)
وروى الكليني عن عمار قال : قال أبو عبد الله (ع) لي و لسليمان بن خالد : قد حرمت عليكما المتعة .
وروى المفيد والكليني عن ابن شمون قال : كتب أبو الحسن (ع) إلى بعض مواليه لا تلحوا علّي المتعة إنما عليكم إقامة السنة فلا تشتغلوا بها عن فرشكم وحرائركم فيكفرن ويتبرين ويدعين على الآمر بذلك ويلعنونا !!
فان أرادوا الإفلات عن هذه الأحاديث وان الإمام قالها تقية كما زعم بعضهم ، فالجواب إن لا تقية في متعة النساء !
قال عالمهم كاشف الغطاء في أصل الشيعة ما نصه بالحرف الواحد :" ومن طرقنا الوثيقة !! عن جعفر الصادق (ع) أنه كان يقول : ثلاث لا أتقي فيهن أحدا : متعة الحج ، ومتعة النساء ، والمسح على الخفين .(1)
د) من كتب الشيعة الإسماعيلية :
روى صاحب دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد الصادق إن رجلا سأله عن نكاح المتعة قال : صفه لي قال : يلقى الرجل المرأة فيقول أتزوجك بهذا الدرهم والدرهمين وقعة أو يوما أو يومين قال : هذا زنا وما يفعل هذا إلا فاجر (2).
من كل هذه الأقوال يتبين لنا أن أهل البيت مذهبهم كمذهب القرآن و النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم و الصحابة في تحريم المتعة وهم موافقون للقرآن ولأحاديث جدهم في منع و تحريم هذه العلاقة المشبوهة المسماة " متعة " !
والجواب عن الشبهة (16)
قولهم : إن جابر بن عبد الله أنكر على عمر تحريمه للمتعة ،و لو كان هناك نهي من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما غاب عن الصحابة الذين تمتعوا في عهد أبي بكر و شطر من عهد عمر نفسه ، وهذا ينفي نسخها في عهد الرسول وإلا كان الخليفة الأول محللا لما حرم الله والرسول
فالجواب من وجوه :
هذا القول مجازفة ، فمتى يا ترى أنكر جابر رضي الله عنه على عمر رضي الله عنه ؟!
وفيما يلي أحاديث جابر فيما رواه مسلم في صحيحه .
__________
(1) أصل الشيعة وأصولها ص100
(2) دعائم الاسلام 2/229ح859(95/140)
1- خرج علينا منادي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد أذن لكم إن تستمتعوا ، يعني متعة النساء .
2- نعم استمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأبي بكر وعمر وذلك فيما يرويه عطاء لما قدم معتمرا قال فجئناه في منزله فسأله القوم عن أشياء ثم ذكروا المتعة.
3- كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأبي بكر حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث وذلك فيما أخبرنا أبو الزبير قال سمعت جابر بن عبد الله.
هذه هي أحاديث جابر و لا يجوز الاحتجاج بها على حلية المتعة لأمور :
أ) إن الحديث الأول منسوخ .
قال ابن القيم في الزاد : كان هذا زمن الفتح قبل التحريم ثم حرمها بعد ذلك بدليل ما رواه مسلم في صحيحه عن سلمة بن الأكوع قال : رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثاً ثم نهى عنها وعام أوطاس هو عام الفتح لأن غزاة أوطاس متصلة بفتح مكة .
قال المازري : ثبت أن نكاح المتعة كان جائزا في أول الإسلام ثم ثبت بالأحاديث الصحيحة المذكورة هنا أنه نسخ ..... ولم يخالف فيه إلا طائفة من المستبدعة وتعلقوا بالأحاديث الواردة في ذلك وقد ذكرنا أنها منسوخة فلا دلالة لهم فيها .
ب) الحديث الثاني:
1- محمول على أن الذي استمتع في عهد أبي بكر وشطراً من خلافة عمر لم يبلغه النسخ منهم جابر رضي الله عنه نفسه (1)..
__________
(1) كما ذكر ذلك النووي في شرحه لصحيح مسلم 9/ 183(95/141)
2- ليس في الحديث دلالة على أن أبا بكر رضي الله عنه يرى حلها إذ لم يذكر جابر اطلاع أبي بكر على فاعلها والرضى به ، كما أن كتب السنة لم تذكر رأي أبي بكر رضي الله عنه في المتعة والظاهر أن موقفه - وهو الملازم لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في جميع غزواته وأغلب حالاته -التحريم لها ، والذي نقصده في هذه السطور أنه لا يلزم من كون البعض فعلها أو مارسها في عهد أبي بكر أن يكون مطلعاً عليها (1).
وأعتقد شخصياً أنه لو اطلع الصديق على فاعلها في خلافته لوقف منها موقف الفاروق عمر رضي الله عنه لأن الفاروق فعلت في عهده ولم يطلع عليها كما يدل عليه حديث جابر الثاني ثم اطلع بعد ذلك ، فنهى عنها وقال فيها أشد القول ولعل السبب في عدم اطلاع الصديق عليها لكونها " نكاح سر" حيث لم يشترط فيها الإشهاد ، ولما كانت خالية عن الإعلان حق لها أن تخفي على القريب فضلا عن المضطلع بأعباء الخلافة وأمر المسلمين كافة كأبي بكر (2).
وفي ذلك يقول ابن العربي عن حديث جابر بما لفظه : فأما حديث جابر بأنهم فعلوها على عهد أبي بكر فذلك من اشتغال الخلق بالفتنة عن تمهيد الشريعة فلما علا الحق على الباطل وتفرغ المسلمون ونظروا في فروع الدين بعد تمهيد أصوله أنفذوا في تحريم المتعة ما كان مشهوراً لديهم حتى رأى عمر معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن حريث فنهاهما .(3)
فهذا بالنسبة إلى قول جابر "استمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم و أبي بكر" .......
__________
(1) نكاح المتعة لمحمد شميلة الأهدل ص190-191
(2) المصدر السابق
(3) ابن العربي في عارضة الأحوذي 3/51(95/142)
فغاية الأمر أنهم لم يبلغهم النسخ وهذا ليس معناه أنهم استمتعوا بعلم من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وافقهم وأقرهم أو أن الصدّيق أقرهم لقول جابر بأنهم فعلوها على عهد أبي بكر ، أو أن عمر أقرهم قبل بيانه لتحريم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عنها .
وليس معنى هذا أن ممارستها دليل على حلها كما يظن بعض الجهال .....لأن أشياء كثيرة يمنعها القانون سواء الإسلامي أو الوضعي وتمارس من غير علم الحاكم وإذا بلغ ذلك للحاكم وقف منها الموقف الذي يجب وقفه ...
وما أحسن ما قاله شارح بلوغ المرام وهو : إن المبيحين إنما بنوا على الأصل لما لم يبلغهم الدليل الناسخ وليس مثل هذا من باب الاجتهاد و إنما هم معذورون لجهل الناسخ ، فالمسألة لا اجتهاد فيها بعد ظهور النص ، على أن الذي أوجب هذا الخفاء على بعض الصحابة ولم يعلم بالنسخ أمور أهمها :
أ- إن هذا النكاح " نكاح سر" حيث لم يشترط فيها الإشهاد ، ولما كانت خالية عن الإعلان حق لها أن تخفى حتى على القريب .
ب - إن هذا النكاح وقع فيه الترخيص مرتين وقد يحضر الصحابي موطن الرخصة فيسمعه ويفوته سماع النهي مما أدى إلى تمسك بعضهم بالرخصة فيه .(95/143)
والذي يعتقده أهل السنة في صحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بصورة عامة إنهم أحرص الناس على امتثال أوامر الله تعالى والابتعاد عن نواهيه فكل من بلغه نهي رسول الله عن المتعة فذلك موقفه منها وكل من لم يبلغه النهي في عصر النبوة ثم بلغه بعد ذلك فإنه التزمه وقال به إلا ابن عباس رضي الله عنهما فإن له مسلكاً سوف أتكلم عليه بعد ذلك (1).....ومع هذا فلا ينكر إن بعض الصحابة لم يبلغه النهي إطلاقاً إلا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهذا ليس بغريب فقد حدث مثل هذا كثير ، قد خفى على عدد من كبار الصحابة أحاديث كثيرة مع قربهم من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وتقدمهم في السن وطول صحبتهم .فقد خفى عن عمر حديث الجزية حتى أخبره عبد الرحمن رضي الله عنه .كما خفى عليه حديث الاستئذان حتى أخبر أبو موسى رضي الله عنه .
روى مسلم في صحيحه عن أبي نضرة قال كنت عند جابر بن عبد الله فأتاه آت فقال ابن عباس و ابن الزبير اختلفا في المتعتين فقال جابر فعلناهما مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما.
فهذا الحديث يدل على امتناع جابر عنها لما أطلع على نهي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن طريق عمر و تصريحه بعدم العودة إليها دليل على رجوعه عن القول بحلها ...
فأين إنكار جابر يا ترى على عمر ؟
__________
(1) نكاح المتعة ص189(95/144)
لذلك نقول لو كانت الإباحة باقية لورد النقل بها مستفيضاً متواتراً لعموم الحاجة إليه ولعرفتها الكافة كما عرفتها بدياً ولما اجتمع الصحابة على تحريمها لو كانت الإباحة باقية لما وجدنا الصحابة منكرين لإباحتها موجبين لحضرها مع علمهم بدياً بإباحتها دل ذلك على حضرها بعد الإباحة ألا ترى أن النكاح لما كان مباحاً لم يختلفوا في إباحته ومعلوم أن بلواهم بالمتعة لو كانت مباحة كبلواهم بالنكاح فالواجب إذا إن يكون ورود النقل في بقاء إباحتها من طرق الاستفاضة ولا نعلم أحداً من الصحابة روى عنه تجريد القول في إباحة المتعة غير ابن عباس .
والجواب عن الشبهة (17 )
قولهم : إن عبد الله بن عمر أنكر على أبيه تحريمه لمتعة النساء ....
هذا القول الذي نقله أغلب علماء الشيعة بالإجماع من أعظم الكذب ، وقد رجعت إلى جامع الترمذي ومسند أحمد(1) فلم أجد ما نسبته كتب الشيعة(2) .....
والحقيقة أنهم بدلوا حديث ابن عمر رضي الله عنهما الذي أخرجه أحمد في مسنده والترمذي في جامعه ، فبدلوا لفظة " متعة الحج " ووضعوا مكانها لفظة "متعة النساء ".
وفيما يلي بعض الأمثلة من هذا التحريف .
__________
(1) وجامع الترمذي ، وتفسير القرطبي ، و مسند الامام أحمد بن حنبل انظر.
(2) نهج الحق وكشف الصدق للحلي .،الطرائف لرضي الدين ابن طاوس الحلي .،الصراط المستقيم للنباطي .،الحدائق الناضرة للبحراني .،الفصول المهمة لعبدالحسين شرف الدين . ،النص والاجتهاد لعبد الحسين شرف الدين . ومسائل فقيه لعبدالحسين شرف الدين .،الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية للعامليين.،نقض الوشيعة لمحسن الأمين .،الزواج المؤقت ودوره في حل مشكلات الجنس لتقي الحكيم .،المتعة واثرها في الاصلاح الاجتماعي لتوفيق الفككي.،الزواج في القرآن والسنة لعزالدين بحر العلوم .،تفسير قلائد الدرر للجزائري 3/ 68 .(95/145)
قال الحلي في كتابه " نهج الحق وكشف الصدق " : تحت عنوان تحريم عمر لمتعة النساء قال ما نصه : وفي صحيح الترمذي قال: سئل ابن عمر عن متعة النساء ؟ فقال : هي حلال وكان السائل من أهل الشام فقال له : إن أباك قد نهى عنها ؟ فقال له ابن عمر إن كان أبي قد نهى عنها وصنعها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نترك السنة ونتبع قول أبي ...(1)
وقال زين الدين في الروضة ما نصه : وفي صحيح الترمذي إن رجلاً من أهل الشام سأل ابن عمر عن متعة النساء فقال هي حلال فقال : إن أباك قد نهى عنها فقال ابن عمر : أرأيت إن أبي قد نهى عنها وقد سنها [ صنعها] رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أتترك السنة وتتبع قول أبي.(2)
وقال عبد الحسين شرف الدين ص 80 ما نصه : ونقل العلامة في نهج الصدق والشهيد الثاني من روضته البهية عن الصحيح الترمذي إن اً رجلاً من أهل الشام سأل ابن عمر عن متعة النساء فقال هي حلال فقال : إن أباك قد نهى عنها فقال ابن عمر : أرأيت إن أبي قد نهى عنها وقد سنها [ صنعها] رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنترك السنة ونتبع قول أبي(3).
وقال عبد الحسين في كتابه "مسائل فقهية ما نصه : وسئل ابن عمر مرة أخرى عن متعة النساء فقال - كما عن صحيح الترمذي ! هي حلال ، فقيل له أن أباك نهى عنها ... فقال : أرأيت إن كان أبي نهى عنها وصنعها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنترك السنة ونتبع قول أبي (4).
وأخيرا كلام صاحب النص والاجتهاد للموسوي أيضا .
__________
(1) نهج الحق وكشف الصدق ص283
(2) الروضة البهية 5/ 283
(3) الفصول المهمة في تأليف الأمة ! ص80
(4) "مسائل فقهية " تحت عنوان المنكرون على عمر ص84(95/146)
في هذا الكتاب يتبين للقارىء الأكاذيب السابقة وأترك الكلام للموسوي لكي يكتشف أو يكشف أكاذيبه السابقة للقراء في كتابيه السابقين فتحت المورد [21] بعنوان " متعة الحج إذ نهى عنها عمر " . وتحت فصل المنكرون عليه أورد الموسوي حديث ابن عمر نقلاً عن جامع الترمذي فقال ما نصه: "وفي صحيح الترمذي أن عبد الله بن عمر سئل عن متعة الحج قال : هي حلال فقال له السائل : أن أباك قد نهى عنها فقال : أرأيت أن كان أبي نهى عنها وصنعها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أأمر أبي نتبع أم أمر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ؟ فقال الرجل
بل أمر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لقد صنعها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (1).
ومما يدل أن الكذابين يكذبون على ابن عمر ما رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم قال : سئل ابن عمر عن متعة الحج فأمر بها فقيل له إنك تخالف أباك فقال : إن أبي لم يقل الذي تقولون : إنما قال : افردوا العمرة من الحج أي أن العمرة لا تتم في شهور الحج إلا بهدي و أراد أن يزار البيت في غير أشهر الحج فجعلتموها أنتم حراما و عاقبتم الناس عليها و قد أحلها الله عز و جل و عمل بها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإذا أكثروا عليه قال : أو كتاب الله أحق أن تتبعوا أم عمر . (2)
__________
(1) تحت المورد [21] بعنوان " متعة الحج اذ نهى عنها عمر من كتابه النص والاجتهاد ص190
(2) رواه أحمد 2/95 وأورده إبن قدامة في المغني 3/281(95/147)
وفي رواية عن سالم بن عبد الله بن عمر قال : كان ابن عمر رضي الله عنهما يفتي بالذي أنزل الله عز و جل من الرخصة بالتمتع وسن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيه فيقول ناس لابن عمر كيف تخالف أباك و قد نهى عن ذلك ؟ فيقول لهم عبد الله ويلكم ألا تتقون الله إن كان عمر نهى عن ذلك فيبتغي فيه الخير يلتمس به تمام العمرة فلِمَ تحرمون ذلك وقد أحله الله و رسوله و عمل به رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أفرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أحق إن تتبعوا أم سنة عمر ؟ إن عمر لم يقل لكم إن العمرة في أشهر الحج حرام و لكنه قال أتم العمرة إن تفردها من أشهر الحج .
وقد صدق ابن عمر رضي الله عنهما حينما قال إن هناك ثلاثين كذابا يكذبون عليه ..
فعن الأعرج وغيره قال : سأل رجل ابن عمر عن متعة النساء - وأنا عنده فغضب وقال : ما كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بزنائين ولا مسافحين ثم قال : والله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول : ليكونن قبل يوم القيامة المسيح الدجال وثلاثون كذابا أو أكثر من ذلك (1).
ونختتم بيان كشف الكذب على ابن عمر بما رواه ابن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه قال : سئل ابن عمر عن متعة النساء فقال : لا نعلمها إلا السفاح (2).
والجواب عن الشبهة ( 18 )
__________
(1) أخرجه سعيد بن منصور في سننه (851) ص252 ، وأبو يعلي الموصلي في مسنده 10/ 69، وأحمد 2/95واسناده حسن....انظر الفتح الرباني للساعاتي 16/191 وانظر مسند أحمد 8/58 شرح ووضع الفهارس أحمد شاكر .....
(2) انظر مصنف ابن أبي شيبة 4/292-293 واسناده صحيح .(95/148)
قولهم : إن أهل السنة أنفسهم يعترفون بأن روايات النسخ عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مضطربة متناقضة .....هذا القول أو هذه النسبة إليهم غير صحيحة ......فصحيح إن روايات تحريم المتعة متعددة كيوم خيبر أو يوم الفتح أو غزوة تبوك أو حجة الوداع أو عمرة القضاء أو عام أوطاس .......ولكن هل هذه الروايات صحيحة أم هناك الغث والسمين ...لنرى ما ذا يقول علماء الحديث في هذا الموضوع أعني عن تعدد روايات تحريم المتعة .
قال ابن حجر في الفتح : قال السهيلي : وقد اختلف في وقت تحريم نكاح المتعة فأغرب ما روي في ذلك رواية من قال في غزوة تبوك ، ثم رواية الحسن أن ذلك كان في عمرة القضاء ، والمشهور في تحريمها أن ذلك في غزوة الفتح كما أخرجه مسلم من حديث الربيع بن سبرة عن أبيه ، وفي رواية عن الربيع أخرجها أبو داود أنه كان في حجة الوداع ، قال ومن قال من الرواة كان في غزوة أوطاس فهو موافق لمن قال عام الفتح ، فتحصل مما أشار إليه ستة مواطن : خيبر ، ثم عمرة القضاء ، ثم الفتح ، ثم أوطاس ، ثم تبوك ، ثم حجة الوداع ، وبقى حنين لأنها وقعت في رواية قد نبهت عليها قبل ، فإما أن يكون ذهل عنها أو تركها عمدا لخطأ رواتها ، أو لكون غزوة أوطاس وحنين واحدة(1).
وفيما يلي أقوال علماء الحديث عن هذه الغزوات وموطن تحريم المتعة .
1- غزوة خيبر :
قال الزرقاني في شرح الموطأ : فلم يبق صحيح صريح سوى خيبر والفتح ......
وقال الغماري في الهداية : " الصحيح من هذه الأقوال أن ذلك كان يوم خيبر ويوم الفتح والمراد زمنهما ....(2)
2- غزوة عمرة القضاء :
قال الحافظ ابن حجر في الفتح : وأما عمرة القضاء فلا يصح الأثر فيها لكونه من مرسل الحسن ومراسيله ضعيفة لأنه كان يأخذ عن كل أحد ..(3)
__________
(1) فتح الباري 9/ 74
(2) الهداية 6/510
(3) فتح الباري 9/ 75(95/149)
وقال ابن سعد في ترجمة الحسن البصري : كان عالما جامعا رفيعا ...الخ وكل ما اسند من حديثه وروى عمن سمع منه فهو حجة وما أرسله فليس بحجة (1).
3- فتح مكة :
اعلم أن حديث سبرة لم يرو عنه إلا من طريق ابنه الربيع هكذا في ما اطلعنا عليه من كتب الحديث التي في متناولنا وشروحها(2).... إلا ما رواه الإمام أبو حنيفة عن الزهري عن محمد بن عبد الله عن سبرة الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن متعة النساء يوم فتح مكة ......والأحاديث التي أخرجها مسلم كلها ذكرت النهي عنها في فتح مكة .....إلا ما أخرجه أبو داود من طريق إسماعيل بن أمية عن الزهري عن الربيع فانه يذكر النهي في حجة الوداع ....وقد تفرد بها إسماعيل وهي شاذة ، وأما ما رواه أحمد وابن ماجة وغيرهما فمن طريق عبد العزيز بن عمر عن الربيع عن أبيه ....وتفرد عبد العزيز بذكر حجة الوداع يتعين توهيمه ، وتوهيم المتفرد المخالف وان كان ثقة فكيف وقد تقرر انه صدوق يخطئ (3)ولاسيما والراوون عن الربيع جماعة بلغوا درجة الشهرة في تلك الطبقة (4)....بينما جميع الرواة الذين يروون القصة عن الربيع عند مسلم عمارة بن غزية وعبد الملك وعبد العزيز ابنا الربيع عنه والزهري كلهم يذكرون وقوع القصة في فتح مكة ....ورواية عبد العزيز نقدها الحفاظ و وهموه فيها لأن سائر الرواة عن الربيع وعن سبرة أطبقوا على إن الحادثة كانت في فتح مكة ..ولذا لم يخرج مسلم في صحيحه روايته (5).
4- غزوة أوطاس :
__________
(1) التهذيب لإبن حجر 2/ 266 وقال ابن سعد في ترجمة الحسن البصري : كان عالما جامعا رفيعا ...الخ وكل ما اسند من حديثه وروى عمن سمع منه فهو حجة وما أرسله فليس بحجة .
(2) الأهدل ص175
(3) التقريب لإبن حجر ص215
(4) الأهدل ص158
(5) الأهدل ص155(95/150)
قال ابن القيم في الزاد : " فان قيل : فكيف تصنعون بما روى مسلم في صحيحه من حديث جابر وسلمة بن الأكوع قالا : خرج علينا منادى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد أذن لكم إن تستمتعوا ، يعني متعة النساء ، قيل : إن هذا كان زمن الفتح قبل التحريم ثم حرمها بعد ذلك بدليل ما رواه مسلم في صحيحه عن سلمة بن الأكوع قال : رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثا ثم نهى عنها وعام أوطاس هو عام الفتح لأن غزاة أوطاس متصلة بفتح مكة .(1)
وقال البيهقي : وعام أوطاس وعام الفتح واحد ، فأوطاس وان كانت بعد الفتح فكانت في عام الفتح بعده بيسير فما نهى عنه لا فرق بين إن ينسب إلى عام أحدهما أو إلى الآخر (2).
5- غزوة حنين :
قال ابن حجر في الفتح : وبقى حنين لأنها وقعت في رواية قد نبهت عليها قبل ، فأما إن يكون ذهل عنها أو تركها عمدا لخطأ رواتها ، أو لكون غزوة أوطاس وحنين واحدة ........(3)
وقال الشوكاني في النيل : وأما في غزوة حنين فهو تصحيف كما تقدم ، والأصل خيبر وعلى فرض عدم ذلك التصحيف فيمكن إن يراد ما وقع في غزوة أوطاس لكونها هي وحنين واحدة (4).
وقال الصنعاني في السبل : " وعن علي رضي الله عنه قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن المتعة عام خيبر ...وقد وهم من رواه عام حنين أخرجه النسائي والدارقطني ونبه على انه وهم ....(5)
6- غزوة تبوك :
__________
(1) انظر زاد المعاد 3/462
(2) سنن البيهقي 7/204
(3) فتح الباري 9/ 74
(4) نيل الأوطار 3/ 137
(5) سبل السلام 3/126(95/151)
قال ابن حجر في الفتح : فأما رواية تبوك فأخرجها اسحق بن راهويه وابن حبان من طريقه من حديث أبي هريرة والحازمي عن طريق جابر ...وفي حديث أبي هريرة مقالا فانه من رواية مؤمل بن إسماعيل عن عكرمة بن عمار وفي كل منهما مقال ، وأما حديث جابر فلا يصح فانه من طريق عباد بن كثير وهو متروك(1).
وقال النووي : وذكر غير مسلم عن علي أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عنها في غزوة تبوك من رواية إسحاق بن راشد عن الزهري عن عبد الله بن محمد بن علي عن أبيه عن علي ولم يتابعه أحد على هذا وهو غلط منه ...(2)
7- حجة الوداع :
قال القرطبي : فأما حديث سبرة الذي فيه إباحة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لها في حجة الوداع فخارج عن معانيها كلها وقد اعتبرنا هذا الحرف فلم نجده إلا في رواية عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز خاصة وقد رواه إسماعيل بن عياش عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز فذكر أن ذلك كان في فتح مكة وأنهم شكوا إليه العزبة فرخص لهم فيها ومحال أن يشكوا إليه العزبة في حجة الوداع لأنهم كانوا حجوا بالنساء وكان تزويج النساء بمكة يمكنهم ولم يكونوا حينئذ كما كانوا في الغزوات المتقدمة.(3)
وقال ابن حجر في الفتح :" وأما حجة الوداع فالذي يظهر انه وقع فيها النهي مجردا إن ثبت الخبر في ذلك لأن الصحابة حجوا فيها بنسائهم بعد أن وسع عليهم فلم يكونوا في شدة ولا طول عزبة وإلا فمخرج حديث سبرة راويه هو من طريق ابنه الربيع عنه وقد اختلف عليه في تعيينها والحديث واحد في قصة واحدة ، فتعين الترجيح والطريق التي أخرجها مسلم مصرحة بأنها في زمن الفتح أرجح فتعين المصير إليها والله أعلم .(4)
__________
(1) فتح الباري 9/ 74
(2) صحيح مسلم بشرح النووي المجلد الثالث 9/ 180
(3) تفسير القرطبي 5/ 131
(4) فتح الباري 9/76(95/152)
وقال الشوكاني في النيل : وأما النهي عنها في حجة الوداع فهو اختلاف على الربيع بن سبرة والرواية عنه بأن النهي في يوم الفتح أصح وأشهر (1).
وقال : لم يقع منه صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذن بالاستمتاع (2).
وقال ابن القيم في الزاد : " واختلف في الوقت الذي حرمت فيه المتعة ....- إلى إن قال - والرابع : انه عام حجة الوداع وهو وهم من بعض الرواة سافر وهمه من فتح مكة إلى حجة الوداع كما سافر وهم معاوية من عمرة الجعرانة إلى حجة الوداع حيث قال : قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وسفر الوهم من زمان إلى زمان ومن مكان إلى مكان ومن واقعة إلى واقعة كثيرا ما يعرض للحفاظ فمن دونهم .....(3)
من ذلك نلخص : " إن الصواب المختار أن التحريم والإباحة كانا مرتين ، وكانت حلالا قبل خيبر ثم حرمت يوم خيبر ثم أبيحت يوم فتح مكة وهو يوم أوطاس لاتصالهما ثم حرمت يومئذ بعد ثلاثة أيام تحريما مؤبدا إلى يوم القيامة (4) .
ملخص هذه الأقوال : وفيما يلي جدول يبين غزوات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وموطن تحريم المتعة .
اسم الغزوة
راوي الحديث
متن الحديث
التخريج
درجة الحديث
التاريخ
1- خيبر
علي بن أبي طالب
" أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسية
البخاري ومسلم ومالك والحميدي وأحمد والدارمي وابن ماجة والترمذي والنسائي
صحيح
محرم 7 هـ
2- عمرة القضاء
الحسن البصري
"إنما كانت المتعة من النساء ثلاثة أيام ولم يكن قبل ذلك ولا بعده
سعيد بن منصور ومصنف
عبد الرزاق
ضعيف من مراسيل الحسن
ذي القعدة 7 هـ
3- فتح مكة
سبرة بن معبد الجهني
" نهى رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن نكاح المتعة
__________
(1) نيل الأوطار 3/ 137
(2) المصدر السابق
(3) زاد المعاد 2/459
(4) انظر صحيح مسلم بشرح النووي 3/181، وانظر تفسير الألوسي 5/7(95/153)
عام الفتح
مسلم والحميدي والدارمي وأبو داود والنسائي وأحمدوالطحاوي وسعيد وابن أبي شيبة
صحيح
رمضان 8 هـ
4- أوطاس
سلمة بن الأكوع
" رخص رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثا ثم نهى عنها
مسلم وأحمد والطحاوي وابن أبي شيبة والدارقطني والطيالسي والبيهقي
صحيح
8 هـ
5-حنين
علي بن أبي طالب
" نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوم حنين عن متعة
النساء
النسائي(1)
والدارقطني(2)
ضعيف (تفرد به عبد الوهاب الثقفي)
8 هـ
6-تبوك
أ-علي بن أبي طالب
ب-أبو هريرة
ج-جابر بن عبد الله
د- جابر بن عبد الله
" نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن المتعة في تبوك
".. قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : حرم أو هدم المتعة النكاح والطلاق والعدة والميراث
" خرجنا ومعنا النساء اللاتي استمتعنا بهن حتى أتينا ثنية الركاب فقلنا يا رسول الله هؤلاء النسوة اللاتي استمتعنا بهن فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم هن حرام إلى يوم القيامة ....
" خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى غزوة تبوك حتى إذا كنا عند العقبة مما يلي الشام جئن نسوة فذكرنا تمتعنا وهن يجلن في رحالنا أو قال يطفن في رحالنا فجاءنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فنظر إليهن فقال من هؤلاء النسوة فقلنا يا رسول الله نسوة تمتعنا منهن قال فغضب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى احمرت وجنتاه وتغير لونه واشتد غضبه وقام فينا خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم نهى عن المتعة .......الخ
الدارقطني
الدارقطني والطحاوي والبيهقي
الطبراني
__________
(1) قال ابن المثنى يوم حنين ، وقال هكذا حدثنا عبد الوهاب من كتابه . انظر سنن النسائي 2/ 126
(2) وأخرجه الدارقطني من طريق أخرى عن يحيى بن سعيد فقال خيبر على الصواب ....(95/154)
الحازمي
ضعيف
( لتفرد إسحاق بن راشد عن الزهر)
ضعيف (لوجود مؤمل بن إسماعيل
ضعيف (لضعف راويه صدقة بن عبد الله)
ضعيف جدا لضعف عباد بن كثير الثقفي
رجب 9 هـ
7- حجة الوداع
سبرة بن معبد
" خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حجة الوداع .........فتزوجتها فمكثت عندها ...ثم غدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قائم بين الركن والباب وهو يقول : أيها الناس إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع ألا وان الله حرمها إلى يوم القيامة فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيلها ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا
" كنا عند عمر بن عبد العزيز فتذاكرنا متعة النساء
فقال رجل يقال له ربيع بن سبرة اشهد على أبي انه حدث إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عنها في حجة الوداع .
أحمد والحميدي والدارمي وابن ماجة وعبد الرزاق
أبو داود وأحمد
ضعيف (وهم من عبد العزيز بن عمر)
ضعيف شاذ
( تفرد به إسماعيل بن أمية عن الزهري
وأما قولهم : إن أصدق شيء في الدلالة على عدم النسخ في عهده صلى الله عليه وعلى آله وسلم قول عمر بالذات : "متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما ، متعة الحج ومتعة النساء ....".
فالجواب من وجوه عديدة :
إن عمر لم يحرم المتعتين ، أي لا متعة الحج ولا متعة النساء ...ولبيان ذلك لابد من معرفة ما هي متعة الحج .
متعة الحج :
فأما متعة الحج :فقيل :هي العمرة في أشهر الحج ثم الحج من عامه .
و قيل : التمتع أيضا القران لأنه تمتع بسقوط سفره للنسك الآخر من بلده .
و قيل : التمتع أيضا فسخ الحج إلى العمرة .
فما هي المتعة التي نهى عنها عمر ؟
اختلف العلماء في المتعة التي نهى عنها عمر في الحج .
فقيل هي فسخ الحج إلى العمرة .(95/155)
أما التمتع بمعنى فسخ الحج إلى العمرة فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمرهم بأن يفسخوا إحرامهم بالحج ويحرموا بالعمرة و إنما فعل بهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذلك لأنهم كانوا يستعظمون فعل العمرة في أشهر الحج و يقولون : إذا عفا الأثر و بدأ الدبر و انسلخ صفر حلت العمرة لمن اعتمر .
فأمرهم أن يفسخوا الحج و يجعلوها عمرة لتأكيد البيان وإظهار الإباحة . و إنما أبيحت للركب الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يكن ذلك إلا في تلك السنة فإنه أمرهم بالإحرام بالحج ثم أمرهم بفسخه إلى العمرة .
وقد اختلف العلماء فيه .
هل هو خاص للصحابة تلك السنة أو باق لغيرهم إلى يوم القيامة ؟
فقال أحمد وطائفة من أهل الظاهر ليس خاصا بل هو باق إلى يوم القيامة فيجوز لكل من أحرم بحجٍ و ليس معه هدى أن يقلب إحرامه عمرة و يتحلل بأعمالها .
وقال مالك و الشافعي و أبو حنيفة وجماهير العلماء من السلف و الخلف هو مختص بهم في تلك السنة لا يجوز بعدها و إنما أمروا به في تلك السنة ليخالفوا ما كانت عليه الجاهلية من تحريم العمرة في أشهر الحج و مما يستدل به للجماهير حديث أبي ذر الذي أخرجه مسلم : كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم خاصة - يعني فسخ الحج إلى العمرة .(95/156)
و أما التمتع بمعنى الاعتمار في أشهر الحج قبل الحج ، فإن الناس كانوا في عهد أبي بكر وعمر لما رأوا في ذلك من السهولة صاروا يقتصرون على العمرة في الحج ويتركون سائر الأشهر لا يعتمرون فيها من أمصارهم فصار البيت يعرى عن العمار من أهل الأمصار في سائر الحول فأمرهم عمر بن الخطاب بما هو اكمل لهم بأن يعتمروا في غير اشهر الحج فيصير البيت مقصودا معمورا في اشهر الحج وغير اشهر الحج وعلم أن أتم الحج والعمرة أن ينشأ لهما سفراً من الوطن كما كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يفعل حيث اعتمر قبل الحجة ثلاث عمر مفردات، فلم ير عمر رضي الله عنه لتحصيل هذا الفضل والكمال لرغبته طريقا إلا أن ينهاهم عن الاعتمار مع الحج وإن كان جائزا فقد ينهى السلطان بعض رعيته عن أشياء من المباحات والمستحبات لتحصيل ما هو افضل منها من غير أن يصير الحلال حراما .
قال يوسف بن ماهك : إنما نهى عمر عن متعة الحج من أهل البلد ليكون موسمين في عام فيصيب أهل مكة من منفعتهما .
وقال عروة بن الزبير : إنما كره عمر العمرة في أشهر الحج إرادة ألا يعطل البيت في غير أشهر الحج .
وقال ابن كثير في البداية والنهاية: ولم يكن نهيه عن ذلك على وجه التحريم والحتم كما قدمنا و إنما كان ينهي عنها لتفرد عن الحج بسفر آخر ليكثر زيارة البيت(1) .
وأيضا : خاف إذا تمتعوا بالعمرة إلى الحج إن يبقوا حلالا حتى يقفوا بعرفة محلين ثم يرجعوا محرمين كما بين ذلك في حديث أبي موسى الذي رواه أحمد عن أبي موسى الأشعري أن عمر قال : هي سنة رسول الله - يعني المتعة - ولكن أخشى أن يعرشوا بهن تحت الأراك ثم يحجوا حجاجا (2).
__________
(1) 5-6 /141
(2) في مسنده 1/49(95/157)
روى مسلم والنسائي و أحمد عن إبراهيم بن أبي موسى أنه كان يفتي بالمتعة فقال له رجل رويدك بعض فتياك فإنك ما تدري ماذا أحدث أمير المؤمنين في النسك بعدك حتى لقيه بعد فسأله فقال عمر رضي الله عنه قد علمت أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد فعله وأصحابه ولكن كرهت إن يظلوا بهن معرسين في الأراك ثم يروحوا بالحج تقطر رؤوسهم (1).
وعن ابن عباس عن عمر انه قال : والله إني لأنهاكم عن المتعة وإنها لفي كتاب الله وقد فعلها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعني العمرة في الحج (2).
وعن طاوس عن ابن عباس قال : هذا الذي تزعمون أنه نهى عن المتعة -يعني عمر - سمعته يقول : لو اعتمرت ثم حججت لتمتعت .
وفي رواية رواه أبو حفص عن طاوس أن عمر قال : لو اعتمرت وسط السنة لتمتعت ولو حججت خمسين حجة لتمتعت .
وروى الأثرم عن طاوس قال : قال أبي بن كعب و أبو موسى الأشعري لعمر : ألا تقوم فتبين للناس أمر المتعة .
وفي رواية أن عمر قال : وهل بقى أحد إلا علمها أما أنا فأفعلها .
وأخرج البيهقي من طريق عبيد بن عمير قال ، قال علي بن أبي طالب لعمر بن الخطاب : أنهيت عن المتعة قال لا ولكني أردت زيارة البيت فقال علي من أفرد الحج فحسن ومن تمتع فقد أخذ بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم
فقد أراد عمر بنهيه عنها اختيار الأفضل والترغيب فيه لا تحريم التمتع وهو إفراد كل واحد منهما بسفر ينشئه له من بلده وهذا أفضل من القران والتمتع الخاص بدون سفرة أخرى وقد نص على ذلك أحمد وأبو حنيفة ومالك والشافعي وهذا هو الأفراد الذي فعله أبو بكر وعمر .
فعمر لم يحرم متعة الحج و مما يدل على ذلك أيضا علاوة على ما سبق ما رواه أصحاب السنن :
__________
(1) أخرجه أحمد 1/ 50ومسلم 4/45 والنسائي 5/153 ...
(2) أخرجه النسائي 5/ 153(95/158)
فروى النسائي وابن ماجة و غيرهما أن الضبي بن معبد لما قال له : إني أحرمت بالحج والعمرة جميعا فقال له عمر : هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وعلى آله وسلم (1).
ولما كان نهيه عن متعة الحج إنما هو رأي رآه واختاره غير مستند إلى نص كمتعة النساء لم يسلم له الصحابة ذلك حتى قال عمران بن حصين : نزلت آية المتعة - أي متعة الحج - في كتاب الله ففعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم ينزل قرآن يحرمه ولم ينه عنها حتى مات قال رجل برأيه ما شاء أي يقصد عمر .
ومع أن نهي عمر لم يكن على وجه التحريم والحتم و إنما كان ينهى عنها لتفرد عن الحج بسفر آخر ليكثر زيارة البيت .
فعن أبي سعيد قال : خطب عمر الناس فقال : إن الله عز وجل رخص لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما شاء وان نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد مضى لسبيله ، فأتموا الحج والعمرة لله كما أمركم الله عز وجل وحصنوا فروج هذه النساء (2).
ولكن رغم ذلك خالفه الصحابة وهذا يؤكد ما قلناه في بداية البحث أن عمر لو رام تحريم ما أحلّه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يقره الصحابة عليه وفي ذلك يقول ابن تيمية: وعمر لما نهى عن المتعة خالفه غيره من الصحابة كعمران بن حصين وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وغيرهم وهذا بخلاف نهيه عن متعة النساء فان عليا وسائر الصحابة وافقوه على ذلك (3).
__________
(1) أخرجه الحميدي 18 وأحمد 1/ 14 وأبوداود1798 وابن ماجه 2970
(2) أخرجه أحمد 1/ 17 (104)
(3) في الفتاوي 33/96(95/159)
وفي ذلك يقول البيهقي في السنن الكبرى عن المتعتين : ونحن لا نشك في كون المتعة على عهد رسول الله لكن وجدنا نهى نكاح المتعة عام الفتح بعد الإذن فيه ثم لم نجد أذن فيه بعد النهي عنه حتى مضى لسبيله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فكان نهي عمر بن الخطاب عن نكاح المتعة موافقا لسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأخذنا به و لم نجده صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن متعة الحج في رواية صحيحة عنه ووجدنا في رواية عمر رضي الله عنه ما دل على انه أحب أن يفصل بين الحج و العمرة ليكون أتم لهما فحملنا نهيه عن متعة الحج على التنزيه و على اختيار الإفراد على غيره لا على التحريم .
متعة النساء :
وأما متعة النساء فإن أهل السنة يقولون إن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو الذي أباحها وهو الذي حرّمها تحريما أبدياً إلى يوم القيامة كما سبق ذكر أحاديث التحريم .
ومما يدل على أن عمر رضي الله عنه نهى عنها لنهي الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم عنها ما رواه البيهقي في السنن من طريق سالم بن عبد الله عن أبيه عن عمر بن الخطاب قال : صعد عمر على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : ما بال رجال ينكحون هذه المتعة وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عنها ألا و إني لا أوتى بأحد نكحها إلا رجمته(1).
قال البيهقي في تعليقه على هذا الحديث ما نصه : " فهذا إن صح يبين أن عمر رضي الله عنه إنما نهى عن نكاح المتعة لأنه علم نهي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عنه (2).
وروى الدارقطني بسند حسن عن ابن عباس أن عمر نهى عن المتعة التي في النساء وقال : إنما أحل الله ذلك للناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم والنساء يومئذ قليل ثم حرم عليهم بعد فلا أقدر على أحد يفعل من ذلك شيئا فتحل به العقوبة (3).
__________
(1) السنن الكبرى 7/206
(2) السنن الكبرى 7/206
(3) الدارقطني 2/258(95/160)
و روى ابن ماجة عن ابن عمر قال لما ولى عمر بن الخطاب خطب الناس ،فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أذن لنا في المتعة ثلاثا ثم حرمها والله لا أعلم أحدا يتمتع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة إلا إن يأتيني بأربعة شهداء يشهدون إن رسول الله أحلها بعد إذ حرمها (1).
فهذه الآثار تدل على أن عمر رضي الله عنه إنما نهى عما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وفي ذلك يقول الطحاوي: فهذا عمر قد نهى عن متعة النساء بحضرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلم ينكر عليه وفي هذا دليل على متابعتهم له على ما نهى عنه من ذلك وفي إجماعهم على النهي في ذلك عنها دليل على نسخها وحجة (2).
وقال الشيخ محمود شلتوت: وما كان نهي عمر عنها وتوعده فاعلها أمام جمع من الصحابة و إقرارهم إياه إلا عملا بهذه الأحاديث الصحيحة واقتلاعا لفكرة مشروعيته من بعض الأذهان (3).
ومما يدل على ذلك ما رواها الشيعة بأنفسهم وهي حجة عليهم .
فقد روى أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره عن الفضل قال : سمعت أبا عبد الله (ع) يقول بلغ عمر أن أهل العراق يزعمون أن عمر حرم المتعة فأرسل فلانا قد سماه فقال : أخبرهم أني لم أحرمها وليس لعمر إن يحرم ما أحل الله ولكن عمر قد نهى عنه (4).
لأن عمر لم يحرم المتعتين أما متعة الحج فقد سبق بيانها و أما متعة النساء فإن الله تعالى هو الذي حرمها حسب رواياتهم ..
فروى القمي عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله قال : إن الله تبارك وتعالى حرم على شيعتنا المسكر من كل شراب وعوضهم من ذلك المتعة(5) .
__________
(1) سنن ابن ماجة كتاب النكاح
(2) معاني السنن والآثار2/258
(3) الفتاوي ص275
(4) انظر الوسائل 14 / 441 .
(5) أخرجها العاملي في وسائله 14/438 وانظر هذا الحديث في صحيح من لايحضره الفقيه للبهبودي ص288(95/161)
وروى ثقتهم الكليني في الروضة عن محمد بن مسلم قال عن أبي جعفر (ع) في حديث قال : إن الله رأف بكم فجعل المتعة عوضا لكن من الأشربة (1).
وأما قولهم : إن عمر أضاف النهي إلى نفسه ولو كان الرسول نهى عنهما لأضاف النهي إليه ولكان أوكد وأولى.
فالجواب :
لو كان التحريم من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال عمر : نهى النبي عنهما أي عن المتعتين لكان مفتريا عمدا على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهذا لا يصح وبيان ذلك :
أولا : إن الرسول لم يحرم متعة الحج بل حرم متعة النساء ولكن عمر قرن المنسوخ بالثابت المستقر .
فأما المنسوخ فهو متعة النساء و أما الثابت المستقر فهو متعة الحج، فان قوله "كانتا " يدل بظاهره على استقرار ذلك في زمنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يستقر حتى مات إلا التمتع إلى الحج .
وهو الذي نطق به القرآن والسنة وقد روى عمر بنفسه تحليل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لمتعة الحج ، قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : أتاني الليلة آت من ربي في هذا الوادي المبارك قل عمرة في حجة .
وروى النسائي وابن ماجة و غيرهما أن الضبي بن معبد لما قال له : إني أحرمت بالحج والعمرة جميعا فقال له عمر : هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وعلى آله وسلم
وأخرج البيهقي من طريق عبيد بن عمير قال ، قال علي بن أبي طالب لعمر بن الخطاب : أنهيت عن المتعة قال لا ولكني أردت زيارة البيت فقال علي من أفرد الحج فحسن ومن تمتع فقد أخذ بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
__________
(1) الروضة ص132(95/162)
فكيف تقولون : لو كان التحريم من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لكان عليه أن يقول : نهى النبي عنهما ، فإن هذا لا يصح إطلاقا ، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم ينه عن المتعتين بل نهى صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقط عن متعة النساء فلو كان عمر قال إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عنهما أي عن المتعتين لكان افتراء على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما بيناه فيما مضى .
ثانيا : إن هذا من باب التشريع وهو لا يحتمل ولا يجوز شرعا ومما يدل على ذلك قول عمر
" أنهي عنهما " ولم يقل كما يدعون أنه قال : "أنا أحرمهما" .
فهذا ما قاله عمر رضي الله عنه وهذا معنى قوله : متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما متعة النساء و متعة الحج .
ولم يقل عمر كما ادعوا " متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم و أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما متعة النساء ومتعة الحج (1).
او"متعتان كانتا محللتين على عهد رسول الله وأنا انهي عنهما " .
أو : " متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حلالا وأنا أنهي عنهما "
أو " متعتان كانتا على عهد رسول الله حلالين وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما .
__________
(1) المرتضى في انتصاره ص111 الكوفي في الاستغاثة ص44 الحلي في كتابه " منهاج الكرامة " 1/223 .البحراني في كتابه " الحدائق الناضرة " 24/ 114 . النجفي في كتابه " جواهر الكلام " 30/139 - 14 ، وعبد الحسين ! الأميني في كتابه " الغدير" 6/ 213. محمد بن مهدي الخالصي في كتابه " الإسلام سبيل السعادة والسلام " ص193.توفيق الفكيكي في كتابه " المتعة " ص110 وص148 .زين الدين العاملي في كتابه " الروضة البهية " 5/283 .(95/163)
أو " ثلاث كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنا أنهي عنهن وأحرمهن وأعاقب عليهن وهي : متعة النساء ومتعة الحج وحى على خير العمل ..... .
ولكن الصحيح من قول عمر - كما سبق تخريجه - كما في صحيح مسلم وسنن البيهقي أنه قال : متعتان كانتا على عهد رسول الله أنا أنهي عنهما وأعاقب عليهما : متعة النساء ومتعة الحج.(1)
وقد نقلوا بأنفسهم في كتبهم هذه الخطبة بهذا النص الصحيح .....(2)
وقد أورد الرازي في تفسيره ثلاثة احتمالات حينما ذكر عمر هذا الكلام في مجمع من الصحابة وما أنكر عليه أحد فالحال ههنا لا يخلو إما أن يقال :
أ - انهم كانوا عالمين بحرمة المتعة فسكتوا .
ب - أو كانوا عالمين بأنها مباحة ولكنهم سكتوا على سبيل المداهنة .
ج- أو ما عرفوا إباحتها أو حرمتها فسكتوا لكونهم متوقفين في ذلك .
والأول : هو المطلوب .
__________
(1) صحيح مسلم وسنن البيهقي 7/ 206
(2) منهم المرتضى في كتابه " الشافي " 4/196-197، و منهم علامتهم الحلي في كتابه المسمى " نهج الحق وكشف الصدق " ص281 حيث ناقض نفسه فيما افتراه في كتابه " منهاج الكرامة " و كشف عن كذبه ! ومنهم الأميني في غديره 6/ 211. ومنهم كاشف الغطاء في كتابه " أصل الشيعة " ص104، ومنهم البحراني في حدائقه 24/ 116 وكشف عن كذبه ص114، ومنهم مرتضى العسكري في مقدمة مرآة العقول للمجلسي 1/ 200 و 273 ، ومنهم الجزائري في تفسيره قلائد الدرر 3/ 68 ، ومنهم الفكيكي في كتابه " المتعة " ص 47 ومنهم عبد الله نعمة في كتابه روح التشيع ! ص470 ،ومنهم شيخهم محمد تقي الجواهري في كتابه " الحلال والحرام " ص 290، ومنهم مرجع هذا "المهتدي " الخوئي في كتابه " البيان " ص325(95/164)
والثاني : يوجب تكفير عمر وتكفير الصحابة لأن من علم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حكم بإباحة المتعة ثم قال إنها محرمة محظورة من غير نسخ لها فهو كافر بالله ومن صدقه عليه مع علمه بكونه مخطئا كافراً ، كان كافراً أيضا وهذا يقتضي تكفير الأمة وهو على ضد قوله { كنتم خير أمة}
والثالث : وهو انهم ما كانوا عالمين بكون المتعة مباحة أو محظورة فلهذا سكتوا فهذا أيضا باطل لأن المتعة بتقدير كونها مباحة تكون كالنكاح واحتياج الناس إلى معرفة الحال في كل واحد منهما عام في حق الكل ، ومثل هذا يمنع إن يبقى مخفيا بل يجب أن يشتهر اعلم به فكما أن الكل كانوا عارفين بأن النكاح مباح ، وأن إباحته غير منسوخة ، وجب أن يكون الحال في المتعة كذلك ، ولما بطل هذان القسمان ثبت أن الصحابة إنما سكتوا عن الإنكار على عمر رضي الله عنه لأنهم كانوا عالمين بأن المتعة صارت منسوخة في الإسلام (1).
وخلاصة القول أن الرازي قد ألزمهم بما يلي:
أ - إن الصحابة لم ينكروا على عمر حينما نهى عن متعة النساء لأنهم كانوا عالمين بحرمة المتعة فسكتوا .
ب- بتكفيرهم الإمام علي إذا لم يكن النسخ طرأ على المتعة وسكت على عمر حين نهى عنها من عنده ، و إلى يومنا هذا لم يستطعوا حل هذا الإشكال وفك هذا الإلزام و لله الحمد .
وقد يتوهم أحد أنهم يستطيعون الجواب عن ذلك بقولهم: انه سكت " تقية " ......وهذا لا يصح لأمور :
1- إن عليا - عندنا نحن أهل السنة وهو الإمام المعصوم الأول عندهم - من أفقه وأشجع وأعلم المسلمين ، وعلينا فقط أن نراجع أقواله وأفعاله كرم الله وجهه.
يقول كرم الله وجهه : علامة الإيمان إن تؤثر الصدق حين يضرك على الكذب حين ينفعك ...ولا يكون في حديثك فضل على علمك ...وأن تتقي الله في حديث غيرك " .
ويقول : " لا أداهن في ديني .. ولا أعطي الدنية في أمري " .
__________
(1) الرازي في تفسيره 10/41-42(95/165)
هذا هو الإمام علي .. وهذه أخلاقه ...وكلماته ...دلت سيرته وحياته على معدنه ...وانطبقت أعماله ...وحطم عقيدة التقية في جمل قليلة .
لذا فنحن أهل السنة نعتبر عليا من الأمثلة الوضاءة التي يجب إن نتمثل بها في الصدق والشجاعة والأخلاق والإقدام ..فالحق أحق أن يتبع .. وأن يعلن جهارا نهارا مهما كانت نتائجه (1).
و يقول كرم الله وجهه فيما جاء في أصح كتاب بعد القرآن عندهم وهو " نهج البلاغة" يقول لعمر في الثناء عليه ما نصه : لله بلاء فلان فقد قوم الأود وداوى العمد خلف الفتنة وأقام السنة ، ذهب نقي الثوب قليل العيب أصاب خيرها وسبق شرها أدى إلى الله طاعته وأتقاه بحقه رحل وتركهم في طرق متشعبة لا يهتدي فيها الضال ولا يستيقن المهتدي .(2)
2- إن القائلين بالمتعة لا يبيحون التقية لا في متعة النساء و لا في متعة الحج .
أما متعة الحج فقد جاء في الكافي عن زرارة قال : قلت له : في مسح الخفين تقية ! فقال : ثلاثة لا أتقي فيهن أحد :شرب المسكر ومسح الخفين و متعة الحج (3).
وروى الطوسي عن الحلبي عن أبي عبد الله قال إن عثمان خرج حاجا فلما صار إلى الأبواء أمر مناديا ينادي بالناس : اجعلوها حجة ولا تتمتعوا ، فنادى المنادي فمر المنادي بالمقداد بن الأسود فقال : أما لتجدن عند القلائص رجلا ينكر ما تقول فلما انتهى المنادي إلى علي (ع) وكان عند ركائبه يلقمها خبطا ودقيقا فلما سمع النداء تركها ومضى إلى عثمان فقال ما هذا الذي أمرت به ؟ فقال : رأي رأيته فقال : والله لقد أمرت بخلاف رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم أدبر موليا رافعا صوته لبيك بحجة وعمرة معا لبيك وكان مروان بن الحكم يقول بعد ذلك : فكأني انظر إلى بياض الدقيق مع خضرة الخبط على ذراعيه (4).
__________
(1) الشيعة فلسفة وتاريخ ص 222
(2) ص498
(3) انظر الوسائل 1/ 321 كتاب الطهارة
(4) التهذيبين 1/470 و 2/ 171(95/166)
كما روى أصحاب السنن مثل ذلك....(1).
وأما متعة النساء فقد قال شيخهم كاشف الغطاء في كتابه أصل الشيعة وأصولها : ومن طرقنا الوثيقة عن جعفر الصادق (ع) انه قال : ثلاث لا أتقي فيهن أحدا : متعة الحج ومتعة النساء والمسح على الخفين (2).
3-إن روايات أئمتهم تقول وتؤكد أن الله تعالى هو الذي حرم المتعة وليس عمر! وذلك حسب رواياتهم الصادرة كما يزعمون عن أهل البيت فان أهل البيت أدرى بما فيه كما يزعمون ونحن نلزمهم بروايات أهل البيت !!
فروى صدوقهم عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله قال : إن الله تبارك وتعالى حرم على شيعتنا المسكر من كل شراب وعوضهم من ذلك المتعة .
وروى ثقتهم الكليني في الروضة عن محمد بن مسلم قال عن أبي جعفر (ع) في حديث قال : إن الله رأف بكم فجعل المتعة عوضا لكن من الأشربة (3).
__________
(1) فروى النسائي في سننه 2/576 وصححه الألباني عن مروان بن الحكم قال : كنت جالسا عند عثمان فسمع عليا يلبي بعمرة وحجة فقال : ألم نكن ننهى عن هذا ؟ قال : بلى ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يلبي بهما جميعا فلم ادع قول رسول الله لقولك .
وعن مروان : ان عثمان نهى عن المتعة وأن يجمع الرجل بين الحج والعمرة فقال علي : لبيك بحجة وعمرة معا فقال عثمان : أتفعلها وانا انهي عنهما فقال علي : لم أكن لأدع سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأحد من الناس .
وعن سعيد بن المسيب قال : حج علي وعثمان فلما كنا ببعض الطريق نهى عثمان عن التمتع فقال علي : اذا رأيتموه قد ارتحل فارتحلوا ، فلبى علي وأصحابه بالعمرة فلم ينههم عثمان فقال علي : ألم أخبرك انك تنهى عن التمتع قال : بلى ، قال له علي : ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تمتع قال بلى .
انظر صحيح النسائي 578 للألباني
(2) أصل الشيعة وأصولها ص100
(3) انظر العاملي في وسائله 14/438(95/167)
وروى صدوقهم : قيل لأبي عبد الله: لم جعل في الزنا أربعة من الشهود وفي القتل شاهدين ؟ قال : إن الله أحل لكم المتعة وعلم أنها ستنكر عليكم فجعل أربعة الشهود احتياطا عليكم (1).
وروى أيضا : قال الصادق : " ليس منا من لم يؤمن بكرتنا ، ويستحل متعتنا (2).
والجواب عن الشبهة (19) :
قولهم : إن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد أباح المتعة لأصحابه ........
فالجواب :
يرد عليكم أن هذه " الإباحة " لأمر عارض ، يوم فتح مكة ، وهذا استثناء من أصل التحريم العام ، وقد ثبت قطعا نسخها ، بالأحاديث الصحيحة فنعود إلى الأصل ، وهو التحريم .... على أن ثمة تصريحا من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بتحريمها مؤبدا والى يوم القيامة ، وهذا إيذان
بأنه إذا تكرر السبب فلا يترتب عليه المسبب ، لأن النسخ أبدي وهو يمنع القول بالاستمرار ، ولو تجدد السبب ، استصحابا للحال فلا يجوز اللجوء إلى هذا الاستصحاب ، مادام قد قام الدليل على حكم التحريم على التأبيد ، على ما هو مقرر في علم الأصول ...على أن نسخ الحكم ، يوجب نسخ " العلة " التي اقتضته أيضا ، والعلة مظنة الحكمة ، كما هو معلوم ، ومعنى نسخها إلغاء الحكمة التي بنى عليها الحكم المنسوخ ، فلم تعُد ثمة " حكمة " بعد هذا الإلغاء أبدا ، ومن هنا قلنا ، لا يجوز تجدد الحكم بتجدد سببه .
وأما قولهم : إن المتعة كانت مباحة جائزة على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فمن ادعى أنه حرم ذلك احتاج إلى دليل .
فالجواب :
__________
(1) في الفقيه 2/ 150 وفي العلل ص173 وفي المحاسن للبرقي ص330
(2) الوسائل من أبواب المتعة 14/438(95/168)
إن هذه الأخبار ، ليس فيها أكثر من أنها قد أبيحت على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وقد ثبت من الأحاديث فيما تقدم بيانه أن الإباحة كانت مدة مخصوصة وهي ثلاثة أيام لقوم مخصوصين ، وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم دون من سواهم من الناس ، لعذر مخصوص ، وهو الإباحة على هذه الوجوه لا تجوز استدامته لكل حال ، والمخالف يبيح ذلك على الإطلاق فلم يكن له في هذه الأخبار دليل !
وأما قولهم : أجمع المسلمون على شرعية نكاح المتعة والإذن فيه في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بغير شبهة ثم ادعى نسخها ولم يثبت وقد ثبتت الإباحة.....
فالجواب :
إن تعريف الإجماع كما في كتب الأصول هو : اتفاق المجتهدين من هذه الأمة في عصر على حكم شرعي بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهذا لا ينعقد إلا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ........أما في حياته فهو المبين لحكم المسألة و قوله الحجة فيها ، فلا حاجة - من في عصره - إلى نظر أئمة الاجتهاد في مسألة وإجماعهم على حكمها .
وان قصدوا أن أهل العلم متفقون على أن المتعة رخص فيها الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لظروف خاصة ثم حرّمت فاتفاقهم على الطرفين وليُسمّه المخالف بما أحب ، فان حكى الترخيص بلفظ الإجماع .
قيل : التحريم إجماع ، على أن لفظ الترخيص مؤذن التوقيت ، مشعر بأن هذا الحكم في طريقه إلى النسخ ...
وجواب آخر : إن الصحابة أجمعوا على تحريم هذا النكاح المسمى "متعة " .
قال الجصاص : وقد دللنا على ثبوت الحظر بعد الإباحة من ظاهر الكتاب والسنة وإجماع السلف ...ولا خلاف فيها بين الصدر الأول على ما بينا وقد اتفق فقهاء الأمصار مع ذلك على تحريمها ولا يختلفون (1).
__________
(1) الجصاص في تفسيره 2/153(95/169)
وقال ابن المنذر : جاء عن الأوائل الرخصة فيها ، ولا أعلم اليوم أحدا يجيزها إلا بعض الرافضة ولا معنى يخالف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
وقال ابن عبد البر : وأما الصحابة ، فإن الأكثر منهم علي النهي عنها وتحريمها(1).
وقال المازري : ثبت أن نكاح المتعة كان جائزا في أول الإسلام ثم ثبت بالأحاديث الصحيحة المذكورة هنا أنه نسخ و انعقد الإجماع على تحريمه ولم يخالف فيه إلا طائفة من المستبدعة وتعلقوا بالأحاديث الواردة في ذلك وقد ذكرنا إنها منسوخة فلا دلالة لهم فيها .(2)
و قال الخطابي في معالم السنن : تحريم المتعة كالإجماع إلا عن بعض الشيعة ولا يصح على قاعدتهم في الرجوع إلى المختلفات إلى علي و آل بيته فقد صح عن علي أنها نسخت ونقل البيهقي عن جعفر بن محمد أنه سئل عن المتعة فقال هي الزنا بعينه .
وقال القاضي عياض : اتفق العلماء على أن هذه المتعة كانت نكاحا إلى أجل لا ميراث فيها وفراقها يحصل بانقضاء الأجل من غير طلاق ووقع الإجماع بعد ذلك على تحريمها من جميع العلماء إلا الروافض (3).
وقال القرطبي : الروايات كلها متفقة على أن زمن إباحة المتعة لم يطل وأنه حرم ثم أجمع السلف و الخلف على تحريمها إلا من لا يلتفت إليه من الروافض(4).
فأين هذا الإجماع المزعوم يا ترى ؟!
وأما قولهم : إننا نتفق معكم على الإباحة ونخالفكم في النسخ فنأخذ المجمع عليه ونترك غيره.
فالجواب :
إن النصوص التي أثبتت الإباحة هي التي أثبتت النسخ ، وما اتفقنا معكم على الإباحة لأننا نقرر نسخ الإباحة .
وأما قولهم : بأنه قد ثبت إباحتها بالإجماع فلم يعدل إلى تحريمها إلا بالإجماع فمن وجهين :
__________
(1) ابن عبد البر في الاستذكار 16/ 294
(2) في "المعلم " 2/ 131
(3) انظر صحيح مسلم بشرح النووي 9/181
(4) انظر فتح الباري 9/78-79(95/170)
الأول : انه ما ثبت به إباحتها هو الذي ثبت به تحريمها ، فان كان دليلا في الإباحة وجب إن يكون دليلا في التحريم .
الثاني : إن الإباحة الثابتة بالإجماع هي إباحة مؤقتة تعقبها نسخ ، وأنتم تدعون إباحة مؤبدة لم يتعقبها نسخ ، فلم يكن إجماعاً .
وأما قولهم : إن النسخ مجرد ادعاء لم يثبت ........
فالجواب :
هذا ليس ادعاء إذ الدعوى هي قول مجرد عن الدليل .....وأما النسخ فمرافق الأدلة التي تثبت الترخيص بها كأحاديث سلمة وابن مسعود وسبرة وعلي وغيرهم، فليس مجرد ادعاء ولكنه أمر ثابت .
و جواب آخر : إن الإجماع لم ينعقد على إباحتها ، والتعبير بإباحتها خطأ ، فلم يقل المحققون بأنها كانت مباحة ، إنما أذن فيها كما أذن بأكل الميتة فإن الإباحة تكون لأمر ذاتي في الفعل .
أما الإذن فإنه يكون لضرورة سوغت الإذن ، وإذا عبر بعض الأئمة بالإباحة فمن قبيل التسامح في التعبير ، وان الصحابة من بعد نهي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد أجمعوا على نسخها فلا موضع للقول بالإجماع .
و جواب ثالث : إن الأدلة التي أذنت بها هي التي نسخها فلا يقال إجماع على الإذن وعدم إجماع على النسخ ، فالأدلة ملزمة في الأمرين .
وجواب رابع : إن ترك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المتعة لهم قبل الأمر الجازم بالمنع ، ليس من قبيل الإباحة بل هو من قبيل الترك حتى تستأنس القلوب بالإيمان وتترك عادات الجاهلية وقد كان شائعاً بينهم اتخاذ الأخدان وهو ما نسميه اتخاذ الخلائل وهذه هي متعتهم ، فنهي القرآن الكريم والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عنها وإن الترك مدة لا يسمى إباحة وإنما يسمى عفوا حتى تخرج النفوس من جاهليتها والذين يستبيحونها باقون على الجاهلية الأولى .
وأما قولهم : إنه لا نزاع ولا خلاف في أن المتعة كانت مشروعة والخصم يقول إنها نسخت ، قلنا المشروعية دراية والنسخ رواية و لا تطرح الدراية بالرواية .....
فالجواب :(95/171)
إن أردتم بقولكم " المشروعية دراية " أنها دُريت وفُهمت من نصوص شرعية ، فكذلك نسخها دلت عليه نصوص شرعية وفُهِمَ منها فنسخت النصوص الدالة على الإذن فيها نصوص شرعية أخرى أفهمت رفع الإذن المتقدم وتحريمها على وجه التأبيد والنص المتأخر المشعر برفع الرخصة التي دل عليها النص المتقدم يعتبر ناسخا للمتقدم وأيضا الرخصة الثانية لم يرد نصها إلا مقيدا بثلاثة أيام كما في بعض الروايات ، فلو لم يرد النهي على الإطلاق لأغنى التقييد والتحديد بثلاثة أيام عن ذكر النص الناهي ، فكيف وقد ورد .
وإن أردتم بقولكم " المشروعية دراية " أن العقل حكم بحلية المتعة من غير استناد إلى نص من الشارع الحكيم .
فالجواب :
إنه لا حكم للعقل بعد الشرع .
وأما قولهم : إن المتعة ثبتت بدليل قطعي والأدلة المانعة لها كلها ظنية والقطعي لا ينسخ إلا بقطعي مثله...
فالجواب :
إن المراوغة بأن التحليل قطعي والتحريم ظني ، مدفوع بان استمرار ذلك القطعي ظني بلا خلاف والنسخ إنما للاستمرار لا لنفي ما قد وقع فإنه لا يقول عاقل بأنه ينسخ ما قد فرغ من فعله ..
وجواب آخر : إن هذه الحجة مردودة لأن الذين رووا إباحة المتعة هم الذين رووا ما يفيد نسخها وذلك إما قطعي في الطرفين أو ظني في الطرفين وقد تواترت الأخبار بالتحريم ونقلت عن عديد من الصحابة ولم ينكر ذلك عليهم أحد.
وجواب آخر أيضا : إن مستندهم لمصادر جواز المتعة هي هذه المصادر التي حرمتها والشك الذي يمكن أن يتسرب إلى هذه المصادر يشمل الحل والتحريم إذا كان بحثهم نزيهاً لم تترتب نتائجه قبل مقدماته ولكن أتباع مدرسة المتعة يشاركوننا في السبب ويفردوننا بالعجب !! فتتعدد روايات التحليل والتحريم فيقبلون الحل والجواز ويرفضون التحريم للتعدد.
وجواب آخر أيضا : بمنع هذه الدعوى أعني كون القطعي لا ينسخه الظني .
فما الدليل عليها ؟(95/172)
ومجرد كونها مذهب الجمهور غير مقنع لمن قام في مقام المنع يسائل خصمه عن دليل العقل والسمع بإجماع المسلمين .
وجواب آخر أيضا : إن البحث ليس موضوع أصل الحل بل استمراره استصحابا للحال وهذا يفيد الظن بلا نزاع ورفع الظني بالظني لا ينازع فيه أحد لأنه من بدائه علم الأصول .
والجواب عن الشبهة (20) :
قولهم : إن أهل البيت ابتداءً بالإمام علي ( ع) وانتهاء إلى آخر أولاده من الأئمة ومن شيعتهم أيضا أطبقوا على ذلك حتى عرفت كلمة الإمام ( ع) : لولا ما نهى عنه عمر ما زنى إلا شقي .....
فالجواب : ليس هناك إجماع من أهل البيت على إباحتها، بل أجمع أهل البيت قاطبة على تحريمها كما سبق بيانه بأدلة قاطعة منها :
1-فيما اطلعت عليه من كتبهم أنهم يزعمون أن الإمام علي يقول بحلية المتعة ومع ذلك لم يسندوا حديثا واحدا عنه في حلية المتعة إلا ما يحتجون به بما رواه الثعلبي و الطبري في تفسيره بإسناده عن شعبة عن الحكم قال : وقال علي رضي الله عنه : لولا أن عمر نهىعن المتعة ما زنى إلا شقي .
وهذا الأثر ضعيف من طريقنا وطريقهم .
ثم إن هذا الأثر مع انقطاعه وضعفه معارض بما ثبت عن عليا رضي الله عنه من التشديد في المتعة حتى قال لابن عمه ابن عباس حينما بلغه انه يرخص في المتعة " انك امرؤ تائه " .
فقد روى مسلم في صحيحه عن ابن الحنفية قال : سمع علي بن أبي طالب يقول لفلان انك رجل تائه نهانا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
وفي رواية إن عليا سمع ابن عباس يلين في متعة النساء فقال مهلا يا ابن عباس فان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عنها يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأنسية .(95/173)
2- وأما الباقر وولده الصادق فنقل في الجامع الكافي عن الحسن بن يحي بن زيد فقيه العراق أنه قال اجمع آل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على كراهية المتعة والنهي عنها وقال أيضا أجمع آل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على أنه لا نكاح إلا بولي وشاهدين وصداق بلا شرط في النكاح.
وروى البيهقي في السنن بإسناده عن بسام الصيرفي قال : سألت جعفر بن محمد عن المتعة فوصفتها فقال لي ذلك الزنا .
وروى القاضي النعمان في دعائمه عن جعفر بن محمد أن رجلا سأله عن نكاح المتعة قال : صفه لي قال : يلقى الرجل المرأة فيقول أتزوجك بهذا الدرهم والدرهمين وقعة أو يوما أو يومين قال : هذا زنا وما يفعل هذا إلا فاجر .
من كل هذه الأقوال يتبين لنا أن أهل البيت أجمعوا على تحريم المتعة فهم موافقون للقرآن ولأحاديث جدهم في منع و تحريم هذه العلاقة المحرمة المسمى " متعة " !
والجواب عن الشبهة (21) :
قولهم : لا نعلم فيها ضررا عاجلا أو آجلا وكل ما هذا شأنه فهو مباح لأنه لو كان فيها شيء من المفاسد لكان إما عقليا ! وهو منتف اتفاقا و إما شرعيا وليس كذلك وإلا لكان أحد مستمسكات الخصم ... هذا القول فاسد من أساسه فلو تأمل العاقل في أصل المتعة يجد فيها مفاسد مكنونة كلها تعارض الشرع فنفيهم جهة القبح عن هذا النوع من العلاقة - غفلة شديدة عما طفحت به كتبهم من تقبيحه وعقلائهم من استهجانه وأشرافهم من الترفع عنه ، على الرغم من الإشادة به وبيان هذه المفاسد من وجوه :
1- هل يرضى الذين يجوزون هذه العلاقة شيئا كهذا لبناتهم وأخواتهم وقريباتهم أم انهم إذا سمعوها اسودت وجوهم وانتفخت أوداجهم ولم يكظموا لذلك غيظا (1).
__________
(1) " الشيعة والتصحيح لموسى الموسوي ص113(95/174)
ويذكرني هذه " المتعة " بذلك الشاب الذي طلب من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يأذن له بالزنا !! فما كان من الرسول إلا أن قال له أتحبه لأمك أتحبه لأختك أتحبه لأبنتك !
فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ قَالُوا مَهْ مَهْ فَقَالَ ادْنُهْ فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا قَالَ فَجَلَسَ قَالَ أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ قَالَ لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ قَالَ وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ قَالَ أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ قَالَ لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ قَالَ وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ قَالَ أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ قَالَ لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ قَالَ وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ قَالَ أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ قَالَ لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ قَالَ وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ قَالَ أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ قَالَ لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ قَالَ وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ قَالَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ وَحَصِّنْ فَرْجَهُ فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ (1).
فلو كانت" المتعة" حلالا لأذن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بها بدلا من "الزنا " الذي طلب منه الشاب ، ولكن لا يرضاه الناس لِأُمَّهَاتِهِمْ ولا لِبَنَاتِهِمْ ولا لِأَخَوَاتِهِمْ ولا لِعَمَّاتِهِمْ ولا لِخَالَاتِهِمْ كما بينه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
__________
(1) مسند أحمد والحديث صحيح الاسناد(95/175)
فلماذا يغضبون حين يطلب منهم الواحد إن يزوجه ابنته زواج متعة ؟ كما شاهدت هذا بنفسي وسمعته بأذني ؟ وكان ذلك أثناء مناقشة حول المتعة ، والعالم الشيعي يتمسك بمشروعيتها ويمدحها فألقى عليه هذا الطلب ، فغضب وثار وقام من المجلس !! مع انه قبلها بدقيقة كان شديد التحمس لها(1).
هذا أحد علمائهم ويدعى " الملا هاشم " ، نقلت عنه إحدى الباحثات الشيعيات التي أجرت المقابلات مع من تمتعوا ، أنه أجرى كثيراً من زيجات المتعة ....
تقول الباحثة ما نصه : " لم يشعر الملا هاشم بأي إحراج من إخباري أنه منذ انتقاله إلى مدينة مشهد يعقد سرا ، زيجات متعة بكثرة وانتظام قال : في قريتي في الشمال ، لا أحد يمارس المتعة لأنه يجلب العار ! ولكنه ما أن وصل إلى مدينة مشهد حتى بدأ بممارسة زواج المتعة ، بدا لي انه يتفاخر بكثرة زيجاته المؤقتة ، إذ يعقد زواج المتعة مرة أو مرتين شهريا ومن دون علم زوجته ، لكن عندما سألته إذا كان مستعدا للسماح لابنته البالغة ستة عشر عاما من العمر بعقد زواج المتعة ، أجابني بحزم " أبد اً(2).
مع انهم يقولون : " أهل النجف خاصة ، وكل بلاد الشيعة يرون المتعة عيبا وان كانت حلالا " " والشيعة في كل مكان ترى المتعة عيبا وان كانت حلالا وليس كل حلال يفعل (3) .
__________
(1) كتاب الحرية لعبد المنعم النمر ص136
(2) انظر المتعة لشهلا حائري ص225-226
(3) أعيان الشيعة لمحسن الأمين ص159(95/176)
وفي ذلك تقول هذه الباحثة ما نصه : " أبدي الكثير من الناس ، مثل هذا التردد في كشف هوية الأشخاص الذين يمارسون المتعة ، لكن التردد كان أكبر ، عندما يتعلق الأمر برجال الدين ، على المستوى النظري البحت ، كانوا يستفيضون في تأكيد شرعية زواج المتعة والثواب الديني لممارسيها ، لكن عند الانتقال إلى المستوى العملي الفردي ، كانوا يصبحون مراوغين ، ويترددون في الحديث عن تجاربهم أو في تقديمي إلى أشخاص يمارسون المتعة ، كانوا متكتمين ، وبدا أنهم يتبنون النظرة الثقافية السلبية إلى زواج المتعة ، هذه الازدواجية كانت أشد وضوحا خلال عملي الميداني عام 1978 (1).
هذا إمام جليل من أئمة الشيعة محمد الباقر - حسب رواياتهم - يسكت ولا يبدي جوابا عندما سأله عبد الله بن عمير فقال :يسرك أن نساءك وبناتك وأخواتك وبنات عمك يفعلن ؟ فأعرض عنه أبو جعفر حين ذكر نساءه وبنات عمه (2).
ومعنى هذا السكوت إن الباقر لم يقبل على أسرته إن يكون بينهم هذا النوع من الزواج (3).
__________
(1) المتعة لشهلا حائري ص235
(2) وسائل الشيعة 14/ 437
(3) النكاح والقضايا المتعلقة به للحصري ص 185(95/177)
قال الشرباصي :و إني أذكر ليلة كنت جالسا فيها إلى المرحوم اللواء محمد صالح حرب وكان معنا كبار الفكر الإسلامي ، ثم دخل علينا شاعر لبناني شيعي ، ومعه ابنته المثقفة الأديبة ، وتجاذبنا أطراف الحديث ، حتى جاء ذكر زواج المتعة ، فأخذ الشاعر اللبناني الشيعي يدافع عنه ، لأن مذهبه يبيحه ، فما كان من المفكر الإسلامي إلا إن نهض ، ومد يده إلى الشاعر قائلا : إني أطلب يد ابنتك هذه لأتزوجها زواج متعة ، وحدد مدة قصيرة ، فأحمر وجه الفتاة خجلا ، واشتد الغضب بأبيها وأخذ يحتد في مخاطبة المفكر الإسلامي ، فما كان من اللواء صالح حرب إلا إن قال للشاعر في حدة : لا تغضب فأنت الذي فتحت على نفسك مجال النقد والهجوم ، ومادمت لا ترضى لابنتك أن تتزوج زواج متعة ، فكذلك كرام الناس لا يقبلون ذلك لأنفسهم ولا لبناتهم (1).
وقال الحصري : " أما في الحاضر فقد اختلطت بعديد من الرجال الشيعة بعضهم يمثل مركزا دينيا مرموقا وسطهم والبعض وان كان لا يعرف من مذهبه إلا انه منتسب له ، لكن والده من علماء هذا المذهب ، أو من أسرة دينية إلى آخره وبسؤالهم جميعا هل هم متمتعون " أي عاقدوا نكاح المتعة " كان الجواب لي دائما : لا ، وكان سؤالي لهم دائما : فلم الخلاف ؟ ولم لا تكون وحدة القول واجتماع الكلمة بتحريم هذا العقد الذي هو أشبه ما يكون باستئجار المرأة للزنى بها ساعات وأيام ؟ وكان جوابهم لي غير مقنع ، وكانت دعواتي دائما أن يجمع الله شمل المسلمين وأن يزيل ما بينهم من خلاف(2).
__________
(1) يسألونك في الدين والحياة للشرباصي 5/ 123-124
(2) الحصري في كتابه " النكاح والقضايا المتعلقة به " ص185(95/178)
فالمسألة ليست بهذه الصورة أي الذين لا يرتضونها لبناتهم وأخواتهم وقريباتهم في حدود التنزه والترفع بل لأنهم يرون فيها أمرا مهينا مشينا يتنافى وكرامة العائلة وشرف الأسرة (1).......وكل امرأة كريمة على أهلها أو على نفسها ، لا تقبله لذاتها ، ولا يقبل أهلوها لها إن تتزوج هذا الزواج الذي تحيط به الظنون (2).
كما أن مثقفي الشيعة والمجتمع الشيعي يرفضون هذا " الزنا " المتسمى باسم " المتعة" .
فان الناس في بعض المجتمعات حتى الشيعية ، ينظرون إلى علاقة المتعة نظرة أكثر خطورة من نظرتهم إلى الزنا ، فقد يواجهون الزنا بنظرة عدم الرضا ، بينما قد يواجهون المتعة بطريقة العنف ، وهذا ما لاحظناه عندما أثير الحديث في الإعلام في بداية الحركة الإسلامية الملتزمة التي تسمى بالحركة الإسلامية الأصولية في الوسط الشيعي حيث أثير في الإعلام الكثير من الحديث عن انتشار هذا الزواج وما إلى ذلك ، ورأينا أن هناك كلاما يعمل على مهاجمة هذه الحركة من خلال هذه الظاهرة التي لم تكن ظاهرة (3).
2- إن عقد المتعة من باب استئجار بضع المرأة وفي ذلك تضييع للمرأة نفسها ، وإذلالها ، وامتهانها وهذه شناعة يمجها الذوق السليم ، ، لذا ضج بالشكوى منه عقلاء فارس (4).
تقول إحدى الباحثات : " ....على الرغم من أن الشابات الخمس اللواتي صادفتني في قم يؤيدن زواج المتعة من حيث المبدأ ، فإنهن يرفضن ممارسته ، ووفقا لمنطقهن فان زواج المتعة يسيء إلى سمعة الفتاة ، وبالتالي يؤثر سلبا على حظها في عقد زواج دائم لائق (5).
__________
(1) موسى الموسوي في كتابه " الشيعة والتصحيح ص 113
(2) الشرباصي 5/ 124
(3) فضل الله في كتابه " تأملات إسلامية حول المرأة ص 129
(4) ضحى الاسلام لأحمد أمين 4/ 259
(5) شهلا حائري في كتابها المتعة عند الشيعة حالة ايران 1978- 1982 ص 32- 33(95/179)
ولابد من إيراد بعض الأمثلة والشواهد على مفاسد هذه المتعة من المجتمعات -الشيعية - التي مارستها وتمارسها....
تقول إحداهن وتدعى ل.أ وهي تروي قصتها مع زواج المتعة قائلة :" عمري 35 سنة طلقني زوجي بعد أن تزوج بأخرى منذ ست سنوات وترك أطفالي أربيهم بنفسي ولم أجد لإيوائى غير مؤسسة تابعة لأحد الأحزاب الأصولية ، فعملت لديها وبدأت تدريجيا أؤمن بمادئها ومع أنني لم أفكر يوما بأن أتزوج ثانية وجدت نفسي أغرم بشاب يسكن في حينا فانجذبت إليه وكذلك هو ، ولأنه أصغر مني سنا قررنا إن نتزوج زواجا مؤقتا دون علم الأهل ودون علم أولادي ، ولكن بتردده عليّ بدأ الأولاد يسألونني عن سبب تردده الدائم علينا ، فكنت أكذب وأقول ، لأنه يشفق علينا !
حتى قلت في إحدى المرات لابنتي انه سينتظرك لفترة سنتين حتى تكوني قد كبرت ويتزوجك وما زلت أعاني بعض المشاكل مع ابنتي بسبب هذه الجملة لأنني وفي أحد الأيام فوجئت بابنتي تستيقظ باكراً وتدخل غرفتي لتجده موجوداً في غرفتي مما سبب لها صدمة كبيرة وتركت البيت وذهبت إلى دارة جدها ولم تعد لغاية الآن ، ولهذا السبب اضطرينا في اليوم نفسه أنا وزوجي إن نذهب إلى المحكمة الشرعية ونتزوج زواجاً شرعياً وذلك فقط من أجل الحصول على وثيقة الزواج لكي أريها إلى أهلي وخاصة أخي الذي حمل سكينا وكاد يذبحني بها مع العلم انه هو قد مارس هذا النوع من الزواج عدة مرات ، وبالرغم من أن زواجي أصبح شرعيا ، إلا أن ابنتي لم تعد وحتى الآن مازال هذا الزواج سريا وغير معلن بسبب أهل زوجي لأنهم يرفضون هذا الزواج
وفي النهاية قالت ل. أ أنها تجربة قاسية ومريرة ، ولو كنت أعلم انه سيحصل لي ما حصل ، لما أقدمت على هذه الخطوة ....(1)
وهذه بعض الحالات التي تتكلم عن تجربتها في زواج المتعة كما أجرتها المجلة السابقة .
الشاب م. س ( غير متدين )
- ما هي المدة التي حددتها للزواج المنقطع ؟
__________
(1) " مجلة الشراع " العدد 684ص7(95/180)
- عشرة أيام !
- لماذا ؟
- لأنه أفضل من الزنى !!
- هل أعلنته ؟
- لا بقى سرا .
- لماذا ؟
- من أجل مصلحة الفتاة !
- كم مرة مارسته ؟
- عدة مرات .
- هل هي مطلقة أو أرملة ؟
- لا بل عذراء .
- إذا حملت ماذا ستفعل .
- سأجعلها تتخلى عن حملها .
- هل أنت عازب أم متزوج ؟
- عازب .
- هل ستسمح لأختك بالزواج المنقطع .
- لا .
الشاب أ. ع .
- ما هي مدة زواج المتعة الذي مارسته ؟
- 6 أشهر .
- لماذا تزوجت بالمتعة ؟
- لأنه أفضل من " الدوران " وراء الفتيات في الشوارع .
- هل تفضله على الزنى ؟
- نعم .
- هل أعلنته ؟
- لا بقى سرا .
- هل أهلك أو أهلها يتقبلون الفكرة ؟
- لا يهمني رأيهم !!
- كم عمرك ؟
-23 .
- كم عمرها ؟
- 21 .
- هل هي عزباء ؟
- مطلقة .
- ماذا ستفعل بالولد إذا حملت ؟
- سأضعه في " الميتم " .
- هل تسمح لأختك بهذا النوع من الزواج ؟
- لا ، بل لأذبحها إذا قامت بذلك .
أما الشاب هـ. م فدام عقد زواجه ساعتين ويقول إن ذلك كان فقط من أجل إن تهدأ شهوتي !!
ولكن هـ . م يختلف عن الذين سبقوه لأنه مؤمن بهذا النوع من الزواج ، فقال : أنا مستعد لأن أتحمل المسئولية الكاملة .. ، ولكن لم يختلف عن غيره بنقطة وهو انه غير مستعد لأخته بعقد زواج المتعة لأن المجتمع لن يتقبل هذه الفكرة ، وسينظر إلينا نظرة سيئة لم أتحملها (1).
__________
(1) انظر مجلة الشراع ص7، وانظر ممارسات المتعة في كتاب المتعة في إيران لشهلا حائري ص155- 276(95/181)
3- ومن مفاسد هذه المتعة ، تضييع الأولاد ، فان أولاد الرجل إذا كانوا منتشرين في كل بلدة ولا يكونون عنده فلا يمكنه أن يقوم بتربيتهم فينشأون من غير تربية كأولاد الزنا ، ولو فرضنا أولئك الأولاد إناثا يكون الخزي أزيد ، لأن نكاحهن لا يمكن بالأكفاء أصلا ، ومنها احتمال وطء موطوءة الأب للابن بالمتعة أو النكاح أو بالعكس بل وطء البنت وبنت البنت وبنت الابن والأخت وبنت الأخت وغيرهن من المحارم في بعض الصور خصوصا في مدة طويلة ، وهو أشد المحظورات ، لأن العلم بحبل امرأة المتعة في مدة شهر واحد أو أزيد لا يكون حاصلا لاسيما إن وقعت في السفر ويكون السفر أيضا طويلا ويتفق في كل منزل الشغل بالمتعة الجديدة ويتعلق الولد في كل منها وتولد الجارية من بعد تلك العلوقات ويرجع هذا الرجل إلى ذلك الطريق بعد خمسة عشر عاما مثلا أو يمر إخوته أو بنوه في تلك المنازل فيفعلون بتلك البنات متعة أو ينكحونهن ، ومنها عدم تقسيم ميراث مرتكب المتعة مرات كثيرة إذ لا يكون ورثته معلومين ولا عددهم ولا أسماؤهم وأمكنتهم ، فلزم تعطيل أمر الميراث ، وكذلك لزم تعطيل ميراث من ولد بالمتعة فان آباءهم وإخوتهم مجهولون ولا يمكن تقسيم الميراث ما لم يعلم حصر الورثة في العدد ويمتنع تعيين سهم من الأسهم ما لم تعلم صفات الورثة من الذكورة والأنوثة والحجب والحرمان وبالجملة فالمفاسد المترتبة على المتعة مضرة جدا ولاسيما في الأمور الشرعية كالنكاح والميراث ، فلهذا حصر الله سبحانه أسباب حل الوطء في شيئين : النكاح الصحيح ، وملك اليمين ، لأن الاختصاص التام الحاصل بين المرء وزوجته بسبب هذين العقدين ليحفظ الولد ويعلم الإرث .... (1)
__________
(1) التحفة الأثنى عشرية للدهلوي ص228(95/182)
4- انه لما حرمه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان قبيحا ، ولما استعملته الطائفة الجعفرية التي استحلته ، وشاع في دورها ونظرنا إلى آثارها السيئة (1)، قوى عندنا ظهور الحكمة الإلهية في منع المسلمين من تعاطيه (2)....
بل إن هذا النوع من الزواج ، تستقبحه بقية الأديان ..
يقول المطران جورج خضر : " إن زواج المتعة يتعارض مع الزواج أصلا الذي هو تعاهد بين رجل وامرأة للعيش معا على مدى العمر ، يعني في كل أعراف العالم وشرائعها وقوانينها كل زواج دائما كان قائما على روحية البقاء وعهده لأنه بنى على أساس تخطي فكرة المتعة والتمتع .....
ويقول المطران : " عندنا 99،99 متزوجون وليس الكل رهبانا ولكنهم يحاولون بالصلاة والنضال والجهاد الشخصي العظيم إن يعفوا .
ويقول عن المتعة :" إن هذا زواج جنسي محض غير إنساني (3) .
وبعد ، فقد أرسلنا أشعة البحث وأضواء الفكر على موضوع المتعة حتى تنفس صبح الحق معلنا تحريمها ، ببراهين بينة لا تدفع مكشوفة لا تتقنع ، مشكاة القرآن مصدرها ، وهدى النبوة معتمدهاوأحرقنا الهيكل المصنوع من الشبه الباطلة وهي حوالي (20) شبهة ، بنور الحق ، فأصبح هشيما تذروه الرياح، حيث دفعنا الشبهة المكسوة ثياب الحجة بالحجة ، فبان الحق واضح المحجة ، فإذا الحقيقة ليلها كنهارها لايزيغ عنها إلا أعمى نظر ، فاقد رشد ، يتخبط في ليل من الحيرة لا يدري أين يقع { بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون } الأنبياء /18
هذا مما وفقني الله لتحريره وأسأله أن يكون عملا نافعا والحمد لله الذي هدانا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله والصلاة والسلام على خير الأنام وعلى آله الطيبين الأطهار وصحابته الأبرار الكرام .
1- خيبر
2- عمرة القضاء
__________
(1) راجع كتاب المتعة عند الشيعة " لشهلا حائري
(2) الأهدل ص 324
(3) انظر مجلة الشراع اللبنانية الشيعية العدد 684 سنة 1995ص6-7(95/183)
3- فتح مكة
4- أوطاس
5- حنين
6- تبوك(95/184)
تناقضات
حسن المالكي
تقديم فضيلة الشيخ
علي بن خضير الخضير
بقلم
عبدالرحمن بن عبدالعزيز الجفن
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد
فقد اطلعت على كتاب تناقضات المالكي تأليف الشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز الجفن وفقه الله ، حيث بين فيه تناقضات هذا الزائغ الهالك مجدد أطروحات أهل الانحراف والضلال ، وبين تضارب أقواله وتطاحنها فيما بينها ، مما يدل على أن المالكي في أمر مريج ، وفي ضلال عظيم .
وقد أجاد وأفاد وفقه في ذلك ، حيث كتبه بأسلوب سهل واضح يتفق به جميع الطبقات والمستويات وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .
نسأل الله أن ينصر دينه وأن يقيض لأهل الزيغ والضلال من يقمعهم ويكبتهم كما فُعل بأسلافهم على أيدي أهل السنة الصادقين .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
كتبه
علي بن خضير الخضير
25 / 6 / 1422 هـ
القصيم بريدة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ( أجمعين ) ..
أما بعد
فإنه قد يظن البعض أن ركوب متن الباطل يجيده كل أحد ، وهذه مغالطة ظاهرة ، إذ الحق أبلج والباطل لجلج ومن ركب ذلك المتن فلا بد أن يسقط وإن ادعى إتقانه ، ولا يزال الحق منتصرا على الباطل حتى يرث الله الأرض ومن عليها ، وقد يخبو أمر الحق لفترة ما لكن العاقبة للتقوى ، وما ظهور الحق في العواقب وانتصاره إلا برهان جلي على ضعف حيلة الباطل ، والأمثلة في دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن سلك مسلكه من بعده ظاهرة معروفة .(96/1)
وقد يظن البعض أن اقتياد النفس للحق وركوب متنه من الصعوبة بمكان إذ الأمر ليس بالسهل ، وهذه مغالطة أخرى ، لأن الحق قد يُسر أمره ، يقول الله سبحانه ( ولقد يسرنا القران للذكر فهل من مدكر ) ، لكن النفس ميالة ، وما علينا إلا إدراج الهوى تحت مطايا الحق ، وما يبقى فبأمر الله .
وقد أحدث ظهور المالكي في الآونة الأخيرة خيرا كثيرا ، قد ساقه الله سبحانه وتعالى لعباده الصادقين ، يقول الله تبارك وتعالى ( إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم ) ، ويقول عز وجل ( إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله ) وقد يظن البعض أن وجود مثل هؤلاء بلية عظيمة ، وهذا حق من باب كونه هو بذاته باطلا ومن باب الخوف على بعض الأغرار من أن يسلك طريقة أولئك ، لكن من باب أنه سبب لإظهار الحق فنعمة كبيرة ، وقد يظن بعض الأعداء أن وجود مثل المالكي بحد ذاته إشغال للناس عن الدعوة والخير وهذا قد يكون صحيحا ، لكننا والحق يقال قد انتفعنا من سرد المالكي لشبهاته وشكوكه لا من جهة تجديد العهد بمحبة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من جهة تجديد العهد أيضا بكتب السلف وأقوالهم ، بل وأمر آخر وهو أن ( بعضا ) من أتباع دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله قد انشغلوا عن التمسك بمنهج الشيخ رحمه الله لظروف وأسباب لا يسع المجال لذكرها ، وظهرت عليهم بعض علامات الغفلة عن الاهتمام بتلك الركائز التي نشرها الشيخ محمد رحمه الله ، فكان المالكي بنشره ( لشكوكه ) سببا لتنبه الغافل ولصحوة النائم ، وسببا لاجتماع الكلمة وترتيب الصفوف ولِيستعيد المصلحون أنفاسهم ، وقد ذكر بعض السلف أن المعصية قد تعين على ( إصلاح ) النفس ، فالحمد لله .
يقول شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله في أول الجواب الصحيح :(96/2)
ومن أعظم أسباب ظهور الإيمان والدين ، وبيان حقيقة أنباء المرسلين ، ظهور المعارضين لهم من أهل الإفك المبين . اهـ
يقول الشاعر :
وإذا أراد الله نشر ( فضيلة ) طويت أتاح لها لسان ( حسود )
وما ظهور القنوات الفضائية وغيرها من الأماكن المشبوهة كمنتديات الإنترنت إلا تيسير لظهور بعض المميعين لثوابت الدين أمثال المالكي وأشباهه ، في وقت خلت فيه الساحة عمّن يستحق أن يتصدر للإفتاء إلا ما رحم ربك وقليل ماهم ، وقد ساعد على ذلك ظهور بعض المطبلين ممن قد لا يفقه كثيرا من الأمور ، ممن ظن أن اجتماع الكلمة لا تكون إلا بتجميع ما تطاير من شتات بعض العقائد الفاسدة ، وممن يظن أنه من الفقه أن تستغل تلك القنوات الفضائية في الدعوة والإصلاح ، وما عرف أنها زادت الخلاف سوءا بعد سوء ، هذا عوضا عن نشر تلك القنوات كثيرا من الشبهات التي ألقيت فشتت المسلمين في دينهم وعقيدتهم ، وقد أصاب الناس اختلاف بسبب وجود بعض المفتين الذي خالفوا ما عرفه الناس من الحق وما ساروا عليه من الهدى فأصبحوا كقطيع يساق إلى حتفه .
أما بعد ..
فهذه نتف في بيان ( بعض ) تناقضات حسن المالكي وأخطائه ، الذي امتلأت البلاد من كذبه وبهتانه ، وقد اختصرت المقال حتى لا يشق طول القراءة على ( بعض ) العامة الذين هم قصدي من كتابة هذه الورقات ، أما طلبة العلم وأنصاف طلبة العلم بل وجزء كبير من العامة فيعلمون أن مثل هذه الضلالات التي ( سرقها(1) ) حسن المالكي لا تفي بالقدر الذي يطلبه المالكي من إرادته تضليل المسلمين .
ولم أجد للرد عليه أفضل من أن أضرب أقواله بعضها ببعض ، إذ المشايخ وفقهم الله لم يألوا جهدهم في تبيين ضلالاته وعرضها على الكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح ، وما قاموا به كفى ووفى .
__________
(1) انظر كتاب ( سرقات حسن المالكي ) للشيخ سليمان الخراشي .(96/3)
وقد اقتصرت على تتبع أقوال المذكور في ( قراءة في كشف الشبهات ) وردوده على بعض مشائخنا ، وقد اُضطر هنا أحيانا للعزو لبعض المواضع الأخرى للحاجة الماسة ، نسأل الله أن ييسر ويعين .
كتبه
عبدالرحمن بن عبدالعزيز الجفن
24 / 6 / 1422 هـ
القصيم / بريدة
طريقة المالكي في رد استدلال المخالف
المالكي ( غير ) مستعد للرجوع للحق ، وقد تتبعت طرق رده على مخالفيه فوجدته يتلون على حسب الحاجة ، فالمالكي لا ينفع فيه أن تستدل عليه لا بآية ولا بحديث ولا بإجماع ولا بقياس ولا بغير ذلك ، وإليك البرهان :(96/4)
إن استشهدت على المالكي بآية صريحة لم يقبل باستدلالك (1) وإن أثبت له حديثا في البخاري قال لك حديث ضعيف (2) وإن استشهدت عليه بحديث في مسلم قال لك مسلم رواياته فيها إسرائيليات (3) وإن احتججت عليه بالإجماع قال لك : لابد أن يتضح الأمر ( عندي )(4) ، وان احتججت عليه بأقوال أهل العلم قال لك : ذاك العالم من النواصب(5) ، وذاك من الغلاة والآخر من غلاة غلاة الحنابلة (6) ، وإن قلت له من سبقك إلى هذا القول ؟ قال لك : مقولتك هذه قال بها غلاة السلفية (7) ، فإن قلت له : هذا قال به أكثر أهل العلم ، قال لك : الكثرة ليست دليلا على الحق(8) ، وإن أثبت له بالدليل والبرهان بدعة ما قال لك : الجمهور يخالفون قولك (9) ، وإن احتججت عليه بالتاريخ ، قال لك : التاريخ فيه دس كثير(10)، وعندما نقل لنا بعض البدعيات على عادته وسألناه : من شيخك في هذا ؟ قال : العلامة السلفي الجليل فلان ، فإن قلت له : هذا عالم زيدي ، قال لك : أنتم تبدعون وتكفرون العلماء (11) ، وإذا قلت له لماذا لعنت معاوية قال لك : أنا أنقل أن لعن معاوية لم يستنكره أكثر أهل العلم (12)
__________
(1) انظر الملحوظة الثالثة من قراءته في الكشف .
(2) 3 انظر تضعيفه لحديث إحراق علي للزنادقة في الملحوظة الخامسة والعشرون من قراءته في الكشف .
(3) ذكر ذلك في لقاء مسجل له في قناة الجزيرة .
(4) انظر رده إجماع تكفير علماء السلف للجهمية في رده على الشيخ علي الخضير .
(5) 6 انظر ( سرقات حسن المالكي ) للشيخ سليمان الخراشي ص 28
(6) انظر رده على الشيخ علي الخضير .
(7) انظر هامش قراءته في الكشف في كلامه على ( مسائل الجاهلية ) رقم 3
(8) انظر رده على فتوى الشيخ حمود العقلاء الشعيبي .
(9) 0انظر هامش 20 من قراءته في الكشف .
(10) 1 انظر إقراراته في رده على الشيخ حمود العقلاء الشعيبي
(11) 2انظر الملحوظة الثالثة عشرة من قراءة في الكشف .
(12) 3 انظر الأشياء التي يقر بها رقم 2 في رده على الشيخ حمود العقلاء الشعيبي .(96/5)
، وإذا ألزم بالحجة وتراجع عن رأيه في مجلس ما اتصل بعد ذلك وقال : أنا رجعت عن رجوعي وأنا على ما أنا عليه سابقا ، وغير ذلك كثير من سلسلة كذبه وبهتانه وتضليله .
وهكذا ومع كل هذه الثرثرة من المالكي تعيش معه في جدل عقيم ، فلا هو ممن يقبل الحق ، ولا أنت بساكت عن ضال ، علما أنه يردد كثيرا أنه ممن يقبل الحق وأنه مستعد للإقرار بخطئه ، و مشائخنا وعلماؤنا بينوا ضلاله ومع هذا كله لم أجده حسب علمي أنه أقر بخطأ واحد .
المالكي و إتقانه للغة العربية
أن يخطئ الإنسان في اللغة من خلال كتاباته ونطقه فهذا ليس بغريب ، إذ قلة النطق باللغة العربية تجعل الإنسان مهما بلغ علمه في اللغة معرَّضا لأن يخطئ .
وحينما أسوق أخطاء المالكي في اللغة فلأنني رأيته يتعالى بالتنبيه على أخطاء غيره ويكرر ذلك محاولا إسقاط مخالفه ، مع أن المالكي لا يجيد التحدث بالفصحى وليس بأهل أن ينتقد غيره بذلك .
فإن كان المالكي يرضى بهذا الأسلوب فلعلنا أن نستخدمه معه أيضا حتى يتبين أنه مهما بلغ في التشويش فإن غيره قادر على أن يتعامل معه بنفس ما ارتضى أن يتعامل به مع غيره .
يذكر المالكي في رده على الشيخ حمود :
أن الشيخ حموداً ضعيف في اللغة العربية ودلالات الألفاظ ولا يعرف معاني كثير من المصطلحات .. إلخ كلامه
وقال مرة في نفس رده هذا :
وضعفهم في اللغة دفعهم لهذا الكلام غير العلمي ..
وفي نفس الرد قال :
يحرمون علم المنطق مع ضعفهم باللغة ودلالات الألفاظ .(96/6)
والغريب أن المالكي لم يوفق في هذا فقد انتقد في الشيخ أمرا عرف المشايخ وطلبة العلم عن الشيخ ضده ، من إتقان الشيخ حمود حفظه الله في اللغة العربية ومدلولات الألفاظ وغيرها ، والشيخ وفقه الله درس اللغة العربية وتخرج على يديه كبار العلماء والمشايخ ، ومن سوء حظ المالكي أنه تقصد تخطئة الشيخ في هذا الباب لكنه لم يوفق ، وما ذكره إنما هو من باب الجدل العقيم ، وهذا لا يعجز عنه أحد .
ولنرى الآن مدى مستوى المالكي في إتقانه اللغة العربية ومدلولات الألفاظ :
في رده على الشيخ حمود العقلاء الشعيبي :
قال : فإن كان يقصد أنني أبرئهم من الكفر ..
والصحيح : أنني أبرؤهم من الكفر .
قال : فالحمد لله الذي وافق المسلمين ..
والصحيح : وفق المسلمين .
قال : سبق أن قلت أنني لا أحملهم ..
والصحيح : قلت إنني .
وقال : وتحيلهم إلى القضاء ليلقون الجزاء .
والصحيح : ليلقوا .
وقال : قلت أن جمهور الصحابة .
والصحيح : إن جمهور الصحابة
قال : قلت أن بيعة أبي بكر ..
والصحيح : إن بيعة أبي بكر .
قال : بأنني قلت أنه يهم وينسى ..
والصحيح : إنه يهم وينسى .
قال : وزعموا أنني قلت أن ابن القيم ..
والصحيح : إن ابن القيم .
قال : كوني قلت أن البخاري ..
والصحيح : إن البخاري .
في رده على الشيخ علي الخضير :
قال : حتى أنه وصل لتكفير ..
والصحيح : حتى إنه .
قال : حتى أنهم تجرأوا وناظروا ..
والصحيح : حتى إنهم .
قال : وكذلك التابعون وتابعيهم ..
والصحيح : وتابعوهم .
في رده على الشيخ عبدالله السعد :
قال : فغلاة الحنابلة ليس أول من ظلم ..
والصحيح : ليسوا .
قال : وكل الفرق الإسلامية بلا استثناء ليس منه فرقة تريد الدخول في النار .
والصحيح : ليس منها .
في قراءة في كشف الشبهات :
قال : .. أو بيان مسائل أخطأ فيها ليس نهاية العالم ..
والصحيح : فليس نهاية العالم .
قال : أن يقولوا أن الأصنام ..
والصحيح : إن الأصنام .(96/7)
قال : بأن أكثر دعاؤهم هو للأصنام .
والصحيح : دعائهم .
قال : ومع ذلك عصمت دماءهم وأموالهم .
والصحيح : دماؤهم .
قال : ويصرح بأن الشفاعة ليس إلا للمسلمين .
والصحيح : ليست .
قال : حتى أن رجلا ..
والصحيح : حتى إن رجلا .
قال : الملحوظة السادسة عشر .
والصحيح : عشرة .
قال الملحوظة السابعة عشر .
والصحيح : عشرة .
فهذه الأخطاء تدل على مدى إتقان المالكي للغة العربية ومدلولات الألفاظ فتنبه لذلك . والسؤال :
هل يستحق المالكي أن يدعي إلمامه باللغة وهو لا يعرف أن همزة إن تكسر بعد القول وقد تكرر منه الخطأ في ذلك مرات ؟
تناقض المالكي في إثبات ونفي الزيدية عنه
الكلام على هذا الأمر بإثباته أو نفيه من وجوه :
الوجه الأول : أن المشهور والمتناقل عن المالكي أن أسرته من الزيود ، بل حتى منشأ حياته كانت بين أسرته الزيدية ، في قرى الزيود في الجنوب .
الوجه الثاني : أنه نقل عنه اعترافه بذلك .
الوجه الثالث : تضارب ما كتبه في نفي ذلك وإقراره ، واليك التوضيح :
ففي مقدمة ( قراءة في كشف الشبهات ) يقول :
فخصمكم لا يقر لكم بأنه زيدي ..
وقال في الهامش 14 منه :
الانتساب للزيدية ليس محرما ولا عيبا قبليا حتى يعيرني به هؤلاء ..
ثم قال في نفس الهامش بعد أسطر :
ولا أنفيه عن نفسي تعالياً ..
وبعده بأسطر نفى أنه زيدي ..
وقد ذكر في نفس الهامش أن الانتساب لرجل من أبناء رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من الانتساب لمذهب رجل من قبيلة أخرى ..
وذكر أن الزيدية المتقدمين خاصة كانوا ( سادة أهل السنة ) ، وذكر أن أئمة المذاهب الأربعة غير أحمد أتباع للزيدية ، بل ذكر عن علماء المسلمين وأئمة الحديث كسفيان وشعبة والأعمش أنهم من اتباع الزيدية ، حتى نقل الإجماع على نصرة الزيدية ، بل جعل قريبا من أربعين عالما من علماء المسلمين اتباعاً للزيدية ..(96/8)
فإذا كان كما يقول : إن الانتساب للزيدية غير محرم ولا عيب ، وإن الانتساب إلى رجل من أبناء رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من الانتساب لمذهب غيره ، وقد جعل أبا حنيفة ومالكا والشافعي اتباعا للزيدية ، وسمى من علماء المسلمين المتبعين للزيدية هذا العدد الكبير ، بل نقل الإجماع على نصرة الزيدية ، فلماذا لا ينتسب للزيدية ويطالب الناس باتباعها ؟
لماذا يخالف كل هؤلاء العلماء ويخرق الإجماع الذي نقل وينفي عن نفسه اتباعه لمذهب الزيدية ؟
هل هذا من التقية ؟
المالكي يدافع عن الزنادقة
يقول المالكي في قراءة في كشف الشبهات :
الملحوظة السادسة والعشرون :
… أما الفاطميون أو العبيديون _ لا تهمني التسمية _ فلن يعدموا مدافعين عنهم وناشرين ( لفضائلهم ) ، بل أسوأ الفاطميين وهو الحاكم بأمر الله الذي ( اتهم ) بالزندقة والكفر ومع ذلك فقد ( دافع ) عنه بعض العلماء والمؤرخين . ا هـ
ولاحظ أنه قال : الذي ( اتهم ) بالزندقة والكفر ، والمعنى أنها تهمة ، وقد تكون غير صحيحة ، مع ذكره أن هناك من العلماء والمؤرخين من دافع عنهم .
لكن من هؤلاء العلماء والمؤرخون الذين دافعوا عن الدولة العبيدية هل هم علماء أهل السنة أو علماء أهل الرفض والزيدية ؟
وقد دافع في رده على فتوى الشيخ حمود العقلاء الشعيبي عن الجهمية والمعتزلة وذكر أنهم قائمون بأركان الإسلام ولم يرتكبوا ما ينقض ذلك ، بل وذكر أن خصوم الجهمية افتروا على الجهمية . ونقول :
من هم خصوم الجهمية الذين افتروا على الجهمية أو غيرهم ؟
أليسوا أهل السنة الذين هم الخصوم للجهمية والمبتدعة ؟
ثم لماذا تصف ذلك بالافتراء ؟
وقال أيضا :
الملحوظة الخامسة عشرة :
ذكر كلاما ثم قال :
... وكل المبتدعين المقتولين عبر التاريخ إنما كانوا مقتولين لظروف سياسية يدركها من درس التاريخ .اهـ(96/9)
يعني لم يقتلوا من أجل بدعتهم ولا ضلالهم وإنما من أجل أمور شخصية خاضعة للأهواء والشهوات تحكم ظروفها السياسة ، والظروف السياسية حسب رأيه لا يمكن أن تكون شرعية ، فالسياسة لا علاقة لها بالدين حسب ما يفهم من كلام المالكي ، فكلامه كلام علماني مغلف بكلام إسلامي .
ومن الممكن على رأيه أن يكون قتال النبي عليه الصلاة والسلام للكفار ليس من أجل الدين إنما من أجل السياسة ، وقتل كعب بن الأشرف لظروف سياسية ، وقتل بعض من فر ممن أهدر النبي عليه الصلاة والسلام دماءهم من المشركين ليس من أجل أمر شرعي إنما هو من أجل ظروف سياسية ؟
وعلى رأيه أيضا فإن أي سني قتل من أجل سنيته لم يكن قتله من أجل ظروف سياسية ، لأن المالكي هنا حدد المقتولين بمن هم مبتدعة ، وجدلا أن من تسميهم مبتدعه قتلوا من أجل بدعتهم أليس ذلك من مصلحة المسلمين وإن كان ذلك لظروف سياسية ؟
لكن من هم هؤلاء المقتولون عبر التاريخ على البدعة ؟ فقد ذكر أهل التاريخ والسير عددا غير قليل منهم ، ولعلنا أن نذكر على عجالة بعضا من هؤلاء المبتدعة :
الجعد بن درهم ، الجهم بن صفوان ، ابن الراوندي ، غيلان الدمشقي ، ابن المقفع ، ابن عربي ، الحلاج وغيرهم كثير ، كل هؤلاء قتلوا على التعطيل أو الزندقة أو غير ذلك .
يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى عن الرافضة كما في الفتاوى ( 4 / 471 – 472 ) :
بل هم أعظم الطوائف كذبا وجهلا ( ودينهم يدخل على المسلمين كل زنديق ومرتد )
ويقول أيضا رحمه الله تعالى في أول منهاج السنة وهو يتكلم عنهم :
يعادون خيار أولياء الله تعالى من بعد النبيين من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار الذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه ، ويوالون الكفار والمنافقين من اليهود والنصارى والمشركين وأصناف الملحدين كالنصيرية والإسماعيلية وغيرهم من الضالين .. اهـ
فهل صدق قول شيخ الإسلام رحمه الله في المالكي وانطبق عليه ؟(96/10)
المالكي والحركات السياسية
ذكر المالكي (1) أن حروب الدولة الأموية سياسية ، وأن الدولة الأيوبية حروبها سياسية ، وأن دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله متأثرة بالظروف السياسية (2) .
بل كما سبق يرى أن ( كل ) المبتدعة المقتولين من أجل بدعتهم إنما كان قتلهم لظروف سياسية .
لكن المالكي يرى أن دعوته لم تكن متأثرة بظروف سياسية ولا طلب دنيا بل يذكر أن ما يقوم به إنما هو لأمر ديني (3) ، وأن ما يقوم به من ذم إنما هو ذم للباطل وليس لأمور سياسية (4) وما يكتبه إنما هو لمصلحة الإسلام والعلم ولأهداف مشروعة(5)ومن احتكاره للحق ( كما يدعيه ضد خصومه ) يرى أن ردوده مقنعة بل ونابعة من نصوص شرعية(6)، ويطالب ألا يشكك في نيته(7).
فلا نعلم كيف أقر لنفسه بكل هذه الأمور ونفاها عن غيره ؟ علما أنه أقر في بعض الصحف بعضا من الأعياد البدعية ، الزمانية أو المكانية .
فهل غيره ذم الحق أو كتب لغير مصلحة الإسلام وما فعله ليس من مصلحة العلم وأن ما يقوم به غيره كان لأهداف غير مشروعة وأن نصوصهم ليست نابعة من نصوص شرعية وأن نواياهم مشكوك فيها ؟
علما أنه لم يذكر أن قتال الدولة العباسية من أجل السياسة حسب ما اطلعت عليه ، بل وأثنى على نتائج حكومة الخميني(8) وذكر أنها أزالت العلمانية والتغريب عن دولة إيران ولم يذكر أن تلك الحكومة تأثرت بالظروف السياسية ، وأقول :
1 - هل كشف له أمر هذه الدول فتبين له نواياها ومقاصدها .. ؟
2 - هل يفهم من كلام المالكي أن الظروف السياسية لا علاقة لها بالدين ؟
__________
(1) 4 انظر قراءته في كشف الشبهات الملحوظة السادسة والعشرون .
(2) 5 ذكر ذلك نهاية مقدمة قراءته في الكشف .
(3) 6 انظر مقدمة قراءته في الكشف .
(4) 7 انظر رده على الشيخ حمود .
(5) 8 انظر مقدمة قراءته في الكشف .
(6) 9 نفس المصدر .
(7) 0 نفس المصدر.
(8) 1 انظر الملحوظة الثامنة عشرة .(96/11)
وحتى تتبين تضارب أقواله انظر مثلا ما قاله عن دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله والتي كان يصفها أنها متأثرة بالسياسة ، ذكر في مقدمة قراءته في الكشف :
أن دعوة الشيخ محمد رحمه الله هي السبب في وجود هذا الكيان الكبير ، وفي القضاء على التشرذم والتنازع ، وفي بث العلم والدعوة للإسلام ( الخالص والنقي ) من البدع والخرافات ، وأن الشيخ لم يكن صاحب هوى ، وأن الشيخ ( له الفضل ) في توحيد هذا الكيان ونبذ الشركيات عن كثير من الناس ..
ونقول : كيف نجمع بين أن تكون دعوة الشيخ محمد رحمه الله متأثرة بالظروف السياسية وبين أن تكون دعوة ( خالصة ونقية ) ، وما هو ضابط ذلك التأثير ؟
المالكي والكذب
كتب المالكي تصحيحه لـ ( قراءة في كشف الشبهات ) في تاريخ 22 / 5 / 1422هـ وقد تكلم في تصحيحه هذا عن ردود المشايخ عليه كما في حاشية 11 من قراءته كالشيخ حمود العقلاء والشيخ علي الخضير والشيخ عبدالله السعد وكان الشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي قد اصدر فتواه فيه بتاريخ 29 / 4 / 1422 هـ والشيخ عبدالله السعد أصدر فتواه في تاريخ 16 / 5 / 1244 هـ ، أما الشيخ علي الخضير فقد أصدر فتواه فيه بتاريخ 24 / 5 / 1422 هـ
والسؤال الذي يبين كذب المالكي :
كيف تكلم المالكي على فتوى الشيخ علي الخضير وهي لم تصدر إلا بعد تاريخ التصحيح بعدة أيام ؟ وهذا يدل على أن المالكي كذب هنا في ذكر تاريخ التصحيح ، لأن التصحيح كتبه بعد فتوى الشيخ علي الخضير فيه .
وهنا أسئلة نطرحها على المالكي ونريد أن نتبين الأمر :
هل هذا الكذب خلق تخلقه المالكي ؟
وهل المالكي على استعداد للكذب مرات أخرى ؟
وهل المالكي على استعداد بالاعتراف بهذه الكذبة ؟
وهل سيتوب عن كذبه هذا على الناس ؟
وهل .. وهل ؟(96/12)
علما أن المالكي يصف غيره بالكذب والبهتان وإلصاق الأقوال عليه ، ومع العلم أيضا أن المالكي يقر أن الكذب ليس من شرع الله (1) ، ويذكر أن من رد عليه يستحل الكذب ، فما باله الآن يكذب ؟ وقد ذكر في رده على الشيخ حمود قوله :
وإذا كان الشيخ مستعدا لإثبات هذه الأكاذيب أو بعضها فأنا مستعد بإعلان الرجوع عنها ، وقد أثبت له الآن كذبه ، فهل سيتراجع عنه ؟ أو سوف يتلون كالعادة في جوابه ؟
وقد ذكر أيضا في رده على الشيخ حمود أن البينة على المدعي واليمين على من أنكر
و ها أنا ذا قد ذكرت له البينة ، فهل يعتذر عن ذلك ؟
المالكي ولعن معاوية
في رد المالكي على شيخنا الشيخ حمود العقلاء الشعيبي ذكر أن عليا رضي الله عنه ( روي ) عنه وعن ابن عباس أنهما لعنا معاوية رضي الله عنه ، فقال :
فإن كان الشيخ مقلدا في الثناء على معاوية ، فنحن مثله ( قلدنا ) هؤلاء الصحابة .. ( يعني في اللعن ) .
ثم قال بعد أسطر :
فأنا لا ألعن أحدا لا معاوية ولا الحجاج ... لكنني أنقل أن لعن معاوية لم يكن مستنكرا عند كثير من أهل العلم ..
وقد ذكر في هامش قراءة في الكشف رقم 14 أنه لا يجامل .
وقال في رده على الشيخ حمود :
29 / زعموا أن لدي تقية وهذا كذب ..
ونريد منه أن يتشجع وينفي عن نفسه ما ذكر فنقول :
إما أن يكون ما نقلته عن لعن معاوية حقا أو باطلا .
فإن كان حقا فلماذا لا تفعل مثل علي وابن عباس رضي الله عنهما - مع أنه لا يصح عنهما عند التحقيق - وتبعد عن نفسك تهمة ( التقية ) وإما أن يكون ما نقلته باطلا وظلما فترد هذا الباطل والظلم ، وقد ادعيت في ردودك على المشايخ في عدة مواضع أنك لا تقر الظلم بل تنفيه ، وذلك حينما وصفت معاوية رضي الله عنه بالظلم والبغي .
وهذا أظن المالكي سوف يتهرب منه كالعادة .
وقد بلغنا أن المالكي في مجالسه الخاصة يلعن معاوية .
المالكي وتقصد نقد الحنابلة
__________
(1) 2 انظر كلامه على مسائل الجاهلية 34(96/13)
لما ذكر شيخنا الشيخ حمود العقلاء الشعيبي حفظه الله أن المالكي يقدح في الحنابلة ويطعن في كتبهم ويشكك في آرائهم .. ، أجاب المالكي بقوله :
زعموا أنني سببت الحنابلة وهذا كذب فلم أسب حنبليا ولا غير حنبلي .. اهـ
وأريد أن أثبت أن قول الشيخ حمود هو الحق وأن المالكي فعلا يسب الحنابلة وذلك في عدة مواضع من ردوده ومحاضراته ولا يستطيع المالكي أن يكذّب هذا أيضا ، علما أنه لا فرق بين السب والطعن والقدح إذ المعنى واحد و الألفاظ مختلفة .
مع العلم أن المالكي يقول في رده على الشيخ حمود :
وقد ذكرت في مقدمة كتاب العقائد ص13 أن كلامي في كل الكتاب عن الغلاة ولا أعممه على أصحاب المذهب ( أي الحنبلي ).اهـ ولم يذكر لنا هؤلاء الغلاة من غيرهم .
ونريد أن نتحقق مما في الكتاب إن كان يقصد الغلاة من الحنابلة أو كل الحنابلة حتى يعلم صدقه من كذبه ، يقول المالكي في قراءة في كتب العقائد صفحة 81 :
ثالثا : نقد المذهب الحنبلي في العقيدة :
... فإنني سأنقد ( بعض ) الأمور التي أدخلناها – نحن الحنابلة – في العقيدة السلفية وهي أبعد ما تكون عما يجب أن يعتقده المسلم . إذن للأسباب السابقة سأحاول أن أخالف القاعدة بالتركيز على ( النقد الذاتي ) لكثير من المسائل والتجاوزات الموجودة داخل المذهب الذي انتمي إليه بل وينتمي إليه معظمنا في هذا الوطن وفي معظم بلدان العالم الإسلامي – والانتماء لا يعني التقليد – ألا وهو المذهب الحنبلي في العقيدة ، وتركيزي على نقد الحنابلة له أكثر من فائدة .. إلى آخر كلامه .
وذكر أيضا في كلامه على مسائل الجاهلية رقم 52 قوله :
ومعظم الأمور التي يدندنون حولها من تكفير وغلو في العلماء وغير ذلك .. لم يكن عليه هؤلاء إنما نشأت مع الحنابلة .. وفي رده على الشيخ السعد يقول :
لكن من عرف التراث الحنبلي لا يستغرب صدور مثل هذه الاتهامات ..
وبعده بأسطر قال :(96/14)
لكن الحنابلة بعد انتصارهم في عهد المتوكل جمعوا ( كل المظالم ) السابقة ولم يستطيعوا التحلي بأخلاق المنتصر كالمعتزلة تماما – رغم أن انتصارهم لم يكن بقوة برهان وإنما بقوة السيف .
المالكي وحشد المؤيدين
لا يفتأ المالكي يحشد حوله المؤيدين والمناصرين وإن كان ذلك من الكذب والتهويل ، مع العلم أن المالكي يقول : الكثرة ليست دليلا على الحق ، وقد ذم الله الكثرة فقال ( وأكثرهم للحق كارهون ) ، ونريد أن نقرر هنا أن المالكي لا يتعامل بهذه القاعدة التي ساقها هنا إلا حينما يحشره غيره ويضيق عليه الدفاع عن رأيه .
فيقول في مقدمة قراءته في كشف الشبهات :
وقد تشوهت ( صورتنا نحن طلبة العلم ) في المملكة بأننا لا نعترف بأخطاء الشيخ ..
وبعده بأسطر يقول :
إن طلبة العلم في المملكة يحجمون عن بيان الأخطاء التي وقع فيها الشيخ محمد ..
وبعده بأسطر يقول :
إن طلبة العلم يشتكون من صدود الناس في خارج المملكة عن دعوتهم لانتسابهم لدعوة الشيخ التي يوجد بها الأخطاء . ( بتصرف )
وبعده بأسطر يقول :
والمؤتمنون مازالوا ساكتين ..
إلى قوله : ولا أظن المؤتمنين سيتركوننا لبيان الحق فضلا عن المشاركة فيه .
وفي نفس المقدمة يقول :
وعندما يقوم ( بعض الباحثين ) بتعقب الشيخ في تضعيف أحاديث صححها أو بيان مسائل أخطأ فيها ليس نهاية العالم ... إلى قوله : وإنما من حيوية دعوة الشيخ وقوتها أنها تنتج ( من أبنائها ) من تعقب بعض أقواله التي اجتهد فيها فأخطأ .
وفي نفس قراءته في الملحوظة الثانية قال :
.. إن قلتم : نحن نكفرهم رد عليكم ( العلماء المعاصرون داخل المملكة وخارجها ) واتهموكم .. إلى آخر كلامه .
وهكذا يرسم المالكي صورة مخالفة للواقع يريد بها أن يستحث أهل البدع في الداخل والخارج للقيام على دعوة الشيخ رحمه الله ويشكك بمصداقية اعتقاد الناس لها ، لكن نريد أن نعرف من هؤلاء الذين يرون أن صورتهم تشوهت وأن عندهم انتقادات لدعوة الشيخ ؟(96/15)
وأقول : هم من أمثال المالكي لا شك .
أو من يرى أن مسألة خلق القران فيها قولان للسلف .
أو من يرى أن الرافضة ليسوا مبتدعة وأن لهم حق المواطنة .
أو من هم في شك من معتقداتهم ممن يدعي التعقل وفتح باب الحوار وقبول الرأي الآخر وتوسيع الأفق مع المبتدعة والضلال ( زعموا ) .
أو هم من أولئك المشبوهين في أفكارهم وتوجهاتهم .
أو من يرى أن ماركس مظلوم ويستشهد بأقوال الشيوعيين في تعديله والثناء عليه ، ويترضى عن ابن عربي وغيره من أهل الزندقة .
إذا كان المالكي يقصد هؤلاء فالحمد لله أن جعل هؤلاء الزائغين هم أنصار المالكي ومن يدعمه ويؤازره ، وليسيروا على ذلك الطريق وليهنئوا بانتقاداتهم ، وليهنأ المالكي باستنصاره بهؤلاء .
هل اعترف المالكي بقلة العقل والجهل وسوء القول
يذكر المالكي في عدة مواضع(1) أنه لا يجيد السب والشتم وأن فاعل ذلك يدل على قلة علمه وأن ذلك لا يصدر من عاقل ، وقد قال بنفسه في رده على الشيخ حمود :
.. والسب والشتم فيجيده كل أحد .. اهـ
وسوف أذكر ( بعضا ) من سبه وشتمه لواحد من علمائنا فقط حتى يتبين للقارئ مدى إجادة المالكي للسب والشتم ، ومدى قلة عقله وعلمه وسوء وبذاءة قوله بإقراره .
يقول المالكي عن شيخنا الشيخ حمود العقلاء الشعيبي :
1 – الشيخ حمود فتاويه سوداء .
2 – الشيخ حمود ضيق الأفق .
3 – الشيخ حمود ناشف الذهن .
4 – الشيخ حمود سيئ الفهم .
5 – الشيخ حمود عجوز .
6 – الشيخ حمود من جهلة المقلدة .
