ومما يدل على أن الانكليز ضد الحركة الوهابية، أنهم أرسلوا الكابتن فورستر سادلير ليهنيء إبراهيم باشا على النجاح الذي حققه ضد الوهابيين، إبان حرب إبراهيم باشا للدرعية، وليؤكد له أيضاً مدى ميله إلى التعاون مع الحركة البريطانية لتخفيض ما أسموه بأعمال القرصنة الوهابية في الخليج العربي(1).
بل صرحت هذه الرسالة بالرغبة في إقامة الاتفاق بين الحكومة البريطانية، وبين إبراهيم باشا، بهدف سحق نفوذ الوهابيين بشكل كامل(2).
يقول الشيخ محمد بن منظور النعماني: "لقد استغل الانجليز الوضع المعاكس في الهند للشيخ محمد بن عبد الوهاب، ورموا كل من عارضهم ووقف في طريقهم، ورأوه خطراً على كيانهم بالوهابية، ودعوهم وهابيين …، وكذلك دعا الإنجليز علماء ديوبند – في الهند – بالوهابيين من أجل معارضتهم السافرة للانجليز، وتضييقهم الخناق عليهم.."(3).
وبهذه النقول المتنوعة ينكشف زيف هذه الشبهة، وتهافتها أمام البراهين العلمية الواضحة من رسائل الشيخ الإمام ومؤلفاته، كما يظهر زيف الشبهة أمام الحقائق التاريخية التي كتبها المنصفون.
6- الشبهة السادسة -براءة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب من غلو حركة الإخوان – الخوين-:
نبذة مختصرة عن تأسيس حركة الإخوان:
مما هو معلوم أن من إنجازات الملك عبد العزيز السياسية، لتوحيد شبه الجزيرة العربية ، استثمار الطاقات النفسية والبدنية الهائلة لدى القبائل البدوية. وكانت الخطوة العملية لهذا الاستثمار، هي نقلهم من حياة البداوة إلى التحضر.
__________
(1) نظر: الكابتن فورستر سادلير، "رحلة عبر الجزيرة العربية" خلال عام 1819م، ترجمة أنس الرفاعي (ص7).
(2) نظر المرجع السابق (ص156، 157). وانظر: كتاب "محمد بن عبد الوهاب مصلح مظلوم" لمسعود الندوي، (ص121، 123).
(3) دعايات مكثفة ضد الشيخ محمد بن عبد الوهاب"، (ص105، 106)، باختصار.(85/59)
خرجت الفكرة إلى حيز التنفيذ، بتأسيس مستوطنات لإقامة البدو، عُرفت بـ "الهُجر"، يجري فيها تعليمهم أمور دينهم، وحرفة الزراعة لكسب معاشهم، بدلاً من الغزو والسلب والنهب.
في عام (1330هـ - 1912م)، تأسست الأرطاوية أولى هذه الهجر، وعُرف سكانها بـ "الإخوان"، وهو المصطلح الذي أُطلق على البدو سكان الهجر. ومن هؤلاء البدو، سكان الهجر، تكونت النواة الأولى لجيش من المجاهدين، يُحركهم صدق العقيدة، وقوة الإيمان، جيش غير نظامي يتكفل بسلاحه ومعاشه، وهو جاهز عند الطلب. وهكذا ظهر "الإخوان" قوة عسكرية.
استثمر الملك عبد العزيز هذا الجيش غير النظامي، ودفع به خلال مسيرته لتوحيد شبه الجزيرة العربية، وإخضاع قبائلها المتناحرة, ومضى الإخوان في معاركهم الظافرة، حتى اكتمل النصر بتوحيد الجزيرة العربية. وعندما أحس الإخوان بقوتهم العسكرية، واعتماد الدولة عليهم، أخذ نفوذهم يزداد مستمدين قوتهم من تعصب ديني يرفض كل تحديث وتمدن، باسم البدعة والضلال، بل يعدون كل من ليس منهم، أو مؤمناً بأفكارهم، كافراً حلال دمه وماله.
أدى موقف الإخوان المتشدد إلى المواجهة بينهم وبين الملك عبد العزيز، عندما خرجوا على سلطان الدولة وشرعيتها، وعمدوا إلى إيقاف التطور العصري اللازم لمسيرة الدولة, فرفضوا استخدام الهاتف واللاسلكي والسيّارة والطائرة، وعدوا ذلك من أعمال السِّحر والسحرة، ورجسٌ تجب محاربته شرعاً. وتحول التشدد إلى تمرد قادة ثلاثة من زعمائهم هم: فيصل الدّويش، وسلطان بن بجاد، وضيدان بن حثلين.(85/60)
فطغى الإخوان وغلوا(1)، وأخذوا يحاربون من لم يتحضر من البدو فيكفِّرون، وينهبون، ويقتلون. "أنت يا بدوي مشرك، والمشرك حلال الدم والمال. أنت يا أبا العقال من الكفار، أنا أخو من طاع (أطاع) الله، وأنت أخو من طاع (أطاع) الشيطان". كما أصبح كل "أخٍ" متعصب بالعصابة البيضاء يستطيع أن يسطو على غيره فيُعيّر، ويشتم، ويسفك الدماء. وقد انتشرت من جراء ذلك الفوضى في البلاد، وكاد يُقْطع حبل الأمن والسلام، وضج الناس منهم.
عقد الملك عبد العزيز، في سنة 1337هـ/1919م ، مؤتمراً في الرياض، للنظر في هذه الأمور، حضره كبار الرؤساء والعلماء وقرروا بعد البحث ما يأتي:
الكفر لا يُطلق على بادية المسلمين الثابتين على دينهم.
لا تفاوت بين لابس العقال ولابس العمامة، إذا كان معتقدهما واحداً .
لا فرق بين الحضر الأولين والمهاجرين الآخرين.
لا فرق بين ذبيحة البدوي الذي في ولاية المسلمين، ودربه دربهم، ومعتقده معتقدهم، وبين ذبيحة الحضر الأولين والمهاجرين.
لا حق للمهاجرين أن يعتدوا على الناس، الذين لم يهاجروا كأن يضربوهم، أو يتهددوهم، أو يلزموهم الهجرة.
لا حق لأحد أن يهجر أحداً، بدوياً كان أو حضرياً، بغير أمر واضح، وكفر صريح، ومن دون إذن من ولي الأمر أو الحاكم الشرعي.
وقد ضُمِنّت هذه القرارات منشوراً صدر عن الملك عبدالعزيز والعلماء، في شأن مخالفة الإخوان للشرع(2).
وقد أجاب العلماء على اعتراضات واستفسارات الإخوان ومنها :
__________
(1) هنا ألفت إلى أن حركة جهيمان العتيبي هي من المتأثرين ببقايا هؤلاء الإخوان. وأبو محمد المقدسي صاحب كتاب "الكواشف الجلية" هو من المتأثرين ببقايا حركة جهيمان، ولذلك دافع بقوة عن حركة الإخوان السعودية في كتابه المذكور.
(2) نظر على شبكة الإنترنت حركة الإخوان في عهد الملك عبد العزيز" في موقع "مقاتل من الصحراء" .(85/61)
السؤال الأول تعين أن يتناول توضيح مسألة البدو الذين لم يستوطنوا الهجر وأن عدم الإقامة في الهجرة ليس أمراً غريباً ولا يخرج من الملة...
وبالنسبة للبس العمة فالإخوان يفترضون ومن خلفية ضعيفة أن كل المسلمين يجب أن يلبسوا العمة كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقد أنكر سليمان بن سمحان أن العمة جزء مهم من لباس المؤمن لأن النبي محمداً - صلى الله عليه وسلم - قبل وبعد الرسالة كان يرتدي زي العرب التقليدي, ولم يرتد أي شيء يميزه عنهم، وواصل ابن سمحان قائلاً: "العمة والعباءة والعقال أشياء متعادلة، فالمرء لا يكسب مدحاً إن لبسهم ولا يرتكب إثماً إن تركهم"، لذلك ليس هناك مجال للقول أن الذي يأكل كذا وكذا أو الذي يلبس كذا وكذا, قد ارتكب بدعة أو ارتكب جريمة.
في نهاية المؤتمر أصدر العلماء فتوى رسمية اشتملت الفقرة الأخيرة منها على ما يلي:
"إجابتنا ... إلى أولئك المسلمين الحاضرين أن كل تلك الأشياء تتعارض مع جوهر الفقه الإسلامي، ولم تأمر بها الشريعة الإسلامية, والذي يرتكب هذه الأشياء يجب أن يتركها ويرجع عنها، وإذا تاب واعترف بذنبه سوف يعفى عنه, وإذا استمر في فعله وعاند فسوف يعاقب عقوبة عامة وسط المسلمين, ولا تجب مصادقة أو معاداة إلا أولئك الذين يأمره الحاكم الشرعي بمصادقتهم أو معاداتهم. الذي يعارض هذا القول فإنه ينتهك ما أقره المسلمون ، هذا ما نعتقده ونشهد الله على ذلك. وخلال عام 1926م وبعودة الإخوان عقد في الأرطاوية حضرة رؤساء القبائل من مطير وعتيبه وعجمان حيث أنكروا على ابن سعود:
إرسال ابنه سعود إلى مصر والتي كان يحتلها البريطانيون النصارى ويسكنها مسلمون ملحدون.
إرسال ابنه فيصل إلى لندن بلاد الشرك.
استخدام السيارات, المبرقات, اللاسلكي والتليفون لأنها من بدع النصارى والاختراعات المنكرة.
تحصيل الضرائب من قبائل الحجاز ونجد.(85/62)
السماح للقبائل الملحدة في العراق وشرق الأردن لترعى قطعانها أرض المسلمين في جزيرة العرب.
منع التجارة مع الكويت، فإذا كان هذا المنع يعني معاقبة الكويت، لأن الكويتيين ملحدون .. فإذن يستحسن أن يكون مسموحاً للإخوان بالإغارة عليهم أما إذا كان الكويتيون مسلمين فعلاً فلماذا مقاطعتهم؟
الفشل في إرغام شيعة أهل الاحساء ليلتزموا بالإسلام الوهابي.
واستجابة لهذه الشكوى من الإخوان فقد عاد ابن سعود إلى نجد قادماً من الحجاز ليدعو إلى اجتماع مع قادة الإخوان والرؤساء وقد حضر حوالي (3000) شخص. وفي الاجتماع الذي انعقد في الرياض في يناير عام 1927م ، أكد ابن سعود مرة أخرى إخلاصه وتفانيه للشريعة، وأعاد تكرار وعوده المبكرة لهم وهو الذي عهدوه لم يتغير, وقد انتهى الاجتماع بصدور فتوى من العلماء أجابت على كل اعتراضات الإخوان المذكورة أعلاه(1).
وفي عام (1347 هـ - 1928م)، عندما بلغ عصيان الإخوان مداه، دعا الملك عبد العزيز إلى مؤتمر عام عُرف "بالجمعية العمومية" انعقد في الرياض. وفي هذا المؤتمر واجه الملك عبد العزيز الإخوان بسوء تصرفاتهم، وانتهى المؤتمر بتأييد العلماء للملك عبد العزيز، ومن ثم جدد المؤتمر البيعة للملك عبد العزيز إماماً وقائداً.
لم يلتزم زعماء الإخوان بمقررات مؤتمر الرياض، ومضوا في مسلكهم المناوئ لسياسة الدولة ، والمتمثل في مهاجمة حدود العراق، والقبائل التي تقيم على أطراف الحدود فضلاً عن مهاجمة مخافر الشرطة العراقية والاعتداء عليها، ومهاجمة القوافل وترويع الآمنين. ونشر الذعر وعدم الأمان، مما قلل هيبة الدولة وأظهرها بمظهر العجز والضعف.
بلغت الأحوال حداً من التردي، أدرك معه الملك عبد العزيز أن مواجهة الإخوان بالحسم والردع أصبحت أمراً لا بد منه, وخاصة وأن نقض زعمائهم لتعهداتهم، أضحى سمة غالبة لكل مواثيقهم التي أبرموها معه.
__________
(1) إسهام الإخوان في توحيد المملكة العربية السعودية"(165) للنفيعي.(85/63)
في 19 شوال 1347 هـ، قاد الملك عبد العزيز هجوماً على تجمعات الإخوان في روضة السّبلة، وقضى عليهم وفرق شملهم في معركة عُرفت باسم "السّبَلَة ". وبذلك أُسدل الستار على حركة الإخوان، التي دامت عقدين من الزمان. وكان يمكن لها أن تزدهر وتنمو على أُسس سليمة، من العقيدة والالتزام وأن تتطور وتتقدم رافعة راية العلم والإسلام. ولكن عدداً من الأسباب، من أهمها الإيغال في الدين بغير رفق. وهكذا، فإن حركة الإخوان التي بدأت نقية طاهرة مجاهدة انتهت عندما انحرفت عن وجهتها الصحيحة، إلى ضرب من السلب والنهب والخروج على شرعية الدولة وسلطانها(1).
تعصب الإخوان وغلوهم(2):
تعصب الإخوان معروف جيداً وحقيقي، ومحفوظ في قصص يتداولها سكان مدن الحجاز كالطائف ومكة والمدينة ووسط سكان العراق والكويت، والأردن(3)، وحتى في وسط الإخوان أنفسهم. ومن الأمثلة على شدة الإخوان وتعنتهم ما جاء في كتاب "إسهام الإخوان في توحيد المملكة العربية السعودية" للدكتور عبد الله النفيعي في مذكرات سرية مؤرخة 23-26 إبريل 1920م والتي توضح ما يلي:
__________
(1) نظر على شبكة الإنترنت حركة الإخوان في عهد الملك عبد العزيز" في موقع "مقاتل من الصحراء" .
(2) اء في كتاب "إسهام الإخوان في توحيد المملكة العربية السعودية" (ص168) للدكتور عبد الله النفيعي: إن وحشية غارات الإخوان وطريقة قتلهم لكل الذكور والرضع وكبار السن، وفي بعض الأوقات النساء والأطفال الإناث، الأمر المنافي تماماً لتقاليد العرب في الحرب ..
(3) اء على سبيل المثال في كتاب "عشائر بني صخر تاريخ ومواقف" (ص131)، ذكر الحملتين التي قام بها الإخوان "الخوين" على عشائر شرقي الأردن وما كان في هاتين الحملتين من قتل وإغارة وسفك للدماء ودرج المؤلف على تسميتها بالحملة الوهابية الأولى والثانية .(85/64)
في الهفوف في 10 أبريل 1920م , أخت زوجة ابن جلوي فتاة من قبيلة سبيع كانت تلبس حريراً ملوناً خلال زيارة مع أختها في المدينة , فقام بدوي من الإخوان الذين كانوا يجلسون على البوابة وضرب الفتاة بدون شعور , وذلك لأن لبس الحرير محرم عند الإخوان فأمر ابن جلوي بتجميع كل الإخوان في الهفوف الذين كانوا مع الرجل أثناء عملية ضرب الفتاة وصادر جمالهم وجلد المتهم.
في الجبيل بعض الإخوان من المجمعة حضروا للمدينة لشراء أرز. اعترضوا على رجل من البحرين له شارب طويل وبدون لحية وقبضوا على الرجل وحلقوا شاربه فعارضهم سكان المدينة وقاتلوا الإخوان وقتلوا منهم اثنين.
الهداية القسرية:
طالما أن الإخوان يعتقدون بأنهم الوحيدون الذين يملكون سر حقيقة الدين يريدون أن يشاركهم كل الناس في ذلك إما بالإقناع السلمي أو بتهديد القوة واستخدامها إذا دعت الحاجة إلى ذلك .. .
ويقال: إن الإخوان في الحرب لا يأخذون أسرى بل يذبحون كل من يقع في أيديهم".
وكتب الممثل السياسي في الكويت:
"إن أعداداً كبيرة من البدو الآن في الكويت يشاهدون وقد وضعوا غطاء الرأس الأبيض الخاص بالإخوان. ولكن يبدو أن التغير في غطاء الرأس ناتج من الخوف أكثر من التغير في الأفكار الدينية. وعدد كبير منهم قال إنه يرتدي هذا الزي ليحمي نفسه من هجمات الإخوان واستمتاعهم بتدخين السجائر يؤكد صدق كلامهم... .
أقوال علماء الدعوة في تبرئة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب
من أعمال الإخوان
فتوى علماء نجد في شأن تعصب الإخوان(85/65)
من عبد الله بن عبد اللطيف، وحسن بن حسين، وسعد بن حمد بن عتيق، وعمر بن محمد بن سليم، وعبد الله بن عبد العزيز العنقري، وسليمان بن سحمان، ومحمد بن عبد اللطيف، وعبد الله بن بليهد، وعبد الرحمن بن سالم: إلى كافة الإخوة، من أهل الهُجَر وغيرهم، وفقنا الله وإياهم لما يحبه ويرضاه، وجعلنا وإياهم من حزبه وأوليائه آمين. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد ذلك: تفهمون ما منّ الله به علينا وعليكم من نعمة الإسلام وتجديد هذه الدعوة والذي علينا وعليكم شكر الله، واتباع أوامره واجتناب نواهيه. ولا يخفاكم ما جرى من الاختلاف، وكثرة الشُّبه، وهي على ثلاثة أمور:
الأول: وهو الأكثر، طلب الخير، والاجتهاد، ووقوع الناس في أمور تخل في دينهم ودنياهم لأنهم يأتون ذلك محبة للدين، بغير دليل.
والثاني: أنه لا بدّ في بعض الإخوان المتقدمين شدة وتعصب، بغير دليل، فلما تبين له الأمر، وسأل طلبة العلم وتحقق عنده أن تعصبه خطأ، ورجع عن أمره الأول، استنكر منه إخوانه، وصار بينه وبينهم اختلاف بغير سؤال، ولا تبين حقيقة ما عنده.
والأمر الثالث: أن هناك أناساً من الذين يدّعون طلب العلم، من الحضر، وهم جهال، يدخلون على بعض الإخوان أموراً مشتبهة، أحد منهم يريد الحق وهو مخطئ. وأحد قصده يعرف بالأمور المخالفة. فلما تحقق ذلك عند ولاة الأمور وعند العلماء أحبوا اجتماع المسلمين مع علمائهم وولاة أمورهم. فلما حضر أسمع الحاضر بنفسه، والغائب نبلغه بهذا الكتاب.
فقد سألنا الإمام عبد العزيز بحضرتهم عن أمور:
الأول: هل يُطلق الكفر على بادية المسلمين الثابتين على دينهم، القائمين بأمور الله ونواهيه، أم لا؟
والثاني: هل في لابس العقال ولابس العمامة فرق تفاوت، إذا كان معتقدهم واحداً، أم لا؟
والثالث: هل في الحضر الأولين وفي المهاجرين الآخرين فرق أم لا؟(85/66)
والرابع: هل في ذبيحة البدوي الذي في ولاية المسلمين ودربه دربهم ومعتقده معتقدهم، وفي ذبيحة الحضر الأولين والمهاجرين، فرق حلال أم حرام أم لا؟
الخامس: هل للمهاجرين أمر أو رخصة، فيعتادوا على الناس، الذين لم يهاجروا، يضربونهم أو يتهددونهم أو يؤدبونهم أو يلزمونهم بالهجرة أم لا؟ وهل لأحد أن يهجر أحداً بدوياً أو حضرياً بغير أمر واضح، إما كفر صريح، أو شيء من الأعمال التي يجب هجره عليها بغير إذن ولي الأمر أو الحاكم الشرعي؟
فأجبناه بحضور الحاضرين من المسلمين، أن كل هذه الأمور مخالفة للشرع، ولا أمرت بها الشريعة، وأن الذي يفعلها يُنهى عنها، فإن تاب وأقر بخطئه، فيُعفى عنه وإن استمر على أمره وعاند فيجب عليه التأديب الظاهر بين المسلمين. وأن جميع ما يأمر به أو ينهى عنه، أو يعادي أو يصادق على غير ما أمرت به الولاية، ولا حكم به الحاكم الشرعي، أن الذي يفعله مخالف للشريعة وطريقته غير طريقة المسلمين. وهذا الذي ندين الله به، ونُشهد الله عليه، نرجو الله أن يوفقنا وإياكم للخير وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
(1337هـ - 1919م)
(ختم) حسن بن حسين، سعد بن حمد بن عتيق، عمر بن محمد بن سليم، عبد الله بن عبد العزيز العنقري، سليمان بن سحمان، محمد بن عبد اللطيف، عبد الله بن بليهد، عبد الرحمن بن سالم، عبد الله بن عبد اللطيف.
فتوى علماء نجد في بعض القضايا التي أثارها الإخوان
من محمد بن عبد اللطيف، وسعد بن حمد بن عتيق، وسليمان بن سحمان، وعبد الله بن عبد العزيز العنقري، وعمر بن محمد بن سليم، وصالح بن عبد العزيز، وعبد الله بن حسن، وعبد العزيز بن عبد اللطيف، وعمر بن عبد اللطيف، ومحمد بن إبراهيم، ومحمد بن عبد الله، وعبد الله بن زاحم، ومحمد بن عثمان الشاوي، وعبد العزيز بن محمد الشفري - إلى من يراه من أخواننا المسلمين، سلك الله بنا وبهم صراط المستقيم وجنبنا وإياهم طريق أهل الجحيم. آمين.(85/67)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد: فقد ورد عن الإمام – سلمه الله، سؤال من بعض الإخوان عن مسائل وطلب منا الجواب عنها فأجبناه بما نرى.
أما مسألة البرقي، فهو أمر حادث في آخر هذا الزمان ولا نعلم حقيقته ولا رأينا كلاماً عنه من أحد من أهل العلم فتوقفنا في مسألته ولا نقول على الله ورسوله بغير علم. والجزم بالإباحة أو التحريم، يحتاج إلى الوقوف على حقيقته.
وأما مسجد "حمزة" و"أبو رشيد" فأفتينا الإمام – وفقه الله – أنهما يهدمان على الفور.
وأما القوانين، فإن كل موجود منها شيء في الحجاز فيزال فوراً ولا يحكم إلا بالشرع المطهر.
وأما دخول الحاج المصري بالسلاح والقوة في بلد الله الحرام فأفتينا الإمام بمنعهم من الدخول بالسلاح والقوة، ومن إظهار جميع المنكرات.
وأما المحمل، فأفتينا بمنعه من دخول المسجد الحرام ومن تمكين أحد أن يتمسح به أو يقبله. وما يفعله أهله من الملاهي والمنكرات يمنعون منها. وأما منعه عن مكة بالكلية، فإن أمكن بلا مفسدة تعين، وإلا فاحتمال أخف المفسدتين، لدفع أعلاهما ثابت شرعاً.
وأما المكوس فأفتينا الإمام أنها من المحرمات الظاهرة. فإن تركها فهو الواجب عليه وإن امتنع فلا يجوز شق عصا المسلمين والخروج عن طاعته من أجلها.
وأما الجهاد فهو موكول إلى نظر الإمام وعليه أن يراعي الأصح أي الصحيح بالإسلام والمسلمين على حسب ما تقتضيه الشريعة.
نسأل الله لنا وله ولكافة المسلمين التوفيق والهداية وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.(85/68)
[محمد بن عبد اللطيف، سعد بن حمد بن عتيق، سليمان بن سحمان، ... عبد الله بن عبد العزيز العنقري، عمر بن محمد بن سليم، وصالح بن عبد العزيز، وعبد الله بن حسن، عبد العزيز بن عبد اللطيف، وعمر بن عبد اللطيف، ... حمد بن إبراهيم، ومحمد بن عبد الله، وعبد الله بن زاحم، ومحمد بن عثمان الشاوي، عبد العزيز بن محمد الشفري](1).
كلام الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن
في الرد على تعنت الإخوان وغلوهم
جاء في إحدى رسائله(2):
من عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن إلى عبد العزيز الخطيب. السلام على من اتبع الهدى, وعلى عباد الله الصالحين وبعد:
فقرأت رسالتك, وعرفت مضمونها وما قصدته من الاعتذار. ولكن أسأت في قولك: إنما أنكره شيخنا الوالد من تكفيركم أهل الحق واعتقاد إصابتكم أنه لم يصدر منكم. وتذكر أن إخوانك من أهل (النقيع) يجادلونك وينازعونك في شأننا, وأنهم ينسبوننا إلى السكوت عن بعض الأمور وأنت تعرف أنهم يذكرون هذا غالباً على سبيل القدح في العقيدة, والطعن في الطريقة, وإن لم يصرحوا بالتكفير فقد حاموا حول الحمى, فنعوذ بالله من الضلال بعد الهدى ومن الغي عن سبيل الرشد والعمى.
وقد رأيت سنة أربع وستين رجلين من أشباهكم المارقين بالإحساء قد اعتزلا الجمعة والجماعة, وكفرا من في تلك البلاد من المسلمين, وحجتهم من جنس حجتكم, يقولون: أهل الإحساء يجالسون ابن فيروز ويخالطونه وهو وأمثاله ممن لم يكفر بالطاغوت ولم يصرح بتكفير جده الذي رد دعوة الشيخ محمد, ولم يقبلها, وعاداها.
قالا: ومن لم يصرح بكفره فهو كافر بالله لم يكفر بالطاغوت ومن جالسه فهو مثله.
__________
(1) انظر على شبكة الإنترنت "حركة الإخوان في عهد الملك عبد العزيز" في موقع "مقاتل من الصحراء".
(2) نظر: "الدرر السنية" (1|232).(85/69)
ورتبوا على هاتين المقدمتين الكاذبتين الضالتين ما يترتب على الردة الصريحة من الأحكام, وحتى تركوا رد السلام, فرفع إلي أمرهم فأحضرتهم وتهددتهم وأغلظت لهم القول فزعموا أولا أنهم على عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب. وأن رسائله عندهم.
فكشفت شبهتهم, وأدحضت حجة ضلالتهم بما حضرني في المجلس.
وأخبرتهم ببراءة الشيخ من هذا المعتقد والمذهب, وأنه لا يكفر إلا بما أجمع المسلمون على تكفير فاعله من الشرك الأكبر, والكفر بآيات الله ورسوله, أو بشيء منها, بعد قيام الحجة وبلوغها المعتبر, كتكفير من عبد الصالحين ودعاهم مع الله, وجعلهم أنداداً له فيما يستحقه على خلقه من العبادات والإلهية.
وهذا مجمع عليه عند أهل العلم والإيمان, وكل طائفة من أهل المذاهب المقلدة يفردون هذه المسألة بباب عظيم يذكرون فيه حكمها, وما يوجب الردة ويقتضيها, وينصون على الشرك.
وقد أفرد ابن حجر هذه المسألة بكتاب سماه " الإعلام بقواطع الإسلام"، وقد أظهر الفارسيان المذكوران التوبة والندم وزعما أن الحق ظهر لهما, ثم لحقا بالساحل , ودعا إلى تلك المقالة, وبلغنا عنهم تكفير أئمة المسلمين بمكاتبة الملوك المصريين, بل كفروا من خالط من كاتبهم من مشائخ المسلمين, نعوذ بالله من الضلال بعد الهدى, والحور بعد الكور.
وقد بلغنا عنكم نحو من هذا, وخضتم في مسائل من هذا الباب, كالكلام في الموالاة والمعاداة, والمصالحة والمكاتبات, وبذل الأموال والهدايا, ونحو ذلك من مقالة أهل الشرك بالله والضلالات, والحكم بغير ما أنزل الله عند البوادي ونحوهم من الجفاة: لا يتكلم فيها إلا العلماء من ذوي الألباب, ومن رزق الفهم عن الله وأوتي الحكمة وفصل الخطاب.
والكلام في هذا يتوقف على معرفة ما قدمناه, ومعرفة أصول عامة كلية لا يجوز الكلام في هذا الباب – وفي غيره – لمن جهلها وأعرض عنها وعن تفاصيلها.(85/70)
فإن الإجمال والإطلاق وعدم العلم بمعرفة مواقع الخطاب وتفاصيله يحصل به من اللبس والخطأ وعدم الفقه عن الله ما يفسد الأديان, ويشتت الأذهان, ويحول بينها وبين فهم السنة والقرآن, وقال ابن القيم في كافيته، رحمه الله تعالى:
فعليك بالتفصيل والتبيين
فالإطلاق والإجمال دون بيان
قد أفسدا هذا الوجود وخبطا
الأذهان والآراء كل زمان
وأما التكفير بهذه الأمور التي ظننتموها من مكفرات أهل الإسلام، فهذا مذهب الحرورية المارقين الخارجين على علي بن أبى طالب أمير المؤمنين، ومن معه من الصحابة.
فإنهم أنكروا عليه تحكيم أبى موسى الأشعري, وعمرو بن العاص في الفتنة التي وقعت بينه وبين معاوية وأهل الشام, فأنكرت الخوارج عليه ذلك, وهم في الأصل من أصحابه من قراء الكوفة والبصرة, وقالوا: حكمت الرجال في دين الله, وواليت معاوية وعمراً وتوليتهما, وقد قال الله تعالى: {إن الحكم إلا لله}، وضربت المدة بينك وبينهم, وقد قطع الله هذه الموادعة والمهادنة منذ أنزلت "براءة"، وطال بينهم النزاع والخصام, حتى أغاروا على سرح المسلمين, وقتلوا من ظفروا به من أصحاب علي. فحينئذ شمر – رضي الله عنه – لقتالهم, وقتلهم دون النهروان بعد الإعذار والإنذار.
والتمس المخدج المنعوت في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم وغبره من أهل السنن فوجده علي فسر بذلك, وسجد لله شكراً على توفيقه, وقال: لو يعلم الذين يقاتلونهم ماذا لهم على لسان محمد - صلى الله عليه وسلم - لنكلوا عن العمل. هذا وهم أكثر الناس عبادة وصلاة وصوماً.
من كلام الشيخ ابن سحمان – من علماء الدعوة النجدية -
في بيان تعنت الإخوان وغلوهم في كتابه:
"منهاج أهل الحق والإتباع في مخالفة أهل الجهل والضلال"(85/71)
قال رحمه الله (ص20): فإذا ما تبين لك هذا, فيقال لهؤلاء الجهلة الصعافقة الحمقى, الذين لا علم لهم ولا معرفة لديهم بحقائق الأمور ومدارك الأحكام, الذين يقرءون على الناس كلام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب, وهم لا يفهمون مواقع الخطاب وتوقيع الأمور على ما هي عليه, حيث يقول قائلهم: نعم, هذا قول الشيخ في البدو, والمشايخ اليوم يقولون ويقولون.
فيقال لهم: إن كلام الشيخ الذي تقرءونه على الناس في قوم كفار ليس معهم من الإسلام شيء, وذلك قبل أن يدخلوا في الإسلام, ويلتزموا شرائعه, وينقادوا لأوامره, وينزجروا عن زواجره ونواهيه, وأما بعد دخولهم في الإسلام فلا يقول ذلك فيهم إلا من هو أضل من حمار أهله وأقلهم ديناً وورعاً, ومقالته هذه أخبث من مقالة الخوارج الذين يكفرون بالذنوب, وهؤلاء يكفرونهم بمحض الإسلام. أمَا عَلِمَ هؤلاء المساكين أن الإسلام يجُبُّ ما قبله, وأن الهجرة تهدم ما قبلها, بنص رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟
وأما قوله: والمشايخ اليوم يقولون ويقولون, فالجواب أن نقول: نعم المشايخ اليوم يقولون لا نكفرُ من ظاهره الإسلام, ولا يطلقون الكفرعلى جميع أهل البادية الذين هم بين أظهر أهل الإسلام, وإنما يقولون: من قام به وصفُ الكفر منهم فهو كافر, كمن يعبد غير الله, ويشرك به أحداً من المخلوقين, أو يتحاكم إلى الطواغيت, ويرى أن حكمهم أحسن وأفضل من حكم الله ورسوله, أو يستهزئ بدين الله ورسوله, أو ينكر البعث.
فمن قام به هذا الوصف الذي ذكرنا من المكفرات وغيرها مما يخرج من الملة في بادية أو حاضرة فهو كافر. كما ذكر ذلك شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وغيره من العلماء – رحمهم الله تعالى – وهذا هو الذي ندين الله به في أي بادية كانت أو حاضرة.(85/72)
ثم لو ذهبنا نذكر ما أحدثه هؤلاء من البدع والغلو والمجاوزة للحد في الأوامر والنواهي لطال الجواب، والعاقل يسير فينظر، والهداية والتوفيق بيد الله، وإنما عليه الإعذار والإنذار وبيان الحق.
ومن لم يقم به وصف الكفر، وكان ملتزماَ لشرائع الإسلام الظاهرة فهو مسلم، ولا نكفره بارتكاب الذنوب والمعاصي، ولا بالأعمال التي لا تخرجة من الملة.
ومن لم يسلك طريقة المشايخ في هذه المسائل سلك ولا بد على طريقة الخوارج الذين يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يعودون إليه. فإنهم – ولله الحمد والمنة – كانوا وسطاً بين طرفين، وعلى هدًى بين ضلالتين.
وقال رحمه الله (ص24):
فالعجب كل العجب ممن يصغي ويأخذ بأقوال أناس ليسوا بعلماء ولا قرءوا على أحد من المشايخ فيحسنون الظن بهم فيما يقولونه وينقلونه، ويسيئون الظن بمشايخ أهل الإسلام وعلمائهم الذين هم أعلم منهم بكلام أهل العلم، وليس لهم غرض في الناس إلا هدايتهم وإرشادهم إلى الحق الذي كان عليه رسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وسلف الأمة وأئمتها.
وأما هؤلاء المتعالمون الجهال فكثير منهم – خصوصاً من لم يتخرج على العلماء منهم – وإن دعوا الناس إلى الحق فإنما يدعون إلى أنفسهم، ليصرفوا وجوه الناس، طلباً للجاه والشرف والترؤس على الناس، فإذا سئلوا أفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا.
وقد قال بعض السلف: "إن هذا العلم دين فانظروا عن من تأخذون دينكم"، وقال بعض العلماء: إن من سعادة العجمي والعربي إذا أسلما أن يوقفا لصاحب سنة، ومن شقاوتهما أن يوفقا لصاحب بدعة"، أو كما قال.(85/73)
ولكن الشأن كل الشأن في معرفة صاحب السنة ومعرفة صاحب البدعة، فأما صاحب السنة فمن علاماته التي يعرف بها: الأخذ بكتاب الله وسنه رسوله - صلى الله عليه وسلم - في الأقوال والأعمال والهدي والسمت، ويأخذ بأقوال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأقوال التابعين ومن بعدهم من السلف الصالح والأئمة المهتدين، ويعلم الناس أمر دينهم بالأهم فالأهم، ويربي بصغار العلم قبل كبارة، ويسلك طريقة التيسير، كما قال تعالى: {وما أنا من المتكلفين}.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين))، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين))، وقال - صلى الله عليه وسلم - لما جاء الحبشة يلعبون يوم العيد في المسجد قام ينظر إليهم، ثم قال: ((لتعلم يهود أن في ديينا فسحة، إني بعثت بحنيفية سمحة))، ذكر هذا العماد ابن كثير – رحمه الله تعالى – في تفسيره على قوله تعالى: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، إلى غير ذلك من الأمور التي يتصف بها أهل السنة والجماعة.
ومن ذلك: أن يكون الرجل عليماً فيما يأمر به, عليماً فيما ينهى عنه, حليماً فيما يأمر به, حليماً فيما ينهى عنه, رفيقاً فيما يأمر به, رفيقاً فيما ينهى عنه.
ومن علامات صاحب البدعة: التشديد, والغلظة, والغلو في الدين, ومجاوزة الحد في الأوامر والنواهي, وطلب ما يعنتُ الأمة ويشق عليهم ويحرجهم, ويضيق عليهم في أمر دينهم, وتكفيرهم بالذنوب والمعاصي, إلى غير ذلك مما هو مشهور مذكور من أحوال أهل البدع.(85/74)
فهؤلاء هم الذين نخشى على من سلك طريقتهم أن يوقعوا من تدين من الأعراب ممن لم يتمكن من معرفة الدين وتفاصيل الأحكام فيما يخالف طريقة أهل السنة والجماعة من هذه البدع التي تفضي بهم إلى مجاوزة الحد في الأوامر والنواهي.
وقال رحمه الله (ص32):
ومن ذلك أيضاً أنهم يلزمون ..الأعراب وغيرهم بلبس عصابة, ويسمونها: العمامة. فمن لبسها كان من الإخوان الداخلين في الدين, ومن لم يلبسها فليس من الإخوان, لأنه لم يلبس السنة عندهم, وزعموا أن هذه العمامة زي وشعار يتميز به من دخل في هذا الدين عمن لم يدخل فيه. فمن رأوها عليه أحبوه ووالوه وسلموا عليه. ومن لم يروها عليه لم يسلموا عليه ولم يردوا عليه السلام, لأنه ليس من الإخوان ولم يلبس السنة.
وقد ذكرنا ما يبطل هذه البدعة ويردها في "إرشاد الطالب إلى أهم المطالب" مستوفاة بأدلتها, وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية – قدس الله روحه – في كتاب "الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان":
فصل: وليس لأولياء الله شيء يتميزون به عن الناس في الظاهر من الأمور المباحات, فلا يتميزون بلباس دون لباس إذا كان كلاهما مباحاًَ, ولا بحلق شعر أو تقصيره أو تضفيره إذا كان مباحاً, كما قيل: كم من صديق في قباء, وكم من زنديق في عباء إلى آخر كلامه – رحمه الله تعالى -.
فبيَّن – رحمه الله تعالى – أنه ليس لأولياء الله المتقين لباس يتميزون به عن الناس في الظاهر من الأمور المباحات.
وقال ابن القيم – رحمه الله تعالى- في "مدارج السالكين" لما ذكر حال أولياء الله المتقين, قال: وهم مستترون عن أعين الناس بأسبابهم وصنائعهم ولباسهم, لم يجعلوا لطلبهم ولإرادتهم إشارة تشير إليهم: اعرفوني. انتهى.(85/75)
وهؤلاء الجهال يأمرون الناس أن يلبسوا عمائم يتميزون بها عن الناس, ويشار إليهم, ويعرفون بها. إذا فهمت هذا فاعلم أنه ليس مقصودنا بإنكار هذه العمائم لبسها فإنها من المباحات والعادات. وإنما الإنكار زعمهم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - سنها وشرعها لأمته, وأنها شعار يتميز به من دخل في هذا الدين عن غيره. وهذا لم يشرعه الله ولا رسوله, ولا قاله المحققون من أهل العلم.
ومن ذلك أنهم ينكرون على من لبس عقالاً من صوف, ولا يسلمون عليه, ويقولون: إنه لم يكن في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يلبسه لاهو ولا أصحابه, وهم يلبسون المشالح السود والبيض والحمر والغتر (الشمغ) والرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يلبسها لا هو ولا أصحابه, ولم تكن في عهده ولا عهد أصحابه, فكيف يكون لبس هذه حلالاً ولبس تلك حراماً؟ وهذا من جهلهم وعدم معرفتهم بمواقع الخطاب في الحلال والحرام, وما يترتب على ذلك من القول على الله بلا علم، والله المستعان.
وقال رحمه الله (ص86): [المسألة التاسعة]: قول السائل: إن رجلين سأل أحدهما الآخر قال: ما مرام الإمام والمشايخ باستدعاء الإخوان و تهدّّّدهم ومنعهم من دعوة البادية, والأخذ عليهم من دخول بلاد النازلين منهم, حتى حصل بسبب ذلك تجسّرٌ على مشايخ المسلمين بالسبّ و الثّلب و إساءة الظّنّ و قلّة الانتفاع بفائدهم و نصائحهم, وربما يوصلوا إلى ولي الأمر بأقوالٍ لا تروج على عاقل, ولكن يغتر بها كل مغرور جاهل, و يأنس بها كل منافق بلاؤه في قلبه داخل.
فنقول: قد كان من المعلوم عند الخاصة و العامة أن الذي منع هؤلاء من الذهاب إلى هذه الأماكن المذكورة في السؤال هو الإمام - أعزه الله بطاعته وأحاطه بحياطته - لأمرين:(85/76)
أحدهما: أنهم افتاتوا على منصب الإمامة, فذهبوا إلى البادية من رعيته ومن تحت يده وفي ولايته من غير إذن منه ولا أمر لهم بذلك. وقد كان من المعلوم أن الإمام هو الذي يبعث العمال والدعاة إلى دين الله.
الثاني: ما بلغه عنهم من الغلو والمجازفة والتجاوز للحد في المأمورات والمنهيات, وإحداثهم في دين الله ما لم يشرعه الله ولا رسوله ... .
ومنها أن من ديّنَ ودخل في الدين من الأعراب لايصح لهم إسلام حتى يهاجروا. ومنها أنهم يلزمون من دخل في هذا الدين أن يلبس عصابة على رأسه, ويسمونها العمامة, وأنها هي السنة, فمن لبسها كان من الإخوان الداخلين في هذا الدين, ومن لم يلبسها فليس من الإخوان, وأنها شعار وزي يتميز به المسلم عن الكافر. وقد أجبنا عن هذا كله فيما تقدم.
ومنها أنهم لا يسلمون إلا على من يعرفون وتَمَيَّزَ بالعمامة, وهم مع ذلك يزعمون أنهم هم الذين على السنة, وأن المشايخ يميتون السنن, وهم يخالفون ما سنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السلام بالأمر بالسلام على من عرف ومن لم يعرف.
قال البخاري- رحمه الله – في "الأدب المفرد": :"باب التسليم بالمعرفة وغيرها": حدثنا قتيبة, قال: حدثنا الليث, عن يزيد بن حبيب, عن أبي الخير, عن عبد الله بن عمرو, أن رجلاً قال: يا رسول الله أيُّ الإسلام خير؟ قال: ((تطعم الطعام, وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف)).(85/77)
وفيه أن الطفيل بن أُبي بن كعب أخبره أنه كان يأتي عبد الله بن عمر فيغدو معه إلى السوق, قال : فإذا غدونا إلى السوق لم يمر عبد الله ابن عمر على سقاط ولا صاحب بيعة ولا مسكين ولا أحد إلا يسلم عليه. قال الطفيل: فجئت عبد الله بن عمر يوماً فاستتبعني إلى السوق. قلت : ما تصنع بالسوق, وأنت لا تقف على البيع, ولا تسأل عن السلع, ولا تسوم بها, ولا تجلس في مجالس السوق؟ فاجلس بنا ههنا نتحدث. فقال لي عبد الله: يا أبا بطن – وكان الطفيل ذا بطن – إنما نغدوا لأجل السلام من لقينا.
فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((اقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف)), وابن عمر – رضي الله عنه – يقول: إنما نغدوا من أجل السلام على من لقينا.
ومنها أنهم لا يدعون أحداً صلى معهم صلاة الصبح أن يخرج من المسجد إلا بعد طلوع الشمس, وهذا لم يكن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا فعله أصحابه بعده.
ومنها أنهم أدخلوا في الدين ما ليس منه, فزعموا أن تدويه البدو للإبل عند ورودها وصدورها بدعة.
ومن المعلوم أن البدع لا تكون إلا في القربات الشرعية، وتدويه الأعراب لإبلهم من العادات الطبعية، فزعموا أن هذه العادات من العبادات.
وقد بلغني عن رجل من هؤلاء المتعمقين، يقال له: عبد الله بن دامغ، أنه يقول: من لبس العمامة ثم تركها ارتد عن الإسلام.
وبلغني - أيضاً - عن رجل من أعيانهم، أنه كتب إلى بعض الأعراب ينهاهم عن مباشرة النساء في فرشهن في الحيض، لأن ذلك ذريعة إلى جماعهن في الحيض – ويل أمهُ أما علم أن ذلك قد ثبت في الأحاديث الصحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من فعله وأمره.
ومن هؤلاء من تجاوز الحد في التأديب عند فوات بعض الصلاة فضربوا رجلاً منهم حتى مات.(85/78)
وثبت عندنا عن بعضهم أنه فسر قول - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم إني أعوذك بك من الحور بعد الكور))، فزعم أن الكور هي العمامة وأن الرسول استعاذ بالله من تركها بعد لبسها.
وثبت عن رجل آخر منهم أنه يقول من انقطعت ناقته، وأعيت من الهزال ، فنحرها أهلها، فقال: أنها حرام، لا تأكلوها. واستدل بقول الله تعالى: {والموقوذة والمتردية}، فحمل القرآن على لغته الفاسدة إلى غير ذلك من الأمور التي أحدثوها مما لا يمكن عده ولا استقصاؤه.
فلما اشتهر هذا الأمر عنهم ، وهذا الغلو والتجاوز للحد، خاف الإمام أن يسيروا بسيرة الخوارج، فيمرقون من الدين بعد أن دخلوا فيه، كما مرق منه من غلا في الدين وتجاوز الحد ممن كانوا من أعبد الناس وأزهدهم وأكثر تهليلاً، حتى أن الصحابة يحقرون أنفسهم عندهم، وهم تعلموا العلم من الصحابة. فهذا هو المرام الذي أوجب للإمام منع هؤلاء الجهلة عن دخول بلاد النازلين.
وقال الشبخ عبد العزيز آل عبد اللطيف في كتابه "دعاوي المناوئين" (ص65):
ومما يجدر ذكره أن بعض الخصوم قد استغل ما وقع فيه شرذمة من الأعراب وفي زمن يسير - ممن تابع هذه الدعوة - من التشدد والجفاء، فحكموا - بغياً وعدواناً - على جميع أتباع هذه الدعوة وعلى مر الأزمان بهذا الحكم الجائر، فرموهم أيضاً بالتشدد والجفاء.
ولقد قلدهم في تلك الدعوى بعض الكتّاب، فوصفوا هذه الدعوة السلفية بالتشدد والجفاء والتطرف، وجعلوا ذلك سبباً في عدم قبولها وكثرة أعدائها.
وقد رد الشيخ حمود التويجري على أحد المعاصرين حين رمى أتباع هذه الدعوة بالتشدد، فكان من ردّه أنه قال: "التشدد الذي أشار إليه إنما وقع في بعض الأعراب في زمن يسير، فأما الحاضرة وكثير من البادية فكانوا على الطريقة السلفية، ولم يكن فيهم تشدد كما يزعمه بعض الناس؛ فإطلاق التشدد على العموم متعقب على من ادعاه كما لا يخفى من له أدنى معرفة بحال أهل نجد".(85/79)
وفي الختام :هذا ما يسر الله من الكتابة في الدفاع عن الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله, والحمد لله أولا وآخراً.
الفهرس
الموضوع
الصفحة
مقدمة
3
التعريف بالإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله
5
نبذة مختصرة عن حياة الشيخ الإمام
8
حالة نجد قبل دعوة الشيخ الإمام
10
بدء نهضة الشيخ في الإصلاح الديني
14
عقيدة الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب
18
مؤلفات الشيخ
22
أثر دعوة الشيخ الإصلاحية على العالم الإسلامي
23
الشبهات التي أثيرت حول الشيخ الإمام:
1- الشبهة الأولى تصحيح خطأ تاريخي
2- الشبهة الثانية وقفة مع مذكرات همفر
3- الشبهة الثالثة وقفة مع ادعاء بعض الخصوم عدم محبته للنبي - صلى الله عليه وسلم -
4- الشبهة الرابعة شبهة الغلو في التكفير وأنه يكفر من خالفه
* وقفات مع كتاب: "قراءة نقدية لمذهب الشيخ محمد بن عبد الوهاب في التكفير
5-الشبهة الخامسة شبهة الخروج على الدولة العثمانية
6- الشبهة السادسة براءة دعوة الشيخ من غلو حركة الإخوان "الخوين"
24
24
25
29
33
38
55
62
نبذة مختصرة عن تأسيس حركة الإخوان "الخوين"
62
تعصب الإخوان وغلوهم
67
أقوال علماء الدعوة النجدية في تبرئة دعوة الشيخ من غلو الإخوان
68
فتوى علماء نجد في بعض القضايا التي أثارها الإخوان
70
كلام الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ في الرد على غلو الإخوان
72
من كلام الشيخ ابن سحمان في بيان غلو الإخوان
75
كلام الشيخ حمود التويجري في غلو الإخوان وتعصبهم
82
الفهرس
83(85/80)
بسم الله الرحمن الرحيم
حقوق الطبع محفوظة للمؤلف
الطبعة الأولى
1428هـ 2007م
قام بصف وإخراج هذه المادة
موقع: http://www.khomainy.com/
نسأل الله الإخلاص في القول والعمل
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله علاَّم الغيوب الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور... وبعد:
فهذه وثائق خطيرة لعلها تنشر لأول مرة، وهي تتضمن مخططات وبروتوكولات آيات قم حول الحرمين الطاهرين.
وما كان لنا أن نتنبأ بغيب مستور، أو ندعي العلم بسر مكنون... ولكنا اطَّلعنا على بروتوكولات محجوبة عن عموم الناس بندرة الطباعة، واختفائها بين آلاف الصفحات بحيث يستدعي البحث عنها سنوات.
ولقد بليت بقراءتها أعواماً متتاليات، وعرفت منها ما لم يعلمه كثير من الناس، وهاأنذا أشرك القارئ في قراءة بعض هذه النصوص النادرة، والمحجوبة، ليتعرف من خلالها على النوايا والأهداف بدون تقليل، أو تهويل، بعيداً عن مزايدات الساسة، ومبالغات رجالات الإعلام.
وأكتب هذه الكلمات نصيحة لأمة الإسلام، وكشفاً لمناورات الباطنيين، وفضحاً لمخططاتهم.
ولا أكتبها ـ يعلم الله ـ إرضاء لزعيم، أو تزلفاً لفئة، أو مجاملة لوضع قائم.
وإذا كان التوقف عن عبادة من العبادات خوف الرياء لا يجوز؛ فإن السكوت عن قول كلمة الحق خوف أن يقال بأنها إنما تجري مع ركب السلاطين في بلد ما هو سكوت عن كلمة الحق، والساكت عن الحق شيطان أخرس.
وإذا كانت بروتوكولات حكماء صهيون قد كشفت بواسطة امرأة فرنسية كما هو معلوم من قصتها، فإن كشف مخططات الروافض لم يكن له ذات السبب أو ما يشابهه؛ بل إن الذي كشفه رجال الطائفة نفسها لأنهم كما تقول أخبارهم: مبتلون بالنزف وقلة الكتمان(1).
هذا على الرغم من أن نصوصهم تقول لهم:
«إنكم على دين من كتمه أعزه الله، ومن أذاعه أذله الله»(2).
__________
(1) ... أصول الكافي (1/401).
(2) ... المصدر السابق (2/222).(86/1)
«اتقوا الله في دينكم فاحجبوه بالتقية، فإنه لا إيمان لمن لا تقية له»(1).
«إن تسعة أعشار الدين في التقية ولا دين لمن لا تقية له»(2).
لكنهم خالفوا هذه الوصايا وأذاعوا...، وقد يكون هذا من نعم الله على المسلمين ليعرفوا الحقيقة التي حجبتها غيوم من التقية، وسحب من الكتمان، مُدداً طويلة.
ووسائل الرافضة لتنفيذ مخططاتهم متنوعة، حتى قال عنها الخبير بمذهبهم والعارف بحالهم عبدالعزيز شاه ولي الله الدهلوي بأنها: «كثيرة جداً لا تدري اليهود بعشرها»(3).
ولكن سأخصص هذه الدراسة لبروتوكولاتهم حول الحرمين لتزايد فتنتهم واستعلان شرهم حول الديار المقدسة في هذه الأيام، على أني سأحاول إن شاء الله أن أقوم بدراسة شاملة وعرض عام للخطط والبروتوكولات عندهم في مبحث لاحق. كما أن هذه الدراسة لا تعني الاستيعاب الكامل لكل خططهم حول الحرمين، ولكنها عرض لأهم الخطط وأخطرها مما هو جديد على الناس.
وما أعرضه هنا مأخوذ من وثائقهم ومصادرهم المعتمدة عندهم باعترافهم، فهذه النصوص إما مأخوذة من كتبهم الأربعة التي هي عمدة المذهب وعليها المعول وهي: «الكافي»، و«التهذيب»، و«الاستبصار»، و«من لا يحضره الفقيه».
قال شيخهم المعاصر محمد صادق الصدر: «إن الشيعة مجمعة على اعتبار الكتب الأربعة قائلة بصحة كل ما فيها من روايات»(4). وكتبهم الأربعة المتأخرة وهي: «الوافي»، و«بحار الأنوار»، و«الوسائل»، و«مستدرك الوسائل».
قال عالمهم المعاصر محمد صالح الحائري: «وأما صحاح الإمامية فهي ثمانية: أربعة منها للمحمدين الثلاثة الأوائل، وثلاثة بعدها للمحمدين الثلاثة الأواخر، وثامنها لحسين المعاصر النووي»(5).
__________
(1) ... المصدر السابق (2/218).
(2) ... أصول الكافي (2/218).
(3) ... مختصر التحفة ص(25).
(4) ... الشيعة ص(127).
(5) ... منهاج عملي للتقريب (مقال للحائري في كتاب الوحدة الإسلامية) ص(233).(86/2)
فهم يعدون هذه الثمانية صحاحهم المعتمدة، أو ما هو في منزلة الكتب الأربعة المتقدمة، حيث إن لهم كتباً كثيرة جداً قالوا أنها لا تقل عن الكتب الأربعة المتقدمة في الاعتماد والاعتبار؛ كما بين ذلك المجلسي في بحاره(1)، وكما ترى ذلك أيضاً في مقدمات تلك الكتب بأقلام شيوخهم المعاصرين.
والخلاصة : أنني لم أنقل إلا ما يعتمدونه من كتبهم، فالمسلم مأمور بالتزام العدل حتى مع طوائف الكفر، وإن وجد في نفسه ما وجد: ?وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِنَئَانُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى? [المائدة: 8 ].
كما أن هذا ما يتفق مع المنهج العلمي، ووجوب أداء الأمانة على وجهها.
هذا وستجد أنني في عرضي للبروتوكولات قد لا أطيل في التعقيب والتحليل، وقد أترك البروتوكول يتحدث بنفسه لصراحته.
وما كان لي أن أنشر هذه الوثائق إلا بعد أن تفاقم كيد روافض عصرنا ضد بيت الله المطهر، وحجاجه، وخفي على كثير من المسلمين أن أعمالهم وجرائمهم إنما تصدر عن اعتقاد كما بينته أصولهم، ومصادرهم، وشواهد التاريخ وحقائق الواقع، ولكن أكثر الناس لا يقرؤون، وبعدما خرج مذهبهم الجديد في ولاية الفقيه، والذي لا يعرفه أسلافهم القدماء(2)
__________
(1) ... انظر: بحار الأنوار، 1/26 وما بعدها.
(2) تسمى الشيعة بالاثني عشرية: لقولها باثني عشر إماماً لا يجوز أن يتولى الخلافة على المسلمين سواهم، وآخرهم لا وجود له، ولا ظهور، ولكن يتولى عنه نواب مخصصون؛ ثم عممت النيابة عنه لجميع شيوخ الشيعة على اختلاف بين المتأخرين منهم في قدر النيابة كما سيأتي.
... كما تلقب بالرافضة لرفضها إمامة أبي بكر وعمر، أو لرفضها زيد بن علي لما ترضى عن الشيخين، كما تسمى بالجعفرية لانتسابها إلى جعفر بن محمد الصادق. ويرى جمع من الباحثين أن لفظ الشيعة إذا أطلق اليوم لا ينصرف إلا إليهم، ولذا فإنك ستجد في هذه الرسالة استخدام هذه المصطلحات للتعبير عن حقيقة واحدة، وإن كان في الحقيقة من يذهب هذا المذهب لا يمت للشيعة بصلة فهم روافض ومدعو التشيع، ولكن نستخدم هذا المصطلح لاشتهارهم به اليوم.(86/3)
. ...
هذا ولأن بعض هذه البروتوكولات مبنية على مبدأ غيبة إمام الاثني عشرية، ومسألة النيابة عنه، أو ما يسمى بولاية الفقيه، ولأن كثيراً من الناس يجهل مسألة الغيبة وقضية النيابة، فإنني سأقدم تمهيداً موجزاً أعرف القارئ مبدأ الغيبة عندهم، ومسألة النيابة عن الغائب لدى الروافض الأوائل، وعند المعاصرين، وقد حاولت أن لا أتوسع في العرض لئلا يطول حجب القارئ عن الموضوع الأساسي.
وأسأل الله سبحانه أن يبصر المسلمين بحقيقة أعدائهم، ويرد كيد الباطنيين والزنادقة والمنافقين في نحورهم، ويعز الإسلام وينصر المسلمين.
وصلَّى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
} ... } ... }
يعتقد الروافض أن إمامهم الحسن العسكري المتوفى سنة (260 هـ) لم يمت عقيماً كما يقول التاريخ؛ بل له ولد، اختفى إثر ولادته... ومنذ ذلك الحين إلى يومنا هذا وهم ينتظرون ظهوره، أي منذ أكثر من أحد عشر قرناً.
وهذه العقيدة لا تزال موجودة في أذهان الروافض إلى اليوم رغم تقدم العلم وتطور وسائل المعرفة، حتى أن آيتهم محمد باقر الصدر(1) يقول: «كل ما في الأمر أنه - عليه السلام - يعيش بشخصية ثانوية متكونة من اسم مستعار، وعمل معين، وأسلوب في الحياة غير ملفت للنظر، ولا يمت إلى الإمامة والقيادة بصلة»(2). أي: أنه يعيش بين الناس باسم مزور، وهو عندهم الحاكم على المسلمين، وكل من تولى على العالم الإسلامي من خلفاء على امتداد التاريخ فهم طواغيت، ومن تابعهم من المسلمين فهو في عداد المشركين.
__________
(1) ... صاحب كتابي «فلسفتنا» و«اقتصادنا»، وفيهما تظهر براعة عقلية، ولكنه حيث يتحدث عن عقائدهم تتضاءل عقليته، ويختفي وهج تفكيره؛ بل يعود كطفل من الأطفال في تعلقه وتخيله لخرافات وأساطير هي عقائد عند قومه مما يدلك على أن التعصب والتحزب يلغي ملكة التفكير.
(2) ... تاريخ ما بعد ظهور ص(272).(86/4)
وهذه العقيدة منذ سنة 260 هـ إلى اليوم هي أساس مذهب الروافض، ويهتم بها آيات الرافضة ومراجعها حتى يعدون منكرها أكفر من إبليس(1).
إذ بها يستمدون القداسة بين شيعتهم، وبواسطتها يأخذون الأموال من أتباعهم باسم خمس «الغائب»، وعن طريقها يدَّعون الصلة بأهل البيت، وقد اضطروا للقول بهذه العقيدة البعيدة عن العقول، لأنهم قد حصروا الإمامة بأولاد الحسين وبأشخاص معينين منهم على اختلاف بينهم في تحديد الإمامة(2).
ولكنهم فوجئوا في سنة 260 هـ بوفاة الحسن العسكري ـ وهو الإمام الحادي عشر عندهم ـ عقيماً، فافترقوا في هذا وتحيروا حتى بلغت فرق شيعة الحسن أربع عشرة فرقة كما يقول النوبختي، أو خمس عشرة فرقة، كما يقول القمي، وهما من الرافضة، ومن عايش تلك الأحداث إذ هما من شيوخهم في القرن الثالث.
وساد الشك أوساط الشيعة وغلبت عليهم الحيرة، ذلك أنهم قد قالوا لأتباعهم: إن الإمامة هي أصل الدين وأساسه، حتى جاء في نصوص «الكافي» أقدس كتاب عندهم في الحديث والرواية: أنها «أعظم أركان الإسلام»(3)، وأنها أهم من النبوة(4)
__________
(1) ... انظر: ابن بابويه، إكمال الدين ص(13).
(2) ... وقد وقعت اختلافات كثيرة بينهم في تعيين الإمام من ذرية الحسين حتى بلغت فرقهم ـ بنقل الرافضة نفسها ـ ثلاثاً وسبعين فرقة، مع أنهم يزعمون أن الله سبحانه نص على هؤلاء الأئمة، وأيدهم بالوحي والمعجزات، وأنزل عليهم كتباً مقدسة... إلخ، ولو كان شيء من ذلك لما وقع اختلاف بينهم في تعيين الإمام؛ بل ولتغير وجه التاريخ.
(3) ... انظر: أصول الكافي (2/18).
(4) ... انظر: أصول الكافي (1/175)، وبهذا المعنى قال شيخهم نعمة الله الجزائري: «والإمامة العامة التي هي فوق درجة النبوة والرسالة» (زهرة الربيع ص12).
... وقال هادي الطهراني أحد مراجعهم وآياتهم في هذا العصر: «الإمامة أجلُّ من النبوة»، ودائع النبوة، ص (114). ولو كان الأمر كما يقولون لبيَّنه الله في كتابه غاية البيان، ولبلغه الرسول البلاغ المبين، ولنقلته الأمة أجمع، وأجمع عليه المسلمون، ولكن هذه الدعاوى من كيد أعداء هذه الأمة ضد الخلافة الإسلامية.(86/5)
.... و«أن الأرض لا تخلو من إمام لحظة واحدة، ولو بقيت الأرض بغير إمام لساخت»(1).
«ولو أن الإمام رفع من الأرض ساعة لماجت بأهلها، كما يموج البحر بأهله»(2)؛ بل قالوا: «إن القرآن لا يكون حجة إلا بقيّم»(3)، وهو الإمام. والإجماع لا حجة فيه، وإنما الحجة في قول الإمام(4)، والوحي لم يتوقف بوفاة الرسول ? كما أجمع المسلمون، بل استمر؛ لأن قول الإمام ـ بزعمهم ـ كقول الله، حتى قال شيخهم المازندراني : «يجوز لمن روى حديثاً عن الإمام أن يقول فيه: قال الله»(5).
وكل هذه الدعاوي وغيرها كثير تشتمل عليها عقيدتهم في الأئمة؛ ثم فجأة يسقط هذا الأساس، وتتهاوى معه مزاعم الرافضة، وينكشف الأمر أمام الأتباع، وتتضح الحقيقة لكل ذي عينين بوفاة الإمام بلا عقب، حتى قالت كتب الفرق عندهم بأنه مات: «ولم ير له خلف، ولم يعرف له ولد ظاهر، فاقتسم ما ظهر من ميراثه أخوه جعفر وأمه»(6). فبدأت التنظيمات السرية تعمل لتفادي هذا الخطر المحدق قبل أن ينفرط سلك الأتباع، ويموت المذهب.
وتحكي كتب الفرق عندهم تباين اتجاهاتهم في الخروج من هذا المأزق، فمنهم من قال: «إن الحسن بن علي حي لم يمت، وإنما غاب وهو القائم، ولا يجوز أن يموت ولا ولد له ظاهر لأن الأرض لا تخلو من إمام»(7).
__________
(1) ... أصول الكافي (1/179).
(2) ... الموضع نفسه من المصدر السابق.
(3) ... أصول الكافي (1/188)، وانظر: رجال الكشي ص (420)، علل الشرائع ص(192)، المحاسن ص(268)، وسائل الشيعة (18/141).
(4) ... انظر: تهذيب الوصول إلى علم الأصول لابن المطهر ص(70)، أوائل المقالات للمفيد ص(99 ـ 100) وراجع كتب الأصول عندهم عامة.
(5) ... شرح جامع (على الكافي) للمازندراني (2 /272).
(6) ... المقالات والفرق ص(102)، فرق الشيعة ص(96).
(7) ... المقالات والفرق ص(106)، فرق الشيعة ص(96).(86/6)
وذهبت فرقة أخرى إلى الاعتراف بموته، ولكنها قالت بأنه حي بعد موته وهو غائب الآن وسيظهر(1). بينما فرق أخرى حاولت أن تنقل الإمامة من الحسن إلى أخيه جعفر، وأخرى أبطلت إمامة الحسن بموته عقيماً(2).
وطائفة أخرى : «وهم المسمَّون بالشيعة اليوم» زعموا بأن للحسن العسكري ولداً: «وكان قد أخفى ـ أي الحسن ـ مولده، وستر أمره، لصعوبة الوقت، وشدة طلب السلطان له... فلم يظهر ولده في حياته، ولا عرفه الجمهور بعد وفاته»(3).
وهذا الولد المزعوم والذي يقول التاريخ بأنه لا حقيقة له، هو الذي يزعم آيات الشيعة أنهم نوابه ـ كما سيأتي ـ وبواسطته تخلصوا من أهل البيت فأصبحوا يتبعون معدوماً لا وجود له.
وفكرة الإيمان بإمام خفي أو غائب تكاد توجد لدى معظم فرق الروافض التي وجدت في التاريخ الإسلامي(4).
فتذهب هذه الفرق بعد موت من تدعي الإمامة فيه من أهل البيت إلى إنكار موته، والقول بخلوده، واختفائه عن الناس، وعودته إلى الظهور في المستقبل، مهدياً يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
ولا تختلف هذه الفرق إلا في تحديد الإمام الذي تدعي له العودة، كما تختلف في تحديد الأئمة وأعيانهم، الذين يعتبر الإمام الغائب واحداً منهم.
ويعدُّ ابن سبأ اليهودي أول من أدخل هذه العقيدة عليهم، ولذا فإن القمي والنوبختي ـ وهما من شيوخهم في القرن الثالث ـ والشهرستاني قالوا: بأن السبئية أول فرقة قالت بالوقف على علي(5) وغيبته(6).
__________
(1) ... المقالات والفرق ص(107)، فرق الشيعة ص(97).
(2) ... المقالات والفرق ص(109)، فرق الشيعة ص(100 ـ 101).
(3) ... الإرشاد للمفيد ص(389).
(4) ... ولذلك سبب كشفته لنا وثائق الرافضة اليوم سيأتي ذكره بعد هذا البحث.
(5) ... أي: لم تسق الإمامة لمن بعده.
(6) ... انظر: المقالات والفرق للقمي ص(19 ـ 20)، فرق الشيعة للنوبختي ص(22)، الملل والنحل للشهرستاني (1/174).(86/7)
ثم انتقلت هذه الفكرة من السبئية إلى الكيسانية(1) حيث قالت لما مات محمد ابن الحنفية ـ أحد أبناء أمير المؤمنين علي ـ وكانت تدعي أنه إمامها قالت: «إنه حي لم يمت، وهو في جبل رضوى بين مكة والمدينة، عن يمينه أسد، وعن يساره نمر، موكلان به يحفظانه إلى أوان خروجه وقيامه، وقد تغنى شعراؤهم بذلك حتى قال شاعرهم (كثير عزة):
ألا إن الأئمة من قريش ... ... ولاة الحق أربعة سواء
عليّ والثلاثة من بنيه ... ... هم الأسباط ليس بهم خفاء
فسبط سبط إيمان وبرّ ... ... وسبط غيبته كربلاء
وسبط لا يذوق الموت حتى ... ... يقود الخيل يقدمها اللواء
تغيب لا يرى فيهم زماناً ... ... برضوى عنده عسل وماء(2)
وقد حددت الكيسانية مدة غيبة ابن الحنفية بسبعين عاماً، وأنه سيظل هذه المدة بجبل رضوى؛ ثم يظهر فيقيم لهم الملك ويقتل لهم الجبابرة من بني أمية(3)، ولكن مضت السبعون سنة، ولم تتحقق هذه العودة.
__________
(1) وهي من فرق الروافض تقول بإمامة محمد ابن الحنفية، وسميت كيسانية نسبة للمختار ابن أبي عبيد الثقفي لأن لقبه كيسان، وكذلك تسمى بالمختارية، والكيسانية فرق بلغت عند الأشعري إحدى عشرة فرقة، وقد ادعى المختار نزول الوحي عليه، وقال بالبداء وضلالات أخرى.
... انظر عن الكيسانية: مقالات الإسلاميين (1/91)، الفرق بين الفرق ص(23، 39 ـ 53)، مسائل الإمامة للناشئ الأكبر ص(25) وما بعدها، المقالات والفرق ص(21 ـ 22).
(2) انظر: مسائل الإمامة ص (26)، مقالات الإسلاميين (1/92 ـ 93)، الفرق بين الفرق ص (41)، وقد أوردت كتب المقالات أيضاً أشعاراً في هذا المعنى لشعراء آخرين. انظر: مسائل الإمامة ص (26 ـ 29).
... وقد نظم البغدادي بعض الأبيات في الرد عليها. انظر: الفرق بين الفرق ص(41 ـ 43).
(3) ... مسائل الإمامة ص(27).(86/8)
فاخترعوا عقيدة البداء(1) للتخلص من هذه المعضلة وما ماثلها، وحاول بعض شعرائهم توطين أصحابه، وتسكين ثائرتهم، وأن يرضوا بالانتظار، ولو غاب مهديهم عمر نوح ـ - عليه السلام - - فقال:
لو غاب عنا عمر نوح أيقنت ... ... إني لأرجوه وآمله كما
منا النفوس بأنه سيؤوب ... ... قد كان يأمل يوسف يعقوب(2)
__________
(1) وهي عقيدة حاولوا أن ينسبوا الجهل فيها إلى علام الغيوب لا إلى أئمتهم تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً، لأنهم كما يقول أحد رجال الشيعة: قد جعلوا لأئمتهم صفة الإخبار بالمغيبات فإذا أخبروا عن الأئمة بشيء من الغيب فجاء ذلك الشيء على ما قالوه افتخروا، وقالوا: ألم نعلمكم أن هذا يكون فنحن نعلم من قبل الله، وإن لم يقع ذلك الشيء الذي أخبروا بوقوعه قالوا لشيعتهم: بدا لله في ذلك.
والبداء في الأصل عقيدة يهودية ضالة؛ ثم قالت بالبداء فرق السبئية المدعية للتشيع، والمنتسبة لابن سبأ اليهودي، ففرق السبئية كلهم يقولون بالبداء؛ ثم أخذ بفكرة البداء المختار ابن أبي عبيدة الثقفي لأنه كان يدعي علم الغيب فكان إذا حدث خلاف ما أخبر به قال: قد بدا لربكم.
والبداء في اللغة العربية ـ كما جاء في القاموس ـ يرد بمعنيين: الظهور والانكشاف، ونشأة الرأي الجديد، وكلاهما يستلزم سبق الجهل بالأمر، ويتنزه الله جل علاه عن ذلك.
وعقيدة البداء ورثتها الاثنا عشرية عن السبئية اليهودية، انظر: نصوص البداء عند يهود في الفصل السادس من تكوين التوراة ص(12)، وانظر في مسألة البداء عند فرق الرافضة: المقالات والفرق للقمي ص(78)، وفرق الشيعة للنوبختي ص(55)، أصول الكافي، باب البداء (1/146)، بحار الأنوار (24 /92 ـ 129)، وانظر في نقد هذه العقيدة الباطلة: الوشيعة ص(112 ـ 118)، مختصر التحفة الاثني عشرية ص(315).
(2) ... مسائل الإمامة ص(29).(86/9)
ثم شاعت دعوى الغيبة بين فرق الروافض، فكل فرقة إذا مات إمامها أنكرت موته، وزعمت أنه غائب وسيعود، وتنفرد الاثنا عشرية عنهم بأنها زعمت وجود ولد لم يولد أصلاً، وقالت: إنه غاب وهو رضيع وسيعود، ووراء هذه الدعاوي في الغيبة سر كشفته الاثنا عشرية نفسها فاستمع إليه.
} ... } ... }
من خلال الخصومة والنزاع بين فرق الروافض حيث كل طائفة تنادي بإمام لها أو مهدي، وتكذب الأخرى، تسربت الحقيقة، استمع ـ مثلاً ـ إلى ما ترويه طائفة الاثني عشرية من الرافضة في تكذيبها طائفة أخرى من الرافضة أيضاً، وقفت على موسى الكاظم وأنكرت موته، وادعت أنه غاب وسيرجع، وخالفت من ذهب إلى القول بإمامة ابنه من بعده فقالت الاثنا عشرية: «مات أبو إبراهيم (موسى الكاظم) وليس من قوامه(1) إلا وعنده المال الكثير، وكان ذلك سبب وقفهم وجحدهم موته، طمعاً في الأموال، كان عند زياد بن مروان القندي سبعون ألف دينار، وعند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار...» (2). وجاءت عندهم روايات كثيرة في هذا المعنى تكشف ما خفي(3).
إذن وراء دعوى غيبة الإمام وانتظار رجعته الرغبة في الاستئثار بالأموال... فإذا ما توفي الرجل الذي يدعون إمامته أنكروا موته لتحقيق أمرين:
الأول: لتبقى الأموال التي اكتسبوها باسمه في أيديهم ولا يسلموها لمن بعده من ذريته.
الثاني: ليستمر دفع الأموال إليهم باسم خمس الإمام الغائب.
__________
(1) ... نوابه ووكلاؤه وهم الذين يأكلون أموال الناس باسم خمس الإمام وحق الإمام، وقد انتشروا في العالم الإسلامي في ذلك الزمان.
(2) ... الغيبة للطوسي ص(42 ـ 43)، الإمامة لابن بابويه ص(75)، وانظر: علل الشرائع لابن بابويه الصدوق (1/235)، رجال الكشي ص(493 ـ 498)، بحار الأنوار (48/253).
(3) ... انظر ذلك في: الغيبة للطوسي ص(43) وما بعدها، ورجال الكشي، الروايات رقم (759، 871، 888، 893).(86/10)
وهكذا تستمر عمليات النهب والسلب، والضحية هم هؤلاء السذج المغفلون الذي يدفعون أموالهم إلى أولئك المخادعين الذين زعموا بأنهم نواب الإمام الغائب.
وقد استثمرت فرق الرافضة هذه الغنيمة الباردة فلا يموت إمام حتى تسارع طائفة منهم إلى إنكار موته، وإعلان غيبته، ودعوى النيابة عنه، والتبشير بعودته من قريب مهدياً يملأ الأرض عدلاً، ويدفع إليهم القناطير المقنطرة من الذهب والفضة.
وإلى اليوم يتمسك شيوخ الروافض ومراجعهم بعقيدة الغيبة ليظل هذا المال يتدفق عليهم من كل حدب وصوب فيأخذونه باسم النيابة عن الإمام الغائب حيث فرضوا على الأتباع الخمس للإمام، ويأخذه هؤلاء الآيات بلا تعب، لأنهم يقولون: يجب دفع الخمس للفقيه زمن الغيبة(1)، ومن لم يدفع فهو في عداد الكافرين.
يقول شيوخهم ومراجعهم: «من منع منه درهماً أو أقل كان مندرجاً في الظالمين لهم (أي لأهل البيت) والغاصبين لحقهم؛ بل من كان مستحلاً لذلك كان من الكافرين»(2).
ولذا قال د. علي السالوس في السخرية بهذا المبدأ:
إن مسلمي اليوم إن أرادوا ألا يحكم عليهم الجعفرية بالكفر فعليهم أن يجمعوا خمس مكاسبهم ورؤوس أموالهم، ويبعثوا بها إلى علماء الجعفرية(3).