مع العلم أن المالكي يقر على نفسه بقلة العقل فيقول (2) :
فإذا رزقني الله عقلا فسأعتبر بنفسي فضلا عن الاعتبار بالآخرين ..
ويصف نفسه بالجهل حيث قال (3) :
وأجهل الكثير من منهجه ( المذهب الزيدي ) في الفقه والحديث والجرح والتعديل .
ونقول : ماذا بقي ؟
__________
(1) 3 انظر رده على الشيخ حمود .
(2) 4 انظر رده على الشيخ علي الخضير .
(3) 5 انظر هامش 14 من قراءته في الكشف .(96/16)
ومرة يذكر (1) إن عنده :
أمراضا علمية وعقلية ونفسية قديمة .
المالكي وعقدة ( غلاتنا )
من العقد التي تحيط بالمالكي عقدة ( غلاتنا ) ، فالمالكي من خلال كلامه ( الكثير ) يذكر أن عندنا غلاة ويذكر أوصاف هؤلاء الغلاة ، وينقل عنهم أقوالا غير منسوبة إليهم ولم توجد في كتبهم ولا علم لهم بها ، ويسوق ويعمم أوصافهم على كل من يرد عليه في صورة مضخمة مكذوبة لم يسبق لها مثيل .
وقد وصف الشيخ حمود العقلاء والشيخ علي الخضير والشيخ عبدالله السعد أنهم من غلاة الحنابلة والوهابية ، بل وصف الشيخ علي الخضير أنه من غلاة غلاة الحنابلة (2)، و تكلم المالكي في آخر قراءته في كشف الشبهات عن عقائد ( غلاتنا ) ، وراح يطبق كلام الشيخ محمد بن عبدالوهاب في كتابه مسائل الجاهلية على من يسميهم ( غلاتنا ) ، ونريد هنا أن نذكر تلك الصفات التي الصقها بمن يسميهم ( غلاتنا ) لنرى هل فعلا تنطبق عليهم هذه الصفات أو لا ، ولعلي اختصر ( بعض ) ما ذكره ، يقول :
1 – إن مسائل الجاهلية متحققة في هؤلاء الغلاة .
2 – إن التقليد في غلاتنا أظهر من أن نمثل به .
3 – يغلون بالعلماء والصالحين .
4 – يتبعون الهوى والظن ويعرضون عما آتاهم الله .
5 – ينسبون الباطل إلى الأنبياء .
6 – ( يدعون ) أنهم ينتسبون إلى النبي ..
7 – يقدحون في الإمام علي وجعفر الصادق .
8 – يزعمون أن عليا قاتل للرياسة لا للديانة .
9 – يقولون إن جعفراً ماسوني كذاب .
10 – يتركون الحق إذا سبقهم إليه الضعفاء تكبراً وأنفة .
11 – يبطلون الحق لأن الضعفاء سبقوهم إليه .
12 – يكفرون بالحق إذا كان مع من لا يهوونه .
13 – ينكرون ما أقروا من دينهم كإنكارهم النصب والتكفير والتجسيم .
__________
(1) 6 انظر رده على الشيخ عبدالله السعد .
(2) 7 المالكي يردد دائما أن بعض التقاسيم التي ذكرها أهل العلم حادثة ومبتدعة ، وهو هنا قسم الغلاة إلى غلاة وغلاة الغلاة ، فما أدري كيف استحدث لنفسه هذا التقسيم .(96/17)
14 – يتعبدون بتحريم الحلال .
15 – يحرفون الكلم عن مواضعه .
16 – يكذبون بالحق .
17 – يكابرون في قبول الحق .
18 – يفترون الكذب على الله .
19 – يحرمون الكهرباء وركوب السيارة فضلا عن غيرهما .
20 – يتركون شرع الله .
21 – يكذبون على الناس .
22 – يكفرون المسلمين .
23 – يستحلون أعراض المسلمين يفتخرون بنسبهم ومنطقتهم .
24 – يتمنون الأماني الكاذبة .
25 – يطعنون بالانتساب .
26 – يأخذون الرجل بجريمة غيره .
27 – الدنيا عظيمة في قلوبهم .
28 – يرمون أتباع رسول الله بعدم الإخلاص وطلب الدنيا .
29 – يكتمون الحق مع العلم به .
30 – يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض .
إلى آخر أوصافه ..
وإذا رأيت من يصفهم المالكي بالغلو لا تجد إلا عدد أصابع يديك ، ونقول للمالكي : دلنا على تلك الأوصاف في كتب من تصفهم بالغلاة حتى نوافقك على ما تقول ، علما أنك لن تجد لذلك سبيلا .
المالكي ودعوى غيرته على ( الصلاة على رسول الله )
ذكر المالكي أن السلفيين ( يبتدعون ) لفظة زائدة على ما ورد في الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام إذ قال (1) :
فليس فيه الأحاديث ( أي التشهد في الصلاة ) التزام الصلاة على الصحابة كما نفعل اليوم اتباعا ( للبدع ) السلفية ..
ونريد هنا أن نرى مدى تحقق هذا الكلام من المالكي ، فإذا كان ما يفعله في صلاته على رسول الله صلى الله عليه وسلم من باب الاستنان وليس من باب الابتداع فلماذا يصلي على رسول الله عليه الصلاة والسلام بقوله : ( ص ) وقد ذكر ذلك ثلاث مرات (2) ، هل هذا مما ورد في النصوص كما ادعى على مخالفيه ، أم أنها من البدع الزيدية ؟
وأيضا إذا كان يسند فعله على ما ورد في التشهد فلماذا يسقط ( الآل ) من اللفظة كما ذكر ذلك في مقدمة قراءته لكشف الشبهات ؟
__________
(1) 8 انظر هامش 17 من قراءته في كشف الشبهات .
(2) 9 انظر الملحوظة الثامنة ، والثالثة والعشرون والرابعة والعشرون .(96/18)
هل كل هذا نابع من نصوص شرعية كما يدعي ويردد ؟
أيضا عليه كما أنه استنكر لفظة ( أجمعين ) أن يستنكر ما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام في قوله : ( اللهم صل على آل أبي أوفى ) .
ولكن هيهات هيهات ..
المالكي و الشيخ سليمان الخراشي
يقول المالكي في رده على الشيخ عبدالله السعد :
الخامس :
الشيخ لا يتثبت في الأخبار شأنه في ذلك شأن بقية ( الغلاة ) ويقبل من السائل أن يقول عن الطرف الآخر ما يشاء من سب وشتم وتكفير ، فقد قبل من الخراشي أن يقول عني : ( الضال ! المعتوه ! الخبيث ! المبتدع ! الذميم ! محارب للشيخ محمد بن عبدالوهاب ! محارب لعقيدة السلف ! مدافع عن القبوريين ! التهجم على الصحابة ! مبغض لهم ... ) فبالله عليكم هل يرضى عاقل منصف أن تتصدر هذه الألفاظ سؤال السائل ؟ خاصة أن الطرف الآخر لم يسبق له أن أساء إليه ، هل من أقر هذا الكلام يكون منصفا ؟ وصالحا للفتوى في أعراض الناس وعقائدهم وبحوثهم ؟ أنا أخاطب العقلاء والمنصفين وأترك لكم الجواب . اهـ
وأقول :
بما أنك تركت الجواب لنا ، فالجواب على سؤالك أن يقال :
لماذا رضيت أنت أن يصدر أعظم من هذه الألفاظ في السؤال الموجه إليك في ردك على الشيخ حمود ، فقد ذكر السائل أعظم وأعظم مما قاله الشيخ سليمان الخراشي ، ولعلي أن أجمل ما أورده سائلك في سؤاله إياك ، يقول :
1 – الشيخ حمود يكفر المسلمين .
2 – فتاوى الشيخ حمود ليست فيما ينفع الناس في دينهم .
3 – فتاوى الشيخ حمود ليست فيما ينفع الناس في دنياهم .
4 – فتاوى الشيخ حمود تصب في اتهام الأبرياء .
5 – فتاوى الشيخ تخرج الأبرياء من دينهم .
6 – استحوذ على الشيخ حمود أناس من جهلة المبتدعة .
7 – الخراشي من جهلة المبتدعة .
8 – الخراشي من خوارج العصر .
9 – الخراشي جاهل .
10 – الخراشي يكفر القرضاوي .
11 – الخراشي يكفر الشيخ علي الطنطاوي .
12 – الخراشي يكفر غيرهما .(96/19)
13 – يجالس الشيخ حموداً أناس معروفون بتكفير العلماء .
14 – يجالس الشيخ أناس معروفون بتكفير العوام .
15 – من لم يكفروه يبدعونه .
16 – من لم يكفروه يضللونه .
17 – جلساء الشيخ يكذبون عليه فيصدقهم
18 – إذا أرادوا أن يكفر أحد علماء المسلمين أو أحد طلبة العلم أخبروه أنه يقول كذا وكذا .
19 – يقرأون على الشيخ أشياء مبتورة مما يكتب ويهملون بعضا .
20 – الشيخ حمود يفتي حسب ما يسمع من هؤلاء الخوارج .
21 – الشيخ حمود كتب فتوى ضد سيد قطب .
22 – الشيخ حمود كتب فتوى ضد بعض الوزراء في الدولة .
كل هذه الأوصاف قررتها في ( سؤال ) وجه إليك ، ونريد أن نسألك بنفس ما سألت به ( العقلاء المنصفين ) ، فنقول :
إن كنت عاقلا منصفا فهل من الممكن أن تحكم على نفسك بقلة العقل وعدم الإنصاف ، وأن تثبت أنك لا تصلح للفتوى لا في أعراض الناس ولا في عقائدهم ولا بحوثهم كما قررت ذلك على نفسك كما سبق ؟
ملاحظة :
قال من سأل المالكي : .. وكذلك نريد رأيكم في فتاويه ( أي الشيخ حمود ) الأخرى ضد الدكتور الداعية محسن العواجي ..
وأقول : هذا كذب ، فالشيخ حمود حفظه الله لم يصدر فتوى ضد محسن العواجي وإنما هي رسالة خاصة ، وهي عبارة عن نصيحة ( سرية ) وجهها إليه الشيخ وفقه الله بخصوص بعض التجاوزات الموجودة في منتداه ( الوسطية ) ، و العواجي طلب من الشيخ حمود أن يعرضها في المنتدى فقال الشيخ الرسالة له ويتصرف بها ، لكن العواجي عرضها على أنها رسالة موجه له ولغيره كما بين ذلك في منتداه ( الوسطية ) .
والذي يبدو أن السائل لا يفرق بين الفتوى وبين التوضيح وبين الرد وبين الرسائل الخاصة ، ولذلك تبعه المالكي على ذلك الجهل ، وهذا يدل على أن المالكي هو من يستمع إلى الجهلة ويفتي على حسب ما يصور له السائل لا على ما يطلع عليه هو .
فأي الفريقين أحق بالأمن ؟
المالكي والدخول في النوايا
يقول المالكي في مقدمة قراءته لكشف الشبهات :(96/20)
رابعا : النيات علمها ( بيد ) الله عز وجل ، كم من شخص يؤتمن فيخون ..
إلى أن قال :
فلنترك البحث في النيات لله .. إلى أن قال في آخر المقدمة :
ولا يجوز أن ( تسمعوا ) لمن يشكك في النيات .. إلى آخر كلامه .
ونريد أن نتبين من كلام المالكي نفسه ، هل هو يطبق ما يقوله فعلا ، أو أن مثل هذا الكلام يستصدره للحاجة ؟ وإليك الجواب :
1 - يذكر المالكي في رده على الشيخ عبدالله السعد أن الشيخ وفقه الله يصحح بعض الأحاديث الضعيفة والموضوعة في كتب العقائد لأنه من غلاة الحنابلة ، وأن الشيخ يوظف علم الحديث لتكريس الغلو الحنبلي ، وأن الشيخ لا يتحمس لتطبيق علم الحديث وعلله إلا على الأحكام الفقهية ، أما تطبيقه في الجانب الإيماني أو في الجانب العقدي فيما يخص التكفير والصفات والصحابة فهو تطبيق ( منحاز ) بشكل واضح للغلو الحنبلي من تكفير وتجسيم ونصب و تبديع ظالم ..
2 – ذكر المالكي في رده على الشيخ حمود العقلاء قوله :
28 / .... وأما بنو أمية فالتاريخ يبين أنهم ( لا يريدون إلا الدنيا ) .
3 – في هامش قراءته للكشف رقم 28 :
يرى أن قتال خالد القسري والحجاج بن يوسف للناس ( ليس من أجل الدين ) .
4 – في الملحوظة السابعة عشرة :
وهو يتكلم عن بعض طلبة العلم ، قال :
فاعتدالكم في الأزمنة الأخيرة للأسف كان لمصلحة أنفسكم وحمايتها لا حماية جانب الشريعة.
5 – في الملحوظة السابعة والعشرين من قراءته للكشف :
يقول : إن الفقهاء على عهد الشيخ محمد بن عبدالوهاب إذا احتجوا على الشيخ بما ذكره الفقهاء ( سارع الشيخ ) إلى اتهامهم باتخاذ هؤلاء الفقهاء أربابا من دون الله وأن هذا عين الشرك .
6 – ذكر المالكي في كتابه نحو إنقاذ التاريخ :
أن عبدالله بن الزبير قاتل من أجل الدنيا .
ونقول للمالكي :
كيف عرفت أن الشيخ عبدالله السعد يوظف تصحيحه وتضعيفه للأحاديث من أجل غلوه الحنبلي وليس من أجل البحث عن الحق(96/21)
؟ كيف عرفت أن الشيخ عبدالله وفقه الله ( منحاز ) للغلو الحنبلي ولم يكن منحازا للبحث عن الحق ؟
كيف عرفت أن بني أمية لا يريدون إلا الدنيا ولا يريدون الحق والأجر ؟
كيف عرفت أن خالدا القسري والحجاج يقاتلون الناس من أجل الدنيا ؟
كيف عرفت أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله لم يكن يصف فعل أولئك الفقهاء أن فعلهم من الشرك إلا لأنهم خالفوه ؟
وكيف عرفت أن ابن الزبير قاتل من أجل الدنيا ؟
هل من الممكن أن تثبت للقارئ ما وقعت عليه من أدلة تثبت ما تقوله ؟
أليس قولك هذا هو عين الحديث عن النيات ؟
أين تقاريرك السابقة ونصحك بأن يترك التحدث في النيات وأن النيات كما تقول : علمها ( بيد ) الله عز وجل ؟
ملحوظة :
نقلت هنا عن المالكي قوله : النيات علمها ( بيد ) الله ..
وأقول :
من أين أتى بأن النيات علمها ( بيد ) الله ؟ وهو القائل كما سبق : إن ردوده نابعة من نصوص شرعية !! ألا يمكن أن يكون نقل هذا الجهل من ( العامة ) ، وهو المنكر - كما سيأتي - على الشيخ حمود نقله من العوام ؟
هل من الممكن أن يثبت لنا كيف عرف أن النيات علمها ( بيد ) الله ؟
أليس هذا من التقول على الشريعة والابتداع في الدين ؟
لوازم كفرية تلزم المالكي
المالكي في قراءته لكشف الشبهات يحاول أن يلزم الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله بإلزامات خصومه كما في الملحوظة السابعة عشرة حينما قال :
ولذلك يستطيع مخالف الشيخ أن يلزمه تكفير شارب الخمر .
وقال في الملحوظة العشرون :
هذا يتضمن تكفير المخالفين له في الرأي الذين ( لا تصح فيهم هذه التهمة أبدا ) ..
وقال في الملحوظة الحادية والثلاثون :
وهكذا يمكن لآخر من الخصوم أو غلاة الاتباع أن يضيق عليك المخارج ( يعني الشيخ محمدا ) حتى يحكم عليك بالكفر ( مثلما ضيقت على الآخرين ) حتى كفرتهم ..(96/22)
ومثل هذه الالزامات يستخدمها المالكي عند الحاجة ، ولذلك لا تستغرب من كلام المالكي حينما يقول كما في كلامه في مسائل الجاهلية رقم 52 في هامش قراءته :
وهكذا كثير من المسائل التي عدها الشيخ محمد من مسائل الجاهلية هي موجودة اليوم بين الغلاة من اتباعه حاشا المعتدلين ، فأصبح الغلاة الذين يمنعون من تخطئته ولو بالدليل والبرهان من أبعد الناس عن دعوته ومنهجه ( ولربما لو كان حيا لبدأ بتكفيرهم وقتالهم ) ..
وقد رأينا المالكي ينتقد فعل الشيخ محمد مع خصومه في التكفير فما باله الآن استساغه لما كان من صالح منهجه ودعوته .
فإذا كان المالكي يحبذ مثل هذه الالزامات فنريد أن نتعامل معه كما يحب أن يتعامل مع خصومه ، فنقول :
وصفت الشيخ محمد رحمه الله أنه يفضل كفار قريش وأصحاب مسيلمة والمنافقين في عهد النبوة على المسلمين (1) ، وكررت ذلك عدة مرات كما في الملحوظة الثالثة والخامسة والتاسعة والسابعة عشرة ، وجعلت الشيخ محمد رحمه الله يصدق المنافقين ويكذب الله (2) ، وجعلت ظاهر كلام الشيخ إخراج فاعل الكبيرة من الإسلام(3) ، وقد ذكرت أن غلاة الحنابلة يحرمون القهوة(4) والساعة وتعليم المرأة وركوب السيارة والكهرباء(5) .
وقد نقلت لنا في الملحوظة الثانية أن السلف وعلماء الدعوة يقولون من شك في كفر الكافر فهو كافر ، وما ( زعمت ) أن الشيخ محمدا رحمه الله يقول به هو كفر مخرج من الملة ، فتفضيل الكافر على المسلم كفر ، وتصديق المنافقين وتكذيب الله كفر ، وتحريم الحلال كفر أيضا .
فهل نلزمك كما فعلت بتكفير الشيخ محمد رحمه الله أو المفتي أو اللجنة الدائمة أو بعض المشايخ الذين كذبت عليهم ؟
__________
(1) 0 انظر الملحوظة الأولى من قراءته للكشف .
(2) 1 انظر الملحوظة التاسعة والعشرون .
(3) 2 انظر الملحوظة الثانية والثلاثون .
(4) 3 انظر كلامه على مسائل الجاهلية رقم 20 .
(5) 4 انظر كلامه على مسائل الجاهلية رقم 32 .(96/23)
فإن لم تكفره أو شككت في كفره فماذا يقال لك ؟
المالكي ينكر على الشيخ حمود استشهاده بالعامة ويفعل ذلك
انتقد المالكي استشهاد الشيخ حمود العقلاء بقول العامة حينما قال الشيخ حفظه الله :
لا تخفى مواقفه المشرفة ( يعني القعقاع بن عمرو رضي الله عنه ) في المعارك على أحد حتى على العوام .. ا هـ
علق المالكي على ذلك قائلا :
لكن العوام ليسوا حجة على التاريخ ، وقول الشيخ هذا يدل على أنه يستقي معلوماته التاريخية من الشائع بين العوام .اهـ
ونريد أن ننظر مدى صدق إنكار المالكي لمن يستشهد بأقوال العوام ، فإن التاريخ أخباره كأخبار بني إسرائيل في الغالب كما قيل ، وكون الشيخ حمود حفظه الله أخذه من العامة أو من غير العامة فالأمر سيان ، لكن ما مستوى ترك الاستفادة من العامة في مسائل الشرع العقدية والفقهية عند المالكي ؟
دعونا نراه وهو يقرر هذا ويبينه من خلال سقطاته التي لن يقدر على إمساك لسانه عنها .
يقول المالكي في الملحوظة التاسعة :
بل حتى العوام يسمون هذا ( نفاقا ) وهم يذمون من يخالف قوله فعله .
وقال في رده على الشيخ علي الخضير :
.. ويمكن أن تسأل أحد العوام فيسرد لك ( الإيمانيات ) و ( الواجبات ) و ( المحرمات ) دون تشقيقات كلامية فضلا عن ( نصوص القرآن الكريم ) و ( ما صح من السنة ) في بساطتها ووضوحها ..
إذن المالكي غير مستعد أن يأخذ التاريخ الذي وصفه في عدة مواضع بأن فيه دسا كثيرا من أفواه العامة ، لكنه على استعداد أن ينشر الإيمانيات والواجبات والمحرمات ونصوص القران وما صح من السنة باسلوب مبسط وواضح عن طريق العامة !!
علما أن الشيخ حمودا لم يأخذ ذلك القول من العامة ، لكن يفهم من فعل الشيخ أن مجرد وصوله للعامة يدل على اشتهاره لحد الاستغناء عن البحث في كتب التاريخ ، لكن عدم صدق المالكي أوقعه فيما أوقعه .
المالكي والمباهلة والمناظرة(96/24)
كثيرا يطالب المالكي خصومه للمناظرة أو المباهلة ، ولعلي أن أسرد تلك المطالبات حتى نرى مدى اهتمام المالكي بهذا الأمر ومن ثم ننظر إلى نتيجة تلك المطالبة .
يقول المالكي في رده على الشيخ حمود :
وأنا مستعد للمناظرة في هذه المسألة وغيرها في أي وقت يريدون وبحضور من يريدون من أهل العلم وأنا أعرف أنهم لن يوافقوا لأنه سبق أن دعوتهم من سنوات وهم يتهربون اهـ
ولعله طالب أحد الشباب إن صدق فعمم قوله على جميع مشائخنا .
وفي نفس رده على الشيخ حمود قال :
وإن شاءوا التقينا وعرفنا من منا يكذب على الأمة .
وقال في نفس رده هذا :
فإن شاء الشيخ فليطلب اللقاء أو المناظرة حتى ننظر لتلك المعلومات التي يظنها من الرافضة .
وفي نفس الرد هذا قال وهو يتكلم عن واحد مجهول :
.. أحد الخصوم الذي طلبته للمناظرة وتهرب .
وفي نفس الرد قال :
.. وإن كان الشيخ مجتهدا فليحضر كل منا أدلته .
وقال للشيخ عبدالله السعد :
وإذا كان يريد مناظرة علنية فأنا مستعد .
وقال في رده على الشيخ علي الخضير :
ولا زلت عند دعوتي للاخوة المختلفين معي ، سواء كان حوارا ثنائياً أو علنياً ، مع أنني أفضل الحوار العلني ..
وقال في قراءته للكشف :
فأنا مستعد لمباهلته ( يعني المشكك فيه ) لنجعل لعنة الله على الكاذبين ..
ثم قال :
فإن كان لا يقتنع بهذا حتى مع البيان والقسم فلا يجدي فيه إلا المباهلة .
نتيجة مطالبات المالكي للمناظرة :
طالب الشيخ ناصر الفهد أن يناظر المالكي بشرط ألا يكون في منتدى الوسطية لكن المالكي رفض إلا أن تكون المناظرة في منتدى الوسطية .
وطالبه أيضا للمناظرة أحد الاخوة وذكر له تسهيلات كثيرة منها كونها في الاستراحة وكانت بجانب بيت المالكي ومع ذلك تهرب المالكي .
نتيجة مطالبة المالكي للمباهلة :(96/25)
طالب الشيخ عبدالكريم الحميد المالكي للمباهلة بأن يجعل لعنة الله على الكاذبين ، فاعتذر المالكي بأن الشيخ عبدالكريم الحميد كثير المباهلات ووو ، وغير ذلك ..
طلب الأخ علي رضا من المالكي أن يبتهلوا إلى الله تعالى بما يلي :
1 – من كان في قلبه خبئة على أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهلكه الله .
2 – من كان في قلبه دخن على شيخ الإسلام بن تيمية فأهلكه الله .
3 – من كان في قلبه غل على العقيدة السلفية فأهلكه الله .
4 – من كان في قلبه غش على منهج السلف الصالح فأهلكه الله .
ومع ذلك لم نر المالكي أمن على ذلك .
ونقول :
أين تلك المطالبات والتهديدات التي أشغل الناس بها ؟
أرأيت أخي الكريم كيف أن الكل يجيد الكلام ؟
المالكي و توثيق المصادر
ذكر الشيخ حمود حفظه الله أن المالكي لا يوثق ما ينقله فرد المالكي بتكذيب ذلك ، ونريد أن نتحقق من هذا الأمر :
في الملحوظة الثانية :
ذكر المالكي أن معظم علماء المسلمين في عهد الشيخ محمد وفي أيامنا هذه يقولون بجواز التبرك بالصالحين ، ثم عزا ذلك إلى فتح الباري .
وعليك أن ترجع إلى اثني عشر مجلدا كي تجد ما يقوله ، مع العلم أنه إذا حرص على ذكر المجلد والصفحة فلن يعجز كما فعل ذلك في رده على الشيخ حمود العقلاء لما أراد إثبات خلاف المهاجرين والأنصار حيث قال : إنما ذكرت ما ذكره البخاري في صحيحه ( 7 / 20 ) مع فتح الباري طبعة الشيخ عبدالعزيز ابن باز ) ..
في الملحوظة الثالثة :
يذكر أن العلماء ذكروا أن اعتراف المشركين بأن الله الخالق الرازق من باب الإفحام والانقطاع .
هكذا بلا توثيق !!
ملاحظة : ما ذكره المالكي هنا تقرير مخالف لصريح القرآن .
في الملحوظة الرابعة :
ينقل أن بعض العلماء يتهم الشيخ محمد وأصحابه أنهم خوارج ويكفرون المسلمين ويستبيحون دماءهم ، وأنهم يخرجون من قبل المشرق وسيماهم التحليق ..
هكذا بلا توثيق !!
في الملحوظة السادسة عشرة :(96/26)
يذكر أن بعض العلماء والمؤرخين يدافعون عن فضائل العبيديين .
هكذا بلا توثيق !!
في الملحوظة التاسعة عشرة :
يذكر أن الذهبي وبعض العلماء يجيزون التبرك بتربة الصالحين .
هكذا بلا توثيق !!
وهنا نقلت للقارئ الكريم ( بعضا ) مما ذكره بلا توثيق في قراءته للكشف فقط فكيف لو تتبعت البقية ؟
المالكي ودعاتنا في الخارج
في مقدمة قراءته لكشف الشبهات ذكر المالكي أن كثيرا من الناس في خارج المملكة يعرضون عن الأخوة الدعاة القادمين من المملكة بحجة أنهم يكفرون المسلمين وأنهم .. وأنهم ، وهذا من المالكي تضخيم للأمر .
وذلك أنني أعرف الكثير من الأخوة الدعاة الذي ذهبوا للدعوة في الخارج وهم من الذين ينتصرون لدعوة الشيخ محمد رحمه الله بل هم ممن يدرس كتب أئمة الدعوة في المساجد ، ذهبوا هناك وعلموا الناس وتقبل الناس ما عندهم وفرحوا بهم ، بل الناس في الخارج يفرحون بمن يسمونهم ( أبناء الصحابة ) ، ويفرحون بمن يأتي من بلاد الحرمين الشريفين ، ولا يمنع أن يوجد بعض الخلاف على دعوة الشيخ كما يفعله الآن المالكي ، لكن ليس بالصورة المضخمة التي ذكرها .
و ( جدلا ) أن يعترض معترض على دعوة الشيخ محمد وعلى أبناء دعوة الشيخ رحمه الله فإن النبي عليه الصلاة والسلام رمته العرب عن قوس واحدة ، وإذا كان الناس لا يقبلون بدعوتنا فلا يعني هذا أن نتنازل عما نعتقده و نؤمن به من أجل المخالف ، فإن قبل الناس ما عندنا فهذا ما نرجوه ، وإن رده الناس فقد ردوا الحق ، وقد سُبقنا إلى ذلك .(96/27)
وقد يعتذر معتذر على بعض المسائل التي يطرحها الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله من الأمور التي ( من وجهة نظره ) قد لا تساعد أو التي قد تضر الدعوة ، وهذا في الحقيقة سوء فهم لمنهج النبي عليه الصلاة والسلام أولا ثم لمنهج الشيخ محمد رحمه الله ثانيا ، والمشكلة إن كان على قناعة أن هذه المسائل حق ومخالفتها من الباطل ، فإن فتح المجال لمثل هذه الأمور تجعلنا على استعداد على أن نتنازل عن أمور أخرى أعظم قيمة من تلك ، وقد رأى الجميع مثل هذه التنازلات من بعض المتميعين هداهم الله ما جعل بعض العامة في حيرة من أمرهم ، ولا يزال بعض الناس هداه الله يطرح بعض المسائل التي هي من أصل الدين وقد حولها إلى أن تكون من المسائل القابلة للخلاف أو من المسائل التي من الممكن أن تطرح في الساحة للنقاش ، وما تقارب الأديان وما ترك تبديع المبتدع وما التقارب مع بعض التوجهات العلمانية من بعض الدعاة المداهنين عنا ببعيد .
ولذا على أصحاب المنهج الحق أن يكونوا على وضوح في منهجهم وتوجههم وألا يغير من توجهاتهم و آرائهم كون فلان أو فلان قد لا يرضي منهجك والحق الذي معك ، فإن صاحب الحق لن يظهر ما عنده ما دام أنه يجامل فلانا و فلانا .
أمور يسيرة يجهلها المالكي
في هذا الفصل أثبت للقارئ أن المالكي يجهل حتى بدهيات المسائل التي يعرفها ( العامة ) فضلا عن طلبة العلم ، ولعلي أن أكتفي بذكر ثلاث مسائل حتى لا نطيل على القارئ الكريم :
في الملحوظة الرابعة عشرة يقول :
فهذا تكفير للمعين فتنبه .
وأقول :
هذا يخالف ( إجماع ) أهل السنة والجماعة في تكفير المعين إذا توفرت شروط تكفيره وانتفت موانعه .
في الملحوظة الحادية والثلاثين يقول :
يقول : .. لكن بأي دليل تُدخل أنت الرجل الصالح وتجوز له أن يأتيه الرجل ويسأله أن يدعو له ؟ هل شرع الله هذا في كتابه ؟ أو قاله رسوله ؟ أو جاء عن أحد الصحابة ؟
وأقول :(96/28)
الجواب على هذا في قصة أويس القرني وقد رواها مسلم في صحيحه ( 2542 ) .
في ذكره لمسائل الجاهلية ( 47 ) هامش قراءته للكشف :
يستنكر أن يستشهد على حد تعبيره ( غلاتنا ومعتدلونا ) بقولهم :
حدثوا الناس بما يعرفون ..
وأقول :
جهل أن هذا القول قاله علي رضي الله عنه كما في صحيح البخاري ، وهو المدعي نصرته .
نسأل الله أن ينصر الدين وأهله وأن يخذل الكفر وأهله إنه على كل شيء قدير ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ( أجمعين ) .
بقلم
عبدالرحمن بن عبدالعزيز الجفن
24 / 6 / 1422 هـ
القصيم بريدة
الحاشية(96/29)
حتى لا ننخدع
بسم الله الرحمن الرحيم
ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين سورة الأنفال : آية 30
مقدمة عبد الله إسماعيل ………………………………….………………………………..
مقدمة الطبعة السابعة ………………………………….……………………………….…….
مقدمة الطبعة الأولى ………………………………….……………………………………..
الفصل الأول "التقية عند الشيعة"………………………………….………………………..
المبحث الأول: التقية عند الشيعة وعدم مجاهرتهم بمعتقداتهم" ………………………………
المبحث الثاني: متى يبدأ الشيعة بترك التقية؟ ………………………………….…..………..
الفصل الثاني: (عقائد الشيعة في الإسلام والمسلمين) ……………………………….……
أولاً: كفر من لا يؤمن بولاية الأئمة الاثنى عشر ………………………………….………
ثانياً: النواصب في معتقد الشيعة هم أهل السنة والجماعة ………………………………..
ثالثاً: إباحة دماء أهل السنة ………………………………….……………………………….
رابعاً: إباحة أموال أهل السنة ………………………………….……………………………
خامساً: نجاسة أهل السنة عند الشيعة ………………………………….………….……….
سادساً: تحريمهم العمل عند أهل السنة إلا تقية ………………………………….…………
سابعاً: لعنهم موتى أهل السنة عند حضور جنائزهم ………………………………….……
ثامناً: صلاة التقية لخداع أهل السنة ………………………………….……………………
تاسعاً: جواز اغتياب المخالفين (أهل السنة) ………………………………….……………
عاشراً: الدين الحق عند الشيعة هو مخالفة ما عليه أهل السنة ……………………………..
الحادي عشر: جواز القسم باليمين المغلظة تقية لخداع أهل السنة …………….…………
الثاني عشر: قذف المسلمين ……………………………………………….…………………
الثالث عشر: سب وتكفير الشيعة للصحابة رضي الله عنهم ………………………………..
الرابع عشر: طعن الشيعة في الأئمة الأربعة عند أهل السنة ………………………………
الخامس عشر: الغلو في الأئمة عند الشيعة ……………………………………………………..
السادس عشر: مهدي الشيعة يأتي بالقرآن الكامل ………………………………………………
السابع عشر: مهدي الشيعة يقيم الحد على أبي بكر وعمر …………………………………..(97/1)
الثامن عشر: مهدي الشيعة يقطع أيدي بني شيبة ………………………………………………
التاسع عشر: مهدي الشيعة يحكم بحكم داود …………………………………………………
العشرون: مهدي الشيعة يهدم المسجد الحرام …………………………………………………
الحادي والعشرون: لا جهاد عند الشيعة إلا بحضور المهدي ………………………………
الفصل الثالث: "حقائق أخرى عن الشيعة" ……………………………………………..……
المبحث الأول: زعمهم وجود نص على خلافة علي ………………………
المبحث الثاني: استدراج العوام والإيقاع بهم ……………………………………….
المبحث الثالث: ليس عند الشيعة إسناد ولا لهم رواية إلا وقد رووا ما يعارضها ………
المبحث الرابع: اتهام الأزهر بتزوير بعض أمهات الكتب …………………………………..
المبحث الخامس: من هو الكسروي ولماذا قتله الشيعة؟ ……………………………………..
المبحث السادس: موقف الناخب الشيعي من المرشح السني ………………………………..
الفصل الرابع: "رسالة إلى الإخوان المسلمين" …………………………………………………
المبحث الأول: الإخوان المسلمون وتقية الشيعة ………………………………………………
المبحث الثاني: محمد الغزالي – رحمه الله – والشيعة ……………………………………..
المبحث الثالث: المعارضون للتقريب ……………………………………………………………
المبحث الرابع: ?دف الشيعة من الدعوة إلى التقريب ………………………………………
المبحث الخامس: نداء إلى دعاة التقريب والمتعاطفين مع الشيعة ………………………..
الخاتمة …………………………………………………………………………………………
الفهارس ……………………………………………………………………………………….
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ( آل عمران: 102) .(97/2)
يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً (النساء: 1).
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً (الأحزاب: 70-71).
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله عز وجل وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعةٍ ضلالة وكل ضلالة في النار.
قال الله تبارك وتعالى: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً (المائدة: 3).
يخبر الله تعالى ممتناً بإكمال دينه وإتمام نعمته، وهي شهادة من المولى تبارك وتعالى لرسوله بقيامه بما أوجبه الله تعالى عليه من الدعوة والبيان، وهي تتضمن الشهادة ?لصحابة رضي الله تعالى عنهم فهم الذين تلقوا عن رسول الله فهما وتطبيقاً، ثم حملوا الأمانة في الدعوة والتبليغ وأداء الأمانة.
ولقد رضي الله تعالى الإسلام دينا ومنهجاً كما فهمه وطبقه أولئك الرجال الذين أخذوا ما آتاهم الله بقوة وأمانة وصدق، وبذلوا الأموال والأرواح رخيصة في سبيل هذا الدين وإعلاء كلمته شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً.(97/3)
إنهم قوم اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه وإقامة دينه وشرعه وجعلهم وزراء نبيه، وورثته من بعده في حمل الأمانة وتبليغ الدعوة حتى وصل إلينا غضاً طرياً على ما أراده الله فيهم وبمن تبعهم بإحسان حفظ الله الدين تحقيقاً لوعده إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون لذلك جعل الله تعالى حبهم دينا وإيمانا وبغضهم كفرا ونفاقا وأوجب على الأمة موالاتهم جميعاً وذكر محاسنهم وفضائلهم والسكوت عما شجر بينهم لسابق فضلهم وكريم فعلهم وصدق تضحيتهم وعظيم منزلتهم ومقامهم عند الله عز وجل وأن مما يؤسف له إصرار أهل الغلو والشر والفساد أقزام التاريخ بالتطاول على هؤلاء الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه إنهم وما زالوا عبر قرون الزمان يطعنون في سادات الأمة، طعوناً عظيمة تذوب لها قلوب أهل الإيمان كمدا وحزناً وحسرة ألا يجدوا ما يمنع به تلك الطعون ويفتكوا بالطاعنين ويوقفوا شرهم وفسادهم عن الإسلام وسادات الإسلام وأهل الإسلام.
إنهم ما زالوا يفتكون بالإسلام وأهله منذ أكثر من ثلاثة عشر قرنا مستخدمين أخبث فنون المكر والكيد والكذب والتزوير والتشويه ولولا وعد الله بحفظ دينه وبقاء أهله لكان شأن الإسلام شأن الأديان السابقة.
ولكن ورغم كثرة الشر والفساد وقوة حيلهم فقد قام رجال من هذه الأمة المباركة بواجب الذَّب عن دين الله وشرعه وعن الإسلام وسادات الأمة الأوائل.(97/4)
نعم لقد قيض الله تعالى رجالا مؤمنين علماء عاملين وأمدهم بالعون والتوفيق في معركتهم أمام قوى الشر والفساد، وهؤلاء يتعاقبون على مر القرون، يذبون عن الدين الحق، ويكشفون زيف ما انتحله المبطلون ومارسه المجرمون، فكم ضحوا لهذه المهمة العظيمة بأوقاتهم، وأموالهم وحتى بأرواحهم، وكم بذلوا لله تعالى حتى وصل إلينا هذا الدين العظيم وهذه النعمة العظيمة، وها هي مؤلفاتهم تملأ المكتبات خدمة لله تعالى ولدينه رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم تحقيقاً لوعد الله تبارك وتعالى: إن الله يدافع عن الذين آمنوا (الحج: 38).
ولقد قرأت ما كتبه أخي الأستاذ المجاهد والشيخ الفاضل عبد الله الموصلي في هذه الرسالة، فسرني والله ما قرأت ووجدت من غيرته لدين الله وللحق وأهله وحملته الأوائل، وسرني أيضاً ما وجدت من حكمة ولطف في بيان حقائق الشيعة المارقة الرافضة، وفي تنبيه أهل السنة من غفلتهم وسباتهم العميق، فهي نصيحة إلى كل شيعي مخدوع لا يدري ماذا يراد به ومما خطط ويخطط له أساطين الشر والفساد قديماً وحديثاً، وهي نصيحة إلى كل مسلم سني لكي يعرف دينه الحق وما يكيده الأعداء لهذا الدين.
لقد حاول وفقه الله إلى الرشاد في رسالته هذه كشف جوانب من عقائدهم وأخلاقياتهم وسلوكياتهم مع أهل السنة من حيث إباحة دمائهم وأموالهم، وسبهم، ولعنهم، وقذفهم، وخداعهم، واستعمال التقية معهم مبينا أن هذا كله متفرع عن تكفيرهم وإخراجهم عن الملة والحكم بخلودهم في النار بسبب إيمانهم بخلافة الخلفاء الراشدين وعدم موافقتهم في اعتقادهم إمامة أئمتهم الاثني عشر، والإمامة عندهم أهم أركان أصول الدين فلا إيمان لمن لا يعرف الأئمة الإثني عشر، ولا إيمان لمن لم يؤمن بهم وبحقوقهم، والإمامة عندهم منصب إلهي يختار الله له من خلقه من يشاء كاختياره واصطفائه من خلقه للنبوة والرسالة.(97/5)
فالإمامة استمرار للنبوة ولطف من الله فلا بد من وجود إمام في كل عصر يخلف النبي في وظائفه ومهامه العظيمة، والأئمة حجج الله على خلقه ولهم ما للأنبياء من حق التشريع، وهم معصومون من جميع الرذائل الظاهرة والباطنة ومن كل سهو وخطأ ونسيان وجهل منذ طفولتهم وحتى موتهم، ويمتازون بصفات وخصائص ميزهم الله تعالى بهم وخصهم بها دون غيرهم.
ولقد غلوا فيهم غلواً عظيماً حتى وصفوهم بصفات الألوهية والربوبية من حيث تصرفهم في الأكوان وطاعة الأشياء والجمادات والبهائم لهم، وأن خزائن الأرض ومفاتيحها بأيديهم، وإحاطتهم بكل شيء ومعرفتهم بكل ما ظهر وبطن، وعلمهم بخافية الصور وخائنة الأعين وغير ذلك من الأحوال وصفات وقدرات في الحياة الدنيا، ثم زادوا فآمنوا بأنهم يُدخلون الجنة من شاؤا من أتباعهم وشيعتهم، ويدخلون النار من شاءوا من أعدائهم من أهل السنة.(97/6)
فهذا إمام من أئمتهم وحجة من حججهم يقول "إن للإمام مقاما محموداً ودرجة سامية وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون" (الخميني في الحكومة الإسلامية صفحة 52)، ولقد حاول المؤلف جاهداً وناصحاً أن يبين جوانب من مواقفهم المخزية من صحابة رسول الله وسادات الأمة حملة الدين الأوائل ممن اختاراهم الله ورضي عن دينهم وبذلهم وتضحيتهم، ويهمس بنصائحه في آذان كثير من الدعاة الإسلاميين الذين انخدعوا بالرافضة وثورتهم وشعاراتهم البراقة الزائفة وأصواتهم الرنانة الفارغة فصدقوهم في دعواهم وتقيتهم وسخروا أنفسهم أبواقاً للرفض وأهله وما زالوا يحثون شبابهم وأحزابهم إلى الوقوف إلى جنب هذه الثورة ومساندتها والاقتداء بها في مسيرتهم الإسلامية غير عابئين ولا مكترثين بسوء عقائدهم ولا بكبيرهم عبر التاريخ لدولة الإسلام فأين مواقفهم وأفعالهم من الخلافة الراشدة، وأين مواقفهم وأفعالهم من الدولة الأموية ثم العباسية، وما كانت أعمالهم وأخلاقهم في دولتهم الصفوية إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، فليقرأوا التاريخ وليتعرفوا على عقائد القوم فإن التاريخ لن يرحمهم ولن يغفر لهم زلتهم في الدعوة إلى التقريب وفي زج الشباب المتحمس والملتهب غيرة للإسلام في أحضان الرافضة وفي أوحال الرفض فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.(97/7)
أسأل الله تبارك وتعالى أن يجزي الأستاذ الفاضل على ما قدم وبذل في كشف حقائقهم من خلال كتبهم ومراجعهم المعتبرة عندهم خير الجزاء، وأن يكتب الله ذلك في ميزانه وأن يجعلنا جميعاً سواء من كتب وكشف ومن قرأ للوصول إلى الحق من العلماء وطلاب العلم الذين يقيضهم الله ويسخرهم للذب عن دينه وكشف زيف الانتحالات الباطلة ويجعلنا ممن يتحقق فيهم وعد الله بقوله إن الله يدافع عن الذين آمنوا فيجعلنا من المدافعين عن دينه وعن رسوله وعن صحابة رسوله ويجعلنا ممن نصح لله ولدينه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم … إنه ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وكتبه
د. عبد الله بن إسماعيل
مقدمة الطبعة السابعة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمداً كثيراً يوازي نعمه ويكافئ مزيده، الحمد لله حتى يرضى، والحمد لله إذا رضي، والحمد لله بعد الرضى، والصلاة والسلام على خير الأنام وسيد الأولين والآخرين محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه الكرام.
أما بعد:
فهذه هي الطبعة السابعة من كتابنا (حتى لا ننخدع) المعروف بـ (حقيقة الشيعة)? والذي بحمد الله لقي رواجاً وقبولا لدى كثير من المثقفين وغيرهم من السنة والشيعة على السواء لأننا التزمنا فيه الحياد، فلم ننقل عن القوم شيئاً إلا وقد وثقناه بذكر المصدر، والجزء والصفحة والطبعة.
وهذه الطبعة الجديدة قد زدنا فيها بعض الأخبار والنقول وأعدنا ترتيب أبوابها.
ونسأل الله أن يتقبل منا وأن يجعله في ميزان أعمالنا يوم أن نلقاه.
والحمد لله رب العالمين
عبد الله الموصلي.
مقدمة الطبعة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن سار على نهجه إلى يوم الدين .(97/8)
أما بعد: فرغم النشاط الذي يقوم به الشيعة لنشر مذهبهم الباطل بين عوام أهل السنة، وما يتطلبه ذلك من تكاتف وتعاون جميع طوائف أهل السنة للوقوف أمام هذا الغزو العقائدي، نجد أن التصدي لهذا الخطر المحدق ليس بالصورة أو المستوى المطلوب، وهذا راجع إلى سببين أحدهما الجهل والنقص في المعلومات عن الشيعة عند كثير من أهل السنة. والآخر الدهاء والمكر الذي يتصف به علماء الشيعة بناء على عقيدة التقية والكتمان، حيث إن هؤلاء الدهاة المكرة لا يظهرون حقيقة مذهبهم وموقفهم العدائي من أهل السنة، فهم يتظاهرون بمحبة أهل السنة، ويتبرءون من المطاعن والمآخذ الموجهة إلى مذهبهم، فينخدع سليم القلب منا بظاهرهم، ولا يعلم أنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم.
وهم يغررون بالجهلة والمغفلين من المسلمين وممن يتسمون بالمفكرين، زاعمين أن التقية وردت في كتاب الله عز وجل ولا يعلمون أن التقية التي وردت في القرآن هي رخصة في الحالات التي يتعرض المسلم في نفسه وعرضه إلى الخطر من كافر، وأما تقية الشيعة فهي النفاق بعينه، وإظهار خلاف ما يبطنه لأهل السنة.
يقول الخميني في كتابه الرسائل (2/201 طبع قم إيران 1385هـ) ما نصه: " ثم إنه لا يتوقف جواز هذه التقية بل وجوبها على الخوف على نفسه أو غيره بل الظاهر أن المصالح النوعية صارت سبباً لإيجاب التقية من المخالفين() فتجب التقية وكتمان السر لو كان مأمونا وغير خائف على نفسه".
أخي المسلم: إن أهل السنة كفار في معتقد الشيعة الإمامية الاثني عشرية، فالسني ناصبي في معتقدهم، يستوي في هذا الشافعي والحنبلي والمالكي والحنفي ومن يلمزونه بالوهابي.
ولدهائهم ومكرهم وخبثهم اتبعوا أسلوب ?شتيت الخصوم، والانفراد بهم واحد تلو الآخر، فالعدو الأخطر لهم هو من كان على علم بمذهبهم وتقيتهم، والعدو الأهون خطراً هو الجاهل بمعتقداتهم، أو المغتر بكتبهم الدعائية.(97/9)
وهم كثيرو الاحتفاء والتبجيل بالمفكرين الذين يكتبون لصالحهم حيث يقومون بنفخ هذا النوع من البشر، ويصورونه وكأنه وصل القمة في العلم والتقوى.
ولقد تتبعت كتابات المتعاطفين معهم فوجدتهم ضحايا الكتب الدعائية التي تقوم على عقيدة التقية وقد هالني أن هؤلاء لم يطلعوا على كتب الخميني على الأقل، فلو أنهم اطلعوا لما تعاطفوا معهم ولما تورطوا فيما أقدموا عليه.
إن الشيعة يدفعون الكتب الدعائية وهؤلاء المتعاطفون يقرأون هذه الكتب ويتخذون موقفهم بناء على ما فيها من تقية ومداراة.
يقول علامتهم الشهرستاني كما في هامش ? 138 من أوائل المقالات لشيخهم المفيد وهو من كتبهم المهمة طبعة بيروت: "لقد أضحت شيعة الأئمة من آل البيت تضطر في أكثر الأحيان إلى كتمان ما تخص به من عادة أو عقيدة أو فتوى أو كتاب أو غير ذلك".
أقول: نعم يكتمون ما يختصون به من عادة أو عقيدة ?و فتوى أو كتاب وهذا الأسلوب التكتمي على ما ذكره الشهرستاني هو الذي موهوا به على بعض أهل العلم فابتعدوا وابعدوا الناس عن الحقيقة .
إن الكثيرين منا يجهلون الموقف الحقيقي للشيعة من أهل السنة ونحن في هذه الرسالة المختصرة سنكشف بإذن الله وتوفيقه عن عقيدة الشيعة الاثنى عشرية تجاه الإسلام والمسلمين.
الفصل الأول
التقية عند الشيعة
المبحث الأول
التقية عند الشيعة وعدم مجاهرتهم بمعتقداتهم
التقية عند الشيعة هي التظاهر بعكس الحقيقة، وهي تبيح للشيعي خداع غيره فبناء على هذه التقية ينكر الشيعي ظاهراً ما يعتقده باطناً، وتبيح له أن يتظاهر باعتقاد ما ينكره باطناً، ولذلك تجد الشيعة ينكرون كثيراً من معتقداتهم أمام أهل السنة مثل القول بتحريف القرآن وسب الصحابة وتكفير وقذف المسلمين وإلى غير ذلك من المعتقدات التي سنبينها في هذا الكتاب بإذن الله.(97/10)
وأحسن من عرف هذه العقيدة الخبيثة الشيخ محب الدين الخطيب – رحمه الله تعالى – بقوله: "وأول موانع التجاوب الصادق بإخلاص بيننا وبينهم ما يسمونه التقية فإنها عقيدة دينية تبيح لهم التظاهر لنا بغير ما يبطنون، فينخدع سليم القلب منا بما يتظاهرون له به من رغبتهم في التفاهم والتقارب وهم لا يريدون ذلك ولا يرضون به، ولا يعلمون له، إلا على أن يبقى من الطرف الواحد مع بقاء الطرف الآخر في عزلته لا يتزحزح عنها قيد شعرة". الخطوط العريضة ? 10.
ويقول شيخهم ورئيس محدثيهم محمد بن علي بن الحسين الملقب بالصدوق في (رسالة الاعتقادات ? 104?. مركز نشر الكتاب إيراني 1370هـ.
"واعتقادنا في التقية أنها واجبة من تركها كان بمنزلة من ترك الصلاة .. والتقية واجبة لا يجوز رفعها إلى أن يخرج القائم فمن تركها قبل خروجه فقد خرج من دين الله وعن دين الإمامية وخالف الله ورسوله والأئمة".
وقد اهتم بها علماؤهم فنجد محمد بن الحسن بن الحر العاملي يعقد في موسوعاته الحديثية وسائل الشيعة (11/472) باباً بعنوان "باب وجوب الاعتناء والاهتمام بالتقية وقضاء حقوق الإخوان".
وعقد باباً في موسوعته المذكورة (11/470) بعنوان "باب وجوب عشرة العامة بالتقية".
وباباً بعنوان "وجوب طاعة السلطان للتقية" وسائل الشيعة (11/471).
ومثله شيخهم وآيتهم حسين البروجردي في جامع أحاديث الشيعة (14/504 وما بعدها ? إيران).
فهذا وذاك على سبيل المثال لا الحصر.
والروايات التي تحثهم على التقية كثيرة جدا منها ما رواه الكليني في الكافي – باب التقية – (2/219) عن معمر بن خلاد قال: سألت أبا الحسن عن القيام للولاة فقال: قال أبو جعفر : "التقية من ديني ودين آبائي ولا إيمان لمن لا تقية له".
وروى في الأصول من الكافي (2/217) عن أبي عبد الله أنه قال: "يا أبا عمر إن تسعة أعشار الدين في التقية، ولا دين لمن لا تقية له، والتقية في كل شيء إلا في النبيذ والمسح على الخفين".(97/11)
ويقول شيخهم محمد رضا المظفر في كتابه الدعائي عقائد الإمامية / فصل عقيدتنا في التقية: وروي عن صادق آل البيت في الأثر الصحيح: "التقية ديني ودين آبائي ومن لا تقية له لا دين له".
وروى الكليني في الكافي (2/217) عن الصادق قال: "سمعت أبي يقول: لا والله ما على وجه الأرض شيء أحب إليَّ من التقية، يا حبيب إنه من كانت له تقية رفعه الله، يا حبيب من لم تكن له تقية وضعه الله، يا حبيب إن الناس إنما هم في هدنة فلو قد كان ذلك كان هذا".
وروى (2/220) عن أبي يعبد الله قال: "التقية ترس الله بينه وبين خلقه".
وروى (2/218) عن أبي عبدي الله قال: "… أبى الله عز وجل لنا ولكم في دينه إلا التقية".
وروى (2/220) عن أبي عبد الله قال: "كان أبي يقول: أي شيء أقر لعيني من التقية إن التقية ?ُنة المؤمن".
وروى الكليني في الكافي (2/372) والفيض الكاشاني في الوافي (3/159 ? دار الكتب الإسلامية طهران) عن أبي عبد الله قال: من استفتح نهاره بإذاعة سرنا سلط عليه حر الحديد وضيق المجالس.
وفي الكافي (2/222) والرسائل للخميني (2/185) عن سليمان بن خالد قال: قال أبو عبد الله : "يا سليمان إنكم على دين من كتمه أعزه الله ومن أذاعه أذله الله".
وروى الحر العاملي في وسائل الشيعة (11/473) عن أمير المؤمنين قال: "التقية من أفضل أعمال المؤمنين" وفي وسائل الشيعة (11/474) عن علي بن الحسين قال: يغفر الله للمؤمن كل ذنب ويطهره منه في الدنيا والآخرة ما خلا ذنبين: ترك التقية وتضييع حقوق الإخوان".
وفي جامع الأخبار لشيخهم تاج الدين محمد بن محمد الشعيري (? 95 المطبعة ط الحيدرية ومطبعتها في النجف) عن النبي : "تارك التقية كتارك الصلاة". !!
وفي وسائل الشيعة (11/466) عن الصادق قال: "ليس منا من لم يلزم التقية".
وفي جامع الأخبار (?95) قال أبو عبد الله عليه الصلاة السلام : "ليس من شيعة علي من لا يتقي".(97/12)
أقول: والشيعة حسب معتقدهم مطالبون بالتمسك بالتقية إلى قيام القائم أي إمامهم الثاني عشر الموهوم ومن تركها قبل قيام قائمهم فليس منهم كما يرويه شيخهم ومحدثهم محمد بن الحسن الحر العاملي في كتاب إثبات الهداة (3/477 طبع المكتبة العلمية قم إيران) عن أبي عبد الله عليه الصلاة والسلام في حديث عن التقية قال: "من تركها قبل خروج قائمنا فليس منا" وكما يرويه الشعيري في جامع الأخبار (?95) عن الصادق قال: "ومن ترك التقية قبل خروج قائمنا فليس منا".
ويقول آيتهم روح الله الموسوي الخميني في كتاب الرسائل (2/174): "فتارة تكون التقية خوفاً وأخرى تكون مداراة .. والمراد بالمدارة أن يكون المطلوب فيها نفس شمل الكلمة ووحدتها بتحبيب المخالفين وجر مودتهم من غير خوف ضرر كما في التقية خوفاً وسيأتي التعرض لها وأيضاً قد تكون التقية مطلوبة لغيرها وقد تكون مطلوبة لذاتها وهي التي بمعنى الكتمان في مقابل الإذاعة على تأمل فيه".
أقول: لاحظ مداهنة الرجل في قوله: "… بتحبيب المخالفين وجر مودتهم من غير خوف ضرر.
ولاحظ أنه يجيزها هنا من غير خوف ضرر فتأمل وإذا كان المخالفون أخوة له في الدين فلم استعمال التقية معهم؟
ويقول الخميني في الرسائل (2/175) : "ومنها ما شرعت لأجل مداراة الناس وجلب محبتهم ومودتهم … ومنها التقسيم بحسب المتقي منه فتارة تكون التقية من الكفار وغير المعتقدين بالإسلام سواء كانوا من قبل السلاطين أو الرعية وأخرى تكون من سلاطين العامة وأمرائهم وثالثة من فقهائهم وقضاتهم ورابعة من عوامهم … ثم إن التقية من الكفار وغيرهم قد تكون في إتيان عمل موافقا للعامة كما لو فرض أن السلطان ألزم المسلمين بفتوى أبي حنيفة وقد تكون في غيره".(97/13)
لاحظ أخي المسلم قوله (شرعت تشريعاً وليست رخصة فقول محمد الغزالي – رحمه الله – بأنها بسبب جور بعض السنة عليهم – كما سيأتي – لا يلتفت إليه خصوصاً إذا علمنا أن الغزالي غير متخصص في هذا الموضوع بل لعله أخذها عن بعض كتابهم الذين يستخدمون التقية.
ويقول الخميني في الرسائل (2/196): "وليعلم أن المستفاد من تلك الروايات صحة العمل الذي يؤتى به تقية سواء كانت التقية لاختلاف بيننا وبينهم في الحكم كما في المسح على الخفين والإفطار لدى السقوط أو في ثبوت الموضوع الخارجي كالوقوف بعرفات اليوم الثامن لأجل ثبوت الهلال عندهم".
لاحظ تلونه مع أهل السنة تلون الحرباء، لكي يلصق أتباعه بهم حتى لا ينكشف أمرهم، فبدلاً من حثهم وإرشادهم باعتبارنا أخوة له في الدين، راح الخميني يقسم التقية ويعلمهم أنواعها وكيفية العمل معنا تقية.
ثم يأتي الخميني فيكشف المكنون وهو أن التقية معنا لأجل المصالح ولا يشترط أن تكون خوفا على النفس.
ويقول الخميني في كتاب الرسائل (2/201): "ثم إنه لا يتوقف جواز هذه التقية بل وجوبها على الخوف على نفسه أو غيره بل الظاهر أو المصالح النوعية صارت سببا لإيجاب التقية من المخالفين فتجب التقية وكتمان السر لو كان مأمونا وغير خائف على نفسه".
ويقول الخميني في مصباح الهداية (?154 ? الأولى مؤسسة الوفاء بيروت لبنان):
"إياك أيها الصديق الروحاني ثم إياك والله معينك في أولاك وأخراك أن تكشف هذه الأسرار لغير أهلها أولا تضنن على غير محلها فإن علم باطن الشريعة من النواميس الإلهية والأسرار الربوبية مطلوب ستره عن أيدي الأجانب وأنظارهم لكونه بعيد الغور عن جلى أفكارهم ودقيقها وإياك وأن تنظر نظر الفهم في هذه الأوراق إلا بعد الفحص الكامل عن كلمات المتألهين من أهل الذوق وتعلم المعارف عن أهلها من المشايخ العظام والعرفاء الكرام ?إلا فمجرد الرجوع إلى مثل هذه المعارف لا يزيد إلا خسراناً ولا ينتج إلا حرماناً".(97/14)
أخي المسلم: هذا الذي قرره هنا قد قرره العلماء الذين سبقوه وهو أن الشيعة لا يجاهرون بمعتقداتهم الكفرية والشركية ولاحظ كيف أن الخميني لم يطلب سترها عن العوام حتى يعذر في ذلك ولكنه طلب سترها عن الأجانب ممن ليسوا على معتقده وهو يعني بالضرورة أهل السنة.
فالخميني لم يرد اقتصار هذه العلوم على العلماء فقط ولم يتخوف على العوام بل من الأجانب.
وإلى مثل هذه التكتم أشار دكتور شيعي معاصر يدعى (محمد التيجاني السماوي) في كتاب له بعنوان (اعرف الحق ? 13 ? 1 دار المجتبى بيروت 1995?) بقوله: "لأن الموقف حازم جدا ويتطلب شيئاً من الصراحة والتي قد تكون مخفية لبعض المصالح الوقتية وقد يكون المانع منها ظروف قد يعلمها البعض منكم".
نعود إلى الخميني في كلامه عن التقية فنجده يقول: "ومنها ما تكون واجبة لنفسها وهي ما تكون مقابلة للإذاعة فتكون بمعنى التحفظ عن إفشاء المذهب وعن إفشاء سر أهل البيت فيظهر من كثير من الروايات أن التقية التي بالغ الأئمة عليهم السلام في شأنها هي هذه التقية فنفس إخفاء الحق في دولة الباطل واجبة وتكون المصلحة فيها جهات سياسية دينية ولولا التقية لصار المذهب في معرض الزوال والانقراض (الرسائل (2/185).
أقول: فهذا وما قبله اعتراف صريح من الخميني بأن المذهب يقوم على التكتم والإخفاء والأسرار وكلها فروع مع التقية التي لولاها لصار المذهب في معرض الزوال والانقراض.
فهل اطلع محمد الغزالي – رحمه الله – وغيره من المتعاطفين مع الشيعة على هذه التصريحات ?!!(97/15)
وكان علماؤهم يقومون برحلات إلى البلاد السنية حيث يظهرون التقية ويكذبون على أهل السنة بأن يتظاهروا بأنهم من أهل السنة وذلك للتجسس عليهم وتتبع أخطائهم وزلاتهم وكان من هؤلاء شيخهم محمد بن الحسين بن عبد الصمد المعروف بالشيخ البهائي المتوفي سنة 1031هـ الذي قال: "كنت في الشام مظهراً أني على مذهب الشافعي .." ذكر تقيته وقصته هذه شيخهم محمد محمدي الأشتهاردي في كتباه (أجود المناظرات ? 188 ?1 1416هـ دار الثقلين لبنان).
فلاحظ أخي المسلم أن التقية التي بالغ أئمتهم فيها هي التقية التي تحثهم على التحفظ عن إفشاء المذهب والكذب على أهل السنة.
لقد دافع الشيخ محمد الغزالي – رحمه الله – عن فتوى الشيخ شلتوت في جواز التعبد بالمذهب الشيعي الاثنى عشرية وإننا على يقين جازم أن الغزالي وشلتوت – رحمهما الله – لم يقفا على هذه الأقوال الخطيرة والروايات المكفرة لأهل السنة.
ويقول علامتهم الشهرستاني على ما نقلوه عنه في هامش ? 138 من كتاب أوائل المقالات المطبوع في بيروت عام 1403هـ منشورات مكتبة التراث الإسلامي ما نصه: "لذلك أضحت شيعة الأئمة من آل البيت تضطر في أكثر الأحيان إلى كتمان ما تختص به من عادة أو عقيدة أو فتوى أو كتاب أو غير ذلك.. لهذه الغايات النزيهة كانت الشيعة تستعمل التقية وتحافظ على وفاقها في الظواهر() مع الطوائف الأخرى متبعة في كتاب سيرة الأئمة من آل محمد وأحكامهم الصارمة حول وجوب التقية من قبل التقية ديني ودين آبائي ومن لا تقية له لا دين له إذ أن دين الله يمشي على سنة التقية".
أقول: هذه هي التقية الخبيثة التي ذهب ضحيتها شلتوت والغزالي – رحمهما الله – وغيرهما من حسني النية ولنا تعقيب نلخصه بالآتي:
- الأول: إن التقية عند الشيعة ليست لحفظ النفس كما يتوهم بعض حسني النية من أهل السنة بل هي في الأساس لتغطية مخازي المذهب وموقفه العدائي من أهل السنة.(97/16)
- الثاني: أنه سبق إيراد إقرار الخميني أن التقية ليست لحفظ النفس والمال، بل في غيرها أيضاً فهي كالصلاة بالنسبة لهم، روى الحر العاملي في وسائل الشيعة (11/466) عن علي بن محمد قال: "يا داود لو قلت إن تارك التقية كتارك الصلاة لكنت صادقاً".
وفي وسائل الشيعة "الموضع نفسه" عن الصادق قال: "عليكم بالتقية فإنه ليس منا من لم يجعلها شعاره ودثاره مع من يأمنه لتكون سجية مع من يحذره".
ومن الغرائب التي قد لا يقبلها من لا علم له بمعتقدات الشيعة أنهم يجيزون الصلاة خلف الناصب (أي السني) تقية رغم أنهم يرون نجاسته وكفره وإباحة ماله ودمه – كما سيأتي في هذا الكتاب – حيث يروي مرجعهم آية الله الخميني في كتاب الرسائل (2/198) عن زرارة بن أعين عن أبي جعفر قال: "لا بأس بأن تصلي خلف الناصب ولا تقرأ خلفه فيما يجهر فيه فإن قراءته تجزيك" وقال بعد إيراد الخبر: "إلى غير ذلك مما هو صريح أو ظاهر في الصحة ولاعتداد بالصلاة تقية". مع أن الخميني نفسه يبيح مال الناصب حيث يقول في تحرير الوسيلة (1/352) ما نصه: "والأقوى إلحاق الناصب بأهل الحرب في إباحة ما أغتنم منهم وتعلق الخمس به بل الظاهر جواز أخذ ماله أين وجد وبأي نحو كان ووجوب إخراج خمسة".
فلاحظ أنه يجيز الصلاة خلف الناصب الذي يراه نجساً وملعوناً كما في كتابه تحرير الوسيلة (1/118) فصلاتهم خلف أهل السنة (النواصب في معتقدهم) لا تعني طهارة أهل السنة وإيمانهم ولكنها التقية والخداع والمكر ليوجدوا من يدافع عنهم.(97/17)
ورغم كل هذا فقد نقل الدكتور عز الدين إبراهيم وهو كاتب يعمل لحساب الشيعة في كتابه السنة والشيعة (?47? الرابعة نشر مركز الثقافة الإسلامية الإيرانية في روما) كلاما لشيخ الأزهر الأسبق محمد محمد الفحام موجهاً إلى أحد علماء الشيعة وهو المدعو حسن سعيد وإليك نصه: "سماحة الشيخ حسن سعيد من كبار علماء طهران شرفني بزيارة في منزلي 5 شارع علي بن أبي طالب ومعه سماحة العالم العلامة والصديق الكريم السيد طالب الرفاعي وقد أهاجت هذه الزيارة في نفسي ذكريات جميلة، ذكريات الأيام التي قضيتها في طهران سنة 1970 فعرفت فيها طائفة كبيرة من طوائف العلماء الشيعة الإمامية وعرفت فيهم الوفاء والكرم الذي لم أعهده من قبل وما زيارتهم لي اليوم إلا مظهر وفائهم جزاهم الله كل خير وشكر لهم مسعاهم الجميل في التقريب بين المذاهب الإسلامية التي هي في الحقيقة والواقع شيء واحد في أصول العقيدة الإسلامية التي جمعت بينهم على صعيد الأخوة التي جسدها القرآن حيث يقول: إنما المؤمنون إخوة (الحجرات: 10). هذه الأخوة من واجب علماء الأمة على اختلاف اتجاهاتها المذهبية أن يحرصوا على كميتها ونبذ كل ما يسوء إليها ويكدر صفوها من عوامل التفرقة والتي شجبها الله تعالى في كتابه العزيز ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم (الأنفال: 46). رحم الله الشيخ شلتوت الذي التفت إلى هذا المعنى الكريم فخلد في فتواه الصريحة الشجاعة حيث قال ما مضمونه: بجواز العمل بمذهب الشيعة الإمامية بإعتباره مذهباً فقهياً إسلامياً يقوم على الكتاب والسنة والدليل الأسد ?أسأل الله أن يوفق العاملين على هذا الفتح القويم في التقريب بين الأخوة في العقيدة الإسلامية الحقة وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون (التوبة: 105). وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.(97/18)
أقول: حسن سعيد هذا الذي وجه إليه الشيخ الفحام كلامه العاطفي هذا هو الذي وضع مقدمة كتاب "كذبوا على الشيعة" لمحمد الرضوي الذي سننقل عنه في هذه الرسالة فقد تطاول هذا الرضوي على أبي حنيفة – رحمه الله تعالى – إذ قال محمد الرضي الرضوي (135) من كتابه المذكور: "قبحك الله يا أبا حنيفة كيف تزعم أن الصلاة ليس من دين الله".
وتبرا من الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فقال وهو يرد على أحد الكتاب السنة (?49) ما نصه: "أما برائتنا من الشيخين فذاك من ضرورة ديننا وهي أمارة شرعية على صدق محبنا – كذا – لإمامنا وموالاتنا لقادتنا عليهم السلام وقد صدقت في قولك".
وهذا الكتاب أعني كتاب (كذبوا على الشيعة) ملئ بكثير من المطاعن في الصحابة رضي الله عنهم وأئمة الحديث وقادة المسلمين وقد نقلنا هذه المغالطات في كتاب مفصل وليست هذه الرسالة محلا لاستقصاء مغالطات الرضوي وغيره ولكن الذي يهمنا هنا بعد إثبات ما قلناه هو أن حسن سعيد الذي أرسل إليه الشيخ الفحام وضع مقدمة لهذا الكتاب وقال فيها: "وقد تصدى العلامة الجليل السيد محمد الرضي الرضوي الذي له إلمام بكتب القوم وأفكارهم وموارد اشتباهاتهم اتباعا لقوله صلى الله عليه وآله فعلى العالم أن يظهر علمه لبيان ما نسب إلى الشيعة …"
نعم لم يعترض حسن سعيد في مقدمته للرضي الرضوي على مطاعنة في الخلفاء والصحابة والأئمة من سلف السنة والشيخ الفحام رحمه الله ليس على علم بهذا. حاله كحال الكثيرين من اهل السنة. والشيعة يحرصون على إبقاء المنتسبين لأهل العلم من أهل السنة على هذه الحالة.
انظر إلى دهاء ومكر الشيعة الذي يكاد ?ن تزول منه الجبال: حسن سعيد الشيعي يكتب مقدمة لكتاب يطعن في الصحابة وأئمة أهل السنة والفحام رحمه الله ليس له إلا ذكريات زيارته لطهران … سبحان الله إننا ننصح العلماء والمفكرين بأن يكونوا على علم تام بأن الشيعة يتظارهون بعكس ما يبطنون.(97/19)
وبهذا يتبين لك أن هناك علاقات قد قامت بين طرفين خادع ومخدوع فالطرف الخادع هو الشيعة ممثلين بعلمائهم الذي يتقنون لعبة التقية في تعاملهم مع من لا يعرف حقيقتهم والطرف المخدوع بعض علماء السنة تعجلوا فتورطوا في تأييد الشيعة والتصريح للمسلمين بأن المذهب الشيعي يجوز التعبد به كسائر مذاهب أهل السنة.
أخي المسلم لا جدال في أن هؤلاء المتورطين في تأييد الشيعة أو لنقل الداعين إلى التقارب مع الشيعة ليسوا من المتخصصين، أو المطلعين في المجال الذي أقحموا أنفسهم فيه، فهؤلاء وقعوا ضحية التقية والجهل، ألم يقف هؤلاء على تجويز الخميني وضع اليد اليمنى على اليسرى خداعا ولعبا على الذقون مع أنه يراه من مبطلات الصلاة حيث يقول كما في تحرير الوسيلة (1/186): "والتكفير هو وضع إحدى اليدين على الأخرى نحو ما يضعه غيرنا وهو مبطل عمداً ولا بأس به حال التقية"?!!
يقول شيخهم محمد بن محمد بن صادق الصدر الموسوي في (تاريخ الغيبة الكبرى ? 352 ? 2 مكتبة الألفين الكويت 1403هـ) ما نصه: "الأمر بالتقية في عصر الغيبة الكبرى وهذا المضمون مما اقتصرت عليه أخبار الإمامية دون غيرهم فقد أخرج الصدوق في إكمال الدين والشيخ الحر في وسائل الشيعة والطبرسي في إعلام الورى عن الإمام الرضا أنه قال: لا دين لمن لا ورع له ولا إيمان لمن لا تقية له وإن أكرمكم عند الله أعملكم بالتقية فمن ترك التقية قبل خروج قائمنا فليس منا".
أقول: انظروا كيف أنهم ملتزمون بالتقية أي أنهم ملتزمون بان يظهروا لنا عكس ما يبطنون إلى خروج القائم أي المهدي الذي ينتظرون وهو إمامهم الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري مع العلم أن المهدي الذي صحت به الأخبار اسمه محمد بن عبد الله ولم يولد حتى الآن. أما مهدي الشيعة فقد ولد منذ ألف عام وأكثر لكنه مختفي في نظر الشيعة.(97/20)
ويقول إمامهم وحجتهم محمد تقي الموسوي الأصفهاني في كتابه (وظيفة الأنام في زمن غيبة الإمام ? 43 ?1 دار القارئ بيروت 1987?) عند ذكره الوظائف المطلوبة من الشيعة زمن غيبة إمامهم ما نصه: "أن يلتزم بالتقية من الأعداء – أي أهل السنة – ومعنى التقية الواجبة هو أن يكتم عقيدته عند احتمال الضرر العقلاني على نفسه أو ماله أو مكانته وبأن يظهر خلاف عقيدته إذا اقتضى ذلك ?لسانه فيحفظ نفسه وماله ويضمر عقيدته الصحيحة في قلبه".
ويقول أيضاً (?44): "والأخبار في وجوب التقية كثيرة والذي ذكرته في بيان معنى التقية الواجبة هو مفهوم الحديث المذكور في الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام والذي أكد فيه ثلاثاً على عدم ترك التقية فإنه يسبب الذل".
أقول: فلاحظ كيف أن التقية بمفهوم هذا العالم الشيعي وقبله الخميني ليس لحفظ النفس بل للوصول إلى المآرب والأهداف ومن ثم لا يعرف لهم صدق ولا وفاء لأن هذه العقيدة تحثهم على مسايرة ومجاملة أهل السنة حتى يظن الطيبون منا أنهم لا يختلفون عنا كثيراً ويورد الأصفهاني في كتابه المذكور (?44) رواية عن الإمام علي صحح هو إسنادها ونصها: "… فلا تغرنكم كثرة المساجد وأجساد قوم مختلفة". قيل يا أمير المؤمنين كيف العيش في ذلك الزمان؟ فقال: "خالطوهم بالبرانية يعني في الظاهر وخالفوهم في الباطن للمرء ما اكتسب وهو مع من أحب وانتظروا مع ذلك الفرج من الله عز وجل" وقال بعدها: "والأخبار في هذا الباب كثيرة ذكرت في مكيال المكارم جملة منها".
ويقول شيخهم مرتضى الأنصاري الذي يلقبونه بشيخ الفقهاء والمجتهدين في (رسالة التقية ? 53 ? دار الهادي الأولى 1992? بيروت لبنان): "ويشترط في الأول أن تكون التقية من مذهب المخالفين لأنه المتقين من الأدلة الواردة في الأذن في العبادات على وجه التقية لأن المتبادر التقية من مذهب المخالفين فلا يجري في التقية عن الكفار ?و ظلمة الشيعة…".(97/21)
أقول: لاحظ أن المتيقن عندهم من الأدلة أن التقية مع أهل السنة لا من الكفار ولا من ظلمة الشيعة ثم تذكر قول الشيخ موسى جار الله أنهم يرون أن أهل السنة والجماعة أعدى أعدائهم.
ويقول آيتهم العظمى أبو القاسم الخوئي في التنقيح شرح العروة الوثقى (4/332 – 333 ? مطبعة صدر قم نشر دار الهادي للمطبوعات قم 1410هـ) وهو يتكلم عن التقية: "وذلك لأن المستفاد من الأخبار الواردة في التقية إنما شرعت لأجل أن تختفي الشيعة عن المخالفين وألا يشتهروا بالتشيع أو الرفض ولأجل المداراة والمجاملة معهم ومن البين أن المكلف إذا أظهر مذهب الحنابلة عند الحنفي مثلا أو بالعكس حصل بذلك التخفي وعدم الاشتهار بالرفض والتشييع وتحققت المداراة والمجاملة معهم فإذا صلى في مسجد الحنيفة مطابقا لمذهب الحنابلة صدق أنه صلى في مساجدهم أو معهم والسر في ذلك أن الواجب إنما هو التقية من العامة والمجاملة والمداراة معهم ولم يرد في شيء من الادلة المتقدمة وجوب اتباع أصنافهم المختلفة ولا دليل على وجوب اتباع من يتقي منه في مذهبه وإنما اللازم هو المداراة والمجاملة مع العامة وإخفاء التشيع عندهم".
أقول: ومعنى كلام الخوئي أنه ليس على الشيعي أن يكون مع الحنيفة حنفياً ومع الشافعية شافعياً ? … ? .. فيكفيه لإخفاء التشيع أن يظهر أي مذهب من مذاهب أهل السنة فلا يضر الشيعي أن يظهر أمام المالكية بمذهب أبي حنيفة مثلا المهم ألا ينكشف أنه شيعي، ويقول الخوئي في التنقيح (4/332): "كما إذا كان من يتقيه من الحنفية إلا أنه أتى بالعمل على طبق الحنابلة أو المالكية أو الشافعية لا إشكال في ذلك".
ويقول الخوئي في التنقيح في شرح العروة الوثقى (4/292): "ومن هذا القبيل الوقوف بعرفات يوم الثامن من ذي الحجة الحرام لأن الأئمة عليهم السلام كانوا يحجون أغلب السنوات وكان أصحابهم ومتابعوهم أيضاً يحجون مع العامة".(97/22)
أقول لاحظ أنه يعبر عن أهل السنة تارة بالعامة وتارة بالمخالفين يقول الخوئي (4/254): "وأما التقية بالمعنى الأخص أعني التقية من العامة فهي في الأصل واجبة وذلك للأخبار الكثيرة الدالة على وجوبها بل دعوى تواترها الإجمالي".
فلاحظ أن التقية مع العامة (أهل السنة كما صرح به الأمين وغيره) واجبه بل متواترة .
ويقول الخوئي (4/255): " ففي بعضها أن التقية ديني ودين آبائي ولا دين لمن لا تقية له وأي تعبير أقوى دلالة على الوجوب من هذا التعبير حيث أنه ينفي التدين رأسا عمن لا تقية له فمن ذلك يظهر أهميتها عند الشارع وأن جوبها بمثابة قد عد تاركها ممن لا دين له وفي بعضها الآخر لا إيمان لمن لا تقية له وهو في الدلالة على الوجوب كسابقة وفي الثالث لو قلت أن تارك التقية كتارك الصلاة لكنت صادقاً ودلالته على الوجوب ظاهرة لأن الصلاة هي الفاصلة بين الكفر والإيمان كما في الأخبار وقد نزلت التقية منزلة الصلاة ودلت على أنها أيضاً كالفاصلة بين الكفر والإيمان وفي رابع ليس منا من لم يجعل التقية شعاره ودثاره وقد عد تارك التقية في بعضها ممن أذاع سرهم وعرفهم إلى أعدائهم إلى غير ذلك من الروايات فالتقية بحسب الأصل الأولي محكومة بالوجوب".
أقول: فالتقية المحكومة بالوجوب في نظر الخوئي هي التقية بالمعنى الأخص أي مع أهل السنة فما أدق موسى جار الله في عبارته وأما التقية بالمعنى الأعم أي مع الكفار غير أهل السنة فهي محكومة بالجواز فاستمع إلى الخوئي وهو يصرح بهذا فيقول في التنقيح (4/254): "وأما التقية بالمعنى الأعم فهي في الأصل محكومة بالجواز والحلية".
وهذا دليل يثبت أن أهل السنة عند الشيعة شر من اليهود والنصارى والمشركين فالتقية من أهل السنة واجبة ومن الكفار محكومة بالجواز والحلية!!.(97/23)
وأيضاً سئل الخوئي في (صراط النجاة في أجوبة الاستفتاءات ?2 ? 79 ? مكتبة الفقيه – الكويت – 1996): "ما المراد بالتقية في العبادات وهل يمكن اتصافها بالأحكام الخمسة، وهل هي في مورد احتمال خوف ضرر أم التجامل بالمظهر وعدم إلفات النظر؟
أجاب الخوئي: "أما في مورد احتمال الضرر بمخالفتها واجبة وفي الصلاة معهم (يقصد أهل السنة) فمستحبة مع عدم احتمال الضرر".
أقول: والخوئي هنا يصرح أن التقية تستعمل مع أهل السنة مع عدم احتمال الضرر.
وأيضاً سئل آيتهم العظمى كاظم الحائري في (الفتاوى المنتخبة ? 150 ?1 ? مكتبة الفقيه – الكويت) "ما هي حدود التقية المسوغة للعمل بها شرعاً وهل أن الأذى الكلامي وانتقاد المذهب والمضايقة من مسوغات العمل بالتقية؟
أجاب: "ينبغي للإنسان الشيعي أن يتعامل مع السني معاملة تؤدي إلى حسن ظنه بالشيعة لا إلى تنفره عن الشيعة".
المبحث الثاني
متى يبدأ الشيعة بترك التقية؟
أخي المسلم: إن الشيعة ملتزمون بالتمسك بالتقية إلى أن يظهر المهدي الموهوم عندهم.
فقد روى مفسر الشيعة العياشي في تفسيره (2/351 ? دار الكتب العلمية الإسلامية طهران) والحر العاملي في وسائل الشيعة (11/467) وعبد الله شبر في الأصول الأصلية (?321 منشورات مكتبة المفيد قم) عن جعفر الصادق في تفسيره قوله عز وجل: فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء (الكهف: 9). قال: "رفع التقية عند الكشف فينتقم من أعداء الله".
والمقصود بأعداء الله أهل السنة لان الشيعة تتعامل معهم بالتقية وعند الكشف أي عند قيام إمامهم الموهوم.
وروى الكليني في الكافي (2/217) والفيض الكاشاني في الوافي (3/122) عن أبي عبد الله قال: "يا حبيب إن من كانت له تقية رفعه الله يا حبيب ومن لم تكن له تقية وضعه الله يا حبيب إن الناس إنما هم في هدنة فلو قد كان ذلك كان هذا".(97/24)
قال السيد علي أكبر الغفاري في حاشيته على الكافي (2/217): "فلو قد كان ذلك أي ظهور القائم وقوله "كان هذا" أي ترك التقية".
وروى محدثهم ومحققهم محمد بن الحر في وسائل الشيعة (11/57) عن الحسن بن هارون قال: "كنت عند أبي عبد الله جالساً فسأله معلى بن خنيس أيسير الإمام القائم بخلاف سيرة علي قال: نعم وذلك أن عليا سار بالمن والكف لأنه علم أن شيعته سيظهر عليهم وإن القائم إذا قام سار فيهم بالسيف والسبي لأنه يعلم أن شيعته ?ن يظهر عليهم من بعده أبداً".
وينقل علامتهم آية الله الحاج ميرزا محمد تقي الأصفهاني في كتابه مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم (?1 ?246 منشورات الإمام المهدي قم) عن تفسير علي بن إبراهيم القمي في قوله تعالى: فمهل الكافرين أمهلهم رويداً (الطارق: 17). لوقت بعث القائم فينتقم لي من الجبارين والطواغيث من قريش وبني أمية وسائر الناس".
وينقل لنا آية الله الأصفهاني في كتابه المذكور (1/148) عن علي بن الحسين قال: "إذا قام قائمنا أذهب الله عز وجل عن شيعتنا العامة وجعل قلوبهم كزبر الحديد وجعل قوة الرجل منهم قوة أربعين رجلا ويكونون حكام الأرض وسنامها".
وروى شيخهم محمد بن محمد بن صادق الصدر الموسوي في كتابه "تاريخ ما بعد الظهور" ? 762 الطبعة الثانية دار التعارف للمطبوعات لبنان عن ابي جعفر قال: "إن الناس في هدنة نناكحهم ونوارثهم ونقيم عليهم الحدود ونؤدي أماناتهم حتى إذا قام القائم جاءت المزايلة" ويفسر الصدر معنى المزايلة فيقول: "هي المفارقة والمباينة بين أهل الحق وأهل الباطل".(97/25)
ونقل الحاج آية الله السيد إبراهيم الزنجاني في (حدائق الأنس ? 104 طبع دار الزهراء بيروت" عن أمير المؤمنين أنه قال: "وفقهاؤهم يفتون بما يشتهون وقضاتهم يقولون ما لا يعلمون وأكثرهم بالزور يشهدون إذا خرج القائم ينتقم من أهل الفتوى" ويعلق آية الله الزنجاني على هذه الرواية فيقول (نفس الصفحة): "المراد من الفقهاء فقهاء المخالف لأنهم يفتون بغير ما أنزل الله والشاهد على قول الإمام الباقر : إذا خرج هذا الإمام المهدي عج() فليس له عدو مبين إلا الفقهاء خاصة وهو والسيف أخوان ولولا السيف أي السلطة والقوة بيده لأفتى الفقهاء في قتله ولكن الله يظهره بالسيف" انتهى كلام الزنجاني.
وقد صرح علامتهم محمد باقر المجلسي في كتاب حق اليقين الفارسي على ما نقله عنه علامة الهند مولانا محمد منظور نعماني في كتاب الثورة الإيرانية في ميزان الإسلام (?148) بأنهم يناكحوننا ويوراثوننا إلى أن يظهر المهدي حيث يبدأ بقتل علماء أهل السنة ثم عوامهم.
ويروي شيخهم أبو زينب محمد بن إبراهيم النعماني وهو تلميذ شيخهم الكليني في كتاب الغيبة (?233 طبع مكتبة الصدوق طهران) عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر يقول: "لو يعلم الناس ماذا يصنع القائم إذا خرج لأحب اكثرهم ألا يروه مما يقتل من الناس أما إنه لا يبدأ إلا بقريش فلا يأخذ منها إلا السيف ولا يعطيها إلا السيف حتى يقول كثير من الناس ليس هذا من آل محمد ولو كان من آل محمد لرحم". وذكر هذه الرواية محمد الصادق الصدر في تاريخ ما بعد الظهور ? 567 من الطبعة المشار إليها آنفا وذكرها أيضا شيخ فقهائهم ومحدثيهم الحاج الشيخ علي اليزدي الحائري في إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب (2/283 ? الرابعة 1977? منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت).(97/26)
وفي الغيبة للنعماني (? 231 وتاريخ ما بعد الظهور (566) عن زرارة عن ابي جعفر قال: قلت له: صالح من الصالحين سمه لي أريد القائم فقال: اسمه اسمي قلت: أيسير بسيرة محمد صلى الله عليه وآله؟ قال: هيهات يا زرارة ما يسير بسيرته قلت: جعلت فداك ولم؟ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله سار في أمته بالمن كان يتألف الناس والقائم يسير بالقتل بذاك أمر في الكتاب الذي معه أن يسير بالقتل ولا يستتيب أحدا بل ويل لمن نأواه.
ونقل الشيخ محمد محمد صادق الصدر في تاريخ ما بعد الظهور (?570-571) عن رفيد مولى ابن هبيرة قال: قلت لابي عبد الله جعلت فداك يا ابن رسول الله أيسير القائم بسيرة علي بن أبي طالب في أهل السواد (جمهور المسلمين) فقال: "لا يا رفيد إن علي بن أبي طالب سار في أهل السواد بما في الجفر الأسود وأن القائم يسير في العرب بما في الجفر الأحمر قال: قلت: جعلت فداك وما الجفر الأحمر؟ قال: فأمر أصبعه على حلقه فقال: هكذا يعني الذبح؟
وفي الغيبة للنعماني (?234) وتاريخ ما بعد الظهور للصدر (? 115) عن ابي عبد الله قال: "إذا خرج القائم لم يكن بينه وبين العرب وقريش إلا السيف".
وفي الغيبة (?236) عن ابي عبد الله قال: "ما بقى بيننا وبين العرب إلا الذبح وأومأ بيده إلى حلقه" ورووا عن إمامهم المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى قوله للشيعة: "لولا أنا نخاف عليكم أن يقتل الرجل منكم برجل منهم ورجل منكم خير من ألف رجل منهم لأمرناكم بالقتل لهم ولكن ذلك إلى الإمام " أورد هذه الرواية الخبيثة شيخهم الحر والشيخ في رسائل الشيعة (11/60) والبحراني في الحدائق (18/155) والشيخ حسين آل عصفور في المحاسن النفسانية (?166) وأوردها شيخهم الفيض الكاشاني في الوافي (10/59) بلفظ: "… ولولا أن نخاف عليكم أن يقتل رجل منكم برجل منهم ورجل منكم خير من ألف رجل منهم ومائة ألف منهم لأمرناكم بالقتل لهم ولكن ذلك إلى الإمام".(97/27)
الفصل الثاني
عقائد الشيعة في الإسلام والمسلمين
أولاً: كفر من لا يؤمن بولاية الأئمة الاثنى عشر
يرى الشيعة أن الإمامة اصل من أصول الدين وان النبي وآله نص على اثنى عشر إماماً ولك الآن أخي المسلم أن تقف على موقفهم ممن لا يقول بقولهم.
يقول رئيس محدثيهم محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الملقب عندهم بالصدوق في رسالة الاعتقادات (?103 ? مركز نشر الكتاب إيران 1370) ما نصه: "واعتقادنا فيمن جحد إمامه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والأئمة من بعده عليهم السلام أنه كمن جحد نبوة جميع الأنبياء واعتقادنا فيمن أقر بأمير المؤمنين وأنكر واحدا من بعده من الأئمة أنه بمنزلة من أقر بجميع الأنبياء وأنكر نبوة نبينا محمد صلى الله عليه ?آله".
وينقل حديثا منسوبا إلى الإمام الصادق أنه قال: "المنكر لآخرنا كالمنكر لأولنا" رسالة الاعتقادات الصفحة نفسها.
وينسب أيضاً إلى النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: "الأئمة من بعدي اثنى عشر أولهم أمير المؤمنين علي بن ابي طالب وآخرهم القائم طاعتهم طاعتي ومعصيتهم معصيتي من أنكر واحدا منهم قد أنكرني". المصدر نفسه.
وأقول الصدوق هذه وأحاديثه نقلها عنه علامتهم محمد باقر المجلسي في بحار الأنوار (27/61-62).
ويقول علامتهم على الإطلاق جمال الدين الحسن يوسف بن المطهر الحلي إن الإمامة لطف عام والنبوة لطف خاص ومنكر اللطف العام (الأئمة الاثنى عشر) شر من إنكار اللطف الخاص أي إن منكر الإمامية شر من منكر النبوة وإليك نص ما قاله هذا الضال المضل في كتابه الألفين في إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (?13 ?3 مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت 1982). قال: "الإمامة لطف عام والنبوة لطف خاص لإمكان خلو الزمان من نبي حي بخلاف الإمام لما سيأتي وإنكار اللطف العام شر من إنكار اللطف الخاص وإلى هذا أشار الصادق بقوله عن منكر الإمامة أصلا ورأسا وهو شرهم".(97/28)
ويقول شيخهم ومحدثهم يوسف البحراني في موسوعته المعتمدة عند الشيعة (الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة ?18 ?153 ? دار الأضواء بيروت لبنان): "وليت شعري أي فرق بين من كفر بالله سبحانه وتعالى ورسوله وبين من كفر بالأئمة عليهم السلام مع ثبوت كون الإمامة من أصول الدين".
ويقول حكيمهم ومحققهم وفيلسوفهم محمد محسن المعروف بالفيض الكاشاني في منهاج النجاة (?48 ط دار الإسلامية بيروت 1987?): "ومن جحد إمامه أحدهم – أي الأئمة الاثنى عشر – فهو بمنزلة من جحد نبوة جميع الأنبياء عليهم السلام".
ويقول الملا محمد باقر المجلسي والذي يلقبونه بالعلم العلامة الحجة فخر الأمة في بحار الأنوار (23/390): "إعلم أن إطلاق لفظ الشرك والكفر على من لم يعتقد غمامة أمير المؤمنين والأئمة من ولده عليهم السلام وفضل عليهم غيرهم يدل أنهم مخلدون في النار".
قلت: فالذين تعاطفوا مع الشيعة مخلدون في النار على معتقد من تعاطفوا معهم فهل من معتبر.
ويقول شيخهم محمد حسن النجفي في جواهر الكلام (6/62? دار إحياء التراث العربي بيروت): "والمخالف لأهل الحق كافر بلا خلاف بيننا .. كالمحكي عن الفاضل محمد صالح في شرح أصول الكافي بل والشريف القاضي نور الله في إحقاق الحق من الحكم بكفر منكري الولاية لأنها أصل من أصول الدين".
قلت: فلاحظ كيف أن منكر الولاية أي الإمامية كافر بلا خلاف بينهم أي أن أهل السنة كفار عند الشيعة بلا خلاف بينهم.
هذا وقد نقل شيخهم محسن الطبطبائي الملقب بالحكيم كفر من خالفهم بلا خلاف بينهم وذلك في كتابه مستمسك العروة الوثقى (1/392 ?3 مطبعة الآداب في النجف 1970?).
ويقول آية الله الشيخ عبد الله المامقاني الملقب عندهم بالعلامة الثاني في تنقيح المقال (1/208 باب الفوائد ? النجف 1952?): "وغاية ما يستفاد من الأخبار جريان حكم الكافر والمشرك في الآخرة على كل من لم يكن اثنى عشري".(97/29)
ويقول محدثهم وشيخهم الجليل عندهم عباس القمي في منازل الآخرة (? 149 ? دار التعارف للمطبوعات 1991): "أحد منازل الآخرة المهولة الصراط … وهو في الآخرة تجسيد للصراط المستقيم في الدنيا الذي هو الدين الحق وطريق الولاية واتباع حضرة أمير المؤمنين والأئمة الطاهرين من ذريته صلى الله عليه وآله وسلم وكل من عدل عن هذا الطريق ومال إلى الباطل بقول أو فعل فسيزل من تلك العقبة ويسقط في جهنم".
أقول: والمقصود بأتباع علي والأئمة الطاهرين هو ما ينسبه الشيعة إليهم في كتبهم الخاصة بهم كالكافي وتهذيب الأحكام والاستبصار ومن لا يحضره الفقيه والوافي ووسائل الشيعة وتفسير القمي والعياشي والصافي وبحار الأنوار ? … ? .. وغيرها من كتبهم فالصراط المستقيم هو ما في هذه الكتب الشيعية هذا هو معتقدهم.
ويقول علامتهم محمد باقر المجلسي كما نقله عنه نحدثهم عباس القمي في كتابه المذكور (?150): "وهذه العقبات كلها على الصراط واسم عقبة منها الولاية يوقف جميع الخلائق عندها فيسألون عن ولاية أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام من بعده فمن أتى بها نجا وجاوز ومن لم يأت بها بقي فهوى وذكر قوله عز وجل: وقفوهم إنهم مسؤولون (الصافات: 24).
وفي الكتاب المذكور (?97) في تفسير قوله عز وجل: من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون. (النمل: 89). عن أمير المؤمنين : "الحسنة معرفة الولاية وحبنا أهل البيت".
قلت فلاحظ ?ن الولاية لا تعني مجرد حب "أهل البيت" بل الإعتقاد بالأئمة الاثنى عشر على أنهم منصوص عليهم، وأنهم معصومون وكلامهم وحي إلهي ككلام النبي(97/30)
وأورد مرجع الشيعة الراحل آية الله العظمى روح الله الموسوي الخميني في كتابه (الأربعون حديثا ?510 – 511 ? دار التعارف للمطبوعات بيروت 1991): عن محمد بن مسلم الثقفي قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي عليهما السلام عن قول الله عز وجل: فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيماً (الفرقان: 70). فقال : "يؤتى بالمؤمن المذنب يوم القيامة حتى يقام بموقف الحساب فيكون الله تعالى هو الذي يتولى حسابه لا يطلع على حسابه أحداً من الناس فيعرفه ذنوبه حتى إذا أقر بسيئاته قال الله عز وجل للكتبة: بدلوها حسنات وأظهروها للناس فيقول الناس حينئذ ما كان لهذا العبد سيئة واحدة ! ثم يأمر الله به إلى الجنة فهذا تأويل الآية وهي في المذنبين من شيعتنا خاصة".
ويعلق الخميني على هذه الرواية في كتابه الذكور (?511) فيقول: ومن المعلوم أن هذا الأمر يختص بشيعة أهل البيت ويحرم عنه الناس الآخرون لأن الإيمان لا يحصل إلا بواسطة ولاية علي وأوصيائه من المعصومين الطاهرين عليهم السلام بل لا يقبل الإيمان بالله ورسوله من دون الولاية كما نذكر ذلك في الفصل التالي".
ويقول الخميني في (الأربعون حديثاً ص512) "إن ما مر في ذيل الحديث الشريف من أن ولاية أهل البيت ومعرفتهم شرط في قبول الأعمال يعتبر من الأمور المسلمة بل تكون من ضروريات مذهب التشيع المقدس وتكون الأخبار في هذا الموضوع أكبر من طاقة مثل هذه الكتب المختصرة على استيعابها ?أكثر من حجم التواتر ويتبرك هذا الكتاب بذكر بعض تلك الأخبار".(97/31)
فلاحظ ?ن الولاية التي يختص بها الشيعة من العقائد الأساسية التي لا يتزحزح عنها الشيعة إلى يوم يبعثون وهي أكثر عندهم من حجم التواتر كما يقرر الخميني ولا تقبل الأعمال إلا بها بل ولا يقبل الإيمان بالله ورسوله إلا بها فاستمع إلى الخميني وهو يقرر ذلك بصراحة ووضوح في كتابه المذكور (?513) فيقول: "والأخبار في هذا الموضوع وبهذا المضمون كثيرة ويستفاد من مجموعها أن ولاية أهل البيت عليهم السلام شرط في قبول الأعمال عند الله سبحانه بل هو شرط في قبول الأيمان بالله والنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم".
ويقول الخميني في كتاب البيع (2/464 مؤسسة مطبوعاتي إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع قم إيران) ما نصه: "ولا إشكال على المذهب الحق أن الأئمة والولاة بعد النبي صلى الله عليه وآله سيد الوصيين أمير المؤمنين وأولاده المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين خلفاً بعد سلف إلى زمان الغيبة فهم ولاة الأمر ولهم ما للنبي صلى الله عليه وآله من الولاية العامة والخلافة الكلية الإلهية".
وأورد شيخهم كامل سليمان في كتاب يوم الاخلاص في ظل القائم المهدي (?45? السابعة دار الكتاب اللبنانية بيروت لبنان) حديثاً منسوباً إلى النبي ونصه: "أثنا عشر من أهل بيتي أعطاهم الله فهمي… هؤلاء هم خلفائي وأوصيائي وأولادي وعترتي من أطاعهم فقد أطاعني ومن عصاهم فقد عصاني ومن أنكرهم أو أنكر واحد منهم فقد أنكرني بهم يمسك الله السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه وبهم يحفظ الله الأرض أن تميد بأهلها".
وأورد الشيعي المذكور وهو معاصر (?44) حديثاً آخر نسبه إلى النبي : "المقر بهم – أي الأئمة الاثنى عشر – مؤمن والمنكر لهم كافر".
ويقول شيخهم يوسف البحراني في الحدائق الناضرة (18/53): "إنك قد عرفت أن المخالف كافر لاحظ له في الإسلام بوجه من الوجوه كما حققنا في كتابنا الشهاب الثاقب".(97/32)
ويقول علامتهم السيد عبد الله شبر الذي يلقب عندهم بالسيد الأعظم والعماد الأقوم علامة العلماء وتاج الفقهاء رئيس الملة والدين جامع المعقول والمنقول مهذب الفروع والأصول في كتابه (حق اليقين في معرفة أصول الدين 2/188 طبع بيروت): "وأما سائر المخالفين ممن لم ينصب ولم يعاند ولم يتعصب فالذي عليه جملة من الإمامية كالسيد المرتضي أنهم كفار في الدنيا والآخرة والذي عليه الأكثر الأشهر أنهم كفار مخلدون في الآخرة".
وقال المفيد في المسائل نقلا عن بحار الأنوار للمجلسي (23/391). "اتفقت الإمامية على أن من أنكر إمامة أحد من الأئمة وجحد ما أوجبه الله تعالى له من فرض الطاعة فهو كافر ضال مستحق للخلود في النار".
وقد صدق الشيخ موسى جار الله التركستاني عندما قال في كتابه الوشيعة في نقد عقائد الشيعة (2227 ?3 لاهور 1983?): "وكنت أتعجب وأتأسف إذ كنت أرى في كتب الشيعة أن أعدى أعداء الشيعة واقواهم هم أهل السنة والجماعة ورأيت رأي العين أن روح العداء قد استولت على قلوب جميع طبقات الشيعة".
هذا رأي الشيخ موسى جار الله الذي قرأ كتبهم وعايشهم ولكي تزداد يقينا بصحة هذه النظرة الناتجة عن علم ومخالطة للقوم استمع إلى شيخهم محمد حسن النجفي وهو يعلن وبصراحة عداء الشيعة الشديد لاهل السنة فيقول في موسوعته الفقهية المتداولة بيني الشيعة جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام (22/62 – 3?) : "ومعلوم أن الله تعالى عقد الأخوة بين المؤمنين بقوله تعالى: إنما المؤمنون إخوة (الحجرات: 10). دون غيرهم وكيف يتصور الأخوة بين المؤمن والمخالفات بعد تواتر الروايات وتظافر الآيات في وجوب معاداتهم والبراءة منهم".
فلاحظ وجوب معاداة أهل السنة والبراءة منهم جاء بموجب روايات متواترة عندهم حسب كلام هذا النجفي الذي يثنى عليه إمامهم الخميني في المكاسب المحرمة فاستيقظوا أيها الغافلون.
ثانياً: النواصب في معتقد الشيعة
هم أهل السنة والجماعة(97/33)
روى ثقة إسلامهم محمد بن يعقوب الكليني في الكافي (8/292 ? دار الكتب الإسلامية طهران إيران) بسنده عن محمد بن مسلم قال: دخلت على أبي عبد الله وعنده أبو حنيفة فقلت له: جعلت فداك رأيت رؤيا عجيبة قال لي: يا ابن مسلم هاتها فإن العالم بها جالس وأومأ بيده إلى أبي حنيفة قال: فقلت: رأيت كأني دخلت داري وإذا أهلي قد خرجت علي فكسرت جوزا كثيراً ونثرته علي فتعجبت من هذه الرؤيا فقال أبو حنيفة: ?نت رجل تخاصم وتجادل لئاماً في مواريث أهلك فبعد نصب شديد تنال حاجتك منها إن شاء الله فقال أبو عبد الله : أصبت والله يا أبا حنيفة قال: ثم خرج أبو حنيفة من عنده فقلت: جعلت فداك أني كرهت تعبير هذا الناصب فقال يا ابن مسلم: لا يسوؤك الله فما يواطئ تعبيرهم تعبيرنا ولا تعبيرنا تعبيرهم وليس التعبير كما عبره. قال: فقلت له: جعلت فداك فقولك: أصبت وتحلف عليه وهو مخطئ قال: نعم حلفت عليه أنه أصاب الخطأ قال: فقلت له: فما تأويلها؟ قال: يا ابن مسلم إنك تتمتع ?امراة فتعلم بها أهلك فتمزق عليك ثيابا..".
كما أطلق شيخهم محمد بن محمد بن النعمان الملقب بالمفيد لفظ الناصب على أبي حنيفة رحمه الله تعالى في كتابه (عدة رسائل فصل المسائل الصاغانية ? 253? 263، 265? 268? 270 طبعة قم).
ويقول السيد نعمة الله الجزائري الشيعي في (الأنوار النعمانية 2/307 طبع تبريز إيران) ما نصه: "ويؤيد هذا المعنى أن الأئمة عليهم السلام وخواصهم أطلقوا لفظ الناصبي على أبي حنيفة وأمثاله مع أن ابا حنيفة لم يكن ممن نصب العداوة لأهل البيت عليهم السلام بل كان له انقطاع إليهم وكان يظهر لهم التودد".
ويقول شيخهم حسين بن الشيخ محمد آل عصفور الدرازي البحراني الشيعي في كتابه (المحاسن النفسانية في أجوبة المسائل الخرسانية ? 157 طبع بيروت): "على أنك قد عرفت سابقاً أنه ليس الناصب إلا عبارة عن التقديم على علي غيره".(97/34)
قلت وأبو حنيفة رحمه الله يقدم أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم على علي لذا وصفوه بالنصب والعياذ بالله.
ولأن أهل السنة يقدمون الثلاثة على علي فهم نواصب أيضاً عند الشيعة حيث يقول الشيخ حسين بن الشيخ آل عصفور الدرازي البحراني في كتابه السابق (المحاسن النفسانية في أجوبة المسائل الخراسانية ? 147): "بل أخبارهم عليهم السلام تنادي بأن الناصب هو ما يقال له عندهم سنيا".
ويقول هذا الدرازي في الموضع المذكور: "ولا كلام في أن المراد بالناصبة هم أهل التسنن".
ويقول شيخهم وعالمهم ومحققهم ومدققهم وحكيمهم حسين بن شهاب الدين الكركي العاملي في كتاب (هداية الأبرار إلى طريق الأئمة الأطهار ? 106 الطبعة الأولى 1396هـ) : "كالشبهة التي أوجبت للكفار إنكار نبوة النبي والنواصب إنكار خلافة الوصي".
ويقول الشيخ الشيعي علي آل محسن في كتابه – كشف الحقائق – دار الصفوة – بيروت ? 249 "وأما النواصب من علماء أهل السنة فكثيرون أيضاً منهم ابن تيمية وابن كثير الدمشقي وابن الجوزي وشمس الدين الذهبي وابن حزم الأندلسي .. وغيرهم".
وذكر العلامة الشيعي محسن المعلم في كتابه (النصب والنواصب) ? دار الهادي – بيروت – في الباب الخامس – الفصل الثالث – ? 259 تحت عنوان: (النواصب في العباد) أكثر من مائتي ناصب – على حد زعمه - .
وذكر منهم:
عمر بن الخطاب، أبو بكر الصديق، عثمان بن عفان، أم المؤمنين عائشة، أنس بن مالك، حسان بن ثابت، الزبير بن العوام، سعيد بن المسيب، سعد بن أبي وقاص، طلحة بن عبيد الله، الإمام الأوزاعي، الإمام مالك، أبو موسى الأشعري، عروة بن الزبير، ابن حزم، ابن تيمية، الامام الذهبي، الإمام البخاري، الزهري، المغيرة بن ?عبة، أبو بكر الباقلاني، الشيخ حامد الفقي رئيس أنصار السنة المحمدية في مصر، محمد رشيد رضا، محب الدين الخطيب، محمود شكري الآلوسي … وغيرهم كثير.(97/35)
إذن النواصب هم كل أهل السنة حيث يقول آية الله العظمى محمد الحسيني الشيرازي في موسوعته الضخمة الفقه (33/38 ? الثانية دار العلوم بيروت 1409هـ) : "الثالث مصادمة الخبرين المذكورين بالضرورة بعد أن فسر الناصب بمطلق العامة كخبر ابن سنان عن أبي عبد الله ..".
قلت: فإن قال قائل: كيف نعرف أن المقصود عندهم بالعامة أهل السنة؟
فأقول: نحن لا ندين الشيعة إلا من كتبهم وأقوال علمائهم يقول آية الله العظمى محسن الأمين في كتابه المعروف (أعيان الشيعة 1/21? دار التعارف بيروت لبنان 1986): "الخاصة وهذا يطلقه أصحابنا على انفسهم مقابل العامة الذين يسمون بأهل السنة والجماعة".
ويقول عالمهم ومحققهم ومدققهم وحكيمهم الشيخ حسين بن شهاب الدين الكركي العاملي المتوفي 1076 في (هداية الأبرار إلى طريق الأئمة الأطهار ? 264 ? الأولى 1396هـ) : "فذهب إلى الأول جماعة من العامة كالمزني الغزالي والصيرفي ومن الخاصة كالعلامة في أحد قوليه.." .
ويقول آية الله العظمى المحقق الكبير (عندهم) الشيخ فتح الله النمازي الشيرازي في (قاعدة لا ضرر ولا ضرار) (ص 21 نشر دار الأضواء بيروت الطبعة الأولى): "وأما الحديث من طرق العامة فقد روى كثير من محدثيهم كالبخاري ومسلم..".
فالعامة إذاً هم أهل السنة وعلى هذا فالناصب يطلق على كل أهل السنة.
ثم خرج علينا شيعي دكتور اسمه محمد التيجاني السماوي في كتاب سماه (الشيعة هم اهل السنة طبعته مؤسسة الفجر في لندن وبيروت) حصلت على هذا الكتاب عن طريق إحدى المكتبات الشيعية ولدى هذا الرجل إجازتان من عالمين شيعيين كلاهما بدرجة "آية الله العظمى" أحدهما الأمام الخوئي في النجف والآخر المرعشي النجفي في قم صرح بذلك في الصفحة (316) من كتابه هذا أقول خرج علينا هذا الشيعي مصارحاً أهل السنة بأنهم نواصب والنواصب عند أهل الشيعة أنجاس دمهم ومالهم مباح كما سيأتي في محله.(97/36)
يقول التيجاني في الصفحة 79: "وبما أن أهل الحديث هم أنفسهم أهل السنة والجماعة فثبت بالدليل الذي لا ريب فيه أن السنة المقصودة عندهم هي بغض علي بن أبي طالب ولعنه والبراءة منه فهي النصب".
فيا عباد الله هل يلعن أهل السنة عليا ويبرأون منه؟ سبحانك هذا بهتان عظيم.
ويقول في الصفحة 161: "وغني عن التعريف بأن مذهب النواصب هو مذهب أهل السنة الجماعة".
ومعلوم أن أهل السنة قد خالفوا النواصب وردوا عليهم بإظهار مناقب أهل البيت رضي الله عنهم والتي وجدوها في أمهات كتبهم دليل على بهتان التيجاني عليه من الله ما يستحق.
ويقول: في الصفحة 163: " وبعد هذا العرض يتبين لنا بوضوح بأن النواصب الذين عادوا علياً وحاربوا أهل البيت عليهم السلام هم الذين سموا أنفسهم بأهل السنة والجماعة".
وقال أيضاً في كتابه: "كل الحلول عند آل الرسول ? 160 ? دار المجتبى – لبنان" فكان من الصعب عليهم (أي الشيعة) أن يصلوا بأمامة أهل السنة والجماعة الذين اجتهدوا في أحكام الصلاة من ناحية ودأبوا على سب علي وأهل البيت أثناء الصلاة من ناحية أخرى".
ويقول في الصفحة 295 في كتابه الشيعة هم أهل السنة: "وإذا شئنا التوسع في البحث لقلنا بأن أهل السنة والجماعة هم الذين حاربوا اهل البيت النبوي بقيادة الأمويين والعباسيين".
ولم يكتف هذا المجرم بهذا بل عقد في الصفحة 159 فصلا بعنوان (عداوة أهل السنة لأهل البيت تكشف عن هويتهم) حيث يقول في الصفحة نفسها: "إن الباحث مبهوتاً عندما تصدمه حقيقة اهل السنة والجماعة ويعرف بأنهم كانوا أعداء العترة الطاهرة يقتدون بمن حاربهم ولعنهم وعمل على قتلهم ومحو آثارهم".
ويقول في الصفحة 164: "تمعن في هذا الفصل فإنك ستعرف خفايا أهل السنة والجماعة إلى أي مدى وصل بهم الحقد على عترة النبي فلم يتركوا شيئاً من فضائل أهل البيت عليهم السلام إلا وحرفوه".(97/37)
أقول: والغريب في هذا الضال أنه يأتي ليثبت فضائل أهل البيت رضي الله عنهم من كتب أهل السنة لإلزام السنة فلماذا تحتج بأحاديث محرفة على حد قولك؟!!
ويقول في الصفحة 249: "ولكن أهل السنة والجماعة ولشدة عداوتهم لعلي بن أبي طالب وأهل البيت عليهم السلام كانوا يخالفونهم في كل شيء حتى أصبح شعارهم هو مخالفة علي وشيعته في كل شيء حتى لو كانت سنة نبوية ثابتة عندهم".
فيا علماء ويا عوام أهل السنة هل شعارنا هو مخالفة علي في كل شيء؟
هل علمتم بعد هذا أن التشيع لا يرقب في المسلمين إلا ولا ذمة؟
إخواني المسلمون: ستعلمون في هذه الرسالة أن المذهب الشيعي الاثنى عشري يجيز لأتباعه بهت مخالفيهم والكذب عليهم.
ويقول في الصفحة 299: "وبعد نظرة وجيزة إلى عقائد أهل السنة والجماعة وإلى كتبهم ?إلى سلوكهم التاريخي تجاه أهل البيت تدرك بدون غموض بأنهم اختاروا الجانب المعاكس والمعادي لأهل البيت عليهم السلام وبأنهم أشهروا سيوفهم لقتالهم وسخروا أقلامهم لانتقامهم والنيل منهم ولرفع شأن أعدائهم".
ويقول في الصفحة 300: "نلاحظ أنهم – أي أهل السنة – يقفون من قتلة الحسين موقف الراضي الشامت المعين ولا يستغرب منهم ذلك فقتلة الحسين كلهم من اهل السنة والجماعة …".(97/38)
أقول: افتراءات التيجاني التي سبقت قوله إن قتلة الحسين هم من أهل السنة والجماعة واضحة جلية لا تحتاج إلى رد وأما قتل الحسين رضي الله عليه فسببه الشيعة وحدهم وأهل السنة ولله الحمد برءاء من دمه فهذا مجتهدهم الأكبر آية الله العظمى محسن الأمين يروي في أعيان الشيعة (1/26) عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر وهو يذكر المسئول عن دم سبط رسول الله صلى الله عليه وآله فيقول: "فبويع الحسن ابنه فعوهد ثم غذر به وأسلم ووثب عليه أهل العراق حتى طعن بخنجر في جنبه وانتهت عسكره فوادع معاوية وحقن دمه ودم أهل بيته… ثم بايع الحسين من أهل العراق عشرون ألفا غدروا به وخرجوا عليه وبيعته في أعناقهم فقتلوه".
وأهل العراق هؤلاء من الشيعة وليسوا من أهل السنة وتقول فاطمة الصغرى رضي الله عنها: "أما بعد يا أهل الكوفة يا أهل المكر والغدر والخيلاء إنا أهل بيت ابتلانا الله بكم وبتلاكم بنا فجعل بلاءنا حسنا".
أخرج هذه الرواية شيخهم ابو منصور الطبرسي في الاحتجاج (2/27? النجف) (?.الأعلمي – بيروت – ?2 ?302). كما ذكرها صادق مكي في مظالم أهل البيت ? 265 ?1 الدار العالمية 1404هـ.
ويقول الإمام علي بن الحسين السجاد رضي الله عنهما مخاطباً أسلافهم: "هيهات أيها الغدرة المكرة حيل بينكم وبين شهوات أنفسكم أتريدون أن تأتوا إلي كما أتيتم إلى آبائي من قبل" أخرجها الطبرسي في الاحتجاج (?. النجف 2/32) ? (?. الأعلمي – بيروت – ?2 ?306).
واسمع ما يقوله سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحسن بن علي رضي الله عنهما كما يرويه أبو منصور الطبرسي في الاحتجاج (?. النجف 2/10): (?. الأعلمي – بيروت – ?2 ?290). "أرى والله معاوية خيراً لي من هؤلاء يزعمون أنهم لي شيعة ابتغوا قتلى وانتهبوا ثقلي وأخذوا مالي والله لئن أخذ مني معاوية عهداً أحقن به دمي وأومن به في أهلي … ولو قاتلت معاوية لأخذوا عنقي عهداً يدفعوني إليه سلماً".(97/39)
أقول: ولم يكن هذا شأن أسلاف التيجاني مع الحسن والحسين فحسب بل مع أبيهما لدرجة أنه فضل أتباع معاوية عليهم فاستمع إليه وهو يقول في (نهج البلاغة 1/188 – 190 ? دار المعرفة): "لوددت والله أن معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم فأخذ مني عشرة منكم وأعطاني رجلا منهم يا أهل الكوفة منيت منكم بثلاث واثنين صم ذوو اسماع وبكم ذوو كلام وعمي ذوو ابصار لا أحرار صدق عند اللقاء ولا إخوان ثقة عند البلاء…".
ويروي عمدة الشيعة في الجرح والتعديل أبو عمرو الكشي في كتاب الرجال في ترجمة أبو الخطاب ? 254 عن الإمام الصادق أنه قال: "ما أنزل الله سبحانه آية في المنافقين إلا وهي فيمن ينتحل التشيع".
وروى الكشي (?253) عن الإمام الصادق رحمه الله أنه قال: "لو قام قائمنا بدأ بكذابي شيعتنا فقتلهم".
ولا ينافس هؤلاء الذين ذكرهم الإمام الصادق في بضاعتهم إلا من نسب إلى أهل السنة عداءهم لأهل البيت رضي الله عنهم.
وروى محمد بن يعقوب الكليني في الكافي (8/228) عن الإمام الكاظم رحمه الله تعالى أنه قال: لو ميزت شيعتي لم أجدهم إلا واصفة ولو امتحنتهم لما وجدتهم إلا مرتدين ولو تمحصتهم لما خلص من الألف واحد وذكر هذه الرواية ورام في مجموعته المعروفة تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (2/152 ? مؤسسة الأعلمي بيروت) .
وعلى هذا يكون انتساب الشيعة لأهل البيت كإنتساب النصارى لعيسى وانتساب اليهود لموسى.
ثالثاً: إباحة دماء أهل السنة
إن الشيعة يستبيحون دماء أهل السنة، شرفهم الله تعالى، وإنهم في حكم الكفار، ?إنّ السني ناصب في معتقدهم، وما يلي يكشف لك خبثهم ودهاءهم.(97/40)
روى شيخهم محمد بن علي بن بابوية القمي والملقب عندهم بالصدوق وبرئيس المحدثين في كتابه علل الشرايع (ص601 طبع النجف) عن داود بن فرقد قال: "قلت لأبي عبد الله : ما تقول في قتل الناصب؟ قال: حلال الدم ولكني أتقى عليك فإن قدرت أن تقلب عليه حائطاً أو تغرقه في ماء لكيلا يشهد به عليك فافعل، قلت: فما ترى في ماله؟ قال: تَوَّه ما قدرت عليه" وذكر هذه الرواية الخبيثة شيخهم الحر العاملي في وسائل الشيعة (18/463) والسيد نعمة الله الجزائري في الأنوار النعمانية (2/307) إذ قال: "جواز قتلهم (أي النواصب) واستباحة أموالهم".
أقول: والعلة هنا هي الحرص على عدم وقوع الشيعي تحت طائلة الشرع فيقتص منه وعلى هذا فإن للشيعي قتل السني بالسم او الحرق أو الصعق الكهربائي هذا مع وجود التقية التي وجدت لحماية معتقدات وأرواح الشيعة أما إذا رفعت التقية فسيقع القتل العام في أهل السنة كما وقفتَ عليه في فصل (متى يبدأ الشيعة بترك التقية) من هذا الكتاب.
ولو القينا نظرة تاريخية فالدولة العباسية دولة سنية ولحسن نية أهل السنة عين الخليفة العباسي وزيراً شيعيا وهو الخواجة نصير الدين الطوسي الشيعي فغدر هذا النصير الطوسي بالخلافة وتحالف مع التتار فوقعت مجزرة بغداد التي راح ضحيتها مئات الآلاف من المسلمين بسبب خيانة هذا الشيعي فهل بكى الشيعة على هؤلاء القتلى أما باركوا عمل نصيرهم الطوسي؟(97/41)
يقول علامتهم المتتبع كما وصفوه الميرزا محمد باقر الموسوي الخونسري الأصبهاني في روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات (1/300 – 301 منشورات مكتبة إسماعيليان قم إيران) في ترجمة هذا المجرم ما نصه: "هو المحقق المتكلم الحكيم المتبحر الجليل … ومن جملة أمره المشهور المعروف المنقول حكاية استيزار للسلطان المحتشم في محروسة إيران هولاكو خان بن تولي جنكيز خان من عظماء سلاطين التاتارية وأتراك المغول ومجيئه في موكب السلطان المؤيد مع كمال الاستعداد إلى دار السلام بغداد لإرشاد العباد وإصلاح البلاد وقطع دابر سلسلة البغي والفساد وإخماد دائرة الجور والإلباس بإبداد دائرة ملك بني العباس وإيقاع القتل العام من أتباع اولئك الطغاة إلى أن أسال من دمائهم الأقذار كأمثال الأنهار فانهار بها في ماء دجلة ومنها إلى نار جهنم دار البوار ومحل الأشقياء والأشرار".
والخميني أيضاً يبارك عمل الطوسي ويعتبره نصراً للإسلام:
يقول الخميني في كتابه المعروف بالحكومة الإسلامية (ص: 142 ط4) ما نصه: "وإذا كانت ظروف التقية تلزم أحدا منا بالدخول في ركب السلاطين فهنا يجب الامتناع عن ذلك حتى لو أدى الامتناع إلى قتله إلا أن يكون في دخوله الشكلي نصر حقيقي للإسلام والمسلمين مثل دخول علي بن يقطين ونصير الدين الطوسي رحمهما الله".
أقول: فلاحظ كيف أن مجزرة بغداد التي دبرها النصير الطوسي هي نصرة للإسلام والمسلمين.(97/42)
وهؤلاء الذين يدخلون في سلك سلاطين أهل السنة لا يتورعون عن قتل أهل السنة إن سنحت لهم الفرصة كما فعل علي بن يقطين هذا عندما هدم السجن على خمسمائة من السنيين فقتلهم. نقل لنا هذه الحادثة العالم الشيعي الذي وصفوه بالكامل الباذل صدر الحكماء ورئيس العلماء نعمة الله الجزائري في كتابه المعروف الأنوار النعمانية (2/308 طبع تبريز إيران) وإليك القصة بنصها قال: "وفي الروايات أن علي بن يقطين وهو وزير الرشيد فد اجتمع في حبسه جماعة من المخالفين وكان من خواص الشيعة فأمر غلمانه وهدوا سقف الحبس على المحبوسين فماتوا كلهم وكانوا خمسمائة رجل تقريبا فأراد الخلاص من تبعات دمائهم فأرسل إلى الإمام مولانا الكاظم فكتب عليه اسلام إليه جواب كتابه بأنك لو كنت تقدمت إلي قبل قتلهم لما كان عليك شيء من دمائهم وحيث أنك لم تتقدم إلي فكفر عن كل رجل قتلته منهم بتيس والتيس خير منه فانظر إلى هذه الدية الجزيلة التي لا تعادل دية أخيهم الأصغر وهو كلب الصيد فإن ديته عشرون درهما ولا دية أخيهم الأكبر وهو اليهودي أو المجوسي فإنها ثمانمائة درهم وحالهم في الآخرة أخس وابخس". ونقل هذه الرواية أيضاً محسن المعلم في كتابه (النصب والنواصب) ص622ط. دار الهادي – بيروت ليستدل هذا المجرم على جواز قتل أهل السنة أي النواصب في نظره.(97/43)
ويقول الدكتور الهندي المسلم محمد يوسف النجرامي في كتابه الشيعة في الميزان (ص7 طبع مصر): "إن الحروب الصليبية التي قام بها الصليبيون ضد الأمة الإسلامية ليست إلا حلقة من الحلقات المدبرة التي دبرها الشيعة ضد الإسلام والمسلمين كما يذكر ابن الاثير وغيره من المؤرخين وإقامة الدولة الفاطمية في مصر ومحاولاتها تشويه صور السنيين وإنزالها العقاب على كل شخص ينكر معتقدات الشيعة وقتل الملك النادر في دلهي من قبل الحاكم الشيعي آصف خان على رؤوس الأشهاد وإراقة دماء السنيين في ملتان من قبل الوالي أبي الفتح داود الشيعي ومذبحة جماعية للسنيين في مدينة لكناؤ الهند وضواحيها من قبل أمراء الشيعة على أساس عدم تمسكهم بمعتقدات الشيعة بشأن سب الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم وارتكاب المير صادق جريمة الخيانة والغدر في حق السلطان تيبو وطعن المير جعفر وراء ظهر الأمير سراج الدولة..".
ويقول الدكتور محمد يوسف النجرامي في كتابه المذكور أيضاً (نفس الصفحة) : "إن الإجراءات الصارمة التي اتخذتها حكومة الإمام الخميني ضد أمة السنة والجماعة فإنها ليست غريبة عليهم حيث إن التاريخ يشهد بأن الشيعة كانوا وراء تلك النكسات والنكبات التي تعرضت لها الأمة الإسلامية على مر التاريخ".
وعندما كتب عنهم عبد المنعم النمر تعرض لتهديد ووعيد منهم وقد ذكر هذا في كتابه "الشيعة المهدي الدروز تاريخ ووثائق" (ص 10ط الثانية 1988م).(97/44)
إن الشيعة يكنون البغض والعداء والكراهية لأهل السنة ولكنهم لا يجاهرون بهذا العداء بناء على عقيدة التقية الخبيثة بمجاملتهم لأهل السنة وإظهار المودة الزائفة، وهذا جعل أهل السنة لا يفطنون إلى موقف الشيعة الحقيقي وفي هذا يقول الدكتور عبد المنعم النمر في كتابه المؤامرة على الكعبة من القرامطة إلى الخميني (ص118 طبع مكتبة التراث الإسلامي القاهرة): "ولكننا نحن العرب السنيين لا نفطن إلى هذا بل ظننا أن السنين الطويلة قد تكفلت مع الإسلام بمحوه وإزالته فلم يخطر لنا على بال فشاركنا الإيرانيين فرحهم واعتقدنا أن الخميني سيتجاوز أو ينسى مثلنا كل هذه المسائل التاريخية ويؤدي دوره كزعيم إسلامي لأمة إسلامية يقود الصحوة الإسلامية منها وذلك لصالح الإسلام والمسلمين جميعاً لا فرق بين فارسي وعربي ولا بين شيعي وسني ولكن اظهرت الأحداث بعد ذلك أننا كنا غارقين في أحلام وردية أو في بحر آمالنا مما لا يزال بعض شبابنا ورجالنا غارقين فيها حتى الآن برغم الاحداث المزعجة".