ويقول : «من واقع الجعفرية في هذه الأيام نجد أن من أراد أن يحج يقوِّم كل ممتلكاته جميعاً؛ ثم يدفع خمس قيمتها إلى الفقهاء الذين أفتوا بوجوب هذا الخمس، وعدم قبول حج من لم يدفع، واستحل هؤلاء الفقهاء أموال الناس بالباطل»(4).
قلت: ولعل هذا هو أحد العوامل في حرص حكومة الآيات على زيادة حصتهم من عدد الحجاج في كل عام، مع أن مسألة الخمس الذي يقول به هؤلاء لا يعرفها دين الإسلام.
__________
(1) ... انظر: النور الساطع، لشيخهم المعاصر علي كاشف الغطا (1 439).
(2) ... العروة الوثقى، لليزدي وبهامشها تعليقات مراجعهم في هذا العصر، (2/366).
(3) ... أثر الإمامة في الفقه الجعفري ص(394).
(4) ... أثر الإمامة ص(391).(86/11)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : «وأما ما تقوله الرافضة من أن خمس مكاسب المسلمين يؤخذ منهم، ويصرف إلى من يرونه هو نائب الإمام المعصوم أو إلى غيره فهذا قول لم يقله قط أحد من الصحابة لا علي ولا غيره، ولا أحد من التابعين لهم بإحسان، ولا أحد من القرابة لا بني هاشم ولا غيرهم.
وكذلك من المعلوم بالضرورة أن النبي ? لم يخمس أموال المسلمين ولا طالب أحداً قط من المسلمين بخمس ماله»(1).
وهذه الأموال التي يأخذها الآيات باسم حق الإمام الغائب تتدفق اليوم عليهم كالسيل من كل قطر، وهي من أكبر العوامل على بقاء خرافة الغيبة إلى اليوم، وإليها يعزى حماس الروافض في الدفاع عن مذهبهم لأنهم يرون فيمن يمس المذهب أنه يحاول قطع أرزاقهم؛ بل لعل هذا من أسباب بقاء الخلاف وتوسيع نطاقه مع سائر المسلمين، ولذا قال د. السالوس: «وأعتقد أنه لولا هذه الأموال لما ظل الخلاف قائماً بين الجعفرية وسائر الأمة الإسلامية إلى هذا الحد، فكثير من فقهائهم يحرصون على إذكاء هذا الخلاف حرصهم على هذه الأموال»(2).
هذا وثمة أسباب أخرى لنشوء فكرة الغيبة عندهم، منها تطلع الرافضة إلى قيام كيان سياسي لهم، مستقل عن دولة الإسلام، وهذا ما نلمسه في اهتمامهم بمسألة الإمامة، ولما خابت آمالهم، وغلبوا على أمرهم، وانقلبوا صاغرين هربوا من الواقع إلى الآمال والأحلام كمهرب نفسي ينقذون به أنفسهم من الإحباط، وشيعتهم من اليأس، فأخذوا يبثون الأمل ويبعثون الرجاء في نفوس أصحابهم ويمنونهم بأن الأمر سيكون في النهاية لهم.
ومنها أن التشيع كان مأوى قلوب أصحاب النحل والأهواء، لأنهم يجدون من خلاله الجو المناسب لتحقيق أهدافهم والعودة إلى معتقداتهم، فانضم إلى ركب التشيع أصناف من أصحاب النحل والاتجاهات الغالية، وكان هذا الخليط يشطح بالشيعة نحو معتقداته الموروثة. ... ...
__________
(1) ... منهاج السنة (3/154).
(2) ... أثر الإمامة ص(408).(86/12)
ولهذا نجد مسألة الغيبة لها جذورها في بعض الديانات والنحل مما لا يستبعد معه أن لأتباع تلك الديانات دوراً في تأسيس هذه الفكرة في أذهان الشيعة كالمجوسية مثلاً، فالمجوس تدعي أن لهم منتظراً حياً باقياً من ولد بشتاسف بن بهراسف يقال له إبشاوثن وأنه في حصن عظيم من(1) خرسان والصين(2).
} ... } ... }
أرسيت دعائم فكرة الغيبة لولد الحسن العسكري، وكان لا بد من وجود وكيل مفوض يتولى شؤون الأتباع في أثناء فترة الاحتجاب، ويكون الواسطة والباب للغائب في السرداب، أو في جبال رضوى، أو وديان مكة ـ على اختلاف أخبارهم ـ فكان أول زعيم يتولى شؤون الشيعة ـ كما كشفت ذلك أوراق الاثني عشرية ـ هي امرأة «وما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» كما قال النبي ?(3)، إذ بعد وفاة الحسن العسكري، وإشاعة وجود الولد المختفي، وبقاء الشيعة بدون إمام ظاهر، بدأ الشيعة يتساءلون إلى من يرجعون، ففي سنة (262هـ) أي: بعد وفاة الحسن العسكري بسنتين، توجه بعض الشيعة(4) إلى بيت الحسن العسكري وسأل ـ كما تقول الرواية ـ خديجة بنت محمد ابن علي الرضا عن ولد الحسن العسكري المزعوم، فسمته(5)، يقول راوي الخبر: «قلت لها: فأين الولد؟ قالت: مستور، فقلت: إلى من تفزع الشيعة؟ قالت: إلى الجدة أم أبي محمد - عليه السلام -»(6).
__________
(1) ... لعلها (بين).
(2) ... تثبيت دلائل النبوة (1 19).
(3) ... البخاري، كتاب المغازي، باب: كتاب النبي ? إلى كسرى وقيصر (5 136)، وكتاب الفتن (8 97)، والترمذي، كتاب الفتن (4/527 ـ 528، 2262)، والنسائي، باب النهي عن استعمال النساء في الحكم (8/227)، وأحمد (5/43، 51).
(4) ... وهو كما تقول الرواية: أحمد بن إبراهيم، وانظر: رجال حلي ص(16).
(5) ... يلحظ أنهم يحرمون تسميته حتى قالوا: من سماه باسمه فهو كافر.
(6) ... الغيبة للطوسي ص(138).(86/13)
ويبدو أن رجال الرافضة أرادوا أن تبقى النيابة عن الغائب في بيت الحسن العسكري، فأشاعوا بين أتباعهم في بداية الأمر أن أم الحسن العسكري هي الوكيلة المنتظرة، فهي الرئيسة العامة للمسلمين!! (بالنيابة). ويظهر أن هذا «التعيين» كان القصد منه إيجاد الجو المناسب لنمو هذه الفكرة بين الأتباع لأن أم الحسن هي الوصية للحسن بعد وفاته كما تذكر أخبار الشيعة، فكان من الطبيعي أن تتولى عن ابنه، إلا أن محاربة بين الحسن العسكري لفكرة الولد قد وجه رجال الشيعة إلى اختيار رجل من خارج أهل البيت، ولهذا جاء في «الغيبة» للطوسي: «ولد الخلف المهدي صلوات الله عليه سنة ست وخمسين ومائتين، ووكيله عثمان بن سعيد، فلما مات عثمان بن سعيد، أوصى إلى أبي جعفر محمد بن عثمان، وأوصى أبو جعفر إلى أبي القسام الحسين بن روح، وأوصى أبو القسام إلى أبي الحسن علي بن محمد السمري...»(1).
فهؤلاء النواب الأربعة لهم ما للإمام من حق الطاعة، وثقة الرواية، جاء في «الغيبة» للطوسي أن الحسن العسكري قال: «هذا إمامكم من بعدي (وأشار إلى ابنه) وخليفتي عليكم، أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم، ألا وإنكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتى يتم له عمر فاقبلوا من عثمان (الباب الأول) ما يقوله، وانتهوا إلى أمره فهو خليفة إمامكم والأمر إليه»(2). فما قاله لكم فعني يقوله، وما أدى إليكم فعني يؤديه(3).
وهكذا أصبح للباب حق النيابة عن الإمام والأمر إليه، لقوله صفة القداسة والعصمة، لأنه ينطق عن الإمام، ويؤدي عنه، ولذلك فإن من خالف هؤلاء الأبواب حلت به اللعنة، واستحق النار. كما جاء في التواقيع التي خرجت من المنتظر في حق من خالف هؤلاء الأبواب(4).
__________
(1) ... الغيبة للطوسي ص(241 ـ 242).
(2) ... الغيبة للطوسي ص(217).
(3) ... السابق ص(15).
(4) ... السابق ص(244).(86/14)
إذن مسألة النيابة لهؤلاء الأربعة تخولهم التشريع، لأنهم ينطقون عن المعصوم، وللمعصوم حق تخصيص، أو تقييد، أو نسخ نصوص الشريعة، ولذلك كان للتوقيعات الصادرة منهم نفس المنزلة التي لكلام الإمام.
وكذلك تخولهم إصدار صكوك الغفران أو الحرمان، وأخذ أموال الوقف والزكاة والخمس باسم الإمام، ولكن هذه النيابة انتهت إذ «لما حضرت السمري الوفاة سئل أن يوصي فقال: لله أمر هو بالغه، فالغيبة التامة هي التي وقعت بعد السمري»(1).
وقد يكون من أهداف موافقة القواعد الشيعية لإغلاق السمري للبابية وإشاعة ذلك بين الأتباع هو المحافظة على فكرة غيبة المهدي من افتضاح حقيقتها وانكشاف أمرها، حيث كثر الراغبون فيها من شيوخ الشيعة ولا سيما في عهد سلفه أبي القاسم بن روح، وعظم النزاع بينهم، ووصل الأمر إلى التلاعن والتكفير والتبري، كما يلحظ ذلك في التوقيعات التي خرجت على يد الأبواب منسوبة للمنتظر(2)، فأغلق السمري حكاية البابية.
وهنا حصل تطور آخر في مسألة النيابة، وفي المذهب الشيعي عموماً، حيث جعلت النيابة حقاً مطلقاً للشيوخ، فقد أصدرت الدوائر الاثنا عشرية «توقيعاً» منسوباً للمنتظر الموهوم. وخرج بعد إعلان انتهاء البابية على يد السمري يقول التوقيع: «أما الوقائع الحادثة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله»(3) فأعلن انقطاع الصلة المباشرة بالمهدي وفوض أمر النيابة عن المنتظر إلى رواة حديثهم واضعي أخبارهم.
__________
(1) ... الغيبة للطوسي ص(241 ـ 242).
(2) ... انظر: المصدر السابق ص(244) وما بعدها.
(3) ... الكافي ـ مع شرحه مرآة العقول ـ (4/55)، إكمال الدين ص(451)، الغيبة للطوسي ص(177)، الاحتجاج للطبرسي ص(163)، وسائل الشيعة(18/101)، محمد مكي العاملي، الدرر الطاهرة ص(47).(86/15)
ولقد حقق هذا «الإعلان» مجموعة من الأهداف، فقد أصبحت دعوى البابية غير مقصورة على واحد، لئلا تنكشف حقيقة أمره بسهولة، وبمجرد مراقبة مجموعة له، ولذلك يلاحظ كثرة الشك والتكذيب في فترات الغيبة الأولى.
كما أن ذلك خفف التنافس على البابية التي كان لها آثارها، فبقيت مشاعة بين شيوخ الشيعة، وأطلق على انقطاع البابية الخاصة وتحولها إلى نيابة عامة: الغيبة الكبرى، فصار للإمام غيبتان صغرى وكبرى رغم أن لهم روايات لا تتحدث إلا عن غيبة واحدة(1).
ولكن وضعت روايات تناسب هذا الوضع وتتحدث عن غيبتين يقول بعضها: «قال أبو عبدالله - عليه السلام -: للقائم غيبتان إحداهما: قصيرة، والأخرى: طويلة، الأولى لا يعلم بمكانه إلا خاصة شيعته، والأخرى لا يعلم إلا خاصة مواليه في دينه»(2).
__________
(1) جاءت عندهم روايات صنعت ـ فيما يبدو ـ في الفترة الأولى من موت الحسن العسكري تحكي غيبة الابن المزعوم للحسن العسكري، يقول بعضها: «إن بلغكم عن صاحبكم غيبة فلا تنكروها» أصول الكافي (1 /340).
فكأن هذه الرواية تلقي بفكرة الغيبة على الأتباع بدون تأكيد لتحسس ردة الفعل وتحسب لها حسابها، وهي تذكر بأن له غيبة واحدة.
... وتؤكد بعض رواياتهم بأنه بعد هذه الغيبة سيظهر، جاء في الكافي: «عن أم هاني قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي - عليه السلام - عن قول الله تعالى: ?فَلا أُقْسِمُ بِالخُنَّسِ الجَوَارِ الكُنَّسِ? [التكوير: 15، 16] ، قالت: فقال: إمام يخنس سنة ستين ومائتين ثم يظهر، فما بعد غيبته إلا الظهور». أصول الكافي (1/341). فإعلان السمري البابية قد يراد منه إشعارهم بقرب الظهور، ولكن مرت الأيام والسنون ولم يظهر.
(2) ... الغيبة للنعماني ص(113).(86/16)
فأنت ترى أن هذه الرواية أثبتت له غيبتين الأولى يتصل به خاصة شيعته وهذا قد يكون إشارة إلى السفراء الذين تناوبوا على دعوى البابية، والأخرى يتصل به خاصة مواليه، وقد أشارت رواية في «الكافي» إلى أن عددهم ثلاثون(1)، فلم تنف رواياته الصلة المباشرة بالمنتظر في الحالتين رغم أن السمري حينما حل وظيفة البابية أصدر توقيعاً على لسان المنتظر يقول فيه:
«من ادعى المشاهدة للمنتظر فهو كذاب مفتر»(2). وإن شيوخهم يقولون بأنه وقعت في الغيبة الكبرى المحرومية العظمى من الإمام، يقول شيخهم النعماني بعد ذكره لأخبارهم في الغيبتين: «هذه الأحاديث التي يذكر فيها أن للقائم غيبتين أحاديث قد صحت عندنا».
فأما الغيبة الأولى فهي الغيبة التي كان السفراء فيها بين الإمام - عليه السلام - وبين الخلق منصوبين ظاهرين موجودي الأشخاص والأعيان، يخرج على أيديهم الشفاء من العلم وعويص الحكمة والأجوبة(3) عن كل ما كان يسأل عنه من المعضلات والمشكلات، وهي الغيبة القصيرة التي انقضت أيامها وتصرمت مدتها. والغيبة الثانية: هي التي ارتفع فيها أشخاص السفراء والوسائط(4).
__________
(1) ... انظر: أصول الكافي (1/340).
(2) ... إكمال الدين لابن بابويه (2/193)، الغيبة للطوسي ص(257).
(3) هذه الأجوبة هي ـ حسب ما جاء في كتب الاثني عشرية ـ من وضع جاهل بالإسلام، أو ملحد أراد أن ينسب إلى دين الله تلك الشذوذات ليصد الناس عن سبيل الله، ففيها إقرار الشرك بالله، ومخالفة إجماع المسلمين في مسائل كثيرة، ومناقضة للعقول الصريحة والفطرة السليمة، ومع ذلك هي عندهم من أوثق السنن ?أفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهَ فَرَءَاهُ حَسَناً فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَن يَشاءُ? [فاطر: 8 ].
انظر في هذه الأجوبة: كتب الغيبة عند الاثني عشرية، والاحتجاج للطبرسي (2 /277) وما بعدها، بحار الأنوار (53/150 ـ 246) وغيرها.
(4) ... الغيبة للنعماني ص(115).(86/17)
ولكن شيوخ الروافض يدعون في فترة الغيبة الثانية النيابة عن الإمام المنتظر ويستندون في ذلك على التوقيع الذي أظهره السمري عن منتظرهم، والذي يحيلهم إلى رواة حديثهم في كل الحوادث الواقعة الجديدة.
فيلحظ أنه لم يحلهم على الكتاب والسنة، وإنما أرجعهم إلى الشيوخ، وقد تبوأ شيوخ الرفض بذلك منصب النيابة عن الغائب واستمدوا القداسة بين الأتباع بفضل هذه النيابة عن الإمام الذي أضفوا عليه تلك الصفات الخارقة، والفضائل الكاملة، ولذلك يطلقون على شيوخهم الذين وصلوا إلى منصب «النيابة عن الإمام» اسم «المراجع وآيات الله» فهم مظاهر الإمام المعصوم ولذلك يقرر أحد شيوخهم المعاصرين بأن الراد على النائب عن الإمام كالراد على الله تعالى، وهو على حد الشرك بالله، وذلك بمقتضى عقيدة النيابة. يقول شيخهم المظفر: عقيدتنا في المجتهد الجامع للشرائط، أنه نائب للإمام في الفصل في القضايا والحكومة بين الناس، والراد عليه راد على الإمام، والراد على الإمام راد على الله تعالى، وهو على حد الشرك كما جاء في الحديث عن صادق آل البيت ـ عليهم السلام ـ فليس المجتهد الجامع للشرائط مرجعاً في الفتيا فقط؛ بل له الولاية العامة فيرجع إليه في الحكم والفصل والقضاء، وذلك من مختصاته لا يجوز لأحد أن يتولاها دونه إلا بإذنه، كما لا يجوز إقامة الحدود والتعزيرات إلا بأمره وحكمه، ويرجع إليه في الأموال التي هي من حقوق الإمام ومختصاته.
وهذه المنزلة أو الرئاسة العامة أعطاها الإمام - عليه السلام - للمجتهد الجامع للشرائط ليكون نائباً عنه في حال الغيبة، ولذلك يسمى: «نائب الإمام»(1).
__________
(1) ... عقائد الإمامية ص(57).(86/18)
فأنت ترى أن شيوخ الرافضة تخلوا عن آل البيت رأساً، وتعلقوا بهذا المعدوم، ووضعوا أنفسهم مكان الإمام من أهل البيت باسم هذا المعدوم، وهذه غنيمة كبيرة، لذلك ما إن اتفقوا عليها ـ بعد إخفاق فكرة البابية المباشرة ـ حتى اختفت الخلافات على منصب البابية، ورجعت فرق شيعية كثيرة، فدانت بهذه الفكرة، لأنها تجعل من كل واحد من تلك الرموز الشيعية «إماماً» و«مهدياً» و«حاكماً مطلقاً مطاعاً» و«جابياً للأموال» ولا يقاسمهم في ذلك أحد من أهل البيت، ولا يفضحهم ويكشف أوراقهم رجل من أهل البيت.
ويبدو من التوقيع المنسوب للمنتظر أنه يجعل لشيوخ الطائفة حق النيابة في الفتوى حول المسائل الجديدة إذ هو يقول: «فأما المسائل الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا» كما سلف، ولا يخولهم النيابة العامة، ولكن الشيوخ توسعوا في مفهوم النيابة حتى وصلت إلى قمة غلوها في هذا العصر على يد الخميني وأتباعه كما سيأتي.
وكما نلحظ شيئاً من هذا في تقرير شيخهم المظفر لعقيدتهم في هذا الشأن، وكما نراه في دولتهم الحاضرة.
وقد كان لهؤلاء دعاوي عريضة حول الصلة بالمهدي بعد غيبته الكبرى، حتى ألف بعض شيوخهم المعاصرين كتاباً في هذا سماه «جنة المأوى فيمن فاز بلقاء الحجة ومعجزاته في الغيبة الكبرى»(1).
} ... } ... }
تعتقد الاثنا عشرية أن الولاية العامة على المسلمين منوطة بأشخاص معينين بأسمائهم وعددهم، قد اختارهم الله كما يختار أنبياءه(2).
وهؤلاء الأئمة أمرهم كأمر الله، وعصمتهم كعصمة رسل الله، وفضلهم فوق فضل أنبياء الله.
__________
(1) ... وهو من تأليف المجوسي اللعين كما يلقبه محب الدين الخطيب، ويسمى حسين النووي الطبرسي (ت132هـ) وهو صاحب كتاب «فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب» الذي يعد العار الأكبر والفضيحة الكبرى على شيعة خميني أبد الدهر.
(2) ... انظر: أصل الشيعة وأصولها ص(58).(86/19)
ولكن آخر هؤلاء الأئمة ـ حسب اعتقادهم ـ غائب منذ سنة (260هـ)، ولذا فإن الاثني عشرية أن يلي أحد منصبه في الخلافة حتى يخرج من مخبئه، فيقولون: «كل راية ترفع قبل راية القائم فصاحبها طاغوت»(1).
قال شارح الكافي : وإن كان رافعها يدعو إلى الحق(2).
وعلى هذا مضى شيعة القرون الماضية... وقد استطاعوا أن يأخذوا «مرسوماً إمامياً» وتوقيعاً من الغائب ـ على حد زعمهم ـ يسمح لشيوخهم أن يتولوا بعض الصلاحيات الخاصة به، لا كل الصلاحيات، وهذا التوقيع يقول: «أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا»(3) ـ كما مر ـ.
وواضح من خلال هذا «النص» أنه يأمرهم بالرجوع في معرفة أحكام الحوادث الواقعة والجديدة إلى شيوخهم.
ولذا استقر الرأي عند الشيعة على أن ولاية فقهائهم خاصة بمسائل الإفتاء وأمثالها، كما ينص عليه «توقيع المنتظر»، أما الولاية العامة التي تشمل السياسة وإقامة الدولة، فهي من خصائص الغائب وهي موقوفة حتى يرجع من غيبته، ولذلك عاش أتباع هذا المذهب وهم ينظرون إلى خلفاء المسلمين على أنهم غاصبون مستبدون، ويتحسرون لأنهم قد استولوا على سلطان إمامهم، ويدعون الله في كل لحظة على أن يعجل بفرجه حتى يقيم دولتهم، ويتعاملون مع الحكومات القائمة بمقتضى عقيدة التقية عندهم، لكن غيبة الحجة طالت، وتوالت قرون قاربت الاثني عشر دون أن يظهر، والشيعة محرومون من دولة شرعية حسب اعتقادهم، فبدأت فكرة القول بنقل وظائف المهدي للفقيه تداعب أفكار المتأخرين منهم.
__________
(1) ... الكافي «مع شرحه للمازندراني» (12/371).
(2) ... شرح جامع للمازندراني (12/371).
(3) ... الكافي «مع شرحه مرآة العقول» (4 /55)، إكمال الدين ص(451)، وسائل الشيعة (18/101).(86/20)
وقد أشار الخميني إلى أن شيخهم النراقي(1) (ت 1245 هـ)، والنائيني(2) (ت 1355 هـ) قد ذهبا إلى أن للفقيه جميع ما للإمام من الوظائف والأعمال في مجال الحكم والإدارة والسياسة(3).
ولم يذكر الخميني أحداً من شيوخهم نادى بهذه الفكرة قبل هؤلاء، ولو وجد لذكره، لأنه يبحث عما يبرر مذهبه. فإذاً: عقيدة عموم ولاية الفقيه لم توجد عند الاثني عشرية قبل القرن الثالث عشر.
وقد التقط الخميني هذا الخيط الذي وضعه من قبله، وراح ينادي بهذه الفكرة، وضرورة إقامة دولة برئاسة نائب الإمام لتطبيق المذهب الشيعي، فهو يقول:
«واليوم ـ في عهد الغيبة ـ لا يوجد نص على شخص معين يدير شؤون الدولة، فما هو الرأي؟ هل تترك أحكام الإسلام معطلة؟ أم نرغب بأنفسنا عن الإسلام؟ أم نقول إن الإسلام جاء ليحكم الناس قرنين من الزمان فحسب ليهملهم بعد ذلك؟ أو نقول إن الإسلام قد أهمل أمور تنظيم الدولة؟ ونحن نعلم أن عدم وجود الحكومة يعني ضياع ثغور الإسلام وانتهاكها، ويعني تخاذلنا عن أرضنا، هل يسمح بذلك في ديننا؟ أليست الحكومة ضرورة من ضرورات الحياة»(4).
__________
(1) ... أحمد بن محمد مهدي النراقي الكاشاني (1185 ـ 1245هـ).
(2) ... حسين بن عبدالرحمن النجفي النائيني (1273 ـ 1355هـ).
(3) ... الحكومة الإسلامية للخميني ص(74).
(4) ... الحكومة الإسلامية ص(48).(86/21)
ويقول في موضع آخر : «قد مر على الغيبة الكبرى لإمامنا المهدي أكثر من ألف عام، وقد تمر ألوف السنين قبل أن تقتضي المصلحة قدوم الإمام المنتظر في طول هذه المدة المديدة، هل تبقى أحكام الإسلام معطلة؟ يعمل الناس من خلالها ما يشاؤون؟ ألا يلزم من ذلك الهرج والمرج؟ القوانين التي صدع بها نبي الإسلام ? وجهد في نشرها وبيانها وتنفيذها طيلة ثلاثة وعشرين عاماً، هل كان كل ذلك لمدة محدودة؟ هل حدد الله عمر الشريعة بمائتي عام مثلاً؟ الذهاب إلى هذا الرأي أسوأ في نظري من الاعتقاد بأن الإسلام منسوخ»(1).
ثم يقول : «إذن فإن كل من يتظاهر بالرأي القائل بعدم ضرورة تشكيل الحكومة الإسلامية فهو ينكر ضرورة تنفيذ أحكام الإسلام، ويدعو إلى تعطيلها وتجميدها، وهو ينكر بالتالي شمول وخلود الدين الإسلامي الحنيف»(2). فخميني يرى لهذه المبررات التي ذكرها ضرورة خروج الفقيه الشيعي وأتباعه للاستيلاء على الحكم في بلاد الإسلام نيابة عن المهدي، وهو يخرج بهذا عن مقررات دينهم ويخالف نصوص أئمته الكثيرة في ضرورة انتظار الغائب وعدم التعجيل بالخروج(3).
__________
(1) ... الحكومة الإسلامية ص(26).
(2) ... المصدر السابق ص(26 ـ 27).
(3) ... فعقيدة الانتظار من أصول شيعتهم السابقين، وقد عقد شيخهم النعماني باباً لها في كتابه الغيبة ص(129) وجاءت رواياتهم كثيرة في هذا الباب مثل: «كونوا أحلاس بيوتكم فإن الفتنة على من أثارها»، الغيبة للنعماني ص(131)، «أوصيك بتقوى الله، وأن تلزم بيتك، وإياك والخوارج منا فإنهم ليسوا على شيء ولا إلى شيء» قال المجلسي: «والخوارج منا أي: مثل زيد وبني الحسن» بحار الأنوار (52/136)، الغيبة للنعماني ص(129)، فأنت ترى أن أصولهم تمنع الخوارج ولو كان عن طريق أهل البيت كزيد وبني الحسن فكيف بمن عداهم من شيوخ الشيعة؟!.(86/22)
بل إن أحد آياتهم ومراجعهم في هذا العصر يقول: «وقد توافرت عنهم (ع) حرمة الخروج على أعدائهم وسلاطين عصرهم»(1)، وذلك أن منصب الإمامة لا يصلح عندهم إلا المنصوص عليه من عند الله ولا يعني رضاهم بهذه الحكومات.
وهذه المبررات التي ساقها الخميني لبيان ضرورة إقامة الدولة الشيعية، ونيابة الفقيه عن المهدي في رئاستها كان ينبغي أن توجه وجهة أخرى لو كان لشيوخ الشيعة صدق في القول ونصح لأتباعهم، وهذه الوجهة هي نقد المذهب من أصله الذي قام على خرافة الغيبة وانتظار الغائب، والذي انتهى بهم إلى هذه النهاية.
وعلى كل فهذه شهادة مهمة وخطيرة من هذا الحجة والآية على فساد مذهب الرافضة من أصله، وأن إجماع طائفته كل القرون الماضية كان على ضلالة، وأن رأيهم في النص على إمام معين، والذي نازعوا من أجله أهل السنة طويلاً وكفروهم أمر فاسد أثبت التاريخ والواقع فساده بوضوح تام، وها هم يضطرون للخروج عليه بقولهم (بعموم ولاية الفقيه) بعد أن تطاول عليهم الدهر، ويئسوا من خروج من يسمونه صاحب الزمان، فاستولوا حينئذ على صلاحياته كلها، وأفرغ الخميني كل مهامه ووظائفه لنفسه، ولبعض الفقهاء من بني جنسه ودينه، لأنه يرى ضرورة تولي مهام منصب الغائب في رئاسة الدولة. ومن أجل إقناع طائفته بهذا المبدأ ألف كتابه «الحكومة الإسلامية» أو «ولاية الفقيه».
وهو لا يوافق على ولاية كل أحد أمور الدولة؛ بل يخصص ذلك بفقهاء الشيعة، ويحصر الحكم والسلطان بهم، حيث يقول: «وبالرغم من عدم وجود نص على شخص من ينوب عن الإمام (ع) حال غيبته، إلا أن خصائص الحاكم الشرعي... موجودة في معظم فقهائنا في هذا العصر، فإذا أجمعوا أمرهم كان في ميسورهم إيجاد وتكوين حكومة عادلة منقطعة النظير»(2).
__________
(1) ... محمد الحسيني البغدادي النجفي (يلقب بالآية العظمى، والمرجع الديني الأعلى) في كتابه وجوب النهضة لحفظ البيضة ص(93).
(2) ... الحكومة الإسلامية ص(48 ـ 49).(86/23)
أقول : إذا كانت حكومة الآيات والفقهاء لا مثيل لها في العدل ـ كما يقول ـ فما حاجتهم لخروج المنتظر إذاً؟.
وهو يرى أن ولاية الفقيه الشيعي كولاية رسول الله ?، يقول: « فالله جعل الرسول ولياً للمؤمنين جميعاً... ومن بعده كان الإمام (ع) ولياً، ومعنى ولايتهما أن أوامرهما الشرعية نافذة في الجميع»(1)؛ ثم يقول: «نفس هذه الولاية والحاكمية موجودة لدى الفقيه، بفارق واحد هو أن ولاية الفقيه على الفقهاء الآخرين لا تكون بحيث يستطيع عزلهم، أو نصبهم، لأن الفقهاء في الولاية متساوون من ناحية الأهلية»(2).
فنظرية الخميني ـ كما ترى ـ ترتكز على أصلين:
الأول: القول بالولاية العامة للفقيه.
والثاني: أنه لا يلي رئاسة الدولة إلا الفقيه الشيعي.
وهذا خروج عن دعوى تعيين الأئمة، وحصرهم باثني عشر، لأن الفقهاء لا يحصرون بعدد معين، وغير منصوص على أعيانهم، فيعني هذا أنهم عادوا لمفهوم الإمامة حسب مذهب أهل السنة ـ إلى حد ما(3) ـ وأقروا بضلال أسلافهم وفساد مذهبهم بمقتضى هذا القول.
لكنهم يعدُّون هذا المبدأ (ولاية الفقيه) نيابة عن المهدي حتى يرجع، فهم لم يتخلوا عن أصل مذهبهم، ولهذا أصبح هذا الاتجاه ـ في نظري ـ لا يختلف عن مذهب البابية لأنه يزعم أن الفقيه الشيعي هو الذي يمثل المهدي، كما أن الباب يزعم ذلك، ولعل الفارق أن الخميني يعد كل فقهائهم أبواباً.
__________
(1) ... المصدر السابق ص(51).
(2) ... الموضع نفسه من المصدر السابق.
(3) ... أقول ـ إلى حد ما ـ لأنهم خرجوا من حصر الإمامة بالشخص إلى حصرها بالنوع وهو الفقيه الشيعي.(86/24)
وإن شئت قلت إن هذا المبدأ أخرج «المهدي المنتظر» عند الروافض، لأن صلاحياته ووظائفه أناطها بالفقيه؛ بل إن هذا المبدأ لم يخرج «مهدياً» واحداً بل أخرج العشرات، لأن كثيراً من شيوخهم وآياتهم لهم الأحقية بهذا المنصب، يقول خميني: «إن معظم فقهائنا في هذا العصر تتوفر فيهم الخصائص التي تؤهلهم للنيابة عن الإمام المعصوم»(1).
وتقتضي هذه النيابة أن يكون أمرهم كأمر الرسول حيث يقول: «هم الحجة على الناس كما كان الرسول ? حجة الله عليهم، وكل من يتخلف عن طاعتهم، فإن الله يؤاخذه ويحاسبه على ذلك»(2).
ويقول: «وعلى كل فقد فوض إليهم (يعني إلى شيوخ الروافض) الأنبياءُ جميع ما فُوض إليهم، وائتمنوهم على ما اؤتمنوا عليه»(3).
بل أشار إلى أن دولة الفقيه الشيعي كدولة مهديهم الموعودة، وقال: «كل ما يفقدنا(4) هو عصا موسى، وسيف علي بن أبي طالب(5) (ع) وعزيمتهما الجبارة، وإذا عزمنا على إقامة حكم إسلامي سنحصل على عصا موسى، وسيف علي بن أبي طالب»(6).
والجمع بين عصا موسى، وسيف علي بن أبي طالب كناية ـ فيما يبدو لي ـ عن تعاون اليهود مع الشيعة في دولة الآيات، وهذا ما وقع بعضه في دولتهم الحاضرة، كما في فضائح صفقات الأسلحة والتعاون السري بينهما الذي تناقلته وكالات الأنباء واشتهر أمره.
والخميني يقرر أن تشكيل الحكومة الشيعية لم يقع من شيعته الماضين حيث يقول: «في السابق لم نعمل ولم ننهض سوية لتشكيل حكومة تحطم الخائنين المفسدين»(7).
__________
(1) ... الحكومة الإسلامية ص(113).
(2) ... الحكومة الإسلامية ص(80).
(3) ... الموضع نفسه من المصدر السابق.
(4) ... يريد أن يقول: كل ما نفقده أو: ينقصنا.
(5) ... وهذه من مواريث المهدي عن الأنبياء والأئمة، انظر: أصول الكافي (1/231).
(6) ... الحكومة الإسلامية ص(135).
(7) ... الحكومة الإسلامية ص(40).(86/25)
ويقول: «ولم تسنح الفرص لأئمتنا للأخذ بزمام الأمور، وكانوا بانتظارها حتى آخر لحظة من الحياة، فعلى الفقهاء العدول أن يتحينوا هم الفرص وينتهزوها من أجل تنظيم وتشكيل حكومة»(1).
وقد قامت حكومات شيعية، ولكنها ليست محكومة من قبل «الآيات» و«نواب المعصوم» ولذا عدوا حكومتهم الحاضرة أول دولة إسلامية (يعني شيعية).
قال بعض الروافض: «إن الخميني أسس الجمهورية الإسلامية العظمى في إيران... لأول مرة في تاريخ الإسلام وحقق حلم الأنبياء، والرسول الأعظم ? والأئمة المعصومين عليهم السلام»(2).
ويرى آيتهم «الطالقاني» أن حكومة الرسول ? وخلفائه لا تصل إلى مقام دولتهم، وأنها تمهيد لقيامها، حيث يقول: «إننا نعتقد أن الجمهورية الإسلامية هي المؤهلة للحياة في هذا الزمان، ولم تكن مؤهلة للحياة في فجر الإسلام... إن التحولات الاجتماعية والسياسية التي شهدها العالم منذ الرسول ? والخلفاء الراشدين وحتى اليوم هي التي توفر الأساس الموضوعي لقيام الجمهورية الإسلامية»(3).
فأنت ترى أن طبيعة النظر الشيعية تجنح دائماً إلى الغلو، وتقديس الأشخاص، والتطرف في الاعتقادات... كما ترى في نظرة طالقاني إلى جمهورية خميني؛ بل ادعى بعضهم أن خميني قد بشر به أئمتهم من قبل(4).
__________
(1) ... المصدر السابق ص(54).
(2) ... أحمد الفهري (ويلقبونه بالعلامة) في تقديمه لكتاب سر الصلاة للخميني ص(10).
(3) ... نشرت ذلك جريدة السفير اللبنانية بتاريخ 31/3/1979م، وقد نقل ذلك محمد جواد مغنية واعتبره فهماً جديداً للجمهورية الإسلامية لا يقوله إلا من عاش الإسلام بقلبه وعقله، وانظر: الخميني والدولة الإسلامية ص(113).
(4) ... محمد جواد مغنية، الخميني والدولة الإسلامية ص(38 ـ 39).(86/26)
هذا وسيأتي في البروتوكولات نقل ما ترويه الشيعة عن سيرة مهديهم بعد عودته من غيبته ـ حسب اعتقادهم ـ وأنه لا همّ له ولا عمل إلا القتل والانتقام، حتى يقولون إنه بعث: «بالجفر الأحمر» وبالذبح وإنه يخص العرب بمجازره... إلخ.
ونجد اليوم هذه السيرة المزعومة قد بدت ملامحها في دولة الآيات فور ظهورها، حيث بدأ الخميني وأعوانه مشروع دولة المهدي بمجازرهم الرهيبة داخل إيران وخارجها.
والحقيقة أن واضعي روايات القتل العام الموعود بعد خروج الغائب المفقود يدركون أن مسألة الغيبة والمهدية لا تعدو أن تكون وهماً من الأوهام ولكنهم يعبِّرون عما تكنه صدورهم، وتجيش به نفوسهم من أحقاد، وكذلك معظم شيوخ الشيعة غالبهم زنادقة يعرفون أن المهدي خرافة، ولذلك فهم إذا واتتهم فرصة لتحقيق أمانيهم في قتل المسلمين اهتبلوها؛ ولم ينتظروا فيها خروج مهديهم، لأنهم يعرفون أنه لن يخرج أبداً، لأنه لم يوجد أصلاً، ولا أدل على ذلك من أن الخميني نفسه قبل قيام دولتهم يقرر في كتابه «تحرير الوسيلة» أنه لا يجوز بسبب غيبة مهديهم البدء في الجهاد فيقول: «في عصر غيبة ولي الأمر وسلطان العصر عجل الله فرجه الشريف يقوم نوابه، وهم الفقهاء الجامعون لشرائط الفتوى والقضاء مقامه في إجراء السياسات، وسائر ما للإمام - عليه السلام - إلا البدأة بالجهاد»(1).
ولكنه حينما أقام دولته قرر في دستورها: «إن جيش الجمهورية الإسلامية.. لا يتحملان فقط مسؤولية حفظ وحراسة الحدود، وإنما يتكفلان أيضاً بحمل رسالة عقائدية أي: الجهاد في سبيل الله، والنضال من أجل توسع حاكمية قانون الله في كافة أرجاء العالم»(2).
__________
(1) ... تحرير الوسيلة (1/482).
(2) ... الدستور لجمهورية إيران الإسلامية ص(16)، منشورات مؤسسة الشهيد، وانظر: الطبعة الأخرى من الدستور، التي أصدرتها وزارة الإرشاد الإيرانية ص(10).(86/27)
فأنت ترى التناقض واضحاً، فهو في «تحرير الوسيلة» يجعل الجهاد من وظائف المهدي؛ وفي دستور دولتهم بعد قيامها يجعل الجهاد منوطاً بجيشها، ومن وظائف الفقيه، وذلك بمقتضى مذهبه الجديد في ولاية الفقيه، والتي نقلت فيها صلاحيات المهدي كلها للشيخ الشيعي. وقد نص أيضاً على ذلك دستورهم فقال: «في زمن غيبة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه تعتبر ولاية الأمر وإمامة الأمة في جمهورية إيران الإسلامية بيد الفقيه...»(1).
ولذلك بعد قيام دولتهم أول ما بدأوا به قتال الشعوب الإسلامية بجنودهم وبالمنظمات التابعة لهم في الولاء في بعض أقطار المسلمين.
ومع ذلك يزعم الخميني أحياناً أن هذا يدخل في نطاق الدفاع، والتأويل ليس له حدود فيقول: «إننا لا نريد أن نرفع السلاح ونهاجم أحداً فالعراق يهاجمنا منذ مدة، بينما نحن لا نهاجمه، وإنما ندافع فقط فالدفاع أمر واجب»(2).
ولكنه يقرر أنه يريد أن يصدر ثورته حيث يقول: «إننا نريد أن نصدر ثورتنا الإسلامية إلى كافة البلاد الإسلامية»(3). وهو لا يريد التصدير السلمي فحسب؛ بل يريد فرض مذهبه على المسلمين بالقوة، وقد أشار إلى ذلك قبل قيام دولته، وقرر أن سبيل ذلك هو إقامة دولة شيعية تتولى هذا الأمر فيقول: «ونحن لا نملك الوسيلة إلى توحيد الأمة الإسلامية(4) وتحرير أراضيها من يد المستعمرين وإسقاط الحكومات العميلة لهم، إلا أن نسعى إلى إقامة حكومتنا الإسلامية، وهذه بدورها سوف تكلل أعمالها بالنجاح يوم تتمكن من تحطيم رؤوس الخيانة، وتدمر الأوثان والأصنام البشرية التي تنشر الظلم والفساد في الأرض»(5).
__________
(1) ... دستور الجمهورية الإسلامية في إيران ص(18)، ط. وزارة الإرشاد.
(2) ... خطاب الخميني حول مسألة تحرير القدس والمهدي المنتظر ص(9 ـ 10).
(3) ... المصدر السابق ص(10).
(4) ... يعني على مذهب الروافض.
(5) ... الحكومة الإسلامية ص(35).(86/28)
وهؤلاء الروافض لا ينتقدون الحكومات لهذه الأسباب التي يذكرها، إذ لو كانت الحكومة أفضل حكومة على وجه الأرض لما نالت إلا سخطهم ومقتهم إلا أن تكون على مذهب الرفض، وحسبك في هذا نظرتهم إلى خلافة الخلفاء الثلاثة الراشدين ـ رضوان الله عليهم ـ.
ولا تزال مهمة المهدي الموعودة في قتل المسلمين تظهر على ألسنة حججهم وآياتهم، وهذا مسلك الروافض مع المسلمين كلما حانت لهم فرصة وقامت لهم سلطة، كما يشهد به التاريخ والواقع.
} ... } ... }
أثار مذهب الخميني ـ في نقله لوظائف مهديهم بالكامل للفقيه، وحصر الولاية به ـ ثائرة جملة من شيوخ الشيعة، ونشب صراع حاد بين الخميني وأحد مراجعهم الكبار عندهم وهو «شريعتمداري»(1) كما أعلن طائفة من شيوخهم معارضتهم لهذا المذهب(2).
وقد تعجب شيخهم محمد جواد مغنية أن يذهب الخميني هذا المذهب، ويساوي في الصلاحيات بين المعصوم والفقهاء فقال: قول المعصوم(3) وأمره تماماً كالتنزيل من الله العزيز العليم: ?وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى? [النّجم: 3،4] . ومعنى هذا أن للمعصوم حق الطاعة، والولاية على الراشد، والقاصر، والعالم، والجاهل، وأن السلطة الروحية الزمنية ـ مع وجوده ـ تنحصر به وحده لا شريك له، وإلا كانت الولاية عليه وليست له، علماً بأنه لا أحد فوق المعصوم عن الخطأ والخطيئة إلا من له الخلق والأمر جل وعز... أبعد هذا يقال: إذا غاب المعصوم انتقلت ولايته بالكامل إلى الفقيه؟(4).
__________
(1) ... انظر: عبدالجبار العمر، الخميني بين الدين والدولة، مبحث الخميني وشريعتمداري ص(144) وما بعدها.
(2) ... انظر: المصدر السابق ص(153 ـ 154).
(3) ... الأئمة عندهم معصومون كرسول الله ?.
(4) ... الخميني والدولة الإسلامية ص(59).(86/29)
فهذا في نظره غاية الغلو، إذ كيف يجعل حكم الفقيه كحكم المعصوم؛ ثم يوضح ذلك بقوله: «حكم المعصوم منزَّه عن الشك والشبهات، لأنه دليل لا مدلول، وواقعي لا ظاهري... أما الفقيه فحكمه مدلول يعتمد على الظاهر، وليس هذا فقط؛ بل هو عرضة للنسيان وغلبة الزهو والغرور، والعواطف الشخصية، والتأثر بالمحيط والبيئة، وتغيير الظروف الاقتصادية والمكانة الاجتماعية، وقد عاينت وعانيت الكثير من الأحكام الجائرة، ولا يتسع المجال للشواهد والأمثال سوى أني عرفت فقيهاً بالزهد والتقوى قبل الرياسة، وبعدها تحدث الناس عن ميله مع الأولاد والأصهار(1).
وهذه شهادة منه على قومه من فئة الشيوخ، وأنه ما أن تتاح لهم فرصة رئاسة حتى تزول الصورة التي يتظاهرون بها من الزهد والتعبد، وهؤلاء الشيوخ الذين هذا وصفهم، يرى الخميني أنهم هم الولاة على الأمة.
وأصحاب هذا الاتجاه المعارض لخط الخميني يرون: «أن ولاية الفقيه أضعف وأضيق من ولاية المعصوم»(2)، فهي لا تتعدى ما ثبت في أخبارهم ـ كما يقولون ـ من «ولاية الفتوى والقضاء وعلى الأوقاف العامة وأموال الغائب وإرث من لا وارث له»(3).
وقد استدل مغنية على هذا المذهب بجملة من أقوال شيوخهم الكبار عندهم، ونقض ما ساقه الخميني من أدلة لإثبات مذهبه، وبيَّن أنها لا تدل على ما يريد من القول بعموم الولاية، ولا مجال لاستعراض ذلك، ولا فائدة منه، لكن الفائدة هنا أن الخميني يحكم على مذهب طائفته بمقتضى قولهم بقصور ولاية الفقيه عن الحكم والولاية، بأن هذا يعطل أحكام الإسلام، وأنه بمثابة القول بنسخ الدين، لكن الخميني لا ترتقي أدلته في تأييد مذهبه إلى ما يريد فتبقى أحكامه على مذهب طائفته صادقة، وأنه مبني على ما يخالف أصول الشرع ومنطق العقل وطبيعة الأشياء.
__________
(1) ... المصدر السابق ص(59 ـ 60).
(2) ... الخميني والدولة الإسلامية ص(61).
(3) ... المصدر السابق ص(60).(86/30)
والاتجاه المخالف للخميني يرجع أمر الولاية إلى عموم الناس، ولا يخصها بشيوخ الشيعة؛ بل يبقي الشيوخ في وضعهم الذي وضعوا فيه وولايتهم الخاصة حتى يخرج الغائب فيتولى أمور الدين والدنيا. وهذا بلغة هذا العصر فصل الدين عن الدولة، فصار المذهب دائراً بين غلو في الفقيه، أو دعوة إلى فصل الدين عن الدولة، وهكذا كل مذهب باطل لا بد أن يخرج أمثال هذه التناقضات.
وكلا الرأيين استقر على بطلان المذهب في دعوى النص والتعيين، لأن كليهما لم يحدد الرئيس بشخص معين، إلا التعيين الشكلي للغائب المفقود، والذي لن يعود، لأنه لا حقيقة له في الوجود.
} ... } ... }
ـعع1 ـ قتل الحجاج بين الصفا والمروة
النص: «كأني بحمران بين أعين وميسر بن عبدالعزيز يخبطان الناس بأسيافهما بين الصفا والمروة»(1).
__________
(1) ... بحار الأنوار للمجلسي (53/40) وعزاه إلى الاختصاص للمفيد.(86/31)
هذا «البروتوكول» من أعمال مهديهم المنتظر والذي يترقبون خروجه منذ مئات السنين، ويحلمون بتحقيق أعماله (ومنها هذا العمل) من قديم الزمان، وسيقوم بتنفيذ هذا «البروتوكول» خميني بحكم مذهبه الجديد في نقل أعمال المهدي ووظائفه إلى الفقيه الشيعي ليتولى جميع أعماله، وينفذ كل مهامه بعد أن طالت غيبته، وتمادى احتجابه وأيسوا من خروجه، فلقد تولى خميني إقامة الدولة ورئاستها نيابة عن المهدي، وهذا من أعظم المحرمات في المذهب الاثني عشري(1). ومع ذلك انتهكه، وخالف أسلافه وأصول مذهبه فكيف بما دون ذلك من أعمال لعل من أهونها عليهم قتل المخالفين لهم، وهم سائر المسلمين، ولذلك شرع في مذهبهم مبدأ الغيلة ـ كما سيأتي الحديث عنه ـ في فترة الغيبة نفسها، أما القتل العام الشامل المكتشفون فهو عندهم مرهون بعودة الغائب، لكن خميني أظهر هذا الغائب بصورة الفقيه الشيعي وبدأ بنفسه في تنفيذ مجازره باسم النيابة العامة عن المهدي، والناس كانوا ينظرون إلى ما يقوله الروافض عن مهديهم وعودته نظرة استخفاف لكونه معدوماً لا وجود له، لكن خميني حوَّله إلى حقيقة.
البروتوكول الذي بين يدي القارئ من نصوصهم السرية المقدسة ولم يظهر إلا في الأزمان المتأخرة(2) بعد أن صارت لهم قوة وشوكة.
__________
(1) ... انظر: ص(49 ـ 50) من هذا الكتاب.
(2) ... وقد كان شيوخهم ـ قديماً ـ إذا كتبوا في الغيبة صدروا كتبهم بنصوصهم التي تأمر بكتمان أسرارهم عمن ليس من أهلها، انظر ـ مثلاً ـ: كتاب الغيبة للنعماني ـ من شيوخهم في القرن الثالث ـ ، والذي قال في مقدمته: «وجعلته أبواباً صدرتها بذكر ما روي في صون سر آل محمد عمن ليس من أهله»، الغيبة ص(17).(86/32)
وهو نص خطير، وحلم رافضي قديم، كان الآيات يمنُّون أتباعهم بحصوله، فكان الروافض يترقبون وقوعه بين حين وآخر، ولا شك بأن هذا النصب وأمثاله يعبر عن تطلعاتهم، ويوصر أحلامهم وأهدافهم في القيام بمجازر دموية في الأمة الإسلامية، وتختار هذه الفئة الحاقدة لذلك أشرف موقع وهو بيت الله الحرام ـ كما ترى ـ فهي تعد الأتباع بحدوث هذه الملحمة في المستقبل حتى تسمي بعض أعيانهم الذين يقومون بالقتل لكنها توقف العمل بهذا البروتوكول السري، ريثما تقوم لهم دولة.
وكانوا يقولون لأتباعهم بأنه سيكون لهم دولة في آخر الزمان يحققون بواسطتها هذه الأعمال والخطط، فهم يقولون: «إن دولتنا آخر الدول...»(1). والخطورة الكبرى التي ينبغي أن يعرفها المسلمون جميعاً أن هذا سيجري اليوم تطبيقه بموجب المذهب الجديد لدولة الآيات. فهذا البروتوكول سينفذ بحكم مبدأ عموم ولاية الفقيه، المتضمن نقل أعمال مهديهم إلى الفقيه الشيعي.
ولا شك بأن تحديد موضع القتل العام بالمسجد الحرام وبين الصفا والمروة يدل دلالة أكيدة أن المقصود بالقتل هم المسلمون، بل حجاج بيت الله الحرام، وأن هذا ما يحلمون به ويخططون له.
وما جرى على أرض البلد الطاهر في العام المنصرم (عام 1407هـ) هو فيما يبدو تمهيد لهذه الخطوة، وتخطيط لهذا العمل، ولكن خيب الله سبحانه آمالهم(2).
كما أن ما قام به القرامطة من قتل الناس في الحرم هو تطبيق لهذا المبدأ كما تجد أخبار ذلك في حوادث سنة 317 هـ في كتب التاريخ.
} ... } ... }
__________
(1) ... الإرشاد المفيد ص(344)، أعلام الورى للطبرسي ص(432).
(2) ... هذا ما كان عند الطبعة الأولى للكتاب؛ ثم وقع بعد ذلك في عام 1409هـ حوادث التفجيرات التي ذهب ضحيتها بعض الحجاج الآمنين، وكشف الله سبحانه الجناة وتبين أن جميعهم من الرافضة تصديقاً لما قلناه عنهم، والله المستعان في الدفاع عن بيته المطهر، وعليه التكلان في كشف شر هؤلاء الزنادقة.(86/33)
يقول النص : «كيف بكم (يعني الحجبة على الكعبة كما يعبر النص) لو قد قطعت أيديكم وأرجلكم وعلقت في الكعبة؛ ثم يقال لكم: نادوا نحن سراق الكعبة»(1).
ونص ثانٍ يقول: «إذا قام المهدي هدم المسجد الحرام... وقطع أيدي بني شيبة وعلقها بالكعبة وكتب عليها: هؤلاء سرقة الكعبة»(2).
ونص ثالث يقول: «يجرد السيف على عاتقه ثمانية أشهر يقتل هرجاً، فأول ما يبدأ ببني شيبة فيقطع أيديهم ويعلقها في الكعبة، وينادي مناديه: هؤلاء سراق الله؛ ثم يتناول قريشاً فلا يأخذ منها إلا السيف ولا يعطيها إلا السيف»(3).
هذه النصوص وضعت في الغالب في القرن الثاني تقريباً، إسنادها إلى جعفر المتوفى سنة ( 148 هـ) ويحتمل أنها موضوعة بعده. وعلى أية حال فهي تصور الرغبة الكامنة في نفوس هذه الفئة بالانتقام من صلاح المسلمين، وجيل التابعين الذين يجاورون في الحرم، وتخص منهم من يتولى الإشراف على شؤون الحرمين.
وهي أمنية يتمنون تحقيقها، ويعدون أتباعهم بذلك عند ظهور دولتهم على يد قائمهم.. ولما طالت غيبته أقاموا له دولة يحكمها الآيات باسم النيابة عنه مخالفين بذلك أصول المذهب الاثني عشري الذي يأمر بالانتظار، وينهى عن الخروج، ويكفر من يخالف ذلك(4).
__________
(1) ... الغيبة للنعماني ص(156).
(2) ... الإرشاد للمفيد ص(411)، وانظر: الغيبة للطوسي ص(282).
(3) ... الغيبة ص(209).
(4) ... انظر: ص(49) من هذا الكتاب.(86/34)
ولكن لماذا يخصون بالتعذيب المشرفين على الحرمين، هل لأنهم ينظمون مسيرة الحج، ويهيئون المشاعر لاستقبال زوار بيت الله، وهذا أمر يسوء هذه الفئة، لأنها تنشد الفوضى في هذه المشاعر، وتبحث عما يفرق هذه الجموع المجتمعة، ويفسد حجَّها، إذ أنها ترى في كعبة الله سبحانه منافساً لمشاهدها وكعباتها ـ كما سيأتي ـ؟ أم إنهم يخصونهم بهذه الملحمة لأنهم من العرب «من بني شيبة كما يقول النص». والجنس العربي يحظى في نصوصهم السرية المقدسة بكل رزيئة ومنقصة، ولذا يعدونه بمقتلة رهيبة شاملة لا تبقي فيهم أحداً وذلك حين تقوم لهم دولة ـ كما سيأتي ـ.
على أية حال هو نص يكشف عن نوايا وأهداف هؤلاء الروافض حول حرم الله وحجّابه، والمشرفين عليه، إذ نصوصهم تتناول هذه الفئات جميعاً.. فهل من مذكر قبل فوات الأوان ووقوع الواقعة؟!
} ... } ... }
يقول النص: «خذ مال الناصب حيثما وجدته وادفع إلينا الخمس»(1).
وأهل السنة عندهم في عداد النواصب، لأن من قدَّم أبا بكر وعمر على علي فهو ناصبي كما تؤكده أقوالهم وتنصُّ عليه أخبارهم(2).
بل إن الزيدية عندهم ـ وهم شيعة ـ يعدون في سلك النواصب، ولذلك جاء في أخبارهم «عن عمر بن يزيد قال: سألت أبا عبدالله (ع) عن الصدقة على الناصب وعلى الزيدية؟ فقال: لا تصدق عليهم بشيء ولا تسقهم من الماء إن استطعت، وقال لي: الزيدية هم النصاب»(3).
__________
(1) ... تهذيب الأحكام للطوسي (1/384)، السرائر لابن إدريس ص(484)، وسائل الشيعة للحر العاملي (6 /340).
(2) ... انظر: السرائر ص(471)، وسائل الشيعة (2/341 ـ 342)، بشارة المصطفى لشيخهم الطبري ص(51)، وراجع أيضاً: المحاسن النفسانية في أجوبة المسائل الخراسانية، المسألة السادسة ص(138) وما بعدها.
(3) ... رجال الكشي ص(228 ـ 229) رقم(409).(86/35)
وذلك لأن زيد بن علي ـ رحمه الله - ترضى عن الشيخين، ولذا فإن شيخهم الطوسي يرد رواياته(1) مع أنه من أئمة أهل البيت، وقد نص علماء المسلمين على أنه من الثقات(2). وكذلك يلحقون به في الحكم سائر الزيدية الذين سلكوا مسلكه في الرضا بخلافة الشيخين والترضي عنهما، ويخرجونهم من زمرة التشيع كما نص على ذلك شيخهم المفيد(3). ولا يستثنون من ذلك أحداً إلا من شاركهم في مشربهم في تكفير صحابة رسول الله ? وهم الجارودية من الزيدية(4).
ونص ثانٍ قالوا فيه: «مال الناصب وكل شيء يملكه حلال»(5) لأنهم في منزلة الكفار عندهم.
فهم يستحلُّون ممتلكات أهل السنة والشيعة المعتدلين وسائر الفرق الإسلامية، ويبيحون لأتباعهم الاستيلاء عليها إذا حانت الفرص وتيسر السبيل بحيث لا ينال الواحد منهم ضرراً من جراء ذلك.
وجاء في كتب الفقه عندهم : «إذا أغار المسلمون على الكفار فأخذوا أموالهم فالأحوط بل الأقوى إخراج خمسها من حيث كونها غنيمة ولو في زمن الغيبة، وكذا إذا أخذوا بالسرقة والغيلة»(6).
و«لو أخذوا منهم بالربا، أو بالدعوى الباطلة، فالأقوى إلحاقه بالفوائد المكتسبة فيعتبر فيه الزيادة عن مؤنة السنة، وإن كان الأحوط إخراج خمسه مطلقاً»(7).
__________
(1) ... انظر: الاستبصار (1/66).ـعع
(2) ... انظر: تهذيب التهذيب (3 419 ـ 420).
(3) ... انظر: أوائل المقالات ص(39).
(4) ... الموضع نفسه من المصدر السابق.
(5) ... تهذيب الأحكام للطوسي (2/ 48)، وسائل الشيعة للعاملي (11/60).
(6) ... العروة الوثقى لليزدي وبهامشها تعليقات مراجع الشيعة في العصر الحاضر (2/367 ـ 368).
(7) ... المصدر السابق (2/ 368)، وانظر أيضاً: هداية العباد، لشريعتمداري ص(168).(86/36)
وينبغي أن يلاحظ لمعرفة أبعاد هذا النص أن جميع الفرق الإسلامية عندهم في حكم الكفار حتى نقل شيوخهم إجماعهم على ذلك، قال المفيد: «واتفقت الإمامية على أن أصحاب البدع كلهم كفار»(1).
بل هم يعدُّونهم أشد كفراً من اليهود والنصارى، لأن منكر إمامة الاثني عشر عندهم أشد كفراً من منكر نبوة أحد الأنبياء، كما قرره شيخهم ابن المطهر الحلي وغيره(2).
ولذا قال شيخهم ابن بابويه رئيس المحدثين عندهم بأن منكر الإمام الغائب أشد كفراً من إبليس(3) مع أن الإمام الغائب ينكره أكثر طوائف الشيعة المعاصرين لنشأة فكرة الغيبة؛ بل وأهل البيت الذين نشأت دعوى الغيبة في عهدهم(4).
__________
(1) ... أوائل المقالات ص(15).
(2) ... الألفين ص(3).
(3) ... إكمال الدين ص(13).
(4) ... انظر ـ مثلاً ـ: ما جاء في تاريخ الطبري في حوادث (302)، (13 /26 ـ 27) ط. الحسينية، من إنكار مشايخ أبي طالب على رجل ادعى أنه محمد بن الحسن العسكري، وقولهم إن الحسن لم يعقب، وانظر: ما نقلته كتب الشيعة نفسها من إنكار عائلة الحسن لدعوى الولد وعلى رأسها إخوة جعفر، ولذا تسميه الشيعة بجعفر الكذاب، واعترافهم بأن جعفراً حبس جواري أخيه وحلائله حتى ثبت له براءتهن من الحمل، انظر: الغيبة للطوسي ص(75)، وانظر: إكمال الدين ص(451)، الاحتجاج (2/283)، سفينة البحار (1/163)، مقتبس الأثر (14/316).ـعع(86/37)
أقول: إذا لاحظنا هذا، وأن مفهوم الكافر عند الاثني عشرية يضم جميع المسلمين باستثناء طائفتهم، فهذا يعني بكل وضوح أنهم ـ كما جاء في النص السابق ـ يبيحون الاستيلاء على أموال المسلمين بالإغارة والسرقة، والغيلة، ويستحلُّون أخذ أموالهم عن طريق الربا والدعاوي الباطلة. وهذا تترجمه الأحداث التاريخية التي جرت منهم، كما يصدقه واقع دولة الآيات اليوم في «اللصوصية» التي يمارسونها في الخليج وتهديدهم لحرية الملاحة فيه، واستيلائهم على بعض البواخر المارة بمياه الخليج باعتبارها غنائم وهي ملك للمسلمين، وما يخططون له في المستقبل. كما ظهر ذلك في بعض أقوالهم وتصريحات زعمائهم، وما خفي فهو أعظم.
وكذا ما تقوم به «منظماتهم» في لبنان وغيره من خطف للطائرات ونهب، وسلب، فهم إذا قدروا على شيء من أموال المسلمين استحلُّوا أخذه، ولو كان من أموال اليتامى والمستضعفين من مخالفيهم. ولذا قال الإمام الشوكاني: «وأما وثوب هذه الطائفة على أموال اليتامى والمستضعفين، ومن يقدرون على ظلمه كائناً من كان فلا يحتاج إلى برهان؛ بل يكفي مدعيه إحالة منكره على الاستقراء والتتبع فإنه سيظفر عند ذلك بصحة ما قلنا»(1).
وهذا البروتوكول وهو الاعتداء على أموال المسلمين يطبقه الرافضة كلما حانت فرصة على صعيد الحرم، وبين الحجاج أو غيرهم، وقد يتيسر لهم الأمر في الحج أكثر حيث الاجتماع والأمان. فليحذر كل حاج على ماله من كل رافضي ولو رآه في غاية التدين في الظاهر لأن مذهبه يعدُّ سرقة مخالفيه من سائر الفرق الإسلامية من القربات والصالحات.
} ... } ... }
وتغرس بروتوكولاتهم في نفوس أتباعهم كره حجاج بيت الله حتى تعدهم كلهم زناة. وهذا النوع من التربية والتوجيه قد يكون له أثره في نوعية تعاملهم مع المسلمين في المشاعر.
__________
(1) ... طلب العلم ص(74).(86/38)
تقول نصوصهم : «إن الله يبدأ بالنظر إلى زوار الحسين بن علي عشية عرفة قبل نظره إلى أهل الموقف؛ لأن في أولئك ـ يعني حجاج بيت الله ـ أولاد زناة وليس في هؤلاء أولاد زنا»(1).
يعني أن زوار الحسين كلهم روافض وهم ليسوا أولاد زنا، في حين الحج يجمع مع الروافض سائر الأمة الإسلامية بمختلف مذاهبها، وهؤلاء حسب معتقد الشيعة أولاد زنا، ولذلك جاء في الكافي: «إن الناس كلهم أولاد بغايا ما خلا شيعتنا»(2).
وقالوا : «ما من مولود يولد إلا وإبليس من الأبالسة بحضرته، فإن علم أن المولود من شيعتنا حجبه من ذلك الشيطان، وإن لم يكن المولود من شيعتنا أثبت الشيطان أصبعه في دبر الغلام فكان مأبوناً، وفي فرج الجارية فكانت فاجرة»(3).
وعقد المجلسي في «البحار» باباً لهذا الاعتقاد بعنوان «باب إنه يدعى الناس بأسماء أمهاتهم إلا الشيعة» وذكر فيه اثنتي عشرة رواية(4).
فهذا قذف شنيع للمسلمين جميعاً من فئة لعلها أقرب إلى هذا الوصف الذي ألصقته بالمسلمين، وذلك بحكم قولها بالمتعة، والمتعة الدورية، وعارية الفرج، في نصوص كثيرة في كتبهم المقدسة فهي كقول القائل: «رمتني بدائها وانسلَّت».
ولا شك بأن هذه النظرة إلى حجاج بيت الله عند هذه الفئة لا تثمر إلا الاستهانة بالحجاج والاستخفاف بحقوقهم، واستحلال الوقيعة فيهم، وفي أعراضهم، وأولادهم، ودمائهم، وأموالهم، ولعل ما يلمسه الحجيج من مضايقات من بعض الروافض في المشاعر إنما يصدر عن هذه التوجيهات الخفية، ولو أتيحت لهم الفرصة كاملة لما أبقوا من أهل الإيمان والتوحيد باقية.
__________
(1) ... الوافي، المجلد الثاني (8/222).ـعع
(2) ... الكافي، الروضة ص(135)، ط. لكنو 1889م، بحار الأنوار (24/311).
(3) ... تفسير العياشي (2/218)، البرهان (2/139).
(4) ... بحار الأنوار (7/237).(86/39)
يقول النص: «يا أهل الكوفة لقد حباكم الله بما لم يحبُ أحداً من فضل، مصلاكم بيت آدم وبيت نوح، وبيت إدريس، ومصلى إبراهيم... ولا تذهب الأيام والليالي حتى ينصب الحجر الأسود فيه»(1).
هذا وعد من زنادقة العصور البائدة أن يقوموا بنقل الحجر الأسود إلى أماكن العبادات عندهم، وهي الأضرحة والقبور، والتي يسمونها بـ«المشاهد»، ويحدد هذا النص «الكوفة»، وهي الموطن الأول الذي نسج فيه ابن سبأ اليهودي خيوط مؤامرته، ووضع فيها خليته الأولى، ولذا جاء في نصوص الروافض أنه لم يقبل دعوتهم من بلاد الإسلام إلى الكوفة(2).
وهذه النصوص (إسقاطات) لرغبات مكبوتة، ونوازع خفية لهذه الزمرة الحاقدة، وهي لم تبق مجرد أمانٍ ورغبات فحسب؛ بل انطلق منها تحرك عملي في جمعيات سرية تجوب العالم الإسلامي ترفع شعارات أشبه بشعارات الماسون مثل «محبة أهل البيت» و«الانتصار لظلم أهل البيت» و«عودة الإمامة لأهل البيت» مع أنهم قد انقطعت صلتهم بالآل منذ منتصف القرن الثالث تقريباً، حيث يتبعون إماماً لا وجود له. كما أن هذا البروتوكول قد تم تطبيقه على يد القرامطة حيث اقتلعوا الحجر الأسود (في أحداث سنة 317هـ) وحملوه إلى البحرين؛ ثم نقلوه بعد ذلك إلى الكوفة(3). وقد بقي عندهم قرابة اثنتين وعشرين سنة(4).
__________
(1) ... الوافي، للفيض الكاشاني، باب فضل الكوفة ومساجدها، المجلد الثاني، (1/215).
(2) ... انظر: بحار الأنوار، (100/259)، (60/209).
(3) ... انظر: الفرق بين الفرق للبغدادي ص(290 ـ 291).
(4) ... وردّ بعد ذلك من الكوفة إلى مكة على يد أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن حيي النيسابوري شيخ نيسابور في عصره، وأحد العباد المجتهدين المتوفى سنة (362هـ).(86/40)
ولهذا حين ألف الإمام الخرقي ـ رحمه الله - (المتوفى سنة 334 هـ) مختصره في الفقه في تلك الفترة العصيبة، قال حين جاء على ذكر مناسك الحج: (ثم أتى الحجر الأسود إن كان فاستلمه)(1).
قال صاحب المغني: «وقول الخرقي «إن كان» يعني إن كان الحجر في موضعه لم يذهب به كما ذهبت به القرامطة حين ظهروا على مكة»(2). وكل مؤمن يتأثر وتهتز مشاعره، وهو يتصور هذا الحدث الرهيب، وهذا الإلحاد بظلم في بيت الله الحرام. ولا يزال أحفاد القرامطة تراودهم أحلامهم لإعادة هذا الإلحاد؛ ومحاولاتهم لإثارة الفتن في حرم الله مرات تنبئ عما تكنُّه صدورهم، وما تنطوي عليه وثائقهم، فهل ينتبه المؤمنون إلى مكائد الباطنيين؟! ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين. وهناك خبيئة عجيبة هي أن نصوصهم تقول كما يقول شيخهم وأحد آياتهم في هذا العصر: «إن المهدي يبدأ بغزو العالم انطلاقاً من الكوفة، وذلك بإرسال السرايا، وبث الجيوش المتكاملة للقيام بهذه المهمة»(3).
ولعل من أهداف إصرار الخميني على الاستمرار في محاربة الشعب العراقي تحقيق هذا الهدف... أليس هو الذي يتولى القيام بأعمال المهدي كاملة بحكم مذهبه الذي أعلنه، وعارضه جملة من الشيعة فيه، وقبل الاحتلال قد يؤتى بالحجر من مكانه، فالكوفة مركز الانطلاقة، كيف لا وهم يقولون في نصوصهم: «إن الكوفة حرم الله، وحرم رسوله ?، وحرم أمير المؤمنين، وإن الصلاة فيها بألف صلاة والدرهم بألف درهم»(4).
فيترجون هذا الفضل المزعوم ـ الذي هو نسيح خيال رافضي موتور ـ بنقل الحجر، كفى الله المسلمين كيد الباطنين وعدوانهم.
} ... } ... }
... ... يقول النص:
__________
(1) مختصر الخرقي مع شرحه المغني (3/370).
(2) ... المغني (3 /371).
(3) ... محمد باقر الصدر، تاريخ ما بعد الظهور، ص(450).
(4) ... الوافي، المجلد الثاني، (8/215).(86/41)
«وأجيء إلى يثرب، فأهدم الحجرة، وأخرج من بها وهما طريان، فآمر بهما تجاه البقيع، وآمر بخشبتين يصلبان عليهما، فتورقان من تحتهما، فيفتتن الناس بهما أشدّ من الأولى»(1).
نص آخر يقول:
«هل تدري أول ما يبدأ به القائم ـ يعني: قائمهم الذي سيتولى خميني القيام بكافة أعماله بحكم مذهبه في رواية الفقيه، ومنها هذا العمل، وغيره من الأعمال التي ذكرنا نصوصها ـ أول ما يبدأ به يخرج هذين ـ يعني: خليفتي رسول الله ?، رطبين غضين فيحرقهما ويذريهما في الريح ويكسر المسجد»(2).
ونص ثالث يقول:
«وهذا القائم... هو الذي يشفي قلوب شيعتك من الظالمين والجاحدين والكافرين فيخرج اللات والعزى (يعنون خليفتي رسول الله أبا بكر وعمر ـرضي الله عنهما -) طريين فيحرقهما»(3).
وهذه النصوص تكشف بشكل جلي واضح، أن جيوشهم إذا وصلت إلى المدينة المنورة ـ حفظ الله حرمه، وخيب آمالهم ـ فإن أول أعمالها هو هدم الحجرة النبوية، ونبش القبرين الطاهرين، لا لشيء إلا للتشفي والانتقام، وما أعظم هذه الأحقاد التي تريد التشفي من أموات مضى على موتهم مئات السنين... هل يوجد مثيل لهذا الحقد في عالم الإنسان على امتداد التاريخ؟! ولا شك بأن من يتمنى أن يفعل مثل هذا بالأموات، فإن أمنيته أيضاً وحنقه على الأحياء (ممن يترضى عن الشيخين) ورغبته في الانتقام منهم، والتشفي بقتلهم أشد. كما قال بعض السلف: «لا يغلُّ قلب أحد على أحد من أصحاب رسول الله ?، إلا كان قلبه على المسلمين أغل»(4).
__________
(1) ... بحار الأنوار، (53/104 ـ 105).
(2) ... المصدر السابق، (52/386).
(3) ... عيون أخبار الرضا (1/58)، بحار الأنوار (52/342).
(4) ... الإبانة لابن بطة ص(41).(86/42)
وحسبك أن تعلم أنهم يرون أن من يزعم لأبي بكر وعمر الإسلام فهو عندهم في عداد الكافرين(1)، فهذه أمانيهم عبرت عنها نصوصهم أبلغ تعبير.
وهم يتطلعون لتحقيق هذه الأماني، فقد بدت البغضاء من أفواههم، وما تخفي صدورهم أكبر، وما نقلته الأخبار عن محاولاتهم لنبش بعض قبور الصحابة في البقيع هو تطبيق لبعض هذه الخطط. وما يصرح به آياتهم من تهديد باحتلال الحرمين ـ كما سيأتي ـ هو لتحقيق هذا الهدف وغيره.
ثم تحاول بروتوكولاتهم أن تصور ردة الفعل الإسلامية لهذا العمل الإجرامي ضد خلفاء رسول الله ? لتوطن أتباعهم على قبولها وامتصاصها بحيث لا تؤثر على استمرار المذابح الدموية منهم.
حيث تشير بعض بروتوكولاتهم إلى أثر النبش والتخريب عند المسلمين فتقول: ثم يحدث حدثاً فإذا فعل ذلك قالت قريش: اخرجوا بنا إلى هذا الطاغية، فوالله لو كان محمدياً ما فعل، ولو كان علوياً ما فعل، ولو كان فاطمياً ما فعل(2).
قال شيخهم وفخرهم المجلسي : لعل المراد بإحداث الحدث إحراق الشيخين الملعونين، فلذا يسمونه بالطاغية(3).
انظر إلى تعليق شيخهم المجلسي وتفسيره للحديث الذي يحدثه مهديهم (أو نائبه) والذي يثير ثائرة المسلمين، تجده يقرر أن الحدث يعني إحراق قبر رسول الله ? وصاحبيه، اللذي يخصهما هذا الأفاك باللعن.
__________
(1) ... وقد جاء ذلك في أصول الكافي، (1/373)، وانظر: تفسير العياشي (1/178)، البرهان للبحراني (1/293)، بحار الأنوار (8 /218).
(2) ... تفسير العياشي (2/ 58)، بحار الأنوار (52/ 342).
(3) ... بحار الأنوار (52/46).(86/43)
وهذا المجلسي هو قدوتهم وعمدتهم ومن يعتمد قوله ـ كما يقولون ـ سواد الشيعة اليوم(1)، ولذا يصفونه برئيس الفقهاء والمحدثين وملاذ المحدثين في كل الأعصار، ومعاذ المجتهدين في جميع الأمصار، وأعظم أعاظم الفقهاء والمحدثين، وأفخم أفاخم علماء أهل الدين(2).
وهو يقرر هذا بكل صراحة وبلا تقية أو مصانعة، لأنه يعيش في ظل الدولة الصفوية التي حمته ففاض لسانه بما ينطوي عليه قلبه، وقلوب زمرته، فهو يتحدث عن حلمهم حول الحجرة النبوية الطاهرة، والحريق الذي يعدون أتباعهم بإشعاله فيها، ويُحَدّثُهم بذلك وكأنه أمر سيقع لا محالة.
ويبدو أن هذا الشعور أتاحته له فرصة وجوده في دولة شيعية هي الدولة الصفوية، وهي وإن لم يحكمها آياتهم، لكن كان لهم فيها تمكن ونفوذ.
وهذا هو شعور كل رافضي من هذه الفئة، فهو كما يرى القارئ يقرر لأتباعه هذه الوعود، وكأنه يزف لهم البشرى بتحقيق أغلى أمانيهم. فهل توجد بعد هذا طائفة أشد مناوأةً وعداوة لمقدسات المسلمين من هذه الطائفة؟!
__________
(1) ... انظر: الفيض القدسي ص(19 ـ 20)، المطبوع مع بحار الأنوار ج(105).
(2) ... انظر: المصدر السابق ص(21 ـ 22 ـ 27) والمجلسي من مؤسسي الغلو في دينهم حتى قال صاحب التحفة الاثني عشرية بأنه لو سمي دين الشيعة دين المجلسي لكان في محلة، ولذا قالوا بأنه لم يوجد له في عصره ولا قبله قرين في ترويج دينهم ومذهبهم، انظر: الفيض القدسي ص(17).(86/44)
وباسم ولاية الفقيه يعلن اليوم البدء في تحقيق أعمال دولة المهدي بدعوى النيابة الكاملة عنه، والمسلمون لا يعلمون شيئاً من مخاطر هذه الدعوى لأنهم لا يعرفون هذه الأسرار، ولا يعلمون شيئاً عن هذه البروتوكولات السرية، ولا يدركون ماذا سيصنعه مهدي الروافض الذي يرتقبون خروجه، وهو لن يخرج لأنه لم يوجد، لكن الخطر الأكبر أن يبدأ بتنفيذ أعمال هذا الموهوم، وتحقيق مجازره الدموية، فكأن مهدي الرافضة خرج اليوم بصورة عشرات من شيوخ الروافض، فقد أخرجوه بطريقة ماكرة خبيثة متلبسة بدعوى ولاية الفقيه.
وهل هناك بعد هذا أصرح من هذه النصوص في كشف نوايا الرافضة، ومبلغ عدائها للمؤمنين، وعظيم حقدها على أهل الإسلام، ومحاولاتهم الانتقام كلما حانت لها فرصة باسم ولاية الفقيه، أو بأي شعار آخر؟ فخميني وزمرته نفذوها بحكم هذا المذهب الجديد الذي ابتدعه خميني بين طائفتين(1).
} ... } ... }
يقرر القوم عبر بروتوكولاتهم بأن منتظرهم سيقوم بهدم المسجدين الشريفين، ويتستر بدعوى أنه سيردهما إلى أساسهما.
يقول نصهم: «إن القائم يهدم المسجد الحرام حتى يرده إلى أساسه، ومسجد الرسول ? وآله إلى أساسه»(2).
المسلمون يكثر عددهم ـ ولله الحمد ـ على مر الأيام، ومن الطبيعي أنهم يحتاجون إلى مزيد من التوسعة في أرض الحرمين لا إلى هدمهما، فما غرض هذه الفئة بهذه العملية التي يحلمون بتحقيقها، ويرون أنها واقعة على أيديهم لا محالة (خيب الله ظنونهم وجعل تدبيرهم تدميراً لهم).
__________
(1) ... أشار في كتابه «الحكومة الإسلامية» إلى آخرين سبقوه في هذا المذهب، ولكن لم يتح لهم رئاسة فيقوموه بهذه الأعمال كحال خميني اليوم.
(2) ... الغيبة للطوسي ص(282)، بحار الأنوار (52/338).(86/45)
هل يريدون بهدم الحرمين صرف الناس إلى كربلاء، والتي ما فتئ شيوخهم الغابرون والمعاصرون ينعقون بفضلها عندهم على بيت الله ـ كما سيأتي ـ فلا يطيب لهم عيش ولا يهنأ لهم منام حتى يحولوا الناس إلى كعبتهم... وهم يعدون أتباعهم بتحقيق ذلك حين قيام دولتهم.
أم إنهم يهدفون إلى تقليص حجم الحرمين بسبب أنهم لا يرون على الإسلام سوى طائفتهم ـ كما مرّ نقل إجماعهم على ذلك ـ فهم سيمنعون سائر المسلمين من دخول الحرمين بحكم أنهم كفار في اعتقادهم، فما يبقى بعد ذلك من أرض الحرمين كافٍ لطائفتهم لأنهم لا يمثلون سوى قلة قليلة من المسلمين(1)؟!
أم إنه قد غاظهم تجمع المسلمين بكثافة كبيرة في البلاد المقدسة، والتوسعة المستمرة التي عملت لتستوعب تلك الأعداد، وهم في كربلاء ومشاهدهم لا يلتفت إليهم أحد سوى أتباعهم الذين غرر بهم فهم يرددون هذه الكلمات للتعبير عن هذه الأحقاد والتنفيس عن قلوب سود أكلها الحسد، ومزقتها الضغائن والأحقاد؟!
ولا يظن ظانٌّ أن هذا البروتوكول من معتقدات قدمائهم فحسب؛ بل إن آياتهم في هذا العصر يفخرون بتطبيقه، يقول آيتهم محمد باقر الصدر إنه ـ أي: مهديهم الذي يتولى شيوخهم النيابة عنه ـ: «سيقوم بتقليص حجم المسجد الحرام وإرجاعه إلى أسسه... وبذلك لا تبقى ربع المسافة التي عليها المسجد في العصر الحاضر، وخاصة بعد التوسعات الضخمة التي أدخلت عليه أخيراً»(2).
__________
(1) ... يقول بعض المستشرقين: إن نسبتهم 10% من مجموع المسلمين، وما أظنهم يبلغون ذلك، وقد ذكر بعض كتابهم أنهم سبعون مليون (70مليون) ومنهم من قال: إن عددهم مائة مليون، وهم عادة يبالغون في عددهم كلون من الدعاية المذهبية.
(2) ... تاريخ ما بعد الظهور ص(828).(86/46)
ثم يشير إلى أنه يحاول تقليص عدد الطائفين مراعاة لحجم البيت حيث يتم ـ كما يقول ـ «منع الطواف المستحب... فتعطى القدمة لصاحب الفريضة، وبذلك يقل عدد الطائفين بالبيت إلى حد كبير»(1). فإذا كانت هذه أهدافهم فما بالهم يموجون ويثورون إذا تم تنظيم الحجيج... وهذا لا يعني أننا ندافع عن الطرف الآخر، لكن الهدف أن نبين أن مطالبتهم برفع نسبة عدد الحجاج من طائفتهم ليس غايته الرغبة في الحج، ولكن لتحقيق أهداف أخرى.
وبعد... فهل من يسعى لهدم الحرمين وتقليصهما يهمه أمر الحجر؟ هل هناك بيان لضخامة الكيد، وبالغ الحقد عندهم ضد مقدسات المسلمين أبلغ من هذه الخطط التي سطرتها أقلامهم ودونت في كتبهم المقدسة، والتي يحلمون بتطبيقها حين تقوم لهم دولة برئاسة واحد ممن يدعون إمامته، أو من يتولى النيابة عنه حسب المذهب الجديد عندهم فينقضون على حرم الله الآمن هدماً وتخريباً.
وواضع هذه النصوص يعلم علم اليقين أنه لا يوجد لهم إمام غائب، ولكنه يعبر عن أحلامه وآماله، ويرسم خططه، ويخطط لطموحاته وتطلعاته حين تقوم لهم دولة برئاسة الإمام أو نائبه.
وقد قامت دولتهم، وبدأت محاولاتهم لبث الفتنة في الحرمين: ?وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ? [الأنفَال: 30].
__________
(1) ... المصدر السابق ص(829).(86/47)
ثم لا يخفى أن هذه «البروتوكولات» بغضِّ النظر عن العنصر «الخرافي» فيها هي «إسقاطات واعترافات» تنمُّ عن دخائل نفوسهم، وما تكنُّه صدورهم من مناوأة لدين الإسلام، وسعي في الكيد له، حتى يتمنون أن تتاح لهم فرصة لهدم الحرمين، ونبش القبرين الطاهرين، وحينما يحسون بعجزهم عن تحقيق ذلك يعزون أنفسهم بأن هذا لا بد أن يتحقق عندما تقوم دولتهم على يد منتظرهم، فهي تكشف في الحقيقة ماذا سيفعلون لو واتتهم فرصة الحكم والتسلط. ولذلك فإن المعاصرين منهم يتمنون فتح مكة والمدينة كما جاء على ألسنة آياتهم ليحققوا أحلامهم التي أفصحت عنها أخبارهم.
يقول آيتهم وشيخهم المعاصر حسين الخراساني : «إن طوائف الشيعة يترقبون من حين لآخر أن يوماً قريباً آت يفتح الله لهم تلك الأراضي المقدسة...» (1) فهو يحلم بفتحها وكأنها بيد الكفار، ذلك أن لهم أهدافهم المبيتة ضد الديار المقدسة.
__________
(1) ... الإسلام على ضوء التشيع ص(132 ـ 133).(86/48)
وفي احتفال رسمي وجماهيري أقيم في عبدان في 17/3/1979م تأييداً لثورة خميني ألقى أحد شيوخهم (د. محمد مهدي صادقي) خطبة في هذا الاحتفال سجلت باللغتين العربية والفارسية، ووصفتها الإذاعة بأنها مهمة، ومما جاء في هذه الخطبة: «أصرح يا إخواني المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أن مكة المكرمة حرم الله الآمن يحتلها شرذمة أشد من اليهود(1)»... ثم ذكر بأنه حين تثبت ثورتهم على أقدامها سينتقلون إلى القدس ومكة المكرمة وإلى أفغانستان(2). وهكذا يرى أن مكة وهي تستقبل كل عام الحجيج من كل فج عميق، ويرتفع عليها علم التوحيد، ويأمن فيها كل معتمر وحاج يرى أن هذا كوضع القدس الذي يحتله يهود، ووضع أفغانستان التي يحتلها الملاحدة الشيوعيون... فأي هدف ينشده في السير إلى مكة، لعله هو ما أفصحت عنه هذه البروتوكولات، ولذا نشرت مجلة «الشهيد» الإيرانية ـ لسان حال علماء الشيعة في قم ـ في العدد 46 الصادر بتاريخ 16 شوال 1400 هـ، صورة تمثل الكعبة المشرفة، وإلى جانبها صورة المسجد الأقصى المبارك وبينهما (يد قابضة على بندقية) وتحتها تعليق نصه: «سنحرر القبلتين»(3).
__________
(1) ... تعد الرافضة جميع المسلمين أشد كفراً من اليهود والنصارى، وانظر ـ مثلاً ـ: ما قاله شيخهم الملقب عندهم بالعلامة في كتابه «الألفين» ص(3).
(2) ... أذيعت هذه الخطبة من صوت الثورة الإسلامية من عبادان الساعة 12 ظهراً من يوم 17/ 3/ 1979م، انظر: وجاء دور المجوس ص(344).
(3) ... انظر: مجلة الشهيد، العدد المذكور، وانظر: جريدة المدينة السعودية الصادرة في 27 ذي القعدة 1400هـ، وانظر: ما كتبه الشيخ محمد عبدالقادر آزاد، رئيس مجلس علماء باكستان عما شاهده في أثناء زيارته لإيران، حيث يقول بأنه رأى على جدران فندق هيلتون في طهران، والذي يقيمون فيه شعارات مكتوباً عليها: «سنحرر الكعبة والقدس وفلسطين من أيدي الكفار...» انظر: الفتنة الخمينية للشيخ محمد آزاد ص(9).(86/49)
يخرج قائمهم أو من يقوم بمهمته «موتوراً غضبان أسفاً.. يجرد السيف على عاتقه»(1) فيحصد أهل السنة الذين تلقبهم وثائق الرافضة بـ«المرجئة» حتى قالوا: «ويح هذه المرجئة(2) إلى من يلجؤون غداً إذا قام قائمنا»(3) يذبحهم والذي نفسي بيده كما يذبح القصاب شاته(4).
وأحياناً تلقبهم بـ«المخالفين» وتقول عنهم: «ما لمن خالفنا في دولتنا نصيب، إن الله قد أحل لنا دماءهم عند قيام قائمنا»(5).
وحيناً تسميهم بـ«النواصب» وتقول: «فإذا قام قائم عرضوا كل ناصب عليه فإن أقر بالإسلام وهي الولاية وإلا ضربت عنقه، أو أقر بالجزية فأداها كما يؤدي أهل الذمة»(6).
ويلاحظ التناقض بين هذا وبين ما سيأتي من عدم قبوله التوبة منهم.
} ... } ... }
ولا يكتفون بقتل أهل السنة؛ بل إن قائمهم ـ أو من ينوب عنه بمقتضى نيابة شيوخهم عن المهدي في فترة غيبته المزعومة ـ يتتبع الشيعة الزيدية غير الغلاة فيقتلهم.
__________
(1) ... بحار الأنوار (52/361).
(2) ... قال شيخهم الطرحي: وسماهم مرجئة لأنهم زعموا أن الله تعالى أخر نصب الإمام ليكون نصبه باختيار الأمة بعد النبي ? وآله، مجمع البحرين (1/177 ـ 178)، وانظر: مرآة العقول (4/371).
(3) ... الغيبة للنعماني ص(190)، بحار الأنوار (52/357).
(4) ... الغيبة للنعماني ص(190 ـ 191)، بحار الأنوار (52 ـ 357).
(5) ... بحار الأنوار (52/376).
(6) ... تفسير فرات ص(100)، بحار الأنوار (52 373).(86/50)
تقول نصوصهم : «إذا قام القائم سار إلى الكوفة فيخرج منها بضعة عشر آلاف أنفس ـ كذا ـ يدعون البترية(1) عليهم السلاح فيقولون له: ارجع من حيث جئت فلا حاجة لنا في بني فاطمة، فيضع فيهم السيف حتى يأتي على آخرهم»(2).
} ... } ... }
يقولون بأن منتظرهم (أو من ينوب مقامه من آياتهم) يسير في العرب بما في الجفر الأحمر وهو قتلهم(3).
وكثير من نصوصهم تعد العرب بملحمة على يد غائبهم لا تبقي على رجل، أو امرأة، ولا صغير، ولا كبير؛ بل تأخذهم جميعاً فلا تغادر منهم أحداً، حتى قالت بروتوكولاتهم: «ما بقي بيننا وبين العرب إلا الذبح»(4).
ويلاحظ أن هذا الاستئصال العام الشامل للجنس العربي لا يفرق بين شيعي وسني، مع أن من العرب من يشايع هذه الزمرة، ولكن أخبارهم تؤكد أنه لن يتشيع أحد من العرب حين قيام دولة منتظرهم، ولهذا تحذر من الاغترار بهم، وإن تشيعوا فتقول: «اتق العرب فإن لهم خبر سوء أما إنه لم يخرج مع القائم منهم واحد»(5).
ومع أنَّ في الشيعة من العرب كثير إلا أنهم يقولون بأنهم سيمحصون فلا يبقى منهم إلا النزر اليسير(6).
وحرب الخميني للشعب العراقي (بلا تفريق بين شيعته وسنته) هي بداية في تطبيق هذا المبدأ وهو القتل العام للجنس العربي، ومحاولة إفنائه.
وقد وضح الأمر لكل ذي عينين، إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب.
__________
(1) ... البترية: هم أصحاب الحسين بن صالح بن حي، وهم فرقة من الزيدية، وهي أقرب فرق الزيدية لأهل السنة، انظر عنهم: مقالات الإسلاميين (1/144)، الملل والنحل (1/161)، الخطط (2/352).
(2) ... الإرشاد ص(411 ـ 412)، بحار الأنوار (52/313، 318).
(3) ... بحار الأنوار (52/313، 318).
(4) ... الغيبة للنعماني ص(155)، بحار الأنوار (52 /349).
(5) ... الغيبة للنعماني ص(284)، بحار الأنوار (52/333).
(6) ... الغيبة للنعماني ص(137)، بحار الأنوار (52 /114).(86/51)
ولا يخفى أن تخصيص العرب بالقتل يدل على تغلغل الاتجاه الشعوبي لدى واضعي هذه الروايات... وهي تبين مدى العداوة للجنس العربي لدى مؤسسي الرافضة والرغبة في التشفي منهم بقتلهم، وذلك ـ في حقيقة الأمر ـ لا يعود لجنسيتهم بل للدين الذي يحملونه.
} ... } ... }
وقد وردت في بروتوكولاتهم نصوص كثيرة تخصص المسلمين بالقتل، ولذا اعترف آيتهم الصدر بأن ظاهر رواياتهم أن كثرة القتل مختصة بالمسلمين(1).
} ... } ... }
مهدي الروافض الذي تحلم بمجيئه وتتوقع خروجه، والذي يتولى شيوخ الروافض بحكم مذهبهم في ولاية الفقيه القيام بالنيابة عنه، وأداء أعماله وتحقيق أهدافه...
هذا الموعود (أو نائبه العام) سيقوم بعملية قتل شامل، وإفناء كامل للناس، لا يسلم منه إلا القليل وهم الرافضة، تقول بروتوكولاتهم:
1ـ «لا يكون هذا الأمر حتى يذهب تسعة أعشار الناس(2). قال آيتهم محمد باقر الصدر : «أقول والمراد من هذا الأمر: ظهور المهدي (ع)»(3).
2 ـ وقال جعفرهم : «لا يكون هذا الأمر حتى يذهب ثلثا الناس» فقيل له: فإذا ذهب ثلثا الناس فما يبقى؟ فقال (ع): أما ترضون أن تكونوا في الثلث الباقي؟»(4).
يقول آيتهم الصدر : «وهذا القتل الشامل للبشرية كلها... يتعين حصوله بحرب عالمية شاملة قوية التأثير»(5).
وتختلف نصوصهم في تحديد النسبة الباقية، يقول شيخهم المعاصر الصدر في توجيه ذلك: «واختلاف هذه النسب المذكورة في الأخبار لقلة الناس دال على كونها على وجه التقريب لا التحديد، على أنه يمكن الأخذ بأكبر نسبة وهو تسعة أعشار لأن الإخبار بذهاب الأقل لا ينافي الإخبار عن ذهاب الأكثر»(6).
__________
(1) ... تاريخ ما بعد الظهور ص(579).
(2) ... الغيبة للنعماني ص(146).
(3) ... تاريخ ما بعد الظهور ص(482).
(4) ... بحار الأنوار ج(13)، ص(156) ط. الحجر.
(5) ... تاريخ ما بعد الظهور ص(483).
(6) ... المصدر السابق ص(483).(86/52)
وهناك تعاليم يومية مستمرة للأتباع تحثهم وتدعوهم لطلب الثأر والانتقام وذلك عبر أدعية الزيارات ومناسك المشاهد، وهذا القتل الشامل لا ينجو منه إلا الرافضة، ومهما أعلن غيرهم التوبة والرجوع فلا يقبل منهم توبة ولا رجوع، يقول الصدر: «إن الإمام المهدي (ع) سوف يضع السيف في كل المنحرفين الفاشلين في التمحيص، ضمن التخطيط السابق على الظهور فيستأصلهم جميعاً، وإن بلغوا الآلاف، ولا يقبل إعلانهم التوبة والإخلاص»(1). وهذه السيرة ليست من الإسلام في شيء، وهم يعترفون أنها شرعة جديدة مخالفة التشيع له، تقول نصوصهم: «إن القائم أمر أن يسير بالقتل ولا يستتيب أحداً»(2)؛ بل أنه يقتل من لا ذنب له، تقول رواياتهم: «إذا خرج القائم قتل ذراري قتلة الحسين بفعل آبائها»(3).
وتصور بعض رواياتهم مبلغ ما يصل إليه من سفك دماء الناس (من غير طائفته) حتى تقول: «لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحب أكثرهم ألا يروه مما يقتل من الناس... حتى يقول كثير من الناس: ليس هذا من آل محمد، لو كان من آل محمد لرحم»(4).
وهذا قول يدين القائم بالخروج عن سنن الرحمة والعدل التي عرف بها أهل البيت؛ بل إنه خرج عنه سنة المصطفى ?، وهذا ما يصرحون به، فقد سئل الباقر ـ على حد زعمهم ـ: «أيسير القائم بسيرة محمد؟ فقال: هيهات! إن رسول الله ? سار في أمته باللين، وكان يتألف الناس، والقائم أمر أن يسير بالقتل، وألا يستتيب أحداً، فويل لمن ناوأه»(5).
__________
(1) ... المصدر السابق ص(558).
(2) ... الغيبة للنعماني ص(153)، بحار الأنوار (52 353).
(3) ... علل الشرائع ص(299)، عيون أخبار الرضا (1/273)، بحار الأنوار (52/313).
(4) ... الغيبة للنعماني ص(154)، بحار الأنوار (52/354).
(5) ... الغيبة للنعماني ص(153)، بحار الأنوار (52/353).(86/53)
فالرافضة تزعم أنه أمر بسيرة تخالف سيرة رسول الله ?، وقد أجمع المسلمون أن كل ما خالف سيرته ? فهو ليس من الإسلام، فهل بعث برسالة غير رسالة الإسلام؟!
وكيف يؤمر بخلاف سيرة رسول الله ? هل هو نبي أوحي إليه من جديد؟ ولا نبي بعد خاتم الأنبياء، ولا وحي بعد وفاته، وكل من ادعى خلاف ذلك فهو مفتر دجال، لمعارضته للنصوص القطعية، وإجماع الأمة على ختم الوحي والنبوة بوفاة سيد المرسلين ?.
ولكن هذه الروايات تصور ما في قلوب واضعيها من حقد على الناس، ولا سيما أمة الإسلام التي تخالفهم في نهجهم، وأنهم يتمنون يوماً قريباً آتياً يحققون فيه هذه «الأحلام» التي تكشف حقيقتها هذه الروايات، ويترجمها واقع الشيعة في العهد الصوفي، وفي دولة الآيات القائمة، وفي منظماتهم في لبنان.
ومعلوم أن أمير المؤمنين علياً الذي يزعمون التشيع له لم يكفِّر مخالفيه، ولم يقاتل إلا من بغى عليه، فقائمهم الذي يفعل هذه الأفاعيل ومن تبعه في نهجه، ليس من شيعة علي، وقد اعترفوا في روايتهم أن قائمهم لا يأخذ بسيرة علي، سئل الصادق ـ كما يزعمون ـ: «أيسير القائم بخلاف سيرة علي؟ فقال: نعم، وذاك أن علياً سار بالمن والكف لعلمه أن شيعته سيظهر عليهم من بعده، أما القائم فيسير بالسيف والسبي لأنه يعلم أن شيعته لن يظهر عليهم من بعده أبداً»(1).
وقال صادقهم يخاطب بعض الشيعة : «كيف أنت إذا رأيت أصاحب القائم قد ضربوا فساطيطهم في مسجد الكوفة؛ ثم أخرج المثال الجديد، على العرب شديد.
__________
(1) ... الغيبة للنعماني ص(153)، بحار الأنوار (52/353).(86/54)
قال (الراوي) : قلت: جعلت فداك ما هو؟ قال: الذبح. قال: قلت: بأي شيء يسير فيهم، بما سار علي بن أبي طالب في أهل السواد؟ قال: لا إن علياً سار بما في الجفر الأبيض، وهو الكف، وهو يعلم أنه سيظهر على شيعته من بعده، وإن القائم يسير بما في الجفر الأحمر وهو الذبح، هو يعلم أنه لا يظهر على شيعته»(1).
} ... } ... }
ومهديهم أو نائبه خميني ومن بعده من شيوخهم إذا تملكوا من السلطة لا يرحمون أحداً ولو كان أسيراً، أو جريحاً، أو مولِّياً فاراً، وإن كان من المسلمين، لأنه لا إسلام عندهم إلا مذهب الروافض.
يقول النص: «القائم له أن يقتل المولّي ويجهز على الجريح»(2).
ولعل ما نسمعه من قتل الإيرانيين للأسرى في الحرب الدائرة مع العراق تطبيق لهذا المبدأ وعمل به.
} ... } ... }
تقول نصوصهم : «إن قائمهم ليس شأنه إلا القتل فلا يستبقي أحداً»(3)، «ولا يستتيب أحداً»(4).
والمتابع للخميني منذ ظهوره يرى أنه قد حاول أن يلتزم بهذه الصفة لتحقيق صفة عموم ولاية الفقيه التي تبناها. ولن يتوقف عن عملية القتل المستمرة حتى يروي حقده إن كان لهذا سبيل، أو يأتي يوم يخشى فيه إزهاق روحه، أو إسقاط دولته، وإلا فإن القتل وإزهاق الأرواح عند هذه الفئات أحلى من العسل، وإيقاف ذلك أشد عليهم من تجرع السم الزعاف.
} ... } ... }
تقرر بروتوكولاتهم: تصفية المسلمين ممن لا يأخذ بمذهبهم بواسطة الغيلة، ولا تشترط في ذلك إلا شرطاً واحداً، وهو أن يأمن الرافضي على نفسه.
واستمع إلى ما تقوله نصوصهم المقدسة عندهم:
أ ـ عن داود بن فرقد قال: قلت لأبي عبدالله - عليه السلام - ما تقول في قتل الناصب؟
__________
(1) ... بحار الأنوار (52/318)، وهذه الرواية في بصائر الدرجات كما أشار إلى ذلك المجلسي.
(2) ... الغيبة للنعماني ص(121).
(3) ... بحار الأنوار (52/231).
(4) ... المصدر السابق (52/349).(86/55)
فقال: «حلال الدم، ولكني أتقي عليك فإن قدرت أن تقلب عليه حائطاً، أو تغرقه في ماء لكي لا يشهد به عليك فافعل»(1).
أي: استخدم أي وسيلة تمكنك من قتله بلا خوف على نفسك من المطالبات بدمك، والنواصب عندهم هم أهل السنة؛ بل وحتى الشيعة المعتدلة كالزيدية ـ كما مرّ ـ.
ب ـ وينصح إمامهم بعض أتباعه بقتل الغيلة، أي: القتل الخفي، فهو يقول: «أشفق إن قتلته ظاهراً أن تسأل لم قتلته؟ ولا تجد السبيل إلى تثبيت حجة، ولا يمكنك إدلاء الحجة فتدفع ذلك عن نفسك، فيسفك دماً مؤمن من أوليائنا بدم كافر، وعليكم بالاغتيال»(2).
فهذا الإمام لا يشفق على قتل المسلمين، ولكن يشفق على ذلك الرافضي أن تقتله الدولة الإسلامية قصاصاً حين يقتل أحد المسلمين. ولذا يوصيه بمبدأ الغيلة طريقاً وأسلوباً في التعامل مع المخالفين وهم جميع المسلمين.
ج ـ وفي «رجال الكشي» يرفع أحد الروافض بياناً سرياً للمسؤول عن منظمته السرية يتضمن ذكر المجموعة المسلمة التي تمكن بطرق خفية من القضاء عليها. ويشرح بعض هذه الوسائل فيقول:
«منهم من كنت أصعد سطحه بسلّم حتى أقتله، ومنهم من دعوته بالليل على بابه فإذا خرج عليَّ قتلته»(3).
وذكر أنه قتل بهذه الطريقة وأمثالها ثلاثة عشر مسلماً لا ذنب لهم إلا أنهم لم يأخذوا بمذهبه.
__________
(1) ... علل الشرائع لابن بابويه ص(200)، وسائل الشيعة (18/463)، بحار الأنوار (27/231).
(2) ... رجال الكشي ص(529).
(3) ... المصدر السابق ص(342 ـ 434).(86/56)
وقد عبَّر عن ذلك بقوله: إنهم يتبرؤون من علي(1). والترضي عن الشيخين عندهم يعني البراءة من علي حتى قالوا: «لا ولاء إلا ببراء» أي: لا ولاية لعلي إلا بالبراءة من الشيخين؛ بل إن الاعتقاد بإسلام الشيخين (فضلاً عن تقديمهما على الصحابة أجمعين) عندهم ذنب لا يغفر، وموجب لاستحلال الدماء المعصومة في الدنيا، كما أنه موجب للخلود في النار في الآخرة، حتى جاء في أوثق مصادرهم عندهم: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: من ادعى إمامة من الله ليست له(2)، ومن جحد إماماً من الله(3)، ومن زعم أن لهما في الإسلام نصيباً(4)». وقوله: «لهما» يعني: لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما ـ كما قال ذلك المجلسي في «مرآة العقول».
__________
(1) ... الموضع نفسه من المصدر السابق.
(2) ... هذا تكفير لجميع خلفاء المسلمين إلى أن تقوم الساعة.
(3) ... هذا تكفير لكل المسلمين عدا طائفتهم الذين يقولون بإمامة الاثني عشر، ولا يرون بيعة شرعية لأي خليفة، ولو كان في مثل إيمان أبي بكر وعدل عمر – رضي الله عنهما ـ وجهاد علي - رضي الله عنه -.
(4) ... أصول الكافي (1 373 ـ 374)، الغيبة للنعماني ص(70)، تفسير العياشي (1/178)، بحار الأنوار (25/111).(86/57)
د ـ وتوزيع بروتوكولاتهم صكوك الغفران، وضمان الجنان على من يقوم بقتل بعض المسلمين غيلة... فهذا هو إمامهم «أمر بقتل فارس ابن حاتم القزويني وضمن لمن قتله الجنة»(1). وقال في مجلسه الخاص: «دمه هدر لكل من قتله فمن هذا الذي يريحني منه ويقتله وأنا ضامن له على الله الجنة»(2). فانتدب لهذا العمل الإجرامي أحد محترفي القتل، ويدعى جنيد، الذي وصف لنا كيف تمت عملية الاغتيال فقال: «جئت إلى فارس (اسم الرجل المقتول) وقد خرج من المسجد بين الصلاتين المغرب والعشاء فضربته على رأسه فصرعته، وثنيت عليه فسقط ميتاً، ووقعت الضجة فرميت الساطور من يدي، واجتمع الناس، وأخذت إذ لم يوجد هناك أحد غيري، فلم يروا معي سلاحاً ولا سكيناً، وطلبوا الزقاق والدور فلم يجدوا شيئاً، ولم ير أثر الساطور بعد ذلك»(3).
فأنت ترى أن الاغتيال كان ضحيته أحد المسلمين الذي كان قد خرج لتوه من المسجد ساجداً لله راكعاً... القاتل لم يصلّ، وتَرصَّدَ لضحيته فأجهز عليه، وهو ينتظر بهذا القتل ضمان الإمام له الجنة، أو لا يعلم أنه من قتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم؟!
قال الله تعالى: ?وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مْؤْمِناً إلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُوا فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْريرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإن كانَ مِن قَوْمِ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلى أَهْلِهِ وَتَحْريرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَن لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللهِ وَكانَ اللهُ عَليماً حَكيماً? [النِّساء: 92].
__________
(1) ... رجال الكشي ص(524).
(2) ... المصدر السابق ص(524).
(3) ... الموضع نفسه من المصدر السابق.(86/58)
وهذا الأمر بالاغتيالات مبدأ سري يطبقونه ضد مخالفيهم، فالنصوص المذكورة هي أوامر بالاغتيالات في القرن الثالث مع وجود دولة الخلافة الإسلامية الكبرى التي تنفذ حدود الله.
إن مبدأ الاغتيال، وإصدار صكوك الجنة للقتلة، من مبادئ الإمامة التي هي أساس المذهب عندهم، وما الاغتيالات وخطف الطائرات، وإطلاق الصواريخ على المدنيين، وزرع الألغام وأخذ المتفجرات لحرم الله الآمن، إلا تطبيق لمبادئ هذه البروتوكولات، وحرصهم على اغتيال الشخصيات الكبيرة كالزعماء والعلماء وكبار أهل الإسلام أشد وأعظم.
} ... } ... }
وفي سبيل الوصول لأغراضهم قد يدخلون في الجهات الأمنية في الدولة الإسلامية ليتمكنوا بواسطة ذلك من التسلط على عباد الله الصالحين، وإلحاق الضرر والأذى بمخالفيهم. ولذا فإن شيخهم وآيتهم نعمة الله الجزائري: يذكر أن أحد أفرادهم وصل إلى منصب وزارة في عهد هارون الرشيد، ويدعى علي بن يقطين(1)، وقد أثنى خميني في كتابه «الحكومة الإسلامية» على هذا الرجل لدخوله الشكلي ـ كما يعبر ـ في الدولة الإسلامية لنصرة الإسلام والمسلمين (يعني الرافضة ومذهبهم)(2).
فيحكي الجزائري : أن ابن يقطين تمكن بحيلة لم تكشف من قتل خمسمائة مسلم في يوم واحد فيقول: «إن علي بن يقطين وهو وزير الرشيد قد اجتمع في حبسه جماعة من المخالفين فأمر غلمانه وهدموا أسقف المحبس على المحبوسين، فماتوا كلهم وكانوا خمسمائة رجل تقريباً»(3).
وهو بهذه العملية يحقق هدفين:
الهدف الأول : يسيء إلى الدولة الإسلامية وسمعتها حيث يتوهم من يسمع بالخبر أن الدولة قد أودعت هؤلاء المساجين في سجن غير مأمون مهدد بالسقوط.
__________
(1) ... وقد وصفه الجزائري بأنه من خواص الشيعة، الأنوار النعمانية (2/308)، وقد ذكر الطبري في تاريخه في حوادث 169 بأنه قتل على الزندقة، انظر: تاريخ الطبري (8/190).
(2) ... انظر: الحكومة الإسلامية ص(142).
(3) ... الأنوار النعمانية (2/308).(86/59)
الهدف الثاني : التشفي بقتل خصومه ومخالفيه في المعتقد بهذه الطريقة الماكرة الخفية.
ويشير شيخهم نعمة الله الجزائري إلى أن ابن يقطين هذا قد خالف قانوناً من قوانين هذه الطائفة، وهو أن القيام بمثل هذه العمليات يلزم استئذان القيادة السرية العليا للطائفة، ولا يزال هذا القانون سارياً إلى اليوم(1).
يقول: «فأراد الخلاص من تبعات دمائهم، فأرسل إلى الإمام مولانا الكاظم(2)
__________
(1) ... ولذلك ـ مثلاً ـ قال شيخهم أحمد مغنية عما قام به القمي من إنشاء دار للتقريب في مصر: «ليس له ولا لغيره أن يقوم بمثل هذا العمل بدون إذن المراجع (يعني شيوخهم)، أحمد مغنية الخميني أقواله وأفعاله ص(27).
(2) يعنون موسى بن جعفر بن محمد، وقد نسبوا إليه أنه يدعي أحقيته بالخلافة، وقد نفى ذلك نفياً قاطعاً، ويبدو أن الذي تولى كبر إشاعة هذه الفرية عليه هو هشام بن الحكم الرافضي، ومن لف لفه، وقد اتهمت نصوص الشيعة نفسها هشاماً بهذا الأمر، وأنه كان وراء سجنه موسى فقال: «هشام ابن الحكم ضال مضل شرك في دم أبي الحسن»، رجال الكشي ص(268). وقد طلب منه أبو الحسن ـ كما تقول أخبارهم ـ أن يكف عن الكلام، ولكنه أمسك عن الكلام شهراً ثم عاد، فقال له أبو الحسن: أيسرك أن تشرك في دم امرئ مسلم؟ قال: لا، قال: وكيف تشرك في دمي، فإن سكتّ وإلا فهو الذبح؟ فما سكت حتى كان من أمره ما كان ? عليه، رجال الكشي ص(270 ـ 271، 279).
وقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ إلى أن موسى الكاظم ـ متهم بالتطلع للملك، ولذلك سجنه المهدي؛ ثم الرشيد، منهاج السنة (2 155).
والذي يظهر أن الذي وراء ترويج هذه الإشاعة هو ـ كما قلنا ـ هشام. ولذلك قال موسى الكاظم ـ رحمه الله - للمهدي العباسي لما أخذ عليه العهد ألا يخرج عليه ولا على أحد من أولاده فقال: والله ما هذا من شأني ولا حدثت فيه نفسي، البداية والنهاية (10/183).(86/60)
(ع) فكتب إليه جواب كتابه بأنك لو كنت تقدمت إلي قبل قتلهم لما كان عليك شيء من دمائهم، وحيث إنك لم تتقدم إلي فكفِّر عن كل رجل قتلت منهم بتيس(1)، والتيس خير منه»(2).
فإمامه هنا(3) يقرُّه على قتل خمسمائة مسلم لمجرد أنهم ليسوا بروافض، ولكن يأمره بالتكفير بتيس لا لأنه قتل جماعة من المسلمين، ولكن لأنه قد تصرف بدون أخذ أوامر من رؤوس المذهب، وهو ما يكنون عنه بالإمام، فخالف قانون الطائفة فكلِّف بذبح هذه الذبائح ليحظى بأكلها الأتباع لتنبثق خطواتهم التخريبية في المستقبل من جهة مركزية تنظيمية واحدة(4).
وعلى ذلك إذا استأذن الرافضي إمامه، أو نائبه وهو الفقيه والمرجع فليفعل ما يريد، وإن لم يستأذن فالأمر لا يعدو ذبح تيس!!
وقد علق شيخهم الجزائري على دية التيس التي يوجبونها على من قتل سنياً بدون إذن المرجع بقوله: «فانظر إلى هذه الدية الجزيلة التي لا تعادل دية أخيهم الأصغر، وهو كلب الصيد، إن ديته عشرون درهماً، ولا دية أخيهم الأكبر وهو اليهودي أو المجوسي فإنه ثمانمائة درهم ـ كذا ـ وحالهم في الآخرة أخس وأنجس»(5).
__________
(1) ... التيس: ذكر الماعز.
(2) ... الأنوار النعمانية (2/308).
(3) ... ونبرئ موسى الكاظم من ذلك، إنما هي عصابات الرفض تنسب هذه الأوامر والنصوص للعلماء أو للصالحين من أهل البيت لتحظى بالقبول والطاعة لدى أتباعهم، فإذا ذهب أحد هؤلاء الأتباع ليستوثق من صحة صدور هذه النصوص من هذا الإمام أو ذاك فأجابه الإمام بالإنكار والتبرؤ، قالت عصابات الرفض للأتباع: إن هذا الإنكار منه تقية، والتقية تسعة أعشار الدين.
(4) ... وحتى الأمور المشروعة كالحج والزواج كانت تلك العصابات السرية تأخذ حين فعلها إذناً من الإمام كما ترى ذلك في التوقيعات السرية الصادرة من المنتظر الموهوم.
(5) ... الأنوار النعمانية (2/308).(86/61)
وهذا قول من الشناعة بمكان، ولا يحتاج إلى تعليق فهو ينطق بنفسه عن حقدهم على أهل السنة، وأنهم أكفر عندهم من المجوس واليهود.
فانظر كيف يعيشون في وسط المسلمين، ويتسمون باسم الإسلام، وهم يتحينون أدنى فرصة للقتل، وهذه اعترافاتهم تشهد بآثارهم السوداء.
ولعل من يتابعون أخبار خطف الطائرات ينجلي عجبهم وهم يرون الخاطفين من الروافض يخلون سبيل اليهود والنصارى، ويبقون أهل السنة والمسلمين، ويقتلون بعضهم أو كلهم، كما يذبحون الخراف. وهم يتظاهرون بالإسلام، ويزعمون التمسك به والدعوة إليه، ذلك أن القتل عندهم للمسلمين من أعظم القرب والصالحات، وهذا هو دين الروافض، لا الإسلام الذي بعث الله به رسوله ?، والذي فيه: «من قتل نفساً ـ بغير حق ـ فكأنما قتل الناس جميعاً».
وقد شهد الإمام الشوكاني – رحمه الله - بذلك وهو ممن عرف الروافض وعاش بينهم فقال: «لا أمانة لرافضي قط على من يخالفه في مذهبه، ويدين بغير الرفض؛ بل يستحل ماله ودمه عند أدنى فرصة تلوح له، لأنه عنده مباح الدم والمال، وكل ما يظهره من المودة فهو تقية يذهب أثره بمجرد إمكان الفرصة»(1).
لذلك فهم لا يتورعون عن اقتراف أي جريمة في المجتمع الإسلامي إذا أمنوا العاقبة، لأن غيرهم لا حرمة له، ولا أمان، وهذا ما يعرفه من عاش بينهم.
قال الشوكاني – رحمه الله -: «وقد جربنا وجرب من قبلنا فلم يجدوا رجلاً رافضياً يتنزه عن محرمات الدين كائناً ما كان، ولا تغتر بالظواهر، فإن الرجل قد يترك المعصية في الملأ، ويكون أعف الناس عنها في الظاهر، وهو إذا أمكنته فرصة انتهزها انتهاز من لا يخاف ناراً، ولا يرجو جنة»(2).
__________
(1) ... طلب العلم ص(70 ـ 71).
(2) ... الموضع نفسه من المصدر السابق.(86/62)
ثم استشهد على ذلك ببعض مشاهداته الشخصية فقال: «وقد رأيت منهم من كان مؤذياً ملازماً للجماعات فانكشف سارقاً(1)، وآخر كان يؤم الناس في بعض مساجد صنعاء، وله سمت حسن وهدي عجيب وملازمة للطاعة، وكنت أكثر التعجب منه، كيف يكون مثله رافضياً؟ ثم سمعت بعد ذلك عنه بأمور تقشعر لها الجلود، وترجف منها القلوب؛ ثم ذكر رافضياً ثالثاً، وقال: كنت أعرف عنه في مبادئ أمره صلابة وعفة، فقلت: إذا كان ولا بد من رافضي عفيف فهذا؛ ثم سمعت منه بفواقر نسأل الله الستر والسلامة»(2).
ومهما بذل المسلم لهم من المال، أو أسدى من المعروف، أو قدم من البر والصلة فإنه لا يستطيع أن يزيل ذلك الحقد الأسود المرير، أو يمتص تلك الضغينة، أو يذيب جبالاً من الكراهية والبغضاء غرستها تربية الأيام والليالي في الصغر، وكونتها آلاف من الصفحات السود في مدونات جعلوا لها صفة القداسة، وصاغتها مناسك الزيارات وأدعيتها، وليالي الحسينيات، وتمثيليات العزاء في المحرم مما لا يخطر على بال من لم يخض في تراث الروافض وواقعهم.
ولذلك قال من جرب الحياة معهم: «وقد جربنا هذا تجريباً كثيراً فلم نجد رافضياً يخلص المودة لغير رافضي وإنْ آثره بجميع ما يملكه، وكان له بمنزلة الخول، وتودد إليه بكل ممكن، ولم نجد في مذهب من المذاهب المبتدعة ولا غيرها ما نجده عند هؤلاء لمن خالفهم»(3).
__________
(1) ... لأن أخذ مال المسلمين بطريق السرقة حلال في شرعهم ـ كما مر ـ كاليهود الذين قالوا: ?لِيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمّيّينَ سَبيلٌ? [آل عِمرَان: 75 ].
(2) ... طلب العلم ص(73).
(3) ... طلب العلم ص(73).(86/63)
ويبدو أن هذا اللون من العداء لغيرهم قد أثر على علاقاتهم مع بعضهم، أو أصبح طبيعة لهم، وقد شهدت نصوص عندهم بهذا، وأشارت إلى البون الكبير بين ما عليه أهل السنة من صدق وأمانة ووفاء، وما عليه الروافض من سلوك إجرامي وخلق رديء. حتى قال أحدهم ويدعي عبدالله ابن كيسان لإمامه: «إني نشأت في أرض فارس، وإنني أخالط الناس في التجارات وغير ذلك، فأخالط الرجل فأرى له حسن السمت، وحسن الخلق، وكثرة الأمانة؛ ثم أفتشه فأتبينه عن عداوتكم (يعني أنه من أهل السنة) وأخالط الرجل فأرى منه سوء الخلق، وقلة أمانة وزعارة(1)؛ ثم أفتشه فأتبينه عن ولايتكم»(2) يعني من الروافض.
فإذا كانت هذه علاقاتهم مع بعضهم، وعدوانهم على بني جنسهم فهم على مخالفيهم أشد وأنكى، ولهذا ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله-: «أنهم يقولون: إنهم ـ يعنون أهل السنة ـ ينصفوننا أكثر مما ينصف بعضنا بعضاً.
وهم حين يعيشون في دول سنية، أو دول لا تدين بمعتقدهم، يتجه جهدهم إلى العمل والتخطيط للتمكين لمذهبهم وبني جنسهم، وإلحاق الضرر بغيرهم، ومن يقرأ ما فعله ابن يقطين بالمساجين المساكين، ويرى محاولات الروافض الدائبة في التسلل إلى أجهزة الأمن من مخابرات وشرطة ومباحث، وكذلك التغلغل في جيوش الدولة الإسلامية، يعرف أن هدفهم من ذلك ليس خدمة الدولة، ولا الدفاع عنها ضد أعدائها، ولكن استغلال هذه الأجهزة في العدوان على المسلمين، ونصرة الرافضة ومذهبهم كلما لاحت الفرصة، ولذا يعبر خميني عن دخولهم في العمل في الحكومات الإسلامية بالدخول الشكلي، وقد يضعون من التقارير ويزينون للحكومات بعض التوجيهات التي يخدمون بها أهدافهم. وقصة ابن العلقمي الرافضي الذي استوزره المستعصم أربع عشرة سنة مشهورة معروفة.
__________
(1) ... الزعارة: سوء الخلق، وفي بعض النسخ: الدعارة، وهو الفساد والفسوق والخبث، عن هامش الكافي (2/ 4).
(2) ... أصول الكافي (2/4)، وتفسير نور الثقلين (4/47).(86/64)
فقد كان هذا الرافضي من أهم أسباب سقوط دولة الخلافة في بغداد، واستيلاء التتار عليها كما هو معلوم من كتب التاريخ(1)، وقد أثنى الروافض على صنيعه هذا وعدُّوه من أعظم مناقبه(2).
يقول النص: «كأني بالعجم فساطيطهم في مسجد الكوفة يعلمون الناس القرآن كما أنزل، قلت (الراوي): أوليس كما أنزل؟ فقال: لا، محي منه سبعون من قريش بأسمائهم، وأسماء آباء آبائهم، وما ترك أبو لهب إلا إزراء على رسول الله ? وآله لأنه عمه»(3).
هذه أمنية يتمنون تحقيقها على يد منتظر يزعمون أنه يقيم له دولة في آخر الزمان، وشيوخهم يزعمون أنهم سينوبون عنه في إقامة الدولة، وتحقيق أماني الرافضة، ولا سيّما أنهم يدَّعون بأن لهم صلة مباشرة بالمنتظر، حتى ألف واحد من أكابر شيوخهم في هذا العصر كتاباً في هذه «الأكذوبة» بعنوان: «جنة المأوى فيمن فاز بلقاء الحجة في الغيبة الكبرى». وقال شيخهم محمد تقي المدرسي(4): «لا نستبعد ـ بل هو كائن فعلاً ـ وجود علاقات سرية بين الإمام وبين مراجع الشيعة، وهذا لا حقيقة له إلا في خيال الرافضة، وبين مراجع الشيعة، وهذا هو السر العظيم»(5). وبهذه الترهات يخدعون أتباعهم ويضفون على (آياتهم) صفة القداسة.
__________
(1) ... انظر في قصة تآمره: فوات الوفيات لابن شاكر الكتبي (2/313)، العبر للذهبي (5/ 225)، طبقات الشافعية للسبكي (8 /262 ـ 263)، البداية والنهاية (13/ 202 ـ 203).
(2) ... انظر: روضات الجنات (6/ 300 ـ 301).
(3) ... النعماني، الغيبة ص(171 ـ 172)، فصل الخطاب ص(7).
(4) ... وقد كان يعيش إلى فترة زمنية قريبة في بعض دول الخليج يمارس مهمة الهدم والتخريب حتى تم إبعاده لاشتراكه في مؤامرة ضد الحكومة القائمة.
(5) ... الفكر الإسلامي مواجهة حضارية ص(305).(86/65)
فهل يحاولون تحريف القرآن بالقوة، وصرف الناس عن كتاب الله بتهديد السلاح إلى كتاب وشريعة يخترعونها توافق أهواءهم؟ هذا ما تشير إليه هذه البروتوكولات، والله غالب على أمره، وحافظ كتابه ولو كره الكافرون.
} ... } ... }
والتي سيحكم بها الرافضة عند قيام دولتهم الكبرى وسيطرتها على العالم الإسلامي ـ كما يتمنون ـ فيحكمون بها بمقتضى عقيدتهم عموم ولاية الفقيه عن المهدي، ولذا نص دستورهم أن سنة المعصومين (لا سنة المصطفى ?) هي عمدة تشريعهم. وآخر المعصومين عندهم هو هذا الغائب المزعوم الذي ينوب عنه فقهاؤهم.
فترى عمدتهم وحجتهم ابن بابويه في كتابه «الاعتقادات» التي تسمى «دين الإمامية» يشير إلى أن مهديهم إذا رجع من غيبته ينسخ شريعة الإسلام فيما يتعلق بأحكام الميراث، فيذكر عن الصادق أنه يقول: «إن الله آخى بين الأرواح في الأظلة قبل أن يخلق الأبدان بألفي عام، فلو قد قام قائمنا من أهل البيت أورث الأخ الذي آخى بينهما في الأظلة، ولم يرث الأخ من الولادة»(1).
فهذه الرواية تكشف عما يختلج في نفوس أرباب تلك العصابة من رغبة في إحلال العلاقة الحزبية والتنظيمية بين أفرادها محل القرابة والولادة في الميراث، ونهب أموال الناس باسم هذه العلاقة والأخوة! وما تحلم به عند قيام دولتها الموعودة من تطبيق هذه التطلعات والتي أرادت إعطاءها صيغة مقبولة بنسبتها لآل البيت.
كما تفصح هذه الرواية عن موقف واضعي هذه الروايات من تطبيق الشريعة الإسلامية، ورغبتهم في تعطيلها...؛ ثم هي تعكس مضموناً إلحادياً يسعى لهدم الشريعة، والخروج على عقيدة ختم النبوة.
وهذه الدعوى فضلاً عن أنها خروج عن شريعة الإسلام فهي مخالفة لمنطق العقل، فالتوارث منوط بالعلاقة الظاهرة من الولادة والقرابة، أما المؤاخاة الآلية فلا يدركها البشر، فكيف تكون أساساً لقسمة الميراث.
__________
(1) ... الاعتقادات ص(83).(86/66)
بل إن الحكم والقضاء في دولة المنتظر يقام على غير شريعة المصطفى ?، جاء في «الكافي» وغيره، قال أبو عبدالله: «إذا قام قائم آل محمد حكم بحكم داود وسليمان ولا يسأل بينة»(1)، وفي لفظ آخر: «إذا قام قائم آل محمد حكم بين الناس بحكم داود - عليه السلام - ولا يحتاج إلى بينة»(2).
وقد تبنى ثقة دينهم الكليني هذه العقيدة وبوب لها باباً خاصاً بعنوان: «باب في الأئمة عليهم السلام أنهم إذا ظهر أمرهم حكموا بحكم داود وآل داود ولا يسألون البينة»(3). ولا يخفى ما في هذا الاتجاه من عنصر يهودي، ولهذا علق بعضهم على هذا العنوان بقوله: «أي أنهم ينسخون الدين المحمدي ويرجعون إلى دين اليهود»(4).
فانظر كيف يحلم مدعو التشيع ـ الذين لبسوا ثوب التشيع زوراً وبهتاناً ـ بدولة تحكم بغير شرع الإسلام.
وتشير بعض رواياتهم إلى أنه يحكم بحكم آدم مرة، ومرة بحكم داود، ومرة بقضاء إبراهيم، ولكن يعارضه في هذا الاتجاه للحكم بغير شريعة الإسلام بعض أتباعهم إلا أنه يواجه هذه المعارضة بشدة حيث يأمر بهم فتضرب أعناقهم(5).
وتقدم رواياتهم بعض أحكامهم وأقضيته فتقول: «إنه يحكم بثلاث، ولم يحكم بها أحد قبله: يقتل الشيخ الزاني، ويقتل مانع الزكاة، ويورث الأخ أخاه في الأظلة(6)، وأنه يقتل من بلغ العشرين ولم يتفقه في الدين... إلخ»(7).
__________
(1) ... أصول الكافي (1 /397).
(2) ... المفيد، الإرشاد ص(413)، الطبرسي، أعلام الورى ص(433).
(3) ... أصول الكافي (1/397).
(4) ... محب الدين الخطيب في تعليقه على المنتقى ص(302) (هامش 4).
(5) ... انظر: بحار الأنوار (52/389).
(6) ... الخصال لابن باويه ص(169)، بحار الأنوار (52/259)، بشارة الإسلام لشيخهم المعاصر الكاظمي ص(275).
(7) ... إعلام الورى للطبرسي ص(431)، بحار الأنوار (52/152).(86/67)
كما تقوم دولة الغائب (أو نائبه حسب مذهب الروافض) على الحكم لأهل كل ملة بكتابهم مع أن الإسلام لم يجز لأحد أن يحكم بغير شريعة القرآن باتفاق المسلمين(1).
تقول بروتوكولاتهم : «إذا قام القائم... استخرج التوراة وسائر كتب الله تعالى من غاب بأنطاكية حتى يحكم بين أهل التوراة بالتوراة، وبين أهل الإنجيل بالإنجيل، وبين أهل الزبور بالزبور، وبين أهل القرآن بالقرآن»(2). فهذا القانون (بغض النظر عن الجانب الخرافي في الرواية) يصور ما يطمح إليه شيوخ الروافض مما يشبه إلى حد كبير فكرة الديانة العالمية التي ترفع شعار الماسونية، وهي فكرة إلحادية تقوم أساساً على إنكار الديانات السماوية تحت دعوى حرية الفكر والعقيدة.
كتاب جديد وقضاء جديد يفرضان على الناس بعد الاستيلاء على مكة:
في حومة هذه البروتوكولات التي تسعى لتغيير كتاب الله سبحانه، وابتداع شريعة جديدة لم يأذن بها الله، والرجوع إلى حكم داود لا شريعة محمد ? وتطبيق شرائع الأديان لا حكم القرآن... نلتقي بعد ذلك ببروتوكول آخر يعد نتيجة لهذه المقدمات والتغيرات ويتم إعلانه بعد الاستيلاء على مكة المكرمة وهو إلغاء مهديهم (أو نائبه وفق الاتجاه لعموم ولاية الفقيه) لحكم القرآن وإحلال كتاب آخر محله.
يقول النص: «يقوم القائم بأمر جديد، وكتاب جديد، وقضاء جديد(3)، لكأني أنظر إليه بين الركن والمقام يبايع الناس على كتاب جديد»(4).
} ... } ... }
__________
(1) ... انظر: منهاج السنة النبوية لشيخ الإسلام ابن تيمية (3 /127)، أو مختصره للذهبي المنتقى ص(343).
(2) ... الغيبة للنعماني ص(157)، بحار الأنوار (52/351).
(3) ... الغيبة للنعماني ص(154)، بحار الأنوار (52 354)، إلزام الناصب لشيخهم وآيتهم المعاصر اليزدي الحائري (2 283).
(4) ... الغيبة للنعماني ص(176)، بحار الأنوار (52 135).(86/68)
ومن شعاراتهم في ذلك: إعلان البراءة من المشركين، هذا من شعارات الروافض في البلد الحرام، في حج هذه الأعوام، والذي يجهل مذهب هؤلاء القوم يظن أن المقصود البراءة من عبادة غير الله سبحانه، والتبرؤ ممن يعبد غير الله... ولا شك بأن من أصول الإسلام البراءة من الشرك وأهله، ولكن الأمر عند هؤلاء خلاف ذلك تماماً، فهم أمروا برفع هذا الشعار في هذا التجمع الإسلامي الكبير... يريدون بالبراءة من المشركين من حكام المسلمين من أبي بكر الصديق إلى أن تقوم الساعة.
ولو كان حكام المسلمين اليوم في مثل إيمان أبي بكر وعدل عمر لا ينفعهم ذلك فهم في عداد المشركين، وهم طواغيت، وأصنام يعبدون من دون الله.
كما لا ينفع حجاج بيت الله الحرام إخلاصهم لله، ولا ينجيهم توحيدهم لله من وصمهم بالشرك والمشركين، إلا إذا بايعوا حكام الروافض وتبرؤوا من حكام المسلمين جميعهم من أبي بكر إلى أن تقوم الساعة.
والخطورة الكبرى لهذا الأمر أنه محاولة لنسخ دين الإسلام الذي أساسه وأصله التوحيد، وقد استفاضت نصوصهم في تأويل نصوص التوحيد بالشرك(1)، كما أن مفهوم الشرك عند الرافضة يؤكد أن مذهبهم هو عين مذهب المشركين، ولذا ظهر خميني في كتابه «كشف الأسرار» داعياً للشرك مدافعاً عن ملة المشركين، فهو يقول ـ مثلاً ـ: تحت عنوان (طلب الحاجة من الأموات ليس شركاً): «إن طلب الحاجة من الأموات ليس بشرك»؛ بل يصل به الأمر إلى القول: «إن طلب الحاجة من الحجر أو الصخر ليس شركاً»(2). ويقول: «إننا نطلب المدد من الأرواح المقدسة للأنبياء والأئمة ممن قد منحهم الله القدرة»(3).
__________
(1) ... انظر: كتب التفسير عندهم كتفسير القمي، والصافي، والبرهان، وتفسير العياشي وغيرها.
(2) ... كشف الأسرار ص(49).
(3) ... المصدر السابق ص(49).(86/69)
ذلك أن الشرك عند هذه الفئة هو أن يتولى على بلاد المسلمين أحد من غير طائفتهم فهذا هو الجرم الأكبر، والشرك الذي لا يغفر، يقول في كتابه «الحكومة الإسلامية»: «توحيد نصوص كثيرة تصف كل نظام غير إسلامي (يعني رافضي) بأنه شرك، والحاكم أو السلطة فيه طاغوت، ونحن مسؤولون عن إزالة آثار الشرك من مجتمعنا المسلم ونبعدها تماماً عن حياتنا»(1). وقد بدأ في إعلان تنفيذ هذه الإزالة في حرم الله الآمن، لا لإزالة عبادة غير الله؛ بل لإقامة الرفض، ولعن الصحابة وتكفيرهم، وتطبيق الشرك في العالم الإسلامي كله، لأن دين هؤلاء الولاية لا التوحيد.
ولذا فإن الشرك قد ضرب بجرانه في أقطارهم، ولا عجب فهم يؤولون كل ما جاء من النهي في كتاب الله من أشرك بالشرك بولاية علي، لا الشرك في عبادة الله؛ إليك هذه النصوص من كتبهم:
1 ـ عن أبي جعفر - عليه السلام - قال : ما بعث الله نبياً قط إلا بولايتنا والبراء من عدونا وذلك قول الله في كتابه: ?وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسولاً أنِ اعْبُدُوا اللهَ واجْتَنِبُوا الطَّاغوتَ فَمِنْهُم مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُم مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسيروا في الأرْضِ فانظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ المُكَذِّبينَ? [النّحل: 36 ](2).
2 ـ وعن أبي عبدالله في قوله تعالى: ?وَقَالَ اللهُ لا تَتَّخِذوا إلاهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إلاهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فارْهَبونِ? [النّحل: 51 ] . يعني بذلك ولا تتخذوا إمامين إنما إمام واحد(3).
__________
(1) ... الحكومة الإسلامية ص(33 ـ 34).
(2) ... انظر: تفسير العياشي (2 /258)، وتفسير البرهان (2/ 368)، وتفسير الصافي (1/ 923)، وتفسير نور الثقلين (3 /53).
(3) ... تفسير العياشي (2/261)، والبرهان (2 /373)، ونور الثقلين (3/ 60).(86/70)
3 ـ وعن الباقر في قوله سبحانه: ?وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ? [الزُّمَر: 65]. قال: لئن أمرت بولاية أحد مع ولاية علي - - عليه السلام - - ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين(1).
4 ـ وعن عبدالله في قوله سبحانه: ?قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إليَّ إنَّما إلهُكُمْ إلاهٌ واحِدٌ فَمَن كانَ يَرْجُوا لقاءَ ربِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبادةِ ربّهِ أحَدا? [الكهف: 110]. قال: العمل الصالح: المعرفة بالأئمة، ولا يشرك بعبادة ربه أحداً: التسليم لعلي لا يشرك معه في الخلافة من ليس ذلك له، ولا هو من أهله(2). وفي رواية أخرى لهم عن أبي عبدالله ـ - عليه السلام - ـ في قوله: قال: لا يتخذ مع ولاية آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ غيرهم(3).
5 ـ عن جابر الجعفي عن أبي جعفر في قوله سبحانه: ?وَآمِنُوا بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أوَّلَ كافِرٍ بهِ وَلا تَشْتَرُوا بآياتِي ثَمَناً قَليلاً وإِيَّايَ فاتَّقُونِ? [البقرة: 41 ](4) قال: يعني علياً(5).
__________
(1) ... تفسير الصافي (2/ 472)، وقد نقل هذه الرواية عن القمي شيخ الكليني في تفسيره، وانظر: تفسير نور الثقلين (4/ 498).
(2) ... تفسير العياشي (2 /353)، والبرهان (2/ 497)، وتفسير الصافي (2/36)، وتفسير نور الثقلين (3/ 317 ـ 318).
(3) ... تفسير الصافي (2 /361).
(4) ... فالضمير يعود كما هو واضح من السياق إلى القرآن الكريم، وهم أرجعوه إلى (علي) - رضي الله عنه - وهو غير مذكور أصلاً، والخطاب في الآية لبني إسرائيل.
(5) ... تفسير العياشي (1/ 42).(86/71)
6 ـ وعن جابر الجعفي قال: سألت أبا عبدالله - عليه السلام - عن قول الله: ?وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دونِ اللهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذينَ آمَنُوا أشَدُّ حُبّاً للهِ وَلَوْ يَرَى الذينَ ظَلَمُوا إذْ يَرَوْنَ العَذابَ أنَّ القُوَّةَ للهِ جَميعاً وَأنَّ اللهَ شَديدُ العَذابِ? [البَقَرَة: 165 ]. قال: فقال: هم أولياء فلان، وفلان، وفلان (يعنون أبا بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم -) اتخذوهم أئمة من دون إمام(1).
7 ـ وعن أبي عبدالله في قوله سبحانه: ?فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ? [الأعرَاف: 30]. قال: يعني أئمة دون أئمة الحق(2).
8 ـ وعن جابر الجعفي - - عليه السلام - - قال: أما قوله: ?إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا? [النِّساء: 48]. يعني: أنه لا يغفر لمن يكفر بولاية علي، وأما قوله: ?إنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُوهَ ذلكَ لِمَن يشاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إثْماً عَظِيماً? يعني: لمن والى علياً - عليه السلام - (3).
والروايات في هذا الباب كثيرة، وهي محاولة لهدم الأصل الأول في الإسلام، وهو التوحيد، وإعطاء الشرك صفة الشرعية، وهي كذلك محاولة خطيرة بتفسير التوحيد والشرك والكفر بغير معانيها الحقيقية.
__________
(1) ... انظر: تفسير العياشي (1 /72)، والبرهان (1/ 172)، والصافي (1/ 156).
(2) ... تفسير الصافي (1/ 571).
(3) ... تفسير العياشي (2/ 245 ـ 246)، والصافي (1/ 361)، والبرهان (1/375)، وتفسير نور الثقلين (1/488).(86/72)
وبعد الهدم والتخريب الذي يحلم به هؤلاء الزنادقة للحرمين الشريفين فإنهم يريدون أن يصرفوا المسلمين عنهما إلى كعباتهم ومشاهدهم الخاصة بهم، وقد وضعوا نصوصاً كثيرة في هذا سيجري محاولة تطبيقها على المدى الطويل، ونشرها بين المسلمين بالقوة تحت ستار تصدير الثورة في العالم الإسلامي، وهي تجري في اتجاهين:
الاتجاه الأول: محاولات يائسة للنيل من الكعبة والتطاول على قدسيتها ، فمن بروتوكولاتهم خططهم العمل على التهوين من شأن بيت الله العظيم، فقد وضعوا نصوصاً خطيرة في هذا الشأن ونسبوها ـ كذباً ـ لبعض أهل البيت كجعفر الصادق وغيره لتحظى بالقبول، وتنال القداسة في نفوس الأتباع، لا سيما أنهم أوهموا هؤلاء الأتباع بأن أولئك الآل لا يسهون، ولا يخطئون، ولا يغفلون، وقولهم كقول الله ورسوله... وهذه النصوص لا تبقي في نفوس من يؤمن بها أي قداسة لبيت الله الحرام.
تتحدث نصوصهم ـ مثلاً ـ عن محاورة جرت بين كربلاء والكعبة فيقول جعفرهم(1): «إن أرض الكعبة قالت: من مثلي، وقد بني بيت الله على ظهري يأتيني الناس من كل فج عميق وجُعلت حرم الله وأمنه.
فأوحى الله إليها ـ كما يفترون ـ أن كفي وقري ما فَضْلُ ما فضلت به فيما أعطيت كربلاء إلا بمنزلة الإبرة غرست في البحر فحملت من ماء البحر، ولولا تربية كربلاء ما فضلتك، ولولا من تضمنه أرض كربلاء ما خلقتك، ولا خلقت البيت الذي به افتخرت، فقري واستقري وكوني ذنباً متواضعاً ذليلاً مهيناً غير مستنكف ولا مستكبر لأرض كربلاء، وإلا سخت بك وهويت بك في نار جهنم»(2).
__________
(1) ... لأن الجعفر الصادق الذي تنقل أقواله كتبهم ليس جعفر المعروف عند المسلمين، ويبوء بإثم هذه المنقولات أولئك المفترون عليه.
(2) ... كامل الزيارات ص(270)، بحار الأنوار (101/109).(86/73)
ولكن الكعبة لم تقبل الأمر الإلهي، وتلتزم بالتواضع، وتصبح كالذنب الذليل المهين لأرض كربلاء ـ كما تقول نصوصهم ـ فحلَّت بها العقوبة من الله؛ بل إن العقوبة حلت بكل أرض وماء لإعراضها عن التواضع لكربلاء، يقول النص عندهم: «فما من ماء ولا أرض إلا عوقبت لترك التواضع لله، حتى سلط الله على الكعبة المشركين، وأرسل إلى زمزم ماء مالحاً حتى أفسد طعمه...» (1).
فالكعبة في نظرهم تستحق السحق من جيش أبرهة، وزمزم في ذوق هؤلاء الزنادقة فاسد الطعم:
ومن يكُ ذا فم مُرّ مريض ... ... يجد مراً به الماء الزلالا
وهو يستوجب أن يوضع فيه من المواد ما يحوله عن عذوبته وحلاوته.
كل ذلك لأن المسلمين يتجهون إلى بيت الله الحرام، ويتزاحمون على الشرب من ماء زمزم، وهذا ـ في نظرهم ـ تطاول على كعبتهم (كربلاء) لا ينبغي أن يمر بدون عقاب لهذه المقدسات.
وقد يقومون اليوم بإجراء ضد كبرياء الكعبة وزمزم لأن الحجاج يزيدون وتعظيمهم وتوقيرهم للكعبه ينمو، وهذا يغيظ هذه الفئات الحاقدة، فهو كبرياء ضد كربلاء.
ولذلك فإن ما قام به بعض الروافض في أعوام خلت من محاولة تدنيس الحجر الأسود بعذرة كان يحملها هو تعبير عن هذا المعنى الخرافي الذي رُبيَ عليه(2).
ثم تتحدث نصوصه بأنه لم ينج من العقوبة الكونية العامة إلا كربلاء.
على الرغم من أنها افتخرت وتكبرت وقالت: «أنا أرض لله المقدسة المباركة الشفاء في تربتي ومائي»(3).
__________
(1) ... الموضع نفسه من المصدرين السابقين.
(2) ... في سنة 1087 يوم الخميس الموافق 8 شوال أصبح الناس، فإذا الكعبة المشرفة ملطخة بعذرة، أو بما يشبه العذرة من جميع جوانبها، وكذلك الحجر الأسود والركن اليماني.
... انظر: تاريخ الكعبة المعظمة لحسين باسلامة ص(380).
(3) ... كامل الزيارات ص(270)، بحار الأنوار (101/109).(86/74)
وكثيراً ما يحاولون أن يغرسوا في نفوس الأتباع استشعار مزية كربلاء وفضلها على بيت الله الحرام. فقد نسبوا ـ مثلاً ـ لعلي بن الحسين أنه قال: «اتخذ الله أرض كربلاء حرماً آمناً مباركاً قبل أن يخلق الله أرض الكعبة ويتخذها حرماً بأربعة وعشرين ألف عام، وقدسها وبارك عليها فما زالت قبل خلق الله الخلق مقدسة مباركة، ولا تزال كذلك حتى يجعلها الله أفضل أرض في الجنة، وأفضل منزلة ومسكن يسكن فيه أولياؤه في الجنة(1)، ونصوصهم في هذا الباب كثيرة(2). وتقديسهم لأرض كربلاء لأنها ـ على حد زعمهم ـ ضمت جسد الحسين فاستمدت قداستها بوجوده فيها. فهل كان الحسين مدفوناً فيها قبل خلق الكعبة بأربعة وعشرين ألف عام؟! أم هي معدَّة لاستقباله منذ غابر الأزمان؟!
وإذا كان هذا الفضل بوجود جسد الحسين فلماذا لم تفضل المدينة وفيها جسد رسول الله ?؟!
إن هذا التناقض يكشف أنه ليس الهدف تقديس الحسين، ولكنه الكيد للأمة ودينها، وصرفها عن قبلتها وحجها.
__________
(1) ... بحار الأنوار (101/107).
(2) ... تجد هذه النصوص مع غيرها من الأقوال التي تتعلق بمشاهدهم في كتب المزار عندهم، وقد خصص المجلسي ثلاثة مجلدات من كتابه البحار.(86/75)
وقد يقول قائل: إن ما سطرته إنما هي مقالات السابقين من الرافضة فكيف يحاسب هؤلاء بما سطرته زنادقة العصور الماضية؟ وأقول: إن هذه النصوص منقولة من كتب يعتمد عليها رافضة هذا العصر، ويقدسون نصوصها، وعليها مقدمات مراجعهم المعاصرين وتعليقاتهم وتقريظاتهم وتوثيقاتهم بلا اعتراض أو نقض لهذه المقالات الزائفة؛ بل ثناء وتأييد. فهي عندهم كصحيح البخاري ومسلم عند جماعة المسلمين، ومع ذلك إذا أردت بعض أقوال المعاصرين في هذا الشأن فاقرأ ما يقوله ويترنم به كبير مراجعهم وآياتهم في هذا العصر وهو محمد حسين آل كاشف الغطا شيخ مراجعهم الموجودين، ومن يعدُّ عند بعض أهل السنة الذين لم يطلعوا على حقيقته من المعتدلين، ولهذا قدموه إماماً لهم في مؤتمر القدس الأول(1) لأن له وجهين وقولين، والتقية لا تنتهي أسرارها وأساليبها عندهم.
يقول ـ مشيداً بكربلاء ـ ومفضلاً لها على بيت الله الحرام مخالفاً لنص القرآن وإجماع المسلمين:
ومن حديث كربلاء والكعبة ... ... ... لكربلاء بان علوُّ الرتبةِ
ثم يؤكد بعد ذكره لهذا البيت أن هذا من ضرورات مذهبهم فيقول بأن كربلاء «أشرف بقاع الأرض بالضرورة»(2).
وانظر إلى ما يقوله أيضاً مرجعهم الآخر في هذا العصر، وآيتهم التي ينسبونها زوراً إلى الله وهو ميرزا حسين الحائري (وهو يعيش الآن في بعض دول الخليج) يقول: «كربلاء تلك التربة الطيبة الطاهرة، والأرض المقدسة التي قال في حقها رب السماوات والأرضين(3) مخاطبة للكعبة حين افتخرت على سائر البقاع: قري واستقري لولا أرض كربلاء وما ضمته لما خلقتك»(4).
__________
(1) ... انظر: تعليق محمد رشيد رضا في المنار على تقديم محمد حسين آل كاشف الغطا إماماً لهم الصلاة في مجلة المنار المجلد (29)، ص(628).
(2) ... الأرض والتربة الحسينية ص(56 ـ 65).
(3) ... انظر: كيف يفترون الكذب على رب العالمين، وإنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون.
(4) ... أحكام الشيعة (1/32).(86/76)
ثم يعقب على ذلك بقوله: «وكذلك أصبحت هذه البقعة المباركة بعدما صارت مدفناً للإمام علي - رضي الله عنه - مزاراً للمسلمين!! وكعبة للموحدين!! ومطافاً للملوك والسلاطين!! ومسجداً للمصلين(1)!!
وهذا رافضي آخر وهو ممن نال شهادة علمية (الدكتوراه) تقتضي أن لا تدخل مثل هذه الأفكار إلى ذهنه، ولكنه التعصب والتحزب الذي يعطل ملكة العقل، ويشل حركة التفكير، فها هو يأخذ بأساطيرهم في هذا فيقول بأن نصوصهم قد اعتبرت كربلاء أفضل بقاع الأرض فهي تعتبر عند الشيعة أرض الله المختارة المقدسة المباركة، وهي حرم الله، وقبة الإسلام، وفي تربتها الشفاء، وهذه المزايا لم تجتمع لأي بقعة حتى الكعبة(2). ويقول آيتهم العظمى محمد الشيرازي بأننا : «نقبل أضرحتهم كما نقبل الحجر الأسود وكما نقبل جلد القرآن»(3).
هذا ما تفتريه هذه الطغمة، ولكن الله يقول: ?إنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدًى للعالَمِينَ فِيهِ آياتٌ بيّناتٌ مقامُ إبراهيمَ وَمَن دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إليْهِ سَبيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌ عَنِ العالمِينَ? [آل عمران: 96، 97].
فهل بعد هذا مجال لافتراء مفترٍ: ?إِنَّ الَّذينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبيلِ اللهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفّارٌ فَلَن يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ? [محَمَّد: 34 ].
الاتجاه الثاني: التهوين من شأن الحج، وتفضيل الحج إلى المشاهد على الحج لبيت الله:
__________
(1) ... أحكام الشيعة (1/32).
(2) ... د. محمد جواد طعمة، تاريخ كربلاء ص(115 ـ 116)، والكتاب موثق من عدد من آياتهم (انظر: مقدمة الكتاب).