هذا وقد نشرت مجلة روز اليوسف في عددها 3409 بتاريخ 11/10/93 تحقيقها عن الشيعة في مصر نقتطف منه هذا الخبر: "ولإزالة الحاجز النفسي بينهم وبين الأجهزة الأمنية عرض الشيعة في مصر في منشوراتهم عرضا غريبا وطريقا حيث طلبوا من الجهات الأمنية استخدام الورقة الشيعية في مواجهة تيار الجهاد والجماعات المتطرفة لأن الشيعة حسب قولهم هم الأقدر على كشف التيارات السلفية وتعريتها وفي فضح فتاوى ابن تيمية حسب قولهم أيضاً التي يستخدمها المترطفون في القتل ونشر الفوضى والاضطراب..".(97/45)
واحذر أخي المسلم أن يقال بأن هذا كذب نسبته المجلة المذكورة إليهم فها أنت علمت أن علماءهم تحالفوا مع الكفار ضد المسلمين من كتب الشيعة أنفسهم فالغاية عندهم تبرر الوسيلة حيث قد أوقفناك على إجماعهم على كفر من لا يعتقد بأئمتهم الاثنى عشر سواء الجهات الأمنية في مصر أو الجماعات الإسلامية علما بأن عداء الشيعة يشتد ضد الملتزمين من أهل السنة على وجه الخصوص ويزداد أكثر فأكثر لمن يعرف حقيقتهم وتقيتهم.
والآن أتدري أخي المسلم ماذا يفعل الشيعي بمن يخالفه عندما يتولى مركزاً في دولة ليست لهم اليد الطولي فيها؟
نترك الإجابة لشيخ طائفتهم ابي جعفر محمد بن الحسن الطوسي في كتابه الفقهي المعتمد عندهم المعروف بـ (النهاية في مجرد الفقه والفتاوى ص302 ط2 دار الكتاب بيروت 1400هـ) حيث قال ما نصه: "ومن تولى ولاية من قبل ظالم في اقامة حد أو تنفيذ حكم فليعتقد انه متول لذلك من جهة سلطان الحق فليقم به على ما تقتضيه شريعة الإيمان ومهما تمكن من إقامة حد على مخالف له فليقمه فإنه من اعظم الجهاد".
هذا هو موقفهم العدائي من المخالف الذي ثبت لنا من الطوسي في كتابيه الاستبصار وتهذيب الاحكام وغيره من علمائهم أنه السني.
هذا الموقف هو في حالة توليهم مركزاً من المراكز في دولة غير شيعية فما بالك بموقفهم في ظل دولة يحكمها مثل هذا الطوسي وأضرابه ؟
نسأل الله العلي العظيم ألا يسلطهم على رقاب المسلمين.
رابعاً: إباحة أموال أهل السنة
وأما إباحة أموال أهل السنة فإضافة إلى ما قرأت نذكر لك ما رووه عن ابي عبد الله أنه قال: "خذ مال الناصب حيث ما وجدته وادفع إلينا الخمس" أخرج هذه الرواية شيخ طائفتهم أبو جعفر الطوسي في تهذيب الأحكام (4/122) والفيض الكاشاني في الوافي (6/43 ط دار الكتب الإسلامية بطهران) ونقل هذا الخبر شيخهم الدرازي البحراني في المحاسن النفسانية (ص167) ووصفه أنه مستفيض.(97/46)
وبمضمون هذا الخبر أفتى مرجعهم الكبير روح الله الخميني في تحرير الوسيلة (1/352) بقوله: "والأقوى إلحاق الناصب بأهل الحرب في إباحة ما اغتنم منهم وتعلق الخمس به بل الظاهر جواز أخذ ماله أين وجد وبأي نحو كان ووجوب إخراج خمسه". ونقل هذه الرواية أيضاً محسن المعلم في كتابه (النصب والنواصب) – دار الهادي – بيروت – ص615 يستدل فيها على جواز أخذ مال أهل السنة لأنهم نواصب في نظر هذا الضال.
إن أسلوب الغش والسرقة والنصب والاحتيال وغيرها من الوسائل المحرمة جائز عند الخميني مع اهل السنة بدليل قوله: (وبأي نحو كان).
وبعض المساكين من أهل السنة ذهبوا إلى الخميني في إيران لتقديم التهاني له والبعض الآخر قدم التعازي لأتباعه عند وفاته وهؤلاء المساكين وللأسف الشديد لا يقرؤون ما يكتبه الخميني ولا علم لهم بما يقصده من الناصب والنواصب ولا ترحمه على النصير الطوسي وتأييد ما ارتكبه من خيانة بحق الإسلام والمسلمين في بغداد فهذا مما يجهله هؤلاء فهم يتسابقون إلى الجهل فالفائز فيهم أكثرهم جهلا ولا حول ولا قوة إلا بالله.
نعم إنهم مساكين ولم يعلموا أن إباحة دم ومال السني الناصب في معتقدهم هو ما أجمعت عليه طائفتهم يقول فقيههم ومحدثهم الشيخ يوسف البحراني في كتابه المعروف والمعتمد عند الشيعة الحدائق الناضرة في احكام العترة الطاهرة )(12/323-324) ما نصه: "إن إطلاق المسلم على الناصب وأنه لا يجوز أخذ ماله من حيث الإسلام خلاف ما عليه الطائفة المحقة سلفا وخلفا من الحكم بكفر الناصب ونجاسته وجواز أخذ ماله بل قتله".
ويقول نعمة الله الجزائري في الأنوار النعمانية جـ 2/307: "يجوز قتلهم (أي النواصب) واستباحة أموالهم".(97/47)
ويقول يوسف البحراني في الحدائق الناضرة (10/360: "وإلى هذا القول ذهب أبو الصلاح، وابن إدريس، وسلار، وهو الحق الظاهر بل الصريح من الأخبار لاستفاضتها وتكاثرها بكفر المخالف ونصبه وشركه وحل ماله ودمه كما بسطنا عليه الكلام بما لا يحوم حوله شبهة النقض والإبرام في كتاب الشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب وما يترتب عليه من المطالب".
ونختتم هذا الفصل بفائدة لم يقف عليها أحد حسب علمي وهي أن النصير الطوسي وابن العلقمي لم يكونا الوحيدين من علماء الشيعة الذين تسببا في نكبة بغداد التي راح ضحيتها مئات الآلاف من المسلمين بل وقفنا على اشتراك مجرم آخر من علمائهم وهو جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي الذي يلقب عندهم بالعلامة كشف لنا هذا شيخهم محمد بن حسن النجفي في جواهر الكلام (22/63) بل ذكر غيرهم ولكنه لم يصرح بأسمائهم.
خامساً: نجاسة أهل السنة عند الشيعة
قال مرجع الشيعة الراحل آيتهم العظمى محسن الحكيم في مستمسك العروة الوثقى (1/392 – 393 ط4 مطبعة الآداب النجف 1391هـ): "وبما في التهذيب بعد نقل ما في المقنعة الوجه فيه أن المخالف لأهل الحق كافر فيجب أن يكون حكمه حكم الكفار إلا ما خرج بالدليل … وكيف فالاستدلال على النجاسة تارة الإجماع المحكي عن الحلي على كفرهم واخرى بالنصوص المتجاوزة حد الاستفاضة بل قيل إنها متواترة المتضمنة كفرهم.. وثالثة بأنهم ممن أنكر ضروري الدين كما في محكى المنتهى مسألة اعتبار الإيمان في مستحق الزكاة وفي شرح كتاب فص الياقوت وغيرها فيعمهم ما دل على كفر منكري الضروري ورابعة بما دل على نجاسة الناصب من الإجماع المتقدم وغيره بضميمة ما دل على أنهم نواصب كخبر معلى بن خنيس…".(97/48)
وبعد أن يطيل في مناقشة هؤلاء ينهي الحكيم بقوله: (1/397 – 398): "اللهم إلا أن يقال بعد البناء على نجاسة الناصب ولو للإجماع يكون الاختلاف في مفهومه من قبيل اختلاف اللغويين في مفهوم اللفظ ويتعين الرجوع فيه إلى الأوثق وهو ?ا عن المشهور من أنه المعادي لهم عليهم السلام فيكون هو موضوع النجاسة ولا سيما وكونه الموافق لموثقة ابن أبي يعفور ?و تمت دلالتها على النجاسة ولروايتي ابن خنيس وسنان المتقدمين بعد حملهما على ما عليه المشهور بأن يراد منهما بيان الفرد للناصب لهم عليهم السلام وهو الناصب لشيعتهم عليهم السلام من حيث كونهم شيعة لهم باب صديق العدو عدو وهذا هو المتعين فلاحظ وتأمل".
قلت: "وهذا هو المتعين وهو أن أهل السنة في نظر الحكيم وأبناء جلدته أعداء.
ويقول مرجعهم المعاصر أبو القاسم الموسوي الخوئي في كتابه (منهاج الصالحين 1/16 طبع النجف ): "في عدد الأعيان النجسة وهي عشرة … العاشر: الكافر وهو من لم ينتحل دينا أو انتحل دينا غير الإسلام أو انتحل الإسلام وجحد ما يعلم أنه من الدين الإسلامي بحيث رجع جحده إلى إنكار الرسالة نعم إنكار الميعاد يوجب الكفر مطلقاً ولا فرق بين المرتد والكافر الأصلي الحربي والذمي والخارجي والغالي والناصب".
ويقول مرجعهم الأسبق محمد كاظم الطباطبائي في كتابه العروة الوثقى (1/68 ? طهران إيران): "لا إشكال في نجاسة الغلاة والخوارج والنواصب".
ويقول علامتهم آية الله الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي المعروف بالعلامة الحلي في كتابه نهاية الأحكام في معرفة الأحكام (1/274 طبع بيروت): "والخوارج والغلاة والناصب وهو الذي يتظاهر بعداوة أهل البيت عليهم السلام أنجاس".
ويقول آيتهم العظمى روح الله الموسوي الخميني في كتابه المعروف تحرير الوسيلة (1/118 ? بيروت) : "وأما النواصب والخوارج لعنهم الله تعالى فهما نجسان من غير توقف".(97/49)
ويقول روح الله الموسوي الخميني في تحرير الوسيلة (1/119): "غير الاثنى عشرية من فرق الشيعة أذ لم يظهر منهم نصب ومعاداة وسب لسائر الأئمة الذين لا يعتقدون بإمامتهم طاهرون وأما مع ظهور ذلك منهم فهم مثل سائر النواصب".
لاحظ أخي القارئ كيف أن غير الاثنى عشرية طاهر ولكن من فرق الشيعة وأما أهل السنة فلم يذكرهم لأنهم أنجاس قطعا ولو لم نظفر على تعريفهم الناصب لكان في كلام الخميني هذا دليلا كافيا على أن أهل السنة عندهم نواصب وأنجاس.
روى شيخهم محمد بن علي بن الحسين القمي الملقب بالصدوق في عقاب الاعمال (?252 ? بيروت) عن الإمام الصادق إنه قال: "إن المؤمن ليشفع في حميمه إلا أن يكون ناصباً ولو أن ناصبا شفع له كل نبي مرسل وملك مقرب ما شفعوا" وذكر شيخهم محمد باقر المجلسي هذه الرواية في موسوعته بحار الأنوار (8/41).
وروى الصدوق في كتابه المذكور (الصفحة نفسها) عن ابي بصير عن أبي عبد الله قال: "إن نوحا حمل في السفينة الكلب والخنزير ولم يحمل فيها ولد الزنا والناصب شر من ولد الزنا".
يقول آية الله العظمى سيد عبد الأعلى الموسوي السبزواري في جامع الأحكام (?57 ?4 منشورات دار الكتاب الإسلامي بيروت 1992?): "الكافر وهو من انتحل دينا غير الإسلام وجحد ما يعلم أنه ضروري من الدين الإسلامي بحيث رجع إلى إنكار الألوهية أو الرسالة أو إنكار المعاد بلا فرق في ذلك بين المرتد والكافر الأصلي والذمي والخوارج والغلاة والنواصب".
يقول آيتهم العظمى الحاج السيد محمد رضا الكلبايكاني في مختصر الأحكام (?9 ?6 مطبعة أمير المؤمنين قم منشورات دار القرآن الكريم بإيران): "ناصب العداوة لأحد من المعصومين الأربعة عشر سلام الله عليهم أو الساب له نجس وإن أظهر الإسلام ولا إشكال في كفر الغلاة ونجاستهم وهم المعتقدون بألوهيته أمير المؤمنين وكذا الخوارج والنواصب".(97/50)
أقول: لاحظ أنه ذكر النصب الذي فيه عداء لأهل البيت وسب لهم رضي الله عنهم وهم النواصب المعروفون في التاريخ ولا يوجد أحد منهم اليوم ثم جاء لذكر نواصب من نوع آخر ومنهم الخوارج بقوله وكذا .. أي أهل السنة وقد سبق واثبتنا أن الناصب عندهم هو السني (راجع فصل النواصب في معتقد الشيعة هم أهل السنة والجماعة).
يقول شيخهم يوسف البحراني في شرح الرسالة الصلاتية (?334 ?1 مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت 1988): "ولا يخفى ما في هذا الاستدلال من الضعف والوهن لدلالة الأخبار المستفيضة بل المتواترة معنى كما أوضحناه في الرسالة المشار إليها على كفر المخالف الغير مستضعف ونصبه ونجاسته ولا ريب أن هذين الخبرين يقصران عن معارضة تلك الأخبار سنداً وعددا ودلالة فالواجب حملها إما على التقية وهو الأظهر بقرينة الرواة فيهما او تخصيصها بما عدا المخالف كما أنه يجب تخصيصها بما عدا الغالي والخوارج والنواصب بالمعنى المشهور بين الأصحاب فإنهم لا يختلفون في كفر الجميع".
ويقول نعمة الله الجزائري في كتاب الأنوار النعمانية ?2/306 الأعلمي – بيروت "وأما الناصب وأحواله، فهو بما يتم ببيان أمرين:
الأول: في بيان معنى الناصبي الذي ورد في الأخبار أنه نجس، وأنه أشر من اليهودي والنصراني والمجوسي وأنه كافر نجس بإجماع علماء الإمامية رضوان الله عليهم".
وقال مرجع الشيعة الميرزا حسن الحائري الإحقاقي في كتابه أحكام الشيعة 1/137 ? مكتبة جعفر الصادق – الكويت . "والنجاسات: وهي اثنا عشر، وعد الكفار منها ثم عد النواصب من أقسام الكفار".
وقال نفس هذا الكلام آية الله جواد التبريزي في المسائل المنتخبة ?66 مكتبة الفقيه – الكويت. وآية الله علي السيستاني في المسائل المنتخبة ? 81 دار التوحيد – الكويت. وآية الله ميرزا علي الغروي في (موجز الفتاوى المستنبطة ?115) دار المحجة البيضاء – بيروت.
سادساً: تحريمهم العمل عند أهل السنة إلا تقية(97/51)
وهم يدخلون في سلك سلاطين أهل السنة لدفع الضرر عن أبناء جلدتهم وبغرض التشفي منهم هذا ما يحثهم عليه مذهبهم فيروي العاملي في وسائل الشيعة (12/137) عن أبي الحسن علي بن محمد أن محمد بن علي بن عيسى كتب إليه يسأله عن العمل لبني العباس وأخذ ما يتمكن من اموالهم هل فيه رخصة؟ فقال: ما كان المدخل فيه بالجبر والقهر فالله قابل العذر وما خلاف ذلك فمكروه ولا محالة قليلة خير من كثيرة وما يكفر به ما يلزمه من يرزقه بسبب وعلى يديه ما يسرك فينا وفي موالينا قال: فكتبت إليه في جواب ذلك أعلمه أن مذهبي في الدخول في أمرهم وجود السبيل إلى إدخال المكروه على عدو انبساط اليد في التشفي منهم بشيء أتقرب به إليهم فأجاب: من فعل ذلك فليس مدخله في العمل حراما بل أجرا وثوابا".
أقول: فلاحظ كيف أن هذا الشيعي لما اخبر الأمام بأن غرضه من الدخول في سلك بني العباس هو إدخال المكروه عليهم والتشفي منهم أجابه الإمام بأن في هذا أجرا وثوابا.(97/52)
وروى الحر العاملي في وسائل الشيعة (12/131) عن صفوان بن مهران الجمال قال: دخلت على أبي الحسن الأول فقال لي: يا صفوان كل شيء منك حسن جميل ما خلا شيئاً واحد قلت: جعلت فداك أي شيء؟ قال: إكراؤك جمالك من هذا الرجل يعني هارون قال: والله ما اكريته اشراً ولا بطراً ولا للصيد ولا للهو ولكني أكريته لهذا الطريق يعني طريق مكة ولا أتولاه بنفسي ولكن أبعث معه غلماني فقال لي يا صفوان أيقع كراؤك عليهم؟ قلت: نعم جعلت فداك قال: فقال لي أتحب بقاءهم حتى لا يخرج كراؤك؟ قلت: نعم. قلت: من احب بقاءهم فهو منهم ومن كان منهم كان ورده النار قال صفوان: فذهبت فبعت جمالي عن آخرها فبلغ ذلك هارون فدعاني فقال لي: يا صفوان بلغني أنك بعت جمالك . قلت نعم قال: ولم قلت: أنا شيخ كبير وإن الغلمان لا يفون بالأعمال؟ فقال: هيهات هيهات إني لأعلم من اشار عليك بهذا أشار عليك بهذا موسى بن جعفر قلت: مالي ولموسى بن جعفر؟ فقال: دع عنك هذا فوالله لولا حسن صحبتك لقتلتك".
وروى الحر العاملي في وسائل الشيعة (12/140) عن علي بن يقطين قال: قلت لأبي الحسن : ما تقول في أعمال هؤلاء؟ قال: إن كنت لا بد فاعلا فاتق أموال الشيعة قال: فأخبرني على أنه كان يجيبها من الشيعة علانية ويردها عليهم في السر".
أقول: انتبهوا واعتبروا يا علماء المسلمين: "يجيبها من الشيعة علانية ويردها عليهم في السر".
سابعاً: لعنهم موتى أهل السنة عند حضور جنائزهم
قال شيخهم محمد بن محمد بن النعمان الملقب بالمفيد في كتاب (المقنعة ? 85 مؤسسة النشر الإسلامي قم إيران): "ولا يجوز لأحد من أهل الإيمان أن يغسل مخالفا للحق في الولاية ولا يصلي عليه إلا أن تدعوه ضرورة إلى ذلك من جهة التقية فيغسله تغسيل أهل الخلاف ولا يترك معه جريدة ?إذا صلى عليه لعنه ولم يدع له فيها".(97/53)
ونقل كلامه هذا شيخ طائفتهم ابو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في تهذيب الأحكام (1/335 ?3 طهران) مقرا له على خبثه وحقده على من ليس على مذهبه وقال: "فالوجه فيه أن المخالف لأهل الحق كافر فيجب أن يكون حكمه حكم الكافر إلا ما خرج بالدليل وإذا كان غسل الكافر لا يجوز فيجب أن يكون غسل المخالف أيضاً غير جائز وأما الصلاة عليه فيكون على حد ما كان يصلي النبي صلى لله عليه وسلم وآله والأئمة عليهم السلام على المنافقين وسنبين فيما بعد كيفية الصلاة على المخالفين إن شاء الله تعالى والذي يدل على أن غسل الكافر لا يجوز بإجماع الأمة لأنه لا خلاف بينهم في أن ذلك محظور في الشريعة".
واقتطف شيخهم محسن الحكيم في مستمسك العروة الوثقى (1/392) جزءا من كلام الطوسي هذا.
وروى الطوسي في تهذيب الأحكام (3/196) عن الحلبي عن أبي عبد الله قال: لما مات عبد الله بن أبي سلول حضر النبي صلى لله عليه وآله جنازته فقال عمر لرسول الله: يا رسول الله ألم ينهك الله أن تقوم على قبره؟ فسكت فقال: يا رسول الله ألم ينهك الله أن تقوم على قبره؟ فقال له: ويلك وما يدريك ما قلت؟ إني قلت: اللهم احش جوفه ناراً واملأ قبره ناراً واصله ناراً فقال عبد الله : ?ُبدى من رسول الله صلى الله عليه وآله ما كان يكره.
وقد ادرج الحر العاملي هذه الرواية في وسائل الشيعة 2/770 تحت باب (كيفية الصلاة على المخالف وكراهة الفرار من جنازته إذا كان يظهر الإسلام).
أقول: هذا مما يدل على أن هذا الدعاء ينطبق عنده على أهل السنة والعياذ بالله.(97/54)
وروى الطوسي في تهذيب الأحكام (3/197) وابن بابويه الصدوق !! في فقيهي من لا يحضره الفقيه (1/105 ?5 دار الكتب الإسلامية طهران) والحر العاملي في وسائل الشيعة (2/771) عن أبي عبد الله أن رجلا من المنافقين مات فخرج الحسين بن علي يمشي معه فلقيه مولى له فقال له الحسين : أين تذهب يا فلان؟ قال: فقال له مولاه: افر من جنازة هذا المنافق أن أصلي عليه فقال له الحسين : انظر أن تقوم على يميني فما تسمعني أن أقول فقل مثله فلما أن كبر عليه وليه قال الحسين : الله أكبر اللهم العن فلانا عبدك ألف لعنة مؤتلفة غير مختلفة اللهم اخز عبدك في عبادك وبلادك وأصله حر نارك وأذقه أشد عذابك فإنه كان يتولى أعداءك ويعادي أولياءك ويبغض أهل بيت نبيك" اللفظ للوسائل.
فائدة: قال محمد بن الحسن الطوسي في التهذيب (3/316): "وأما ما يتضمن من الأربع تكبيرات محمول على التقية لأنه مذهب المخالفين..".
أقول: ومنه يفهم إطلاق لفظ المخالفين على أهل السنة خاصة لأنهم يكبرون أربع تكبيرات على الجنائز وبه يتضح ما جاء في الوسائل من باب الصلاة على المخالف أي السني حيث أدرج تحته الروايات التي أمامك وروى الحر العاملي في وسائل الشيعة (2/771) باب كيفية الصلاة على المخالف (السني) عن محمد بن مسلم عن أحدهما قال: "إن كان جاحداً للحق فقل: اللهم أملأ جوفه ناراً وقبره ناراً وسلط عليه الحيات والعقارب".
وذكر هذه الرواية شيخهم يوسف البحراني في الحدائق (10/414) ومحمد حسن النجفي في جواهر الكلام (12/48).(97/55)
وروى شيخهم الصدوق في كتاب فقيه من لا يحضره الفقيه (1/105) عن ابي عبد الله قال: "إذا صليت على عدو الله فقل: اللهم إنا لا نعلم إلا أنه عدو لك ولرسولك اللهم فاحش قبره نارا واحش جوفه نارا وعجل به إلى النار فإنه كان يوالي أعداءك ويعادي أولياءك ويبغض أهل بيت نبيك اللهم ضيق عليه قبره فإذا رفع فقل! اللهم لا ترفعه ولا تزيكه" وذكرها الحر في وسائل الشيعة (2/77) باب كيفية الصلاة على المخالف وكذلك البحراني في الحدائق (10/414) والنجفي في الجواهر (12/49).
وقال يوسف البحراني بعد أن أورد هذه الرواية وغيرها في الحدائق (10/415): "وهذه الروايات كلها كما ترى ظاهرة في المخالف من أهل السنة وحينئذ فيجب أن يقصر كل من هذه الأخبار والخبرين المتقدمين على مورده " ?.هـ.
إن قول الأغمام (إن كان جاحداً للحق) أي إن كان لا يعتقد بالأئمة الاثنى عشر وهو ركن من أركان الدين عندهم لذا قال شيخهم ابن بابوية الصدوق في الفقيه (1/101): "والعلة التي من اجلها يكبر على الميت خمس تكبيرات أن الله تبارك وتعالى فرض على الناس خمس فرائض الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية".
والولاية كما قلنا هي عندهم إمامة الأئمة الاثنى عشر كما صرح بهذا الشيخ يوسف البحراني في الحدائق (10/359) بقوله: "لا خلافة في وجوب الصلاة على المؤمن المعتقد لإمامه الاثنى عشر عليهم السلام كما أنه لا خلاف ولا إشكال في عدم وجوب بل عدم جواز إلا للتقية على الخوارج والنواصب والغلاة والزيدية ونحوها ممن يعتقد خلاف ما علم من الدين ضرورة".
وقال في شرح الرسالة الصلاتية (?328): "وليعلم أن الدعاء بعد الرابع للميت إن كان مؤمنا وأما غير المؤمن فيدعوا عليه إن كان مخالفا للحق فيقول: اللهم املأ جوفه نارا وقبره نارا وسلط عليه الحيات والعقارب كذا في صحيحه محمد بن مسلم وروى أيضاً غير ذلك".(97/56)
ويقول في الحدائق (10/417): "وبالجملة فإنك قد عرفت مما قدمنا ذكره في المطلب الأول أن المخالف لا يصلي عليه إلا أن تلجئ التقية إلى ذلك".
وينقل شيخهم أبو أحمد بن أحمد بن خلف آل عصفور البحراني في حاشيته على شرح الرسالة الصلاتية (هامش ?333) كلام علامتهم المفيد ثم يقول بعد ذلك: "ووافقه الشيخ في التهذيب على ذلك حيث استدل له بأن المخالف لأهل الحق كافر فيجب أن يكون حكمه حكم الكفار إلى آخر كلامه ومنع أبو الصلاح من جواز الصلاة على المخالف إلا تقية ومنع ابن إدريس وجوب الصلاة إلا على المعتقد ومن كان بحكمه من المستضعف وابن الست سنين وكذلك يفهم من كلام سلار ومذهب السيد المرتضى في المخالفين واضح حيث حكم بكفرهم" ?. هـ.
وقوله (إلا على المعتقد) أي المعتقد بالأئمة الاثنى عشر.
ويقول الميرزا حسن الحائري الأحقافي في كتابه أحكام الشيعة ?1 ?186 ? مكتبة جعفر الصادق – الكويت – 1997: "لا يجوز الصلاة على الكافر بجميع اقسامه كتابيا أو غيره وكذا على المخالف إلا لتقية أو ضرورة فيلعن عليه عقيب التكبيرة الرابعة ولا يكبر للخامسة.
ويقول أيضاً في المصدر السابق ?1 ?187: "يجب التكبير خمساً بينهن أربع دعوات إذا كانت الصلاة على المؤمن وإن كانت على المخالف أو المنافق يقتصر على اربع تكبيرات وبعد الرابعة يدعى عليه.
ثامناً: صلاة التقية لخداع أهل السنة
ينخدع البعض بصلاة الشيعة خلف أئمة أهل السنة ويظن هذا دليلا على محبتهم وأخوتهم لأهل السنة وقد مر في فصل عقيدة الشيعة فيمن لا يقول بإمامه الاثنى عشر قول الخميني إن الإيمان لا يحصل إلا بواسطة ولاية علي وأوصيائه وأن معرفة الولاية شرط في قبول الأعمال حيث ذكر أن هذا من الأمور المسلمة عندهم فتعال واسمع ما يكشف لك المكنون.(97/57)
بوب شيخهم ومحدثهم محمد بن الحسن الحر العاملي في موسوعته المعتمدة عند الشيعة (وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة ?1 ?90) بابا بعنوان: (بطلان العبادة بدون ولاية الأئمة عليهم السلام واعتقاد إمامتهم) وأدرج تحته تسعة عشر حديثا منها عن ابي جعفر وهو يخاطب شيعته: "أما والله ما لله – عز ذكره – حاج غيركم ولا يقبل إلا منكم".
ثم قال الحر العاملي في وسائل الشيعة بعد الحديث التاسع عشر (1/96): "والأحاديث في ذلك كثيرة جدا" ثم بوب بابا في وسائله (5/388) بعنوان: "اشتراط كون إمام الجماعة مؤمنا مواليا للأئمة وعدم جواز الاقتداء بالمخالف في الاعتقادات الصحيحة الأصولية إلا تقية".
ثم يأتي شيخهم وسيدهم ومولاهم وفقيد إسلامهم ومحققهم وعلامتهم وإمامهم وآيتهم العظمى() الحاج أقا حسين الطبطبائي البروجردي في موسوعته المهمة جدا عند الشيعة وهي جامع أحاديث الشيعة ?1 ?426 فيبوب بابا بعنوان: "اشتراط قبول الأعمال بولاية الأئمة عليهم السلام واعتقاد إمامتهم" وأدرج تحته 78 حديثا منها ما رواه في المصدر المذكور (1/429) عن النبي وآله أنه قال: "والذي بعثني بالحق لو تعبد أحدهم ألف عام بين الركن والمقام ثم لم يأت بولاية علي والأئمة من ولده عليهم السلام أكبه الله على منخريه في النار".
وروى هذا البروجردي (1/431) عن أبي حمزة قال: سمعت أبا عبد الله يقول: "من خالفكم وإن تعبد ?اجتهد منسوب إلى هذه الآية وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة تصلى نارا حامية".
هذا هو الأصل الثابت في معتقدهم ولما كان دينهم مبنيا على التقية وخداع الآخرين وعدم الصدق معهم أجازوا الصلاة تقية وخداعا لأهل السنة فقد بوب الحر العاملي في وسائل الشيعة (5/388) بابا بعنوان: "اشتراط كون إمام الجماعة مؤمنا مواليا للأئمة وعدم جواز الاقتداء بالمخالف في الاعتقادات الصحيحة الأصولية إلا تقية".(97/58)
ثم بوب في وسائل الشيعة (5/383) بابا بعنوان: "استحباب إيقاع الفريضة قبل المخالف وحضورها معه".
وكذلك بوب باباً في وسائل الشيعة (5/381) عنوانه: "استحباب حضور الجماعة خلف من لا يقتدى به للتقية والقيام في الصف الأول معه".
وكذلك بوب البروجردي في جامع أحاديث الشيعة (6/410) بابا بعنوان: "عدم جواز الصلاة خلف المخالف في الاعتقادات الصحيحة إلا للتقية فإنه يستحب لها حضور جماعتهم والقيام معهم في الصف الأول، وبوب أيضاً في جامع أحاديث الشيعة (6/418) بابا بعنوان: "أنه يستحب للرجل أن يصلي الفريضة في وقتها ثم يصلي مع المخالف تقية إماما كان أو مأموما أو يجهلها نافلة ?و يريهم أنه يصلي ولا يصلي".
· ... لذلك عندما سئل آيتهم العظمى أبو القاسم الخوئي كما في كتاب مسائل وردود (1/26? مهر قم) عن الصلاة مع جماعة المسلمين.
أجاب: "تصح إذا كانت تقية".
· ... وعندما سئل آيتهم العظمى محمد رضا الموسوي الكلبيكاني كما في (إرشاد السائل ? 38? مكتبة الفقيه الكويت) عن الصلاة في مساجد المسلمين.
أجاب: "يجوز كل ذلك في حال التقية إذا كان الالتزام بترك الصلاة معهم أو في مساجدهم معرضا للفتنة والتباغض".
· ... وسئل أيضاً في كتابه مجمع المسائل توزيع مكتبة العرفان – الكويت ?1 ? 194: هل يجوز الاقتداء بإمام جماعة سني أم لا؟
أجاب: (يجوز ذلك في حال التقية وثوابه عظيم).
· ... وقال أيضاً في إرشاد السائل ? 39 ? مكتبة الفقيه – الكويت. حين سئل: (هل تجوز الصلاة خلف السني مأموناً بدون أن اقرأ لنفسي).
أجاب: "لا بأس بها مع الضرورة ومع عدم الضرورة تعاد الصلاة مع الامكان والله العالم".
· ... وسئل علي الخامئني في كتابه (أجوبة الاستفتاءات) ? 178 ? دار الحق – بيروت: (هل تجوز الصلاة خلف أهل السنة جماعة)?(97/59)
أجاب: (تجوز الصلاة جماعة خلفهم إذا كانت للمداراة معهم ولكن أخي المسلم عندما نشر هذا الكتاب في الكويت عبر (دار النبأ للنشر والتوزيع) طبقوا الشيعة عقيدة التقية عندهم وغيروا (للمداراة معهم) إلى كلمة (للحفاظ على الوحدة الإسلامية).
· ... وسئل آيتهم كاظم الحائري في كتابه الفتاوى المنتخبة (?1 ?75) ? مكتبة الفقيه – الكويت: هل تجوز الصلاة خلف اخواننا السنة لغير تقية. وما حكم فتوى الإمام الخميني في موسم الحج بجواز الصلاة خلف السنة؟
أجاب: (لا يجوز، وقياسه بفتوى الإمام في موسم الحج قياس مع الفارق).
· ... وقال أيضاً في المصدر السابق ? 81 عندما سئل: (هل عنوان الوحدة الإسلامية تعد مناطاً لجواز الصلاة خلف السني؟
أجاب: (الوحدة تعد مناطاً لجواز الصلاة خلف السني، ولكن الاحوط إعادة الصلاة).
· ... وسئل آيتهم العظمى محمد حسين فضل الله في "المسائل الفقهية ?1 ?107 دار الملاك): هل يجوز الائتمام بالمخالف لنا في المذهب نظرا للاختلاف بعض أحكام الصلاة بيننا وبينه ?
أجاب: (يجوز ذلك بعنوان التقية…) .
· ... وأيضاً الميرزا حسن الحائري الأحقاقي في كتباه أحكام الشيعة ?2 ? 341? 342 تحت عنوان (في موارد الجماعة):
قال: يجب الحضور عند الضرورة والتقية في جماعة المخالفين والصلاة معهم ويكتفي بها.
وقال: إذا تمكن (أي الشيعي) أن يصلي قبل الحضور ولاقتداء بهم (أي أهل السنة) في منزله ثم يحضر الجماعة معهم، أو يعيد صلاته بعد الحضور معهم فعل.
وقال أيضاً: يستحب في عدم الضرورة حضور جماعتهم (أي أهل السنة) والوقوف معهم في الصف الأول تقية ومتابعتهم ظاهراً ولكن يصلي بنفسه من غير ?قتداء.(97/60)
أخي المسلم: لقد عرفت بعد هذه الفتاوي أن صلاة الشيعة خلف أهل السنة مجرد خدعة فلقد اعترف بهذه الخدعة الداعية الشيعي محمد التيجاني حيث قال: "فكانوا – يقصد الشيعة – كثيراً ما يصلون مع أهل السنة والجماعة تقية وينسحبون فور انقضاء الصلاة ولعل أكثرهم يعيد صلاته عند الرجوع إلى البيت) كل الحلول عند آل الرسول ? 160 دار المجتبى – بيروت.
· ... وايضاً فإن وضع اليد اليمنى على اليسرى والتأمين (قول آمين) بعد الفاتحة كما يفعل أهل السنة من مبطلات الصلاة عند الشيعة، ولكن يمكن إجازتها في حالة التقية.
وقد أفتى بهذا :
1- ... روح الله الموسوي الخميني في تحرير الوسيلة (1/186?2- ... 190) فإنه يرى أن وضع اليد اليمنى على اليسرى من مبطلات الصلاة ولكنه أجازها تقية.
3- ... آيتهم العظمى محمد رضا الكلبيكاني في مختصر الأحكام (?68-69).
4- ... آيتهم العظمى سيد عبد الأعلى السبزواري في جامع الأحكام (?92-93).
5- ... حسن الحائري الأحقاقي في أحكام الشيعة – ?2 ?325 – 1997?.
6- ... محمد حسين فضل الله في المسائل الفقهية ?1 ?92 ? الملاك – بيروت.
7- ... الميرزا علي الغروي في (موجز الفتاوى المستنبطة والعبادات) ? 181-دار المحجة البيضاء – بيروت).
8- ... علي السيستاني في المسائل المنتجة ?139 دار التوحيد – الكويت.
9- ... جواد التبريزي في المسائل المنتخبة ? 119-مكتبة الفقيه – الكويت.
10- ... أبو القاسم الخوئي (المسائل المنتخبة – مبطلات الصلاة).
تاسعاً: جواز اغتياب المخالفين (أهل السنة)
يقول مجتهدهم الأكبر الراحل روح الله الموسوي الخميني في كتاب المكاسب المحرمة (1/251 طبع قم إيران): "والإنصاف أن الناظر في الروايات لا ينبغي أن يرتاب في قصورها عن إثبات حرمة غيبتهم بل لا ينبغي أن يرتاب في أن الظاهر من مجموعها اختصاصها بغيبة المؤمن الموالي لأئمة الحق عليهم السلام".(97/61)
أقول: فلاحظ أن حرمة الغيبة مختصة عنده بالمؤمن القائل بالأئمة الاثنى عشر وقد قرر قبل هذا أن الروايات عنده قاصرة عن إثبات حرمة غيبتهم أي أهل السنة فلاحظ أسلوبه الملتوى حيث لم يذكر أهل السنة الاسم بل قال: "في قصورها عن إثبات حرمة غيبتهم".
ويقول الخميني أيضاً في المكاسب المحرمة (1/249): "ثم إن الظاهر اختصاص الحرمة بغيبة المؤمن فيجوز اغتياب المخالف إلا أن تقتضي التقية وغيرها لزوم الكف عنهم".
ويقول آيتهم السيد عبد الحسين دستغيب والذي يسمونه شهيد المحراب في كتابه الذنوب الكبيرة (2/267ط الدار الإسلامية بيوت 1988م) ما نصه: "ويجب أن يعلم أن حرمة الغيبة مختصة بالمؤمن أي المعتقد بالعقائد الحقة ومنها الاعتقاد بالأئمة الاثنى عشر عليهم السلام وبناء على ذلك فإن غيبة المخالفين ليست حراماً".
أقول: هذا ما يقرره السيد دستغيب أحد المقربين للإمام آية الله الخميني والذي أناطوا به زعامة الثورة في شيراز منذ عام 1983م فعدم اغتياب أهل السنة بشكل علني ناتج عن التقية لا لأننا مسلمون لنا حرمة عندهم لأن المحرم اعتيابه عندهم هو المؤمن الموالي للأئمة الاثنى عشر.
وقد قرر شيخهم محمد حسن النجفي ما قرره الخميني فيقول في كتابه (جواهر الكلام 22/63) بما نصه : "وعلى كل حال فقد ظهر اختصاص الحرمة بالمؤمنين القائلين بإمامة الأئمة الاثنى عشر دون غيرهم من الكافرين والمخالفين لو بإنكار واحد منهم عليهم السلام".(97/62)
ويقول محمد حسن النجفي يأيضاً (22/62) "وعلى كل حال فالظاهر إلحاق المخالفين بالمشركين في ذلك لاتحاد الكفر الإسلامي والإيماني فيه بل لعل هجاءهم على رؤوس الأشهاد من أفضل عبادة العباد ما لم تمنع التقية وأولى من ذلك غيبتهم التي جرت سيرة الشيعة عليها في جميع الأعصار والأمصار وعلمائهم وعوامهم حتى ملأوا القراطيس منها بل هي عندهم من أفضل الطاعات وأكمل القربات فلا غرابة في دعوى تحصيل الإجماع كما عن بعضهم بل يمكن دعوى كون ذلك من الضروريات فضلا عن القطعيات".
ثم وقفت على كتيب بعنوان (منية السائل) وهو مجموعة فتاوى هامة لآيتهم العظمى أبي القاسم الخوئي طبعته للمرة الثانية دار المجتبى في بيروت عام 1412هـ . في الصفحة 218 سئل الخوئي:
هل يجوز غيبة المخالف؟ والمؤمن في منهاج الصالحين بالمعنى العام الإسلام أو المعنى الخاص الولاية لأهل العصمة؟
فأجاب الخوئي: "نعم تجوز غيبة المخالف والمراد من المؤمن الذي لا تجوز غيبته بالمعنى الخاص".
وروت الشيعة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: "إذا رأيتم أهل البدع والريب من بعدي فأظهروا البراءة منهم وأكثروا من سبهم والقول فيهم والوقيعة وباهتوهم كي لا يطعموا في الفساد في الإسلام ويحذرهم الناس() أخرج هذه الرواية شيخهم أبو الحسين ورام بن أبي فراس الأشري المتوفي سنة 605هـ في تنبيه الخواطر ونزهة المعروف بمجموعة ورام ص 162 من المجلد الثاني المطبوع في بيروت من قبل مؤسسة الأعلمي كما أخرجها محدثهم محمد بن الحسن الحر العاملي في وسائل الشيعة ج11 ص508.(97/63)
وذكر هذه الرواية شيخهم الصادق الموسوي عن الإمام السجاد في كتابه (نهج الانتصار) وعلق عليها (هامش ص 152) بقوله : "إن الإمام السجاد يجيز كل تصرف بحق أهل البدع من الظالمين ومستغلي الأمة الإسلامية من قبيل البراءة منهم وسبهم وترويج شائعات السوء بحقهم والوقيعة والمباهتة كل ذلك حتى لا يطعموا في الفساد في الإسلام وفي بلاد المسلمين وحتى يحذرهم الناس لكثرة ما يرون وما يسمعون من كلام سوء عنهم هكذا يتصرف أئمة الإسلام لإزالة أهل الكفر والظلم والبدع فليتعلم المسلمون من قادتهم وليسيروا على نهجهم". انتهى كلامه.
أقول: لاحظ معتقدهم البعيد عن الإسلام:
"كل تصرف"
"براءة"
"سب"
"ترويج شائعات سوء"
"مباهتة"
"وقيعة"
والنتيجة التي ينتظرونها هي: "يحذرهم الناس لكثرة ما يرون وما يسمعون من كلام سوء عنهم". إنها بروتوكولات علماء صهيون، أو تزيد.
ولا يكتفون بهذا بل طالبوا المسلمين بتعلم هذه الأساليب المرفوضة شرعاً.
وقد طبقوا هذه بحق اهل السنة وقادتهم فنسبوا إلى عمر بأنه مصاب بداء لا يشفيه منه إلا ماء الرجال جاء ذلك في كتابهم المعروف الأنوار النعمانية (ج1/ب1 ص63). انظر قذف عمر بن الخطاب في هذا الكتاب.
ونسبوا إلى الفاروق أنه هم بإحراق بيت فاطمة.
ونسب محمد جواد مغنية في كتابه (هذه هي الوهابية) إلى الوهابين إباحة السحر ووضع المصحف والعياذ بالله الكنيف() فهل سمعتم أو رايتم أو قرأتم أن أحداً من الوهابيين أي السلفيين يبيح ما بهتهم به هذا الأفاك.
لقد انتصر الإسلام على خصومه بالأدلة والبراهين والصدق والعدل والإنصاف ولم ينتصر بالسب وترويج الشائعات والوقعية والبهتان قال عز وجل: ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى (المائدة: 8).
عاشراً: الدين الحق عند الشيعة
هو مخالفة ما عليه أهل السنة(97/64)
ذكر أحد كتابهم المعاصرين السيد مرتضى العسكري في كتابه (معالم المدرستين() ج1 ص22 – 23 ط مكتبة الفقيه الكويت) أنه زار المدينة المنورة وبعد أن أستقر به الجلوس في الجامعة الإسلامية قدم تحايا علماء المسلمين في العراق (قال): والمسلمون اليوم بأمس الحاجة إليها – الوحدة – فإنهم في شتى اصقاع الأرض ابتلوا بالاستعمار الغازي الكافر.. إلى أن قال (1/23 هامش): "إنما أشرت إلى أحاديثي في هذه السفرة ليعلم مدى إخلاصي للشعار الذي كنت ارفعه والأطروحة التي كنت أطرحها واحيانا كان الألم يعصر قلبي.." أقول: روى محدثهم الحر العاملي في وسائل الشيعة (18/84) عن عبد الرحمن بن ابي عبد الله قال: قال الصادق "إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فردوه فإن لم تجدوها في كتاب الله فاعرضوها على أخبار العامة فما وافق أخبارهم فذروه وما خالف أخبارهم فخذوه" والمقصود بالعامة الذين زعموا أن الإمام الصادق أمر بالأخذ بما يخالفهم هم أهل السنة كما صرح بهذا مجتهدهم الأكبر الراحل محسن الأمين في كتابه أعيان الشيعة (1/21 ط دار التعارف بيروت) ما نصه: "الخاصة وهذا يطلقه أصحابنا على انفسنا مقابل العامة الذين يسمونه بأهل السنة" قال مرجع الشيعة الراحل روح الله الخميني في كتابه الرسائل (2/83): "وعلى أي حال لا إشكال في أن مخالفة العامة من مرجحات باب التعارض".
والأستاذ المتباكي على الوحدة مرتضي العسكري أخرج الرواية السابقة التي تطالبه بأن يأخذ من المحدثين المتعارضين ما يخالف أهل السنة قال قبل إيراده الرواية في كتابه المذكور (3/269) ما نصه "وعلى ما ذكرنا في هذه البحوث من الصحيح أن نترك من الحديثين المتعارضين ما وافق اتجاه مدرسة الخلفاء".(97/65)
ويبوح العسكري بما في صدره من حسد وغل على علماء أهل السنة فيقول (1/289): "وقد راينا العلماء بمدرسة الخلفاء مجمعين() على كتمان كل رواية أو خبر تسبب توجيه النقد إلى ذوي السلطة في صدر الإسلام".
ويقول العسكري (1/263): "من أنواع الكتمان بمدرسة الخلفاء وضع الأخبار ونشر الروايات المختلقة بدلا من الروايات الصحيحة".
ويقول أيضاً (1/254): "وهذا الصنف من الكتمان أي كتمان تمام الخبر دونما إشارة إليه كثير عند علماء مدرسة الخلفاء".
ويقول العسكري (2/48 – 49): "إن مدرسة الخلفاء حين أغلقت على المسلمين باب التحديث عن رسول الله كما أشرنا إليه فتحت لهم باب الأحاديث الإسرائيلية على مصراعيه".ا.هـ.
لقد وردت روايات كثيرة عند الشيعة تحثهم على الأخذ بما يخالف أهل السنة. روى الحر العاملي في وسائل الشيعة (18/85-86) وروح الله الموسوي الخميني في الرسائل (2/81) ومحمد باقر الصدر في تعارض الأدلة الشرعية (ص359 ط الثانية دار الكتاب اللبناني سنة 1980) عن محمد باقر بن عبد الله قال: قلت للرضا كيف نصنع بالخبرين المختلفين؟ فقال: إذا ورد عليكم خبران مختلفان فانظروا إلى ما يخالف فيها العامة فخذوه وانظروا ما يوافق أخبارهم فدعوه".
وقال شيخهم ومحدثهم ومحققهم محمد بن الحسن بن الحر العاملي في كتاب الفصول المهمة في معرفة أصول الأئمة (ص 225 طبع مكتبة بصيرتي قم إيران): "والأحاديث في ذلك متواترة ذكرنا جملة منها في كتاب وسائل الشيعة".
وقال شيخهم يوسف البحراني في الحدائق (1/95): "وروى فيها بهذا النحو أخباراً عديدة متفقة المضمون على الترجيح بالعرض على مذهب العامة والأخذ بخلافة " ثم عاد الشيخ يوسف البحراني في موضع آخر من الحدائق (1/110) فحكم باستفاضة هذه الأخبار.(97/66)
ويقول شيخهم حسين بن شهاب الدين الكركي في"هداية الأبرار إنى طريق الأئمة الأطهار" ص102 "إن العامة كان بناء أمرهم على التلبيس وستر الحق بالباطل وإظهار الباطل في صورة الحق وتحليته بما يوافق طباع العوام ومن جرى مجراهم ممن يميل إلى المزخرفات والتمويهات حرصا على إصلاح دنياه وإن أوجب ذلك ضياع دينه وكان القدماء منهم ما بين منافق يظهر الإسلام ويستر الكفر وكذاب متصنع بإظهار الزهد يأخذ دينه وبليد الفهم عديم الشعور ينقل كل ما سمعه ويصدق به سواء كان له أو عليه".
· ... وسئل آيتهم العظمى كاظم الحائري في كتابه الفتاوى المنتخبة (ج1 ص 150) مكتبة الفقيه الكويت.
سمعنا عن قريب من بعض الشيعة أن شخصاً ممن يدعى العلوم وهو شيعي يقول بجواز التعبد بالمذاهب السنية الأخرى، فماذا تقولون؟ وما هو ردكم لهذا المدعى للعلم والفضل؟
أجاب الحائري: هذا كلام باطل.
الحادي عشر: جواز القسم باليمين المغلطة
تقية لخداع أهل السنة
وحتى اليمين المغلطة دخلت فيها التقية عند الشيعة روى شيخ فقهائهم ومجتهديهم مرتضى الأنصاري في رسالة التقية (ص73) واستاذ فقهائهم آيتهم العظمى أبو القاسم الخوئي في التنقيح شرح العروة الوثقى (4/278 - 307) وصححها عن جعفر الصادق أنه قال: "ما صنعتم من شيء او حلفتم عليه من يمين في تقية فأنتم منه في سعة".
بناء على هذه الرواية الصحيحة عندهم لا يتورع الشيعي الملتزم عن القسم المغلط وهو كاذب فيخدع السني بهذا اليمين لأن التقية واسعة كما يروي شيخ فقهائهم مرتضى الأنصاري في رسالة التقية (ص72) عن الإمام المعصوم أنه قال: "فإن التقية واسعة وليس شيء من التقية إلا وصاحبها مأجور عليها إن شاء الله".(97/67)
وهم لا يرون إعطاء من خالفهم من الحقوق المالية كالخمس والزكاة وغيرها إلا بدافع المصلحة فعندما سئل آيتهم العظمى أبو القاسم الخوئي عن إعطاء المخالف من الحقوق المالية ونحوها من الخمس والزكاة والكفارات وزكاة الفطر أجاب بقوله" لا يجوز وقد يجوز إعطاؤه إذا اقتضت المصلحة" جاء ذلك عنه في كتاب مسائل وردود ص 64 من الجزء الأول المطبوع في مطبعة مهر بقم في غيران ونشرته دار الهادي عام 1412هـ .
فخير الشيعة من زكاة وغيرها للشيعة لا نصيب منه لمن خالفهم إلا للمصلحة كاستغلال حاجة المعسرين وتحويلهم إلى مذهب التشيع كما هو حاصل في دول آسيا: اندونيسيا وماليزيا والمخيمات الفلسطينية في لبنان وكذلك دول افريقيا كتنزانيا ونيجريا وأوغندا .. و .. حيث يستغل دعاة الشيعة فقراء أهل السنة في هذه المناطق ويجرونهم إلى التشيع.
الثاني عشر: قذف المسلمين
من قذف الشيعة للأمة الإسلامية ما رواه المجلسي في بحار الأنوار (ج24 ص311 باب 67) والكليني في الروضة رواية رقم 431 عن الإمام الباقر أنه قال: "والله يا أبا حمزة إن الناس كلهم أولاد بغايا ما خلا شيعتنا".
وروى العياشي في تفسيره (ج2 ص234ط / الأعلمي – بيروت والبحراني في تفسير البرهان ج2 ص 300 دار التفسير – قم – إيران) عن جعفر بن محمد الصادق أنه قال: "ما من مولود يولد إلا وإبليس من الأبالسة بحضرته فإن علم أنه من شيعتنا حجبه عن ذلك الشيطان وإن لم يكن من شيعتنا أثبت الشيطان أصبعه السبابة في دبره فكان مأبونا وذلك أن الذكر يخرج للوجه فإن كانت إمرأة أثبت في فرجها فكانت فاجرة".(97/68)
وروى المجلسي في بحار الأنوار ج101 ص 85 باب في فضل زيارته في يوم عرفة والعيدين وروى الصدوق في من لا يحضره الفقيه ج2 ص431 في ثواب زيارة النبي والأئمة ط – دار الاضواء – بيروت عن أبي عبد الله قال: "أي الراوي - : قلت له: إن الله يبدأ بالنظر إلى زوار الحسين عشية عرفة قبل نظره إلى أهل الموقف؟ فقال: نعم، قلت: وكيف ذلك؟
قال: لأن في اولئك اولاد زنا وليس في هؤلاء أولاد زنا".
وذكر العلامة عبد الله شبر في (كتابه تسلية الفؤاد في بيان الموت والمعاد) ص162 دار الأعلمي – بيروت.
فصلاً وسماه (إنه يدعى الناس بأسم أمهاتهم يوم القيامة إلا الشيعة) وذكر روايات منها: (.. فإذا كان يوم القيامة دعي الناس بأسماء أمهاتهم سوى شيعتنا، فإنهم يدعون بأسماء آبائهم لطيب مولدهم).
وروى الكليني في الكافي (ج6 ص391 دار الأضواء – بيروت) عن علي بن أسباط عن ابي الحسن الرضا قال: سمعته يقول: وذكر مصر فقال: قال الرسول وآله: لا تأكلوا في فخارها ولا تغسلوا رؤوسكم بطينها فإنه يذهب بالغيرة ويورث الدياثة.
قذف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها
زعم الشيعة أن قول الله سبحانه وتعالى: وضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخاتناهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين (التحريم: 10). مثل ضربه اليه لعائشة وحفصة رضي الله عنهما.
وقد فسر بعض الشيعة الخيانة في قوله: (فخانتاهما): بارتكاب الفاحشة – والعياذ بالله تعالى.
قال المفسر الشيعي الكبير القمي في تفسيره عند تفسير هذه الآية "والله ما عنى بقوله(فخانتاهما) إلا الفاحشة. وليقيمن الحد على (فلانة) فيما أتت في طريق ( )، وكان (فلان) يحبها فلما أرادت أن تخرج إلى … قال لها فلان: لا يحل لك أن تخرجي من غير محرم، فزوجت نفسها من فلان).
وأيضاً ذكرها البحراني في البرهان (ج4 ص358) دار التفسير – قم .(97/69)
· ... أخي المسلم لقد استعمل الشيعة التقية حين قالوا (فلانة) بدل عائشة أو وضعوا الأقواس فارغة أو نقط وكل هذا من باب التقية.
ومما يؤكد أن المقصودة بفلانة هي (عائشة) ما رواه الشيعة من روايات مكذوبة جاء فيها: "إنه لما نزل قول الله تعالى: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وازواجه أمهاتهم (الأحزاب: 6) وحرم الله نساء النبي صلى الله عليه وآله على المسلمين، غضب طلحة، فقال: "يحرم محمد علينا نساءه، ويتزوج هو بنسائنا، لئن أمات الله محمداً لنركض بين خلاخيل نسائه كما ركض بين خلاخيل نسائنا".
وقد ذكر هذه الروايات البحراني في البرهان (ج3 ص333 – 334) وسلطان الجنادي في بيان السعادة (ج3 ص253 – الأعلمي – بيروت) وزين الدين النباطي في الصراط المستقيم (ج3 ص23، 35 المطبعة المرتضوية).
· ... وقذفها رضي الله عنها الحافظ الشيعي رجب البرسي في كتابه مشارق انوار اليقين ص 86 الأعلمي – بيروت حيث قال: (إن عائشة جمعت أربعين ديناراً من خيانة وفرقتها على مبغضي علي).
وقذفها رضي الله عنها العالم الشيعي المجلسي حين روى هذه الرواية التي تذكر أن عائشة رضي الله عنها، وعلي ينامان في فراش واحد ولحاف واحد. في كتابه بحار الأنوار ج40 ص2 دار إحياء التراث العربي – بيروت) والرواية هي: قال علي سافرت مع رسول الله ليس له خادم غيري وكان له الحاف ليس له الحاف غيره ومعه عائشة وكان رسول الله ينام بيني وبين عائشة ليس علينا ثلاثتنا لحاف غيره فإذا قام إلى صلاة الليل يحط بيده اللحاف من وسطه بين وبين عائشة حتى يمس اللحاف الفراش الذي تحتنا).
قذف عمر بن الخطاب رض الله عنه
زعم الشيعة أن عمر كان مصاباً بداء في دبره لا يهدأ إلا بماء الرجال ذكر هذا الكلام القذر علامة الشيعة نعمة الله الجزائري في كتابه الأنوار النعمانية (ج1/ب1/ص63 الاعلمي – بيروت) وصرحوا أيضاً أن عمر كان ممن ينكح في دبره.(97/70)
· ... فقد روى المفسر الشيعي العياشي في تفسيره ج 1/302 وأيضاً المفسر البحراني في البرهان ج1/416 أن رجلاً دخل على أبي عبد الله فقال السلام عليك يا امير المؤمنين فقام على قدميه فقال: مه هذا اسم لا يصلح إلا لأمير المؤمنين الله سماه به. ولم يسم به أحداً غيره فرضي به إلا كان منكوحاً وإن لم يكن به ابتلى به وهو قول الله في كتابه إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا (النساء: 117).
قال قلت: فماذا يدعى به قائمكم؟ قال: يقال له، السلام عليك يا بقية الله السلام عليكم يا ابن رسول الله.
والمعلوم أن الفاروق عمر هو أول من تسمى بأمير المؤمنين.
· ... وذكر العلامة الشيعي زين الدين النباطي في كتابه الصراط المستقيم ج3/28 تحت عنوان (كلام في خساسته (أي عمر) وخبث سريرته) أن عمر بن الخطاب (خبيث الأصل .. وجدته زانية).
قذف عثمان بن عفان رضي الله عنه
قال عالم الشيعة زين الدين النباطي في كتابه الصراط المستقيم 3/30 أن عثمان آتى بامرأة لتحد. فقاربها (جامعها)، ثم امر برجمها وقال ايضاً في نفس المصدر إن عثمان كان ممن يلعب به، وأنه كان مخنثا وذكر هذا الكلام الساقط أيضاً نعمة الله الجزائري في الأنوار النعمانية (ج1/ب1 /ص65 توزيع الأعلمي – بيروت).
الثالث عشر: سب وتكفير الشيعة
للصحابة رضي الله عنهم
إن الشيعة يأولون الآيات الواردة في الكفار والمنافقين بخيار صحابة رسول الله وبسبب التقية يرمزون للخلفاء الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان برموز معينة مثل: الفصيل أي أبا بكر ورمع أي عمر ونعثل أي عثمان ولهم رموز اخرى مثل (فلان وفلان وفلان) أي أبا بكر وعمر وعثمان ولهم رموز اخرى مثل (الأول والثاني والثالث) أي أبا بكر وعمر وعثمان ولهم رموز ايضاً مثل حبتر ودلام أي أبا بكر وعمر أو عمر وابا بكر. ولهم رموز أيضاً صنما قريش أبا بكر وعمر وأيضاً فرعون وهامان أو عجل الأمة والسامري أي ابا بكر وعمر.(97/71)
أما في ظل الدولة الصفوية فقد رفعت التقية قليلا فكان فيها التكفير لافضل اصحاب محمد صريحا ومكشوفاً.
وإليك بعض التأويلات:
· ... روى الكليني في الكافي (ج8 رواية رقم 523) عن أبي عبد الله في قوله تعالى: ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والأنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين (فصلت: 29). قال: هما، ثم قال: وكان فلان شيطاناً.
قال المجلسي في مرآة العقول ج26/488 في شرحه للكافي في بيان مراد صاحب الكافي بـ "هما" قال: هما أي ابو بكر وعمر والمراد بفلان عمر أي الجن المذكور في الآية وعمر وإنما سمي به لأنه كان شيطانا إما لأنه كان شرك شيطان لكونه ولد زنا أو لأنه في المكر والخديعة كالشيطان وعلى الأخير يحتمل العكس بأن يكون المراد بفلان ابا بكر.
· ... ويروون في تفسير العياشي (1/121) البرهان 2/208 الصافي (1/242) عن أبي عبد الله أنه قال في قوله : ولا تتبعوا خطوات الشيطان (البقرة: 168). قال: (وخطوات الشيطان والله ولاية فلان وفلان) أي أبو بكر وعمر.
· ... ويروون في تفسير العياشي (2/355) البرهان (2/471) الصافي (3/246) عن أبي جعفر في قوله وما كنت متخذ المضلين عضدا (الكهف: 51). قال إن رسول الله قال: (اللهم أعز الدين بعمر بن الخطاب أو بابي جهل ابن هشام). فأنزل الله وما كنت متخذ المضلين عضدا.(97/72)
· ... ويرون في تفسير العياشي (1/307) الصافي (1/511) البرهان (1/422) عن ابي عبد الله أنه قال في قول الله إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ازدادوا كفراً (النساء: 137). قال: نزلت في فلان وفلان (أبو بكر وعمر ) آمنوا برسول الله وآله في اول الأمر ثم كفروا حين عرضت عليهم الولاية حيث قال من كنت مولاه فعلي مولاه ثم آمنوا بالبيعة لأمير المؤمنين حيث قالوا له بأمر الله وامر رسوله فبايعوه ثم كفروا حين مضى رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يقروا بالبيعة ثم ازدادوا كفرا بأخذهم من بايعوه بالبيعة لهم فهؤلاء لم يبق فيهم من الايمان شيء.
· ... ويروون في تفسير العياشي (2/240) البرهان (2/309) عن أبي جعفر في قول الله وقال الشيطان لما قضي الأمر .. (إبراهيم: 22). قال هو الثاني وليس في القرآن وقال الشيطان إلا وهو الثاني. يعنون بالثاني عمر – ويرون في الوافي – كتاب الحجة - باب ما نزل فيهم عليهم السلام وفي أعدائهم مجلد 3ج1 ص 920 . عن زرارة عن ابي جعفر في قوله تعالى: لتركبن طبقا عن طبق (الانشقاق: 19). قال: يا زرارة أو لم تركب هذه الأمة بعد نبيها طبقا عن طبق في أمر فلان وفلان وفلان – يعنون ابا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم - قال عالمهم الفيض الكاشاني: (ركوب طبقاتهم كناية عن نصبهم إياهم للخلافة واحدا بعد واحد).
· ... وعند قوله سبحانه فقاتلوا أئمة الكفر (التوبة: 12) يروون في تفسير العياشي (2/83) البرهان (2/107) الصافي (2/324) عن حنان عن أبي عبد الله قال سمعته يقول دخل علي أناس من البصرة فسألوني عن طلحة والزبير فقلت لهم كانا إمامين من أئمة الكفر.(97/73)
· ... ويفسرون الجبت والطاغوت الواردين في قوله سبحانه ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت (النساء: 51). يفسرونهما بصاحبي رسول الله ووزيريه وصهريه وخليفتيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. انظر تفسير العياشي (1/273) الصافي (1/459) البرهان (1/377).
· ... وعند قوله سبحانه لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم . (الحجر: 44). روى العياشي في تفسيره (2/263) البحراني في البرهان (2/345) عن ابي بصير عن جعفر بن محمد قال: يؤتى بجهنم لها سبعة ابواب. بابها الأول للظالم وهو زريق، وبابها الثاني لحبتر، والباب الثالث للثالث. والرابع لمعاوية، والباب الخامس لعبد الملك ، والباب السادس لعسكر بن هوسر، والباب السابع لأبي سلامة فهم ابواب لمن اتبعهم).
قال المجلسي في بحار الأنوار (8/308) في تفسير هذا النص: (زريق كناية عن الأول لأن العرب تتشأم بزرقة العين. والحبتر هو الثعلب ولعله إنما كني عنه لحيلته ومكره وفي غيره من الأخبار وقع بالعكس وهو أظهر إذا الحبتر بالأول أنسب ويمكن أن يكون هنا أيضا المراد ذلك، وإنما قدم الثاني لأنه أشقى وأفظ ,اغلظ وعسكر بن هوسر كناية عن بعض خلفاء بني امية أو بني العباس، وكذا أبو سلامة كناية عن ابي جعفر الدوانيقي ويحتمل أن يكون عسكر، كناية عن عائشة وسائر أهل الجمل إذ كان اسم جمل عائشة عسكرا وروي انه كان شيطاناً).
· ... وفي قوله تعالى: إذ يبيتون ما لا يرضى من القول (النساء: 108). عن ابي جعفر أنه قال فيها:
فلان وفلان وفلان – أي ابا بكر وعمر – وابا عبيدة بن الجراح – ذكرها العياشي في تفسيره (1/301) البرهان (1/414) وفي رواية أخرى: عن أبي الحسن يقول هما وابو عبيدة بن الجراح – ذكرها المصدر السابق – هما أي أبو بكر وعمر وفي رواية ثالثة الاول والثاني أبو عبيدة بن الجراح (الاول والثاني أي أبو بكر وعمر) ذكرها المصدر السابق.(97/74)
· ... ويفسرون الفحشاء والمنكر، في قوله وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي (النحل: 90) بولاية أبي بكر وعمر وعثمان، فيروون في تفسير العياشي (2/289) البرهان (2/381) الصافي (3/151) عن أبي جعفر أنه قال: وينهى عن الفحشاء : الأول. والمنكر: الثاني. والبغي: الثالث.
· ... جاء في بحار الأنوار 27/85: قلت (الراوي يقول لإمامهم) ومن أعداء الله اصلحك الله؟ قال: الأوثان الأربعة، قال: قلت: من هم؟ قال: أبو الفصيل، ورمع، ونعثل، ومعاوية ومن دان دينهم، فمن عادى هؤلاء فقد عادى أعداء الله.
قال شيخهم المجلسي في بحار الأنوار 27/58 في بيانه لهذه المصطلحات: "ابو الفصيل أبو بكر، لان الفصيل والبكر متقاربان في المعنى ورمع مقلوب عمر. ونعثل هو عثمان".
· ... وفي قوله سبحانه: .. أو كظلمت قالوا: فلان وفلان في بحر لجي يغشه موج يعني نعثل من فوقه موج طلحة والزبير ظلمت بعضها فوق بعض (النور: 40) معاوية…
قال المجلسي في بحار الأنوار (23/306): المراد بفلان وفلان أبو بكر وعمر ونعثل هو عثمان.
· ... ومن مصطلحاتهم أيضاً للرمز للشيخين في تأويلهم سورة الليل وفيها والنهار إذا جلها (الشمس: 3). هو قيام القائم والليل إذا يغشها (الشمس: 4). حبتر ودلام غشيا عليه الحق ذكرها المجلسي في بحار الأنوار 24/72 – 73 تفسير القمي 2/457.
· ... قال شيخ الدولة الصفوية - في زمنه - (المجلسي ) في بحار الأنوار (ج24/73) حبتر ودلام: أبو بكر وعمر.
بعض التصريحات في تكفير وسب الصحابة
· ... قال العالم الشيعي نعمة الله الجزائري في كتابه الأنوار النعمانية ج2 ص244 منشورات الأعلمي بيروت ما نصه : "الإمامية (أي الشيعة الاثنا عشرية) قالوا بالنص الجلي على إمامة علي وكفروا الصحابة ووقعوا فيهم وساقوا الإمامة إلى جعفر الصادق وبعد إلى أولاده المعصومين عليهم السلام ، ومؤلف هذا الكتاب من هذه الفرقة وهي الناجية إن شاء الله".(97/75)
· ... والعلامة الشيعي محمد باقر المجلسي صحح في كتابه مرآة العقول ج26 ص213 رواية ارتداد الصحابة على زعم الشيعة فلقد روى الكليني في الروضة من الكافي رواية رقم 341 عن أبي جعفر "قال: كان الناس أهل ردة بعد النبي إلا ثلاثة فقلت ومن الثلاثة فقال المقداد بن الأسود وابو ذر الغفاري وسلمان الفارسي رحمة الله وبركاته عليهم".
· ... وقال السيد مرتضى محمد الحسيني النجفي في كتابه السبعة من السلف ص 7 ما نصه: "إن الرسول إبتلى بأصحاب قد ارتدوا من بعد عن الدين إلا القليل".
· ... وقال العلامة الشيعي نعمة الله الجزائري في كتابه الأنوار النعمانية ج1/ب1/53 ما نصه "إن أبا بكر كان يصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وآله والصنم معلق في عنقه وسجوده له".
· ... وقد أفرد العلامة زين الدين النباطي في كتابه الصراط المستقيم ج3 ص129 ما نصه: "عمر بن الخطاب كان كافرا يبطن الكفر ويظهر الإسلام".
· ... وقد أفرد العلامة زين الدين النباطي في كتابه الصراط المستقيم ج3 /161-168 فصلين الفصل الأول سماه: (فصل في أم الشرور عائشة أم المؤمنين وفصل آخر خصصه للطعن في حفصة رضي الله عنهما سماه (فصل في أختها حفصة).
· ... وعلق العلامة المجلسي في مرآة العقول ج25 ص 151 على رواية طويلة بالكافي ج8 رواية رقم 23 ومنها "وقد قتل الله الجبابرة على أفضل أحوالهم .. وأمات هامان، وأهلك فرعون".
قال المجلسي الرواية صحيحة والمقصود في أمات هامان: أي عمر واهلك فرعون : أي أبا بكر ويحتمل العكس ويدل على أن المراد هذان الاشقيان".(97/76)
· ... وصحح المجلس في مرآة العقول د26 ص167 رواية الكليني التي رواها في الروضة ص 187 رواية 301 وهي عن عجلان أبي صالح قال: دخل على أبي عبد الله فقال له: جعلت فداك هذه قبة آدم قال: نعم ولله قباب كثيرة ألا إن خلف مغربكم هذا تسعة وثلاثون مغربا أرضا بيضاء مملوءة خلقاً يستضيئون بنوره لم يعصوا الله عز وجل طرفة عين ما يدرون خلق آدم أم لم يخلق، يبرؤن من فلان وفلان.
وقال المجلسي رواية صحيحة بفلان وفلان أبو بكر وعمر.
ويقول الخميني في كتابه كشف الأسرار ص 126: "إننا هنا لا شأن لنا بالشيخين وما قاما به من مخالفات للقرآن ومن تلاعب بأحكام الإله، وما حللاه وحرماه من عندهما وما مارساه من ظلم ضد فاطمة ابنة النبي وضد أولاده ولكننا نشير إلى جهلهما بأحكام الإله والدين".
ويقول ص 127 بعد اتهامه للشيخين بالجهل "وإن مثل هؤلاء الأفراد الجهال الحمقى والأفاقون والجائرون غير جديرين بأن يكونوا في موقع الإمامة وأن يكونوا ضمن أولى الأمر".
ويقول أيضاً ص 137: "الواقع أنهم أعطوا الرسول حق قدره الرسول الذي كد وجد وتحمل المصائب من اجل إرشادهم وهدايتهم، وأغمض عينيه وفي أذنية كلمات ابن الخطاب القائمة على الفرية، والنابعة من اعمال الكفر والزندقة".
· ... وذكر المفسر العياسي في تفسيره والمفسر الكاشاني في الصافي والبحراني في البرهان أن عائشة وحفصة رضي الله عنهما سقتا السم لرسول الله صلى الله عليه وذلك عند هذه الآية وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم (سورة آل عمران).(97/77)
· ... قال الملقب عند الشيعة بعمدة العلماء والمحققين محمد نبي التوسيركاني في (كتابه لئالي الأخبار – مكتبة العلامة – قم ج4 ص92). ما نصه: "اعلم أن أشرف الأمكنة والأوقات والحالات وأنسبها للعن عليهم – عليهم اللعنة - إذا كنت في المبال فقل عند كل واحد من التخلية والاستبراء والتطهير مرارا بفراغ من البال. اللهم العن عمر ثم أبا بكر وعمر ثم عثمان وعمر ثم عثمان وعمر ثم معاوية وعمر ثم يزيد وعمر ثم ابن زياد وعمر ثم ابن سعد وعمر ثم شمراً وعمر ثم عسكرهم وعمر. اللهم العن عائشة وحفصة وهنداً وأم الحكم والعن من رضي بأفعالهم إلى يوم القيامة".
لعن الصديق والفاروق وسائر الأمة(97/78)
روى شيخهم تقي الدين إبراهيم بن علي بن الحسن بن محمد بن صالح العاملي. والذي يعرف بالكفعمي() في كتاب (المصباح ص 552 - 553ط الثانية 1975 منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت لبنان وطبعة 1994 ص732) والملا محمد باقر المجلسي في بحار الأنوار (85/260-261) و (82/260-261) ط – دار إحياء التراث العربي - بيروت. والقاضي السيد نور الله الحسيني المرعشي التستري الملقب عندهم بمتكلم الشيعة في إحقاق الحق (1/337 منشورات مكتبة آية الله المرعشي قم إيران) هذا الدعاء الخبيث الذي ينسبونه إلى علي بن ابي طالب هو: "اللهم صل على محمد وآل محمد والعن صمني قريش وجبتيهما وطاغوتيهما وأفكيها (وأبنتيهما) () اللذين خالفا أمرك وأنكر وحيك وجحدا إنعامك وعصيا رسولك وقلبا دينك وحرفا كتابك وأحبا أعدائك وجحدا آلاءك وعطلا أحكامك وابطلا فرائضك وألحدا في آياتك وعاديا أولياءك وواليا أعداءك وخربا بلادك وأفسدا عبادك. اللهم ألعنهما وأتباعهما وأولياءهما وأشياعهما ومحبيهما وأنصارهما فقد أخربا بيت النبوة وردما بابه ونقضا سقفه والحقا سماءه بأرضه وعاليه بسافله وظاهره بباطنه واستأصلا أهله وأبادا أنصاره وقتلا أطفاله وأخليا منبره من وصيه ووارث علمه وجحدا إمامته وأشركا بربهما، فعظم ذنبها وخلدهما في سقر علمه وجحدا إمامته وأشركا بربهما، فعظم ذنبهما وخلدهما في سقر وما أدراك ما سقر لا تبقي ولا تذر، اللهم العنهم بعدد كل منكر أتوه وحق أخفوه، ومنبر علوه ومؤمن أرجوه ومنافق ، ولوه وولي آذوه وطريد أووه، وصادق طردوه، وكافر نصروه، وإمام قهروه، وفرض غيروه، وأثر أنكروه وشر آثروه ودم أراقوه وخبر بدلوه، وكفر نصبوه، وإرث غصبوه وفيئ اقتطعوه وسحت أكلوه وخير استحلوه، وباطل أسسوه، وجور بسطوه ونفاق اسروه وغدر اضمروه وظلم نشروه، ووعد أخلفوه، وامان حانوه، وعهد نقضوه، وحلال حرموه، وحرام أحلوه، وبطن فتقوه وجنين اسقطوه، وضلع دقوه وصك فرقوه وشمل بددوه وعزيز(97/79)
أذلوه وذليل أعزوه وحق منعوه وكذب دلسوه وحكم قلبوه وإمام خالفوه، اللهم ألعنهما بكل آية حرفوها، وفريضة تركوها وسنة غيروها ورسوم منعوها وأحكام عطلوها وبيعة نكثوها ودعوى ابطلوها وبينة أنكروها وحيلة أحدثوها وخيانة أوردها وعقبة ارتقوها. ودباب دحرجوها وأزيان لزموها وشهادات كتموها ووصية ضيعوها، اللهم العنهما في مكنون السر وظاهر العلانية لعنا كثيراً أبداً دائماً دائباً سرمدا لا انقطاع لأمده ولانفاد لعدده لعنا يعود أوله ولا يروح آخره لهم ولأعوانهم وانصارهم ومحبيهم ومواليهم والمسلمين لهم والمائلين إليهم والناهضين باحتجاجهم والمقتدين بكلامهم والمصدقين باحكامهم (قل أربع مرات) اللهم عذبهم عذابا يستغيث منه أهل النار آمين رب العالمين".
مراجعهم الكبار يفتون بهذا الدعاء:
ورد هذا الدعاء في كتاب لهم باللغة الأردية اسمه تحفة العوام مقبول جديد لمؤلفه منظور حسين (ص422 وما بعدها) وذكر أنه مطابق لفتاوى ستة من كبار مراجعهم وهم:
1- السيد محسن الحكيم.
2- السيد أبو القاسم الخوئي.
3- السيد روح الله الخميني.
4- الحاج السيد محمود الحسيني الشاهرودي.
5- الحاج السيد محمد كاظم شريعتمداري.
6- العلامة سيد علي نقي النقوي.
وورد هذا الدعاء أيضاً في كتاب لهم بعنوان تحفة العوام معتبر ومكمل (ص303) وجاء فيه أنه مطابق لفتاوى تسعة من كبار مراجعهم وهم:
1- آية الله السيد أبو القاسم الخوئي.
2- السيد حسين بروجردي.
3- السيد محسن الحكيم.
4- السيد أبو الحسن الأصفهاني .
5- السيد محمد باقر صاحب قبله.
6- السيد محمد ماوي صاحب قبلة.
7- السيد ظهور حسين صاحب.
8- السيد محمد صاحب قبلة.
9- السيد حسين صاحب قبلة.(97/80)
قال علامتهم المعاصر آية الله العظمى السيد شهاب الدين الحسيني المرعشي في حاشيته على إحقاق الحق لنور الله الحسيني المرعشي (1/337 هامش): "ثم اعلم ان لأصحابنا شروحا على هذا الدعاء منها الشرح المذكور ومنها كتاب ضياء الخافقين لبعض العلماء من تلاميذ الفاضل القزويني صاحب لسان الخواص ومنها شرح مشحون بالفوائد للمولى عيسى بن علي الأردبيلي وكان من علماء زمان الصفوية وكلها مخطوطة وبالجملة صدور هذا الدعاء مما يطمئن به لنقل الأعاظم إياها في كتبهم واعتمادهم عليها.
المقصود بصنمي قريش أبو بكر وعمر رضي الله عنهما
بعد أن أوقفناك على تلقي الشيعة لهذا الدعاء بالقبول والتسليم به تعال لتعلم أن المقصود بصنمي قريش أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.
قال عالمهم وشيخهم أبو السعادات أسعد بن عبد القاهر على ما في المصباح للكفعمي (هامش ص 552) وبحار الأنوار للمجلسي (85/263): "وأما قلبهما الدين فهو إشارة إلى ما غيراه من دين الله كتحريم عمر المتعتين() وغير ذلك مما لا يحتمله هذا المكان".
وقال شيخهم ومؤرخهم محمد محسن الشهير بأغابزرك الطهراني في الذريعة إلى تصانيف الشيعة (10/9ط النجف): "ذخر العالمين في شرح دعاء الصنمين أي صمني قريش المذكور في ج8 ص 192 وهما اللات والعزى ابو بكر وعمر فارسي للمولى علي أصغر بن محمد مهدي بن المولى علي اصغر بن محمد يوسف القزويني ألفه باسم الشاه سلطان حسين الصفوي".
وقال الملا محمد محسن بن الشاه مرتضى الملقب بالفيض الكاشاني في قرة العيون (ص326 ط الثانية 1979 دار الكتاب اللبناني): "ثم أخذوا في تغيير احكام الشرع وإحداث البدع فيها فمنها ما غيروه لجهلهم بها ومنها ما بدلوه ليوافق أغراضهم ومنها ما أحدثوه لحبهم إحداث البدع وقد أشار أمير المؤمنين عليهم السلام إلى بعض منكراتهم في دعاء صنمي قريش وكان أبو بكر يقول إن لي شيطانا يعتريني..".(97/81)
ثم يأتي خاتمة مجتهدي الشيعة الملا محمد باقر المجلسي فيقول فيما نقله عنه شيخهم أحمد الأحسائي الملقب عندهم بالشيخ الأوحد في شرح الزيارة الجامعة الكبير (3/189): "ومن الجبت أبو بكر ومن الطاغوت عمر والشياطين بني امية وبني العباس وحزبهم أتباعهم والغاصبين لإرثكم من الإمامة والفيء فدك والخمس وغيرها".
قال الملا محمد باقر المجلسي والملقب عندهم أيضاً بشيخ الإسلام في بحار الأأنوار (85/268): "ثم إنا بسطنا الكلام في مطاعنها في كتاب الفتن وإنما ذكرنا هنا ما أورده الكفعمي ليتذكر من يتلو الدعاء بعض مثالبهما لعنة الله عليهما وعلى من يتولاهما"().
وهنا طرفة ونكته لطيفة وهي أن عبد الحسين شرف الدين الموسوي الذي زاره الشيخ السباعي في منزله قد روى في كتابه المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة (ص31 ط مؤسسة الوفاء ببيروت 1400هـ) عن الإمام الصادق (البرئ منه ومن أضرابه) إنه وقف على قبر جده الحسين فقال: "أشهد إنك أقمت الصلاة وآتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر وأطعت الله ورسوله وعبدته مخلصا وجاهدت في سبيله صابرا محتسبا حتى آتاك اليقين، فلعن الله أمة قتلتك ولعن الله أمة ظلمتك ولعن الله أمة سمعت بذلك فرضيت به".
أخي المسلم أتدري ماذا يعني هذا الضال بالأمة التي لعنها؟!! إن الأمة التي قتلت الحسين والأمة التي سمعت بذلك فرضيت حسب معتقدهم هي أهل السنة والجماعة وقد كشف هذا دكتورهم محمد التيجاني السماوي في كتابه (الشيعة هم أهل السنة ص 300) حيث يقول بالنص : "وإذا أردنا دليلا آخر فما علينا إلا ان نحلل موقف أهل السنة والجماعة من ذكرى يوم عاشوراء … أولا نلاحظ أنهم يقفون من قتله الحسين موقف الراضي الشامت المعين..".(97/82)
وبهذا يتبين لك أن عبد الحسين شرف الدين قد استعمل التقية مع الشيخ السباعي عندما زاره في بيته داعيا إلى التقارب فتظاهر الرافضي اللئيم بحماسة لفكرة التقريب وإيمانه بها (تقية)، وباطنا يعتقد أن السباعي() من الأمة التي رضيت بقتل الحسين وجزاؤها عنده اللعن مع أن الدليل قام ضد عبد الحسين وروايته التي اوردها فالنبي قد أدخر شفاعته لأهل الكبائر من أمته برواية الشيعة أنفسهم فقد روى شيخهم ابن بابوية القمي الصدوق في (عيون الأخبار 1/136ط طهران) أن النبي صلى الله عليه وآله قال: "… إنما شفاعتي لأهل الكبير من أمتي" وكتاب الله عز وجل يخبرنا: كنتم خير امة أخرجت للناس (آل عمران: 104). ويقول عز وجل وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس (البقرة: 143).
فكيف تكون أمته أمة ملعونة يا عدو الله؟!!
ثم عن الحسين قد قتل بغدر الشيعة به وذلك بروايتهم هم كما أثبتناه في فصل "النواصب في معتقد الشيعة هم اهل السنة والجماعة" فراجعه.
وأما قول التيجاني في كتابه (الشيعة هم اهل السنة) ص301 – 302: "إن أهل السنة يحتفلون بيوم عاشوراء ويجعلونه عيداً وأنهم وضعوا أحاديث في فضل هذا اليوم فجوابه:
أن الذي يقوم به أهل السنة في هذا اليوم هو صيامه تقربا إلى الله عز وجل ولنا معك هذا السؤال:
هل اليوم الذي يكفر فيه الله عز وجل الذنوب هو يوم حزن أو فرح؟
إن قلت أنه يوم حزن فقد أدنت نفسك بنفسك.
وإن قلت: إنه يوم فرح فهذا مطلوب وهو يوم عاشوراء.
فإن قلت: ما الدليل على ذلك؟
قلنا: الدليل عليه الأحاديث الصحيحة والتي روت كتبكم المعتمدة بعضا منها فهذا شيخ طائفتكم أبو جعفر الطوسي في الاستبصار (2-134) ومحدثكم ومحققكم محمد بن الحسن الحر العاملي في وسائل الشيعة (7/337) يرويان ثلاث روايات في فضل صيام هذا اليوم:
الأولى: عن ابي عبد الله عن أبيه أن عليا عليهما السلام قال: "صوموا العاشوراء التاسع والعاشر فإنه يكفر الذنوب سنة".(97/83)
الثانية: عن أبي الحسن قال: صام رسول الله صلى الله عليه وآله يوم عاشوراء.
الثالثة: عن جعفر عن ابيه عليهما السلام قال: صيام عاشوراء كفارة سنة.
لهذا يصوم أهل السنة يوم عاشوراء اقتداء بهدي المصطفى صلى الله عليه وآلة وسلم في حين تقوم أنت وأتباعك بالنياحة في هذا اليوم غير مبالين ولا منقادين لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "النياحة من عمل الجاهلية" والذي أخرجه رئيس محدثيكم محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الصدوق في (فقيه من لا يحضره الفقيه ج2 ص271-272).
وفي رواية لعلامتكم المجلسي في بحار الأنوار (82-103): "النياحة عمل الجاهلية".
فهنيئاً لك على أعمال الجاهلية.
وهنيئا لاهل السنة والجماعة بصوم يوم يكفر الله فيه الذنوب سنة برواياتكم أنتم() .
وينبغي أن نلفت انتباه القارئ الكريم إلى أن موضوع هذه الرسالة هو كشف حقيقة مذهب التشيع وموقفه من أهل السنة لا الرد على باطل أتباعه لأننا قد خصصنا لهذا كتابا آخر يقع فيما يزيد على خمسمائة صفحة نسأل الله أن ينفع به المسلمين ويجعله خالصاً لوجهه.
فرح الشيعة بمقتل عمر
واعتبار يوم مقتله عيداً لهم
إن الشيعة الاثنى عشرية يفرحون ويبتهجون بمقتل عمر ويعتبرون يوم مقتله عيداً عندهم. بل زعموا ان يوم مقتله رخصة من الله لا يكتب على الشيعة من ذنوبهم شيئاً وسمى الشيعة أيضاً هذا اليوم بأسماء كثيرة منها يوم الاستراحة ويوم البركة ويوم فرح الشيعة و… و…
لقد روى هذا علامتهم المجلسي في بحار الأنوار ج95 ص351-355.
وأيضاً نعمة الله الجزائري (الأنوار النعمانية ج1 ص108 – 111 تحت عنوان (نور سماوي) يكشف عن ثواب مقتل عمر بن الخطاب.(97/84)
ومما يدل على إيمان الشيعة بهذه الروايات فلقد عقد صاحب كتاب (عقد الدرر في بقر بطن عمر) ص6 وهي رسالة مخطوطة لم تطبع بعد وهي موجودة بمكتبة رضا رامبو بالهند تحت رقم (2003) فصلا وضع له عنوانا قال فيه: "الفصل الرابع في وصف حال سرور هذا اليوم على التعيين، وهو من تمام فرح الشيعة المخلصين، ثم ذكر الأناشيد التي تقال في هذا اليوم، ووصفها بقوله:- وهي كليمات رائقة، ولفيظات شائقة، هو أنه لما طلع الإقبال من مطالع الآمال، وهب نسيم الوصال بالاتصال بالغدو والآصال، بمقتل من لا يؤمن بالله واليوم الآخر عمر بن الخطاب الفاجر، الذي فتن العباد، ونتج في الأرض الفساد، إلى يوم الحشر والتناد، ملأت أقداح الأفراح، من رحيق راح الأرواح، ممزوجة بسحيق تحقيق السرور، وبماء رفيق توفيق الحبور..".
ثم عقب على هذه الكلمات بذكر الأشعار الطوال التي قيلت ابتهاجا بمقتل عمر بن الخطاب ص9-11 نذكر من هذه الأبيات:
وهللت فرحا يوم الرواح به نار السعير وما فيها من السعر
وغادر اللات تبكية وتندبه وما بين أهل ولاة الغدر والكفر
ينكبه كل بغي في غوايته من الفريقين من جن ومن بشر
يا صاح صح أن هذا عيد فاطمة عيد السرور ببقر البطن من عمر
يوم به كسفت شمس الضلال وقد راع البدايع من فقد ذي نظر
يوم به فرحت آل النبي ومن والاهم من جميع البدو والحضر
يوم به صاح إبليس الغوي ضحى بمجمع من غواة الجن والبشر
وبث أعوانه في جمعهم فغدوا وأقبلوا زمرة في الحال في زمر
حتى إذا اجتمعوا من حوله نعى عليهم وغدا ناع على عمر
وقام فيهم خطيبا قائلا لهم اليوم مات عماد الكفر والفجر
اليوم مات رئيس الفاسقين ومن ساد الأباليس من جن ومن بشر
اليوم مات الذي قد كان يعضدني على البدايع من كفر ومن أشر(97/85)
اليوم مات قوم الجوار وانقصمت عرى الضلال وصار الكفر في دثر
اليوم قد مات شيخي في النفاق ومن يوم الفخار به قد تم مفتخري
ويلاه ويلاه من لي بعده رجل مغيل حل أمر الدين بالحير
قد كان يعجبني أفعاله وله بكل منكر فعل غاية النكر
أبدى عجائب كفر ليس يعقلها من الأباليس إلا كل ذي نظر
فيروز() لا شلت الكفان منك لقد قتلت غندر قد هنيت بالظفر
بقرت بطن عدو الله من نتجت منه البدايع بالصمصامة الذكر
تيم عتل زنيم الأصل ذا دنس بغى أم لئيم غير معتبر
ظفرت بالكنز في قتل الغوى ومن آذى النبي وآذى بضعته الطهر
قتلت أول من سن الخلاف على آل النبي مدى الأيام والعصر
قتلت فرعون أهل البيت من صدرت منه الجرأة في تأخير ذي القدر
قتلت نعثل عنوان الفسوق به عجل الضلالة محسوب من البقر
قتلت من مات لم يؤمن بخالقه وفاسقاً لم يكن يوما بمزدجر
قتلت من عاند الكرار جيدرة وعاود الكفر في سر وفي جهر
ما العيد عيد ولكن يوم مقتله عيد به عادت الأرواح في الصور
ما أسس الجور والعدوان غير أبي بكر ولا أساس من ظلم سوى عمر
مثلاهما الجبت والطاغوت قد فتنا جل البرية من باد ومن حضر
ضلا معا وأضلا الناس ويحهما سيلقيان غدا في الحشر في سقر
وثالث القوم أبدى في الورى عجبا وسار بين البرايا أقبح السير
إنى إلى الله من فعل الثلاثة في الإسلام وجرى إلى يوم المعاد يرى
أرجو من الله ربي أن يبلغني أرى اللعينين رؤيا العين بالنظر
ينبشان كما قال النبي لنا من بعد دفنهما في سائر الحفر
ويشهران بلا شك ولا شبه على رؤوس الملأ من سائر البشر
ويصلبان على جذعين من خشب ويحرقان بلا شك ولا نكر
الرابع عشر: طعن الشيعة في الأئمة الأربعة عند أهل السنة(97/86)
إن الشيعة عندما يظهرون احترامهم لأئمة أهل السنة الأربعة (أبو حنيفة ومالك الشافعي وأحمد بن حنبل رحمهم الله تعالى) إنما ذلك من باب التقية.
روى ثقة إسلامهم الكليني في الكافي (1/58ط طهران) عن سماعة بن مهران عن إمامهم المعصوم السابع أبي الحسن موسى في حديث: ".. إذا جاءكم ما تعلمون فقولوا به وإذا جاءكم ما لا تعلمون منها وأومىْ بيده إلى فيه ثم قال: لعن الله أبا حنيفة كان يقول: قال علي وقلت أنا وقالت الصحابة" وذكر هذه الرواية أيضاً محدثهم الحر العاملي في وسائل الشيعة (18/23 طبع بيروت) فراجع.
وروى عمدتهم في الجرح والتعديل محمد بن عمرو الكشي في كتابه اختيار معرفة الرجال المعروف برجال الكشي (ص149 طبع مشهد إيران) عن هارون بن خارجة قال سألت أبا عبد الله عن قول الله عز وجل: الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم (الأنعام: 82)؟ قال: هو ما استوجبه أبو حنيفة وزرارة".
وفي رواية عن أبي بصير عن أبي عبد الله قال: قلت: الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم (الأنعام: 82). قال: أعاذنا الله وإياك من ذلك الظلم قلت: ما هو؟ قال: هو الله ما أحدث زرارة وأبو حنيفة وهذا الضرب قال: قلت: الزنا معه؟ قال: الزنا ذنب (رجال الكشي ص145).
وفي رجال الكشي (ص146) عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم (الأنعام: 82). قال : أعاذنا الله وإياك يا أبا بصير من ذلك الظلم ما ذهب فيه زرارة وأصحابه وأبو حنيفة وأصحابه".
وفي رجال الكشي ص 187 ومجمع الرجال للقهبائي (6/4) طبعة أصفهان "عن أبا حنيفة قال لمؤمن الطاق وقد مات جعفر بن محمد : يا أبا جعفر أن أمامك قد مات؟ فقال أبو جعفر: لكن إمامك من المنظرين إلى اليوم المعلوم" يعني الشيطان.(97/87)
وروت الشيعة كما في رجال الكشي (ص190) أن جابراً الجعفي دخل على أبي حنيفة يوما فقال له ابو حنيفة : بلغني عنكم معشر الشيعة شيء؟ فقال: فما هو؟ قال: بلغني أن الميت منكم إذا مات كسرتم يده اليسرى لكي يعطى كتابه بيمينه فقال: مكذوب علينا يا نعمان ولكني بلغني عنكم معشر المرجئة أن الميت منكم إذا مات قمعتم في دبره قمعا فصببتم فيه جرة من ماء لكي لا يعطش يوم القيامة فقال أبو حنيفة: مكذوب علينا وعليكم".
وقال شيخهم محمد الرضي الرضوي في كتابه (كذبوا على الشيعة ص 135 طبع إيران): "قبحك الله يا أبا حنيفة كيف تزعم أن الصلاة ليست من دين الله..".
ويقول محمد الرضي الرضوي في كتابه (كذبوا على الشيعة ص 279) ما نصه: ولو أن أدعياء الإسلام والسنة أحبوا أهل البيت عليهم السلام لاتبعوهم ولما أخذوا أحكام دينهم عن المنحرفين عنهم كابي حنيفة والشافعي ومالك وابن حنبل".
ويقول السيد نعمة الله الجزائري في كتابه قصص الأنبياء (ص347 طبع بيروت الطبعة الثامنة) ما نصه: "أقول هذا يكشف لك عن أمور كثيرة منها بطلان عبادة المخالفين وذلك أنهم وإن صاموا وصلوا وحجوا وزكوا وأتوا من العبادات والطاعات وزادوا على غيرهم إلا أنهم أتوا إلى الله تعالى من غير الأبواب التي أمر بالدخول منها.. وقد جعلوا المذاهب الأربعة وسائط وأبواباً بينهم وبين ربهم وأخذوا الأحكام عنهم وهم أخذوها عن القياسات والاستنباطات والآراء والاجتهاد الذي نهى الله سبحانه عن أخذ الأحكام عنها وطعن عليهم من دخل في الدين منها".
أقول: هذا ما يعتقدونه في قرارة أنفسهم وما يربون عليه أجيالهم ثم يأتي شيخهم الدكتور محمد التيجاني الذي يصارح أهل السنة وكشف ما يكنه لهم الشيعة من عداء بأنهم نواصب فيقول في كتابه (ثم اهتديت - ص 127 ط مؤسسة الفكر في بيروت ولندن): "ربما أن المذاهب الأربعة فيها اختلاف كثير فليست عن عند الله ولا من عند رسوله".(97/88)
وكتابه هذا قام بطبعه المجمع العلمي الشيعي في الهند بعدة لغات ذكر هذا التيجاني نفسه في كتابه (فاسألوا أهل الذكر – ص11 من الطبعة الأولى في بيروت 1992م).
ويقول في كتابه (الشيعة هم أهل السنة ص84): "كيف لا نعجب من الذين يزعمون بأنهم أهل السنة والجماعة وهم جماعات متعددة مالكية وحنفية وشافعية وحنبلية يخالفون بعضهم في الأحكام الفقهية".
ويقول في الصفحة 104: "وبهذا نفهم كيف انتشرت المذاهب التي ابتدعتها السلطات الحاكمة وسمتها بمذاهب أهل السنة والجماعة".
ويقول في الصفحة 109: "والذي يهمنا في هذا البحث أن نبين بالأدلة الواضحة !! بأن المذاهب الأربعة لأهل السنة والجماعة هي مذاهب ابتدعتها السياسة..".
ويقول في الصفحة 88: "فهذا أبو حنيفة … نحده قد ابتدع مذهبا يقوم على القياس والعمل بالرأي مقابل النصوص الصريحة .. وهذا مالك.. نجده قد ابتدع مذهبا في الإسلام … وهذا الشافعي .. وهذا أحمد بن حنبل..".
ويقول في الصفحة 93: "كذلك نجد أن سبب انتشار مذهب أبي حنيفة بعد موته هو أن أبا يوسف والشيباني وهما من أتباع أبي حنيفة ومن أخلص تلاميذه كانا في نفس الوقت من أقرب المقربين لهارون الرشيد الخليفة العباسي وقد كان لهما الدور الكبير في تثبيت ملكه وتأييده ومناصرته فلم يسمح هارون الجواري والمجون لأحد أن يتولى القضاء والفتيا إلا بعد موافقتهما.. فصار أبو حنيفة أعظم العلماء ومذهبه أعظم المذاهب الفقهية المتبعة رغم أن علماء عصره كفروه واعتبروه زنديقاً".
ويقول في الصفحة 125: "وبكل هذا يتبين لنا مرة أخرى بالأدلة الواضحة!! التي لا تدفع!! بأن الشيعة الإمامية هم أهل السنة النبوية الحقيقية!! وأن أهل السنة والجماعة قد أطاعوا ساداتهم وكبراءهم فأضلوها السبيل وتركوهم في ظلمات يعمهون وأغرقوهم في بحر كفر النعم وأهلكوهم في مفاوز الطغيان".(97/89)
ويقول في الصفحة 168: "فنقول له بأن كل أقطاب أهل السنة والجماعة وأئمتهم قد خالفوا صريح السنة النبوية ونبذوها وراء ظهورهم وتركوها عامدين طائعين".
وفي الصفحة 287 بهت أهل السنة بقوله إنهم خالفوا معظم السنن النبوية بل تشنج التيجاني وزعم أنهم خالفوا تعاليم الإسلام ، إذن لماذا الدعوة إلى التقارب مع أهل السنة وهم ينظرون علينا هذه النظرة العدائية؟
وأقول : ولماذا يقوم علماؤهم بزيارات ورحلات كثيرة للبلدان الإسلامية ومنهم هذا التيجاني؟!!
الجواب: إنها التقية التي وقفت عليها في فصل مستقل من هذا الكتاب حيث يهدفون من وراء ذلك إلى نشر مذهبهم.
فالتيجاني الذي أوقفناك على وقاحته وقلة حيائه وأدبه مع علماء الإسلام نجده يتلون تلون الحرباء فعندما زار بومبي الهند واجهه علماء أهل السنة بطامات الشيعة وأباطيلهم فاستمع إليه وهو يخاطبهم كما صرح هو بذلك في كتابه (فأسألوا أهل الذكر – صفحة 12) بقوله: "اتقوا الله يا إخواني فربنا واحد ونبينا وقبلتنا واحدة.."
أقول: فكيف يكونون إخوة للتيجاني وهو الذي قال فيهم وفي أئمتهم ما قال؟!! إنه المكر والخبث والدهاء.
ثم استمع إلى رسالة له وجهها إلى الشيخ أبي الحسن الندوي أدرجها في كتابه "فأسألوا أهل الذكر" منها قوله في الصفحة 14: "أدعوكم لوقفة مخلصة وصريحة فأنتم من الذين حملهم الله المسؤولية ما دمتم تتكلمون باسم الإسلام في تلك الربوع..".
نقول كيف يحمله الله المسؤولية والندوى في نظر التيجاني ناصب يعتنق مذهبا ابتدعته السياسة وأنه ممن أطاع ساداته وكبراءه فأضلوه السبيل على حد كلام التيجاني؟!!!
فلماذا الدعوات الطويلة العريضة التي يدعون فيها إلى اتحاد أهل السنة والشيعة؟(97/90)
الجواب هو نشر مذهب الشيعة بين عوام أهل السنة كما سنقف عليه في فصل هدفهم من الدعوة إلى التقريب من هذا الكتاب ولا يتحقق هذا الهدف إلا بوقف الكتابات والبحوث التي تكشف معتقدات الشيعة الباطلة فعندما يظهر كتاب يعالج هذا الموضوع أي يكشف أباطيلهم تجدهم يستنكرون هذا زاعمين أنه يهدد وحدة المسلمين ويفرق صفوفهم وأما طعنهم في خيار هذه الأمة وطعنهم في القرآن وتشكيكهم في معتقد أهل السنة وإدخالهم الضعفاء والجهلة من أهل السنة في مذهب التشيع مستغلين فقرهم وجهلهم فهذا لا يهدد الوحدة ولا يفرق صفوف المسلمين في مقياس هذه الطائفة الإمامية وما كلام التيجاني عنا ببعيد.
الخامس عشر: الغلو في الأئمة عند الشيعة
أولاً: تفضيل الأئمة الأثنى عشر على الأنبياء عليهم السلام:
إنهم لا ينظرون إلى أهل البيت رضي الله عنهم كما ننظر إليهم نحن أهل السنة فأهل البيت الذين يدعون إلى اتباعهم هم الأئمة الاثنا عشر حيث يفضلونهم على الأنبياء نعم يفضلونهم على أنبياء الله عليهم السلام!!
يقول أحد مشايخهم وهو السيد أمير محمد الكاظمي القزويني في كتابه الشيعة في عقائدهم وأحكامهم ص73) الطبعة الثانية): "الأئمة من أهل البيت عليهم السلام أفضل من الأنبياء".
ويقول آية الله السيد عبد الحسين دستغيب وهو أحد أعوان الخميني في كتابه (اليقين ص 46ط دار التعارف بيروت لبنان 1989م): "وأئمتنا الاثنا عشر عليهم السلام أفضل من جميع الأنبياء باستثناء خاتم الأنبياء صلى الله عليهم وسلم ولعل أحد أسباب ذلك هو أن اليقين لديهم أكثر".(97/91)
ومثلهما الخميني (في كتابه الحكومة الإسلامية ص 52 منشورات المكتبة الإسلامية الكبرى) حيث يعتقد أن لهم مقاما لا يصله ملك مقرب ولا نبي مرسل وقد نقل عبارته غير واحد من كتاب ومفكري أهل السنة وقبل هؤلاء شيخهم محمد بن علي بن الحسين القمي الملقب عندهم بالصدوق في كتاب عيون أخبار الرضا وشيخهم محمد بن الحسن الحر العاملي في كتاب الفصول المهمة.
وهذا نص كلام الخميني" فإن للإمام مقاما محموداً ، ودرجة سامية، وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون. وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل".
ويقول نعمة الله الجزائري في الأنوار النعمانية 1/20 - 21 مبينا رأي الإمامية في المفاضلة بين الأنبياء والأئمة: اعلم أنه لا خلاف بين أصحابنا رضوان الله عليهم في أشرفية نبينا على سائر الأنبياء عليهم السلام للأخبار المتواترة وإنما الخلاف في أفضلية أمير المؤمنين والأئمة الطاهرين عليهم السلام على الأنبياء ما عدا جدهم.
فذهب جماعة: إلى أنهم أفضل من باقي الأنبياء ما خلا أولي العزم فإنهم أفضل من الأئمة ، وبعضهم إلي المساواة، وأكثر المتأخرين إلى أفضلية الأئمة عليهم السلام على أولي العزم وغيرهم، وهو الصواب.
وأيضاً خاتمة المجتهدين عند الشيعة محمد باقر المجلسي في كتابه مرآة العقول ج2 ص290 باب الفرق بين الرسول والنبي والمحدث، حيث قال: ".. وإنهم (أي الأئمة) أفضل وأشرف من جميع ألأنبياء سوى نبينا صلوات الله عليه وعليهم".(97/92)
وأمامي الآن كتاب (الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم) تأليف علامتهم ومتكلمهم وشيخهم زين الدين أبي محمد علي بن يونس العاملي النباطي البياضي صححه وعلق عليه محمد باقر البهبودي وقبل أن نوقفك عزيزي القارئ على ما فيه من طامات ننقل لك مدح وثناء أحد مراجع الشيعة المعاصرين وهو آية الله أبي المعالي شهاب الدين الحسيني المرعشي النجفي على النباطي بترجمة سماها رياض الأفاحي في ترجمة العلامة البياضي وهي كمقدمة للكتاب.
يقول المرعشي : "ومن أحسن ما رأيته في هذا المضمار بحيث لا بُعد في عده من النمط الأول والصف المقدم هو كتاب الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم للعلامة البحاثة المتكلم التحرير الشيخ زين الدين ابي محمد علي بن يونس العاملي النباطي البياضي قدس الله لطيفه وأجزل تشريفه .. ولعمري إنه الكتاب العجيب في موضوعه قال العلامة صاحب الروضات لم أر بعد كتاب الشافعي لسيدنا المرتضى علم الهدي مثله بل راجح عليه لوجوه شتى..".
أقول: يغضب البعض من إخواننا المتعاطفين مع الشيعة عندما يقال لهم أن الرافضة أكذب الطوائف المنتسبة إلى الإسلام يقول زين الدين البياضي في صراطه المستقيم هذا (1/20ط الأولى المطبعة الحيدرية نشر المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية) ما نصه: "نقل الإمام مالك بن أنس أخباراً جمة في فضائل علي وكان يفضله على أولى العزم من الأنبياء".
فهل كان مالك بن أنس يفضل عليا على أولي العزم من الأنبياء يا عباد الله؟!!
ثم يذكر تفضيل أكثر شيوخهم لعلي على أكثر أولي العزم من الأنبياء فيقول: "وأكثر شيوخنا يفضلونه على أولي العزم لعموم رئاسته وانتفاع جميع أهل الدنيا بخلافته".(97/93)
فهل انتفع جميع أهل الدنيا من خلافة علي رضي الله عنه؟!! إنهم يتفقون على أن الأئمة أفضل من الأنبياء ما عدا أولي العزم فمنهم من يفضلهم ومنهم من يفضل الأنبياء من أولي العزم عليهم والرأي الأول عليه الكثيرون من علمائهم هذا بالنسبة لعصر زين الدين النباطي أما اليوم فيصرحون بأن الأئمة أفضل من جميع الأنبياء ما عدا محمد كما سبق ونقلنا من أقوالهم ولا عبرة لمن ينكر هذا تقية.
ويقول العاملي النباطي في كتابه المذكور (1/101): "في مساواة أمير المؤمنين لجماعة من النبيين" فيقول: "موسى أحيى الله بدعائه قوما في قوله تعالى: ثم بعثناكم من بعد موتكم (البقرة: 56). وأحيى لعلي أهل الكهف وروى أنه أحيى سام بن نوح وأحيى له جمجمة الجلندي ملك الحبشة".
ويقول البياضي (1/102): "وعلي سلمت عليه الحيتان وجعله الله إمام الإنس والجان".
أقول: لاحظ أنه قبل قليل نقل إحياءه لسام بصيغة التمريض "روي" وهنا بصيغة الجزم إنه في سكرات الغلو وآية الله المرعشي لا يحرك ساكنا فهو موافق للرجل ومجتهدهم في الشام محسن الأمين كما في ص9 من المقدمة يصف الكتاب والمؤلف قائلا أنه يدل على فضل مؤلفه.
فما هو جواب من يقول إن الغلو قد خف في المتأخرين منهم … إن قائل هذا جاهل ومتطفل ولا يعلم عن التشيع إلا قشوره إن كان يعلمها.
ويقول البياضي في صراطه (1/105): "قال له أصحابه – أي علي- إن موسى وعيسى كانا يُريان المعجزات فلو أريتنا شيئا لنطمئن إليه فأراهم عليه السلام جنات من جانب وسعيراً من جانب وكان أكثرهم سحر وثبت اثنان فأراهم حصى مسجد الكوفة ياقوتا فكفر أحدهما وبقي الآخر".
وفي المواضع المذكور من صراطه المستقيم!!! قال: "اختصم خارجي وامرأة فعلى صوته فقال له : اخسأ فإذا رأسه كلب".
وقال البياضي الشيعي في كتابه المذكور (1/241): "الفصل الثالث والعشرون في كونه بمنزلة قل هو الله أحد والبئر المعطلة والحسنة وأبو الأئمة".(97/94)
وقال البياضي (1/105): "أحيا رجلا من بني مخزوم صديقا له فقام وهو يقول (وينه وينه بينا لا) يعني لبيك لبيك سيدنا فقال له : ألست عربيا قال: بلى ولكني مت على ولاية فلان وفلان فانقلب لساني إلى لسان أهل النار".
أقول: معروف من هما فلان وفلان إنهما الصديق والفاروق رضي الله عنهما وقد جعل الشيعة من فلان وفلان نموذجاً يختارون لتعبئته ما يشاءون من أسماء للتضليل في حالة سؤالهم والاستفسار منهم عن المقصود بفلان وفلان طبعا من قبل أهل السنة وإلا الشيعة فيعرفون فلانا وفلانا.
وقال البياضي (1/107): "لما رجع من صفين كلم الفرات فاضطربت وسمع الناس صوتها بالشهادتين والإقرار له بالخلافة وفي رواية عن الصادق عن آبائه عليهم السلام أنه ضربها بقضيب فانفجرت وسلمت عليه حيتانها وأقرت له بأنه الحجة".
وهذا محسن الأمين وهو مجتهدهم الكبير يثني على الكتاب كما في المقدمة مستدلا به على فضل مؤلفه وهو أعني محسن الأمين يدافع عن الشيعة في كتابه (الشيعة بين الحقائق والأوهام) ويحاول تبرئة أبناء ملته من الخرافات وكل ما ينسب إليهم، فانظر كيف تحثهم تقيتهم فتجعلهم يتلونون تلون الحرباء.
ويقول البياضي (3/5): "وفي رواية أبي ذر إنه لما جمع القرآن أتى به إلى أبي بكر فوجد فيه فضايحهم فردوه وأمر عمر زيد بن ثابت بجمع غيره قال زيد: فإذا أخرجه بطل عملي فبعث ليريد من علي ليحرفه مع نفسه فابى ذلك فدبروا قتله على يد خالد وهو مشهور".
هذه رواية تثبت عدم اعتقاد الشيعة بصحة القرآن المتداول بن المسلمين وسنذكر كثيرا من الروايات التي تقطع بذلك في فصل (مهدي الشيعة يخرج القرآن الكامل).(97/95)
وأورد البياضي (1/105) رواية طريفة أيضاً إليك نصها: "قال علي لرجل قد حمل جريا: قد حمل هذا إسرائيليا فقال الرجل: متى صار الجري إسرائيلياً؟ فقال : إن الرجل يموت في اليوم الخامس فمات فيه ودفن فيه فرفس قبره برجله فقام قائلاً: "الراد على علي كالراد على الله ورسوله فقال: عد في قبرك فعاد فانطبق عليه".
أقول: هذه من الطامات التي أوردها زين الدين العاملي النباطي والتي لم ينكرها عليه آية الله المرعشي مما يدل على قبوله لها ولغيرها من الخرافات التي لم يتعقبه عليها.
ثانياً: عصمة الأئمة عند الشيعة:
يقول محمد رضا المظهر في كتابه عقائد الإمامية ص 91 دار الصفوة – بيروت : "ونعتقد أن الإمام كالنبي، يجب أن يكون معصوما من جميع الرذائل والفواحش، ما ظهر منها وما بطن، من سن الطفولة إلى الموت عمداً وسهواً، كما يجب أن يكون معصوما من السهو والخطأ والنسيان".
ويقول أيضاً: "بل نعتقد أن أمرهم أمر الله تعالى، ونهيهم نهيه، وطاعتهم طاعته، ومعصيتهم ومعصيته، ووليهم وليه وعدوهم عدوه، ولا يجوز الراد عليهم، والرد عليهم كالراد على رسول الله، والراد على الرسول كالرد على الله تعالى".
ويقول الخميني في كتابه الحكومة الإسلامية ص 91: "نحن نعتقد أن المنصب الذي منحه الأئمة للفقهاء لا يزال محفوظاً لهم، لأن الأئمة الذين لا نتصور فيهم السهو أو الغفلة، ونعتقد فيهم الإحاطة بكل ما فيه مصلحة للمسلمين، كانوا على علم بأن هذا المنصب لا يزول عن الفقهاء من بعدهم بمجرد وفاتهم".
ويقول الإمام الأكبر محمد الحسين آل كاشف الغطاء في كتابه أصل الشيعة وأصولها ص59 (الإمام يجب أن يكون معصوما كالنبي عن الخطأ والخطيئة).(97/96)
ويقول عالمهم الزنجاني في كتابه عقائد الاثنى عشرية 2/157 الأعلمي – بيروت نقلا عن رئيس المحدثين (الصدوق) ما نصه: اعتقادنا في الأنبياء والرسل والأئمة أنهم معصومون ومطهرون من كل دنس، وأنهم لا يذنبون لا صغيرا ًولا كبيراً، ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ومن نفى عنهم العصمة في شيء من أحوالهم فقد جهلهم، ومن جهلهم فهو كافر".
ثالثاً: الغلو في كيفية خلق الأئمة عند الشيعة:
قال الخميني في (كتابه زيدة الأربعين حديثا ص232 ط دار المرتضى- بيروت) اختصره سامي خضرا وهو يتكلم لا عن مقام الأئمة و (الأربعون حديثاً للخميني) ص604ط دار التعارف - بيروت.
"أعلم أيها الحبيب، أن أهل بيت العصمة عليهم السلام، يشاركون النبي في مقامه الروحاني الغيبي قبل خلق العالم، وأنوارهم كانت تسبح وتقدس منذ ذلك الحين، وهذا يفوق قدرة استيعاب الإنسان، حتى من الناحية العلمية.
ورد في النص الشريف "يا محمد، إن الله تبارك وتعالى، لم يزل منفرداً بوحدانيته، ثم خلق محمدا وعليا وفاطمة، فمكثوا ألف دهر، ثم خلق جميع الأشياء، فأشهدهم خلقها، وأجرى طاعتهم عليها، وفوض أمورهم إليهم، فهم يحلون ما يشاؤون أو يحرمون ما يشاؤون، ولن يشاؤوا إلا أن يشاء الله تعالى، ثم قال: يا محمد، هذه الديانة التي من تقدمها مرق، ومن تخلف عنها محق، ومن لزمها لحق، خذها إليك يا محمد".
هذا، وما ورد في حقهم عليهم السلام في الكتب المعتبرة، يبعث على تحير العقول، حيث لم يقف أحد على حقائقهم وأسرارهم إلا أنفسهم صلوات الله وسلامه عليهم".
وسئل المرجع الشيعي الميرزا حسن الحائري في كتابه الدين بين السائل والمجيب ج2 ص72 منشورات مكتبة الإمام الصادق العامة – الكويت.
إذا كان الإمام علي - – أفضل من النبي موسى، ، فما معنى قوله : (أنا عصا موسى)؟ وهل يكون الإمام أمير المؤمنين، الآية الكبرى، معجزة لموسى؟ هذا والإمام يقول: "أي آية أكبر مني؟".(97/97)
أرجو التفضيل بالجواب مفصلاً، ظاهراً وباطناً، ولكم جزيل الشكر…
أجاب الحائري: "لهذه الكلمة المباركة تفسيران أو معنيان:
الأول: يعني أنه ، بمنزلة عصا موسى لرسول الله ، يعني انه (ع) أكبر آية، وأعظم معجزة لإثبات نبوة أخيه، وابن عمه (ص) في علمه ومعاجزه، وكراماته.
والمعنى الثاني: إنه المؤثر في عصا موسى (ع) ولولا تأثير ولايته العظمى، لما تحولت ثعبانا، وهو الذي نصر الأنبياء جميعا في إظهار معاجزهم، وكراماتهم، وتأثير حججهم، والغلبة علي منكري رسالاتهم ، كما هو صريح رواياتهم، عليهم السلام، بسلطنته الكبرى، وولايته الكلية العامة، وهو الآية الكبرى، والنبأ العظيم".
وسئل في الكتاب المذكور ج2 ص219 ما حكم المتقدم على ضريح المعصوم (ع) في الصلاة، أي يكون الضريح خلف المصلي في داخل الحرم الشريف؟ وما رأيكم بالنسبة إلى الشهداء والصالحين من أبناء المعصومين؟ وما الحكم إذا صلى جنب الضريح المقدس؟
أجاب الحائري: "لا يجوز التقدم على ضريح المعصوم في الصلاة، والصلاة باطلة أمام ضريحه، ، باتفاق من علماء الإمامية، لأن الحكم بعد وفاتهم كما كان حال حياتهم، وأما الصلاة أمام ضريح ابي الفضل العباس (ع) مثلاً، خلاف احترامه، وجسارة بمقامه. ولا بأس بالصلاة في جانبي ضريح المعصوم، ما لم يتقدم على قبره المطهر الذي في داخل ضريحه، وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى، آمين بحق محمد وآله الطاهرين، صلوات الله عليهم أجمعين".
وأيضاً سئل في الكتاب المذكور ج2 ص118 سماحة العلامة، الإمام المصلح، ميرزا حسن الحائري: نسمع من الخطباء بأن رسول الله له نور، وهذا النور يغلب نور الشمس والقمر وإذا سار بالشمس لا يرى له ظل – أرجو من سيدي أن يشرح كيفية هذا النور؟
أجاب الحائري: "باسمه تعالى السلام عليكم، ورحمة الله، وبركاته:(97/98)
اعلم يا ولدي الأعز، وفقك الله لمراضيه، أن الباري تعالى، خلق نور نبيه محمد، صلى الله عليه وآلة وسلم، من نور عظمته، كما هو متفق عليه بين الشيعة والسنة، يعني أنه سبحانه خلق في أول الإيجاد ، نوراً مقدساً، شريفاً، شعشعانياً، فنسبه إلى نفسه، لشرفه، وصفاته، فخلق من ذلك النور محمداً ، وخلق من نور نبيه، عليا أمير المؤمنين، ، كالضوء من الضوء، وكالشمعة من الشمعة، وهذه الشمعة الثانية تمثل الشمعة الأولى، بكل مزاياها من الصفات اللاهوتية، إلا أن الفضل للأولى لأوليتها، ووساطتها في وجود الثانية، وكذلك سائر المعصومين، يعني فاطمة الزهراء، وأبنائها الطيبين الطاهرين، صلوات الله عليهم أجمعين، خلقوا من ذلك النور بعد علي، ، كالضوء من الضوء، يمثل كل واحد منهم الآخر في جميع صفاته التي منحها الرحمن له بفضله، وجوده، وكرمه، ثم خلق من اشعة ظاهر ذلك النور، من سواهم، وما سواهم، من الأنبياء والمرسلين، والملائكة، وسائر الخلق أجمعين".
وسئل آيتهم العظمى جواد التبريزي في تعليقاته وفتاويه المطبوعة مع صراط النجاة للخوئي ج3 ص438 - 439 مكتبة الفقيه – الكويت.
ما رأيكم فيمن يعتقد بان النبي وأهل النبي كانوا موجودين بأرواحهم وأجسامهم المادية، قبل وجود العالم، وأنهم كانوا مخلوقين قبل خلق آدم لا أن الله تعالى جعل صورهم حول العرش، فما هو الجواب؟
أجاب التبريزي: "كانوا عليهم السلام موجودين بأشباحهم النورية، قبل خلق آدم وخلقتهم المادية متأخرة عن خلقة آدم، كما هو واضح والله العالم).
وسئل أيضاً: ما رأي سماحتكم أن الرسول اقدم خلق من الخلق التكويني، من آدم وأن الرسول وآله خلقوا الخلق؟
أجاب التبريزي: "المراد من الأقدمية في الخلق هو نوريته، لا بدنه العنصري، وقد تقدم أن الله سبحانه هو الذي خلق المخلوقات، يقول سبحانه ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه، وهو على كل شيء وكيل (الأنعام: 102).(97/99)
والوكالة لا تجتمع الاستبانة في الخلق، وهذا ظاهر الآيات الكثيرة، لا مجال لذكرها.
وخلق بعض الأشياء من بعض كخلق المضغة من العلقة، وخلق الجنين من المضغة ليس معناه أن خالق الجنين هو المضغة، بل الله خلقه منها، ومن ذلك يظهر أن ما في بعض الروايات ، من أن شيعتنا خلقوا من فاضل طينتنا أو أن الله خلق من نورهم بعض الخلق ليس معناه أن فاضل الطينة أو نورهم هو الخالق، بل الخالق هو الله، كخلقه الإنسان من الطين، والله العالم".
وسئل: هل يجوز الاعتقاد بأن الصديقة الطاهرة السيدة الزهراء عليها السلام تحضر بنفسها في مجالس النساء في آن واحد، في مجالس متعددة بنفسها ودمها ولحمها؟
أجاب التبريزي: الحضور بصورتها النورية في امكنة متعددة في زمان واحد، لا مانع منه، فإن صورتها النورية خارجة عن الزمان والمكان، وليست جسما عنصريا ليحتاج إلى الزمان والمكان، والله العالم.
وسئل: هل هناك خصوصية للزهراء عليها السلام في خلقتها، وبالنسبة للمصائب التي جرت عليها بعد أبيها من ظلم القوم لها، وكسر ضلعها واسقاط جنينها، ما رأيكم بذلك؟
أجاب التبريزي: نعم، فإن خلقتها كخلقة سائر الأئمة (سلام الله عليهم أجمعين) بلطف من الله سبحانه وتعالى، حيث ميزهم في خلقهم عن سائر الناس.. وكانت فاطمة (ع) في بطن أمها محدثة وكانت تنزل عليها الملائكة بعد وفاة الرسول .
رابعاً: الغلو في صفات الأئمة:
سنكتفي لبيان صفات الأئمة عند الشيعة بأبواب الفهارس في الكتب المعتبرة عند الشيعة ومن قرأ عناوين هذه الأبواب سيتضح بإذن الله له الغلو في الأئمة إلى درجة التأليه.
أ- كتاب الكافي لمؤلفه ثقة الإسلام كما لقبه الشيعة محمد بن يعقوب الكليني.(97/100)
أثنى آية الشيعة عبد الحسين شرف الدين علي الكافي فقال في كتابه "المراجعات" مراجعة 110" ما نصه: "الكتب الأربعة التي هي مرجع الإمامية في أصولهم وفروعهم من الصدر الأول إلى هذا الزمان وهي الكافي والتهذيب والاستبصار ومن لا يحضره الفقيه، وهي متواترة ومضامينها مقطوع بصحتها والكافي أقدمها وأعظمها وأحسنها وأتقنها".
فهارس كتاب الكافي ج1 دار التعارف – بيروت.
باب أن الأئمة (ع) ولاة أمر الله وخزنة علمه.
باب أن الأئمة (ع) خلفاء الله عز وجل في أرضه وأبوابه التي منها يؤتى .
باب أن الأئمة (ع) نور الله عز وجل.
باب أن الآيات التي ذكرها الله عز وجل في كتابه هم الأئمة.
باب ما فرض الله ورسوله من الكون مع الأئمة (ع).
باب أن الراسخين في العلم هم الأئمة (ع).
باب في أن من اصطفاه الله من عباده وأورثهم كتابه هم الأئمة (ع).
باب أن الأئمة (ع) إذا شاؤوا أن يعلموا علموا.
باب أن الأئمة (ع) يعلمون متى يموتون وأنهم لا يموتون إلا باختيار منهم.
باب ان الأئمة (ع) يعلمون علم ما كان وما يكون وأنه لا يخفى عليهم شيء صلوات الله عليهم.
باب أن الله عز وجل لم يعلم نبيه علما إلا أمره أن يعلمه أمير المؤمنين (ع) وأنه كان شريكه في العلم.
باب أن الأئمة (ع) لو ستر عليهم لأخبروا كل امرئ بما له وعليه.
باب التفويض إلى رسول الله (ص) وإلى الأئمة (ع) في أمر الدين.
باب أن القرآن يهدي للإمام.
باب ان النعمة التي ذكرها الله عز وجل في كتابه هي الأئمة (ع)
باب عرض الأعمال على النبي (ص) والأئمة (ع).
باب أن الأئمة معدن العلم وشجرة النبوة ومختلف الملائكة.
باب أن الأئمة (ع) ورثة العلم يرث بعضهم بعضاً العلم.
باب أن الأئمة ورثوا علم النبي وجميع الأنبياء والأوصياء الذين من قبلهم.
باب أن الأئمة (ع) عندهم جميع الكتب التي نزلت من عند الله عز وجل وأنهم يعرفونها على اختلاف ألسنتها.
باب أنه لم يجمع القرآن، كله إلا الأئمة (ع) ,أنهم يعلمون علمه كله.(97/101)
باب في أن الأئمة (ع) يزدادون في ليلة الجمعة.
باب لولا أن الأئمة (ع) يزدادون لنفد ما عندهم.
باب أن الأئمة (ع) يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى الملائكة والأنبياء والرسل (ع).
ب- أبواب فهارس بحار الأنوار لخاتمة المجتهدين محمد باقر المجلسي ج23 – 27 كتاب الإمامة. ط دار إحياء التراث العربي- بيروت.
باب: أنه الله تعالى يرفع للإمام عموداً ينظر إلى أعمال العباد.
باب: أنه لا يحجب عنهم شيء من أحوال شيعتهم وما تحتاج إليه الأئمة من جميع العلوم، وأنهم يعلمون ما يصيبهم من البلايا ويصبرون عليها، ولو دعوا الله في دفعها لأجيبوا، وأنهم يعلمون ما في الضمائر وعلم المنايا والبلايا وفصل الخطاب والمواليد.