(3) ... مقالة الشيعة، المرجع الديني محمد الشيرازي ص(8).(86/77)
وسأقدم تصويراً لهذا الاتجاه أوضح فيه بالأمثلة ـ المستقاة من مصادرهم المعتمدة ـ محاولاتهم لوضع نصوص كثيرة منسوبة لبعض أهل البيت ـ زوراً وبهتاناً ـ لتخدمهم في هذا الغرض.
ثم أبين تخصيصهم لزيارة كربلاء يوم عرفة بمزية خاصة، وماذا يقولون عن زيارة الحسين، وزوار الحسين، والمناسك التي وضعوها على غرار بعض مناسك الحج والعمرة، كمحاولة للقيام بغزو فكري لصرف المسلمين عن بيت ربهم، ويبدو أنهم يقدمون بنشر هذا الاتجاه الفكري بعد محاولاتهم إشعال الفتنة في أرض الحرمين، فاستمع الآن إلى ما يقولون: قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : «حدثني الثقات أن فيهم من يرى الحج إلى المشاهد أعظم من الحج إلى البيت العتيق، فيرون الإشراك بالله أعظم من عبادة الله وحده، وهذا من أعظم الإيمان بالطاغوت»(1).
هذه المسألة التي قال عنها عالم من أكبر علماء أهل السنة المعنيين بتتبع أمر الرافضة والرد عليهم بأنه قد وصله خبرها عن طريق بعض الثقات هي اليوم مقررة ومعلنة في المعتمد من كتب الاثني عشرية في عشرات من الروايات تنص على أن زيارة المشهد أفضل من الحج إلى بيت الله الحرام.
جاء في «الكافي» وغيره : «إن زيارة قبر الحسين تعدل عشرين حجة، وأفضل من عشرين عمرة وحجة»(2).
وحينما قال أحد الرافضة لإمامه: «إني حججت تسع عشرة حجة، وتسع عشرة عمرة» ـ أجابه الإمام بأسلوب يشبه السخرية ـ قائلاً: «حج حجة أخرى، واعتمر عمرة أخرى، تكتب لك زيارة قبر الحسين - عليه السلام -»(3).
__________
(1) ... منهاج السنة (2/ 124).
(2) ... فروع الكافي (1 /324)، ابن بابويه، ثواب الأعمال ص(52)، الطوسي، تهذيب الأحكام (2/ 16)، ابن قولويه، كامل الزيارات ص(161)، الحر العاملي، وسائل الشيعة (10/ 348).
(3) ... الطوسي تهذيب الأحكام (2/ 16)، وسائل الشيعة (10/ 348)، بحار الأنوار (101/ 38).(86/78)
فكأنه يقول له: علام تبذل كل هذا الجهد، وزيارة قبر الحسين أفضل من عملك هذا؛ ثم تراه وجَّهه لإكمال عشرين حجة وعمرة ليتحقق له بذلك فضل زيارة واحدة لقبر الحسين، ولم يوجهه لزيارة الحسين، وذلك زيادة في التقريع وإظهار السخرية وإبداء التحسر.
وتذهب رواياتهم إلى المبالغة بأفضلية قبر الحسين وقبور سائر الأئمة على الركن الخامس من أركان الإسلام حج بيت الله الحرام، وتصل في ذلك إلى درك من العته والجنون، أو الزندقة والإلحاد لا يكاد يصل إليه أحد في هذا الباب، حتى ليقول القائل بأن هذا دين المشركين لا دين المسلمين الموحدين، لأن هؤلاء يقدمون لنا ديناً آخر غير ما يعرفه المسلمون، دين شيوخهم وآياتهم لا دين رب العالمين، وتخرصات وأوهام رجالهم، لا وحي سيد المرسلين، فهي أشبه ما تكون بمؤامرة تغيير دين المسلمين، وتغيير قبلة المسلمين، بيت رب العالمين، وتقدم لنا رواياتهم هذا المعنى بصور مختلفة، وأساليب متنوعة لتؤثر في قلوب السذج والجهلة، وتخدع عقول الناشئة والعجم، فما أسرع تأثير البدعة في هؤلاء(1).
__________
(1) ... ولذلك قال أيوب السختياني ـ كما يروي اللالكائي ـ: إن من سعادة الحدث والأعجمي أن يوفقهما الله لعالم من أهل السنة، شرح أصول اعتقاد أهل السنة (1 60).(86/79)
فهذا أحد الأعراب يشد الرحل من اليمن لزيارة الحسين - كما تزعم أساطيرهم ـ فيلتقي بجعفرهم الذي يسمونه بالصادق، لأن جعفر بن عبدالله بريء من افتراءات هؤلاء وأكاذيبهم، فيسأله جعفر عن أثر زيارة قبر الحسين فقال هذا الأعرابي: إنه يرى البركة من ذلك في نفسه وأهله وأولاده وأمواله وقضاء حوائجه، فقال أبو عبدالله ـ كما تقول الرواية ـ: أفلا أزيدك من فضله فضلاً يا أخا اليمن؟ قال: زدني يا ابن رسول الله ? قال: إن زيارة أبي عبدالله - عليه السلام - - يعني نفسه - تعدل حجة مقبولة زاكية مع رسول الله ? وآله فتعجب من ذلك، فقال له: أي والله وحجتين مبرورتين متقبلتين زاكيتين مع رسول الله ? وآله فتعجب، فلم يزل أبو عبدالله حتى قال: ثلاثين حجة مبرورة متقبلة زاكية مع رسول الله ? وآله(1).
بهذا الأسلوب الغريب الذي أشبه ما يكون بلعب الأطفال ومحاوراتهم، يقرر جعفرهم أن زيارة الضريح أفضل من ثلاثين حجة.
ويفترون أيضاً على رسول الله ? بأنه قرر هذا الشرك بنفس هذا الأسلوب، الذي يكشف لفظه كذبهم فضلاً عن معناه حيث تقول روايتهم: «كان الحسين - عليه السلام - ذات يوم في حجر النبي ? وهو يلاعبه ويضاحكه، وأن عائشة قالت: يا رسول الله ما أشد إعجابك بهذا الصبي!! فقال لها: وكيف لا أحبه وأعجب به وهو ثمرة فؤادي وقرة عيني، أما إن أمتي ستقتله، فمن زاره بعد وفاته كتب الله له حجة من حججي، قالت: يا رسول الله حجة من حججك؟ قال: نعم وحجتين، قالت: وحجتين؟ قال: نعم، وأربعاً فلم تزل تزده وهو يزيد حتى بلغ سبعين حجة من حجج رسول الله ? بأعمارها»(2).
وتذهب رواية أخرى إلى أن: «من زار قبر أبي عبدالله كتب له ثمانين حجة مبرورة»(3).
__________
(1) ... ابن بابويه القمي، ثواب الأعمال ص(52)، الحر العاملي، وسائل الشيعة (10/350 ـ 351).
(2) ... وسائل الشيعة (10/351 ـ 352).
(3) ... ثواب الأعمال ص(52)، كامل الزيارات ص(162)، وسائل الشيعة (10/350).(86/80)
وتزيد رواية أخرى على ذلك فتقول: «من أتى قبر الحسين - عليه السلام - عارفاً بحقه كان كمن حج مائة حجة مع رسول الله ?»(1).
وتنافس رواياتهم في المبالغة في الأعداد لتتجاوز المئات إلى مرحلة الآلاف، وتتجاوز ذلك إلى أصناف من الثواب والأجر، وكأن الدين هو مجرد زيارة قبر، والوقوف على ضريح.
فقد جاء في «وسائل الشيعة» وغيره عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر قال: «لو يعلم الناس ما في زيارة الحسين - عليه السلام - من الفضل لماتوا شوقاً وتقطعت أنفسهم عليه حسرات، قلت: وما فيه؟ قال: من زاره تشوقاً إليه كتب الله له ألف حجة متقبلة، وألف عمرة مبرورة، وأجر ألف شهيد من شهداء بدر، وأجر ألف صائم، وثواب ألف صدقة مقبولة، وثواب ألف نسمة أريد بها وجه الله، ولم يزل محفوظاً سنته من كل آفة أهونها الشيطان، ووكل به ملك كريم يحفظه من بين يديه وعن يمينه، وعن شماله، ومن فوق رأسه، ومن تحت قدمه، فإن مات سنته حضرته ملائكة الرحمن يحضرون غسله، وإكفانه، والاستغفار له، ويشيعونه إلى قبره بالاستغفار له، ويفسح له في قبره مد بصره، ويؤمنه الله من ضغطة القبر، ومن منكر ونكير يروعانه، ويفتح له باب إلى الجنة، ويعطى كتابه بيمينه، ويعطى له يوم القيامة نور يضيء لنوره ما بين المشرق والمغرب، وينادي مناد هذا مَنْ زار الحسين شوقاً إليه، فلا يبقى أحد يوم القيامة إلا تمنى يومئذ أنه كان من زوار الحسين - عليه السلام -»(2).
وفي رواية أخرى: «إن الرجل منكم ليغتسل في الفرات؛ ثم يأتي قبر الحسين عارفاً بحقه، فيعطيه الله بكل قدم يرفعها أو يضعها مائة حجة مقبولة، ومائة عمرة مبرورة، ومائة غزوة مع نبي مرسل أو إمام عادل»(3).
__________
(1) ... ثواب الأعمال ص(52)، وسائل الشيعة (10/350).
(2) ... كامل الزيارات ص(143)، وسائل الشيعة (1/ 353)، بحار الأنوار (101/18).
(3) ... وسائل الشيعة (10/ 379)، كامل الزيارات ص(185).(86/81)
ورواية ثالثة تقول: «من زار الحسين يوم عاشوراء حتى يظل عنده باكياً لقي الله - عز وجل - يوم القيامة بثواب ألفي ألف حجة، وألفي ألف عمرة، وألفي ألف غزوة، وثواب كل حجة وعمرة وغزوة كثواب من حج واعتمر وغزا مع رسول الله ? وآله ومع الأئمة الراشدين صلوات الله عليهم...»(1).
ثم ذكرت الرواية أن هذا الفضل كله يحصل أيضاً لمن لم يستطع زيارة قبره في هذا اليوم، ولكن صعد على سطح داره وأومأ إليه بالسلام؛ ثم دعا على قاتله، وندب الحسين وبكاه، ولم ينتشر في يومه هذا في حاجة»(2).
وعلى غرار هذه عشرات من الأمثلة تكل اليد من نقلها، ويتعب الفؤاد من تأملها، لأنها روايات الهدف منها صرف الناس عن عبادة الواحد القهار إلى عبادة المخلوقين الضعفاء، وغايتها التحلل من تكاليف الإسلام وشرائع الدين إلى مجرد نقل القدم إلى قبر، ليحصل بذلك على كل الأجر، حتى تنتهي بمعتقدها إلى ضرب من الإباحية، والإعراض عن أوامر الله وشرائعه، والتعدي على محارمه. فلو كان شيء من هذا حقاً لذكره القرآن العظيم في آياته، لماذا يذكر الحج في آيات عدة من القرآن، ولا تذكر زيارة قبر الإمام مطلقاً... وهي أفضل من الحج إلى بيت الله الحرام ـ بزعمهم ـ؟!
وقد تنبه أحد الشيعة لذلك، وتعجب لماذا تخص زيارة الحسين بهذا الفضل الذي يربو على فضل الحج مئات المرات، وليس لها ذكر في القرآن، أليس هذا دليل الوضع والافتراء؟.
فقال ـ بعد أن استمع من إمامه لفضائل زيارة قبر الحسين المزعومة ـ: «قد فرض الله على الناس حج البيت، ولم يذكر زيارة قبر الحسين - عليه السلام -»(3).
__________
(1) ... بحار الأنوار (101/ 290)، كامل الزيارات ص(176) وما بعدها.
(2) ... نفس الموضع في المصدرين السابقين.
(3) ... بحار الأنوار (101/ 33)، كامل الزيارات ص(266).(86/82)
فأجاب إمامهم بجواب يبدو فيه الاضطراب، حيث قال: «وإن كان كذلك فإن هذا شيء جعله الله هكذا»(1). وهذا اعتراف منهم وهم أرباب التأويل الباطني بخلو القرآن من هذه البدعة، وهذا كاف في نقض مزاعمهم من كتبهم، فالإقرار هو سيد الأدلة، وبأيديهم يهدمون بيوتهم.
وكأن إمامهم في جوابه هذا يقول: لا جواب عندي، الأمر هكذا، لم يبين الله لعباده سبيل عبادتهم وما يتقون.
ثم حاول بعد هذه الكلمة المضطربة أن يتلمس جواً بعيداً عن الموضوع فأردف قائلاً: «أما سمعت قول أمير المؤمنين إن باطن القدم أحق بالمسح من ظاهر القدم، ولكن الله فرض هذا على العباد»(2).
وهذا اعتراف منهم أيضاً بأن زيارة قبر الحسين كباطن القدم (والأصح كباطن الخف) لم تدخل فيما فرض الله...؛ ثم واصل الاعتذار فقال: «أوما علمت أن الموقف لو كان في الحرم كان أفضل لأجل الحرم، ولكن الله صنع ذلك في غير الحرم»(3).
وهذا كسابقه اعتراف بأن الزيارة لم تفرض، وإن كانت في نظر هذه الزمرة أحق..؛ ثم إن الرافضة في اعتذارها تحاول أن تجعل من نفسها رقيبة على تشريع رب العالمين، فكأنها تشير بأن الله سبحانه لم يفعل ما هو أولى وأحق (تعالى الله عما يقوله الظالمون)، حيث لم يجعل موقف عرفات في الحرم؛ بل جعله في الحل، وهكذا تتطاول هذه الزمرة الملحدة التي وضعت هذه الأخبار، وخدعت بها الأغرار، تتطاول على شرع الله وحكمته، وتضع من نفسها وصية على أمر الله.
__________
(1) ... الموضع نفسه من المصدرين السابقين.
(2) ... الموضع نفسه من المصدرين السابقين.
(3) ... بحار الأنوار (101/ 33)، كامل الزيارات ص(266).(86/83)
ورواياتهم في هذا كثيرة للغاية كما أشرت من قبل، وإنني الآن أمام زخم هائل من الروايات التي لا تخطر ببال من لم يخض غمار هذه الأساطير، روايات كثيرة لا أدري ما آخذ منها وما أدع، فكل منها يثير العجب والاستنكار لكل من كان على صلة بكتاب ربه، أو على أدنى وعي بأمر دينه، ولم يلجم عقله العصب ويغلق فكره الهوى، وتأخذه العزة بالإثم تعصباً لبدعته وطائفته.
ولو حاول الرافضي أن يتخلى عن هذه الأساطير التي تشدُّه إلى الظلام، ولو لحظة، ثم تفكر في أمر هذا الخطر الأكبر الذي يأخذ به ليلقيه في غياهب الشرك وظلماته، لينسى ربه وخالقه، ويتعلق بقبر مخلوق قد أرم لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ولا حياة ولا نشوراً: ?إنَّ الَّذينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ عِبادٌ أمْثالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبوا لَكُمْ إن كُنْتُمْ صدِقينَ? [الأعرَاف: 194] لأدرك حينئذ أنه ليس على شيء، وأن هذا عين دين المشركين. والعجب أنه ورد عندهم بعض الروايات في تخفيف هذا الغلو الذي يجعل من الشخوص إلى القبر أفضل من حج بيت الله الحرام، ولكن شيخ الروافض المجلسي رد في ذلك بحجة التقية.
تقول رواياتهم: «عن حنان قلت لأبي عبدالله - عليه السلام -: ما تقول في زيارة قبر الحسين صلوات الله عليه، فإنه بلغنا عن بعضكم أنه قال: تعدل حجة وعمرة؟ قال: فقال: ما أضعف هذا الحديث ما تعدل هذا كله، ولكن زوروه ولا تجفوه فإنه سيد شباب أهل الجنة...» (1).
__________
(1) ... بحار الأنوار (101 /35)، قرب الإسناد ص(48).(86/84)
قال المجلسي في تأويل هذا النص الذي ينقض عشرات الروايات التي جاء بها، ويكشف ضلال ما عليه طائفته قال: «الأظهر أنه محمول على التقية»(1)، أي أن جعفراً يقول هذا الكلام على سبيل الكذب مجاملة لأهل السنة أو خوفاً منهم، وليس من دين الشيعة، وهكذا يفعل شيوخهم بكل رواية عن أهل البيت لا توافق أهواءهم، يبطلون مفعولها بهذه الحجة الجاهزة «التقية» فصار التشيع يكتسب غلوه على مر الأيام بفعل شيوخه، وصار دينهم دين شيوخ الرافضة لا دين الأئمة...
} ... } ... }
زيارة كربلاء يوم عرفة أفضل من سائر الأيام
مما يكشف أن هذه النصوص هي ثمرة مؤامرة ضد الأمة لصرفها عن بيت ربها، والعمل على إفساد أمرها، وتفريق اجتماعها، والحيلولة دون تلاقيها في هذا المؤتمر السنوي العام، أن هذه الروايات خصت زيارة الحسين يوم عرفة بفضل خاص، تقول: «من أتى قبر الحسين عارفاً بحقه في غير يوم عيد كتب الله له عشرين حجة، وعشرين عمرة مبرورات مقبولات... ومن أتاه في يوم عيد كتب له مائة حجة، ومائة عمرة، ومن أتاه يوم عرفة عارفاً بحقه كتب الله له ألف حجة، وألف عمرة مبرورات متقبلات، وألف غزوة مع نبي مرسل أو إمام عادل»(2).
وتكاد بعض رواياته تصرح بالهدف، فهذا جعفرهم يقول: «لو إني حدثتكم بفضل زيارته، وبفضل قبره لتركتم الحج رأساً، وما حج منكم أحد، ويحك أما علمت أن الله اتخذ كربلاء حرماً آمناً مباركاً قبل أن يتخذ مكة حرماً»(3). فأنت تلاحظ أنه صرح من طرف خفي أن ترك الحج وزيارة كربلاء أولى.
__________
(1) ... الموضع نفسه من المصدر السابق.
(2) ... انظر: الكليني، فروع الكافي (1 /324)، ابن بابويه، من لا يحضره الفقيه (1/182)، الطوسي، التهذيب (2 /16)، ابن قولويه، كامل الزيارات ص(169)، ابن بابويه، ثواب الأعمال ص(50)، الحر العاملي، وسائل الشيعة (10 /359).
(3) ... بحار الأنوار (101/ 33)، كامل الزيارات ص(266).(86/85)
وقال: «إن الله يبدأ بالنظر إلى زوار قبر الحسين بن علي عشية عرفة قبل نظره إلى أهل الموقف (قال الراوي: وكيف ذلك؟) قال أبو عبدالله ـ كما يزعمون ـ لأن في أولئك أولاد زنا وليس في هؤلاء أولاد زنا»(1).
وأولاد الزنا عند الرافضة هم جميع المسلمين - كما سلف - وسيظهر من رواياتهم أن لهذه الأساطير تأثيرها حتى قال أحد نقلة هذه الأسطورة ورواتها بعد سماعه دعاء من جعفر لزوار قبر الحسين قال: «والله لقد تمنيت أني زرته ولم أحج»(2).
وتتحدث رواية أخرى «أن من أراد أن يتنفل بالحج والعمرة فمنعه من ذلك شغل دنيا، أو عائق فأتى الحسين بن علي في يوم عرفة أجزأه ذلك من أداء حجته، وضاعف الله له بذلك أضعافاً مضاعفة، قال الراوي: قلت: كم تعدل حجة، وكم تعدل عمرة؟ قال: لا يحصى ذلك، قلت: ألف، قال: وأكثر؛ ثم قال: وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) (3). وأنت تلاحظ أن صدر النص يشير إلى أن الحج أفضل، وأن زيارة الحسين هي البديل عند حصول عائق، بينما عجزه يشير إلى خلاف ذلك.
قال شيخهم الفيض الكاشاني في التعليق عما تذكره رواياتهم من فضائل زيارة قبر الحسين: «إن هذا ليس بكثير على من جعله الله إماماً للمؤمنين، وله خلق السماوات والأرضين، وجعله صراطه وسبيله، وعينه، ودليله، وبابه الذي يؤتى منه، وحبله المتصل بينه وبين عباده من رسل وأنبياء وحجيج وأولياء هذا مع أن مقابرهم - رضي الله عنهم - ـ فيها أيضاً إنفاق أموال، ورجاء آمال، وإشخاص أبدان، وهجران أوطان، وتحمل مشاق، وتجديد ميثاق، وشهود شعائر، وحضور مشاعر)(4).
__________
(1) ... الفيض الكاشاني، الوافي، المجلد الثاني (8/ 222).
(2) ... وسائل الشيعة (10/321)، فروع الكافي (1/235)، ثواب الأعمال ص(35).
(3) ... الوافي، المجلد الثاني (8/223).
(4) ... الوافي، المجلد الثاني، (8 224).(86/86)
تأمل هذا الغلو، حيث جعل الحسين هو الحبل والواسطة بين الله وعباده وأنه عين الله وبابه!! ولاحظ توجيهه لفضل زيارة قبر الحسين بفعل أسباب الوقوع في الشرك نفسه من شد الرحال إلى القبر، وإنفاق الأموال لها أو عندها طلباً لشفاعتها، وتعليق الآمال عليها... إلى آخر ما ذكره من أعمال الشرك وأسبابه، ومع ذلك فهذا عندهم من أفضل الطاعات(1)!!!
زيارة قبر الحسين أفضل الأعمال
وتمضي بروتوكولاتهم في محاولة يائسة لصرف الناس عن الحج، وعبادة الله وحده، فتجعل زيارة الحسين أفضل الأعمال، فليست زيارة قبر الحسين عند هؤلاء أفضل من الحج فحسب؛ بل هي أفضل الأعمال، جاء في رواياتهم أن زيارة قبر الحسين «أفضل ما يكون من الأعمال»(2).
زوار الحسين تأتيهم الملائكة ويناجيهم الله
__________
(1) ... ولكن لماذا لا يعمل شيوخهم بهذه الروايات ويدعون الحج...؟ الواقع أنهم لم يفعلوا، لعل ذلك لأسباب منها ليتمكن هؤلاء من نقل شرهم لسائر العالم الإسلامي عبر هذا المؤتمر العظيم، وخشية التشنيع عليهم من قبل المسلمين، فيفقدوا الأرضية الصالحة لنشر دعوتهم سيما أنهم يرون الفريضة لا بد منها، على الرغم من أن هذه الروايات لا تجعل في قلب المؤمن بها أي حنين إلى حج بيت الله الحرام، ولذا ما أسهل أن يصدروا قراراً بمنع الأتباع من الحج لأدنى خلاف سياسي لأنهم قد خدعوهم بمثل هذه الروايات المنسوبة للآل ـ زوراً ـ كذلك لولا الخمس الذي يأكلونه من أموال الأتباع والذي يفرض على سبيل الفور لمن أزمع الحج ـ كما مر ـ وكذلك الرغبة في تحقيق الفتنة في أرض المشاعر لما طالبوا بزيادة عددهم في الحج.
(2) ... كامل الزيارات ص(146)، بحار الأنوار (101/49).(86/87)
بل وصلت مبالغات الروافض في الحديث عن فضائل زيارة قبر الحسين والأئمة الآخرين إلى درجة لا تتصور ولا يقبلها ذو عقل، قال جعفرهم: «من خرج من منزله يريد زيارة الحسين كتب الله له بكل خطوة حسنة...» إلى أن قال: «وإذا قضى مناسكه... أتاه ملك فقال له: أنا رسول الله ربك يقرئك السلام، ويقول لك: استأنف فقد غفر لك ما مضى»(1).
فالملائكة تقابل زوار القبر، وتبلغهم سلام الله، وتوزع عليهم صكوك الغفران... هذه دعاوي فوق الجنون بدرجات، وأعظم منها وأكبر جرأتهم على القول بأن الله يناجي زوار الحسين، قالت رواياتهم: «... فإذا أتاه (يعني أتى الزائر قبر الحسين) ناجاه الله فقال: عبدي سلني أعطك، ادعني أجبك»(2).
وهكذا يفترون الكذب على الله، وإنما يفتري الكذب على الله الذين لا يؤمنون، ويزعمون وهم الذين سلكوا مسلك أهل التعطيل في كلام الله سبحانه، أن الله يناجي ويكلم زوار الحسين... وهذه فرية خطيرة... وبهتان عظيم.
ولم يكتفوا بذلك كعادتهم في الغلو والمبالغة؛ بل زعموا أن الله تعالى عما يقوله الظالمون علواً كبيراً يزور قبور الأئمة مع الشيعة، ففي «البحار» للمجلسي: «إن قبر أمير المؤمنين يزوره الله مع الملائكة ويزوره الأنبياء ويزوره المؤمنون»(3).
كبرت كلمة تخرج من أفواههم وتسطرها أقلامهم إن يقولون إلا كذباً.
مناسك المشاهد
__________
(1) ... الطوسي، تهذيب التهذيب (2 /14)، ابن قولويه، كامل الزيارات ص (132)، ثواب الأعمال ص (51)، وسائل الشيعة (10/ 341 ـ 342).
(2) ... كامل الزيارات ص(132)، وسائل الشيعة (10/ 342)، وانظر: ثواب الأعمال ص(51).
(3) ... بحار الأنوار (100 /258).(86/88)
وفي سبيل صرف الناس عن الحج، وضعوا بديلاً عنه من صنعهم وافتراءات ألسنتهم ـ في محاولة لملء حنين المسلم إلى الحج وأداء المناسك بهذا الإفك المختلق والزور المبين ـ فاخترعوا مناسك يضاهئون بها شرع الله ودينه، وزيادة في تأكيد معنى المشابهة سموها (مناسك المشاهد) فجعلوا زيارة الأضرحة فريضة من فرائض مذهبهم(1)، يكفر تاركها(2).
وقد عقد لذلك المجلسي باباً بعنوان: «باب أن زيارته(3) واجبة مفترضة مأمور بها، وما ورد من الذم والتأنيب والتوعد على تركها» وذكر فيه (40) حديثاً من أحاديثهم(4).
ثم وضعوا لها مناسك كمناسك الحج إلى بيت الله الحرام.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله -: «قد صنف شيخهم ابن النعمان المعروف عندهم بالمفيد كتاباً سماه «مناسك المشاهد» جعل قبور المخلوقين تحج كما تحج الكعبة البيت الحرام، الذي جعله الله قياماً للناس، وهو أول بيت وضع للناس، فلا يطاف إلا به، ولا يصلَّى إلا إليه، ولم يأمر إلا بحجه»(5).
__________
(1) ... انظر روايات ذلك في: تهذيب الأحكام للطوسي (2 /14)، وفي كامل الزيارات لابن قولويه ص (194)، ووسائل الشيعة للحر العاملي (10/ 333 ـ 337).
(2) ... ففي الوسائل (عن هارون بن خارجة عن أبي عبدالله - عليه السلام - قال: سألته عمن ترك زيارة قبر الحسين- عليه السلام - من غير علة، فقال: هذا رجل من أهل النار)، وسائل الشيعة (10 /336 ـ 337)، كامل الزيارات ص(193).
(3) ... يعني: زيارة الحسين.
(4) ... انظر: بحار الأنوار (101/ 1 ـ 11).
(5) ... منهاج السنة (1/ 175)، مجموع فتاوى شيخ الإسلام (17/ 498).(86/89)
وقد كشف لنا اليوم شيخهم أغا بزرك الطهراني في كتابه «الذريعة» أن ما صنفه شيوخهم في المزار ومناسكه قد بلغ ستين كتاباً(1)، كلها ألفت لإرساء قواعد هذا الشرك وتشييد بنائه، وهذا عدا ما اشتملت عليه كتب الأخبار المعتمدة عندهم من أبواب خاصة بالمشاهد ـ كما سيأتي ـ، ومن هذه المناسك ما يلي:
أ ـ الطواف بها:
اتفق المسلمون على أنه لا يشرع الطواف إلا بالبيت المعمور(2).
ولكن شيوخ الروافض شرعوا لأتباعهم الطواف بأضرحة الموتى من الأئمة، ووضعوا من الروايات على آل البيت ما يسندون به هذا الشرك، فقال المجلسي بأنه ورد في بعض زيارات الأئمة (إلا أن نطوف حول مشاهدكم) وفي بعض الروايات (قبّل جوانب القبر)، كما قال بأن الرضا كان ـ على حد زعمه ـ يطوف بقبر رسول ? وآله(3) وأخذ من ذلك (شرعية) هذا (النسك الوثني) في مذهبهم ولم يلتفت إلى نصوص القرآن الصريحة الواضحة في النهي عن الشرك، والوعيد عليه بنار جهنم وبئس المصير، ولكن أشكل عليه روايات لهم تناقض ـ كالعادة ـ مذهبهم في المشاهد وهي مروية عن أئمتهم فرام التخلص منها بالتأويل.
فقد جاء في رواياتهم ما ينهى عن الطواف بالقبور كقول إمامهم: «لا تشرب وأنت قائم ولا تطف بقبر... فإن من فعل ذلك فلا يلومن إلا نفسه، ومن فعل شيئاً من ذلك لم يكن يفرقه إلا ما شاء الله»(4)، وقد أجهد المجلسي نفسه في تأويل هذه الرواية فقال: «يحتمل أن يكون النهي عن الطواف بالعدد المخصوص الذي يطاف بالبيت»(5).
__________
(1) ... انظر: الذريعة (20 /316 ـ 326).
(2) ... مجموع فتاوى شيخ الإسلام (4/521).
(3) ... بحار الأنوار (100/ 126).
(4) ... ابن بابويه، علل الشرائع ص(283)، بحار الأنوار (100/126).
(5) ... بحار الأنوار (100/126).(86/90)
فأنت ترى أن المجلسي لم يحاول أن يسلك ما يتفق مع كتاب الله سبحانه، وما عليه المسلمون، وما جاء عندهم أيضاً: «ولا تطف على قبر» فينصح لنفسه وطائفته بالنهي عن هذه البدعة فيقر بذلك، ويؤول ما يخالفه لأنه شذوذ وانحراف، وباب من أبواب الشرك بالله، لم يفعل ذلك بل تكلف في تأويل نصهم الذي يدل على المعنى الحق حتى قال: «يحتمل أن يكون المراد بالطواف المنفي هنا التغوط»(1).
فدين الرافضة هو دين المجلسي لا دين الأئمة، وعملهم بما قاله شيوخهم لا ما قاله إمامهم... فأعرضوا عن قول الإمام: «ولا تطف بقبر» كما أعرضوا من قبل عن قول الله ورسوله وإجماع المسلمين فضلوا وأضلوا عن سواء السبيل.
ب ـ الصلاة عند الضريح:
من مناسك المشاهد والأضرحة أداء ركعتين أو أكثر عند قبور الأئمة، وربما يتخذونها قبلة ـ كما سيأتي ـ، وكل ركعة تؤدى عند القبور تفضل على الحج إلى بيت الله الحرام مئات المرات، جاء في أخبارهم: «الصلاة في حرم الحسين لك بكل ركعة تركعها عنده كثواب من حج ألف حجة، واعتمر ألف عمرة، وأعتق ألف رقبة، وكأنما وقف في سبيل الله ألف ألف مرة مع نبي مرسل»(2).
وليس هذا خاصاً بقبر الحسين بل كل قبور أئمتهم كذلك ففي «البحار»: «من زار الرضا(3) أو واحداً من الأئمة فصلَّى عنده... فإنه يكتب له (ثم ذكر ما جاء في النص السابق وزاد:) وله بكل خطوة مائة حجة، ومائة عمرة، وعتق مائة رقبة في سبيل الله، وكتب له مائة حسنة، وحط عنه مائة سيئة»(4).
__________
(1) ... المصدر السابق (100/127).
(2) ... الوافي، المجلد الثاني (8/234).
(3) ... يعدُّ مرقد علي الرضا أهم الأماكن المقدسة في إيران، ومن أضخم الأماكن المقدسة لدى الشيعة، وعليه قبة ضخمة مكسوة بالذهب، عبدالله الفياض، مشاهداتي في إيران، ص(102)، لأن الأضرحة والاهتمام بها وتقديم أنواع من العبادات لها في أصول دينهم.
(4) ... بحار الأنوار (100/137 ـ 138).(86/91)
انظر كيف يفضلون الصلاة عند القبور على الحج إلى بيت الله الحرام، فيقدمون الشرك على التوحيد. وقديماً كان المشركون يقولون بأن دينهم أفضل من دين الله، وأنهم أهدى من الذين آمنوا سبيلاً.
واتخاذ القبور مساجد ملعون فاعله على لسان رسول الهدى ? حيث قال: «لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»(1).
وفي الصحيحين أيضاً ذكر له في مرض موته كنيسة بأرض الحبشة، وذكر له من حسنها وتصاوير فيها فقال: «إن أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك التصاوير، أولئك شرار الخلق عند الله»(2).
وقد ثبت أيضاً النهي عن اتخاذ القبور مساجد في كتب الاثني عشرية نفسها، ولكن شيوخهم يؤولونه ـ كما سيأتي ـ.
ج ـ الانكباب على القبر:
__________
(1) ... أخرجه البخاري في الصلاة، في باب (55) (1/532) (البخاري مع فتح الباري) وفي الجنائز، باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور (3/200)، وباب ما جاء في قبر النبي ? وأبي بكر وعمر (3/255)، وفي الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل (6/294)، وفي المغازي في باب مرض النبي ? ووفاته (8 /140)، وفي اللباس في باب الأكسية والخمائل (10/277).
... والحديث بهذا المعنى في مسلم، كتاب المساجد، باب النهي عن بناء المساجد على القبور (376 ـ 377)، وأحمد (1 /218، 6 80، 84، 121، 146، 229، 252، 255، 275)، والدارمي، كتاب الصلاة، باب النهي عن اتخاذ القبور مساجد (1/326) وغيرها.
(2) ... أخرجه البخاري في الصلاة، باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية، ويتخذ مكانها مساجد (1 /523)، البخاري مع فتح الباري، وباب الصلاة في البيعة (1/ 531)، وفي الجنائز في باب بناء المسجد على القبر (2/ 208)، ومسلم، كتاب المساجد، باب النهي عن بناء المساجد على القبور (1/375 ـ 376)، وأبو عوانة في مسنده (1/ 400 ـ 1)، وأحمد (6 /51)، والبيهقي (4/80).(86/92)
من مناسك المشاهد عندهم الانكباب على القبر، ووضع الخد عليه، وتقبيل الأعتاب، ومناجاة صاحب القبر حتى ينقطع النفس كما يقولون.
قال المجلسي: «باب ما يستحب فعله عند قبره - عليه السلام -...»(1) ثم ذكر أن شيخ طائفتهم الطوسي قال في وصفه لأعمال زيارة الجمعة: «... ثمّ تنكب على القبر وتقول: مولاي إمامي مظلوم أستعدي على ظالمه النصر، النصر حتى ينقطع النفس»(2).
وفي أكثر زياراتهم يؤكدون في أثنائها وخاتمتها على الانكباب على القبر، ودعائه، فهذه زيارة الحسين أوصى بها جعفر الصادق ـ كما يزعمون ـ وأمر قبل بدء هذه الزيارة بصيام ثلاثة أيام ثم الاغتسال، ولبس ثوبين طاهرين ثم صلاة ركعتين؛ ثم قال: «فإذا أتيت الباب فقف خارج القبة، وأوم بطرفك نحو القبر وقل: يا مولاي يا أبا عبدالله يا ابن رسول الله عبدك ابن عبدك وابن أمتك، الذليل بين يديك، المقصر في علو قدرك المعترف بحقك جاء مستجيراً بذمتك قاصداً إلى حرمك متوجهاً إلى مقامك ـ إلى أن قال ـ ثم انكب على القبر وقل: يا مولاي أتيتك خائفاً فآمني، وأتيتك مستجيراً فأجرني...؛ ثم ينكب على القبر ثانية»(3)... إلى آخر الزيارة التي يدعو فيها مخلوقاً من دون الله سبحانه، ويتضرع إليه، وكأنه يتضرع أمام الله، فماذا يكون الشرك إذا لم يكن هذا شركاً... ومثل ذلك قال مفيدهم: «فإذا أردت الخروج فانكب على القبر قبله ـ إلى أن قال ـ ثم ارجع إلى مشهد الحسين وقل: السلام عليك يا أبا عبدالله أنت لي جُنَّة من العذاب»(4).
__________
(1) ... بحار الأنوار (101/285).
(2) ... نفس الموضع من المصدر السابق، مصباح المتهجد للطوسي ص(195).
(3) ... بحار الأنوار (101/ 257 ـ 261)، عن المزار الكبير لمحمد المشهدي ص(143 ـ 144).
(4) ... بحار الأنوار (101/257 ـ 261)، عن المزار الكبير ص(154).(86/93)
وهكذا أصبح في دينهم الشرك بالله من المستحبات فهو سجود على القبر أو لصاحب القبر يسمونه (الانكباب)، ودعاء للميت الذي لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً وكأنهم يدعون خالق السماوات والأرض القادر على كل شيء: ?وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُوا مِن دُونِ اللهِ مَن لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إلى يَوْمِ القيامَةِ وَهُمْ عَن دُعائِهِمْ غافِلونَ? [الأحقاف: 5 ]، وهم يعدون هذا من أفضل القربات، ويوهمون الأتباع بأن هذا الشرك «يوجب غفران الذنوب ودخول الجنة، والعتق من النار، وحط السيئات، ورفع الدرجات، وإجابة الدعوات»(1)، «وتوجب طول العمر وحفظ النفس، والمال، وزيادة الرزق، وتنفس الكرب، وقضاء الحوائج»(2) و«تعدل الحج والعمرة والجهاد والإعتاق»(3) إلى آخر الفضائل الموهومة... فشرعوا من الدين ما لم يأذن به الله.
ولهم تعلق بكل عمل يتصل بالشرك بالله من قريب أو بعيد، حتى وإن لم يوجد نص يعتمدون عليه من كتبهم المليئة بما يغني في باب الشرك وأسبابه، يقول المجلسي ـ مثلاً ـ : «وأما تقبيل الأعتاب فلم نقف على نص يعتد به ولكن عليه الإمامية»(4) أي: أنهم يتعبدون بذلك مجاراة لأسلافهم، وتقليداً لهم، فكأن الشرك وأعماله المنتشرة في أمهات كتبهم، لم تملأ ما في نفوسهم، فتعلقوا بما عليه من سبقهم كحال المشركين الذين قالوا: ?وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ في قَرْيَةٍ مِن نَذيرٍ إلاَّ قالَ مُتْرَفوها إنَّا وَجَدْنا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثارِهِم مُقْتَدُونَ? [الزخرف: 23].
__________
(1) ... هذا من عناوين بحار الأنوار، وقد ضم (37) رواية في هذا المعنى (101/21 ـ 28).
(2) ... هذا أحد عناوين بحار الأنوار أيضاً وفيه (17) رواية (101/45 ـ 48).
(3) ... وهذا من عناوين صاحب البحار وقد ضمنه (84) رواية (101/28 ـ 44).
(4) ... بحار الأنوار (100/136)، عمدة الزائر ص(29).(86/94)
وكل إمام ينسب له من المبادئ الشركية الجديدة حتى (المنتظر) الذي لم يولد له قوانين جديدة في هذا الباب منها استقبال القبر في الصلاة، واستدبار الكعبة ـ كما سيأتي ـ، ومنها في مسألتنا هذه وضع الخد على القبر، فقد خرجت الرواية فيها ـ كما يقولون ـ من الناحية المقدسة، أي: من قبل المهدي المنتظر المزعوم بواسطة سفرائه الكذبة حيث قال مهديهم: «والذي عليه العمل أن يضع خده الأيمن على القبر»(1).
ولهذا قرر شيوخهم أن من آداب زيارة هذه الأضرحة: «وضع الخد الأيمن عند الفراغ من الزيارة والدعاء»(2) وقالوا: «لا كراهة في تقبيل الضرايح؛ بل هو سنة عندنا ولو كان هناك تقية فتركه أولى»(3).
هذه مبادئ جديدة ابتدعها شيوخ السوء من الرافضة «وقد اتفق المسلمون على أنه لا يشرع الاستلام والتقبيل إلا للركنين اليمانيين، فالحجر الأسود يستلم ويقبَّل، واليماني يستلم، وقد قيل أنه يقبل وهو ضعيف، وأما غير ذلك فلا يشرع استلامه ولا تقبيله كجوانب البيت... والصخرة والحجرة النبوية وسائر قبور الأنبياء والصالحين»(4).
والهدف من هذه المبادئ الصد عن دين الله سبحانه، والدعوة إلى الشرك بالله وتهيئة أسبابه، وقد وضعت أدعية تقال أثناء هذه الأعمال فيها من الشرك بالله سبحانه، وتأليه الأئمة ما يُستقلُّ عنده فعل المشركين.
د ـ اتخاذ القبر قبلة كبيت الله:
قال شيخ الرافضة المجلسي: «إن استقبال القبر أمر لازم، وإن لم يكن موافقاً للقبلة، استقبال الزائر القبر بمنزلة استقبال القبلة وهو وجه الله أي: جهته التي أمر الناس باستقبالها في تلك الحالة»(5).
وحينما وجد المجلسي في روايات قومه نصين متعارضين ـ كالعادة ـ:
__________
(1) ... عمدة الزائر ص(31).
(2) ... بحار الأنوار (100/134)، عمدة الزائر ص(30).
(3) ... بحار الأنوار (100 /136).
(4) ... مجموع فتاوى شيخ الإسلام (4/521).
(5) ... بحار الأنوار (101/369).(86/95)
الأول: عن أبي جعفر محمد الباقر يقول: «إن رسول الله ? قال: لا تتخذوا قبري قبلة ولا مسجداً، فإن الله لعن الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»(1).
والثاني: من مهديهم المنتظر (الذي لا وجود له كما يقول أهل العلم) ونصه: «كتب الحميري(2) إلى الناحية المقدسة(3) يسأل عن الرجل يزور قبور الأئمة عليهم السلام... هل يجوز لمن صلَّى عند بعض قبورهم عليهم السلام أن يقوم وراء القبر، ويجعل القبر قبلة، أم يقوم عند رأسه أو رجليه؟ وهل يجوز أن يتقدم القبر ويصلِّي، ويجعل القبر خلفه أم لا؟ فأجاب (المهدي المزعوم): «.... أما الصلاة فإنها خلفه، ويجعل القبر أمامه، ولا يجوز أن يصلِّي بين يديه، ولا عن يمينه ولا عن يساره، لأن الإمام صلى الله عليه لا يتقدم عليه ولا يساوى»(4).
حينما وجد المجلسي هذين النصين رجح لقومه العمل بالنص الثاني فقال: «يمكن حمل الخبر السابق على التقية أو على أنه لا يجوز أن يجعل قبورهم بمنزلة الكعبة يتوجه إليها من كل جانب»(5). ومن الأصحاب من حمل الخبر الأول على الصلاة جماعة، والخبر الثاني: على الصلاة فرادى، وستأتي الأخبار المؤيدة للخبر الثاني (يعني في اتخاذ القبر قبلة) في أبواب الزيارات(6).
__________
(1) ... ابن بابويه، علل الشرائع ص(358)، بحار الأنوار (100/128).
(2) عبدالله بن جعفر بن مالك الحميري، أحد الكذابين الذين يزعمون مكاتبة المنتظر الذي لم يوجد، ولكنه عندهم من الثقات.
انظر: الفهرست للطوسي ص(132)، رجال المحلى ص(106).
(3) ... الناحية المقدسة رمز عندهم على مهديهم المنتظر.
(4) ... الاحتجاج للطبرسي (2/312)، ط. النجف، بحار الأنوار (100/128).
(5) ... أي: أنها قبلة ـ في مذهبهم ـ من جهة واحدة، وليست كالكعبة قبلة من كل الجهات، وليس ذلك لأفضلية الكعبة عندهم، ولكن خشية التقدم على الضريح كما يشير إليه (التوقيع).
(6) ... بحار الأنوار (100/128).(86/96)
انظر كيف يؤيد شيوخهم الشرك بالله سبحانه، ويردون الحق ولو جاء في كتبهم، فيرجح المجلسي ما جاء عن المنتظر الذي لا حقيقة له، ويرد ما روي عن أبي جعفر عن رسول الله ? والموافق للكتاب والسنة وإجماع الأمة.
وقد توقف المجلسي أيضاً عند قول إمامه وهو يبين طريقة زيارة القبر من البعيد عنه قال: «اغتسل يوم الجمعة، أو أي يوم شئت، والبس أطهر ثيابك، واصعد إلى أعلى موضع في دارك، أو الصحراء فاستقبل القبلة بوجهك بعدما تتبين أن القبر هنالك». توقف المجلسي عند هذا النص، لأن استقبال القبر في دينه أمر لازم فقال: «قوله «فاستقبل القبلة بوجهك» لعله - عليه السلام - إنما قال ذلك لمن أمكنه استقبال القبر والقبلة معاً... ويحتمل أن يكون المراد بالقبلة هنا جهة القبر مجازاً... ولا يبعد أن تكون القبلة تصحيف القبر»(1).
كل هذه التكلفات والتأولات لأنه يقول بأن طائفته: «حكموا باستقبال القبر مطلقاً (أي في كل أنواع الزيارات)، وهو الموافق للأخبار الأخر في زيارة البعيد»(2).
وقال: إنه مع بعد الزائر عن القبر يستحسن استقبال القبر في الصلاة واستدبار الكعبة(3)، وذلك عند أداء ركعتي الزيارة التي قالوا فيها: «إن ركعتي الزيارة لا بد منهما عند كل قبر»(4). والركعة منها أفضل من ألف حجة وعمرة ـ كما مر ـ وهذا ليس بغريب من قوم زعموا أن كربلاء أفضل من الكعبة.
__________
(1) ... بحار الأنوار (101/369).
(2) ... المصدر السابق (101/369 ـ 370).
(3) ... المصدر السابق (100/135).
(4) ... المصدر السابق (100/134).(86/97)
فما نسمي هذا الدين الذي يأمر أتباعه باستدبار الكعبة، واستقبال قبور الأئمة؟ وماذا نسمي هؤلاء الشيوخ الذين يدعون لهذا الدين؟ فليسمَّ بأي اسم إلا الإسلام دين التوحيد الذي نهى رسوله عليه الصلاة والسلام عن الصلاة في المقابر، فكيف باتخاذ القبور قبلة؟! ومن العجب أن هذا النهي عن اتخاذ القبور مسجداً وقبلة ورد في كتب الشيعة نفسها، كما جاء في «الوسائل» للحر العاملي(1) وغيره وإن أنكر ذلك بعض شيوخهم المعاصرين، كما ورد أيضاً بطلان الصلاة إلى غير القبلة(2). والتناقض في هذا المذهب من أعجب العجب.
هذا بعض ما جاء في مصادرهم المعتمدة حول المشاهد، وهو قليل من كثير، حيث إن لهم عناية ظاهرة واهتماماً واسعاً بأمر المشاهد ومناسكها كاهتمامهم بمسألة الإمامة، وقد خصصت مصادرهم المعتمدة له قسطاً خاصاً مما لا تجده في كتب المسلمين الموحدين. ففي «بحار الأنوار» للمجلسي، كتاب مستقل سماه (كتاب المزار) يتضمن أبواباً كثيرة، اشتملت على مئات الروايات، وقد استغرق ذلك حوالي ثلاث مجلدات(3) من طبعة «البحار» الأخيرة.
وكذلك في «وسائل الشيعة» للحر العاملي ذكر (106) أبواب بعنوان: (أبواب المزار) (4).
__________
(1) ... روت كتب الشيعة أن علي بن الحسين قال: قال النبي ? : «لا تتخذوا قبري قبلة ولا مسجداً فإن - عز وجل - الله لعن اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد».
... من لا يحضره الفقيه (1/57)، وسائل الشيعة (3/455)، ولكن هؤلاء دينهم دين شيوخهم الذين وضعوا مبدأ خالفوا العامة (يعني أهل السنة) فأضلوا قومهم سواء السبيل.
(2) ... وقد ذكر صاحب الوسائل في هذا المعنى خمس روايات، انظر: وسائل الشيعة (2/227)، وانظر: بطلان الصلاة إلى غير القبلة عندهم، من لا يحضره الفقيه (1/79، 122)، وتهذيب الأحكام (1/146، 178، 192، 218)، وفروع الكافي (1/83).
(3) ... هي المجلدات (100، 101، 102).
(4) ... انظرها في: (10/251) وما بعدها.(86/98)
وفي «الوافي» للكاشاني الجامع لأصولهم الأربعة عقد ثلاثة وثلاثين باباً بعنوان: (أبواب المزارات والمشاهد)(1).
وفي كتاب «من لا يحضره الفقيه» لابن بابويه ـ أحد مصادرهم المعتمدة ـ أبواب عدة حول المشاهد وتعظيمها كباب تربة الحسين وتحريم قبره، وأبواب زيارة الأئمة وفضلها(2). وفي «تهذيب الأحكام» للطوسي مجموعة كبيرة من الأبواب تتضمن تعظيم المشاهد والقبور، ومناجاة الأئمة بأدعية تتضمن تأليههم(3).
وفي «مستدرك الوسائل» ستة وثمانون باباً حوت (276) رواية في الزيارات والمشاهد(4). هذا عدا ما اشتملت عليه كتبهم الأخرى التي هي في منزلة المصادر الثمانية عندهم كـ«ثواب الأعمال» لابن بابويه وغيره.
وهذا غير ما ألف في المزارات من كتب خاصة به في الماضي والحاضر مثل: «كامل الزيارات» لابن قولويه، و«مفاتيح الجنان» لعباس القمي، و«عمدة الزائر» لحيدر الحسيني، و«ضياء الصالحين» للجوهري وغيرها. وكلها تتحدث عن الفضائل المزعومة لمن شد الرحال لزيارة أضرحة الأئمة وطاف بها، ودعا رجالها، واستغاث بمن فيها، وتذكر مئات الأدعية التي فيها من الغلو في الأئمة ما يصل بهم إلى مقام الخالق جل شأنه، وفيها من الشرك بالله ما الله به عليم.
وكان لاهتمامهم بهذا المعول الهادم لأصل التوحيد أثرهُ في ديار الشيعة حيث عمرت بيوت الشرك التي يسمونها المشاهد، وعطلت بيوت التوحيد وهي المساجد وبقي هذا الاهتمام إلى اليوم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
} ... } ... }
الموضوع
الصفحة
مقدمة ................................................. ... ......... ...
5
__________
(1) ... انظرها في المجلد الثاني (8/193) وما بعدها.
(2) ... انظر: من لا يحضره الفقيه (2/338) وما بعدها.
(3) ... انظر: تهذيب الأحكام (6/3) وما بعدها.
(4) ... انظر: النووي الطبرسي، مستدرك الوسائل (2/189 ـ 234).(86/99)
تمهيد: الغيبة والمهدية .........................................
12
عقيدة الغيبة عند فرق الروافض ................................
17
أسباب دعاوي الغيبة ................................. ... .........
22
النيابة عن المنتظر ............................................
28
مسألة النيابة أو ولاية الفقيه ....................................
38
معارضة بعض شيوخ الشيعة لمذهب عموم ولاية الفقيه ..........
53
نصوص البروتوكولات ..........................
57
قرآن كريم القسم الأول: بروتوكولات القتل والتخريب والسرق والاغتيالات ......
58
الفصل الأول: خطط العدوان على الحجاج الآمنين .............
59
1 ـ قتل الحجاج بين الصفا والمروة .... ... .................. ...
60
2 ـ قطع أيدي وأرجل المشرفين على الحرم ...............
64
3 ـ سرقة أموال الحجاج واغتصابها كلما حانت الفرصة.... ...
67
4 ـ القذف العام لحجاج بيت الله الحرام ما عدا طائفتهم ....
73
الفصل الثاني: خطط العدوان على بيت الله الحرام ............. ...
75
1 ـ نزع الحجر الأسود من الكعبة ........................
76
2 ـ هدم الحجرة النبوية، وإخراج الجسدين الطاهرين للخليفتين
الراشدين، وكسر المسجد النبوي (حسب تعبيرهم) ........
80
3 ـ هدم المسجد الحرام والمسجد النبوي .....................
86
...
الموضوع
الصفحة
الفصل الثالث: الأنواع التي يخصونها بالقتل والاعتداء ......
92
1 ـ قتل أهل السنة ............................... ... .........
93
2 ـ قتل الشيعة غير الغلاة .... ... ...........................
95
3 ـ قتل العرب .........................................
96(86/100)
4 ـ تخصيص المسلمين بالقتل ...........................
98
5 ـ الإثخان في القتل والاستئصال الشامل للبشرية.........
99
6 ـ قتل الأسرى والجرحى ..............................
104
7 ـ القتل صفة دائمة ملازمة له .........................
105
الفصل الرابع: من أساليبهم التي يمارسونها في الاعتداء
كلما لاحت فرصة............................................ ...
106
1 ـ مبدأ الغيلة .......................................... ...
107
2 ـ الدخول في الدوائر الأمنية للدول الإسلامية لتحقيق أهدافهم.
112
قرآن كريم القسم الثاني: بروتوكولات للتغيير الفكري ... ................. ...
121
الفصل الأول: محاولة تغيير الكتاب والشريعة ...............
122
1 ـ محاولة تغيير القرآن الكريم .........................
123
2 ـ الشريعة الجديدة المنتظرة ................... ... ........
125
الفصل الثاني: تغيير أصل الدين (وهو التوحيد) ............. ...
130
تغيير أصل الدين (وهو التوحيد) .................. ... ........
131
الفصل الثالث: تحويل المسلمين إلى كربلاء ... ................
137
تحويل المسلمين إلى كربلاء .............................
138
زيارة كربلاء يوم عرفة أفضل من سائر الأيام ...........
156
زيارة قبر الحسين أفضل الأعمال ........................
160
الموضوع
الصفحة
زوار الحسين تأتيهم الملائكة ويناجيهم الله ..................
160
مناسك المشاهد ...........................................
162
أ- الطواف بها ........................................
164
ب- الصلاة عند الضريح ..............................
165(86/101)
ج- اتخاذ القبر قبلة كبيت الله ..........................
172
فهرس الموضوعات ...........................................
179
} ... } ... }(86/102)
سلسلة كتاب الفوائد
شبكة الفوائد الإسلامية
WWW . FWAED . NET
بروتوكولات آيات قُم
حول الحرمين المقدسين
كتاب يكشف
خطط الروافض السرية للعدوان على الحرمين وزوارهما
تأليف الدكتور :
عبد الله الغفاري
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة :
الحمد لله علام الغيوب الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور... وبعد:
فهذه وثائق خطيرة لعلها تنشر لأول مرة وهي تتضمن مخططات وبروتوكولات آيات قم حول الحرمين الطاهرين .
وما كان لنا أن نتنبأ بغيب مستور، أو ندعي العلم بسر مكنون ... ولكنا أطلعنا على بروتوكولات محجوبة عن عموم الناس بندرة الطباعة، واختفائها بين آلاف الصفحات بحيث يستدعي البحث عنها سنوات .
ولقد بليت بقراءتها أعواماً متتاليات، وعرفت منها ما لم يعلمه كثير من الناس، وهاأنذا أشرك القارئ في قراءة بعض هذه النصوص النادرة، والمحجوبة، ليتعرف من خلالها على النوايا والأهداف بدون تقليل، أو تهويل، بعيداً عن مزايدات الساسة، ومبالغات رجالات الإعلام .
وأكتب هذه الكلمات نصيحة لأمة الإسلام، وكشفاً لمناورات الباطنيين، وفضحاً لمخططاتهم .
ولا أكتبها - يعلم الله - إرضاء لزعيم، أو تزلفاً لفئة، أو مجاملة لوضع قائم .
وإذا كان التوقف عن عبادة من العبادات خوف الرياء لا يجوز ؛ فإن السكوت عن قول كلمة الحق خوف أن يقال بأنها إنما تجري مع ركب السلاطين في بلد ما هو سكوت عن كلمة الحق، والساكت عن الحق شيطان أخرس .
وإذا كانت بروتوكولات حكماء صهيون قد كشفت بواسطة امرأة فرنسية كما هو معلوم من قصتها، فإن كشف مخططات الروافض لم يكن له ذات السبب أو ما يشابهه؛ بل إن الذي كشفه رجال الطائفة نفسها لأنهم كما تقول أخبارهم : مبتلون بالنزف وقلة الكتمان (1).
هذا على الرغم من أن نصوصهم تقول لهم :
" إنكم على دين من كتمه أعزه الله، ومن أذاعه أذلة الله " (2).
__________
(1) أصول الكافي (1/401) .
(2) المصدر السابق (2/222) .(87/1)
" اتقوا الله في دينكم فاحجبوه بالتقية، فإنه الإيمان لمن لا تقية له " (1).
" إن تسعة أعشار الدين في التقية ولا دين لمن لا تقية له " (2).
لكنهم خالفوا هذه الوصايا وأذاعوا ...، وقد يكون هذا من نعم الله على المسلمين ليعرفوا الحقيقة التي حجبتها غيوم من التقية، وسحب من الكتمان، مُدداً طويلة .
ووسائل الرافضة لتنفيذ مخططاتهم متنوعة، حتى قال عنها الخبير بمذهبهم والعارف بحالهم عبد العزيز شاه ولي الله الدهلوي بأنها: " كثيرة جداً لا تدري اليهود بعشرها " (3).
ولكن سأخصص هذه الدراسة لبروتوكولاتهم حول الحرمين لتزايد فتنتهم واستعلان شرهم حول الديار المقدسة في هذه الأيام، على أني سأحاول إن شاء الله أن أقوم بدراسة شاملة وعرض عام للخطط والبروتوكولات عندهم في مبحث لاحق. كما أن هذه الدراسة لا تعني الاستيعاب الكامل لكل خططهم حول الحرمين، ولكنها عرض لأهم الخطط وأخطرها مما هو جديد على الناس .
وما أعرضه هنا مأخوذ من وثائقهم ومصادرهم المعتمدة عندهم باعترافهم فهذه النصوص إما مأخوذة من كتبهم الأربعة التي هي عمدة المذهب وعليها المعول وهي : الكافي، والتهذيب، والاستبصار، ومن لا يحضره الفقيه .
قال شيخهم المعاصر محمد صادق الصدر : " إن الشيعة مجمعة على اعتبار الكتب الأربعة قائلة بصحة كل ما فيها من روايات " (4). وكتبهم الأربعة المتأخرة وهي: الوافي، وبحار الأنوار، والوسائل، ومستدرك الوسائل .
قال عالمهم المعاصر محمد صالح الحائري : " وأما صحاح الإمامية فهي ثمانية : أربعة منها للمحمدين الثلاثة الأوائل، وثلاثة بعدها للمحمدين الثلاثة الأواخر، وثامنها لحسين المعاصر النووي " (5).
__________
(1) المصدر السابق (2/218) .
(2) المصدر السابق (2/218) .
(3) مختصر التحفة ص(25) .
(4) الشيعة ص(127) .
(5) منهاج عملي للتقريب (مقال للحائري في كتاب الوحدة الإسلامية) ص(233) .(87/2)
فهم يعدون هذه الثمانية صحاحهم المعتمدة، أو ما هو في منزلة الكتب الأربعة المتقدمة ، حيث إن لهم كتباً كثيرة جداً قالوا : إنها لا تقل عن الكتب الأربعة المتقدمة في الاعتماد والاعتبار ؛ كما بين ذلك المجلسي في بحاره (1)، وكما ترى ذلك أيضاً في مقدمات تلك الكتب بأقلام شيوخهم المعاصرين .
والخلاصة : أنني لم أنقل إلا ما يعتمدونه من كتبهم، فالمسلم مأمور بالتزام العدل حتى مع طوائف الكفر، وإن وجد في نفسه ما وجد : { وَلا يَجْرمَنَّكُم شَنَآنُ قومٍ على أن لا تَعدِلوا اعدِلوا هو أقرب للتقوى } (2).
كما أن هذا ما يتفق مع المنهج العلمي، ووجوب أداء الأمانة على وجهها .
هذا وستجد أنني في عرضي للبروتوكولات قد لا أطيل في التعقيب والتحليل، وقد أترك البروتوكول يتحدث بنفسه لصراحته .
وما كان لي أن أنشر هذه الوثائق إلا بعد أن تفاقم كيد روافض عصرنا ضد بيت الله المطهر، وحجاجه، وخفي على كثير من المسلمين أن أعمالهم وجرائمهم إنما تصدر عن اعتقاد كما بينته أصولهم ؛ ومصادرهم، وشواهد التاريخ وحقائق الواقع، ولكن أكثر الناس لا يقرءون، وبعدما خرج مذهبهم الجديد في ولاية الفقيه، والذي لا يعرفه أسلافهم القدماء (3)
__________
(1) انظر: بحار الأنوار، ج(1)، ص(26) وما بعدها .
(2) سورة المائدة، الآية: (8) .
(3) تسمى الشيعة بالاثنى عشرية : لقولها باثنى عشر إماماً ( لا يجوز أن يتولى الخلافة على المسلمين سواهم، وأخرهم لا وجود له، ولا ظهور، ولكن يتولى عنه نواب مخصصون؛ ثم عممت النيابة عنه لجميع شيوخ الشيعة على اختلاف بين المتأخرين منهم في قدر النيابة كما سيأتي .
كما تلقب بالرافضة لرفضها إمامة أبي بكر وعمر، أو لرفضها زيد بن علي لما ترضى عن الشيخين كما تسمى بالجعفرية لانتسابها إلى جعفر بن محمد الصادق . ويرى جمع من الباحثين أن لفظ الشيعة إذا أطلق اليوم لا ينصرف إلا إليهم، ولذا فإنك ستجد في هذه الرسالة استخدام هذه المصطلحات للتعبير عن حقيقة واحدة، وإن كان في الحقيقة من يذهب هذا المذهب لا يمت للشيعة بصلة فهم روافض ومدعو التشيع، ولكن نستخدم هذا المصطلح لاشتهارهم به اليوم .(87/3)
.
هذا ولأن بعض هذه البروتوكولات مبنية على مبدأ غيبة إمام الاثنى عشرية، ومسألة النيابة عنه، أو ما يسمى بولاية الفقيه، ولأن كثيراً من الناس يجهل مسألة الغيبة وقضية النيابة، فإنني سأقدم تمهيداً موجزاً أعرف القارئ مبدأ الغيبة عندهم، ومسألة النيابة عن الغائب لدى الروافض الأوائل، وعند المعاصرين، وقد حاولت أن لا أتوسع في العرض لئلا يطول حجب القارئ عن الموضوع الأساسي .
وأسأل الله سبحانه أن يبصر المسلمين بحقيقة أعدائهم، ويرد كيد الباطنيين والزنادقة والمنافقين في نحورهم، ويعز الإسلام وينصر المسلمين .
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
سلسلة كتاب الفوائد
شبكة الفوائد الإسلامية
WWW . FWAED . NET
تمهيد : الغيبة والمهدية
يعتقد الروافض أن إمامهم الحسن العسكري المتوفى سنة (260هـ) لم يمت عقيماً كما يقول التاريخ ؛ بل له ولد، اختفى إثر ولادته ... ومنذ ذلك الحين إلى يومنا هذا وهم ينتظرون ظهوره، أي منذ أكثر من أحد عشر قرناً .(87/4)
وهذه العقيدة لا تزال موجودة في أذهان الروافض إلى اليوم رغم تقدم العلم، وتطور وسائل المعرفة حتى أن آيتهم محمد باقر الصدر (1) يقول: " كل ما في الأمر أنه عليه السلام يعيش بشخصية ثانوية متكونة من اسم مستعار، وعمل معين، وأسلوب في الحياة غير ملفت للنظر، ولا يمت إلى الإمامة والقيادة بصلة " (2). أي: أنه يعيش بين الناس باسم مزور، وهو عندهم الحاكم على المسلمين، وكل من تولى على العالم الإسلامي من خلفاء على امتداد التاريخ فهم طواغيت، ومن تابعهم من المسلمين فهو في عداد المشركين.
وهذه العقيدة منذ سنة 260هـ إلى اليوم هي أساس مذهب الروافض، ويهتم بها آيات الرافضة ومراجعها حتى يعدون منكرها أكفر من إبليس (3).
إذ بها يستمدون القداسة بين شيعتهم، وبواسطتها يأخذون الأموال من اتباعهم باسم خمس " الغائب " وعن طريقها يدعون الصلة بأهل البيت، وقد اضطروا للقول بهذه العقيدة البعيدة عن العقول، لأنهم قد حصروا الإمامة بأولاد الحسين وبأشخاص معينين منهم على اختلاف بينهم في تحديد الإمامة (4).
__________
(1) صاحب كتابي " فلسفتنا "، و" اقتصادنا" وفيهما تظهر براعة عقلية، ولكنه حيث يتحدث عن عقائدهم تتضاءل عقليته، ويختفي وهج تفكيره ؛ بل يعود كطفل من الأطفال في تعلقه وتخيله لخرافات وأساطير هي عقائد عند قومه مما يدلك على أن التعصب والتحزب يلغي ملكة التفكير .
(2) تاريخ ما بعد ظهور ص(272) .
(3) انظر : ابن بابوية، إكمال الدين ص(13) .
(4) وقد وقعت اختلافات كثيرة بينهم في تعيين الإمام من ذرية الحسين حتى بلغت فرقهم - بنقل الرافضة نفسها - ثلاثاً وسبعين فرقة، مع أنهم يزعمون أن الله سبحانه نص على هؤلاء الأئمة، وأيدهم بالوحي والمعجزات، وأنزل عليهم كتباً مقدسة...الخ، ولو كان شيء من ذلك لما وقع اختلاف بينهم في تعيين الإمام ؛ بل ولتغير وجه التاريخ .(87/5)
ولكنهم فوجئوا في سنة 260هـ بوفاة الحسن العسكري - وهو الإمام الحادي عشر عندهم - عقيماً فافترقوا في هذا وتحيروا حتى بلغت فرق شيعة الحسن أربع عشرة فرقة كما يقول النوبختي، أو خمس عشرة فرقة، كما يقول القمي، وهما من الرافضة ومن عايش تلك الأحداث إذ هما من شيوخهم في القرن الثالث .
وساد الشك أوساط الشيعة وغلبت عليهم الحيرة، ذلك أنهم قد قالوا لأتباعهم: إن الإمامة هي أصل الدين وأساسه، حتى جاء في نصوص الكافي أقدس كتاب عندهم في الحديث والرواية : أنها أعظم أركان الإسلام (1). وأنها أهم من النبوة (2).... وأن الأرض لا تخلو من إمام لحظة واحدة، ولو بقيت الأرض بغير إمام لساخت (3).
__________
(1) انظر: أصول الكافي ج(2)، ص(18) .
(2) انظر: أصول الكافي (1/175)، وبهذا المعنى قال شيخهم نعمة الله الجزائري : " والإمامة العامة التي هي فوق درجة النبوة والرسالة " (زهرة الربيع ص12) .
وقال هادي الطهراني أحد مراجعهم وآياتهم في هذا العصر: "الإمامة أجل من النبوة"، ودائع النبوة ، ص (114) . ولو كان الأمر كما يقولون لبينه الله في كتابه غاية البيان، ولبلغه الرسول البلاغ المبين، ولنقلته الأمة أجمع، وأجمع عليه المسلمون، ولكن هذه الدعاوى من كيد أعداء هذه الأمة ضد الخلافة الإسلامية .
(3) أصول الكافي (1/179) .(87/6)
"ولو أن الإمام رفع من الأرض ساعة لماجت بأهلها، كما يموج البحر بأهله"(1)؛ بل قالوا: " إن القرآن لا يكون حجة إلا بقيّم " (2)، وهو الإمام . والإجماع لا حجة فيه، وإنما الحجة في قول الإمام (3)، والوحي لم يتوقف بوفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - كما أجمع المسلمون ؛ بل استمر ؛ لأن قول الإمام - بزعمهم - كقول الله، حتى قال شيخهم المازندراني : "يجوز لمن روى حديثاً عن الإمام أن يقول فيه قال الله " (4).
وكل هذه الدعاوي وغيرها كثير تشتمل عليها عقيدتهم في الأئمة ؛ ثم فجأة يسقط هذا الأساس، وتتهاوى معه مزاعم الرافضة، وينكشف الأمر أمام الأتباع، وتتضح الحقيقة لكل ذي عينين بوفاة الإمام بلا عقب، حتى قالت كتب الفرق عندهم بأنه مات : " ولم ير له خلف، ولم يعرف له ولد ظاهر، فاقتسم ما ظهر من ميراثه أخوه جعفر وأمه " (5). فبدأت التنظيمات السرية تعمل لتفادي هذا الخطر المحدق قبل أن ينفرط سلك الأتباع، ويموت المذهب .
وتحكي كتب الفرق عندهم تباين اتجاهاتهم في الخروج من هذا المأزق فمنهم من قال: " إن الحسن بن علي حي لم يمت، وإنما غاب وهو القائم، ولا يجوز أن يموت ولا ولد له ظاهر لأن الأرض لا تخلو من إمام " (6).
__________
(1) الموضع نفسه من المصدر السابق .
(2) أصول الكافي (1/188)، وانظر : رجال الكشى ص (420)، علل الشرائع ص (192)، المحاسن ص(268)، وسائل الشيعة (18/141) .
(3) انظر : تهذيب الوصول إلى علم الأصول لابن المطهر ص(70)، أوائل المقالات للمفيد ص(99-100) وراجع كتب الأصول عندهم عامة .
(4) شرح جامع ( على الكافي ) للمازندراني (2/272) .
(5) المقالات والفرق ص(102)، فرق الشيعة ص(96) .
(6) المقالات والفرق ص(106)، فرق الشيعة ص(96).(87/7)
وذهبت فرقة أخرى إلى الاعتراف بموته، ولكنها قالت: بأنه حي بعد موته وهو غائب الآن وسيظهر (1). بينما فرق أخرى حاولت أن تنقل الإمامة من الحسن إلى أخيه جعفر، وأخرى أبطلت إمامة الحسن بموته عقيماً (2).
وطائفة أخرى : " وهم المسلمون بالشيعة اليوم " زعموا بأن للحسن العسكري ولداً : " وكان قد أخفى - أي الحسن - مولده، وستر أمره، لصعوبة الوقت، وشدة طلب السلطان له ... فلم يظهر ولده في حياته، ولا عرفه الجمهور بعد وفاته " (3).
وهذا الولد المزعوم والذي يقول التاريخ بأنه لا حقيقة له، هو الذي يزعم آيات الشيعة أنهم نوابه - كما سيأتي - وبواسطته تخلصوا من أهل البيت فأصبحوا يتبعون معدوماً لا وجود له .
عقيدة الغيبة عند فرق الروافض :
وفكرة الإيمان بإمام خفي، أو غائب تكاد توجد لدى معظم فرق الروافض التي وجدت في التاريخ الإسلامي (4).
فتذهب هذه الفرق بعد موت من تدعي الإمامة فيه من أهل البيت إلى إنكار موته، والقول بخلوده، واختفائه عن الناس، وعودته إلى الظهور في المستقبل، مهدياً يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً .
ولا تختلف هذه الفرق إلا في تحديد الإمام الذي تدعي له العودة، كما تختلف في تحديد الأئمة وأعيانهم، الذين يعتبر الإمام الغائب واحداً منهم .
ويعد ابن سبأ اليهودي أول من أدخل هذه العقيدة عليهم، ولذا فإن القمي والنوبختي - وهما من شيوخهم في القرن الثالث - والشهرستاني قالوا: بأن السبئية أول فرقة قالت بالوقف على علي (5) وغيبته (6).
__________
(1) المقالات والفرق ص(107)، فرق الشيعة ص(97).
(2) المقالات والفرق ص(109)، فرق الشيعة ص(100-101).
(3) الإرشاد للمفيد ص(389) .
(4) ولذلك سبب كشفته لنا وثائق الرافضة اليوم سيأتي ذكره بعد هذا البحث .
(5) أي: لم تسق الإمامة لمن بعده .
(6) انظر: المقالات والفرق للقمي ص(19-20)، فرق الشيعة للنويختي ص(22)، الملل والنحل للشهرستاني (1/174) .(87/8)
ثم انتقلت هذه الفكرة من السبئية إلى الكيسانية (1) حيث قالت لما مات محمد بن الحنفية : ( أحد أبناء أمير المؤمنين علي ) وكانت تدعي أنه إمامها قالت: " إنه حي لم يمت، وهو في جبل رضوى بين مكة والمدينة عن يمينه أسد، وعن يساره نمر، موكلان به يحفظانه إلى أوان خروجه وقيامه، وقد تغنى شعراؤهم بذلك حتى قال شاعرهم ( كثير عزة ) :
ألا إن الأئمة من قريش
عليّ والثلاثة من بنيه
فسبط سبط إيمان وبرّ
وسبط لا يذوق الموت حتى
تغيب لا يرى عنا زماناً
ولاة الحق أربعة سواء
هم الأسباط ليس بهم خفاء
وسبط غيبته كربلاء
يقود الخيل يقدمها اللواء
برضوى عنده عسل وماء (2)
وقد حددت الكيسانية مدة غيبة ابن الحنفية بسبعين عاماً، وأنه سيظل هذه المدة بحبل رضوى ؛ ثم يظهر فيقيم لهم الملك ويقتل لهم الجبابرة من بني أمية (3)، ولكن مضت السبعون سنة، ولم تتحقق هذه العودة .
__________
(1) وهي من فرق الروافض تقول: بإمامة محمد بن الحنفية، وسميت كيسانة نسبة للمختار ابن أبي عبيد الثقفي لأنه لقبه كيسان، وكذلك تسمى بالمختارية، والكيسانية فرق بلغت عند الأشعري إحدى عشرة فرقة، وقد ادعى المختار نزول الوحي عليه، وقال: بالبداء وضلالات أخرى .
انظر: عن الكيسانية: مقالات الإسلاميين (1/91)، الفرق بين الفرق ص(23، 39-53)، مسائل الإمامة للناشئ الأكبر ص(25) وما بعدها، المقالات والفرق ص(21-22) .
(2) انظر: مسائل الإمامة ص (26)، مقالات الإسلاميين (1/92-93)، الفرق بين الفرق ص (41)، وقد أوردت كتب المقالات أيضاً أشعاراً في هذا المعنى لشعراء آخرين. انظر: مسائل الإمامة ص (26-29).
وقد نظم البغداي بعض الأبيات في الرد عليها . انظر : الفرق بين الفرق ص(41-43) .