باب: أن عندهم جميع علوم الملائكة والأنبياء وأنهم أعطوا ما أعطاه الله الأنبياء، وأن كل إمام يعلم جميع علم الإمام الذي قبله، ولا تبقى الأرض بغير عالم.
باب آخر: في أن عندهم صلوات الله عليهم كتب الأنبياء عليهم السلام يقرؤنها على اختلاف لغاتهم.
باب: أنهم عليهم السلام يعلمون الألسن واللغات ويتكلمون بها.
باب: أنهم أعلم من الأنبياء عليهم السلام.
باب: أنهم يعلمون متى يموتون وأنه لا يقع ذلك إلا باختيارهم.
باب: أحوالهم بعد الموت وأن لحومهم حرام على الأرض وأنهم يرفعون إلى السماء.
باب: أنهم يظهرون بعد موتهم ويظهر منهم الغرائب.
باب: أن أسماءهم عليهم السلام مكتوبة على العرض والكرسي واللوح وجباه الملائكة وباب الجنة وغيرها.
باب: أن الجن خدامهم يظهرون لهم ويسألونهم عن معالم دينهم.
باب: أنهم يقدرون على إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص وجميع معجزات الأنبياء عليهم السلام.
باب: أنهم عليهم السلام سخر لهم السحاب ويسر لهم الأسباب.
باب: تفضيلهم عليهم السلام على الأنبياء وعلى جميع الخلق، وأخذ ميثاقهم عنهم وعن الملائكة وعن سائر الخلق، وأن أولي العزم إنما صاروا أولي العزم بحبهم صلوات الله عليهم.(97/102)
باب: أن دعاء الأنبياء استجيب بالتوسل والاستشفاع بهم صلوات الله عليهم أجمعين.
باب: أن الملائكة تأتيهم وتطأ فرشهم، وأنهم يرونهم صلوات الله عليهم أجمعين.
باب: أنهم عليهم السلام لا يحجب عنهم علم السماء والأرض والجنة والنار، وأنه عرض عليهم ملكوت السموات والأرض ويعلمون علم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة.
باب: أنهم يعرفون الناس بحقيقة الإيمان وبحقيقة النفاق وعندهم كتاب فيه أسماء أهل الجنة وأسماء شيعتهم وأعدائهم، وأنه لا يزيلهم خبر مخبر عما يعلمون من أحوالهم.
باب: ما يحبهم عليهم السلام من الدواب والطيور، وما كتب على جناح الهدهد من فضلهم وأنهم يعلمون منطق الطيور والبهائم.
باب: ما أقر من الجمادات والنباتات بولايتهم عليهم السلام.
ج: أبواب فهارس كتاب (بصائر الدرجات) أبو جعفر محمد بن الحسن (الصفار) ط الأعلمي – إيران.
باب: الأعمال تعرض على رسول الله والأئمة (ع).
باب: عرض الأعمال على الأئمة الأحياء والأموات.
باب: في الأئمة أنهم تعرض عليهم الأعمال في أمر العمود الذي يرفع للأئمة وما يصنع بهم في بطون أمهاتهم.
باب: في أن الإمام يرى ما بين المشرق والمغرب بالنور.
باب: في الأئمة أنهم يعرفون الزيادة والنقصان في الأرض من الحق والباطل.
باب: في الأئمة أنهم يعرفون علم المنايا والبلايا والأنساب من العرب وفصل الخطاب.
باب: في الأئمة أنهم يحيون الموتى ويبرؤون الأكمه والأبرص بإذن الله.
باب: في الإمام أنه يعرف شيعته من عدوه بالطينة التي خلقوا منها بوجوههم وأسماءهم.
باب: في ركوب أمير المؤمنين السحاب وترقيه في الأسباب والأفلاك.
باب: في أمير المؤمنين أن الله ناجاه بالطايف وغيرها ونزل بينهما جبرئيل.
باب: في علم الأئمة بما في السموات والأرض والجنة والنار وما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة.
باب: في الأئمة أنهم أعطوا علم ما مضى وما بقي إلى بقي إلى يوم القيامة.(97/103)
باب: في الأئمة يعرفون منطق البهائم ويعرفونهم ويجيبونهم إذا دعوهم.
خامساً: غلو الشيعة في ي فضل زيارة قبور الأئمة:
أ- أبواب كتاب (كامل الزيارات) لأبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه أثنت عليه مؤسسة "نشر الفقاهة" في قم التي قامت بتحقيق هذا الكتاب ص1 "هو كتاب مشهور ومعروف بين الأصحاب ومن أهم المصادر المعتمد عليها، أخذ منه الشيخ في التهذيب وغيره من المحدثين كالحر العاملي ونقل عنه جل من ألف منهم في الحديث والزيارة وغيرها، وهو جامع الزيارات وما روي في ذلك من الفضل عن الأئمة وفيه أجلاء المشايخ المشهورين بالعلم والحديث الذين وثقهم وزكاهم عموما مؤلفه الجليل. وفيه فائدة عظيمة في المباحث الفقهية والرجالية. وإن كان فيه بحث لا يسعه المقام".
وأيضاً هذا توثيق المؤلف نفسه على كتابه ص 37.
حيث قال ما نصه: "فأشغلت الفكر فيه وصرفت الهم إليه، وسألت الله تبارك وتعالى العون عليه حتى أخرجته وجمعته عن الأئمة صلوات الله عليهم أجمعين من أحاديثهم ، ولم أخرج فيه حديثا روي عن غيرهم إذا كان فيما روينا عنهم من حديثهم صلوات الله عليهم كفاية عن حديث غيرهم وقد علمنا أنا لا نحيط بجميع ما روي عنهم في هذا المعنى ولا في غيره، لكن ما وقع لنا من جهة الثقات من أصحابنا رحمهم الله برحمته ، ولا أخرجت فيه حديثا روي عن الشذاذ من الرجال، يؤثر ذلك عنهم عن المذكورين غير المعروفين بالرواية المشهورين بالحديث والعلم وسميته كتاب كامل الزيارات.
وهذه بعض الأبواب من الفهرس د دار السرور – بيروت - 1997م.
الباب (58): إن زيارة الحسين أفضل ما يكون من الأعمال.
الباب (59): من زار الحسين كان كمن زار الله في عرشه.
الباب (60): إن زيارة الحسين والأئمة عليهم السلام تعدل زيارة قبر رسول الله وآله.
الباب (61): إن زيارة الحسين تزيد في العمر والرزق وتركها ينقصهما.
الباب (62): إن زيارة الحسين تحط الذنوب.(97/104)
الباب (63): إن زيارة الحسين تعدل عمرة.
الباب (64): إن زيارة الحسين تعدل حجة.
الباب (65): إن زيارة الحسين تعدل حجة وعمرة.
الباب (67): إن زيارة الحسين تعدل عتق الرقاب.
الباب (68): إن زوار الحسين مشفعون.
الباب (69): إن زيارة الحسين ينفس بها الكرب، ويقضي بها.
الباب (91): ما يستحب من طين قبر الحسين وأنه شفاء.
الباب (92): إن طين قبر الحسين شفاء وأمان.
الباب (93): من أين يؤخذ طين قبر الحسين وكيف يؤخذ.
الباب (94): ما يقول الرجل إذا أكل طين قبر الحسين .
الباب (53): إن زائري الحسين يدخلون الجنة قبل الناس.
ب- فضائل زيارة قبور الأئمة من كتاب (نور العين في المشي إلى زيارة قبر الحسين) تأليف: الشيخ محمد حسن الأصطهبناتي – ط دار الميزان – بيروت.
أبواب الفهرس:
باب: إن زائر الحسين (ع) يعطى له يوم القيامة نور يضيئ لنوره ما بين المشرق والغرب.
باب: إن زيارته (ع) توجب العتق من النار.
باب: إن زوار الحسين (ع) يكونون في جوار رسول الله وعلي وفاطمة صلوات الله عليهم.
باب: إن زيارة الحسين (ع) توجب كتابة الحسنات ومحو السيئات ورفع الدرجات.
باب: إن زيارته غفران ذنوب خمسين سنة.
باب: إن زيارة الحسين (ع) تعدل الاعتاق والجهاد والصدقة والصيام.
باب: إن زيارة الحسين (ع) تعدل اثنتين وعشرين عمرة.
باب: إن زيارة الحسين (ع) تعدل حجة لمن لم يتهيأ له الحج وتعدل عمرة لمن لم تتهيأ له عمرة.
باب : إن الله تبارك وتعالى يتجلى لزوار قبر الحسين (ع) ويخاطبهم بنفسه.
باب: إن الله جل وعلا يزور الحسين (ع) في كل ليلة جمعة.
باب: إن الأنبياء يسألون الله في زيارة الحسين (ع).
باب: إن النبي الأعظم والعترة الطاهرة يزورون الحسين (ع).
باب: إن إبراهيم الخليل (ع) يزور الحسين (ع).
باب: إن موسى بن عمران سأل الله جل وعلا أن يأذن له في زيارة قبر الحسين (ع).
باب: الملائكة يسألون الله عز وجل أن يأذن لهم في زيارة قبر الحسين (ع).(97/105)
باب: ما من ليلة تمضي إلا وجبرائيل وميكائيل يزورانه صلوات الله عليه.
باب: إن الله تعالى يباهي بزائر الحسين ملائكة السماء وحملة العرش.
باب: إن الله عز وجل حلف أن لا يخيب زوار الحسين (ع).
باب: إن زيارة الحسين (ع) تعدل ثلاثين حجة مبرورة متقبلة زاكية مع رسول الله (ص).
باب: من زار قبر الحسين (ع) كان كمن زار الله فوق عرشه.
باب: من زار قبر الحسين (ع) كان كمن زار الله فوق كرسيه.
باب: من زار الحسين (ع) كان كمن زار الرسول .
باب: من زار الحسين (ع) كان كمن زار عليا (ع).
باب: من زار الحسين (ع) كتبه الله في أعلى عليين.
باب: من سره أن ينظر إلى الله فليكثر من زيارة قبر الحسين (ع).
أخي المسلم: هذه بعض نماذج الغلو في الأئمة عند الشيعة. ومن المعلوم أن علماء الشيعة ومفكريهم ودعاتهم الذين يأتون بقصد التبشير والدعوة إلى التشيع وشراء ضمائر من يكتب لصالحهم لا يجاهرون بمثل هذه المعتقدات بل رأيناهم يتظاهرون بإنكارها ويدعون أنهم لا يعتقدون بكل ما في كتبهم وهذا غش وكذب ينكشف بالآتي:
أولاً: أنهم لا يردون على مثل هذه الخرافات التي تصل إلى درجة الكفر بل وكما رأينا هناك من يقدم لهذه الكتب ويثني عليها.
ثانياً: إنهم عندما يترجمون لمؤلفي هذه الكتب لا ينكرون عليهم تسليمهم بهذه الأباطيل بل يترحمون عليهم ويبالغون في إطرائهم والثناء عليهم ويعدون هذه المؤلفات أدلة تثبت فضلهم ليتبين لك بعد هذا أن الإنكار الذي يواجهون به أهل السنة إنما هو من التقية التي هي تسعة أعشار دين التشيع.
إن الشيعة يقومون بالإنكار والاحتجاج والتهديد والرفض عندما يمسون في كتاب أو محاضرة ولو بصورة عارضة فما بالهم يسكنون وتنكتم أنفاسهم ولا يظهرون مثل هذا أمام هذا الغلو والانحراف؟
لماذا يكتفون بالرفض أمام أهل السنة دون أن يترجموا رفضهم على الواقع؟
لماذا ينكرون ما ينسب إليهم إنكارا عاماً مبهماً؟(97/106)
لماذا لا تتبعون أسانيد هذه الروايات ويبينون ضعفها وعدم حجيتها؟
السادس عشر: مهدي الشيعة يأتي بالقرآن الكامل
روى شيخهم محمد بن محمد بن النعمان الملقب بالمفيد في (كتاب الإرشاد ص365 الطبعة الثالثة مؤسسة الأعلمي بيروت 1979م) عن أبي جعفر قال: "إذا قام قائم آل محمد ضرب فساطيط يعلم فيها يعلم فيها القرآن على ما أنزل فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم لأنه يخالف فيه التأليف" وذكرها كامل سليمان في يوم الخلاص (ص372).
وروى شيخهم النعماني في كتاب الغيبة (318) عن علي قال: "كأني بالعجم فساطيطهم في مسجد الكوفة يعلمون الناس القرآن كما أنزل قلت (أي الراوي): يا أمير المؤمنين أو ليس هو كما أنزل فقال: لا محي منه سبعون من قريش بأسمائهم وأسماء أبائهم وما ترك أبو لهب إلا إزراء على رسول الله وآله لأنه عمه".
ونقل شيخهم محمد بن محمد صادق الصدر في تاريخ ما بعد الظهور (ص637) عن أبي عبد الله أنه قال: ".. لكأني أنظر إليه بين الركن والمقام يبايع الناس على كتاب جديد على العرب شديد" وذكر الرواية شيخهم كامل سليمان في كتاب يوم الخلاص (ص371).
وفي تاريخ ما بعد الظهور (ص638) عن أبي جعفر قال: "يقوم القائم في وتر من السنين إلى أن قال: فوالله لكأني أنظر إليه بين الركن والمقام يبايع الناس بأمر جديد وكتاب جديد وسلطان جديد من السماء".
وفي يوم الخلاص لكامل سليمان (ص373) عن الإمام جعفر الصادق قال: إذا قام القائم قرأ كتاب الله عز وجل على حده وأخرج المصحف الذي كتبه علي .
وروى محمد بن محمد صادق الصدر في تاريخ ما بعد الظهور (ص638) عن محمد بن علي عليهما السلام قال: "لو قد خرج قائم آل محمد … إلى أن قال: يقوم بأمر جديد وسنة جديدة وقضاء جديد على العرب شديد".
وفي يوم الخلاص (ص372) عن أمير المؤمنين قال: "كأني أنظر إلى شيعتنا بمسجد الكوفة وقد ضربوا الفساطيط يعلمون القرآن كما أنزل".(97/107)
وينقل لنا كامل سليمان في يوم الخلاص (ص373) عن المصحف الذي سيأتي به المهدي فيقول: "أخرجه علي إلى الناس حين فرغ منه وكتبه فقال لهم: هذا كتاب الله عز وجل كما أنزله الله على محمد فقد جمعته من اللوحين (أي من الدفتين اللتين تضمانه من أوله إلى آخره) فقالوا: هو ذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن لا حاجة لنا فيه فقال: أما والله ما ترونه بعد يومكم هذا أبداً إنما كان علي أن أخبركم حين جمعته لتقرأوه".
وقال نعمة الله الجزائري في الأنوار النعمانية ج2 ص360: "روي في الأخبار أنهم عليهم السلام أمروا شيعتهم بقراءة هذا الموجود من القرآن في الصلاة وغيرها والعمل بأحكامه حتى يظهر مولانا صاحب الزمان المهدي) فيرتفع هذا القرآن من أيدي الناس إلى السماء ويخرج القرآن الذي ألفه أمير المؤمنين فيقرأ ويعمل بأحكامه.
وقال أبو الحسن العاملي في مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار ص 36 دار التفسير (قم): "إن القرآن المحفوظ عما ذكر الموافق لما أنزله الله تعالى، ما جمعه علي وحفظه إلى أن وصل إلى ابنه الحسن وهكذا إلى أن وصل إلى القائم "المهدي" وهو اليوم عنده صلوات الله عليه".
وقال محمد بن النعمان الملقب بالمفيد في المسائل السروية ص81-88: "إن الخبر قد صح عن أئمتنا عليهم السلام أنهم قد أمروا بقراءة ما بين الدفتين وأن لا نتعداه إلى زيادة فيه ولا إلى نقصان منه إلى أن يقوم القائم فيقرئ الناس على ما أنزل الله تعالى وجمعه أمير المؤمنين ".
أقول هذا هو معتقد الشيعة في أن الإمام المهدي وهو ثاني عشر الأئمة سيأتي بالقرآن الذي لم يحرفه الصحابة حسب معتقدهم، وسئل شيخهم وحجتهم آية الله ميرزا حسن الحائري كما في كتابه (الدين بين السائل والمجيب ص89 طبع سنة 1394هـ) هذا السؤال:(97/108)
"المعروف أن القرآن قد نزل على رسول الله على شكل آيات منفردة فكيف جمعت في سور ومن أول من جمع القرآن وهل القرآن الذي نقرأه اليوم حوى كل الآيات التي نزلت على الرسول الأكرم محمد أم أن هناك زيادة ونقصانا وماذا عن مصحف فاطمة الزهراء عليها السلام؟".
أجاب الحائري بقوله: "نعم إن القرآن، نزل من عند الله تبارك وتعالى على رسوله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم في 23 سنة يعني من أول بعثته إلى يوم وفاته فأول من جمعه وجعله بين دفتين كتابا هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وورث هذا القرآن إمام بعد إمام من أبنائه المعصومين عليهم السلام وسوف يظهره الإمام المنتظر المهدي إذا ظهر عجل الله فرجه وسهل مخرجه ثم جمعه عثمان في زمان خلافته وهذا هو الذي جمعه من صدور الأصحاب أو مما كتبوا الذي بين أيدينا".
أخي المسلم: لاحظ الآتي: إن هناك مصحفان أحدهما جمعه علي والآخر جمعه عثمان رضي الله عنهما.
لم يصرح الحائري بأن المصحفين متطابقان فلم يقل مثلا إن مصحف عثمان هو نفسه مصحف علي.
إن مصحف علي توارثه المعصومون ولم يطلعوا عليه أحد وسوف يظهره إمامهم المنتظر عندما يخرج. ولسائل أن يسأل: إذا كان هذا المصحف الذي سيظهره إمام الشيعة المنتظر نفس المصحف المتداول بين ايدي المسلمين فما الفائدة من هذا المصحف الذي سيأتي به الإمام المنتظر.
والإجابة نتركها لعلمائهم.
يقول شيخهم محمد بن محمد النعمان الملقب بالمفيد في كتابه (أوائل المقالات ص54 الطبعة الثانية تبريز إيران) و (ص 91 ط الكتاب الإسلامي – بيروت) ما نصه: "إن الأخبار قد جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى من آل محمد باختلاف القرآن وما أحدثه بعض الظالمين فيه من الزيادة والنقصان".(97/109)
ويقول من أسموه بفيلسوف الفقهاء وفقيه الفلاسفة أستاذ عصره ووحيد دهره المولى محسن الملقب بالفيض الكاشاني في (تفسير الصافي – المقدمة السادسة – 1/44ط الأولى 1979 مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت لبنان): "المستفاد من جميع هذه الأخبار وغيرها من الروايات من طريق أهل البيت عليهم السلام أن القرآن الذي بين أظهرنا ليس بتمامه كما أنزل على محمد بل منه ما هو خلاف ما أنزل الله ومنه ما هو مغير محرف وأنه قد حذف عنه أشياء كثيرة منها اسم علي في كثير من المواضيع ومنها لفظه آل محمد غير مرة ومنها أسماء المنافقين في مواضعها وغير ذلك وأنه ليس أيضاً على الترتيب المرضي عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وآله".
وأيضاً علي بن إبراهيم القمي في تفسيره ج1 على 36 دار السرور – بيروت.(97/110)
قال "وأما ما هو على خلاف ما أنزل الله فهو قوله: كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله. (آل عمران: 110). فقال أبو عبد الله لقارئ هذه الآية خير أمة؟ يقتلون أمير المؤمنين والحسن والحسين بن علي عليهم السلام؟ فقيل له: وكيف نزلت يابن رسول الله؟ فقال: إنما نزلت: كنتم خير أئمة أخرجت للناس. ألا ترى مدح الله لهم في آخر الآية تأمرون بالمعروف تنهون عن المنكر وتؤمنون بالله. ومثله آية قرئت على أبي عبد الله : "الذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما". (الفرقان: 74). فقال أبو عبد الله : لقد سألوا الله عظيما أن يجعلهم للمتقين إماما، فقيل له: يابن رسول الله كيف نزلت فقال: إنما نزلت: "الذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعل لنا من المتقين إماماً" وقوله: "له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله" (الرعد: 11). فقال أبو عبد الله كيف يحفظ الشيء من أمر الله وكيف يكون المعقب من بين يديه فقيل له: وكيف ذلك يابن رسول الله؟ فقال: إنما نزلت "له معقبات من خلفه ورقيب من بين يديه يحفظونه بأمر الله". ومثله كثير.
وقال أيضاً في تفسيره ج1 ص37 دار السرور – بيروت.
وأما ما هو محرف فهو قوله: "لكن الله يشهد بما أنزل إليك في علي أنزله بعلمه والملائكة يشهدون" (النساء: 166). وقوله: "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك في علي وإن لم تفعل فما بلغت رسالته". (المائدة: 67). وقوله: "إن الذين كفروا وظلموا آل محمد حقهم لم يكن الله ليغفر لهم" (النساء: 168). وقوله: "وسيعلم الذين ظلموا آل محمد حقهم أي منقلب ينقلبون" (الشعراء: 227). وقوله: "ولو ترى الذين ظلموا آل محمد حقهم في غمرات الموت" (الأنعام: 97) (1) (2).(97/111)
ويقول شيخهم وعلامتهم نعمة الله الجزائري في (الأنوار النعمانية 2/357 ط تبريز إيران): "الثالث إن تسليم تواترها (القراءات السبع) عن الوحي الإلهي وكون الكل قد نزل به الروح الأمين يفضي إلى طرح الأخبار المستفيضة بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن كلاما ومادة وإعرابا مع ان أصحابنا رضوان الله عليهم قد أطبقوا على صحتها والتصديق بها".
ويورد شيخهم وعلامتهم محمد باقر المجلسي في (مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول 12/525 – 526 ط2 نشر دار الكتب الإسلامية طهران) ما رووه عن أبي عبد الله أنه قال: "إن القرآن، الذي جاء به جبرئيل إلى محمد صلى الله عليه وآله سبعة عشر ألف آية".
ويعلق على هذه الرواية بقوله: "موثق وفي بعض النسخ عن هشام بن سالم موضع هارون بن مسلم فالخبر صحيح ولا يخفى أن هذا الخبر وكثير من الأخبار الصحيحة صريحة في نقص القرآن وتغييره وعندي أن الأخبار في هذا الباب متواترة معنى وطرح جميعها يوجد رفع الاعتماد عن الأخبار رأسا بل ظني أن الأخبار في هذا الباب لا تقصر عن أخبار الإمامة فكيف بثبوتها بالخبر".(97/112)
وينقل شيخهم أبو منصور احمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي في كتابه (الاحتجاج 1/225 – 228 ط 1414هـ منشورات شركة الكتبي بيروت) و (ط الأعلمي – بيروت – ج1 ص155). عن أبي ذر الغفاري أنه قال: "لما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله جمع علي القرآن وجاء به إلى المهاجرين والأنصار وعرضه عليهم لما قد أوصاه بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله فلما فتحه أبو بكر خرج في أول صفحة فتحها فضائح القوم فوثب عمر وقال: يا علي أردده فلا حاجة لنا فيه فأخذه وانصرف ثم أحضر زيد بن ثابت وكان قاريا للقرآن فقال له: عمر إن عليا جاء بالقرآن وفيه فضائح المهاجرين والأنصار وقد رأينا أن تؤلف القرآن وتسقط منه ما كان فيه فضيحة وهتك للمهاجرين والأنصار فأجابه زيد إلى ذلك… فلما أستخلف عمر سأل عليا أن يدفع إليهم القرآن فيحرفوه فيما بينهم فقال: يا أبا الحسن إن جئت بالقرآن الذي كنت قد جئت به إلى ابي بكر حتى نجتمع عليه فقال : هيهات ليس إلى ذلك سبيل إنما جئت به إلى أبي بكر لتقوم الحجة عليكم ولا تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا ما جئتنا به إن القرآن الذي عندي لا يمسه إلا المطهرون والأوصياء من ولدي قال عمر: فهل لإظهاره وقت معلوم؟(1) فقال : نعم إذا قام القائم من ولدي يظهر ويحمل الناس عليه فتجري السنة به صلوات الله عليه".
ويقول الطبرسي الشيعي الإمامي (1/371) ? (?. الأعلمي – بيروت ?1 ?249): "وليس يسوغ مع عموم التقية التصريح بأسماء المبدلين ولا الزيادة في آياته فحسبك من الجواب عن هذا الموضع ما سمعت فإن شريعة التقية تحظر التصريح بأكثر منه".
ويقول الطبرسي في موضع آخر (1/377 – 378) ? (?.الأعلمي – بيروت – ?1 ?254): "ولو شرحت لك كل ما أسقط وحرف وبدل وما يجري هذا المجرى لطال وظهر ما تحظر التقية إظهاره من مناقب الأولياء ومثالب الأعداء".(97/113)
ويقول شيخهم الذي وصفوه بالعارف الشهير الحاج سلطان محمد الجنابذي الملقب بسلطان على شاه في كتاب (بيان السعادة في مقامات العبادة ?19 – 20 من الجزء الأول الذي قامت بطبعه مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت عام 1408هـ) ما نصه: "أعلم أنه قد استفاضت الأخبار عن الأئمة الأطهار عليهم السلام لوقوع الزيادة والنقيصة والتحريف والتغيير فيه بحيث لا يكاد يقع شك في صدور بعضها منهم وتأويل الجميع ?أن الزيادة والنقيصة والتغيير إنما هي في مدركاتهم من القرآن لا في لفظ القرآن كلفة ولا يليق بالكاملين في مخاطباتهم العامة..".
ويقول شيخهم الذي وصفوه بالفاضل العريف والباذل جهده في سبيل التكليف أبو الحسن العاملي المولى محمد طاهر بن عبد الحميد بن موسى بن علي بن معتوق بن عبد الحميد العاملي النباطي الفتوني في مقدمة) تفسيره مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار ? 36? مطبعة الأفتاب بطهران عام 1374هـ وهو من منشورات مؤسسة إسماعيليان بقم ما نصه: "أعلم أن الحق الذي لا محيص عنه بحسب الأخبار المتواترة الآتية وغيرها أن هذا القرآن الذي بين أيدينا قد وقه فيه بعد رسول الله صلى الله عليه وآله شيء من التغييرات وأسقط الذين جمعوه بعده كثيرا من الكلمات والآيات عما ذكر الموافق لما أنزله الله تعالى ما جمعه علي وحفظه إلى أن وصل إلى ابنه الحسن وهكذا إلى أن انتهى القائم وهو اليوم عنده صلوات الله عليه".(97/114)
ويقول العاملي الفتوني: (?49): " اعلم أن الذي يظهر من ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني طاب ثراه أنه كان يعتقد التحريف والنقصان في القرآن لأنه روى روايات كثيرة في هذا المعنى في كتابه الكافي الذي صرح في أوله بإنه كان يثق فيما رواه فيه ولن يتعرض لقدح فيها ولا ذكر معارض لها ولا كذلك شيخه علي بن إبراهيم القمي فإن تفسيره مملوء منه وله غلو فيه قال في تفسيره: أما ما كان من القرآن خلاف ما أنزل فهو قوله تعالى: كنتم خير أمة أخرجت للناس فإن الصادق قال لقارئ هذه الآية خير أمة تقتلون عليا والحسين بن علي عليهما السلام". فقيل له فكيف نزلت فقال: إنما نزلت خير أئمة أخرجت للناس. (آل عمران: 110). ألا ترى مدح الله لهم في آخر الآية: تأمرون بالمعروف.. الآية ثم ذكر رحمه الله آيات عديدة من هذا القبيل ثم قال: وأما ما هو محذوف عنه فهو قوله تعالى: لكن الله يشهد بما انزل إليك في علي قال: كذا نزلت أنزله بعلمه والملائكة يشهدون ثم ذكر آيات من هذا القبيل.. ووافق القمي والكليني جماعة من أصحابنا المفسرين كالعياشي والنعماني وفرات الكوفي وغيرهم وهو مذهب أكثر محققي محدثي المتأخرين وقول الشيخ الأجل أحمد بن أبي طالب الطبرسي كما ينادي به كتابه الاحتجاج وقد نصره شيخنا العلامة باقر علوم أهل البيت عليهم السلام وخادم أخبارهم عليهم السلام في كتابه بحار الأنوار وبسط الكلام فيه بما لا مزيد عليه وعندي في وضوح صحة هذا القول بعد تتبع الأخبار وتفحص الآثار بحيث يمكن الحكم بكونه من ضروريات مذهب التشيع وأنه من أكبر مفاسد غضب الخلافة".(97/115)
ويقول العلامة الحجة السيد عدنان البحراني في كتابه (مشارق الشموس الدرية) ?126 بعد أن ذكر الروايات التي تفيد التحريف في نظرة: "الأخبار التي لا تحصى كثيرة وقد تجاوزت حد التواتر ولا في نقلها كثير فائدة بعد شيوع القول بالتحريف والتغيير بين الفريقين وكونه من المسلمات عند الصحابة والتابعين بل وإجماع الفرقة(1) المحقة وكونه من ضروريات مذهبهم وبه تضافرت أخبارهم".
ويقول العلامة المحدث الشهير يوسف البحراني في كتابه الدرر النجفية ?- مؤسسة آل البيت ?298 بعد أن ذكر الأخبار الدالة على تحريف القرآن في نظره: "لا يخفى ما في هذه الأخبار من الدلالة على الصريحة والمقالة الفصيحة على ما اخترناه ووضوح ما قلناه ولو تطرق الطعن إلى هذه الأخبار(2) على كثرتها وانتشارها لأمكن الطعن إلى أخبار الشريعة كلها كما لا يخفى إذ الأصول واحدة وكذا وكذا الطرق والرواة والمشايخ والنقلة ولعمري إن القول بعدم التغيير والتبديل لا يخرج عن حسن الظن بأئمة الجور وأنهم لم يخونوا في الأمانة الكبرى مع ظهور خيانتهم في الأمانة الأخرى التي هي أشد ضرراً على الدين".
وأيضاً العلامة المحقق الحاج ميرزا حبيب الله الهاشمي الخوئي في كتابه منهاج البراعة في شرح نهج ?لبلاغة مؤسسة الوفاء – بيروت ?2 المختار الأول ? 214 – 220 وقد عدد الأدلة الدالة على نقصان القرآن، ونذكر بعض هذه الأدلة كما قال هذا العالم الشيعي.
1- نقص سورة الولاية.
2- نقص سورة النورين.
3- نقص بعض الكلمات من الآيات.
ثم قال إن الإمام عليا لم يتمكن من تصحيح القرآن في عهد خلافته بسبب التقية ? ?أيضاً حتى تكون حجة في يوم القيامة على المحرفين، والمغيرين.
وأيضاً قال هذا العالم الشيعي إن الأئمة لم يتمكنوا من إخراج القرآن الصحيح خوفا من الاختلاف يبن الناس ورجوعهم إلى كفرهم الأصلي.(97/116)
هذه بعض تصريحات علماء الشيعة بأن القرآن ناقص ومحرف ولأن القول بالتحريف من ضروريات مذهب التشيع ألف علماؤهم في التقديم والحديث كتبا مختصة بهذا المعتقد الخبيث وكان آخرهم فيما أعلم شيخهم وعلامتهم الميرزا حسين بن الميرزا محمد تقي بن الميرزا علي بن محمد النوري الطبرسي ألف كتابا بعنوان (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب) ادعى فيه وقوع التحريف في القرآن معتمداً على ألفي رواية حسب زعمه.
قال: في مقدمة كتابه: "هذا كتاب لطيف وسفر شريف عملته في إثبات تحريف القرآن وفضائح أهل الجور والعدوان وسميته فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب".
وقال هذا الضال المضل عن القرآن الكريم في معرض ذكر الأدلة على التحريف ? 211 (فصاحته في بعض الفقرات البالغة وتصل حد الإعجاز وسخافة بعضها الآخر).
وكتاب فصل الخطاب لم ينكره حسب علمي أي عالم شيعي.
وللنوري الطبرسي هذا مكانة عظيمة عند الشيعة فقد ترجم له آيتهم محسن الأمين في (أعيان الشيعة) وأثنى عليه وكذلك شيخهم عباس القمي في الكنى والألقاب وآغا بزرك الطهراني في نقباء البشر هذا مع العلم أن كتابه (مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل) من الكتب المعتمدة عند الشيعة حيث استدرك المذكور على الحر العاملي في وسائل الشيعة، ويلقب النوري الطبرسي بخاتمة المحدثين عند الشيعة.
وبالجملة فالشعية يعتقدون التحريف في القرآن ويترحمون على من طعن فيه من رواتهم ومحدثيهم وما ?نكارهم للتحريف أمام أهل السنة إلا من باب الخداع والتقية التي تبيح لهم المراوغة والكذب واللعب على الذقون وإلا فلم الترحم على النوري الطبرسي وامثاله كالقمي والكليني وغيرهم ممن يعتقدون وقوع التحريف في كتاب الله؟؟!!(97/117)
وأكبر مثال على ذلك زعيم حوزتهم العلمية ومرجعهم الأعلى في النجف أبو القاسم الخوئي في كتابه البيان في تفسير القرآن ?278 ?4 عام 1389 هـ حيث يقول: "إن حديث تحريف القرآن خرافة وخيال لا يقول به إلا من ضعف عقله ... وأما العاقل المنصف المتدبر فلا يشك في بطلانه وخرافته".
أقول: فهل الكليني والقمي والطبرسي والمجلسي والنوري والفتوني والمفيد وغيرهم ممن ضعفت عقولهم؟ ومن الذي اتهمهم بذلك من علمائهم؟
هل نصدق الخوئي أن نحكم على قوله هذا بالتقية التي تبيح لهم الكذب على خصومهم؟
هناك أمور مهمة جدا نضعها أمام القارئ الكريم تتعلق بموقف الخوئي من القرآن ونترك الحكم فيها للقارئ.
الأول: لقد وثق الخوئي علي بن إبراهيم القمي الذي يطعن بكتاب الله. راجع معجم رجال الحديث للخوئي.
الثاني: إن أبا القاسم الخوئي هذا هو ممن يفتي بدعاء صنمي قريش وقد جاء في هذا الدعاء فقرتان تتهمان أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ?تحريف القرآن هما:
الأولى: "اللهم اللعن صمني قريش.. اللذين خالفا أمرك … وحرفا كتابك".
الثانية: "اللهم العنهما بكل آية حرفوها .."
الثالث: إن الرجل مقتنع تماماً بأن للإمام عليه مصحفاً يغاير القرآن الذي يتعبد به المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها إذ يقول في تفسيره البيان (صفحة 243) ما نصه:
"إن وجود مصحف لأمير المؤمنين (?) يغاير القرآن الموجود في ترتيب السور مما لا ينبغي الشك فيه وتسالم العلماء الأعلام على وجوده أغنانا عن التكلف لإثباته..".
الرابع: أن الرجل يرى أن نسخ التلاوة يستلزم القول بتحريف القرآن وبما أن نسخ التلاوة ثابت في الكتاب والسنة فمعنى هذا أن التحريف في القرآن قد وقع على رأي الخوئي وإليك كلامه.
يقول الخوئي (صفحة 219): "إن القول بنسخ التلاوة هو بعينه القول بالتحريف وعليه فاشتهار القول بوقوع النسخ في التلاوة عند علماء أهل السنة يستلزم اشتهار القول بالتحريف".(97/118)
ويقول في الصفحة 224 ما نصه: "وغير خفي أن القول بنسخ التلاوة بعينه القول بالتحريف والإسقاط".
الخامس: قال الخوئي (صفحة 219): "وقد نسب جماعة القول بعدم التحريف إلى كثير من الأعاظم منهم شيخ المشايخ المفيد..".
أقول: قد مر عليك أن المفيد يرى أن الأخبار قد جاءت مستفيضة بوقوع التحريف في القرآن والخوئي هنا موه وضلل ودلس بقوله (وقد نسب) وتعمد عدم الإشارة إلى الرأي الصحيح للمفيد في القرآن.
السادس: إن الخوئي قوى الأحاديث الواردة عندهم في التحريف فقال ?245-246): "إن كثير من الروايات وإن كانت ضعيفة السند فإن جملة منها نقلت من كتاب احمد بن محمد السياري الذي اتفق علماء الرجال على فساد مذهبه وأنه يقول بالتناسخ وعن علي بن أحمد الكوفي الذي ذكر علماء الرجال أنه كذاب وأنه فاسد المذهب إلا أن كثرة الروايات تورث القطع بصدور بعضها عن المعصومين عليهم السلام ولا أقل من الاطمئنان بذلك وفيها ما روى بطريق معتبر فلا حاجة بنا إلى التكلم في سند كل رواية بخصوصها".
السابع: نقل أبو القاسم الخوئي في معجم رجال الحديث ? 245 من الجزء الرابع عشر ? بيروت عام 1403 هـ عن بريد العجلي عن ابي عبد الله قال: أنزل الله في القرآن سبعة بأسمائهم فمحت قريش ستة وتركوا أبا لهب وسألت عن قول الله عز وجل: هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم (الشعراء: 221? 222). قال: هم سبعة المغيرة بن سعيد وبنان وصائد النهدي والحارث الشامي وعبد الله بن الحارث وحمزة بن عمار الزبيري وأبو الخطاب".
وقد نقل الخوئي روايات كثيرة مع هذه الرواية وعقب عليها في الصفحة 259 من المجلد المذكور بقوله: "والمتحصل من هذه الروايات أن محمد بن أبي زينب كان رجلا ضالا مضلا فاسد العقيدة وأن بعض هذه الروايات وإن كانت ضعيفة السند إلا أن في الصحيح منها كفاية على أن دعوى التواتر فيها إجمالا غير بعيدة".(97/119)
وكما لا يخفى لم يبين الخوئي درجة هذه الرواية من حيث الصحة والضعف ولكنه في المجلد التاسع صفحة 47 استشهد بهذه الرواية الخبيثة التي تطعن في كتاب الله بقوله: "ويأتي في ترجمة محمد بن أبي زينب تفسيره قوله تعالى: هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تتنزل على كل أفاك أثيم وأن صائد النهدي أحدهم".
وكما هو معلوم فما استشهد به الخوئي هنا شطر من هاتيك الرواية الخبيثة وكعادته لم يتطرق لها من حيث الصحة والضعف مع أن الدواعي متوفرة لأن ينقدها ويذب عن كتاب الله عز وجل لكنه لم يفعل.
الثامن: إن الرجل لم يخجل من الكذب الصريح في قوله صفحة 219 من تفسيره في وقوله: "إن المشهور بين علماء الشيعة ومحققيهم بل المتسالم عليه بينهم هو القول بعدم التحريف" ثم ناقض نفسه فقال: "ثم ذهب جماعة من المحدثين من الشيعة وجمع من علماء السنة إلى وقوع التحريف"!!!
فلاحظ جرأته في قوله (وجمع من علماء أهل السنة)!!!
أقول: هذا هو الخوئي وهذه هي أقواله وأفكاره ويجب ألا يغيب عنا تجويز الخوئي لليمين الكاذبة تقية فقد نقل وصحح في كتابه التنقيح شرح العروة الوثقى (4/278 – 307) عن جعفر الصادق أنه قال: "ما صنعتم من شيء أو حلفتم عليه من يمين في تقية فأنتم منه في سعة".
فالحذر الحذر من هؤلاء الشياطين الماكرين الذين يجيزون اليمين المغلطة الفاجرة لخداع المسلمين والكذب عليهم.
لاحظ أخي المسلم أمرا مهما وخطيرا جدا وهو أن الخوئي ?م يكفر القائلين بتحريف القرآن لماذا لأن المذهب الشيعي يقوم في أصوله وفروعه على رواياتي هؤلاء القائلين بالتحريف فلو ردت روايات وأقوال هؤلاء وكفروا ?انهار المذهب وذهب أدراج الرياح.
أخي المسلم: لا تعجب من قراءة الشيعة هذا القرآن الموجود الآن المحرف حسب زعمهم لأنهم حسب أقوالهم أمروا بذلك.(97/120)
فهذا نعمة الله الجزائري في الأنوار النعمانية ?2 ?363 منشورات الأعلمي – بيروت – يذكر سبب قراءة الشيعة لهذا القرآن مع قولهم بأنه محرف حيث قال: "قد روي في الأخبار أنهم عليهم السلام أمروا شيعتهم بقراءة هذا الموجود من القرآن في الصلاة وغيرها والعمل بأحكامه حتى يظهر مولانا صاحب الزمان فيرتفع هذا القرآن من ايدي الناس إلى السماء ويخرج القرآن الذي ألفه أمير المؤمنين فيقرئ ويعمل بأحكامه.
وقال محمد بن النعمان الملقب (المفيد) في المسائل السروية ?78 – 81 وأيضاً آراء حول القرآن للأصفهاني ? 135 "إن الخبر قد صح عن أئمتنا عليهم السلام أنهم قد أمروا بقراءة ما بين الدفتين وأن لا نتعداه إلى زيادة فيه ولا إلى نقصان منه إلى أن يقوم القائم فيقرئ الناس على ما أنزل الله تعالى وجمعه أمير المؤمنين . وإنما نهونا عن قراءة ما وردت به الأخبار من أحرف تزيد على الثابت في المصحف لأنها لم تأت على التواتر وإنما جاء بها الأخبار، والواحد قد يغلط فيما ينقله ولأنه متى قرأ الإنسان بما يخالف ما بين الدفتين غرر بنفسه من أهل الخلاف وأغرى به الجبارين وعرض نفسه للهلاك فمنعونا من قراءة القرآن بخلاف ما بين الدفتين".
أما ادعاء بعض الشيعة أن التحريف في القرآن، المقصود منه التحريف بالتفسير فهذا الكلام باطل ودليلنا على بطلانه:-
ادعاؤهم وجود قرآن صحيح عند المهدي المنتظر يعني إن هذا القرآن الموجود الآن ليس بصحيح لأنه لو كان قرآن المهدي مثل هذا القرآن الموجود الآن فما فائدة ادعاء الشيعة وجود قرآن عند المهدي.(97/121)
الرواية الموجودة في الكافي ?2 ?597 كتاب فضل القرآن والتي فيها إن القرآن الذي أنزل على محمد سبعة عشر ألف آية لكن الموجود حاليا ستة الآف ومائتان تقريبا وهذا يعني أن ثلثي آيات القرآن ناقصة ويدعى النقص من شرح هذا الحديث ومنهم العلامة المجلسي في مرآة العقول ?12 ?525 وأيضاً العلامة محمد صالح المازندراني في شرحه ?هذا الحديث في كتابه شرح جامع الكافي ?11 ?76 نقلا عن أصول مذهب الشيعة.
اعتراف بعض كبار علماء الشيعة ان التحريف بالقرآن ليس في التفسير فقط بل في ألفاظ القرآن مثل المجلسي في مرآة العقول ?12 ?525? وحبيب الله الهاشمي في البراعة في شرح نهج البلاغة ?2 المختار الأول ?216.
ادعاء علماء الشيعة نقص سور بأكملها من القرى، مثل سورة الولاية وسورة النورين كما قال العلامة المجلسي في كتابه تذكرة الأئمة ? 18? ?21? والعلامة حبيب الهاشمي في كتابه البراعة في شرح نهج البلاغة ?2? ?217? والنوري الطبرسي في كتابه فصل الخطاب ?180.(97/122)
سورة النورين يا أيها الذين آمنوا بالنورين أنزلناهما يتلوان عليكم آياتي ويحذرانكم عذاب يوم عظيم نوران بعضهما من بعض وأنا السميع العليم إن الذين يوفون بعهد الله ورسوله في آيات لهم جنات النعيم والذين كفروا من بعد ما آمنوا بنقضهم ميثاقهم وما عاهدهم الرسول عليه يقذفون في الجحيم ظلموا أنفسهم وعصوا الوصي الرسول أولئك يسقون من حميم إن الله الذي نور السموات والأرض بما شاء واصطفى من الملائكة وجعل من المؤمنين ?ولئك في خلقه يفعل الله ما يشاء لا إله إلا هو الرحمن الرحيم قد مكر الذين من قبلهم برسلهم فأخذتهم بمكرهم إن أخذي شديد اليم إن الله قد أهلك عادا وثموداً بما كسبوا وجعلهم لكم تذكرة فلا تتقون وفرعون بما طغى على موسى وأخيه هارون أغرقته ومن تبعه أجمعين ليكون لكم آية وإن أكثركم فاسقون إن الله يجمعهم في يوم الحشر فلا يستطيعون الجواب حين يسألون إن الجحيم مأواهم وأن الله عليم حكيم يا أيها الرسول بلغ إنذاري فسوف يعلمون قد خسر الذين كانوا عن آياتي وحكمي معرضون مثل الذين يوفون بعهدك أني جزيتهم جنات النعيم إن الله لذو مغفرة وأجر عظيم وإن عليا من المتقين وإنا لنوفيه حقه يوم الدين ما نحن عن ظلمه بغافلين وكرمناه على اهلك أجمعين فإنه وذريته لصابرون وأن عدوهم إمام المجرمين قل للذين كفروا بعدما آمنوا طلبتم زينة الحياة الدنيا واستعجلتم بها ونسيتم ما وعدكم الله ورسوله ونقضتم العهود من بعد توكيديها وقد ضربنا لكم الأمثال لعلكم تهتدون يا أيها الرسول قد انزلنا إليك آيات بينات فيها من يتوفاه مؤمنا ومن يتوليه من بعدك يظهرون فأعرض عنهم إنهم معرضون إنا لهم محضرون في يوم لا يغني عنهم شيء ولا هم يرحمون إن لهم في جهنم مقاما عنه لا يعدلون فسبح باسم ربك وكن من الساجدين ولقد أرسلنا موسى وهارون بما استخلف فبغوا هارون فصبر جميل فجعلنا منهم القردة والخنازير ولعناهم إلى يوم يبعثون فاصبر سوف يبصرون ولقد آتينا لك الحكم(97/123)
كالذين من قبلك من المرسلين وجعلنا لك منهم وصيا لعلهم يرجعون. ومن يتولى عن أمري فإني مرجعه فليتمتعوا بكفرهم قليلا فلا تسأل عن الناكثين يا أيها الرسول قد جعلنا لك في أعناق الذين آمنوا عهداً فخذه وكن من الشاكرين إن عليا قانتا بالليل ساجداً يحذر الآخرة ويرجو ثواب ربه قل هل يستوي اللذين ظلموا وهم بعذابي يعلمون سنجعل الأغلال في أعناقهم وهم على أعمالهم يندمون إنا بشرناك بذريته الصالحين وإنهم لأمرنا لا يخلفون فعليهم مني صلوات ورحمة أحياء وأمواتا يوم يبعثون وعلى الذين يبغون عليهم من بعدك غضبي إنهم قوم سوء خاسرين وعلى الذين سلكوا مسلكهم مني رحمة وهم في الغرفات آمنون والحمد لله رب العالمين.
وأيضاً هذه سورة محذوفة ذكرها العلامة المحقق حبيب الله الهاشمي في كتابه منهاج البراعة في شرح منهج البلاغة ?2 ?217 والعلامة المجلسي في كتابه تذكرة الأئمة ? 19? 20 باللغة الفارسية منشورات مولانا – إيران.
(يا ايها الذين آمنوا آمنوا بالنبي والولي اللذين بعثناهما يهديانكم إلى صراط مستقيم نبي وولي بعضها من بعض، وأنا العليم الخبير، إن الذين ?وفون بعهد الله لهم جنات النعيم، فالذين إذا تليت عليهم آياتنا كانوا ?آياتنا مكذبين، إن لهم في جهنم مقام عظيم، نودي لهم يوم القيامة اين الضالون المكذبون للمرسلين، ما خلفهم المرسلين إلا بالحق، وما كان الله لنظرهم إلى أجل قريب، فسبح بحمد ربك وعلي من الشاهدين).
السابع عشر: مهدي الشيعة يقيم الحد على أبي بكر وعمر
ذكر السيد محمد كاظم القزويني في كتابه المهدي من المهد إلى الظهور ?541 ? مؤسسة الأمام الحسين لندن وتوزعه ايضا مكتبة الألفين – الكويت بطبعة جديدة ما نصه: "وهناك في المدينة يقوم بأعمال وإنجازات نشير إلى واحد منها وهي نبش بعض القبور وإخراج الأجساد منها وإحراقها وهذا من القضايا التي تستدعي التوضيح والتحليل ولكننا نكتفي بذكرها إجمالاً".(97/124)
لم يوضح الشيعي من هؤلاء الذين سيقوم المهدي بنبش قبورهم وإحراقها امتثالا للتقية التي تأمره بالتمويه والخداع والكذب على المخالفين.
إن القبور التي يعنيها هي قبور ابي بكر وعمر رضي الله عنهما كما صرح بهذا شيخهم وعلامتهم أحمد بن زين الدين الاحسائي في كتاب الرجعة (?186 – 187)? وقريب منه في كتاب حياة الناس (?50) حيث عبر عنهما هناك بالجبت والطاغوت، وايضاً الميرزا محمد مؤمن الاستربادي في كتابه الرجعة ? 118 دار الاعتصام قم إيراني، ونعمة الله الجزائري في كتابه الأنوار النعمانية ?2 ?89? وزين الدين النباطي في كتابه الصراط المستقيم ?2 ?253.
حتى في أشعار الشيعة تجد ما تقدم ذكره:
نور الظلام ويا ابن الأنجم الزهر أرى اللعينين رؤيا العين بالنظر من بعد دفنهما في ساتر الحفر على رؤوس الملا من سائر البشر ويحرقان بلا شك ولا نكر هما وتصبح بعد الهم بالبشر ... يا حجة الله يا خير الأنام أرجو من الله ربي أن يبلغني ينبشان كما قال النبي لنا ويشهران بلا ريب ولا شبه ويصلبان على جذعين من خشب هناك تشفى قلوب طال ما ملئت ...
الثامن عشر: مهدي الشيعة يقطع ايدي بني شيبة
قال محمد كاظم القزويني في كتابه (الإمام المهدي من المهد إلى الظهور ?539 ? مؤسسة الحسين لندن) إن الشيعة روت عن الإمام الصادق أنه قال: "أما إن قائمنا لو قد قام لأخذ بني شيبة وقطع أيديهم وطاف بهم وقال: هؤلاء سراق الله.."وروت عنه أيضاً أنه قال: "وقطع أيدي بني شيبة.." وروت عنه أيضاً أنه قال: "وقطع أيدي بني شيبة.." وكتب عليها هؤلاء سراق الكعبة" وعلق القزويني على هذه الروايات بقوله: "بنو شيبة هم سدنة الكعبة الذين كانت بأيديهم مفاتيح الكعبة يتوارثونها خلفا عن سلف وكان هؤلاء يسرقون الأموال والذخائر المهداة إلى الكعبة ويتصرفون بها كما تشتهيه أنفسهم وبهذه المناسبة سماهم الإمام سراق أي سراق أموال الله".
التاسع عشر: مهدي الشيعة يحكم بحكم داود(97/125)
إن مهدي الشيعة الموعود لن يحكم عندما يأتي بشريعة محمد بل بحكم داود كما نقل ذلك أحد علمائهم المعاصرين وهو الشيخ محمد بن محمد بن صادق الصدر في تاريخ ما بعد الظهور (?728? 810?2 دار التعارف بيروت) عن أبي جعفر قال: "إذا قام قائم آل محمد حكم بحكم داود لا يسأل البينة"(1).
وروى الكاتب النعماني في الغيبة (?314 – 315) عن أبي عبد الله قال: ".. ويبعث الله الريح من كل واد تقول: هذا المهدي يحكم بحكم داود ولا يريد بينه".
ونقل شيخهم كامل سليمان في كتاب يوم الخلاص في ظل القائم المهدي (?391 ? السابعة 1991 دار الكتاب اللبناني بيروت لبنان) عن أبي عبد الله قال: "إذا حكم قائم آل محمد صلى الله عليه ?آله حكم بين الناس بحكم داود فلا يحتاج بينه فيلهمه الله تعالى فيحكم بعلمه ويخبر كل قوم بما استنبطوه ويعرف وليه من عدوه بالتوسم".
وذكر شيخهم محمد بن محمد الصادق الصدر في تاريخ ما بعد الظهور (?728) رواية عن الصادق نصها: "لا تذهب الدنيا حتى يخرج رجل مني يحكم بحكم آل داود ولا يسأل بينه".
وذكر محمد بن محمد صادق الصدر في كتابه المذكور (?115) عن أبي بصير قال: قال أبو جعفر : يقوم القائم بأمر جديد وكتاب جديد وقضاء جديد، على العرب شديد ليس ?أنه إلا السيف".
العشرون: مهدي الشيعة يهدم المسجد الحرام
ذكر السيد محمد كاظم القزويني في كتابه المهدي من المهد إلى الظهور (?534) تحت عنوان: "إعادة المسجد إلى ما كان عليه": " عن الإمام الصادق : إذا قام القائم هدم المسجد الحرام حتى يرده إلى أساسه وحول المقام إلى الموضع الذي كان فيه".(97/126)
ثم يوضح المؤلف فيقول: "لقد توسع المسجد الحرام من بعد وفاة رسول الله صلى اله عليه ?آله إلى يومنا هذا وأضيفت إليه مساحات كثيرة من جميع جوانبه ولكنه بالرغم من كل ذلك لم يبلغ الأساس القديم الذي رسمه النبي إبراهيم للمسجد الحرام لأن الأساس القديم كان من الحزورة وهي بين الصفا والمروة روي ذلك عن الإمام الصادق عندما سئل عن الزيادات الحادثة في المسجد الحرام وهل هي من المسجد؟ فقال : نعم.. إنهم لم يبلغوا بعد مسجد إبراهيم ?إسماعيل صلى الله عليهما وقال : خط إبراهيم بمكة ما بين الحزورة إلى المسعى فذلك الذي خط إبراهيم".
الحادي والعشرين: لا جهاد عند الشيعة إلا بحضور المهدي
ولنذكر حقيقة لا يعرفها المتعاطفون مع الشيعة والداعون إلى التقارب معهم من أجل جهاد الكفار حسب وهمهم وهي أن الجهاد في المذهب الشيعي محرم إلى خروج إمامهم الثاني عشر لذا لم يسجل التاريخ ولن يسجل جهاداً للشيعة ضد الكفار.
روى ثقتهم في الحديث محمد بن يعقوب الكليني في الكافي (8/295) عن أبي عبد الله قال: "كل راية ترفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت يعبد من دون الله عز وجل" وذكر هذه الرواية شيخهم الحر العاملي في وسائل الشيعة (11/37).
وروى محدثهم الحاج حسين النوري الطبرسي في مستدرك الوسائل (2/248? دار الكتب الإسلامية طهران) عن أبي جعفر قال: "مثل من خرج منا أهل البيت قبل قيام القائم مثل فرخ طار ووقع من وكره فتلاعبت به الصبيان".
وروى الحر العاملي في وسائل الشيعة (11/36) عن ابي عبد الله قال: يا سدير الزم بيتك وكن حلسا من أحلاسه واسكن ما سكن الليل والنهار فإذا بلغك أن السفياني قد خرج فارحل إلينا ولو على رجلك".(97/127)
وفي الصحيفة السجادية الكاملة (?16 ? دار الحوراء بيروت لبنان) عن أبي عبد الله قال: "ما خرج ولا يخرج منا أهل البيت إلى قيام قائمنا أحد ليدفع ظلماً أو ينعش حقا إلا اصطلته البلية وكان قيامه زيادة في مكروهنا وشيعتنا" وفي مستدرك الوسائل (2/248) عن أبي جعفر قال: "كل راية ترفع قبل راية القائم فصاحبها طاغوت".
وفي وسائل الشيعة (11/36) عن علي بن الحسين قال: "والله لا يخرج أحد منا قبل خروج القائم إلا كان مثله كمثل فرخ طار من وكره قبل أن يستوي جناحاه فأخذه الصبيان ?جثوا به".
وقد قرر مرجعهم وآيتهم الخميني أن البدأة بالجهاد لا تكون إلا لقائمهم إذ يقول في تحرير الوسيلة (1/482): "في عصر غيبة ولي الأمر وسلطان العصر – عجل الله فرجه – الشريف يقوم نوابه العامة وهم الفقهاء الجامعون لشرائط الفتوى والقضاء مقامه في إجراء السياسات وسائر ما للإمام إلا البدأة بالجهاد".
نقول أيرجى من هؤلاء مجاهدة الكفار جنبا إلى جنب معنا نحن أهل السنة؟ !!!
أنسينا غدرهم بنا على مر التاريخ وتسببهم في إعاقة المد الإسلامي؟!!
ألم يكن الغدر موقفهم أحيانا وتخاذلهم ووقوفهم من حروبنا للكفار موقف المتفرج الذي يتمنى أن، تدور الدائرة علينا أحيانا أخرى؟!!
والحق الذي لا محيد عنه أنهم لا يقفون موقف المتفرج إلا إذا شعروا بقوة أهل السنة إما إذا شعروا بضعف أهل السنة فما أسرع أنقضاضهم عليهم وفتكهم بهم. احذوا لحن قول القوم فكل ما يوافقونكم به غنما هو من باب التقية.
ألم ينقل شيخهم النجفي إجماعهم على كفر من يخالفهم ?!!! ألا تعلمون أن الذين يقتلون من أهل السنة في الثغور لحماية المسلمين قتلة في الدنيا وقتلة في الآخرة؟ حسب معتقدهم.(97/128)
روى الملأ محسن الملقب بالفيض الكاشاني في الوافي (9/15) والحر العاملي في وسائل الشيعة (11/21) ومحمد حسن النجفي في جواهر الكلام (21/40): "عن عبد الله بن سنان قال: قلت لأبي عبد الله : جعلت فداك ما تقول في هؤلاء الذين يقتلون في هذه الثغور؟ قال: فقال: الويل يتعجلون قتلة في الدنيا وقتله في الآخرة والله ما الشهيد إلا شيعتنا ولو ماتوا على فرشهم".
"ما الشهيد إلا شيعتنا" والقتلى من أهل السنة في حروبهم للكفار من نصارى ومشركين وبوذيين وشيوعيين "الويل يتعجلون" !!.
قال الشيخ محمد أحمد عرفة عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر معلقا على الرواية في مقدمته لكتاب الوشيعة في نقد عقائد الشيعة لموسى جار الله ما نصه: "فلو كان منا شيعة في العدوان الثلاثي على مصر لتخلفوا عن قتال المعتدين بناء على هذه القاعدة وهذا هو السر في رغبة الاستعمار فينشر هذا المذهب في البلاد الإسلامية".
وقد أصاب الشيخ الفاضل في تحليله فقد حدثني أحد الأفاضل ممن نثق به أنه شهد المعارك الطاحنة التي دارت بين المسلمين والكفار في الهند قبل ما يزيد على أربعين سنة وأن الشيعة لم ينفروا لنصرة أهل السنة اللذين خاضوا تلك المعارك.
ونحن نقول: ومن الذي يضمن عدم وجود تحالف خفي للشيعة مع كفرة الهند؟!!
ألسنا نواصب في معتقدهم؟!!
الفصل الثالث
حقائق أخرى عن الشيعة
المبحث الأول
زعمهم وجود نص على خلافة علي رضي الله عنه(97/129)
لقد أجمع الصحابة رضي الله عنهم على إمامة وخلافة أبي بكر الصديق ثم من بعده ?لفاروق ثم ذي النورين ثم أبي السبطين رضي الله عنهم كما أن الإمام عليا لم يحتج على سابقيه بأي من النصوص التي تدعيها له الشيعة وقد اعترف بعدم احتجاج أبي الحسن على سابقيه أحد كبار علماء الشيعة في القرن التاسع عشر وهو آيتهم عبد الحسين شرف الدين الموسوي العاملي في كتابه الدعائي الذي يروجه الشيعة وينشرونه بشكل واسع وهو كتاب "المراجعات" إذ يقول في المراجعة 102 ?302? مؤسسة الوفاء بيروت لبنان بما نصه: "على أن علياً لم ير للاحتجاج عليهم ?ومئذ إلا الفتنة التي كان يؤثر ضياع حقه على حصولها في تلك الظروف إذ كان يخشى فيها على بيضة الإسلام وكلمة التوحيد ... وآثر مسالمة القائمين في الأمر احتفاظاً بالأمة واحتياطا على الملة .. فالظروف يومئذ لا تسع مقاومة بسيف ولا مقارعة بحجة".
هذا ومما يجدر ذكره أن الإمام كان يرى أن الخلافة بالشورى وقد صرح به في أهم كتاب شيعي وهو نهج ?لبلاغة (3/7 طبع دار المعرفة بيروت) ? (دار الكتاب اللبناني – ?366) قال: "إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضي، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه فإن أبي قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولى".
وقد أقسم الإمام علي رضوان الله عليه على أنه لا يرغب في الخلافة كما سجل عنه الشريف الرضي الشيعي في "نهج البلاغة" (2/184 ? دار المعرفة بيروت) ? (دار الكتب العلمية – بيروت ?2 ?280) بقوله: "والله ما كانت لي في الخلافة رغبة ولا في الولاية إربة ولكنكم دعوتموني إليها وحملتموني عليها".(97/130)
فلاحظ كيف أنه صرح في الولاية الأولى أن الخلافة وتولي أمور المسلمين بالشورى وفي الثانية أن الأمة هي التي حملته على تولي أمور المسلمين وليس بنص من النبي فعلي لا يعرف عن هذا النص الوهمي الذي يدعيه الشيعة شيئاً ?أن متقدمي الشيعة قد قرروا أن الذي ادعى أن لكل نبي وصياً هو عبد الله بن سبأ فهذا عمدتهم في الرجال ابو عمرو الكشي يقول في كتابه معرفة الناقلين عن الأئمة الصادقين المعروف برجال الكشي (?108 ? مشهد إيران) (ترجمة عبد الله ابن سبأ) ما نصه: "وذكر بعض أهل العلم أن عبد الله بن سبأ كان يهودياً فأسلم ووالى علياً ، وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون ?صي موسى بالغلو. فقال في إسلامه بعد وفاة رسول الله في علي مثل ذلك وكان أول من شهر بالقول بفرض إمامة علي وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه وأكفرهم فمن ههنا قال من خالف الشيعة: أصل التشيع والرفض مأخوذ من اليهودية.
وبمثل ذلك اقر عمدتهم في الفرق الذي لقبوه بالشيخ المتكرم الجليل الحسن بن موسى النوبختي في كتابه "فرق الشيعة" ? 22? المطبعة الحيدرية في النجف 1355هـ بقوله: " … وحكى جماعة من أهل العلم من أصحاب علي أن عبد الله بن سبأ كان يهودياً فأسلم ووالى عليا بهذه المقالة، فقال في إسلامه بعد وفاة النبي وآله في علي بمثل ذلك، وهو أول من شهر القول بفرض إمامه علي ?أظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه. فمن هنا قال من خالف الشيعة: إن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية".
وجاء شيخهم أبو خلف سعد بن عبد الله القمي بمثل ما قرره الكشي والنوبختي وذلك في كتابه المقالات والفرق ?22 ط طهران مركز انتشارات علمي فرهنكي.
المبحث الثاني
استدراج العوام والإيقاع بهم(97/131)
ومن أساليبهم استدراج من لا يعرف حقيقتهم ممن يتسرعون في الخوض في هذه المسائل الشائكة المتعلقة بمذهب الشيعة ومذهب أهل السنة لكي يكتبوا أو يصرحوا لما فيه مصلحة التشيع كما فعل شيخهم "مرتضى الرضوي" في كتابه (مع رجال الفكر في القاهرة) حيث كتب له شيخ يدعى "مرتضى الحكمي" مقدمة لهذا الكتاب أثنى فيها على الكتاب ومؤلفه حيث قال في الصفحة 21 الطبعة الأولى عام 1974 ما نصه:
"فإن الأستاذ الرضوي قد تابع هو الآخر عددا من مسائل العقيدة والتاريخ بأسلوب آخر مع كثير من رجال الفكر والثقافة وانتهى فيها إلى شيء بارز من التفهم والتقارب وامتزج فعلا بالنخبة الممتازة من الرجال المثقفين() وهو يحاروهم ويطرح عليهم شيئاً من المسائل الذهبية الشائكة التي استدرجهم فيها() إلى تصريحات وأقوال تثمن ما تفرد به فقه الشيعة"().
"مثال" :
يذكر الشيخ مرتضى الرضوي في كتابه المذكور ? 201 – 202 حواراً دار بينه وبين أحد رجال الفكر في مصر إليك نقله والعهدة عليه:(97/132)
يقول الرضوي: "وبعد أعوام صادف مجيئي إلى القاهرة في شهر رمضان المبارك فطرقت دار الأستاذ صباحاً فرحب بي كثيرا على عادته وأدخلني غرفة الاستراحة ولما أردت الانصراف قال: أرغب أن تحضر هذه الليلة الإفطار عندنا فلبيت الطلب وقصدت داره العامرة وصادف دخولي داره وقت المغرب ولما دخلت سلمت وجلست في الغرفة المعدة للضيوف فحياني سيادته وغاب عني دقائق ثم عاد وبيده صحن صغير فيه تمر محشو باللوز فتناول سيادته واحدة وضعها في فيه وتناول ثانية بيده وقدمها لي وقال: تفضل فأخذتها من يده وتركتها أمامي على المنضدة فقال: أفطر لماذا لا تفطر؟ قلت: قال الله تعالى: ثم أتموا الصيام إلى الليل. (البقرة: 187). فهل يقال لهذا الوقت ليل؟ فأجاب: لا قلت: إذن كيف نفطر؟ ثم قلت: انظر يا أستاذ إلى هذه الحمرة المشرقية ظاهرة ونحن الشيعة الإمامية لا نفطر في هذا الوقت بل نتأمل دقائق وننتظر حتى تغيب هذه الحمرة لأن وجودها يدل على عدم غياب قرص الشمس فإن زالت الحمرة هذه جاز لنا الإفطار ونحن نأسف لإخواننا السنيين ... فأجاب سيادته قائلاً: أما أنا فمن الآن معكم .. الخ.
قلت: إن وقت صلاة المغرب وإفطار الصائم هو حين تغيب الشمس وقد وردت أحاديث صحيحة من طرق أهل السنة تفيد ذلك فما قام به مضيف الرضوي هو الصحيح ولكنه لم يصمد أمام الشيعي وذلك بسبب جهله إن صح نقل الرضوي وقد ورد من طرق الشيعة ما يصحح الوقت الذي يفطر فيه أهل السنة وتحين فيه صلاة المغرب عندهم فقد روى الشيخ محمد بن علي بن بابوية القمي الملقب بالصدوق في كتابه المعتمد عند الشيعة فقيه من لا يحضره الفقيه (?1 ?142 ? دار الكتب الإسلامية طهران / إيران) عن الصادق قال: "إذا غابت الشمس فقد حل الإفطار ووجبت الصلاة" وذكر هذه الرواية شيخهم الحر العاملي في(وسائل الشيعة ?7 ?90 ? دار إحياء التراث العربي بيروت).(97/133)
وروى الحر العاملي في وسائل الشيعة ?7 ? 87 عن ?راراة قال: "قال أبو جعفر وقت المغرب إذا غاب القرص.
وعن أبي أسامة الشحام قال: "قال رجل لأبي عبد الله أُأَخر المغرب حتى تستبين النجوم؟ قال: فقال: خطابية؟ إن جبرائيل نزل بها على محمد صلى الله عليه ?آله وسلم حين سقط القرص" اخرج هذه الرواية الشيخ الشيعي المهاجر العاملي حبيب آل إبراهيم في كتابه الحقائق في الجوامع والفوارق ?2 ?383 ?1 المؤسسة الإسلامية للنشر بيروت 1407هـ.
فالعبرة بغياب الشمس وهو ما فعله مضيف الرضوي الذي لا علم له بما في كتب أهل السنة ولا الشيعة وروى الصدوق في كتاب فقيه من لا يحضره الفقيه (?1 ?142) عن أبي عبد الله قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي المغرب ويصلي معه حي من الأنصار يقال لهم بنو سلمة منازلهم على نصف ميل فيصلون معه ثم ينصرفون إلى منازلهم وهم يرون مواضع سهامهم".
فانظر كيف أنه فرغ من الصلاة وذهب بنو سلمة إلى منازلهم وهم يرون مواضع سهامهم.
وروي الصدوق في الموضع نفسه عن زيد الشحام قال: "صعدت مرة جبل أبي قيس والناس يصلون المغرب فرأيت الشمس لم تغب وإنما توارت خلف الجبل عن الناس فلقيت أبا عبد الله فأخبرته بذلك فقال لي: ولم فعلت ذلك؟ بئس ما صنعت إنما تصليها إذا لم ترها خلف جبل غابت أو غارت ما لم يتجللها سحاب أو ظلمة تظلها فإنما عليك مشرقك ومغربك ليس على الناس أن يبحثوا".
وأخرج المهاجر العاملي في الحقائق في الجوامع والفوارق ?2 ?373 عن الفضل بن شاذان عن الرضا قال: "إنما جعلت الصلاة في هذه الأوقات ولم تقدم ولم تؤخر ?أن الأوقات المشهورة المعلومة التي تعم أهل الأرض فيعرفها الجاهل والعالم أربعة، غروب الشمس مشهور معروف تجب عنده المغرب...".
وهل يفعل أهل السنة غير هذا؟
وهل فعل صاحب الرضوي غير هذا؟(97/134)
نقل الشيخ البروجردي في جامع أحاديث الشيعة (?9 ?165) عن صاحب الدعائم قوله: "روينا عن أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين بإجماع فيما علمناه من الرواة عنهم أن دخول الليل الذي يحل الفطر للصائم هو غياب الشمس في أفق المغرب بلا حائل دونها يسترها من جبل أو حائط ولا غير ذلك فإن غاب القرص في الأفق فقد دخل الليل وحل الفطر".
فلاحظ كيف أن الإمام موسى الكاظم رحمه الله يفطر كما يفطر أهل السنة فلم ينتظر كما انتظر هذا الرضوي الذي يحسن التدليس والتلبيس على المساكين بل أفطر بأذان أهل السنة في المسجد الحرام.
المبحث الثالث
ليس عند الشيعة إسناد ولا لهم رواية إلا وقد رووا ما يعارضها
لقد حاول مرتضى العسكري خداع القائمين على الجماعة الإسلامية بالمدينة المنورة وعلى رأسهم الشيخ عبد العزيز بن باز عن طريق التقية التي أمره مذهبه بالتمسك بها إلى قيام قائمهم ولكن لما فشلت تقيته عاد العسكري إلى الطعن والتشكيك ملصقا نقائض مذهبه بمذهب أهل السنة ?نذكره هنا ونذكر كل شيعي أن ما ذكره العسكري من طعن وانتقاد هو منطبق تماما على مذهب الشيعة وعلمائه نعم إنه لا توجد رواية عند الشيعة عن أئمتهم المعصومين إلا وهناك رواية تناقضها ولا خبر إلا وبمقابله ما يضاده وقد صرح بهذا شيخ طائفتهم أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في مقدمة كتابه "تهذيب الأحكام" وهو أحد كتبهم الأربعة إذ قال ما نصه: "الحمد لله ولي الحق ومستحقه وصلواته على خيرته من خلقه محمد ?آله وسلم تسليماً ذاكرني بعض الأصدقاء ابره الله ممن أوجب حقه علينا بأحاديث أصحابنا أيدهم الله ورحم السلف منهم وما وقع فيها من الاختلاف والتباين والمنافاة والتضاد حتى لا يكاد يتفق خبر إلا وبإزائه ما يضاده ولا يسلم حديث إلا وفي مقابلة ما ينافيه حتى جعل مخالفونا ذلك من اعظم الطعون على مذهبنا ..".(97/135)
ويقول السيد دلدار علي اللكهنوي الشيعي الاثنا عشري في أساس الأصول (ص51 ط لكهنو الهند) إن الأحاديث المأثورة عن الأئمة مختلفة جدا لا يكاد يوجد حديث إلا وفي مقابل ما ينافيه ولا يتفق خبر إلا وبإزائه ما يضاده حتى صار ذلك سبباً لرجوع بعض الناقضين عن اعتقاد الحس..".
ويقول عالمهم ومحققهم وحكيمهم ومدققهم وشيخهم حسين بن شهاب الدين الكركي في كتابه "هداية الأبرار إلى طريق الأئمة الأطهار" (ص164 الطبعة الأولى 1396هـ): "فذلك الغرض الذي ذكره في أول التهذيب من أنه ألفه لدفع التناقض بين أخبارنا لما بلغه أن بعض الشيعة رجع عن المذهب لأجل ذلك".
فالتعارض جاءت به روايتهم والتناقض والتضاد منهم بل والكذب انتشر في مجاميعهم الحديثية المعتبرة كما اعترف به أحد علمائهم وهو السيد هاشم معروف الحسيني في كتابه الموضوعات في الاثار والأخبار (ص165، 252 الطبعة الأولى 1973م) قال: "كما وضع قصاص الشيعة مع ما وضعه أعداء الأئمة عدداً كثيرا من هذا النوع للأئمة الهداة ولبعض الصلحاء والأتقياء" وقال أيضاً: "وبعد التتبع في الأحاديث المنتشرة في مجامع الحديث كالكافي والوافي وغيرهما نجد أن الغلاة والحاقدين على الأئمة الهداة لم يتركوا بابا من الأبواب إلا ودخلوا منه لإفساد أحاديث الأئمة والإساءة إلى سمعتهم..".
المبحث الرابع
اتهام الأزهر بتزوير بعض أمهات الكتب
وقع لي كتاب بعنوان "الإمام علي خليفة رسول الله" لمؤلفه المدعو / محمد إبراهيم الموحد القزويني الشيعي قامت بطبعه دار الثقلين ببيروت للمرة الثالثة جاء في الصفحة 67 – 68 ما نصه:(97/136)
"لقد تواردت الأنباء بأن جامعة الأزهر بالقاهرة وبدعم من دولة عربية شكلت لجنة سرية لهدف إعادة النظر في جميع الكتب والمصادر المعتمدة عند أهل السنة وفي طليعتها صحيح البخاري والهدف من ذلك حذف ما ترى حذفه وتحريف ما ترى تحريفه من الأحاديث المروية في فضائل أهل البيت عليهم السلام بما يمكن أن يستدل به الشيعة على أحقية مذهبهم. وقد أحيطت هذه اللجنة بالسرية والكتمان وطبعت بعض المصادر طباعة حديثة وحذفت منها أحاديث أو حرفت منها بعض كلماتهم الحساسة كتحريف كلمة خليفتي إلى خليلي وما شابه ذلك..".
أقول: كتب أهل السنة ومراجعهم مداولة في القديم والحديث بين ايدي الجميع سنة وشيعة وأكبر دليل نقل علماء الشيعة المتقدمين منها والرجوع إليها ومن ثم فهي مأمونة ولله الحمد من التحريف والعبث على عكس أمهات مراجع الشيعة فإنها كانت وإلى عهد قريب متداولة بين خاصة الشيعة يتناولونها يدا بيد ولا يطلعون عليها غيرهم.
وهذا الأفاك لم يستطع أن يأتي بأدلة تثبت صحة دعواه وعندما ذكر صحيح البخاري لم يستطع أيضاً أن يثبت مواضع التحريف فقد كان القزويني من الخسة والخبث واللؤم والدهاء حيث أدرك أنه متى ذكر أمثلة لما يدعيه فإن أمره سينكشف وسيفضحه الله تعالى ولكن الرجل طبق مبدأ الوقيعة في الخصوم ومباهتتم حسب الحديث المروي عندهم والذي سبق إيراده.
ومن قلة حياء الرجل وخبثه إيراده في الصفحة (212) من كتابه رواية خبيثة تقدح في الفاروق هي: "فوثب قيس بن سعد واخترط سيفه وقبض بلحية عمر وصرخ في وجهه: والله يا ابن صهاك الحبشية.."..
ثم يعلق في الهامش فيقول: "صهاك جدة عمر كان يعير بها لكونها من أهل الفساد".(97/137)
وهذا القزويني الذي يقدح في خيار هذه الأمة رضوان الله عليهم نجده يقول (ص93 – 94) ما نصه: "وقد صارت هذه الكلمات أشهد أن عليا ولي الله شعارا للمسلمين الشيعة أتباع أهل البيت عليهم السلام يتمسكون به في الأذان والإقامة وفي سائر المجالات الدينية إطاعة لله ورسوله وقد تعرضوا بسبب ذلك لحملات النقد والتهريج ولكنهم صمدوا تجاهها وتصدوا لها وازدادوا إيمانا وتمسكا بهذا الشعار الإلهي لأنهم عرفوا أنه الحق وليس بعد الحق إلا الضلال وعلى كل مسلم يلتزم بأوامر الله ورسوله أن يتمسك بهذا الشعار ويأتي به في الأذان وغيره وحذار من أن تتركه فيكون ممن قال لهم الرسول صلى الله عليه وآله: إنكم لمنقلبون بعدي على أعقابكم".
فات هذا القزويني أن هذا الشعار أي أشهد أن عليا ولي الله هو من شعار المفوضة وقد لعنوا على لسان المتقدمين من علمائهم فهذا رئيس المحدثين عند الشيعة أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابوية القمي الملقب عندهم بالصدوق في كتابه (من لا يحضره الفقه) وهو أحد كتبهم الأربعة الصحيحة يقول في الجزء الأول منه صفحة 188 الطبعة الخامسة نشر دار الكتب الإسلامية بطهران – إيران و (ط. دار الأضواء – بيروت -ج1 ص290) – باب الأذان والإقامة وثواب المؤذنين - ما نصه : "هذا هو الأذان الصحيح لا يزاد فيه ولا ينقص منه والمفوضة لعنهم الله قد وضعوا أخباراً وزادوا في الأذان محمد وآل محمد خير البرية مرتين وفي بعض رواياتهم بعد اشهد ان محمداً رسول الله أشهد ان عليا ولي الله مرتين، ومنهم من روى بدل ذلك أشهد أن عليا أمير المؤمنين حقا مرتين ولا شك في ان عليا ولي الله وأمير المؤمنين حقا وأن محمداً وآله صلوات الله عليهم خير البرية ولكن ليس ذلك في أصل الأذان وإنما ذكرت ذلك ليعرف بهذه الزيادة المتهمون بالتفويض المدلسون أنفسهم في جملتنا".(97/138)
أقول: والمفوضة الذين أدخلوا هذه الزيادة هم كما عرفهم صاحب حاشية الكتاب المذكور الشيخ على الأخوندي: "هم فرقة ضالة قالت بأن الله خلق محمداً صلى الله عليه وآله وفوض إليه خلق الدنيا فهو الخلاق وقيل بل فوض ذلك إلى علي ".
والشيعة وإلى اليوم للأسف ماضون في إيراد زيادة "اشهد أن عليا ولي الله" في اذانهم رغم اعتراف علمائهم كما في كتبهم الفقهية بأنه ليس من الأذان وعلى هذا يكونون من المفوضة الذين لعنهم الصدوق وبهذا يقول لسان حال الأزهر:
إذا أتتك مذمتي من ناقص * * * فهي الشهادة لي بأني كامل
المبحث الخامس
من هو الكسروي ولماذا قتله الشيعة؟
هو أحمد مير قاسم بن مير أحمد الكسروي ولد في تبريز عاصمة أذربيجان أحد أقاليم إيران وتلقى تعليمه في إيران وعمل استاذا في جامعة طهران وتولى عدة مناصب قضائية وتولى مرات رئاسة بعض المحاكم في المدن الإيرانية حتى اصبح في طهران أحد كبار مفتشي وزارة العدل الأربعة ثم تولى منصب المدعي العام في طهران، وكان يشتغل محرراً لجريدة برجم الإيرانية وكان يجيد اللغة العربية والتركية والإنجليزية والأرمنية والفارسية والفارسية القديمة البهلوية.
وله كتب كثيرة جداً ومقالات منتشرة في الصحف الإيرانية وكانت مقالاته القوية التي يهاجم بها أصول المذهب الشيعي قد جذبت نظر بعض المثقفين والجمعيات العاملة في البلاد إليه وأقبل عليه فئات من الناس من كل أمة ونحلة ولا سيما الشباب من خريجي المدارس فأحاط به آلاف منهم وقاموا بنصرته وبث آرائه ونشر كتبه.(97/139)
ووصلت آراؤه بعض الأقطار العربية وهي الكويت وطلب بعض الكويتيين مع الكسروي تأليف كتب بالعربية ليستفيدوا منها فكتب لهم "التشيع والشيعة" والذي أوضح فيه بطلان المذهب الشيعي وان خلاف الشيعة مع المسلمين إنما مستنده التعصب واللجاج وما أن أتم كتابه هذا حتى ضرب بالرصاص من قبل مجموعة من الشيعة في إيران فدخل المستشفى وأجريت له عملية جراحية وتم شفاؤه.
ثم أخذ خصومه من الشيعة يتهمونه بمخالفة الإسلام ورفعوا ضده شكوى إلى وزارة العدل ودعي للتحقيق معه وفي آخر جلسة من جلسات التحقيق في نهاية سنة 1324هـ ضرب بالرصاص مرة أخرى وطعن بخنجر فمات على إثر ذلك وكان في جسمه تسعة وعشرون جرح ().
والذي قتل الكسروي ونفذ الجريمة هو الشيعي المتعصب زعيم فدائيان إسلام المدعو / نواب صفوي وقد كشف لنا ذلك الصحفي المصري موسى صبري في مقابلة أجراها مع القاتل المذكور ونشرتها جريدة الأنباء الكويتية بتاريخ 16/6/1990 م وإليك نصها:(97/140)
"يقول نواب صفوي زعيم فدائيان إسلام: أنه – يعني الكسروي - كان هتاكا للإسلام والمسلمين فيما يكتب ولذلك أردت أن اقتله بيدي شرعا ودينا وغيره وحمية فواجهته يوما في الطريق العام وكان معي أخ لي وكان معه أربعة عشر عونا له يسمون الجماعة الحربية وكان معي مسدس صغير فضربته بمسدس ولكنَّ المسدس لم يؤثر أثراً تاما واستمرت الحرب بيننا في الشارع ثلاث ساعات ولكنه لم يمت، وأردت أنا أن انتهي من قتله حتى أقتل بيد الحكومة في سبيل الله فضربته بعد المسدس بما أتى في يدي وفرت جماعته وهربوا وبقى الكسروي بيننا والناس مجتمعون وبعد ان ظننت أنه مات أو سيموت عاجلا وقفت إلى جوار جثمانه والقيت الكلمة في الناس فحبسنا في السجن بطهران ونشرت القضية في الجرائد وكنت أدعو الله في السجن أن يميته بما ضربته ويرزقنا الشهادة في سبيله أجرا وكان الكسروي مريضا محتضراً في بعض أوقاته في المستشفى ولم يمت وما عرفت تدبير الله في هذا ثم أخرجت من السجن وشكلت جماعة متهيئين لإراقة دمائهم في سبيل الإسلام وأعلنت هذا فانكشف الجرائد التي كانت تحمي دعايات كسروي المضلِّة وخافوا منا ولم يكتبوا بعد شيئا من سوء سريرتهم وسكتت الجماعات القليلة التابعة لهم وبعد ثلاثة اشهر خرج الكسروي من المستشفى وواجهته يوما في دائرة المحكمة العسكرية التي دعتنا للمحاكمة فرأيت أن ليس بيدي سلاح حتى اقتله وكان هناك جندي بيده بندقية فأردت ان آخذ البندقية من يده لقتل الكسروي في المحكمة وأخذتها ولكنني لم أجد أمامي أحد لقد خاف الجند القضاة وخاف الكسروي وشرد جميع من في المحكمة وتعطلت جلسة محكمتنا وخرجت من المحكمة ولم أجب دعوة القضاء بعد ذلك ولم أعد إلى دار القضاء وأرسلت إلى القضاء أقول لا أرى رسمية في محاكمتكم دعوتكم لأنكم محزنون عن دين الله والإسلام وحكومتكم غاضبة وكان رأيي أن الكسروي هو الذي يجب أن يحاكم لا نحن لانه اعتدى على الدين ولذلك فقد جمعت توقيعات الآلاف(97/141)
بأنه يجب على الحكومة أن تأتي بالكسروي إلى إدارة العدل في المحكمة الشرعية فيحاكم هناك لكفره بدين الله وقد أجابتني الحكومة على ما طلبت وتحدد موعد المحاكمة وكنت قد عقدت العزم في ذلك اليوم على قتله لن هذا هو جزاؤه الوحيد فذهب تسعة من إخواني المندوبين لقتله في المحكمة وقتلوه وقتلوا تابعه وحارسه حداد وشرد الجنود وشرد القضاة وشرد الناس وقد كانوا ثلاثة آلاف لشهود محاكمة وعاد مندوبنا من غير مزاحم"() .
أقول: هذا ما قاله القاتل نواب صفوي ونأتي إلى أحد مراجع الشيعة الكبار وهو المرجع الكبير الإمام آية الله العظمى المولى الحاج ميرزا حسن الأحقاقي في كتابه الفارسي (نامه شيعيان) والذي ترجمه حسن النجفي إلى العربية بعنوان (الإيمان) يقول الأحقاقي: "وفعلا فقد قتل كسروي إلا ان البعض ممن يطمع في الرئاسة من المرتبطين به لا يزالون أحياء يرزقون وأن شركاءه في تلك الاعتراضات من المذاهب المختلفة الأخرى سيقفون ويطلعون على محتوى كتاب نامه شيعيان"().
ويقول الأحقافي: "إن كسرويا وبعد أن واجه الحكم والنتيجة المتأتيين من أقواله وأفعاله الشائنة خال البعض أن هدفه المخزي صار إلى التلاشي والزوال حيث ظنوا أن ظهور اسمه وكتاباته مرة أخرى لا تثمران عن شيء ولكن على العكس من ذلك() فإن الرد على أقواله وتسليط الضوء على مكره وخداعه واجب على كل واحد في جميع الظروف() إن ذلك الذي نثر بذور التقلب والتلون بين أبناء المجتمع الشيعي المظلوم() وإن قسما من معتقداته المشبعة بالسموم نبعت من جذورها في أعماق الناس البسطاء إذ لا يزال بين مجموعة من الجهلة والسطحيين من يعتقد أن اعتراضات كسروي لا تستلم إلى رد.." ().(97/142)
قلت: الله أكبر .. كيف أقنع الكسروي بالحق من اقتنع أن اعتراضاته على مذهب التشيع لا تستلم إلى رد هؤلاء من الطبقة المثقفة وطلاب العلم كما اعترف بذلك الأحقاقي وولده الذي يوجه إليه الأسئلة في كتابه المذكور فيجيب عليه الوالد يقول: "اضطررت إلى تحرير هذا الكتاب على شكل حوار بيني وبين ولدي وقرة عيني الحاج ميرزا عبد الرسول الأحقاقي.." () .
أقول: ولقد اعترف الاثنان بأن اتباع الكسروي الجدد من الطبقة المثقفة وطلاب العلم يقول الابن لوالده: "إنني لأتعجب كيف أن هذه المجموعة من الطلبة المثقفين لم تلتفت إلى الباطل الذي اكتسب صفة العلنية فارتبطوا بكسروي وصدقوا أكاذيبه"() .
فيرد عليه والده الأحقاقي فيقول: لا يمتلكنك العجب وتتوقع من أتباعه أكثر من هذا إذ أن أكثر الشبان الذين يسيرون وراء كسروي رغم كونهم في عداد طلاب العلم في المملكة لكنهم وفي نفس الوقت لم يلموا بشيء"().
فلاحظ قول الأحقاقي: "رغم كونهم في عداد طلاب العلم" مع العلم أن احمد الكسروي يرحمه الله تعالى من اصل شيعي ويقول الولد موجها كلامه إلى والده الأحقاقي مقرا بأن قسما من شبابهم أخذ بأقوال الكسروي رحمه الله تعالى واعتبروها أمرا مسلما به يقول: "يقول الكسروي إن الشيعة مشركون يعبدون الأموات ويقدسون القباب وإن أولئك الذين يذهبون لزيارة المراقد المقدسة إنما يذهبون لعبادة أئمتهم ونتيجة لذلك فإن قسما من الشباب في هذا العصر أخذ بهذا المبدأ إلى حد واعتبره أمرا مسلما به أرجو تفضلكم بالرد().(97/143)
قلت: ونحن ندافع عن الحق الذي من أجله قتل الشيعة الكسروي رحمه الله فنقول إن القباب والمشاهد التي يقيمها الشيعة مخالفة لهدي المصطفى فقد نهى صلى الله عليه وآله وسلم عن البناء على القبور فضرب الشيعة بنهيه عرض الجدار رغم ثبوته من طرقهم فهذا الحر العاملي الشيعي الإمامي الاثنا عشري يروي في (وسائل الشيعة ج2 ص 869/ ج3 ص454): "عن أبي عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وآله نهى ان يصلي على قبره أو يقعد عليه او يبنى عليه".
وروى الحر في وسائله (2/869): "عن علي بن جعفر قال سألت أبا الحسن موسى عن البناء على القبر والجلوس عليه هل يصلح؟ فقال: لا يصلح البناء عليه ولا الجلوس ولا تجصيصه ولا تطيينه".
وروى الحر في الوسائل (2/870): "عن أبي عبد الله قال: لا تبنوا على القبور ولا تصوروا سقوف البيوت فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وكره ذلك".
وروى الحاج حسين النوري الطبرسي في مستدرك الوسائل (1/127): "عن النبي صلى الله عليه وآله أنه نهى أن يجصص القبر أو يبنى عليه وأن يقعد عليه..".
وعد الإمام الصادق رحمه الله تعالى البنيان على القبور من أكل السحت وذلك في رواية عنه ذكرها الحاج حسين النوري الطبرسي في مستدرك الوسائل (1/127): "عن عبد الله بن طلحة عن الإمام الصادق أنه قال: من أكل السحت سبعة: الرشوة في الحكم، ومهر البغي، وأجر الكاهن، وثمن الكلب، والذين يبنون البنيان على القبور..".
وقد كان النبي صلى الله عليه وآله يهدم القبور المبني عليها في وراية عند الحر العاملي في وسائل الشيعة (2/870): "عن أبي عبد الله قال: قال أمير المؤمنين : بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله في هدم القبور وكسر الصور".
وفي رواية في وسائل الشيعة (2/869): "عن أبي عبد الله قال: قال امير المؤمنين : بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة فقال: لا تدع صورة إلا محوتها ولا قبراً إلا سويته.." .(97/144)
قلت: فهذا ما نهى عنه الكسروي رحمه الله اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته رضي الله عنهم في التشديد في النهي عن البناء على القبور ومن الطبيعي أن يأخذ بهذا المبدأ قسم من شباب الشيعة من طلبة العلم خصوصا وأن هذه الروايات من طرق الشيعة أنفسهم حيث كان البناء على القبور سببا في إفساد معتقد الشيعة حتى جعلوا (مثلا) زيارة قبر الحسين افضل من الحج لم يراعون شروط زيارته كما تفوه بهذا أحد المقربين للإمام الخميني وهو آيتهم عبد الحسين دستغيب في كتابه (الثورة الحسينية ص15 ط دار التعارف بيروت) وإليك كلامه بنصه قال: "لقد جعل رب العالمين لطفا بعباده زيارة قبر الحسين بدلا من حج بيت الله حرام ليتمسك به من لم يوفق إلى الحج بل إن ثوابه لبعض المؤمنين وهم الذين يراعون شرائط الزيارة أكثر من ثواب الحج كما هو صريح كثير من الروايات الواردة في هذا المعنى".
وأقبح منه وأشنع آيتهم المعروف محمد الحسين كاشف الغطاء في كتابه (الأرض والتربة الحينية ص26 ط 1402 هـ مؤسسة أهل البيت) حيث ردد هذا البيت من الشعر:
ومن حديث كربلا والكعبة لكربلا بان علو الرتبة
هذه هي النتيجة الحتمية لمخالفة سنة النبي ومنها أن تأتي الشيعة وتروي وتنسب إلى الإمام الصادق رحمه الله تعالى أنه قال: "إن الله ينظر إلى زوار قبر الحسين نظر الرحمة في يوم عرفة قبل نظره إلى أهل عرفات". أورده الحر في وسائل الشيعة (10/361) وذكره آيتهم عبد الحسين دستغيب في الثورة الحسينية (ص15) واللفظ له.
بهذا تمكن الكسروي من هزيمة علماء الشيعة فلم يجدوا من الوسائل في الرد عليه إلا وسيلة واحدة وهي اغتياله فاغتالوه ولقاتله ومن دبر جريمة قتله وقفه امام الله لا ينفع مال ولا بنون.
المبحث السادس
موقف الناخب الشيعي من المرشح السني(97/145)
أما موقف المنتخبين الشيعة أمام مرشح أهل السنة فهو عدم إعطاء الصوت له، كشف لنا هذه الحقيقة آيتهم العظمى ومرجعهم جواد التبريزي، وذلك عبر أجوبته في تعليقاته وفتاويه المطبوعة مع كتاب (صراط النجاة في أجوبة الاستفتاءات للخوئي) ج3 ص411ط. مكتبة الفقيه - الكويت – 1997م.
سئل التبريزي: إذا قطع المؤمن بأن ترشيحه لنفسه يوجب تضييع أصوات الموالين، ونجاح مرشح غير موالي، هل يجوز له ترشيح نفسه مع وجود المرشح الشيعي الذي يطمأن باجتماع أصوات الشيعة عليه؟
أجاب التبريزي: (إذا كان ذلك المؤمن الثاني ينفع الشيعة) لا يجوز له ترشيح نفسه في الفرض المزبور، والله العالم.
سئل التبريزي: إذا حدث تشاح بينهما بحيث يجب نزول أحدهما فقط، ما هو تكليفهما، وتكليف باقي الشيعة؟
أجاب التبريزي: يجب على كل مؤمن أن يراعي مصلحة الشيعة، ودفع الأذى عنهم، والله العالم.
سئل التبريزي: لو اتفق أن يكون مطلوبا عن كل منطقة نائبين في المجلس فقط، فإذا وجد مرشح موالي قوي يفوز عادة، والمركز الثاني يتنافس فيه مرشحين آخرين احدهما موالي والآخر ليس كذلك.. فالسؤال:
2- ... هل يجب على الشيعة التصويت لهذا الموالي الثاني مع عدم كونه معروفا بالفسق؟
2- هل يحرم على اشخاص الشيعة أن يطرحوا مرشحا مواليا ثالثا، هو افضل من المرشح الثاني المنافس لمرشح المخالف، مع الالتفات إلى: تارة نقطع بأنه يوجب تضييع المقعد الثاني للشيعة، وفوز المخالف، وتارة أخرى نظن دون القطع، فما هو الحكم في الحالتين؟
أجاب التبريزي:
1- - إذا احرزوا أنه يخدم الشيعة، ولا يصوت على ما هو خلاف الشرع، ومذهب اهل البيت فيجب عليهم عند الدوران تعيين ذلك الشخص، إذا لم يوجد اقوى منه، وأرفق، والله العالم.
2- إذا احرزوا عدم فوز الشخص الثالث فيختارون المنافس للمخالف، إذا كان واجدا لما تقدم من الشرائط، والله العالم.
سئل التبريزي: هل يجوز للموالي أن يعمل مفتاحا انتخابيا (أي داعية) لمرشح مخالف؟(97/146)
اجاب التبريزي: لا يجوز ذلك، والله العالم.
سئل التبريزي: في الدائرة الانتخابية الواحدة، يكون هناك من المرشحين مخالفين وشيعة ، فهل يجوز:
1- ... إعطاء المخالف مع وجود الشيعي المتدين؟
2- ... إعطاء المخالف مع وجود الشيعي الفاسق؟
3- ... إعطاء المخالف مع وجود الشيعي العلماني؟
أجاب التبريزي: لا يجوز الانتخاب، إلا إذا كان المنتخب شيعيا، يخدم الشيعة، ولا يصوت على قانون مخالف لمذهب الشيعة، ولو وجد شخص جامع لهذه الصفات وجب انتخابه عند الدوران بينه وبين غيره، إلا مع وجود من هو أقوى منه وارفق، والله العالم.
الفصل الرابع
رسالة إلى الإخوان المسلمين
المبحث الأول
الإخوان المسلمون وتقية الشيعة
إن الذين تعاطفوا منا مع الشيعة لم يكونوا على علم بمعتقدات الشيعة فقد نقل أحد الكتاب الذين يعملون ويكتبون لصالح الشيعة وهو عز الدين إبراهيم في كتابه موقف العلماء المسلمين من الشيعة والثورة الإسلامية الإيرانية (ص14 – 15ط مطبعة سبهر طهران الثانية 1406هـ، منشورات العلاقات الدولية في ي منظمة الإعلام الإسلامي الإيراني) عن عمر التلمساني وهو يتحدث عن موقف حسن البنا – رحمه الله – فيقول أي التلسماني: "وسألناه يوما عن مدى الخلاف بين أهل السنة والشيعة فنهانا عن الدخول في مثل هذه المسائل الشائكة التي لا يليق بالمسلمين أن يشغلوا أنفسهم بها والمسلمون على ما ترى من تنابذ يعمل أعداء الإسلام على إشعال ناره قلنا لفضيلته: نحن لا نسأل عن هذا للتعصب او توسعة لهوة الخلاف بين المسلمين ولكن نسأل للعلم لأن ما بين السنة والشيعة مذكور في مؤلفات لا حصر لها وليس لدينا من سعة الوقت ما يمكننا من البحث في تلك المراجع..".(97/147)
من كلام التلمساني هذا ترى جليا أن موقف الشيخ حسن البنا من هذه المسالة هو عدم الخوض في مسائل الخلاف بين الشيعة والسنة فالبنا لم ير البحث في هذه المسألة الخطيرة والتلمساني نفسه صرح بأنه ليس لديهم من سعة الوقت ما يمكنهم من البحث في المسألة وهنا اجتمعت طامتان عدم سعة الوقت والنهي عن الدخول في مسائل الخلاف الشائكة.
إذن تقارب البنا رحمه الله تعالى مع الشيعة ليس عن علم ولا بتشجيع للعلم الذي يتناول هذه الأمور وهذا يستلزم أن نقول ان القوم الذين تعاطفوا أو لنقل دعوا إلى التقارب مع الشيعة ليسوا على علم بمعتقدات الشيعة بل أن مبدأهم هو محاربة هذا العلم أو لنقل النهي عن وجود مثل هذا العلم وهذه نقطة خطيرة يجب أن لا يغفل عنها المتتبعون.
فهل يعتبر موقف هؤلاء حجة تلزم المسلمين باتباعهم؟
لا والله إن موقفهم ليس بحجة ولا هو مبني على علم ودليل وحجة وبرهان والصحيح خلاف موقفهم عن ما نقله الكاتب المذكور يعد حسنة له وإن كنا على يقين انه لا يقصدها لأنها ليست على الشرط الذي اتفق عليه مع من يكتب لهم.
إن حسن البنا رحمه الله تعالى كسائر أهل السنة يهمهم أن يتقارب المسلمون وينبذوا ما بينهم من خلاف لكنه لم يطلع على موقف الشيعة الحقيقي من أهل السنة فالظروف والمشاغل التي واجهته وعدم سعة وقت أتباعه – على حد كلام التلمساني - لم تسمح له أو أن يسمح هو لنفسه بالبحث والتنقيب في كتب الشيعة القديمة التي عليها مدار مذهبهم وبعض الكتب الحديثة التي يخفيها الشيعة عن المساكين وحسني النية والتي يقصرونها عليهم دون إطلاع خصومهم عليها فلم تقع أنظار هؤلاء الطيبين إلا على الكتب الناعمة التي تدعو إلى الوحدة بشكل عام وهذا من إتقان التقية أي خداع الخصوم بالتكتم والمراوغة والحيلولة دون وصولهم إلى الحقيقة.(97/148)
فعلى إخواننا الذين يحتجون بموقف الشيخ حسن البنا أن يقفوا ويحترموا القاعدة التي تقول : "إن عدم العلم بالشيء لا يعني عدمه" فحسن البنا رحمه الله يعلم (فيما نظن) أن منكر الولاية كافر ومقدم أبي بكر وعمر كافر بلا خلاف بين الشيعة على ما نقله مرجعهم الشيخ حسن النجفي في كتابه جواهر الكلام والذي يقع في ثلاثة وأربعين مجلداً وسماه عالم الشيعة اللبناني محمد جواد مغنية فيما مر نقله معجزة القرن التاسع عشر ومثله البحراني والشوشتري والمجلسي وعبد الله شبر والمفيد.
ويقول الخميني في كتاب الأربعين (ص: 511): "ومن المعلوم أن هذا الأمر يختص بشيعة أهل البيت ويحرم عنه الناس الآخرون لأن الإيمان لا يحصل إلا بواسطة ولاية علي وأوصيائه من المعصومين الطاهرين عليهم السلام بل لا يقبل الإيمان بالله ورسوله من دون الولاية كما نذكر ذلك في الفصل التالي".
قلت: أترى الشيخ حسن البنا – رحمه الله – يسكت على هذا الكلام الخطير فيما لو وقف عليه إذ أن إيمان حسن البنا وإخوانه أهل السنة غير مقبول عندهم لأنهم لا يعتقدون بولاية الأوصياء والمعصومين.
يقول الخميني في كتاب الأربعين (ص512): "إن ما مر في ذيل الحديث الشريف من أن ولاية أهل البيت ومعرفتهم شرط في قبول الأعمال يعتبر من الأمور المسلمة بل تكون من ضروريات مذهب التشيع المقدس وتكون الأخبار في هذا الموضوع أكبر من طاقة مثل هذه الكتب المختصرة على استيعابها وأكثر من حجم التواتر ويتبرك هذا الكتاب بذكر بعض تلك الأخبار".
أقول: قد وقفت قبل قليل على ان المقصود بولاية أهل البيت هم الأئمة المعصومون.
وعلمت أن الاعتقاد بأئمتهم المعصومين شرط في قبول الإيمان بالله ورسوله وشرط في قبول الأعمال وبهذا يكون جهاد الإمام حسن البنا رحمه الله تعالى في ميزان الخميني ومعتقده … (الإجابة متروكة للمتعاطفين مع الشيعة) … لأن حسن البنا لا يعتقد بالأئمة المعصومين.
المبحث الثاني(97/149)
محمد الغزالي – رحمه الله – والشيعة
وقد صرح الشيخ الغزالي في شريط مسجل بصوته أنه لو كان يستطيع إرسال فرقة من السنة لمناصرة الشيعة في حربهم مع بعث العراق لفعل ولكنه لا يستطيع كما يقول في الشريط ونقول:
ليأخذ الغزالي دوره بالمرور على كلام الخميني: هل يا شيخ محمد نور الله قلبك وبصيرتك تؤمن بولاية المعصومين الاثنا عشر حتى يقبل عملك فيما لو تم تنفيذه أو حتى تقبل نيتك؟!!
هل أنت أعلم بمذهب الشيعة من علمائهم الذين نقلوا تكفيرهم لأهل السنة بلا خلاف؟!!
هب أنت أعلم واغزر علماً من المجلسي والبحراني والنجفي والقمي والخميني وغيرهم ممن صرحوا بكفر من لا يعتقد بأئمتهم الاثنا عشر المعصومين؟!!
إن مما يؤسف له أن الشيخ محمد الغزالي رحمه قد صرح للطليعة الإسلامية عدد 26 مارس 85 فيما نقله لنا المدعو عز الدين إبراهيم (والعهدة عليه) في كتابه موقف علماء المسلمين من الشيعة والثورة الإسلامية ص22 ردا على سؤال حول دوره في جماعة التقريب فيقول: "نعم أنا كنت من المعنيين بالتقريب بين المذاهب الإسلامية وكان لي عمل دؤوب ومتصل في دار التقريب في القاهرة وصادقت الشيخ محمد تقي القمي كما صادقت الشيخ محمد جواد مغنية ولي أصدقاء من العلماء والأكابر من علماء الشيعة …".(97/150)
كما أعلن الشيخ الغزالي في كتابه: ( كيف نفهم الإسلام ص 116 الطبعة الثالثة سنة 1983م دار التوفيق النموذجية) (عن سروره بقيام إدارة الثقافة بوزارة الأوقاف المصرية بطبع كتاب المختصر النافع وهو كتاب فقهي يضم أحكام العبادات على مذهب الشيعة الإمامية). ويقول الغزالي في كتاب (ظلام من الغرب ص196 الطبعة الأولى 1956 دار الكتاب العربي بمصر) ما نصه: " عن كثيرا من أهل العلم في الأزهر الشريف تكونت لديهم صورة عن الشيعة نسجتها الإشاعات والفروض المدخولة، (مع إنه يقول في كتابه (كيف نفهم الإسلام ص116): "وقد نجد في علوم الشيعة من يخوض في سير السلف الصالحين بحمق بين، والتذرع بهذا إلى استبقاء الفرقة وتعكير صفو الأمة..".
ويقول في (كيف نفهم الإسلام ص118): "ولقد رأيت ان أقوم بعمل إيجابي حاسم سداً لهذه الفجوة التي صنعتها الأوهام بل إنهاء لهذه الفجوة التي خلقتها الأهواء فرأيت أن تتولى وزارة الأوقاف ضم المذهب الفقهي للشيعة الإمامية إلى فقه المذاهب الأربعة المدروسة في مصر وستتولى إدارة الثقافة تقديم أبواب العبادات والمعاملات في هذا الفقه الإسلامي للمجتهدين من إخواننا الشيعة وسيرى أولوا الألباب عند مطالعة هذه الجهود العلمية أن الشبه قريب بين ما ألفنا من قراءات فقهية وبين ما باعدتنا عنه الأحداث السيئة".
أقول: وبهذا يتبين لك خطأ الغزالي – رحمه الله – فقد بدا في الفروع قبل الأصول فالرجل لم يكن فطنا ولا حكيما فيما اقدم عليه إذ كان عليه أن يسال نفسه السؤال التالي: هل إمامة الإثنى عشر المعصومين من أصول الدين أو من فروعه عند الشيعة؟ وهل الشيعة يخالفوننا في الفقه فقط؟(97/151)
ونحن نجيب عن الشيخ فنقول: قال الشيخ الشيعي محمد رضا المظفر في (عقائد الإمامية ص93، 94، 95، 98 منشورات دار التبليغ الإسلامي قم إيران) ما نصه: "نعتقد أن الإمامية أصل من أصول الدين لا يتم الإيمان إلا بالاعتقاد بها … كما نعتقد أنها كالنبوة لطف من الله تعالى… وعلى هذا فالإمامة استمرار للنبوة… ونعتقد أن الإمام كالنبي يجب أن يكون معصوما من جميع الرذائل والفواحش ما ظهر منا وما بطن… ونعتقد أن الأئمة هم أولوا الأمر… بل نعتقد أن أمرهم أمر الله تعالى ونهيهم نهيه وطاعتهم طاعته ومعصيتهم معصيته".
إذاً فهي أصل من أصول دينهم بالإجماع وأتحدى من يقول منهم أو من المتعاطفين معهم غير ذلك.
ومنكر الأصل وهو الركن كافر باتفاق السنة والشيعة وأهل السنة ينكرون أصل الإمامة بهذا المفهوم الشيعي فمعنى هذا أنهم كفار في المعتقد الشيعي فمن هذا وحده تقطع بتكفيرهم لأهل السنة فما بالك وقد نقلنا تصريح علمائهم بكفر منكر إمامة الاثنا عشر.
الشيخ محمد الغزالي - رحمه الله - مثال لسلامة وحسن نية أهل السنة فهو يرتبط بصداقة مع الشيخ الشيعي محمد جواد مغنية ولا يعلم الغزالي أن مغنية وغيره يتعاملون معه بالتقية للحصول على مكاسب مذهبية كفتوى شلتوت وغيره فقد صرح الشيخ محمد الغزالي في شريط مسجل بصوته: "عن الإمامة عند الشيعة ركن من أركان المذهب..".
وقد قال الغزالي هذا في محاضرة ألقاها تضمنت الإجابة على بعض الأسئلة الموجهة إليه عن الشيعة فالمظفر يقول إنها ركن من اركان الدين والغزالي يقول من أركان المذهب!!(97/152)
وقد وجدت الشيخ الشيعي محمد جواد مغنية في كتابه (الشيعة في الميزان ص269 ط الرابعة دار التعارف للمطبوعات بيروت لبنان 1399هـ يقول: "ضرورات المذهب عند الشيعة على نوعين النوع الأول يعود إلى الأصول وهي الإمامة فيجب على كل شيعي إمامي أثنى عشري أن يعتقد بإمامة الاثنى عشر إماما ومن ترك التدين بإمامهم عالما كان أم جاهلا واعتقد بالأصول الثلاثة فهو عند الشيعة مسلم غير شيعي له ما للمسلمين وعليه ما عليهم فالإمامة اصل لمذهب التشيع.."
أقول: فهل أوقع مغنية الشيخ الغزالي فيما صرح به في الشريط المسجل بصوته.
مغنية صرح هنا بأن الإمامة أصل ولكنه موه وضلل وخادع بقوله إنها أصل من ضرورات المذهب لا الدين مع ان المظفر قال إنها ركن من أركان الدين أضف إلى ذلك تكفير علمائهم لمنكر الإمامة كما مر في فصل "كفر من لا يؤمن بولاية الأئمة الاثنى عشر".
أتعرف لماذا قال مغنية هذا؟ لانه يخاطب أهل السنة فقد كتب هذا تحت عنوان ضرورات الدين والمذهب الذي نشرته له مجلة رسالة الإسلام المصرية العدد الرابع المجلد الثاني سنة 1950م كما صرح هو بذلك في هامش ص267 من كتابه الذي ننقل عنه فالرجل كتب ما كتبه بدافع التقية وقد شاء العلي القدير ان يكشف الرجل على حقيقته.
أخي المسلم: مر بك ما نقلناه عن محمد حسن النجفي في كتابه جواهر الكلام وقد صرح في كتابه بأن أهل السنة كفار يجوز اغتيابهم وانهم أشر من النصارى وأنجس من الكلاب ونقل إجماعهم على أن مخالف الحق (مذهبهم) كافر.
والآن نوقفك على رأي محمد جواد مغنية الذي قول إن الذي لا يتدين بإمامة الاثنى عشر مسلم غير شيعي.(97/153)
يقول محمد جواد مغنية في(مع علماء النجف الأشراف ص 81 ط 1984 دار مكتب الهلال – دار الجواد بيروت لبنان) ما نصه: صاحب الجواهر أو صاحب معجزة القرن التاسع عشر أليس معنى المعجزة أن يعجز كل إنسان عن الإتيان بمثلها إلا صاحبها؟ ومنذ وجد للإسلام فقهاء ومؤلفون في التشريع حتى اليوم لم يؤلف أحد مثل كتاب الجواهر في سعته وأحاطته وعمقه وتدقيقاته وعرض الأقوال وتمحيصها … فكتابه على ضخامته كتاب بحث وتحقيق لا كتاب نقل وتلفيق من هنا وهناك..".
ويقول مغنية (ص82): "نقل عن صاحب تكملة أمل الأمل المرحوم السيد حسن الصدر أنه قال: (إن توفيق كتاب الجواهر ورواجه يعود بالدرجة الأولى إلى إخلاص مؤلفه وطيب سريرته وتواضعه لله وللناس).
ثم يترحم محمد جواد مغنية على صاحب الجواهر فيقول في كتابه مع علماء النجف (ص84): "ورحم الله صاحب الجواهر فقد كانت له مناقب لا يبلغها الحصر".
هذا ومما يجدر إعادته قول صاحب الجواهر (22/63) ما نصه: "وعلى كل حال فقد ظهر اختصاص الحرمة بالمؤمنين القائلين بإمامة الأئمة الاثنى عشر دون غيرهم من الكافرين والمخالفين ولو بإنكار واحد منهم عليهم السلام" إلى غير ذلك مما سبق نقله.
أقول: ومحمد جواد مغنية لم ينكر هذا على صاحب الجواهر كما لم ينكر غيره من علمائهم تلك المطاعن التي تخرج اهل السنة من الإسلام بل اقره على ذلك واثنى عليه، وعد الكتاب معجزة من المعجزات فعفا الله عنا وعن المتعاطفين معهم بحسن نية.(97/154)
وقد ترجم محمد جواد مغنية في كتابه (مع علماء النجف ص69 وما بعدها) للشيخ يوسف البحراني صاحب الحدائق الناضرة وأثنى عليه وقد مر عليك في أول هذه الرسالة تكفير البحراني هذا لمخالفي الشيعة وكذلك لم ينكر عليه محمد جواد مغنية ثم يظهر الله ما كتمه محمد جواد مغنية في كتابه (مع علماء النجف ص38) وهو يشيد بعلامتهم الحلي حيث يقول: "فأثبت لهم العلامة بالبراهين القاطعة خلافة الإمام بعد الرسول بلا فصل وبطلان التقليد للأئمة الأربعة فسلموا جميعا بقول العلامة".
أقول: فلاحظ بطلان المذاهب الأربعة عند مغنية بالبراهين القاطعة ويقصد طبعا بطلانها أصولا وفروعا.
فهل علم بعد هذا الشيخ رحمه الله أن الشيعة يتعاملون معنا بالتقية؟!!
نعود إلى قول الشيخ الغزالي إن كثيرا من أهل العلم لديهم صورة عن الشيعة نسجتها الإشاعات والفروض المدخولة (فنقول) هل ما نقلناه لك من رواياتهم الثابتة بل المتواترة وأقوال اساطينهم كالمفيد والطوسي والصدوق والمجلسي والحر العاملي والكركي والفيض الكاشاني ويوسف البحراني وحسين البحراني وعبد الله شبر والمامقاني ومحمد حسن النجفي والخميني والخوئي ومحمد الشيرازي و … و… من الإشاعات والفروض المدخولة التي كونت صورة عن الشيعة لدى كثير من أهل العلم في الأزهر الشريف؟ الم يصرح هؤلاء بكفر ونجاسة أهل السنة؟ ألم يسلم محمد جواد مغنية بإبطال علامتهم بل طاغيتهم الحلي للمذاهب الأربعة ويصف ذلك بالبراهين القاطعة؟!! إذن الحق في ذلك مع علماء الأزهر الذين بينوا بطلان عقائد الشيعة وحذروا من خطر التقارب معهم.
ثم استمع إلى الغزالي في كتابه (ظلام من الغرب ص195): "وأستطيع القول إن الخلاف بيني الشيعة والسنة سياسي أكثر منه ديني".
وكذلك قوله (ص197): "وأنا موقن أنه – أي الأزهر – إذ مد يده للشيعة فإن أكثر عوامل الواقعية سوف تنوب من تلقاء نفسها كما تذوب كتل الجليد تحت أشعة الشمس".(97/155)
أقول: والغريب ان الغزالي الذي يقول إن الخلاف بين السنة والشيعة سياسي أكثر منه ديني يقول في كتابه (دفاع عن العقيدة والشريعة ص265 ط الرابعة 1975 مطبعة حسان) ما نصه: وليست أنفي أن هناك خلافات فقهية ونظرية بين الشيعة والسنة بعضها قريب الغور وبعضها بعيد الغور".
إذن المعارضون لفكرة التقريب لديهم الآن وبإقرار الغزالي العذر في التحذير من الشيعة أن هناك خلافات بعيدة الغور بين أهل السنة والشيعة هذا بالإضافة إلى جزمنا القاطع بأن محمد الغزالي – رحمه الله – لم يطلع على المصادر المعتمدة للشيعة التي تجمع على كفر أهل السنة والتي استطاع دهاة التشيع صرف نظر الغزالي وغيره من الضحايا عنها.
المبحث الثالث
المعارضون للتقريب
المعارضون لفكرة التقريب مع الشيعة لم يتكلموا من فراغ بل استدلوا في معارضتهم بما اعترف الغزالي نفسه ببعضه وحتى المتساهلين مع الشيعة صدموا بعنادهم وإصرارهم على باطلهم فلنقف مع الدكتور محمود السباعي في كتابه السنة النبوية ومكانتها في التشريع (?9 ?2 المكتب الإسلامي بيروت سنة 1978?) قال: "في عام 1953 زرت عبد الحسين شرف الدين في بيته بمدينة صور في جبل عامل وكان عنده بعض علماء الشيعة فتحدثنا عن ضرورة جمع الكلمة وإشاعة الوئام بين فريقي الشيعة وأهل السنة وإن من أكبر العوامل في ذلك أن يزور علماء الفريقين بعضهم بعضا واصدار الكتب والمؤلفات التي تدعو إلى هذا التقارب وكان عبد الحسين متحمساً لذهه الفكرة ومؤمنا بها وتم الاتفاق على عقد مؤتمر لعلماء السنة والشيعة لهذا الغرض وخرجت من عنده وأنا فرح بما حصلت عليه من نتيجة ?م زرت في بيروت بعض وجوه الشيعة من سياسيين وتجار وأدباء لهذا الغرض ولكن الظروف حالت بيني وبين العمل لتحقيق هذه الفكرة ثم ما هي إلا فترة من الزمن حتى فوجئت بأن عبد الحسين أصدر كتابا في أبي هريرة مليئا بالسباب والشتائم..".(97/156)
ويقول الدكتور السباعي رحمه الله: "لقد عجبت من موقف عبد الحسين في كلامه وفي كتابه من ذلك الموقف الذي لا يدل على رغبة صادقة في التقارب ونسيان الماضي وأرى الآن نفس الموقف من فريق دعاة التقريب من علماء الشيعة إذ هم بينما يقيمون لهذه الدعوة الدور وينشئون المجلات في القاهرة ويستكتبون فريقا من علماء الأزهر لهذه الغاية لم نر أثراً لهم في الدعوة لهذا التقارب بين علماء الشيعة في العراق وإيران وغيرهما فلا يزال القوم مصرين على ما في كتبهم من ذلك الطعن الجارح والتصوير المكذوب لما كان بين الصحابة من خلاف كأن المقصود من دعوة التقريب هي تقريب أهل السنة إلى مذهب الشيعة لا تقريب المذهبين كل منهما للآخر". (السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ?10).
ويقول الدكتور السباعي عليه رحمة الله: "ومن الأمور الجديرة بالاعتبار ان كل بحث علمي في تاريخ السنة أو المذاهب الإسلامية مما لا يتفق مع وجهة نظر الشيعة يقيم بعض علمائهم النكير على من يبحث في ذلك ويتسترون وراء التقريب ويتهمون صاحب البحث بأنه متعصب معرقل لجهود المصلحين في التقريب ولكن كتابا ككتاب الشيخ عبد الحسين شرف الدين في الطعن بأكبر صحابي موثوق في روايته للأحاديث في نظر جمهور أهل السنة لا يراه أولئك العابثون أو الغاضبون عملا معرقلا لجهود الساعين إلى التقريب، ولست احصر المثال بكتاب أبي هريرة المذكور فهناك كتب تطبع في العراق وفي إيران وفيها من التشنيع على عائشة أم المؤمنين وعلى جمهور الصحابة ما لا يحتمل سماعه إنسان ذو وجدان وضمير ... (المصدر نفسه).(97/157)
وكما يظهر من كتاب الدكتور السباعي رحمه الله تعالى أنه لا علم له بمعتقدات الشيعة وتكفيرهم لأهل السنية فقد كان غافلا عن هذه الأمور ولم يستيقظ السباعي إلا بصفعة قوية سددها عبد الحسين شرف الدين في كتابه "أبو هريرة"() عندما علم السباعي أن للقوم ظاهراً وباطناً ثم أتضحت له الرؤية عندما قال أي السباعي: "وأرى الآن نفس الموقف من فريق دعاة التقريب من علماء الشيعة ... " لاحظ كلهم على هذا المنوال يدعون إلى التقارب مع أهل السنة في الوقت الذي يقومون فيه بالدعوة إلى مذهبهم بين أوساط أهل السنة وقد أدرك الدكتور السباعي هذا في قوله: "كأن المقصود من دعوة التقريب هي تقريب أهل السنة إلى مذهب الشيعة".
ولعبد الحسين هذا كتاب تطعن في الصحابة رضي الله عنهم هي: "النص والاجتهاد" ? "الفصول المهمة" ? "أجوبة مسائل موسى جار الله" ? "المراجعات" فلاحظ دهاء عبد الحسين هذا عندما استغل حسن نية السباعي وسلامة قلبه حيث أظهر له حماسة للفكرة وإيمانه بها وصاحبنا الطيب المسكين لم يستيقظ إلا على ... فأدرك بعد ذلك أن القوم ماضون في طبع الكتب التي تدعو إلى مذهبهم فما تحمسهم أمام السباعي إلا تقية ودهاء.
ثم نأتي إلى الدكتور علي أحمد السالوس فنجده على علم بمعتقدات القوم حيث إنه أطلع على كثير من كتبهم يقول: في كتابه (فقه الشيعة الإمامية ومواضع الخلاف بينه وبين المذاهب الأربعة ?256 ?1 سنة 1978?): "وعندما التقيت ببعض الشيعة في الكويت وزرت مواطن تجمعهم في العراق وجدت صورة لا تبشر بخير في مجال التقريب بل على العكس من ذلك فعندما نظرت في كثير من كتبهم المتداولة بينهم إلى جانب ما قرأت أثناء البحث فكلها تعصب مقيت للمذهب وكل ما يتعلق به مع المغالات والتحريف في كثير من الحالات وقد مرت أمثلة كثيرة لهذا".(97/158)
وقبل هذا قال الدكتور السالوس منتقدا دار التقريب (الموضع نفسه): "ومع هذا فدار التقريب بالقاهرة وليست في موطن من مواطن الشيعة ومجلة رسالة الإسلام التي تصدر عن الدار جل ما تتناول من موضوعات الخلاف أنها تهدف إلى إقناع أهل السنة ببعض ما يعتنقه الشيعة أشبه بمحاولة لتشييع السنة".
ويقول الدكتور محمد حسين الذهبي رحمه الله تعالى في التفسير والمفسرون (2/39 – 40 ? دار إحياء التراث العربي بيروت): "هذا وللإمامية الاثنى عشرية كتب كثيرة يعتمدون عليها في رواية الأحاديث ?الأخبار وينزلونها من أنفسهم منزلة سامية ويثقون بها ووثوقا بالغا فمن أهم هذه الكتب ما يأتي:
أولاً: الكافي وهو أهم الكتب عند الإمامية الاثنى عشرية على الإطلاق.
ثانياً: كتاب التهذيب.
ثالثاً: كتاب من لا يحضره الفقيه.
رابعاً: كتاب الاستبصار .. هذه الكتب الأربعة في أمهات كتب الشيعة التي يعتمدون عليها ويثقون بها وقد جمعها كتاب الوافي.
ويقول الدكتور الذهبي (2/40): "وهناك كتب في الحديث ذكرها صاحب أعيان الشيعة غير ما تقدم منها رسائل الشيعة إلى أحاديث الشريعة للشيخ محمد بن الحسن العاملي وبحار الأنوار في أحاديث النبي والأئمة الأطهار للشيخ محمد باقر وهي لا تقل أهمية عن الكتب المتقدمة، والذي يقرأ في هذه الكتب لا يسعه أمام ما فيها من خرافات وأضاليل() إلا أن يحكم بأن متونها موضوعه وأسانيدها مفتعلة مصنوعة كما لا يسعه إلا أن يحكم على هؤلاء الإمامية بأنهم قوم لا يحسنون الوضع لأنه ينقصهم الذوق وتعوزهم المهارة وإلا فأي ذوق وأية مهارة في تلك الرواية التي يرونها عن جعفر الصادق وهي أنه قال: "ما من مولود يولد إلا وإبليس من الأبالسة بحضرته فإذا علم الله بأن المولود من شيعتنا حجبه من ذلك الشيطان وإن لم يكن المولود من شيعتنا أثبت الشيطان إصبعه في دبر الغلام فكان مأبونا وفي فرج الجارية فكانت فاجرة".(97/159)
ويقول الذهبي رحمه الله تعالى (2/41): "وكلمة الحق والإنصاف أنه لو تصفح إنسان أصول الكافي وكتاب الوافي وغيرهما من الكتب التي يعتمد عليها الإمامية الاثنا عشرية لظهر له ان معظم ما فيها من الأخبار موضوع وضع كذب وافتراء وكثير مما روي في تأويل الآيات وتنزيلها لا يدل إلا على جهل القائل وافترائه على الله ولو صح ما ترويه هذه الكتب من تأويلات فاسدة في القرآن لما كان قرآن ولا إسلام ولا شرف لأهل البيت ولا ذكر لهم، وبعد فغالب ما في كتب الإمامية الاثنى عشرية في تأويل الآيات وتنزيلها وفي ظهر القرآن وباطنه استخفاف بالقرآن الكريم ولعب بآيات الذكر الحكيم وإذا كان لهم في تأويل الآيات وتنزيلها أغلاط كثيرة فليس من المعقول أن تكون كلها صادرة عن جهل منهم بل المعقول أن بعضها قد صدر عن جهل والكثير منها صدر عمدا عن هوى ملتزم وللشيعة كما بينا أهواء التزمتها".