(3) مسائل الإمامة ص(27) .(87/9)
فاخترعوا عقيدة البداء (1) للتخلص من هذه المعضلة وما ماثلها، وحاول بعض شعرائهم توطين أصحابه، وتسكين ثائرتهم، وأن يرضوا بالانتظار، ولو غاب مهديهم عمر نوح - عليه السلام - فقال :
لو غاب عنا عمر نوح أيقنت
إني لأرجوه وآمله كما
منا النفوس بأنه سيؤوب
قد كان يأمل يوسف يعقوب (2)
__________
(1) وهي عقيدة حاولوا أن ينسبوا الجهل فيها إلى علام الغيوب لا إلى أئمتهم تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً، لأنهم كما يقول أحد رجال الشيعة : قد جعلوا لأئمتهم صفة الإخبار بالمغيبات فإذا أخبروا عن الأئمة بشيء من الغيب فجاء ذلك الشيء على ما قالوه افتخروا، وقالوا: ألم نعلمكم أن هذا يكون فنحن نعلم من قبل الله، وإن لم يقع ذلك الشيء الذي أخبروا بوقوعه قالوا: لشيعتهم بدأ الله في ذلك .
والبداء في الأصل عقيدة يهودية ضالة ؛ ثم قالت بالبداء فرق السبئية المدعية للتشيع، والمنتسبة لابن سبأ اليهودي، ففرق السبأية كلهم يقولون بالبداء ؛ ثم أخذ بفكرة البداء المختار بن أبي عبيدة الثقفي لأنه كان يدعي علم الغيب فكان إذا حدث خلاف ما أخبر به قال: قد بدأ لربكم .
والبداء في اللغة العربية - كما جاء في القاموس - يرد بمعنيين : الظهور والانكشاف، ونشأة الرأي الجديد، وكلاهما يستلزم سبق الجهل بالأمر، ويتنزه الله جل علاه عن ذلك .
وعقيدة البداء ورثتها الإثنا عشرية عن السبئية اليهودية، انظر: نصوص البداء عند يهود في الفصل السادس من تكوين التوراة ص(12)، وانظر: في مسألة البداء عند فرق الرافضة المقالات والفرق للقمي ص(78)، وفرق الشيعة للنوبختي ص(55)، أصول الكافي، باب البداء (1/146)، بحار الأنوار (24/92-129)، وانظر: في نقد هذه العقيدة الباطلة: الوشيعة ص(112-118)، مختصر التحفة الإنثى عشرية ص(315) .
(2) مسائل الإمامة ص(29) .(87/10)
ثم شاعت دعوى الغيبة بين فرق الروافض، فكل فرقة إذا مات إمامها أنكرت موته، وزعمت أنه غائب وسيعود، وتنفرد الإثنا عشرية عنهم بأنها زعمت وجود ولد لم يولد أصلاً، وقالت: إنه غاب وهو رضيع وسيعود، ووراء هذه الدعاوي في الغيبة سر كشفته الإثنا عشرية نفسها فاستمع إليه .
أسباب دعاوي الغيبة :
من خلال الخصومة والنزاع بين فرق الروافض حيث كل طائفة تنادي بإمام لها أو مهدي، وتكذب الأخرى، تسربت الحقيقة، استمع - مثلاً - إلى ما ترويه طائفة الإثنا عشرية من الرافضة في تكذيبها طائفة أخرى من الرافضة أيضاً، وقفت على موسى الكاظم وأنكرت موته، وادعت أنه غاب وسيرجع، وخالفت من ذهب إلى القول بإمامة ابنه من بعده فقالت: الإثنا عشرية " مات أبو إبراهيم (موسى الكاظم) وليس من قوامه (1) إلا وعنده المال الكثير، وكان ذلك سبب وقفهم وجحدهم موته، طمعاً في الأموال، كان عند زياد بن مروان القندي سبعون ألف دينار، وعند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار ... " (2). وجاءت عندهم روايات كثيرة في هذا المعنى تكشف ما خفي (3).
إذن وراء دعوى غيبة الإمام وانتظار رجعته الرغبة في الاستئثار بالأموال ... فإذا ما توفي الرجل الذي يدعون إمامته أنكروا موته لتحقيق أمرين :
الأول : لتبقى الأموال التي اكتسبوها باسمه في أيديهم ولا يسلموها لمن بعده من ذريته .
الثاني : ليستمر دفع الأموال إليهم باسم خمس الإمام الغائب .
__________
(1) نوابه ووكلاؤه وهم الذين يأكلون أموال الناس باسم خمس الإمام وحق الإمام وقد انتشروا في العالم الإسلامي في ذلك الزمان .
(2) الغيبة للطوسي ص(42-43)، الإمامة لابن بابوية ص(75)، وانظر: علل الشرائع لابن بابوية الصدوق (1/235)، رجال الكشي ص(493-498)، بحار الأنوار (48/253) .
(3) انظر: ذلك في الغيبة للطوسي ص(43) وما بعدها، ورجال الكشي، الروايات رقم (759، 871، 888، 893) .(87/11)
وهكذا تستمر عمليات النهب والسلب، والضحية هم هؤلاء السذج المغفلون الذي يدفعون أموالهم إلى أولئك المخادعين الذين زعموا بأنهم نواب الإمام الغائب .
وقد استمرت فرق الرافضة هذه الغنيمة الباردة فلا يموت إمام حتى تسارع طائفة منهم إلى إنكار موته، وإعلان غيبته، ودعوى النيابة عنه، والتبشير بعودته من قريب مهدياً يملأ الأرض عدلاً، ويدفع إليهم القناطير المقنطرة من الذهب والفضة .
وإلى اليوم يتمسك شيوخ الروافض ومراجعهم بعقيدة الغيبة ليظل هذا المال يتدفق عليهم من كل حدث وصوب فيأخذونه باسم النيابة عن الإمام الغائد حيث فرضوا على الأتباع الخمس للإمام، ويأخذه هؤلاء الآيات بلا تعب، لأنهم يقولون يجب دفع الخمس للفقيه زمن الغيبة (1). ومن لم يدفع فهو في عداد الكافرين .
يقول شيوخهم ومراجعهم : " من منع منه درهماً أو أقل كان مندرجاً في الظالمين لهم ( أي لأهل البيت ) والغاصبين لحقهم ؛ بل من كان مستحلاً لذلك كان من الكافرين " (2).
ولذا قال د. علي السالوس في السخرية بهذا المبدأ :
إن مسلمي اليوم إن أرادوا ألا يحكم عليهم الجعفرية بالكفر فعليهم أن يجمعوا خمس مكاسبهم ورؤوس أموالهم، ويبعثوا بها إلى علماء الجعفرية (3).
ويقول : " من واقع الجعفرية في هذه الأيام نجد أن من أراد أن يحج يقوم كل ممتلكاته جميعاً ؛ ثم يدفع خمس قيمتها إلى الفقهاء الذين أفتوا بوجوب هذا الخمس، وعدم قبول حج من لم يدفع، واستحل هؤلاء الفقهاء أموال الناس بالباطل " (4).
قلت: ولعل هذا هو أحد العوامل في حرص حكومة الآيات على زيادة حصتهم من عدد الحجاج في كل عام، مع أن مسألة الخمس الذي يقول به هؤلاء لا يعرفها دين الإسلام .
__________
(1) انظر: النور الساطع، لشيخهم المعاصر علي كاشف الغطا (1/439) .
(2) العروة الوثقى، لليزدي وبهامشها تعليقات مراجعهم في هذا العصر، ج(2)، ص(366) .
(3) أثر الإمامة في الفقه الجعفري ص(394) .
(4) أثر الإمامة ص(391) .(87/12)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " وأما ما تقوله الرافضة من أن خمس مكاسب المسلمين يؤخذ منهم، ويصرف إلى من يرونه هو نائب الإمام المعصوم أو إلى غيره فهذا قول لم يقله قط أحد من الصحابة لا على ولا غيره، ولا أحد من التابعين لهم بإحسان، ولا أحد من القرابة لا بني هاشم ولا غيرهم .
وكذلك من المعلوم بالضرورة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يخمس أموال المسلمين ولا طالب أحداً قط من المسلمين بخمس ماله (1).
وهذه الأموال التي يأخذها الآيات باسم حق الإمام الغائب تتدفق اليوم عليهم كالسيل من كل قطر، وهي من أكبر العوامل على بقاء خرافة الغيبة إلى اليوم، وإليها يعزي حماس الروافض في الدفاع عن مذهبهم لأنهم يرون فيمن يمس المذهب أنه يحاول قطع أرزاقهم ؛ بل لعل هذا من أسباب بقاء الخلاف وتوسيع نطاقه مع سائر المسلمين، ولذا قال د. السالوس: " واعتقد أنه لولا هذه الأموال لما ظل الخلاف قائماً بين الجعفرية وسائر الأمة الإسلامية إلى هذا الحد فكثير من فقهائهم يحرصون على إذكاء هذا الخلاف حرصهم على هذه الأموال " (2).
هذا وثمة أسباب أخرى لنشوء فكرة الغيبة عندهم منها تطلع الرافضة إلى قيام كيان سياسي لهم، مستقل عن دولة الإسلام وهذا ما نلمسه في اهتمامهم بمسألة الإمامة، ولما خابت آمالهم، وغلبوا على أمرهم، وانقلبوا صاغرين هربوا من الواقع إلى الآمال والأحلام كمهرب نفسي ينقذون به أنفسهم من الإحباط، وشيعتهم من اليأس، فأخذوا يبثون الأمل ويبعثون الرجاء في نفوس أصحابهم ويمنونهم بأن الأمر سيكون في النهاية لهم .
ومنها أن التشيع كان مأوى قلوب أصحاب النحل والأهواء، لأنهم يجدون من خلاله الجو المناسب لتحقيق أهدافهم والعودة أي معتقداتهم فانضم إلى ركب التشيع أصناف من أصحاب النحل، والاتجاهات الغالية وكان هذا الخليط يشطح بالشيعة نحو معتقداته الموروثة .
__________
(1) منهاج السنة (3/154) .
(2) أثر الإمامة ص(408) .(87/13)
ولهذا نجد مسألة الغيبة لها جذورها في بعض الديانات والنحل مما لا يستبعد معه أن لأتباع تلك الديانات دوراً في تأسيس هذه الفكرة في أذهان الشيعة كالمجوسية مثلاً، فالمجوس تدعي أن لهم منتظراً حياً باقياً من ولد بشتاسف بن بهراسف يقال له إبشاوثن وأنه في حصن عظيم من (1) خرسان والصين (2).
النيابة عن المنتظر :
أرسيت دعائم فكرة الغيبة لولد الحسن العسكري، وكان لابد من وجود وكيل مفوض يتولى شؤون الأتباع في أثناء فترة الاحتجاب، ويكون الواسطة والباب للغائب في السرداب ، أو في جبال رضوى ، أو وديان مكة - على اختلاف أخبارهم - فكان أول زعيم يتولى شؤون الشيعة - كما كشفت ذلك أوراق الإثنا عشرية - هي امرأة ( وما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (3)، إذ بعد وفاة الحسن العسكري، وإشاعة وجود الولد المختفي، وبقاء الشيعة بدون إمام ظاهر، بدأ الشيعة يتساءلون إلى من يرجعون، ففي سنة (262هـ) أي: بعد وفاة الحسن العسكري بسنتين، توجه بعض الشيعة (4) إلى بيت الحسن العسكري وسأل - كما تقول الرواية - خديجة بنت محمد ابن علي الرضا عن ولد الحسن العسكري المزعوم، فسمته (5)، يقول راوي الخبر : " قلت لها فأين الولد ؟ قالت : مستور، فقلت: إلى من تفزع الشيعة ؟ قالت: إلى الجدة أم أبي محمد عليه السلام " (6).
__________
(1) لعلها ( بين ) .
(2) تثبيت دلائل النبوة (1/19) .
(3) البخاري ، كتاب المغازي ، باب : كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى كسرى وقيصر (5/136) ، وكتاب الفتن (8/97)، والترمذي، كتاب الفتن (4/527-528)، 2262، والنسائي، باب النهي عن استعمال النساء في الحكم (8/227)، وأحمد (5/43)، 51 .
(4) وهو كما تقول الرواية أحمد بن إبراهيم، وانظر: رجال حلي ص(16) .
(5) يلحظ أنهم يحرمون تسميته حتى قالوا من سماه باسمه فهو كافر .
(6) الغيبة للطوسي ص(138) .(87/14)
ويبدو أن رجال الرافضة أرادوا أن تبقى النيابة عن الغائب في بيت الحسن العسكري، فأشاعوا بين أتباعهم في بداية الأمر أن أم الحسن العسكري هي الوكلية المنتظرة، فهي الرئيسة العامة للمسلمين !! ( بالنيابة ) . ويظهر أن هذا " التعيين " كان القصد منه إيجاد الجو المناسب لنمو هذه الفكرة بين الأتباع لأن أم الحسن هو الوصية للحسن بعد وفاته كما تذكر أخبار الشيعة، فكان من الطبيعي أن تتولى عن ابنه، إلا أن محاربة بين الحسن العسكري لفكرة الولد قد وجه رجال الشيعة إلى اختيار رجل من خارج أهل البيت، ولهذا جاء في الغيبة للطوسي " ولد الخلف المهدي صلوات الله عليه سنة ست وخمسين ومائتين، ووكيله عثمان بن سعيد، فلما مات عثمان بن سعيد، أوصى إلى أبي جعفر محمد بن عثمان، وأوصى أبو جعفر إلى أبي القسام الحسين بن روح، وأوصى أبو القسام إلى أبي الحسن علي بن محمد السمري ... " (1).
فهؤلاء النواب الأربعة لهم ما للإمام من حق الطاعة، وثقة الرواية، جاء في الغيبة للطوسي: أن الحسن العسكري قال: "هذا إمامكم من بعدي (وأشار إلى ابنه) وخليفتي عليكم أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم، ألا وإنكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتى يتم له عمر قاقبلوا من عثمان (الباب الأول) ما يقوله: وانتهوا إلى أمره فهو خليفة إمامكم والأمر إليه"(2). فما قاله لكم فعني بقوله، وما أدى إليكم فعني يؤديه(3).
وهكذا أصبح للباب حق النيابة عن الإمام والأمر إليه، لقوله صفة القداسة والعصمة، لأنه ينطق عن الإمام، ويؤدي عنه، ولذلك فإن من خالف هؤلاء الأبواب حلت به اللعنة، واستحق النار . كما جاء في التواقيع التي خرجت من المنتظر في حق من خالف هؤلاء الأبواب (4).
__________
(1) الغيبة للطوسي ص(241-242) .
(2) الغيبة للطوسي ص(217) .
(3) السابق ص(15) .
(4) انظر: الغيبة للطوسي ص(244) .(87/15)
إذن مسألة النيابة لهؤلاء الأربعة تخولهم التشريع، لأنهم ينطقون عن المعصوم، وللمعصوم حق تخصيص، أو تقييد، أو نسخ نصوص الشريعة، ولذلك كان للتوقيعات الصادرة منهم نفس المنزلة التي لكلام الإمام .
وكذلك تخولهم إصدار صكوك الغفران أو الحرمان، وأخذ أموال الوقف والزكاة والخمس باسم الإمام ، ولكن هذه النيابة انتهت إذ "لما حضرت السمري الوفاة سئل أن يوصي فقال: لله أمر هو بالغه، فالغيبة التامة هي التي وقعت بعد السمري " (1).
وقد يكون من أهداف موافقة القواعد الشيعية لإغلاق السمري للبابية وإشاعة ذلك بين الأتباع هو المحافظة على فكرة غيبة المهدي من افتضاح حقيقتها وانكشاف أمرها، حيث كثر الراغبون فيها من شيوخ الشيعة ولاسيما في عهد سلفه أبي القاسم بن روح، وعظم النزاع بينهم، ووصل الأمر إلى التلاعن والتكفير والتبري، كما يلحظ ذلك في التوقيعات التي خرجت على يد الأبواب منسوبة للمنتظر (2). فأغلق السمري حكاية البابية .
وهنا حصل تطور آخر في مسألة النيابة، وفي المذهب الشيعي عموماً، حيث جعلت النيابة حقاً مطلقاً للشيوخ، فقد أصدرت الدوائر الإثنا عشرية " توقيعاً " منسوباً للمنتظر الموهوم . وخرج بعد إعلان انتهاء البابية على يد السمري يقول التوقيع : " أما الوقائع الحادثة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله " (3) فأعلن انقطاع الصلة المباشرة بالمهدي وفوض أمر النيابة عن المنتظر إلى رواة حديثهم واضعي أخبارهم .
__________
(1) الغيبة للطوسي ص(241-242) .
(2) انظر: المصدر السابق ص(244) وما بعدها .
(3) الكافي-مع شرحه مرآة العقول-(4/55)، إكمال الدين ص(451)، الغيبة للطوسي ص(177)، الاحتجاج للطبرسي ص(163)، وسائل الشيعة(18/101)، محمد مكي العاملي، الدرر الطاهرة ص(47).(87/16)
ولقد حقق هذا " الإعلان " مجموعة من الأهداف، فقد أصبحت دعوى البابية غير مقصورة على واحد، لئلا تنكشف حقيقة أمره بسهولة، وبمجرد مراقبة مجموعة له، ولذلك يلاحظ كثرة الشك والتكذيب في فترات الغيبة الأولى .
كما أن ذلك خفف التنافس على البابية التي كان لها آثارها، فبقيت مشاعة بين شيوخ الشيعة، وأطلق على انقطاع البابية الخاصة وتحولها إلى نيابة عامة، الغيبة الكبرى، فصار للإمام غيبتنا صغرى وكبرى رغم أن لهم روايات لا تتحدث إلا عن غيبة واحدة (1).
ولكن وضعت روايات تناسب هذا الوضع وتتحدث عن غيبتين يقول بعضها: " قال أبو عبد الله عليه السلام للقائم غيبتان إحداهما: قصيرة، والأخرى: طويلة، الأولى لا يعلم بمكانه إلا خاصة شيعته، والأخرى لا يعلم إلا خاصة مواليه في دينه " (2).
__________
(1) جاءت عندهم روايات صنعت - فيما يبدو - في الفترة الأولى من موت الحسن العسكري تحكي غيبة الابن المزعوم للحسن العسكري، يقول بعضها : " إن بلغكم عن صاحبكم غيبة فلا تنكروها " أصول الكافي (1/340) .
فكأن هذه الرواية تلقي بفكرة الغيبة على الأتباع بدون تأكيد لتحسس ردة الفعل وتحسب لها حسابها، وهي تذكر بأن له غيبة واحدة .
وتؤكد بعض روايتهم بأنه بعد هذه الغيبة سيظهر، جاء في الكافي " عن أم هاني قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي عليهما السلام عن قول الله تعالى : { فلا أقسم بالخنس * الجوار الكنس } سورة التكوير، الآية: (15-16)، قالت: فقال: إمام يخنس سنة ستين ومائتين ثم يظهر، فما بعد غيبته إلا الظهور . أصول الكافي (1/341) . فإعلان السمري البابية قد يراد منه إشعارهم بقرب الظهور، ولكن مرت الأيام والسنون ولم يظهر .
(2) الغيبة للنعماني ص(113) .(87/17)
فأنت ترى أن هذه الرواية أثبتت له غيبتين الأولى يتصل به خاصة شيعته وهذا قد يكون إشارة إلى السفراء الذين تناوبوا على دعوى البابية، والأخرى يتصل به خاصة مواليه، وقد أشارت رواية في الكافي إلى أن عددهم ثلاثون (1)، فلم تنف رواياته الصلة المباشرة بالمنتظر في الحالتين رغم أن السمري حينما حل وظيفة البابية أصدر توقيعاً على لسان المنتظر يقول فيه :
" من ادعى المشاهدة للمنتظر فهو كذاب مفتر " (2). وإن شيوخهم يقولون: بأنه وقعت في الغيبة الكبرى المحرومية العظمى من الإمام، يقول شيخهم النعماني بعد ذكره لأخبارهم في الغيبتين : " هذه الأحاديث التي يذكر فيها أن للقائم غيبتين أحاديث قد صحت عندنا " .
فأما الغيبة الأولى فهي الغيبة التي كانت السفراء فيها بين الإمام عليه السلام وبين الخلق منصوبين ظاهرين موجودي الأشخاص والأعيان، يخرج على أيديهم الشفاء من العلم وعويص الحكمة والأجوبة (3) عن كل ما كان يسأل عنه من المعضلات والمشكلات، وهي الغيبة القصيرة التي انقضت أيامها وتصرمت مدتها . والغيبة الثانية : هي التي ارتفع فيها أشخاص السفراء والوسائط (4).
__________
(1) انظر: أصول الكافي (1/340) .
(2) إكمال الدين لابن بابوية (2/193)، الغيبة للطوسي ص(257) .
(3) هذه الأجوبة هي - حسب ما جاء في كتب الإثنا عشرية - من وضع جاهل بالإسلام، أو ملحد أراد أن ينسب إلى دين الله تلك الشذوذات ليصد الناس عن سبيل الله، ففيها إقرار الشرك بالله، ومخالفة إجماع المسلمين في مسائل كثيرة، ومناقضة للعقول الصريحة والفطرة السليمة، ومع ذلك هي عندهم من أوثق السنن {فمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء } سورة فاطر، الآية: (8)
انظر: في هذه الأجوبة كتب الغيبة عند الإثنا عشرية، والاحتجاج للطبرسي (2/277) وما بعدها، بحار الأنوار (53/150-246) وغيرها .
(4) الغيبة للنعماني ص(115) .(87/18)
ولكن شيوخ الروافض يدعون في فترة الغيبة الثاني النيابة عن الإمام المنتظر ويستندون في ذلك على التوقيع الذي أظهره السمري عن منتظرهم، والذي يحيلهم إلى رواة حديثهم في كل الحوادث الواقعة الجديدة .
فيلحظ أنه لم يحلهم على الكتاب والسنة، وإنما أرجعهم إلى الشيوخ، وقد تبوأ شيوخ الرفض بذلك منصب النيابة عن الغائب واستمدوا القداسة بين الأتباع بفضل هذه النيابة عن الإمام الذي أضفوا عليه تلك الصفات الخارقة، والفضائل الكاملة، ولذلك يطلقون على شيوخهم الذين وصلوا إلى منصب " النيابة عن الإمام " اسم "المراجع وآيات الله " فهم مظاهر الإمام المعصوم ولذلك يقرر أحد شيوخهم المعاصرين بأن الراد على النائب عن الإمام كالراد على الله تعالى، وهو على حد الشرك بالله، وذلك بمقتضى عقيدة النيابة . يقول شيخهم المظفر : عقيدتنا في المجتهد الجامع للشرائط، أنه نائب للإمام في الفصل في القضايا والحكومة بين الناس، والراد عليه راد على الإمام، والراد على الإمام راد على الله تعالى، وهو على حد الشرك كما جاء في الحديث عن صادق آل البيت - عليهم السلام - فليس المجتهد الجامع للشرائط مرجعاً في الفتيا فقط ؛ بل له الولاية العامة فيرجع إليه في الحكم والفصل والقضاء، وذلك من مختصاته لا يجوز لأحد أن يتولاها دونه إلا بإذنه، كما لا يجوز إقامة الحدود والتعزيزات إلا بأمره وحكمه . ويرجع إليه في الأموال التي هي من حقوق الإمام ومختصاته .
وهذه المنزلة أو الرئاسة العامة أعطاها الإمام عليه السلام للمجتهد الجامع للشرائط ليكون نائباً عنه في حال الغيبة، ولذلك بيسمى : " نائب الإمام " (1).
__________
(1) عقائد الإمامية ص(57) .(87/19)
فأنت ترى أن شيوخ الرافضة تخلوا عن آل البيت رأساً، وتعلقوا بهذا المعدوم، ووضعوا أنفسهم مكان الإمام من أهل البيت باسم هذا المعدوم، وهذه غنيمة كبيرة، لذلك ما إن اتفقوا عليها - بعد إخفاق فكرة البابية المباشرة - حتى اختفت الخلافات على منصب البابية، ورجعت فرق شيعية كثيرة، فدانت بهذه الفكرة، لأنها تجعل من كل واحد من تلك الرموز الشيعية " إماماً " و " مهدياً " و " حاكماً مطلقاً مطاعاً " و " جابياً للأموال " ولا يقاسمهم في ذلك أحد من أهل البيت، ولا يفضحهم ويكشف أوراقهم رجل من أهل البيت .
ويبدو من التوقيع المنسوب للمنتظر أنه يجعل لشيوخ الطائفة حق النيابة في الفتوى حول المسائل الجديدة إذ هو يقول : " فأما المسائل الواقعة فأرجعوا فيها إلى رواية حديثنا " كما سلف ، ولا يخولهم النيابة العامة، ولكن الشويخ توسعوا في مفهوم النيابة حتى وصلت إلى قمة غلوها في هذا العصر على يد الخميني وأتباعه كما سيأتي .
وكما نلحظ شيئاً من هذا في تقرير شيخهم المظفر لعقيدتهم في هذا الشأن، وكما تراه في دولتهم الحاضرة .
وقد كان لهؤلاء دعاوي عريضة حول الصلة بالمهدي بعد غيبته الكبرى، حتى ألف بعض شيوخهم المعاصرين كتاباً في هذا سماه " جنة المأوى فيمن فاز بلقاء الحجة ومعجزاته في الغيبة الكبرى " (1).
مسألة النيابة أو ولاية الفقيه :
تعتقد الإثنا عشرية أن الولاية العامة على المسلمين منوطة بأشخاص معينين بأسمائهم وعددهم، قد اختارهم الله كما يختار أنبياءه (2) .
وهؤلاء الأئمة أمرهم كأمر الله، وعصمتهم كعصمة رسل الله،وفضلهم فوق فضل أنبياء الله .
__________
(1) وهو من تأليف المجوسي اللعين كما يلقبه محب الدين الخطيب، ويسمى حسين النووي الطبرسي (ت132هـ) وهو صاحب كتاب " فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب " الذي يعد العار الأكبر والفضيحة الكبرى على شيعة خميني أبد الدهر .
(2) انظر: أصل الشيعة وأصولا ص(58) .(87/20)
ولكن آخر هؤلاء الأئمة - حسب اعتقادهم - غائب منذ سنة (260هـ ) ولذا فإن الإثنا عشرية أن يلي أحد منصبه في الخلافة حتى يخرج من مخبئه، فيقولون : " كل راية ترفع قبل راية القائم فصاحبها طاغوت " (1).
قال شارح الكافي : وإن كان رافعها يدعو إلى الحق (2).
وعلى هذا مضى شيعة القرون الماضية ... وقد استطاعوا أن يأخذوا " مرسوماً إمامياً " وتوقيعاً من الغائب - على حد زعمهم - يسمح لشيوخهم أن يتولوا بعض الصلاحيات الخاصة به، لا كل الصلاحيات وهذا التوقيع يقول: " أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا " (3) - كما مر - .
وواضح من خلال هذا " النص " أنه يأمرهم بالرجوع في معرفة أحكام الحوادث الواقعة والجديدة إلى شيوخهم .
ولذا استقر الرأي عند الشيعة على أن ولاية فقهائهم خاصة بمسائل الإفتاء وأمثالها، كما ينص عليه " توقيع المنتظر " أما الولاية العامة التي تشمل السياسة وإقامة الدولة، فهي من خصائص الغائب وهي موقوفة حتى يرجع من غيبته، ولذلك عاش أتباع هذا المذهب وهم ينظرون إلى خلفاء المسلمين على أنهم غاصبون مستبدون، ويتحسرون لأنهم قد استولوا على سلطان إمامهم، ويدعون الله في كل لحظة على أن يعجل بفرجه حتى يقيم دولتهم، ويتعاملون مع الحكومات القائمة بمقتضى عقيدة التقية عندهم، لكن غيبة الحجة طالت، وتوالت قرون قاربت الإثنا عشرية دون أن يظهر، والشيعة محرومون من دولة شرعية حسب اعتقادهم، فبدل فكرة القول بنقل وظائف المهدي للفقيه تداعب أفكار المتأخرين منهم .
__________
(1) الكافي " مع شرحه للمازندراني " (12/371) .
(2) شرح جامع للمازندراني (12/371) .
(3) الكافي " مع شرحه مرآة العقول " (4/55)، إكمال الدين ص(451)، وسائل الشيعة (18/101) .(87/21)
وقد أشار الخميني إلى أن شيخهم النراقي (1) (ت1245هـ)، والنائيني (2) (ت1355هـ) قد ذهبا إلى أن للفقيه جميع ما للإمام من الوظائف والأعمال في مجال الحكم والإدارة والسياسة (3).
ولم يذكر الخميني أحداً من شيوخهم نادى بهذه الفكرة قبل هؤلاء ولو وجد لذكرة، لأنه يبحث عما يبرر مذهبه . فإذاً : عقيدة عموم ولاية الفقيه لم توجد عند الإثنا عشرية قبل القرن الثالث عشر .
وقد التقط الخميني هذا الخيط الذي وضعه من قبله، وراح ينادي بهذه الفكرة، وضرورة إقامة دولة برئاسة نائب الإمام لتطبيق المذهب الشيعي فهو يقول :
" واليوم - في عهد الغيبة - لا يوجد نص على شخص معين يدير شؤون الدولة، فما هو الرأي ؟ هل تترك أحكام الإسلام معطلة ؟ أم نرغب بأنفسنا عن الإسلام ؟ أم نقول إن الإسلام جاء ليحكم الناس قرنين من الزمان فحسب ليهملهم بعد ذلك ؟ أو نقول إن الإسلام قد أهمل أمور تنظيم الدولة ؟ ونحن نعلم أن عدم وجود الحكومة يعني ضياغ ثغور الإسلام وانتهاكها، ويعني تخاذلنا عن أرضنا، هل يسمح بذلك في ديننا ؟ أليست الحكومة يعني ضرورة من ضرورات الحياة " (4).
__________
(1) أحمد بن محمد مهدي النراقي الكاشاني (1185-1245هـ) .
(2) حسين بن عبد الرحمن النجفي النائيني (1273-1355هـ) .
(3) الحكومة الإسلامية للخميني ص(74) .
(4) الحكومة الإسلامية ص(48) .(87/22)
ويقول في موضع آخر : " قد مر على الغيبة الكبرى لإمامنا المهدي أكثر من ألف عام، وقد تمر ألوف السنين قبل أن تقتضي المصلحة قدوم الإمام المنتظر في طول هذه المدة المديدة، هل تبقى أحكام الإسلام معطلة ؟ يعمل الناس من خلالها ما يشاءون ألا يلزم من ذلك الهرج والمرج . القوانين التي صدع بها نبي الإسلام - صلى الله عليه وسلم - وجهد في نشرها، وبيانها وتنفيذها طيلة ثلاثة وعشرين عاماً، هل كان كل ذلك لمدة محدودة ؟ هل حدد الله عمر الشريعة بمائتي عام مثلا ؟ الذهاب إلى هذا الرأي أسوأ في نظري من الاعتقاد بأن الإسلام منسوخ " (1).
ثم يقول : " إذن فإن كل من يتظاهر بالرأي القائل بعدم ضرورة تشكيل الحكومة الإسلامية فهو ينكر ضرورة تنفيذ أحكام الإسلام، ويدعو إلى تعطيلها وتجميدها، وهو ينكر بالتالي شمول وخلود الدين الإسلامي الحنيف " (2). فخميني يرى لهذه المبررات التي ذكرها ضرورة خروج الفقيه الشيعي وأتباعه للاستيلاء على الحكم في بلاد الإسلام نيابة عن المهدي، وهو يخرج بهذا عن مقررات دينهم ويخالف نصوص أئمته الكثيرة في ضرورة انتظار الغائب وعدم التعجيل بالخروج (3).
__________
(1) المصدر السابق ص(26) .
(2) المصدر السابق ص(26-27) .
(3) فعقيدة الانتظار من أصول شيعتهم السابقين ، وقد عقد شيخهم النعماني باباً لها في كتابه الغيبة ص(129) وجاءت رواياتهم كثيرة في هذا الباب مثل : " كونوا أحلاس بيوتكم فإن الفتنة على من أثارها "، الغيبة للنعماني ص(131)، ( أوصيك بتقوى الله، وأن تلزم بيتك، وإياك والخوارج منا فإنهم ليسوا على شيء ولا إلى شيء " قال المجلسي: " والخوارج منا " أي: مثل زيد وبني الحسن " بحار الأنوار (52/136)، الغيبة للنعماني ص(129)، فأنت ترى أن أصولهم تمنع الخوارج ولو كان عن طريق أهل البيت كزيد وبني الحسن فكيف بمن عداهم من شيوخ الشيعة ؟! .(87/23)
بل إن أحد آياتهم ومراجعهم في هذا العصر يقول : " وقد توافرت عنهم (ع) حرمة الخروج على أعدائهم وسلاطين عصرهم " (1)، وذلك أن منصب الإمامة لا يصلح عندهم إلا المنصوص عليه من عند الله ولا يعني رضاهم بهذه الحكومات .
وهذه المبررات التي ساقها الخميني لبيان ضرورة إقامة الدولة الشيعية، ونيابة الفقيه عن المهدي في رئاستها كان ينبغي أن توجه وجهة أخرى لو كان لشيوخ الشيعة صدق في القول ونصح لأتباعهم، وهذه الوجهة هي نقد المذهب من أصله الذي قام على خرافة الغيبة وانتظار الغائب، والذي انتهى بهم إلى هذه النهاية .
وعلى كل فهذه شهادة مهمة وخطيرة من هذا الحجة والآية على فساد مذهب الرافضة من أصله، وأن إجماع طائفته كل القرون الماضية كان على ضلالة، وأن رأيهم في النص على إمام معين، والذي نازعوا من أجله أهل السنة طويلاً وكفروهم أمر فاسد أثبت التاريخ والواقع فساده بوضوح تام، وها هم يضطرون للخروج عليه بقولهم ( بعموم ولاية الفقيه ) بعد أن تطاول عليهم الدهر، ويئسوا من خروج من يسمونه صاحب الزمان، فاستولوا حينئذ على صلاحياته كلها، وأفرغ الخميني كل مهامه ووظائفه لنفسه، ولبعض الفقهاء من بني جنسه ودينه، لأنه يرى ضرورة تولي مهام منصب الغائب في رئاسة الدولة . ومن أجل إقناع طائفته بهذا المبدأ ألف كتابه " الحكومة الإسلامية " أو " ولاية الفقيه " .
وهو لا يوافق على ولاية كل أحد أمور الدولة ؛ بل يخصص ذلك بفقهاء الشيعة، ويحصر الحكم والسلطان بهم، حيث يقول : " وبالرغم من عدم وجود نص على شخص من ينوب عن الإمام (ع) حال غيبته، إلا أن خصائص الحاكم الشرعي... موجودة في معظم فقهائنا في هذا العصر، فإذا أجمعوا أمرهم كان في ميسورهم إيجاد، وتكوين حكومة عادلة منقطعة النظير " (2).
__________
(1) محمد الحسيني البغدادي النجفي (يلقب بالآية العظمى، والمراجع الديني الأعلى) في كتابه وجوب النهضة لحفظ البيضة ص(93) .
(2) الحكومة الإسلامية ص(48-49) .(87/24)
أقول : إذا كانت حكومة الآيات، والفقهاء لا مثيل لها في العدل -كما يقول- فما حاجتهم لخروج المنتظر إذاً ؟.
وهو يرى أن ولاية الفقيه الشيعي كولاية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: « فالله جعل الرسول ولياً للمؤمنين جميعاً ... ومن بعده كان الإمام (ع) ولياً، ومعنى ولايتها أن أوامرهما الشرعية نافذة في الجميع » (1)؛ ثم يقول: " نفس هذه الولاية والحاكمية موجدة لدى الفقيه، بفارق واحد هو أن ولاية الفقيه على الفقهاء الآخرين لا تكون بحيث يستطيع عزلهم، أو نصبهم، لأن الفقهاء في الولاية متساوون من ناحية الأهلية " (2).
فنظرية الخميني - كما ترى - ترتكز على أصلين :
الأول : القول بالولاية العامة للفقيه .
والثاني : أنه لا يلي رئاسة الدولة إلا الفقيه الشيعي .
وهذا خروج عن دعوى تعيين الأئمة، وحصرهم بإثني عشر، لأن الفقهاء لا يحصرون بعدد معين، وغير منصوص على أعيانهم فيعني هذا أنهم عادوا لمفهوم الإمامة حسب مذهب أهل السنة - إلى حد ما (3) - وأقروا بضلال أسلافهم وفساد مذهبهم بمقتضى هذا القول .
لكنهم يعدون هذا المبدأ ( ولاية الفقيه ) نيابة عن المهدي حتى يرجع، فهم لم يتخلوا عن أصل مذهبهم ولهذا أصبح هذا الاتجاه - في نظري - لا يختلف عن مذهب البابية لأنه يزعم أن الفقيه الشيعي هو الذي يمثل المهدي، كما أن الباب يزعم ذلك، ولعل الفارق أن الخميني يعد كل فقهائهم أبواباً .
__________
(1) الحكومة الإسلامية ص(51) .
(2) الموضع نفسه من المصدر السابق .
(3) أقول - إلى حد ما - لأنهم خرجوا من حصر الإمامة بالشخص إلى حصرها بالنوع وهو الفقيه الشيعي .(87/25)
وإن شئت قلت إن هذا المبدأ أخرج "المهدي المنتظر" عند الروافض، لأن صلاحياته ووظائفه أناطها بالفقيه؛ بل إن هذا المبدأ لم يخرج " مهدياً " واحداً بل أخرج العشرات، لأن كثيراً من شيوخهم وآياتهم لهم الأحقية بهذا المنصب يقول خميني: "إن معظم فقهائنا في هذا العصر تتوفر فيهم الخصائص التي تؤهلهم للنيابة عن الإمام المعصوم " (1).
ويقتضي هذه النيابة يكون أمرهم كأمر الرسول حيث يقول : " هم الحجة على الناس كما كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - حجة الله عليهم، وكل من يتخلف عن طاعتهم، فإن الله يؤاخذه ويحاسبه على ذلك " (2).
ويقول: " وعلى كل فقد فرض إليهم (يعني إلى شيوخ الروافض ) الأنبياءُ جميع ما فُوض إليهم، وائتمنوهم على ما اؤتمنوا عليه " (3).
بل أشار إلى أن دولة الفقيه الشيعي كدولة مهديهم الموعودة، وقال : " كل ما يفقدنا(4) هو عصا موسى، وسيف علي بن أبي طالب (5) (ع) وعزيمتهما الجبارة، وإذا عزمنا على إقامة حكم إسلامي سنحصل على عصا موسى، وسيف علي بن أبي طالب (6).
والجمع بين عصا موسى، وسيف علي بن أبي طالب كناي - فيما يبدو لي - عن تعاون اليهود مع الشيعة في دولة الآيات، وهذا ما وقع بعضه في دولتهم الحاضرة، كما في فضائح صفقات الأسلحة والتعاون السري بينهما الذي تناقلته وكالات الأنباء واشتهر أمره .
والخميني يقرر أن تشكيل الحكومة الشيعية لم يقع من شيعته الماضين حيث يقول: " في السابق لم نعمل ولم ننهض سوية لتشكيل حكومة تحطم الخائنين المفسدين " (7).
__________
(1) الحكومة الإسلامية ص(113) .
(2) الحكومة الإسلامية ص(80) .
(3) الموضع نفسه من المصدر السابق .
(4) يريد أن يقول كل ما نفقده أو : ينقصنا .
(5) وهذه من مواريث المهدي عن الأنبياء والأئمة، انظر: أصول الكافي (1/231) .
(6) الحكومة الإسلامية ص(135) .
(7) الحكومة الإسلامية ص(40) .(87/26)
ويقول: " ولم تسنح الفرص لأئمتنا للأخذ بزمام الأمور، وكانوا بانتظارها حتى آخر لحظة من الحياة، فعلى الفقهاء العدول أن يتحينوا هم الفرص وينتهزونها من أجل تنظيم وتشكيل حكومة " (1).
وقد قامت حكومات شيعية، ولكنها ليست محكومة من قبل " الآيات " و "نواب المعصوم" ولذا عدوا حكومتهم الحاضرة أول دولة إسلامية (يعني شيعية) .
قال بعض الروافض : " إن الخميني " أسس الجمهورية الإسلامية العظمى في إيران ... لأول مرة في تاريخ الإسلام وحقق حلم الأنبياء، والرسول الأعظم - صلى الله عليه وسلم - والأئمة المعصومين عليهم السلام (2).
ويرى آيتهم " الطالقاني " أن حكومة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه لا تصل إلى مقام دولتهم، وأنها تمهيد لقيامها، حيث يقول: " إننا نعتقد أن الجمهورية الإسلامية هي المؤهلة للحياة في هذا الزمان، ولم تكن مؤهلة للحياة في فجر الإسلام ... إن التحولات الاجتماعية والسياسية التي شهدها العالم منذ الرسول - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدين وحتى اليوم هي التي توفر الأساس الموضوعي لقيام الجمهورية الإسلامية " (3).
فأنت ترى أن طبيعة النظر الشيعية تجنح دائماً إلى الغلو، وتقديس الأشخاص، والتطرف في الاعتقادات ... كما ترى في نظرة طالقاني إلى جمهورية خميني ؛ بل ادعى بعضهم أن خميني قد بشر به أئمتهم من قبل (4).
__________
(1) الحكومة الإسلامية ص(54) .
(2) أحمد الفهري ( ويلقبونه بالعلامة ) في تقديمه لكتاب سر الصلاة للخميني ص(10) .
(3) نشرت ذلك جريرة السفير اللبنانية بتاريخ 31/3/1979م، وقد نقل ذلك: محمد جواد مغنية واعتبره فهماً جديداً للجمهورية الإسلامية لا يقوله إلا من عاش الإسلام بقلبه وعقله، وانظر: الخميني والدولة الإسلامية ص(113) .
(4) محمد جواد مغنية، الخميني والدولة الإسلامية ص(38-39) .(87/27)
هذا وسيأتي في البروتوكولات نقل ما ترويه الشيعة عن سيرة مهديهم بعد عودته من غيبته - حسب اعتقادهم - وأنه لا همّ له ولا عمل إلا القتل والانتقام، حتى يقولون إنه بعث : " بالجفر الأحمر " وبالذبح وإنه يخص العرب بمجازره ...الخ ، ونجد اليوم هذه السيرة المزعومة قد بدت ملامحها في دولة الآيات فور ظهورها، حيث بدأ الخميني وأعوانه مشروع دولة المهدي بمجازرهم الرهيبة في داخل إيران وخارجها.
والحقيقة إن واضعي روايات القتل العام الموعود بعد خروج الغائب المفقود يدركون أن مسألة الغيبة والمهدية لا تعدو أن تكون وهماً من الأوهام ولكنهم يعبرون عما تكنه صدورهم، وتجيش به نفوسهم من أحقاد، وكذلك معظم شيوخ الشيعة غالبهم زنادقة يعرفون أن المهدي خرافة، ولذلك فهم إذا واتتهم فرصة لتحقيق أمانيهم في قتل المسلمين اهتبلوها ؛ بل ينتظروا فيها خروج مهديهم، لأنه يعرفون أنه لن يخرج أبداً، لأنه لم يوجد أصلاً ولا أدل على ذلك من أن الخميني نفسه قبل قيام دولتهم يقرر في كتابه " تحرير الوسيلة " أن لا يجوز بسبب غيبة مهديهم البدء في الجهاد فيقول: " في عصر غيبة ولي الأمر وسلطان العصر عجل الله فرجه الشريف يقوم نوابه، وهم الفقهاء الجامعون لشرائط الفتوى، والقضاء مقامه في إجراء السياسات، وسائر ما للإمام عليه السلام إلا البدأة بالجهاد " (1).
ولكنه حينما أقام دولته قرر في دستورها : " أن جيش الجمهورية الإسلامية .. لا يتحملان فقط مسؤولية حفظ وحراسة الحدود، وإنما يتكفلان أيضاً بحمل رسالة عقائدية أي: الجهاد في سبيل الله، والنضال من أجل توسع حاكمية قانون الله في كافة أرجاء العالم " (2).
__________
(1) تحرير الوسيلة (1/482) .
(2) الدستور لجمهورية إيران الإسلامية ص(16)، منشورات مؤسسة الشهيد، وانظر: الطبعة الأخرى من الدستور، التي أصدرتها وزارة الإرشاد الإيرانية ص(10) .(87/28)
فأنت ترى التناقض واضحاً، فهو في تحرير الوسيلة يجعل الجهاد من وظائف المهدي ؛ وفي دستور دولتهم بعد قيامها يجعل الجهاد منوطاً يجيشها، ومن وظائف الفقيه، وذلك بمقتضى مذهبه الجديد في ولاية الفقيه، والتي نقلت فيها صلاحيات المهدي كلها للشيخ الشيعي . وقد نص أيضاً على ذلك دستورهم فقال: " في زمن غيبة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه تعتبر ولاية الأمر، وإمامة الأمة في جمهورية إيران الإسلامية بيد الفقيه ..." (1).
ولذلك بعد قيام دولتهم أول ما بدأوا به قتال الشعوب الإسلامية بجنودهم وبالمنظمات التابعة لهم في الولاء في بعض أقطار المسلمين .
ومع ذلك يزعم الخميني أحياناً أن هذا يدخل في نطاق الدفاع، والتأويل ليس له حدود فيقول : " إننا لا نريد أن نرفع السلاح ونهاجم أحداً فالعراق يهاجمنا منذ مدة، بينما نحن لا نهاجمه، وإنما ندافع فقط فالدفاع أمر واجب " (2).
ولكنه يقرر أنه يريد أن يصدر ثورته حيث يقول : " إننا نريد أن نصدر ثورتنا الإسلامية إلى كافة البلاد الإسلامية " (3). وهو لا يريد التصدير السلمي فحسب ؛ بل يريد فرض مذهبه على المسلمين بالقوة، وقد أشار إلى ذلك قبل قيام دولته، وقرر أن سبيل ذلك هو إقامة دولة شيعية تتولى هذا الأمر فيقول : " ونحن لا نملك الوسيلة إلى توحيد الأمة الإسلامية (4) وتحرير أراضيها من يد المستعمرين وإسقاط الحكومات العميلة لهم، إلا أن نسعى إلى إقامة حكومتنا الإسلامية، وهذه بدورها سوف تكلل أعمالها بالنجاح يوم تتمكن من تحطيم رؤوس الخيانة، وتدمر الأوثان والأصنام البشرية التي تنشر الظلم والفساد في الأرض " (5).
__________
(1) دستور الجمهورية الإسلامية في إيران ص(18)، ط. وزارة الإرشاد .
(2) خطاب الخميني حول مسألة تحرير القدس والمهدي المنتظر ص(9-10) .
(3) المصدر السابق ص(10) .
(4) يعني على مذهب الروافض .
(5) الحكومة الإسلامية ص(35) .(87/29)
وهؤلاء الروافض لا ينتقدون الحكومات لهذه الأسباب التي يذكرها إذ لو كانت الحكومة أفضل حكومة على وجه الأرض لما نالت إلا سخطهم ومقتهم إلا أن تكون على مذهب الرفض، وحسبك في هذا نظرتهم إلى خلافة الخلفاء الثلاثة الراشدين - رضوان الله عليهم - .
ولا تزال مهمة المهدي الموعودة في قتل المسلمين، تظهر على ألسنة حججهم وآياتهم، وهذا مسلك الروافض مع المسلمين كلما حانت لهم فرصة وقامت لهم سلطة، كما يشهد به التاريخ والواقع .
معارضة بعض شيوخ الشيعة لمذهب عموم ولاية الفقيه
أثار مذهب الخميني - في نقله لوظائف مهديهم بالكامل للفقيه، وحصر الولاية به - ثائرة جملة من شيوخ الشيعة، ونشب صراع حاد بين الخميني وأحد مراجعهم الكبار عندهم وهو " شر يعتمداري " (1) كما أعلن طائفة من شيوخهم معارضتهم لهذا المذهب (2).
وقد تعجب شيخهم محمد جواد مغنية أن يذهب الخميني هذا المذهب، ويساوي في الصلاحيات بين المعصوم والفقهاء فقال : قول المعصوم (3) وأمره تماماً كالتنزيل من الله العزيز العليم : { وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحيٌ يُوحى }(4) . ومعنى هذا أن للمعصوم حق الطاعة، والولاية على الراشد، والقاصر، والعالم، والجاهل، وأن السلطة الروحية الزمنية - مع وجوده - تنحصر به وحده لا شريك له، وإلا كانت الولاية عليه وليس له، علماً بأنه لا أحد فوق المعصوم عن الخطأ والخطيئة إلا من له الخلق والأمر جل وعز ... أبعد هذا يقال: إذا غاب المعصوم انتقلت ولايته بالكامل إلى الفقيه ؟ (5).
__________
(1) انظر: عبد الجبار العمر، الخميني بين الدين والدولة، مبحث الخميني وشر يعتمداري ص(144) وما بعدها .
(2) انظر: المصدر السابق ص(153-154) .
(3) الأئمة عندهم معصومون كرسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
(4) سورة النجم، الآية: (3) .
(5) الخميني والدولة الإسلامية ص(59) .(87/30)
فهذا في نظره غاية الغلو، إذ كيف يجعل حكم الفقيه كحكم المعصوم ؛ ثم يوضح ذلك بقوله : " حكم المعصوم منزه عن الشك والشبهات، لأنه دليل لا مدلول، وواقعي لا ظاهري ... أما الفقيه فحكمه مدلول يعتمد على الظاهر، وليس هذا فقط ؛ بل هو عرضة للنسيان وغلبة الزهو والغرور، والعواطف الشخصية، والتأثر بالمحيط والبيئة، وتغيير الظروف الاقتصادية والمكانة الاجتماعية، وقد عاينت وعانيت الكثير من الأحكام الجائرة، ولا يتسع المجال للشواهد والأمثال سوى أني عرفت فقيهاً بالزهد والتقوى قبل الرياسة، وبعدها تحدث الناس عن ميله مع الأولاد والأصهار (1).
وهذه شهادة منه على قومه من فئة الشيوخ، وأنه ما أن تتاح لهم فرصة رئاسة حتى تزول الصورة التي يتظاهرون بها من الزهد والتعبد، وهؤلاء الشيوخ الذي هذا وصفهم، يرى الخميني أنهم هم الولاة على الأمة .
وأصحاب هذا الاتجاه المعارض لخط الخميني يرون : " أن ولاية الفقيه أضعف وأضيق من ولاية المعصوم" (2)، فهي لا تتعدى ما ثبت في أخبارهم - كما يقولون - من " ولاية الفتوى والقضاء وعلى الأوقاف العامة وأموال الغائب وإرث من لا وارث له " (3).
وقد استدل مغنية على هذا المذهب بجملة من أقوال شيوخهم الكبار عندهم، ونقض ما ساقه الخميني من أدلة لإثبات مذهبه، وبين أنها لا تدل على ما يريد من القول بعموم الولاية، ولا مجال لاستعراض ذلك، ولا فائدة منه، لكن الفائدة هنا أن الخميني يحكم على مذهب طائفته بمقتضى قولهم بقصور ولاية الفقيه عن الحكم والولاية، بأن هذا يعطل أحكام الإسلام، وأنه بمثابة القول بنسخ الدين، لكن الخميني لا ترتقي أدلته في تأييد مذهبه إلى ما يريد فتبقى أحكامه على مذهب طائفته صادقة، وأنه مبني على ما يخالف أصول الشرع، ومنطق العقل وطبيعة الأشياء .
__________
(1) الخميني والدولة الإسلامية ص(59-60) .
(2) الخميني والدولة الإسلامية ص(61) .
(3) المصدر السابق ص(60) .(87/31)
والاتجاه المخالف للخميني يرجع أمر الولاية إلى عموم الناس، ولا يخصها بشيوخ الشيعة ؛ بل يبقي الشيوخ في وضعهم الذي وضعوا فيه وولايتهم الخاصة حتى يخرج الغائب فيتولى أمور الدين والدنيا . وهذه بلغة هذا العصر فصل الدين عن الدولة، فصار المذهب دائراً بين غلو في الفقيه، أو دعوة إلى فصل الدين عن الدولة، وهكذا كل مذهب باطل لابد أن يخرج أمثال هذه التناقضات .
وكلا الرأيين استقرا على بطلان المذهب في دعوى النص والتعيين، لأن كليهما لم يحدد الرئيس بشخص معين، إلا التعيين الشكلي للغائب المفقود، والذي لن يعود، لأنه لا حقيقة له في الوجود .
نصوص
البروتوكولات
القسم الأول : بروتوكولات القتل والتخريب والسرق والاغتيالات
القسم الثاني : بروتوكولات للتغيير الفكري
القسم الأول :
بروتوكولات القتل والتخريب والسرق والاغتيالات
ويشتمل على أربعة فصول :
الفصل الأول : خطط العدوان على الحجاج الآمنين
الفصل الثاني : خطط العدوان على بيت الله الحرام
الفصل الثالث : الأنواع التي يخصونها بالقتل والاعتداء
الفصل الرابع : من أساليبهم التي يمارسونها في الاعتداء كلما لاحت فرصة
الفصل الأول :
خطط العدوان على الحجاج الآمنين
ويشتمل على :
1 - قتل الحجاج بين الصفا والمروة .
2 - قطع أيدي وأرجل المشرفين على الحرم .
3 - سرقة أموال الحجاج واغتصابها كلما حانت الفرصة .
4 - القذف العام لحجاج بيت الله الحرام ما عدا طائفتهم .
1 - قتل الحجاج بين الصفا والمروة :
النص : " كأني بحمران بين أعين وميسر بن عبد العزيز يخبطان الناس بأسيافهما بين الصفا والمروة " (1).
__________
(1) بحار الأنوار للمجلسي ج(53)، ص(40) وعزاه إلى الاختصاص للمفيد .(87/32)
هذا : " البروتوكول " من أعمال مهديهم المنتظر والذي يترقبون خروجه منذ مئات السنين، ويحلمون بتحقيق أعماله ( ومنها هذا العمل ) من قديم الزمان، وسيقوم بتنفيذ هذا " البروتوكول " خميني بحكم مذهبه الجديد في نقل أعمال المهدي ووظائفه إلى الفقيه الشيعي ليتولى جميع أعماله، وينفذ كل مهامه بعد أن طالبت غيبته، وتمادى احتجابه وأيسوا من خروجه، فلقد تولي خميني إقامة الدولة ورئاستها نيابة عن المهدي، وهذا من أعظم المحرمات في المذهب الإثنا عشرية (1). ومع ذلك انتهكه، وخالف أسلافه وأصول مذهبه فكيف بما دون ذلك من أعمال لعل من أهونها عليهم قتل المخالفين لهم، وهم سائر المسلمين، ولذلك شرع في مذهبهم مبدأ الغيلة - كما سيأتي الحديث عنه - في فترة الغيبة نفسها، أما القتل العام الشامل المكتشفون فهو عندهم مرهون بعودة الغائب، لكن خميني أظهر هذا الغائب بصورة الفقيه الشيعي وبدأ بنفسه في تنفيذ مجازره باسم النيابة العامة عن المهدي، والناس كانوا ينظرون إلى ما يقوله الروافض عن مهديهم وعودته نظرة استخفاف لكونه معدوماً لا وجود له، لكن خميني حوله إلى حقيقة .
البروتوكول الذي بين يدي القارئ من نصوصهم السرية المقدسة ولم يظهر إلا في الأزمان المتأخرة (2) بعد أن صارت لهم قوة وشوكة .
__________
(1) انظر: ص(36-37) من هذا الكتاب .
(2) وقد كان شيوخهم - قديماً - إذا كتبوا في الغيبة صدروا كتبهم بنصوصهم التي تأمر بكتمان أسرارهم عمن ليس من أهلها، انظر: - مثلاً - كتاب الغيبة للنعماني، - من شيوخهم في القرن الثالث- ، والذي قال في مقدمته " وجعلته أبواباً صدرتها بذكر ما روي في صوت سر آل محمد عمن ليس من أهله " ، الغيبة ص(17) .(87/33)
وهو نص خطير، وحلم رافضي قديم، كان الآيات يمنون أتباعهم بحصوله، فكان الروافض يترقبون وقوعه بين حين وآخر، ولاشك بأن هذا النصب وأمثاله يعبر عن تطلعاتهم، ويوصر أحلامهم وأهدافهم في القيام بمجازر دموية في الأمة الإسلامية، وتختار هذه الفئة الحاقدة لذلك أشرف موقع وهو بيت الله الحرام - كما ترى - فهي تعد الأتباع بحدوث هذه الملحمة في المستقبل حتى تسمي بعض أعيانهم الذين يقومون بالقتل لكنها توقف العمل بهذا البروتوكول السري، ريثما تقوم لهم دولة .
وكانوا يقولون لأتباعهم بأنه سيكون لهم دولة في آخر الزمان يحققون بواسطتها هذه الأعمال، والخطط، فهم يقولون : " إن دولتنا آخر الدول ..." (1) . والخطورة الكبرى التي ينبغي أن يعرفها المسلمون جميعاً أن هذا سيجري اليوم تطبيقه بموجب المذهب الجديد لدولة الآيات . فهذا البروتوكول سينفذ بحكم مبدأ عموم ولاية الفقيه، المتضمن نقل أعمال مهديهم إلى الفقيه الشيعي .
ولاشك بأن تحديد موضع القتل العام بالمسجد الحرام وبين الصفا والمروة يدل دلالة أكيدة أن المقصود بالقتل هم المسلمون ؛ بل حجاج بيت الله الحرام، وأن هذا ما يحلمون به ويخططون له .
وما جرى على أرض البلد الطاهر في العام المنصرم ( عام 1407هـ) هو فيما يبدو تمهيد لهذه الخطورة، وتخطيط لهذا العمل، ولكن خيب الله سبحانه آمالهم (2).
كما أن ما قام به القرامطة من قتل الناس في الحرم هو تطبيق لهذا المبدأ كما تجد أخبار ذلك في حوادث سنة 317 في كتب التاريخ .
__________
(1) الإرشاد المفيد ص(344)، أعلام الوري للطبرسي ص(432) .
(2) هذا ما كان عند الطبعة الأولى للكتاب ؛ ثم وقع بعد ذلك في عام 1409هـ حوادث التفجيرات التي ذهبت ضحيتها بعد الحجاج الآمنين، وكشف الله سبحانه الجناة وتبين أن جميعهم من الرافضة تصديقاً لما قلناه عنهم، والله المستعان في الدفاع عن بيته المطهر، وعليه التكلان في كشف شر هؤلاء الزنادقة .(87/34)
2 - قطع أيدي وأرجل المشرفين على الحرم :
يقول النص : " كيف بكم ( يعني الحجبة على الكعبة كما يعبر النص ) لو قد قطعت أيديكم وأرجلكم وعلقت في الكعبة؛ ثم يقال لكم: نادوا نحن سراق الكعبة " (1) .
ونص ثانِ يقول: " إذا قام المهدي هدم المسجد الحرام ... وقطع أيدي بني شيبة وعلقها بالكعبة وكتب عليها هؤلاء سرقة الكعبة " (2).
ونص ثالث يقول: " يجرد السيف على عاتقه ثمانية أشهر يقتل هرجاً، فأول ما يبدأ ببني شيبة فيقطع أيديهم ويعلقها في الكعبة، وينادي مناديه هؤلاء سراق الله ؛ ثم يتناول قريشاً فلا يأخذ منها إلا السيف ولا يعطيها إلا السيف " (3).
هذه النصوص وضعت في الغالب في القرن الثاني تقريباً إسنادها إلى جعفر المتوفى سنة (148هـ) ويحتمل أنها موضوعة بعده . وعلى أية حال فهي تصور الرغبة الكامنة في نفوس هذه الفئة بالانتقام من صلاح المسلمين، وجيل التابعين الذين يجاورون في الحرم، وتخص منهم من يتولى الإشراف على شؤون الحرمين .
وهي أمنية يتمنون تحقيقها، ويعدون أتباعهم بذلك عند ظهور دولتهم على يد قائمهم .. ولما طالت غيبته أقاموا له دولة يحكمها الآيات باسم النيابة عنه مخالفين بذلك أصول المذهب الإثنا عشري الذي يأمر بالانتظار، وينهي عن الخروج، ويكفر من يخالف ذلك (4).
__________
(1) الغيبة للنعماني ص(156) .
(2) الإرشاد للمفيد ص(411)، وانظر: الغيبة للطوسي ص(282) .
(3) الغيبة ص(209) .
(4) انظر: ص(37) من هذا الكتاب .(87/35)
ولكن لماذا يخصون بالتعذيب المشرفين على الحرمين، هل لأنهم ينظمون مسيرة الحج، ويهيئون المشاعر لاستقبال زوار بيت الله، وهذا أمر يسوء هذه الفئة، لأنها تنشد الفوضى في هذه المشاعر، وتبحث عما يفرق هذه الجموع المجتمعة، ويفسد حجمها، إذ أنها ترى في كعبة الله سبحانه منافساً لمشاهدها وكعباتها - كما سيأتي - أم إنهم يخصونهم بهذه الملحمة لأنهم من العرب : " من بني شيبة كما يقول النص " . والجنس العربي يحظى في نصوصهم السرية المقدسة بكل رزيئة ومنقصة، ولذا يعدونه بمقتلة رهيبة شاملة لا تبقي فيهم أحداً وذلك حين تقوم لهم دولة - كما سيأتي - .
على أية حال هو نص يكشف عن نوايا وأهداف هؤلاء الروافض حول حرم الله وحجابه، والمشرفين عليه . إذ نصوصهم تتناول هذه الفئات جميعاً .. فهل من مذكر قبل فوات الأوان ووقوع الواقعة .
3 - سرقة أموال الحجاج واغتصابها كلما حانت الفرصة :
يقول النص : " خذ مال الناصب حيثما وجدته وادفع إلينا الخمس " (1).
وأهل السنة عندهم في عداد النواصب، لأن من قدم أبا بكر وعمر على علي فهي ناصبي كما تؤكده أقوالهم وتنص عليه أخبارهم (2).
بل إن الزيدية عندهم - وهم شيعة - يعدون في سلك النواصب، ولذلك جاء في أخبارهم " عن عمر بن يزيد قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن الصدقة على الناصب وعلى الزيدية ؟ فقال: لا تصدق عليهم بشيء ولا تسقهم من الماء إن استطعت، وقال لي: الزيدية هم النصاب " (3).
__________
(1) تهذيب الأحكام للطوسي (1/384)، السرائر لابن إدريس ص(484)، وسائل الشيعة للحر العاملي (6/340).
(2) انظر: السرائر ص(471)، وسائل الشيعة (2/341-342)، بشارة المصطفى لشيخهم الطبري ص(51)، وراجع أيضاً : المحاسن النفسانية في أجوبة المسائل الخراسانية، المسألة السادسة ص(138) وما بعدها .
(3) رجال الكشي ص(228-229) رقم(409) .(87/36)
وذلك لأن زيد بن علي - رحمه الله - ترضى عن الشيخين، ولذا فإن شيخهم الطوسي يرد رواياته (1) مع أنه من أئمة أهل البيت، وقد نص علماء المسلمين على أنه من الثقات (2). وكذلك يلحقون به في الحكم سائر الزيدية الذين سلكوا مسلكه في الرضا بخلافة الشيخين والترضي عنهما، ويخرجونهم من زمرة التشيع كما نص على ذلك شيخهم المفيد (3). ولا يستثنون من ذلك أحداً من شاركهم في مشربهم في تكفير صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم الجارودية من الزيدية (4).
ونص ثانِ قالوا فيه : " مال الناصب وكل شيء يملكه حلال " (5) لأنهم في منزلة الكفار عندهم .
فهم يستحلون ممتلكات أهل السنة والشيعة المعتدلين وسائر الفرق الإسلامية، ويبيحون لأتباعهم الاستيلاء عليها إذا حانت الفرض، وتيسر السبيل بحيث لا ينال الواحد منهم ضرر من جراء ذلك .
وجاء في كتب الفقه عندهم : " إذا أغار المسلمون على الكفار فأخذوا أموالهم فالأحوط ؛ بل الأقوى إخراج خمسها من حيث كونها غنيمة ولو في زمن الغيبة، وكذا إذا أخذوا بالسرقة والغيلة " (6).
و " لو أخذوا منهم بالربا ، أو بالدعوى الباطلة فالأقوى إلحاقه بالفوائد المكتسبة فيعتبر فيه الزيادة عن مؤنة السنة، وإن كان الأحوط إخراج خمسة مطلقاً " (7).
__________
(1) انظر: الاستبصار ج(1)، ص(66) .
(2) انظر: تهذيب التهذيب (3/419-420) .
(3) انظر: أوائل المقالات ص(39) .
(4) الموضع نفسه من المصدر السابق .
(5) تهذيب الأحكام للطوسي (2/48)، وسائل الشيعة للعاملي (11/60) .
(6) العروة الوثقى لليزدي وبهامشها تعليقات مراجع الشيعة في العصر الحاضر (2/367-368) .
(7) المصدر السابق (2/368)، وانظر أيضاً : هداية العباد، لشر يعتمداري ص(168) .(87/37)
وينبغي أن يلاحظ لمعرفة أبعاد هذا النص أن جميع الفرق الإسلامية عندهم في حكم الكفار حتى نقل شيوخهم إجماعهم على ذلك، قال المفيد : " واتفقت الإمامية على أن أصحاب البدع كلهم كفار " (1).
بل هم يعدونهم أشد كفراً من اليهود والنصارى، لأن منكر إمامة الإثنا عشر عندهم أشد كفراً من منكر نبوة أحد الأنبياء، كما قرره شيخهم ابن المطهر الحلي وغيره (2).
ولذا قال شيخهم ابن بابويه رئيس المحدثين عندهم بأن منكر الإمام الغائب أشد كفراً من إبليس (3) مع إن الإمام الغائب ينكره أكثر طوائف الشيعة المعاصرين لنشأة فكرة الغيبة ؛ بل وأهل البيت الذين نشأت دعوى الغيبة في عهدهم (4).
__________
(1) أوائل المقالات ص(15) .
(2) الألفين ص(3) .
(3) إكمال الدين ص(13) .
(4) انظر: - مثلاً - ما جاء في تاريخ الطبري في حوادث (302)، ج(13) ص(26-27) ط. الحسينية، من إنكار مشايخ أبي طالب على رجل ادعى أنه محمد بن الحسن العسكري، وقولهم إن الحسن لم يعقب، وانظر: ما نقلته كتب الشيعة نفسها من إنكار عائلة الحسن لدعوى الود وعلى رأسها أخوة جعفر، ولذا تسميه الشيعة بجعفر الكذاب واعترافهم بأن جعفراً حبس جواري أخيه وحلائله حتى ثبت له براءتهن من الحمل، انظر: الغيبة للطوسي ص(75)، وانظر: إكمال الدين ص(451)، الاحتجاج (2/283)، سفينة البحار (1/163)، مقتبس الأثر (14/316) .(87/38)
أقول : إذا لاحظنا هذا، وأن مفهوم الكافر عند الإثنا عشرية يضم جميع المسلمين باستثناء طائفتهم فهذا يعني بكل وضوح أنهم - كما جاء في النص السابق - يبيحون الاستيلاء على أموال المسلمين بالإغارة والسرقة، والغيلة، ويتسحلون أخذ أموالهم عن طريق الربا والدعاوي الباطلة . وهذا تترجمة الأحداث التاريخية التي جرت منهم، كما يصدقه واقع دولة الآيات اليوم في " اللصوصية " التي يمارسونها في الخليخ وتهديدهم لحرية الملاحة فيه، واستيلائهم على بعض البواخر المارة بمياه الخليج باعتبارها غنائم وهي ملك للمسلمين، وما يخططون له في المستقبل . كما ظهر ذلك في بعض أقوالهم وتصريحات زعمائهم، وما خفي فهو أعظم .
وكذا ما تقوم به " منظماتهم " في لبنات وغيره من خطف للطائرات ونهب، وسلب، فهم إذا قدروا على شيء من أموال المسلمين استحلوا أخذه، ولو كان من أموال اليتامى والمستضعفين من مخالفيهم . ولذا قال الإمام الشوكاني : " وأما وثوب هذه الطائفة على أموال اليتامى والمستضعفين، ومن يقدرون على ظلمة كائناً من كان فلا يحتاج إلى برهان ؛ بل يكفي مدعيه إحالة منكره على الاستقراء والتتبع فإنه سيظفر عند ذلك بصحة ما قلنا " (1).
وهذا البروتوكول وهو الاعتداء على أموال المسلمين يطبقه الرافضة كلما حانت فرصة على صعيد الحرم، وبين الحجاج أو غيرهم، وقد يتيسر لهم الأم في الحج أكثر حيث الاجتماع والأمان. فليحذر كل حاج على ماله من كل رافضي ولو رآه في غاية التدين في الظاهر لأن مذهبه يعد سرقة مخالفيه من سائر الفرق الإسلامية من القربات والصالحات
4 - القذف العام لحجاج بيت الله الحرام ما عدا طائفتهم :
وتغرس بروتوكولاتهم في نفوس أتباعهم كره حجاج بيت الله حتى تعدهم كلهم زناة. وهذا النوع من التربية والتوجيه قد يكون له أثره في نوعية تعاملهم مع المسلمين في المشاعر .
__________
(1) طلب العلم ص(74) .(87/39)
تقول نصوصهم : " إن الله يبدأ بالنظر إلى زوار الحسين بن علي عشية عرفة قبل نظره إلى أهل الموقف - لأن في أولئك - ( يعني حجاج بيت الله ) أولاد زناة وليس في هؤلاء أولاد زنا " (1).
يعني أن زوار الحسين كلهم روافض وهم ليسوا أولاد زنا، في حين الحج يجمع مع الروافض سائر الأمة الإسلامية بمختلف مذاهبها، وهؤلاء حسب معتقد الشيعة أولاد زنا، ولذلك جاء في الكافي : " إن الناس كلهم أولاد بغايا ما خلا شيعتنا " (2).
وقالوا : " ما من مولود يولد إلا وإبليس من الأبالسة بحضرته ، فإن علم أن المولد من شيعتنا حجبه من ذلك الشيطان، وإن لم يكن المولود من شيعتنا أثبت الشيطان أصبعه في دبر الغلام فكان مأبوناً، وفي فرج الجارية فكانت فاجرة " (3).
وعقد المجلسي في البحار باباً لهذا الاعتقاد بعنوان " باب إنه يدعي الناس بأسماء أمهاتهم إلا الشيعة " وذكر فيه اثنتا عشرة رواية (4).
فهذا قذف شنيع للمسلمين جميعاً من فئة لعلها أقرب إلى هذا الوصف الذي أصلقته بالمسلمين، وذلك بحكم قولها بالمتعة، والمتعة الدورية، وعارية الفرج، في نصوص كثيرة في كتبهم المقدسة فهي كقول القائل : " رمتني بدائها وانسلت " .
ولا شك بأن هذه النظرة إلى حجاج بيت الله عند هذه الفئة لا تثمر إلا الاستهانة بالحجاج والاستخفاف بحقوقهم، واستحلال الوقيعة فيهم، وفي أعراضهم، وأولادهم، ودمائهم، وأموالهم، ولعل ما يلمسه الحجيج من مضايقات من بعض الروافض في المشاعر إنما يصدر عن هذه التوجيهات الخفية، ولو أتيحت لهم الفرصة كاملة لما أبقوا من أهل الإيمان والتوحيد باقية .
الفصل الثاني :
خطط العدوان على بيت الله الحرام
ويشتمل على :
1 - نزع الحجر الأسود من الكعبة :
__________
(1) الوافي، المجلد الثاني (8/222) .
(2) الكافي، الروضة ص(135)، ط. لكنو 1889م، بحار الأنوار (24/311) .
(3) تفسير العياشي (2/218)، البرهان (2/139) .
(4) بحار الأنوار (7/237) .(87/40)
2 - هدم الحجرة النبوية، وإخراج الجسدين الطاهرين للخليفتين الراشدين، وكسر المسجد النبوي ( حسب تعبيرهم ) .
3 - هدم المسجد الحرام والمسجد النبوي :
1 - نزع الحجر الأسود من الكعبة :
يقول النص : " يا أهل الكوفة لقد حباكم الله عز وجل بما لم يحب أحد من فضل، مصلاكم بيت آدم وبيت نوح، وبيت إدريس، ومصلى إبراهيم ... ولا تذهب الأيام والليالي حتى ينصب الحجر الأسود فيه " (1).
هذا وعد من زنادقة العصور البائدة أن يقوموا بنقل الحجر الأسود إلى أماكن العبادات عندهم، وهي الأضرحة والقبور، والتي يسمونها بالمشاهد، ويحدد هذا النص "الكوفة": وهي الموطن الأول التي نسج فيها ابن سبأ اليهودي خيوط مؤامرته، ووضع فيها خليته الأولى، ولذا جاء في نصوص الروافض إنه لم يقبل دعوتهم من بلاد الإسلام إلى الكوفة (2).
__________
(1) الوافي، للفيض الكاشاني، باب فضل الكوفة ومساجدها، المجلد الثاني، ج(1)، ص(215) .
(2) انظر: بحار الأنوار، ج(100)، ص(259)، ج(60)، ص(209) .(87/41)
وهذه النصوص (إسقاطات) لرغبات مكبوتة، ونوازع خفية لهذه الزمرة الحاقدة، وهي لم تبق مجرد أمانٍ ورغبات فحسب ؛ بل انطلق منها تحرك عملي في جمعيات سرية تجوب العالم الإسلامي ترفع شعارات أشبه بشعارات الماسون مثل "محبة أهل البيت" و " الانتصار لظلم أهل البيت" و " عودة الإمامة لأهل البيت" مع أنهم قد انقطعت صلتهم بالآل منذ منتصف القرن الثالث تقريباً، حيث يتبعون إماماً لا وجود له . كما أن هذا البروتوكول قد تم تطبيقه على يد القرامطة حيث اقتلعوا الحجر الأسود ( في أحداث سنة 317هـ) وحملوه إلى البحرين ؛ ثم نقلوه بعد ذلك إلى الكوفة (1). وقد بقى عندهم قرابة اثنتين وعشرين سنة (2).
ولهذا حين ألف الإمام الخرقي - رحمه الله - (المتوفى سنة 334هـ) مختصرة في الفقه في تلك الفترة العصبية، قال حين جاء على ذكر مناسك الحج ( ثم أتى الحجر الأسود إن كان فاستلمه ) (3).
__________
(1) انظر: الفرق بين الفرق للبغدادي ص(290-291) .
(2) وردّ بعد ذلك من الكوفة إلى مكة على يد أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن حيي النيسابوري شيخ نيسابور في عصره، وأحد العباد المجتهدين المتوفى سنة (362هـ) .