أقول: هذا ما قاله الدكتور محمد حسين الذهبي وزير الأوقاف المصري الأسبق الحائز لشهادة العالمية من درجة أستاذ في علوم القرآن والحديث والأستاذ في كلية الشريعة بالأزهر الشريف ورئيس قسم الشريعة في كلية الحقوق العراقية (سابقاً).
ويقول الدكتور محمد عمارة في تيارات الفكر الإسلامي (?238 ?1 المستقبل العربي 1983?): "وهكذا نهج الدستور – الإيراني – نفس النهج الذي حدده الخميني في كتاب الحكومة الإسلامية فوضعت ثورة الإسلام الذي اتفق عليها أغلب المسلمين بيد أداة لم يقل بها غير الشيعة من المسلمين! ... ثم لاحت في الممارسة بوادر تنبئ عن أن الانحياز ليس فقط للفكر الاثنى عشري دون غيره من فكر المذاهب الإسلامية الأخرى وإنما أيضاً للعنصر الفارسي دون الأقليات القومية الإيرانية الأخرى حتى ليحق للمرء أن يتساءل أهي الثورة الإسلامية في إيران؟
أم أنها الثورة الشيعية الفارسية الإسلامية في إيران ?!!!".(97/160)
ويقول الدكتور عبد المنعم النمر في (الشيعة والمهدي والدروز ?7 ?2 دار الحرية القاهرة سنة 1988): "وأعترف أنني قد عشت مدة طويلة من حياتي أمامي هذه الغشاوة برغم قراءاتي الكثيرة وكانت تمر على إشارات لهذه الموضوعات أو هذه المعلومات ولكن كان عندي في نظري ما هو أهم منها فلا ?لقي له بالا مع أنها كانت في غاية الأهمية بالنسبة للإنسان حتى يكون له علم بما يجري حوله والناس وأفكارهم ونظراتهم لنا وللآخرين".
هذا عندما كان الدكتور النمر على غير علم بمعتقدات الشيعة وبعد أن فتح الله عليه وجد أن عالما مجهولا قد انكشف أمامه فاستمع له وهو يقول (?9): "وأشهد أنني ما وجدته أمامي نافذة واسعة من العلم لم اطل منها من قبل ?أنه قد راعني ما وجدته أمامي من معلومات عجبت كيف فاتتني كل هذه السنوات من عمري وانكشف أمامي عالم كان شبه مجهول مني ثم قويت شهيتي لمزيد من المعرفة حول الشيعة مع أن لي فيهم أصدقاء كثيرون ... وتكونت لدي حصيلة من المعرفة جديدة علي أحس أنها كذلك جديدة على الكثيرين غيري من العلماء والمتعلمين وغيرهم".
ويقول: "وتابعت ما صدر ويصدر من زعيم وإمام المذهب الشيعي الاثنى عشري الآن وهو الإمام الخميني من كتب أو خطب وأحاديث فوجدت فيها صورة طبق الأصل مما حوته الكتب القديمة عندهم في المذهب من النظرة السوداء لغيرهم من أهل السنة".
وهناك علماء تفرعوا للرد على الشيعة عندما وجدوا أن القوم قد كشروا عن أنيابهم ونذكر منهم على سبيل المثال العلامة إحسان إلهي ظهير – رحمه الله – الذي دبر الشيعة عملية ?غتياله عندما عجزوا عن الرد عليه حيث أنه على علم واسع جدا بمعتقداتهم لأن لديه رحمه الله ماجستير في الفارسية والعربية والأردية والشريعة. لقد تخصص هذا العملاق في الرد عليهم من كتبهم وانتصر لأهل السنة بكثرة استدلاله بكتب الشيعة فلم يجد الشيعة من حيلة في الرد عليه إلا اغتياله وكتبه وهي:(97/161)
الشيعة والسنة، الشيعة وأهل البيت، والشيعة والقرآن، الشيعة والتشيع فرق وتاريخ، بين الشيعة وأهل السنة وهذا الكتاب الأخير ألفه للرد على الدكتور وافي الذي أقحم نفسه وجاء بعجائب تضحك الثكلى كقوله إن سب الشيخين لا يصدر إلا من عوام الشيعة لا من علمائهم!!
ومنهم العلامة محب الدين الخطيب – رحمه الله تعالى – فقد كشف الاعيبهم في رسالته القيمة "الخطوط العريضة للأسس التي قام عليها دين الشيعة الإمامية الاثنى عشرية".
وقام بتحقيق بعض الكتب المتقدمة التي ألفت في الرد عليهم كمختصر التحفة الاثنى عشرية الذي أصله للشاه عبد العزيز الدهلي واختصره علامة العراق الشيخ محمود شكري الألوسي وحقق كذلك العواصم من القواصم للقاضي أبي بكر العربي، وكذلك مختصر منهاج الاعتدال للحافظ أبي عبد الله الذهبي.
وإذا رجعنا إلى الوراء وجدنا من العلماء المتقدمين من رد عليهم كشيخ الإسلام ابن تيمية في "منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية".
وكذلك شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في" رسالة في الرد على الرافضة".
وكذلك من المعاصرين خالد العسقلاني رد على كتاب (ثم اهتديت للتيجاني) بكتاب أسمه (بل ضللت) وكذلك الشيخ عثمان الخميس رد على التيجاني بكتاب اسمه (كشف الجاني محمد التيجاني) ?كذلك الشيخ ابراهيم الرحيلي بكتاب اسمه (الانتصار للصحب والآل من افتراءات السماوي الضال) والدكتور ناصر القفازي له رسالة دكتوراة باسم (أصول مذهب الشيعة) وأيضاً محمود الزعبي له رد على كتاب المراجعات اسمه (البيانات في الرد على أباطيل المراجعات) وأيضاً عبد الله الناصر رد على كتاب بعد الحسين، وأبو رية الذين طعنا في أبي هريرة في كتاب اسمه (البرهان في تبرئة أبي هريرة من البهتان) وغيرهم كثير.
ولم يؤيد الشيعة إلا جاهل أو مفكر متطفل استدرجه دهاة التقية فاستكتبوه فكان بوقا لهم أو رجل فرشوا منزله بالسجاد التبريزي فكان نعم العون لهم.
المبحث الرابع(97/162)
هدف الشيعة من الدعوة إلى التقريب
لاحظ أخي القارئ ان التقية التي تحث على التحفظ عن إفشاء المذهب وعن افشاء سر أهل البيت هي التي بالغ أئمتهم في شأنها .
وهذه التقية المبالغ فيها هي التي تأمر الشيعة بأن يظهروا عكس ما يبطنون من عقائد وعليه فهذه الحقيقة أقررها أنا هنا وهي ان الشيعي قد يقر ظاهرا بما لا يقر به باطنا وقد ينكر ظاهرا ما يعتقده باطناً وبسبب هذه العقيدة الخبيثة وقع من وقع من أهل السنة وصدق كلام الشيعة بل وأفتى بجواز التعبد بمذهبهم فمن أجل التقية والخداع يكتبون ويقولون ما لا يعتقدون أصلاً.
إن هدف الشيعة من التقريب هو نشر مذهبهم بين أهل السنة وقد نجحوا في العراق حيث تمكنوا من ادخال عدد من القبائل السنية في التشيع فأصبح أولئك عدداً يضاف إلى أعداء الأمة يطعنون فيمن حمل هذا الدين أعني الصحابة رضي الله عنهم ويتربصون بالأمة الدوائر.
يقول أحد الأبطال من إخواننا المصريين والذي انتبه إلى ألاعيب الشيعة وهو الدكتور على أحمد السالوس حفظه الله تعالى في كتابه أثر الإمامة في الفقه الجعفري وأصوله (هامش ?5 – 6? الثانية 1982?) ما نصه: "حاول أحد كتاب الجعفرية إثبات وجوب استمداد أحكام الشريعة من المذهب الجعفري فذكر أن غيره من المذاهب مشكوك في الأخذ به لأن الجعفرية يرون وجوب اتباع مذهبهم وعدم صحة اتباع مذهب غيرهم، وجمهور أهل السنة وفطاحل علمائهم وذوو الرأي والفتوى منهم – كما يقول – يرون جواز التعبد بمذهب الجعفرية فهو المتفق عليه وغيره مشكوك فيه واستدل بفتوى الشيخ شلتوت، ثم أشار الدكتور السالوس إلى أحد كتبهم وهو خلفاء الرسول لاثنا عشر. واختتم الدكتور تعليقه على الكلام الشيعي المذكور بقوله: "فدعوة التقريب التي نراها في مصر تحتاج إلى نظر وإلا كانت دعوة إلى المذهب الجعفري".(97/163)
إنها لعبة مكشوفة وبواسطة دار التقريب بين المذاهب الإسلامية نفذت خدعة ?ذهبية مدروسة بانتزاع فتوى من الشيخ شلتوت – رحمه الله – المخدوع بجواز التعبد بالمذهب الشيعي.
انظر أخي المسلم: كيف استغل الشيعة فتوى الشيخ شلتوت كما نقله لنا الدكتور ?لسالوسي بأن مذهب الشيعة متفق عليه لأن الشيخ شلتوت أفتى بجوازه ومذهب أهل السنة مشكوك فيه.
يتساءل أحد كبار أعضاء دار التقريب بين المذاهب الإسلامية وهو الشيخ عبد اللطيف محمد الشبكي فيما نقله عنه الدكتور ناصر بن عبد الله القفازي في "مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة" (2/175 – 176 ? الأولى 1412هـ) ما نصه: "ورابني، ويجيب او يرتاب معي كل عضو يرى أنها – أي دار التقريب – تتفق عن سخاء دون ان تعرف لها موردا من المال ودون أن يطلب منا دفع اشتراكات تتفق على دار أنيقة بالزمالك في القاهرة أثاث فاخر وفيها أدوات قيمة وتنفق على مجلتها فتكافئ القائمين عليها وتكافئ الكاتبين فيها وتتأنق في طبع أعدادها وتغليف ما يطبع إلى غير ذلك مما يحتاج إلى ورد فياض، فمن اين ذلك؟! وعلى حساب من يا ترى؟!!!".(97/164)
أقول: فلاحظ بارك الله فيك كيف ان القوم يخططون ويعملون من أجل نصرة مذهبهم ونشره بين أهل السنة والجماعة باستغلال من ليس على علم بمعتقداتهم، ولا تظن أن الأمر وقف عند دار التقريب بل تعدى ذلك إلى إنهم في عام 1973? أو 1974 انشأوا جمعية أهل البيت "اتخذت مركزا لها بالقاهرة بالمعادي واستخدمت أساليب متنوعة لنشر عقيدة الشيعة بين أهل السنة فاهتمت بتلقين النشء الصغير هذا الاعتقاد وأنشأت فصولا للتقوية في بعض المواد للمرحلتين الإعدادية والثانوية، وهي تستخدم ذلك وسيلة لتحقيق غرضها في تربية النشء على عقيدة الشيعة كما استعملت وسائل أخرى للدخول إلى قلوب الناس والتأثير فيهم فأنشأت مستوصفا وقامت بإعطاء مساعدات مادية وعينية ?احتلفت بمناسبات الشيعة الدينية وأقامت ندوات تتحدث عن آل البيت ومحنهم كما أصدرت نشرات دورية" () .
والسؤال هنا:
لماذا وقف العلماء موقف المتفرج أمام هذا التبشير المذهبي؟!!
لماذا لا يقول الأزهر كلمته وما أحوج مصر إلى كلمته في هذه المسألة الخطيرة.
ثم إن الشيخ محمد الغزالي – رحمه الله – يعارض إثارة النعرات الطائفية بين الشيعة وأهل السنة، ومصر كلها أهل السنة وجماعة لماذا لا يمنع إدخال التشيع إلى مصر حتى تبقى مصر متحدة بدلا من وجود شيعة مستقبلا مما ينتج عنه تطاحن مذهبي بين الشيعة والسنة إن نجحوا لا قدر الله في إدخال مذهبهم.
لماذا صمت الغزالي وفينا من لا شك في غيرته وحرصه على الإسلام؟!!
وسؤال آخر مهم هو:
هل سيسمح الشيعة المتباكون على الوحدة والتقارب مع أهل السنة أن يقوم أهل السنة بإنشاء مركز لهم بين الشيعة ويقوموا بتلقين النشء الشيعي معتقد أهل السنة في ديارهم؟!!
إنها مهزلة، والساكت عنها خائن لدينه، ساعي في التمكين للباطل في ديار المسلمين .(97/165)
إن عدم الاهتمام بدراسة المذهب الشيعي من أمهات مراجعة والاقتصار في التعرف على هذا المذهب عن طريق الكتب الدعائية المغطاة بغطار التقية والكتمان هو الذي أوقع الشيخ شلتوت في فتواه.
وإلا كيف تجرأ الشيعة على خداع من خدعوه والكذب على من تعامل معهم وفي مسألة التقريب التي هي في الحقيقة مسألة غش وكذب وخداع .
لماذا يدعي الشيعة أن الخلاف بيننا وبينهم في الفروع دون الأصول ?!!
لماذا يقولون إننا لا نكفر أهل السنة ونعدهم مسلمين؟
ألم يقرر كبارهم أن منكر الولاية كافر بلا خوف بينهم؟ ولماذا لم يتعرضوا على هؤلاء؟!
ألم ننقل هذا من قبل من كتبهم المعتمدة؟!!
ألم يجوز الخميني فيما مر ?غتياب غير أبناء جلدته؟!!.
المبحث الخامس
نداء إلى دعاة التقريب والمتعاطفين مع الشيعة
بعد اطلاعكم على ما حواه هذا الكتاب ووقوفكم على موقف الشيعة الحقيقي من السنة .
لذا نناشدكم بحكم تصدركم وعلمكم ووجاهتكم عند الناس أن تتراجعوا عن مواقفكم السابقة من الشيعة والتي كانت كما نظن عن حسن نية للم شمل هذه الأمة.
فمواقفكم السابقة ستستغل للتمويه على الكثير من عوام أهل السنة الذين يضعون ثقتهم فيكم.
ولنحذر جميعا من الكتب الدعائية للشيعة التي تظهر ما لا يبطنه مذهب الشيعة الحقيقي.
حاولوا الإتصال بإخوانكم أهل السنة الذين يعيشون وسط أغلبية شيعية وسجلوا تقارير ميدانية عن وضعهم تحفظ للأجيال.(97/166)
أذهبوا إلى أندونيسيا وسنغافورة ونيجيريا وأوغندا والمخيمات الفلسطينية في لبنان، ? ... وقفوا بأنفسكم على نشاط الشيعة في هذه الأماكن التي يتواجدون فيها. هل يدعون إلى الوحدة والتقارب. أم ينشرون التشيع بين هؤلاء واي تشيع؟ إن القوم ماضون بموجب مخطط مدروس ومنظم في نشر المذهب الشيعي الاثنى عشري بين عوام أهل السنة فبدلا من أن تقدموا أنتم بإنقاذ إخوانكم والوقوف أمام هذا النشاط التبشيري المذهبي الشيعي الرهيب، نجدكم على العكس. فليتكم وقفتم موقف المتفرج بدلا من تأييد الشيعة.
وهل تعلمون أن الشيعة يقومون باستقدام الكثيرين من أبناء أهل السنة الذين لا علم لهم في الدين ويرسلونهم إلى جامعات شيعية متخصصة في تغيير مذهبهم وإراجعهم إلى بلادهم دعاة للتشيع؟
هل تعلمون هذا؟
وهل ترضون هذا؟
أهذا هو التقريب بين المذاهب الإسلامية؟
أم إنه بتعبير صحيح تحويل عوام أهل السنة إلى شيعة؟
ما هذا الكرم ولإيثار الذي دفع الشيعة إلى إنشاء مستوصف وإعطاء دروس تقوية للنشء من أهل السنة في القاهرة بمصر؟
أثنى شيخ الشيعة ومحدثهم الحاج ميرزا حسين النوري الطبرسي في مستدرك الوسائل (2/400 طبع دار الكتب الإسلامية طهران) على أحد علمائهم هو السيد مهدي الحسيني القزويني قائلاً: "ومنها إنه بعدما هاجر إلى الحلة(1) واستقر فيها وشرع في هداية الناس وأيضاح الحق وإبطال الباطل صار ببركة دعوته من داخل الحلة وأطرافها من طوائف الأعراب مائة ألف نفس شيعياً مخلصا مواليا لأولياء الله ومعاديا لأعداء الله".
ونقل هذا عنه محدثهم عباس القمي في الكنى والألقاب (3/50 انتشارات بيدار قم إيران).(97/167)
ومن أجل هذا الغرض الذي جاء به مهدي القزويني إلى الحلة وحول هذه الطوائف إلى شيعة وهم في الأصل على مذهب أهل السنة والجماعة جاء طالب الرفاعي الشيعي إلى مصر وأسسوا جمعية أهل البيت فهل سيتخاذل أهل السنة كما تخاذلوا أمام انقضاض مهدي القزويني على الحلة وأطرافها من العراق فيحقق الرفاعي وعصابته ما حققه القزويني في العراق حوالي سنة 1830? ؟!!
الخاتمة
ولنختتم كتابنا بدعوة المسلمين عامة والعلماء خاصة إلى الاهتمام بموضوع الشيعة، وعدم الوقوف موقف المتفرج حيال هذه القضية الخطيرة فالقوم ماضون في نشر دعوتهم وترويجها بين العوام مستغلين الظروف السيئة التي يعيشها كثير مني المسلمين.
إن التقريب بين السنة والشيعة مستحيل إذ كيف يمكن الجمع بين الحق والباطل والكفر والإيمان والنور والظلام فما دعوة الشيعة التي ينادون بها إلا من باب التخدير والتغطية لمخططاتهم الخبيثة هذا والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.(97/168)
حديث الثقلين وفقهه
الدكتور علي السالوس
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدا طيبا طاهرا مباركا فيه . نحمده سبحانه وتعالى ونستعينه ونستهديه . ونصلي ونسلم على رسوله المصطفى المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ، ومن اهتدى بهديه، واتبع سنته إلى يوم الدين .
أما بعد:
فلعل البشرية في تاريخها لم تعرف علما نقل بالضبط الذي نقل به حديث رسول الله .
وإذا كان ربنا عز وجل قد تكفل بحفظ القرآن الكريم :(( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )) (سورة الحجر الآية 9) فمن تمام حفظ الكتاب العزيز حفظ السنة المطهرة ، ولهذا هيأ لها من المسلمين من حفظها ووعها، أداها كما سمعها .
ومرت السنة بمراحل قبل عصر التدوين ، ثم حاول أناس أن يلبسوا الحق بالباطل، وأن يفتروا على رسول الله ، وأخطأ آخرون في النقل، فكان للأئمة الأعلام دورهم الذي قاموا به. قال الإمام مسلم رحمه الله - في كتاب التمييز(ص 171)، وهو كتابه في العلل :
" واعلم، رحمك الله ، أن صناعة الحديث، ومعرفة أسبابه من الصحيح والسقيم، إنما هي لأهل الحديث خاصة، لأنهم الحفاظ لروايات الناس العارفين دون غيرهم . إذ الأصل الذي يعتمدون لأديانهم السنن والآثار المنقولة، من عصر إلى عصر من لدن النبي إلى عصرنا هذا، فلا سبيل لمن نابذهم من الناس، وخالفهم في المذهب، إلى معرفة الحديث ومعرفة الرجال من علماء الأمصار فيما مضى من الأمصار، من نقال الأخبار وحمال الآثار.
وأهل الحديث هم الذين يعرفونهم ويميزونهم حتى ينزلوهم منازلهم في التعديل والتجريح . وإنما اقتصصنا هذا الكلام، لكي ننبه من جهل مذهب أهل الحديث ممن يريد التعلم والتنبه . على تثبيت الرجال وتضعيفهم، فيعرف ما الشواهد عندهم، والدلائل التي بها ثبتوا الناقل للخبر من نقله ،أو سقطوا من أسقطوا منهم ، والكلام في تفسير ذلك يكثر ". أ. ه.(98/1)
وهذا كلام مشرق، ما أحوجنا إلى تدبره في عصر أصبحت السنة المطهرة حديث كل من هب ودب ! حتى وإن كان مستشرقا صليبيا أو يهوديا ، أو تلميذا غذي بسمومهم ، أو حاقدا أثيما، أو جاهلا متطفلا.
وأقدم هنا نموذجا لدراسة حديث ، وستبين هذه الدراسة سقطات الجاهلين ، واختلافات العالمين .
والحديث اختلفت أسانيده ، وتنوعت متونه . وصدر في القاهرة مؤخرا كتاب عنوانه "حديث الثقلين "، ذكر مؤلف الكتاب أنه ينقل الأخبار الصحيحة الموقوفة المنسوبة إلى أصحابها ورواتها. ونشرت الكتاب جهة علمية أيدت قول المؤلف .
نظرت في الكتاب فوجدته يشير إلى الرواة والأسانيد، ويجمع بين أجزاء المتون المختلفة، ويخلط بينهما، فلا ينسب كل متن إلى إسناده، ولا يذكر من خرجه .
وخلط المتون والأسانيد يجعلنا لا نميز إسناد كل متن، ولا نعرف من خرج كل رواية. وأظن أن هذا المنهج الذي سلكه المؤلف ليس بالمنهج العلمي الصحيح، فيمكن أن يخلط الصحيح بالضعيف والموضوع . وأن يمزج بين الحق والباطل .
لذا رأيت أن أتتبع روايات هذا الحديث الشريف في كتب السنة قدر الاستطاعة، وأجمع كل الروايات، وأجعل كل متن مع إسناده، ذاكرا من أخرجه، ثم أنظر فيما جمعت رواية وفقها، مستعينا بالله عز وجل .
الفصل الأوّل
الروايات من كتب السنة
أولا - الموطأ :
لا نجد في موطأ الإمام مالك ذكرا للثقلين، وإنما يروى عن الرسول- -أنه قال: " تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيه ". ( انظر كتاب النهي عن القول بالقدر) .
وهذا ا الحديث الشريف غير متصل الإسناد، إلا أن عبد ابن عبد البر وصله من حديث كثير بن عبد بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده . ( انظر تنوير الحوالك 2/308) .
وقال ابن عبد البر كذلك: مرسلات مالك كلها صحيحة مسندة (1/38) .(98/2)
وقال جلال الدين السيوطي: ما من مرسل في الموطأ إلا وله عاضد أو عواضد. فالصواب إطلاق أن الموطأ صحيح لا يستثنى منه شيء " . ( المرجع نفسه 1/6 ) .
ثانيا: ذكر الكتاب والسنة في غير الموطأ:
عندما ننظر في كتاب مفتاح كنوز السنة تجد في باب الميم فيما ذكره عن محمد- - الإشارة إلى عشرة مراجع من مراجعه الأربعة عشر ذكرت الوصية بالكتاب والسنة .
وبالرجوع إلى هذه الكتب نجد في غير الموطأ ما جاء في سيرة محمد بن إسحاق التي جمعها ابن هشام ، خطبة الرسول- - في حجة الوداع (4/603)، ومما جاء في الخطبة قول الرسول - : " وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا، أمرا بينا: كتاب الله وسنة نبيه) " .
وفي صحيح البخاري نجد " كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة " ومما جاء فيه : " وكانت الأئمة بعد الني - - يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها ، فإذا وضح الكتاب أو السنة لم يتعدوه إلى غيره ، اقتداء بالني - " .
ونجد في بعض هذه المراجع العشرة الوصية بكتاب الله تعالى دون ذكر السنة، من ذلك ما جاء في سنن الدارمي .
حدثنا محمد بن يوسف، عن مالك بن مغول، عن طلحة بن مصرف اليامي، قال: "سألت عبد الله بن أبا أوفى : أوصي رسول الله - ؟ قال: لا ، قلت : فكيف كتب على الناس الوصية، أو أمروا بالوصية ؟ فقال : أوصى بكتاب الله ". ( أنظر كتاب الوصايا. باب من لم يوص ج 2 ص 390 - 291 ).
وفي سنن النسائي رواية أخرى لهذا الحديث . وقال السيوطي في شرحه: " أوصى بكتاب الله أي بدينه، أو به وبنحوه ليثمل السنة". ( أنظر كتاب الوصايا - باب هل أوصى النبي ؟ ج6 ص240).
وفي غير المراجع العشرة نجد مثلا في كتاب الزهد لعبد الله بن المبارك " باب في لزوم السنة " ويحتوي على ثمانية أخبار.(98/3)
وفي المسند لأبي بكر عبد الله بن الزبير الحميدي حدث المصنف قال : ثنا سفيان قال : ثنا مالك بن مغول عن طلحة بن مصرف قال : سألت عبد الله بن أبي أوفى : " هل أوصى رسول ؟ فقال : لم يترك رسول الله – – شيئا يوصي فيه . قلت : وكيف أمر الناس بالوصية ولم يوص؟ قال : أوصى بكتاب الله " (أنظر المجلد الثاني - حديث رقم 722) .
وفى فبض القدير شرح الجامع الصغير، بجد رواية عن أبى هريرة قال: حطب النبي -- في حجة الوداع فقال :" تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض " . .
ومما قله المناوي في شرحه :
إنهما الأصلان اللذان لا عدول عنهما، ولا هدى إلا منهما، والعصمة والنجاة لمن تمسك بهما، واعتصم بحبلهما . الفرقان الواضح ، والبرهان اللائح بين المحق إذا اقتفاهما ، والمبطل إذا خلاهما، فوجوب الرجوع إلى الكتاب والسنة متعين معلوم من الدين بالضرورة.
( راجع الجزء الثالث ص 240 - 241 ، حديث رقم 3282 وشرحه، وانظر صحيح الجامع الصغير ناصر الدين ا!لباني ج . حديث رقم 2934 ) .
ولسنا في حاجة إلى أن نطيل الوقوف هنا، فلا خلف بين المسلمين في وجوب التمسك والاعتصام بالقرآن الكريم . والسنة النبوية المطهرة .
والخلاف حول شيء من السنة مرده إلى الخلاف حول الثبوت أو الدلالة ، أما ما ثبت عن الرسول ، وكان واضح الدلالة، فلا خلاف حول الأخذ به ووجوب اتباعه، فقد نطق بهذا الكتاب المجيد في مثل قوله تعالى:خيرا كثيرا، رأيت رسول الله - ، وسمعت حديثه، وغزوت معه، وصليت خلفه، لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا، حدثنا يا زيد ما
سمعت من رسول الله - - قال يا بن أخي: والله لقد كبرت سني، وقدم عهدي، ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله-
- فما حدثتكم فاقبلوا، وما لا فلا تكلفونيه، ثم قال: قام رسول الله - - يوما فينا خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة،(98/4)
فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكر، ثم قال: " أما بعد: ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك
فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا كتاب الله واستمسكوا به ، فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: وأهل
بيتي أذكركم الله في أهل بيت ، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي " فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد ؟ أليس نساؤه من أهل بيته ؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده، قال: ومن هم؟ قال: هم آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس. قال: كل هؤلاء حرم الصدقة ؟ قال: نعم.
(2) وحدثنا محمد بن بكار بن الريان، حدثنا حسنا يعني ابن إبراهيم عن سعيد بن مسروق، عن يزيد بن حيان، عن زيد بن أرقم،
عن النبي - - وساق الحديث بنحوه بمعنى الحديث زهير .
(3) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا محمد بن فضيل ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا جرير، كلاهما عن أبي حيان، بهذا
الإسناد نحو حديث إسماعيل، وزاد في حديث جرير: كتاب الله فيه الهدى والنور من استمسك به وأخذ به كان على الهدى ومن
أخطأه ضل .
(4) حدثنا محمد بن بكار بن الريان، حدثنا حسان "يعني ابن إبراهيم"، عن سعيد " وهو ابن مسروق" عن يزيد بهن أرقم قال: دخلنا عليه فقلنا له : لقد رأيت خيرا لقد صاحبت رسون الله – - - وصليت حلفه .. وساق الحديث بنحو حديث أبي حيان غير أنه قال: " ألا وإني تارك فيكم ثقلين، أحدهما كتاب الله عزوجل، هو حبل الله من اتبعه كان على هدى ومن تركه كان على ضلالة، وفيه: فقلنا : من أهل بيته ؟ نساؤه ؟ قال لا وأيم الله إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها، أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدفة بعده.
رابعا: مسند الإمام أحمد وروايته عن زيد بن أرقم : -(98/5)
ذكر الإمام أحمد في مسنده سبع، روايات لحديث الثقلين إحداها عن زيد بن أقم، وهي تنفق مع ما رواه الإمام مسلم، وأربع روايات عن أبي سعيد الخدري، وروايات عن زيد بن تابت، والروايات الست تختلف عما رواه أحمد ومسلم عن زيد بن أرقم، لذلك نرجيء ذكرها وما يتعلق بها إلى تنتهي من الرواية الأولى، وهي كما جاءت في المسند (4/ 366 - 367) .
" حدثنا عبد الله ، حدثني أبي: ثنا إسماعيل بن إبراهيم عن أبي حبان التميمي ، حدثني يزيد بن حيان التميمي ، قال : انطلقنا أنا وحصين بن سبرة ، وعمر بن مسلم، إلى زيد بن أرقم ، فلما جلسنا إليه قال حصبن : لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا ، رأيت رسول الله - - وسمعت حديثه، وغزوت معه، وصليت معه، لقد رأيت يا زيد خيرا كثيرا ، حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله -- فقال: يا ابن أخي والله لقد كبرت سني، وقدم عهدي، ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله -- فما حدثتكم فاقبلوه وما لا فلا تكلفونيه. ثم قال : قام رسول الله - - يوما خطيبا فينا بماء يدعى خما، ثم قال:" أما بعد: ألا يأيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي عز وجل فأجيب ، وإني تارك فيم ثقلين : أولهما كتاب الله عز وجل فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله تعالى واستمسكوا به ، فحث على كتاب الله . ورغب فيه ، وقال : وأهل بيتي : أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي". فقال له حصين : ومن أهل بيته يا زبد ؟ أليس نساؤه من أهل بيته ؟ قال : إن نساءه من أهل بينه " ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده قال: ومن هم ؟ فال: هم آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس، قال : أكل هؤلاء حرم الصدقة ؟ قال : نعم " .(98/6)
هذه روايات حديث الثقلين التي رواها الإمام مسلم وأحمد عن زيد ابن أرقم، وهي تدل على وجوب الاعتصام بكتاب الله تعالى، والقرآن الكريم أمرنا بالأخذ بسنة رسول الله . فهذه الروايات إذاً تتفق مع الروايات التي تدعونا إلى التمسك بالكتاب والسنة .
كما أن هذه الروايات تحثنا معشر المسلمين على أن نرعى حقوق أهل بيت الرسول -- فنحبهم ونوقرهم وننزلهم منازلهم فحبنا لرسولنا - يدفعنا لحبنا لآله الأطهار، وعلينا أن نصلهم ، ورحم الله أبا بكر الصديق حيث قال : "والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله -- أحب إليّ أن أصل من قرابتي " . وقال:" ارغبوا محمدا -- في أهل بيته " ( أخرجهما البخاري وغيره ) .
والمراد بأهل البيت أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهن، وأقارب الرسول - - الذين حرموا الصدقة بعده –رضي الله تعالى عنهم جميعا .
والمعنى يشمل الجميع، ولا يقتصر على أحد دون أحد، ولذلك عندما جاء السؤال: " من أهل بيته ؟ نساؤه ؟ كان الجواب:" لا وأيم الله "، وعندما جاء السؤال بمن التبعيضية " أليس نساؤه من أهل بيته؟" كان الجواب مؤكدا أنهن من أهل البيت " إن نساءه من أهل بيته " .
ورأى قوم أن أمهات المؤمنين لسن من أهل البيت ! وأن المراد من أهل البيت ينحصر في أفراد معدودين معلومين ! فالمعنى كذلك لا يمتد ليشمل باقي الأقارب الذين أشارت إليهم هذه الروايات!.
وذكر هؤلاء القوم ما رأوا أنه يؤيد ما يذهبون إليه ، وقد ناقشتهم ، وأثبت عدم صحة قولهم ، وبينت هذا بالتفصيل في كتيب" آية التطهير بين أمهات المؤمنين وأهل الكساء " ، فليرجع أليه من شاء . . .
خامسا: باقي روايات الثقلين في المسند وغيره : -
بالبحث في كتب السنة نجد روايتين في سنن الترمذي تتفقان مع روايات مسند الإمام أحمد الستة التي أشرنا إليها من قبل . ونذكر هنا الروايات الثمانية، ثم نتحدث عنها .
روايات المسند هي :(98/7)
1 – حدثنا عبد الله، حدثني أبي، حدثنا أسود بن عامر، أخبرنا إسرائيل، يعني إسماعيل بن أبي إسحاق الملائي، عن عطية، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله - : " إني تارك فيم الثقلين ، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض " (3/14) .
2- حدثنا عبد الله : حدثني أبي، حدثنا أبو النضر، حدثنا محمد يعني ابن طلحة، عن الأعمش، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري ،عن النبي -- ، قال: " إني أوشك أن أدعى فأجيب ، و إني تارك فيم الثقلين ، كتاب الله عز وجل ، وعترتي . كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي ، وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض ، فانظروني بم تخلفوني فيهما ؟ " . (3/17).
3- حدثنا عبد الله ، حدثني أبي، ثنا ابن نمير، ثنا عبد الملك يعني ابن أبي سليمان ، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله -: " إني قد تركت فيم الثقلين ، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله عز وجل حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ألا إنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض". (3 / 26 ) .
lass=MsoBodyTextIndent dir=RTL style='margin-right:.05pt;text-indent:-.05pt'>
2 - حدثنا علي بن المنذر كوفي، حدثنا محمد بن فضيل، قال : حدثنا الأعمش، عن عطية، عن أبي سعيد، والأعمش عن حبيب بن أبي ثابت ، عن زيد بن أرقم رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله --: " إني تارك فيم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتى يردا على الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما "(حسن غريب ).
سادسا : مناقشة الروايات :
هذه هي بقية روايات حديث الثقلين، وبالنظر فيها نجد ما يأتي:(98/8)
1 - عن أبي سعيد الخدري خس روايات " الأربع الأولى من المسند
(1) انظر مناقب أهل بيت النبي - - في أبواب المناقب من سننه .
والثانية من سنن الترمذي، وهذه الروايات كلها يرويها عطية عن أبي سعيد، وعطية هو عطية بن سعد بن جنادة العوفي، والإمام أحمد نفسه - صاحب المسند - تحدث عن عطية وعن روايته عن أبي سعيد ففال بأنه ضعيف الحديث، وأن الثوري وهشيما كانا يضعان حديثه، وقال : بلغني أن عطية كان يأتي الكلبي فيأخذ عنه التفسير، وكان يكنيه بأبي سعيد فيقول : قال أبو سعيد، فيوهم أنه الخدري .
وقال أبو حبان : سمع عطية من أبي سعيد الخدري أحاديث ، فلما مات جعل يجالس الكلبي ، فإذا قال الكلبي: قال رسول الله -- كذا، فيحفظه، وكناه أبا سعيد، وروى عنه ، فإذا قيل له : من حدثك بهذا ؟ فيقول : حدثني أبو سعيد، فيتوهمون أنه يريد أبا سعيد الخدري،وإنما أراد الكلبي، قال: لا يحل كتب حديثه إلا على التعجب.
وقال البخاري في حديث رواه عطية: أحاديث الكوفيين هذه مناكير، وقال أيضا: كان هشيم يتكلم فيه . ولقد ضعفه النسائي أيضا في الضعفاء ، وكذلك أبو حاتم، ومع هذا كله وثقه ابن سعد فقال : " كان ثقة إن شاء الله، وله أحاديث صالحة، ومن الناس من لا يحتج به" . وسئل يحيى بن معين : كيف حديث عطية ؟ قال: صالح (2).
وما ذكره أبن سعد وابن معين لا يثبت أمام ما ذكر من قبل . وقد يقال هنا إذا كان الإمام أحمد يرى ضعف حديث عطية فلماذا روى عنه ؟ والجواب أن الإمام أحمد إنما روى في مسنده ما اشتهر ولم يقصد الصحيح ولا السقيم، ويدل على ذلك أن ابنه عبد الله قال:
(2) انظر ترجمة في تهذيب التهذيب ، وميزان الاعتدال ,(98/9)
قلت لأبي: ما تقول في حديث ربعي بن خراش عن حذيفة ؟ قال : الذي يرويه عبد العزيز بن أبي رواد ؟ قلت: نعم ، قال الأحاديث بخلافه، قلت: ففد ذكرته في المسند ؟ قال: فصدت في المسند المشهور، فلو أردت أن أقصد ما صح عندي لم أرو من هذا المسند إلا الشيء لعد الشيء اليسير، وقد طعن الإمام أحمد في أحاديث كثيرة في المسند، ورد كثيرا مما روى، ولم يقل به، ولم يجعله مذهبا له (3) .
وعندما عد ابن الجوزي من الأحاديث الموضوعة أحاديث أخرجها الإمام أحمد في مسنده، وثار عليه من ثار، ألف ابن حجر العسقلاني كتابه " القول المسدد في الذب عن المسند " ، فذكر الأحاديث التي أوردها ابن الجوزي، ثم أجاب عنها، ومما قال: "الأحاديث التي ذكرها ليس فيها شيء من أحاديث الأحكام في الحلال والحرام، والتساهل في إيرادها مع ترك البيان بحالها شائع. وقد ثبت عن الإمام أحمد وغيره من الأئمة أنهم قالوا : إذا روينا الحلال والحرام شددنا، وإذا روينا في الفضائل ونحوها تساهلنا. وهكذا حال هذه الأحاديث (4) .
وما ذكره ابن حجر ينطبق على الأحاديث المروية في فضائل أهل البيت والتمسك بالعترة .
2-الرواية الثانية للترمذي رواها عن علي بن الكوفي .عن محمد بن فضيل، ثم أنقسم السند إلى طريقين: انتهى الأول إلى عطية عن أبي سعيد ، والثاني إلى زيد بن أرقم ، ولا يظهر هنا أي السندين هو الأصل . وإذا نظرنا في الروايات الأربع السابقة التي رواها عطية عن أبي سعيد نجد توافقا تاما في المعنى، وفي كثير
(3) انظر المسند شاكر- طلائع الكتاب 1/75 .
(4) ص11 من القول المسدد .(98/10)
من اللفظ بينهما وبين هذه الرواية .مما يرجح أن هذا الطريق هو الأصل، وهو المذكور أولا في الإسناد. ومن قبل ذكرت ما رواه الإمامان أحمد ومسلم عن زيد بن أرقم بطرق متعددة .وفي تلك الروايات ذكر قوله : وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به "، فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال : " وأهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي".
وهذا يتفق بعض الشيء مع رواية الترمذي لكن بينهما اختلاف كبير يستوجب عدم الجمع. مما يجعلنا نطمئن إلى ضم رواية الترمذي إلى الروايات الأربع التي رواها عطية عن أبي سعيد . واستبعادها عن روايات زيد بن أرقم إلا في موضع الاتفاق .
والذي جمع بين الطريقين في هذا الإسناد علي بن المنذر الكوفي، أو محمد بن فضيل . ولكن الثاني روى عنه مسلم في إحدى رواياته لسابقة عن زيد بن أرقم، فيستبعد الجمع عن طريقه. فلم ببق إلا علي بن المنذر، وهو من شيعة الكوفة، قال أبي حاتم : سمعت منه مع أبي، وهو صدوق ثقة. سئل عمه أبي ففال : محله الصدق ، قال النسائي : شيعي محض ثقة . وذكره ابن ص حبان في الثقات. وقال ابن نمير: هو ثقة صدوق. وقال الدارقطني: لا بأس به، وكذا قال مسلمة بن قاسم. وزاد: كان يشيع .
وقال الإسماعيلي : في القلب منه شيء لست أخبره . وقال ابن ماجة: سمعته يقول: حججنا ثمانيا وخمسين حجة أكثرها راجلا(5) . وما سمعه منه ابن ماجة يجعلنا نردد كثيرا في الاحتجاج بقوله : فكيف يقطع آلاف الأميال للحج ثمانيا وخمسين مرة أكثرها راجلا؟ ليس من المستبعد إذاً أن يجمع راو شيعي كهذا بين روايتين في مناقب أهل البيت لا تتفقان في شيء. وتختلفان في شيء آخر.
(5) انظر ترجمته في تهذيب التهذيب .
وهكذا يجعلنا نزداد اطمئنانا إلى ما انتهينا إليه من جعل هذه الرواية مع الروايات الأخرى لعطية عن أبا سعيد. وفصلها عن روايات زيد بن أرقم .(98/11)
على أن هذه الرواية فيها ضعف آخر. وهو الانقطاع في موضعين، فالأعمش وحبيب بن أبي ثابت مدلسان . وهما يرويان بالعنعنة. فلم يثبت سماع كل منهما هنا .
والأعمش وحبيب من الثقات. وثبت سماع الأعمش من حبيب، وسماع حبيب س زيد بن أرقم، إلا أن في هذه الرواية لم بثبت السماع ، والأعمش فيه تشيع وهو كوفي، وحبيب كوفي أيضا ، وفي بيئة الكوفة يمكن أن تشيع مثل هذه الأحاديث دون دقة أو تمحيص .
وحبيب نفسه قال لابن جعفر النحاس : إذا حدثني رجل عنك بحديث، ثم حدثت به عنك كنت صادقا (6) .
='font-size:12.0pt; font-family:"Simplified Arabic"'>
وفي المستدرك روى الحاكم (7) هذا الحديث بما يفيد سماع
(6) الأعمش هو سليمان بن مهران الأصدق الكاهلي. مولاهم أبو محمد الكوفي. انظر ترجمته وترجمه حبيب في تهذيب التهذيب، وميزان الاعتدال .
(7) هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله الضبي النيسابوري. ولد سنة 331 ه. وجاوز الثمانين حيث توفى سنة 405ه. قال عنه ابن حجر في لسان الميزان: إمام صدوق ولكنه يصحح في مستدركه أحاديث ساقطة فيكثر من ذلك، فما أدري هل خفيت عليه ؟ فما هو ممن جهل ذلك. وإن علم فهو خيانة عظيمة .
ثم هو شيعي مشهور بذلك من غير تعرض للشيخين. والحاكم أجل قدرا وأعظم خطرا وأكبر ذكرا من أن يذكر في الضعفاء، لكن قيل في الاعتذار عنه أنه عند تضعيفه للمستدرك كان كما في أواخر عمره. وذكر بعضهم أنه حصل له تغير وغفلة في آخر عمره ويدل على ذلك أنه ذكر جماعة في كتاب =
الأعمش من حبيب، وهذا يحتاج إلى مراجعة الإسناد الذي ذكره، وما أكثر رجاله. غير إننا مضطرين إلى بذل هذا الجهد، فإن ثبت سماع الأعمش بقي أكثر من موطن ضعف . والحاكم ذكر الحديث بروايتين: إحداهما في إسنادها الإمام أحمد بن حنبل، وسيأتي أنه هو نفسه ضعف الحديث كما ذكره ابن تيمية. والأخرى بين الذهبي وهي إسنادها (8) .(98/12)
3- القاسم بن حسان العامري الكوفي روى الروايتين الخامسة والسادسة من المسند عن زيد بن ثابت، ورجح المرحوم الشيخ أحمد شاكر توثيقه وقال: " وثقه أحمد بن صالح،وذكره ابن حيان في ثقات التابعين. وذك البخاري في الكبير اسمه فقط، ولم يذكر عنه شيئا، وترجمه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل فلم يذكر فيه جراحا، ثم نقل عن المنذري أن البخاري قال : " القاسم بن حسان سمع من زيد بن ثابت، وعن عمه عبد الرحمن بن حرملة، وروى عنه الركين بن الربيع، لم يصح حديثه في الكوفيين".
ثم عقب شاكر على هذا بقوله: " والذي نقله المنذري عن البخاري في شأن القاسم بن حسان لا أدري من أين جاء به فإنه لم يذكر في التاريخ الكبير إلا اسمه فقط كما قلنا، ثم لم يترجمه في الصغير، ولم يذكره في الضعفاء ، وأخشى أن يكون المنذري وهم
= الضعفاء له، وقطع بترك الرواية عنهم، ومنع من الاحتجاج بهم، ثم أخرج أحاديث بعضهم في مستدركه وصححها .
(8) انظر المستدرك 3/109-110 .
وهذا الحديث من الأحاديث التي أنكرها عليه أصحاب الحديث ، و لم يلتفتوا إلى تصحيحه .
( راجع ترجمته بشيء من التفصيل في التذكرة التي كتبت في صدر كتابه معرفة علوم الحديث للدكتور السيد معظم حسين ) .
فأخطأ، فنقل كلام ابن أبي حاتم بمعناه منسوبا للبخاري، وأنا أظن أن قول البخاري في عبد الرحمن من حرملة " لا يصح حديثه " إنما مرده إلى أنه لم يعرف شيئا عن القاسم بن حسان ، فلم يصح عنده لذلك حديث عمه عبد الرحمن (9) .
وفي توثيق القاسم بن حسان نظر، فأين حسان ذكره أيضا في اتباع التابعين ومقتضاه أنه لم يسمع من زيد بن ثابت، وقال ابن القطان: لا يعرف حاله (10) .(98/13)
والبخاري ذكر اسمه فقط في التاريخ الكبير، وليس في هذا توثيق ولا تضعيف، وفي الجرح والتعديل حقيقة لم يذكر فيه جرحا، ولكن لم يذكر فيه كذلك تعديلا. وإذا كان الظن بأن البخاري ضعف عبد الرحمن من حرملة من أجل القاسم، فمن باب أولى أن يدخل القاسم في الضعفاء، ويبقى هنا الإشكال وهو أن البخاري لم يذكره في الضعفاء، ولم يذكر فيه جرحا في كتبه الأخرى المذكورة، فمن أين جاء المنذري بما نقله عنه البخاري ؟
لعل المرحوم الشيخ شاكر كان يتردد فيما كتب ول عرف أن البخاري له كتاب آخر كبير الضعفاء يعق في تسعة أجزاء، وهو مخطوط، ولا يوجد منه نسخ في مصر، فلم لا يكون المنذري نقل منه ؟ (11) وفاته كذلك أن يقرأ ترجمة القاسم في ميزان الاعتدال، فقد نقل الذهبي عن البخاري أن القاسم بن حسان حديثه منكر ولا يعرف(12)، وهذا قول لا يحتمل الوهم. فلا شك أن المنذري والذهبي
(9) انظر المسند ج 5 التعليق على الرواية3605، وهذه غير روايات العترة
(10) انظر ترجمته في تهذيب التهذيب .
(11) في الحديث عن أحد الرواة قال العلامة المرحوم أحمد شاكر " نقل الحافظ في التهذيب أن البخاري ذكره في الضعفاء، ولم أجده فيه " . وهذا يؤيد أنه لم يسمع بكتاب الضعفاء الكبير للبخاري- انظر قوله في الحديث عن الرواية رقم 646 بالجزء الثاني من المسند .
(12) يطلق البخاري " منكر الحديث" على من لا تحل الرواية عنه، أما عند غيره فمنكر الحديث في درجة ضعيف الحديث – انظر: قواعد في علوم الحديث للتهانوي ص 258، وانظر كذلك تدريب الراوي 1/349 ، وميزان الاعتدال 1/6 .
قد رجعا لما لم يتيسر لنا الرجوع إليه، وأغلب الظن – إن لم يكن من المؤكد-أنهما نقلا عن كتاب الضعفاء الكبير للبخاري .(98/14)
4- لم يبق إذاً إلا الرواية الأولى للترمذي ، وفي سندها زيد بن الحسن الأنماطي الكوفي، الذي روى عن الإمام الصادق عن أبيه عن جابر بن عبد الله ، قال أبو حاتم عن زيد هذا: كوفي قدم بغداد، منكر الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات (13) .
وخطبة الرسول - - في خطبة الوداع رواها مسلم بسند صحيح عن الإمام الصادق عن أبيه عن جابر، وليس فيها " وعترتي أهل بيتي(14) " وهذه الخطبة رويت عن جابر بطرق متعددة في مختلف كتب السنة، وليس فيها جميعا ذكر لهذه الزيادة (15) .
سابعا: الاختلاف حول الحديث : -
رأينا فيما سبق ما رواه الإمام لط مسلم وأحمد عن زيد بن أرقم(16) وهذا لا خلاف حول صحته .
ورأينا الروايات الأخرى لهذا الحديث، وظهر ما بها من ضعف. وهنا ملحظ هام وهو أن الضعف أساسا جاء من موطن واحد وهو الكوفة. وهذا يذكرنا بقول الإمام البخاري في حديث رواه عطية: أحاديث الكوفيين هذه مناكير.
ومن هنا ندرك لماذا اعتبر ابن الجوزي هذا الحديث من الأحاديث الموضوعة، إن كانت الروايات في جملتها كما يبدو لنا لا تجعل الحديث ينزل إلى درجة الموضوع .
(13) انظر ترجمته في تهذيب التهذيب، وميزان الاعتدال.
(14) راجع صحيح مسلم - كتاب الحج – باب حجة النبي - .
(15) انظر حجة النبي- - كما رواها جابر ين عبد الله ص 40-41 .
(16) راجع الروايات في " ثالثا: الصحيحان " ، و " رابعا: مسند الإمام أحمد وروايته عن زيد بن أرقم " .
وفي فيض القدير شرح الجامع الصغير ذكر الحديث من مسند الإمام أحمد، ومعجم الطبراني رواية عن زبد بن ثابت، وصحح الحديث السيوطي والمناوي، وقال المناوي: " قال الهيثمي : رجاله موثقون، ورواه أيضا أبو يعلى بسند لا بأس به . والحافظ عبد العزيز بن الأخضر وزاد أنه قال: في حجة الوداع ووهم من زعم وضعه كابن الجوزي. قال السمهودي : وفي الباب ما يزيد على عشرين من الصحابة ". أ.ه .(98/15)
وتحدثنا من قبل عما رواد الإمام أحمد عن زيد بن ثابت، وبينا ضعف الإسناد، وبالنظر فيما رواه الطبراني نجد موطن الضعف نفسه . فهو من رواية القاسم بن حسان، فقول الهيثمي يعني توثيق القاسم .
وما ذكره عن حجة الوداع هنا بيناه من قبل . فالتصحيح إذاً غير مقبول، غير أننا فد نوافق على عدم ، جعل الحديث من الموضوعات، ومع هذا فابن الجوزي قد يكون له ما يؤيد رأيه، فليس من المستبعد أن يكون الحديث كوفي النشأة، وأن يكون مصنوعا في دار الضرب التي أشار إليها الإمام مالك. ومن هنا يمكن أن ينسب إلى عشرين س الصحابة - رضي الله عنهم، بل إلى سبعين . غير أنه لم يصح عن صحابي واحد، ولو صح عن صحابي واحد لكفى إلا أن يكون ممن لا يستحق شرف الصحبة .
والعل من المهم هنا أن نذكر أن الإمام أحمد بن حنبل، وهو ممن أخرج الحديث، ذكر أنه ضعيف لا يصح، فهو إذاً غير صحيح المسبة إلى أي من الصحابة الكرام .
والشيخ الإسلام ابن تيمية رفض هذا الحديث وقال: " وقد سئل عنه أحمد بن حنبل فضعفه، وضعفه غير واحد من أهل العلم وقالوا: لا يصح " (17) .
وفي عصرنا وجدنا العلامة المحقق الشيخ ناصر الدين الألباني - حفظه الله - يذهب إلى تصحيح رواية التمسك بالكتاب والسنة التي
(17) منهاج السنة النبوية 4/105 .
أشرنا إليها من قبل، ويوافق السيوطي والمناوي هنا أيضا فيصحح حديث الثقلين الذي يأمرنا التمسك بالكتاب والعترة ، فيذكر في صحيح الجامع الصغير لا في ضعفه (18) ,
وعندما سعدت بلقائه في زيارته الأخيرة لدولة قطر، دار نقاش حول هذا الحديث، وذكرت مواطن الضعف في الروايات التي جمعتها ، فقال - زاد الله علما وفضلا: إن ضعف هذه الروايات لا يعني ضعف الحديث، فقد يكون مرويا من طرق أخرى صحيحة لم تصل إليك(19) ، ثم أشار إلى كنابين أحرجا الحديث ولم يكونا من المصادر التي اعتمدت عليها قبل هذا البحث :(98/16)
أحدهما: معجم الطبراني ، فنظرنا فيه ووجدنا في الإسناد القاسم بن حسان، فالرواية إذاً غير صحيحة .
والثاني : مستدرك الحاكم، وفيه ما يفيد سماع الأعمش من حبيب، ولكن يبقى أيضا مواطن الضعف الأخرى (20) . ولم يتذكر لماذا صحح الحديث، ولم يتمكن من الرجوع إلى ما كتب نظرا لإبعاده عن داره ومكتبته - رد الله تعالى غربته . وبعد سفره قرأت ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية ، فلما أبلغ به طلب تصوير الصفحات .
إذاً ربما يعود الشيخ الجليل إلى البحث مرة أخرى، وربما ينتهي إلى ما انتهى إليه إمام السنة الإمام أحمد، وغيره من أهل العلم
والشيخ الجليل في تصحيحه للحديث أشار إلى تخريج المشكاة" فرأيت الرجوع إليها عسى أن أقف على حجته في التصحيح .
(18) انظر صحيح الجامع الصغير 2/217 - حديث رقم 2454.
(19) كلام الشيخ صحيح . ولذلك فقد جمعت كل ما استطعت جمعه والنظر فيه من الروايات. وقد أرشدني إلى هذا المنهج وساعدني في التطبيق منذ سنوات العلامة الثبت المحقق الأستاذ محمود شاكر .
(20) راجع ما ذكرناه من قبل عن الحاكم ومستدركه .
في الجزء الثالث من مشكاة المصابيح (ص ط 1735) جاءت روايتان للحديث هما رقم 6143 ، 6144 .
قرأت الروايتين والتخريج فكانت المفاجأة مذهلة، وأثبت هنا ما جاء الكتاب بالنص :
الرواية رقم 6143 : -
عن جابر، قال : رأيت رسول الله في حجته يوبر عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب، فسمعته يقول: " يا أيها الناس : إني تركت فهيم ما إن أخذتم به لن تضلوا . كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ". ( رواه الترمذي ).
والرواية الأخرى نصها كما يلي :
وعن زيد بن أرقم ، قال : قال رسول الله : "إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي " ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما". (رواه الترمذي ).(98/17)
هاتان هما الروايتان، أما التخريج فهو كما بلي :
الرواية الأولى :
" وقال - أي الترمذي : حديث حسن غريب .
فقلت - أي الألباني: وإسناده ضعيف " .
الرواية الثانية: -
" وقال : حديث حسن غريب .
قلت : وإسناده ضعيفا أيضا، لكنه شاهد للذي قبله " .
هذا ما قرأته، ونقلته بنصه ، والضعيف الذي يشهد للضعيف لا لمرتبة الصحيح ، بل قد لا يزيده إلا ضعفا، فمن أين حاء تصحيح الشيخ إذاً ؟
لا أدرى، ولا أحل أن أعقب بشيء يبنى على الظن .
وفي عصرنا أيضا نجد كتابا يسعى جادا للدخول إلى كل ببت، ورأيت طبعته العشرين في عام 1402 ه ، ويوزع على سبيل الهدية في الغالب الأعم . واسم الكتاب " المراجعات " ذكر مؤلفه شرف الدين الموسوي هذا الحديث بالمتن الذي بينا ضعف أسانيده، وقال بأنه حديث متواتر! ثم نسب للشيخ سليم البشري – رحمه الله – شيخ الأزهر والمالكية أنه تلقى هذا القول بالقبول! وأنه طلب المزيد! ثم ذكر صاحب " المراجعات " بعد دلك روايات أشد ضعفا، ونسب للشيح البشري أيضا أنه أعجب بها، ورآها حججا ملزمة (21). والذي يعنينا هنا أمران :
الأول : تبرئة الشيخ البشري مما نسب إليه، فلم يكن ليجهل المتواتر، وبخلط بينه وبين الضعيف والموضوع ، والكلام هنا كثير كثير، فليس هذا موضعه إذاً ، وإنما هذا تنبيه لقارىء الكتاب حتى لا يظن بالشيخ لظنون .
الثاني: الإشارة إلى أن أقوى الروايات التي ذكرها هي ما بينا ضعفه، أما غيرها فمعظمه - إن لم يكن كله - تحدث عنه شيخ الإسلام ابن تيمية، وبين أنه موضوع لا أصل له (22) .
وكثره الموضوع والضعيف لا يرفع الحديث إلى مرتبة الصحيح فضلا عن المتواتر.
(21) انظر الكتاب المذكور ص51، 61 .
(22) اقرأ كتابه منهاج السنة النبوية .(98/18)
والشيخ الألباني الذي رأينا موقفه من حديث الثقلين ذكر في الأجزاء الثاني من سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة ثلاثة أحاديث من كتاب المراجعات . وأنقل هنا ما قاله بتمامه ، ليعرف القاريء منهج المراجعات ، ويطمئن تماما من أن شيخ الأزهر البشري بريء مما نسب إليه .
وهذه هي الأحاديث بأرقامها في الكتاب .
893-( من أحب أن يحيا حياتي، ويموت موتتي، ويسكن جمة الخلد التي وعدني ربي عز وجل، غرس قضبانها بيديه . فليتول علي بن أبي طالب، فإنه لن يخرجكم من هدى، ولن يدخلكم في ضلالة ) = =
= موضوع : رواه أبو نعيم في " الحيلة "( 4/349-350 و351) والحاكم (3 /138) وكذا الطبراني في " الكبير" وابن شاهين في " شرح السنة "(18/65/2) من طرق عن يحيى بن يعلى الأسلمي قال: ثنا عمار بن رزيق ابن إسحاق عن زياد بن مطرق عن زيد بن أرقم - زاد الطبراني: وربما لم يذكر زيد بن أرقم – قال: قال رسول الله فذكره. وقال أبو نعيم: " غريب من حديث أبي إسحاق، تفرد به يحيى ".
قلت: وهو شيعي ضعيف " قال ابن معين :
" ليس بشيء وقال البخاري :
" مضطرب الحديث " . وقال ابن أبي حاتم (4/2/196) عن أبيه :
" ليس بقوي، ضعيف الحديث " .
والحديث قال الهيثمي في " المجمع " (9/108 ) :
" رواه الطبراني، وفيه يحيى بن يعلى الأسلمي. وهو ضعيف".
" قلت : وأما الحاكم فقال: " صحيح الإسناد " ! فرده الذهبي بقوله :
" قلت: أنى له الصحة والقاسم- وهو متروك . وشيخه ( يعني الأسلمي) ضعيف. واللفظ ركيك، فهو إلى الوضع أقرب " .
وأقول: القاسم – وهو ابن شبية – لم يتفرد به، بل تابعه راويان آخران عند أبي نعيم، فالحمل فيه على الأسلمي وحده دونه .
نعم للحديث عندي علتان أخريان :
الأولى: أبو إسحاق، وهو السبيعي فقد كان اختلط مع تدليسه. وقد عنعنه.(98/19)
الأخرى:الاضطراب في إسناده منه أو من الأسلمي، فإنه يجعله تارة من مسند زيد وابن أرقم، وتارة من مسند زياد بن مطرف، وقد رواه عنه مطين والباوردي وابن جرير وابن شاهين في " الصحابة " كما ذكر الحافظ ابن حجر في " الإصابة " وقال :
" قال ابن منده: " لا يصح ": قلت: في إسناده يحيى بن بعلى المحاربي . وهو واه " .
قلت: وقوله " المحاربي " سبق قلم منه، وإنما هو الأسلمي كما سبق ويأتي
(تنبيه ) لقد كان الباعث على تخريج هذا الحديث ونقده، والكشف عن علته. أسباب عدة، منها أنني رأيت الشيخ المدعو بعبد الحسين الموسوي الشيعي قد خرج الحديث في " مراجعاته " ( ص27) تخريجا أو هم به القراء أنه صحيح كعادته في أمثاله .واستغل في سبيل ذلك خطأ قلميا وقع للحافظ ابن حجر رحمه الله . فبادرت إلى الكشف عن إسناده، وبيان ضعفه، ثم الرد على=
= الإبهام المشار إليه، وكان ذلك منه على وجهين . فأنا أذكرهما، معقبا على كل منهما ببيان ما فيه فأقول:
الأول: إنه ساق الحديث من رواية متين ومن ذكرنا معه نقلا عن الحافظ من رواية زياد بن مطرف، وصدره برقم (38) . ثم قال :
" ومثله حديث زيد بن أرقم 000" فذكره . ورقم له – (39). ثم علق عليهما مبينا مصادره كل منهما، فأوهم بذلك أنهما حديثان متغايران إسنادا ! والحقيقة خلاف ذلك، فإن كلا منهما مدار إسناده على الأسلمي، كما سبق بيانه، غاية ما في الأمر أن الراوي كان يرويه تارة عن زياد بن مطرف، وهو مما يؤكد ضعف الحديث لاضطرابه في إسناده كما سبق .
والآخر: أنه حكى تصحيح الحاكم للحديث دون أن يتبعه بيان علته، أو على الأقل دون أن ينتقل كلام الذهبي في نقده ، وزاد في إبهام صحته أنه نقل عن الحافظ قوله في " الإصابة " :
" قلت: في إسناده يحيى بن يعلى المحاربي وهو واه " .
فتعقبه عبد الحسين ! بقوله :
" أقول : هذا غريب من مثل العسقلاني، فإن يحيى بن يعلى المحاربي ثقة بالاتفاق ، وقد أخرج له البخاري 000ومسلم 000" .(98/20)
فأقول أغرب من هذا الغريب أن يدير عبد الحسين كلامه في توهيمه الحافظ في توهينه للمحاربي، وهو يعلم أن المقصود بهذا التهوين إنما هو الأسلمي وليس المحاربي، لأن هذا مع كونه من رجال الشيخين، فقد وثقه الحافظ نفسه في" التقريب " وفي الوقت نفسه ضعف الأسلمي، فقد قال في ترجمة الأول :
" يحيى بن يعلى بن الحارث المحاربي الكوفي ثقة، من صغار التاسعة مات سنة ست عشرة " . وقال بعده بترجمة :
يحيى بن يعلى الأسلمي الكوفي شيعي ضعيف، من التاسعة " .
وكيف يعقا أن يقصد الحافظ تضعيف المحاربي المذكور وهو متفق على توثيقه، ومن رجال " صحيح البخاري " الذي استمر الحافظ في خدمته وشرحه وترجمة رجاله قرابة ربع قرن من الزمان ؟! كل ما في الأمر أن الحافظ في " الإصابة " أراد أن بقول " : 000 الأسلمي وهو واه " فقال واهما: " المحاربي وهو واه " !
فاستغل الشيعي هذا الوهم أسوأ الاستغلال. فبدل أن ينبه أن الوهم ليس في التوهين. وإنما في كتب " المحاربي " مكان الأسلمي ". أخذ يوهم القراء عكس ذلك وهو أن راوي الحديث إنما هو المحاربي الثقة وليس هو الأسلمي=
= الواهي! فهل في صنيعه هذا ما يؤيد من زكاه في ترجمته في أول الكتاب بقوله:
" ومؤلفاته كلها تمتاز بدقة الملاحظة 0000وأمانة النقل " .
أين النقل يا هذا وهو ينقل الحديث من " المستدرك " وهو يرى فيه يحيى بن يعلى موصوفا الأسلمي فيتجاهل ذلك، ويستغل الحافظ ليوهم القراء أنه المحاربي الثقة. وأين أمانته أيضا وهو لا ينقل نقد الذهبي والهيثمي للحديث الأسلمي هذا ؟! فضلا عن أن الذهبي أعلّه بمن هو أشد ضعفا من هذا كما رأيت، ولذلك ضعفه السيوطي في "الجامع الكبير" على قلة عنايته فيه بالتضعيف فقال: " هو واه ".
وكذلك وقع في "كنز العمال "برقم (2578). ومنه نقل الشيعي الحديث، دون أن ينقل تضعيفه. فأين الأمانة المزعومة أين ؟!(98/21)
( تنبيه) أورد الحافظ ابن حجر الحديث في ترجمة زياد بن مطرف في القسم لأول من " الصحابة "، وهذا القسم خاص كما قال في مقدمته: " فيمن وردت صحته بطريق الرواية عنه أو عن غيره، سواء كانت الطريقة صحيحة أو حسنة أو ضعيفة، أو وقع ذكره بما يدل على الصحبة بأي طريق كان، وقد كنت أولا- رتبت هذا القسم الواحد على ثلاثة أقسام،ثم بدا لي أن أجعله قسما وحدا، وأميز ذلك في كل ترجمة " .
قلت: فلا يستفاد إذاً من إيراد الحافظ للصحابي في هذا القسم أن صحبته ثابتة. ما دام أنه قد نص على ضعف إسناد الحديث الذي صرح فيه بسماعه من النبي وهو هذا الحديث/ ثم لم يتبعه بما يدل على ثبوت صحبته من طريق أخرى،وهذا ما أفصح بنفيه الذهبي في " التجريد" بقوله: (1/199):
" زياد بن مطرف هذا فهو بأن يذكر في المجهولين من التابعين. أولى من أن يذكر في الصحابة المكرمين. وعليه فهو علّة ثالثة في الحديث .
ومع هذه العلل كلها في الحديث يريدنا الشيعي أن نؤمن بصحته عن رسول الله غير عابئ بقوله ه :" من حدث عني بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين " . رواه مسلم في مقدمة " صحيحه " فالله المستعان .
وكتاب " المراجعات " للشيعي المذكور محشو بالأحاديث الضعيفة والموضوعة في فضل علي .مع كثير من الجهل بهذا العلم الشريف. والتدليس على القراء والتضليل عن الحق الواقع. بل والكذب الصريح. مما لا يكاد القارئ الكريم يخطر في باله أن أحدا من المؤلفين يحترم نفسه يقع في مثله. من أجل ذلك قويت الهمة في تخريج تلك الأحاديث – على كثرتها- وبيان عللها وضعفها. مع الكشف عما في كلامه عليها من التدليس والتضليل. وذلك مما سيأتي بإذ r=RTL style='margin-right:.05pt;text-indent:-.05pt'>= 893- ( من سرّه أن يحيا حياتي، ويموت ميتتي، ويتمسك بالقصبة الياقوتة التي خلقها الله بيده، ثم قال لها:" كوني فكانت " فليتول علي بن أبي طالب من بعدي ).(98/22)
موضوع: رواه أبو نعيم(1/86 و4/174) من طريق محمد بن زكريا الغلابي: ثنا بشر بن مهران: ثنا شريك عن الأعمش عن زيد بن وهب عن حذيفة مرفوعا. وقال:
" تفرد به بشر عن شريك " .
قلت: هو ابن عبد الله القاضي وهو ضعيف لسوء حفظه.
وبشر بن مهران قال ابن أبي حاتم:
" ترك أبي حديثه ". قال الذهبي:
" قد روى عنه محمد بن زكريا الغلابي منهم ".
قلت: ثم ساق هذا الحديث. والغلابي قال فيه الدارقطني:
" يضع الحديث ". فهو آفته .
والحديث أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (1/387) من طريق أخرى. وأفرده السيوطي في " اللآلي " (1368-369)، وزاد عليه طريقين آخرين أعلّها، هذا أحدهما وقال:
" الغلابي منهم " .
وقد روى بلفظ أتم منه، وهو
894- ( من سرّه أن يحيا حياتي، ويموت مماتي، ويسكن جنة عدن غرسها ربي، فليوال عليا من بعدي، وليوال وليه، وليقتد بالأئمة من بعدي. فإنهم عترتي، خلقوا من طيني، روقوا فهما وعلما، وويل للمكذبين بفضلهم من أمتي، القاطعين فيهم صلتي. لا أنالهم الله شفاعتي ".
موضوع: أخرجه أبو نعيم (1/86) من طريق محمد بن جعفر بن عبد الرحيم: ثنا أحمد بن محمد بن يزيد بن سليم: ثنا عبد الرحمن بن عمران بن أبي ليلى- أخو محمد بن عمران-: ثنا يعقوب بن موسى الهاشمي عن ابن أبي روّاد عن إسماعيل بن أمية عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا. قال:
" وهو غريب ".
قلت: وهذا إسناد مظلم، كل من دون ابن أبي رواد مجهولون. لم أجد من ذكرهم. غير أنه يترجح عندي أن أحمد بن محمد بن يزيد بن سليم إنما هو ابن مسلم الأنصاري الأطرابلسي المعروف بابن أبي الحناجر قال ابن أبي حاتم (1/1/73):" كتبنا عنه وهو صدوق ". وله ترجمة في " تاريخ ابن عساكر " (2/ق 311-411/1) . = =(98/23)
= وأما سائرهم فلم أعرفهم فأحدهم هو الذي اختلق هذا الحديث الظاهر البطلان والتركيب، وفضل علي أشهر من أن يستدل عليه بمثل هذه الموضوعات، التي يتشبث الشيعة بها، ويسودون كتبهم بالعشرات من أمثالها، مجادلين بها في إثبات حقيقة لم يبق اليوم أحد يجحدها، وهي فضيلة علي.
ثم الحديث عزاه في " الجامع الكبير" (2/253/1) للرافعي أيضا عن ابن عباس. ثم رأيت ابن عساكر أخرجه في " تاريخ دمشق " (12/120/2) عن طريق أبي نعيم ثم قال عقبة :
" هذا حديث منكر، غير واحد من المجهولين ".
قلت: كيف لا يكون منكرا وفيه مثل ذاك الدعاء! " ولا أنالهم الله شفاعتي" الذي لا يعهد مثله عن النبي ، ولا يتناسب مع خلقه ورأفته ورحمته بأمته .
وهذا الحديث من الأحاديث التي أوردها صاحب " المراجعات " عبد الحسين الموسوي نقلا عن كنز العمال(6/155 و217-218) موهما أنه في مسند الإمام أحمد، معرضا عن تضعيف صاحب الكنز إياه تبعا للسيوطي !
وكم في هذا الكتاب " المراجعات " من أحاديث موضوعات، يحاول الشيعي أن يوهم القراء صحتها، وهو في ذلك لا يكاد يراعي قواعد علم الحديث حتى التي هي على مذهبهم! إذ ليست الغاية عنده التثبت مما جاء عنه في فضائل علي ، بل حشر كل ما روي فيه ! وعلي كغيره من الخلفاء الراشدين والصحابة الكاملين أسمى مقاما من أن يمدحوا بما لم يصح عن رسول الله .
ولو أن أهل السنة والشيعة اتفقوا على وضع قواعد في " مصطلح الحديث " يكون التحاكم إليها عند الاختلاف في مفردات الروايات، ثم اعتمدوا جميعا على ما صح منها، لو أنهم فعلوا ذلك لكان هناك أمل في التقارب والتفاهم في أمهات المسائل المختلفة فيها بينهم، أما والخلاف لا يزال قائما في القواعد والأصول على أشده فهيهات هيهات أن يمكن التقارب والتفاهم معهم، بل كل محاولة في سبيل ذلك فاشلة. والله المستعان .
الفصل الثاني
فقه الحديث(98/24)
أشرت من قبل إلى فقه الروايات الصحيحة، وهو يدل على وجوب الأخذ بالكتاب والسنة، وهما بلا خلاف المصدران الأساسيان للعقيدة والشريعة .
وما صح عن زيد بن أرقم (23) - رضي الله تعالى عنه، يدل إلى جانب هذا على وجوب رعاية حقوق أهل بيت الرسول -! ، وتعرضت للحديث عن المراد بأهل البيت .
ويبقى هنا فقه الحديث الذي بينت ضعف طرقه، والضعيف ليس بحجة، ولكن ما دمنا وجدنا من صححه فلنبحث في فقهه لو فرضنا صحته .
قال العلامة المناوي في فيض القدير (3/14):
" إن ائتمرتم بأوامر كتابه، وانتهيتم بنواهيه ، واهتديتم بهدى عترتي، واقتديتم بسيرتهم ، اهتديتم فلم تضلوا . قال القرطبي : وهذه الوصية ، وهذا التأكيد العظيم، يقتضي وجوب احترام أهله، وإبرارهم وتوقيرهم ومحبتهم، وجوب الفروض المؤكدة التي لا عذر لأحد في التخلف عنها " .
ثم قال (3/15):
" لن يفترقا: أي الكتاب والعترة، أي يستمرا متلازمين حتى يردا على الحوض: أي الكوثر يوم القيامة ، زاد في رواية كهاتين ،
(23) انظر الروايات في " ثالثا. . . ورابعا..." .(98/25)
وأشار باصبعيه، وفي هذا مع قوله أولا: " إني تارك، تلويح بل تصريح بأنهما كتوأمين ، خلفهما ووصى أمته بحسن معاملتهما ، وإيثار حقهما على أنفسهما، واستمساك بهما في الدين، أما الكتاب فلأنه معدن العلوم الدينية، والأسرار والحم الشرعية، وكنوز الحقائق وخفايا الدقائق . وأما العترة فلأن العنصر إذا طاب أعان على فهم الدين ، فطيب العنصر يؤدي إلى حسن الأخلاق ، ومحاسنها تؤدي إلى صفاء القلب ونزاهته وطهارته . قال الحكيم : والمراد بعترته هنا العلماء العاملون إذ هم الذين لا يفارقون القرآن . أما نحو جاهل وعالم مخلط فأجنبي من هذا المقام ، وإنما ينظر للأصل والعنصر عند التحلي بالفضائل، والتخلي عن الرذائل، فإن كان العلم النافع في غير عنصرهم لزمنا اتباعه كائنا ما كان، ولا يعارض حثه هنا على اتباع عترته حثه في خبر على اتباع قريش ، لأن الحكم على فرد من أفراد العام بحكم العام لا يوجب قصر العام على ذلك الفرد على الأصح ، بل فائدته مزيد الاهتمام بشأن ذلك الفرد، والتنويه برفعة قدره ، ثم قال الشريف: هذا الخبر يفهم وجود من يكون أهلا للتمسك به من أهل البيت والعترة الطاهرة في كل زمن إلى قيام الساعة حتى يتوجه الحث المذكور إلى التمسك به ، كما أن الكتاب كذلك، فلذلك كانوا أمانا لأهل الأرض ، فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض " . أ . ه.
وقال ابن تيمية بعد أن بين أن الحديث ضعيف لا يصح : "وقد أجاب عنه طائفة بما يدل على أن أهل بيته كلهم لا يجتمعون على ضلالة . قالوا: ونحن نقول بذلك كما ذكر ذلك القاضي أبو يعلى وغيره ".
وقال أيضا:" إجماع الأمة حجة بالكتاب والسنة والإجماع، والعترة بعض الأمة، فيلزم من ثبوت إجماع الأمة إجماع العترة(24).
(24) منهاج السنة النبوية 4/105.
بالنظر في هذه الأقوال، وبتدبر متن الحديث، نقول:(98/26)
1- يجب ألا يغيب عن الذهن المراد بأهل البيت، فكثير من الفرق التي رزيّ بها الإسلام والمسلمون ادعت أنها هي التابعة لأهل
البيت.
2- أهل البيت الأطهار لا يجتمعون على ضلالة. تلك حقيقة واقعة، ونلحظ هنا أنهم في تاريخ الإسلام لم يجتمعوا على شيء يخالف إجماع باقي الأمة، فلأخذ بإجماعهم أخذ بإجماع الأمة كما أشار ابن تيم >
وكل إنسان يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله ! ، ولذلك فعند الخلاف نطبق قول الله: ((فان تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر)) "النساء:59".
4 - لو كان ما ذكره الشريف من الفقه اللازم للحديث لكان في هذا ما يكفي لرفض المتن، فالأيام أثبتت بطلانه، وإلا فمن الذي نؤمر باتباعه في عصرنا هذا على سبيل المثال ؟
أبإحدى الفرق التي تنسب لآل البيت؟ أم بجميع الفرق وكل فرقة ترى ضلال غيرها أو كفره ؟ بنسل لآل البيت من فرق ؟
فكيف إذاً نؤمر بمن لا نعرف ؟!
5- فرق كبير بين التذكير بأهل البيت والتمسك بهم، فالعطف على الصغير، ورعاية اليتيم . والأخذ بيد الجاهل، غير الأخذ عن العالم العابد العامل بكتاب الله وسنة رسوله-! .
وفي ختام القول عن فقه الحديث أذكر هنا ما ذهب إليه بعض المسلمين من أن الحديث يل على أفراد معينين من أهل البيت تجب طاعتهم والأخذ عنهم، وأن أول هؤلاء علي بن أبي طالب، رضى الله عنه، وأنه هو وصي رسول الله !.
وهذا القول جد خطير، فإنه بؤدي إلى اتهام الصحابة الكرام، خير أمة أخرجت للناس، بأنهم خالفوا وصية رسول الله-!. وإلى عدم شرعية خلافة الخلفاء الراشدين الثلاثة - رضي الله تعالى عنهم، وإلى هدم أركان رئيسية في الإسلام .
عير أننا هنا لا نحب أن نخوض في هذا الموضوع، فالبحث لا يتسع لمثله، وإنما نقول في فقه هذا الحديث بأن ما ذهب إليه هؤلاء القوم مرفوض لأن الحديث ليس بصحيح ولا صريح، ومعارض بالصحيح الصريح .(98/27)
ومن الأحاديث الصريحة الصحيحة ما يأتي :
أولا: روى الشيخان بسندهما عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: " قيل لعمر: ألا تستخلف ؟ قال : إن أستخلف فقد استحلف من هو خير مني أبو بكر، وإن أترك فقد ترك من هو خير مني رسول الله -! - فأثنوا عليه فقال : راغب راهب ، وددت إني نجوت منها كفافا لا لي ولا عليّ ، لا أتحملها حيا وميتا "(25) .
وفي رواية أخرى لمسلم بسند آخر عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: " دخلت على حفصة فقالت: أعلمت أن أباك غير مستخلف ؟ قال: قلت : ما كان ليفعل، قالت: إنه فاعل، قال: فحلفت أن أكلمه في ذلك، فسكت حتى غدوت ولم أكلمه، قال: فكنت كأنما أحمل بيميني جبلا حتى رجعت، فدخلت عليه، فسألني عن حال الناس وأنا أخبره، قال: ثم قلت: إني سمعت الناس ى يقولون مقالة فآليت أن أقولها لك، زعموا أنك غير مستخلف، وأنه لو كان لك راعي إبل أو راعي غنم ثم جاءك وتركها رأيت أن ضيع، فرعاية
(25) راجع البخاري- كناب الأحكام، باب الاستخلاف. ومسلم: كتاب الإمارة – باب الاستخلاف وتركه للبخاري .
الناس أشد، قال: فوافقه فوافقه فوضع رأسه ساعة تم رفعه إليّ فقال: إن الله عز وجل يحفظ دينه، وإني لئن لا استخلف فإن رسول الله - !- لم يستخلف،وإن استخلف فإن أبا بكر قد استحلف . قال: فوالله ما هو إلا أن ذكر رسول الله -! - وأبا بكر فعلمت أنه لم يكن ليعدل رسول الله -!- أحدا، وأنه غير مستخلف " (26) .
وروى أحمد بسند صحيح عن الإمام علي - رضي الله عنه، أنه قال: " لتخضبن هذه من هذا، فما ينتظر بي الأشقى؟ قالوا: يا أمير المؤمنين فأخبرنا به نبير عترته ! قال: إذاً تاالله تقتلون بي غير قاتلي، قالوا: فاستخلف علينا، قال: لا ولكن أترككم إلى ما ترككم إليه رسول الله -! قالوا: فما تقول لربك إذا أتيته ؟ قال: أقول: " اللهم تركتني فيهم ما بدا لك، ثم قبضتني إليك وأنت فيهم، فإن شئت أصلحتهم وإن شئت أفسدتهم " .(98/28)
وفي رواية بسند آخر أن الإمام قال: " والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لتخضبن هذه، من هذه، قال الناس: فأعلمنا من هو؟ والله لنبيرن عترته! قال: أنشدكم بالله أن يقتل غير قاتلي، قالوا: إن كنت قد علمت ذلك استخلف إذاً قال: لا، ولكن أكلكم إلى ما وكلكم إليه رسول الله – (27) .
(26) انظر الوضع السابق من صحيح مسلم. وروى أبو داود بسنده عن ابن عمر أيضا قال:عمر: إني إن لا استخلف فإن رسول الله - - نم يستخلف، وإن استخلف فإن أبا بكر قد استخلف. قال: فوالله ما هو إلا أن ذكر رسول الله- - وأبا بكر فعلمت أنه لا يعدل رسول الله -- أحدا، وأنه غير مستخلف. ( انظر سنن أبي داود - كتاب الخراج والفيء والإمارة - باب في الخليقة يستخلف).
(27) انظر المسند ج 2 الروايتين 1078 و1339، وبالحاشية بيان الشيخ شاكر لصحة الإسناد .
فهذه الروايات تدل على أن عمر وعليا - رضي الله عنهما - لم يستخلفا أحدا تأسيا برسول الله - ، أي أن الرسول -- لم يعين أحدا لخلافته، ويؤيد هذا أيضا ما أخرجه أحمد بسند صحيح عن قيس بن عباد قال:" كنا مع علي فكان إذا شهدا مشهدا، أو أشرف على أكمة أو هبط واديا قال: سبحان الله ! صدق الله ورسوله، فقلت لرجل من بني يشكر: انطلق بنا إلى أمير المؤمنين حنى نسأله عن قوله صدق الله ورسوله، قال: فانطلقنا إليه: فقلنا: يا أمير المؤمنين، رأيناك إذا شهدت مشهدا، أو هبطت واديا ، أو أشرفت على أكمة، قلت : صدق الله ورسوله، فهل عهد رسول الله إليك شيئا في ذلك ؟ قال : فأعرض عنا، وألححنا عليه، فلما رأى ذلك قال: والله ما عهد إلي رسول الله -- عهدا إلا شيئا عهده إلى الناس، ولكن الناس وقعوا على عثمان فقتلوا، فكان غيري فيه أسوأ حالا وفعلا منّي، ثم إني رأيت أني أحقهم بهذا الأمر فوثبت عليه، فالله أعلم أصبنا أم أخطأنا (29) .(98/29)
وكذلك يؤيد ما سبق ما رواه الشيخان وأحمد بأسانيد صحيحة أن الرسول - - مات ولم يوص، وقد روى هذا عن ابن عباس، وعبد الله بن أبي أوفى، والسيدة عائشة (30) .
ثانيا: روى البخاري بسنده عن السيدة عائشة - رضى الله عنها أن رسول الله - صلوات الله عليه - قال: " لقد هممت أن أردت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه فأعهد، أن يقول القاتلون أو يتمنى المتمنون ، ثم قلت: يأبى الله ويدفع المؤمنون أو يدفع الله ويأبى المؤمنون (31) .
(29) انظر الرواية وصحة إسنادها بالمسند ج2 رقم 1206.
(30) راجع صحيح البخاري – كتاب مرض النبي - -ووفاته. وكتاب التفسير:باب من قال لم يترك النبي - - إلا ما بين الدفتين. وباب الوصاة بكتاب الله عز وجل – وراجع كذلك صحيح مسلم- كتاب الوصية: باب ترك الوصية .
(31) البخاري- كتاب الأحكام- باب الاستخلاف .
وروى مسلم عنها أنها قالت: قال لي رسون الله -- في مرضه:" أدعى لي أبي بكر أباك وأخاك حتى أكتب كتابا، فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل أنا أولى، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر (32) .
وأخرج أحمد في مسنده هذا الحديث الشريف بسند صحيح كمسند مسلم ،وبسندين آخرين (33) .
وهذا الحديث الشريف يدل على أن الخلافة لو كانت بالنص لكانت لأبي بكر الصديق – ، فهو الأولى بها، وتم ما قاله من لا ينطق عن الهوى، فقد أبي الله سبحانه والمؤمنون إلا أبا بكر .
(32) مسلم: كتاب الفضائل – باب من فضائل أبي بكر الصديق.
(33) انظر المسند1/47،106،144 .
وذكر مدرس الفلسفة الدكتور أحمد محمود صبحي الرواية الأخيرة لهذا الحديث الشريف، ولم يذكر مصادره بل اكتفى بنسبته لبعض أهل السنة. ثم قال: " ولا شك أن الوضع ظاهر في هذا الحديث، وأنه أريد به معارضة حديث الشيعة في أمر كتاب النبي الذي بنسب إلى عمر أنه منعه، ولو صح كتاب النبي إلى أبي بكر لكان نصا جليا لأبي بكر، وهو ما لم يقل به جمهور المسلمين " .(98/30)
والمؤلف عند أهل السنة، مع أن رواياته لم تصح منها واحدة كما بينا من قبل ( انظر كتابه: نظرية الإمامة ص 235-236).
الخاتمة
هذه هي روايات حديث الثقلين التي جمعتها من كتب السنة، وجعلت كل متن مع سنده ، وذكرت من أخرجه، وبذا أمكن أن نميز الصحيح من غيره .
والروايات التي صحت سندا، قبلت متنا، ووضع فقهها، ولا خلاف حول الأخذ به .
والروايات التي بينت ضعف سندها، وصححها آخرون، وجعلها غيرهم ضمن الأحاديث الموضوعة، هذه الروايات وجدنا اختلافا حول فهم دلالتها. ولعلّي بينت ما يمكن أخذه من فقه هذه الروايات .
فإن أكن أصبت فبفضل الله جلت قدرته، وبعونه وحده سبحانه، وإن أكن أخطأت فقد بذلت أقصى ما استطعت للوصول إلى الحق، ورحمة وربك وسعت كل شيء .
ومما أمرنا عز وجل أن نتلوه ما جاء ختاما لسورة البقرة :
(( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت، ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا اصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين )).(98/31)
حرب الاحقاد
قطع الجسور .
تهديد الجيران .
التعاون مع اعداء الامس .
الخطأ في التقييم .
سياسة التفريق .
الخميني يهدد بقطع يد بازركان .
احمد يقول : ذاكرة ابي لا شيء ، انا السيد والسيد انا .
وعلى ايران السلام .
(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11))
حرب الاحقاد
الحروب التي شهدها العالم لايتجاوز كونها حروبا قومية او اقتصادية او دينية ولاول مرة يشهد العالم نشوب حرب بين شقيقين مسلمين لاتحمل بين طياتها هذه العناصر الثلاثة منفردة او مجتمعة . فماذا نسمي الحرب الايرانية العراقية ؟ هذه الحرب العجيبة الغريبة التي ادهشت العالم ولن ينساها التاريخ . فلنسمها اذن بحقيقتها وواقعها ، انها (حرب الاحقاد ) .
لماذا وكيف نشبت الحرب الايرانية العراقية وماهي اسبابها وماهي خفاياها ؟ قد اكون انا خير من يستطيع الجواب على هذا السؤال لأنني عاصرت ظروفها في العراق وايران معا وتحدثت مع زعماء البلدين قبل نشوب الكارثة واطلعت على امور لم يطلع عليها احد من قبل ولامن بعد.(99/1)
لقد وصل الخميني إلى الحكم بصورة فجائية لم يتوقعها احد حتى هو نفسه لم يتوقعها ولم يفكر فيها . فلذلك لم يكن بعيدا على مثله ان يفكر في تصدير الثورة الايرانية التي كان يسميها الاسلامية إلى خارج حدود ايران ، فاذا ما نجحت الثورة في ايران بالصورة التي لم يتوقعها هو ولا غيره فلماذا لم تنجح في دول عربية مجاورة كانت حسب زعمه وتقديره مزرعة مستعدة لنمو افكاره لا سيما انها لابد وان تأثرت بثورة كانت نتائجها سقوط اقوى نظام مجاور في المنطقة بين عشية وضحاها . فكما لعبت الصدفة والمفاجأة في نجاح الثورة الايرانية فقد تتكرر الصدفة والمفاجأة في بلاد مجاورة اعجبت شعوبها بايران الثورة في ايامها الاولى .ولعب الحقد الدفين لدى الخميني لعبته فاختار العراق ليكون اول محطة من محطات تصدير الثورة اليها ، ولكنه في نفس الوقت لم يسقط الدول المجاورة الاخرى من حسابه فشنت اجهزة اعلامه هجوما عنيفا على دول الخليج والدول العربية تهددهم بالويل والثبور وتنذر حكامها بمصير الشاه واعوانه . وهكذا قطع الخميني الجسور بينه وبين جيرانه منذ ان وصل إلى الحكم تاركا وراء ظهره معطيات العقل السليم وحسن الجوار ومصلحة ايران واخلاق الاسلام ودستور القرآن الكريم الذى يقول (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) ولكي نضع النقاط على الحروف نعدد هنا الخطط الخمينية لضرب الحكم القائم في العراق لنكون على بينة من الاسباب التي ادت إلى حرب الاحقاد .(99/2)
منذ اليوم الاول لاستلام الخميني للسلطة نصب عميلا للمخابرات السورية وهو صادق قطب زادة رئيسا لاعلام الجمهورية الاسلامية الفتية ، وقطب زادة هذا كان من اقرب المقربين إلى قلب الخميني (1) ولم ينفع نصح الناصحون بابعاده من هذا المنصب الخطير في الجمهورية الفتية ، حتى ان الشيخ صادق الخلخالي المعروف ( بجلاد الثورة ) قال لي انه اخبر الخميني بنفسه ان شقة قطب زادة في باريس مليئة بالخمور وانواع المسكرات وكل انواع اللهو والفجور وان رجلا كهذا لا يحق له ان يكون في مثل منصبه الا ان الخميني لم يعر اذا صاغية لكلامه وبفضل قطب زادة هذا فان كثيرا من مناوئي الحكومة العراقية الذين وصلوا إلى ايران لتوهم بعد الثورة احتلوا اماكن حساسة في الاذاعة العربية بطهران والاهواز وبدأوا بالهجوم الاذاعي على الحكومة العراقية بين حين وآخر. ولكن الطين زادت بلة عندما ارسل الرئيس العراقي احمد البكر برقية تهنئة إلى الخميني بمناسبة اقرار الشعب الايراني لنظام الجمهورية الاسلامية في استفتاء عام ، فجاء رد الخميني مخيبا للآمال وضاربا عرض الحائط اصول الاخلاق بين رؤساء الدول واغرب من كل هذا ان الخميني نفسه الذي كان يبرق للرئيس البكر في العراق برقيات مهذبة يبدأها بالتحية ويختمها بالدعاء له ولدولته قد نسي ما خطه بيمينه في تلك الايام ، وقد تضمنت برقيته هذه المرة وعيدا وتهديدا وكلاما جارحا وخطابا غليظا لكل زعماء العرب والاسلام الذين يسلكون طريقا يناقض الطريقة التي يسلكها هو وحكومته في ايران ثم ختمها بقوله والسلام على من اتبع الهدى .
__________
(1) اعدام الخميني قطب زادة في العام المنصرم بعد ان اتهمه بالمؤامرة للاطاحة به .(99/3)
كان موقف العراق إلى ذلك التاريخ موقف جار يريد ان يعطي الفرصة لجاره المخدوع كي يفيق من اوهامه وخيلائه لعله يسلك النهج الصحيح في تقييم الامور ومعالجته لها . ومن هنا كانت سياسة العراق الصبر والتريث والمعاملة بالحسنى حتى تنجلى الغبرة ليقيم هو بدوره مستقبل العلاقات مع ايران . وهنا اسجل للتاريخ ما سمعته بنفسي من الرئيس صدام حسين قبل سفري إلى ايران كما اسجل هنا ما سمعته من الخميني بعد ذلك اللقاء ليعلم الناس كافة مدى الاختلاف الهائل في تفكير الزعيمين ومعالجتهما لأخطر القضايا المتعلقة ببلديهما . قال الرئيس صدام حسين : ان حكومة ايران الفتية التي وصلت إلى الحكم وهي تجابه مشاكل داخلية عظيمة خلفها النظام السابق والمشاكل التي تحدث بعد كل ثورة بالطبع وقد كان من الواجب عليها ان تبدأ ببناء نفسها ومعالجة مشاكلها الداخلية وتستفيد من كل الامكانيات المتاحة لها سواء كانت داخلية او خارجية وان مصلحة هذا النظام هو الاستفادة القصوى من العراق الجار الذي ابدى استعداد كاملا لدعم النظام الجديد وهكذا من كل الجيران الذين ابدوا التعاطف مع النظام الجديد وهم على استعداد لمساعدته ، اما خلق المشكلات واضافة بعضها إلى البعض فانها تنهك قوى هذه الدولة وتجرها إلى مشاكل داخلية عظيمة لاتستطيع الصمود عليها ، وهنا قال الرئيس العراقي كلمة لن انساها وقد نقلتها بنفسي إلى الخميني وهي ان النظام الحاكم في ايران حتى في صورة عدائه للعراق لم يكن من مصلحته ان يتجاهر به ويعلنه ، وكان عليه ان يتريث حتى يصلب عوده ويشتد عضده وحينئذ كان يستطيع التجاهر بكل ما يريد ، اما وهو الآن على حافة الانهيار ويريد ان ينال من هذا الجار وذاك فانه انتحار لا للمجموعة الحاكمة بل للشعب والامة باسرها . وقال الرئيس صدام حسين انه مع كل ما ظهرت من النوايا غير الطيبة والعدائية من النظام الجديد فانه مستعد لفتح صفحة جديدة في العلاقات وانه مستعد لدعم ايران(99/4)
الثورة اذا تركت التدخل في شئون الآخرين ، وطلب مني ابلاغ تحياته إلى مهندس بازركان رئيس الوزراء مع التمني له بالتوفيق ، اذن لم يكن هناك خلاف اطلاقا من جانب العراق ، كلما في الامر هو ان يلتزم النظام الجمهوري الجديد بحدوده ويترك جيرانه بسلام ويهتم بشئونه الداخلية . وبعدما سمعت من الرئيس صدام حسين طرت إلى طهران وانا متفائل جدا بمستقبل العلاقات بين البلدين ولدى هبوط طائرتي في مطار مهرآباد الدولي كانت سيارة السيد بني صدر وحرسه الخاص على مقربة من سلم الطائرة في انتظاري وقيل لي انه ينتظر مني مخابرة في أي ساعة اصل إلى طهران ، وكانت الساعة تشير إلى الواحدة صباحا فاتصلت به من الهاتف الموجود في سيارته وقال لي انه عائد لتوه من مجلس قيادة الثورة وكان يود ان يكون في استقبالي في المطار لولا الجلسة الطارئة للمجلس الذي كان يحتم عليه حضورها ، وقال انه سيكون في داري في الساعة السادسة صباحا ، وهكذا بعد سويعات من وصولي إلى طهران كان الرئيس بني صدر في داري وهو متلهف ليسمع رأي الرئيس العراقي في العلاقات بين البلدين ، وكان السيد بني صدر يرى انه من اهم المشاكل السياسية لايران هي العلاقات مع العراق لان العراق يستطيع ان يلعب دورا هاما وحساسا في استقرار الوضع السياسي في ايران ولاسيما في منطقة الجنوب التي كانت تغلي والارهاب المتبع من قبل الادميرال مدني لم يكن يغنى من الحق شيئا ، وان العراق اذا وقف مع ايران فسوف يمكن ايجاد حل مناسب يرضي الله والضمير لمشكلة العرب المتواجدين في الجنوب. اما اذا ما استفز العراق من قبل النظام الايراني في حدوده ومصالحه واراضيه فلا بد وان العراق سيتخذ سياسة اخرى تكون مدمرة لحل مشكلة الجنوب وقال لي السيد بني صدر انه لا يعلق امالا كبيرة على لقائي بالخميني واضاف بلهجة حزينة ان الخميني تغير كثيرا وسترى رجلا اخر يختلف تماما من الرجل الذي عهدناه في النجف وباريس وانه عاد رجلا لجوجا(99/5)
ركب رأسه واصبح احمق من هي النقة . وذهبت إلى قم والتقيت بالخميني في جلسة مغلقة طالت زهاء ساعة وخرجت من عنده وانا حزين القلب اندب حظ الامة الايرانية المسكينة التي اعطت قيادتها بيد هذا الشيخ العجوز .
لقد كانت هذه هي اول مرة التقي بالخميني بعد ان استولى على سدة الحكم فرأيته كما قال بني صدر شخصية تتناقض تماما مع الخميني الذي تعودنا عليه زهاء خمسة وعشرين عاما سواء عندما كان في قم او في النجف ، ولمست فيه نفسا شريرة وروحا انتقامية وغرورا شيطانيا وابتسامة ساخرة بكل المثل والاخلاق ، لم ار في هذه المرة ذلك الشيخ الوقور الناسك الزاهد الذي كان يتحدث دائما باسم الدين والاخلاق ومصلحة المسلمين ، بل رأيت شيخا عجوزا غلبه هواه وسخره شيطانه وتجلى حقده وها هو يبتهج من اراقة الدماء ودمار البلاد واذلال العباد ، وسأقص في آخر هذا الفصل تفاصيل هذا اللقاء المثير والمخيب للآمال ليسجل في التاريخ للاجيال الحاضرة والقادمة على السواء .
وفي الايام نفسها التي كانت فيها العلاقات الايرانية العراقية تسير من سيء إلى اسوأ .(99/6)
استقبل الخميني ابنا ملا مصطفى البرزاني ودعا لهما بالتوفيق وامر بتزويد الرزاني بالاسلحة والعتاد لضرب العراق وايجاد القلاقل في شمال العراق وهنا تظهر احدى المفارقات للجمهورية الاسلامية التي كان يرأسها الخميني ، كيف اجاز الخميني لنفسه ان يستقبل عميلين مكشوفين للمخابرات المركزية الامريكية (1) وعميلين للشاه الايراني في الوقت نفسه وهو الذي عاصر المجازر التي ارتكبت في شمال العراق على يد هؤلاء باسلحة امريكية ايرانية ، وعاصر اقتتال الاخوة في شمال العراق بمساندة الشاه الذي كان الخميني احد ضحايا تعسفه واستبداده وها هو اليوم يصافح يدا طالما صافحت الشاه واخذت منه المال والسلاح لقتل المسلمين ، ثم هو لا يقنع بالمصافحة بل يسلك الطريق نفسه الذي سلكه الشاه فيمد العصابة هذه بالسلاح والمال ويامرهم ان يسلكوا الطريق الذي امرهم الشاه ان يسلكوه . ان هذا من اغرب التناقضات التي يسجلها تاريخ الثورة الايرانية عن المنحنى الفكري لمرشد الثورة والذي بدأ يتجلى في تناقضه مع روح الاسلام ومصلحة المسلمين . وقد زاد الطين بله تنصيب الدكتور مصطفى جمران المسؤول عن منظمة امل اللبنانية المعروفة بعدائها للعراق وزيرا للدفاع لكي ينسق مع المنشقين العراقيين ضرب العراق ، ومن اغرب المفارقات ايضا ان حسين الخميني حفيد الخميني ذكر لي انه حمل إلى جده وثائق زودته بها منظمة فتح تثبت ان جمران عميل للمخابرات المركزية الامريكية ، كما انه ابلغ جده موقف جمران من القضية الفلسطينية وكيف ان يداه ملطختان بدماء الفلسطينيين عندما كان مسؤولا عن منظمة امل في لبنان الا ان جده لم يعر اذنا صاغية لهذه التقارير بل ازداد في تعلقه بجمران وثبته في مركزه كوزير للدفاع . ومع ان حسين الخميني صفع جمران في مطار طهران وامام الجموع المحتشدة عسى ان تؤدي هذه الاهانة الكبيرة لاستقالته من الحكومة الا ان جمران تمسك بمنصبه ولم تهزه
__________
(1) راجع الخميني والمتناقضات .(99/7)
صفعة الخميني الصغير املا بعطف الخميني الكبير ، ولم يقنع الخميني بمساعدة البرزانيين فحسب بل مد يده إلى جلال الطالباني وامده بالمال والسلاح ليقوم هذا الشخص بدوره ايضا بايجاد القلاقل في العراق . ولقد اتصلت بي شخصية سياسية عربية كبيرة في حينه واخبرتني انه حسب المعلومات المتوفرة لدى حكومته فان جلال الطالباني يقوم بدور خطير للروس في المنطقة حسب الاتفاق مع سوريا وان امداد الطالباني بالسلاح والعتاد انما هو في حقيقته امداد للشيوعيين المتواجدين في ايران وان الجمهورية الاسلامية في حقيقة الامر تساهم في تسليح الشيوعيين الايرانيين الذين سيضربون الجمهورية عندما تحين لهم الفرصة وان هذه الاسلحة ستستخدم لضرب ايران في المستقبل لا لضرب العراق كما يرغب الخميني ، وطلبت الشخصية السياسية العربية مني ابلاغ السيد بني صدر بهذا الامر فابلغته على عجل وبلغ بني صدر الخميني ولكن الاخير لم يعتبر بكل ما قيل له في هذا المجال حسب عادته المألوفة ودخلت الازمة الايرانية العراقية إلى مراحل خطيرة عندما قال الخميني في خطاب اذاعي تلفزي انه سيحتل بغداد في غضون (4) ساعات واعلن بني صدر في خطاب اذاعي آخر انه لايستطيع وقف زحف الجيش الايراني على العراق واحتلال العاصمة العراقية اذا ما اراد الجيش الايراني ذلك ، ونزولا عند رغبة الخميني ركزت اجهزة الاعلام الخمينية هجومها ضد العراق من الصباح حتى المساء وتحركت فرق من الجيش الايراني إلى الحدود واستقرت مجموعة كبيرة من حرس الثورة في الحدود الايرانية وبدأ القصف المدفعي للاراضي والقرى العراقية في اناء الليل واطراف النهار . ولما لم تنفع كل الخطوات الخمينية لضرب العراق ارتكب خطأ آخر كان بحد ذاته مميتا للخمينية في المنطقة ومدعاة للسخرية والاستهزاء في الوقت نفسه حيث كشف نواياه ونوايا خلفائه وحكومته لقد اراد الخميني ان يستغل الطائفية في العراق ويتخذ من شيعة العراق بصفته زعيم ايران(99/8)
الشيعي اداة لضرب الحكم القائم وبدأ يوجه نداءات إلى شيعة العراق يطلب منهم القيام ضد الحكومة والصعود على اسطح البيوت للتكبير والتهليل الامر الذي حدث في ايران في ظروف خاصة ومع ان شعب العراق بطائفتيه استهزأ بهذه النداءات الصبيانية الطائشة واستنكرها واتخذ من الخميني اضحوكة في مجالسه ونواديه الا ان الاخير لم يعتبر بكل هذه الاهانات بل كرر ابواقه ندائه بين فينة واخرى يطلب من الجنود العصيان في الثكنات ومن الشعب الصياح فوق السطوح واغرب ما في هذه الفكرة الحمقاء المضحكة هو ان صاحبها عاش في العراق 15 عاما وعاصر عن كثب السيد الحكيم الذي كان المرجع الديني الكبير للشيعة في العراق واراد استغلال الطائفية لضرب الدولة الحاضرة في ابان قيامها وأى بأم عينه كيف ان الشيعة خذلت الحكيم ووقفت ضده معبرة عن شعورها واستيائها العميق نحو زعيمها الذي اراد ان يستغلهم في صراع بينه وبين الدولة لاقبل لشيعة العراق فيه . واثر هذا الصراع اهين السيد الحكسم في عقر داره والنجفيون رموا بالحجارة طلبة الافغان الذين خرجوا متظاهرين في شوارع النجف تأييدا للحكيم وضربوهم بالعصى واهانوهم شر اهانة . والخميني آنذاك كان في النجف يرى عن كثب كل ما الحق بالسيد الحكيم من اهانة وذل وهزيمة منكرة حتى هو بنفسه لم يقف بجانب السيد الحكيم في تلك المحنة بل وقف مع الدولة التي كان آنذاك يدعوا لها بالعمر المديد ، انها الدولة التي هو اليوم في حرب معها ، ثم ان الخميني اذا كان يقرأ تاريخ العراق المعاصر وكانت له قدرة الاستنتاج من الحوادث التاريخية لكان يستنتج بوضوح ان شيعة العراق لم يسمحوا لاحد مهما كان شأنه وقدره ان يستغلهم في مآربه السياسية وان ابغض الاشياء لديهم هو المتاجرة بانتمائهم الطائفي .(99/9)
ان التاريخ يحدثنا ان الشيعة والسنة اشتركوا في ثورة الاستقلال عام 1920 ودحروا الانكليز وقواه المدججة ب 400 الف جندي مسلح ، وعندما اراد الشعب العراقي اختيار الملك ذهب زعماء الشيعة والسنة معا إلى الحجاز لدعوة ملك سني هو الفيصل بن الحسين ليتربع على عرش العراق وكان الوفد العراقي مؤلفا من زعماء الشعية والسنة معا . كان من الشيعة الشيخ محمد رضا الشبيبي والسيد محسن ابو طبيخ والحاج محمد جعفر ابو التمن وكان من السنة السيد النقيب . ولم يحدث أي نقاش بين الطائفتين لانتخاب الملك على اساس الطائفية او احقية احدى الطائفتين بان يكون الملك منها ، بل ذهب وفد الطائفتين إلى الحجاز بقلب واحد وعقل واحد وروح واحدة ، أي بالاخوة الاسلامية التي بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لترسيخها في كل ضمير وعقل . وبعد ثورة الاستقلال يعيد التاريخ نفسه لتجتمع الشيعة والسنة لمحاربة الانكليز مرة اخرى وذلك في عام 1941 حيث افتى المرجع الاكبر للشيعة وهو جدنا السيد ابو الحسن وسائر المراجع مثل الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء والسيد عبدالحسين الحجة ومراجع السنة الكبار مثل الشيخ نجم الدين الواعظ والشيخ امجد الزهاوي . وتكاتفت الشيعة والسنة لمحاربة العدو المشترك .(99/10)
وفي سنة 1949 اجتمعت الشيعة والسنة مرة اخرى لضرب معاهدة بورتسموث والاطاحة برئيس وزراء شيعي هو صالح جبر ولم يحدث أي نقاش بين الطائفتين حول اسقاط رئيس الدولة الذي كان ينتمي إلى الشيعة بل اتفقتا لاسقاطه عندما رأت انه يتعامل مع الاستعمار الانكليزي وبالفعل سقطت دولة الجبر بين عشية وضحاها وكانت التظاهرات الصاخبة محورها النجف وكربلاء اكثر من أي مدينة اخرى . ومرة اخرى اتفقت الطائفتان لضرب عبدالكريم قاسم ونجحتا في نضالهما المشترك ودحر القاسم وزال نظامه ، ولم يحدث حتى الآن ان اتخذت احدى الطائفتين الرئيسيتين في العراق الطائفية وسيلة لاغراض العداء السياسي بينهما او مع الحكومة .
نعم اذا كان هناك خطر حقيقي يهدد العراق فان الشيعة والسنة يواجهون الخطر مشتركين ويناضلان مشتركين واذا كانت هناك حكومة غير وطنية فانهما سيواجهونها بنفس الروحية ايضا كما حدث في حرب الاستقلال وثورة رشيد عالي او حكومة صالح جبر وعبدالكريم قاسم ، اذن فان كلا من شيعة العراق وسنة العراق عراقيون قبل انتمائهما المذهبي .
اليس من المؤسف والمؤلم ان الحاكمين في ايران وعلى رأسهم شيخهم الكبير لا يدركون بديهيات التاريخ ونفسيات الشعوب ، اوليس جنود العراق المتواجدين اليوم من اقصى الحدود إلى اقصاها والذين يحاربون الدولة الخمينية كلهم من ابناء الشيعة والسنة معا من ابناء الكربلاء والنجف والكاظمية وسامراء والموصل وذي قار والانبار والبصرة ، واليست الغلبة في الاسامي انما هي للحسين وعلي وجعفر وصادق وكاظم ، ومع كل هذا ألم يأن لهذا الشيخ العجوز ان يفيق من ظلمات الجهل والغدر والغباء .(99/11)
وبعد كل هذا ما هذا الاسلام الذي يدعيه الخميني واي اسلام هذا الذي اتخذ منه شعارا في اقتتال الاخوة وايجاد الفرقة والنعرات الطائفية والتعاون مع عملاء الاستعمار لضرب دولة جارة مسلمة وقتل ابنائها . ان لغة السياسة مع ما فيها من انعطاف واساليب ملتوية لا تجوز هذه السياسة النكراء التي تشمئز منها روح الانسانية فكيف وهذه المنكرات التي ترتكب باسم الاسلام اليس هذا يعني ان هناك مؤامرة شريرة للاطاحة بمعاني الاسلام ونقاء صورته وصفاء واقعه امام العالم وان الذين ينفذون هذه المؤامرة الخبيثة انما هم نفر من الجن ظهروا في لبوس رجال الدين لهدم الاسلام وقد بذلوا جهدا يفوق على ما بذله الصليبيون والمغول معا في تحقيق اهدافهم واخذوا على عاتقهم المشئوم هدم الاسلام في كل زمان ومكان وقد كانوا اطول باعا واقوى ذراعا من أي طابور خامس ظهر حتى الآن في تاريخ الدول القديمة والحديثة . ولقد كادوا الكيد ونشروا الرعب وقالوا في الاسلام ما لم يقله احد من قبل ولا من بعد . الا ان يقظة الامة الاسلامية وحرصها اكتشفت زيف هذه العصابة ونواياها الشريرة فوقفت صفا واحدا كالبنيان المرصوص تدافع في هذا المنعطف الخطير من تاريخ الاسلام عن كرامته وسمعته ( ولولا رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ) لكانت امة الاسلام تنكب بالخمينية نكبة لا يقوم لها قائمة بعد اليوم ، ولكن الحمد لله ان يقظة الامة لم تهمل الخميني لتظهر إلى الوجود كما ظهرت البهائية والقادرية بل تركها في مهب الريح لتنزف جراحا ودما وحقدا وبغضا ولتكون كالعصف المأكول في حاضر الزمان ومستقبله .
وقبل ان انهي هذا الفصل اود ان اكشف هنا سرا قد يكون جوابا على كثير من التساؤلات التي تدور حول الحرب الايرانية العراقية بل انه جواب للتاريخ وللاجيال القادمة التي لم تعاصر محنة الاسلام في هذه البلاد .(99/12)
قد اراد الخميني وبذل قصار الجهد لتنصيب متهم بعمالة اسرائيل واجنبي لاينتمي إلى ايران بصلة رئيسا لجمهورية ايران لانه كان متجاهرا بعدائه للعراق ويبارك الحرب معها بل هو من اشد المتحمسين لها . كان هذا هو جلال الفارسي الافغاني المولد والذي هاجر إلى ايران في سن الشباب وحصل على الجنسية الايرانية ثم انتمى إلى الخميني وجماعته ، وجاء إلى العراق عندما كان الخميني لاجئا في العراق فتعرف عن طريق الخميني باجهزة الدولة العراقية التي كانت تحميه فزودته الحكومة العراقية بجواز سفر عراقي وبمساعدات مالية عندما غادر العراق إلى لبنان ، غير ان الفارسي لم يلبث كثيرا في لبنان فقد داهمت الشرطة اللبنانية داره للقبض عليه بتهمة التجسس لاسرائيل وعثرت الشرطة في داره على مخطط للحدود اللبنانية الاسرائيلية وفر الفارسي إلى سوريا ونشرت الصحف اللبنانية هذا النبأ باسهاب واطناب .
ودخل الفارسي إلى العراق بعد ذلك ليعيش فيه الا ان الحكومة العراقية رفضت ايوائه بعد التهمة الموجهة اليه وسحبت منه جواز السفر العراقي وارغمته على مغادرة العراق ، فعاد إلى سوريا ليعيش فيها بعض الوقت والتحق بالخميني في باريس ليعود معه إلى ايران ، وبدأ الفارسي في ايران حملاته ضد العراق من الاذاعة الفارسية ومنذ الايام الاولى من نجاح الثورة عرف نفسه بانه سيكون الرجل المفضل لدى الخميني في هذا المضمار ، وعندما امر الخميني بتعيينه رئيسا للجمهورية رشحه الحزب الجمهوري الاسلامي وصرف الملايين لفوزه في انتخابات الرئاسة غير ان الرياح جرت على غير ما كان الخميني يشتهيه فانبرى قوم من المناضلين ضد هذا الترشيح .(99/13)
لقد كنت انا اول من كشف هذا السر لان الرجل عندما كان في العراق صارحني بحواله وفصله ونسبه واردت اعلان الخبر في الصحف فمنعني اصدقاء مخلصون وطلبوا مني ان لاادخل المعمعة بنفسي حتى لا اثير الخميني وجماعته فيتحمسون للرجل اشد التحمس وسوف لايجدي الامر شيئا ، ولذلك اخذوا على عاتقهم كشف السر للجماهير الايرانية وكان نجاحهم باهرا وعظيما في مهمتهم فبين عشية وضحاها عرف الشعب الايراني ان الخميني وحزبه يريدون تنصيب رجل اجنبي عليه كأول رئيس لجمهوريته الاسلامية ، كما انهم قرأوا في الصحف نص البيان الرسمي الصادر من الاحوال المدنية الذي كان يقول ان الرجل مولود في افغانستان وانه حصل على الجنسية الايرانية بعد ان هاجر اليها وبلغ سن الرشد وهكذا منع الرجل من خوض انتخابات الرئاسة بنص الدستور الايراني الذي كان يقول ان رئيس الجمهورية يجب ان يكون مولودا في ايران ومن اب ايراني ، ودحر الحزب الجمهوري والخميني معا وولوا الادبار . لقد اشرت في مقدمة هذا الفصل إلى محادثاتي مع الخميني وها انا اختم الفصل بكشف تلك المحادثات لنبدأ فصلا آخر من فصول الكتاب بأذن الله .(99/14)
لقد دام اللقاء ساعة تحدثت معه بصراحة بالغة وفي شتى المواضيع وكان بيت القصيد في المحادثات العلاقات الايرانية العراقية ، قلت له : اذا كنت مغتاظا من الخروج من العراق فان ذلك قد مهد لك من الاتصال بالصحافة العالمية ما لم تستطع ان تفعله في النجف ، اذن كان خروجك من العراق لمصلحة الثورة الايرانية . ان الحكومة العراقية قدمت لك ولحاشيتك من العون طيلة 15 عاما ما لم تقدمه اية حكومة اخرى في العالم لللاجئين السياسيين ، وانت اليوم في سدة الحكم في ايران ما تزال محتاجا إلى مساعدة العراق فاذا تريد بناء ايران فلا تعادي الجيران ولا سيما اقربهم إلى ايران ثم اقول لك ما عدا مما بدا ان رسائلك الموجهة إلى المسئولين العراقيين لازال حبرها لم يجف بعد وها انت الذي كنت تختمها بالدعاء والتوفيق والنصر لحكومة العراق رئيسا وشعبا واليوم يسمع منك العراق ما يناقض ما قلته وخطته بيمينك في الامس ، ان هذا التناقض في القول والعمل قد يصدر من ممتهن السياسة البحتة ولاعجب ولا غرو اما من زعيم ديني فيحير العقل ويربك النفس ، كان جوابه ماذا فعلت حتى تقول لي هذا الكلام فعددت له الكثير من الممارسات العدائية الي مارستها الجمهورية الفتية ضد العراق بما فيها البرقية الجوابية للرئيس العراقي احمد حسن البكر وما تضمنتها من جفوة وقسوة في الكلام ، فقال كانت نصيحة فكان جوابي التحية ترد باحسن منها او مثلها كما تقول الآية الكريمة ولا ترد بالكلام الجارح ، ثم اعلم الجار ما من صداقتها بد . قال : وزراء خارجية البلدين يتحدثان بينهما لحسم المشاكل وانا انتظر التقرير من وزير خارجية ايران .(99/15)
قلت : ان مايدور في اروقة وزارة خارجيتكم تضييع للوقت وتبديد للامال وانت تعرف هذا جيدا انا اضمن لك اذا قبلت اقتراحي ان يكون العراق نصيرا لايران وعونا وسندا وظهيرا لها في حاضرها ومستقبلها . ثم قال … وقلت (1) … وعرجت بعد ذلك إلى الاشاعة التي كانت تدور رحاها في ايران من انه ينوي ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ، وقلت : حصلت الهند على استقلالها وبنفوسها البالغة 600 مليون هندوسي ومسلم بفضل مهاتما غاندي دحرت اعظم امبراطورية عرفها تاريخ الانسان ، وبعد ان استقلت الهند ، ارتفع غاندي عن قبول أي منصب بل كان مقامه اشمخ من ان يعرض عليه منصب ومقام وانصرف إلى رسالته الاساسية وهو التوحيد بين مختلف القوميات في الهند لبناء الهند الجديد ، والتاريخ يخلد غاندي لانه اسس اكبر دولة ديموقراطية في التاريخ الحديث وهو لم يغتنم منها جلد شعيرة .
انك لو بقيت على وسادتك كمرشد للثورة وكزعيم روحي للامة ولم تطلب لجهادك جزاء ولا شكورا فان رؤساء الجمهورية سيصطفون على بابك وستدخل في التاريخ من اوسع ابوابه .
قال : كلا ، لم ارشح نفسي للرئاسة ولا اريد جزاءا ولا شكورا .
__________
(1) راجع فصل الخميني في الميزان .(99/16)
ومع ان الرجل التزم بكلامه هذا وامتنع عن ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية الا انه رشح نفسه للولاية المطلقة والامامة العظمى ونال ما اراد ، فقد جعل نفسه بنص الدستور الجديد حاكما بامر الله على العباد والبلاد يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، وهكذا جعل من الدستور الايراني اضحوكة وسخرية وهراء وعبثا تضحك الثكلى ولولا ان التاريخ قد يكشف للاجيال القادمة التزوير الذي اقر في ظله هذا الدستور المهين للانسان والانسانية واهانة كرامة الامة الايرانية في حاضرها ومستقبلها لكانت الاجيال القادمة تعلن في اناء الليل واطراف النار آباءا وامهاتا واجدادا وجداتا اقرت العبودية والرقية والذلة لشعب باسره ونصبت عليه ولاة طغاة جناة جفاة في رداء الاسلام ولبوس الدين لا يفقهون من الحق شيئا ولا يجدون اليه سبيلا .
لقد خرجت من عند هذا الرجل وقد لمحت فيه آثار الارهاق والنسيان وعدم الاتزان في التفكير بما في ذلك روح اجرامية نمت وترعرعت لم نكن نعرفها من قبل . ورأيت ابنه احمد في قارعة الطريق وكانت من الاسئلة التي وجهتها اليه كيف ذاكرة ابيك فقال : لاشيء ، ثم اضاف قائلا انا السيد والسيد انا ، وقلت انا اتنفس الصعداء ، وعلى ايران السلام وعلى الاسلام في ايران السلام . ولاحمد هذا من العمر 28 عاما ، اما مبلغه من الثقافة فهو خريج المتوسطة .
وفي مشهد الرضا عليه السلام التقيت بالامام الشريعتمداري واعرب لي عن اهتمامه البالغ بالعلاقات بين العراق وايران وقال انه يتمنى من كل قلبه ان تسود العلاقات الاخوية الصادقة وحسن الجوار بين البلدين ولو كان بوسعه لعمل بكل ما اوتي من قوة وجهد في هذا السبيل الذي فيه رضا الله ورضى رسوله ومصلحة الاسلام والمسلمين .(99/17)
وفي طهران زارني السيد داريوش فروهر وزير العمل في دولة بازركان ورئيس حزب الامة ليخبرني بحديث مخيب للامال قال الوزير داريوش : ان مجلس الوزراء برئاسة بازركان بحث مقترحاتكم للتقارب مع العراق وفتح صفحة جديدة في العلاقات مزدهرة ونافعة ، وكان بازركان متحمسا للفكرة اشد التحمس ويورد الدليل تلو الدليل لمصلحة التقارب والتعاون مع الجيران ولا سيما العراق واكثر الوزراء كانوا متحمسين ايضا واتخذ مجلس الوزراء بعض القرارات المناسبة لمثل هذه الخطوة ، الا انه لم يمض يومين على تلك المحادثات واتخاذ القرارات حيث طلبني الخميني إلى قم على عجل وعندما بلغت مجلسه لم يمهلني الكلام بل بدا الحديث بغضب انفعال وقال لي : بلغ بازركان لقد بلغني تحمسك في التقارب مع حكومة العراق فوالله لو مددت يدك إلى الرئيس العراقي صدام حسين لقطعتها .
واختم هذا الفصل بسرد حديثين متناقضين سمعتهما من بني صدر احدهما قبل رئاسته والاخر بعدها كي اثبت مدى توغل الخميني في اشعال الحرب ضد العراق ومسئوليته الكاملة لهذه الحرب امام الله والتاريخ ، لقد قال لي بني صدر قبل ان ينتخب رئيسا للجمهورية ، هل رأيت كيف ان الخونة لم ينتصحوا بنصحك عندما نصحتهم في التقارب مع العراق ، فلماذا هذا العداء ونحن بحاجة ماسة إلى الاصدقاء لبناء بلادنا وحل مشاكلنا الداخلية ، ولكنهم يريدون تحطيم ايران . ودارت الدوائر واصبح بني صدر رئيسا لايران وذلك بعد شهر من ادلائه بهذا الكلام واذا به يفاجئني في اول لقاء معه في داره بقوله " لابد لنا من محاربة العراق " ومع انني عرفت فورا ان هذا الكلام انما هو من ايحاء الشيخ العجوز وهو مرغم على الادلاء به ، الا انني خرجت من طوري واجبته بلهجة قاسية ان جيشك لايستطيع العبور من قصبة سنندج منذ عام فكيف تريد ان تحارب اقوى دول المنطقة ، ثم اضفت وما عدا مما بدا ، فطأطأ الرجل رأسه ولم ينبس بكلام ، وهكذا خطط الخميني لحرب الاحقاد فكانت .(99/18)
حقيقة حزب الله
جرائم وغدر الشيعة الإثني عشرية بالمسلمين عبر التاريخ
من الذي تآمر مع التتار ؟ حتى استولوا على بغداد وقتلوا الخليفة المستعصم، وقتلوا معه- غدرا وفي ساعة واحدة- مائتي وألف شخصية من العلماء والوجهاء والقضاة، واستمرت المذابح فيها بضعا وثلاثين يوما، قتل فيها حوالي ثمانمائة ألف مسلم ومسلمة؟.
ومن الذي تسبب في انحسار المد الإسلامي العثماني ؟ في أرجاء أوروبة، وطعن الخليفة العثماني في ظهره بزحفه على عاصمة الخلافة بينما كان يتغلغل بجيوشه في أحشاء النمسا إلى أن دخل قلب "فيينا"، وكادت أوربا تدخل في حظيرة الإسلام لولا اضطرار الجيش العثماني إلى الانسحاب والرجوع إلى الرافضة لدحرهم ودفعهم؟ " (1).
ومن الذي تحالف مع ملك المجر ضد الدولة العثمانية ؟ (2).
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله-: "كانوا من أعظم الأسباب في استيلاء النصارى قديما على بيت المقدس حتى استنقذه المسلمون منهم " (3).
ومن الذي سلم أرض المسلمين في باكستان الشرقية لقمة سائغة للهندوس ؟ حتى يقيموا عليها الدولة المسخ "بنجلاديش "؟(4). يقول الشيخ إحسان إلهي ظهير: "وهاهي باكستان الشرقية ذهبت ضحية بخيانة أحد أبناء "قزلباش " الشيعة يحيى خان في أيدي الهندوس (5) وقد عارض شيوخ الشيعة في باكستان تطبيق الشريعة الإسلامية ، وقال زعيم مفتي جعفر حسين في مؤتمر صحفي بأن الشيعة يرفضون تطبيق الحدود الإسلامية ، لأنها ستكون على مذهب أهل السنة . ( الأنباء الكويتية في 1/5/1979م).
الدولة الصفوية ترعرعت بشيعة لبنان ولا ينكر هذا حسن نصر الله وهي التي ذبحت أهل السنة :(100/1)
في الدولة الصفوية التي أسسها الشاه إسماعيل الصفوي فُرِض التشيع الاثنى عشري على الإيرانيين قسرا وجُعل المذهب الرسمي لإيران.ولقد أعمل سيفه في أهل السنة، وكان يتخذ سب الخلفاء الثلاثة وسيلة لامتحان الإيرانيين، فمن يسمع السب منهم يجب عليه أن يهتف قائلا: "بيش باد كم باد"، هذه العبارة تعني في اللغة الأذربيجانية أن السامع يوافق على السب ويطلب المزيد منه، أما إذا امتنع السامع عن النطق بهذه العبارة قطعت رقبته حالا، وقد أمر الشاه أن يعلن السب في الشوارع والأسواق وعلى المنابر منذرا المعاندين بقطع رقابهم (1).
وكبير شيوخ لبنان الكركي الذي يلقبه الشيعة بالمحقق الثاني والذي قربه الشاه طهماسب ابن الشاه إسماعيل وجعله الآمر المطاع في الدولة فاستحدث هذا الكركي بدعا في التشيع فكان منها "التربة التي يسجد عليها الشيعة الآن في صلواتهم، فقد ألف فيها رسالة سنة 933 هـ " (2).
وهو "مخترع الشيعة" وقد ألف رسالة في لعن الشيخين- رضي الله عنهما- سماها "نفحات اللاهوت في لعن الجبت والطاغوت " (3).
ويقال: إنه هو الذي شرع السب في المساجد أيام الجمع (4).
فليهنأ حسن نصر الله بشيوخه من الرافضة الذين أقاموا الدولة الصفوية.. التي تعاونت مع الأعداء من البرتغال ثم الإنجليز ضد المسلمين وتشجيعها لبناء الكنائس ودخول المبشرين والقسس مع محاربتهم للسنة وأهلها .
وما يقول حسن نصر الله في أسياده بطهران الذين لم يسمحوا ببناء مسجد واحد لأهل السنة حتى اليوم على الرغم من أنها تضم على مرأى ومسمع من الحكومة الإيرانية اثني عشر كنيسة ، وأربع معابد يهودية وعددا من معابد المجوس عبدة النار ؟
أمام الحقائق ينهار هذا المديح الفارغ،لنعد إلى الوراء قبل أن نتكلم عن حلم حزب الله بتكوين دولة تقوم على تبني المذهب الجعفري الاثنى عشري منهجا ونظاما:(100/2)
إن العلاقة بين لبنان وإيران علاقة متميزة على اختلاف مراحلها الزمنية: "فحين استولى الصفويون على حكم إيران في مطلع القرن السادس عشر وجعلوا من التشيع الإمامي دين الدولة والأمة، كان التشيع يذوي ويتلاشى، سواء في مدارس النجف أو في مدارس خراساسان، فعمد الشاه إسماعيل إلى استقدام علماء من جبل عامل- جنوب لبنان- لتدريس الفقه الإمامي، فكان منهم: بهاء الدين العاملي محمد بن الحسين بن عبد الصمد الذي أصبح شيخ الإسلام في أصفهان على عهد الشاه عباس الكبير، وكان منهم أيضا علي بن الحسين العاملي المعروف بالمحقق الكركي الذي روج المذهب وبالغ في ذلك بحيث لقبه بعضهم بمخترع مذهب الشيعة" (9).
ومنطقة جبل عامل (أو عاملة) في قلب جنوب لبنان كانت أهم مرجعية شيعية في العالم بين القرنين الميلاديين الرابع عشر والسادس عشر، ومع بداية هذا التعاون مع الدولة الصفوية أبيد الآلاف من أهل السنة من العامة والعلماء، ففي تبريز- العاصمة- وحدها كان السنة فيها ل يقلون عن 65% من السكان، وقد فتل منهم في يوم واحد 40 ألف سني كما أجبر الألوف على التحول القسري إلى مذهب الإمامية (10).
كما كانت هناك مؤامرات عديدة وتعاون مع قوى غربية على إسقاط الدولة العثمانية، وهي من الأمور غير الخافية عبر التاريخ (11).
"وقد استهوت التجربة الصفوية الشيعية- المضطهدين- في العراق وجبل عامل- جنوب لبنان- والبحرين، وذهب العلماء بالخصوص ليدعموا تأسيس الدولة الشيعية ( الصفوية ) الوليدة" (12) .
أثر الحركات الباطنية في عرقلة الجهاد ضد الصليبيين
لقد كان للحركات الباطنية الشيعية- من النزارية- الحشاشين-، والفاطميين المستعلية. والنصيرية- والدروز- أكبر الأثر في عرقلة الجهاد ضد الصليبيين.(100/3)
وكان لقلاعهم في الشام "قلعة المرقب" وقلعة الخوابي، وقلعة صهيون، وقلعة المينقة، وقلعة بانياس ووادي التيم، وجبل الشوف، وجبل عالية- دور كبير في خيانة المسلمين، ولقد عاونوا الصليبيين على احتلال بلاد الشام وساعدوهم في ذلك، واغتالوا خلفاء المسلمين وعلمائهم وقوادهم:
فقتلوا الخليفة المسترشد العباسي سنة 529 هـ
وقتلوا الخليفة الراشد العباسي سنة 532هـ
وقتلوا الوزير نظام الملك سنة 485 هـ
وقتلوا الوزير أبا المحاسن عبد الجليل سنة 495 هـ
وقتلوا أباطالب السميري الوزير سنة 516 هـ
وقتلوا الوزير معين الملك "أبا نصر"
وقتلوا الوزير عضد الدين أبا الفرج
وقتلوا الوزير نظام الملك مسعود بن علي
وقتلوا الوزير فخر الملك أبا المظفر علي بن نظام الملك
قتلوا من الفقهاء:
الفقيه أحمد بن الحسين البلخي
وأبا القاسم ابن إمام الحرمين
والفقيه عبد اللطيف بن الخجندي
والفقيه أبا المحاسن الروياني
ومن القضاة
القاضي عبيد الله بن علي الخطيبي ،
والقاضي صاعد بن عبد الرحمن أبا العلاء،
والقاضي أبا سعد محمد بن نصر الهروي
ومن الوعاظ
أبا جعفر بن المشاط والواعظ أبا المظفر الخجندي.
ومن السلاطين
قتلوا السلطان داود بن السلطان محمود، والسلطان بكتمر.
ومن الأمراء
الأمير بلكابك سرمز سنة 493 ه
والأمير أحمد بن إبراهيم الروادي
والأمير تاج الملوك بوري بن طغتكين
والأمير آقسنقر الأحمديلي
والأمير أغلمش
والأمير شهاب الدين الغوري
والأمير جناح الدولة حسين
والأمير خلف بن ملاعب
والأمير شمس الملوك إسماعيل بن بوري
والأمير برسق الكبير.
ومن قادة المجاهدين ضد الصليبيين
قتلوا الأمير مودود صاحب الموصل ، قتلوه بعد فراغه من صلاة الجمعة في مسجد دمشق وهو صائم، وجاء كتاب من الفرنج إلى المسلمين فيه: "إن أمة قتلت عميدها في يوم عيدها في بيت معبوده لحقيق على الله أن يبيدها".(100/4)
وقتلوا قائدا آخر من قادة الجهاد ضد الصليبيين وهو الأمير قسيم الدولة آقسنقر البرسقي سنة 520 هـ قتلوه في المسجد الجامع بعد صلاة الجمعة
وحاولوا قتل صلاح الدين الأيوبي سنة 570 هـ داخل معسكر جيشه، ومرة أخرى سنة 571 هـ وهو محاصر لحلب...
وحاربوا صلاح الدين ونور الدين محمود زنكي
وتحالفوا مع الفرنجة أيام أن كانت لهم دولة في مصر وهي الدولة الفاطمية.(13)
وماضي منظمة أمل الشيعية التي خرج منها "حزب الله " أسود فلقد: قتلوا المئات من الفلسطينيين وأهل السنة في المخيمات الفلسطينية بداية من 20/ 5/1985م وحتى 18/6/ 1985م
ودفعوا أهل السنة من الفلسطينيين لأكل القطط والكلاب
وفعلوا ما لم تفعله إسرائيل وسقط من الفلسطينيين 3100 بين قتيل وجريح وذبحوهم من الأعناق
واغتصبوا النساء وهذا نقدمه بداية لكلامنا عن "حزب الله " الذي انبثق عن منظمة أمل وخرج من عباءتها.
هذا هو حزب الله!!
وهذا هو نصر الله!!
لله ثم للتاريخ نكتب
هذا لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ..
_____________________________________________________
(1) انظر: "الحروب العثمانية الفارسية وأثرها في انحسار المد الإسلامي عن أوربا" للدكتور محمد عبد اللطيف هريدي- دار الصحوة- القاهرة.
(2) مقدمة كتابا حقبة من التاريخ(لعثمان الخميس) والمقدمة(د.محمد إسماعيل المقدم ص (9- 10) دار الإيمان.
(3) "منهاج السنة لابن تيمية (4/ 110).
(4) مقدمة: حقبة من التاريخ ص (10)
(5) الفكر الشيعي والنزعات الصوفية حتى مطلع القرن الثاني عشر الهجري لكامل مصطفى الشيبي ص (58).
(6) الفكر الشيعي ص (416).
(7) الفكر الشيعي ص (416).
(8) الموضع نفسه من المصدر السابق.
(9) حقيقة المقاومة
(10) انظر: "تاريخ الصفويين وحضارتهم " لبديع جمعة وأحمد الخولي ص (55)- دار الرائد العربي.
(11) "مئة مشروع لتقسيم الدولة العثمانية" ص (77، 125).(100/5)
(12) "تطور الفكر السياسي الشيعي " لا"حمد الكاتب ص (379).
(13) الكامل لابن الأثير(10/496،497)،البداية والنهاية لابن كثير(12/ 173)، و"الروضتين " لأبي شامة (1/ 27)
حقيقة حزب الله الشيعي
لكم عانت أمة الإسلام من خلط المفاهيم وتشويه صورتها ، ومن تبديل الحقائق وتزويرها، ولكم عانت كثيرا من تجارب مريرة خدعتها زخرفة الصورة وبهاء منظرها، وحلو منطق مزخرفها.. ".
ومن هذا الخلط التلميع الدائم والمستمر لحزب الله وكأنهم جند الله المنتظرون حتى يقول أحد الناس عن حسن نصر الله زعيم حزب الله الشيعي: "إنه صلاح الدين في القرن العشرين ".
هذه السنون الخداعة التي نعيش فيها جعلت من المبتدعة المتطرفين في بدعتهم قادة وأبطالا تصاغ لهم الأمجاد كاذبة وتهتف لهم الجماهير.
منظري حزب الله من المحسوبين على أهل السنة
د فهمي هويدي - وحلمي القاعود - ومجدي أحمد حسين - ومنتصر الزيات - ومحمد مورو وعبد العظيم المطعني - ودعاة الإخوان يلمعون صورة حزب الله المبتدع وكأنه قدوة الأمة:
إن العامي من أهل السنة تنضبط عنده المعايير أكثر مما تنضبط عند دعاة مشهورين على غير منهجه السديد، تختلط عليهم الأمور؟ لأنهم يقيسونها بعاطفتهم على غير هدى من عقيدة السلف.. وإلا فانظر إلى المرموقين وقولهم:(100/6)
يقول فهمي هويدي: في مقالة بعنوان "إنهم يرصعون جبين أمتنا": "إن المقاومة الإسلامية في لبنان تمثل لنا ضوءا باهرا في الأفق المعتم، وصوتا جسورا وسط معزوفة الانكسار، وقامة سامقة تصاغر إلى جوارها دعاة الانبطاح والهرولة، وهي مع هذا كله لم تنل ما تستحقه من متابعة وتقدير في الخطاب الإعلامي العربي. ويحزن المرء أن بعضا منا أغمضها حقها، محاولا النيل منها وتلطيخ صورتها الوضاءة. إن الإفصاح عن مشاعر المؤازرة والامتنان لأولئك الشباب بمثابة "فرض عين " لا يسقط بالتقادم!! إنهم يدافعون- بهذا الدور البطولي الذي يقومون به- عن شرف الأمة العربية وعن الأمل في أعماق كل واحد فينا، إنهم يرفعون رؤوسنا عاليا ويرصعون جبين أمتنا" (1).
ويقول حلمي القاعود:"إن حزب الله يقوم بدور رائد في إيقاظ الأمة وتقديم الدليل على قدرتها لصد العدوان " (2).
ويقول مجدي أحمد حسين:"فالمقاومة الإسلامية لحزب الله واحدة من أبرز معالم نهضة الأمة وأكبر دليل على حيويتها" (3).
ويقول منتصر الزيات: "إن المؤشرات تدل على فشل محاولات التسوية الجارية لكونها انهزامية، وهذا يفتح الباب واسعا لبقاء حزب الله رمزا حيويا للمقاومة الإسلامية!! بل والعربية، وسيتمتع في هذا الإطار بالشموخ والاستعلاء على كل دعاوى التسوية الاستسلامية السائدة في المنطقة" (4).
ويقول د. محمد مورو: "لماذا حظيت المقاومة الإسلامية بهذا القدر الهائل من التضامن الشعبي العربي والإسلامي، بل من كل المستضعفين في العالم؟
وهل يتحول الطرح السياسي والحضاري لتلك المقاومة إلى أيديولوجية للمحرومين في كل مكان في العالم في مواجهة النمط الحضاري والقيمي الغربي الذي يهدد العالم بأسره؟
لماذا نجحت المقاومة اللبنانية في أن تصبح طليعة لكل قوى التحرر العربي على اختلاف مشاربها الدينية والطائفية والسياسية والطبقية؟!(100/7)
وبصيغة أخرى: لماذا نجحت المقاومة اللبنانية في الخروج من مأزق الطائفية الضيق!!! إلى رمز للتحرر لكل إنسان مسلما كان أم مسيحيا، عربيا أم عالميا، أبيض أو أسود؟
لماذا كانت المقاومة- وحزب الله بالتحديد- هي الجزء الحي في النسيج العربي الذي اهترأت الكثير من أجزائه وأطره الفكرية والتنظيمية؟ "(5)
حتى لا يُزيف الواقع ، ويُلمع المبتدعة من الشيعة من رجال حزب الله، فإن ننقل أقوالهم وصلتهم بشيعة إيران،
إخوانهم في المذهب الاثن عشري الجعفري
يقول محمد حسين فضل الله المرشد الروحي لحزب الله: "إن علاقة قديمة مع قادة إيران الإسلامية بدأت قبل قيام الجمهورية الإسلامية، إنها علاقة صداقة وثقة متبادلة، ورأي ينسجم مع الفكر الإيراني ويسير في نفس سياسته " (1).
ولما قيل لحسن نصر الله (2) الأمين العام لحزب الله: إن دور حزبه لن ينتهي؟ لأنه حزب مستورد من الخارج (سوريا أو إيران) فقال:
"لنكن " واضحين ونحكي الحقائق، الفكر الذي ينتمي إليه "حزب الله " هو الفكر الإسلامي، وهذا الفكر لم يأت من "موسكو" أيام الاشتراكية ولا من "لندن" أو باريس، إذن نحن لم نستورد فكراً!!
وإذا كان من يقول: إن الفكر إيراني. أقول له: إن هذه مغالطة؟ لأن الفكر في إيران هو الفكر الإسلامي الذي أخذه المسلمون إلى إيران، وحتى هذا الفكر خاص بعلماء جبل (عامل). اللبنانيون هم الذين كان لهم التأثير الكبير في إيران (1) "مجلة المجتمع "، العدد 955، "حلقات الإسلام والكونجرس، الحلقة 38 ص (46)، د. أحمد إبراهيم خضر. (2)
ماذا تعرف عن حسن نصر الله ؟(100/8)
حسن عبد الكريم نصر الله (خوميني العرب) من مواليد 21 أغسطس 1960، عين مسئول عن حركة أمل في بلدة البازورية في قضاء صور، وسافر إلى النجف في العراق عام 1976م لتحصيل العلم الديني الإمامي، وعين مسؤول سياسئ في حركة أمل عن ! إقليم البقاع وعضوا في المكتب السياسي عام 1982م، ثم ما لبث أن انفصل عن الحركة! وانضم إلى حزب ألفه، وعمن مسئول عن بيروت عام 1985م، ثم عضوا في القيادة المركزية وفي الهيئة التنفيذية للحزب عام 987 ام، واختير أميتا عائ على أثر اغتيال الاسمين العام السابق عباس الموسوي عام 1992م مكمل ولاية سلفه، ثم أعيد انتخابه مرتين عام 1993م، و1995 م. وردت هذه الترجمة لنصر الله في مقدمة حواره مع (مجلة الشاهد السياسي "، العدد 147، 3/ 1999/1 م.
على المستوى الحضاري والديني في القرون السابقة، أين هو الاستيراد؟ هذا الحزب كوادره وقياداته وشهداؤه لبنانيون " (1).
وقال الناطق باسم حزب الله- ذاك الوقت- إبراهيم الأمين: "نحن لا نقول: إننا جزء من إيران؟ نحن إيران في لبنان، ولبنان في إيران " (2).
ويقول حسن نصر الله: "إننا نرى في إيران الدولة التي تحكم بالإسلام، والدولة التي تناصر المسلمين والعرب! وعلاقتنا بالنظام علاقة تعاون، ولنا صداقات مع أركانه ونتواصل معه، كما أن المرجعية الدينية هناك تشكل الغطاء الديني والشرعي لكفاحنا ونضالنا" (3).
وقد عين مرشد الثورة الإيرانية على خامنئي الشيخ محمد يزبك عضوا ثوريا لحزب الله والمدرس بحوزة الإمام المنتظر ببعلبك، وحسن نصر الله أمين عام الحزب "وكيلين شرعيين " عنه في لبنان في الأمور الحسبية والوجوه الشرعية، فيستلمان عنه الحقوق ويصرفانها في مصالح المسلمين ويجريان المصالحات الشرعية، ويعينان الوكلاء من قبلهما" (4).
صلة حسن نصر الله بمنظمة أمل(100/9)
منظمة أمل هذه أنشأها موسى الصدر وله من الصلة الوثيقة بالخميني ما له. يقول نبيه بري: "إن حركة أمل ليست حركة دينية، وميثاق الحركة الذي تمت صياغته في عام 1975م من قبل 180 مثقفا (1) "مجلة المقاومة"، العدد (40) ص (29)، وهي مجلة شهرية تصدر في مصر، تعني بشئون حزب الله، يصدرها د. رفعت سيد أحمد- مركز ياف للدراسات وال"بحاث.
(2)"جريدة النهار" (5/ 3/ 1987)
(3) "مجلة المقاومة"، العدد 27 ص (15- 16).
(4) "مجلة السفير" اللبنانية (18/ 5/ 1995 م
(1) لبنانيا معظمهم من المسيحيين!! يدعو إلى إلغاء النظام الطائفي "
(1) في 8-10-1983م أعلن المفتي الجعفري عبد الأمير قبلان باسم المجلس! الشيعي الأعلى ما يلي: "إن حركة أمل هي العمود الفقري للطائفة الشيعية، وإن ما تعلنه أمل نتمسك به كمجلس شيعي أعلى، ومن ثثم فإن ما يعلنه المجلس الشيعي تتمسك به الحركة"
(2) جاء هذا التأييد للحركة بعد الانشقاق الذي خرجت به "أ" الإسلامية" أحزب الله فيما بعد) وبعد الحضور الفعلي "لحزب الله " على أرض الصراع (3). "وكان حسين الموسوي وهو نائب رئيس حركة أمل قد أعلن عن انشقاقه عن منظمة أمل وأعلن "أمل الأمل الإسلامية" التي تحولت فيما بعد إلى حزب الله " (4). لى! يقول حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله: "إننا حريصون على علاقة طيبة مع "أمل " ونحن نعمل على تطوير هذه العلاقة، وهناك لجنة ثنائية من أحد قادة "أمل " مع أخيه في حزب الله ينظرون في كل الأمور المشتركة سياسية وعسكرية، وسياستنا تقول: إن الموضوعات التي نتفق عليها نتعاون مغ، وما نختلف عليه لا يؤديمم الخلاف في وجهة(100/10)
"حقيقة المقاومة" ص (117)، و"نص الميثاق فى أمل والشيعة" لنورثون ص (229- 264)، و"أمل والمخيمات الفلسطينية" ص (155). ونبيه بري كان رئيسا لمجلس النواب اللبناني، وهو قائد حركة أمل وعضو المجلس الشيعي الأعلى. "أمل والمخيمات ". "حقيقة المقاومة" صى (122- 123). انظر "حقيقة المقاومة" ص (119)
لا النظر إلى نزاع، حتى الخلافات تم تنظيمها، والطابع العام لعلاقتنا الإيجابية والتنسيق والتعاون، وقبل أسابيع حضرت لقاء مع الرئيس (بري) لتثبيت هذه الصيغة وتفعيله" (1). قال حسن نصر الله هذا الكلام عن "أملى" بعد ذبحها للفلسطينيين وأهل السنة. "وبهذا يتضح أنه لم يكن هناك إبعاد كبير "لحركة أمل " بقدر ما هو زحزحة من الصورة "العسكرية" والمواجهة إلى الساحة "السياسية" واستبقاؤها لأدوار أخرى تتوافق والمتغيرات السياسية لإيران وملفاتها في لبنالط " (2). * ميثاق حزب الله ينص على أنه شيعي إمامي اثنا عشري جعفري: جاء في ميثاق حزب الته المعلن في 26 جمادى الأول 1405هـ الموافق 16 شباط 1985م: "إننا أبناء أمة حزب الله التي نصر الفه طليعتها في إيران، وأسست من جديد نواة دولة الإسلام المركزية في العالم.. نلتزم بأوامر قيادة واحدة حكيمة وعادلة تتمثل بالولي الفقيه الجامع للشسرائط، وتتجسئد حاضرا بالإمام المسدد آية الفه العظمى روح الله الموسوي الخميني دام ظله.. مفجر ثورة المسلمين وباعث نهضتهم المجيدة... أما ثقافتنا فمنابعها الأساسية: القرآن الكريمم، والسنة المعصومة!!!!، والأحكام والفتاوى الصادرة عن الفقيه مرجع التقليد عندنا... إن الإمام الخميني القائد أكد مراراً على ضرورة صلاح العالم واهتمامه بتزكية نفسه قبل الآخرين (1) حقيقة المقاومة ص ( 248،227،226)
(1) حوار أجرته مجلة المصور" المصرية في شهر مارس 1999 م، ونشرتها مجلة المقاومة" في العدد 0 4/ إبريل 1999 م ص (26).
(2) "حقيقة المقاومة" ص (124).(100/11)
صبحي الطفيلي يعترف بأن حزب الله اللبناني هو الحامي للمستوطنات اليهودية
إستمع إلي صبحي الطفيلي يعترف بأن حزب الله اللبناني هو الحامي للمستوطنات اليهودية
فتوى سماحة الشيخ / عبد الله الجبرين في حزب الله الشيعي
بسم الله الرحمن الرحيم
سماحة الشيخ العلامة / عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين حفظه الله ورعاه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
بدأ في الآونة الأخيرة ظهور بعض المنادين بنصرة حزب الله اللبناني ، وهذا الحزب رافضي موالي لإيران... وسؤالنا :
بدأ في الآونة الأخيرة ظهور بعض المنادين بنصرة حزب الله اللبناني ، وهذا الحزب رافضي موالي لإيران... وسؤالنا :
هل يجوز نصرة حزب الله الرافضي ؟؟؟
وهل يجوز الانضواء تحت إمرتهم ؟؟؟
وهل يجوز الدعاء لهم بالنصر والتمكين ؟؟؟
وما نصيحتكم للمخدوعين بهم من أهل السنة ؟؟؟
الجواب :
لا يجوز نصرة هذا الحزب الرافضي ، ولا يجوز الانضواء تحت إمرتهم ، ولا يجوز الدعاء لهم بالنصر والتمكين ، ونصيحتنا لأهل السنة أن يتبرؤا منهم وأن يخذلوا من ينضموا إليهم وأن يبينوا عداوتهم للإسلام والمسلمين وضررهم قديما وحديثا على أهل السنة ، فإن الرافضة دائما يضمرون العداء لأهل السنة ويحاولون بقدر الاستطاعة إظهار عيوب أهل السنة والطعن فيهم والمكر بهم ، وإذا كان كذلك فإن كل من والاهم دخل في حكمهم لقول الله تعالى : ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم )
قاله وأملاه
عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين
في : 7 / 2 / 1423 هـ(100/12)
حقيقة ما يُسمى
زبور آل محمد
والمطبوع على هيئة المصحف الشريف
وكشف منسوبات أخرى
د. ناصر بن عبد الله القفاري
دار الفضيلة - الرياض : 11433- ص.ب: 10387
تليفاكس: 233303
حقوق الطبع محفوظة
الطبعة الأولى 1419هـ / 1998
مقدمة
الحمد له القائل : { إنما يفتري الكذب الذين لايؤمنون بآيات الله } (1) .
والصلاة والسلام على من قال : " إن الكذب يهدي إلى الفجور ،وإن الفجور يهدي إلى النار "(2)
وعلى آله أولى النهى والأبصار، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم القرار.
وبعد :
فإن الباعث على وضع هذه" الوريقات" سؤال ورد من بعض الجهات العلمية عن كتاب طبع علىهيئة المصحف الشريف ، وسمي " الصحيفة السجادية" ، ونسب إلى الإمام علي بن الحسين ، وتقوم مادة هذه الوريقات على ثلاثة مباحث.
الأول ... : كشف حقيقة هذه الصحيفة ، والتي يسمونها" الصحيفة السجادية " ، أو " زبور آل محمد"، أو " إنجيل أهل البيت"، أو " أخت القرآن"، وذلك من خلال قول أئمة العلم فيها، وما تدل عليه مضامينها.
الثاني ... : إلى من تُنسب إليه هذه الصحيفة، وفيه ترجمة موجزة للتابعي الجليل الإمام علي بن الحسين ، الغرض منه التركيز على معتقد الإمام من خلال أقواله وبراءته من الروافض وما يفترون.
الثالث : منسوبات أخر لأئمة آخرين ، وفيه إشارات لصحف مفتريات ، وبيان لمكائد ومؤامرات بغية التلبيس والإضلال،وقد وثقت هذا البحث الموجز من المصادر الأصلية.
وقد يقول قائل: دع هذا " الكتيب المفترى" وأمثاله في زاوية النسيان، ولا تدل الجهال عليه ومن لا تمييز عنده بوريقاتك.
وأقول:
الأول : لم أكتب هذه السطور ابتداءً ، وإنما إجابة لمن تعينت إجابتهم ، ولا وجه للإعتذار عن تلبية طلبهم.
والثاني : إن هذه الصحيفة طبعت طبعا عديدة ، وبكميات كبيرة ، فلم تعد أمراً خفياً.
__________
(1) النحل ، آية : 105
(2) جزء من حديث رواه البخاري 7/95 ، ومسلم رقم (2607).(101/1)
والثالث : أنها منسوبة لإمام من أئمة أهل البيت والسنة ، فهذا يوجب الاغترار بها.
الرابع : إن شيخ الإسلام ذكر في معرض كلامه عنها أنه يعتمد على أدعيتها كثير من أهل الكلام والوعاظ (1).
الخامس : إنها مناسبة لنقل اعتقاد هذا الإمام المفترى عليه من خلال أقواله.
السادس : إن في مضامينها غلواً في الآل، والإمام منها بريء، فهي مادة تدافع عن الآل، وهذا من حقوقهم علينا.
وأخيراً: فإن طابعها تعمد إخراجها على هيئة طباعة القرآن العظيم لما يدعون بأنها" زبورهم"، و"إنجليهم"، (ولم يجرؤا أن يقولوا : " قرآنهم"، بل قالوا:"أخت) القرآن، وربما يكون في هذا الإخراج تغرير بالجاهلين وخداع للغافلين بما قد يظنونه نسخة من القرآن الكريم، وأنا لا أزعمن أني أدافع عن القرآن، فكتاب الله الذي تكفل بحفظه لا تصل إلى مقامه بغاث الأحلام، ولاتنال من عظمته دعوى حاقد ومزاعم مغرض، وهل تحجب الشمس يد إنسان ! وهل يخفى القمر أمام العيان! ، ولكني أكشف محاولة الجاني والجناية، وأفضح المجرم والجريمة، ولاسيما إن هذه الدعوى تحملها طائفة وتسير به طباعة، ويتولى إشاعتها فئام.
والله تعالى أسأل أن يجعل هذا العمل لوجهه خالصاً، ولسنة نبيه موافقاً، وعن الآل مدافعاً، ولدينه ناصراً، وذخراً لي يوم ألقاه.
وصلى الله وسلم على من أكمل الله به الدين ، وأتم به النعمة وآله وصحبه أجمعين.
المبحث الأول
حقيقة ’’الصحيفة السجادية‘‘
مجموعة من الأدعية تبلغ (54) دعاءً، يضمها كتيب من القطع الصغير ، تصل صفحاته حسب ط. دار التبليغ الإسلامي 319 صفحة.
وينسبها الروافض لعلي بن الحسين بن علي بن
أبي طالب ، المشهور بـ"زين العابدين" (2)، والذي يعدّونه إمامهم الرابع، لكن أكثرها عند أهل العلم من الموضوعات.
__________
(1) ينظر مناج السنة 6 /306.
(2) ينظر منهاج السنة 6/306.(101/2)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " الأدعية المأثورة في صحيفة علي بن الحسين أكثرها كذب على علي بن الحسين " (1)
قلت: وفي مضامين هذه الصحيفة ما يثبت ذلك من الغلو في الآل(2)،والتوسل المبتدع في الدعاء (3)، ودعوى الإمامة المنصوصة (4)،وهذا كافٍ في الحكم على هذه الصحيفة أو على أكثرها بحكم شيخ الإسلام.
وقد تفرد بنقلها الروافض، ولا حجة في نقلهم ، وادعوا في بدايتها أنها سرية التداول (5)، ومتى كان الدعاء لله سبحانه موضع التداول السري بين المسلمين فضلاً عن حقبة القرون المفضلة! ولكنها شهور الغلو، والتستر على الكذب، ومحاولة تعظيم المكذوب وإشاعته، وهذا ديدن الفرق الباطنية في كثير من نصوصها وكتبها، ومع ظهور علامات الكذب عليها سنداً ومتناً فإن الروافض يقدسونها، ويقولون:" هي من المتواترات"(6).
وقد نشروها في هذا العصر بطبعات أنيقة، وتعمدوا إخراجها بصورة تشابه في شكلها طبعات القرآن ، لأن هذه الصحيفة في موازينهم شقيقة القرآن في القدسية والتعظيم، ولذا يسمونها" أخت القرآن"
و"إنجيل أهل البيت" و " زبور آل محمد"(7) .
ولذا قال محمد جواد مغنية رئيس المحكمة الجعفرية ببيروت(8):"الصحيفة السجادية التي تعظمها الشيعة وتقدس كل حرف منها" (9) .
وقد اهتموا بشرحها: وذكر صاحب الذريعة أسماء هذه الشروح فوصلت إلى خمسة وستين.
__________
(1) مناج السنة 6/306.
(2) كدعوى بأنهم يعلمون ما يكون ، انظر ص (7-8).
(3) انظر التوسل بالدعاء في الآل والغلو فيهم ص (260).
(4) انظر دعوى أن الإمامة فيهم دون غيرهم ص (262.. الخ).
(5) انظر الصحيفة السجادية ص(9) وما بعدها.
(6) الذريعة 15/18
(7) الذريعة 15/18، وانظر: معالم العلماء لشيخهم: بان شهر آشوب ص(125،131).
(8) تُوفي من فترة قريبة.
(9) التفسير الكاشف: 10/515.(101/3)
ومن الملفت للنظر أن جملة من هذه الشروح سلكت في أسلوب شرحها للصحيفة طريقة المفسرين، ومن هذا النوع " شرح الصحيفة" لشيخهم علي بن زين العابدين بن محمد المعروف عندهم بالشيخ علي الصغير، والذي فرغ من تأليفه سنة 1097هـ، ولذا قال عنه صاحب الذريعة : " وهو شرح مبسوط يشبه تفسير مجمع البيان في أسلوبه، حيث يذكر الدعاء أولاً ثم اللغة ثم الإعراب ثم المعنى" (1).
وأشار بعض الشراح إلى أنها من الوحي المنزل، حيث ذكر أن الله جعل الدعاء بهذه الصحيفة، فقال: " الحمد لله الذي جعل الدعاء في الصحيفة الكاملة زين العابدين وحثنا بالاحتذاء في مراسمه بإمام الساجدين" (2).
ولا نحتاج لتقرير هذا المر عند هذه الطائفة إلى الاستنباط من هذه الكلمات، ذلك أنهم يصرحون في كتبه يتنزل (بتنزل) كتب إلهية على الأئمة، كما يقولون: إن الوحي ينزل عليهم والملائكة تأتيهم، والصحيفة السجادية هي لأحد هؤلاء الأئمة الذي قالوا فيهم (فيه) هذه الأقوال وغيرها، كما يقولون بنزول مصحف يسمونه " مصحف فاطمة" (3)، وآخر يسمونه " لوح فاطمة" (4) ، وقالوا أيضاً بنزول اثني عشر صحيفة من السماء تتضمن صفات الأئمة (5).
وكل قول للأئمة فهو كقول الله ورسوله عندهم ، قال ابن بابويه في الاعتقادات الذي يسمى دين الإمامية " قولهم قول الله ، وأمرهم أمر الله ، وطاعتهم طاعة الله ، ومعصيتهم معصية الله ، وأنهم لم ينطقوا إلا عن الله تعالى وعن وحيه " (6)
__________
(1) الذريعة 13/353-354.
(2) شرح الصحيفة للمرزا قاضي (انظر: الذريعة 13/355).
(3) انظر: أصول الكافي 1/239،240، بحار الأنوار 26/44 وغيرها.
(4) انظر: أصول الكافي 1/527-528، إكمال الدين/لابن بابويه القمي ص(301-304)، أعلام الورى / للطبرسي ص (152)، الاستنصار / للكراجي ص(18)، الاحتجاج/ للطبرسي 1/84-87.
(5) إكمال الدين ص(263)
(6) الاعتقادات ص ( 106 )(101/4)
وأصل ذلك أن الأئمة يوحى إليهم عندهم كما جاء التصريح بذلك في عشرات من الروايات ضمن أبواب تمثل عناوينها أصول وقواعد النحلة ، منها " باب عقده صاحب الكافي بعنوان أن الأئمة تدخل الملائكة بيوتهم وتطأ بسطهم ، وتأتيهم بالأخبار – عليهم السلام " (1)
وأورد في هذا المعنى أربع روايات ، ثم ما لبثت هذه الروايات الأربع أن زادت عند المتأخرين لتصل إلى ست وعشرين رواية في باب عقده صاحب البحار بعنوان"باب الملائكة تأتيهم وتطأ فرشهم وأنهم يرونهم " (2)
ثم تتحدث أحبارهم عن أنواع الوحي للإمام ، فتقول على لسان جعفرهم (3) : " وإن منا لمن ينكت في أذنه ، وإن منا لمن يؤتى في منامه ، وإن منا لمن يسمع صوت السلسلة على الطشت ، وإن منا لمن يأتيه صورة أعظم من جبرائيل وميكائيل " (4).
وهم بهذا أعطوا الأئمة معنى النبوة دون اسمها ، وهو مذهب غلاة الروافض (5)
__________
(1) أصول الكافي 1/393 -394 .
(2) بحار الأنوار 26/355 .
(3) ونبرىء الإمام جعفر من هذا الإلحاد .
(4) بحار الأنوار 26/358 ، بصائر الدرجات ص (63) ، وانظر تأكيدهم لهذا المعنى في روايات عدة في بحار الأنوار 26/53 وما بعدها الروايات ، رقم ( 110 ، 111 ، 112 ، 130 )
(5) قال شيخ الإسلام ابن تيمية : الشيعة ثلاث درجات :
1. شرها الغالية : وهم اللذين يجعلون لعلي شيئاً من الألوهية أو يصفونه بالنبوة .
2. الدرجة الثانية : وهم الرافضة .
3. الدرجة الثالثة : المفضلة من الزيدية .
( ابن تيمية/ التسعينية ص ( 40 ) ، ضمن مجموع فتاوى شيخ الإسلام المجلد ( 5 ) ط كردستان 1329 هـ ) .(101/5)
، بل كأنهم من خلال دعواهم : " أن من الأئمة من يأتيه أعظم من جبرائيل " أرفع من مقام سيد ولد آدم الذي لا يأتيه سوى جبريل ، وما لنا نتكلف في الاستنباط وقد قالوها صراحة ، فقرروا بأن من ضرورات مذهبهم بأن لأئمتهم مقاماً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل (1) ، وهذا مذهب غلاة الروافض (2) ، ولذلك لم يعد هناك فرق في موازينهم بين قول الأئمة وقول رسول الله وقول الله سبحانه .
ولذا قالوا : "يجوز لمن سمع حديثاً عن أبي عبد الله أن يرويه عن أبيه أو عن أحد أجداده ، بل يجوز أن يقول قال الله تعالى "(3)
وقالوا : بأن في رواياتهم ما يدل على أولويته (4) – أي أولوية نسبة أقوال البشر إلى الله سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون .
{ ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو قال أوحي إلى ... } [الأنعام :93] .
{ فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً ليضل الناس بغير علم } [الأنعام : 44].
{ فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً ... } [البقرة 79].
بل قالوا :إن الأئمة تذهب إلى عرش الرحمن – تعالى الله عما يقولون – كل جمعه لتطوف به فتأخذ من العلم ما شاءت (5)
{ انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثماً مبيناً } [النساء :50]
__________
(1) انظر : الفصول المهمة في أصول الأئمة ص ( 151 ) ، بحار الأنوار : 26 / 267 ، الحكومة الإسلامية ص ( 52 ) ، وانظر للتفصيل أصول مذهب الشيعة 2/ 613 وما بعدها .
(2) قال القاضي عياض : " نقطع بتكفير غلاة الرافضة في قولهم : إن الأئمة أفضل من الأنبياء " ، الشفاء ص ( 1078 ) ، وانظر : أصول الدين للبغدادي ص ( 298 ) ، منهاج السنة 1/177 .
(3) المازندراني / شرح جامع ( على الكافي ) 2/ 272 .
(4) الموضوع نفسه من المصدر السابق .
(5) انظر : أصول الكافي 1/ 254 ، بحار الأنوار : 26/ 88-89 ، بصائر الدرجات : ص ( 36 ) .(101/6)
{ وإنما يفتري الكذب الّذين لا يؤمنون بآيات الله }
( النحل : 105 ) .
ولكن { ما ظن الّذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة } ( يونس : 60 ) .
{ إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون } [يونس : 69].
إن أقوالهم في هذا الباب كثيرة ، لكن الغرض أن نبين أنهم يعدون الصحيفة السجادية كالقرآن ، بل إن هذه الصحيفة المزورة في جملتها على علي بن الحسين تحظى بهذا التقديس ، والتي لو كانت صحيحة النسبة لعلي بجملتها فلا يسوغ أن توضع بهذه المكانة .
ولكن قارن هذا الغلو والتعظيم لهذه الصحيفة الموضوعة في الجملة بذلك الركام المظلم والذي سود جملة من كتبهم، أعني تلك المحاولات اليائسة من هؤلاء الزنادقة للتعرض لكتاب الله سبحانه(1) ، وتعجب من هؤلاء القوم الّذين يكذبون بالحقائق المتواترات ويصدقون بالأكاذيب الواضحات ، مع أنهم في صحيفتهم المقدسة اختلفوا في قائل " حدثنا السيد الأجل " في صدر سند الصحيفة السجادية ، وأقروا باختلاف نسخها (2) .
ولكن منطق التعصب والغلو يقول لا نشك في حرف فيها ، وهي وأمثالها كقول الله ورسوله !! .
ونقول لهم : لقد ختم الله سبحانه بمحمد - صلى الله عليه وسلم - الرسالات ، وأكمل برسالته الدين ، وأتم النعمة ، وانقطع بموته الوحي ، وهذه أمور معلومة من الدين بالضرورة ، وهذه الدعاوى الخطيرة لكم تقوم على إنكار هذه المبادىء ، أو تنتهي بقائلها إلى ذلك ، وهذا بلا شك نقض لحقيقة شهادة أن محمداً رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وإذا كان هذا قولكم فلكم دينكم ولنا ديننا .
__________
(1) انظر : أصول مذهب الشيعة : 1/ 200 وما بعدها .
(2) الذريعة : 15 /19 .(101/7)
ولقد كانت أمثال هذه " الشذوذات " مذهب لطائفة مغمورة مقموعة منكرة غلاة في نظر كثير من فرق الشيع نفسها ، وقد نسب الإمام الأشعري هذه " الشواذ من المقالات " إلى الصنف الخامس عشر من أصناف الغالية ، فهم الّذين يزعمون أن الأئمة ينسخون الشرائع،ويهبط عليهم الملائكة ، وتظهر عليهم الأعلام والمعجزات ، ويوحى إليهم "(1).
ميلاد صحف أخرى :
وكعادة الروافض في استمرار الكذب ، فقد قام جملة من شيوخهم بجمع أدعية أخرى ونسبتها لعلي بن الحسين وتسميتها بالصحيفة السجادية (2) ، ولكي يفرقوا بين هذه الصحف والصحيفة الأولى وصفوا الصحيفة الأولى وصفوا الصحيفة الأم بـ"الصحيفة الكاملة " أو الأولى .
أم المحلقات بالصحيفة فهي كالتالي:
الصحيفة السجادية الثانية- من جمع الحر العاملي (3)
الصحيفة السجادية الثالثة – من جمع التبريزي.
الصحيفة السجادية الرابعة – من جمع النوري.
الصحيفة السجادية الخامسة – من جمع الحسيني.
الصحيفة السجادية السادسة–من جمع المازندراني الحرائري من شيوخهم المعاصرين. (4)
دلالة التسمية
أما تسميتهم لهذه الصحيفة بـ" زبور آل دواد" ، و " إنجيل آل محمد " فهو :
__________
(1) مقالات الإسلاميين 1/88 .
(2) سموها بالسجادية نسبة للسجاد ، وهو لقب يطلقونه على علي بن الحسين – رحمه الله – لكثرة سجوده .
(3) قالوا : بأنه جمع من أدعية السجاد ( علي بن الحسين) ما يقرب من الصحيفة سماه " أخت الصحيفة" [الذريعة: 15/20]،- وقال بعضهم: بل سبقه آخر إلى جمع آخر فيكون صحيفة " الثالثة" لا " الثانية" [ المصدر السابق 15/19]
(4) انظر الذريعة : 15/19-21.(101/8)
أولا : جزء من دعاوي عريضة لديهم ، بأن عند أئمتهم كل كتاب نزل من السماء ، وأنهم يقرأونها على اختلاف لغاتها، وعقد صاحب الكافي باباً في هذه الدعوى بعنوان ( باب إن الأئمة عندهم جميع الكتب التي نزلت من عند الله عز وجل، وأنهم يعرفونها على اختلاف لغاتها ) (1) ، ومثله فعل صاحب البحار (2) ، وحشدوا في ذلك أوهامهم التي أسندوها لآل بيت رسول الله (3). وثانياً : فهذا يشي بالجذور العقدية للمذهب ، والتوجهات والانتماءات لأتباع هذا المذهب (4) .
أما تسميتهم لها بـ " أخت القرآن فلما يزعمونه من أن أقوال أئمتهم كأقوال الله سبحانه – كما مر .
الصحيفة
السجّاديّة
الكَاملة
الصحيفة السجادية
الكاملة
تقديم
سماحة السيد محمد باقر الصدر
المبحث الثاني
إلى من تنسب الصحيفة ؟
هذه الصحيفة منسوبة إلى إمام أهل البيت في زمنه ، ناصر السنة ، وقامع البدعة ، الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (5) . المولود سنة 38 هـ -فيما قيل – والمتوفى سنة 94 هـ .
إمام من أئمة الإسلام العظام ، وأحد كبار التابعين وسادتهم علماً وديناً .
قال الزهري : " لم أدرك بالمدينة أفضل من علي بن الحسين " .
__________
(1) أصول الكافي 1/227 .
(2) انظر ك بحار الأنوار 26/180 .
(3) انظر : المصدرين السابقين ، والتفصيل في أصول مذهب الشيعة 2/606 .
(4) انظر : تفصيل ذلك في أصول مذهب الشيعة 1/82 وما بعدها .
(5) راجع ترجمته : طبقات ابن أسعد 5/211 ، 222 ، طبقات خليفة ص ( 2044 ) ،تاريخ البخاري 6/266 ، المعرفة والتاريخ 1/360 ، الجرح والتعديل – القسم الأول من المجلد الثالث ص ( 178 ) ، حلية الأولياء 3/133 ، تهذيب الأسماء واللغات – القسم الأول من الجزء الأول ص ( 343 ) ، وفيات الأعيان 2/429 ، البداية والنهاية 9/116 ، سير أعلام النبلاء 4/386 ، تهذيب التهذيب 7/304 ، طبقات الحفاظ للسيوطي ص ( 30 ) ، الأعلام 5/86 .(101/9)
وقال يحيى بن سعيد الأنصاري : هو أفضل هاشمي رأيته بالمدينة " (1) .
قال ابن سعد : " كان ثقة مأموناً كثير الحديث عالياً رفيعاً " (2). قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " وأما ثناء العلماء على علي بن الحسين ومناقبه فكثيرة " (3) .
قال الذهبي: " وكان له جلالة عظيمة ، وحق له والله ذلك ، فقد كان أهلاً للإمامة العظمى لشرفه وسؤدده ، وعلمه وتألهه وكمال عقله " (4).
كان صاحب عبادة وخشوع ، قيل كان إذا توضأ يصفر لونه، فإذا قام إلى الصلاة ارتعد من الفرق ، فقيل له ذلك ؟ فقال : ألا تدرون بين يدي من أقوم ؟ ومن أناجي ؟ (5).
وذكروا أنه احترق البيت الذي هو فيه وهو قائم يصلي فلما انصرف قالوا له: ما لك لم تنصرف ؟ فقال:إني اشتغلت عن هذه النار بالنار الأخرى (6).
قال طاوس : سمعته هو ساجد عند الحجر يقول عبدك بفنائك ، سائلك بفنائك ، فقيرك بفنائك ، قال طاوس : فو الله ما دعوت بها في كرب قط إلا كشف عني (7) .
قال زيد بن أسلم : كان من دعاء علي بن الحسين : اللهم إني أعوذ بك أن تحسن لوائح العيوب علانيتي وتقبح في خفيات العيون سريرتي ، اللهم كما أسأت وأحسنت إلي ، فإذا عدت فعد علي (8).
__________
(1) ابن تيمية / منهاج السنة 4/48-49 ، وانظر 7/534-535 .
(2) طبقات ابن سعد 5/222 ، وانظر منهاج السنة 4/49 ، 7/535 .
(3) منهاج السنة 7/534
(4) سير أعلام النبلاء 4/398
(5) البداية والنهاية 9/127
(6) المصدر السابق .
(7) البداية والنهاية 9/127 ، سير أعلام النبلاء 4/393 .
(8) حلية الأولياء 3/134 ، سير أعلام النبلاء 4/396 .(101/10)
وعن عبد الرحمن بن أردَك [ يقال هو ] أخو علي ابن الحسين لأمه قال : كان علي بن الحسين يدخل المسجد ، فيشق الناس حتى يجلس في حلقة زيد بن أسلم ، فقال له نافع بن جبير : غفر الله لك ، أنت سيد الناس ، تأتي تتخطى حتى تجلس مع هذا العبد ، فقال علي بن الحسين : العلم يبتغي ويؤتى ويطلب من حيث كان (1)
وكان صاحب عطاء و صدقات بالسر ، و قال محمد ابن إسحاق : " كان ناس بالمدينة يعيشون لا يدرون من أين يعيشون ، ومن يعطيهم ؟ فلما مات علي بن الحسين فقدوا ذلك ، فعرفوا أنه هو الذي كان يأتيهم في الليل بما يأتيهم به ، ولما مات وجدوا في ظهره وأكتافه أثر حمل الجراب إلى بيوت الأرامل والمساكين في الليل ، وقيل : إنه كان يعول مائة أهل بيت بالمدينة ولا يدرون بذلك حتى مات " (2) .
قال شيبة بن نعامة : " كان علي بن الحسين يبخل ، فلما مات وجدوه يقوت مائة أهل بيت بالمدينة في السر (3) .
قال الذهبي:" قلت : لهذا كان يبخل ، فإنه ينفق سراً ويظن أهله أنه يجمع الدراهم"(4) .
أما روايته والرواية عنه فقد حدث عن أبيه الحسين الشهيد ،( وكان معه يوم كائنة كربلاء ، وكان يومئذٍ موعوكاً فلم يقاتل ، ولا يعرضوا له ، بل أحضروه مع آله إلى دمشق ، فأكرمه يزيد ورده مع آله إلى المدينة ) ، وحدث أيضاً عن جده مرسلاً ، وعن صفية أم المؤمنين ، وذلك في الصحيحين ، وعن أبي هريرة ، وعائشة أم المؤمنين ، وروايته عنها في مسلم ، وعن أبي رافع ، وعمه الحسن ، وعبد الله بن عباس ، وأم سلمة ، والمسور بن مخرمة ، وزينب بنت أبي سلمة ، وطائفة ، وعن مروان بن الحكم ، وعبيد الله بن أبي رافع ، وسعيد بن المسيب ، وسعيد بن مرجانة .
__________
(1) حلية الأولياء 3/187 ، سير أعلام النبلاء 4/388 ، منهاج السنة النبوية :
(2) انظر : البداية والنهاية لابن كثير 9/117- 118 ، و انظر سير أعلام النبلاء 4/393-394 .
(3) منهاج السنة :4/49 .
(4) السير : 4/394 .(101/11)
حدث عنه أولاده : أبو جعفر محمد ، وعمر، وزيد القتول ، وعبد الله ، والزهري ، وعمرو بن دينار، وآخرون (1)
قال ابن أبي شيبة : أصح الأسانيد كلها : الزهري ، عن علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن جده (2) .
وقد تعلق به الرافضة ، وادّعت عصمته ، وغلت فيه ، وافترت عليه ، ولذلك قال منكراً عليهم : " يا أيها الناس أحبونا حب الإسلام ، فما برح حبكم حتى صار علينا عاراً (3) .
وفي لفظ آخر : " أحبونا حب الإسلام فوالله ما زال بنا ما تقولون حتى بغضتمونا إلى الناس " (4) .
وقال : " يا أهل العراق ، أحبونا حب الإسلام ، ولا تحبونا حب الأصنام ، فمازال بنا حبكم حتى صار علينا شيناً (5) .
وجاء نفر إليه فأثنوا عليه ، فقال : " ما أكذبكم وما أجراكم على الله ، نحن من صالحي قومنا ، وبحسبت\نا أن نكون من صالحي قومنا " (6).
قال مسعود بن مالك:" قال لي علي بن الحسين : ما فعل سعيد بن جبير؟ قال:قلت:صالح، قال: ذاك رجل كان يمر بنا فنسأله عن الفرائض وأشياء مما
ينفعنا الله بها ، إنه ليس عندنا ما يرمينا به هؤلاء ، وأشار بيده إلى العراق (7).
قال أبو حازم المدني : " ما رأيت هاشمياً أفقه من علي بن الحسين ، سمعته وقد سئل : كيف كانت منزلة أبي بكر وعمر عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فأشار بيده إلى القبر ثم قال : بمنزلتهما منه الساعة " (8) .
__________
(1) سير أعلام النبلاء 4/386- 387 .
(2) البداية والنهاية 9/117 .
(3) طبقات ابن سعد 5/214 ، الحلية لأبي نعيم 3/136 ، منهاج السنة 4/49 .
(4) طبقات ابن سعد 5/214 .
(5) سير أعلام النبلاء 4/389-390 ، تهذيب التهذيب 7/306 .
(6) طبقات ابن سعد 5/214 .
(7) طبقات ابن سعد 5/216 .
(8) سير أعلام النبلاء 4/394-395 .(101/12)
وقال الزبير بن بكار : ثنا عبد الله بن إبراهيم بن قدامة اللخمي ، عن أبيه ، عن جده ، عن محمد بن علي ، عن أبيه قال : "جلس قوم من أهل العراق فذكروا أبا بكر وعمر ، فنالوا منهما ، ثم ابتدؤا في عثمان فقال لهم : أخبروني أأنتم من المهاجرين الأولين
{ الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله } ؟ قالوا : لا ، قال : فأنتم من { الذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم } ؟ قالوا لا ، فقل لهم : أما أنتم فقد
أقررتم وشهدتم على أنفسكم لستم من هؤلاء ولا من هؤلاء ، وأنا أشهد أنكم لستم من الفرقة الثالثة
الذين قال الله فيهم { والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ... } الآية ، فقوموا عني لا بارك الله فيكم ولا قرب دوركم ، وأنتم مستهزئون بالإسلام ولستم من أهله (1) .
وجاء رجل فسأله متى يبعث علي ؟ فقال : " يبعث والله يوم القيامة وتهمه نفسه " (2) .
وجاء رجل إليه فقال : أخبرني عن أبي بكر ؟ قال : " عن الصديق تسأل ؟ قال : وتسميه الصديق ؟ قال : ثكلتك أمك ، قد سماه صديقاً من هو خير مني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمهاجرون والأنصار ، فمن لم يسمه صديقاً فلا صدق الله قوله ، اذهب فأحب أبا بكر وعمر وتولهما ، فما كان من أمر ففي عنقي " (3) .
قال الزهري : كان علي بن الحسين من أفضل أهل بيته ، وأحسنهم طاعة ، وأحبهم إلى مروان وإلى عبد الملك " (4) .
__________
(1) البداية والنهاية لابن كثير 9/127 .
(2) البداية والنهاية لابن كثير 9/127 ، سير أعلام النبلاء 4/396 .
(3) المصدر السابق 4/395 .
(4) طبقات ابن سعد 5/215 ، سير أعلام النبلاء 4/389 .(101/13)
قال أبو جعفر : " إنا لنصلي خلفهم – يعني بني أمية – من غير تقية ، وأشهد على علي بن الحسين أنه كان يصلي خلفهم من غير تقية " (1) .
وقد قال ذلك لأن الروافض تشيع عنه وعن مشاهير أهل البيت أنهم يتظاهرون أمام السلطة تقية ، بل قالوا هذه المقالة عن جده أمير المؤمنين علي حيث لم يجدوا وسيلة للخروج من التباين التام بين أقوال الإمام علي وسيرته ، وأقوال الروافض وعقائدهم إلا رمي الإمام علي بأنه كان يتظاهر بخلاف ما يبطن ، ويقول غير ما يعتقد ( وهو ما يسمونه بالتقية ) فهم لا ينازعون أن أمير المؤمنين سار على طريقة الخلفاء الراشدين قبله ، وقد أقروا – وهم الذين مردوا على إنكار الوقائع الثابتات ودأبوا على تكذيب الحقائق الصادقات بأنه " دخل في آرائهم وصلى مقتدياً بهم ، وأخذ أعطيتهم ، ونكح سبيهم وأنكحهم ، ودخل في بيت الشورى " (2) ، وغير ذلك ولم يذهب إلى مخالفتهم ي شيئ مما أجمعوا عليه ، فقد كان - رضي الله عنه - كسائر الأئمة المهديين ، يكره الاختلاف كما روى البخاري عنه - رضي الله عنه - قال : " أقضوا كما كنتم تقضون فإني أكره الاختلاف ، حتى يكون الناس جماعة " (3) .
قال ابن حجر : " قوله : فإني أكره الاختلاف " أي الذي يؤدي إلى النزاع .
قال ابن التين : يعني مخالفة أبي بكر وعمر .
وقال غيره : المراد المخالفة التي تؤدي إلى النزاع والفتنة ، ويؤيده قوله بعد ذلك : " حتى يكون الناس جماعة " (4).
__________
(1) طبقات ابن سعد 5/213 .
(2) تنزيه الأنبياء للمرتضى ص( 132 ) .
(3) صحيح البخاري ( مع فتح الباري ) 7/71 .
(4) فتح الباري 7/73 .(101/14)
لكن الرافضة لا يأخذون بقوله ولا يسيرون بسيرته بدعوى التقية ، أفهم أشجع منه في بيان الحق وأنصح من أمير المؤمنين للخلق ! فإن قالوا : نعم ، فقد كذبوا وخرجوا من دعواهم التشيع ، وإن أقروا خصموا ، بل الأمر أعظم عند غلاة الروافض ، لقد زعموا أن علياً داهن وجامل ونافق على حساب أصل الدين وأساس دعوة الإسلام وأعظم أمر يقوم عليه شرع الله ، إنه وحي الله العظيم وكتابه الكريم ، ذلك أن غلاة الروافض لما لم يجدوا في كتاب الله ما يؤيد شذوذهم فزعوا إلى التأويل الباطني ، فلم يجدوا به مقنعاً فادعوا حينئذٍ أن في كتاب الله نقصاً وتحريفاً ، وما أسهل الادعاء على أهل الكذب .
ولكن ماذا يصنعون وأمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - الذي يتشيعون له " وهو عند أكثرهم إله خالق ، وعند بعضهم نبي ناطق ، وعند سائرهم إمام معصوم ، قد ولي الأمر وملك ، فبقي خمسة أعوام وتسعة أشهر خليفة مطاعاً ظاهر الأمر .... ، والقرآن يقرأ في المساجد في كل مكان ، وهو يؤم الناس به ، والمصاحف معه وبين يديه ، فلو رأى فيه تبديلاً كما تقول الرافضة أكان يقرهم على ذلك ؟ !
ثم أتى ابنه الحسين ، وهو عندهم كأبيه فجرى على ذلك .
فكيف يسوغ لهؤلاء النوكى أن يقولوا : إن في المصحف حرفاً زائداً أو ناقصاً أو تبديلاً مع هذا .
ولقد كان جهاد من حرف القرآن وبدل الإسلام أوكد عليه من قتال أهل الشام الذين إنما خالفوه في رأي يسير ورأي خلافة فقط، فلاح كذب الرافضة ببرهان لا محيد عنه ، والحمد لله رب العالمين (1) .
ولذلك لم يجد الروافض أمام هذه الحجة القاصمة إلا أن يقولوا على لسان شيخهم نعمة الله الجزائري.
ولما جلس أمير المؤمنين – عليه السلام – على سرير الخلافة لم يتمكن من إظهار ذلك القرآن وإخفاء هذا لما فيه من إظهار الشيعة على من سبقه ... " (2) .
__________
(1) ابن حزم / الفصل 2/316-317 .
(2) الأنوار النعمانية 2/362 .(101/15)
هكذا يجيبون وبهذا يعتذرون لعلي ، وأي قدح وطعن في أمير المؤمنين أعظم من هذا ؟ إنهم يتهمون علياً بأنه راعى المجاملة لمن سبقه على هداية الأمة .
وهكذا فإن أقوال الأئمة وسيرتهم قد كشفت مفتريات الروافض وأكاذيبهم ولم يجدوا ملجأ ولا مغارات ولا مدخلاً إلى اللياذ بالتقية ، فكانت تلك فضيحة أخرى وعورة ظاهرة مكشوفة .
وهكذا يفضح سبحانه من افترى على دينه وكتابه ورسوله وأوليائه .
وأمر آخر.. هو أن دينهم يقوم على الشرك بالله سبحانه شرك في الربوبية وفي الألوهية والأسماء والصفات .
ونسبوا هذا الظلم الأعظم والكفر الأكبر إلى آل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهم أبعد الناس عن هذا البلاء وأشدهم تحرزاً من أسباب الشرك وذرائعه .
ومادام الحديث عن الإمام علي بن الحسين فلنستمع إلى هذه الواقعة المؤثرة :
رأى علي بن الحسين رجلاً يجيء إلى فرجه كانت عند قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فيدخل فيها ويدعو ، فنهاه وقال : ألا أحدثكم حديثاً سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال ( لا تتخذوا قبري عيداً ولا بيوتكم قبوراً ، فإن تسليمكم يبلغني أين كنتم ) (1) .
قال شيخ الإسلام : " فانظر هذه السنة كيف مخرجها من أهل المدينة وأهل البيت الذين لهم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرب النسب وقرب الدار ، لأنهم إلى ذلك أحوج من غيرهم ، فكانوا أضبط " (2) .
فهذه أقوال الإمام علي بن الحسين في ترضه عن الخلفاء وبراءته مما تدعيه الروافض من الشرك والنص والعصمة والرجعة وغيرها من شذوذات الرفض ، وهذه أمور مقررة ومعلومة ، ودلائلها المتنوعة مستفيضة ظاهرة .
__________
(1) قال صاحب التيسير : رواه أبو يعلى والقاضي إسماعيل ، والحافظ الضياء المختارة ، تيسير العزيز الحميد ص ( 355 ) .
(2) انظر : تيسير العزيز الحميد ص 0 355 ) .(101/16)
ولذلك كان مما أجمع عليه المسلمون أن الروافض مخالفون لأهل البيت في عامة أصولهم ، " فليس في أئمة أهل البيت مثل علي بن الحسين وأبي جعفر الباقر وابنه جعفر بن محمد الصادق من كان ينكر الرؤية أو يقول بخلق القرآن أو ينكر القدر أو يقول بالنص على علي أو بعصمة الأئمة الإثنىعشر أو يسب أبا بكر وعمر ، والمنقولات الثابتة المتواترة عن هؤلاء معروفة موجودة ، وكانت مما يعتمد عليه أهل السنة " (1) .
وبالجملة فالإمام علي بن الحسين كسائر أئمة أهل البيت الذين تعلقت بهم الروافض مخالفون لفرق الرافضة ، ولكن الرافضة تتعلق بهم لتحقيق أمور منها :
الأول : محاولة ترويج أقوالهم المخالفة ، وذلك بنسبتها لبعض الأئمة من آل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علها تجد القبول لدى عموم الناس .
الثاني : التكسب باسم الآل والاستيلاء على خمس مكاسب الناس باسم " حق الآل " ، وخمس الآل كما هو مقرر في مذهب الرافضة إلى اليوم .
المبحث الثالث
صحف أخرى منسوبة
ويأتي في مقدمتها كتاب " نهج البلاغة " ، المنسوب للخليفة الراشد علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - " وأهل العلم يعلمون أن أكثر خطب هذا الكتاب مفتراة على علي - رضي الله عنه - ولهذا لا يوجد غالبها في كتاب متقدم ، ولا لها إسناد معروف (2) .
وقد جُمعت بعد أمير المؤمنين بثلاثة قرون ونصف بلا سند (3)
__________
(1) منهاج السنة 2/386-369 .
(2) ابن تيمية / منهاج السنة 7/86 ، ( أو 4/24 ) من الطبعة الأولى ، المنتقى من منهاج العتدال ص (430 ) .
(3) قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
فهذا الذي نقلها من أين نقلها ؟ ولكن هذه الخطب بمنزلة من يدعي أنه علوي أو عباسي ، ولا نعلم أحداً من سلفه ادعى ذلك قط ، ولا ادعي ذلك له ، فيعلم كذبه .
فإن النسب يكون معروفاً من أصله حتى يصل بفرعه ، وكذلك المنقولات لابد أن تكون ثابتة معروفة عمن نقل عنه حتى تتصل بنا ، فإذا صنف واحد كتاباً ذكر فيه خطباً كثيرة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي - رضي الله عنه - ، ولم يروِ أحد منهم تلك الخطب قبله بإسناد معروف ، علمنا قطعاً أن ذلك كذب .
وفي هذه الخطب أمور كثيرة ، قد علمنا يقيناً من علي ما يناقضها ، ونحن في هذا المقام ليس علينا أن نبين أن هذا كذب ، بل يكفينا المطالبة بصحة النقل ، فإن الله لم يوجب على الخلق أن يصدقوا بما لم يقم على صدقه ، بل هذا ممتنع بالاتفاق ، وهذا من تكليف مالا يطاق ، ( انظر منهاج السنة 7/87 ، والمنتقى ص 430 ) .(101/17)
، وقد نسبت الرافضة تأليف " نهج البلاغة إلى الشريف الرضي (1).
وهو غير مقبول عند المحدثين لو أسند خصوصاً فيما يوافق بدعته ، فكيف إذا لم يسند كما فعل في النهج ، وأما المتهم عند المحدثين بوضع النهج فهو أخوه علي (2) .
ولا نحتاج إلى التكلف في النظر في سنده ، فإن في متنه ما يشهد على كذبه وبراءة أمير المؤمنين علي من أكثره ، ولذلك قال الإمام الذهبي في ترجمتة على هذا : " ومن طالع كتابه نهج البلاغة جزم بأنه مكذوب على أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - ففيه السب الصراح ، والحط على السيدين أبي بكر وعمر - رضي الله عنه - ، وفيه من التناقض والأشياء الركيكة ، والعبارات التي من له معرفة بنفس القرشيين الصحابة وبنفس غيرهم ممن بعدهم من المتأخرين جزم بأن الكتاب أكثره باطل " (3) .
وأضيف بأن الناظر أيضاً لما فيه من التعطيل للباري سبحانه من صفاته يقطع بما ذهب إليه الإمام الذهبي وغيره من أئمة الإسلام ، فقد جاء في النهج – مثلا – عن الله سبحانه : " .... وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف ، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة ، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه ، ومن قرنه فقد ثناه ، ومن ثناه فقد جزأه ، ومن جزأه فقد جهله ، ومن جهله فقد أشار إليه ، ومن أشار إليه فقد حده ومن حده فقد
عدّه ... " (4) .
__________
(1) محمد بن الحسين بن موسى الرضي أبو الحسن ، قال الذهبي :" رافضي جلد " ، انظر ميزان الاعتدال 3/523 .
(2) علي بن الحسين العلوي الشريف المرتضى المتكلم الرافضي المعتزلي ، المتوفى سنة (436 هـ ) . انظر ميزان الاعتدال 3/124 .
(3) انظر ميزان الاعتدال 3/124 .
(4) نهج البلاغة ص ( 14-15 ) .(101/18)
فأنت ترى مذهب الجهمية الصريح قد قرر من خلال هذه الكلمات الملحدة ، فها هي تقرر نفي الصفات بكل صراحة ، ولم تكتف بذلك بل أدخلت نفي الصفات في مسمى التوحيد كالجهمية والمعطلة النفاة الذين زعموا أن إثبات الصفات يقتضي تعدد القدماء ، يعني نفس قوله هنا : " فمن وصف الله سبحانه ... فقد ثناه .. " . وهذا هو الأصل الأول لدى الجهمية ، وهو نفي الصفات والذي سموه " التوحيد " ، وهو عين المناقضة للتوحيد ، وقد خالفوا المعقول والمنقول ، بل وقعوا فيما يعلم فساده بالضرورة ، إذ لا يتصور وجود ذات مجردة عن الصفات ، ولذلك فإن نفي الصفات يتضمن نفي الذات - تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً .
وقد فصل أهل العلم القول في فساد مذهب المعطلة ، واجتمعت الجيوش الإسلامية على غزو الجهمية المعطلة (1)، بل أرسلوا عليهم الصواعق الماحقة لباطلهم (2) ، فأنت ترى أن مذهب الجهمية يقرره واضع النهج وينسبه لأمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - ، ذلك أن الروافض " في أواخر المائة الثالثة تأثروا بمذهب الجهمية في تعطيل الباري سبحانه من صفاته الثابتة له في الكتاب والسنة ، وكثر الاتجاه إلى التعطيل عندهم في المائة الرابعة لما صنف لهم المفيد وأتباعه كالموسوي الملقب بالشريف المرتضى وأبي جعفر الطوسي، واعتمدوا في ذلك على كتب المعتزلة (3).
وكثيراً مما كتبوه في ذلك منقول عن المعتزلة نقل المسطرة ، وكذلك ما يذكرونه في تفسير القرآن في آيات الصفات والقدر ونحو ذلك منقول من تفاسير المعتزلة (4).
__________
(1) إشارة إلى كتاب اجتماع الجيرش الإسلامية على غزو المعطلة الجهمية للإمام ابن القيم .
(2) إشارة إلى كتاب الصواعق المرسلة ( أو المنزلة ) على الجهمية المعطلة للإمام ابن القيم .
(3) منهاج السنة 1/229 .
(4) المصدر السابق 1/356 .(101/19)
وقد صرح علامتهم ابن المطهر بأن مذهبهم في الأسماء والصفات كمذهب المعتزلة (1) ، ومنهم من قال : كمذهب الفلاسفة (2) .
وما في النهج من التعطيل هو صورة لهذا التوجه الجهمي ، وأمير المؤمنين منه بريء ، وهو يؤكد أن أكثر مافيه منحول ومكذوب ، وأنه وضع بعد موجه التعطيل التي سرت وانتشرت في المائة الرابعة (3) ، ومع ظهور علامات الوضع على " النهج " في سنده ومتنه فإن الروافض كعادتها في التصديق بالأكاذيب المكشوفة والتكذيب للحقائق الثابتة تغالي في " نهج البلاغة " ، وترى أنه كالوحي الإلهي ، ولهذ قالوا بأن " جميع ما فيه من الخطب والكتب والوصايا والحكم والآداب حاله كحال ما يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " (4)، وإن الشيعة على كثرة فرقهم واختلافها متفقون متسالمون على أن ما في نهج البلاغة هو من كلام أمير المؤمنين - رضي الله عنه - اعتماداً على رواية الشريف ودرايته ووثاقته ، حتى كاد أن يكون إنكار نسبته إليه - رضي الله عنه - عندهم من إنكار الضروريات وجحد البديهيات ، اللهم إلا شاذاً منهم (5) ، وغالوا في شأنه وعظموا أمره حتى قالوا بأنه " فوق كلام المخلوق (6)، وهذا يعني أنه فوق كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - !! سبحانك هذا بهتان عظيم .
__________
(1) نهج المسترشدين ص ( 32 ) .
(2) الطبطباني / مجالس الموحدين في أصول الدين ص (21 ) .
(3) وقاصمة أخرى للكتاب ( وربما تكون من إضافات الروافض = = عليه ) وهو ما ذكره شيخ الرافضة النوري في كتابه فصل الخطاب من أن نصوص دعاوى التحريف ( حول كتاب الله التي تورط بها الروافض وكشفت حقيقتهم وحقيقة مذهبهم ، ولذا يتسترون عليها الآن بكل وسيلة ) توجد في بعض نسخ نهج البلاغة ، (انظر مسألة التقريب 1/183 ) .
(4) الهادي كاشف الغطا / مدارك نهج البلاغة ص (191) .
(5) المصدر السابق ص(190-191 ) .
(6) آغا بزرك الطهراني / الذريعة 14/111 .(101/20)
وقالوا:بأنه"أخ القرآن الكريم في التبليغ والتعليم ، وفيه دواء كل عليل وسقيم،ودستور للعمل بموجبات سعادة الدنيا وسيادة دار النعيم " (1) .
فانظر وتعجب كيف يقبلون روايات الكذابين ، ويطعنون في روايات الصحابة الصادقين ، ويأخذون بمثل هذه الكتب التي لا سند لها ولا أصل ، ويحرمون أنفسهم و أتباعهم من ينابيع الإسلام الصافية ودواوين المسلمين الصادقة ، ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور .
لقد كفى الله سبحانه الأمة بكتاب ربها وبسنة نبيها وأكمل لها دينها وأتم عليها نعمته ....
وأكثر المسلمين لا يعرفون النهج ولم يقرأو حرفاً منه ، ولم ينقص ذلك من إيمانهم شيء،بل سلموا من لوثة الرفض،وداء التعطيل ، وضروب الغلو الذي هيمن بظلماته على هذا الكتاب (2)
__________
(1) الموضع نفسه من المصدر السابق
(2) وانظر في مبالغتهم وتكلفهم في مدحه وشرحه : المصدر السابق= = ج/4 ص(144-146 )، ج/6 ص(228 )، ج7/ ص(187-193 )، ج/ 14 ص (11-161 )، ج/ 24/ ص( 412 ).
وراجع في نقد الكتاب : ابن تيمية / منهاج السنة 4/159 ، المنتقى من منهاج الاعتدال ص ( 508-509 ) ، الذهبي /ميزان الاعتدال ( ترجمة علي بن الحسين الشريف المرتضى 3/124 ، ابن حجر / لسان الميزان 4/ 223 ، مختصر التحفة الإثنى عشرية ص ( 58 ) ، وحاشية المنتقى ص ( 430 ) ، أحمد أمين / فجر الإسلام ص( 178 ) ، أحمد زكي صفوت / ترجمة علي بن أبي طالب ص ( 125-162) ، الزعبي / البينات في الرد على أباطيل المراجعات ص( 36-40 )، مجلة المقتضف المجلد( 42 )ج /3 ص( 248 )، عدد (25)ربيع الأول عام 1331هـ ، الوادعي / رياض الجنة ص ( 162-163) .(101/21)
هذا والصحف المزعومة عديدة ، ودعاوى الروافض كثيرة ، وقد عقد الشوكاني في كتابه الفوائد المجموعة من الأحاديث الموضوعة مبحثاً بعنوان " مبحث آخر في النسخ الموضوعة " ، سرد فيها عدداً منهذه النسخ ، وقال في النهاية : " فهذه النسخ المشهورة عند أهل الحديث بالوضع ، وثم نسخ موضوعة غيرها معروفة عند من يعرف هذه الصناعة ، وأكثرها من وضع الرافضة ، وهي موجودة عند أتباعهم (1) .
وكثيراً ما يذكرون في مصادرهم الحديثية صحفاً موهومة إذا سألتهم عنها قالوا بأنها عند مهديهم المنتظر ،أوهام مبنية على أوهام، ظلمات بعضها فوق بعض (2).
وقد تجاوزوا الوضع على الآل إلى غيرهم من مشاهير الأئمة ، ولهم في ذلك وسائل خفية في إمرار الكذب ، وخداع الأغرار ، أبان عنها الأئمة ، وكشف حقيقتها أهل السنة ، ولله الحمد والمنة .
ومن الأمثلة وضع مصنفات على الأئمة المشاهير إما للدعاية لمذهب الرفض ، أو الطعن في السنة قال الشيخ عبد العزيز الدهلوي : " إنهم ينسبون بعض الكتب لكبار علماء السنة مشتملة على مطاعن في الصحابة ، وبطلان مذهب أهل السنة ، ويمثل لذلك بكتاب " سر العالمين"،ويقول: أنهم نسبوه إلى الإمام أبي حامد الغزالي ، وشحنوه بالهذيان ، وذكروا في خطبته عن لسان الإمام وصيته بكتمان هذا السر وحفظ هذه الأمانة ، وأنه قال : ما ذكر في هذا الكتاب فهو عقيدتي وما ذكر في غيره فهو للمداهنة (3).
ولا يزالون يحتجون ببعض ما ورد في هذا الكتاب (4).
__________
(1) انظر الفوائد المجموعة ص ( 325-423 ) .
(2) انظر عرض لبعض هذه الأوهام في أصول مذهب الشيعة 1/319 وما بعدها .
(3) مختصر التحفة الإثنى عشرية ص (33 ) ، انظر السويدي / نقض عقائد الشيعة ص ( 25 ) مخطوط .
(4) انظر - مثلا – مصادر كتاب كشف الاشتباه للرافضي عبد الحسين الرشتي ، المطبوع في المطبعة العسكرية بطهران في 1368 هـ .(101/22)
وقد طبع عدة طبعات في بومباي سنة1314هـ، والقاهرة سنة 1324هـ،وسنة1327هـ، وفي طهران بدون تاريخ مع ظهور كذبه حتى للأعاجم ، ولذلك ذكر عبد الرحمن بدوي أن ثلاثة من المستشرقين ذهبوا إلى القول بأن الكتاب منحول ، ثم قال بدوي : " والأمر الذي يقطع بأن الكتاب ليس للغزالي هو ما ورد في ص ( 82 ) من قوله : أنشدني المعري لنفسه وأنا شاب في صحبته يوسف بن علي شيخ الإسلام ، مع أن المعري توفي سنة 448 هـ ، بينما ولد الغزالي سنة 450 هـ ، فكيف ينشده لنفسه " (1) .
وقد بلغت الحال بهم أنهم ينقلون من صحف أو كتب وهمية لا وجود لها أصلاً ، لذلك قال بعض المحققن بأنهم " ينقلون ما يدل على مطاعن الصحابة ، وما يستدل به على بطلان مذهب غير الرافضة عن كتاب يعزون تأليفه إلى بعض كبراء أهل السنة ، وذلك الكتاب لا يوجد تحت أديم السماء " (2) .
وصور الوضع وأسماء الموضوعات كثيرة تستحق تأليفاً خاصاً .
ولا عجب فيمن كذبوا على الله ورسوله أن يكذبوا على من دونهما .
الخاتمة
الحمد لله وبعد :
ولقد تبين أن أكثر ما في هذه الصحيفة مكذوب على علي بن الحسين ، وليس هذا بغريب ، فقد كذب على أبيه وجده وأصله وفرعه ومشاهير الأئمة غيره ، لكن الغلو الجاهل بها ، والتعطيم الأبله للإفتراء بتسميتها ، وتفسيرها ، وطبعها ، ومحاولة مضاهاة كتاب الله سبحانه بالمظهر ، وأنها كقول الله ورسوله في المخبر هو من قبيل تضاعف الكذب وتراكم الظلمات ، والجهل المركب الذي ران على رؤسهم وعشش ثم فرخ أضعلفه ...
ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله .
المصادر والمراجع
أصول الدين ، عبد القادر البغدادي ، مطبعة الدولة استنبول ، الطبعة الأولى 1346 هـ .
__________
(1) مؤلفات الغزالي ص ( 271 )
(2) مختصر الصواقع ص ( 51 ) [ مخطوط ] ونقض عقائد الشيعة للسويدي ص (25 ) [ مخطوط ] .(101/23)
أصول الكافي ، محمد بن يعقوب الكليني ، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري ، دار الكتب الإسلامية ، طهران ، الطبعة الثالثة ، 1388 هـ
أصول مذهب الشيعة ، ناصر بن عبد الله القفاري ، الطبعة الأولى ، 1414هـ .
الأنوار النعمانية ، نعمة الله الجزائري ، مؤسسة الأعلمي ، بيروت .
إعلام الورى ، الفضل بن الحسن الطبرسي ، تصحيح وتعليق علي الغفاري ، دار المعرفة ، بيروت ، 1399هـ .
إكمال الدين ، محمد بن الحسين بن بابويه القمي المطبعة الحيدرية ، النجف ، 1389 هـ
الاحتجاج ، أحمد بن علي الطبرسي ، تعليق محمد باقر الخرسان ، مؤسسة الأعلمي ، بيروت ، 1401هـ .
الاستبصار ، محمد بن الحسن الطوسي ، تحقيق : حسن الخرسان ، دار صعب ، دار التعارف ، بيروت ، الناشر : دار الكتب الإسلامية ، طهران ، الطبعة الثالثة 1390هـ .
الاعتقادات،ابن بابوية القمي،إيران ، 1320 هـ
بحار الأنوار ، محمد باقر المجلسي ، إحياء التراث العربي ، بيروت ، الطبعة الثالثة 1403 هـ .
البداية والنهاية ، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير ، تحقيق ومراجعة : محمد عبد العزيز النجار ، مكتبة الأصمعي ، الرياض .
بصائر الدرجات ، ( وهو مختصر بصائر الدرجات المطبوع بالنجف 1370 هـ .
التسعينية ، أحمد بن تيمية ، ضمن المجلد الخامس من مجموع فتاوى ورسائل لابن تيمية ، مطبعة كردستان 1329 هـ .
التفسير الكاشف ، محمد جواد مغنيه ، دار العلم للملايين ، بيروت ، الطبعة الأولى 1968 م .
تنزيه الأنبياء ، الشريف المرتضى علي بن الحسين منشورات الشريف الرضي ، قم ، إيران
تهذيب التهذيب ، أحمد بن علي بن حجر ، مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية ، الهند ن الطبعة الأولى 1325هـ .
تيسير العزيز الحميد ، سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب ، المكتب الإسلامي ، الطبعة الخامسة 1402 هـ .
الحكومة الإسلامية ، روح الله الخميني ، وزارة الإرشاد جمهورية إيران.(101/24)
حلية الأولياء ، أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1351هـ .
الذريعة ، آغا بزرك الطهراني ، دار الأضواء ، بيروت ، الطبعة الثالثة ، 1403هـ .
سير أعلام النبلاء ، محمد بن أحمد الذهبي ، تحقيق : شعيب الأرناؤوط ، مؤسسة الرسالة ، الطبعة الثانية ، 1402 هـ .
شرح جامع ( على الكافي ) ، محمد صالح المازندراني،المكتبة الإسلامية،طهران، 1384 هـ
الشفاء بتعريف حقوق المصطفى ، القاضي عياض بن موسى اليحصبي ، تحقيق : علي البجاوي ، مطبعة عيسى البابي الحلبي .
طبقات ابن سعد ( الطبقات الكبرى ) ، محمد بن سعد ، دار صادر ، بيروت .
فتح الباري شرح صحيح الإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ، أشرف على التصحيح والتحقيق : عبد العزيز بن باز ، الناشر: رئاسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد ، السعودية .
الفصل في الملل والأهواء والنحل ، لأبي محمد علي بن أحمد المعروف بابن حزم ، تحقيق : محمد إبراهيم نصر ، عبد الرحمن عميرة ، شركة مكتبات عكاظ السعودية ، الطبعة الأولى ، 1402 هـ .
الفصول المهمة ، محمد بن الحسن الحر العاملي ، مكتبة بصيرتي ، قم ، الطبعة الثالثة .
الفوائد المجموعة محمد بن علي الشوكاني ، تحقيق : عبد الرحمن بن يحيى المعلمي ، المكتب الإسلامي ، الطبعة الثالثة ، 1402 هـ .
مؤلفات الغزالي ، عبد الرحمن بدوي ، وكالة المطبوعات ، الكويت ، الطبعة الثانية ، 1977م
مجالس الموحدين في أصول الدين ، محمد صادق الطبطبائي ، طبعة 1318 هـ .
مختصر التحفة الإثنى عشرية ، شاه عبد العزيز الدهلوي ، ترجمه إلى العربية : غلام محمد الأسلمي ، اختصره محمود شكري الألوسي ، تحقيق : محب الدين الخطيب ، المطبعة السلفية ، الطبعة الثانية ، 1387 هـ .
مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة ، ناصر بن عبد الله القفاري ، دار طيبة ، الطبعة الثالثة ، 1414هـ .(101/25)
مستدرك نهج البلاغة ، الهادي كاشف العطاء ، دار الأندلس ، الطبعة الثانية ، 1980 م .
معالم العلماء ، محمد بن علي بن شهر شوب ، المطبعة الحيدرية ، النجف ، 1380هـ .
مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين ، أبو الحسن علي ابن إسماعيل الأشعري ، تحقيق : محمد محي الدين عبد الحميد ، مكتبة النهضة المصرية ، الطبعة الثانية ، 1389هـ .
المنتقى من منهاج الاعتدال في نقض كلام أهل الرفض والاعتزال ، وهو مختصر منهاج السنة لابن تيمية ، اختصره أبو عبد الله محمد الذهبي ، تحقيق : محب الدين الخطيب ، المطبعة السلفية .
منهاج السنة النبوية ، أحمد بن تيمية ،تحقيق : محمد رشاد سالم، طبعة جامعة الإمام1406 هـ
ميزان الاعتدال في نقد الرجال ، محمد بن عثمان الذهبي،تحقيق : علي البجاوي ، دار إحياء الكتب العربية ، القاهرة ، الطبعة الأولى 1382 هـ .
نهج البلاغة ( مع شرح محمد عبده ) مؤسسة الأعلمي ، بيروت .
نهج المسترشدين ، الحسن بن يوسف الحلبي ، تحقيق : أحمد الحسيني ، هادي اليوسفي ، مجمع الذخائر الإسلامية ، قم ، إيران .
فهرس الموضوعات
مقدمة ... 2
المبحث الأول ... 8
حقيقة ’’الصحيفة السجادية‘‘ ... 8
ميلاد صحف أخرى ... 23
دلالة التسمية ... 25
المبحث الثاني ... 29
إلى من تنسب الصحيفة ؟ ... 29
المبحث الثالث ... 51
صحف أخرى منسوبة ... 51
الخاتمة ... 68
المصادر والمراجع ... 69
فهرس الموضوعات ... 78(101/26)
حكم الاحتفال بالمولد
والرد على من أجازه
تأليف/ الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ
رحمه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وآله وصحبه.
أما بعد:
فإن مما أحدث بعد القرون المشهود لها بالخير بدعة الاحتفال بالمولد النبوي، وقد تجاهل محمد مصطفى الشنقيطي ذلك؛ حيث برر البدعة في مقالته المنشورة في جريدة (الندوة)
(عدد1112) الصادر في 7/4/1383 هـ بأمور:
أحدها: دعوى تلقي الأمم الإسلامية هذا الاحتفال بالقبول منذ مئات السنين.
الثاني: تقسيم العز بن عبد السلام البدعة إلى أحكام الشريعة الخمسة.
الثالث: قول عمر بن الخطاب في قضية التراويح: (نعمت البدعة).
الرابع: قول عمر بن عبدالعزيز: (تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور).
الخامس: دعوى الكاتب: أن في إقامة الاحتفال بالمولد صون عرض المملكة العربية السعودية عن أن تنسب إلى تنقص النبي ( الذي كان يذاع عنها تنقصه وإحراق كتب الصلاة عليه (.
فلهذا وجب نقض هذه الشبه التي أتي بها هذا الشخص أولاً، وبيان حكم المولد ثانياً.
فنقول وبالله التوفيق:
أما دعوى الشنقيطي: أن الاحتفال بذكرى المولد النبوي- وإن كان بدعة- فقد تلقته الأمة بالقبول، فمن أقوى الأدلة على جهالته؛ لأمور:
أحدها: أن الأمة معصومة من الاجتماع على ضلالة، والبدعة في الدين بنص الأحاديث
النبوية ضلالة، فمقتضى كلام الشنقيطي: أن الأمة اجتمعت في قضية الاحتفال بالمولد على
ضلالة.(102/1)
الثاني: أن الاحتجاج على تحسين البدع بهذه الدعوى ليس بشيء في أمر تركته القرون الثلاثة المقتدى بهم، كما بينه الشاطبي في "الاعتصام" نقلاً عن بعض مشايخه، ثم قال: (ولما كانت البدع والمخالفات وتواطأ الناس عليها صار الجاهل يقول: لو كان هذا منكراً لما فعله الناس)، ثم قال:(وما أشبه هذه المسألة بما حُكي عن أبي علي بن شاذان بسند يرفعه إلى أبي عبدالله ابن إسحاق الجعفري قال: كان عبدالله بن الحسن- يعني: ابن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم- يكثر الجلوس إلى ربيعة، فتذاكروا يوماً، فقال رجل كان في المجلس: ليس العمل على هذا، فقال عبدالله: أرأيت إن كثر الجهال حتى يكونوا هم الحكام أفهم الحجة على السنة ؟ فقال ربيعة: أشهد أن هذا كلام أبناء الأنبياء).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم": (من اعتقد أن أكثر هذه العادات المخالفة للسنن مجمع عليها بناءً على أن الأمة أقرتها(102/2)
ولم تنكرها فهو مخطئ في هذا الاعتقاد، فإنه لم يزل في كل وقت من ينهى عن عامة العادات المستحدثة المخالفة للسنة)، قال:(ولا يجوز دعوى إجماع بعمل بلد أو بلاد من بلدان المسلمين، فكيف بعمل طوائف منهم !) قال:(وإذا كان أكثر أهل العلم لم يعتمدوا على عمل أهل المدينة وإجماعهم في عصر مالك، بل رأوا السنة حجة عليهم كما هي حجة على غيرهم مع ما أٌتوه من العلم والإيمان، فكيف يعتمد المؤمن العالم على عادات أكثر من اعتادها عامة، أو من قيدته العامة، أو قوم مترئسون بالجهالة لم يرسخوا في العلم، ولا يعدون من أولي الأمر، ولا يصلحون للشورى، ولعلهم لم يتم إيمانهم بالله وبرسوله، أو قد دخل معهم فيها بحكم العادة قوم من أهل الفضل عن غير روية أو لشبهة، أحسن أحوالهم فيها أن يكونوا فيها بمنزلة المجتهدين)، ثم ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية: أن الاحتجاج بمثل هذه الحجة - وهي دعوى الإجماع على العادات المخالفة للسنة - ليس طريقة أهل العلم؛ لكن لكثرة الجهالة قد يستند إلى مثلها خلق من الناس حتى من المنتسبين إلى العلم والدين، وذكر أن الاستناد إلى أمور ليست مأخوذة عن الله ولا رسوله ليس من طريقة أولي العلم والإيمان، ثم قال:(والمجادلة المحمودة إنما هي بإبداء المدارك وإظهار الحجج التي هي مستند الأقوال والأعمال، وأما إظهار الاعتماد على ما ليس هو المعتمد في القول والعمل فنوع من النفاق في العلم والجدل والكلام والعمل).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الاقتضاء": (ما أكثر ما قد يحتج بعض من يتميز من المنتسبين إلى علم أو عبادة بحجج ليست من أصول العلم التي يعتمد في الدين عليها).
وذكر أن التعلق في تحسين البدع بما عليه الكثير من الناس إنما يقع ممن لم يحكم أصول العلم؛ فإنه هو الذي يجعل ما اعتاده هو ومن يعرفه إجماعاً، وإن لم يعلم قول سائر المسلمين في ذلك ويستنكر تركه.(102/3)
وذكر الشاطبي في "الاعتصام": أن منشأ الاحتجاج بعمل الناس في تحسين البدع الظن بأعمال المتأخرين وإن جاءت الشريعة بخلاف ذلك، والوقوف مع الرجال دون التحري للحق.
الأمر الثالث: ما سنذكره عن علماء المسلمين من احتواء الاحتفال بالمولد على المحرمات، وبيان أن ما لم يحتو على المحرمات منه بدعة.
وأما تقسيم الشنقيطي البدعة إلى أحكام الشريعة الخمسة، وتمثيله للبدعة الواجبة بنقط
حروف القرآن وتشكيلها وبناء مدارس العلم.
فالجواب عنه: أن هذا التقسيم في غاية المناقضة لما صح عن النبي (، فقد روى مسلم في صحيحه من حديث جابر رضي الله عنه: أن النبي ( كان يقول: { أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة } ، وفي رواية النسائي: { وكل ضلالة في النار } وروى أصحاب السنن عن العرباض بن سارية، عن النبي ( أنه قال: { إنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عَضُّو عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة } .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الاقتضاء":(لا يحل لأحد أن يقابل هذه الكلمة الجامعة من رسول الله ( الكلية، وهي قوله: { كل بدعة ضلالة } بسلب عمومها، وهو أن يقال: ليست كل بدعة ضلالة، فإن هذا إلى مشاقة الرسول أقرب منه إلى التأويل)، وقال:(إن قصد التعميم المحيط ظاهر من نص رسول الله ( بهذه الكلمة الجامعة، فلا يعدل عن مقصوده بأبي هو وأمي ()، وذكر شيخ الإسلام: أن تخصيص عموم النهي عن البدع بغير دليل من كتاب أو سنة أو إجماع لا يقبل، فالواجب التمسك بالعموم.(102/4)
وقال الشاطبي في "الاعتصام" في رد تقسيم البدعة إلى أحكام الشرع الخمسة:(أن هذا التقسيم أمر مخترع، لا يدل عليه دليل شرعي)، قال:(هو- أي: هذا التقسيم- في نفسه متدافع؛ فإن من حقيقة البدعة أن لا يدل عليها دليل شرعي؛ لا من نصوص الشرع ولا من قواعده، إذ لو كان هناك من الشرع ما يدل على وجوب أو ندب أو إباحة؛ لما كان ثم بدعة،
ولكان العمل داخلاً في عموم الأعمال المأمور بها، أو المخير فيها.
فالجمع بين كون تلك الأشياء بدعاً، وبين كون الأدلة تدل على وجوبها أو ندبها أو إباحتها جمع بين متناقضين.
أما المكروه منها والمحرم؛ فمسلم من جهة كونها بدعاً لا من جهةٍ أخرى، إذ لو دل دليل على منع أمر أو كراهته؛ لم يثبت ذلك كونه بدعة؛ لإمكان أن يكون معصية كالقتل والسرقة وشرب الخمر ونحوها، فلا بدعة يتصور فيها ذلك التقسيم إلا الكراهية والتحريم ).
وممن تعقب تقسيم العز بن عبد السلام البدعة إلى أحكام الشريعة الخمسة العلامة زروق في "شرح رسالة القيرواني"، قال بعد ذكر هذا التقسيم:(قال المحققون: إنما تدور- أي البدعة- بين محرم ومكروه؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: { كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة } وكلام العلماء في رد هذا التقسيم كثير.
وأما التمثيل بنقط المصحف وتشكيله وبناء المدارس للبدعة الواجبة فليس بمسلم؛ لأن
ما ذكر ليس من البدعة في الدين، فإن نقط المصحف وتشكيله إنما هما لصيانة القرآن من
اللحن والتحريف، وهذا واجب شرعاً.
وأما بناء المدارس للعلم فيقول الشاطبي في "الاعتصام"رداً على التمثيل به للبدعة ما نصه:(102/5)
(أما المدارس؛ فلا يتعلق بها أمر تعبدي يقال في مثله: بدعة؛ إلا على فرض أن يكون من السنة أن لا يقرأ العلم إلا في المساجد، وهذا لا يوجد، بل العلم كان في الزمان الأول يبث بكل مكان؛ من مسجد، أو منزل، أو سفر، أو حضر، أو غير ذلك، حتى في الأسواق فإذا أعد أحد من الناس مدرسة يعين بإعدادها الطلبة؛ فلا يزيد ذلك على إعداده له منزلا من
منازله، أو حائطاً من حوائطه، أو غير ذلك، فأين مدخل البدعة ههنا؟!
وإن قيل: إن البدعة في تخصيص ذلك الموضع دون غيره، فالتخصيص هنا ليس بتخصيص تعبدي، وإنما هو تعيين بالحبس كما تتعين سائر الأمور المحبسة).
وأما استدلال الشنقيطي على أن البدعة في الدين تكون حسنة بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قضية التراويح:(نعمت البدعة هذه) فاستدلال ليس في محله، فإن عمر
لم يقصد بذلك تحسين البدعة في الدين.
قال الشاطبي في "الاعتصام": (إنما سماها بدعة باعتبار ظاهر الحال من حيث تركها رسول الله (، واتفق أن لم تقع في زمان أبي بكر رضي الله عنه لا أن هذه بدعة من حيث المعنى، فمن سماها بدعة بهذا الاعتبار فلا مشاحة في الأسامي)، قال: (وعند ذلك فلا يجوز أن يستدل بها على جواز الابتداع بالمعنى المتكلم فيه؛ لأنه نوع من تحريف الكلم عن مواضعه).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "اقتضاء الصراط المستقيم":
(أما قول عمر:(نعمت البدعة هذه) فأكثر المحتجين بهذا؛ لو أردنا أن نثبت حكماً بقول
عمر الذي لم يخالف فيه؛ لقالوا:(قول الصاحب ليس بحجةٍ)، فكيف يكون حجة لهم في خلاف قول رسول الله ( ؟! ومن اعتقد قول الصاحب حجة؛ فلا يعتقده إذا خالف الحديث.
فعلى التقديرين: لا تصلح معارضة الحديث بقول الصاحب).
ثم قال:(ثم نقول: أكثر ما في هذا تسمية عمر تلك بدعةً، مع حسنها، وهذه تسمية لغوية
لا تسمية شرعية، وذلك أن البدعة في اللغة تعم كل ما فعل ابتداءً من غير مثال سابق،(102/6)
وأما البدعة الشرعية؛ فكل ما لم يدل عليه دليل شرعي).
ثم قال:(فإذا كان نص رسول الله ( قد دل على استحباب فعلٍ، أو إيجابه بعد موته،
أو دل عليه مطلقاً، ولم يعمل به ألا بعد موته، ككتاب الصدقة الذي أخرجه أبوبكر رضي الله عنه، فإذا عمل أحد ذلك العمل بعد موته، صح أن يسمى بدعة في اللغة؛ لأنه عمل مبتدأ.
قال: وقد علم أن قول النبي (: { كل بدعةٍ ضلالة } لم يرد به كل عمل مبتدأ؛ فإن دين الإسلام، بل كل دين جاءت به الرسل؛ فهو عمل مبتدأ، وإنما أراد ما ابتدئ من الأعمال التي
لم يشرعها هو ().
قال:(وإذا كان كذلك فالنبي ( كانوا يصلون قيام رمضان على عهده جماعة وفرادى، وقد قال لهم في الليلة الثالثة أو الرابعة لما اجتمعوا: { إنه لم يمنعني أن أخرج إليكم إلا كراهة أن يفرض عليكم، فصلوا في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة } ، فعلل ( عدم الخروج بخشية الافتراض، فعلم بذلك أن المقتضي للخروج قائم، وأنه لولا خوف الافتراض لخرج إليهم، فلما كان في عهد عمر؛ جمعهم على قارئ واحدٍ، وأسرج المسجد فصارت هذه الهيئة- وهي اجتماعهم في المسجد وعلى إمامٍ واحدٍ مع الإسراج- عملاً لم يكونوا يعملونه من قبل، فسمي بدعةً؛ لأنه في اللغة يسمى بذلك، وإن لم يكن بدعةً شرعيةً، لأن السنة اقتضت أنه عمل صالح لولا خوف الافتراض، وخوف الافتراض زال بموته (، فانتفى المعارض).
وقال شيخ الإسلام أيضاً في "الاقتضاء": (أما صلاةَ التراويح فليست بدعةً في الشريعة،
بل هي سنة بقول رسول الله ( وفعله، فإنه قال: (إن الله فرض عليكم صيام رمضان،(102/7)
وسننت لكم قيامه)، ولا صلاتها جماعة بدعة، بل هي سنة في الشريعة، بل قد صلاها رسول الله ( في الجماعة في أول شهر رمضان ليلتين، بل ثلاثا. وصلاها أيضاً في العشر الأواخر في جماعة مرات، وقال: { إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة } ، لما قام بهم حتى خشوا ان يفوتهم الفلاح) رواه أهل السنن، وبهذا الحديث احتج أحمد وغيره على أن فعلها في الجماعة أفضل من فعلها في حال الانفراد.
وفي قوله هذا ترغيب في قيام شهر رمضان خلف الإمام، وذلك أوكد من أن يكون سنة مطلقاً، وكان الناس يصلونها جماعة في المسجد على عهده ( و يقرهم، وإقراره سنة منه ().
وأما استدلال الشنقيطي على استحسان الابتداع في الدين بما عزاه إلى عمر بن عبد العزيز أنه قال:(تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور) يقصد الشنقيطي بذلك: القياس، أي: فكذلك تحدث لهم مرغبات في الخير بقدر ما أحدثوا من الفتور.
فقد أجاب الإمام الشاطبي في "الاعتصام" عن هذا الاستدلال بأمور:
أولها: أن هذا قياس في مقابلة النص الثابت في النهي عن الابتداع، وهو من باب فساد الاعتبار.
الثاني: أن هذا قياس على نص لم يثبت بعد من طريق مرضي.(102/8)
الثالث: أن هذا الكلام على فرض ثبوته عن عمر بن عبد العزيز لا يجوز قياس إحداث العبادات عليه؛ لأن كلام عمر إنما هو في معنى عادي يختلف فيه مناط الحكم الثابت فيما تقدم؛ كتضمين الصناع، أو الظنة في توجيه الأيمان دون مجرد الدعاوى، فيقول: أن الأولين توجهت عليهم بعض الأحكام لصحة الأمانة والديانة والفضيلة، فلما حدثت أضدادها أختلف المناط، فوجب اختلاف الحكم، وهو حكم رادع أهل الباطل عن باطلهم، فأثر هذا المعنى ظاهر مناسب، بخلاف ما نحن فيه فإنه على الضد من ذلك، ألا ترى أن الناس إذا وقع فيهم الفتور عن الفرائض فضلاً عن النوافل- وهي ما هي من القلة والسهولة- فما ظنك بهم إذا زيد عليهم أشياء أخرى يرغبون فيها ويحضون على استعمالها، فلا شك أن الوظائف تتكاثر حتى تؤدي إلى أعظم من الكسل الأول وإلى ترك الجميع، فإن حدث للعامل بالبدعة هو في بدعته أو لمن شايعه فيها فلا بد من كسله عن ما هو أولى، قال: فصارت هذه الزيادة عائدة على ما هو أولى منها بالإبطال أو الإخلال، وقد مر أنه ما من بدعة تحدث
إلا ويموت من السنة ما هو خير منها.
الرابع: أن هذا القياس مخالف لأصل شرعي، وهو طلب النبي ( السهولة والرفق والتيسير وعدم التشديد، فزيادة وظيفة لم تشرع تظهر ويعمل بها دائماً في مواطن السنن هي تشديد
بلا شك، فليس قصد عمر بن عبد العزيز بهذا الكلام على فرض ثبوته عنه فتح السبيل إلى إحداث البدع.
وقال العلامة قاسم بن عيسى بن ناجي المالكي في "شرح رسالة القيرواني" في معنى (تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور) قال: (معناه: ما أحدثوا من الفجور
مما ليس فيه نص)، وقال: قال التقي السبكي في الكتاب الذي ألفه في شأن رافضي جاهر
بلعنة أبي بكر الصديق، وقال فيه: عدو الله، فقتله القاضي المالكي، قال في هذه الكلمة بعدما عزاها إلى مالك بن أنس بلفظ: (يحدث للناس أحكام بقدر ما يحدثون من الفجور):(102/9)
لا نقول إن الأحكام تتغير بتغير الزمان، بل باختلاف الصورة الحادثة، فإذا حدثت صورة على صفة خاصة علينا أن ننظر فيها، فقد يكون مجموعها يقتضي الشرع له حكماً، على هذا حمل التقي السبكي هذه الكلمة، وذكر أنها منطبقة على قضية الرافضي؛ لكون صورتها مجموعة من إظهار سب الصديق في ملأ من الناس ومجاهرته وإصراره عليه وإعلاء البدعة وغمض السنة، ونقل السيوطي هذا التأويل عن السبكي في "الحاوي".
ومن هذه النقول يعلم أن عمر بن عبد العزيز لم يقصد بهذه الكلمة فتح أي باب يناقض الشريعة، وكيف ينسب إلى عمر بن عبد العزيز فتح باب الابتداع في الدين، وهو الذي يقول حينما بايعه الناس بعدما صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه: (يا أيها الناس، إنه ليس بعد نبيكم نبي، ولا بعد كتابكم كتاب، ولا بعد سنتكم سنة، ولا بعد أمتكم أمة، ألا وإن الحلال ما أحله الله في كتابه على لسان نبيه حلال إلى يوم القيامة، ألا وإن الحرام ما حرم الله في كتابه على لسان نبيه حرام إلى يوم القيامة، ألا وإني لست بمبتدع ولكني متبع).
وأما دعوى الشنقيطي: أن عدم احتفال المملكة السعودية بالمولد النبوي يعرضها إلى أن تُنسب من قبل الدول الأخرى إلى تنقص الرسول ( وازدرائه حيث تحتفل بغيره ولا تحتفل لمولده، ويذاع عنها ذلك، كما يذاع عنها أنها تحرق كتب الصلاة عليه، فهذا من عندياته، وذلك لأمور:
أحدها: أن الحكومات الإسلامية كلها تعترف للحكومة السعودية بتعظيم الرسول (، مع(102/10)
علمها بأنها لا تحتفل بالمولد النبوي مخافة من الابتداع، وأقرب شاهد في زماننا هذا على ذلك إقبال وفودها على المؤتمر الإسلامي الذي يعقد بمكة، فإنه لا يتصور ذلك الإقبال الشديد على من يتهم بما ذكره الشنقيطي، وكذلك على الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وتلك الإشاعات التي يشير إليها الشنقيطي إنما حاول المبطلون التنفير بها عن دعوة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب. وكان الشيخ يجيب عن كل ذلك بقوله:(سبحانك هذا بهتان عظيم).
وكان يذكر أن ما ينسب إليه من إحراق كتب الصلاة على النبي ( ليس له أصل، إلا أنه نصح بعض من يتعلق بكتاب "دلائل الخيرات" بأنه لا يصير هذا الكتاب أجل في قلبه من كتاب الله، فيظن أن القراءة فيه أنفع من قراءة القرآن، ورغم هذه الافتراءات أبى الله إلا أن يظهر الحق ويبطل الباطل، ويعلي الدعوة التي حاول أولئك المبطلون التنفير عنها بمثل تلك الإشاعات الباطلة.
الثاني: أن القائل بـ: أن تارك الاحتفال بالمولد متنقص للنبي (، إن أراد بقوله هذا أن
ذلك اعتقاد التارك فقد كذب وافترى، وإن أراد أن ذلك تنقيص للنبي ( عما يستحقه شرعاً فالمرجع في ذلك إلى الكتاب والسنة، وما عليه القرون المشهود لها بالخير فنحاكم
كل من يطالبنا بهذا إلى ذلك، فإن جاء بدليل صحيح صريح، وإلا فنحن مستمسكون
بقول النبي (: { كل بدعة ضلالة } ، وبما روى أبو داود في سننه، عن حذيفة رضي الله عنه قال: (كل عبادة لا يتعبدها أصحاب محمد ( فلا تعبدوها، فإن الأول لم يترك للآخر مقالاً)،
ولا نصون أعراضنا في الدنيا بالتقرب إلى الله تعالى بما لم يشرعه.(102/11)
الثالث: أن أكثر ما يقصد من تلك الاحتفالات التي تقام للرؤساء إحياء الذكرى، والنبي ( قد قال الله في حقه: { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } ]الانشراح:4[، فذكره مرفوع في الأذان والإقامة والخطب والصلوات وفي التشهد والصلاة عليه وفي قراءة الحديث واتباع ما جاء به، فهو أجل من أن تكون ذكراه سنوية فقط، ولكن الأمر كما قال السيد رشيد رضا في كتابه "ذكرى المولد النبوي" قال: (إن من طباع البشر أن يبالغوا في مظاهر تعظيم أئمة الدين أو الدنيا في طور ضعفهم- أي البشر- في أمر الدين أو الدنيا؛ لأن هذا التعظيم لا مشقة فيه على النفس ، فيجعلونه بدلاً مما يجب عليهم من الأعمال الشاقة التي يقوم بها أمر الدين أو الدنيا، وإنما التعظيم الحقيقي بطاعة المعظم، والنصح له، والقيام بالأعمال التي يقوم بها أمره ويعتز
دينه إن كان رسولا، وملكه إن كان ملكا، وقد كان السلف الصالح أشد ممن بعدهم تعظيما للنبي ( ثم للخلفاء، وناهيك ببذل أموالهم وأنفسهم في هذا السبيل، ولكنهم دون أهل هذه القرون التي ضاع فيها الدين في مظاهر التعظيم اللساني، ولاشك أن الرسول الأعظم ( أحق الخلق بكل تعظيم، وليس من التعظيم الحق له أن نبتدع في دينه بزيادة أو نقص
أو تبديل أو تغيير لأجل تعظيمه به، وحسن النية لا يبيح الابتداع في الدين فقد كان جل
ما أحدث أهل الملل قبلنا من التغيير في دينهم عن حسن نية.
ومازالوا يبتدعون بقصد التعظيم وحسن النية حتى صارت أديانهم غير ما جاءت به رسلهم، ولو تساهل سلفنا الصالح كما تساهلوا، وكما تساهل الخلف الذين اتبعوا سننهم شبراً بشبر وذراعاً بذراع لضاع أصل ديننا أيضا، ولكن السلف الصالح حفظوا لنا الأصل، فالواجب علينا أن نرجع إليه ونعض عليه بالنواجذ) اهـ.
هذا مع أن الاحتفال بالمولد النبوي إذا كان بطريق القياس على الاحتفالات بالرؤساء صار- أي النبي (- ملحقاً بغيره وهذا ما لا يرضاه عاقل.
* حكم المولد:(102/12)
قسم العلماء الاجتماع الذي يعمل في ربيع الأول ويسمى باسم: المولد إلى قسمين:
أحدهما: ما خلا من المحرمات فهو بدعة لها حكم غيرها من البدع، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى": أما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال: إنها ليلة المولد، أو بعض ليالي شهر رجب، أو ثامن عشر ذي الحجة، أو أول جمعة من رجب، أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال: عيد الأبرار- فإنها من البدع التي
لم يستحبها السلف الصالح ولم يفعلوها.
وقال في "الاقتضاء":(إن هذا- أي اتخاذ المولد عيداً- لم يفعله السلف، مع قيام المقتضى له وعدم المانع منه)، وقال:(ولو كان هذا خيراً محضا، أو راجحاً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله ( وتعظيماً له منا، وهم على الخير أحرص).
وقال ابن الحاج في "المدخل":(فإن خلا- أي المولد- منه- أي من السماع وتوابعه - وعمل طعاما فقط، ونوى به المولد ودعا إليه الإخوان، وسلم من كل ما تقدم ذكره فهو بدعة بنفس نيته فقط، إذ إن ذلك زيادة في الدين ليس من عمل السلف الماضين، وإتباع السلف أولى، بل أوجب من أن يزيد نية مخالفة لما كانوا عليه، لأنهم أشد الناس اتباعاً لسنة رسول الله (، وتعظيما له ولسنته (، ولهم قدم السبق في المبادرة إلى ذلك، ولم ينقل عن أحد منهم أنه نوى المولد، ونحن لهم تبع، فيسعنا ما وسعهم، وقد علم ان إتباعهم في المصادر والموارد، كما قال الشيخ أبو طالب المكي- رحمه الله- في كتابه. وقد جاء في الخبر:
{ لا تقوم الساعة حتى يصير المعروف منكراً والمنكر معروفاً } ، وقد وقع ما قاله عليه الصلاة والسلام بسبب ما تقدم ذكره وما يأتي بعد؛ لأنهم يعتقدون أنهم في طاعة، ومن
لا يعمل عملهم يرون أنه مقصر، فإنا لله وإنا إليه راجعون) اهـ.(102/13)
وقال العلامة تاج الدين عمر بن علي اللخمي الإسكندراني المشهور بـ:(الفاكهاني) في رسالته في المولد المسماة بـ "المورد في عمل المولد":(لا أعلم لهذا المولد أصلا في كتاب
ولا سنة، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بِدعة أحدثها البطالون، وشهوة نفسٍ اغتنى بها الأكالون، بدليل أنَّا إذا أدرنا عليه الأحكام الخمسة قلنا:
إما أن يكون واجباً، أو مندوباً، أو مباحاً، أو مكروهاً، أو محرماً.
وهو ليس بواجب إجماعاً، ولا مندوباً؛ لأن حقيقة الندب: ما طلبه الشرع من غير ذم على تركه، وهذا لم يأذن فيه الشرع، ولا فعله الصحابة، ولا التابعون ولا العلماء المتدينون
- فيما علمت- وهذا جوابي عنه بين يدي الله إن عنه سئلت.
ولا جائز أن يكون مباحاً؛ لأن الابتداع في الدين ليس مباحاً بإجماع المسلمين.
فلم يبق إلا أن يكون مكروهاً، أو حراماً).
ثم صور الفاكهاني نوع المولد الذي تكلم فيه بما ذكرنا بأنه: هو أن يعمله رجل من عين ماله لأهله وأصحابه وعياله، لا يجاوزون في ذلك الاجتماع على أكل الطعام، ولا يقترفون شيئاً من الآثام، قال: (فهذا الذي وصفناه بأنه بدعة مكروهة وشناعة، إذ لم يفعله أحد من متقدمي أهل الطاعة، الذين هم فقهاء الإسلام وعلماء الأنام، سُرُجُ الأزمنة وزَيْن الأمكنة) اهـ.(102/14)
ويرى ابن الحاج في "المدخل": أن نية المولد بدعة، ولو كان الاشتغال في ذلك اليوم بصحيح البخاري، وعبارته:(وبعضهم- أي المشتغلين بعمل المولد- يتورع عن هذا- أي سماع الغناء وتوابعه- بقراءة البخاري وغيره عوضاً عن ذلك، هذا وإن كانت قراءة الحديث في نفسها من أكبر القرب والعبادات وفيها البركة العظيمة والخير الكثير، لكن إذا فعل ذلك بشرطه اللائق به على الوجه الشرعي لا بنية المولد، ألا ترى أن الصلاة من أعظم القرب إلى اللهتعالى، ومع ذلك فلو فعلها إنسان في غير الوقت المشروع لها لكان مذموماً مخالفاً، فإذا كانت الصلاة بهذه المثابة فما بالك بغيرها).
هذا ما بينه المحققون في هذا النوع من المولد.
وقد حاول السيوطي في رسالته "حسن المقصد في عمل المولد" الرد على ما نقلناه عن الفاكهاني، لكنه لم يأت بشيء يقوى على معارضة ما ذكره الفاكهاني؛ فإنه عارضه بأن
الاحتفال بالمولد النبوي إنما أحدثه ملك عادل عالم قصد به التقرب إلى الله، وارتضاه ابن دحية، وصنف له من أجله كتاباً وهذا ليس بحجة؛ فإن البدعة في الدين لا تقبل من أي أحد كان بنصوص الأحاديث، فلا يمكننا أن نعارض الأحاديث المحذرة من الابتداع في الدين بعمل أبي سعيد كوكبري بن أبي الحسن علي بن بكتكين الذي أحدث الاحتفال بالمولد في
القرن السادس، وعدالته لا توجب عصمته.
وقد ذكر ابن خلكان أنه يحب السماع، وأما ابن دحية فلا يخفى كلام العلماء فيه، وقد اتهموه بوضع حديث في قصر صلاة المغرب كما في تاريخ ابن كثير.
وأما القسم الثاني من عمل المولد وهو: المحتوي على المحرمات، فهذا قد منعه العلماء وبسطوا القول فيه، وإليك بعض عباراتهم في ذلك:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في فتوى له:(فأما الاجتماع في عمل المولد على غناء ورقص ونحو ذلك واتخاذه عبادة، فلا يرتاب أحد من أهل العلم والإيمان في أن هذا من المنكرات التي ينهى عنها، ولا يستحب ذلك إلا جاهل أو زنديق).(102/15)
وقال الفاكهاني في رسالته في المولد:(الثاني- أي من نوعي عمل المولد- أن تدخله الجناية، وتقوى به العناية، حتى يعطي أحدهم الشيء ونفسه تتبعه، وقلبه يؤلمه ويوجعه؛
لما يجد من ألم الحيف، وقد قال العلماء رحمهم الله تعالى: أخذ المال بالحياء كأخذه بالسيف، لا سيما إن انضاف إلى ذلك شيء من الغناء مع البطون الملأى بآلات الباطل، من الدفوف والشبابات واجتماع الرجال مع الشباب المرد والنساء الفاتنات إما مختلطات بهم أو مشرفات ويرقصن بالتثني والانعطاف، والاستغراق في اللهو ونسيان يوم المخاف، وكذا النساء إذا اجتمعن على انفرادهن رافعات أصواتهن بالتهنيك والتطريب في الإنشاد، والخروج في التلاوة والذكر عن المشروع والأمر المعتاد، غافلات عن قوله تعالى: { إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ }
]الفجر:14[.
وهذا الذي لا يختلف في تحريمه اثنان، ولا يستحسنه ذوو المروءة الفتيان، وإنما يَحِلُّ ذلك
بنفوس موتى القلوب، وغير المستقلين من الآثام والذنوب، وأزيدك أنهم يرونه من العبادات
لا من الأمور المنكرات المحرمات، فإن لله وإنا إليه راجعون، بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ. ولله در شيخنا القشيري حيث يقول فيما أجازناه:
قد عرف المنكر واستنكر الـ ـمعروف في أيامنا الصعبة
وصار أهل العلم في وهدةٍ وصار أهل الجهل في رتبة
حادوا عن الحق فما للذي ساروا به فيما مضى نسبة
فقلت للأبرار أهل التقى والدين لما اشتدت الكربة
لا تنكروا أحوالكم قد أتت نوبتكم في زمن الغربة
قال الفاكهاني:(ولقد أحسن أبو عمرو بن العلاء حيث يقول: لا يزال الناس بخير ما تعجب من العجب، هذا مع أن الشهر الذي ولد فيه النبي ( - وهو ربيع الأول- هو بعينه الذي توفي فيه، فليس الفرح بأولى من الحزن فيه، وهذا ما علينا أن نقول، ومن الله تعالى نرجو حسن القبول).(102/16)
وقال الشيخ أبو الحسن ابن عبدالله بن الحسن النباهي المالقي الأندلسي في كتابه "المرتبة العليا فيمن يستحق القضاء والفتيا" في ترجمة القاضي أبي عبدالله محمد بن عبد السلام المنستيري:(إن الأمير أبا يحيى استحضره مع الجملة من صدور الفقهاء للمبيت بدار الخلافة والمثول بين يديه ليلة الميلاد الشريف النبوي، إذ كان قد أراد إقامة رسمه على العادة الغريبة من الاحتفال في الأطعمة وتزيين المحل بحضور الأشراف، وتخير القوالين للأشعار المقرونة بالأصوات المطربة، فحين كمل المقصود من المطلوب، وقعد السلطان على أريكة ملكه ينظر في ترتيبه، والناس على منازلهم بين قاعد وقائم هز المسمع طاره، وأخذ يهنؤهم بألحانه، وتبعه صاحب يراعه كعادته من مساعدته، تزحزح القاضي أبو عبدالله عن مكانه، وأشار بالسلام على الأمير، وخرج من المجلس، وتبعه الفقهاء بجملتهم إلى مسجد القصر فناموا به، فظن السلطان أنهم خرجوا لقضاء حاجتهم، فأمر أحد وزرائه بتفقدهم والقيام بخدمتهم إلى عودتهم، وأعلم الوزير- الموجه لما ذكر- القاضي بالغرض المأمور به، فقال له: أصلحك الله، هذه الليلة المباركة التي وجب شكر الله عليها، وجمعنا السلطان- أبقاه الله- من أجلها
لو شهدها نبينا المولد فيها صلوات الله وسلامه عليه لم يأذن لنا في الاجتماع على ما نحن فيه من مسامحة بعضنا لبعض في اللهو، ورفع قناع الحياء بمحضر القاضي والفقهاء، وقد وقع الاتفاق من العلماء على أن المجاهرة بالذنب محظورة، إلا أن تمس إليها حاجة؛ كالإقرار
بما يوجب الحد أو الكفارة، فليسلم لنا الأمير- أصلحه الله- في القعود بمسجده هذا إلى الصباح، وإن كنا في مطالب أُخر من تبعات رياء ودسائس أنفس وضروب غرور، لكنا(102/17)
كما شاء الله في مقام الاقتداء، لطف الله بنا أجمعين بفضله. فعاد عند ذلك الوزير المرسل للخدمة الموصوفة إلى الأمير أبي يحيى وأعلمه بالقصة، فأقام يسيراً وقام من مجلسه، وأرسل إلى القاضي من ناب عنه في شكره وشكر أصحابه، ولم يعد إلى مثل ذلك العمل بعد، وصار في كل ليلة يأمر في صبيحة الليلة المباركة بتفريق طعام على الضعفاء، وإرفاق الفقراء؛ شكراً لله. انتهى كلام النباهي.
وقد ذكر ابن الحاج في "المدخل" مما احتوى عليه الاحتفال بالمولد في زمانه- فكيف بزماننا هذا- ما يلي:
1- استعمال الأغاني وآلات الطرب من الطار المصرصر والشبابة وغير ذلك.
قال ابن الحاج:(مضوا في ذلك على العوائد الذميمة في كونهم يشتغلون في أكثر الأزمنة التي فضلها الله وعظمها ببدع ومحرمات)، وذكر ابن الحاج قول القائل:
يا عصبة ما ضر أمة أحمد وسعى إلى إفسادها إلا هي
طار ومزمار ونغمة شادنٍ أرأيت قط عبادة بملاهي
2- قلة احترام كتاب الله عز وجل، فإنهم يجمعون في هذه الاحتفالات بينه وبين الأغاني، ويبتدئون به قصدهم الأغاني.
قال ابن الحاج:(ولذلك نرى بعض السامعين إذا طول القارئ القراءة يتقلقلون منه؛ لكونه طول عليهم ولم يسكت حتى يشتغلوا بما يحبونه من اللهو)، وقال:(وهذا غير مقتضى(102/18)
ما وصف الله تعالى به أهل الخشية من أهل الإيمان؛ لأنهم يحبون سماع كلام مولاهم؛ لقوله تعالى في مدحهم: { وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } ]المائدة:83[، فوصف الله تعالى من سمع كلامه بما ذكر، وبعض هؤلاء يستعملون الضد من ذلك، فإذا سمعوا كلام ربهم عز وجل قاموا بعده إلى الرقص والفرح والسرور والطرب بما لا ينبغي، فإنا لله وإنا إليه راجعون على عدم الاستحياء من عمل الذنوب، يعملون أعمال الشيطان، ويطلبون الأجر من رب العالمين، ويزعمون أنهم في تعبد وخير).
قال:(ويا ليت ذلك لو كان يفعله سفلة الناس، ولكن قد عمت البلوى، فتجد بعض من ينسب إلى شيء من العلم أو العمل يفعله، وكذلك بعض من ينتسب إلى المشيخة- أعني في
تربية المريدين- وكل هؤلاء داخلون فيما ذكر، ثم العجب كيف خفيت عليهم هذه المكيدة
الشيطانية والدسيسة من اللعين؟!).
الافتتان بالمردان؛ فإن الذي يغني في الاحتفالات ربما يكون شاباً نظيف الصورة،
حسن الكسوة والهيئة، أو أحداً من الجماعة الذين يتصنعون في رقصهم، بل يخطبونهم للحضور، فمن لم يحضر منهم ربما عادوه ووجدوا في أنفسهم عليه، وحضوره فتنة، سيما وهم يأتون إلى ذلك شبه العروس، لكن العروس أقل فتنة؛ لأنها ساكنة حيية، وهؤلاء عليهم العنبر والطيب يتخذون ذلك بين أثوابهم، ويتكسرون مع ذلك في مشيهم إذ ذاك، وكلامهم ورقصهم، ويتعانقون فتأخذهم إ ذاك أحوال النفوس الرديئة من العشق والاشتياق إلى التمتع
بما يرونه من الشبان ويتمكن منهم الشيطان، وتقوى عليهم النفس الأمارة بالسوء،
وينسد عليهم باب الخير سداً.(102/19)
قال ابن الحاج:(وقد قال بعض السلف: لأن أؤتمن على سبعين عذراء أحب إليَّ من أن أؤتمن على شاب، وقوله هذا ظاهر بين؛ لأن العذراء تمتنع النفوس الزكية ابتداءً من النظر إليها بخلاف الشاب؛ لما ورد أن النظرة الأولى سهم، والشاب لا يتنقب ولا يختفي بخلاف العذراء، والشيطان من دأبه أنه إذا كانت المعصية كبرى أجلب عليها بخيله ورجله ويعمل الحيل الكثيرة).
قال ابن الحاج:(وبعض النسوة يعاين ذلك على ما قد علم من نظرهن من السطوح والطاقات وغير ذلك؛ فيرينه وسمعنه وهن أرق قلوباً وأقل عقولاً فتقع الفتنة في الفريقين).
هذا بعض ما ذكره ابن الحاج من المحرمات التي تحصل في احتفال الرجال بالمولد.
ثم ذكر من المفاسد المتعلقة بالنساء ما يلي:
1- افتتان الرجال بالنساء؛ لأن بعض الرجال يتطلع عليهن من بعض الطاقات والسطوح، وتزداد الفتنة برفع أصواتهن، وتصفيقهن بالأكف، وغير ذلك مما يكون سبباً إلى وقوع المفسدة العظمى.
2- افتتانهن في الاعتقاد؛ وذلك لأنهن لا يحضرن للمولد إلا ومعهن شيخه تتكلم في كتاب الله وفي قصص الأنبياء بما لا يليق، فربما تقع في الكفر الصريح وهي لا تشعر؛ لأنها لا تعرف الصحيح من السقيم والحق من الكذب، فتدخل النسوة في الغالب وهن مؤمنات، ويخرجن وهن مفتتنات في الاعتقاد أو فروع الدين.(102/20)
3- خروج النساء إلى المقابر وارتكاب أنواع المحرمات هناك من الاختلاط وغيره، ويذكر ابن الحاج: أن هذه المفسدة من آثار بناء البيوت على المقابر قال:(إذ لو امتثلنا أمر الشرع في هدمها لانسدت هذه المثالم كلها وكفي الناس أمرها)، قال:(فبسبب ما هناك من البنيان والمساكن وجد من لا خير فيه السبيل إلى حصول أغراضه الخسيسة ومخالفة الشرع)، قال: (ألا ترى ما قد قيل من العصمة أن لا تجد، فإذا هَمَّ الإنسان بالمعصية وأرادها وعمل عليها ولم يجد من يفعلها أو وجده، ولكن لا يجد مكاناً للاجتماع فيه فهو نوع من العصمة، فكان البنيان في القبور فيه مفاسد: منها: هتك الحريم بخروجهن إلى تلك المواضع، فيجدون أين يقمن أغراضهن، هذا وجه، الثاني: تيسير الأماكن لاجتماع الأغراض الخسيسة، فتيسير المساكن هناك سبب وتسهيل لوقوع المعاصي هناك.
4- فتح باب الخروج لهن لغير ضرورة شرعية؛ فإنهم- أي: أهل زمانه- ضموا لأيام
المولد النبوي الثلاثة، يوم الإثنين لزيارة الحسين، وجعلوا يوم الأربعاء لزيارة نفيسة، فالتزمن الزيارة في تلك الأيام لما يقصدن من أغراض، الله أعلم بها. قال ابن الحاج: ولو حكي هذا عن الرجال لكان فيه شناعة وقبح فكيف به في النساء ؟! فإنا لله وإنا إليه راجعون.