(3) مختصر الخرقي مع شرحه المغني (3/370) .(87/42)
قال صاحب المغني : " وقول الخرقي " إن كان " يعني إن كان الحجر في موضعه لم يذهب به كما ذهبت به القرامطة حين ظهروا على مكة " (1). وكل مؤمن يتأثر وتهتز مشاعره، وهو يتصور هذا الحدث الرهيب، وهذا الإلحاد بظلم في بيت الله الحرام . ولا يزال أحفاد القرامطة تراودهم أحلامهم لإعادة هذا الإلحاد ؛ ومحاولاتهم لإثارة الفتن في حرم الله مرات تنبئ عما تكنه صدورهم، وما تنطوي عليه وثائقهم فهل ينتبه المؤمنون إلى مكائد الباطنين .. ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين . وهناك خبيئة عجيبة هي أن نصوصهم تقول كما يقول شيخهم وأحد آياتهم في هذا العصر : " إن المهدي يبدأ بغزو العالم انطلاقاً من الكوفة، وذلك بإرسال السرايا، وبث الجيوش المتكاملة للقيام بهذه المهمة " (2).
ولعل من أهداف إصرار الخميني على الاستمرار في محاربة الشعب العراقي تحقيق هذا الهدف ... أليس هو الذي يتولى القيام بأعمال المهدي كاملة بحكم مذهبه الذي أعله، وعارضه جملة من الشيعة فيه، وقبل الاحتلال قد يؤتي بالحجر من مكانة، فالكوفة مركز الانطلاقة كيف لا وهم يقولون في نصوصهم : " إن الكوفة حرم الله، وحرم رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وحرم أمير المؤمنين، وإن الصلاة فيها بألف صلاة والدرهم بألف درهم " (3).
فيترجون هذا الفضل المزعوم - الذي هو نسيح خيال رافضي موتور - ينقل الحجر كفى الله المسلمين كيد الباطنين وعدوانهم .
2 - هدم الحجرة النبوية، وإخراج الجسدين الطاهرين للخليفتين الراشدين، وكسر المسجد النبوي ( حسب تعبيرهم ) .
يقول النص :
__________
(1) المغني (3/371) .
(2) محمد باقر الصدر، تاريخ ما بعد الظهور، ص(450) .
(3) الوافي، المجلد الثاني، ج(8)، ص(215) .(87/43)
" وأجئ إلى يثرب، فأهدم الحجرة، وأخرج من بها وهما طريان، فآمر بهما تجاه البقيع، وآمر بخشبتين يصلبان عليهما، فتورقان من تحتهما، فيفتتن الناس بهما أشدّ من الأولى " (1).
نص آخر يقول :
" هل تدري أول ما يبدأ به القائم، يعني: قائمهم الذي ستيولى خميني القيام بكافة أعماله بحكم مذهبه في رواية الفقيه، ومنها هذا العمل، وغيره من الأعمال التي ذكرنا نصوصها " أول ما يبدأ به يخرج هذين، يعني: خليفتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، رطبين غضين فيحرقهما ويذريهما في الريح ويكسر المسجد " (2).
ونص ثالث يقول :
" وهذا القائم ... هو الذي يشفي قلوب شيعتك من الظالمين والجاحدين والكافرين فيخرج اللات والعزى (يعنون خليفتي رسول الله أبا بكر وعمر - رَضِيَ الله عَنْهُما - ) طريين فيحرقهما " (3).
وهذه النصوص تكشف بشكل جلي واضح، أن جيوشهم إذا وصلت إلى المدينة المنورة - حفظه الله حرمه، وخيب آمالهم - فإن أول أعمالها هو هدم الحجرة النبوية، ونبش القبرين الطاهرين، لا لشيء إلا للتشفي والانتقام، وما أعظم هذه الأحقاد التي تريد التشفي من أموات مضى على موتهم مئات السنين ... هل يوجد مثيل لهذا الحقد في عالم الإنسان على امتداد التاريخ ... ولاشك بأن من يتمنى أن يفعل مثل هذا بالأموات، فإن أمنيته أيضاً وحنقه على الأحياء ( ممن يترضى عن الشيخين ) ورغبته في الانتقام منهم، والتشفي بقتلهم أشد . كما قال بعض السلف : " لا يغل قلب أحد على أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، إلا كان قلبه على المسلمين أغل " (4).
__________
(1) بحار الأنوار، ج(53)، ص(104-105) .
(2) بحار الأنوار، ج(52)، ص(386) .
(3) عيون أخبار الرضا (1/58)، بحار الأنوار (52/342) .
(4) الإبانة لابن بطة ص(41) .(87/44)
وحسبك أن تعلم أنهم يرون أن من يزعم لأبي بكر وعمر الإسلام فهو عندهم في عداد الكافرين (1). فهذه أمانيهم عبرت عنها نصوصهم أبلغ تعبير .
وهم يتطلعون لتحقيق هذه الأماني، فقد بدت البغضاء من أفواههم، وما تخفي صدورهم أكبر، وما نقلته الأخبار عن محاولاتهم لنبش بعض قبور الصحابة في البقيع هو تطبيق لبعض هذه الخطط . وما يصرح به آياتهم من تهديد باحتلال الحرمين - كما سيأتي - هو لتحقيق هذا الهدف وغيره .
ثم تحاول بروتوكولاتهم أن تصور ردة الفعل الإسلامية لهذا العمل الإجرامي ضد خلفاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لتوطن أتباعهم على قبولها، وامتصاصها بحيث لا تؤثر على استمرار المذابح الدموية منهم .
حيث تشير بعض بروتوكولاتهم إلى أثر النبش والتخريب عند المسلمين فتقول... ثم يحدث حدثاً فإذا فعل ذلك قالت قريش : أخرجوا بنا إلى هذا الطاغية، فو الله لو كان محمدياً ما فعل، ولو كان علوياً ما فعل، ولو كان فاطمياً ما فعل (2).
قال شيخهم وفخرهم المجلسي : لعل المراد بإحداث الحدث إحراق الشيخين الملعونين، فلذا يسمونه عليه السلام بالطاغية (3).
انظر إلى تعليق شيخهم المجلسي وتفسيره للحديث الذي يحدثه مهديهم ( أو نائبه ) والذي يثير ثائرة المسلمين، تجده يقرر أن الحدث يعني إحراق قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصاحبيه، الذي يخصهما هذا الأفاك باللعن .
__________
(1) وقد جاء ذلك في أصول الكافي، ج(1)، ص(373)، وانظر: تفسير العياشي (1/178)، البرهان للبحراني (1/293)، بحار الأنوار (8/218) .
(2) تفسير العياشي (2/58)، بحار الأنوار (52/342) .
(3) بحار الأنوار (52/46) .(87/45)
وهذا المجلسي هو قدوتهم وعمدتهم ومن يعتمد قوله - كما يقولون - سواد الشيعة اليوم (1) ولذا يصفونه برئيس الفقهاء والمحدثين وملاذ المحدثين في كل الأعصار، ومعاذ المجتهدين في جميع الأمصار، وأعظم أعاظم الفقهاء والمحدثين، وأفخم أفاخم علماء أهل الدين (2).
وهو يقرر هذا بكل صراحة وبلا تقية، أو مصانعة لأنه يعيش في ظل الدولة الصفوية التي حتمه ففاض لسانه بما ينطوي عليه قلبه، وقلوب زمرته، فهو يتحدث عن حلمهم حول الحجرة النبوية الطاهرة، والحريق الذي يعدون أتباعهم بإشعاله فيها، ويُحَدّثُهم بذلك وكأنه أمر سيقع لا محالة .
ويبدو أن هذا الشعور أتاحته له فرصة وجوده في دولة شيعية هي الدولة الصفوية، وهي وإن لم يحكمها آياتهم، لكن كان لهم فيها تمكن ونفوذ .
وهذا هو شعور كل رافضي من هذه الفئة، فهو كما يرى القارئ يقرر لأتباعه هذه الوعود، وكأنه يزف لهم البشرى بتحقيق أغلى أمانيهم . فهل توجد بعد هذا طائفة أشد مناوأةً وعداوة لمقدسات المسلمين من هذه الطائفة .
__________
(1) انظر: الفيض القدسي ص(19-20)، المطبوع مع بحار الأنوار ج(105) .
(2) انظر: المصدر السابق ص(21-22- 27) والمجلسي من مؤسسي الغلو في دينهم حتى قال: صاحب التحفة الإثنا عشرية بأنه لو سمي دين الشيعة دين المجلسي لكان في محلة، ولذا قالوا: بأنه لم يوجد له في عصره ولا قبله قرين في ترويج دينهم ومذهبهم، انظر: الفيض القدسي ص(17) .(87/46)
وباسم ولاية الفقيه يعلن اليوم البدء في تحقيق أعمال دولة المهدي بدعوى النيابة الكاملة عنه، والمسلمون لا يعلمون شيئاً من مخاطر هذه الدعوى لأنهم لا يعرفون هذه الأسرار، ولا يعلمون شيئاً عن هذه البروتوكولات السرية ولا يدركون ماذا سيصنعه مهدي الروافض الذي يرتقبون خروجه، وهو لن يخرج لأنه لم يوجد، لكن الخطر الأكبر أن يبدأ بتنفيذ أعمال هذا الموهوم، وتحقيق مجازره الدموية فكأن مهدي الرافضة خرج اليوم بصورة عشرات من شيوخ الروافض . فقد أخرجوه بطريقة ماكرة خبيثة متلبسة بدعوى ولاية الفقيه .
وهل هناك بعد هذا أصرح من هذه النصوص في كشف نوايا الرافضة، ومبلغ عدائها للمؤمنين، وعظيم حقدها على أهل الإسلام، ومحاولاتهم الانتقام كلما حانت لها فرصة باسم ولاية الفقيه، أو بأي شعار آخر، فخميني وزمرته نفذوها بحكم هذا المذهب الجديد الذي اتبدعه خميني بين طائفتين (1).
3 - هدم المسجد الحرام والمسجد النبوي :
يقرر القوم عبر بروتوكولاتهم بأن منتظرهم سيقوم بهدم المسجدين الشريفين، ويتستر بدعوى أنه سيردهما إلى أساسهما .
يقول نصهم : " إن القائم يهدم المسجد الحرام حتى يرده إلى أساسه، ومسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وآله إلى أساسه " (2).
المسلمون يكثر عددهم - ولله الحمد - على مر الأيام، ومن الطبيعي أنهم يحتاجون إلى مزيد من التوسعة في أرض الحرمين لا إلى هدمهما فما غرض هذه الفئة بهذه العملية التي يحلمون بتحقيقها، ويرون أنها واقعة على أيديهم لا محالة ( خيب الله ظنونهم وجعل تدبيرهم تدميراً لهم ) .
__________
(1) أشار في كتابه الحكومة الإسلامية إلى آخرين سبقوه في هذا المذهب، ولكن لم يتح لهم رئاسة فيقوموه بهذه الأعمال كحال خميني اليوم .
(2) الغيبة للطوسي ص(282)، بحار الأنوار (52/338) .(87/47)
هل يريدون بهدم الحرمين صرف الناس إلى كربلاء، والتي ما فتئ شيوخهم الغابرون والمعاصرون ينعقون بفضلها عندهم على بيت الله - كما سيأتي - فلا يطيب لهم عيش ولا يهنأ لهم منام حتى يحولوا الناس إلى كعبتهم ... وهم يعدون أتباعهم بتحقيق ذلك حين قيام دولتهم .
أم إنهم يهدفون إلى تقليص حجم الحرمين بسبب أنهم لا يرون على الإسلام سوى طائفتهم - كما مرّ نقل إجماعهم على ذلك - فهم سيمنعون سائر المسلمين من دخول الحرمين بحكم أنهمك كفار في اعتقادهم، فما يبقى بعد ذلك من أرض الحرمين كافٍ لطائفتهم لأنهم لا يمثلون سوى قلة قليلة من المسلمين (1).
أم إنه قد غاظهم تجمع المسلمين بكثافة كبيرة في البلاد المقدسة، والتوسعة المستمرة التي عملت لتستوعب تلك الأعداد وهم في كربلاء ومشاهدهم لا يلتفت إليهم أحد سوى أتباعهم الذي غروراً بهم فهم يرددون هذه الكلمات للتعبير عن هذه الأحقاد والتنفيس عن قلوب سود أكلها الحسد، ومزقتها الضغائن والأحقاد .
ولا يظن ظانٌ أن هذا البروتوكول من معتقدات قدمائهم فحسب ؛ بل إن آياتهم في هذا العصر يفخرون بتطبيقه، يقول آيتهم محمد باقر الصدر إنه ( أي: مهديهم الذي يتولى شيوخهم النيابة عنه ) : " سيقوم بتقليص حجم المسجد الحرام وإرجاعه إلى أسسه ... وبذلك لا تبقى ربع المسافة التي عليها المسجد في العصر الحاضر، وخاصة بعد التوسعات الضخمة التي أدخلت عليه أخيراً " (2).
__________
(1) يقول بعض المستشرقين : إن نسبتهم 10% من مجموع المسلمين، وما أظنهم يبلغون ذلك، وقد ذكر بعض كتابهم أنهم سبعون مليون (70مليون) ومنهم من قال: إن عددهم مائة مليون، وهم عادة يبالغون في عددهم كلون من الدعاية المذهبية .
(2) تاريخ ما بعد الظهور ص(828) .(87/48)
ثم يشير إلى أنه يحاول تقليص عدد الطائفين مراعاة لحجم البيت حيث يتم - كما يقول - " منع الطواف المستحب ... فتعطى القدمة لصاحب الفريضة، وبذلك يقل عدد الطائفيين بالبيت إلى حد كبير " (1). فإذا كانت هذه أهدافهم فما بالهم يموجون ويثورون إذا تم تنظيم الحجيج ... وهذا لا يعني أننا ندافع عن الطرف الآخر، لكن الهدف أن نبين أن مطالبيتهم برفع نسبة عدد الحجاج من طائفتهم ليس غايته الرغبة في الحج، ولكن لتحقيق أهداف أخرى .
وبعد ... فهل من يسعى لهدم الحرمين وتقليصهما يهمه أمر الحجر ؟ هل هناك بيان لصخامة الكيد، وبالغ الحقد عندهم ضد مقدسات المسلمين أبلغ من هذه الخطط التي سطرتها أقلامهم ودونت في كتبهم المقدسة، والتي يحلمون بتطبيقها حين يقوم لهم دولة برئاسة واحد ممن يدعون إمامته، أو من يتولى النيابة عنه حسب المذهب الجديد عندهم فينقضون على حرم الله الآمن هدماً وتخريباً .
وواضع هذه النصوص يعلم علم اليقين أنه لا يوجد لهم إمام غائب، ولكنه يعبر عن أحلامه وآماله، ويرسم خططه، ويخطط لطموحاته وتطلعاته حين تقوم لهم دولة برئاسة الإمام أو نائبه .
وقد قامت دولتهم، وبدأت محاولاتهم لبث الفتنة في الحرمين : { وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين } (2).
__________
(1) تاريخ ما بعد الظهور ص(829) .
(2) سورة الأنفال، الآية: (30) .(87/49)
ثم لا يخفى أن هذه " البروتوكولات " بغض النظر عن العنصر " الخرافي" فيها هي " إسقاطات واعترافات " تنم عن دخائل نفوسهم، وما تكنه صدورهم من مناوأة لدين الإسلام، وسعى في الكيد له حتى يتمنون أن تتاح لهم فرصة لهدم الحرمين، ونبش القبرين الطاهرين، وحينما يحسون بعجزهم عن تحقيق ذلك يعزون أنفسهم بزن هذا لابد أن يتحقق عندما تقوم دولتهم على يد منتظرهم، فهي تكشف في الحقيقة ماذا سيفعلون لو واتتهم فرصة الحكم والتسلط . ولذلك فرن المعاصرين منهم يتمنون فتح مكة والمدينة كما جاء على ألسنة آياتهم ليحققوا أحلامه التي أفصحت عنها أخبارهم .
يقول آيتهم وشيخهم المعاصر حسين الخراساني : " إن طوائف الشيعة يترقبون من حين لأخر أن يوماً قريباً آت يفتح الله لهم تلك الأراضي المقدسة ... " (1) فهو يحلم بفتحها وكأنها بيد الكفار، ذلك أن لهم أهدافهم المبيتة ضد الديار المقدسة .
__________
(1) الإسلام على ضوء التشيع ص(132-133) .(87/50)
وفي احتفال رسمي وجماهيري أقيم في عبدان في 17/3/1979م تأييداً لثورة خميني ألقى أحد شيوخهم (د. محمد مهدي صادقي) خطبة في هذا الاحتفال سجلت باللغتين العربية والفارسية، ووصفتها الإذاعة بأنها مهمة، ومما جاء في هذه الخطبة : "أصرح يا إخواني المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أن مكة المكرمة حرم الله الآمن يحتلها شرذمة أشد من اليهود (1) "... ثم ذكر بأنه حين تثبت ثورتهم على أقدامها سينتقلون إلى القدس ومكة المكرمة وإلى أفغانستان (2). وهكذا يرى أن مكة وهي تستقبل كل عام الحجيج من كل فج عميق، ويرتفع عليها علم التوحيد، ويأمن فيها كل معتمر وحاج يرى أن هذا كوضع القدس الذي يحتله يهود، ووضع أفغانستان التي يحتلها الملاحدة الشيوعيون ... فأي هدف ينشده في السير إلى مكة، لعله هو ما أفصحت عنه هذه البروتوكولات ، ولذا نشرت مجلة الشهيد الإيراني - لسان حال علماء الشيعة في قم - في العدد 46 الصادر بتاريخ 16شوال 1400هـ، صورة تمثل الكعبة المشرفة، وإلى جانبها صورة المسجد الأقصى المبارك وبينهما ( يد قابضة على بندقية ) وتحتها تعليق نصه : " سنحرر القبلتين " (3)
__________
(1) تعد الرافضة جميع المسلمين أشد كفراً من اليهود والنصارى، وانظر: - مثلاً - ما قاله شيخهم الملقب عندهم بالعلامة في كتابه " الألفين " ص(3) .
(2) أذيعت هذه الخطبة من ( صوت الثورة الإسلامية من عبادان الساعة 12 ظهراً من يوم 17/3/1979م، انظر: وجاء دور المجوس ص(344) .
(3) انظر: مجلة الشهيد، العدد المذكور، وانظر: جريدة المدينة السعودية الصادرة في 27 ذي القعدة 1400هـ ، وانظر: ما كتبه الشيخ محمد عبد القادر آزاد، رئيس مجلس علماء باكستان عما شاهده في أثناء زيارته لإيران، حيث يقول: بأنه رأى على جدران فندق هيلتون في طهران، والذي يقيمون فيه شعارات مكتوباً عليها : " سنحرر الكعبة والقدس وفلسطين من أيدي الكفار ..." انظر: الفتنة الخمينية للشيخ محمد آزاد ص(9) .(87/51)
.
الفصل الثالث :
الأنواع التي يخصونها بالقتل والاعتداء
ويشتمل على :
1 - قتل أهل السنة :
2 - قتل الشيعة غير الغلاة :
3 - قتل العرب :
4 - تخصيص المسلمين بالقتل :
5 - الإثخان في القتل والاستئصال الشامل للبشرية :
6 - قتل الأسرى والجرحى :
7 - القتل صفة دائمة ملازمة له :
1 - قتل أهل السنة :
يخرج قائمهم أو من يقوم بمهمته " موتوراً غضبان أسفاً .. يجرد السيف على عاتقه " (1) فيحصد أهل السنة الذين تلقبهم وثائق الرافضة " بالمرجئة " حتى قالوا : "ويح هذه المرجئة (2) إلى من يلجئون غداً إذا قام قائمنا (3) " يذبحهم والذي نفسي بيده كما يذبح القصاب شاته (4).
وأحياناً تلقبهم بالمخالفين وتقول عنهم : " ما لمن خالفنا في دولتنا نصيب إن الله قد أحل لنا دماءهم عند قيام قائمنا " (5).
وحيناً تسميهم بالنواصب وتقول : " فإذا قام قائم عرضوا كل ناصب عليه فإن أقر بالإسلام وهي الولاية وإلا ضربت عنقه، أو أقر بالجزية فأداها كما يؤدي أهل الذمة " (6).
ويلاحظ التناقض بين هذا وبين ما سيأتي من عدم قبوله التوبة منهم .
2 - قتل الشيعة غير الغلاة :
ولا يكتفون بقتل أهل السنة ؛ بل إن قائمهم (أو من ينوب عنه بمقتضى نيابة شيوخهم عن المهدي في فترة غيبته المزعومة) يتتبع الشيعة الزيدية غير الغلاة فيقتلهم.
__________
(1) بحار الأنوار (52/361) .
(2) قال شيخهم الطرحي وسماهم مرجئة : لأنهم زعموا أن الله تعالى أخر نصب الإمام ليكون نصبه باختيار الأمة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - وآله، مجمع البحرين (1/177-178)، وانظر: مرآة العقول (4/371) .
(3) الغيبة للنعماني ص(190)، بحار الأنوار (52/357) .
(4) الغيبة للنعماني ص(190-191)، بحار الأنوار (52-357) .
(5) بحار الأنوار (52/376) .
(6) تفسير فرات ص(100)، بحار الأنوار (52/373) .(87/52)
تقول نصوصهم : " إذا قام القائم سار إلى الكوفة فيخرج منها بضعة عشر آلاف أنفس - كذا - يدعون البترية (1) عليهم السلاح فيقولون له : ارجع من حيث جئت فلا حاجة لنا في بني فاطمة فيضع فيهم السيف حتى يأتي على آخرهم " (2).
3 - قتل العرب :
يقولون بأن منتظرهم ( أو من ينوب مقامه من آياتهم ) يسير في العرب بما في الجفر الأحمر وهو قتلهم (3).
وكثير من نصوصهم تعد العرب بملحمة على يد غائبهم لا تبقي على رجل، أو امرأة، ولا صغير، ولا كبير ؛ بل تأخذهم جميعاً فلا تغادر منهم أحداً، حتى قالت بروتوكولاتهم : " ما بقي بيننا وبين العرب إلا الذبح " (4).
ويلاحظ أن هذا الاستئصال العام الشامل للجنس العربي لا يفرق بين شيعي وسني، مع أن من العرب من يشايع هذه الزمرة، ولكن أخبارهم تؤكد أنه لن يتشيع أحد من العرب حين قيام دولة منتظرهم، ولهذا تحذر من الاغترار بهم، وأن تشيعوا فتقول : " أتق العرب فإن لهم خبر سوء أما إنه لم يخرج مع القائم منهم واحد " (5).
ومع أنَّ في الشيعة من العرب كثير إلا أنهم يقولون بأنهم سيمحصون فلا يبقى منهم إلا النذر اليسير (6).
وحرب الخميني للشعر العراقي ( بلا تفريق بين شيعته وسنته ) هي بداية في تطبيق هذا المبدأ وهو القتل العام للجنس العربي، ومحاولة إفنائه .
وقد وضح الأمر لكل ذي عينين، إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب .
__________
(1) البترية : هم أصحاب الحسين بن صالح بن حي، وهم فرقة من الزيدية، وهي أقرب فرق الزيدية لأهل السنة، انظر عنهم : مقالات الإسلاميين (1/144)، الملل والنحل (1/161)، الخطط (2/352) .
(2) الإرشاد ص(411-412)، بحار الأنوار (52/313، 318) .
(3) بحار الأنوار (52/313، 318) .
(4) الغيبة للنعماني ص(155)، بحار الأنوار (52/349) .
(5) الغيبة للنعماني ص(284)، بحار الأنوار (52/333) .
(6) الغيبة للنعماني ص(137)، بحار الأنوار (52/114) .(87/53)
ولا يخفى أن تخصيص العرب بالقتل يدل على تغلغل الاتجاه الشعوبي لدى واضعي هذه الروايات ... وهي تبين مدى العداوة للجنس العربي لدي مؤسسي الرافضة الرغبة في التشفي منهم بقتلهم وذلك - في حقيقة الأمر - لا يعود لجنسيتهم بل للدين الذي يحملونه .
4 - تخصيص المسلمين بالقتل :
وقد وردت في بروتوكولاتهم نصوص كثيرة تخصص المسلمين بالقتل، ولذا اعترف آيتهم الصدر بأن ظاهر رواياتهم أن كثرة القتل مختصة بالمسلمين (1).
5 - الإثخان في القتل والاستئصال الشامل للبشرية :
مهدي الروافض الذي تحلم بمجيئه وتتوقع خروجه، والذي يتولى شيوخ الروافض بحكم مذهبهم في ولاية الفقيه القيام بالنيابة عنه، وأداء أعماله وتحقيق أهدافه.
هذا الموعود ( أو نائبه العام ) سيقوم بعملية قتل شامل، وإفناء كامل للناس لا يسلم منه إلا القليل وهم الرافضة تقول بروتوكولاتهم :
1 - " لا يكون هذا الأمر حتى يذهب تسعة أعشار الناس " (2). قال آيتهم محمد باقر الصدر : " أقول والمراد من هذا الأمر : ظهور المهدي (ع) " (3).
2 - وقال جعفرهم : " لا يكون هذا الأمر حتى يذهب ثلثا الناس " فقيل له: فإذا ذهب ثلثا الناس فما يبقى ؟ فقال (ع) : أما ترضون أن تكونوا في الثلث الباقي (4).
يقول آيتهم الصدر : " وهذا القتل الشامل للبشرية كلها ... يتعين حصوله بحرب عالمية شاملة قوية التأثير " (5).
__________
(1) تاريخ ما بعد الظهور ص(579) .
(2) الغيبة للنعماني ص(146) .
(3) تاريخ ما بعد الظهور ص(482) .
(4) بحار الأنوار ج(13)، ص(156) ط. الحجر .
(5) تاريخ ما بعد الظهور ص(483) .(87/54)
وتختلف نصوصهم في تحديد النسبة الباقية يقول شيخهم المعاصر الصدر في توجيه ذلك : " واختلاف هذه النسب المذكورة في الأخبار لقلة الناس دال على كونها على وجه التقريب لا التحديد . على أنه يمكن الأخذ بأكبر نسبة وهو تسعة أعشار لأن الإخبار بذهاب الأقل لا ينافي الإخبار عن ذهاب الأكثر " (1).
وهناك تعاليم يومية مستمرة للأتباع تحثهم وتدعوهم لطلب الثأر والانتقام وذلك عبر أدعية الزيارات ومناسك المشاهد، وهذا القتل الشامل لا ينجو منه إلا الرافضة، ومهما أعلن غيرهم التوبة والرجوع فلا يقبل منهم توبة ولا رجوع، يقول الصدر : " إن الإمام المهدي (ع) سوف يضع السيف في كل المنحرفين الفاشلين في التمحيص، ضمن التخطيط السابق على الظهور فيستأصلهم جميعاً، وإن بلغوا الآلاف، ولا يقبل إعلانهم التوبة والإخلاص " (2). وهذه السيرة ليست من الإسلام في شيء ، وهم يعترفون أنها شرعة جديدة مخالفة التشيع له، تقول نصوصهم : " إن القائم أمر أن يسير بالقتل ولا يستتيب أحداً " (3)؛ بل أنه يقتل من لا ذنب له، تقول رواياتهم : " إذا خرج القائم قتل ذراري قتله الحسين بفعل آبائها " (4).
وتصور بعض رواياتهم مبلغ ما يصل إليه من سفك دماء الناس ( من غير طائفته) حتى تقول : " لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحب أكثرهم ألا يروه مما يقتل من الناس ... حتى يقول كثير من الناس : ليس هذا من آل محمد، لو كان من آل محمد لرحم " (5).
__________
(1) تاريخ ما بعد الظهور ص(483) .
(2) تاريخ ما بعد الظهور ص(558) .
(3) الغيبة للنعماني ص(153)، بحار الأنوار (52/353) .
(4) علل الشرائع ص(299)، عيون أخبار الرضا (1/273)، بحار الأنوار (52/313) .
(5) الغيبة للنعماني ص(154)، بحار الأنوار (52/354) .(87/55)
وهذا قول يدين القائم بالخروج عن سنن الرحمة والعدل التي عرف بها أهل البيت ؛ بل إنه خرج عنه سنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا ما يصرحون بها فقط سئل الباقر - على حد زعمهم - أيسير القائم بسيرة محمد ؟ فقال: هيهات ! إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سار في أمته باللين، وكان يتألف الناس، والقائم أمر أن يسير بالقتل، وألا يستتيب أحداً ، فويل لمن ناوأه " (1).
فالرافضة تزعم أنه أمر بسيره تخالف سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقد أجمع المسلمون أن كل ما خالف سيرته - صلى الله عليه وسلم - فهو ليس من الإسلام، فهل بعث برسالة غير رسالة الإسلام ؟!.
وكيف يؤمر بخلاف سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هل هو نبي أوحي إليه من جديد ؟ ولا نبي بعد خاتم الأنبياء، ولا وحي بعد وفاته، وكل من ادعى خلاف ذلك فهو مفتر دجال، لمعارضته للنصوص القطعية، وإجماع الأمة على ختم الوحي والنبوة بوفاة سيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم - .
ولكن هذه الروايات تصور ما في قلوب واضعيها من حقد على الناس، ولاسيما أمة الإسلام التي تخالفهم في نهجهم، وأنهم يتمنون يوماً قريباً آتياً يحققون فيه هذه " الأحلام " التي تكشف حقيقتها هذه الروايات، ويترجمها واقع الشيعة في العهد الصوفي، وفي دولة الآيات القائمة، وفي منظماتهم في لبنان .
__________
(1) الغيبة للنعماني ص(153)، بحار الأنوار (52/353) .(87/56)
ومعلوم أن أمير المؤمنين علياً الذي يزعمون التشيع له لم يكفرّ مخالفيه، ولم يقاتل إلا من بغى عليه، فقائمهم الذي يفعل هذه الأفاعيل ومن تبعه في نهجه، ليس من شيعة علي، وقد اعترفوا في روايتهم أن قائمهم لا يأخذ بسيرة علي، سئل الصادق - كما يزعمون - " أيسير القائم بخلاف سيرة علي ؟ فقال: نعم، وذاك أن علياً سار بالمن والكف لعلمه أن شيعته سيظهر عليهم من بعده، أما القائم فيسير بالسيف والسبي لأنه يعلم أن شيعته لن يظهر عليهم من بعده أبداً " (1).
وقال صادقهم يخاطب بعض الشيعة : " كيف أنت إذا رأيت أصاحب القائم قد ضربوا فساطيطهم في مسجد الكوفة ؛ ثم أخرج المثال الجديد، على العرب شديد.
قال ( الراوي ) : قلت: جعلت فداك ما هو ؟ قال: الذبح . قال: قلت: بأي شيء يسير فيهم، بما سار علي بن أبي طالب في أهل السواد ؟ قال: لا إن علياً سار بما في الجفر الأبيض، وهو الكف، وهو يعلم أنه سيظهر على شيعته من بعده، وأن القائم يسير بما في الجفر الأحمر وهو الذبح، هو يعلم أنه لا يظهر على شيعته (2).
6 - قتل الأسرى والجرحى :
ومهديهم أو نائبه خميني ومن بعده من شيوخهم إذا تملكوا من السلطة لا يرحمون أحداً ولو كان أسيراً، أو جريحاً، أو مولياً فاراً، وإن كان من المسلمين، لأنه لا إسلام عندهم إلا مذهب الروافض .
يقول النص : " القائم له أن يقتل المولّي ويجهز على الجريح " (3).
ولعل ما نسمعه من قتل الإيرانيين للأسرى في الحر الدائرة مع العراق تطبيق لهذا المبدأ وعمل به .
7 - القتل صفة دائمة ملازمة له :
تقول نصوصهم : " إن قائمهم ليس شأنه إلا القتل فلا يستبقي أحداً " (4) ، "ولا يستتيب أحداً " (5).
__________
(1) الغيبة للنعماني ص(153)، بحار الأنوار (52/353) .
(2) بحار الأنوار (52/318)، وهذه الرواية في بصائر الدرجات كما أشار إلى ذلك المجلسي .
(3) الغيبة للنعماني ص(121) .
(4) بحار الأنوار (52/231) .
(5) بحار الأنوار (52/349) .(87/57)
والمتابع للخميني منذ ظهوره يرى أنه قد حاول أن يلتزم بهذه الصفة لتحقيق صفة عموم ولاية الفقيه التي تبناها . ولن يتوقف عن عملية القتل المستمرة حتى يروي حقده إن كان لهذا سبيل، أو يأتي يوم يخشى فيه إزهاق روحه، أو إسقاط دولته، وإلا فإن القتل وإزهاق الأرواح عند هذه الفئات أحلى من العسل، وإيقاف ذلك أشد عليهم من تجرع السم الزعاف .
الفصل الرابع :
من أساليبهم
التي يمارسونها في الاعتداء كلما لاحت فرصة
ويشتمل على :
1 - مبدأ الغيلة .
2 - الدخول في الدوائر الأمنية للدول الإسلامية لتحقيق أهدافهم .
1 - مبدأ الغيلة :
تقرر بروتوكولاتهم : تصفية المسلمين ممن لا يأخذ بمذهبهم بواسطة الغيلة، ولا تشترط في ذلك إلا شرطاً واحداً، وهو أن يأمن الرافضي على نفسه .
واستمع إلى ما تقوله نصوصهم المقدسة عندهم :
أ - عند داود بن فرقد قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما تقول في قتل الناصب ؟
فقال: " حلال الدم، ولكني أتقي عليك فإن قدرت أن تقلب عليه حائطاً، أو تغرقه في ماء لكي لا يشهد به عليك فافعل " (1).
أي: استخدم أي وسيلة تمكنك من قتله بلا خوف على نفسك من المطالبات بدمك، والنواصب عندهم هم أهل السنة ؛ بل وحتى الشيعة المعتدلة كالزيدية - كما مرّ - .
ب - وينصح إمامهم بعض أتباعه بقتل الغيلة، أي: اقتل الخفي، فهو يقول: " أشفق إن قتلته ظاهراً أن تسأل لم قتلته ؟ ولا تجد السبيل إلى تثبيت حجة، ولا يمكنك إدلاء الحجة فتدفع ذلك عن نفسك، فيسفك دماً مؤمن من أوليائنا بدم كافر، وعليكم بالاغتيال " (2).
__________
(1) علل الشرائع لابن بابوية ص(200)، وسائل الشيعة (18/463)، بحار الأنوار (27/231) .
(2) رجال الكشي ص(529) .(87/58)
فهذا الإمام لا يشفق على قتل المسلمين، ولكن يشفق على ذلك الرافضي أن تقتله الدولة الإسلامية قصاصاً حين يقتل أحد المسلمين . ولذا يوصيه بمبدأ الغيلة طريقاً وأسلوباً في التعامل مع المخالفين وهم جميع المسلمين .
ج - وفي " رجال الكشي " يرفع أحد الروافض بياناً سرياً للمسؤول عن منظمته السرية يتضمن ذكر المجموعة المسلمة التي تمكن بطرق خفية من القضاء عليها. ويشرح بعض هذه الوسائل فيقول :
" منهم من كنت أصعد سطحه بسلّم حتى أقتله، ومنهم من دعوته بالليل على بابه فإذا خرج عليَّ قتلته " (1).
وذكر أنه قتل بهذه الطريقة وأمثالها ثلاثة عشر مسلماً لا ذنب لهم إلا أنهم لم يأخذوا بمذهبه .
__________
(1) رجال الكشي ص(342-434) .(87/59)
وقد عبرّ عن ذلك بقوله : إنهم يتبرءون من علي (1). والترضي عن الشيخين عندهم يعني البراءة من علي حتى قالوا : " لا ولاء إلا ببراء " أي: لا ولاية لعلي إلا بالبراءة من الشيخين ؛ بل إن الاعتقاد بإسلام الشيخين (فضلاً عن تقديمهما على الصحابة أجمعين) عندهم ذنب لا يغفر، وموجب لاستحلال الدماء المعصومة في الدنيا، كما أنه موجب للخلود في النار في الآخرة حتى جاء في أوثق مصادرهم عندهم : " ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم : من ادعى إمامة من الله ليست له (2)، ومن جحد إماماً من الله (3)، ومن زعم أن لهما في الإسلام نصيباً (4) ". وقوله : " لهما " يعني: لأبي بكر وعمر - رَضِيَ الله عَنْهُما - كما قال ذلك المجلسي في مرآة العقول .
__________
(1) الموضع نفسه من المصدر السابق .
(2) هذا تكفير لجميع خلفاء المسلمين إلى أن تقوم الساعة .
(3) هذا تكفير لكل المسلمين عدا طائفتهم الذين يقولون بإمامة الإثنا عشر، ولا يرون بيعة شرعية لأي خليفة، ولو كان في مثل إيمان أبي بكر وعدل عمر - رَضِيَ الله عَنْهُما - وجهاد علي - رضي الله عنه - .
(4) أصول الكافي (1/373-374) ، الغيبة للنعماني ص(70) ، تفسير العياشي (1/178)، بحار الأنوار (25/111) .(87/60)
د - وتوزيع بروتوكولاتهم صكوك الغفران، وضمان الجنان على من يقوم بقتل بعض المسلمين غيلة ... فهذا هو إمامهم " أمر بقتل فارس ابن حاتم القزويني وضمن لمن قتله الجنة " (1). وقال في مجلسه الخاص : " دمه هدر لكل من قتله فمن هذا الذي يريحني منه، ويقتله وأنا ضامن له على الله الجنة " (2). فاندتب لهذا العمل الإجرامي أحد محترفي القتل، ويدعي جنيد، الذي وصف لنا كيف تمت عملية الاغتيال فقال: " جئت إلى فارس ( اسم الرجل المقتول ) وقد خرج من المسجد بين الصلاتين المغرب والعشاء فضربته على رأسه فصرعته، وثنيت عليه فسقط ميتاً، ووقعت الضجة فرميت الساطور بين يدي، واجتمع الناس، وأخذت إذا لم يوجد هناك أحد غيري، فلم يروا معي سلاحاً ولا سكيناً، وطلبوا الزقاق والدور فلم يجدوا شيئاً، ولم ير أثر الساطور بعد ذلك (3).
فأنت ترى أن الاغتيال كان ضحيته أحد المسلمين الذي كان قد خرج لتوه من المسجد ساجداً لله راكعاً ... القاتل لم يصلّ، وتَرصَدَ لضحيته فأجهز عليه، وهو ينتظر بهذا القتل ضمان الإمام له الجنة، أو لا يعلم أنه من قتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم .
قال الله تعالى: { وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ ومن قتل مؤمناً خطأً فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصَّدقوا فإن كان من قوم عدوٍ لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليماً حكيماً } (4).
وهذا الأمر بالاغتيالات مبدأ سري يطبقونه ضد مخالفيهم، فالنصوص المذكورة هي أوامر بالاغتيالات في القرن الثالث مع وجود دولة الخلافة الإسلامية الكبرى التي تنفذ حدود الله .
__________
(1) رجال الكشي ص(524) .
(2) رجال الكشي ص(524) .
(3) الموضع نفسه من المصدر السابق .
(4) سورة النساء، الآية: (92) .(87/61)
إن مبدأ الاغتيال، وإصدار صكوك الجنة للقتلة من مبادئ الإمامة التي هي أساس المذهب عندهم، وما الاغتيالات وخطف الطائرات، وإطلاق الصواريخ على المدنيين، وزرع الألغام وأخذ المتفجرات لحرم الله الآمن إلا تطبيق لمبادئ هذه البروتوكولات، وحرصهم على اغتيال الشخصيات الكبيرة كالزعماء والعلماء، وكبار أهل الإسلام أشد وأعظم .
2 - الدخول في الدوائر الأمنية للدول الإسلامية لتحقيق أهدافهم :
وفي سبيل الوصول لأغراضهم قد يدخلون في الجهات الأمنية في الدولة الإسلامية ليتمكنوا بواسطة ذلك من التسلط على عباد الله الصالحين، وإلحاق الضرر والأذى بمخالفيتهم . ولذا فإن شيخهم وآيتهم نعمة الله الجزائري : يذكر أن أحد أفرادهم وصل إلى منصب وزارة في عهد هارون الرشيد، ويدعى علي بن يقطين (1)، وقد أثنى خميني في كتابه " الحكومة الإسلامية " على هذا الرجل لدخوله الشكلي - كما يعبر - في الدولة الإسلامية لنصرة الإسلام والمسلمين (يعني الرافضة ومذهبهم) (2).
فيحكي الجزائري : أن ابن يقطين تمكن بحيلة لم تكشف من قتل خمسمائة مسلم في يوم واحد فيقول : " إن علي بن يقطين وهو وزير الرشيد قد اجتمع في حبسه جماعة من المخالفين فأمر غلمانه وهدموا أسقف المحبس على المحبوسين، فماتوا كلهم وكانوا خمسمائة رجل تقريباً " (3).
وهو بهذه العملية يحقق هدفين :
الهدف الأول : يسيء إلى الدولة الإسلامية وسمعتها حيث يتوهم من يسمع بالخبر أن الدولة قد أودعت هؤلاء المساجين في سجن غير مأمون مهدد بالسقوط .
الهدف الثاني : التشفي بقتل خصومه ومخالفيه في المعتقد بهذه الطريقة الماكرة الخفية .
__________
(1) وقد وصفه الجزائري بأنه من خواص الشيعة ، الأنوار النعمانية (2/308)، وقد ذكر الطبري في تاريخه في حوادث 169 بأنه قتل على الزندقة، انظر: تاريخ الطبري (8/190) .
(2) انظر: الحكومة الإسلامية ص(142) .
(3) الأنوار النعمانية (2/308) .(87/62)
ويشير شيخهم نعمة الله الجزائري إلى أن ابن يقطين هذا قد خالف قانوناً من قوانين هذه الطائفة، وهو أن القيام بمثل هذه العمليات يلزم استئذان القيادة السرية العليا للطائفة، ولا يزال هذا القانون سارياً إلى اليوم (1).
يقول: " فأراد الخلاص من تبعات دمائهم، فأرسل إلى الإمام مولانا الكاظم (2)
__________
(1) ولذلك - مثلاً - قال شيخهم أحمد مغنية عما قام به القمي من إنشاء دار للتقريب في مصر : " ليس له ولا لغيره أن يقوم بمثل هذا العمل بدون إذن المراجع (يعني شيوخهم )، أحمد مغنية الخميني أقواله وأفعاله ص(27) .
(2) يعنون موسى بن جعفر بن محمد، وقد نسبوا إليه أنه يدعي أحقيته بالخلافة، وقد نفى ذلك نفياً قاطعاً، ويبدو أن الذي تولى كبر إشاعة هذه الفرية عليه هو هشام بن الحكم الرافضي، ومن لف لفه، وقد اتهمت نصوص الشيعة نفسها هشاماً بهذا الأمر، وأنه كان وراء سجنه موسى فقال: " هشام ابن الحكم ضال مضل شرك في دم أبي الحسن "، رجال الكشي ص(268) . وقد طلب منه أبو الحسن - كما تقول أخبارهم - أن يكف عن الكلام، ولكنه أمسك عن الكلام شهراً ثم عاد، فقال له أبو الحسن : أيسرك أن تشرك في دم امرئ مسلم ؟ قال: لا، قال: وكيف تشرك في دمي، فإن سكتّ وإلا فهو الذبح ؟ فما سكت حتى كان من أمره ما كان - صلى الله عليه وسلم - عليه، رجال الكشي ص(270-271، 279) .
وقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - إلى أن موسى الكاظم - رحمه الله - متهم بالتطلع للملك، ولذلك سجنه المهدي ؛ ثم الرشيد، منهاج السنة (2/155) .
والذي يظهر أن الذي وراء ترويج هذه الإشاعة هو - كما قلنا - هشام . ولذلك قال موسى الكاظم - رحمه الله - للمهدي العباسي لما أخذ عليه العهد ألا يخرج عليه ولا على أحد من أولاده فقال: والله ما هذا من شأني ولا حدثت فيه نفسي، البداية والنهاية (10/183) .(87/63)
(ع) فكتب إليه جواب كتابه بأنك لو كنت تقدمت إلي قبل قتلهم لما كان عليك شيء من دمائهم، وحيث أنك لم تتقدم إلي فكفر عن كل رجل قتلت منهم بتيس (1)، والتيس خير منه " (2).
فإمامه هنا (3) يقره على قتل خمسمائة مسلم لمجرد أنهم ليسوا بروافض، ولكن يأمره بالتكفير بتيس لا لأنه قتل جماعة من المسلمين، ولكن لأنه قد تصرف بدون أخذ أوامر من رؤوس المذهب، وهو ما يكنون عنه بالإمام فخالف قانون الطائفة فكلف بذبح هذه الذبائح ليحظى بأكلها الأتباع لتنبثق خطواتهم التخريبية في المستقبل من جهة مركزية تنظيمية واحدة (4).
وعلى ذلك إذا استأذن الرافضي إمامه، أو نائبه وهو الفقيه والمرجع فليفعل ما يريد، وإن لم يستأذن فالأمر لا يعود ذبح تيس " !!.
وقد علق شيخهم الجزائري على دية التيس التي يوجبونها على من قتل سنياً بدون إذن المرجع بقوله : " فانظر إلى هذه الدية الجزيلة التي لا تعادل دية أخيهم الأصغر، وهو كلب الصيد، إن ديته عشرون درهماً، ولا دية أخيهم الأكبر وهو اليهود أو المجوسي فإنه ثمانمائة درهم - كذا - وحالهم في الآخرة أخس وأنجس " (5).
__________
(1) التيس : ذكر الماعز .
(2) الأنوار النعمانية (2/308) .
(3) ونبرئ موسى الكاظم من ذلك إنما هي عصابات الرفض تنسب هذه الأوامر والنصوص للعلماء، أو للصالحين من أهل البيت لتحظى بالقبول والطاعة لدى أتباعهم، فإذا ذهب أحد هؤلاء الأتباع ليستوثق من صحة صدور هذه النصوص من هذا الإمام أو ذاك فأجابه الإمام بالإنكار والتبرئ، قالت: عصابات الرفض للأتباع إن هذا الإنكار منه تقية، والتقية تسعة أعشار الدين .
(4) وحتى الأمور المشروعة كالحج والزواج كانت تلك العصابات السرية تأخذ حين فعلها إذناً من الإمام كما ترى ذلك في التوقيعات السرية الصادر من المنتظر الموهوم .
(5) الأنوار النعمانية (2/308) .(87/64)
وهذا قول من الشناعة بمكان، ولا يحتاج إلى تعليق فهو ينطق بنفسه على حقدهم على أهل السنة، وأنهم أكفر عندهم من المجوس واليهود .
فانظر كيف يعيشون في وسط المسلمين، ويتسمون باسم الإسلام، وهم يتحينون أدنى فرصة للقتل، وهذه اعترافاتهم تشهد بآثارهم السوداء .
ولعل من يتابعون أخبار خطب الطائرات ينجلي عجبهم وهم يرون الخاطفين من الروافض يخلون سبيل اليهود والنصارى، ويبقون أهل السنة والمسلمين، ويقتلون بعضهم أو كلهم، كما يذبحون الخراف . وهم يتظاهرون بالإسلام، ويزعمون التمسك به والدعوة إليه . ذلك أن القتل عندهم للمسلمين من أعظم القرب والصالحات، وهذا هو دين الروافض، لا الإسلام الذي بعث الله به رسوله - صلى الله عليه وسلم - . والذي فيه من قتل نفساً - بغير حق - فكأنما قتل الناس جميعاً .
وقد شهد الإمام الشوكاني - رحمه الله - بذلك وهو ممن عرف الروافض وعاش بينهم فقال : " لا أمانة لرافضي قط على من يخالفه في مذهبه، ويدين بغير الرفض ؛ بل يستحل ماله ودمه عند أدنى فرصة تلوح له، لأنه عنده مباح الدم، والمال وكل ما يظهره من المودة فهو تقية يذهب أثره بمجرد إمكان الفرصة " (1).
وذلك فهم لا يتورعون عن اقتراف أي جريمة في المجتمع الإسلامي إذ أمنوا العاقبة، لأن غيرهم لا حرمة له، ولا أمان، وهذا ما يعرفه من عاش بينهم .
قال الشوكاني - رحمه الله - : " وقد جربنا وجرب من قبلنا فلم يجدوا رجلاً رافضياً يتنزه عن محرمات الدين كائناً ما كان، ولا تغتر بالظواهر، فإن الرجل قد يترك المعصية في الملأ، ويكون أعف الناس عنها في الظاهر، وهو إذا أمكنته فرصة انتهزها انتهاز من لا يخاف ناراً، ولا يرجو جنة " (2).
__________
(1) طلب العلم ص(70-71) .
(2) الموضع نفسه من المصدر السابق .(87/65)
ثم استشهد على ذلك ببعض مشاهداته الشخصية فقال: " وقد رأيت منهم من كان مؤذياً ملازماً للجماعات فانكشف سارقاً (1)، وآخر كان يؤم الناس في بعض مساجد صنعاء، وله سمت حسن وهدي عجيب وملازمة للطاعة، وكنت أكثر التعجب منه، كيف يكون مثله رافضياً ؟ ؛ ثم سمعت بعد ذلك عنه بأمور تقشعر لها الجلود، وترجف منها القلوب ؛ ثم ذكر رافضياً ثالثاً، وقال: كنت أعرف عنه في مبادئ أمره صلابة وعفة، فقلت: إذا كان ولابد من رافضي عفيف فهذا ؛ ثم سمعت منه بفواقر نسأل الله الستر والسلامة " (2).
ومهما بذل المسلم لهم من المال، أو أسدى من المعروف، أو قدم من البر والصلة فإنه لا يستطيع أن يزيل ذلك الحقد الأسود المرير، أو يمتص تلك الضغينة، أو يذيب جبالاً م الكراهية والبغضاء غرستها تربية الأيام والليالي في الصغر، وكونتها آلاف من الصفحات السود في مدونات جعلوا لها صفة القداسة، وصاغتها مناسك الزيارات وأدعيتها، وليالي الحسينيات، وتمثيليات العزاء في المحرم مما لا يخطر على بال من لم يخض في تراث الروافض وواقعهم .
ولذلك قال من جرب الحياة معهم : " وقد جربنا هذا تجريباً كثيراً فلم نجد رافضياً يخلص المودة لغير رافضي وإنْ آثره بجميع ما يملكه، وكان له بمنزلة الخول، وتودد إليه بكل ممكن، ولم نجد في مذهب من المذاهب المبتدعة ولا غيرها ما نجده عند هؤلاء لمن خالفهم " (3).
__________
(1) لأن أخذ مال المسلمين بطريق السرقة حلال في شرعهم - كما مر - كاليهود الذين قالوا : { ليس علينا في الأميين سبيل } .
(2) طلب العلم ص(73) .
(3) طلب العلم ص(73) .(87/66)
ويبدو أن هذا اللون من العداء لغيرهم قد أثر على علاقاتهم مع بعضهم، أو أصبح طبيعة لهم، وقد شهدت نصوص عندهم بهذا، وأشارت إلى البون الكبير بين ما عليه أهل السنة من صدق وأمانة ووفاء، وما عليه الروافض من سلوك إجرامي وخلق رديء . حتى قال أحدهم ويدعي عبد الله ابن كيسان لإمامه : " إني نشأت في أرض فارس، وإنني أخالط الناس في التجارات وغير ذلك، فأخالط الرجل فأرى له حسن السمت، وحسن الخلق، وكثرة الأمانة ؛ ثم أفتشه فأتبينه عن عداوتكم ( يعني أنه من أهل السنة ) وأخالط الرجل فأرى منه سوء الخلق، وقلة أمانة وزعارة (1) ؛ ثم أفتشه فأتبينه عن ولايتكم " (2) يعني من الروافض .
فإذا كانت هذه علاقاتهم مع بعضهم، وعدوانهم على بني جنسهم فهم على مخالفيهم أشد وأنكى، ولهذا ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : " أنهم يقولون أنهم - يعنون أهل السنة - تنصفوننا أكثر مما ينصف بعضنا بعضاً .
__________
(1) الزعارة : سوء الخلق، وفي بعض النسخ : الدعارة: وهو الفساد والفسوق والخبث، عن هامش الكافي (2/4) .
(2) أصول الكافي (2/4)، وتفسير نور الثقلين (4/47) .(87/67)
وهم حين يعيشون في دول سنية، أو دول لا تدين بمعتقدهم يتجه جهدهم إلى العمل والتخطيط للتمكين لمذهبهم وبني جنسهم، وإلحاق الضرر بغيرهم، ومن يقرأ ما فعله ابن يقطين بالمساجين المساكين، ويرى محاولات الروافض الدائبة في التسلل إلى أجهزة الأمن من مخابرات وشرطة ومباحث، وكذلك التغلغل في جيوش الدولة الإسلامية يعرف أن هدفهم من ذلك ليس خدمة الدولة، ولا الدفاع عنها ضد أعدائها، ولكن استغلال هذه الأجهزة في العدوان على المسلمين، ونصرة الرافضة، ومذهبهم كلما لاحت الفرصة، ولذا يعبر خميني عن دخولهم في العمل في الحكومات الإسلامية بالدخول الشكلي، وقد يضعون من التقارير ويزينون للحكومات بعض التوجيهات التي يخدمون بها أهدافهم . وقصة ابن العلقمي الرافضي الذي استوزره المستعصم أربع عشر سنة مشهورة معروفة .
فقد كان هذا الرافضي من أهم أسباب سقوط دولة الخلافة في بغداد، واستيلاء التتار عليها كما هو معلوم من كتب التاريخ (1)، وقد أثنى الروافض على صنيعه هذا وعدُّوه من أعظم مناقبه (2).
القسم الثاني :
بروتوكولات للتغيير الفكري
ويشتمل على ثلاثة فصول :
الفصل الأول : محاولة تغيير الكتاب والشريعة
الفصل الثاني : تغيير أصل الدين ( وهو التوحيد )
الفصل الثالث : تحويل المسلمين إلى كربلاء
الفصل الأول :
محاولة تغيير الكتاب والشريعة
ويشتمل على :
1 - محاولة تغيير القرآن الكريم :
2 - الشريعة الجديدة المنتظرة :
1 - محاولة تغيير القرآن الكريم :
__________
(1) انظر: في قصة تآمره : فوات الوفيات لابن شاكر الكتبي (2/313)، العبر للذهبي (5/225)، طبقات الشافعية للسبكي (8/262-263)، البداية والنهاية (13/202-203) .
(2) انظر: روضات الجنات (6/300-301) .(87/68)
يقول النص : " كأني بالعجم فساطيطهم في مسجد الكوفة يعلمون الناس القرآن كما أنزل، قلت (الراوي) : أوليس كما أنزل فقال: لا، محي منه سبعون من قريش بأسمائهم، وأسماء آباء آبائهم، وما ترك أبو لهب إلا إزراء على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآله لأنه عمه " (1).
هذه أمنية يتمنوه تحقيقها على يد منتظر يزعمون أنه يقيم له دولة في آخر الزمان، وشيوخهم يزعمون أنهم سينوبون عنه في إقامة الدولة، وتحقيق أماني الرافضة، ولاسيما أنهم يدعون بأن لهم صلة مباشرة بالمنتظر، حتى ألف واحد من أكابر شيوخهم في هذا العصر كتاباً في هذه " الأكذوبة " بعنوان : " جنة المأوي فيمن فاز بلقاء الحجة في الغيبة الكبرى " . وقال شيخهم محمد تقي المدرسي (2): " لا نستبعد - بل هو كائن فعلاً - وجود علاقات سرية بين الإمام وبين مراجع الشيعة، وهذا لا حقيقة له إلا في خيال الرافضة، وبين مراجع الشيعة وهذا هو السر العظيم " (3). وبهذه الترهات يخدعون أتباعهم ويضفون على ( آياتهم ) صفة القداسة .
فهل يحاولون تحريف القرآن بالقوة، وصرف الناس عن كتاب الله بتهديد السلاح إلى كتاب، وشريعة يخترعونها توافق أهواءهم ؟ هذا ما تشير إليه هذه البروتوكولات، والله غالب على أمره، وحافظ كتابه ولو كره الكافرون .
2 - الشريعة الجديدة المنتظرة :
__________
(1) النعماني، الغيبة ص(171-172)، فصل الخطاب ص(7) .
(2) وقد كان يعيش إلى فترة زمنية ريبة في بعض دول الخليج يمارس مهمة الهدم والتخريب حتى تم إبعاده لاشتراكه في مؤامرة ضد الحكومة القائمة .
(3) الفكر الإسلامي مواجهة حضارية ص(305) .(87/69)
والتي سيحكم به الرافضة عند قيام دولتهم الكبرى وسيطرتها على العالم الإسلامي - كما يتمنون فيحكمون بها بمقتضى عقيدتهم عموم ولاية الفقيه، عن المهدي ولذا نص دستورهم أن سنة المعصومين ( لا سنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ) هي عمدة تشريعهم . وآخر المعصومين عنده هو هذا الغائب المزعوم الذي ينوب عنه فقهاؤهم.
فترى عمدتهم وحجتهم ابن بابوية في كتابه الاعتقادات التي تسمى دين الإمامية يشير إلى أن مهديهم إذا رجع من غيبته ينسخ شريعة الإسلام فيما يتعلق بأحكام الميراث، فيذكر عن الصادق أنه يقول : " إن الله آخى بين الأرواح في الأظلة قبل أن يخلق الأبدان بألفي عام، فلو قد قام قائمنا أهل البيت أورث الأخ الذي آخى بينهما في الأظلة ، ولم يرث الأخ من الولادة " (1).
فهذه الرواية تكشف عما تختلج في نفوس أرباب تلك العصابة من رغبة في إحلال العلاقة الحزبية والتنظيمية بين أفرادها محل القرابة والولادة في الميراث، ونهب أموال الناس باسم هذه العلاقة والأخوة ! وما تحلم به عند قيام دولتها الموعودة من تطبيق هذه التطلعات والتي أرادت إعطاءها صيغة مقبولة بنسبتها لآل البيت .
كما تفصح هذه الرواية عن موقف واضعي هذه الروايات من تطبيق الشريعة الإسلامية، ورغبتهم في تعطيلها ... ؛ ثم هي تعكس مضموناً إلحادياً يسعى لهدم الشريعة، والخروج على عقيدة ختم النبوة .
وهذه الدعوى فضلاً عن أنها خروج عن شريعة الإسلام فهي مخالفة لمنطق العقل، فالتوارث منوط بالعلاقة الظاهرة من الولادة والقرابة، أما المؤاخاة الآلية فلا يدركها البشر، فكيف تكون أساساً لقسمة الميراث .
__________
(1) الاعتقادات ص(83) .(87/70)
بل إن الحكم والقضاء في دولة المنتظر يقام على غير شريعة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، جاء في الكافي وغيره، قال أبو عبد الله : " إذا قام قائم آل محمد بحكم داود وسليمان ولا يسأل بينة " (1)، وفي لفظ آخر : " إذا قام قائم آل محمد حكم بين الناس بحكم داود عليه السلام ولا يحتاج إلى بينة " (2).
وقد تبنى ثقة دينهم الكليني هذه العقيدة وبوب لها باباً خاصاً بعنوان : " باب في الأئمة عليهم السلام أنهم إذا ظهر أمرهم حكموا بحكم داود وآل داود ولا يسألون البينة " (3). ولا يخفى ما في هذا الاتجاه من عنصر يهودي، ولهذا علق بعضهم على هذا العنوان بقوله : " أي أنهم ينسخون الدين المحمدي ويرجعون إلى دين اليهود " (4).
فانظر كيف يحلم مدعوا التشيع - الذين لبسوا ثوب التشيع زوراً وبهتاناً - بدولة تحكم بغير شرع الإسلام .
وتشير بعض رواياتهم إلى أنه يحكم بحكم آدم مرة، ومرة بحكم داود، ومرة بقضاء إبراهيم، ولكن يعارضه في هذا الاتجاه للحكم بغير شريعة الإسلام بعض أتباعهم إلا أنه يواجه هذه المعارضة بشدة حيث يأمر بهم فتضرب أعناقهم (5).
وتقدم رواياتهم بعض أحكامهم وأقضيته فتقول : إنه يحكم بثلاث، ولم يحكم بها أحد قبله يقتل الشيخ الزاني، ويقتل مانع الزكاة، ويورث الأخ أخاه في الأظلة (6)، وأنه يقتل من بلغ العشرين ولم يتفقه في الدين ... الخ " (7).
__________
(1) أصول الكافي (1/397) .
(2) المفيد، الإرشاد ص(413)، الطبرسي، أعلام الورى ص(433) .
(3) أصول الكافي (1/397) .
(4) محب الدين الخطيب في تعليقه على المنتقى ص(302) (هامش 4) .
(5) انظر: بحار الأنوار (52/389) .
(6) الخصال لابن باوية ص(169)، بحار الأنوار (52/259)، بشارة الإسلامي لشيخهم المعاصر الكاظمي ص(275) .
(7) أعلام الورى للطبرسي ص(431)، بحار الأنوار (52/152) .(87/71)
كما تقوم دولة الغائب ( أو نائبه حسب مذهب الروافض ) على الحكم لأهل كل ملة بكتابهم مع أن الإسلام لم يجز لأحد أن يحكم بغير شريعة القرآن باتفاق المسلمين (1).
تقول بروتوكولاتهم : " إذا قام القائم ... استخرج التوراة وسائر كتب الله تعالى من غاب بأنطاكية حتى يحكم بين أهل التوراة بالتوراة، وبين أهل الإنجيل بالإنجيل، وبين أهل الزبور بالزبور، وبين أهل القرآن بالقرآن " (2). فهذا القانون ( بغض النظر عن الجانب الخرافي في الرواية ) يصور ما يطمح إليه شيوخ الروافض مما يشبه إلى حد كبير فكرة الديانة العالمية التي ترفع شعار الماسونية . وهي فكرة إلحادية تقوم أساساً على إنكار الديانات السماوية تحت دعوى حرية الفكر والعقيدة .
كتاب جديد وقضاء جديد يفرضان على الناس بعد الاستيلاء على مكة :
في حومة هذه البروتوكولات التي تسعى لتغيير كتاب الله سبحانه، وابتداع شريعة جديدة لم يأذن بها الله، والرجوع إلى حكم داود لا شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - وتطبيق شرائع الأديان لا حكم القرآن . نلتقي بعد ذلك ببروتوكول آخر يعد نتيجة لهذه المقدمات والتغيرات ويتم إعلانه بعد الاستيلاء على مكة المكرمة وهو إلغاء مهديهم ( أو نائبه وفق الاتجاه لعمون ولاية الفقيه ) لحكم القرآن وإحلال كتاب آخر محله .
يقول النص : " يقوم القائم بأمر جديد، وكتاب جديد، وقضاء جديد (3)، لكأني انظر إليه بين الركن والمقام يبايع الناس على كتاب جديد " (4).
الفصل الثاني : تغيير أصل الدين ( وهو التوحيد )
__________
(1) انظر: منهاج السنة النبوية لشيخ الإسلام ابن تيمية (3/127)، أو مختصره للذهبي المنتقى ص(343) .
(2) الغيبة للنعماني ص(157)، بحار الأنوار (52/351) .
(3) الغيبة للنعماني ص(154)، بحار الأنوار (52/354)، إلزام الناصب لشيخهم وآيتهم المعاصر اليزدي الحائري (2/283) .
(4) الغيبة للنعماني ص(176)، بحار الأنوار (52/135) .(87/72)
ومن شعاراتهم في ذلك : إعلان البراءة من المشركين ، هذا من شعارات الروافض في البلد الحرام، في حج هذه الأعوام، والذي يجهل مذهب هؤلاء القوم يظن أن المقصود البراءة من عبادة غير الله سبحانه، والتبرئ ممن يعبد غير الله ... ولاشك بأن من أصول الإسلام البراءة من الشرك وأهله، ولكن الأمر عند هؤلاء خلاف ذلك تماماً فهم أمروا برفع هذا الشعار في هذا التجمع الإسلام الكبير ... يريدون بالبراءة من المشركين من حكام المسلمين من أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - إلى أن تقوم الساعة .
ولو كان حكام المسلمين اليوم في مثل إيمان أبي بكر وعدل عمر لا ينفعهم ذلك فهم في عداد المشركين، وهم طواغيث، وأصنام يعبدون من دون الله .
كما لا ينفع حجاج بيت الله الحرام إخلاصهم لله، ولا ينجيهم توحيدهم لله من وصمهم بالشرك والمشركين، إلا إذا بايعوا حكام الروافض وتبرءوا من حكام المسلمين جميعهم من أبي بكر إلى أن تقوم الساعة .
والخطورة الكبرى لهذا الأمر أنه محاولة لنسخ دين الإسلام الذي أساسه وأصله التوحيد، وقد استفاضت نصوصهم في تأويل نصوص التوحيد بالشرك (1)، كما أن مفهوم الشرك عند الرافضة يؤكد أن مذهبهم هو عين مذهب المشركين، ولذا ظهر خميني في كتابه " كشف الأسرار " داعياً للشرك مدافعاً عن ملة المشركين، فهو يقول: - مثلاً - تحت عنوان ( طلب الحاجة من الأموات ليس شركاً ) : إن طلب الحاجة من الأموات ليس بشرك ؛ بل يصل به الأمر إلى القول: " إن طلب الحاجة من الحجر أو الصخر ليس شركاً " (2). ويقول: " إننا نطلب المدد من الأرواح المقدسة للأنبياء والأئمة ممن قد منحهم الله القدرة " (3).
__________
(1) انظر: كتب التفسير عندهم كتفسير القمي، والصافي، والبرهان، وتفسير العياشي وغيرهما .
(2) كشف الأسرار ص(49) .
(3) كشف الأسرار ص(49) .(87/73)
ذلك أن الشرك عند هذه الفئة هو أن يتولى على بلاد المسلمين أحد من غير طائفتهم فهذا هو الجرم الأكبر، والشرك الذي لا يغفر، يقول في كتابه (الحكومة الإسلامية) : " توحيد نصوص كثيرة تصف كل نظام غير إسلامي (يعني رافضي) بأنه شرك والحاكم، أو السلطة فيه طاغوت، ونحن مسئولين عن إزالة آثار الشرك من مجتمعنا المسلم ونبعدها تماماً عن حياتنا " (1). وقد بدأ في إعلان تنفيذ هذه الإزالة في حرم الله الآمن، لا لإزالة عبادة غير الله؛ بل لإقامة الرفض، ولعن الصحابة وتكفيرهم، وتطبيق الشرك في العالم الإسلام كله، لأن دين هؤلاء الولاية لا التوحيد .
ولذا فإن الشرك قد ضرب بجرانه في أقطارهم، ولا عجب فهم يؤولون كل ما جاء من النهي في كتاب الله من أشرك بالشرك بولاية علي، لا الشرك في عبادة الله ؛ إليك هذه النصوص من كتبهم :
1 - عن أبي جعفر عليه السلام قال: ما بعث الله نبياً قط إلا بولايتنا والبراء من عدونا وذلك قول الله في كتابه : { ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين } (2).
2 - وعن أبي عبد الله في قوله تعالى : { وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون } (3). يعني بذلك ولا تتخذوا إمامين إنما إمام واحد (4).
__________
(1) الحكومة الإسلامية ص(33-34) .
(2) سورة النحل، الآية: (36)، انظر: تفسير العياشي (2/258)، وتفسير البرهان (2/368)، وتفسير الصافي (1/923)، وتفسير نور الثقلين (3/53) .
(3) سورة النحل، الآية : (51) .
(4) تفسير العياشي (2/261)، والبرهان (2/373)، ونور الثقلين (3/60) .(87/74)
3 - وعن الباقر في قوله سبحانه : { ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين } (1). قال : لئن أمرت بولاية أحد مع ولاية علي - عليه السلام - ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين(2).
4 - وعن عبد الله في قوله سبحانه : { قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً } (3). قال: العمل الصالح: المعرفة بالأئمة، ولا يشرك بعبادة ربه أحداً : التسليم لعلي لا يشرك معه في الخلافة من ليس ذلك له، ولا هو من أهله (4). وفي رواية أخرى لهم عن أبي عبد الله - عليه السلام - في قوله : قال: لا يتخذ مع ولاية آل محمد - صلوات الله عليهم - غيرهم (5).
5 - عن جابر الجعفي عن أبي جعفر في قوله سبحانه : { وآمنوا بما أنزلت مصدقاً لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتروا بآباتي ثمناً قليلاً وإياي فاتقون } (6) قال : يعني علياً (7).
__________
(1) سورة الزمر، الآية: (65) .
(2) تفسير الصافي (2/472)، وقد نقل هذه الرواية عن القمي شيخ الكليني في تفسيره، وانظر: تفسير نور الثقلين (4/498) .
(3) سورة الكهف، الآية : (110) .
(4) تفسير العياشي (2/353) ، والبرهان (2/497)، وتفسير الصافي (2/36)، وتفسير نور الثقلين (3/317-318) .
(5) تفسير الصافي (2/361) .
(6) سورة البقرة، الآية: (41) .
فالضمير يعود كما هو واضح من السياق إلى القرآن الكريم، وهم أرجعوه إلى ( علي ) - رضي الله عنه - وهو غير مذكور أصلاً، والخطاب في الآية لبني إسرائيل .
(7) تفسير العياشي (1/42) .(87/75)
6 - وعن جابر الجعفي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله: { ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعاً وأن الله شديد العذاب } (1). قال: فقال: هم أولياء فلان، وفلان، وفلان ( يعنون أبا بكر وعمر وعثمان رَضِيَ الله عَنْهُم ) اتخذوهم أئمة من دون إمام (2).
7 - وعن أبي عبد الله في قوله سبحانه : { فريقاً هدى وفريقاً حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون } (3). قال: يعني أئمة دون أئمة الحق (4).
8 - وعن جابر الجعفي - عليه السلام - قال : أما قوله : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيماً } (5). يعني: أنه لا يغفر لمن يكفر بولاية علي، وأما قوله: { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيماً } يعني: لمن والى علياً عليه السلام (6).
والروايات في هذا الباب كثيرة، وهي محاولة لهدم الأصل الأول في الإسلام، وهو التوحيد، وإعطاء الشرك صفة الشرعية، وهي كذلك محاولة خطيرة بتفسير التوحيد والشرك والكفر بغير معانيها الحقيقية .
الفصل الثالث : تحويل المسلمين إلى كربلاء
__________
(1) سورة البقرة، الآية: (165) .
(2) انظر: تفسير العياشي (1/72)، والبرهان (1/172)، والصافي (1/156) .
(3) سورة الأعراف، الآية: (30) .
(4) تفسير الصافي (1/571) .
(5) سورة النساء، الآية: (48) .
(6) تفسير العياشي (2/245-246) ، والصافي (1/361) ، والبرهان (1/375) ، وتفسير نور الثقلين (1/488) .(87/76)
وبعد الهدم والتخريب الذي يحلم به هؤلاء الزنادقة للحرمين الشريفين فإنهم يريدون أن يصرفوا المسلمين عنة إلى كعباتهم ومشاهدهم الخاصة بهم، وقد وضعوا نصوصاً كثيرة في هذا سيجري محاولة تطبيقها على المدى الطويل، ونشرها بين المسلمين بالقوة تحت ستار تصدير الثورة في العالم الإسلامي وهي تجري ي اتجاهين :
الاتجاه الأول : محاولات يائسة للنيل من الكعبة والتطاول على قدسيتها فمن بروتوكولاتهم خططهم العمل على التهويب من شأن بيت الله العظيم، فقد وضعوا نصوصاً خطيرة في هذا الشأن ونسبوها - كذباً - لبعض أهل البيت كجعفر الصادق وغيره لتحظى بالقبول، وتنال القداسة في نفوس الأتباع، لاسيما أنهم أوهموا هؤلاء الأتباع بأن أولئك الآل لا يسهون، ولا يخطئون، لا يغفلون، وقولهم كقول الله ورسوله... وهذه النصوص لا تبقي في نفوس من يؤمن بها أي قداسة لبيت الله الحرام .
تتحدث نصوصهم - مثلاً - عن محاورة جرت بين كربلاء والكعبة فيقول جعفرهم (1): " إن أرض الكعبة قالت من مثلي، وقد بني بيت الله على ظهري يأتيني الناس من كل فج عميق وجعلت حرم الله وأمنه .
فأوحى الله إليها - كما يفترون - أن كفي وقري ما فَضْلُ ما فضلت به فيما أعطيت كربلاء إلا بمنزلة الإبرة غرست في البحر فحملت من ماء البحر، ولولا تربية كربلاء ما فضتلك، ولولا من تضمنه أرض كربلاء ما خلقتك، ولا خلقت البيت الذي به افتخرت، فقري واستقري وكوني ذنباً متواضعاً ذليلاً مهيناً غير مستنكف، ولا مستكبر لأرض كربلاء، وإلا سخت بك وهويت بك في نار جهنم " (2).
__________
(1) لأن الجعفر الصادق الذي تنقل أقواله كتبهم ليس جعفر المعروف عند المسلمين ويبوء بإثم هذه المنقولات أولئك المفترون عليه .
(2) كامل الزيارات ص(270)، بحار الأنوار ج(101)، ص(109) .(87/77)
ولكن الكعبة لم تقبل الأم الإلهي، وتلتزم بالتواضع، وتصبح كالذنب الذليل المهين لأرض كربلاء - كما تقول نصوصهم - فحلت بها العقوبة من الله ؛ بل إن العقوبة حلت بكل أرض وماء لإعراضها عن التواضع لكربلاء، يقول النص عندهم : " فما من ماء ولا أرض إلا عوقبت لترك التواضع لله، حتى سلط الله على الكعبة المشركين، وأرسل إلى زمزم ماء مالحاً حتى أفسد طعمه ..." (1).
فالكعبة في نظرهم تستحق السحق من جيش أبرهة، وزمزم في ذوق هؤلاء الزنادقة فاسد الطعم :
ومن يكن ذا فم مُرّ مريض يجد مراً به الماء الزلالا
وهو يستوجب أن يوضع فيه من المواد ما يحوله عن عذوبته وحلاوته .
كل ذلك لأن المسلمين يتجهون إلى بيت الله الحرام، ويتزاحمون على الشرب من ماء زمزم وهذا - في نظرهم - تطاول على كعبتهم ( كربلاء ) لا ينبغي أن يمر بدون عقاب لهذه المقدسات .
وقد يقومون اليوم بإجراء ضد كبرياء الكعبة وزمزم لأن الحجاج يزيدون وتعظيمهم وتوقيرهم للكعبه ينمو، وهذا يغيظ هذه الفئات الحاقدة فهو كبرياء ضد كربلاء .
ولذلك فإن ما قام به بعض الروافض في أعوام خلت من محاولة تدنيس الحجر الأسود بعذرة كان يحملها هو تعبير عن هذا المعنى الخرافي الذي رُبىَ عليه (2).
ثم تتحدث نصوصه بأنه لم ينج من العقوبة الكونية العامة إلا كربلاء .