هذا ما ذكره ابن الحاج في "المدخل" من مفاسد الاحتفالات بالمولد في زمانه بالنسبة لمن يقصدون المولد، ثم قسم الذين يعملون المولد في ذلك الزمن لا لقصد المولد إلى خمسة أقسام:
أحدها: من له فضة عند الناس متفرقة قد أعطاها لهم في بعض الأفراح والمواسم فيعمل المولد ليستردها، قال ابن الحاج: فهذا قد اتصف بصفة النفاق، وهو أنه يظهر خلاف
ما يبطن، إذ ظاهر حاله أنه عمل المولد يبتغي به الدار الآخرة، وباطنه أنه يجمع به فضته.(102/21)
الثاني: من يتظاهر من ذوي الأموال بأنه من الفقراء المساكين، فيعمل المولد لتزيد دنياه بمساعدة الناس له، فيزداد هذا فساداً على المفاسد المتقدم ذكرها، ويطلب مع ذلك ثناء الناس عليه بما ليس فيه.
الثالث: من يخاف الناس من لسانه وشره وهو من ذوي الأموال، فيعمل المولد ليأخذ من الناس الذين يعطونه تقية على أنفسهم وأعراضهم، قال ابن الحاج: (فيزداد من الحطام بسبب ما فيه من الخصال المذمومة شرعاً، وهذا أمر خطر؛ لأنه زاد على الأول أنه ممن يخاف من شره، فهو معدود بفعله من الظلمة).
الرابع: من يعمل المولد وهو ضعيف الحال ليتسع حاله.
الخامس: من له من الفقراء لسان يخاف منه ويتقى لأجله، فيعمل المولد حتى يحصل له من الدنيا ممن يخشاه ويتقيه، حتى أنه لو تعذر عن حضور المولد الذي يفعله أحد معارفه لحل به من الضرر ما يتشوش به، وقد يؤول ذلك إلى العداوة أو الوقوع في حقه في محافل بعض ولاة الأمور؛ قاصداً بذلك حط رتبته بالوقيعة فيه أو نقص ماله.. إلى غير ذلك مما يقصده من
لا يتوقف على مراعاة الشرع الشريف.
قال ابن الحاج بعد بسط الكلام على هذه المفاسد:
(هذا الذي ذكر بعض المفاسد المشهورة المعروفة، وما في ذلك من الدسائس ودخول وساوس النفوس وشياطين الإنس والجن مما يتعذر حصره، فالسعيد السعيد من أعطى قياده للاتباع وترك الابتداع، وفقنا الله لذلك بمنه).
وذكر ابن الحاج: أن سكوت من سكت من العلماء على إنكار ما ذكر ليس بدليل؛ لأن الناس كانوا يقتدون أولاً بالعلماء، فصار الأمر بعد ذلك بالعكس، وهو: أن من لا علم عنده يرتكب ما لا ينبغي فيأتي العالم فيقتدي به في ذلك، قال: (فعمت الفتنة، واستحكمت هذه البلية، فلا تجد في الغالب من يتكلم في ذلك، ولا من يعين على زواله أو يشير إلى ذلك أن ذلك مكروه أو محرم) اهـ.(102/22)
وقد ذكر ابن حجر الهيتمي في "الفتاوى الحديثية": أن الموالد التي تفعل عندهم في زمنه أكثرها مشتمل على شرور لو لم يكن منها إلا رؤية النساء الرجال الأجانب لكفى ذلك في المنع، وذكر أن ما يوجد في تلك الموالد من الخير لا يبررها ما دامت كذلك؛ للقاعدة المشهورة المقررة: أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح. قال: (فمن علم وقوع شيء من الشر فيما يفعله من ذلك فهو عاص آثم، وبفرض أنه عمل في ذلك خيراً فربما خيره لا يساوي شره، ألا ترى أن الشارع ( اكتفى من الخير بما تيسر، وفطم جميع أنواع الشر، حيث قال: { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه } ، فتأمله تعلم ما قررته من أن الشر وإن قلَّ لا يرخص في شيء منه، والخير يكتفى منه بما تيسر.
هذا ما ذكره أهل العلم في بحث الاحتفال بالمولد النبوي، ولم يخل عصر من العصور المتقدمة منذ أُحدث من عالم يبين الحق فيه، ولم يزل المتبصرون من أهل العلم في وقتنا هذا ينكرون ما يقع في تلك الأيام من البدع والمحرمات.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الطائفة المنصورة التي لا يضرها من خذلها، وصلى الله على محمد، وآله وصحبه وسلم .
انتهت رسالة "حكم الاحتفال بالمولد النبوي والرد على من أجازه" للشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله، ويليها ملحق في إنكار ذلك.
* * *
ملحق رسالة
"حكم الاحتفال بالمولد
والرد على من أجازه"
للشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله
بعد ما نشر ردنا على الشنقيطي كتب مرة أخرى في الموضوع رددنا عليها بالرد التالي:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، محمد وآله وصحبه وسلم.
أما بعد:(102/23)
فقد نشرت جريدة الندوة في العدد الصادر يوم السبت 16 / 4 / 1382 هـ للشنقيطي محمد مصطفى العلوي في تبرير الاحتفال بالمولد النبوي مقالاً آخر تحت عنوان:(هذا ما يقوله ابن تيمية في الاحتفال المشروع بذكرى المولد النبوي)، مضمون ذلك المقال: أن شيخ الإسلام ابن تيمية يرى الاحتفال بالمولد النبوي، واعتمد الشنقيطي في تلك الدعوى على ثلاثة أمور:
1- قول شيخ الإسلام في "اقتضاء الصراط" في بحث المولد:(فتعظيم المولد واتخاذه موسماً قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه أجر عظيم؛ لحسن قصده وتعظيمه لرسول الله ( كما قدمت أنه يستحسن من بعض الناس ما يستقبح من المؤمن المسدد).
يقول الشنقيطي: فكلام شيخ الإسلام- يقصد هذه العبارة- صريح في جواز عمل مولد النبي (، الخالي من منكرات تخالطه.
قول شيخ الإسلام في "الاقتضاء" أيضاً:(إذا رأيت من يفعل هذا- أي المنكر-
ولا يتركه إلا إلى شر منه، فلا تدع إلى ترك منكر بفعل ما هو أنكر،أو بترك واجب أو مندوب تركه أضر من فعل ذلك المكروه).
يقول الشنقيطي:(من الجدير بالذكر ما أشار إليه شيخ الإسلام أن مرتكب البدعة
لا ينهى عنها إذا كان نهيه عنها يحمله إلى ما هو شر منها، ومن المعلوم عند العموم: أن أكثر أهل هذا الزمان يضيعون الليالي وخصوصاً ليلة الجمعة في سماع أغاني أم كلثوم وغيرها من حفلات صوت العرب الخليعة مما يذيعه الراديو والتلفزيون، فلا يخفى على مسلم عاقل أن سماع ذكر صفة وسيرة رسول الله ( خير من سماع الأغاني الخليعة والتمثيليات الماجنة).
3- دعوى أن شيخ الإسلام ابن تيمية لا ينكر الابتداع في تعظيم رسول الله (، ويذكر الشنقيطي أن أكبر شاهد على ذلك تأليفه كتاب "الصارم المسلول".
هذا ما ذكره الشنقيطي مما برر به هذه الدعوى الباطلة.(102/24)
والحق أنه إنما أٌتي من سوء فهم كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وسيرته، وفي نوع ما وقع فيه، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب "الاستغاثة":(الوهم إذا كان لسوء فهم المستمع
لا لتفريط المتكلم لم يكن على المتكلم بذلك باس، ولا يشترط في العلماء إذا تكلموا في العلم أن لا يتوهم متوهم من ألفاظهم خلاف مرادهم، بل ما زال الناس يتوهمون من أقوال الناس خلاف مرادهم)، وهذا هو عين ما وقع للشنقيطي في عبارات شيخ الإسلام ابن تيمية .
وإلى القراء بيان ذلك فيما يلي:
أما قول شيخ الإسلام:(فتعظيم المولد واتخاذه موسماً قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه أجر عظيم؛ لحسن قصده وتعظيمه لرسول الله ()، فليس فيه إلا الإثابة على حسن القصد، وهي لا تستلزم مشروعية العمل الناشئة عنه؛ ولذلك ذكر شيخ الإسلام أن هذا العمل- أي الاحتفال بالمولد- يستقبح من المؤمن المسدد، ولكن الشنقيطي أخذ أول العبارة دون تأمل في آخرها، وفي أول بحث المولد في "اقتضاء الصراط المستقيم" فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الذين يتخذون المولد عيداً محبة للنبي ( (ص 294، 295):
(والله تعالى قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد، لا على البدع من اتخاذ مولد النبي (
عيداً، مع اختلاف الناس في مولده، فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضي وعدم المانع
منه، ولو كان هذا خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا؛ فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله ( وتعظيماً له منا، وهم على الخير أحرص، وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره وإحياء سنته باطناً وظاهراً، ونشر ما بعث به، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان، فإن هذه هي طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان).(102/25)
فهذا تصريح من شيخ الإسلام بأن إثابة من يتخذ المولد عيداً محبة للنبي ( من ناحية قصده لا تقتضي مشروعية اتخاذ المولد عيداً ولا كونه خيراً، إذ لو كان خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا؛ لأنهم أشد محبة وتعظيماً لرسول الله منا.
ثم بعد ذلك صرح شيخ الإسلام بذم الذين يتخذون المولد عيداً، فقال في (ص 295، 296):(أكثر هؤلاء تجدهم حرصاء على أمثال هذه البدع مع ما لهم فيها من حسن القصد والاجتهاد الذي يرجى لهم به المثوبة، تجدونهم فاترين في أمر الرسول عما أمروا بالنشاط فيه، وإنما هم بمنزلة من يزخرف المسجد ولا يصلي فيه، أو يصلي فيه قليلاً، وبمنزلة من يتخذ المسابح والسجادات المزخرفة، وأمثال هذه الزخارف الظاهرة التي لم تشرع ويصحبها من الرياء الكبير والاشتغال عن المشروع ما يفسد حال صاحبها).
وقال شيخ الإسلام في "الاقتضاء"(ص 317):(من كانت له نية صالحة أثيب على نيته وإن كان الفعل الذي فعله ليس بمشروع إذا لم يتعمد مخالفة الشرع).
وصرح في (ص290) بأن إثابة الواقع في المواسم المبتدعة متأولاً أو مجتهداً على حسن قصده لا تمنع النهي عن تلك البدع والأمر بالاعتياض عنها بالمشروع الذي لا بدعة فيه، وذكر أن ما تشتمل عليه تلك البدع من المشروع لا يعتبر مبرراً لها(1)
__________
(1) كن هذا القدر لا يمنع كراهتها والنهي عنها والاعتياض عنها بالمشروع الذي لا بدعة فيه، كما أن الذين زادوا الأذان في العيدين هم كذلك، بل اليهود والنصارى يجدون في عباداتهم أيضاً فوائد؛ وذلك لأنه لا بد أن تشتمل عباداتهم على نوع
ما مشروع في جنسه، كما أن قولهم لا بد أن يشتمل على صدق مأثور عن الأنبياء، ثم ذلك لا يوجب أن تفعل عباداتهم أو تروى كلماتهم؛ لأن جميع المبتدعات لا بد أن تشتمل على شر راجح على ما فيها من الخير، إذ لو كان خيرها راجحاً لما أهملتها الشريعة، فنحن نستدل بكونها بدعة على أن إثمها أكبر من نفعها، وذلك هو الموجب للنهي.(102/26)
.
كما صرح في كلامه على مراتب الأعمال بأن العمل الذي يرجع صلاحه لمجرد حسن القصد ليس طريقة السلف الصالح، وإنما ابتلى به كثير من المتأخرين، وأما السلف الصالح فاعتناؤهم بالعمل الصالح المشروع الذي لا كراهة فيه بوجه من الوجوه، وهو العمل الذي تشهد له سنة رسول الله ( ثم قال:(وهذا هو الذي يجب تعلمه وتعليمه، والأمر به على حسب مقتضى الشريعة من إيجاب واستحباب)، أضف إلى هذا أن نفس كلام شيخ الإسلام:(فتعظيم المولد واتخاذه موسماً قد يفعله بعض الناس ويكون له أجر عظيم لحسن قصده) إلخ، إنما ذكره بصدد الكلام على عدم محاولة إنكار المنكر الذي يترتب على محاولة إنكاره الوقوع فيما هو أنكر منه، يعني أن حسن نية هذا الشخص- ولو كان عمله غير مشروع- خير من إعراضه عن الدين بالكلية.
ومن الأدلة على عدم قصده تبرير الاحتفال بالمولد تصريحاته في كتبه الأٌخر بمنعه، يقول في "الفتاوى الكبرى":(أما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي
يقال: إنها ليلة المولد، أو بعض ليالي رجب، أو ثامن عشر ذي الحجة، أو أول جمعة من
رجب، أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال: عيد الأبرار فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف الصالح ولم يفعلوها).
وقال في بعض فتاواه:(فأما الاجتماع في عمل المولد على غناء ورقص ونحو ذلك،
واتخاذه عبادة، فلا يرتاب أحد من أهل العلم والإيمان أن هذا من المنكرات التي ينهى عنها، ولا يستحب ذلك إلا جاهل أو زنديق).
وأما قول شيخ الإسلام:(إذا رأيت من يعمل هذا- أي المنكر- ولا يتركه إلا إلى شر منه فلا تدع إلى ترك منكر بفعل ما هو أنكر منه، أو بترك واجب أو مندوب تركه اضر من فعل ذلك المكروه).(102/27)
فمن غرائب الشنقيطي الاستدلال به على مشروعية الاحتفال بالمولد ما دام شيخ الإسلام يسمي ذلك منكراً، وإنما اعتبر ما يترتب على محاولة إزالته من خشية الوقوع في أنكر منه عذراً عن تلك المحاولة من باب اعتبار مقادير المصالح والمفاسد، وقد بسط شيخ الإسلام الكلام على هذا النوع في رسالته في "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، ومن ضمن بحثه في ذلك قوله:(ومن هذا الباب ترك النبي ( لعبدالله بن أبي بن سلول وأمثاله من أئمة النفاق والفجور؛ لما لهم من أعوان، فإزالة منكره بنوع من عقابه مستلزمة إزالة معروف أكثر من ذلك بغضب قومه وحميتهم، وبنفور الناس إذا سمعوا أن رسول الله ( يقتل أصحابه، ولهذا لما خطب الناس في قضية الإفك بما خطبهم به واستعذر منه، وقال له سعد بن معاذ قوله الذي أحسن فيه حمي له سعد بن عابدة- مع حسن إيمانه وصدقه- وتعصب لكل
منهما قبيلته حتى كادت أن تكون فتنة).
ومن هذا يُعلم أن لا ملازمة بين ترك النهي عن الشيء لمانع وبين إباحة ذلك الشيء كما تخيله الشنقيطي. وقد فاته أن هذه العبارة التي نقلها عن شيخ الإسلام في عدم النهي عن المنكر إذا ترتب عليه الوقوع في أنكر منه لا تصلح جواباً لمن سأل عن حكم الإنكار على من اتخذ المولد عيداً إذا ترتب على الإنكار الوقوع في أنكر منه.(102/28)
كما فاته أن ما ذكره من جهة أغاني أم كلثوم وما عطفه عليها لا يعتبر مبرراً للابتداع، فإن الباطل إنما يزال بالحق لا بالباطل، قال تعالى: { وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً } ]الإسراء:81[، وليس النهي عن الاحتفال بالمولد من ناحية قراءة السيرة، بل من ناحية اعتقاد ما ليس مشروعاً مشروعاً، والتقرب إلى الله تعالى بما لم يقم دليل على التقرب به إليه، ومن أكبر دليل على عدم اعتبار ما ذكره الشنقيطي أن المواضع التي تقام فيها الاحتفالات بالموالد ما حالت بينها وبين الاستماع لأغاني أم كلثوم وما عطف عليها، وسيرة النبي ( أرفع من أن لا تقرأ في السنة إلا في أيام الموالد.
وأما دعوى الشنقيطي فتح شيخ الإسلام ابن تيمية باب الابتداع فيما يتعلق بتعظيم النبي (، فكتابات شيخ الإسلام ابن تيمية تدل أوضح دلالة على بطلانها، فقد قرر فيها أن كيفية التعظيم لا بد من التقيد فيها بالشرع، وأنه ليس كل تعظيم مشروعاً في حق النبي (، فإن السجود تعظيم، ومع ذلك لا يجوز لغير الله، وكذلك جميع التعظيمات التي هي من خصائص الألوهية لا يجوز تعظيم الرسول بها، كما قرر في غير موضع من كتبه أن الأعمال المضادة لما جاء به الرسول ( وإن قصد فاعلها التعظيم، فهي غير مشروعة؛ لقوله تعالى:
{ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ } ]آل عمران:31[ ، ويستدل كثيراً بما جاء
في النصوص من النهي عن الإطراء، وكلامه في ذلك كثير لا يحتاج إلى الإطالة بذكره ما دامت المراجع بحمد لله موجودة، هذا على سبيل العموم.(102/29)
أما ما يخص مسألة اتخاذ المولد النبوي عيداً بدعوى التعظيم فقد تقدم كلام شيخ الإسلام ابن تيمية فيه: إنه لم يفعله السلف مع قيام المقتضي وعدم المانع منه، قال:(ولو كان هذا خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا،فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله ( وتعظيماً له منا، وهم على الخير أحرص، وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره وإحياء سنته باطناً وظاهراً، ونشر ما بعث به، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان، فإن هذه هي طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان) اهـ.
وتمثيل الشنقيطي بـ "الصارم المسلول" لدعواه فتح شيخ الإسلام ابن تيمية لباب الابتداع في تعظيم النبي (، إنما نشا من عدم تدبر كلام شيخ الإسلام في مقدمته، فإنه قد بين فيها أن مضمون الكتاب "الصارم المسلول" بيان الحكم الشرعي الموجب لعقوبة من سب النبي ( من مسلم أو كافر بياناً مقروناً بالأدلة، ومن نظر إلى الأدلة التي سردها شيخ الإسلام في هذا الكتاب من نصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة- تبين له أن دفاع عن النبي (، وحماية لجنابه من التعرض له بما لا يليق به، وهذا لا صلة له بالابتداع.
هذا وليت الشنقيطي فكر في تعذر الجمع بين الأمور التي استدل بها على تبرير الاحتفال
بالمولد، فإن كون الشيء الواحد مشروعاً ومنكراً بدعة في آن واحد لا يتصور، لكن من تكلم فيما لا يحسنه أتى بالعجائب.
هذا ما لزم بيانه وبالله التوفيق.
انتهى ملحق رسالة "حكم الاحتفال بالمولد والرد على من أجازه "
للشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه.(102/30)
حكم الاحتفال بالمولد النبوي
للشيخ الإمام عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
رحمه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فقد تكرر السؤال من كثير عن حكم الاحتفال بمولد النبي (، والقيام له في أثناء ذلك، وإلقاء السلام عليه، وغير ذلك مما يفعل في الموالد.
والجواب أن يقال:
لا يجوز الاحتفال بمولد الرسول (، ولا غيره؛ لأن ذلك من البدع المحدثة في الدين؛ لأن الرسول ( لم يفعله، ولا خلفاؤه الراشدون، ولا غيرهم من الصحابة- رضوان الله على الجميع- ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة، وهم أعلم الناس بالسنة، وأكمل حباً لرسول الله ( ومتابعة لشرعه ممن بعدهم.
وقد ثبت عن النبي ( أنه قال: { من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد } ، أي: مردود عليه، وقال في حديث آخر: { عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة } .
ففي هذين الحديثين تحذير شديد من إحداث البدع والعمل بها.(103/1)
وقد قال الله سبحانه في كتابه المبين: { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } ]الحشر:7[، وقال عز وجل: { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ]النور:63[، وقال سبحانه: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً } ]الأحزاب:21[، وقال تعالى: { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } ]التوبة:100[، وقال تعالى: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً } ]المائدة:3[.
والآيات في هذا المعنى كثيرة.
وإحداث مثل هذه الموالد يفهم منه: أن الله سبحانه لم يكمل الدين لهذه الأمة، وأن
الرسول ( لم يبلغ ما ينبغي للأمة أن تعمل به، حتى جاء هؤلاء المتأخرون فأحدثوا في شرع الله ما لم يأذن به، زاعمين: أن ذلك مما يقربهم إلى الله، وهذا بلا شك فيه خطر عظيم، واعتراض على الله سبحانه، وعلى رسوله (، والله سبحانه قد أكمل لعباده الدين، وأتم عليهم النعمة.
والرسول ( قد بلغ البلاغ المبين، ولم يترك طريقاً يوصل إلى الجنة ويباعد من النار إلا بينه للأمة،كما ثبت في الحديث الصحيح، عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، قال رسول الله (: { ما بعث الله من نبي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم } رواه مسلم في صحيحه.(103/2)
ومعلوم أن نبينا ( هو أفضل الأنبياء وخاتمهم، وأكملهم بلاغاً ونصحاً، فلو كان الاحتفال بالموالد من الدين الذي يرضاه الله سبحانه لبيَّنه الرسول ( للأمة، أو فعله في حياته، أو فعله أصحابه رضي الله عنهم، فلما لم يقع شيء من ذلك علم أنه ليس من الإسلام في شيء،
بل هو من المحدثات التي حذر الرسول ( منها أمته، كما تقدم ذكر ذلك في الحديثين السابقين.
وقد جاء في معناهما أحاديث أُُخر، مثل قوله ( في خطبة الجمعة: { أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد (،وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة } رواه الإمام مسلم في صحيحه.
والآيات والأحاديث في هذا الباب كثيرة.
وقد صرح جماعة من العلماء بإنكار الموالد والتحذير منها؛ عملاً بالأدلة المذكورة وغيرها.
وخالف بعض المتأخرين فأجازها إذا لم تشتمل على شيء من المنكرات؛ كالغلو في
رسول الله (، وكاختلاط النساء بالرجال، واستعمال آلات الملاهي، وغير ذلك مما ينكره الشرع المطهر، وظنوا أنها من البدع الحسنة.
والقاعدة الشرعية: رد ما تنازع فيه الناس إلى كتاب الله، وسنة رسوله محمد (.
كما قال الله عز وجل: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } ]النساء:59[، وقال تعالى: { وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ }
]الشورى:10[.
وقد رددنا هذه المسألة - وهي الاحتفال بالموالد- إلى كتاب الله سبحانه، فوجدنا يأمرنا
باتباع الرسول ( فيما جاء به ويحذرنا عما نهى عنه، ويخبرنا بأن الله سبحانه قد أكمل
لهذه الأمة دينها، وليس هذا الاحتفال مما جاء به الرسول (، فيكون ليس من الدين الذي(103/3)
أكمله الله لنا وأمرنا باتباع الرسول فيه، وقد رددنا ذلك- أيضاً- إلى سنة الرسول ( فلم نجد فيها أنه فعله، ولا أمر به ولا فعله أصحابه رضي الله عنهم، فعلمنا بذلك أنه ليس من الدين، بل هو من البدع المحدثة، ومن التشبه بأهل الكتاب من اليهود والنصارى في أعيادهم.
وبذلك يتضح لكل من له أدنى بصيرة ورغبة في الحق وإنصاف في طلبه أن الاحتفال بالموالد ليس من دين الإسلام، بل هو من البدع المحدثات التي أمر الله سبحانه ورسوله ( بتركها والحذر منها.
ولا ينبغي للعاقل أن يغتر بكثرة من يفعله من الناس في سائر الأقطار، فإن الحق لا يعرف بكثرة الفاعلين، وإنما يعرف بالأدلة الشرعية، كما قال تعالى عن اليهود والنصارى: { وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } ]البقرة:111[، وقال تعالى: { وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } ]الأنعام:116[.
ثم إن غالب هذه الاحتفالات بالموالد مع كونها بدعة لا تخلو من اشتمالها على منكرات أخرى؛ كاختلاط النساء بالرجال، واستعمال الأغاني والمعازف، وشرب المسكرات والمخدرات، وغير ذلك من الشرور، وقد يقع فيها ما هو أعظم من ذلك وهو الشرك الأكبر، وذلك بالغلو في رسول الله (، أو غيره من الأولياء، ودعائه والاستغاثة به وطلبه المدد، واعتقاد أنه يعلم الغيب، ونحو ذلك من الأمور الكفرية التي يتعاطاها الكثير من الناس حين احتفالهم بمولد النبي ( وغيره ممن يسمونهم بالأولياء.
وقد صح عن رسول الله ( أنه قال: { إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين } ، وقال (: { لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم إنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله } أخرجه البخاري في صحيحه من حديث عمر رضي الله عنه.(103/4)
ومن العجائب والغرائب: أن الكثير من الناس ينشط ويجتهد ي حضور هذه الاحتفالات المبتدعة، ويدافع عنها، ويتخلف عما أوجب الله عليه من حضور الجمع والجماعات،
ولا يرفع بذلك رأساً، ولا يرى أنه أتي منكراً عظيماً، ولا شك أن ذلك من ضعف الإيمان وقلة البصيرة، وكثرة ما ران على القلوب من صنوف الذنوب والمعاصي، نسأل الله العافية لنا ولسائر المسلمين.
ومن ذلك: أن بعضهم يظن أن رسول الله ( يحضر المولد؛ ولهذا يقومون له محيين ومرحبين، وهذا من أعظم الباطل وأقبح الجهل، فإن الرسول ( لا يخرج من قبره قبل يوم القيامة، ولا يتصل بأحد من الناس، ولا يحضر اجتماعاتهم، بل هو مقيم في قبره إلى يوم القيامة، وروحه في أعلى عليين عند ربه في دار الكرامة، كما قال الله تعالى في سورة المؤمنون ]15- 16[: { ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ } .
وقال النبي (: { أنا أول من ينشق عنه القبر يوم القيامة، وأنا أول شافع، وأول مُشَفَّعٍ } عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام.
فهذه الآية الكريمة والحديث الشريف وما جاء في معناهما من الآيات والأحاديث، كلها تدل على أن النبي ( وغيره من الأموات إنما يخرجون من قبورهم يوم القيامة، وهذا أمر مجمع
عليه بين علماء المسلمين ليس فيه نزاع بينهم، فينبغي لكل مسلم التنبه لهذه الأمور، والحذر
مما أحدثه الجهال وأشباههم من البدع والخرافات التي ما أنزل الله بها من سطان. والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا به.
أما الصلاة والسلام على رسول الله ( فهي من أفضل القربات، ومن الأعمال الصالحات،
كما قال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } ]الأحزاب:56[.(103/5)
وقال النبي (: { من صلى عليَّ واحدة صلى الله عليه بها عشراً } ، وهي مشروعة في جميع الأوقات، ومتأكدة في آخر كل صلاة، بل واجبة عند جمع من أهل العلم في التشهد الأخير من كل صلاة، وسنة مؤكدة في مواضع كثيرة، منها بعد الأذان، وعند ذكره عليه الصلاة والسلام، وفي يوم الجمعة وليلتها، كما دلت على ذلك أحاديث كثيرة.
والله المسؤول أن يوفقنا وسائر المسلمين للفقه في دينه والثبات عليه، وأن يمن على الجميع بلزوم السنة والحذر من البدعة، إنه جواد كريم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه .
* * *(103/6)
حكم الاحتفال
بذكرى المولد النبوي
للشيخ صالح بن فوزان الفوزان
حفظه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد:
فلا يخفى ما ورد في الكتاب والسنة من الأمر باتباع ما شرعه الله ورسوله، والنهي عن الابتداع في الدين، قال تعالى: { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ
ذُنُوبَكُمٌْ } ]آل عمران:31[، وقال - تعالى -: { اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ } ]الأعراف:3[، وقال - تعالى -: { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ } ]الأنعام:153[، وقال (: { إن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها } ، وقال (:(104/1)
{ من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد } ، وفي رواية لمسلم: { من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد } .
وإن من جملة ما أحدثه الناس من البدع المنكرة الاحتفال بذكرى المولد النبوي في شهر ربيع الأول؛ وهم في هذا الاحتفال على أنواع:
فمنهم من يجعله مجرد اجتماع تُقرأ فيه قصة المولد، أو تُقدَّم فيه خطب وقصائد في هذه المناسبة.
ومنهم من يصنع الطعام والحلوى وغير ذلك ويقدمه لمن حضر.
ومنهم من يقيمه في المساجد، ومنهم من يقيمه في البيوت.
ومنهم من لا يقتصر على ما ذكر، فيجعل هذا الاجتماع مشتملاً على محرمات ومنكرات من اختلاط الرجال بالنساء والرقص والغناء، أو أعمال شركية كالاستغاثة بالرسول ( وندائه والاستنصار به على الأعداء وغير ذلك، وهو بجميع أنواعه واختلاف أشكاله واختلاف مقاصد فاعليه لا شك ولا ريب أنه بدعة محرمة محدثة بعد القرون المفضلة بأزمان طويلة؛ فأول من أحدثه الملك المظفر أبو سعيد كوكبوري ملك إربل في آخر القرن السادس(104/2)
أو أول القرن السابع الهجري، كما ذكره المؤرخون كابن كثير وابن خلكان وغيرهما.
وقال أبو شامة: وكان أول من فعل ذلك بالموصل الشيخ عمر بن محمد الملا أحد الصالحين المشهورين، وبه اقتدى في ذلك صاحب إربل وغيره.
قال الحافظ ابن كثير في "البداية" (13/137) في ترجمة أبي سعيد كوكبوري:(وكان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالاً هائلاً... إلى أن قال: قال السبط: حكى بعض من حضر سماط المظفر في بعض الموالد أنه كان يمد في ذلك السماط خمسة آلاف رأس مشوي، وعشرة آلاف دجاجة، ومائة ألف زبدية، وثلاثين ألف صحن حلوى... إلى أن قال: ويعمل للصوفية سماعاً من الظهر إلى الفجر ويرقص بنفسه معهم) اهـ.
وقال ابن خلكان في "وفيات الأعيان" (3/274): فإذا كان أول صفر زينوا تلك القباب بأنواع الزينة الفاخرة المتجملة، وقعد في كل قبة جوق من الأغاني، وجوق من أرباب الخيال ومن أصحاب الملاهي، ولم يتركوا طبقة من تلك الطبقات (طبقات القباب) حتى رتبوا فيها جوقاً.
وتبطل معايش الناس في تلك المدة، وما يبقى لهم شغل إلا التفرج والدوران عليهم...
إلى أن قال: فإذا كان قبل يوم المولد بيومين أخرج من الإبل والبقر والغنم شيئاً كثيراً زائداً عن
الوصف وزفها بجميع ما عنده من الطبول والأغاني والملاهي، حتى يأتي بها إلى الميدان...
إلى أن قال: فإذا كانت ليلة المولد عمل السماعات بعد أن يصلي المغرب في القلعة. اهـ.(104/3)
فهذا مبدأ حدوث الاحتفال بمناسبة ذكرى المولد، حدث متأخراً ومقترناً باللهو والسرف وإضاعة الأموال والأوقات، وراء بدعة ما أنزل الله بها من سلطان.
والذي يليق بالمسلم إنما هو إحياء السنن وإماتة البدع، وأن لا يقدم على عمل حتى يعلم حكم الله فيه.
هذا؛ وقد يتعلق من يرى إحياء هذه البدعة بشبه أوهى من بيت العنكبوت، ويمكن حصر هذه الشبه فيما يلي:
1 – دعواهم أن في ذلك تعظيماً للنبي (.
والجواب عن ذلك أن نقول:إنما تعظيمه ( بطاعته وامتثال أمره واجتناب نهيه ومحبته (، وليس تعظيمه بالبدع والخرافات والمعاصي، والاحتفال بذكرى المولد من هذا القبيل المذموم؛ لأنه معصية. وأشد الناس تعظيماً للنبي ( هم الصحابة – رضي الله عنهم -، كما قال عروة بن مسعود لقريش: (يا قوم! والله لقد وفدت على كسرى وقيصر والملوك، فما رأيت ملكاً يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمداً (، والله ما يمدون النظر إليه تعظيماً له)، ومع هذا التعظيم ما جعلوا يوم مولده عيداً واحتفالاً، ولو كان ذلك مشروعاً ما تركوه.
2 – الاحتجاج بأن هذا عمل كثير من الناس في كثير من البلدان.
والجواب عن ذلك أن نقول: الحجة بما ثبت عن الرسول (. والثابت عن الرسول ( النهي عن البدع عموماً، وهذا منها. وعمل الناس إذا خالف الدليل فليس بحجة، وإن
كثروا: { وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } ]الأنعام:116[، مع أنه لا يزال(104/4)
- بحمد الله - في كل عصر من ينكر هذه البدعة ويبين بطلانها، فلا حجة بعمل من استمر على إحيائها بعد ما تبين له الحق.
فممن أنكر الاحتفال بهذه المناسبة شيخ الإسلام ابن تيمية في "اقتضاء الصراط المستقيم"، والإمام الشاطبي في "الاعتصام"، وابن الحاج في "المدخل"، والشيخ تاج الدين علي بن عمر اللخمي ألَّف في إنكاره كتاباً مستقلاً، والشيخ محمد بشير السهسواني الهندي في كتابه "صيانة الإنسان"، والسيد محمد رشيد رضا ألَّف فيه رسالة مستقلة، والشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ألف فيه رسالة مستقلة، وسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، وغير هؤلاء ممن لا يزالون يكتبون في إنكار هذه البدعة كل سنة في صفحات الجرائد والمجلات، في الوقت الذي تقام فيه هذه البدعة.
3 - يقولون: إن في إقامة المولد إحياء لذكر النبي (.
والجواب عن ذلك أن نقول: إحياء ذكر النبي ( يكون بما شرعه الله من ذكره في الأذان والإقامة والخطب والصلوات وفي التشهد والصلاة عليه وقراءة سنته واتباع ما جاء به؛ وهذا شيء مستمر يتكرر في اليوم والليلة دائماً، لا في السنة مرة.
4 - قد يقولون: الاحتفال بذكرى المولد النبوي أحدثه ملك عادل عالم، قصد به التقرب إلى الله!
والجواب عن ذلك أن نقول: البدعة لا تُقبل من أي أحد كان، وحسْن القصد لا يسوِّغ العمل السيئ، وكونه عالماً وعادلاً لا يقتضي عصمته.
5 - قولهم: إن إقامة المولد من قبيل البدعة الحسنة؛ لأنه ينبئ عن الشكر لله على وجود النبي الكريم!
ويجاب عن ذلك بأن يقال: ليس في البدع شيء حسن؛ فقد قال (: { من أحدث(104/5)
في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد } ، ويقال أيضاً: لماذا تأخر القيام بهذا الشكر - على زعمكم- إلى آخر القرن السادس، فلم يقم به أفضل القرون من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين، وهم أشد محبة للنبي ( وأحرص على فعل الخير والقيام بالشكر؛ فهل كان من أحدث بدعة المولد أهدى منهم وأعظم شكراً لله – عز وجل –؟ حاشا وكلاَّ.
6 – قد يقولون: إن الاحتفال بذكرى مولده ( ينبئ عن محبته؛ فهو مظهر من مظاهرها وإظهار محبته ( مشروع!
والجواب أن نقول: لا شك أن محبته ( واجبة على كل مسلم أعظم من محبة النفس والولد والوالد والناس أجمعين - بأبي هو وأمي صلوات الله وسلامه عليه -، ولكن ليس معنى ذلك أن نبتدع في ذلك شيئاً لم يشرعه لنا، بل محبته تقتضي طاعته واتباعه؛ فإن ذلك من أعظم مظاهر محبته، كما قيل:
لو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحبّ لمن يحب مطيع
فمحبته ( تقتضي إحياء سنته والعض عليها بالنواجذ ومجانبة ما خالفها من الأقوال والأفعال، ولا شك أن كل ما خالف سنته فهو بدعة مذمومة ومعصية ظاهرة، ومن ذلك الاحتفال بذكرى مولده وغيره من البدع. وحسن النية لا يبيح الابتداع في الدين؛ فإن الدين
مبني على أصلين: الإخلاص، والمتابعة، قال - تعالى -: { بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ
مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ } ]البقرة:112[، فإسلام الوجه
هو الإخلاص لله، والإحسان هو المتابعة للرسول وإصابة السنة.
وخلاصة القول: أن الاحتفال بذكرى المولد النبوي بأنواعه واختلاف أشكاله بدعة منكرة يجب على المسلمين منعها ومنع غيرها من البدع، والاشتغال بإحياء السنن والتمسك بها،
ولا يغتر بمن يروِّج هذه البدعة ويدافع عنها؛ فإن هذا الصنف يكون اهتمامهم بإحياء البدع أكثر من اهتمامهم بإحياء السنن، بل ربما لا يهتمون بالسنن أصلاً، ومن كان هذا شأنه(104/6)
فلا يجوز تقليده والاقتداء به، وإن كان هذا الصنف هم أكثر الناس، وإنما يقتدي بمن سار على نهج السنة من السلف الصالح وأتباعهم وإن كانوا قليلاً؛ فالحق لا يُعْرف بالرجال،
وإنما يُعْرف الرجال بالحق.
قال (: { فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً؛ فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة } ، فبين لنا ( في هذا الحديث الشريف بمن نقتدي عند الاختلاف، كما بين أن كل
ما خالف السنة من الأقوال والأفعال فهو بدعة وكل بدعة ضلالة.
وإذا عرضنا الاحتفال بالمولد النبوي لم نجد له أصلاً في سنة رسول الله (، ولا في سنة خلفائه الراشدين، إذاً فهو من محدثات الأمور ومن البدع المضلة، وهذا الأصل الذي تضمنه هذا الحديث قد دل عليه قوله – تعالى -: { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } ]النساء:59[.
والرد إلى الله هو الرجوع إلى كتابه الكريم، والرد إلى الرسول ( هو الرجوع إلى سنته بعد
وفاته؛ فالكتاب والسنة هما المرجع عند التنازع، فأين في الكتاب والسنة ما يدل على
مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي؟
فالواجب على من يفعل ذلك أو يستحسنه أن يتوب إلى الله - تعالى - منه ومن غيره من البدع؛ فهذا هو شأن المؤمن الذي ينشد الحق، وأما من عاند وكابر بعد قيام الحجة فإنما حسابه عند ربه.
هذا؛ ونسأل الله - سبحانه وتعالى - أن يرزقنا التمسك بكتابه وسنة رسوله إلى يوم نلقاه، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه.
* * *(104/7)
حول المولد النبوي
مرزوق سالم الغامدي
مما لاشك فيه أن أياماً كثيرة وعظيمة في حياة الأمة الإسلامية ، فرح بها المتقدمون ، ويفرح بها المسلمون المتأخرون إلى يوم القيامة ، ومن هذه الأيام يوم المولد النبوي ، يوم الإسراء والمعراج ، ويوم فتح مكة ، ويوم الانتصار في بدر ، وأيام أخرى مجيدة . ولاشك أيضاً أن كل مسلم يؤمن بالله رباً وبالإسلام دينا وبمحمد رسولاً ـ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراُ ـ ، قد يحزن حزناً عميقاً يوم وفاة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الثاني عشر من شهر ربيع الأول ، ويود المسلم المحب لنبيه حباً حقيقياً لو أنه خسر ماله وأهله ليحظى برؤية النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولو ساعة من نهار ، كما صح الخبر الذي رواه مسلم في صحيحه عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ له قال : ( من أشد أمتي لي حباً ناس يكونون بعدي يود أحدهم لو رآني بأهله وماله ) .
* فما هي الكيفية التي يحزن بها ، أو يفرح بها المسلم ؟
* وما هي حدود الفرح والحزن ؟ وبمن نقتدي في التعبير عن ذلك في خلال حياتنا ؟.
ولكي نتعرف على الإجابة الصحيحة ، لابد أن نعرف ما يلي :
• لقد منع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أهل المدينة من اتخاذ يومين يلعبون فيهما كل عام ، على حسب العادة المتبعة عندهم ، وقال لهم : ( إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الأضحى ويوم الفطر ) ، قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ : والإبدال من الشيء يقتضي ترك المبدل منه، إذ لا يجمع بين البدل والمبدل منه . هذا من جهة.(105/1)
• ومن جهة أخرى : أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ طول حياته ـ وهو الحريص على ما ينفع أمته ويسعدهم في الدنيا والآخرة ـ لم يأمر قرابته ولا صحابته ـ رضي الله عنهم أجمعين • بالاجتماع أو الاحتفال والفرح في ذكرى يوم مولده ، أو يوم الإسراء والمعراج ، أو يوم سبعة عشر رمضان ، أو أي يوم آخر من الأيام التي يحتفل بها الآن ، ولا في غيرها من المناسبات العديدة ، مع وجود الداعي والمقتضي لذلك ، وعدم وجود مانع لإقامة الاحتفال أو الاجتماع .
• من ذلك ومن غيره من الأدلة فهم العلماء من سلفنا الصالح : أن اتخاذ يوم للاحتفال أو الاجتماع لا يكون إلا عن طريق الوحي ، وأن ذلك تشريع وليس من العادات المباحة التي يحق للناس فعلها ، فمثل ذلك مثل القبلة ، والصيام ، ومشاعر الحج ، والآذان والإقامة ، والغسل من الجنابة ...... إلخ .
• والعيد : هو اسم لكل ما يعود من الاجتماع ، فلا يصح تخصيص يوماً للاجتماع للحزن ، أو للذكر ، أو للفرح والسرور ، إلا بدليل شرعي ثابت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو إجماع الصحابة ، ولا يتوفر ذلك الدليل إلا ليومي : الفطر والأضحى من كل عام ، وليوم الجمعة من كل أسبوع .
فهذه الأيام الثلاثة هي أعيادنا نحن أمة الإسلام لا رابع لها البتة .
• ولقد مرت القرون الثلاثة وجزء من القرن الرابع الهجري والأمة كلها على هذا الأمر ، لا تعرف إلا عيدين حوليين وعيد أسبوعي حتى ظهرت الدولة العبيدية
في مصر ، والتي تمت بالدولة الفاطمية ، فأقاموا احتفالات المولد النبوي ، وعدة موالد أخرى ، كما ذكر ذلك أهل العلم ومنهم : المقريزي في كتابه ـ الواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار ـ .(105/2)
قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ في كتابه البداية والنهاية ـ الجزء الحادي عشر ـ عن تلك الدولة العبيدية : ( ظهرت في دولتهم البدع والمنكرات وكثر أهل الفساد ، وقلَّ عندهم الصالحون من العلماء والعباد ) . ثم ذكر فتوى علماء القرن الخامس عن حكام تلك الدولة ، والتي جاء فيها : ( أن هؤلاء أدعياء خوارج ولا نسب لهم في ولد علي ابن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ ، ولا يتعلقون بسبب ، وأنه منزه عن باطلهم ، وأن الذي ادعوه إليه باطل وزور ، وقد كان هذا الإنكار لباطلهم شائعاً في الحرمين ، وأن هذا الحاكم بأمر الله وسلفه كفار فساق فجار ملحدون ، زنادقه معطلون ، وللإسلام جاحدون .... ا.هـ . ) .
فهؤلاء الحكام العبيديون أبناء اليهودي : عبيدالله بن ميمون القداح ، هم أول من احتفل بالمولد النبوي . فهل ترضى أخي المسلم أن يكون هؤلاء العبيديون قدوتك فتحتفل بالمولد النبوي ؟ .
وإنني أتساءل : هل هؤلاء العبيديون أبناء اليهودي : ابن ميمون القداح ، حقاً يحتفلون فرحاً بالمولد النبوي كل عام في الثاني عشر من ربيع الأول ؟ أم هم يحتفلون فرحاً بموت النبي ؟ لأن اليهود يعتبرون أنفسهم قتلوا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالشاة المسمومة .
فهم عليهم لعنة الله والملآئكة والناس أجمعين ، يفرحون بموت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
وإن من العجيب أن يكون أول من ضع بذرة عقيدة التشيع والرفض هو اليهودي : عبدالله بن سبأ ، وأول من ابتدع بدعة المولد النبوي هم العبيديون أبناء اليهودي عبيدالله بن ميمون القداح !!!
• وإن مما يلفت الإنتباه أيضاً ، عدم ثبوت تاريخ يوم ولادة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وأيضاً عدم ثبوت يوم الإسراء والمعراج ، وهذا فيه دلالة واضحة على أنه لم يخصص النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لهذين اليومين اجتماعاً أو احتفالاً فكانت تمر هذه الإيام كغيرها من الأيام .(105/3)
وكذلك كان في عهد الخلفاء الراشدين ، وفي عهد الأئمة المحدثين ، وفي عهد الأئمة الأربعة ومنهم الفقيه الهاشمي المطلبي : محمد بن إدريس الشافعي ـ رضي الله عنهم ورحمهم رحمة واسعة ـ ، فهل هؤلاء على الصواب أم العبيديون ؟!! . ( أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أمن يمشي سوياُ على صراط مستقيم ) .
• إذاً الأولى للمسلمين ترك ما تركه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مترك ما تركه آل بيته وصحابته ـ رضي الله عنهم أجمعين وترك ما تركه العلماء المحدثون ـ البخاري ومسلم والنسائي والترمذي وأبو داود وابن ماجة وإسحاق وابن المبارك وسفيان ـ ، وترك ما تركه الأئمة الأربع ـ رحمهم الله أجمعين . فهؤلاء هم القدوة وعلى رأسهم سيدنا وأسوتنا وقدوتنا محمد بن عبدالله ـ صلى الله عليه وسلم .
• إن الواقع الذي تعيشه الأمة يبين لنا أن تصنيف الناس في طريقة تعبيرهم للفرح بالمولد النبوي ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : المتمسكون بالسنة النبوية المتبعون للحديث النبوي الثابت . هؤلاء يقرأون السيرة ويستفيدون منها ويعلمونها لأولادهم ، مستقيمون على شرع الله قدر المستطاع ، ويجتنبون ما نهى الله عنه ، لايفعلون أي قربة إلا إذا ثبت بالدليل الصحيح . يصلون على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليلاً ونهاراً ويذكرونه في كل أوقاتهم ، لايغيب عنهم منهجه وسنته وسيرته ، يتمنون رؤيته ولو خسروا أموالهم وأولادهم ، وقافين عند سنته لايتجاوزونها ، لسان حالهم يقول : نفعل ما فعله ونترك ما تركه رجاء أن تدركنا شفاعته يوم لاينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .(105/4)
القسم الثاني : هم أهل الأهواء ، وأصحاب الفرق الضالة ، وأصحاب الأفكار الهدامة كالعلمانية والبعثية ، وأصحاب السلطة التي تحكم بغير ما أنزل الله وتوالي أعداء الله ولا تطبق شرع الله وتعادي الصالحين والمصلحين ، وكل من يعلن الفسق والفجور باسم الفن ، إلى غير هؤلاء من الذين لم يبق لهم من الإسلام إلا الاسم ، أو ما هو مكتوب في هوياتهم فقط من أصحاب الملل التي خلعت ربقة الإسلام من أعناقها . نسأل الله العافية .
فأصحاب هذا القسم يهتمون اهتماماً بالغاً بالاحتفالات بالموالد وغيرها من المناسبات البدعية ، ويمارسون خلال هذه الاحتفالات بعض المنكرات ، ويستغيثون بالأموات ، ويعتقدون أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحضر هذه الاحتفالات ـ أو روحه الشريفة فقط هي التي تحضر كما يزعم بعضهم ـ . وكل هذه الأمور عشتها وشاهدتها بنفسي حينما كنت من أحد الأتباع قبل أن يمن الله عليَّ بالهداية . فقدوة هؤلاء هم العبيدون وعبدالله بن سبأ ، وتلاميذ أرسطو وأفلاطون كالبسطامي وابن عربي والحلاج ، وقدوتهم أيضاً الكنيسة والرهبان . والعياذ بالله من ذلك .
وأصحاب هذا القسم إذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم ، كأنهم خشب مسندة ، شعار أكثرهم : الغاية تبرر الوسيلة ، يحادعون الله والذين آمنوا ، ويستهزئون بالصالحين، أسأل الله العظيم أن يهدي جميع المسلمين للصراط المستقيم.
القسم الثالث : أناس طيبون ، غلب عليهم حب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحب آل بيته الطاهرين وصحابته الكرام ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ ، فاجتمعوا يوم المولد وذكروا الله وقرأوا السيرة أو بعضاً منها ، وصلوا على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم انفضوا وانصرفوا من مجلسهم راجين من الله القبول ، متمنين أن ينالوا الشفاعة من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .(105/5)
فهؤلاء يقال لهم : عسى أن يثيبكم على نيتكم وأن يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم ، ولكن نذكرهم بالثلاثة الذين سألوا عن عبادة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليفعلوا مثله حتى يرافقوه في الجنة ، فحينما علموا عبادة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تقالوها وقالوا : هذا النبي قد غفرله ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وقال أحدهم : لا أصوم الدهر أبداً ، وقال الثاني : أقوم الليل أبداً ، وقال الثالث : لا أتزوج النساء . - أرادوا بذلك التقرب إلى الله وحصد الحسنات ـ . فحينما علم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بذلك ، غضب وقام خاطباً وقال : ( ما بال أقوام يقولون كذا وكذا ؟ ألا إني أخشاكم لله وأتقاكم له ولكني أصوم أفطر ، ,اصلي وأرقد ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني ) .
وهذا فيه دلالة عظيمة على أن القربات لا يكفي فيها حسن النية ، ولاتكون بالرغبات الشخصية ، ولا بالأراء و الأذواق وإنما تكون بما وافق سنة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الثابتة عنه ليس إلا .
من هذا الموقف ومن غيره من المواقف التي لا يسع المجال لذكرها عرف الصحابة معنى الإلتزام بسنة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فهذا عبدالله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ يرى في المسجد جماعة قد تحلقت وقد ترأس عليها أحدهم ، وقد جمعوا حصى أمام كل واحد منهم ، فيقول زعيمهم هذا سبحوا مائة ، هللوا مائة ، وهم ينفذون أمره ويعدون تسبيحهم وتهليلهم بالحصى . فماذا قال لهم أبو عبدالرحمن ـ رضي الله عنه ـ ؟ قال : ( عدوا سيئاتكم فأنا ضامن ألا يضيع من حسناتكم شيء ، ويحكم يا أمة محمد ما أسرع هلكتكم ، هؤلاء صحابة نبيكم متوافرون ، وهذه ثيابه لم تبلى ، وآنيته لم تكسر ، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد أو مفتتحوا باب ضلاتين ؟ ) قالوا : والله ما أردنا إلا الخير . فقال : ( وكم من مريد للخير لا يدركه أو لا يصيبه ) ، ثم فرقهم .(105/6)
وكذلك فهم التابعون والعلماء المحدثون والأئمة الأربعة ـ رحمهم الله جميعاً ـ . هذا رجل قام يصلي ركعات بعد السنة الراتبة في الفجر ، فنهاه أحد الحاضرين في المسجد ، فقال الرجل : هل يعذبني الله على الصلاة ؟ فقيل له : لا ، ولكن يعذبك على مخالفة السنة .
وآخر يريد أن يحرم من عند قبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فنهاه الإمام مالك
ـ رحمه الله ـ وقال له : أحرم من حيث من أحرم رسول الله ، إني أخشى عليك الفتنة، فقال الرجل : وأي فتنة في أميال أزيدها ؟ فقال له الإمام : أي فتنة أعظم من أنك ترى أنك هديت إلى أمر قصر عنه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؟ .
إني سمعت الله يقول : ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أتصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ) . ثم أنني أوجه هذه الأسئلة لأصحاب القسم الثالث ولغيرهم :
س1/ ألا يوجد في السنة النبوية ما يحقق لهم الزيادة في محبة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويحقق لهم شفاعته ؟
س2/ ألم يحقق الصحابة والآل ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ محبة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ دون الاحتفال بيوم مولده ؟
س3/ ألا يمكن دراسة السيرة والشمائل طوال العام لنتعظ بها ونتخذها نبراساً لنا في الحياة ؟
س4/ أليس لنا في رسول الله أسوة حسنة ؟ وأليس في صحابته وآل بيته قدوة لنا ؟(105/7)
يا أيها الأخ المسلم : إن كنت من القسم الأول فاحمد الله على ذلك ، فإنه يرجى لك الفوز والنجاة ، وعليك أن تنكر على كل مبتدع على حد سواء ، فلا ينبغي لك أن تنكر على بدعة ما ، وتسكت على أخرى تزلفاً لسلطان أو وطنية أو عصبية جاهلية ، فدعاء ختم القرآن في صلاة التراويح بدعة ، والدعاء للسلاطين والحكام بالتعيين بالاسم على منابر الجمعة بدعة ، وكذلك الدعاء لهم في دعاء القنوت بدعة ، والمهرجان بدعة ، والنيروز وشم النسيم بدعة ، واليوم الوطني بدعة ، وكل الأيام الوطنية أو العالمية أو المرورية أو الصحية أو غيرها من المسميات كلها بدع وأعياد محدثة ما أنزل الله بها من سلطان ، وكذلك اليوبيل الفضي والذهبي والماسي كلها أعياد بدعية .
جاء في الفتوى الصادره من دار الافتاء برقم 17779 وتاريخ 20/3/1416هـ < ... لا تجوز إقامة الحفلات وتوزيع الهدايا وغيرها بمناسبة مرور سنين على ولادة الشخص أو فتح محل من المحلات أو مدرسة من المدارس أو أي مشروع من المشاريع لأن هذا من إحداث الأعياد البدعية في الإسلام ولأنه تشبه بالكفار في عمل مثل هذه الأشياء ، فالواجب ترك ذلك ، والتحذير منه > .(105/8)
أما إذا كنت أخي المسلم من القسم الثالث ، فعليك ألا تعادي أهل القسم الأول ، واحذر من اتهامهم بالتقصير في محبة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو أن ترميهم بما ليس فيهم ، وإنما عليك أن تبغض أهل الصنف الثاني المذكورين سابقاً ، وألا تغتر بما يظهرونه أو يقولونه عن محبة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الاحتفال بمولده فتتغاضى عن بلاويهم وطاماتهم لأنهم اتفقوا معك فس بدعة الاحتفال بليلة المولد ، وعليك أن تزن الأمور بميزان الشرع ، ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ، وعليك موالاة من يقيمون شرع الله في نفوسهم وقلوبهم وحياتهم واضعاً نصب عينيك قول الله تعالى ( لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آبائهم أو أبنائهم أو إخوانهم أو عشيرتهم ) .
أسأل الله العظيم أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه .
منا قشة بعض الشبه
من الأمور التي لا يختلف عليها اثنان ، أن كل صاحب بدعة بعد أن يبتدع بدعته يبحث في القرآن والسنة وينقب عن أي شيء ليتخذه دليلاً ـ بزعمه ـ على بدعته ليظهر أمام الناس أنه ممن يتبع الدليل ويستجيب لأمر الله ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
ولو نظرت أخي المسلم فيما يشغب به المستدلون على جواز الاحتفال بالمولد النبوي لوجدت أن أدلتهم لا تخرج عن أحد أربع حالات :
1- أدلة صحيحة لا تصلح للاستدلال على مرادهم .
2- الاستدلال بالكذب والبهتان .
3- الاستدلال بفعل الكفار .
4- شبه متفرقة .
والآن نناقش بعض ما أوردوه على جواز الاحتفال بالمولد باختصار :
1- أدلة صحيحة لا تصلح للاستشهاد بها .
من هذه الأدلة قولهم : قال الله تعالى : ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ) وحيث أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رحمةً للعالمين ، والله قد أمرنا بالفرح به ، فلذلك نحن نفرح ونحتفل بيوم مولده .(105/9)
والرد على هؤلاء بأن يقال لهم : من قال أن الفرح في هذه الآية معناه الاحتفال بالمولد ؟ انظروا إلى كتب التفسير كلها فهي موجودة ومتوفرة والحمد لله ، فإنها لم تذكر هذا المعنى الذي تذكرونه أنتم ـ هذا من جهة ـ ومن جهة أخرى يقال لهم:
ألم تنزل هذه الآية على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؟ فلماذا لم يفعل هذا المولد استجابة لأمر الله ؟ ولماذا لم يأمر أصحابه وآل بيته بذلك ؟ وهو الحريص على أمته بأن يعلمهم ما ينفعهم ويقربهم إلى الله . ثم لماذا لم يفهم هذا الفهم الذي فهمتموه من هذه الآية كبار التابعين والمفسرين ، وكذلك العلماء والمحدثون ، وكذلك الأئمة الأربعة ؟ فهل هؤلاء قصروا عن أمرٍ وفهمٍ أنتم يالخلوف توصلتم إليه ؟ .
وما قيل عن هذا الاستدلال ، يقال أيضاً عن الأدلة الأخرى مثل قول الله تعالى: ( وذكرهم بأيام الله ) . وصيام يوم الإثنين من كل أسبوع الذي كان يصومه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فحينما سئل عنه قال : ( ذلك يوم ولدت فيه وبعثت فيه ) . فالصحابة والآل والعلماء والمحدثون والأئمة الأربعة وأصحاب الكتب الستة كلهم فهموا من هذا الحديث مشروعية صيام يوم الاثنين من كل أسبوع وخاصة أنه جاء حديث آخر يبين أن الأعمال تعرض يومي الاثنين والخميس ، فكان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصومهما شكراً لله ولأنه يحب أن يعرض عمله وهو صائم . وأصغر طالب علم أيضاً فهم هذا الفهم ، أما أهل البدع فحولوه إلى أن المراد به الاحتفال بالمولد النبوي ، بينما لا يوجد ما يفيد ذلك لا من قريب ولا من بعيد في هذا الحديث ولا في حديث صيام يوم عاشوراء . فالاستدلال باطل ، والقياس فاسد والحجة واضحة والحمد لله .
وإنني أسأل هؤلاء المبتدعة عن هذه الأسئلة :(105/10)
س/ هل هذا الفهم والقول الذي تستدلون به علم به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؟ وهل هذا الأمر علم به الخلفاء الراشدون ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ ؟ وهل هذا الذي تقولونه علم به أصحاب الكتب الستة ، والأئمة الأربعة ، وعلماء القرون الثلاثة المفضلة ؟
فإن أجبتم بنعم علموا ذلك . أقول لكم هل احتفلوا بيوم مولد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أم تركوا ذلك ؟ والإجابة بالتأكيد : أنهم تركوا ذلك ولم يحتفلوا . إذاً نقول لكم : يسعكم ما وسع القوم ، وعليكم أن تقدوا بهم في ترك ما تركوا فإن في اتباعهم السلامة .
2- الاستدلال بالكذب والبهتان .
من هذه الأدلة قولهم : أن أبا لهب يخفف عنه العذاب كل يوم اثنين ، لأنه أعتق ثويبة حينما بُشر بولادة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فإذا كان هذا الكافر يخفف عنه العذاب وهو في جهنم لفرحه بمولد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فكيف بالمؤمن الموحد . وقبل أن أذكر الرد على هذه الفرية أنقل لكم ما رواه البخاري في كتاب النكاح الباب ( 19 ) عن عروة بن الزبير حيث قال : ( قال عروة : وثويبة مولاة لأبي لهب ، وكان أبو لهب أعتقها . فأرضعت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فلما مات أبو لهب أُريه بعض أهله بشرحبية ، قال له : ماذا لقيت ؟ قال له أبو لهب : لم ألق بعدكم غير أني سقيت في هذه بإعتاقتي ثويبة . أ . هـ ) .
وجاء في الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر : أن ثويبة التي أرضعت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهي مولاة أبي لهب ، كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصلها وهي بمكة وكانت خديجة تكرمها وهي على ملك أبي لهب وسألته أن يبيعها ، فلما هاجر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعتقها أبو لهب ..... إلخ أ . هـ .
يلاحظ من هاتين الروايتين عن ثويبة ما يلي :(105/11)
1/ أن أبا لهب عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لم يعتق ثويبة يوم مولد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وليس في الرواية حتى إشارة من بعيد تشير إلى ذلك ، إنما أعتقها بعد الهجرة .
2/ أن عروة روى رؤيا منام عن شخص مجهول ، قيل أن سبب عدم ذكر اسمه لأنه مشرك .
3/ أن عروة تابعي . والتابعي لا تقبل روايته عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى يذكر اسم الصحابي الذي أخبره بالرواية عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وهذا أمر معروف عن طلاب العلم ، فكيف إذا كانت الرواية من تابعي ، عن مجهول ، تحكي رؤيا منام ؟؟؟ ظلمات بعضها فوق بعض .
4/ وهل يصح أن يرد المسلم أمراً شرعياً ثابتاً بالقرآن والسنة برؤيا منام ؟ فالكافر المعاند المكابر ليس له في الآخرة إلا العذاب الشديد في جهنم . وأبو لهب نزل عليه الحكم بأنه سيصلى ناراً ذات لهب وهو حي يرزق ، لأنه كان يكره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويكره الإسلام والمسلمين . فهل نرد ذلك كله برؤيا منام !!!
فلاحظ أيها الأخ المسلم كيف تجرأ هؤلاء المبتدعة على تلفيق هذا الخبر وتفصيله على حسب هواهم ، فلا أدري هل هم يقتدون بأبي لهب أيضاً .
3/ الاستدلال بأفعال الكفار .
مثل الاستدلال بفعل النصارى واحتفالهم بعيد الميلاد ؟ على اعتبار أن محمداً ـ صلى الله عليه وسلم ـ أفضل الرسل ، فمن باب أولى أن يحتفل بعيد ميلاده ، والاستدلال بما تفعله دول الكفر في تمجيد وتعظيم زعمائها وكبرائها ، فمن باب أولى أن يمجد سيد ولد آدم ـ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فنقول له : من أسلم طريقة ؟ من يقتدي بهؤلاء الكفار ، أمن يقتدي بأبي بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن والحسين وعبدالله ابن عباس وبقية الآل والصحابة ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ ؟؟ .
4/ شبه متنوعة .
أ- الاستدلال بجزء من حديث ، وهو : ( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ) .(105/12)
فنقول لهم : أولاً : عليكم الاطلاع على الحديث من أوله إلى آخره ، والقصة التي وقعت وكانت سبباً في ذكره ، وشرح العلماء له ، وفقه الحديث وما يدل عليه حتى يتم الاستشهاد به في الموضع الصحيح .
وثانياً : تكملة الحديث : ( ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها .... إلخ ) ، فنقول : وما يدرك أيها المبتدع أن ما تفعله سنة حسنة أم سنة سيئة ؟ وهل لديك من الله برهان على ذلك ؟ .
ب- الاستدلال باجتماع الصحابة في عهد عمر ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ في صلاة التراويح في رمضان ، وبجمع المصاحف في مصحف واحد في عهد عثمان ـ رضي الله عنه ـ وبأمور أخرى فعلها الخلفاء الراشدون ـ رضي الله عنهم ـ .
فالجواب على ذلك : أن نقول لهم : يا أيها المبتدعة لقد أمرنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن نقتدي بأبي بكر وعمر . وأمر نا باتباع سنة الخلفاء الراشدين كما هو معروف ومعلوم للجميع .. فهل تضعون أنفسكم في منزلتهم ؟ وهل تعتبرون أنفسكم من الخلفاء الراشدين ؟ وتريدون من الناس اتباعكم ؟؟؟(105/13)
ج- قال أحد المذيعين في برنامج في قناة فضائية ، حينما اتصل به شخص ليلة الاحتفال بالمولد النبوي هذا العام 1422هـ مبيناً أن في بلده يحصل منكرات عظيمة وظاهرة ، وفساد كبير في أماكن الاحتفالات بالمولد النبوي .. فقاطعه المذيع وقال : حتى في عيد الأضحى وعيد الفطر يحصل منكرات فهل نلغي العيدين ؟ وهذا فيه من المغالطة ما فيه ، لأن المسلمين في عيد الفطر أو عيد الأضحى يغتسلون ويتطيبون ويخرجون مهللين ومكبرين ، ثم يجتمعون للصلاة ، وبعد أداء الصلاة يعودون إلى بيوتهم .. هذا هو العيد عندنا نحن أمة الإسلام ، بالإضافة إلى النحر في عيد الأضحى المبارك ، ورمي جمرة العقبة والطواف والسعي بالنسبة للحجاج .. هذا هو العيد وهذه شعائره . فأين المنكرات في هذا أيها المذيع ؟ وإن كنت تقصد ما يفعله الناس بعد العيد ، فيما يسمى سهرات ليالي العيد ، فهذا ليس من العيد ولا يسمى هذا الفعل عيدا ً . بينما الذي يفعل في الموالد من منكرات وأمور مخالفة للشرع ، يكون في وقت الاحتفال وفي مواقع الاحتفال ، وهذا أمر مشتهر ومنتشر في كثير من بلدان المسلمين مع الأسف الشديد . فأين هذا من ذاك أيها المذيع ؟!!!
- وأخيراً : أليس من الأجدر والأولى أن يكون الاحتفال بمولد الشخص في حياته ثم إذا مات يتم الامتناع عن الاحتفال بمولده ، خاصة إذا كان يوم وفاته هو يوم ولادته !!! فاعتبروا يا أولى الأبصار .
كذب وبهتان
إن سبب تركي اتباع الصوفية ـ والحمد لله ـ هو اعتماد الكبراء والزعماء ومن شايعهم على الأكاذيب والخرافات والمنامات ، ولكن كل مطلع على السيرة الصحيحة والأحاديث الصحيحة والتفسير الصحيح يكتشف مدى ما وصل إليه هؤلاء من الجرأة والكذب على الله ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً ـ فمن الأكاذيب التي يرددونها دائماً قولهم :(105/14)
1/ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ خلق من نور ، وأنه إذا مشى في الشمس ليس له ظل . وهذا القول مخالف لقول الله تعالى : ( قل إنما أن بشر مثلكم يوحى إليَّ أنما إلهكم إله واحد ) ، وغيرها من الآيات والأحاديث التي تثبت أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بشر ، وأن البشر كلهم خلقوا من طين ، وأن الذين خلقوا من نور هم الملائكة . وأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليس من الملائكة . هذا من ناحية . أما من ناحية أخرى فأقول لهؤلاء : كيف يكون النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليس له ظل ، ولا يذكر ذلك الصحابة ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ وهم قد وصفوه وصفاً دقيقاً ؟ ثم ألم يكن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يرتدي لباساً أم كانت الملابس التي عليه هي الأخرى ليس لها ظل ؟!!!
2/ ومن بهتانهم قولهم : أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعلم الخمس التي في قوله تعالى : ( إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير ) .
وأيضاً قولهم : أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو في قبره يعلم ما في قلوب من يقفون عند قبره ويعرف أسمائهم ويردد السلام بصوت مسموع يسمعه كل من يسلم عليه !!!
سبحانك ربي هذا بهتان عظيم . فالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يعلم من الغيب إلا ما يطلعه الله عليه ، قال تعالى : ( قال إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمداً عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً ) وقال تعالى على لسان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء ) .(105/15)
وبالرجوع إلى السنة الصحيحة والسيرة الثابتة يتضح أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يكن يعلم الغيب ، ولم يكن يعلم من خلف الباب حينما يطرق للاستئذان للدخول عليه . بل إن الكلب دخل بيته ، مما سبب منع دخول جبريل عليه السلام ، وهو لا يدري عنه . وكانت تحدث بعض الأمور للصحابة لايعلم عنها ، مثل زواج عبدالرحمن بن عوف ، وموت المرأة التي كانت تقم المسجد .. إلى غير ذلك من الأحداث الكثيرة التي لا يسع المجال لذكرها . فإذا كان هذا في حياته ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فكيف وهو في القبر ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
أما رد السلام بصوت مسموع فهذه فرية لا تستحق منا قشتها ، لوضوح الكذب فيها وضوح الشمس في رابعة النهار.
3/ ومن بهتانهم أيضاً ، الإلحاد في أسماء الله سبحانه وتعالى حيث يدّعون أن أسماء الله الحسنى هي أسماء للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ويشغبون على الناس بما ورد في القرآن من صفات للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، مثل : بشير ونذير ورؤوف ورحيم وسراج منير . وفي هذا مغالطة واضحة .
لقد وصف الله الإنسان في سورة الإنسان بقوله تعالى : ( إنا حلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً ) ، فهل يقال لكل إنسان أن من أسمائه السميع والبصير ؟ لا أظن عاقلاً يقول ذلك ، فهاتان صفتان لكل إنسان . والسميع والبصير اسمان للرحمن سبحانه وتعالى . وقد قال الله : ( سبح اسم ربك الأعلى ) ، وقال لموسى : ( إنك أنت الأعلى ) ، فهل { الأعلى } اسم من أسماء موسى ؟ كلا إنه صفة لما سيكون عليه أمر موسى– عليه السلام – أمام فرعون – عليه لعنة الله -.
ولو فرضنا أن الصفات التي جاءت في القرآن تصف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأنه سراج منير ورؤوف رحيم إلى آخرها ، لو فرضنا أنها أسماء للنبي(105/16)
ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما يزعمون ، فلماذا لا يقفون عندها فقط ؟ لماذا يقولون أن الأسماء الإلهية هي أسماء للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فهل يرضى المسلم أن يقول للنبي أنه هو الله ، الرحمن ، المهيمن ، الجبار ، المتكبر ، البارىء ، المصور ، المحيي ، المميت ، الرزاق ، إلى غير ذلك من الأسماء الحسنى ؟؟؟ سبحان الله عمّا يشركون .
4/ ومن كذبهم إتهام الملائكة بأنهم خروا سجداً وبكيّاً حينما رأوا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليلة المعراج ، وأصغر طالب علم إذا قرأ الحديث الصحيح الذي فيه وصف المعراج ، ينكشف له زيف وكذب هذا الإدعاء ، فالملائكة عباد مكرمون ، لا يعصون الله ماأمرهم ويفعلون ما يؤمرون . فلا يجوز في حقهم محقرات الذنوب حتى يوصموا بالسجود لغير الله عز وجل .
ولقد كان سجود الملائكة لآدم طاعة لله الذي أمرهم بالسجود له . وهو تشريق لآدم - عليه السلام - . فهم يطيعون أمر الله ويسبحونه ليلاً ونهاراً لا يفترون . فمن أين لهؤلاء اتهام الملائكة كلهم بالسجود للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع البكاء ؟!!
5/ إدعاءهم كذباً وزوراً أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحضر إلى مكان الإحتفالات بمولده – أو أن روحه فقط هي التي تحضر كما يقول بعضهم - . فحينما كنت أحضر تلك الإحتفالات معهم ، وعندما يذكر القاص قصة المولد ويذكر حروج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من بطن أمه للدنيا ، ننهض نحن الحاضرون واقفين مرددين بصوت مرتفع ،
مرحباً يا نور عيني مرحباً مرحباً جد الحسين مرحباً
ويرش ماء الورد على الجميع ، ويؤتى بالبخور ، ونستمر في هذا الوضع ما يقارب خمس دقائق ثم نعود ونجلس في أماكننا ويكمل الإحتفال . فكأن هؤلاء هم الذين يتحكمون في النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيخرجونه من قبره عند ذكر ولادته ليحضر إليهم . أو هم الذين يتحكمون في روحه الشريفة ، وينزلونها من الفردوس الأعلى لتحضر احتفالاتهم !!! نسأل الله العافية .(105/17)
وللحق أقول أن بعض الأتباع لا يرضى بهذه الأمور ولا يعتقدها . فهم لا ينطبق عليهم ما ذكرته عن الصوفية ، بل إن من هؤلاء الاتباع أناساً صالحين مصلحين ، ومنهم العباد والزهاد والذين يحافظون على الصلاة في المسجد والذين يحسنون إلى الناس ويتصدقون على الفقراء . وإنما يفعلون هذه الاحتفالات أو يشاركون فيها ظناً منهم أن هذا من الخلاف الجائز بين العلماء ، وأنه من الأمور الإجتهادية التي يسع الناس فعلها . ولكن إذا ما عرف بعضهم الحق واطلع على عقائد هؤلاء الصوفية آب ورجع وتاب إلى الله من المشاركة في تلك الاحتفالات .
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا و اجعلنا من عبادك الصالحين ، اللهم اختم بالصالحات أعمالنا واجعل خير أيامنا يوم لقائك ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك .(105/18)
دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام ابن تيمية
عرض ونقد
تأليف
د. عبد الله بن صالح بن عبد العزيز الغصن
موقع صيد الفوائد : www.saaid.net
موقع الكاشف : www.alkashf.net
المقدمة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102] .
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء: 1] .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } [الأحزاب: 70 -71] .
أما بعد (1) :
فإن من أعظم منن الله سبحانه وتعالى على عباده أن بعث فيهم رسلاً مبشرين ومنذرين، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، وهداهم إلى صراطه المستقيم.
ولقد بين الله عزّ وجل هذه المنة بقوله: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) } [آل عمران: 164] .
وقد بقيت الأمة فترة من الزمن على الجادة السوية، والسيرة المرضية، تعتمد - بمجموعها - على المصدرين الأساسيين: الكتاب والسنة، وتَعُبُّ من منهلهما الروي.(106/1)
ثم جاء على الأمة الزمن الذي تقاذفت فيه بها الأهواء والبدع، فابتعد فئام عن ذلك المنهل، وبدأ يدب في جسم الأمة الضعف والمهانة، وذلك وفق ما أخبر به الصادق المصدوق صلّى الله عليه وسلّم من افتراق الأمة، كما افترقت اليهود والنصارى، حتى جاء زمان على الأمة كانت سوق البدعة فيه رائجة، وكاد ينطفئ نور السنة، إذ كانت الدولة على خلاف السنة، فكانت الكلمة لأهل الأهواء، والسلطة بأيديهم، حتى انتشرت كثير من البدع والأهواء عند العامة والضعفاء (2).
وكان للمبتدعة مصالح ومطامح في ظل البدعة، وغياب السنة، تغيب تلك المصالح إذا قام أئمة السنة بواجبهم، وحذروا من الدخائل على المعتقد والدين، فنهج المبتدعة نهجاً أبعدوا فيه علماء أهل السنة عن ملاقاة الناس، وأقصوهم لئلا يقولوا كلمة الحق، فيفتضح أمرهم... وكان التاريخ دولاً بين أهل السنة وأهل البدعة، فمرة تكون الغلبة لهؤلاء، ومرة لهؤلاء، وقد تكون السنة أو البدعة في مكان دون مكان.
وكان من قدر الله وتوفيقه أن يبعث على رأس كل قرن من يجدد لهذه الأمة دينها، كما جاء في الحديث الصحيح: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها»(3) .
ومن هؤلاء الأعلام المجددين: العلامة المجاهد، الإمام الرباني، شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (661 - 728هـ) رحمه الله؛ ذلك العلامة الفذ الذي لا يملك منصف من الكفار أو من المسلمين، من أعدائه أو من محبيه إلا أن يثني عليه كثيراً حين ذكره، بما يحضر ذلك المثني من صفات وخصائص لابن تيمية رحمه الله؛ ولأجل أن يكون الكلام عن ابن تيمية رحمه الله منصفاً، فسأذكر مثالين لوصفه رحمه الله من قِبل معاصريه الذين رأوه، وخالطوه.(106/2)
فأولهما: قول ابن الزملكاني (4) رحمه الله عنه: (كان إذا سئل عن فن من العلم ظن الرائي والسامع أنه لا يعرف غير ذلك الفن، وحكم أن أحداً لا يعرف مثله، وكان الفقهاء من سائر الطوائف إذا جلسوا معه استفادوا من مذاهبهم منه ما لم يكونوا عرفوه قبل ذلك، ولا يُعرف أنه ناظر أحداً فانقطع معه، ولا تكلم في علم من العلوم - سواء كان من علوم الشرع أو غيرها - إلا فاق فيه أهله، والمنسوبين إليه، وكانت له اليد الطولى في حسن التصنيف، وجودة العبارة والترتيب، والتقسيم والتبيين) (5) .
وثانيهما: قول الإمام الذهبي (6) رحمه الله عنه: (كان يقضى منه العجب، إذا ذكر مسألة من مسائل الخلاف، يستدل ويرجح، ويجتهد، وحق له ذلك، فإن شروط الاجتهاد كانت قد اجتمعت فيه، فإنني ما رأيت أسرع انتزاعاً للآيات الدالة على المسألة التي يوردها منه، ولا أشد استحضاراً لمتون الأحاديث، وعزوها إلى الصحيح أو إلى المسند أو إلى السنن منه، كأن الكتاب والسنن نصب عينيه، وعلى طرف لسانه، بعبارة رشيقة، وعين مفتوحة، وإفحام للمخالف... وكان قوالاً بالحق، نهاءً عن المنكر، لا تأخذه في الله لومة لائم، ذا سطوة وإقدام، وعدم مداراة الأغيار، ومن خالطه وعرفه قد ينسبني إلى التقصير في وصفه، ومن نابذه وخالفه ينسبني إلى التغالي فيه... وأنا أقل من أن ينبه على قدره كلمي، أو أن يوضح نبأه قلمي...) (7) .(106/3)
وكان ابن تيمية رحمه الله يواجه التيارات البدعية في عصره، ويناقش ما تحمله من مخالفات عقدية، حريصاً على تصحيح العقيدة في نفوس الناس، وتنقيتها مما شابها من كثير من الانحرافات، إذ يرى رحمه الله أن الراد على أهل البدع مجاهد (8) ، إلا أن من كان شيخ الإسلام يهدم بنيانهم من القواعد، لم يطب لهم صنيعه، فحاولوا بشتى الوسائل تشويه صورته عند كل أحد، وبكل الوسائل، فلم يكونوا يتورعون عن سبه وشتمه، ورموه بالجهل تارة، وبالزندقة أخرى، ونسبوه إلى البدعة، ولم يبق إلا ما هو أعظم منها، ألا وهو التكفير، وقد فعلوا، فكفروه رحمه الله ووجهوا إليه رحمه الله تُهماً في شخصه، ومنهجه، وعقيدته، وانتقدوه في مسائل علمية أخرى، فكانت بعض التُّهم والدعاوى قد وجهت إليه في حياته، فأسهم بنصيب وافر في بيان قوله، والاستدلال له وربطه بمنهج السلف ناقلاً عنهم، ومناقشاً شُبه الخصوم، ومبيناً ضعفها وعوارها، مع علمه رحمه الله بمناهج المخالفين، وأسباب تلك المخالفة؛ ولذا فقد نظر رحمه الله إلى هذه المخالفة من الجانب الإيجابي، مبيناً أن وجود المناوئين والمخالفين لعقيدة السلف، والرد عليهم، هو باب من أبواب ظهور الدين وانتشاره، قال رحمه الله: (من سنة الله: أنه إذا أراد إظهار دينه أقام من يعارضه، فيحق الحق بكلماته، ويقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق) (9) .(106/4)
واستمرت الردود والدعاوى ضد ابن تيمية رحمه الله بعد وفاته إلى هذا العصر، وهذا من سنة الله عزّ وجل في الحياة أن يستمر الصراع بين الحق والباطل، ومن صور استمرار هذا الصراع: أن يشكك أهل الباطل بنقلة الحق وأعلامه وأئمته، ثم التشكيك والقدح بما يحملون وما يبلغون من عقائد وعلوم، حتى لا يبقى لأهل الباطل إلا باطلهم، ومن أبرز حملات أهل الباطل على عقيدة السلف: قدحهم في ابن تيمية رحمه الله والرد عليه فألفوا المؤلفات، وكتبوا الردود والرسائل، وملؤوا الكتب بالحواشي التي ملؤوا بها زيفهم وضلالهم تجاه هذا العَلَم، وتجاه عقيدة السلف الصالح، واستنفروا شعراءهم، فكان لسلف أهل الباطل تلامذة واصلوا بث الحقد على شيخ الإسلام، وعلى منهجه، وزادوا وأوغلوا في الضلالة، ونشروا بين الناس ما كان مغموراً من ردود ومناقشات بين شيخ الإسلام رحمه الله ومخالفيه، وقامت مؤسسات لأهل الباطل، ودور نشر همها الرد على عقيدة السلف، فكان لزاماً على أهل الحق أن يقوموا بواجبهم تجاه أهل الضلال ليردوا كيدهم في نحورهم، وليعيدوهم خائبين، ببيان الحجة، ونقد الشبهة بمنهج علمي معتدل، فكانت هذه الرسالة جهداً من الجهود التي يقوم بها أهل السنة تجاه المبتدعة، سائلاً الله عزّ وجل التوفيق والقبول، كما أسأله سبحانه أن يحفظ هذه الدولة (الدولة السعودية)، وأن ينصرها ويبارك فيها، حيث وفقها لإحياء ما اندرس من مؤلفات ابن تيمية رحمه الله، بطبعها، ونشرها، وتوزيعها، لتسهل الاستفادة منها، ولتكون في أيدي الطالبين، وذلك من بداية قيام هذه الدولة؛ إقامة للسنة، وإخماداً للبدعة، فأسأل الله أن يوفق القائمين عليها لكل خير، ويسدد خطاهم، ويعينهم على أمور دينهم ودنياهم إنه سميع مجيب.
أسباب اختيار البحث:(106/5)
1 - أن الدفاع عن أحد أبرز أئمة أهل السنة، والرد على ما يرمى به من دعاوى، إنما هو دفاع عن المعتقد والمنهج الذي يحمله ذلك الإمام، والدفاع عن المعتقد والمنهج تتعدد صوره، ومنها: الدفاع عن أعلام ذلك المنهج بما يثار حولهم من شبهات.
2 - بيان ضعف شُبه المبتدعة ضد معتقد أهل السنة والجماعة، وذلك بعرضها، ثم مناقشتها.
3 - أن التصدي للمبتدعة والرد على شبهاتهم فرض كفاية، فلا بد من قيام طائفة تقوم بهذا الغرض من أهل العلم وطلابه، للتصدي لتلك الشبهات والرد عليها، ثم - أيضاً - إنه نوع من الجهاد، فالراد على المبتدعة مجاهد.
4 - حرص الباحث على قراءة كتب ابن تيمية رحمه الله جميعها، سواء الكتب والرسائل العقدية، أو غيرها، ذلك أن شيخ الإسلام رحمه الله يستطرد - أحياناً - في مباحث في غير مظانها، لا توجد هذه المباحث إلا في مثل هذه الاستطرادات.
5 - تنوع الموضوع، وشموله، فقد فصّل البحث في بعض مباحث الصفات، ومسألة إمكان حوادث لا أول لها وبداية خلق العالم، و- أيضاً - فصّل البحث في توحيد الألوهية ببحث مسألة شد الرحل، ومسألة التوسل، ثم بيّن البحث الموقف من الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين -، ثم انتقل إلى مبحث من مباحث الإيمان باليوم الآخر وهو: مسألة أبدية النار وعدم فنائها، واجتماع هذه الموضوعات في بحث واحد كفيلة ببيان أهميته، وشموله.
6 - محاولة إبراز أقوال ابن تيمية رحمه الله بصورة جديدة من حيث الترتيب والعرض، ويظهر هذا الأمر في مباحث متعددة من البحث، وبالذات في فصل (إمكان حوادث لا أول لها) .(106/6)
7 - تناصر أهل الباطل من أهل البدعة في الأزمان المتأخرة على دحر السنة، وتغييبها في بلدان متعددة من العالم الإسلامي، مما جعل بعض الناس يظن الحق باطلاً، والباطل حقاً، والسنة بدعة، والبدعة سنة، وجعل أهلُ الباطل أبرز أهدافهم، وموضع رمي سهامهم: شيخ الإسلام رحمه الله، وهذا يوجب على أهل السنة مجاهدة المبتدعة، ومجالدتهم، ومقارعتهم بالحجة والبرهان .
خطة البحث :
تتكون خطة البحث من مقدمات تعريفية بابن تيمية رحمه الله ومنهجه، وبالمناوئين، وأقسامهم، ومنهجهم، ودعاواهم حول منهج ابن تيمية رحمه الله، وهذه استغرقت التمهيد والفصل الأول .
ثم صلب الرسالة: وهو مناقشة المسائل المنتقدة العقدية على شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله واستغرق ستة فصول.
ثم خاتمة البحث، والفهارس اللازمة للبحث.
وتفصيل الخطة كالتالي: تتكون الخطة من مقدمة، وتمهيد، وسبعة فصول، وخاتمة، وفهارس .
أما المقدمة فتتضمن:
1 - أهمية البحث، وسبب اختياره.
2 - خطة البحث.
3 - منهج البحث.
وأما التمهيد فذكرت فيه:
1 - ترجمة موجزة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
2 - منهج شيخ الإسلام في تقرير العقيدة، والاستدلال عليها.
الفصل الأول: المناوئون لشيخ الإسلام، ودعاواهم حول منهجه: وفيه مبحثان:
المبحث الأول: المناوئون لشيخ الإسلام: وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: أقسام المناوئين.
المطلب الثاني: المنهج العام للمناوئين.
المطلب الثالث: اعتراف خصومه بقدره.
المبحث الثاني: دعاوى المناوئين حول منهج شيخ الإسلام ابن تيمية.
الفصل الثاني: دعوى التجسيم والتشبيه: وفيه أربعة مباحث:
المبحث الأول: قول أهل السنة في مسألة التجسيم والتشبيه.
المبحث الثاني: دعوى أن شيخ الإسلام مجسم ومشبه، ومناقشتها.
المبحث الثالث: دعوى أن شيخ الإسلام أخذ التشبيه ممن قبله، ومناقشتها.
المبحث الرابع: دعوى قوله بالجهة والتحيز، ومناقشتها.(106/7)
الفصل الثالث: دعوى القول بقدم العالم: وفيه مبحثان:
المبحث الأول: معتقد أهل السنة في إمكان حوادث لا أول لها: وفيه ثلاثة مطالب.
المطلب الأول: التسلسل: تعريفه، أقسامه، حكم كل قسم.
المطلب الثاني: الصفات الاختيارية.
المطلب الثالث: شرح حديث عمران بن حصين (كان الله ولم يكن شيء قبله...).
المبحث الثاني: دعوى الخصوم أن قول شيخ الإسلام بإمكان حوادث لا أول لها يستلزم القول بقدم العالم، ومناقشتها.
الفصل الرابع: دعوى نهي ابن تيمية عن زيارة القبور: وفيه خمسة مباحث:
المبحث الأول: عقيدة أهل السنة في شد الرحال، وزيارة القبور.
المبحث الثاني: الزعم بأن شيخ الإسلام ينهى عن زيارة القبور، ومناقشته.
المبحث الثالث: دعوى أن شيخ الإسلام ينتقص من منزلة الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ومناقشتها.
المبحث الرابع: دعوى مخالفة ابن تيمية الصحابة في قولهم بجواز بناء المساجد على القبور، ومناقشتها.
المبحث الخامس: دعوى أن ابن تيمية يساوي في المنزلة بين قبور الأنبياء وقبور غيرهم، ومناقشتها.
الفصل الخامس: مسألة التوسل: وفيه أربعة مباحث:
المبحث الأول: عقيدة أهل السنة والجماعة في التوسل.
المبحث الثاني: دعوى جواز التوسل بالأنبياء والصالحين، وأن شيخ الإسلام يحرم ذلك، ومناقشتها.
المبحث الثالث: دعوى أن شيخ الإسلام هو الذي ابتدع القول بعدم جواز التوسل بالنبي صلّى الله عليه وسلّم، ومناقشتها.
المبحث الرابع: دعوى بغض شيخ الإسلام الأنبياء والصالحين وإهانته لهم، ومناقشتها.
الفصل السادس: موقف شيخ الإسلام من الصحابة: وفيه أربعة مباحث:
المبحث الأول: عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة.
المبحث الثاني: دعوى تخطئة شيخ الإسلام الصحابة بما فيهم الخلفاء الأربعة، ومناقشتها.
المبحث الثالث: دعوى تكلف شيخ الإسلام الغمز على أهل البيت وتعمية مناقبهم، ومناقشتها.(106/8)
المبحث الرابع: دعوى رد الأحاديث الصحيحة في مقام المبالغة في توهين كلام الشيعة، ومناقشتها.
الفصل السابع: مسألة دوام النار: وفيه مبحثان:
المبحث الأول: دلالة نصوص الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة على خلود النار.
المبحث الثاني: دعوى أن شيخ الإسلام يرى فناء النار، ومناقشتها.
الخاتمة: وتتضمن أهم نتائج البحث.
ثم الفهارس اللازمة للبحث .
وقد سرت على منهج في كتابة البحث، تظهر أبرز ملامحه في الملاحظات التالية:
1 - حرصت - قدر الإمكان - على تركيز المادة العلمية، مع سهولة العرض، وتوضيح العبارة.
2 - التركيز على ربط القضايا والمسائل التي يتحدث عنها ابن تيمية رحمه الله بالكتاب والسنة، ثم بأقوال من تقدمه من سلف الأمة.
3 - كان مقصد البحث وتركيزه على عرض الدعوى، مع بيان قائلها، والإحالة إلى الكتاب الأصلي لصاحب الدعوى، ثم الرد على الدعوى، ولم يكن من منهج البحث: التتبع التاريخي لكل من قال بهذه الدعاوى، أو حصر كل من تكلم بهذه الدعوى، ولكني اكتفيت - غالباً - بذكر قول أول من قال بهذه الدعوى؛ لأن البقية نقلة منه - غالباً - وإن كان ثمت زيادة عند المتأخر فإني أذكرها مع ذكر قائلها، والإحالة إلى كتابه، فالغرض هو ثبوت وجود الدعوى؛ لأجل الرد عليها.
4 - سلكت المنهج الاستقرائي في تتبع أقوال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من كتبه.
5 - في عرض الدعاوى سلكت منهجاً تميز بما يلي:
أ - فصلت الدعوى عن الرد بمطلب مستقل، وذلك لئلا يختلط الحق بالباطل، ويلتبس في ذهن القارئ الحق بالقول الباطل، خاصة وأن بعض مناوئي الشيخ من العلماء الكبار.
ب - عرضت الشُبه عرضاً مجملاً موجزاً، وأما الرد ففيه البيان والتفصيل - قدر الحاجة - وهذا هو منهج السلف في هذه المسألة.(106/9)
جـ - نقلت الدعاوى من كتب المناوئين - أنفسهم - ركزت على أن تكون النقول والإحالات من كتب مشهورة عندهم - وإن كانت الشهرة نسبية -، أما الكتب المغمورة، أو المخطوطة، أو الكتب التي لا يثقون هم بها - أيضاً - فلم أنقل منها، ولم أعز إليها.
6 - إذا ذكرت عن أحد المناوئين مقولة ودعوى، فلا يلزم أن يكون قد قال بكل الدعاوى التي قيلت ضد ابن تيمية رحمه الله، ولا يلزم أن يقر بها - أيضاً - (10).
7 - لم يكن قصد البحث استيفاء جميع جوانب وجزئيات الموضوعات الموجودة عناوينها في الخطة كالموقف من الصفات، وإمكان حوادث لا أول لها، والتوسل، والموقف من الصحابة وغير ذلك، وإنما كان مقصود البحث: بيان ما أثير حول ابن تيمية رحمه الله من شبهات ودعاوى، وفي المقابل بيان مذهب ابن تيمية رحمه الله وموقفه مما أثير حوله فقط، وليس موقفه - أيضاً - من جزئيات هذه الموضوعات، ولو فصل البحث في هذه الجزئيات لطال وكثر، ولخرج عن مقصوده.
8 - عزوت الآيات إلى سورها، وذكرت رقم الآية.
9 - خرّجت الأحاديث الواردة في البحث، فما كان في الصحيحين، أو في أحدهما، فإني لا أذكر الحكم عليه لصحته، وأما ما كان في غيرهما فإني أنقل حكم أحد أئمة هذا الشأن فيه.
10 - عرفت بالفرق التي ورد ذكرها في الرسالة.
11 - شرحت الكلمات التي تحتاج إلى إيضاح، وعرّفت ببعض المصطلحات العلمية الواردة في البحث.
12 - ترجمت للأعلام الوارد ذكرهم في الرسالة، فمن كان مشهوراً اختصرت ترجمته، ومن كان غير ذلك فأترجم له ترجمة مناسبة، وهذا يكون عند أول ورود لهذا العلم، وأما بعد ذلك فإني أتبع العَلَم بذكر تاريخ وفاته.
13 - وضعت فهارس في آخر البحث وهي كما يلي :
أ - فهرس الآيات القرآنية.
ب - فهرس الأحاديث النبوية والآثار.
جـ - فهرس الأعلام المترجم لهم.
د - فهرس الفرق والطوائف.
هـ - فهرس المصطلحات والكلمات الغريبة المشروحة.
و - فهرس المراجع.
ز - فهرس الموضوعات (11).(106/10)
هذا، وإن الشكر والحمد لصاحبه ومستحقه سبحانه وتعالى الذي أنعم عليّ بنعم كثيرة لا تحصى، { وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ } [النحل: 53] ، فله سبحانه الحمد والشكر حمداً وشكراً لا منتهى لحده.
وبعد شكر المولى عزّ وجل أرى لزاماً علي أن أزجي الشكر الجزيل، والثناء العاطر إلى كل من أعانني على إنجاز هذا العمل.
وأخص بالذكر والدي الكريمين، على ما لقيت منهما من تربية وتوجيه وتعليم، فأسأل الله أن يثقل موازينهما، وأن يعينني على برهما، والإحسان إليهما، وأخص منهما والدي فضيلة الشيخ صالح بن عبد العزيز الغصن، الذي كان فضله علي بعد الله كبيراً، فمنه تلقيت التوجيه والنصح منذ الصغر، والحث على الاستقامة، وطلب العلم الشرعي، وكان يسعى - حفظه الله ورعاه - إلى تفريغي عن كثير من المشاغل الاجتماعية أثناء إعداد الرسالة - فجزاه الله خير الجزاء -.
وفضيلة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله الراجحي، المشرف على هذه الرسالة، الذي أعطاني من وقته الكثير - رغم مشاغله وارتباطاته -، فكان - حفظه الله - نعم المشرف، حيث أفدت من ملحوظاته العلمية والمنهجية.
ثم لا أنسى أن أشكر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ممثلة في كلية أصول الدين، وقسم العقيدة والمذاهب المعاصرة فيها، على منحي هذه الفرصة لإعداد رسالة الدكتوراه.
وأشكر كل من ساعدني وأمدني بفائدة، أو دلالة على موضع كتاب، أو إعارة كتب، أو غير ذلك، فلهم جميعاً وافر الشكر وجزيله.
وختاماً، فإني لا أدّعي أني وفيت الموضوع حقه، ولا أني أصبت في كل ما قلت وقصدت؛ لأن الخطأ والزلل والنقص من طبيعة البشر، ولكن حسبي أني بذلت جهدي لإخراج هذا البحث على الصورة المرضية، فما كان فيه من صواب فمن الله وحده عزّ وجل، فله الفضل والمنّ والحمد، وما كان فيه من خطأ فمن نفسي ومن الشيطان، وأستغفر الله منه.(106/11)
وأسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا، أن يرزقني الإخلاص في القول والعمل، وفي السر والعلن، وأن يبلغني رضاه، وأن يجعل هذا العمل مقبولاً عنده، وأن يريني الحق حقاً ويرزقني اتباعه، وأن يريني الباطل باطلاً ويرزقني اجتنابه، إنه سميع مجيب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
د. عبد الله بن صالح بن عبد العزيز الغصن
ترجمة موجزة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (12)
اعتنى بدراسة شخصية شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله القدامى والمحدثون، فكثرت الدراسات عنه، وتنوعت أهداف الدارسين لشخصيته، كل يأخذ منها ما يوافق تخصصه وهدفه، فهناك دراسات في سيرته الذاتية، ودراسات عن عقيدته، ودراسات عن فقهه، ودراسات عن تعمقه وإمامته في الحديث، ودراسات عن منهجه الدعوي، ودراسات عن فكره التربوي والاجتماعي، وغيرها.
وإذا استعرضت كتب التاريخ والرجال للقرن الثامن الهجري: فمن أبرز من يترجم له هو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
وإذا قرأت كتبه المحققة - وهي كثيرة - فإن في مقدمتها - غالباً - ذكر شيء من ترجمته
فشهرته بلغت الآفاق، وتكاد تجمع الكتب على الثناء عليه من القديم والحديث، ولذلك يجد الكاتب في سيرته صعوبة في اختيار المناسب من سيرته لما يبحث فيه، أما التوسع في ذكر سيرته فقد أغنت شهرته عن ذلك كما يقول عنه الحافظ ابن رجب (13) رحمه الله: (وشهرته تغني عن الإطناب في ذكره، والإسهاب في أمره) (14) .
وسأحيل في نهاية الترجمة - إن شاء الله - إلى أبرز من حاول حصر المؤلفات فيه.
1 - اسمه ونسبه:
هو أحمد تقي الدين أبو العباس بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد الله بن تيمية الحراني (15).(106/12)
وذكر مترجموه أقوالاً في سبب تلقيب العائلة بآل (تيمية) منها ما نقله ابن عبد الهادي رحمه الله (16): (أن جده محمداً كانت أمه تسمى (تيمية)، وكانت واعظة، فنسب إليها، وعرف بها.
وقيل: إن جده محمد بن الخضر حج على درب تيماء، فرأى هناك طفلة، فلما رجع وجد امرأته قد ولدت بنتاً له فقال: يا تيمية، يا تيمية، فلقب بذلك) (17) .
2 - مولده ونشأته:
ولد رحمه الله يوم الاثنين، عاشر، وقيل: ثاني عشر من ربيع الأول سنة 661هـ. في حرّان . (18)
وفي سنة 667هـ أغار التتار على بلده، فاضطرت عائلته إلى ترك حران، متوجهين إلى دمشق (19)، وبها كان مستقر العائلة، حيث طلب العلم على أيدي علمائها منذ صغره، فنبغ ووصل إلى مصاف العلماء من حيث التأهل للتدريس والفتوى قبل أن يتم العشرين من عمره (20).
ومما ذكره ابن عبد الهادي رحمه الله عنه في صغره أنه: (سمع مسند الإمام أحمد بن حنبل مرات، وسمع الكتب الستة الكبار والأجزاء، ومن مسموعاته معجم الطبراني الكبير.
وعني بالحديث وقرأ ونسخ، وتعلم الخط والحساب في المكتب، وحفظ القرآن، وأقبل على الفقه، وقرأ العربية على ابن عبد القوي (21)، ثم فهمها، وأخذ يتأمل كتاب سيبويه (22) حتى فهم في النحو، وأقبل على التفسير إقبالاً كلياً، حتى حاز فيه قصب السبق، وأحكم أصول الفقه وغير ذلك.
هذا كله وهو بعد ابن بضع عشرة سنة، فانبهر أهل دمشق من فُرط ذكائه، وسيلان ذهنه، وقوة حافظته، وسرعة إدراكه) (23).
(وقلّ كتاب من فنون العلم إلا وقف عليه، كأن الله قد خصه بسرعة الحفظ، وإبطاء النسيان لم يكن يقف على شيء أو يستمع لشيء - غالباً - إلا ويبقى على خاطره، إما بلفظه أو معناه، وكان العلم كأنه قد اختلط بلحمه ودمه وسائره.(106/13)
فإنه لم يكن مستعاراً، بل كان له شعاراً ودثاراً، ولم يزل آباؤه أهل الدراية التامة والنقد، والقدم الراسخة في الفضل، لكن جمع الله له ما خرق بمثله العادة، ووفقه في جميع عمره لأعلام السعادة، وجعل مآثره لإمامته أكبر شهادة) (24) .
وكان رحمه الله حسن الاستنباط، قوي الحجة، سريع البديهة، قال عنه البزار (25) رحمه الله (وأما ما وهبه الله تعالى ومنحه من استنباط المعاني من الألفاظ النبوية والأخبار المروية، وإبراز الدلائل منها على المسائل، وتبيين مفهوم اللفظ ومنطوقه، وإيضاح المخصص للعام، والمقيد للمطلق، والناسخ للمنسوخ، وتبيين ضوابطها، ولوازمها وملزوماتها، وما يترتب عليها، وما يحتاج فيه إليها، حتى إذا ذكر آية أو حديثاً، وبين معانيه، وما أريد فيه، يعجب العالم الفطن من حسن استنباطه، ويدهشه ما سمعه أو وقف عليه منه) (26) .
وكان رحمه الله ذا عفاف تام، واقتصاد في الملبس والمأكل، صيناً، تقياً، براً بأمه، ورعاً عفيفاً، عابداً، ذاكراً لله في كل أمر على كل حال، رجاعاً إلى الله في سائر الأحوال والقضايا، وقافاً عند حدود الله وأوامره ونواهيه، آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، لا تكاد نفسه تشبع من العلم، فلا تروى من المطالعة، ولا تمل من الاشتغال، ولا تكل من البحث.(106/14)
قال ابن عبد الهادي (ت - 744هـ) رحمه الله عنه: (ثم لم يبرح شيخنا رحمه الله في ازدياد من العلوم وملازمة الاشتغال والإشغال، وبث العلم ونشره، والاجتهاد في سبل الخير حتى انتهت إليه الإمامة في العلم والعمل، والزهد والورع، والشجاعة والكرم، والتواضع والحلم والإنابة، والجلالة والمهابة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسائر أنواع الجهاد مع الصدق والعفة والصيانة، وحسن القصد والإخلاص، والابتهال إلى الله وكثرة الخوف منه، وكثرة المراقبة له وشدة التمسك بالأثر، والدعاء إلى الله وحسن الأخلاق، ونفع الخلق، والإحسان إليهم والصبر على من آذاه، والصفح عنه والدعاء له، وسائر أنواع الخير) (27).
3 - عصره:
أولاً: الناحية السياسية:
يستطيع الواصف للحالة السياسية لعصر ابن تيمية رحمه الله أن يحدد معالمها بثلاثة أمور رئيسة:
أ - غزو التتار للعالم الإسلامي.
ب - هجوم الفرنجة على العالم الإسلامي.
جـ - الفتن الداخلية، وخاصة بين المماليك والتتار والمسلمين.
وقد ذكر ابن الأثير (28)رحمه الله وصفاً دقيقاً لذلك العصر، وهو من أهله:
فقال: (لقد بلي الإسلام والمسلمون في هذه المدة بمصائب لم يبتل بها أحد من الأمم: منها هؤلاء التتر: فمنهم من أقبلوا من الشرق ففعلوا الأفعال التي يستعظمها كل من سمع بها.
ومنها: خروج الفرنج - لعنهم الله - من الغرب إلى الشام وقصدهم ديار مصر وامتلاكهم ثغرها - أي دمياط -، وأشرفت ديار مصر وغيرها على أن يملكوها لولا لطف الله تعالى ونصره عليهم.
ومنها: أن السيف بينهم مسلول، والفتنة قائمة) (29).(106/15)
فأما التتار: فقد كانوا فاجعة الإسلام والمسلمين في القرن السابع الهجري، في سقوط بغداد - وبها سقطت الخلافة العباسية - سنة (656هـ)(30) وما قبل سقوط بغداد بسنوات (31)، وما بعد سقوط بغداد حيث كانت هذه الأحداث قريبة من ولادة شيخ الإسلام ابن تيمية (ولا بد أن يكون قد شاهد آثار هذا الخراب والدمار بأم عينيه، وسمع تفاصيله المؤلمة عمن رأوا مناظره وشهدوها وشاهدوها، فمن الطبيعي أن يتأثر قلبه الغيور المرهف بنكبة المسلمين هذه وذلتهم، وتمتلئ نفسه غيظاً وكراهية لأولئك الوحوش الضواري) (32).
وأما ظهور الفرنجة أو (الحروب الصليبية): فقد كانت ولادة ابن تيمية رحمه الله في بداية الدور الرابع لهذه الحروب الذي يمثل دور الضعف الفرنجي وتجدد قوة المسلمين، باسترداد كثير من المدن الشامية الكبرى، وإكمال مسيرة طرد الفرنج من بلاد المسلمين.
وأما الفتن الداخلية: فما كان يحصل بين المماليك وتنازعهم على السلطة وما كان يحصل بينهم وبين التتر المسلمين، وقد كان لابن تيمية رحمه الله مشاركة في إصلاح بعض هذا، وفي مقدمة مواقف ابن تيمية رحمه الله يذكر المؤرخون قصته مع آخر أمراء المماليك وذلك بتذكيره بحقن دماء المسلمين، وحماية ذراريهم وصون حرماتهم (33).
ثانياً: الناحية الاجتماعية:
كانت مجتمعات المسلمين خليطاً من أجناس مختلفة، وعناصر متباينة بسبب الاضطراب السياسي في بلادهم.
إذ اختلط التتار - القادمون من أقصى الشرق حاملين معهم عاداتهم وأخلاقهم وطباعهم الخاصة - بالمسلمين في ديار الإسلام الذين هم أقرب إلى الإسلام عقيدة وخلقاً من التتر.
ونوعية ثالثة: ألا وهي أسرى حروب الفرنجة والترك إذ كان لهم شأن في فرض بعض النظم الاجتماعية، وتثبيت بعض العوائد السيئة، والتأثير اللغوي العام على المجتمع المسلم.(106/16)
إضافة إلى امتزاج أهل الأمصار الإسلامية بين بعضهم البعض بسبب الحروب الطاحنة من التتار وغيرهم، فأهل العراق يفرون إلى الشام، وأهل دمشق إلى مصر والمغرب وهكذا.
كل هذا ساعد في تكوين بيئة اجتماعية غير منتظمة وغير مترابطة، وأوجد عوائد بين المسلمين لا يقرها الإسلام، وأحدث بدعاً مخالفة للشريعة كان لابن تيمية رحمه الله أكبر الأثر في بيان الخطأ والنصح للأمة، ومقاومة المبتدعة (34).
ثالثاً: الناحية العلمية:
في عصر ابن تيمية رحمه الله قل الإنتاج العلمي، وركدت الأذهان، وأقفل باب الاجتهاد وسيطرت نزعة التقليد والجمود، وأصبح قصارى جهد كثير من العلماء هو جمع وفهم الأقوال من غير بحث ولا مناقشة، فألفت الكتب المطولة والمختصرة، ولكن لا أثر فيها للابتكار والتجديد، وهكذا عصور الضعف تمتاز بكثرة الجمع وغزارة المادة مع نضوب في البحث والاستنتاج.
ويحيل بعض الباحثين ذلك الضعف إلى: سيادة الأتراك والمماليك مما سبب استعجام الأنفس والعقول والألسن، إضافة إلى اجتماع المصائب على المسلمين، فلم يكن لديهم من الاستقرار ما يمكنهم من الاشتغال بالبحث والتفكير (35).
ولا ينكر وجود أفراد من العلماء النابهين أهل النبوغ، ولكن أولئك قلة لا تنخرم بهم القاعدة. وثمة أمر آخر في عصر ابن تيمية أثر في علمه ألا وهو: اكتمال المكتبة الإسلامية بكثير من الموسوعات الكبرى في العلوم الشرعية: من التفسير، والحديث، والفقه، وغيرها.
فالسنة مبسوطة، والمذاهب مدونة، ولم يعد من السهل تحديد الكتب التي قرأها وتأثر بها، ولا معرفة تأثير شيوخه عليه بدقة.
4 - محن الشيخ:(106/17)
امتحن الشيخ مرات عدة بسبب نكاية الأقران وحسدهم، ولما كانت منزلة شيخ الإسلام في الشام عالية عند الولاة وعند الرعية وشى به ضعاف النفوس عند الولاة في مصر، ولم يجدوا غير القدح في عقيدته، فطلب إلى مصر، وتوجه إليها سنة 705هـ. بعدما عقدت له مجالس في دمشق لم يكن للمخالف فيها حجة (36)، وبعد أن وصل إلى مصر بيوم عقدوا له محاكمة كان يظن شيخ الإسلام رحمه الله أنها مناظرة، فامتنع عن الإجابة حين علم أن الخصم والحكم واحد (37).
واستمر في السجن إلى شهر صفر سنة 707هـ، حيث طلب منه وفد من الشام بأن يخرج من السجن، فخرج وآثر البقاء في مصر على رغبتهم الذهاب معهم إلى دمشق.
وفي آخر السنة التي أخرج فيها من السجن تعالت صيحات الصوفية (38) في مصر، ومطالباتهم في إسكات صوت شيخ الإسلام رحمه الله فكان أن خُير شيخ الإسلام بين أن يذهب إلى دمشق أو إلى الإسكندرية أو أن يختار الحبس، فاختار الحبس، إلا أن طلابه ومحبيه أصروا عليه أن يقبل الذهاب إلى دمشق، ففعل نزولاً عند رغبتهم وإلحاحهم.
وما إن خرج موكب شيخ الإسلام من القاهرة متوجهاً إلى دمشق، حتى لحق به وفد من السلطان ليردوه إلى مصر ويخبروه بأن الدولة لا ترضى إلا الحبس.
وما هي إلا مدة قليلة حتى خرج من السجن وعاد إلى دروسه، واكب الناس عليه ينهلون من علمه.
وفي سنة 709هـ نفي من القاهرة إلى الإسكندرية، وكان هذا من الخير لأهل الإسكندرية ليطلبوا العلم على يديه، ويتأثروا من مواعظه، ويتقبلوا منهجه، لكن لم يدم الأمر طويلاً لهم، فبعد سبعة أشهر طلبه إلى القاهرة الناصر قلاوون (39) بعد أن عادت الأمور إليه، واستقرت الأمور بين يديه، فقد كان من مناصري ابن تيمية رحمه الله وعاد الشيخ إلى دورسه العامرة في القاهرة.(106/18)
وامتحن شيخ الإسلام بسبب فتواه في مسألة الطلاق (40) ، وطُلب منه أن يمتنع عن الإفتاء بها فلم يمتنع حتى سجن في القلعة من دمشق بأمر من نائب السلطنة سنة 720هـ إلى سنة 721هـ لمدة خمسة أشهر وبضعة أيام.
وبحث حساده عن شيء للوشاية به عند الولاة فزوروا كلاماً له حول زيارة القبور، وقالوا بأنه يمنع من زيارة القبور حتى قبر نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم، فكتب نائب السلطنة في دمشق إلى السلطان في مصر بذلك، ونظروا في الفتوى دون سؤال صاحبها عن صحتها ورأيه فيها، فصدر الحكم بحقه في شعبان من سنة 726هـ بأن ينقل إلى قلعة دمشق ويعتقل فيها هو وبعض أتباعه واشتدت محنته سنة 728هـ حين أُخرج ما كان عند الشيخ من الكتب والأوراق والأقلام، ومنع من ملاقاة الناس، ومن الكتابة والتأليف (41).
5 - وفاته رحمه الله:
في ليلة الاثنين لعشرين من ذي القعدة من سنة (728هـ) توفي شيخ الإسلام بقلعة دمشق التي كان محبوساً فيها، وأُذن للناس بالدخول فيها، ثم غُسل فيها وقد اجتمع الناس بالقلعة والطريق إلى جامع دمشق، وصُلي عليه بالقلعة، ثم وضعت جنازته في الجامع والجند يحفظونها من الناس من شدة الزحام، ثم صُلي عليه بعد صلاة الظهر، ثم حملت الجنازة، واشتد الزحام، فقد أغلق الناس حوانيتهم، ولم يتخلف عن الحضور إلا القليل من الناس، أو من أعجزه الزحام، وصار النعش على الرؤوس تارة يتقدم، وتارة يتأخر، وتارة يقف حتى يمر الناس، وخرج الناس من الجامع من أبوابه كلها وهي شديدة الزحام (42).
6 - مؤلفاته:
مؤلفات الشيخ كثيرة يصعب إحصاؤها، وعلى كثرتها فهي لم توجد في بلد معين في زمانه إنما كانت مبثوثة بين الأقطار كما قال الحافظ البزار (ت - 749هـ) رحمه الله:(106/19)
(وأما مؤلفاته ومصنفاته، فإنها أكثر من أن أقدر على إحصائها أو يحضرني جملة أسمائها. بل هذا لا يقدر عليه غالباً أحد؛ لأنها كثيرة جداً، كباراً وصغاراً، أو هي منشورة في البلدان فقل بلد نزلته إلا ورأيت فيه من تصانيفه) (43) .
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي (ت - 795هـ) رحمه الله:
(وأما تصانيفه رحمه الله فهي أشهر من أن تذكر، وأعرف من أن تنكر، سارت سير الشمس في الأقطار، وامتلأت بها البلاد والأمصار، قد جاوزت حدّ الكثرة فلا يمكن أحد حصرها، ولا يتسع هذا المكان لعدّ المعروف منها، ولا ذكرها) (44) .
وذكر ابن عبد الهادي (ت - 744هـ) رحمه الله أن أجوبة الشيخ يشق ضبطها وإحصاؤها، ويعسر حصرها واستقصاؤها، لكثرة مكتوبه، وسرعة كتابته، إضافة إلى أنه يكتب من حفظه من غير نقل فلا يحتاج إلى مكان معين للكتابة، ويسئل عن الشيء فيقول: قد كتبت في هذا، فلا يدري أين هو؟ فيلتفت إلى أصحابه، ويقول: ردوا خطي وأظهروه لينقل، فمن حرصهم عليه لا يردونه، ومن عجزهم لا ينقلونه، فيذهب ولا يعرف اسمه.
ولما حبس شيخ الإسلام خاف أصحابه من إظهار كتبه، وتفرقوا في البلدان، ومنهم من تسرق كتبه فلا يستطيع أن يطلبها أو يقدر على تخليصها (45).
ومن أبرز كتبه ما يلي:
1 - الاستقامة: تحقيق د. محمد رشاد سالم. طبع في جزئين.
2 - اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم: تحقيق د. ناصر العقل طبع في جزئين.
3 - بيان تلبيس الجهمية: حقق في ثمان رسائل دكتوراه، بإشراف شيخنا فضيلة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله الراجحي.
4 - الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح: طبع بتحقيق د. علي بن حسن بن ناصر، ود. عبد العزيز العسكر، ود. حمدان الحمدان، وكان في الأصل ثلاث رسائل دكتوراه (46).
5 - درء تعارض العقل والنقل: طبع بتحقيق د. محمد رشاد سالم في عشرة أجزاء، والجزء الحادي عشر خُصص للفهارس (47).
6 - الصفدية: تحقيق د. محمد رشاد سالم، طبع في جزئين.(106/20)
7 - منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية: تحقيق د. محمد رشاد سالم، وطبع في ثمانية أجزاء، وخصص الجزء التاسع منه للفهارس (48).
8 - النبوات: مطبوع (49).
وله من الكتب والرسائل الكثير جداً مما طبع بعضه مستقلاً، وبعضه في مجاميع كبيرة وصغيرة، والكثير منه لا يزال مخطوطاً سواء كان موجوداً أو في عداد المفقود (50).
7 - بعض ثناء الناس عليه:
قال العلامة كمال الدين بن الزملكاني (ت - 727هـ) : (كان إذا سئل عن فن من العلم ظن الرائي والسامع أنه لا يعرف غير ذلك الفن، وحكم أن أحداً لا يعرفه مثله، وكان الفقهاء من سائر الطوائف إذا جلسوا معه استفادوا في مذاهبهم منه ما لم يكونوا عرفوه قبل ذلك، ولا يعرف أنه ناظر أحداً فانقطع معه ولا تكلم في علم من العلوم، سواء أكان من علوم الشرع أم غيرها إلا فاق فيه أهله، والمنسوبين إليه، وكانت له اليد الطولى في حسن التصنيف، وجودة العبارة والترتيب والتقسيم (51) والتبيين ) (52) .
وقال أيضاً فيه: (اجتمعت فيه شروط الاجتهاد على وجهها) (53) .
وكتب فيه قوله:
ماذا يقول الواصفون له *** وصفاته جلّت عن الحصر
هو حجة لله قاهرة *** هو بيننا أعجوبة الدهر
هو آية للخلق ظاهرة *** أنوارها أربت على الفجر (54)
وقال ابن دقيق العيد رحمه الله (55) : (لما اجتمعت بابن تيمية رأيت رجلاً العلوم كلها بين عينيه، يأخذ منها ما يريد، ويدع ما يريد) (56) .
وقال أبو البقاء السبكي (57): (والله يا فلان ما يبغض ابن تيمية إلا جاهل أو صاحب هوى، فالجاهل لا يدري ما يقول، وصاحب الهوى يصده هواه عن الحق بعد معرفته به) (58) ، وحين عاتب الإمام الذهبي (ت - 748هـ) الإمام السبكي (59) كتب معتذراً مبيناً رأيه في شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله:(106/21)
(أما قول سيدي في الشيخ، فالمملوك يتحقق كبر قدره، وزخاره بحره، وتوسعه في العلوم الشرعية والعقلية، وفرط ذكائه واجتهاده، وبلوغه في كل من ذلك المبلغ الذي يتجاوز الوصف، والمملوك يقول ذلك دائماً، وقدره في نفسي أعظم من ذلك وأجل، مع ما جمع الله له من الزهادة والورع والديانة، ونصرة الحق والقيام فيه، لا لغرض سواه، وجريه على سنن السلف، وأخذه من ذلك بالمأخذ الأوفى، وغرابة مثله في هذا الزمان بل من أزمان) (60).
وأما ثناء الإمام الذهبي على شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فهو كثير، وذِكر ثناء الإمام الذهبي على ابن تيمية هو الغالب على من ترجم لشيخ الإسلام ابن تيمية، وعلى مواضع ترجمة ابن تيمية في كتب الإمام الذهبي، ولعلي أذكر بعض مقولات الإمام الذهبي في ابن تيمية، ومنها قوله:
(ابن تيمية: الشيخ الإمام العالم، المفسر، الفقيه، المجتهد، الحافظ، المحدث، شيخ الإسلام، نادرة العصر، ذو التصانيف الباهرة، والذكاء المفرط) (61).
وقوله: (... ونظر في الرجال والعلل، وصار من أئمة النقد، ومن علماء الأثر مع التدين والنبالة، والذكر والصيانة، ثم أقبل على الفقه، ودقائقه، وقواعده، وحججه، والإجماع والاختلاف حتى كان يقضى منه العجب إذا ذكر مسألة من مسائل الخلاف، ثم يستدل ويرجح ويجتهد، وحق له ذلك فإن شروط الاجتهاد كانت قد اجتمعت فيه، فإنني ما رأيت أحداً أسرع انتزاعاً للآيات الدالة على المسألة التي يوردها منه، ولا أشد استحضاراً لمتون الأحاديث، وعزوها إلى الصحيح أو المسند أو إلى السنن منه، كأن الكتاب والسنن نصب عينيه وعلى طرف لسانه، بعبارة رشيقة، وعين مفتوحة، وإفحام للمخالف...) (62).
وقال: (... هذا كله مع ما كان عليه من الكرم الذي لم أشاهد مثله قط، والشجاعة المفرطة التي يضرب بها المثل، والفراغ عن ملاذ النفس من اللباس الجميل، والمأكل الطيب، والراحة الدنيوية) (63).
ومما قاله في رثائه:(106/22)
يا موت خذ من أردت أو فدع *** محوت رسم العلوم والورع
أخذت شيخ الإسلام وانقصمت *** عرى التقى واشتفى أولو البدع
غيبت بحراً مفسراً جبلاً *** حبراً تقياً مجانب الشيع
اسكنه الله في الجنان ولا *** زال علياً في أجمل الخلع
مضى ابن تيمية وموعده *** مع خصمه يوم نفخة الفزع (64)
وقال فيه: (... كان قوالاً بالحق، نهاءً عن المنكر، لا تأخذه في الله لومة لائم، ذا سطوة وإقدام، وعدم مداراة الأغيار، ومن خالطه وعرفه قد ينسبني إلى التقصير في وصفه...) (65).
وقال عنه: (... لا يؤتى من سوء فهم، بل له الذكاء المفرط، ولا من قلة علم فإنه بحر زخار، بصير بالكتاب والسنة، عديم النظير في ذلك، ولا هو بمتلاعب بالدين، فلو كان كذلك لكان أسرع شيء إلى مداهنة خصومه وموافقتهم ومنافقتهم، ولا هو ينفرد بمسائل بالتشهي.... فهذا الرجل لا أرجو على ما قلته فيه دنيا ولا مالاً ولا جاهاً بوجه أصلاً، مع خبرتي التامة به، ولكن لا يسعني في ديني ولا في عقلي أن أكتم محاسنه، وأدفن فضائله، وأبرز ذنوباً له مغفورة في سعة كرم الله تعالى....) (66).
وقال الشوكاني رحمه الله (67) (إمام الأئمة (68) المجتهد المطلق) (69).
رحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية، وأسكننا وإياه في الفردوس الأعلى من جنته (70).
منهج شيخ الإسلام في تقرير العقيدة والاستدلال عليها:
ابن تيمية رحمه الله أحد الأئمة الأعلام، الذين نشروا معتقد السلف ودافعوا عنه، وهو يعد من أكبر شُرّاح اعتقاد السلف، المستدلين لمسائله وجزئياته وتفصيلاته، ما بين رسائل صغيرة، وكتب، ومجلدات ضخمة، ولا يكاد القارئ لكتب ابن تيمية رحمه الله يقرأ في كتاب من كتبه التي ألفها في العلوم الأخرى إلا ويجد داخل هذه الكتب بحوثاً نفيسة في الاعتقاد، لما يرى من أهمية نشر الاعتقاد الحق، وبثّه بوسائل مختلفة وطرق شتى.(106/23)
إن ابن تيمية رحمه الله الذي جدد للأمة عقيدتها في القرن الثامن الهجري لم يكن ينصر نحلة معينة، أو يؤيد مذهباً وطريقة غير طريقة السلف الصالح التي معتمدها كلام الله سبحانه وتعالى وكلام رسوله صلّى الله عليه وسلّم، وقد صرّح رحمه الله بهذا في مواضع متعددة من كتبه، فمما قاله حين نوظر؛ لأجل العقيدة الواسطية:
(مع أني في عمري إلى ساعتي هذه لم أدع أحداً قط في أصول الدين إلى مذهب حنبلي وغير حنبلي، ولا انتصرت لذلك، ولا أذكره في كلامي، ولا أذكر إلا ما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها) (71).
وقد كان رحمه الله يركز على الاعتقاد؛ لأن أمره خطير عظيم، ولذا لما التمس منه تلميذه البزار (ت - 749هـ) أن يؤلف نصاً في الفقه يجمع فيه اختياراته وترجيحاته، ويكون عمدة في الإفتاء بيّن له ابن تيمية رحمه الله أن الفروع أمرها قريب، بخلاف الأصول، إذ كثير من أهل الأهواء الذين أسسوا الطوائف والفرق الضالة، كان قصدهم إبطال الشريعة، فأوقعوا الناس في التشكيك في أصول دينهم.
ولذا قال رحمه الله: (فلما رأيت الأمر على ذلك بان لي أنه يجب على كل من يقدر على دفع شبههم وأباطيلهم، وقطع حجتهم وأضاليلهم أن يبذل جهده ليكشف رذائلهم....) (72).
إلى أن قال: (فهذا ونحوه هو الذي أوجب أني صرفت جُلّ همي إلى الأصول، وألزمني أن أوردت مقالاتهم، وأجبت عنها بما أنعم الله تعالى به من الأجوبة العقلية والنقلية) (73).
وسأحاول تلمس أبرز معالم منهجه في تقرير العقيدة - إجمالاً -، ثم أبرز معالم منهجه رحمه الله في الاستدلال عليها بشيء من الاختصار.
أما منهجه في تقرير العقيدة فيمكن أن يتضح من معالم متعددة أبرزها:(106/24)
1 - تعظيم نصوص الشريعة، وإجلالها، والصدور عنها، لقول الله - تبارك وتعالى -: { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً } [النساء: 65] .
وقال سبحانه وتعالى: { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [النور: 63] .
وقد وصف رحمه الله أهل العلم والإيمان بأنهم (يجعلون كلام الله وكلام رسوله هو الأصل الذي يعتمد عليه، وإليه يرد ما تنازع الناس فيه، فما وافقه كان حقاً، وما خالفه كان باطلاً) (74).
وجعل رحمه الله من طريقة أهل السنة والجماعة: (اتباع آثار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم باطناً وظاهراً، واتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار.... ويعلمون أن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلّى الله عليه وسلّم، ويؤثرون كلام الله على كلام غيره من كلام أصناف الناس...) (75).
فهذه هي طريقته، وهذا هو منهجه: تعظيم النصوص، من الكتاب والسنة، بوجود مهابتها في النفس، والتسليم لها، واستنباط الحكم الشرعي منها وفق القواعد المرعية عند أهل العلم بها.
2 - دعم النصوص الشرعية، وتأييدها بأقوال سلف الأمة، وعلمائها المعتبرين، ويظهر هذا الأمر من إكثار ابن تيمية رحمه الله من النقل عنهم، وجعل أقوالهم حجة يستند إليها في توضيح النص وبيانه.
وقد أخذ ابن تيمية رحمه الله على نفسه أن لا يقول بقول إلا وهو مسبوق إليه، فلا ينفرد بقول لم يقل به أحد قبله، فضلاً عن مخالفة إجماع المسلمين في أي مسألة من المسائل.(106/25)
قال رحمه الله عن نفسه: (..أن المجيب - ولله الحمد - لم يقل قط في مسألة إلا بقول سبقه إليه العلماء، فإن كان قد يخطر له ويتوجه له فلا يقوله وينصره إلا إذا عرف أنه قد قاله بعض العلماء.. فمن كان يسلك هذا المسلك كيف يقول قولاً يخرق به إجماع المسلمين، وهو لا يقول إلا ما سبقه إليه علماء المسلمين) (76).