على الرغم من أنها افتخرت وتكبرت وقالت : " أنا أرض الله المقدسة المباركة الشفاء في تربتي ومائي " (3).
__________
(1) الموضع نفسه من المصدرين السابقين .
(2) في سنة 1087 يوم الخميس الموافق 8 شوال أصبح الناس، فإذا الكعبة المشرفة ملطخة بعذرة، أو بما يشبه العذرة من جميع جوانبها، وكذلك الحجر الأسود والركن اليماني .
انظر: تاري الكعبة المعظمة لحسين باسلامة ص(380) .
(3) كامل الزيارات ص(270)، بحار الأنوار ج(101)، ص(109) .(87/78)
وكثيراً ما يحاولون أن يغرسوا في نفوس الأتباع استشعار مزية كربلاء وفضلها على بيت الله الحرام . فقد نسبوا - مثلاً - لعلي بن الحسين أنه قال: " اتخذ الله أرض كربلاء حرماً آمناً مباركاً قبل أن يخلق الله أرض الكعبة، ويتخذها حرماً بأربعة وعشرين ألف عام، وقدسها وبارك عليها فما زالت قبل خلق الله الخلق مقدسة مباركة، ولا تزال كذلك حتى يجعلها الله أفضل أرض في الجنة، وأفضل منزلة ومسكن يسكن فيه أولياؤه في الجنة (1)، ونصوصهم في هذا الباب كثيرة (2). وتقديسهم لأرض كربلاء لأنها - على حد زعمهم - ضمت جسد الحسين فاستمدت قداساتها بوجوده فيها . فهل كان الحسين مدفوناً فيها قبل خلق الكعبة بأربعة وعشرين ألف عام ؟! أم هي معدة لاستقباله منذ غابر الأزمان ؟!.
وإذا كان هذا الفضل بوجود جسد الحسين فلماذا لم تفضل المدينة وفيها جسد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
إن هذا التناقض يكشف أنه ليس الهدف تقديس الحسين، ولكنه الكيد للأمة ودينها، وصرفها عن قبلتها وحجها .
__________
(1) بحار الأنوار ج(101)، ص(107) .
(2) تجد هذه النصوص مع غيرها من الأقوال التي تتعلق بمشاهدهم في كتب المزار عندهم وقد خصص المجلسي ثلاثة مجلدات من كتابه البحار .(87/79)
وقد يقول قائل: إن ما سطرته إنما هي مقالات السابقين من الرافضة فكيف يحاسب هؤلاء بما سطرته زنادقة العصور الماضية، وأقول إن هذه النصوص منقولة من كتب يعتمد عليها رافضة هذا العصر، ويقدسون نصوصها، وعليها مقدمات مراجعهم المعاصرين وتعليقاتهم وتقريظاتهم وتوثيقاتهم بلا اعتراض، أو نقض لهذه المقالات الزائفة؛ بل ثناء وتأييد . فهي عندهم كصحيح البخاري ومسلم عند جماعة المسلمين، ومع ذلك إذا أردت بعض أقوال المعاصرين في هذا الشأن فاقرأ ما يقوله، ويترنم به كبير مراجعهم وآياتهم في هذا العصر وهو محمد حسين آل كاشف الغطا شيخ مراجعهم الموجودين، ومن يعد عند بعض أهل السنة الذين لم يطلعوا على حقيقته من المعتدلين، ولهذا قدموه إماماً لهم في مؤتمر القدس الأول (1) لأن له وجهين وقولين، والتقية لا تنتهي أسرارها وأساليبها عندهم .
يقول - مشيداً بكربلاء - ومفضلاً لها على بيت الله الحرام مخالفاً لنص القرآن وإجماع المسلمين :
ومن حديث كربلاء والكعبة لكربلاء بان علوُّ الرتبةِ
ثم يؤكد بعد ذكره لهذا البيت أن هذا من ضرورات مذهبهم فيقول بأن كربلاء " أشرف بقاع الأرض بالضرورة " (2).
وانظر إلى ما يقوله أيضاً مرجعهم الآخر في هذا العصر، وآيتهم التي ينسبونها زوراً إلى الله وهو ميرزا حسين الحائري ( وهو يعيش الآن في بعض دول الخليج ) يقول: " كربلاء تلك التربة الطيبة الطاهرة، والأرض المقدسة التي قال في حقها رب السماوات والأرضيين (3) مخاطبة للكعبة حين افتخرت على سائر البقاع : قري واستقري لولا أرض كربلاء وما ضمته لما خلقتك " (4).
__________
(1) انظر: تعليق محمد رشيد رضا في المنار على تقديم محمد حسين آل كاشف الغطا إماماً لهم الصلاة في مجلة المنار المجلد (29)، ص(628) .
(2) الأرض والتربة الحسينية ص(56-65) .
(3) انظر: كيف يفترون الكذب على رب العالمين، وإنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون .
(4) أحكام الشيعة (1/32) .(87/80)
ثم يعقب على ذلك بقوله : " وكذلك أصبحت هذه البقعة المباركة بعدما صارت مدفناً للإمام علي - رضي الله عنه - مزاراً للمسلمين !! وكعبة للموحدين !! ومطافاً للملوك والسلاطين !! ومسجداً للمصلين (1) !!.
وهذا رافضي آخر وهو ممن نال شهادة علمية (الدكتوراه) تقتضي أن لا تدخل مثل هذه الأفكار إلى ذهنه، ولكنه التعصب والتحزب الذي يعطل ملكة العقل، ويشل حركة التفكير، فها هو يأخذ بأساطيرهم في هذا فيقول : بأن نصوصهم قد اعتبرت كربلاء أفضل بقاء الأرض فهي تعتبر عند الشيعة أرض الله المختارة المقدسة المباركة وهي حرم الله، وقبة الإسلام، وفي تربتها الشفاء، وهذه المزايا لم تجتمع لأي بقعة حتى الكعبة (2). ويقول آيتهم العظمى محمد الشيرازي بأننا : " نقبل أضرحتهم كما نقبل الحجر الأسود وكما نقبل جلد القرآن " (3).
هذا ما تفتريه هذه الطغمة، ولكن الله يقول : { إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدىً للعالمين * فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين } (4).
فهل بعد هذا مجال لافتراء مفترٍ : { إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم } (5).
الاتجاه الثاني : التهوين من شأن الحج، وتفضيل الحج إلى المشاهد على الحج لبيت الله :
وسأقدم تصويراً لهذا الاتجاه أوضح فيه بالأمثلة - المستقاة من مصادرهم المعتمدة - محاولاتهم لوضع نصوص كثيرة منسوبة لبعض أهل البيت - زوراً وبهتاناً - لتخدمهم في هذا الغرض .
__________
(1) أحكام الشيعة (1/32) .
(2) د. محمد جواد طعمة، تاريخ كربلاء ص(115-116)، والكتاب موثق من عدد من آياتهم (انظر: مقدمة الكتاب ) .
(3) مقالة الشيعة، المرجع الديني محمد الشيرازي ص(8) .
(4) سورة آل عمران، الآية: (96-97) .
(5) سورة محمد، الآية: (34) .(87/81)
ثم أبين تخصيصهم لزيارة كربلاء يوم عرفة بمزية خاصة، وماذا يقولون عن زيارة الحسين، وزوار الحسين، والمناسك التي وضعوها على غرار بعض مناسك الحج والعمرة، كمحاولة للقيام بغزو فكري لصرف المسلمين عن بيت ربهم، ويبدو أنهم يقدمون بنشر هذا الاتجاه الفكري بعد محاولاتهم إشعال الفتنة في أرض الحرمين، فاستمع الآن إلى ما يقولون : " قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : " حدثني الثقات أن فيهم من يرى الحج إلى المشاهد أعظم من الحج إلى البيت العتيق، فيرون الإشراك بالله أعظم من عبادة الله وحده، وهذا من أعظم الإيمان بالطاغوت " (1).
هذه المسألة التي قال عنها عالم من أكبر علماء أهل السنة المعنيين بتتبع أمر الرافضة والرد عليهم بأنه قد وصله خبرها عن طريق بعض الثقات هي اليوم مقررة ومعلنة في المعتمد من كتب الإثنا عشرية في عشرات من الروايات تنص على أن زيارة المشهد أفضل من الحج إلى بيت الله الحرام .
جاء في الكافي وغيره : " إن زيارة قبر الحسين تعدل عشرين حجة، وأفضل من عشرين عمرة وحجة " (2).
وحينما قال أحد الرافضة لإمامه : " إني حججت تسع عشرة حجة، وتسع عشرة عمرة " - أجابه الإمام بأسلوب يشبه السخرية - قائلاً : " حج حجة أخرى، واعتمر عمرة أخرى، تكتب لك زيارة قبر الحسين عليه السلام " (3).
فكأنه يقول له علام تبذل كل هذا الجهد، وزيارة قبر الحسين أفضل من عملك هذا ؛ ثم تراه وجهه لإكمال عشرين حجة وعمرة ليتحقق له بذلك فضل زيارة واحد لقبر الحسين، ولم يوجهه لزيارة الحسين، وذلك زيادة في التقريع وإظهار السخرية وإبداء التحسر .
__________
(1) منهاج السنة (2/124) .
(2) فروع الكافي (1/324)، ابن بابوية، ثواب الأعمال ص(52)، الطوسي، تهذيب الأحكام (2/16)، ابن قولوية، كامل الزيارات ص(161)، الحر العاملي، وسائل الشيعة (10/348) .
(3) الطوسي تهذيب الأحكام (2/16)، وسائل الشيعة (10/348)، بحار الأنوار (101/38) .(87/82)
وتذهب رواياتهم إلى المبالغة بأفضلية قبر الحسين وقبور سائر الأمة على الركن الخامس من أركان الإسلام حج بيت الله الحرام، وتصل في ذلك إلى درك من العته والجنون، أو الزندقة والإلحاد لا يكاد يصل إليه أحد في هذا الباب، حتى ليقول القائل بأن هذا دين المشركين لا دين المسلمين الموحدين، لأن هؤلاء يقدمون لنا ديناً آخر غير ما يعرفه المسلمون، دين شيوخهم وآياتهم لا دين رب العالمين، وتخرصات وأوهام رجالهم، لا وحي سيد المرسلين، فهي أشبه ما تكون بمؤامرة تغيير دين المسلمين، وتغيير قبلة المسلمين، بيت رب العالمين، وتقدم لنا رواياتهم هذا المعنى بصور مختلفة، وأساليب متنوعة لتؤثر في قلوب السذج والجهلة، وتخدع عقول الناشئة والعجم، فما أسرع تأثير البدعة في هؤلاء (1).
__________
(1) ولذلك قال أيوب السختياني - كما يروي اللالكائي - إن من سعادة الحدث الأعجمي أن يوفقهما الله لعالم من أهل السنة، شرح أصول اعتقاد أهل السنة (1/60) .(87/83)
فهذا أحد الأعراب يشد الرجل من اليمن لزيارة الحسين - كما تزعم أساطيرهم - فيلتقي بجعفرهم الذي يسمونه بالصادق، لأن جعفر بن عبد الله بريء من افتراءات هؤلاء وأكاذيبهم، فيسأله جعفر عن أثر زيارة قبر الحسين فقال هذا الأعرابي: إنه يرى البركة من ذلك في نفسه وأهله وأولاده وأمواله وقضاء حوائجه، فقال أبو عبد الله - كما تقول الرواية - : أفلا أزيدك من فضله فضلاً يا أخا اليمن ؟ قال : زدني يا ابن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إن زيارة أبي عبد الله عليه السلام - يعني نفسه - تعدل حجة مقبولة زاكية مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآله فتعجب من ذلك، فقال له: أي والله وحجتين مبرورتين متقبلتين زاكيتين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآله فتعجب، فلم يزل أبو عبد الله عليه السلام حتى قال: ثلاثين حجة مبرورة متقبلة زاكية مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآله " (1).
بهذا الأسلوب الغريب الذي أشبه ما يكون بلعب الأطفال ومحاوراتهم، يقرر جعفرهم أن زيارة الضريح أفضل من ثلاثين حجة .
ويفترون أيضاً على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنه قرر هذا الشرك بنفس هذا الأسلوب، الذي يكشف لفظه كذبهم فضلاً عن معناه حيث تقول روايتهم : " كان الحسين عليه السلام ذات يوم في حجر النبي - صلى الله عليه وسلم - وآله وهو يلاعبه ويضاحكه، وأن عائشة قال: يا رسول الله ما أشد إعجابك بهذا الصبي !! فقال لها : وكيف لا أحبه وأعجب به وهو ثمرة فؤادي وقرة عيني، أما إن أمتي ستقتله فمن زاره بعد وفاته كتب الله له حجة من حججي، قالت: يا رسول الله حجة من حججك، قال: نعم وحجتين، قالت: وحجتين؟ قال: نعم، وأربعاً فلم تزل تزده وهو يزيد حتى بلغ سبعين حجة من حجج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآله بأعمارها " (2).
__________
(1) ابن بابوية القمي، ثواب الأعمال ص(52)، الحر العاملي، وسائل الشيعة (10/350-351) .
(2) وسائل الشيعة (10/351-352) .(87/84)
وتذهب رواية أخرى إلى أن : " من زار قبر أبي عبد الله كتب له ثمانين حجة مبرورة " (1).
وتزيد رواية أخرى على ذلك فتقول : " من أتى قبر الحسين عليه السلام عارفاً بحقه كان كما حج مائة حجة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " (2).
وتنافس رواياتهم في المبالغة في الأعداد للتجاوز المئات إلى مرحلة الآلاف، وتتجاوز ذلك إلى ذلك أصناف من الثواب والأجر، وكأن الدين هو مجرد زيارة قبر، والوقوف على ضريح .
فقد جاء في " وسائل الشيعة " وغيره عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر قال : " لو يعلم الناس ما في زيارة الحسين عليه السلام من الفضل لماتوا شوقاً، وتقطعت أنفسهم عليه حسرات، قلت: وما فيه ؟ قال: من زاره تشوقاً إليه كتب الله له ألف حجة متقبلة، وألف عمرة مبرورة، وأجر ألف شهيد من شهداء بدر، وأجر ألف صائم، وثواب ألف صدقة مقبولة، وثواب ألف نسمة أريد بها وجه الله، ولم يزل محفوظاً سنته من كل آفة أهونها الشيطان، ووكل به ملك كريم يحفظه من بين يديه وعن يمينه، وعن شماله، ومن فوق رأسه، ومن تحت قدمه، فإن مات سنته حضرته ملائكة الرحمن يحضرون غسله، وإكفانه، والاستغفار له، ويشيعونه إلى قبره بالاستغفار له، ويفسخ له في قبره مد بصره، ويؤمنه الله من ضغطه القبر، ومن منكر ونكير يروعانه، ويفتح له باب إلى الجنة، ويعطى كتابه بيمينه، ويعطى له يوم القيامة نور يضيء لنوره ما بين المشرق والمغرب، وينادي مناد هذا مَنْ زار الحسين شوقاً إليه، فلا يبقى أحد يوم القيامة إلا تمنى يومئذ أنه كان من زوار الحسين عليه السلام " (3).
__________
(1) ثواب الأعمال ص(52)، كامل الزيارات ص(162)، وسائل الشيعة (10/350) .
(2) ثواب الأعمال ص(52)، وسائل الشيعة (10/350) .
(3) كامل الزيارات ص(143)، وسائل الشيعة (1/353)، بحار الأنوار (101/18) .(87/85)
وفي رواية أخرى : " إن الرجل منكم ليغتسل في الفرات ؛ ثم يأتي قبر الحسين عارفاً بحقه، فيعطيه الله بكل قدم يرفعها، أو يضعها مائة حجة مقبولة، ومائة عمرة مبرورة، ومائة غزوة مع نبي مرسل أو إمام عادل " (1).
ورواية ثالثة تقول : " من زار الحسين عليه السلام يوم عاشوراء حتى يظل عنده باكياً لقى الله عز وجل يوم القيامة بثواب ألفي ألف حجة، وألفي ألف عمرة، وألفي ألف غزوة، وثواب كل حجة وعمرة وغزوة، كثواب من حج واعتمر وغزا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآله ومع الأئمة الراشدين صلوات الله عليهم ... " (2).
ثم ذكرت الرواية أن هذا الفضل كله يحصل أيضاً لمن لم يستطيع زيارة قبره في هذا اليوم، ولكن صعد على سطح داره وأومأ إليه بالسلام ؛ ثم دعا على قاتله، وندب الحسين وبكاه، ولم ينتشر في يومه هذا في حاجة " (3).
وعلى غرار هذه عشرات من الأمثلة تكل اليد من نقلها، ويتعب الفؤاد من تأملها، لأنها روايات الهدف منها صرف الناس عن عبادة الواحد القهار إلى عبادة المخلوقين الضعفاء، وغايتها التحلل من تكاليف الإسلام، وشرائع الدين إلى مجرد نقل القدم إلى قبر، ليحصل بذلك على كل الأجر، حتى تنتهي بمعتقدها إلى ضرب من الإباحية، والإعراض عن أوامر الله وشرائعه، والتعدي على محارمه . فلو كان شيء من هذا حقاً لذكره القرآن العظيم في آياته، لماذا يذكر الحج في آيات عدة من القرآن، ولا تذكر زيارة قبر الإمام مطلقاً... وهي أفضل من الحج إلى بيت الله الحرام - بزعمهم - .
وقد تنبه أحد الشيعة لذلك، وتعجب لماذا تخص زيارة الحسين بهذا الفصل الذي يربو على فضل الحج مئات المرات، وليس لها ذكر في القرآن، أليس هذا دلي الوضع والافتراء ؟ .
__________
(1) وسائل الشيعة (10/379)، كامل الزيارات ص(185) .
(2) بحار الأنوار (101/290)، كامل الزيارات ص(176) وما بعدها .
(3) نفس الموضع في المصدرين السابقين .(87/86)
فقال: - عبد أن استمع من إمامه لفضائل زيارة قبر الحسين المزعومة - قال: "قد فرض الله على الناس حج البيت، ولم يذكر زيارة قبر الحسين عليه السلام " (1).
فأجاب إمامهم : بجواب يبدو فيه الاضطراب، حيث قال: " وإن كان كذلك فإن هذا شيء جعله الله هكذا " (2). وهذا اعتراف منهم وهم أرباب التأويل الباطني يخلو القرآن من هذه البدعة، وهذا كاف في نقض مزاعمهم من كتبهم، فالإقرار هو سيد الأدلة، وبأيديهم يهدمون بيوتهم .
وكأن إمامهم في جوابه هذا يقول لا جواب عندي، الأمر هكذا، لم يبين الله لعباده سبيل عبادتهم وما يتقون .
ثم حاول بعد هذه الكلمة المضطربة أن يتلمس جواً بعيداً عن الموضوع فأردف قائلاً : " أما سمعت قول أمير المؤمنين إن باطن القدم أحق بالمسح من ظاهر القدم، ولكن الله فرض هذا على العباد " (3).
وهذا اعتراف منهم أيضاً بأن زيارة قبر الحسين كباطن القدم (والأصح كباطان الخف) لم تدخل فيما فرض الله ... ؛ ثم واصل الاعتذار فقال: " أو ما علمت أن الموقف لو كان في الحرم كان أفضل لأجل الحرم، ولكن الله صنع ذلك في غير الحرم" (4).
وهذا كسابقه اعتراف بأن الزيارة لم تفرض، وإن كانت في نظر هذه الزمرة أحق .. ؛ ثم إن الرافضة في اعتذارها تحاول أن تجعل من نفسها رقيبة على تشريع رب العالمين، فكأنها تشير بأن الله سبحانه لم يفعل ما هو أولى وأحق، ( تعالى الله عما يقوله الظالمون )، حيث لم يجعل موقف عرفات في الحرم ؛ بل جعله في الحل، وهكذا تتطاول هذه الزمرة الملحدة التي وضعت هذه الأخبار، وخدعت بها الأغرار تتطاول على شرع الله وحكمته، وتضع من نفسها وصية على أمر الله .
__________
(1) بحار الأنوار (101/33)، كامل الزيارات ص(266) .
(2) الموضع نفسه من المصدرين السابقين .
(3) الموضع نفسه من المصدرين السابقين.
(4) بحار الأنوار (101/33)، كامل الزيارات ص(266) .(87/87)
ورواياتهم في هذا كثيرة للغاية كما أشرت من قبل، وإنني الآن أمام زخم هائل من الروايات التي لا تخطر ببال من لم يخض غمار هذه الأساطير، روايات كثيرة لا أدري ما آخذ منها وما أدع، فكل منها يثير العجب والاستنكار لكل من كان على صلة بكتاب ربه، أو على أدنى وعي بأمر دينه، ولم يلجم عقله العصب ويغلق فكره الهوى، وتأخذه العزة بالإثم تعصباً لبدعته وطائفته .
ولو حاول الرافضي أن يتخلى عن هذه الأساطير التي تشده إلى الظلام، ولو لحظة ثم تفكر في أمر هذا الخطر الأكبر الذي يأخذ به ليلقيه في غياهب الشرك وظلماته، لينسى ربه وخالقه، ويتعلق بقبر مخلوق قد أرم لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ولا حياة ولا نشوراً : { إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين }(1) لأدرك حينئذ أنه ليس علي شيء، وأن هذا عين دين المشركين. والعجب أنه ورد عندهم بعض الروايات في تخفيف هذا الغلو الذي يجعل من الشخوص إلى القبر أفضل من حج بيت الله الحرام، ولكن شيخ الروافض المجلسي رد في ذلك بحجة التقية .
تقول رواياتهم : " عن حنان قلت لأبي عبد الله عليه السلام : ما تقول في زيارة قبر الحسين صلوات الله عليه، فإنه بغلنا عن بعضكم أنه قال: تعدل حجة وعمرة ؟ قال فقال: ما أضعف هذا الحديث ما تعدل هذا كله، ولكن زوروه ولا تجفوه فإنه سيد شباب أهل الجنة ..." (2).
__________
(1) سورة الأعراف، الآية: (194) .
(2) بحار الأنوار (101/35)، قرب الإسناد ص(48) .(87/88)
قال المجلسي في تأويل هذا النص الذي ينقض عشرات الروايات التي جاء بها، ويكشف ضلال ما عليه طائفته قال: " الأظهر أنه محمول على التقية " (1)، أي جعفراً يقول هذا الكلام على سبيل الكذب مجاملة لأهل السنة أو خوفاً منهم، وليس من دين الشيعة، وهكذا يفعل شيوخهم بكل رواية عن أهل البيت لا توافق أهواءهم، يبطلون مفعولها بهذه الحجة الجاهزة " التقية " فصار التشيع يكتسب غلوه على مر الأيام بفعل شيوخه، وصار دينهم دين شيوخ الرافضة لا دين الأئمة ...
زيارة كربلاء يوم عرفة أفضل من سائر الأيام :
مما يكشف أن هذه النصوص هي ثمرة مؤامرة ضد الأمة لصرفها عن بيت ربها، والعمل على إفساد أمرها، وتفيرق اجتماعها، والحيلولة دون تلافيها في هذا المؤتمر السنوي العام، أن هذه الروايات خصت زيارة الحسين يوم عرفة بفضل خاص، تقول: " من أتى قبر الحسين عارفاً بحقه في غير يوم عيد كتب الله له عشرين حجة، وعشرين عمرة مبرورات مقبولات ... ومن أتاه في يوم عيد كتب له مائة حجة، ومائة عمرة، ومن أتاه يوم عرفة عارفاً بحقه كتب الله له ألف حجة، وألف عمرة مبرورات متقبلات، وألف غزوة مع نبي مرسل أو إمام عادل " (2).
وتكاد بعض رواياته تصرح بالهدف، فهذا جعفرهم يقول : " لو إني حدثتكم بفضل زيارته، وبفضل قبره لتركتم الحج رأساً، وما حج منكم أحد، ويحك أما علمت أن الله اتخذ كربلاء حرماً آمناً مباركاً قبل أن يتخذ مكة حرماً (3). فأنت تلاحظ أنه صرح من طرف خفي أن ترك الحج وزيارة كربلاء أولى .
__________
(1) الموضع نفسه من المصدر السابق .
(2) انظر: الكليني، فروع الكافي (1/324)، ابن بابوية، من لا يحضره الفقيه (1/182)، الطوسي، التهذيب (2/16)، ابن قولوية، كامل الزيارات ص(169)، ابن بابوية، ثواب الأعمال ص(50)، الحر العاملي، وسائل الشعية (10/359) .
(3) بحار الأنوار (101/33)، كامل الزيارات ص(266) .(87/89)
وقال : " إن الله يبدأ بالنظر إلى زوار قبر الحسين بن علي عشية عرفة قبل نظره إلى أهل الموقف ( قال الراوي وكيف ذلك ؟ ) قال أبو عبد الله - كما يزعمون - لأن في أولئك أولاد زنا وليس في هؤلاء أولاد زنا (1).
وأولاد الزنا عند الرافضة هم جميع المسلمين - كما سلف - وسيظهر من رواياتهم أن لهذه الأساطير تأثيرها حتى قال أحد نقلة هذه الأسطورة ورواتها بعد سماعه دعاء من جعفر لزوار قبر الحسين قال: "والله لقد تمنيت أني زرته ولم أحج" (2).
وتتحدث رواية أخرى أن من أراد : " أن يتنفل بالحج والعمرة فمنعه من ذلك شغل دنيا، أو عائق فأتى الحسين بن علي في يوم عرفة أجزأه ذلك من أداء حجته، وضاعف الله له بذلك أضعافاً مضاعفة، قال الراوي : ( قلت : كم تعدل حجة، وكم تعدل عمرة ؟ قال: لا يحصى ذلك، قلت : ألف، قال: وأكثر ؛ ثم قال: وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) (3) وأنت تلاحظ أن صدر النص يشير إلى أن الحج أفضل، وأن زيارة الحسين هي البديل عند حصول عائق، بينما عجزه يشير إلى خلاف ذلك .
قال شيخهم الفيضي الكاشاني في التعليق عما تذكره رواياتهم من فضائل زيارة قبر الحسين : ( إن هذا ليس بكثير على من جعله الله إماماً للمؤمنين، وله خلق السماوات والأرضين، وجعله صراطه وسبيله، وعينه، ودليله، وبابه الذي يؤتي منه، وحبله المتصل بينه وبين عباده من رسل وأنبياء، وحجيج وأولياء هذا مع أن مقابرهم - رَضِيَ الله عَنْهُم - فيها أيضاً إنفاق أموال، ورجاء آمال، وإشخاص أبدان، وهجران أوطان، وتحمل مشاق، وتجديد ميثاق، وشهود شعائر، وحضور مشاعر ) (4).
__________
(1) الفيض الكاشاني، الوافي، المجلد الثاني (8/222) .
(2) وسائل الشيعة (10/321)، فروع الكافي (1/235)، ثواب الأعمال ص(35) .
(3) الوافي، المجلد الثاني (8/223) .
(4) الوافي، المجلد الثاني، (8/224) .(87/90)
تأمل هذا الغلو، حيث جعل الحسين هو الحبل والواسطة بين الله وعباده وأنه عين الله وبابه !! ولاحظ توجيهه لفضل زيارة قبر الحسين بفعل أسباب الوقوع في الشرك نفسه من شد الرحال إلى القبر، وإنفاق الأموال لها، أو عندها طلباً لشفاعتها، وتعليق الآمال عليها إلى آخر ما ذكره من أعمال الشرك وأسبابه، ومع ذلك فهذا عندهم من أفضل الطاعات (1) !!! .
زيارة قبر الحسين أفضل الأعمال :
وتمضي بروتوكولاتهم في محاولة يائسة لصرف الناس عن الحج، وعبادة الله وحده، فتجعل زيارة الحسين أفضل الأعمال، فليست زيارة قبر الحسين عند هؤلاء أفضل من الحج فحسب ؛ بل هي أفضل الأعمال، جاء في رواياتهم أن زيارة قبر الحسين ( أفضل ما يكون من الأعمال ) (2).
زوار الحسين تأتيهم الملائكة ويناجيهم الله :
__________
(1) ولكن لماذا يعمل شيوخهم بهذه الروايات ويدعو الحج ...؟ الواقع أنهم لم يفعلوا، لعل ذلك لأسباب منها ليتمكن هؤلاء من نقل شرهم لسائر العالم الإسلامي عبر هذا المؤتمر العظيم، وخشية التشنيع عليهم من قبل المسلمين، فيفقدوا الأرضية الصالحة لنشر دعوتهم سيما أنهم يرون الفريضة لابد منها، على الرغم من أن هذه الروايات لا تجعل في قلب المؤمن بها أي حنين إلى حج بيت الله الحرام، ولذا ما أسهل أن يصدروا قراراً بمنع الأتباع من الحج لأدنى خلاف سياسي لأنهم قد خدعوهم بمثل هذه الروايات المنسوبة للآل - زوراً - كذلك لولا الخمس الذي يأكلونه من أموال الأتباع والذي يفرض على سبيل الفور لمن أزمع الحج - كما مر - وكذلك الرغبة في تحقيق الفتنة في أرض المشاعر لما طالبوا بزيادة عددهم في الحج .
(2) كامل الزيارات ص(146)، بحار الأنوار (101/49) .(87/91)
بل وصلت مبالغات الروافض في الحديث عن فضائل زيارة قبر الحسين والأئمة الآخرين إلى درجة لا تتصور ولا يقبلها ذو عقل، قال جعفرهم : " من خرج من منزله يريد زيارة الحسين كتب الله له بكل خطوة حسنة ..." إلى أن قال: " وإذا قضى مناسكه ... أتاه ملك فقال له: أنا رسول الله ربك يقرئك السلام، ويقول لك: استأنف فقد غفر لك ما مضى " (1).
فالملائكة تقابل زوار القبر، وتبلغهم سلام الله، وتوزع عليهم صكوك الغفران... هذه دعاوي فوق الجنون بدرجات، وأعظم منها، وأكبر جرأتهم على القول بأن الله يناجي الله زوار الحسين، قالت رواياتهم : " ... فإذا أتاه (يعني أتى الزائر قبر الحسين) ناجاه الله فقال: عبدي سلني أعطك، ادعني أجبك " (2).
وهكذا يفترون الكذب على الله، وإنما يفتري الكذب على الله الذين لا يؤمنون، ويزعمون وهم الذين سلكوا مسلك أهل التعطيل في كلام الله سبحانه، أن الله يناجي ويكلم زوار الحسين ... وهذه فرية خطيرة ... وبهتان عظيم .
ولم يكتفوا بذلك كعادتهم في الغلو والمبالغة ؛ بل زعموا أن الله تعالى عما يقوله الظالمون علواً كبيراً يزور قبور الأئمة مع الشيعة، ففي البحار للمجلسي : " إن قبر أمير المؤمنين يزوره الله مع الملائكة ويزوره الأنبياء ويزوره المؤمنين " (3).
كبرت كلمة تخرج من أفواههم، وتسطرها أقلامهم إن يقولون إلا كذباً .
مناسك المشاهد :
__________
(1) الطوسي، تهذيب التهذيب (2/14) ، ابن قولوية ، كامل الزيارات ص (132) ، ثواب الأعمال ص (51)، وسائل الشيعة (10/341-342) .
(2) كامل الزيارات ص(132)، وسائل الشيعة (10/342)، وانظر: ثواب الأعمال ص(51) .
(3) بحار الأنوار (100/258) .(87/92)
وفي سبيل صرف الناس عن الحج، وضعوا بديلاً عنه من صنعهم وافتراءات ألسنتهم - في محاولة لملء حنين المسلم إلى الحج وأداء المناسك بهذا الإفك المختلق والزور المبين - فاخترعوا مناسك يضاهئون بها شرع الله ودينه، وزيادة في تأكيد معنى المشابهة سموها ( مناسك المشاهد ) فجعلوا زيارة الأضرحة فريضة من فرائض مذهبهم(1)، يكفر تاركها (2).
وقد عقد لذلك الملجسي باباً بعنوان : " باب أن زيارته (3) واجبة مفترضة مأمور بها، وما ورد من الذم والتأنيب والتوعد على تركها " وذكر فيه (40) حديثاً من أحاديثهم (4).
ثم وضعوا لها مناسك كمناسك الحج إلى بيت الله الحرام .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : " قد صنف شيخهم ابن النعمان المعروف عندهم بالمفيد كتاباص سماه (مناسك المشاهد) جعل قبور المخلوقين تحج كما تحج الكعبة البيت الحرام، الذي جعله الله قياماً للناس، وهو أول بيت وضع للناس، فلا يطاف إلا به، ولا يصلى إلا إليه، ولم يأمر إلا بحجه " (5).
__________
(1) انظر : روايات ذلك في تهذيب الأحكام للطوسي (2/14)، وفي كامل الزيارات لابن قولوية ص (194)، ووسائل الشيعة للحر العاملي (10/333-337) .
(2) ففي الوسائل ( عن هارون بن خارجة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عمن ترك زيارة قبر الحسين عليه السلام من غير علة، فقال: هذا رجل من أهل النار، وسائل الشيعة (10/336-337)، كامل الزيارات ص(193) .
(3) يعني : زيارة الحسين .
(4) انظر : بحار الأنوار (101/1-11) .
(5) منهاج السنة (1/175)، مجموع فتاوى شيخ الإسلام (17/498) .(87/93)
وقد كشف لنا اليوم شيخهم أغا بزرك الطهراني في كتابه (الذريعة) إنما صنفه شيوخهم في المزار، ومناسكه قد بلغ ستين كتاباً (1)، كلها ألفت لإرسال قواعد هذا الشرك وتشييد بنائه، وهذا عدا ما اشتملت عليه كتب الأخبار المعتمدة عندهم من أبواب خاصة بالمشاهد - كما سيأتي - ومن هذه المناسك ما يلي :
أ - الطواف بها :
اتفق المسلمون على أنه لا يشرع الطواف إلا بالبيت المعمور (2).
ولكن شيوخ الروافض شرعوا لأتباعهم الطواف بأضرحة الموتى من الأئمة، ووضعوا من الروايات على آل البيت ما يسندون به هذا الشرك، فقال المجلسي: بأنه ورد في بعض زيارات الأئمة ( إلا أن نطوف حول مشاهدكم ) وفي بعض الروايات (قبّل جوانب القبر ) كما قال: بأن الرضا كان - على حد زعمه - يطوف بقبر رسول - صلى الله عليه وسلم - وآله (3) وأخذ من ذلك ( شرعية ) هذا ( النسك الوثني ) في مذهبهم ولم يلتفت إلى نصوص القرآن الصريحة الواضحة في النهي عن الشرك، والوعيد عليه بنار جهنم، وبئس المصير، ولكن أشكل عليه روايات لهم تناقض - كالعادة - مذهبهم في المشاهد وهي مروية عن أئمتهم فرام التخلص منها بالتأويل .
فقد جاء في رواياتهم ما ينهي عن الطواف بالقبور كقول إمامهم : ( لا تشرب وأنت قائم ولا تطف بقبر ... فإن من فعل ذلك فلا يلومن إلا نفسه، ومن فعل شيئاً من ذلك لم يكن يفرقه إلا ما شاء الله (4)، وقد أجهد المجلسي نفسه في تأويل هذه الرواية فقال: " يحتمل أن يكون النهي عن الطواف بالعدد المخصوص الذي يطاف بالبيت " (5).
__________
(1) انظر : الذريعة (20/316-326) .
(2) مجموع فتاوى شيخ الإسلام (4/521) .
(3) بحار الأنوار (100/126) .
(4) ابن بابوية، علل الشرائع ص(283)، بحار الأنوار (100/126) .
(5) بحار الأنوار (100/126) .(87/94)
فأنت ترى أن المجلسي لم يحاول أن يسلك ما يتفق مع كتاب الله سبحانه، وما عليه المسلمون، وما جاء عندهم أيضاً : " ولا تطف على قبر " فينصح لنفسه وطائفته بالنهي عن هذه البدعة فيقر بذلك، ويؤول ما يخالفه لأنه شذوذ وانحراف، وباب من أبواب الشرك بالله، لم يفعل ذلك بل تكلف في تأويل نصهم الذي يدل على المعنى الحق حتى قال: " يحتمل أن يكون المراد بالطواف المنفي هنا التغوط " (1).
فدين الرافضة هو دين المجلسي لا دين الأئمة، وعملهم بما قاله شيوخهم لاما قاله إمامهم ... فأعرضوا عن قول الإمام : " ولا تطف بقبر " كما أعرضوا من قبل عن قول الله ورسوله وإجماع المسلمين فضلوا وأضلوا عن سواء السبيل .
ب - الصلاة عند الضريح :
من مناسك المشاهد والأضرحة أداء ركعتين أو أكثر عند قبور الأئمة، وربما يتخذونها قبلة - كما سيأتي - وكل ركعة تؤدي عند القبور تفضل على الحج إلى بيت الله الحرام مئات المرات، جاء في أخبارهم : " الصلاة في حرم الحسين لك بكل ركعة تركعها عنده كثواب من حج ألف حجة، واعتمر ألف عمرة، واعتق ألف رقبة، وكأنما وقف في سبيل الله ألف ألف مرة مع نبي مرسل" (2).
وليس هذا خاصاً بقبر الحسين بل كل قبور أئمتهم كذلك ففي البحار : " من زار الرضا (3) أو واحداً من الأئمة فصلى عنده ... فإنه يكتب له ( ثم ذكر ما جاء في النص السابق وزاد ) وله بكل خطوة مائة حجة، ومائة عمرة، وعتق مائة رقبة في سبيل الله، وكتب له مائة حسنة، وحط عنه مائة سيئة " (4).
__________
(1) المصدر السابق (100/127) .
(2) الوافي، المجلد الثاني (8/234) .
(3) يعد مرقد علي الرضا أهم الأماكن المقدسة في إيران، ومن أضخم الأماكن المقدسة لدى الشيعة، وعليه قبة ضخمة مكسوة بالذهب (عبد الله الفياض، مشاهداتي في إيران، ص(102)، لأن الأضرحة والاهتمام بها وتقديم أنواع من العبادات لها في أصول دينهم .
(4) بحار الأنوار (100/137-138) .(87/95)
انظر كيف يفضلون الصلاة عند القبور على الحج إلى بيت الله الحرام، فيقدمون الشرك على التوحيد . وقديماً كان المشركون يقولون بأن دينهم أفضل من دين الله، وأنهم أهدى من الذين آمنوا سبيلاً .
واتخاذ القبور مساجد ملعون فاعله على لسان رسول الهدى - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: " لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " (1).
وفي الصحيحين أيضاً ذكر له في مرض موته كنيسة بأرض الحبشة، وذكر له من حسنها وتصاوير فيها فقال : " إن أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك التصاوير، أولئك شرار الخلق عند الله " (2).
وقد ثبت أيضاً النهي عن اتخاذ القبور مساجد في كتب الإثنا عشرية نفسها، ولكن شيوخهم يؤولونه - كما سيأتي - .
__________
(1) أخرجه البخاري في الصلاة، في باب (55) (1/532) (البخاري مع فتح الباري) وفي الجنائز، باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور (3/200)، وباب ما جاء في قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر (3/255)، وفي الأنبياء ، باب ما ذكر عن بني إسرائيل (6/294)، وفي المغازي في باب مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - ووفاته (8/140)، وفي اللباس في باب الأكسية والخمائل (10/277) .
والحديث بهذا المعنى في مسلم، كتاب المساجد، باب النهي عن بناء المساجد على القبور (376-377)، وأحمد (1/218، 6/80، 84، 121، 146، 229، 252، 255، 275) ، والدرامي ، كتاب الصلاة، باب النهي عن اتخاذ القبور مساجد (1/326) وغيرها .
(2) أخرجه البخاري في الصلاة، باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية، ويتخذ مكانها مساجد (1/523)، البخاري مع فتح الباري، وباب الصلاة في البيعة (1/531)، وفي الجنائز في باب بناء المسجد على القبر (2/208)، ومسلم، كتاب المساجد، باب النهي عن بناء المساجد على القبور (1/375-376)، وأبو عوانة في مسنده (1/400-1)، وأحمد (6/51), والبيهقي (4/80) .(87/96)
ج - الانكباب على القبر :
من مناسك المشاهد عندهم الانكباب على القبر، ووضع الخد عليه، وتقبيل الأعتاب، ومناجاة صاحب القبر حتى ينقطع النفس كما يقولون .
قال المجلسي : " باب ما يستحب فعله عند قبره عليه السلام ..." (1) ثم ذكر أن شيخ طائفتهم الطوسي قال في وصفه لأعمال زيارة الجمعة : " ... ثمّ تنكب على القبر وتقول: مولاي إمامي مظلوم استعدي على ظالمه النصر، النصر حتى ينقطع النفس" (2).
وفي أكثر زياراتهم يؤكدون في أثنائها وخاتمتها على الانكباب على القبر، ودعائه، فهذه زيارة الحسين أوصى بها جعفر الصادق - كما يزعمون - وأمر قبل بدء هذه الزيارة بصيام ثلاثة أيام ثم الاغتسال، ولبس ثوبين طاهرين ثم صلاة ركعتين؛ ثم قال: " فإذا أتيت الباب فقف خارج القبة، وأوم بطرفك نحو القبر وقل : يا مولاي يا أبا عبد الله يا ابن رسول الله عبدك ابن عبدك وابن أمتك، الذليل بين يديك، المقصر في علو قدرك المعترف بحقك جاء مستجيراً بذمتك قاصداً إلى حرمك متوجهاً إلى مقامك - إلى أن قال - ثم انكب على القبر وقل: يا مولاي أتيتك خائفاً فآمني، وأتيتك مستجيراً فأجرني... ؛ ثم ينكب على القبر ثانية (3)... إلى آخر الزيارة التي يدعو فيها مخلوقاً من دون الله سبحانه، ويتضرع إليه، وكأنه يتضرع أمام الله، فماذا يكون الشرك إذا لم يكن هذا شركاً ... ومثل ذلك قال مفيدهم : " فإذا أردت الخروج فانكب على القبر قبله - إلى أن قال - ثم ارجع إلى مشهد الحسين وقل السلام عليك يا أبا عبد الله أنت لي جُنَّة من العذاب " (4).
__________
(1) بحار الأنوار (101/285) .
(2) نفس الموضع من المصدر السابق، مصباح المتهجد للطوسي ص(195) .
(3) بحار الأنوار (101/257-261)، عن المزار الكبير لمحمد المشهدي ص(143-144) .
(4) بحار الأنوار (101/257-261)، عن المزار الكبير ص(154) .(87/97)
وهكذا أصبح في دينهم الشرك بالله من المستحبات فهو سجود على القبر، أو لصاحب القبر يسمونه ( الانكباب ) ودعاء للميت الذي لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً وكأنهم يدعون خالق السماوات والأرض القادر على كل شيء : { ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون } (1)، وهم يعدون هذا من أفضل القربات، ويوهمون الأتباع بأن هذا الشرك " يوجب غفران الذنوب ودخول الجنة، والعتق من النار، وحط السيئات، ورفع الدرجات، وإجابة الدعوات " (2)، " وتوجب طول العمر وحفظ النفس، والمال، وزيادة الرزق، وتنفس الكرب، وقضاء الحوائج " (3) و" تعدل الحج والعمرة والجهاد والإعتاق " (4) إلى آخر الفضائل الموهومة ... فشرعوا من الدين ما لم يأذن به الله .
ولهم تعلق بكل عمل يتصل بالشرك بالله من قريب أو بعيد، حتى وإن لم يوجد نص يعتمدون عليه من كتبهم المليئة بما يغني في باب الشرك وأسبابه ، يقول المجلسي - مثلاً - : " وأما تقبيل الأعتاب فلم نقف على نص يعتد به ولكن عليه الإمامية " (5) أي: أنهم يتعبدون بذلك مجاراة لأسلافهم، وتقليداً لهم، فكأن الشرك وأعمال المنتشرة في أمهات كتبهم، لم تملأ ما في نفوسهم، فتعلقوا بما عليه من سبقهم كحال المشركين الذين قالوا : { وكذلك ما أرسلنا من قبلك من قرية إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون } (6).
__________
(1) سورة الأحقاف، الآية: (5) .
(2) هذا من عناوين بحار الأنوار، وقد ضم (37) رواية في هذا المعنى (101/21-28) .
(3) هذا أحد عناوين بحار الأنوار أيضاً ويه (17) رواية (101/45-48) .
(4) وهذا من عناوين صاحب البحار وقد ضمنه (84) رواية (101/28-44) .
(5) بحار الأنوار (100/136)، عمدة الزائر ص(29) .
(6) سورة الزخرف، الآية: (23) .(87/98)
وكل إمام ينسب له من المبادئ الشركية الجديدة حتى (المنتظر) الذي لم يولد له قوانين جديدة في هذا الباب منها استقبال القبر في الصلاة، واستدبار الكعبة - كما سيأتي - ومنها في مسألتنا هذه وضع الخد على القبر، فقد خرجت الرواية فيها - كما يقولون - من الناحية المقدسة، أي: من قبل المهدي المنتظر المزعوم بواسطة سفرائه الكذبة حيث قال مهديهم : " والذي عليه العمل أن يضع خده الأيمن على القبر " (1).
ولهذا قرر شيوخهم أن من آداب زيارة هذه الأضرحة : " وضع الخد الأيمن عند الفراغ من الزيارة والدعاء " (2) وقالوا : " لا كراهة في تقبيل الضرايح ؛ بل هو سنة عندنا ولو كان هناك تقية فتركه أولى " (3).
هذه مبادئ جديدة ابتدعها شيوخ السوء من الرافضة " وقد اتفق المسلمون على أنه لا يشرع الاستلام والتقبيل إلا للركنين اليمانيين فالحجر الأسود يستلم ويقبل، واليماني يستلم، وقد قيل إنه يقبل وهو ضعيف، وأما غير ذلك فلا يشرع استلامه ولا تقبيله كجوانب البيت ... والصخرة والحجرة النبوية وسائر قبور الأنبياء والصالحين " (4).
والهدف من هذه المبادئ الصد عن دين الله سبحانه، والدعوة إلى الشرك بالله وتهيئة أسبابه، وقد وضعت أدعية تقال أثناء هذه الأعمال فيها من الشرك بالله سبحانه، وتأليه الأئمة ما يستقل عنده فعل المشركين .
د - اتخاذ القبر قبلة كبيت الله :
قال شيخ الرافضة المجلسي : " إن استقبال القبر أمر لازم، وإن لم يكن موافقاً للقبلة، استقبال القبر الزائر منزلة استقبال القبلة وهو وجه الله أي: جهته التي أمر الناس باستقبالها في تلك الحالة " (5).
وحينما وجد المجلسي في روايات قومه نصين متعارضين - كالعادة - :
__________
(1) عمدة الزائر ص(31) .
(2) بحار الأنوار (100/134)، عمدة الزائر ص(30) .
(3) بحار الأنوار (100/136) .
(4) مجموع فتاوى شيخ الإسلام (4/521) .
(5) بحار الأنوار (101/369) .(87/99)
الأول : عن أبي جعفر محمد الباقر يقول : " إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا تتخذوا قبري قبلة ولا مسجداً ، فإن الله عز وجل لعن الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " (1).
والثاني : من مهديهم المنتظر ( الذي لا وجود له كما يقول أهل العلم ) ونصه : " كتب الحميري (2) إلى الناحية المقدسة (3) يسأل عن الرجل يزور قبور الأئمة عليهم السلام ... هل يجوز لمن صلى عند بعض قبورهم عليهم السلام أن يقوم وراء القبر، ويجعل القبر قبلة، أم يقول عند رأسه أو رجليه ؟ وهل يجوز أن يتقدم القبر ويصلي، ويجعل القبر خلفه أم لا ؟ فأجاب ( المهدي المزعوم ) : ".... أما الصلاة فإنها خلفه، ويجعل القبر أمامه، ولا يجوز أن يصلي بين يديه، ولا عن يمينه ولا عن يساره، لأن الإمام صلى الله عليه لا يتقدم عليه ولا يساوي " (4).
حينما وجد المجلسي هذين النصين رجع لقومه العمل بالنص الثاني فقال: " يمكن حمل الخبر السابق على التقية أو على أنه لا يجوز أن يجعل قبورهم بمنزلة الكعبة يتوجه إليها من كل جانب " (5). ومن الأصحاب من حمل الخبر الأول على الصلاة جماعة، والخبر الثاني: على الصلاة فرادى، وسيأتي الأخبار المؤيدة للخبر الثاني (يعني في اتخاذ القبر قبلة ) في أبواب الزيارات (6).
__________
(1) ابن بابوية، علل الشرائع ص(358)، بحار الأنوار (100/128) .
(2) عبد الله بن جعفر بن مالك الحميري، أحد الكذابين الذين يزعمون مكاتبة المنتظر الذي لم يوجد، ولكنه عندهم من الثقات .
انظر : الفهرست للطوسي ص(132)، رجال المحلى ص(106) .
(3) الناحية المقدسة رمز عندهم على مهديهم المنتظر .
(4) الاحتجاج للطبرسي (2/312)، ط. النجف، بحار الأنوار (100/128) .
(5) أي: أنها قبلة - في مذهبهم - من جهة واحدة، وليست كالكعبة قبلة من كل الجهات، وليس ذلك لأفضلية الكعبة عندهم، ولكن خشية التقدم على الضريح كما يشير إليه ( التوقيع ) .
(6) بحار الأنوار (100/128) .(87/100)
انظر كيف يؤيد شيوخهم الشرك بالله سبحانه، ويردون الحق ولو جاء في كتبهم، فيرجع المجلسي، ما جاء عن المنتظر الذي لا حقيقة له، ويرد ما روي عن أبي جعفر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والموافق للكتاب والسنة وإجماع الأمة .
وقد توقف المجلسي أيضاً عند قول إمامه وهو يبين طريقة زيارة القبر من البعيد عنه قال: " اغتسل يوم الجمعة، أو أي يوم شئت، والبس أطهر ثيابك، واصعد إلى أعلى موضع في دارك، أو الصحراء فاستقبل القبلة بوجهك بعد ما تتبين أن القبر هنالك " . توقف المجلسي عند هذا النص، لأن استقبال القبر في دينه أمر لازم فقال : " قوله فاستقبل القبلة بوجهك لعله عليه السلام إنما قال ذلك لمن أمكنه استقبال القبر، والقبلة معاً ... ويحتمل أن يكون المراد بالقبلة هنا جهة القبر مجازاً ... ولا يبعد أن تكون القبلة تصحيف القبر " (1) .
كل هذه التكلفات والتأولات لأنه يقول بأنه طائفته : " حكموا باستقبال القبر مطلقاً ( أي في كل أنواع الزيارات )، وهو الموافق للأخبار الأخر في زيارة البعيد " (2).
وقال: إنه مع بعد الزائر عن القبر يستحسن استقبال القبر في الصلاة واستدبار الكعبة (3)، وذلك عند أداء ركعتي الزيارة التي قالوا فيها : " إن ركعتي الزيارة لابد منهما عند كل قبر " (4). والركعة منها أفضل من ألف حجة وعمرة - كما مر - وهذا ليس بغريب من قوم زعموا أن كربلاء أفضل من الكعبة .
__________
(1) بحار الأنوار (101/369) .
(2) المصدر السابق (101/369-370) .
(3) المصدر السابق (100/135) .
(4) بحار الأنوار (100/134) .(87/101)
فما نسمي هذا الدين الذي يأمر أتباعه باستدبار الكعبة، واستقبال قبور الأئمة؟ وماذا نسمي هؤلاء الشيوخ الذين يدعون لهذا الدين ؟ فليسمى بأي اسم إلا الإسلام دين التوحيد الذي نهى رسوله عليه الصلاة والسلام عن الصلاة في المقابر فكيف باتخاذ القبور قبلة . ومن العجب أن هذا النهي عن اتخاذ القبور مسجداً، وقبلة ورد في كتب الشيعة نفسها، كما جاء في الوسائل للحر العاملي (1) وغيره وإن أنكر ذلك بعض شيوخهم المعاصرين، كما ورد أيضاً بطلان الصلاة إلى غير القبلة (2). والتناقض في هذا المذهب من أعجب العجب .
هذا بعض ما جاء في مصادرهم المعتمدة حول المشاهد، وهو قليل من كثير، حيث إن لهم عناية ظاهرة، واهتماماً واسعاً بأمر المشاهد ومناسكها كاهتمامهم بمسألة الإمامة، وقد خصصت مصادرهم المعتمدة له قسطاً خاصاً مما لا تجده في كتب المسلمين الموحدين . ففي بحار الأنوار للمجلسي، كتاب مستقل سماه (كتاب المزار) يتضمن أبواباً كثيرة، اشتملت على مئات الروايات، وقد استغرق ذلك حوالي ثلاث مجلدات (3) من طبعة البحار الأخيرة .
وكذلك في وسائل الشيعة للحر العاملي ذكر (106) أبواب بعنوان : (أبواب المزار ) (4).
__________
(1) روت كتب الشيعة أن علي بن الحسين قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - وآله : " لا تتخذوا قبري قبلة، ولا مسجداً فإن الله عز وجل لعن اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " .
من لا يحضره الفقيه (1/57)، وسائل الشيعة (3/455)، ولكن هؤلاء دينهم دين شيوخهم الذين وضعوا مبدأ خالفوا العامة، ( يعني أهل السنة ) فأضلوا قومهم سواء السبيل .
(2) وقد ذكر صاحب الوسائل في هذا المعنى خمس روايات، انظر: وسائل الشيعة (2/227)، وانظر: بطلان الصلاة إلى غير القبلة عندهم، من لا يحضره الفقيه (1/79، 122)، وتهذيب الأحكام (1/146، 178، 192، 218، وفروع الكافي (1/83) .
(3) هي المجلدات (100، 101، 102) .
(4) انظرها في: (10/251) وما بعدها .(87/102)
وفي الوافي للكاشاني الجامع لأصولهم الأربعة عقد ثلاثة وثلاثين باباً بعنوان : (أبواب المزارات والمشاهد ) (1).
وفي كتاب من لا يحضره الفقيه لابن بابوية ( أحد مصادرهم المعتمدة ) أبواب عدة حول المشاهد وتعظيمها كباب تربة الحسين وحريم قبره، وأبواب زيارة الأئمة وفضلها (2). وفي تهذيب الأحكام للطوسي مجموعة كبيرة من الأبواب تتضمن تعظيم المشاهد والقبور، ومناجاة الأئمة بأدعية تتضمن تأليههم (3).
وفي مستدرك الوسائل ستة وثمانون باباً حوت (276) رواية في الزيارات والمشاهد (4). هذا عدا ما اشتملت عليه كتبهم الأخرى التي هي في منزلة المصادر الثمانية عندهم كثواب الأعمال لابن بابوية وغيره .
وهذا غير ما ألف في المزارات من كتب خاصة به في الماضي والحاضر مثل: كالم الزيارات لابن قولوية، ومفاتيح الجنان لعباس القمي، وعمدة الزائر لحيدر الحسيني، وضياء الصالحين للجوهري وغيرها . وكلها تتحدث عن الفضائل المزعومة لمن شد الرحال لزيارة أضرحة الأئمة وطاف بها، ودعا في رجالها، واستغاث بمن فيها، وتذكر مئات الأدعية التي فيها من الغلو في الأئمة ما يصل بهم إلى مقام الخالق جل شأنه، وفيها من الشرك بالله ما الله به عليم .
وكان لاهتمامهم بهذا المعول الهادم لأصل التوحيد أثرهُ في ديار الشيعة حيث عمرت بيوت الشرك التي يسمونها المشاهد، وعطلت بيوت التوحيد وهي المساجد وبقي هذا الاهتمام إلى اليوم . ولا حول ولا قوة إلا بالله .
سلسلة كتاب الفوائد
شبكة الفوائد الإسلامية
WWW . FWAED . NET
فهرس الموضوعات
الموضوع
رقم الصفحة
مقدمة
تمهيد : الغيبة والمهدية
عقيدة الغيبة عند فرق الروافض
أسباب دعاوي الغيبة
__________
(1) انظرها في المجلد الثاني (8/193) وما بعدها .
(2) انظر: من لا يحضره الفقيه (2/338) وما بعدها .
(3) انظر: تهذيب الأحكام (6/3) وما بعدها .
(4) انظر: النووي الطبرسي، مستدرك الوسائل (2/189-234) .(87/103)
النيابة عن المنتظر
مسألة النيابة أو ولاية الفقيه
معارضة بعض شيوخ الشيعة لمذهب عموم ولاية الفقيه
نصوص البروتوكولات
القسم الأول : بروتوكولات القتل والتخريب والسرق والاغتيالات
الفصل الأول : خطط العدوان على الحجاج الآمنين
1 - قتل الحجاج بين الصفا والمروة
2 - قطع أيدي وأرجل المشرفين على الحرم
3 - سرقة أموال الحجاج واغتصابها كلما حانت الفرصة
4 - القذف العام لحجاج بيت الله الحرام ما عدا طائفتهم
الفصل الثاني : خطط العدوان على بيت الله الحرام
1 - نزع الحجر الأسود من الكعبة
2 - هدم الحجرة النبوية، وإخراج الجسدين الطاهرين للخليفتين الراشدين، وكسر المسجد النبوي
3 - هدم المسجد الحرام والمسجد النبوي
الفصل الثالث : الأنواع التي يخصونها بالقتل والاعتداء
1 - قتل أهل السنة
2 - قتل الشيعة غير الغلاة
3 - قتل العرب
4 - تخصيص المسلمين بالقتل
5 - الإثخان في القتل والاستئصال الشامل للبشرية
6 - قتل الأسرى والجرحى
7 - القتل صفة دائمة ملازمة له
الفصل الرابع : من أساليبهم التي يمارسونها في الاعتداء كلما لاحت فرصة
1 - مبدأ الغيلة
2 - الدخول في الدوائر الأمنية للدول الإسلامية لتحقيق أهدافهم
القسم الثاني : بروتوكولات للتغيير الفكري
الفصل الأول : محاولة تغيير الكتاب والشريعة
1 - محاولة تغيير القرآن الكريم
2 - الشريعة الجديدة المنتظرة
الفصل الثاني : تغيير أصل الدين ( وهو التوحيد )
الفصل الثالث : تحويل المسلمين إلى كربلاء
زيارة كربلاء يوم عرفة أفضل من سائر الأيام
زيارة قبر الحسين أفضل الأعمال
زوار الحسين تأتيهم الملائكة ويناجيهم الله
مناسك المشاهد
أ - الطواف بها
ب - الصلاة عند الضريح
ج - الانكباب على القبر
د - اتخاذ القبر قبلة كبيت الله
الفهرس
2
7
10
13
17
24
34
37
38
39
40
42
43
46
48
49
51
54
59
40
60
61
62
62
66
66
67
68
71
78
79
80
81
84
88
100
102
102
103
105
106
107
110
116(87/104)
بطلان عقائد الشيعة
وبيان زيغ معتنقيها و مفترياتهم على الإسلام من مراجعهم الأساسية
للعلامة: محمد عبدالستار التونسوي
رئيس منظمة أهل السنة في باكستان
محتويات الكتاب:
مقدمة الكتاب
الأمر الأول من عقائدهم الفاسدة: عقيدة الشرك بالله
الأمر الثاني من عقائدهم الفاسدة: عقيدة البداء
الأمر الثالث من عقائدهم الفاسدة: عقيدة عصمة الأئمة الاثنا عشر
الأمر الرابع من عقائدهم الفاسدة: عقيدة أن القرآن الموجود محرف ومبدل فيه
الأمر الخامس من عقائدهم الفاسدة: عقيدة إهانة الرسول صلى الله عليه وسلم وإهانة علي والحسين رضي الله عنهما
الأمر السادس من عقائدهم الفاسدة: عقيدة إهانة أمهات المؤمنين أزواج الرسول صلى الله عليه وسلم
الأمر السابع من عقائدهم الفاسدة: عقيدة إهانة بنات النبي صلى الله عليه وسلم وخاصة الزهراء،رضي الله عنهن
الأمر الثامن من عقائدهم الفاسدة: عقيدة إهانة العباس وابنه عبدالله وعقيل بن أبي طالب رضي الله عنهم
الأمر التاسع من عقائدهم الفاسدة: عقيدة إهانة الخلفاء الراشدين والمهاجرين والأنصار رضي الله عنهم
الأمر العاشر من عقائدهم الفاسدة: عقيدة عقيدة إهانة أئمة أهل البيت وبني فاطمة رضي الله عنهم
الأمر الحادي عشر من عقائدهم الفاسدة: عقيدة التقية وفضائلها عندهم
الأمر الثاني عشر من عقائدهم الفاسدة: عقيدة المتعة وفضائلها عندهم
الأمر الثالث عشر من عقائدهم الفاسدة: عقيدة جواز استعارة الفرج
الأمر الرابع عشر من عقائدهم الفاسدة: عقيدة جواز اللواطة بالنساء
الأمر الخامس عشر من عقائدهم الفاسدة: عقيدة الرجعة
الأمر السادس عشر من عقائدهم الفاسدة: عقيدة الطينة
الأمر السابع عشر من عقائدهم الفاسدة: عقيدة الاحتساب في النياحة
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم(88/1)
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلله فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة- من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئا.
أما بعد ...
فقد قال الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه ((لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون..كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون)).
وقال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ((من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)) رواه مسلم في صحيحه.
ومن أعظم المنكرات خطراً وأفسدها للإيمان وأضرها على الدين فتنة الشيعة الروافض التي قام أبناؤها يدعون إليها في كل مكان ويظهرون للناس أن باطلهم هذا هو الإسلام بعينه وأنه لا فرق كبير بينه وبين مذاهب أهل السنة والجماعة الأربعة المشهورة وأن الخلاف بين أهل السنة والشيعة خلاف جزئي بسيط في أمور فرعية فقط.
وبما أن الأمر ليس كذلك، بل إن الخلاف بين السنة والشيعة أصولي وفي أمهات العقائد ثم إنه شديد جدا حيث يخرج صاحبه من الملة.
وبما أن عامة أهل السنة لا علم لهم بهذا الخلاف الشديد بل وحتى أكثر عوام الشيعة لا علم لهم بهذه العقائد الشيعية الفاسدة لأن علماء الشيعة لا ينشرون كتبهم الأساسية التي عليها اعتماد مذهبهم بين عامة الناس.
لذا طلبنا من سماحة الشيخ محمد عبدالستار التونسوي رئيس منظمة أهل السنة بباكستان أن يجمع عقائد الشيعة المهمة والمخالفة لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في مؤلف مختصر حتى يكون الناس على بينه من دين الشيعة الجعفرية ويتضح لهم فسادها وبطلانها.(88/2)
وقد استجاب جزاه الله خيرا لذلك وألف هذه الرسالة المختصرة القيمة.
وسماحة الشيخ محمد عبدالستار التونسوي من خريجي جامعة ديوبند الإسلامية عام 1946م وكان من مشايخه العلامة المجاهد شيخ الإسلام السيد حسين أحمد المدني، الذي أشار عليه عندما رأى اهتمامه بعقائد الشيعة بصفة خاصة، أن يذهب بعد التخرج إلى لكناؤ للاستفادة من إمام أهل السنة الشيخ عبدالشكور اللكنوي في هذا المجال. فذهب عام 1947م إلى لكناؤ وأقام مع الشيخ اللكنوي عدة شهور للتخصص في الرد على الشيعة وتعلم على يديه الكثير في هذا الميدان ثم بعد تقسيم البلاد إلى الهند وباكستان جاء إلى النجف وكربلاء وطهران وزار مراكز الشيعة وتحصل على كتبهم ومراجعهم التي لم يستطع الحصول عليها بلكناؤ ثم رجع لبلاده باكستان وهو منذ يومئذ يجاهد على منبر "منظمة أهل السنة" في هذا المجال وقد تاب على يديه الآلاف من الشيعة وقد ناظر كبار علمائهم وهزمهم بإذن الله حتى صار الشيعة يهابونه ولا يتجرءون على مناظرته.
وقد قال تعالى: ((إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور))..
وقال: ((وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله)).
وقال: ((أفرأيت من اتخذ إلهه هواه)).
وقال: ((إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء))..
وقال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: ((تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنة نبيه)) أخرجه الإمام مالك في الموطأ.
وقال صلى الله عليه وسلم: ((ستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا ملة واحدة. فقيل: ما هي يا رسول الله؟ قال: هي ما أنا عليه وأصحابي)) أخرجه الترمذي.(88/3)
وقال صلى الله عليه وسلم: ((إذا رأيتم الذين يسبون أصحابي فقولوا لعنة الله على شركم)) أخرجه الترمذي أيضا. وأخرج ابن عساكر أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا ظهرت البدع ولعن آخر هذه الأمة أولها فمن كان عنده علم فلينشره فإن كاتم العلم يومئذ ككاتم ما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم)) كذا في الجامع الصغير للسيوطي.
وقال صلى الله عليه وسلم: ((إذا لعن آخر هذه الأمة أولها فمن كتم حديثا فقد كتم ما أنزل الله)) رواه ابن ماجة..
ومما لا يخفى أن هذا العصر شاع فيه الإلحاد والزيغ والفسوق والبدع والطعن في الإسلام وشعائره وفي سلف الأمة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان رضي الله عنهم وانتشرت الفتن وقام أهل الباطل يضلون العباد بآرائهم الفاسدة ويغيرون دين الله ويحرفون كتاب الله باسم الإسلام بدون حياء أو مروءة وينشرون الإلحاد والزندقة والفسق والفجور باسم الدين الإسلامي الحنيف.
وأخطر هذه الفتن وأخبثها فتنة الرفض والتشيع هذه يفتن بها الجهال وسفهاء الناس بشعار حب أهل البيت والأئمة. وقد قام أهلها لترويجها ونشرها بصورة خطيرة وبدءوا يستخدمون لغرضهم هذا كل الوسائل الحديثة. ويبذلون لباطلهم الغالي والنفيس ويستعلمون له جميع المكايد والحيل. اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم.
والواجب على دعاة المسلمين و وعاظهم و مصلحيهم وعامة علمائهم أن يكشفوا حقيقة هذه الفتنة الخبيثة ويبينوا زيغها وبطلانها للناس ليحفظوا إيمانهم ويصونوا عقائدهم.(88/4)
ألا يا علماء الإسلام ويا أولياء أمور المسلمين إنه من أعظم الواجبات اليوم العمل كل ما في وسعكم وبذل كل ما تملكون لنصرة الحق ودحر هذا الباطل وإماتة هذه الفتنة وإلا فإن المسؤولية ستقع أول ما تقع عليكم فاتقوا الله واتقوا الله في أنفسكم وفي هؤلاء المسلمين الذين قد عزم الباطل أن ينشر سمومه فيهم ويصدر ثورته إليهم فيغير عقائد هؤلاء البسطاء من الحق إلى الباطل.
ألا هل بلغت...اللهم فاشهد...
ومما لا يخفى أنه قد بدأت فتنة الشيعة بجهود عبدالله بن سبأ اليهودي عدو الإسلام والمسلمين وأتباعه: زرارة وأبي بصير وعبدالله بن يعفور وأبي مخنف لوط بن يحي وغيرهم من الكذابين المارقين ليطمسوا بها حقائق الإسلام ويمزقوا بين صفوف المسلمين.
ونسبوا هذه العقائد الشيعية إلى سيدنا علي رضي الله عنه وآله الطيبين افتراء منهم مع أنهم رضي الله عنهم براء منها، فإن عليا وآله كانوا من أعلام أهل السنة والجماعة.
وقد عاش علي وآله إلى جعفر الصادق رضي الله عنهم في بيئة المدينة المنورة وبيئة الإيمان والإسلام والكتاب والسنة وكانت عباداتهم وسائر أعمالهم وفق أعمال عامة أهل السنة والجماعة.
وحينما يسأل الشيعة عن أن عليا وعترته كانوا من أهل السنة والجماعة يعملون بأعمالهم...وحياتهم كانت كلها مثل حياتهم؟ فيجيبون أنهم كانوا يحذون حذو أهل السنة والجماعة على سبيل التقية، إنما اختاروا ساعة في الليل أو النهار يجلسون فيها مع أتباعهم ويرشدونهم إلى مذهب الشيعة، والمسلم المنصف العاقل يتحير من جوابهم هذا فإنه لو سلمنا لاستلزم منه أن الأئمة عاشوا ليلا ونهارا ثلاثا وعشرين ساعة في الباطل وساعة واحدة على الحق وما هذا إلا كذب وبهتان وافتراء من الشيعة على علي وآله رضي الله عنهم –فلعنة الله على الكاذبين-.
نود أن نسجل أولا بعض معتقداتهم الباطلة إجمالا ثم تفصيلا بالرجوع إلى كتبهم ومراجعهم التي يعتمد عليها عندهم كي يتضح مسلكهم ويعلم زيغهم واعوجاجهم.(88/5)
1- عقيدة الشرك بالله مثل اليهود والنصارى وسائر المشركين (والعياذ بالله) منها.
2- عقيدة البداءة الفاسدة والتي تستلزم نسبة الجهل إلى الباري تعالى شأنه.
3- عقيدة عصمة الأئمة الاثناعشر المخالفة لعقيدة ختم النبوة لخاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم.
4- عقيدة أن القرآن الموجود محرف ومبدل زيد فيه ونقص منه (والعياذ بالله) وهي من أشنع عقائدهم وأفسدها وتستلزم إخراجهم من ملة الإسلام.
5- عقيدة إهانة الرسول صلى الله عليه وسلم وإهانة علي رضي الله عنه والحسن والحسين رضي الله عنهما.
6- عقيدة إهانة أمهات المؤمنين زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهن.
7- عقيدة إهانة بنات النبي صلى الله عليه وسلم وخاصة إهانة سيدة النساء فاطمة الزهراء رضي الله تعالى عنهن.
8- عقيدة إهانة العباس وابن العباس وعقيل رضي الله عنهم.
9- عقيدة إهانة الخلفاء الراشدين والمهاجرين والأنصار رضي الله عنهم أجمعين.
10- عقيدة إهانة أئمة أهل البيت رضي الله عنهم.
11- عقيدة التقية.
12- عقيدة المتعة.
13- عقيدة جواز استعارة الفرج.
14- عقيدة جواز اللواطة بالنساء.
15- عقيدة الرجعة.
16- عقيدة الطينة.
17- عقيدة الاحتساب في النياحة وشق الجيوب وضرب الخدود على شهادة الحسين وغير ذلك المخالفة للعقيدة الإسلامية (الصبر في المصائب).
وإن هذه الرسالة الصغيرة في حجمها القيمة في مضمونها، نرجو البري سبحانه وتعالى أن يتقبلها قبولا حسنا ويجعلها سبب هداية لعباده بفضله وكرمه وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما.
عبدالحفيظ عبدالملك مكة المكرمة في 12/11/1403هـ
الأمر الأول من عقائدهم الفاسدة
عقيدة الشرك بالله:
يذكر محمد بن يعقوب الكليني في أصول الكافي (باب أن الأرض كلها للإمام) عن أبي عبدالله عليه السلام قال إن الدنيا والآخرة للإمام-يضعها حيث يشاء ويدفعها إلى من يشاء-جائز له من الله (1).(88/6)
فماذا يستنبط المسلم المنصف من هذه العبارة، مع أن الله تعالى يقول في محكم آياته ((إن الأرض لله يورثها من يشاء)) (2).
((لله ملك السماوات والأرض)) (3).
((فلله الآخرة والأولى)) (4).
((له ملك السماوات والأرض)) (5).
((تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير)) (6).
والشيعة يكتبون (قال علي:.....أنا الأول وأنا الآخر وأنا الظاهر وأنا الباطن وأنا وارث الأرض) (7).
وهذه العقيدة أيضا باطلة مثل الأولى. وعلي رضي الله عنه بريء منها وما هذا إلا افتراء عظيم عليه وحاشاه أن يقول ذلك.
والله يقول جل جلاله:
((هو الأول والآخر والظاهر والباطن)) (8).
((ولله ميراث السماوات والأرض)) (9).
وفسر الشيعي المشهور مقبول أحمد آية الزمر ((وأشرقت الأرض بنور ربها))- فقال: أن جعفر الصادق يقول: أن رب الأرض هو الإمام فحين يخرج الإمام يكفي نوره ولا يفتقر الناس إلى الشمس والقمر (10).
تفكروا كيف جعلوا الإمام ربا حيث قالوا في معنى ((بنور ربها)) أن الإمام هو الرب ومالك الأرض.
وكذا قال هذا المفسر الشيعي في تفسير آية الزمر ((لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين بل الله فاعبد وكن من الشاكرين)) بأنه روى عن جعفر الصادق في الكافي: أن معناه: لئن أشركت في ولاية علي أحدا فينتج منه: ليحبطن عملك.
ثم قال في تفسير ((بل الله فاعبد وكن من الشاكرين))- أي: اعبدوا النبي مع الطاعة واشكروه حيث جعلنا أخالك وابن عمك قوة عضدك (11).
فانظروا كيف افتروا على جعفر الصادق في تفسير الآية مع أن هذه الآيات في توحيد الله عز وجل وأن الله خالق كل شيء وأنه الذي يجب أن تكون له جميع العبادات كيف حرفوها وأخرجوا منها الشرك الجلي كافأهم الله.(88/7)
وكذا قال هذا المفسر الشيعي في تفسير قوله تعالى: ((وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون))، بأن جعفر الصادق فسرها ناقلا عن الحسين رضي الله تعالى عنه، بأن الله خلق الجن والإنس ليعرفوه لأنهم إذا عرفوه عبدوه فسأله أحدهم: وما هي المعرفة؟ فأجاب: بأن يعرف الناس إمام زمانهم (12).
وذكر الكليني في (أصول الكافي): قال الإمام محمد الباقر: نحن وجه الله ونحن عين الله في خلقه ويده المبسوطة بالرحمة على عباده (13). وكذا قال: نحن لسان الله ونحن وجه الله ونحن عين الله في خلقه (14).
وعن أبي عبدالله عليه السلام (جعفر الصادق) كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه كثيرا ما يقول: أنا قسيم الله بين الجنة والنار.......لقد أوتيت خصالا ما سبقني إليها أحد قبلي علمت المنايا والبلايا والأنساب وفصل الخطاب فلم يفتني ما سبقني ولم يعزب عني ما غاب عني (15).
انظروا كيف اجترءوا بإثبات صفات الألوهية لعي رضي الله عنه.
وكذا قال المفسر الشيعي مقبول أحمد في تفسير آية سورة القصص ((كل شيء هالك إلا وجهه)). أن جعفر الصادق قال في تفسيره: نحن وجه الله.
انظروا كيف جعلوا الإمام إلها لا يفنى –تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا-.