وهو رحمه الله يسلك هذا المنهج؛ لأنه يرى أن الحق دائماً مع السنة والآثار الصحيحة، فحين تحدث رحمه الله عن السلف قال: (الصواب معهم دائماً، ومن وافقهم كان الصواب معه دائماً لموافقته إياهم، ومن خالفهم فإن الصواب معهم دونه في جميع أمور الدين، فإن الحق مع الرسول، فمن كان أعلم بسنته، وأتبع لها كان الصواب معه، وهؤلاء هم الذين لا ينتصرون إلا لقوله، ولا يضافون إلا إليه، وهم أعلم الناس بسنته وأتبع لها) (77).
وبين رحمه الله أن كلام السلف مؤتلف غير مختلف، فلا يتعارض؛ لوحدة المنهج والمصدر، فإذا اجتمع بعضه إلى بعض زال الإشكال الوارد في الأذهان، ولذا حين تحدث رحمه الله عن بعض مسائل الصفات قال: (فكلام أئمة السنة والجماعة كثير في هذا الباب، متفق غير مختلف، وكله صواب، ولكن قد يبين بعضهم في بعض الأوقات ما لا يبينه غيره لحاجته في ذلك) (78).
وقال رحمه الله مثنياً على كلام السلف، وموافقته النصوص: (ومن تدبر كلام أئمة السنة المشاهير في هذا الباب علم أنهم كانوا أدق الناس نظراً، وأعلم الناس في هذا الباب بصحيح المنقول، وصريح المعقول، وأن أقوالهم هي الموافقة للمنصوص والمعقول، ولهذا تأتلف ولا تختلف، وتتوافق ولا تتناقض، والذين خالفوهم لم يفهموا حقيقة أقوال السلف والأئمة، فلم يعرفوا حقيقة المنصوص والمعقول، فتشعبت بهم الطرق، وصاروا مختلفين في الكتاب، مخالفين للكتاب) (79).(106/26)
ثم ذكر قول الله - تبارك وتعالى -: { وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } [البقرة: 176] ، ولذا فإن المعطلة النفاة لا يجدون نصاً واحداً من نصوص السلف والأئمة يؤيد قولهم وينصره، بل أقوال السلف متفقة متحدة على بيان القول الحق قول أهل السنة والجماعة، ورد مذاهب الضلال، وسبل أهل الغواية (80)، وصرّح رحمه الله في أن المادة العلمية، والترجيحات المرضية في المسائل العقدية المذكورة في كتبه إنما هي من كتب أئمة السلف، ولم يكتف بهذا الإجمال، بل ذكر هذه الكتب في مواضع متعددة من كتبه ورسائله العقدية (81)، ومن الكتب التي كان يعتمد عليها: كتب السنة والرد على الجهمية لجمع من السلف، ومنهم عبد الله بن محمد الجعفي (82) ، والدارمي (83)، وعبد الرحمن بن أبي حاتم (84)، وعبد الله بن الإمام أحمد (85)، وأبو بكر بن الأثرم (86)، وحنبل بن إسحاق (87)، والخلال (88)، والإمام الطبري (89)، وابن أبي زمنين (90)، وابن منده (91)، وأبو حفص بن شاهين (92)، وأبو ذر الهروي (93)، وأبو داود السجستاني (94)، وابن أبي عاصم (95).
وكذلك التوحيد لابن خزيمة (96)، والشريعة للآجري (97)، والإبانة لابن بطة (98)، وشرح أصول السنة للالكائي (99)، واعتقاد السلف أصحاب الحديث للصابوني (100).
إضافة إلى كتب التفاسير المعتمدة التي تنقل تفاسير السلف كتفسير عبد الرزاق (101)، وعبد بن حميد ، وغيرهما، وكذلك الكتب المؤلفة في السنة التي تنقل أقوال الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وآثار السلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم.
3 - تقرير العقيدة بأسلوب ميسر، وعبارات واضحة، مدعماً ما يقول بما يتيسر من آيات الكتاب العزيز، والسنة النبوية المطهّرة، ثم بعض أقوال السلف في فهمهم لنصوص الوحيين لهذه المسألة المطروحة.
ويحسن التنبيه إلى أن كتب الاعتقاد التي ألفها تنقسم ثلاثة أقسام:(106/27)
أ - كتب تعنى بعرض اعتقاد السلف من الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة دون ذكر للشُبه، مثل العقيدة الواسطية.
ب - وكتب تعنى بالرد على شبه المخالفين، ومناقشتها، سواء كان المخالفون من الملل الأخرى كالنصارى في رده عليهم في (الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح)، أو كانوا من المنتسبين إلى الإسلام من الفرق الإسلامية ككتابه (بيان تلبيس الجهمية) وكتابه (درء تعارض العقل والنقل) وغيرهما.
جـ - وكتب تجمع بين العرض والرد، فيذكر مسائل الاعتقاد، وأقوال السلف فيها، ثم يذكر الشبه ومناقشتها من كلام السلف وتعليقه عليها كالحموية، وعلى سبيل المثال مما قرّره ابن تيمية رحمه الله في الاعتقاد بوضوح قوله في العقيدة الواسطية: (هذا اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة - أهل السنة والجماعة - وهو الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والبعث بعد الموت، والإيمان بالقدر خيره وشره.
ومن الإيمان بالله: الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه، وبما وصفه به رسوله محمد صلّى الله عليه وسلّم، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، بل يؤمنون بأن الله سبحانه: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [الشورى: 11] ... وهو سبحانه قد جمع فيما وصف وسمى به نفسه بين النفي والإثبات، فلا عدول لأهل السنة والجماعة عما جاء به المرسلون، فإنه الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين) (102).(106/28)
وقال رحمه الله: (ومن الإيمان باليوم الآخر: الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلّى الله عليه وسلّم مما يكون بعد الموت فيؤمنون بفتنة القبر، وبعذاب القبر وبنعيمه... إلى أن تقوم القيامة الكبرى، فتعاد الأرواح إلى الأجساد، وتقوم القيامة التي أخبر الله بها في كتابه، وعلى لسان رسوله، وأجمع عليها المسلمون، فيقوم الناس من قبورهم لرب العالمين... وتنصب الموازين، فتوزن فيها أعمال العباد: { فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ } [المؤمنون: 102، 103] ، وتنشر الدواوين - وهي صحائف الأعمال - فآخذ كتابه بيمينه، وآخذ كتابه بشماله، أو من وراء ظهره... وأصناف ما تضمنته الدار الآخرة من الحساب، والثواب والعقاب، والجنة والنار، وتفاصيل ذلك مذكورة في الكتب المنزلة من السماء...) (103).
وقال عن الإيمان: (ومن أصول أهل السنة: أن الدين والإيمان قول وعمل: قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح، وأن الإيمان يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية...) (104).
وعن الصحابة قال رحمه الله: (ومن أصول أهل السنة والجماعة: سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، كما وصفهم الله به في قوله تعالى: { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ } [الحشر: 10] ... ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائلهم ومراتبهم) (105).(106/29)
وذكر أموراً من اعتقاد أهل السنة والجماعة: كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الحج والجهاد، والجمع والأعياد مع الأمراء، والنصح للأمة، والصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء، والرضا عند القضاء، وأن أهل السنة يدعون إلى مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال (106).
وذكر أن أهل السنة والجماعة يندبون إلى أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك، ويأمرون ببر الوالدين، وصلة الأرحام، وحسن الجوار، والإحسان إلى اليتامى والمساكين وابن السبيل، والرفق بالمملوك، وينهون عن الفخر والخيلاء والبغي، والاستطالة على الخلق بحق أو بغير حق، ويأمرون بمعالي الأخلاق، وينهون عن سفسافها (107).
وهذا العرض لاعتقاد السلف كله واضح ميسر، لم يتعمد الغريب من الكلمات، أو الإيغال في المصطلحات الكلامية وغيرها، بل قرر ذلك كله بعبارات واضحة، وجمل موجزة.
4 - شمولية عرض العقيدة وتقريرها في كتبه رحمه الله، وذلك لربطه بعض القضايا ببعض، ولكثرة إنتاجه العقدي، فلا تكاد تجد مسألة من مسائل الاعتقاد إلا وله رحمه الله إسهام واضح فيها، بدءاً بأركان الإيمان الستة على وجه التفصيل، وتقرير أنواع التوحيد الثلاثة والاستدلال لها، إضافة إلى المسائل المتعلقة بالاعتقاد مثل: الاعتقاد الحق في صحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكرامات الأولياء، واعتقاد أهل السنة والجماعة في ولاة الأمور، ووجوب طاعتهم، وتحريم الخروج عليهم، إلى غير ذلك من مسائل الاعتقاد التي بثها رحمه الله في تضاعيف كتبه، ويكفي في معرفة ذلك النظر في الأجزاء الأولى من مجموع فتاواه فهي دواوين كبيرة لشرح معتقد السلف والاستدلال له.(106/30)
وقد كان تركيزه رحمه الله على توحيد الألوهية كبيراً؛ ذلك أنه أصل دعوة الرسل، وسبب إنزال الكتب، فبيّن رحمه الله أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قد اعتنى بتقرير هذا التوحيد، وحماية جنابه (108)، ويظهر اهتمام ابن تيمية رحمه الله وحرصه على توحيد الألوهية ما ألفه في هذا الجانب، فقد بلغت مؤلفات عدة كلها في تقرير هذا التوحيد وبيانه، والدفاع عنه، إضافة إلى استطراداته عن توحيد الألوهية في كتبه الأخرى، ورسائله الصغيرة التي تعنى بتقرير هذا التوحيد.
ومن مؤلفاته رحمه الله في تقرير هذا التوحيد:
أ - قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة.
ب - الرد على البكري (109).
جـ - الرد على الأخنائي (110).
د - قاعدة عظيمة في الفرق بين عبادات أهل الإسلام والإيمان، وعبادات أهل الشرك والنفاق.
هـ - الجواب الباهر في زوار المقابر.
وقد وُجدت بحوث طيبة في بعض كتبه عن توحيد الألوهية، مثل: اقتضاء الصراط المستقيم، والتدمرية، والصارم المسلول، وغيرها، وهناك فتاوى متعددة جُمعت في الجزء الأول من مجموع الفتاوى.
5 - حين يقرر ابن تيمية رحمه الله معتقد السلف يركز على منهج الوسطية عند أهل السنة والجماعة، وذلك لقول الحق - تبارك وتعالى -: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً } [البقرة: 143] ، وهذا منهج كامل في أمور الاعتقاد كلها، بل في جميع الأمور، كما قال رحمه الله عن أهل السنة والجماعة: (هم الوسط في فرق الأمة، كما أن الأمة هي الوسط في الأمم، فهم وسط في باب صفات الله بين أهل التعطيل الجهمية (111)، وأهل التمثيل المشبهة (112).
وهم وسط في باب أفعال الله تعالى: بين القدرية (113)، والجبرية (114).
وفي باب وعيد الله: بين المرجئة (115)، والوعيدية من القدرية وغيرهم.
وفي باب أسماء الإيمان والدين: بين الحرورية (116)، والمعتزلة (117)، وبين المرجئة والجهمية.(106/31)
وفي أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: بين الروافض (118)، والخوارج (119) ) (120).
وأهل السنة والجماعة وسط في باب محبة الأنبياء بين من يغلو في حبهم، ويعظمهم كتعظيم الله، ويرى أن لهم تصرفاً ببعض أمور الكون، وبين من يفرّط في حقهم، ويغمطهم، ويرى أن بعض الناس أفضل منهم، وهذا موجود في طوائف من الصوفية.
ومن الأمثلة على الوسطية، وتقريرها عند ابن تيمية رحمه الله ما ذكره عن وسطية أهل السنة والجماعة في صفات الله عزّ وجل: (ومذهب السلف بين مذهبين، وهدى بين ضلالتين: إثبات الصفات، ونفي مماثلة المخلوقات، فقوله تعالى: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [الشورى: 11] ، رد على أهل التشبيه والتمثيل، وقوله: { وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [الشورى: 11] ، رد على أهل النفي والتعطيل، فالممثل أعشى، والمعطل أعمى: الممثل يعبد صنماً، والمعطل يعبد عدماً) (121).
6 - التسليم للغيبيات، وتفويض كيفياتها إلى الله عزّ وجل: وهذا موافق للكتاب والسنة، ولما عليه سلف الأمة، فقد جعل الله من صفات المتقين قوله: { الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة: 3] ، ومن تمام إيمانهم بالغيب أنهم يفوضون ما لا يعلمونه مما لم يرد به النص إلى عالمه وخالقه.
وقد قال عزّ وجل: في تمام التسليم للأوامر الشرعية، ولو لم تظهر لنا حكمتها: { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً } [النساء: 65] .
وقال الإمام الشافعي (122)رحمه الله (آمنت بما جاء عن الله على مراد الله، وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) (123).(106/32)
ويقرر ابن تيمية رحمه الله مسلك التسليم، وتفويض الكيفيات في الغيبيات سواء كانت من الصفات، أم من أمور الآخرة مما لم يرد نص في تحديد كيفياتها، وهذا هو حال المؤمنين، يقول رحمه الله: (كل ما فعله علمنا أن له فيه حكمة، وهذا يكفينا من حيث الجملة، وإن لم نعرف التفصيل، وعدم علمنا بتفصيل حكمته بمنزلة عدم علمنا بكيفية ذاته... وعدم علمنا بالحكمة في بعض الجزئيات لا يقدح فيما علمناه من أصل حكمته) (124).
وقال - أيضاً - في التدمرية: (القاعدة الثانية: أن ما أخبر به الرسول عن ربه عزّ وجل فإنه يجب الإيمان به، سواء عرفنا معناه، أو لم نعرف؛ لأنه الصادق المصدوق فما جاء في الكتاب والسنة وجب على كل مؤمن الإيمان به وإن لم يفهم معناه) (125).
وأما منهج ابن تيمية رحمه الله في الاستدلال على اعتقاد السلف: فمما ينبغي التنويه إليه قبل ذكر المنهج أن أبين أن مصادر التلقي في الاعتقاد عنده هي الكتاب والسنة، فالعقيدة توقيفية يعتمد فيها على الوحي والنقل لا على الأهواء والعقول، كما قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ } [النساء: 59] .
وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ} [الحجرات: 1] .
وقال سبحانه وتعالى: { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا } [آل عمران: 103] ، إلى غيرها من الآيات.
يقول ابن تيمية رحمه الله: (أصل جامع في الاعتصام بكتاب الله ووجوب اتباعه وبيان الاهتداء به في كل ما يحتاج إليه الناس من دينهم. وأن النجاة والسعادة في اتباعه، والشقاء في مخالفته) (126)، وقال عن الأصل الثاني (فصل في أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيّن جميع الدين أصوله وفروعه، باطنه وظاهره، علمه وعمله، فإن هذا الأصل هو أصل أصول العلم والإيمان) (127).(106/33)
ولأجل معرفة معالم منهج ابن تيمية رحمه الله في الاستدلال للعقيدة يحسن ذكر النقاط التالية:
1 - وجوب رد التنازع إلى الكتاب والسنة، والإذعان لهما، والسمع والطاعة لأمرهما، واجتناب نهيهما، كما قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } [النساء: 59] .
وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } [الأنفال: 24] .(106/34)
وقال سبحانه وتعالى: { إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور: 51] ، وقال سبحانه وتعالى: { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً } [النساء: 65] ، وقال: { بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً} [النساء: 60، 61] ، وقد بيّن ابن تيمية رحمه الله وجوب رد التنازع إلى الله ورسوله، وأن من لم يتحاكم إليهما فهو دليل على ضلاله ونفاقه، وأن الأمة لا تجتمع إلا على هذين المصدرين، وأنه يلزم لمن لم يتحاكم إليهما أن لا يكونا هدى للناس، ولازم ذلك أن يكون ترك الناس بلا رسالة خيراً لهم منها (128).
2 - نفي التعارض بين نصوص الكتاب ونصوص السنة: فهما وحي من الله عزّ وجل كما قال سبحانه: { وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4] ، وقال عزّ وجل: { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ } [الزمر: 23] ، وقال: { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً } [النساء: 82] ، وبين ابن تيمية رحمه الله أن كلام الله متشابه متماثل، يصدق بعضه بعضاً، فإذا أمر بأمر لم يأمر بنقيضه في موضع آخر، وإذا نهى عن شيء لم يأمر به في موضع آخر، بل ينهى عنه.(106/35)
وكذلك إذا أخبر بثبوت شيء لم يخبر بثبوت نقيض ذلك، وإذا أخبر بنفي شيء لم يثبته بل ينفيه، أو ينفي لوازمه (129).
وقد بيّن رحمه الله أن النصوص لا تتعارض في نفس الأمر، إلا في الأمر والنهي إذا كان أحدهما ناسخاً، والآخر منسوخاً، وأما الأخبار فلا يجوز تعارضها.
وأما إذا تعارض عند أحد خبران أو أمران أحدهما عام والآخر خاص، وقُدّم الخاص على العام، فإنه يعلم أن ذلك ليس بتعارض في الحقيقة.
وإذا كان في كلام الله ورسوله كلام مجمل أو ظاهر قد فُسر معناه أو بينه كلام آخر متصل به، أو منفصل عنه، لم يكن في هذا خروج عن كلام الله ورسوله، ولا عيب في ذلك ولا نقص... (130).
3 - نفي التعارض بين نصوص الشرع وبين العقل: وهذا الموضوع قد أسهب في بيانه ابن تيمية رحمه الله عرضاً ورداً، بل يمكن القول: إن أكثر مناقشاته للمتكلمين كانت في بيان هذه المنهجية الفاصلة بين أهل السنة وبين مخالفيهم، وقد أوضح رحمه الله أن معارضة القرآن بمعقول أو قياس ليس من فعل السلف. ولم يكونوا يستحلونه، وإنما ابتدع ذلك لما ظهرت الجهمية والمعتزلة ونحوهم (131).
ويحيل رحمه الله وجود تعارض بين النص الصحيح، والعقل الصريح؛ لأن هذا لا يمكن، فالنص الصحيح موافق للعقل الصريح، وكذلك العكس، يقول رحمه الله (وهذه حال المؤمنين للرسول، الذين علموا أنه رسول الله الصادق فيما يخبر به، يعلمون من حيث الجملة أن ما ناقض خبره فهو باطل، وأنه لا يجوز أن يعارض خبره دليل صحيح لا عقلي ولا سمعي) (132) ، وقد فصّل رحمه الله هذا الموضوع في درء تعارض العقل والنقل، وبيان تلبيس الجهمية، وكثير من كتبه الأخرى.(106/36)
4 - الأخذ في أبواب الاعتقاد بظواهر النصوص. والمراد بالظاهر هو: ما يتعرف إليه الذهن من المعاني على معناها الظاهر، وأنه ليس لها معنى باطن يخالف ظاهرها، وقد نبّه شيخ الإسلام رحمه الله إلى أن بعض النفاة يستخدمون الألفاظ المعروفة في غير معانيها، فيصرفونها عن حقيقتها، ومن هذه الألفاظ لفظة: (الظاهر) فيجعلون ظواهر النصوص غير مرادة؛ لأنها تقتضي - بزعمهم - التجسيم والتشبيه، وبيّن خطأهم في اللفظ والمعنى (133).
قال رحمه الله: (ومن قال: إن ظاهر شيء من أسمائه وصفاته غير مراد فقد أخطأ؛ لأنه ما من اسم يسمى الله تعالى به إلا والظاهر الذي يستحقه المخلوق غير مراد به، فكأن قول هذا القائل يقتضي أن يكون جميع أسمائه وصفاته قد أريد بها ما يخالف ظاهرها، ولا يخفى ما في هذا الكلام من الفساد) (134).
وعلى هذا فإن الواجب هو الأخذ بظواهر النصوص في باب الاعتقاد، واعتقاد أنها هي المرادة؛ لأن المتكلم بهذه النصوص أعلم بمراده من غيره، وقد خاطبنا - سبحانه - باللسان العربي المبين: { نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} [الشعراء: 193 - 195] ، فوجب قبوله على ظاهره، وأن المعنى الظاهر المتبادر إلى الذهن هو المراد (135).(106/37)
ويتبع القول بالأخذ بظواهر النصوص: النهي عن التأويل المحدث عند المتأخرين الذي يصرفون فيه حقائق النصوص إلى غيرها، هروباً من الأخذ بظواهر النصوص إلى صرفها عن ظاهرها لمعنى آخر بدون قرينة تدل عليه، ففي نصوص الصفات أوّل المتكلمون هذه النصوص؛ خشية التشبيه بالمخلوقات، فوقعوا في تشبيه أشد منه وهو التشبيه بالمعدومات أو الممتنعات، يقول رحمه الله: (أما التأويل بمعنى صرف اللفظ عن مفهومه إلى غير مفهومه فهذا لم يكن هو المراد بلفظ التأويل في كلام السلف، وكان السلف ينكرون التأويلات التي تخرج الكلام عن مراد الله ورسوله، التي هي من نوع تحريف الكلم عن مواضعه، فكانوا ينكرون التأويل الباطل الذي هو التفسير الباطل) (136).
5 - الأخذ بأحاديث الآحاد في باب الاعتقاد: خبر الواحد يفيد العلم عند أهل السنة والجماعة إذا صحّ عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ويتلقى بالقبول، ويعمل به بدون تفريق بين العقائد وبين الأحكام التشريعية الفقهية، ومن الأدلة على قبول خبر الواحد، قول الله سبحانه وتعالى: { وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } [التوبة: 122] ، وحين أراد النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يرسل إلى اليمن من يدعوهم إلى الإسلام أرسل إليهم معاذ بن جبل (137)، وقال: (ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله...) (138)، وبه قامت الحجة على أهل اليمن وهو واحد (139).(106/38)
وبيّن ابن تيمية رحمه الله مواقف بعض العلماء من الاستدلال بالسنة المتواترة وغيرها، ثم يرجح أحدها فيقول: (وأئمة أهل السنة والحديث - من أصحاب الأئمة الأربعة وغيرهم - يثبتون الصفات الخبرية، لكن منهم من يقول: لا نثبت إلا ما في القرآن والسنة المتواترة، وما لم يقم دليل قاطع على إثباته نفيناه، كما يقوله ابن عقيل (140) وغيره أحياناً (على اختلاف في قوله) (141)، ومنهم من يقول: بل نثبتها بأخبار الآحاد المتلقاة بالقبول، ومنهم من يقول: نثبتها بالأخبار الصحيحة مطلقاً، ومنهم من يقول: يعطى كل دليل حقه، فما كان قاطعاً في الإثبات قطعنا بموجبه، وما كان راجحاً - لا قطعاً - قلنا بموجبه، فلا نقطع في النفي والإثبات إلا بدليل يوجب القطع، وإذا قام دليل يرجح أحد الجانبين بيّنا رجحان أحد الجانبين، وهذا أصح الطرق) (142).
وقال رحمه الله: (مذهب أصحابنا أن الأخبار الآحاد المتلقاة بالقبول تصلح لإثبات أصول الديانات) (143).
وبهذا يتضح أن ابن تيمية رحمه الله تعالى يوافق منهج أهل السنة والجماعة في تقرير مسائل الاعتقاد، وفي الاستدلال عليها، وأنه أحد علماء هذا المنهج، وأحد شُرّاحه على وفق ما أراده الله ورسوله (144).
المبحث الأول
المناوئون لشيخ الإسلام
المطلب الأول
أقسام المناوئين
المناوأة: المعاداة والمناهضة، يقال: ناوأت الرجل نِواءً ومناوأةً إذا عاديته، وأصله من ناء إليك، ونؤتَ إليه: إذا نهضتما، ومنه حديث: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على من ناوأهم»(1) ، وحديث الخيْل: «ورجلٌ ربطها فخراً ورياءً ونواءً لأهل الإسلام»(2) ، وبهذا تكون المناوأة بمعنى العداوة والمناهضة (3).
وأعداء ابن تيمية رحمه الله كُثرٌ، من عصره إلى هذا العصر، وغالبهم أعداء عقيدة السلف الصالح، ولذا نجد أكثر الدعاوى التي ينقمونها على شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في أمور الاعتقاد، وما يتصل بها مثل منهج التلقي والاستدلال عليها.(106/39)
إن الناظر في أحوال المناوئين لابن تيمية رحمه الله يجد صعوبة في تقسيمهم إلى أقسام ينفصل بعضها عن البعض الآخر؛ ذلك أن بعض المناوئين يشترك في عدائه لابن تيمية رحمه الله في أكثر من جهة وقسم، فيدخل تحت هذا القسم من المناوئين لأمر، ويدخل تحت قسم آخر من المناوئين لأمر آخر، فعلى سبيل المثال بعض الفقهاء الذين واجهوا ابن تيمية رحمه الله وصارحوه بالعداء، يعتقدون مذهب الأشاعرة (4).
وطوائف كثيرة من الأشاعرة يسلكون مسلك التصوف، فمن كانت هذه حاله من أعداء ابن تيمية فهو يدخل في هذه الأقسام الثلاثة كلها - أي الفقهاء، والأشاعرة، والصوفية -، ولكن التقسيم تقريبي، إذ المقصود وضع ترتيب فني لهم، ومعرفة الجهات التي كان يعاني منها ابن تيمية رحمه الله ويكابد مشقة إصرارها وتعنتها أمام كلمة الحق.
وفي الجملة فإن أهل الباطل قد تناصروا على ابن تيمية رحمه الله، ورموه من قوس واحدة بالعداء، يبيّن ذلك تلميذ ابن تيمية رحمه الله البار أبو حفص البزار (ت - 749هـ) رحمه الله عن معايشة وقرب، بكلام مؤثر نفيس إذ يقول:(106/40)
(ولم يزل المبتدعون أهل الأهواء، وآكلوا الدنيا بالدين، متعاضدين، متناصرين في عدوانه، باذلين وسعهم بالسعي في الفتك به، متخرصين عليه الكذب الصراح، مختلقين عليه، وناسبين إليه ما لم يقله ولم ينقله، ولم يوجد له به خط، ولا وجد له فيه تصنيف ولا فتوى، ولا سمع منه في مجلس، أتراهم ما علموا أن الله سائلهم عن ذلك ومحاسبهم عليه؟ أو ما سمعوا قول الله تعالى: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [ق: 16 - 18] ، بلى والله، ولكن غلب عليهم ما هم فيه من إيثار الدنيا على الآخرة، والعمل للعاجلة دون الآجلة، فلهذا حسدوه وأبغضوه، لكونه مباينهم ومخالفهم) (5).
إن أعداء ابن تيمية رحمه الله يمكن تصنيفهم وتقسيمهم إلى أقسام منها:
أولاً: الفقهاء والقضاة: فقد كان كثير من فقهاء المذاهب في عصره مقلدة، يرون الخروج عن أقوال أئمة مذاهبهم جرماً يؤاخذ عليه فاعله، وقد أفتى ابن تيمية رحمه الله في مسألة الطلاق بفتاوى لم يكن يُفتى بها في ذلك العصر ومن هذه الفتاوى:(106/41)
مسألة الحلف بالطلاق: إذا قصد الحالف به اليمين فإنه لا يقع طلاقاً، ومسألة الطلاق بالثلاث وأنه لا يقع إلا طلقة واحدة، وأن الطلاق المحرم لا يقع، وقد ألف رحمه الله في نصرة هذا القول مؤلفات عدة (6)، وفتاوى متعددة (7)، وعظم الأمر على بعض الفقهاء حين أفتى ابن تيمية رحمه الله بهذه الفتوى التي سارت في البلدان سير النار في الهشيم، وذلك لجلالة قدر شيخ الإسلام رحمه الله وقبوله لدى الناس (8)، فكُلم أحد قضاة الحنابلة أن يقنع ابن تيمية رحمه الله بالعدول عن هذه الفتوى، فكلّمه في يوم الخميس، منتصف شهر ربيع (9)، من سنة (718هـ)، فقبل ابن تيمية رحمه الله نصيحة القاضي؛ وذلك لعلمه أنه إنما قال له هذا القول يقصد به ترك ثوران فتنة وشر.
ولما كان يوم السبت، مستهل جمادى الأولى من السنة نفسها جاء بريد من السلطان يمنع الفتوى في مسألة الحلف بالطلاق، ثم عقد مجلس يوم الاثنين إثر ذلك المرسوم، وانفصل الأمر على ما أمر به السلطان.
لكن ابن تيمية رحمه الله عاد إلى الإفتاء بهذه المسألة تأثماً، خشية كتمان العلم، واستمر رحمه الله يفتي في هذه المسألة حتى كان يوم الثلاثاء منتهى رمضان سنة (719هـ) حيث جُمع القضاة والفقهاء عند نائب السلطنة بدار السعادة، وقُرئ عليهم كتاب السلطان، وأُحضر الشيخ وعوتب على فتياه بعد المنع، وأُكد عليه في المنع من ذلك.(106/42)
ولما كان يوم الخميس الثاني والعشرين من شهر رجب سنة (720هـ) عُقد له رحمه الله مجلس آخر في دار السعادة، حضره النائب، والقضاة، وجماعة من المفتين، وحضر الشيخ، وعاودوه في مسألة الطلاق والإفتاء فيها، وعاتبوه على ذلك، حتى صدر قرار بحبسه في القلعة، فحبس فيها خمسة أشهر، وثمانية عشر يوماً، أي إلى يوم عاشوراء من السنة التي تليها (721هـ) حيث ورد مرسوم بإخراجه، فخرج بهذا المرسوم وتوجه إلى داره (10)، فهذه الفتوى أوجدت متنفساً لأصحاب الأغراض الشخصية، من حساد ابن تيمية رحمه الله من الفقهاء في أن ينتقموا منه، ويحاكموه، وأن يسعوا في سجنه في مسألة علمية المرجع فيها إلى الدليل، وحسن الاستدلال.
وثمة حادثة أثارت حفيظة كثير من الفقهاء في عصره، وسببت من العداوات والحسد عليه أموراً كثيرة؛ ذلك أنه كثير العلم، وصاحَبَ ذلك أمرٌ بمعروف ونهيٌ عن منكر، وجرأة في ذلك، فلا يخاف في الله لومة لائم. وقد حسده الفقهاء إذ لم ينالوا ولم يدركوا ما أدركه ووصل إليه، فقد أخبر ابن كثير (ت - 774هـ) رحمه الله أن السلطان الملك الناصر (ت - 741هـ) ، لما رجع إلى الملك مرة ثانية كان همه في طلب الشيخ ورؤيته، فلما تقابلا اعتنقا هنيهة، ثم أخذ معه ساعة يتحدثان وكان من حديثهما: أن طلب الملك الناصر من ابن تيمية رحمه الله أن يفتي في قتل بعض القضاة بسبب ما تكلموا فيه، وحثه على ذلك، إلا أن ابن تيمية رحمه الله أخذ في تعظيم هؤلاء القضاة والعلماء، وبيان مكانتهم، وينكر أن ينال أحداً منهم بسوء، وقال له: إذا قتلت هؤلاء لا تجد بعدهم مثلهم، ومن آذاني فهو في حل وأنا لا أنتصر لنفسي (11).(106/43)
وبعد هذا الحوار انتقلا إلى المجلس العام حيث كان يجلس جمع كبير من الفقهاء والقضاة من مصر والشام فتكلم الوزير في أمر أهل الذمة، وطلبهم أن يعودوا إلى الزي الذي كانوا يلبسونه مثل سائر الناس، وترك الزي الذي أُلزموا به لتميزهم عن غيرهم، فسكت الملك كأنه يريد من الفقهاء والقضاة إبداء الرأي، وسكت الناس بما فيهم الفقهاء والقضاة فلم يتكلم أحد، فقال لهم السلطان: ما تقولون؟ يستفتيهم في ذلك، فلم يتكلم أحد. ثم جثى شيخ الإسلام على ركبتيه، وتكلم مع السلطان بكلام طويل، ورد على الوزير ما قاله رداً عنيفاً، وتكلم بما لا يستطيع أحد في المجلس أن يقوم بمثله، ولا بقريب منه (12)، فهذه الحوادث وغيرها أثارت بعض من كان في قلبه غل وحسد على ابن تيمية رحمه الله، وتكدّرت عليهم حياتهم أن يروا ابن تيمية رحمه الله تزداد مكانته بين الناس، ويرتفع شأنه عند السلطان، وتسمع كلمته فتقبل عند ولاة الأمور، نعوذ بالله من الغل والحسد.
ثانياً: أهل الكلام (13): لقد كان ابن تيمية رحمه الله مثالاً للعالم الذي كان همه هو الدفاع عن عقيدة السلف، والإجابة عن الشبهات الموجهة إليها، وقبل ذلك عرض معتقد السلف بأسلوب ميسر سهل التناول، عن طريق المصادر الأساسية للتلقي في الاعتقاد وهي الكتاب والسنة، ثم أقوال سلف الأمة الموافقة للوحي، الشارحة له.(106/44)
ولكن لم يطب هذا الصنيع لمن كان رحمه الله يهدم بنيانهم من القواعد من أهل الكلام، وأعداء عقيدة السلف، إذ كان يناقشهم مرة في منهجهم في التلقي، وموقفهم من مصادر الاستدلال الصحيحة، ويناقشهم في مصادرهم التي اعتمدوها بديلة أو أساساً، يكون القرآن وتكون السنة تابعة لها كالعقل، ويناقشهم في منهجيتهم في الاستدلال كموقفهم من الأخذ بأخبار الآحاد في الاعتقاد، أو تأويل النصوص، أو تفويضها، ويناقشهم - أيضاً - في المسائل المخالفة لعقيدة السلف - عندهم - وهي المترتبة على الأساس الفاسد عندهم في التلقي، ويناقشهم في جزئيات كثيرة في عقائدهم... أقول: لم يطب هذا الصنيع لهم، فما كان منهم إلا أن ألبوا عليه، وأجلبوا عليه بخيلهم ورجلهم، ووشوا به عند السلاطين، وافتروا عليه الكذب، وسعوا في تغيير صورته عند الناس بتحميل كلامه ما لا يحتمل، حتى وقعت له رحمه الله محن كثيرة، أوذي بسببها، وسجن، بعد ما عقدت له مجالس، ومناقشات تكون النصرة له رحمه الله فيها، وكثرت المجالس وطالت سنوات عدة في النقاش بين مذهب السلف ويمثله ابن تيمية رحمه الله ومذهب المتكلمين ويمثله بعض القضاة والفقهاء، يعود بعضهم إلى الحق، ويعاند آخرون ويصرون على الباطل بعد بيان الحجة، واتضاح المحجة.(106/45)
وقد امتحن رحمه الله، لأجل تأليفه (العقيدة الحموية)، وتحزب عليه أهل الكلام من المبتدعة، وذلك سنة (698هـ) (14)، ويذكر ابن عبد الهادي (ت - 744هـ) رحمه الله ما كان يعمله أهل الكلام من إيغار الصدور على شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بسبب العقيدة الحموية، فيقول: (فأخذوا الجواب الذي كتبه، وعملوا عليه أوراقاً في رده، ثم سعوا السعي الشديد إلى القضاة والفقهاء، واحداً واحداً، وأوغروا خواطرهم، وحرفوا الكلام، وكذبوا الكذب الفاحش، وجعلوه يقول بالتجسيم - حاشا من ذلك - وأنه قد أوعز ذلك المذهب إلى أصحابه، وأن العوام قد فسدت عقائدهم بذلك، ولم يقع من ذلك شيء، والعياذ بالله، وسعوا في ذلك سعياً شديداً) (15).
ثم طلب قاضي الحنفية من شيخ الإسلام أن يأتي إليه، فقال له ابن تيمية رحمه الله إن العقائد ليس أمرها إليك، وإن السلطان إنما ولاك لتحكم بين الناس، وإن إنكار المنكرات ليس مما يختص به القاضي، ففرح أهل الضلال بهذا الجواب، فأوغروا صدر قاضي الحنفية حتى تم لهم ما يريدون، فأمر القاضي أن ينادي في البلد ببطلان عقيدة ابن تيمية، فنودي في بعض البلد، وما إن علم والي البلد بذلك حتى هب لنصرة ابن تيمية رحمه الله فأرسل طائفة، فضربوا المنادي، ومن كان معه، وأمر بمتابعة من كان يسعى في هذه الفتنة، وقد كان مغضباً من عملهم هذا، ويريد الانتقام منهم، فاختفى أكثرهم، واحتمى الآخرون ببعض كبار وأعيان البلد، ثم إن ابن تيمية رحمه الله جلس على عادته يوم الجمعة في الدرس، وكان تفسيره في قوله تعالى: { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } [القلم: 4] ، فذكر الحلم، وما ينبغي استعماله، فكان ميعاداً جليلاً.(106/46)
ثم اجتمع شيخ الإسلام رحمه الله بقاضي الشافعية، وقرأ معه العقيدة الحموية، وأوضح ما أشكل على القاضي من بعض المواضع، فلم يحصل إنكار عليه من الحاكم، ولا ممن حضر المجلس وانتهى المجلس وقاضي الشافعية يقول: كل من تكلم في الشيخ يعزر (16)، قال ابن عبد الهادي (ت - 744هـ) رحمه الله بعد ذكره هذه المواقف: (والذين سعوا فيه معروفون عندنا، وعند كل أحد، قد اشتهر عنهم هذا الفعل الفظيع - وكذلك - من ساعدهم بقول، أو تشنيع، أو إغراء، إو إرسال رسالة، أو إفتاء، أو شهادة...) (17).
وامتحن ابن تيمية رحمه الله في عقيدته من قبل أهل الكلام محنة أشد من سابقتها، وذلك في الرسالة التي ألفها بعنوان (العقيدة الواسطية)، فنوظر بسببها، وأوذي من أجلها سنة (705هـ)، فقد ورد مرسوم من السلطان أن يجمع الفقهاء والقضاة ثم يسأل ابن تيمية رحمه الله عن اعتقاده، وفعل الوالي ذلك، فأحضر الشيخ العقيدة الواسطية، وأخبر الحضور أنه كان قد كتبها قبل سبع سنين تقريباً، فقرئت العقيدة في المجلس، وأخرت بعض المواضع إلى مجلس آخر، حضر فيه الشيخ صفي الدين الهندي (18)، فناقش ابن تيمية كثيراً لكنه لم يفلح؛ لأنه كما يصف ابن كثير (774هـ) رحمه الله فقال: (ولكن ساقيته لاطمت بحراً) (19).(106/47)
ثم إنهم اصطلحوا على أن يناظر ابن تيمية، أحد الذين يعرفون عنه جودة الذهن، وحسن البحث، ألا وهو كمال الدين ابن الزملكاني (ت - 727هـ) ، حيث طال البحث بينهما، حيث انفصل الحال على قبول الاعتقاد الذي قرأه ابن تيمية رحمه الله. وعاد الشيخ إلى منزله معظماً مكرماً (20)، ثم عُقد مجلس ثالث لابن تيمية رحمه الله وكانت نهايته أن اجتمع الجماعة على الرضى بالعقيدة التي يعتقدها ابن تيمية رحمه الله، وكان الباعث على هذه المجالس هو تحريض من قاضي المالكية ابن مخلوف (21)، ونصر المنبجي (22)، إلى السلطان على شيخ الإسلام رحمه الله (23)، فكانت نتائج المجلس السابقة لم ترض هذين الشيخين، ولم تشف غليليهما، فطلبا من السلطان أن يصدر مرسوماً يطلبه إلى مصر، ومحاكمته فيها، ففعل السلطان ذلك، وطُلب ابن تيمية رحمه الله من دمشق إلى مصر، فخرج ابن تيمية رحمه الله ممتثلاً من دمشق في يوم مشهود، ووصل يوم الخميس الثاني والعشرين من رمضان سنة (705هـ) إلى القاهرة، ومن غد بعد صلاة الجمعة، جمع القضاة، وأكابر الدولة، وادعى عليه ابن مخلوف (ت - 718هـ) أنه يقول: إن الله فوق العرش حقيقة، وذكر بعض المسائل، ولما انتهى سأله القاضي جوابه، فأخذ الشيخ في حمد الله والثناء عليه، فقيل له: أجب؛ ما جئنا بك لتخطب، فقال ابن تيمية رحمه الله ومن الحاكم في؟ فقيل له: القاضي المالكي، قال: كيف يحكم فيّ وهو خصمي؟ فغضب رحمه الله من ذلك، ثم أصدر فيه مرسوم بحبسه، فحبس في برج أياماً، ثم نُقل بعد ذلك إلى الحبس المعروف بالجب، وقد مكث فيه إلى شهر ربيع الأول من سنة (707هـ) (24).
وأما تفصيلات الحوار الذي دار بين شيخ الإسلام رحمه الله ومخالفيه في العقيدة الواسطية، فقد حكاه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على وجه التفصيل (25).(106/48)
ثالثاً: الشيعة (26): الشيعة بجميع فرقها من رافضة وزيدية (27)، وغيرها يبغضون شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ ذلك أنه ناقشهم نقاشاً مطولاً في كتابه (منهاج السنة النبوية) وفي غيره في بعض رسائله، ومن أمثلة أعدائه من الرافضة ابن المطهر الحلي (28)، الذي ألف (منهاج الكرامة) فرد عليه شيخ الإسلام بمنهاج السنة النبوية، فرد عليه ابن المطهر رداً هزيلاً ضعيفاً.
وقد كان الرافضة في جبل كسروان - قريب من دمشق -، سبباً للفتن، وإخافة للناس، ومعارضة المارين بهم بكل سوء، فاستأذن ابن تيمية رحمه الله نائب السلطان على دمشق أن يجهز جيشاً، وأن يقاتل هؤلاء في جبلهم، فأذن له ولي الأمر وأمر بتكوين جيش لقتالهم، وصحبه في ذلك القتال، وما زال الجيش في حصارهم وقتالهم، حتى فتح الله الجبل، وأجلى أهله، وقد ذكر ابن عبد الهادي (ت - 744هـ) رحمه الله أن فتح الجبل يعد من الكرامات المعدودة لشيخ الإسلام، ذلك أن أهله من البغاة الرافضة السبَّابة، ولكونهم أخافوا الناس، وقطعوا السبيل، فتعين قتالهم (29)، وقد كانت هذه الموقعة من أسباب أذية ابن تيمية رحمه الله واضطهاده، وسجنه فيما بعد، وذكر ابن كثير (ت - 774هـ) رحمه الله أن هذه الواقعة قد ملأت قلوب أعدائه حسداً له وغماً (30).
وأما الزيدية فلا يقلون بغضاً لابن تيمية رحمه الله عن الرافضة، ومثال ذلك ما ألفه الحسن بن إسحاق (31)، رداً على ابن تيمية رحمه الله فيما ذكره من مسائل في (منهاج السنة النبوية)، وقد افترى على ابن تيمية رحمه الله في أمور كثيرة (32).
وتشترك الشيعة ومن وافقهم على الافتراء على ابن تيمية رحمه الله في موقفه من الصحابة عموماً، وموقفه من الخلفاء الأربعة، وبالذات علي بن أبي طالب (33) رضي الله عنه إذ يرون أنه ما إن يمر بذكره إلا ويلمزه ويذمه، ويتبع بالذم أهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إلى غير ذلك من الدعاوى التي وضعت لها فصلاً مستقلاً لعرضها ونقدها.(106/49)
رابعاً: الصوفية: كان من أبرز أعداء شيخ الإسلام رحمه الله في عصره، رجل سعى في أنواع المكائد على ابن تيمية رحمه الله لكن غيظه لم يزل يزداد ويتأجج. ذلكم هو نصر المنبجي (ت - 719هـ) ، وذكر ابن حجر (34) رحمه الله مبلغ عداوة ذلك الرجل لابن تيمية رحمه الله وسبب تلك العداوة بقوله: (وكان من أعظم القائمين عليه الشيخ نصر المنبجي؛ لأنه كان بلغ ابن تيمية أنه يتعصب لابن عربي ، فكتب إليه كتاباً يعاتبه على ذلك، فما أعجبه، لكونه بالغ في الحط على ابن عربي، وتكفيره، فصار هو يحط على ابن تيمية، ويغري به بيبرس الجاشنكير (35)، وكان بيبرس يفرط في محبة نصر، ويعظمه، وقام القاضي زين الدين بن مخلوف قاضي المالكية مع الشيخ نصر) (36).(106/50)
وقد أثار نصر المنبجي (ت - 719هـ) وابن عطاء الله السكندري (37) مريديهما في أن يشكوا ابن تيمية على السلطة، ففعل مريدوهم ذلك. ورُد الأمر في هذه القضية إلى قاضي الشافعية، وعُقد المجلس بادعاءات من ابن عطاء الله (ت - 709هـ) لم يثبت على ابن تيمية رحمه الله منها شيء، وظهر من علم الشيخ في ذلك المجلس وشجاعته، وقوة قلبه، وصدق توكله، وبيان حجته، ما يتجاوز الوصف، ثم إن الدولة خيروه بين أن يرحل إلى دمشق أو إلى الإسكندرية، ولكن هذا الرحيل مشروط بشروط، وبين أن يدخل الحبس، فاختار الحبس، فدخل عليه جماعة من أصحابه وأتباعه فأشاروا بأن يقبل بالشروط لقاء سفره إلى دمشق، ونزل عند رغبتهم، وما إن تجاوز القاهرة حتى أرسلوا بريداً يرده إلى دمشق للحبس، وكان ذلك كله من تدبير المنبجي (ت - 719هـ) (38)، وبقي الشيخ في الحبس، وقد استفاد منه المسجونون، وجمع كبير من الناس يدخلون عليه في السجن، ويستفيدون من علمه ومواعظه، وفي سنة (709هـ)، أراد أعداء ابن تيمية أن يسيروه إلى الإسكندرية كهيئة المنفي، لعل أحداً من أهلها يتجاسر عليه فيقتله غيلة، فما زاد ذلك الناس إلا محبة له، وقرباً منه، وانتفاعاً به، واتفق أنه وجد في الإسكندرية طوائف من المتصوفة تنتسب إلى ابن عربي (ت - 638هـ) وابن سبعين (39)، فمزق الله بقدومه عليهم شملهم، وشتت جموعهم شذر مذر، وهتك أستارهم وفضحهم (40).
وهناك مواقف أخرى بين الصوفية وبين ابن تيمية رحمه الله، وذلك في مناظراته رحمه الله مع طائفة الرفاعية (41)، أهل الدجل والحيل والخرافة (42).(106/51)
خامساً: أصحاب العداوات الشخصية: من المتأثرة بالدعاوى الباطلة، أو المقلدة لشيوخهم من غير علم، أو أصحاب العواطف الذين تتقلب نظراتهم وآراؤهم من أي شبهة تعرض لهم، وذلك مثل ابن الزملكاني (ت - 727هـ) حيث كان من مؤيدي الشيخ ومناصريه، ثم انقلب عليه، كما في البداية والنهاية، ومثل أبي حيان (43)، فقد أثنى على ابن تيمية رحمه الله وقال: ما رأت عيناي مثل هذا الرجل، ومدحه بأبيات منها:
لما أتانا تقي الدين لاح لنا *** داع إلى الله فرد ماله وزر (44)
على محياه من سيما الأُلى صحبوا *** خير البرية بدر دونه القمر (45)
ودار كلام بينهما فجرى ذكر سيبويه (ت - 180هـ) ، فبين ابن تيمية رحمه الله بعض أخطاء سيبويه (ت - 180هـ) ، فنفر عن ذلك أبو حيان (ت - 745هـ) رحمه الله ولم يلتمس له العذر، ثم عاد ذاماً له في مجالسه وفي كتبه (46).
هذان مثالان لأصحاب العداوات الشخصية، التي يكون الحادي لها التعصب والتقليد والهوى، وهذا هو دأب وديدن غالب أعداء ابن تيمية: أنهم يتناقلون ما يرونه خطأ من ابن تيمية رحمه الله دون نقد ولا تمحيص، بل بغض لشخصه رحمه الله فلا يقبلون منه شيئاً، وسيأتي - بحول الله وقوته - شيء من الأمثلة في منهج المناوئين.
وبهذا أكون قد استعرضت أبرز أقسام المناوئين لابن تيمية رحمه الله وإن كان وكما ذكرت سلفاً بعضهم يشترك مع البعض الآخر في قسمين، أو أكثر، ولكن هذا التقسيم يبين نوعية التيارات التي واجهها ابن تيمية، ووجد منها عنتاً ومشقة، إضافة إلى إثارة كثير من القضايا العقدية التي انتقدوها عليه عند العامة، وعند من جاء بعدهم من الأجيال اللاحقة والتي يجمعها: البعد عن عقيدة السلف، والتعصب للأشياخ والمتبوعين، وتقليدهم في الحق والباطل على حد سواء.
المطلب الثاني
المنهج العام للمناوئين(106/52)
تحدثت في المطلب السابق عن أبرز التوجهات العقدية التي كان ابن تيمية رحمه الله يواجهها، وتواجهه، أما هذا المطلب فسيكون في منهج المخالفين لابن تيمية في تعاملهم معه، ومع ما يحمله من توجه عقدي، ومواقفهم إزاء هذا التوجه، وسيكون هذا المطلب عرضاً لأبرز ملامح منهج المخالفين لابن تيمية رحمه الله تجاهه، وتجاه مؤلفاته وتعاملهم معها: تحريفاً، وتشويهاً، وتزويراً.
ولعل أبرز هذه الملامح كالتالي:
1 - التزوير على شيخ الإسلام والكذب عليه: فلقد بُلي رحمه الله بأعداء لا يخافون الله عزّ وجل أوصلهم عداؤهم إلى الاجتراء على الكذب، بتقويله ما لم يقل، والتزوير عليه في كتابة مؤلفات باسمه، وادعاء أنها له، وهو منها براء.
ومن هذه الافتراءات والكذب عليه: دعوى أن ابن تيمية رحمه الله يقول بالتشبيه في مسألة استواء الباري عزّ وجل على كرسيه، وممن ادعى ذلك ابن بطوطة (47) في رحلته المشهورة (48).
ومن الكذب عليه - أيضاً - ما ادعاه الكوثري (49) في أن ابن تيمية رحمه الله يقول بوحدة الوجود (50)، وأنه ينصر هذا المذهب ويؤيده (51).
ومن الافتراء عليه: الزعم بأنه رحمه الله أعلن رجوعه إلى عقيدة الأشاعرة، وأنه تاب من عقيدة السلف الصالح، وأنه أقر بعقيدتهم في باب الصفات ونقلوا منها بعض النقولات، وادعوا أن ذلك كان سنة (707هـ)، وأنه شهد عليه جمع من العلماء بذلك (52).
وذكر صفي الدين البخاري (53)، نماذج من افتراءات أعداء ابن تيمية رحمه الله عليه، ومنها: زعمهم أنه يقول بالتشبيه والتجسيم، وزعمهم أنه رحمه الله ينتقص من منزلة بعض الصحابة، وقد أجاب عنها البخاري (ت - 1200هـ) رحمه الله بأجوبة طيبة (54).(106/53)
وذكر ابن كثير (ت - 774هـ) رحمه الله في حوادث سنة (702هـ) أنه وقع في يد نائب السلطنة كتاب مزوّر، فيه أن الشيخ وجماعة معه كاتبوا التتار، ويرغبونهم في تغيير نائب السلطان على الشام، فلما وقف عليه نائب السلطنة عرف أنه مفتعل، ففحص عن واضعه، فإذا هو فقير معروف بالشر والفضول، حيث وجد معه ومع من يعاونه مسودة الكتاب، فتحقق نائب السلطنة من ذلك، وعزره تعزيراً عنيفاً (55).
ومن الافتراء والكذب عليه: أن مخالفيه ادعوا أنه يحرم زيارة القبور مطلقاً، فحُرّف كلامه رحمه الله ونُقل عنه ما لم يقله (56)، وقد أجاب شيخ الإسلام رحمه الله عن هذه الدعوى مبيناً خطر الكذب المتعمد، وبين أن من تكلم في الدين بغير الاجتهاد المسوغ له الكلام وأخطأ فإنه كاذب آثم (57).
وبعد استطراد عن خطر الكذب، وأنواعه، نقل ابن تيمية رحمه الله كلام الأخنائي (ت - 763هـ) ضده في أنه يحرم زيارة القبور مطلقاً، في جواب له كان قد كتبه قبل سنين، فأجاب ابن تيمية رحمه الله بقوله: (هذا الكلام مع قلّته، فيه من الكذب الباطل، والافتراء ما يلحق صاحبه بالكذابين المردودي الشهادة، أو الجهال البالغين في نقص الفهم والبلادة، وكان له أن يحكي لفظ المجيب بعينه، ويبين ما فيه من الفساد، وإن ذكر معناه فيسلك طريق الهدى والسداد.
فأما أن يذكر عنه ما ليس فيه، ولا يذكر ما فيه، فهذا خروج عن الصدق والعدل إلى الكذب والظلم؛ وذلك أن الجواب ليس فيه تحريم زيارة القبور ألبتة، لا قبور الأنبياء والصالحين ولا غيرهم، ولا كان السؤال عن هذا) (58).(106/54)
وحين نوظر رحمه الله في العقيدة الواسطية، بيّن للحاضرين جميعاً أنه يعلم بما زوره عليه أعداؤه، وأنه لا يرتضي هذا التزوير، ولا يمثل هذا المكتوب المزوّر شيئاً من عقيدته حتى ينظر فيه هو ويقره، فقال: (وكان قد بلغني أنه زُوِّر عليّ كتاب إلى الأمير ركن الدين الجاشنكير، أستاذ دار السلطان، يتضمن ذكر عقيدة محرفة، ولم أعلم بحقيقته، لكن علمت أنه مكذوب) (59).
وبعد أن ذكر رحمه الله للحاضرين شيئاً من معتقده قال: (أنا أعلم أن أقواماً يكذبون عليّ، كما قد كذبوا عليّ غير مرة، وإن أمليت الاعتقاد من حفظي ربما يقولون كتم بعضه، أو داهن، أو دارى، فأنا أحضر عقيدة مكتوبة، من نحو سبع سنين قبل مجيء التتر إلى الشام) (60).
2 - التلبيس والتضليل: وهذا نوع آخر من أنواع الكذب والتزوير على ابن تيمية رحمه الله يستخدمه بعض خصومه، وصورته: أن يتحدث المخالف لعقيدة السلف في مسألة من المسائل المبتدعة، ثم يستشهد لنصرة ما يقوله ويقرره من الابتداع بكلام شيخ الإسلام رحمه الله فيظن الناظر أن ابن تيمية رحمه الله يقول بهذا القول، ولا يظهر هذا التلبيس إلا عند التحقيق، وذلك بالرجوع إلى النص في الكتاب الأصلي لابن تيمية رحمه الله ليجد الناظر أن المخالف قد اجتزأ النص، وبتره، فصار كلاماً آخر غير الكلام الذي يريده قائله، أو أن يستدل المخالف بنص مجمل مشتبه وليس هو موضع تقرير المسألة التي نقموا عليه فيها، ويترك النصوص المبينة المحكمة التي تفصل تلك المسألة وتقررها وفق القواعد العلمية المرعية عند أهل الشأن.
ومن الأمثلة على هذا التلبيس: دعوى أن شيخ الإسلام رحمه الله لا يأخذ بخبر الواحد في أمور الاعتقاد، والاستشهاد لهذا بكلام له رحمه الله (61).
ومنها النقل عن ابن تيمية رحمه الله أنه يثني على الأشاعرة، وأنهم أنصار أصول الدين (62).(106/55)
ومنها النقل عن ابن تيمية رحمه الله أنه يجيز التوسل بالرسول صلّى الله عليه وسلّم في حياته، والتلبيس هو: أن المقصود - أيضاً - جوازه بعد مماته (63)، وغيرها من الأمثلة الكثيرة التي يدعيها أعداء ابن تيمية رحمه الله (64)، في أنه يوافقهم على عقائدهم الفاسدة، وهذا أسلوب آخر من أساليب تشويه الكلام الحق، حيث لما رأى أولئك أن ابن تيمية رحمه الله له القبول في الأرض، وأن كلامه في المسائل العلمية يوافقه الصواب - غالباً -، أرادوا أن يبثوا عقائدهم الفاسدة ببيان موافقة ابن تيمية رحمه الله لما يعتقدونه ويقررونه، ولذا فإن هذا التلبيس يُلحظ في المتأخرين أكثر منه عند المتقدمين.
3 - التحذير من الاغترار به علانية: حيث لم يتمكن أعداء ابن تيمية رحمه الله أن يواجهوه في المسائل العلمية، ولم يستطيعوا أن يقفوا معه في مناظرة منطقية، وظنوا أنهم بحبسه وسجنه وإهانته يستطيعون النيل منه، ولكن الحق يعلو، ومنزلة ابن تيمية رحمه الله في قلوب الناس تزيد، وقلوب الناس تخفق، وتلهج بالدعاء كلما سمعوا بإرادة الضر والوشاية بشيخ الإسلام رحمه الله، فاتخذ المناوئون أسلوباً آخر في حربه، وحرب معتقد السلف الصالح - رضوان الله عليهم - ألا وهو التحذير من قراءة كتبه، والتحذير من الاغترار بعلمه، والمناداة بفساد عقيدته في المجالس والأسواق، وفي مؤلفاتهم، ولكن الحق يعلو وينتصر، والباطل يظهر عواره ويخمد ولو بعد حين، فأعز الله شيخ الإسلام، وخلّد ذكره، ونشر علمه، وأخزى الله أعداءه، وأذلهم، وأعمى أبصارهم.
ومن أوسع ما رأيت في التحذير من كتب ابن تيمية رحمه الله ما كتبه يوسف النبهاني (65)، فقد جاء بأسلوب ناصح مشفق، يحذّر من خداع الشيطان، ومن كلام ابن تيمية رحمه الله في مسائل عقدية كالسفر لزيارة قبور الصالحين، والاستغاثة بهم (66).(106/56)
4 - نسبة الأولية له في ابتداع الضلالات: وهذا - أيضاً - من منهج خصوم شيخ الإسلام في التعامل مع ما يحمل من مبادئ وعقائد، فادعوا عليه بأنه أول من قال بإمكان حوادث لا أول لها، وبأنه أول من منع شد الرحل إلى زيارة قبور الصالحين، وأنه أول من أفتى بعدم جواز التوسل بالصالحين، وأنه أول من قال بالتجسيم، وغيرها من المسائل العقدية التي يرون أنه خالف فيها إجماع الأمة (67).
5 - النقل من بعض، والاعتماد على المتقدمين دون التحقيق: فهذه الشبه التي يلوكها أعداء ابن تيمية رحمه الله هي من نقل المتأخر عن المتقدم، دون الرجوع إلى كتب صاحب الشأن، وهي موجودة متوفرة، فينقلون في مواضع متعددة عن ابن تيمية رحمه الله كلاماً هو ليس له، وإذا طولبوا بصحة النقل، وعزو الكلام إلى مصدره وقائله، سكتوا وفغروا أفواههم، ثم أحالوا إلى كتب أعدائه ومخالفيه، وهذا منهج عند التحقيق ليس بسوي ولا مرْضي.
ويعجب القارئ حين يقرأ كتب المخالفين، ويتأمل نسبتهم الكلام والمسائل إلى ابن تيمية رحمه الله إذ لا تكاد تجد عند المتأخر جديداً يذكر، فلا يعدو الأمر إما زيادة في كذب، أو سوء فهم، أو سوء قصد، أو الإسفاف والإغراق في السباب والشتائم.
وقد ينقل الواحد منهم كلاماً للمتقدمين لم يفهمه، وقد أُتي من سوء فهمه، فيعرضه عرضاً يتبين معه قلة علمه، مثال ذلك ما حصل للنبهاني (ت - 1350هـ) من خلط حين ظن أن القصيدة النونية التي رد عليها السبكي (ت - 756هـ) غير القصيدة النونية المشهورة لابن القيم (68)، فهي قصيدة أخرى حسب ظنه (69).(106/57)
ويظهر نقلهم من بعض، سواء كان ذلك النقل بعزو أو ليس بعزو، وسواء كان ذلك النقل حرفياً، أو كان نقلاً بالمعنى، إذا تتبع المنصف كلام أوائل المخالفين لابن تيمية رحمه الله ثم من جاء بعدهم، ثم من جاء بعدهم إلى هذا العصر، فلا يجد - مع كثرة الكتابات - وزناً علمياً لها، سوى التشويش، وكلمات الإثارة، البعيدة عن الوزن العلمي للعلوم والمعارف.
6 - كثرة الإلزامات الباطلة: لما كان المخالفون لابن تيمية رحمه الله يبحثون عن زلات كبار في صلب المعتقد من كلامه ولم يجدوا، اضطروا بعد ذلك إلى استخدام أسلوب الإلزام الفاسد، وذلك يكون:
إما بالقول بأن لازم القول قول، ويلزمون ما ليس لازماً، لكنها الأهواء، فيجعلون على سبيل المثال: لازم القول بإمكان حوادث لا أول لها: القول بقدم العالم، ولازم القول بمنع جواز التوسل بالنبي صلّى الله عليه وسلّم بعد مماته: القول بعدم محبته صلّى الله عليه وسلّم، وهكذا (70).
وإما بالقول بأن لازم قول التلميذ قول الشيخ، فكل قول يقول به أحد تلامذة شيخ الإسلام رحمه الله فإنه يقول به لا محالة، وهذا ليس بصحيح، إذ بعض تلاميذه رحمه الله قد وصل إلى مرحلة الاجتهاد، فلا يقلده فيما وقع فيه من أخطاء وقد يزل التلميذ في أخطاء لا يقره عليها شيخه، ولم يأخذها عن شيخه.
وإما بذم ما لزم منه ذم ابن تيمية رحمه الله فكل ما يترتب على ذم ابن تيمية رحمه الله فهو مذموم عندهم، مثال ذلك أن ابن تيمية رحمه الله كان يذكر كثيراً الكتب التي يعتمد عليها في باب الاعتقاد، التي ألفها أئمة السلف، فلما كان لازم القدح بعقيدة ابن تيمية رحمه الله القدح في عقائد السلف، فعلوا ذلك غير مبالين، ولهم في ذلك طرق. إما أن يقدحوا في صحة نسبة الكتب إلى مؤلفيها، ويرون أنها كذب مختلق على من اشتهر أنهم ألفوها (71).(106/58)
وإما أن يذموا الكتاب ويقدحوا في الكتاب من أساسه، كما فعلوا في كتاب (التوحيد) للحافظ ابن خزيمة (ت - 311هـ) ، حيث أطلقوا عليه كتاب الشرك (72).
وإما أن يرموا مؤلفيه بأنهم كانوا من السلف، ثم اختلطوا وتأثروا فلا يقبل منهم ما أُلف بعد تغيرهم، ويقولون ذلك احترازاً من القدح بهذا الشخص؛ لأنه إذا ذكر السلف فهو في عدادهم، كما فعلوا مع الدارمي (ت - 280هـ) رحمه الله إذ زعموا أنه كان على معتقد أهل السنة والجماعة، ثم أصبح مختل العقل عند تأليفه النقض (73).
7 - التناقض والاضطراب: وذلك أن هدف المناوئين لابن تيمية رحمه الله هو النيل منه، والحط من مكانته، وانتقاصه بأي أسلوب، فقد كانت هذه النتيجة، وهي التناقض بين بعضهم البعض، فبعضهم يدّعي أن ابن تيمية رحمه الله يقول بقول، والآخر يدعي أنه يقول بخلافه، والاختلاف بين ما يدّعونه على شيخ الإسلام رحمه الله وبين ما هو موجود ومقرر في كتبه ورسائله وفتاواه: { إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ} [النجم: 23] .
ومن الأمثلة على ذلك: ما رمي به من أنه يقول بقول الرافضة، مع أنه رحمه الله له من الكتابات ما يعد من أقوى ما رُد عليهم كمنهاج السنة النبوية، وفي مقابل ذلك ما ادعي عليه أنه يبالغ في توهين كلام الشيعة (74).
ومن الأمثلة: قول بعض مخالفيه بأنه يأخذ بخبر الواحد في الاعتقاد، ذاكراً ذلك على سبيل الذم والتنقص، وفي مقابل ذلك ما قاله بعضهم أنه لا يحتج بخبر الآحاد في الاعتقاد (75).
ومن الأمثلة أيضاً: رميه رحمه الله بالقول بوحدة الوجود (76)، مع أنه رحمه الله كان يرد عليهم، كرده على نصر المنبجي (ت - 719هـ) ، وقبله ابن عربي (ت - 638هـ) .
ومن أوسع ما كتبه رحمه الله في الرد على هذه العقيدة الفاسدة ما ذكره في كتابه (الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح) في مواضع كثيرة جداً متفرقة من الكتاب.
8 - كثرة السب والشتم:(106/59)
وهذه بضاعة المفاليس الذين لا يملكون علماً تقف عنده الأذهان، وتعترف له النفوس المنصفة، فيعوضون نقصهم هذا بأنواع من السباب والشتائم، تتأذى منه أفئدة المؤمنين، فمنها: رميه بالخداع والمكر والنفاق، والزندقة (77)، ووصفه بالخبث، والدعاء عليه، ورميه بالجهل، وسوء الفهم، والحقد الدفين في قلبه (78).
ومنها - أيضاً -: رميه بقلة العقل، وضعفه، كما ذكر ذلك ابن بطوطة (ت - 779هـ) في رحلته (79) وغيره (80).
وقد أجاب عنها الإمام الذهبي (ت - 748) رحمه الله وهو المنصف في موقفه من ابن تيمية رحمه الله قائلاً: (وقد تعبت بين الفريقين، فأنا عند محبيه مقصر، وعند عدوه مسرف مكثر) (81)، قال رحمه الله وكأنه يرد على هذه المقولة: (لا يؤتى من سوء فهم، بل له الذكاء المفرط، ولا من قلة علم فإنه بحر زخّار، بصير بالكتاب والسنة) (82).
وحين عاتب الذهبي (ت - 748هـ) رحمه الله أبا الحسن السبكي (ت - 756) على ما صدر منه تجاه ابن تيمية رحمه الله كتب أبو الحسن السبكي (ت - 756هـ) جواباً يعتذر فيه، ومما قاله في الاعتراف بذكائه قوله: (أما قول سيدي في الشيخ، فالمملوك يتحقق كبر قدره، وزخارة بحره، وتوسعه في العلوم الشرعية والعقلية، وفرط ذكائه واجتهاده، وبلوغه في كل من ذلك المبلغ الذي يتجاوز الوصف..) (83).
9 - إطلاق ألفاظ الكفر: وقد كثرت مقولات السب والشتم على ابن تيمية رحمه الله من قبل مناوئيه ومخالفيه، حتى تجاوزوا فأطلقوا أن ألفاظه كفرية، وأنه لا يقول بها إلا كافر، وتمادوا فأطلقوا عليه أحكاماً بالكفر، وأنه لا دين له، وأنه من المشركين، والملاحدة، واتهامه بالخروج من الدين (84).
هذه أبرز معالم منهج المخالفين لابن تيمية رحمه الله تجاهه، وإذا أردنا تتبع أسباب هذا الهجوم المتواصل منذ وفاة شيخ الإسلام إلى هذا العصر، فيمكننا معرفة أهم هذه الأسباب وأشهرها، وهي كالتالي:(106/60)
أ - الخلاف العقدي: وهذا - في نظري - أبرز الأسباب وأقواها، فشيخ الإسلام رحمه الله جاهد البدعة، وقمعها، ونصر السنة وأيّدها، بكل ما يملك من إمكانات: بالفتوى، والرسالة، والكتب الكبار التي تبين خطر المذاهب البدعية، وترد على أعلامها، وبالمناظرة والحوار، وجاهدهم بالنفس - أيضاً -، وذلك لمعرفته رحمه الله بخطرهم، ونخرهم في جسم الأمة، فجاهد أهل الكلام بجميع طوائفهم وفرقهم، ورد على المتصوفة وجميع فرق الباطنية (85)، وهدم أصول الفلاسفة بالأدلة النقلية والعقلية، وأوذي لأجل وقوفه وبيانه الحق في مسألة التوسل، ومسألة شد الرحل... فكانت هذه الوقفات الشجاعة سبباً في أن يقف المستفيدون من هذه البدع التي هدمها شيخ الإسلام في وجهه ويعادوه، ويكيدوا له المكائد بجميع صنوفها وأشكالها.
ب - الحسد: وهذا هو الذي أحرق قلوب ضعاف الإيمان من أعداء ابن تيمية رحمه الله من الفقهاء، والقضاة؛ ذلك أن مما يُعجب من ابن تيمية رحمه الله أن الناس تتجه إلى فتاواه، وتقبلها وتأخذ بها، فأثار هذا الأمر حفيظة ضعاف الإيمان لينالوا منه، ويحطوا من قدره، وينزلوا من مكانته في قلوب الناس، أو قلوب بعض الولاة الذين لا يقبلون إلا قوله.
ولقد تنبه الحافظ ابن كثير (ت - 774هـ) رحمه الله إلى هذا السبب، فكان يجعله سبباً لكثير من الفتن والبلايا التي تعرض لها ابن تيمية رحمه الله (86).
وقال الحافظ ابن حجر (ت - 852هـ) رحمه الله: (برز في كل فن على أبناء جنسه، ولم تر عين من رآه مثله، ولا رأت عينه مثل نفسه، كان يتكلم في التفسير، فيحضر مجلسه الجم الغفير، ويردون من بحره العذب النمير، يرتعون من ريع فضله في روضة وغدير، إلى أن دب إليه من أهل بلده داء الحسد...) (87).
وفي تقريظ لكتاب (الرد الوافر) جعل البلقيني (88) داء الحسد أهم وأبرز الأسباب في عداوة من عادى ابن تيمية رحمه الله وأطال في ذلك (89).
جـ - الجهل بعقيدة السلف، واتباع الهوى:(106/61)
ومن أفضل ما قيل في هذا، قول بهاء الدين السبكي (ت - 777هـ) : (والله يا فلان ما يبغض ابن تيمية إلا جاهل، أو صاحب هوى، فالجاهل لا يدري ما يقول، وصاحب الهوى يصده هواه عن الحق بعد معرفته به) (90).
وقال الإمام الذهبي (ت - 748هـ) رحمه الله في وصف أعداء الشيخ: (الذم والمقت لأحد رجلين: رجل أفتى في مسألة بالهوى، ولم يبد حجة، ورجل تكلم في مسألة بلا خميرة من علم، ولا توسع في نقل، فنعوذ بالله من الهوى والجهل، ولا ريب أنه لا اعتبار بذم أعداء العالم، فإن الهوى والغضب يحملهم على عدم الإنصاف) (91).
د - التعصب: سواء كان لمذهب أو شيخ، أو التعصب ضد مذهب، أو عالم برد كل ما جاء عنه سواء كان حقاً أو باطلاً، والتعصب دليل على الجهل ونتيجة له، فصاحبه بعيد عن الإنصاف والحق، وسأعرض مثالين من أمثلة التعصب الممقوت ضد ابن تيمية رحمه الله.
فالمثال الأول: ذم التقي الحصني (92) لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهذا الرجل ممن اشتهر بالتعصب، وقد شهد عليه بهذا عدد كبير من العلماء والمؤرخين، فقد كان شديد التعصب للأشاعرة، منحرفاً عن أهل السنة، وتفحش في ابن تيمية - كما يقول مترجموه - وتجهر بتكفيره من غير احتشام (93)، ومثل هذا لا يؤخذ عنه قول فيمن أبغضه، فتعصبه قد أعماه عن قول الحق والعمل به، إلى ظلم الناس، وبخسهم حقوقهم.
وأما المثال الثاني: فهو العلاء البخاري (94)، الذي يعرف بشدة التعصب لمذهبه الحنفي، ووُصف بضيق الصدر، وسرعة الغضب، وكان لجوجاً في المخاصمة، وذكر مترجموه - أنه إذا أبغض غلا فيه وزاد، فيه حدّة وتهوّر في الألفاظ، ومن تعصبه الذي ذم لأجله أنه حكم على من أطلق على ابن تيمية رحمه الله لقب شيخ الإسلام (95) بأنه كافر (96).
والأمثلة كثيرة في هذا الباب على التعصب ضد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (97).(106/62)
هـ - قوة ابن تيمية في الحق: فقد كان رحمه الله جريئاً في قول الحق، والهجوم على أعدائه، والدفاع عنه، لا يخاف في الله لومة لائم، وكثيراً ما وصفه مترجموه في مناظراته مع الخصوم بقوة القلب، وبالشجاعة.
وقد كان - أيضاً - لا يحابي، ولا يداهن في دين الله عزّ وجل، ولا يطلب ود أحد من الناس في ترك إنكار المناكر والبدع، سواء كانت تلك صغيرة أم كبيرة، ويغضب إذا انتهكت محارم الله عزّ وجل ولا يقف أمام غضبه أحد، حتى يُغير ذلك المنكر ويُصلح.
وقد كان لهذه الطريقة أثرها الطيب في عصره، إذا اتضح الحق، وانكشفت البدعة، وزال لبسها عن أذهان الناس، وكان من نتائج هذه الطريقة أن كثر أعداؤه، بل وعاد بعض مادحيه ذاماً، يقول الذهبي (ت - 748هـ) رحمه الله.
(.. وإلا والله فلو لاطف الخصوم، ورفق بهم، ولزم المجاملة، وحسَّن المكالمة، لكان كلمة إجماع، فإن كبارهم وأئمتهم خاضعون لعلومه وفقهه...) (98).
يقول البزار (ت - 749هـ) رحمه الله حول أسباب عداوة المناوئين لابن تيمية رحمه الله: (كان إذا وضح له الحق يعض عليه بالنواجذ، ولا يلتفت إلى معاند، فاتفق غالب الناس على معاداته، وجُلّ من عاداه قد تستروا باسم العلماء والزمرة الفاخرة، وهم أقبل الناس في الإقبال على الدنيا، والإعراض عن الآخرة، وسبب عداوتهم له: أن مقصودهم الأكبر طلب الجاه والرياسة، وإقبال الخلق وراءه قد رقاه الله إلى ذروة السنام من ذلك بما أوقع له في قلوب الخاصة والعامة من المواهب التي منحه بها، وهم عنها بمعزل، فنصبوا عداوته، وأرادوا ستر ذلك عن الناس، حتى لا يفطن بهم، فعمدوا إلى اختلاق الباطل والبهتان عليه، والوقوع فيه خصوصاً عند الأمراء والحكام...) (99).
رحمه الله، وغفر له، وأسكننا وإياه الفردوس الأعلى من الجنة (100).
المطلب الثالث
اعتراف خصومه بقدره(106/63)
من سنة الله عزّ وجل أن يجري الحق على ألسنة أعدائه ومخالفيه؛ وذلك بياناً له، وتطميناً لقلوب المؤمنين، وإقامةً للحجة على أعدائه ومناوئيه، وفي هذا المطلب سأستعرض شيئاً من قول أعداء ابن تيمية رحمه الله وهي من باب قول الله عزّ وجل: { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا } [يوسف: 26] ، ولسنا في حاجة في كل موضع من المواضع أن نذكر شهادة الأعداء والمخالفين، ولكنها إذا وجدت وذكرت كانت شهادة بالفضل لأهل الفضل، كما قال الشاعر:
وشمائل شهد العدو بفضلها *** والفضل ما شهدت به الأعداء (101)
وليس القصد من ذكر هذه النماذج هو الحصر، بل يكفينا من القلادة ما أحاط بالعنق، ومن الأمثلة ما يقرر القاعدة.
ثم إن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كان - ولا يزال - له من المكانة في نفوس أهل السنة مما لا يحتاج فيه إلى ذكر ثناء القادحين فيه، وفي عقيدته، ولو كان - أيضاً - رحمه الله من أهل المداراة، والملاينة مع المبتدعة في مقابل عدم إظهار امتعاضه، وبغضه لبدعهم، ولما هم عليه؛ لكان موضع قبول بإجماعهم، فهم مقرون في حقائق نفوسهم أنه إمام من أئمة المسلمين، وعلم من أعلامهم البارزين (102).
ومن مناوئيه: من أثنى عليه في أول أمره، ثم انقلب عليه وصار عدواً بعد أن كان صديقاً، بسبب الأهواء، والتأثر بما كان ينقل عن ابن تيمية رحمه الله من وشايات مضللة، ودعايات مغرضة: أو لتعصب، وغيره - كما سبق بيانه - ومن أمثلة هؤلاء ابن دقيق العيد (ت - 702هـ) رحمه الله حيث قال: (لما اجتمعت بابن تيمية رأيت رجلاً العلوم كلها بين عينيه، يأخذ منها ما يريد، ويدع ما يريد) (103).
ومنها كلام ابن الزملكاني (ت - 727هـ) في ابن تيمية، وهو كثير، ومنه قوله عن ابن تيمية رحمه الله: (كان إذا سئل عن فن من العلم ظن الرائي والسامع أنه لا يعرف غير ذلك الفن، وحكم أن أحداً لا يعرف مثله) (104).(106/64)
وقال عنه: (اجتمعت فيه شروط الاجتهاد على وجهها، وله اليد الطولى في حسن التصنيف، وجودة العبارة والترتيب، والتقسيم والتبيين) (105).
وقال عنه: (هو بارع في فنون عديدة من الفقه والنحو والأصول، ملازم لأنواع الخير وتعليم العلم، حَسَن العبارة، قوي في دينه، صحيح الذهن، قوي الفهم) (106).
وأثنى عليه كثيراً ثم أنشأ يقول:
هو حجة لله قاهرة *** هو بيننا أعجوبة الدهر
هو آية في الخلق ظاهرة *** أنوارها أربت على الفجر (107)
ومن الأمثلة: كلام أبي حيان النحوي (ت - 745هـ) في ابن تيمية رحمه الله ومن قوله فيه: ما رأت عيناي مثل ابن تيمية، ثم أنشأ يقول:
لما أتينا تقي الدين لاح لنا *** داع إلى الله فرد ماله وَزَر
على محياه من سيما الألى صحبوا *** خير البرية نور دونه القمر (108)
ومن خصوم ابن تيمية رحمه الله من يعترف بفضله وقدره، في حالة ضعف، واستسلام، كما حصل للقاضي المالكي ابن مخلوف (ت - 718هـ) حيث قال: (ما رأينا مثل ابن تيمية حرّضنا عليه، فلم نقدر عليه، وقدر علينا فصفح عنا، وحاجج عنا) (109)، وذلك حين طلب الملك الناصر (ت - 741هـ) من ابن تيمية رحمه الله أن يفتي في قتل بعض العلماء من الفقهاء، والقضاة، فدافع عنهم رحمه الله وأثنى عليهم، وقد كان ابن مخلوف (ت - 718هـ) في مقابل ذلك يحرض السلاطين هو ونصر المنبجي (ت - 719هـ) على ابن تيمية - رحمه الله رحمة واسعة -.
ومن مناوئيه: ما يحملهم الإنصاف، وكثرة المحامد والمناقب التي يتميز بها ابن تيمية رحمه الله على مدحه، والثناء عليه، وإن كان ذلك في لحن القول، مع بغضهم له، والقدح فيه، والنيل منه كلما أمكنهم ذلك: وهؤلاء كثير (110).(106/65)
فمن الأمثلة قول تقي الدين السبكي (ت - 756هـ) حين عاتبه الذهبي (ت - 748هـ) رحمه الله في ابن تيمية رحمه الله: (أما قول سيدي في الشيخ فالمملوك يتحقق كبر قدره، وزخارة بحره، وتوسعه في العلوم الشرعية والعقلية، وفرط ذكائه، واجتهاده، وبلوغه في كل ذلك المبلغ الذي يتجاوز الوصف، والمملوك يقول ذلك دائماً، وقدره في نفسي أعظم من ذلك وأجل، مع ما جمع الله له من الزهادة والورع والديانة، ونصرة الحق، والقيام فيه لا لغرض سواه وجريه على سنن السلف، وأخذه من ذلك بالمأخذ الأوفى، وغرابة مثله في هذا الزمان، بل من أزمان) (111).
وقال في موضع آخر: (له فضل وذكاء واطلاع) (112).
وقال في ثنائه على رد شيخ الإسلام على الرافضة:
ولابن تيمية ردّ عليه وفى *** بمقصد الرد واستيفاء أضربه (113)
ومن الأمثلة أقوال الحسن بن إسحاق (ت - 1160هـ) في ابن تيمية رحمه الله وهو يرد عليه فذكر عنه أنه العلامة المحقق، وأنه علمه كالبحر المتلاطم الأمواج، المتشعب الفجاج، كثير الطرائق، وإذا تكلم في مسألة فإنه يأتي على ما يتحير عنده العقل ويذهب، من تحقيق للحق وتدقيق (114).
وذكر عنه أنه بلغ الغاية في حسن الصناعة، لترصيف الكلام وتنميقه، وترقيق ما يسرده من الكلام وتدقيقه، يتصرف في كل مقام تصرف عارف متقن، بارع في معرفة أساليب الخطاب متمكن (115).
وقال عن منهاج السنة النبوية: (ومع هذا فإننا لا ننكر أنه بتصديه للرد على الرافضي مصيب مأجور، وأن سعيه في ذلك سعي مشكور) (116).
ومن الأمثلة: - أيضاً - بعض مقولات يوسف النبهاني (ت - 1350هـ) فقد قال عنه:(106/66)
(وابن تيمية هذا هو إمام كبير، وعَلَم عِلمٍ شهير من أفراد أئمة الأمة المحمدية الذين تفتخر بهم على سائر الأمم، ولكنه مع ذلك غير معصوم من الخطأ والزلل... وابن تيمية وإن أخطأ في هذه المسائل المعدودة، فقد أصاب في مسائل لا تعد ولا تحد، نصر بها الدين المبين، وخدم بها شريعة سيد المرسلين صلّى الله عليه وسلّم، على أن بعض ما نسب إليه من تلك المسائل أنكر صحة نسبتها إليه بعض العلماء الأثبات...) (117).
وقال: (اعلم أن الإمام ابن تيمية هو في العلم كالبحر العجاج، المتلاطم بالأمواج، فهو تارة يلقي باللؤلؤ والمرجان، وتارة يلقي الأحجار والصدف...) (118).
وقال: (اعلم أني أعتقد في ابن تيمية، وتلميذيه ابن القيم، وابن عبد الهادي، أنهم من أئمة الدين، وأكابر علماء المسلمين، وقد نفعوا الأمة المحمدية بعلمهم نفعاً عظيماً) (119).
ومن الأمثلة - أيضاً - ما وصفه به أحد المناوئين المعاصرين (120) بأنه أحد علماء السلف المتأخرين، ومفكر من أكبر مفكري الإسلام (121).
وإذا استعرضنا بعض كلمات الاعتراف بفضل ابن تيمية، وإنصافه، سواء كانت بقصد، أو بغير قصد، فيحسن أن نستعرض الطرف الآخر، وهو موقفه رحمه الله من مخالفيه ومناوئيه وإنصافه لهم، وسيكون هذا العرض من استقراء مؤلفات ابن تيمية رحمه الله ومناظراته مع خصومه، ودراستها لنتمكن من معرفة منهجه في رده على خصومه، ومناقشته لهم:(106/67)
لقد كان ابن تيمية رحمه الله ينظر إلى خصومات أعدائه، وكيد مناوئيه على أنها نعمة من الله عزّ وجل يظهر بها الحق، ويدمغ الباطل فإذا هو زاهق، فهذه العداوات، وإن كانت في ظاهرها شراً، وهي نوع من الابتلاء للمؤمنين، إلا أنها تحمل في طياتها مصالح للمؤمنين الصابرين، قال رحمه الله: (إن ما يجري من نوع تغليظ، أو تخشين على بعض الأصحاب والإخوان، ما كان يجري بدمشق، ومما جرى الآن بمصر، فليس ذلك غضاضة، ولا نقصاً في حق صاحبه ولا حصل بسبب ذلك تغير منا، ولا بغض، بل هو بعد ما عومل به من التغليظ والتخشين، أرفع قدراً، وأنبه ذكراً، وأحب وأعظم، وإنما هذه الأمور هي من صالح المؤمنين، التي يصلح الله بها بعضهم ببعض، فإن المؤمن للمؤمن كاليدين، تغسل إحداهما الأخرى) (122).
وقد كان رحمه الله يملك تصوراً عجيباً عن الفرق، ومذاهب الرجال، والفروقات بين مذاهبهم، وهذا يدل على أنه إذا تكلم في مسألة عند فرقة فإنما يتحدث بها، وهو عالم بها، مدرك لمعناها، بل هو - أيضاً - يعرف لوازم قول المخالف أكثر من المخالف نفسه، حتى إنه يظهر تناقضات القول الواحد في نفسه مما لم يتنبه له صاحب القول (123).
وقد كانت مصادره رحمه الله في معرفة أقوال المخالفين له مصادر موثوقة، عالية الإسناد، فمصادره تكون: إما بقراءة كتبهم، وإما بملاقاتهم ومناظرتهم، وإما عن طريق أقوال الثقات عنده عنهم (124).
ويهمنا في هذا المطلب: بيان إنصاف ابن تيمية رحمه الله لخصومه، وعدم ظلمهم، لا في فعل، ولا قول، ولا كتابة: فمن أبرز ما تجلى: إنصافه يوم لقياه الملك الناصر (ت - 741هـ) وطلب الملك منه أن يفتي في قتل بعض حساده من الفقهاء، والقضاة، وأمْر ابن تيمية له بالعدول عن ذلك (125).(106/68)
وقد كان رحمه الله يطلب إقامة المناظرة: بياناً للحق، وإقامة للحجة، فيستعفي الخصم بلفظ أو بخط (126)، فلم يطلب حظاً لنفسه ولا نفعاً، بل كان يعفو عمن ظلمه، وكان قصده بيان الحق، وإن أدى ذلك إلى ظلم الناس له، وهضمهم بعض حقه.
قال رحمه الله: (على أي شيء أخاف: إن قتلت كنت من أفضل الشهداء...) (127).
وقال: (هذا وأنا في سعة صدر لمن يخالفني، فإنه وإن تعدى حدود الله فيّ بتكفير، أو تفسيق، أو افتراء، أو عصبية جاهلية: فأنا لا أتعدى حدود الله فيه، بل أضبط ما أقوله وأفعله، وأزنه بميزان العدل، وأجعله مؤتماً بالكتاب الذي أنزله الله، وجعله هدى للناس، حاكماً فيما اختلفوا فيه...) (128).
وقد كان رحمه الله حريصاً على تأليف القلوب، وجمعها على الحق، لا أن تتفرق وتختلف، أو أن تجتمع على منكر وضلالة، قال رحمه الله: (والناس يعلمون أنه كان بين الحنبلية والأشعرية وحشة ومناظرة، وأنا كنت من أعظم الناس تأليفاً لقلوب المسلمين، وطلباً لاتفاق كلمتهم، واتباعاً لما أمرنا به من الاعتصام بحبل الله) (129).
ومن إنصافه رحمه الله لخصومه أنه يناقشهم في المصطلحات حسب فهمهم لها، ثم يبين هذا الفهم هل هو صواب أم لا؟، ويستدل على قوله وحجته بأقوال المختصين في الفن، فإذا بحث مسألة في التفسير نقل عن أئمة التفسير، وإذا بحث مسألة في الفقه ذكر أقوال الفقهاء، وكذلك الأمر في بقية العلوم الشرعية، وأما إذا وافق خصمه الحق فإنه رحمه الله يوافقه عى ذلك ويؤيده ويثني على الحق الذي عنده، وإذا احتاج الأمر إلى تفصيل فإنه يفصل بأن يقول في كلام المخالف: قوله في هذه المسألة صواب، وأما قوله في المسألة الأخرى فخطأ (130)، ويصف بعض مناوئيه بأن فيهم نوع دين مع نوع جهل كما قال ذلك في الأخنائي (ت - 763هـ) الذي أساء الأدب مع شيخ الإسلام، ورد عليه بألفاظ نابية، ومع ذلك كان رحمه الله عادلاً معه في الحكم (131).(106/69)
ويعمم الحكم، والكلام المنصف على جميع من تكلم فيهم من علماء الإسلام، فذكر رحمه الله أنه ما منهم إلا من له في الإسلام مساع مشكورة، وحسنات مبرورة، وله في الرد على كثير من أهل الإلحاد والبدع، والانتصار لكثير من أهل السنة والدين ما لا يخفى على من عرف أحوالهم، وتكلم فيهم بعلم وصدق وعدل وإنصاف...، ولا ريب أن من اجتهد في طلب الحق والدين من جهة الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وأخطأ في بعض ذلك فالله يغفر له خطأه...، ومن اتبع ظنه وهواه فأخذ يشنع على من خالفه بما وقع فيه من خطأ ظنه صواباً بعد اجتهاده، وهو من البدع المخالفة للسنة، فإنه يلزمه نظير ذلك أو أعظم، أو أصغر فيمن يعظمه هو من أصحابه، فقلّ من يسلم من مثل ذلك في المتأخرين؛ لكثرة الاشتباه والاضطراب، وبُعد الناس عن نور النبوة، وشمس الرسالة الذي به يحصل الهدى والصواب (132).
ويركز ابن تيمية رحمه الله على أهمية لين الخطاب مع المخالف، ومخاطبته بالتي هي أحسن، حتى وإن أغلظ المخالف عليه القول؛ لأن الغرض هو بيان الحق، وإزالة الشبهة، ومع هذا ينبه إلى أن مقامات الخطاب للمخالف تختلف فلها أحوال: فقد تنفع المخاطبة بالتي هي أحسن وقد لا تنفع، ولذا يقول رحمه الله: (ما ذكرتم من لين الكلام، والمخاطبة بالتي هي أحسن، فأنتم تعلمون أني من أكثر الناس استعمالاً لهذا، لكن كل شيء في موضعه حسن، وحيث أمر الله بالإغلاظ على المتكلم لبغيه وعدوانه على الكتاب والسنة، فنحن مأمورون بمقابلته، ولم نكن مأمورين أن نخاطبه بالتي هي أحسن، ومن المعلوم أن الله تعالى يقول: { وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } [آل عمران: 139] ، فمن كان مؤمناً فإنه الأعلى بنص القرآن) (133)، وقد عمل بهذه القاعدة في مناقشاته مع الغلاة، فقد رفع صوته في مناظرته مع الرفاعية لما يرى من الوقع العظيم في القلوب لرفع الصوت في المناظرة (134).
المبحث الثاني(106/70)
دعاوى المناوئين حول منهج شيخ الإسلام ابن تيمية ومناقشتها
المطلب الأول
دعاوى المناوئين حول منهج شيخ الإسلام ابن تيمية
حاول المناوئون لابن تيمية رحمه الله القدح في ابن تيمية رحمه الله وفي عقيدته، وذلك للتحذير منه، ومن كتبه، حتى لا يستفيد منها الناس، فجعلوا بينها وبين الناس حاجزاً كثيفاً من الشبهات، والتلبيسات، والافتراءات، وقد كان التشويه موجهاً إليه وإلى كتبه على مستويات مختلفة، فادعوا دعاوى على منهجه العام، كما ادعوا عليه في بعض الجزئيات والتفصيلات في باب الاعتقاد، ومن دعاواهم على المنهج العام لابن تيمية رحمه الله: ما ادعوا عليه بأنه على خلاف منهج السلف الصالح، وأن انتسابه إليهم إنما هو دعوى يدعيها، ويرون أن الذي في كتبه إنما هو من ابتداعه هو، ويرون - أيضاً - أنه يعتمد على بعض الكتب، والمصنفات المنحولة والمختلقة على بعض السلف (135).
ومما ادعوا عليه رحمه الله في منهجه: أنه يقول بالتأويل، ويأخذ به، وإن كان في ظاهر الأمر يرده ويحذر منه، لكنه يؤول بعض النصوص، ويبعد بها عن المقصود الأساسي لها إلى مقصد آخر يراه ويؤيده (136).
ومما ادعو عليه - أيضاً - أنه متبع لهواه، يتلاعب بالنصوص، فيأخذ منها ما يوافق بدعته وقوله، ويترك ما لا يوافق بدعته، ولو أمكنه الطعن في الآيات والأحاديث لفعل، وفي هذا يقول عنه الحصني (ت - 829هـ) : (فإن هذا شأنه إذا وجد شيئاً لا مساس فيه لما ابتدعه قال به وقبله ولم يطعن، وإذا وجد شيئاً على خلاف بدعته طعن فيه، وإن اتُفق على صحته، ولا يذكر شيئاً على خلاف هواه، وإن اتفق على صحته...) (137).
وقال - أيضاً -: (وهذا شأنه إن وجد شيئاً يوافق هواه، وخبث طويته ذكره ووسع الكلام فيه وزخرفه، وإن وجد شيئاً عليه أهمله أو حمله على محمل يعرف به أهل النقل حمله وتدليسه عند تأمله...) (138).(106/71)
ومما ادعوا عليه رحمه الله في منهجه بأنه يأخذ بخبر الواحد في الاعتقاد، وخبر الواحد عندهم لا يبنى عليه شيء من المسائل العقدية، وإنما يؤخذ به في أمور الأحكام (139).
ومما ادعوا عليه في منهجه - أيضاً - أنه مسارع في تكفير من خالفه، سواء أقام الدليل على التكفير أم لم يقم عليه دليل، وأن كل من خالفه ولم ينقد إلى رأيه وقوله فمآله إلى التكفير والتشهير والتحقير (140).
المطلب الثاني
مناقشة دعاوى المناوئين حول منهج ابن تيمية
حرص المناوئون لابن تيمية رحمه الله على إضعاف ثقة الناس به وبكلامه، فأقاموا الشُبه على منهجه رحمه الله كما أقاموها على بعض تفصيلات المعتقد، ومع اختلاف كثير منهم معه في المعتقد كالأشاعرة والمتصوفة وغيرهم، إلا أنهم جميعاً لا يصمدون أمام الحقائق، فالمُدعي يطالَب بإثبات صدق دعواه، وذلك بإيراد كلام الخصم، ليكون حجة على صدق الدعوى، وهم إذا طولبوا بذلك ولّوا على أدبارهم هاربين.
وقد يجد الناظر المحقق أن عندهم بعض النصوص التي ينقلونها عن ابن تيمية رحمه الله ولكن هذه النصوص إما أن تكون مبتورة فلا ينقلونها كاملة فيقع اللبس، أو أن ينقلوها وهم لا يفهمونها على حقيقتها، بسبب الجهل بمذهب السلف، وبما تحمله المصطلحات والألفاظ من معان.
وأما دعوى أن ابن تيمية رحمه الله على خلاف مذهب السلف...، فيجاب عن أصحاب الدعوى بأن يقال لهم: ماذا تريدون بمصطلح السلف: إن كان المراد سلف الأشاعرة والمتصوفة وغيرهم من المبتدعة فإن ابن تيمية رحمه الله لم ينتسب إلى أحد منهم، ولم يقل بقولهم، بل كان يرد عليهم ويناقشهم.
وأما إذا كان المراد بالسلف: سلف الأمة وأئمتها، وأن ابن تيمية على خلاف ما كانوا عليه، فهذا من أعجب العجب، أن يكون الشارح لمعتقد السلف، والمستدل له، والمدافع عنه على خلافه، ثم يكون أصحاب الدعوى من أهل الأهواء هم حملة هذا المعتقد الحق، والمدافعون عنه.(106/72)
وإذا كان المتهمون لابن تيمية بهذه التهمة، والقائلون بها ليسوا على معتقد السلف الصالح، فلم يفهموه، أو فهموه ولم يطبقوه فكيف تقبل منهم مثل هذه الدعاوى والتهم المزيفة.
وإذا أردنا تحقيق الأمر من جهة ابن تيمية رحمه الله فإنه سيتضح من فعله ومن قوله: فهو الذي أوذي وطرد؛ لأجل كلمة الحق وعقيدة السلف، وهو الذي نوظر وحوقق لأجلها، وهو الذي سُجن وأُبعد عن أهله ووطنه لأجلها، وهو الذي ذاق المتاعب والآلام لأجلها، وليست هذه علائم من ينتسب ويدعي الانتماء إلى عقيدة السلف دون وعي وقناعة، بل هذه دلائل إيمانه بهذا المعتقد، وتصديقه الجازم به.
وأما ما يؤيد ارتباط ابن تيمية رحمه الله بمذهب السلف، وقناعته به، وتطبيقه له من أقواله في مؤلفاته فهو كثير جداً، فمن منهجه رحمه الله ربط الناس بمذهب السلف، وتقرير هذا المذهب كلما سنحت فرصة، سواء أكان عن طريق الإجمال، أم عن طريق التفصيل.
وقد أعلن وأخبر بمصادره في الاعتقاد من كتب السلف، وكرّرها مراراً، فهي عن أئمة معروفين من السلف كالإمام أحمد (ت - 241هـ) ، والخلال (ت - 311هـ) ، وابن خزيمة (ت - 311هـ) ، والآجري (ت - 360هـ) ، وابن بطة (ت - 387هـ) ، وابن مندة (ت - 395هـ) وابن أبي زمنين (ت - 399هـ) ، وغيرهم من أئمة السلف - رحمهم الله أجمعين - (141)، وكتب هؤلاء وغيرهم ثابتة لهم، وذلك بصحة نقلها إلينا.(106/73)
فقد ذكر مترجموهم كتبهم التي ألفوها في الاعتقاد في عداد كتبهم، وكتبهم قد طبع أكثرها محققاً، وقد بين محققوها صحة نسبة هذه الكتب إلى مؤلفيها، إضافة إلى توافق ما في هذه الكتب مع اعتقاد السلف الذي هو اعتقاد مؤلفيها، فلا يبقين مكان لتشكيك من شكك في صحة نسبة بعض كتب السلف إلى مؤلفيها، إذ لا يملك المشكك دليلاً يعتمد عليه في تقوية تشكيكه، إضافة إلى أن المشكك من خارج الدائرة فهو على غير معتقد هؤلاء الأئمة، وتشكيكه في صحة نسبة هذه الكتب إنما هو لهدف وهوى في نفسه وهو التشكيك في صحة المعتقد كله والله المستعان.
ومع هذا فيدعو ابن تيمية رحمه الله إلى تقليب كتبه، والبحث عن أي قول يخالف فيه مذهب السلف الصالح، وقد أمهل مخالفه ليبحث في كتبه ثلاث سنوات، ومع هذا فلم يستطع المخالفون له - ومنهم بعض العلماء والقضاة - أن يجدوا نصاً يستندون إليه، يقول رحمه الله: (وقلت مرات: قد أمهلت كل من خالفني في شيء منها ثلاث سنين، فإن جاء بحرف واحد عن أحد من القرون الثلاثة التي أثنى عليها النبي صلّى الله عليه وسلّم، حيث قال: «خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» (142)، يخالف ما ذكرته فأنا راجع عن ذلك...) (143)، وهو رحمه الله يقر بما أقر به السلف من وجوب اتباع الكتاب والسنة، قال رحمه الله: (من طريقة أهل السنة والجماعة اتباع آثار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم باطناً وظاهراً، واتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار) (144).
وقال - أيضاً -: (أما الاعتقاد فلا يؤخذ عني، ولا عمن هو أكبر مني، بل يؤخذ عن الله، ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، وما أجمع عليه سلف الأمة، فما كان في القرآن وجب اعتقاده، وكذلك ما ثبت في الأحاديث الصحيحة) (145).(106/74)
وقال - أيضاً -: (وأنتم تعلمون - أصلحكم الله - أن السنة التي يجب اتباعها، ويحمد أهلها، ويذم من خالفها: هي سنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: في أمور الاعتقادات، وأمور العبادات، وسائر أمور الديانات، وذلك إنما يعرف بمعرفة أحاديث النبي صلّى الله عليه وسلّم الثابتة عنه في أقواله وأفعاله، وما تركه من قول وعمل، ثم ما كان عليه السابقون والتابعون لهم بإحسان) (146).
وجعل رحمه الله منهج أهل السنة والجماعة أنهم: (يجعلون كلام الله وكلام رسوله هو الأصل الذي يعتمد عليه، وإليه يرد ما تنازع الناس فيه، فما وافقه كان حقاً، وما خالفه كان باطلاً) (147).
إن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كان يدعو إلى مذهب السلف الصالح، فلم يكن يدعو إلى مذهب غيره، ولذا أنكر رحمه الله على من زعم أنه يدعو إلى المذهب الحنبلي بقوله: (ما جمعت إلا عقيدة السلف الصالح جميعهم، ليس للإمام أحمد اختصاص بهذا، والإمام أحمد إنما هو مبلغ العلم الذي جاءه به النبي صلّى الله عليه وسلّم، ولو قال أحمد من تلقاء نفسه ما لم يجيء به الرسول لم نقبله، وهذه عقيدة محمد صلّى الله عليه وسلّم) (148).
وبين - أيضاً - أن الاعتقاد الحق ليس مختصاً بالإمام أحمد (ت - 241هـ) رحمه الله (149).(106/75)
وأن الاعتقاد الحق والسنة إنما أضيفت له، وجعله إمام أهل السنة؛ لكونه أظهر السنة وبينها في وقت فتنة القول بخلق القرآن، لا أنه أنشأها وابتدأها، وإلا فالسنة سنة النبي صلّى الله عليه وسلّم، فأصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد بن عبد الله صلّى الله عليه وسلّم، وكل ما قاله الإمام أحمد (ت - 241هـ) فهو قول الأئمة قبله، كمالك (150)، والثوري (151)، والأوزاعي (152)، وحماد بن زيد (153)، وحماد بن سلمة (154)، وهو قول التابعين وقول الصحابة قبل هؤلاء الذي أخذوه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم (155)، وذكر ابن تيمية رحمه الله أن جعل الإمام أحمد (ت - 241هـ) رحمه الله إماماً في السنة، لا يعني جواز تقليده في أصول الدين، فإن التقليد في أصول الدين مذموم بإطلاق، وأنه هو نهى عن تقليده وتقليد غيره من العلماء.
وأن أصحابه كإبراهيم الحربي (156)، وبقي بن مخلد (157)، وغيرهما لا يقبلون كلام الإمام أحمد (ت - 241هـ) إلا بحجة يبينها لهم (158).
وبهذا يتضح أن ابن تيمية رحمه الله موافق لما عليه السلف من الاعتقاد الحق، وأنه وإياهم يأخذون من مصادر واحدة هي الكتاب والسنة، وأنه رحمه الله لم يدع إلى مذهب أو طريق غير الطريق والصراط السوي الذي سار عليه العلماء والأئمة الذين يقتدى بفعالهم.
وأما دعوى أن ابن تيمية رحمه الله يأخذ بالتأويل الفاسد في تعامله مع النصوص الشرعية: فهذه دعوى باطلة، ذلك أنه رحمه الله كان من أكثر الناس بياناً في كتبه لمسألة التأويل، ولبيان خطرها، ويذكر رحمه الله أنه تتبع كلام السلف - رضوان الله عليهم - هل لهم في تأويل النصوص، وخاصة نصوص الصفات كلام ومقال؟، فلم يجد لهم شيئاً من ذلك، وهو الذي أخبر رحمه الله أنه متبع لهدي السلف الصالح، مقتف أثرهم، يقول رحمه الله بعد أن ذكر أن بعض التأويلات مكذوبة عليه:(106/76)
(وأما الذي أقوله الآن وأكتبه، وإن كنت لم أكتبه فيما تقدم من أجوبتي، وإنما أقوله في كثير من المجالس: أن جميع ما في القرآن من آيات الصفات، فليس عن الصحابة اختلاف في تأويلها، وقد طالعت التفاسير المنقولة عن الصحابة، وما رووه من الحديث، ووقفت من ذلك على ما شاء الله تعالى من الكتب الكبار والصغار أكثر من مائة تفسير، فلم أجد إلى ساعتي هذه عن أحد من الصحابة أنه تأول شيئاً من آيات الصفات أو أحاديث الصفات بخلاف مقتضاها المفهوم المعروف...) (159).
وقد بين رحمه الله أن التأويل عند السلف له معنيان (160):
المعنى الأول: بمعنى التفسير، وبيان المعنى، ومن ذلك قول الله عزّ وجل: { نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ} [يوسف: 36] .
ومنه قول جابر بن عبد الله (161) رضي الله عنه: (ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أظهرنا، وعليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله، وما عمل به من شيء عملنا به) (162).
ومعنى التأويل هنا التفسير.
المعنى الثاني: بمعنى الحقيقة وهي: ما يؤول إليه الكلام ويرجع إليه، فإن كان الكلام خبراً كان تأويله بهذا المعنى: نفس الشيء المخبر به، وإن كان الكلام طلباً كان تأويله بهذا المعنى هو: فعل هذا الشيء المطلوب.
ومن تأويل الخبر قوله عزّ وجل { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ } [الأعراف: 53] ، فتأويل الخبر هذا هو حدوث الشيء المخبر به.
وقول الله عزّ وجل: {وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً} [يوسف: 100] ، فالسجود هو الذي آلت إليه رؤيا يوسف عليه السلام.
وأما الاستدلال على الكلام إن كان طلباً، فمنه قول عائشة (163) رضي الله عنها:(106/77)
(كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي» يتأول القرآن) (164) أي يعمل به.
وقد ذكر ابن تيمية رحمه الله الفرق بين نوعي التأويل عند السلف: بأن المعنى الأول يكون التأويل فيه بمعنى العلم والكلام كالتفسير والشرح والإيضاح.
ويكون وجود التأويل - أيضاً - في القلب، وهو وجود ذهني لفظي رسمي في اللسان والكتاب.
وأما المعنى الثاني: فالتأويل فيه نفس الأمور الموجودة في الخارج، سواء كانت ماضية أو مستقبلة، ويكون التأويل من باب الوجود العيني الخارجي، فتأويل الكلام هو الحقائق الثابتة في الخارج (165).
وهذان المعنيان لا يذم ابن تيمية رحمه الله إذا أقر بهما، كما يقر بهما السلف الصالح - رحمهم الله أجمعين -.
وقد حدث عند المتكلمين تعريف ثالث للتأويل لم يكن معروفاً عند السلف، ولا في معاجم اللغة المتقدمة، وقد نقل هذا المعنى عن ابن الأثير (ت - 630هـ) ، وابن الكمال (166)، وغيرهما من المتأخرين.
وهذا المعنى للتأويل عند المتكلمين له تعريفات عدة أشهرها تعريفه بأنه:
صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح لدليل يقترن به (167).
وقد عرّفه الآمدي (168) بقوله: (أما التأويل - من حيث هو تأويل مع قطع النظر عن الصحة والبطلان - هو: حمل اللفظ على غير مدلوله الظاهر منه، مع احتماله له) (169).(106/78)
ويذكر ابن تيمية رحمه الله أن هذا المعنى للتأويل لم يكن معروفاً عند السلف فيقول: (وأن التأويل بمعنى صرف اللفظ عن مفهومه إلى غير مفهومه فهذا لم يكن هو المراد بلفظ التأويل في كلام السلف، اللهم إلا أنه إذا علم أن المتكلم أراد المعنى الذي يقال إنه خلاف الظاهر جعلوه من التأويل الذي هو التفسير؛ لكونه تفسيراً للكلام، وبياناً لمراد المتكلم به، أو جعلوه من النوع الآخر الذي هو الحقيقة الثابتة في نفس الأمر التي استأثر الله بعلمها؛ لكونه مندرجاً في ذلك، لا لكونه مخالفاً للظاهر) (170).
ثم بين رحمه الله أن السلف كانوا ينكرون التأويلات التي تخرج الكلام عن مراد الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، فهي من تحريف الكلم عن مواضعه (171)، ولذا قال رحمه الله في موضع آخر: (إنا لا نذم كل ما يسمى تأويلاً مما فيه كفاية، وإنما نذم تحريف الكلم عن مواضعه، ومخالفة الكتاب والسنة، والقول في القرآن بالرأي) (172).
وقال رحمه الله: (الخلاف في لفظ (التأويل) على المعنى المرجوح، وأنه حمل اللفظ على الاحتمال المرجوح دون الراجح لدليل يقترن به، فهذا اصطلاح متأخر، وهو التأويل الذي أنكره السلف والأئمة) (173).
وذكر رحمه الله أن المتكلمين ليس لهم ضابط دقيق يُرجع إليه فيما يصلح للتأويل وما لا يصلح له، ولذا وقعوا في الاضطراب والاختلاف، يقول في ذلك: (فإنك إذا تأملت كلامهم لم تجد لهم قانوناً فيما يتأول وما لا يتأول، بل لازم قولهم إمكان تأويل الجميع، فلا يقرون إلا بما يُعلم ثبوته بدليل منفصل عن السمع، وهم لا يجوّزون مثل ذلك، ولا يمكنهم أن يقولوا مثل ذلك) (174).(106/79)
وفي الجملة فإن التأويل المقبول هو ما دل على مراد المتكلم، وأما تأويلات المتكلمين التي يحرفون بها نصوص الصفات وغيرها، فلا يعلم أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أراد ذلك، ولم تأت قرينة تدل على ما يريدون، بل مما يعلم بالاضطرار في عامة النصوص الشرعية أن مراد أهل التأويل في تأويلهم يخالف مراد الله في كلامه، ومراد الرسول صلّى الله عليه وسلّم في سنته.
ومما يعلم - أيضاً - من رد ابن تيمية رحمه الله على المتكلمين في تأويلاتهم الباطلة في عامة كتبه ورسائله في المعتقد أنه لا يقر بهذا التأويل الباطل، إذ بيّن رحمه الله دوافع تأويلاتهم الباطلة، ونتائجه، وفي المقابل بيّن معنى التأويل الصحيح، وأقسامه، وشروطه في كلام له طويل مبثوث في كتبه، فلا يتهم رحمه الله بأنه من أهل التأويل الباطل المذموم، وقد فصّل كل هذا التفصيل (175).
وأما دعوى أن ابن تيمية رحمه الله متبع للهوى في أموره: في نظرته للأشخاص، وفي تعامله مع النصوص، فالجواب عن هذه الدعوى أن ننظر في موقف ابن تيمية رحمه الله من الهوى.
فالهوى أصله: محبة الإنسان الشيء، وغلبته على قلبه، كما قال الله عزّ وجل {وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ } [النازعات: 40] ، واستهوته الشياطين: ذهبت بهواه وعقله، كما قال تعالى: { كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ } [الأنعام: 71] ، أي زينت له الشياطين هواه (176).
وأما تعريف الهوى في الاصطلاح الشرعي فهو ميل النفس إلى ما ترغبه، إذا خرج عن حد الشرع والاعتدال، كما يقول شيخ الإسلام رحمه الله:
(اتباع الإنسان لما يهواه هو أخذ القول والفعل الذي يحبه، ورد القول والفعل الذي يبغضه بلا هدى من الله) (177)، وقال - أيضاً - رحمه الله:(106/80)
(من خرج عن موجب الكتاب والسنة من المنسوبين إلى العلماء والعباد يُجعل من أهل الأهواء، كما كان السلف يسمونهم أهل الأهواء، وذلك أن كل من لم يتبع العلم فقد اتبع هواه) (178)، ثم ذكر قول الله عزّ وجل {وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 119] ، وقال: { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ } [القصص: 50] .
والهوى نوعان: هوى في الشبهة، وهوى في الشهوة، وهوى الشبهة أخطر من هوى الشهوة، ولذا قال ابن تيمية رحمه الله: (واتباع الأهواء في الديانات أعظم من اتباع الأهواء في الشهوات) (179).
والهوى - بحد ذاته - ليس محرماً، ولا مذموماً، وإنما الذم في اتباعه، فأصل الهوى محبة النفس، وبغضها، ولا يلام عليه صاحبه؛ لأنه قد لا يملكه صاحبه، وإنما يلام على اتباعه، كما قال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ } [القصص: 50] .
وقال: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص: 26] ، وقال عليه الصلاة والسلام: «ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه، وثلاث منجيات: خشية الله في السر والعلانية، والقصد في الفقر والغنى، وكلمة الحق في الغضب والرضا» (180).
ومن اتبع غير أمر الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم فهو متبع لهواه بغير هدى من الله (181).(106/81)
قال الحسن البصري (182) رحمه الله: (اتهموا أهواءكم ورأيكم على دين الله، وانتصحوا كتاب الله على أنفسكم) (183)، وقال مالك بن دينار (184) رحمه الله: (بئس العبد عبد همه هواه وبطنه) (185)، وقال ابن تيمية رحمه الله: (المحبوس من حبس قلبه عن ربه، والمأسور من أسره هواه) (186)، وقد ذكر الشعبي (187) رحمه الله سبب تسمية الهوى فقال: (إنما سمي الهوى، لأنه يهوي بصاحبه) (188).
وقد بين ابن تيمية رحمه الله خطر الهوى، وضرره على المسلم بقوله:
(وصاحب الهوى يعميه الهوى ويصمه، فلا يستحضر ما لله ورسوله في ذلك، ولا يطلبه، ولا يرضى لرضا الله ورسوله، ولا يغضب لغضب الله ورسوله، بل يرضى إذا حصل ما يرضاه بهواه، ويغضب إذا حصل ما يغضب له بهواه..) (189).
ومن خطره أنه من الأسباب الجالبة لأنواع من الفساد على الأمة، فبعد أن ذكر شيخ الإسلام رحمه الله الجهل والظلم قال: (الثالث: اتباع الظن وما تهوى الأنفس حتى يصير كثير منهم مديناً باتباع الأهواء في هذه الأمور المشروعة) (190).
وبيّن أن اتباع الهوى في النصوص: مبدأ البدع، فقال رحمه الله: (فكان مبدأ البدع هو: الطعن في السنة بالظن والهوى، كما طعن إبليس في أمر ربه برأيه وهواه) (191).
ومن خطره - أيضاً - ما نبه إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من أنه مجلبة للهم والحزن، وضيق الصدر، فقال: (من اتبع هواه في مثل طلب الرئاسة والعلو وتعلقه بالصور الجميلة، أو جمعه للمال يجد في أثناء ذلك من الهموم والغموم والأحزان والآلام وضيق الصدر ما لا يعبر عنه، وربما لا يطاوعه قلبه على ترك الهوى، ولا يحصل له ما يسره، بل هو في خوف وحزن دائماً، إن كان طالباً لما يهواه فهو قبل إدراكه حزين متألم حيث لم يحصل، فإذا أدركه كان خائفاً من زواله وفراقه) (192).(106/82)
ومن بيان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لخطر الهوى أن ذكر أن المحبة لهوى النفس أو لأمر دنيوي، ليست محبة لله، فقال: (وأما من أحب شخصاً لهواه، مثل أن يحبه لدنيا يصيبها منه، أو لحاجة يقوم له بها، أو لمال يتآكله به، أو بعصبية فيه، ونحو ذلك من الأشياء فهذه ليست محبة لله، بل هذه محبة لهوى النفس، وهذه المحبة هي التي توقع أصحابها في الكفر والفسوق والعصيان) (193).
وينبه ابن تيمية رحمه الله إلى أن خشية الله عزّ وجل هي أهم علاج لمريض الهوى، فصاحب الهوى يحتاج معه إلى الخوف الذي ينهى النفس عن الهوى، وإلى الخشية المانعة من اتباع الهوى إذ هي سبب لصلاح حال الإنسان.
وكذلك يعالَج الهوى بالعلم، وبالذكر، وهذه الثلاثة مستلزمة لبعض، فإذا قوي العلم والتذكر دفع الهوى، وإذا اندفع الهوى بالخشية أبصر القلب وعلم (194).
وأما اتهام ابن تيمية رحمه الله بأنه يأخذ بخبر الواحد في أمور الاعتقاد، فهذا في حقيقة الأمر تزكية له، واعتراف له بالفضل، إذ قال بما يقوله السلف - رضوان الله عليهم - من أن خبر الواحد يفيد العلم، بل لا يعلم مخالف من السلف قال بغير هذا القول، وأما من جاء بعد السلف من العلماء؛ فأئمتهم من الفقهاء، وأكثر المتكلمين على هذا وهذا أن خبر الواحد يفيد العلم.
ولما ذكر شيخ الإسلام رحمه الله خبر الواحد العدل، الذي تلقته الأمة بالقبول، قال (هذا يفيد العلم اليقيني عند جماهير أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم من الأولين والآخرين، أما السلف فلم يكن بينهم في ذلك نزاع، وأما الخلف فهذا مذهب الفقهاء الكبار من أصحاب الأئمة الأربعة) (195).
فخبر الواحد: إما أن لا يقوم دليل على صدقه، فهذا لا يفيد العلم، كما قال ابن تيمية رحمه الله: (ولا ريب أن مجرد خبر الواحد الذي لا دليل على صدقه لا يفيد العلم) (196).(106/83)
وإما أن تقوم به أدلة، أو تحفه قرائن تدل على صدقه، فهذا الخبر يفيد العلم اليقيني، يقول شيخ الإسلام رحمه الله: (ولهذا كان جمهور أهل العلم من جميع الطوائف على أن خبر الواحد إذا تلقته الأمة بالقبول تصديقاً له أو عملاً به أنه يوجب العلم، وهذا الذي ذكره المصنفون في أصول الفقه) (197)، ثم ذكر جمهرة كبيرة من العلماء القائلين بهذا القول وقال رحمه الله: (الخبر الذي تلقاه الأمة بالقبول تصديقاً له، أو عملاً بموجبه يفيد العلم عند جماهير الخلف والسلف) (198).
ويمثل خبر الواحد الذي تلقته الأمة بالقبول: أحاديث الصحيحين، يقول في ذلك ابن تيمية رحمه الله: (جمهور متون الصحيحين متفق عليها بين أئمة الحديث تلقوها بالقبول، وأجمعوا عليها، وهم يعلمون علماً قطعياً أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قالها) (199).
وإذا أفاد خبر الواحد العلم فإنه يوجب العمل، وهذا هو المقرر عند الأئمة، ولذا قال ابن تيمية رحمه الله: (ومن الحديث الصحيح ما تلقاه المسلمون بالقبول فعملوا به... فهذا يفيد العلم، ويجزم بأنه صدق؛ لأن الأمة تلقته بالقبول تصديقاً وعملاً بموجبه) (200).
وعن الأخذ بخبر الواحد في الاعتقاد، قال رحمه الله: (مذهب أصحابنا أن أخبار الآحاد المتلقاة بالقبول تصلح لإثبات أصول الديانات) (201).
وأما القول بأن شيخ الإسلام رحمه الله يكفّر المسلمين، وخاصة المخالفين: فإن هذه دعوى لا بينة لها، والبينة قائمة على خلافها، فنصوص ابن تيمية رحمه الله متوافرة على النهي عن تكفير المسلمين، والتحذير منه ما لم تتوافر الشروط، وتنتفي الموانع؛ لأن التكفير حكم شرعي يترتب على الحكم على أحد به أحكام شرعية أخرى. لكن ابن تيمية رحمه الله يذكر أن أهل الأهواء يكذبون عليه، ويقوّلونه ما لم يقله، أو يعتقده، فأهل الأهواء أهون شيء عليهم الكذب المختلق وهذا منه (202)، ونبّه رحمه الله إلى أن الكلام في الناس يجب أن يكون بعلم وعدل، لا بجهل وظلم (203).(106/84)
ويعرّف ابن تيمية رحمه الله الكفر بقوله: (الكفر: عدم الإيمان، باتفاق المسلمين، سواء اعتقد نقيضه وتكلم به، أو لم يعتقد شيئاً ولم يتكلم) (204).
ويفصل - في موضع آخر - في تعريفه بأن (الكفر عدم الإيمان بالله ورسله، سواء كان معه تكذيب أو لم يكن معه تكذيب بل شك وريب، أو إعراض عن هذا كله حسداً أو كبراً، أو اتباعاً لبعض الأهواء الصارفة عن اتباع الرسالة، وإن كان الكافر المكذب أعظم كفراً، وكذلك الجاحد المكذب حسداً مع استيقان صدق الرسل) (205).
ويحذر ابن تيمية رحمه الله من تكفير أهل القبلة من المسلمين الذين يرتكبون الذنوب والخطايا، مبيناً أن هذه الذنوب لا تخرجهم من دائرة المسلمين، قال رحمه الله (ومذهب أهل السنة والجماعة أنهم لا يكفرون أهل القبلة بمجرد الذنوب، ولا بمجرد التأويل، بل الشخص الواحد إذا كانت له حسنات وسيئات فأمره إلى الله) (206)، وحين حكى رحمه الله تكفير بعض الفرق الضالة لمخالفيهم قال: (والذي نختاره أن لا نكفر أحداً من أهل القبلة) (207).
ويفرق رحمه الله بين تكفير المطلق وتكفير المعين كما هو مذهب أهل السنة والجماعة، ويذكر أن الأئمة - كالإمام أحمد (ت - 241هـ) رحمه الله كانوا يكفرون بعض أهل الأهواء كالجهمية، لكنهم لم يكفروا أعيانهم، وكذلك الشافعي (ت - 204هـ) رحمه الله لما قال لحفص الفرد (208): كفرت بالله العظيم؛ لاعتقاده خلق القرآن، لم يحكم بردته، بل بين له أن هذا القول كفر، ولو اعتقد أنه مرتد لسعى في قتله، وهكذا بقية الأئمة (209).(106/85)
ويذكر رحمه الله أنه لا يصح إطلاق تكفير المعين، والتساهل فيه، بل لا بد من توافر أسباب التكفير من عمل أو اعتقاد أو قول المكفر، وانتفاء موانع التكفير كالجهل، أو التأويل، أو وجود الشبهة، وعدم قيام الحجة، يقول رحمه الله: (إن التكفير له شروط وموانع قد تنتفي في حق المعين، وإن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع) (210)، ويقول رحمه الله: (لا يحكم بكفر أحد حتى تقوم عليه الحجة من جهة بلاغ الرسالة) (211)، ثم ذكر قول الباري عزّ وجل: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ } [النساء: 165] ، وقوله سبحانه وتعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً } [الإسراء: 15] ، وقال رحمه الله في توضيح هذه القاعدة: (وليس لأحد أن يكفر أحداً من المسلمين، وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة، وتبين له المحجة، ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة، وإزالة الشبهة) (212).
وينبه ابن تيمية رحمه الله إلى أن الكفر لا يطلق على كل من عمل الكفر، بل يقال: من عمل هذا العمل فهو كافر، أو هذا العمل كفر، أو يقال لمن عمله: من عمل عملك فهو كافر، وهكذا من الألفاظ المجملة (213).
ومعنى قيام الحجة عند ابن تيمية رحمه الله يكون بشيئين، كما قال: (والحجة على العباد إنما تقوم بشيئين: بشرط التمكن من العلم بما أنزل الله، والقدرة على العمل به، فأما العاجز عن العلم كالمجنون، أو العاجز عن العمل فلا أمر عليه ولا نهي، وإذا انقطع العلم ببعض الدين، أو حصل العجز عن بعضه: كان ذلك في حق العاجز عن العلم أو العمل بقوله كمن انقطع عن العلم بجميع الدين، أو عجز عن جميعه كالمجنون مثلاً...) (214)، وأطال في ذكر الأمثلة لهذه القاعدة ثم قال: (وهذا باب واسع جداً فتدبره) (215).(106/86)
وبيّن رحمه الله أن أهل السنة لا يكفرون المخالف لهم، وإن كان مخالفهم يكفرهم - أحياناً - يقول رحمه الله: (وأئمة السنة والجماعة، وأهل العلم والإيمان فيهم العلم والعدل والرحمة، فيعلمون الحق الذي يكونون به موافقين للسنة سالمين من البدعة، ويعدلون على من خرج منها، ولو ظلمهم، كما قال تعالى: { كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] . ويرحمون الخلق فيريدون لهم الخير والهدى والعلم، لا يقصدون لهم الشر...، فلهذا كان أهل العلم والسنة لا يكفرون من خالفهم، وإن كان ذلك المخالف يكفرهم؛ لأن الكفر حكم شرعي) (216).
وقد كان منهج ابن تيمية رحمه الله واضحاً في مسألة تكفير المعين، فلا يحكم على الأعيان إلا بعد قيام الحجة، وانتفاء الموانع والعوارض كالجهل، أو التأويل، أو الشبهة، وقد ذكر ذلك رحمه الله بقوله: (ولهذا كنت أقول للجهمية من الحلولية (217)، والنفاة الذين نفوا أن الله - تعالى - فوق العرش لما وقعت محنتهم: أنا لو وافقتكم كنت كافراً؛ لأني أعلم أن قولكم كفر، وأنتم عندي لا تكفرون؛ لأنكم جهال...) (218).
وقد قال رحمه الله هذا القول تجاه الجهمية الذين كفرهم جمهور أئمة أهل السنة والجماعة، والحال فيمن دونهم أولى (219).
وقال رحمه الله عنهم أيضاً: (وإذا عرف هذا، فتكفير المعين من هؤلاء الجهال وأمثالهم - بحيث يحكم عليه بأنه من الكفار - لا يجوز الإقدام عليه إلا بعد أن تقوم على أحدهم الحجة الرسالية التي يتبين بها أنهم مخالفون للرسل، وإن كانت هذه المقالة لا ريب أنها كفر) (220).(106/87)