وذكر الكليني في باب : أن الأئمة يعلمون علم ما كان وما يكون وأنه لا يخفى عليهم شيء، عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال: إني لأعلم ما في السماوات وما في الأرض وأعلم ما في الجنة وما في النار وأعلم ما كان وما يكون (16).
وكذا في أصول الكافي فهم يحلون ما يشاءون ويحرمون ما يشاءون ولن يشاءوا إلا أن يشاء الله تبارك وتعالى (17).
وذكر الكليني أيضا في باب: أن الأئمة يعلمون متى يموتون وأنهم لا يموتون إلا باختيارهم، قال أبوعبدالله عليه السلام: أي إمام لا يعلم ما يصيبه فليس ذلك بحجة لله على خلقه (18).(88/8)
مع أن الله تعالى يقول: ((قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله))، وقال تعالى: ((وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو)) إلا أن الشيعة أشركوا أئمتهم مع الله في علم الغيب.
ويذكر الكليني أيضا في باب أن الأئمة لو ستر عليهم لأخبروا كل امرئ بما له وما عليه، قال أبوجعفر عليه السلام: لو كان لألسنتكم أوكئة لحدثت كل امرئ بما له وعليه (19).
وذكر الكليني أيضا في أصول الكافي..وهو أعظم مرجع للشيعة..في باب (أن الأئمة يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى الملائكة والأنبياء والرسل عليهم السلام) عن سماعة عن أبي عبدالله عليه السلام قال: أن لله تبارك وتعالى علمين: علما أظهر عليه ملائكته وأنبياءه ورسله، فما أظهر عليه ملائكته ورسله وأنبياءه فقد علمناه، وعلم استأثر به، فإذا بدا لله في شيء منه أعلمنا ذلك وعرض على الأئمة الذين كانوا من قبلنا عليهم السلام)، انظروا جعلوا أئمتهم بزعمهم أعلم من الملائكة والأنبياء والرسل-وشاركوهم مع الله في علومه كل ذلك كذب وزور وكفر.
وأصول الكافي وغيره من مراجع الشيعة ومؤلفاتهم مليئة بهذه الطامات وما ذكرنا هنا إلا نبذا يسيره منها فقط، وللشيعة قصائد باللغة الأردوية مليئة بالشرك بالله والغلو الزائد في أئمتهم جاء في بعضها أن سائر الأنبياء عند الشدائد طلبوا المدد والإعانة من علي فأمدهم فنوح طلب منه المدد عند الغرق، وإبراهيم ولوط وهود و شيث كلهم استعانوا به فأعانهم. وأن معجزات علي عظيمة عجيبة وعلي قادر على كل شيء (والعياذ بالله).
وما سطرنا إلا عدة عبارات فقط من كتب الشيعة المعتمدة عندهم وليعلم القارئ أن كتبهم مملوءة بهذه العقائد الشركية. فهل يستطيع أحد أن يبقى مسلما بعد اعتقاده بهذه العقائد الباطلة.(88/9)
فالله تعالى يقول: ((الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل)) ويقول ((ولا يشرك في حكمه أحدا)) ويقول ((الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض)) الآية، وقال ((ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين)). ويقول ((إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)). وقال ((إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار)). وقال ((إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء)).
فهذه الآيات وأمثالها صريحة كل الصراحة بأن الله وحده خالق كل شيء وهو المدبر في السماوات والأرض وهو القادر على كل شيء وأنه يعلم كل شيء.
والشيعة يثبتون الصفات الإلهية لأئمتهم أليس إثبات صفة إلهية لغير الله شرك؟
ومن يعتقد إثباتها لغيره تعالى أفليس بمشرك؟ بلى إنه شرك في الصفات والقائل بهذه الأقاويل مشرك حقا.
__________________
(1) أصول الكافي ص259-طبعة الهند.
(2) سورة الأعراف.
(3) سورة البقرة.
(4) سورة النجم.
(5) سورة الحديد.
(6) سورة الملك.
(7) رجال الكشي ص 138-طبعة الهند.
(8) سورة الحديد.
(9) سورة الحديد.
(10) ترجمة مقبول أحمد ص339 أصل العبارة في اللغة الأردوية ونقلنا إلى العربية بكل أمانة.
(11) ترجمة مقبول أحمد ص 932.
(12) ترجمة مقبول أحمد ص1043.
(13) أصول الكافي ص83.
(14) المرجع السابق ص 84.
(15) المرجع السابق ص 117.
(16) المرجع السابق ص 160.
(17) المرجع السابق ص 178.
(18) المرجع السابق ص 158.
(19) المرجع السابق ص 193.
الأمر الثاني من عقائدهم الفاسدة
عقيدة البداء:
وهو بمعنى الظهور بعد الخفاء، كما في قوله تعالى: ((وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون)) سورة الزمر.
أو بمعنى: نشأة رأي جديد لم يكن من قبل كما في قوله تعالى ((ثم بدا لهم بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين)) سورة يوسف.(88/10)
و البداء بمعنييه يستلزم سبق الجهل وحدوث العلم وكلاهما محال على الله عز وجل فإن علمه تعالى أزلي وأبدي لقوله تعالى: ((وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين)).
والشيعة ذهبوا إلى أن البداء متحقق في الله عز وجل كما تدل عليه العبارات الآتية من مراجعهم الأساسية:
ذكر محمد بن يعقوب الكليني في كتابه "أصول الكافي" بابا كاملا في البداء وسماه (باب البداء) وأتى فيه بروايات كثيرة نذكر بعضها: (عن زرارة بن أعين عن أحدهما عليهما السلام قال: ما عبد الله بشيء مثل البداء، وفي رواية ابن أبي عمير عن هشام ابن سالم عن أبي عبدالله عليه السلام: ما عظم الله بمثل البداء).
وعن مرازم بن حكيم قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول ما تنبأ نبي قط حتى يقر لله بخمس: بالبداء والمشيئة والسجود والعبودية والطاعة).
عن الريان بن الصلت قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: ما بعث الله نبيا إلا بتحريم الخمر وأن يقر لله بالبداء).
ونقل الكليني أيضا (بدا لله في أبي محمد بعد أبي جعفر ما لم يعرف له، كما بدا له في موسى بعد مضي إسماعيل ما كشف به عن حاله وهو كما حدثتك نفسك وإن كره المبطلون. وأبو محمد ابني الخلف من بعدي وعنده علم ما يحتاج إليه ومعه آلة الإمامة) (1).
وقد كذبوا على الله في ذلك وعلى أئمتهم-يظنون في الله غير الحق ظن الجاهلية- يدعون أن الله كان يريد الإمامة لأبي جعفر ثم لما مات قبل أن يصبح إماما حينئذ بدا لله العلي القدير أن يكون الإمام أبو محمد ففعل، وذلك كما أنه قد كان يريد الله أن يجعل إسماعيل إماما ثم (والعياذ بالله) بدا لله الرأي الجديد فغير رأيه السابق فجعل موسى الكاظم إماما للناس- وهكذا يفترون على الله الكذب سبحانه اتباعا لأهوائهم فلهم الويل لما يصفون.(88/11)
ونسوا قاتلهم الله أنه ينتج من أكاذيبهم هذه نسبة الجهل إلى الله العليم الخبير الحكيم الجليل، وهو كفر بواح.
ونقل الكليني: عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت أبا جعفر عليه يقول: يا ثابت إن الله تبارك وتعالى وقت هذا الأمر في السبعين فلما أن قتل الحسين صلوات الله عليه اشتد غضب الله على أهل الأرض فأخره إلى أربعين (2) ومائة فحدثناكم فأذعتم الحديث فكشفتم قناع الستر ولم يجعل الله له بعد ذلك وقتا عندنا ((يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب)) قال أبوحمزة: فحدثت بذلك أبا عبدالله عليه السلام فقال: قد كان ذلك (3).
والمراد (بهذا الأمر) في كلامه هو ظهور المهدي. ثم إن أقوالهم وادعاءاتهم هذه كلها ظاهرة البطلان فإنه يلزم من عقيدة البداء (نعوذ بالله) أن الله تعالى شأنه كان يجهل هذه الأشياء التي جاءت مؤخرا ثم لما حدثت وعلم بها الله غير سبحانه رأيه القديم وأنشأ رأيا جديدا حسب الظروف والأحوال الجديدة ونسبة الجهل إلى الله تعالى كفر صحيح كما مقرر في محلة.
ـــــــــــــــ
(1) أصول الكافي ص40
(2) يعني ذلك أن الله لم يكن عنده علم أن الحسين سيموت فلما علم بذلك أخر الأمر. (أهلكهم الله).
(3) أصول الكافي ص232 مطبوعة الهند.
الأمر الثالث من عقائدهم الفاسدة
عقيدة عصمة الأئمة الاثنا عشر:(88/12)
ذكر محمد بن يعقوب الكليني في "أصول الكافي" عن أبي عبدالله عليه السلام قال: ما جاء به علي عليه السلام أخذ به وما نهى عنه انتهي عنه جرى له من الفضل مثل ما جرى لمحمد صلى الله عليه وسلم ولمحمد الفضل على جميع من خلق الله المتعقب عليه في شيء من أحكامه كالمتعقب على الله وعلى رسوله والراد عليه في صغيرة أو كبيرة على حد الشرك بالله.....وكذلك يجري لأئمة الهدى واحدا بعد واحد جعلهم الله أركان الأرض أن تميد بأهلها-حجته البالغة على من فوق الأرض ومن تحت الثرى وكان أمير المؤمنين صلوات الله عليه كثيرا ما يقول أنا قسيم الله بين الجنة والنار أنا الفاروق الأكبر أنا صاحب العصا والميسم ولقد أقرت لي جميع الملائكة والروح والرسل بمثل ما أقروا به لمحمد ولقد حملت على مثل حمولته وهي حمولة الرب (1).
ونقل الكليني أيضا (قال الإمام جعفر الصادق: نحن خزان علم الله نحن تراجمة أمر الله نحن قوم معصومون-أمر الله تعالى بطاعتنا ونهى عن معصيتنا ونحن حجة الله البالغة على من دون السماء وفوق الأرض) (2).
وذكر الكليني (سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: الأئمة بمنزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنهم ليسوا بأنبياء ولا يحل لهم من النساء ما يحل للنبي فأما ما خلا ذلك فهم بمنزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم) (3).(88/13)
ونقل الكليني في (باب ما نص الله عز وجل ورسوله على الأئمة عليهم السلام واحدا فواحد) عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عز وجل (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) فيمن نزلت؟ فقال نزلت في الأمرة إن هذه جرت في ولد الحسين عليه السلام ومن بعده فنحن أولى بالأمر وبرسول الله صلى الله عليه وسلم من المؤمنين والمهاجرين والأنصار –قلت فولد جعفر لهم فيها نصيب؟ فقال: لا، قال فقلت: فلولد عباس فيها نصيب؟ قال: لا، فعددت عليه بطون بني عبدالمطلب، كل ذلك يقول: لا- ونسيت ولد الحسن عليه السلام، فدخلت بعد ذلك عليه فقلت: هل لولد الحسن فيها نصيب؟ قال: لا، والله يا عبدالرحيم ما لمحمدي فيها نصيب غيرنا (4).
باب فرض طاعة الأئمة:
عن أبي الصباح قال: أشهد أني سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: أشهد أن عليا إمام فرض الله طاعته وأن الحسن إمام فرض الله طاعته، وأن الحسين إمام فرض الله طاعته، وأن علي بن الحسين إمام فرض الله طاعته، وأن محمد بن علي إمام فرض الله طاعته (5).
ونقل الكليني أيضا: قال الإمام محمد الباقر: إنما يأتي بالأمر من الله تعالى في ليالي القدر إلى النبي وإلى الأوصياء: افعل كذا وكذا الأمر قد كانوا علموه أمره كيف يعملون فيه (6).
إن الشيعة اخترعوا معنى الإمامة من عند أنفسهم حيث جعلوا الإمام معصوما مثل أنبياء الله وجعلوه عالما للغيب وأوردوا لتأييد أهدافهم هذه روايات موضوعة افتراء وكذبا والحق أن الإمام يكون بمعنى القدوة مطلقا، وهذا اللفظ يطلق على المؤمن والكافر-كقوله تعالى ((إني جاعلك للناس إماما)) وكقوله تعالى: ((ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما)) وكقوله تعالى: ((فقاتلوا أئمة الكفر)) وقوله تعالى ((جعلناهم أئمة يدعون إلى النار)).(88/14)
فهذه الكلمة لا تقتضي العصمة ولا علم الغيب ولا التصرف في الأمور وليس عندهم حجة شرعية تثبت لهم هذه الصفات التي أثبتوها للإمام، نعم إن كتاب الله أثبت المراتب الأربعة المذكورة في قوله تعالى: ((من يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا)) فليس في هذه المراتب الأربعة منصب الإمامة الذي اخترعه الشيعة وجعلوه أساس مذهبهم مع أن عليا وآله رضي الله عنهم ينكرون بشدة كون الإمام بمعنى أنه (مفترض الطاعة أو المعصوم) فإنه لما أراد الناس بيعة علي رضي الله عنه بعد شهادة عثمان (وقالوا مد يدك نبايعك على خلافتك فقال: دعوني والتمسوا غيري وإن تركتموني فأنا كأحدكم، ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم وأنا لكم وزيرا خير لكم مني أميرا) (7).
وهذا منقول في نهج البلاغة وهو من مراجع الشيعة التي يعتمدون عليها.
فلو كانت إمامته من عند الله لما اعتذر هذه العذرة ، فإن الإمامة المنصوصة من الله واجبة الإطاعة للإمام ولرعيته وهكذا فوض الحسن رضي الله عنه الإمامة لمعاوية رضي الله تعالى عنهما وبايع على يده وكذلك بايع الحسين على يد معاوية رضي الله عنهما (8).
فلو كان الحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما إمامين منصوصين من الله تعالى لما بايعا معاوية رضي الله عنه ولما فوضا الأمر إليه.
وقال مأمون الرشيد لعلي رضا رحمه الله أني قد رأيت أن أعزل نفسي عن الخلافة وأجعلها لك وأبايعك..فقال لست أفعل ذلك طائعا أبدا.
فهذا يدل أيضا على أن الإمام علي رضا رحمه الله تعالى لم يقبل الإمامة فهي ليست من الأمور المنصوصة المفترضة التي كفر الروافض والشيعة أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم بسببها كما سيأتي في موضعه إن شاء الله.
وأما الصفات التي نعتقدها في رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي ثابتة بالنصوص القرآنية والأحاديث النبوية، فالقرآن يصرح ((وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)).(88/15)
((وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا)).
((قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا)).
((تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا)).
((فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما)).
((وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)).
((قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله)).
((ومن يطع الرسول فقد أطاع الله)).
((ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا)).
وقد اتفقت الأمة أن محمدا صلى الله عليه وسلم أشرف خلق الله وأكرمهم. وأن له مكانة عليا لا يدانيه في صفاته وفضائله صلى الله عليه وسلم أحد من الخلق وهو معصوم ومطاع وهو خاتم النبيين وخلفاؤه صلى الله عليه وسلم يحذون حذوه ويتبعون آثاره ويقتدون به في كل صغيرة وكبيرة وأنهم
أصحاب ورع وفضيلة عظيمة ولكنهم لا يشتركون معه لا في العصمة ولا يساوونه في الفضل والكمال كما تفتري الشيعة في أئمتهم.
ـــــــــــ
(1) أصول الكافي كتاب الحجة ص117.
(2) المرجع السابق ص165.
(3) المرجع السابق.
(4) المرجع السابق ص177.
(5) المرجع السابق ص109.
(6) المرجع السابق ص154.
(7) نهج البلاغة الجزء الأول ص 183.
(8) معرفة أخبار الرجال (رجال الكشي) صفحة 72.
الأمر الرابع من عقائدهم الفاسدة
عقيدة أن القرآن الموجود محرف ومبدل فيه:
إن الشيعة لا يؤمنون بالقرآن الموجود بين أيدي المسلمين لوجوه ثلاثة:
الوجه الأول:
حسب عقيدة الشيعة الصحابة كلهم كذابون،
"وكانوا يعتقدون أن الكذب عبادة".
وكذا أئمة أهل البيت كاذبون وأصحاب تقية،
"وكانوا يعتقدون أن الكذب عبادة".
فإذا صار سائر الصحابة وأئمة أهل البيت كاذبين فمن الذي يبلغهم هذا القرآن المجيد من رسول الله صلى الله عليه وسلم على حقيقته.
الوجه الثاني:(88/16)
وكذا حسب عقائد الشيعة أن الصحابة كانوا كاذبين وهم الذين نقلوا ورووا القرآن الكريم.
وأئمة أهل البيت لا يروونه ولا يوثقونه ولا يصدقونه فكيف يعتمد الروافض والشيعة على صحة هذا القرآن الموجود وكماله.
وأما الوجه الثالث:
فهي روايات الشيعة الصحيحة عندهم المروية في كتبهم المعتمدة التي تتجاوز عن ألفي رواية (والتي تعتبر عندهم متواترة) وكلها تصرح بأن القرآن الموجود بين أيدينا محرف ومبدل نقص منه وزيد فيه ولا نجد رواية واحدة صحيحة في سائر كتب الشيعة والتي تدل على أن القرآن (الموجود بين أيدينا) من حيث الثبوت أنقص من مكانة الخبر الواحد الصحيح عند الشيعة.
وأما ما يحتج بعض الشيعة بأقوال العلماء الأربعة منهم فقط وهم:-
الشريف المرتضى وأبوجعفر الطوسي وأبوعلي الطبرسي والشيخ الصدوق.
بأنهم جحدوا ثبوت التحريف في القرآن الكريم فاحتجاجهم بهؤلاء الأربعة احتجاج باطل فإن مدار مذهب الشيعة على مذهب الأئمة المعصومين وجمهور المحدثين منهم ورواياتهم التي تتجاوز عن ألفين ذهبت كلها إلى التحريف فما وزن أقوال هؤلاء المساكين الأربعة أمام أقوال الأئمة المعصومين وجمهور المحدثين منهم وأعلام الشيعة الكبار القدماء. ثم أيضا فإن هؤلاء الأربعة ما قالوا بعدم التحريف إلا تقية لأجل الظروف التي كانت لا تسمح لهم فيها بالقول بالتحريف-وخاصة إذا علم فضيلة التقية وعظم مرتبتها عندهم وسنذكر شيئا منه في هذا الكتاب في محله إن شاء الله. وحتى أن محققي الشيعة نقدوا أقوال هؤلاء الأربعة كما قال الحسين بن محمد تقي النوري الطبرسي في كتابه (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب) ص33 ما نصه: (لم يعرف من القدماء موافق لهم).
وجمهور المحدثين من الشيعة يعتقدون التحريف في القرآن.كما ذكر الحسين بن محمد تقي النوري الطبرسي في كتابه (فصل الخطاب) ص32 (وهو مذهب جمهور المحدثين الذين عثرنا على كلماتهم).(88/17)
ونود أن نقدم نبذة يسيرة من الروايات الدالة على تحريف القرآن مع توثيقها وتصحيحها من كتب الشيعة المعتمدة.
أخرج محمد بن يعقوب الكليني في أصول الكافي تحت (باب أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة وأنهم يعلمون علمه كله): (عن جابر قال: سمعت أباجعفر عليه السلام يقول ما ادعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كله كما أنزله الله إلا كذاب وما جمعه وحفظه كما أنزله الله إلا علي بن أبي طالب والأئمة من بعده).
وأخرج الكليني أيضا في أصول الكافي ص 67 طبعة الهند: "عن سالم بن سلمة قال قرأ رجل على أبي عبدالله عليه السلام وأنا أستمع حروفا من القرآن ليس على ما يقرأها الناس فقال أبوعبدالله: كف عن هذه القراءة، اقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم، فإذا قام القائم قرأ كتاب الله على حدة، وأخرج المصحف الذي كتبه علي عليه السلام وقال أخرجه علي عليه السلام إلى الناس حين فرغ منه وكتبه فقال لهم: هذا كتاب الله عز وجل كما أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم وآله قد جمعته من اللوحين، فقالوا: هو ذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن، لا حاجة لنا فيه، فقال: أما والله لا ترونه بعد يومكم هذا أبدا إنما كان علي أن أخبركم حين جمعته لتقرؤوه.
وذكر الكليني أيضا في أصول الكافي ص670 طبعة الهند: (عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: دفع إلي أبوالحسن عليه السلام مصحفا وقال لا تنظر فيه ففتحته وقرأت فيه "لم يكن الذين كفروا" فوجدت فيه سبعين رجلا من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم.
وذكر الكليني في أصول الكافي ص 263: (باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية): عن أبي عبدالله عليه السلام "ولقد عهدنا إلى آدم من قبل كلمات في محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ذريتهم فنسي" هكذا والله أنزلت على محمد صلى الله عليه وآله.(88/18)
ونقل الكليني أيضا في أصول الكافي ص264: (عن أبي عبدالله عليه السلام قال: نزل جبريل على محمد بهذه الآية هكذا "يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا في علي نورا مبينا").
وبعضهم يقولون أن عثمان أحرق المصاحف وأتلف السور التي كانت في فضل علي وأهل بيته عليهم السلام منها هذه السورة: "بسم الله الرحمن الرحيم يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالنورين أنزلناهما يتلوان عليكم آياتي ويحذرانكم عذاب يوم عظيم نوران بعضهما من بعض وأنا السميع العليم" (1) .
ونقل الملا حسن (عن أبي جعفر عليه السلام قال: لولا أنه زيد ونقص من كتاب الله ما خفي حقنا على ذي حجى) (2).(88/19)
وذكر أحمد بن أبي طالب الطبرسي في الاحتجاج: (عن أبي ذر الغفاري أنه لما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله جمع علي القرآن وجاء به إلى المهاجرين والأنصار وعرضه عليهم لما قد أوصاه بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله، فلما فتحه أبوبكر خرج في أول صفحة فتحها فضائح القوم، فوثب عمر وقال: يا علي أردده فلا حاجة لنا فيه، فأخذه علي عليه السلام وانصرف، ثم أحضر زيد بن ثابت وكان قارئا للقرآن فقال له عمر: إن عليا جاءنا بالقرآن وفيه فضائح المهاجرين والأنصار وقد رأينا أن نؤلف القرآن ونسقط منه ما كان فيه فضيحة وهتك للمهاجرين والأنصار، فأجابه زيد إلى ذلك، ثم قال: فإن أنا فرغت من القرآن على ما سألتم وأظهر علي القرآن الذي ألفه أليس قد أبطل كل ما عملتم؟ قال عمر: فما الحيلة؟ قال زيد: أنتم أعلم بالحيلة، فقال عمر: ما حيلته دون أن نقتله ونستريح منه، فدبر في قتله على يد خالد بن الوليد فلم يقدر على ذلك، فلما استخلف عمر سألوا عليا عليه السلام أن يدفع إليهم القرآن فيحرفوه فيما بينهم فقال عمر: يا أبا الحسن إن جئت بالقرآن الذي كنت جئت به إلى أبي بكر حتى نجتمع عليه، فقال: هيهات ليس إلى ذلك سبيل إنما جئت به إلى أبي بكر لتقوم الحجة عليكم ولا تقولوا يوم القيامة: ((إنا كنا عن هذا غافلين)) أو تقولوا ((ما جئتنا به)) إن القرآن الذي عندي لا يمسه إلا المطهرون والأوصياء من ولدي، فقال عمر: فهل وقت لإظهار معلوم؟ فقال عليه السلام: نعم، إذا قام القائم من ولدي يظهره ويحمل الناس عليه (3).(88/20)
ويقول النوري الطبرسي في فصل الخطاب ((كان لأمير المؤمنين قرآن مخصوص جمعه بنفسه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وعرضه على القوم فأعرضوا عنه فحجبه عن أعينهم، وكان عند ولده عليهم السلام يتوارثونه إمام عن إمام كسائر خصائص الإمامة وخزائن النبوة وهو عند الحجة عجل الله فرجه، يظهره للناس بعد ظهوره ويأمرهم بقراءته، وهو مخالف لهذا القرآن الموجود من حيث التأليف وترتيب السور والآيات بل الكلمات أيضا، من جهة الزيادة والنقيصة، وحيث أن الحق مع علي وعلي مع الحق ففي القرآن الموجود تغيير من جهتين وهو المطلوب) (4) نعم هكذا بنصه وحرفه قاتله الله.
ويقول أحمد بن أبي طالب في الاحتجاج للطبرسي (ثم دفعهم الاضطرار بورود المسائل عليهم إلى جمعه وتأليفه وتضمينه من تلقائهم ما يقيمون به دعائم كفرهم...وزادوا فيه ما ظهر تناكره وتنافره... والذي بدأ في الكتاب عن الزرأ على النبي صلى الله عليه وآله من فرقة الملحدين ولذلك قال ويقولون منكرا من القول وزورا (5).
ويقول الحسين النوري الطبرسي في فصل الخطاب: يروى عن كثير من قدماء الروافض أن هذا القرآن الذي عندنا ليس هو الذي أنزل الله على محمد صلى الله عليه وآله، بل غير وبدل وزيد فيه ونقص عنه (6) .
ونقل الملا حسن (عن أبي جعفر أن القرآن قد طرح عنه آي كثيرة ولم يزد فيه إلا حروف) (7) .
ويقول الملا حسن أيضا: (المستفاد من مجموع هذه الأخبار وغيرها من الروايات من طريق أهل البيت أن القرآن الذي بين أظهرنا ليس بتمامه كما أنزل على محمد صلى الله عليه وآله بل منه ما هو خلاف ما أنزل الله ومنه ما هو مغير محرف، وأنه قد حذف منه أشياء كثيرة منها اسم علي في كثير من المواضع ومنها لفظة آل محمد غير مرة ومنها أسماء المنافقين ومنا غير ذلك وأنه ليس أيضا على الترتيب المرضي عند الله وعند رسوله) (8).(88/21)
وأخرج الكليني: (عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إن القرآن الذي جاء به جبريل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم سبعة عشر ألف آية) (9) .
مع أن القرآن الموجود بين أيدينا ستة آلاف وستمائة وست وستون آية فكأن الثلثين طرحا منه تقريبا وما بقي إلا الثلث فقط. ويقول صاحب (مرآة العقول) في التعليق على هذا الحديث الذي أخرجه الكليني عن أبي عبدالله عليه السلام: فالخبر صحيح ولا يخفى أن هذا الخبر وكثير من الأخبار الصحيحة صريحة في نقص القرآن وتغييره وعندي أن الأخبار في هذا الباب متواترة معنى وطرح جميعها يوجب رفع الاعتماد عن الأخبار رأسا بل ظني أن الأخبار في هذا الباب لا تقصر عن أخبار الإمامة فكيف يثبتونها بالخبر. (10) .
ويقول الملا خليل القزويني شارح الكافي في حق الحديث المذكور آنفا بالفارسية ما ترجمته بالعربية: (أأأن المراد منه أن الآيات الكثيرة طرحت من القرآن وليست في المصاحف المشهورة والأحاديث الصحيحة فالطرق الخاصة والعامة دالة على سقوط كثير من القرآن وهذه الأحاديث بلغت في الكثرة حدا يعتبر تكذيب جميعها جرأة... ودعوى (أن القرآن هو هذا الموجود في المصاحف) لا يخلو عن إشكال والاستدلال باهتمام الصحابة وأهل الإسلام في ضبط القرآن استدلال ضعيف بعد الاطلاع على عمل أبي بكر وعمر وعثمان، وهكذا الاستدلال بآية "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" استدلال ضعيف لأن الآية هنا بصيغة الماضي وفي سورة مكية وقد نزلت سور عديدة بمكة بعد هذه السورة وهذا ما عدا السور التي نزلت بالمدينة بعدها بكثير فلا دلالة فيها على أن جميع القرآن محفوظ..... وأيضا حفظ القرآن لا يدل على أن يكون محفوظا عند عامة الناس فإنه يمكن أن يراد منه أنه محفوظ عند إمام الزمان وأتباعه الذين هم أصحاب أسراره) (11) .(88/22)
ويقول الحسين النوري الطبرسي في فصل الخطاب:- (الأخبار الواردة في الموارد المخصوصة من القرآن الدالة على تغيير بعض الكلمات والآيات والسور بإحدى الصور المتقدمة وهي كثيرة جدا، حتى قال السيد نعمة الله الجزائري في بعض مؤلفاته كما حكى عنه: أن الأخبار الدالة على ذلك تزيد على ألفي حديث وادعى استفاضتها جماعة كالمفيد والمحقق الداماد والعلامة المجليلي وغيرهم بل الشيخ أيضا صرح في التبيان بكثرتها، بل ادعى تواترها جماعة يأتي ذكرهم في آخر المبحث) (12) .
ويقول النوري الطبرسي أيضا: قال السيد المحدث الجزائري في الأنوار ما معناه: أن الأصحاب قد أطبقوا على صحة الأخبار المستفيضة بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن كلاما ومادة وإعرابا والتصديق بها (13) .
ويقول النوري الطبرسي: الأخبار الكثيرة المعتبرة الصريحة في وقوع السقط ودخول النقصان في الموجود من القرآن زيادة على ما مر متفرقا في ضمن الأدلة السابقة، وأنه أقل من تمام ما نزل إعجازا على قلب سيد الإنس والجن من غير اختصاصها بآية أو سورة وهي متفرقة في الكتب المعتبرة التي عليها المعول وإليها المرجع عند الأصحاب (14) .
ويقول النوري الطبرسي أيضا: واعلم أن تلك الأخبار منقولة من الكتب المعتبرة التي عليها معول أصحابنا في إثبات الأحكام الشرعية والآثار النبوية (15) .(88/23)
وقد بين علماء الشيعة الروايات التي تدل على التحريف في القرآن بتفصيل وأورد العلامة محمد الباقر المجلسي دليلا عقليا على التحريف في القرآن أيضا. حيث يقول ما نصه: والعقل يحكم بأنه إذا كان القرآن متفرقا منتشرا عند الناس وتصدى غير المعصوم لجمعه يمتنع عادة أن يكون جمعة كاملا موافقا للواقع، لكن لا ريب في أن الناس مكلفون بالعمل بما في المصاحف وتلاوته حتى يظهر القائم وهذا معلوم متواتر من طريق أهل البيت..عليهم السلام وأكثر أخبار هذا الباب مما يدل على النقص والتغيير وسيأتي كثير منها في الأبواب الآتية لا سيما في كتاب فضل القرآن وسنشبع القول فيه إن شاء الله تعالى (16) .
وبعدما سردنا بعض الروايات التي أوردها الشيعة في كتبهم وتوثيقها من جانب أعلام الشيعة بأنها متواترة صحيح وصريحة على التحريف في القرآن، نود أن نذكر عقيدتهم طبق هذه الروايات بأن القرآن الموجود محرف ومبدل فيه فيقول صاحب التفسير الصافي:
(أما اعتقاد مشائخنا في ذلك فالظاهر من ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني طاب ثراه أنه كان يعتقد التحريف والنقصان في القرآن لأنه روى روايات في هذا المعنى في كتابه الكافي ولم يتعرض لقدح فيها مع أنه ذكر في أول الكتاب أنه كان يثق بما رواه فيه وكذلك أستاذه علي بن إبراهيم القمي فإن تفسيره مملوء منه وله غلو فيه وكذلك الشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي فإنه أيضا نسج على منوالهما في كتابه الاحتجاج) (17) .
وقد صنف كثير من محدثي الشيعة كتبا مستقلة في هذا الموضوع يثبتون فيها أن القرآن محرف ومبدل فيه كما ذكر أسماء هذه الكتب الحسين بن محمد تقي النوري الطبرسي في كاتبه المعروف (فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب).
وهو يقول في مقدمة كتابه ما لفظه: (هذا كتاب لطيف وسفر شريف عملته في إثبات تحريف القرآن وفضائح أهل الجور والعدوان نسميه فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب).(88/24)
ثم يعدد الكتب التي صنفت في هذا الموضوع في الصفحة التاسعة والعشرين من نفس هذا الكتاب فذكر:
1- كتاب التحريف.
2- كتاب التنزيل والتغيير.
3- كتاب التنزيل من القرآن والتحريف.
4- كتاب التحريف والتبديل.
5- التنزيل والتحريف.
فهذه الكتب ترشدنا إلى أن هذه العقيدة عندهم من ضروريات الدين حيث صنفوا فيها كتبا عديدة.
وأما اعتذار بعض الشيعة بأنها روايات ضعيفة فهو اعتذار بارد فإن معظم محدثي الشيعة وأعلامهم أورد هذه الروايات ووثقوها وما رد أحد منهم على هذه الروايات ولا بين عقيدته ضد هذه بل إنهم اعتقدوا التحريف –وإننا نلتمس من علماء الشيعة أنهم إذا كانوا معترفين بأن القرآن محفوظ غير محرف ومبدل فيه فيجب عليهم :
أولا: أن يأتوا برواية واحدة صحيحة من أئمتهم المعصومين مذكورة في أي كتاب من كتبهم التي يعتمد عليها عندهم، والتي تدل على أن القرآن محفوظ كامل ومكمل غير محرف، ولن يأتوا بهذه الرواية إلى يوم القيامة.
ويلزم عليهم ثانيا: أن يكفروا من يقول بتحريف القرآن ويعلنوا عقيدتهم هذه في الجرائد والمجلات.
وأيضا عليهم أن لا يروجوا هذه الروايات الدالة على التحريف في مجالسهم بل يتبرءوا من أصحابها ومنها في مجالسهم ومحافلهم ويخطئوا الكتب التي وردت فيها مثل هذه الأكاذيب والضلالات، كأصول الكافي والاحتجاج وغيرهما.(88/25)
لقد عرضنا في هذه الصفحات عقيدة الشيعة حول التحريف في القرآن مؤيدة بالروايات المتواترة عندهم وأقوال محدثيهم ومفسريهم وأعلامهم فلا يمكن أن يجحدها أحد منهم، وهذه العبارات تكشف النقاب عن وجوههم المسودة وتضع أمامنا عقائدهم حول الكتاب المقدس الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد-ويقول الله تبارك وتعالى في هذا الكتاب المجيد: "آلم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين"، ويقول: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"، ويقول: "لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه، فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه"، ويقول: "وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله"، ويقول: "قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا".
واتفق المسلمون قاطبة على أن القرآن الذي في المصاحف بأيدي المسلمين شرقا وغربا فما بين ذلك من أول القرآن إلى آخر المعوذتين كلام الله عز وجل ووحيه أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم من كفر بحرف منه فهو كافر، وأما ما يتمسك به بعض غفلة الشيعة حينما يعجز عن إثبات إيمانه بالقرآن الموجود المحفوظ الأكمل ويقول ولو أن روايات التحريف في كتبنا موجودة فلا بأس بها فإن كتبكم أيضا تذكر نسخه التلاوة والاختلاف في القراءات فتمسككم هذا إنما هو تمسك الغريق بالحشيش فإن نسخ التلاوة أمر ثابت بالنصوص، وهكذا اختلاف القراءات؛ فأين الثرى من الثريا، نعوذ بالله من المتغابين المعاندين، وعليه أن يقدم لنا عبارة واحدة من علماء أهل السنة تصرح أن القرآن محرف أو مبدل فيه بل إن أهل السنة قاطبة معتقدون بأن القائل بالتحريف في القرآن كافر خارج عن ملة الإسلام.
ــــــــــــ
(1) فصل الخطاب ص180،طبعة إيران.
(2) تفسير الصافي،لمصنفه الملا حسن ص11.(88/26)
(3) الاحتجاج، للطبرسي ص225،طبعة النجف،وهكذا في التفسير الصافي ص11 أيضا وكذا في فصل الخطاب ص7.
(4) فصل الخطاب ص97.
(5) الاحتجاج للطبرسي ص383، لمصنفه أحمد بن أبي طالب الطبرسي.
(6) فصل الخطاب طبعة إيران ص32.
(7) التفسير الصافي ص11، لمصنفه الملا حسن.
(8) المرجع السابق ص13.
(9) أصول الكافي طبعة الهند ص671.
(10) مرآة العقول شرح الأصول والفروع،المجلد الثاني ص 539،لمصنفه الملا محمد الباقر المجلسي.
(11) الصافي شرح أصول الكافي-كتاب فضل القرآن،الجزء السادس،باب النوادر ص75،لمؤلفه الملا خليل القزويني.
(12) فصل الخطاب للحسين النوري الطبرسي ص227.
(13) المرجع السابق ص31.
(14) المرجع السابق ص211.
(15) المرجع السابق ص228.
(16) مرآة العقول شرح الأصول والفروع،المجلد1،ص 171،لمصنفه محمد الباقر المجلسي.
(17) التفسير الصافي ص14،لمصنفه الملا حسن.
الأمر الخامس من عقائدهم الفاسدة
عقيدة إهانة الرسول صلى الله عليه وسلم
وإهانة الحسن والحسين رضي الله عنهما:
ويذكر المجلسي بالفارسية ما ترجمته بالعربية:
(يروي النعماني عن الإمام محمد الباقر عليه السلام أنه قال: لما يظهر الإمام المهدي يؤيده بالملائكة وأول من يبايعه محمد عليه الصلاة والسلام ثم علي عليه السلام، وروى الشيخ الطوسي والنعماني عن الإمام الرضى عليه السلام أن من علامات ظهور المهدي أنه سيظهر عاريا أمام قرص الشمس) (1).
فانظر يا أخي رحمك الله كيف يهينون رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمير المؤمنين عليا رضي الله عنه ويدعون كذبا وزورا أنهما سيبايعان المهدي. ثم يفترون على المهدي أيضا أنه سيظهر عريانا هكذا بدون ثياب. أي دين هذا؟ (أخزاهم الله).(88/27)
ثم نسبت الشيعة كذبا وزورا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من تمتع مرة كانت درجته كدرجة الحسين، ومن تمتع مرتين فدرجته كدرجة الحسن، ومن تمتع ثلاث مرات كانت درجته كدرجة علي بن أبي طالب، ومن تمتع أربع مرات فدرجته كدرجتي) (2).
انظروا إلى هؤلاء الحمقى أفدرجة الحسين رضي الله عنه هينة إلى هذا الحد-إننا أهل السنة والجماعة نعتقد أن الرجل مهما عبد الله بشتى أنواع العبادات العظيمة فإنه لا يستطيع بحال أن يبلغ درجة أدنى فرد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف بسيد شباب أهل الجنة وسبط رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم كيف بدرجة أخيه الأكبر الحسن ودرجة والده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رابع الخلفاء الراشدين المهديين رضي الله عنه. وأما عن بهتانهم ووقاحتهم في شأن سيد الأولين والآخرين وأفضل الرسل أجمعين أن من تمتع أربع مرات تصبح درجته كدرجته صلى الله عليه وسلم (والعياذ بالله).
فاللهم إنا نبرأ إليك مما يدعي هؤلاء الخبثاء ونكل أمرهم إلى الله الجبار القهار-ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وذكر الكليني في فروع الكافي أن زرارة قال: (فلما ألقى إلى طرف الصحيفة. إذا كتاب غليظ يعرف أنه من كتب الأولين فنظرت فيه فإذا فيه خلاف ما في أيدي الناس من الصلة والأمر بالمعروف الذي ليس فيه اختلاف، وإذا عامته كذلك فقرأته حتى أتيت على آخره بخبث نفس وقلة تحفظ وإسقام رأي وقلت وأنا أقرأه باطل، حتى أتيت آخره ثم أدرجتها ورفعتها إليه، فلما أصبحت لقيت أبا جعفر عليه السلام فقال لي: أقرأت صحيفة الفرائض؟ فقلت: نعم، فقال: كيف رأيت ما قرأت؟ فقلت: باطل ليس بشيء هو خلاف ما الناس عليه. قال: فإن الذي رأيت والله يا زرارة هو الحق، الذي رأيت هو إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وخط علي بيده) (3).
هذه إحدى روايات الكافي وكتاب الكافي هذا يعتبر أعظم مرجع عند الشيعة.(88/28)
أنظر يا أخي أفهناك إهانة في حق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وفي حق سيد الخلق أجمعين صلى الله عليه وسلم أكثر وأشد من أن ينسب إليهما تحريرا فيه (خلاف ما في أيدي الناس من الصلة والمعروف) أي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (والعياذ بالله) كان يأمر الناس عامة في كل حين "بالصلة والأمر بالمعروف" ولكن في الخلوة يملي لسيدنا علي رضي الله عنه بخلاف ذلك (أي بالقطيعة والأمر بالمنكر ونحوه) أفهناك بهتان أشنع من هذا؟، ثم انظر ما رأيك في الدين الشيعة هؤلاء الذين يرون أن الدين الحقيقي هو الذي يدعيه زرارة كذبا وافتراء أنه أملاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتبه سيدنا علي رضي الله عنه بخط يده فيه أحكام (بالقطيعة وأمر بالمنكر) هل يصلح مثل هذا أن يكون دينا؟
وقالت الشيعة في حق علي رضي الله تعالى عنه: أن عليا رضي الله عنه خطب ثم أقبل بوجهه وحوله ناس من أهل بيته وخاصته وشيعته فقال:
قد علمت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول الله صلى الله عليه وآله متعمدين لخلافه ناقضين لعهده مغيرين لسنته، لو حملت الناس على تركها وحولتها إلى مواضعها ... لتفرق عني جندي ... ورددت قدك إلى ورثة فاطمة .... ورددت قضايا من الجور قضي بها، ورددت نساء تحت رجال بغير حق فرددتهن إلى أزواجهن.... وحملت الناس على حكم القرآن وعلى الطلاق على السنة.... ورددت سائر الأمم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله، إذا لتفرقوا عني (4).(88/29)
وهذه الرواية أيضا من روايات الكافي؛ أفحقا كان أسد الله الغالب البطل الشجاع الحيدر الكرار سيدنا علي رضي الله عنه هكذا كما يظهر من رواياتهم هذه، جبانا خذولا يخاف تفرق الجند عنه فيرغب لذلك عن حمل الناس على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم بل ويرضى لهم مع كونه حينئذ إمام المسلمين وسلطانهم أن يبقوا على ما كان عليه الولاة المخالفون لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمتعمدون لخلافه الناقضون لعهده والمغيرون لسنته أفهناك بهتان أشنع من هذا وهل هناك إهانة ووقاحة أعظم من هذه في حق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، مع أن الشيعة يعتقدون فيه كذبا وزورا أنه كان عند علي رضي الله عنه عصا موسى وخاتم سليمان وأنه (والعياذ بالله) كان على كل شيء قدير، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
اللهم ألهمنا مراشد أمورنا وأعذنا من شرور أنفسنا.
ونقل الكيني في أصول الكافي: (إن جبريل نزل على محمد صلى الله عليه وآله فقال له: يا محمد إن الله يبشرك بمولود يولد من فاطمة تقتله أمتك من بعدك، فقال: يا جبريل، وعلى ربي السلام، لا حاجة لي بمولود يولد من فاطمة تقتله أمتي من بعدي، فعرج ثم هبط فقال مثل ذلك، فقال: يا جبريل، وعلى ربي السلام، لا حاجة لي تقتله أمتي من بعدي، فعرج جبريل إلى السماء ثم هبط فقال: يا محمد إن ربط يقرئك السلام ويبشرك بأنه جاعل في ذريته الإمامة والولاية والوصية، فقال: إني قد رضيت، ثم أرسل إلى فاطمة أن الله يبشرني بمولود يولد لك تقتله أمتي من بعدي، فأرسلت إليه أن لا حاجة لي بمولود تقتله أمتك من بعدك فأرسل إليها أن الله عز وجل جعل في ذريته الإمامة والولاية والوصية، فأرسلت إليه أني قد رضيت، فحملته كرها ووضعته كرها....ولم يرضع الحسين من فاطمة عليها السلام ولا من أنثى، كان يؤتى بالنبي صلى الله عليه وآله فيضع إبهامه في فيه فيمص منها ما يكفيه اليومين والثلاثة (5).(88/30)
أليست هذه الرواية، إهانة لسيدنا الحسين رضي الله عنه حيث إن الرسول صلى الله عليه وسلم مع أن الله يبشره على لسان جبريل عليه السلام فيقول صلى الله عليه وسلم عند أنه (لا حاجة لي فيه) وكذا أمه السيدة فاطمة الزهراء تقول (لا حاجة لي فيه) ثم (حملته كرها ووضعته كرها، ثم لم ترضعه) إننا لم نسمع عن أم تقول هكذا وتفعل هكذا بابن لها فكيف وإذا كان هذا الابن في مثل عظمة الحسين سيد شباب أهل الجنة رضي الله عنهما.
وذكر الكليني (عن أبي عبدالله عليه السلام: لما مات عبدالله بن أبي سلول حضر النبي صلى الله عليه وسلم جنازته فقال عمر لرسول الله صلى الله عليه وآله: ألم ينهك الله أن تقوم على قبره فسكت، فقال: يا رسول الله، ألم ينهك الله أن تقوم على قبره فقال له: ويلك ما يدرك ما قلت؟ إني قلت: اللهم احش جوفه نارا واملأ قبره نارا وأصله نارا) (6).
كيف تفتري الشيعة على النبي صلى الله عليه وسلم حيث يدعون كذبا وزورا أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على المنافق ولكنه في صلاته لم يدع له إنما دعا عليه، وهكذا كما لا يخفى أنه من أعمال النفاق ونسبة النفاق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إهانة عظمى في حقه صلى الله عليه وسلم.
ويروي الكليني أيضا: (عن أبي عبدالله عليه السلام أن رجلا من المنافقين مات فخرج الحسين بن علي صلوات الله عليهما يمشي معه، فلقيه مولى له فقال له الحسين عليه السلام: أين تذهب يا فلان؟ فقال: أفر من جنازة هذا المنافق أن أصلي عليها، فقال له الحسين عليه السلام: أنظر أن تقوم على يميني فما تسمع أقول فقل مثله، فلما أن كبر عليه وليّه، قال الحسين: الله أكبر، اللهم العن فلانا عبدك ألف لعنة مؤتلفة غير مختلفة اللهم أخز عبدك في عبادك وبلادك وأصله نارك وأذقه أشد عذابك فإنه كان يتولى أعداءك ويعادي أولياءك ويبغض أهل بيت نبيك) (7).(88/31)
انظر وفقك الله للخير كيف تجترئ الشيعة فيفترون على الحسين رضي الله عنه مع ادعائهم محبته بأنه صلى على رجل فدعا عليه ولعنه مع أن الصلاة لا تكون إلا للدعاء وطلب المغفرة والرحمة.... فينسبون بذلك النفاق إلى الحسين كذبا وزورا ونعوذ بالله أن يكون الحسين على هذا الشأن من النفاق والمداهنة. أفتبنى الأديان على النفاق إذن لما احتاج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى احتمال الأذى والمصائب من الكفار المشركين واليهود وغيرهم ولو كان كذلك لما وقعت معركة كربلاء ولما استشهد الحسين بن علي رضي الله عنهما.
ــــــــــــ
(1) حق اليقين، بالفارسية، لمحمد الباقر المجلسي، ص347.
(2) تفسير منهج الصادقين،ص 356، لمصنفه محمد الملا الكاشاني.
(3) فروع الكافي، ج3،ص52.
(4) فروع الكافي، كتاب الروضة، ص 29.
(5) أصول الكافي للكليني ص294.
(6) فروع الكافي، كتاب الجنائز،ص188.
(7) المرجع السابق، ص189.
الأمر السادس من عقائدهم الفاسدة
عقيدة إهانة أمهات المؤمنين
أزواج النبي صلى الله عليه وسلم:
يقول محمد الباقر المجلسي في حق اليقين بالفارسية: (اعتقاد ما دربرات آنست كه بيزاري جويند ازبت هائي جهار كانه يعنى أبوبكر عمر عثمان ومعاوية وزنان جهار كامه يعنى عائشه وحفصه وهند وأم الحكم واز جميع أشياع وأتباع ايشان وآنكه ايشان بدترين خلق خدايند. وآنكه تمام نمى شود اقرار بخدا ورسول وأئمه مكر به بيزارى ازدشمنان ايشان) (1).
ما ترجمته بالعربية:
(وعقيدتنا (الشيعة) في التبرؤ: أننا نتبرأ من الأصنام الأربعة: أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية، والنساء الأربع: عائشة وحفصة وهند وأم الحكم، ومن جميع أتباعهم وأشياعهم، وأنهم شر خلق الله على وجه الأرض، وأنه لا يتم الإيمان بالله ورسوله والأئمة إلا بعد التبرؤ من أعدائهم).(88/32)
وهذا واضح في إهانة عائشة و حفصة زوجات النبي صلى الله عليه وسلم مع غيرهن، والله سبحانه وتعالى يقول عنهن "النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم" الآية....
ويقول محمد الباقر المجلسي في "حياة القلوب" بالفارسية (ابن بابويه در علل الشارئع روايت كرده است از حضرت امام محمد باقر عليه السلام كه جون قائم ما ظاهر شود عائشه را زنده كند نابراو حد نبراد وانتقام فاطمه ازاو بكشد) (2).
وترجمته بالعربية:
(يروي ابن بابويه في –علل الشرائع- أنه قال الإمام محمد الباقر عليه السلام: إذا ظهر الإمام المهدي فإنه سيحيي عائشة ويقيم عليها الحد انتقاما لفاطمة)...
وهذا في منتهى الوقاحة والبشاعة في حق الصديقة حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا ندري بم نعلق على هذه الأكذوبة، إننا نكل أمر الشيعة وأعلامهم هؤلاء إلى الله الجبار القهار لينتقم منهم لحبيبه صلى الله عليه وسلم.
ويقول شيخهم مقبول أحمد في ترجمته لمعاني القرآن بالأردوية (جنك جمل مين أفواج بصره كي جزل كما نئنك حضرت عائشه اس آيت كي روسى فاحشه مبينه كي مرتكب هين) (3).
وترجمته بالعربية:
(أن قائدة جيوش البصرة في وقعة الجمل عائشة قد ارتكبت فاحشة مبينة حسب هذه الآية)....(88/33)
وذكر أحمد بن أبي طالب الطبرسي في الاحتجاج الجزء الأول ص 240 (أنه قال علي عليه السلام لعائشة أم المؤمنين: والله ما أراني إلا مطلقها... قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: يا علي أمر نسائي بيدك من بعدي) أي أنه لعلي الحق بعد الرسول صلى الله عليه وسلم (والعياذ بالله) أن يطلق من يشاء من زوجاته صلى الله عليه وسلم الطاهرات المطهرات. لقد اخترعت الشيعة كذبا وإفكا مثل هذه الروايات تنقيصا لمكانة الصديقة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها خاصة ولمكانة أمهات المؤمنين زوجاته صلى الله عليه وسلم مع أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللاتي أثنى عليهن الله في القرآن الكريم فقال مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم في شأن أزواجه هؤلاء "لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شيء رقيبا" وقال تعالى: "النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم" ويقول سبحانه: "يا نساء النبي لستن كأحد من النساء" الآية..
ونزلت في حقهن رضي الله عنهن "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا" وخاصة السيدة عائشة رضي الله عنها حيث أنزل الله عز وجل آيات سورة النور في طهارتها وعفتها وكمالها. وهي صريحة في أن من يطعن فيها بالإفك ويخترع الروايات الكاذبة للطعن فيها فإنه من عصبة المنافقين، يقول الله تعالى في آخرها "يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين".
كيف يتجرأ هؤلاء الشيعة ولا يستحون من الله ولا من عباده فيهينون أزواجه صلى الله عليه وسلم فإنه لا يرضى زوج أبدا أن يتعرض أحد لزوجته أو يطعن فيها ويذلها بأي صورة كانت بل إن الرجل الشهم ربما يتحمل ذل نفسه لسبب ما ولكن لا يمكن أن يتحمل الذل والإهانة والطعن في زوجته وأهله.
ــــــــــــ
(1) حق اليقين، لمحمد الباقر المجلسي، ص519.(88/34)
(2)المرجع السابق ص378، وأيضا (حياة القلوب) المجلد الثاني ص854.
(3)ترجمة القرآن بالأردية لمقبول أحمد ص840،سورة الأحزاب.
الأمر السابع من عقائدهم الفاسدة
عقيدة إهانة بنات النبي صلى الله عليه وسلم وخاصة
إهانة سيدة النساء فاطمة الزهراء رضي الله عنهن:
اتفق سائر أهل السنة والجماعة في ضوء القرآن والسنة على أن عدد بنات النبي صلى الله عليه وسلم أربع: السيدة زينب والسيدة رقية والسيدة أم كلثوم والسيدة فاطمة رضي الله عنهن، وكذا ذهب إليه عامة الشيعة أيضا، إلا أن شيعة الهند والباكستان أنكروا البنات الثلاث وأثبتوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بنتا واحدة فقط وهي السيدة فاطمة الزهراء وأما الثلاث الباقيات فأثبتوهن لغير رسول الله صلى الله عليه وسلم وخالفوا صريح الحكم الإلهي "ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله" وما ذلك إلا لأجل العداوة مع عثمان بن عفان ذي النورين رضي الله تعالى عنه كي لا يتحقق له الشرف السامي والمجد الموئل، حيث زوجه النبي صلى الله عليه وسلم أولا السيدة رقية فلما توفيت زوجه النبي صلى الله عليه وسلم السيدة أم كلثوم، ولذا سمي "ذو النورين".
وقال تعالى "يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين" الآية، فالله ذكر البنات بصيغة الجمع التي تدل على تعدد بناته صلى الله عليه وسلم وكتب علماء الشيعة: تزوج خديجة وهو ابن بضع وعشرين سنة فولد له منها قبل مبعثه القاسم ورقية وزينب وأم كلثوم وولد منها بعد مبعثه الطيب والطاهر والفاطمة عليها السلام (1).
وكذا أقوال الأئمة المعصومين عند الشيعة وعلمائهم صريحة في تعدد بنات النبي صلى الله عليه وسلم وهي مسجلة في الكتب الآتية وهي كلها للشيعة:
مجالس المؤمنين ص83.
التهذيب-الجزء الأول ص154.
تفسير مجمع البيان-الجزء الثاني ص233.
فروع الكافي-الجزء الثاني ص222.
فيض السلام ص519.(88/35)
نهج البلاغة-الجزء الثاني ص85.
قرب الإسناد ص6.
تحفة العوام-لأحمد علي ص113.
حيات ا لقلوب-الجزء الثاني ص: 82،559،223،560.
منتهى الآمال-الجزء الأول ص89.
مرآة العقول-الجزء الأول ص352.
وذكر الكليني في فروع الكافي:
لما زوج رسول الله صلى الله عليه وآله عليا فاطمة عليها السلام دخل عليها وهي تبكي، فقال لها: ما يبكيك فوالله لو كان في أهلي خير منه ما زوجتك وما أنا أزوجه ولكن الله زوجك (2).
وذكر الكليني أيضا:
عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إن فاطمة عليها السلام قالت لرسول الله: زوجتني بالمهر الخسيس؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله: ما أنا زوجتك، ولكن الله زوجك من السماء (3).
وذكر محمد الباقر المجلسي في جلاء العيون بالفارسية وترجمته بالعربية:
(قال الإمام محمد الباقر عليه السلام في كشف الغمة بأنه اشتكت يوما فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم: أن عليا ما يأتيه من الأموال يقسمها بين الفقراء والمساكين؟ فقال عليه الصلاة والسلام: أتريدين أن أسخط أخي وابن عمي؟ اعلمي أن سخطه سخطي وسخطي سخط الله، فقالت فاطمة: إني أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله) (4).(88/36)
يظهر من الروايتين الأوليين أن السيدة فاطمة الزهراء (والعياذ بالله) كانت غير راضية بالزواج من سيدنا علي رضي الله عنه بسبب فقره وقلة المهر، وفيه إهانة عظيمة لسيدة نساء أهل الجنة فإنها رضي الله عنها كانت من أزهد النساء في هذه الدنيا الفانية وأرغبهن إلى الدار الآخرة وكيف يتصور من مثلها أنها لا ترضى بهذا الزواج المبارك بسبب دنيا أو مال بسيط ومهر خسيس، حاشاها من ذلك. كما يظهر من الرواية الثالثة أنها كانت تكره من سيدنا علي رضي الله عنه إنفاقه المال على الفقراء والمساكين حتى تشتكيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهل هذا ممكن وهي الكريمة بنت الكريم وعجبا للشيعة كيف يدعون محبة السيدة الطاهرة الزهراء بعد أن قد نسبوا إليها مثل هذه الأمور الدنيئة التي لا تليق بأية امرأة شريفة فكيف بها رضي الله عنها.
وذكر أحمد بن أبي طالب الطبرسي في الاحتجاج:(88/37)
ثم انكفأت عليها السلام وأمير المؤمنين عليه السلام يتوقع رجوعها إليه ويتطلع طلوعها عليه فلما استقرت بها الدار قالت لأمير المؤمنين عليه السلام يا ابن أبي طالب اشتملت شملة الجنين وقعدت حجرة الظنين نقضت قادمة الأجدل فخانك ريش الأعزل، هذا ابن أبي قحافة يبتزني نحلة أبي وبلغة ابني، لقد أجهد في خصامي، وألفيته ألد في كلامي حتى حبستني قيلة نصرها والمهاجرة وصلتها وغضت الجماعة دوني طرفها فلا دافع ولا مانع، خرجت كاظمة وعدت راغمة أضرعت خدك يوم أضعت حدك، افترست الذئاب وافترشت التراب، ما كففت قائلا ولا أغنيت طائلا ولا خيار لي ليتني مت قبل هنيئتي ودون ذلتي عذيري الله منه عاديا ومنك حاميا ويلاي في كل شارق، ويلاي في كل غارب، مات العمد ووهن العضد، شكواي إلى أبي وعدواي إلى ربي، اللهم إنك أشد منهم قوة وحولا، وأشد بأسا وتنكيلا، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: لا ويل لك بل الويل لشانئك ثم نهنهي عن وجدك يا بنت الصفوة وبقية النبوة فما ونيت عن ديني ولا أخطأت مقدوري، فإن كنت تريدين البلغة، فرزقك مضمون وكفيلك مأمون، وما أعد لك أفضل ما قطع عنك فاحتسبي الله، فقالت: حسبي الله، وأمسكت (5).(88/38)
هل يعقل أن تخاطب السيدة البتول الزهراء رضي الله عنها زوجها سيدنا علي رضي الله عنه بهذا الأسلوب الذي لا ترتضيه أية زوجة عاقلة شريفة في يومنا هذا أيضا أن تخاطب به زوجها، وإن حكمنا فرضا بصدق هذه الرواية فينتج عنه والعياذ بالله وقاحة السيدة الطاهرة فاطمة رضي الله عنها وغلظتها وشراستها في حق زوجها، وجبن سيدنا علي رضي الله عنه وتخاذله أمام الناس في أمر حق، وهل يعقل ذلك وهو أسد الله الغالب الحيدر الكرار ذو الشجاعة والبطولات النادرة، ولا أدري أين تذهب عقول الشيعة الذين يدعون محبة علي وفاطمة ثم يأتون بهذه السخافات التي تخالف ما يدعونه، وفي الحقيقة كما ترى أنهم يهينون بنات النبي صلى الله عليه وسلم وكل ذلك يحصل عند اختراعهم لهذه الآيات الموضوعة لغرض ما من أغراضهم الدنيئة ويغيب عنهم أن الرواية الموضوعة قد ضرتهم من ناحية أخرى، وهكذا دائما حال الموضوعات من الروايات ويظهر كذبها أمام الناس أجمعين.
وذكر أحمد بن أبي طالب الطبرسي أيضا في الاحتجاج:
فقال سلمان: فلما كان الليل حمل علي فاطمة على حمار وأخذ بيد ابنيه الحسن والحسين فلم يدع أحدا من أهل بدر من المهاجرين ولا من الأنصار إلا أتى منزله وذكر حقه ودعا إلى نصرته.... فأصبح لم يوافه منهم أحد غير أربعة، فقلت لسلمان: من الأربعة؟ قال: أنا وأبوذر والمقداد والزبير بن العوام، أتاهم من الليلة الثانية...ثم الثالثة فما وفى أحد غيرنا (6).
وذكر الطبرسي أيضا: (فلما كان الليل حمل فاطمة على حمار ثم دعاهم إلى نصرته فما استجاب له رجل، غيرنا أربعة (7).
أفليس تجوال سيدنا علي ببضعة الرسول صلى الله عليه وسلم السيدة الزهراء وأخذها إلى باب كل فرد من المسلمين في إهانة للسيدة الزهراء ولسيدنا علي رضي الله عنه أيضا، وهل يعقل أنه بعد هذه الجهود كلها لم يستجب لهم أحد خاصة بنو هاشم؟ إنما هي رواية وضعها الروافض كذبا وزورا.
ـــــــــــــ
(1) أصول الكافي للكليني ص278.(88/39)
(2) فروع الكافي-الجزء الثاني،كتاب النكاح ص157.
(3) المرجع السابق-الجزء الثاني ص157.
(4) جلاء العيون للمجلسي ص61،طبعة إيران.
(5) الاحتجاج للطبرسي،لمصنفه أحمد بن أبي طالب الطبري، ص145.
(6) المرجع السابق ص157.
(7) المرجع السابق ص158.
الأمر الثامن من عقائدهم الفاسدة
عقيدة إهانة العباس وابنه عبدالله وعقيل
ابن أبي طالب رضي الله عنهم:
وذكر محمد الباقر المجلسي بالفارسية ما ترجمته:
يروى الكليني بسند حسن أنه سأل سدير الإمام محمد الباقر أين كانت غيرة بني هاشم وشوكتهم وكثرتهم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين غلب علي من أبي بكر وعمر وسائر المنافقين؟ فأجاب الإمام محمد الباقر: من كان باقيا من بني هاشم؟ جعفر وحمزة اللذان كانا من السابقين الأولين والمؤمنين الكاملين قد ماتا، والاثنان اللذان كانا ضعيفي اليقين وذليلي النفس وحديثي عهد بالإسلام قد بقيا، العباس وعقيل (1).
وذكر محمد الباقر المجلسي بالفارسية عن العباس:
(وآنجه أز أحاديث ظاهرمى شود آن است كه اودر مرتبه كمال ايمان نبوده است وعقيل نيز با او شبيه است) (2).
وترجمته بالعربية: (أنه يثبت من أحاديثنا أن عباسا لم يكن من المؤمنين الكاملين وأن عقيلا كان مثله (في عدم كمال الإيمان)).
وذكر المجلسي أيضا بالفارسية: (بسند معتبر ازان حضرت (محمد باقر) روايت كرده است كه حضرت زين العابدين فرمودكه ورحق عبدالله بن عباس ويدرش اين آيت نازل شد (من كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا) (3).
وترجمته بالعربية: (روى الإمام محمد الباقر عن الإمام زين العابدين عليه السلام بسند معتمد أن هذه الآية "من كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا" نزلت في حق عبدالله بن عباس وأبيه).(88/40)
يظهر من هذه الروايات واضحا إهانتهم لعم المصطفى صلى الله عليه وسلم سيدنا العباس رضي الله عنه وكذا سيدنا عقيل واتهامهما بالخذلان وضعف اليقين وعدم كمال إيمانهما وإهانة العباس وابنه حبر الأمة سيدنا عبدالله ابن عباس رضي الله عنهما (والعياذ بالله) أنهما مصداق الآية الكريمة المذكورة أعلاه مع أنها نزلت في حق الكفار، نعوذ بالله من كل زيغ وإلحاد.
ــــــــــ
(1) حيات القلوب، الجزء الثاني ص 846، وهذه الرواية موجودة في فروع الكافي، المجلد الثالث،كتاب الروضة.
(2) حيات القلوب،ج2، ص866.
(3) حياة القلوب، ج2، ص865
الأمر التاسع من عقائدهم الفاسدة
عقيدة إهانة الخلفاء الراشدين والمهاجرين والأنصار رضي الله عنهم:
ذكر الكليني في فروع الكافي (عن أبي جعفر عليه السلام: كان الناس أهل ردة بعد النبي صلى الله عليه وآله إلا ثلاثة، فقلت: من الثلاثة؟ فقال: المقداد بن الأسود وأبوذر الغفاري وسلمان الفارسي) (1).
وذكر محمد الباقر المجلسي بالفارسية ما ترجمته بالعربية: (أن أبابكر وعمر هما: فرعون وهامان) (2).
وذكر المجلسي أيضا بالفارسية ما ترجمته بالعربية: (وذكر في تقريب المعارف أنه قال لعلي بن الحسين مولى له: لي عليك حق الخدمة فأخبرني عن أبي بكر وعمر؟ فقال علي بن الحسين: إنهما كانا كافرين، الذي يحبهما فهو كافر أيضا) (3).
وذكر المجلسي أيضا بالفارسية: (وأيضا روايت كرده است ابوحمزه فما لي ازان حضرت ازحال ابوبكر وعمر سوال كرد فرمود كه كا فراند، وهركه ولايت ايشان رادشته باشد كافر است ودرين باب احاديث بسيار است ودركتب متفرق است واكثر در بحار الانوار مذكور است) (4) وترجمته بالعربية: ( وروى أيضا أبوحمزة الثمالي أنه سأل الإمام زين العابدين عن حال أبي بكر وعمر؟ فقال: كانا كافرين، ومن يواليهما فهو كافر، وفي هذا الباب أحاديث كثيرة في الكتب المتفرقة وأكثرها مذكورة في "بحار الأنوار").(88/41)
وذكر المجلسي أيضا بالفارسية: (مفضل برسيد كه مراد از فرعون وهامان دراين آيت جيست؟ حضرت فرمود: مراد ابوبكر وعمر است) (5) وترجمته بالعربية: (وسأله مفضل عن فرعون وهامان في هذه الآية الكريمة، فأجاب بأن المراد بهما أبوبكر وعمر)، والعياذ بالله.
وذكر المجلسي بالفارسية وعناه بالعربية: (قال سلمان: ارتد الناس جميعا بعد رسول الله إلا الأربعة، وصار الناس بعد رسول الله بمنزلة هارون وأتباعه وبمنزلة العجل وعباده، فكان علي بمنزلة هارون، وأبوبكر بمنزلة العجل وعمر بمنزلة السامري).
وذكر الكشي صاحب معرفة أخبار الرجال (رجال كشي) قال: (قال أبوجعفر عليه السلام: ارتد الناس إلا ثلاثة نفر، سلمان وأبوذر والمقداد، قال: قلت: فعمار؟ قال: قد كان حاص حيصة ثم رجع، ثم قال: إن أردت الذي لم يشك ولم يدخله شيء فالمقداد، وأما سلمان فإنه عرض في قلبه عارض.. وأما أبوذر فأمره أمير المؤمنين بالسكوت ولم يكن تأخذه في الله لومة لائم فأبى أن يتكلم) (6).
ونقل الكشي أيضا (عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان الناس أهل ردة بعد النبي إلا ثلاثة، فقلت: من الثلاثة؟ فقال: المقداد بن الأسود وأبوذر الغفاري وسلمان الفارسي، ثم عرف الناس بعد يسير وقال هؤلاء الذين دارت عليهم الرحى وأبو أن يبايعوا لأبي بكر) (7).
ونقل الكشي أيضا: (فقال الكميت يا سيدي أسألك عن مسألة ثم قال: سل.... فقال: أسألك عن رجلين، فقال: ياكميت ابن يزيد، ما أهريق في الإسلام مهجمة من دم ولا اكتسب مال من غير حله ولا نكح فرج حرام إلا وذلك في أعناقهما إلى يوم يقوم قائمنا ونحن معاشر بني هاشم نأمر كبارنا وصغارنا بسبهما والبراءة منهما) (8).(88/42)
وذكر الكشي أيضا: (عن الورد بن زيد قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: جعلني الله فداك قدم الكميت،فقال: أدخله، فسأله الكميت عن الشيخين، فقال له أبو جعفر عليه السلام: ما أهريق دم ولا حكم بحكم غير موافق لحكم الله وحكم رسوله وحكم علي عليه السلام إلا هو في أعناقهما، فقال الكميت: الله أكبر،الله أكبر، حسبي حسبي) (9).
وذكر علي بن إبراهيم القمي في تفسيره: (لم يبق من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله إلا نافق إلا القليل) (10).
وذكر القمي في تفسيره أيضا: (ألقى الشيطان في أمنيته: يعني أبابكر وعمر) (11).
ويذكر مقبول أحمد في ترجمته بالأردوية لمعاني القرآن ما ترجمته بالعربية: (إن المراد بالفحشاء السيد الأول (أبوبكر) والمراد بالمنكر الشيخ الثاني (عمر) والمراد بالبغي المستر الثالث (عثمان) (12).
ويذكر مقبول أحمد بالأردوية ما ترجمته بالعربية: (المراد بالكفر السيد الأول (أبوبكر) والمراد بالفسوق الشيخ الثاني (عمر) والمراد بالعصيان المستر الثالث (عثمان) (13).
ويذكر مقبول أحمد في ترجمته لمعاني للقرآن بالأردوية ما ترجمته بالعربية: (الحاصل أن هذا الأمر ليس بجديد بل إنه ما أرسل الله قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث إلا وألقى الشيطان في أمنيته ما يريده من الباطل كما أرسل هنا الشيطان اثنين من عملائه وهما أبوبكر وعمر) (14).
تفكروا أيها الناس بهذه العبارات الشنيعة التي تخبر عن تحريف الشيعة سلفهم وخلفهم لمعاني القرآن الكريم وتفسيرهم له من عند أنفسهم على غير ما أنزل الله وافتراءاتهم على أكابر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين علمهم الرسول صلى الله عليه وسلم ورباهم بنفسه على منهج الحق وزكى نفوسهم وشهد لهم القرآن بالجنة والمغفرة والرضوان عند الله، رضي الله عنهم ورضوا عنه.(88/43)
فقد قال عنهم الباري جل وعلا في كتابه: (وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار) وقال: (أولئك هم المؤمنون حقا)، وعنهم قال: (وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها)، وعنهم قال: (حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان)، وقال: (وكلا وعد الله الحسنى) وغيرها من الآيات الكثيرة.
وعدو الله ورسوله وعدو الإسلام والمسلمين عبدالله بن سبأ اليهودي وأتباعه الشيعة المارقين نشروا العقائد الضالة ووضعوا الروايات الكاذبة زورا وافتراء على أئمتهم واخترعوا تفاسير من عند أنفسهم لكلام الله، كل ذلك افتراء على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وعداوة للإسلام والمسلمين لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم شهود القرآن والنبوة والسنة فالطعن في هؤلاء الشهود، في الحقيقة، طعن في القرآن والإسلام والسنة والنبوة، عافانا الله والمسلمين من كل فتنة وضلالة، بفضله وكرمه آمين.
ـــــــــــ
(1) فروع الكافي للكليني، كتاب الروضة، ص115.
(2) حق اليقين للمجلسي،ص367.
(3) المرجع السابق، ص522.
(4)حق اليقين ص533، لمحمد الباقر المجلسي.
(5) المرجع السابق ص393.
(6) معرفة أخبار الرجال (رجال كشي) ص8، لمحمد بن عمر الكشي.
(7) رجال كشي،ص4.
(8) رجال كشي، ص135، ترجمة كميت بن زيد.
(9) رجال كشي،ص135،معرفة أخبار الرجال.
(10) تفسير القمي،لعلي بن إبراهيم القمي.
(11) المرجع السابق، ص259.
(12) ترجمة مقبول ص551، وتفسير القمي ص218.
(13) ترجمة مقبول ص 1027، وتفسير القمي ص322.
(14) ترجمة مقبول ص 674.
الأمر العاشر من عقائدهم الفاسدة
عقيدة إهانة أمهات المؤمنين وبني فاطمة رضي الله تعالى عنها:(88/44)
إن مؤسسي مذهب الشيعة قد أثبتوا لأئمتهم العصمة كالرسول صلى الله عليه وسلم وأنهم أفضل من سائر الأنبياء وأنه يجب طاعتهم والإيمان بإمامتهم كما يجب الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم وتجب طاعته، وقد زعموا لأئمتهم من الصفات والفضائل ما لم تثبت لأحد إلا لله، فمنذ ادعوا لأئمتهم أنهم يعلمون علم ما كان وما يكون ويعلمون وقت موتهم بل ولا يموتون إلا باختيارهم (1) وعندهم عصا موسى وخاتم سليمان عليهما السلام والاسم الأعظم وسلاح الإمامة (2) وأنهم أشجع الأمة وغير ذلك من الفضائل من ناحية، ومن ناحية أخرى، رغم ما أثبتوا لهم من هذه الفضائل والخوارق والمعجزات والخرافات ما يتبرأ ويخجل منها أي إنسان عامي أن يثبتها لنفسه أو تنسب إليه لما فيها من العار والذل، فمثلا أثبتوا لهم أنهم كانوا منافقين وجبناء وأنهم يكذبون وهلم جرا.
ونود أن نضع بين يديك طائفة من أقوالهم ورواياتهم من أمهات كتبهم التي هي مرجع مذهبهم، فإنهم كتبوا في تزوج عمر رضي الله عنه أم كلثوم بنت علي رضي الله تعالى عنهما: (قال الإمام جعفر الصادق (هي أول فرج غصبناه) (3). نعوذ بالله من هذه الوقاحة في حق السيدة ووالدها وإخوانها علي والحسنين رضي الله عنهم.
ولاحظ عبارة محمد باقر المجلسي أحد أعلام الشيعة في تعليقه على هذه الرواية حيث يقول: (تدل على تزويج أم كلثوم من الملعون المنافق (عمر بن الخطاب) ضرورة وتقية)، ألا من سائل يسأل هذا أنه أين كانت حينئذ شجاعة أسد الله الغالب علي بن أبي طالب وغيرته وشهامته وكذا بنيه الحسن والحسين رضي الله عنهما.
وقال زيد العابدين ليزيد: (قد أقررت بما سألت وأنا عبد مكره لك فإن شئت فأمسك وإن شئت فبع) (4) كيف يعترف الإمام المعصوم عند الشيعة بعبديته ليزيد وهو ما هو؟(88/45)
ونقل الكليني: (عن ابن أبي عمير الأعجمي قال: قال لي أبوعبدالله عليه السلام: يا أبا عمر إن تسعة أعشار الدين في التقية ولا دين لمن لا تقية له والتقية في كل شيء إلا في النبيذ والمسح على الخفين) (5).
ونقل: (عن أبي عبدالله عليه السلام قال: اتقوا على دينكم واحجبوه بالتقية فإنه لا إيمان لمن لا تقية له) (6).
ونقل عن معمر بن خلاد: سألت أبا الحسن عليه السلام عن القيام للولاة، فقال أبوجعفر عليه السلام: التقية من ديني ودين آبائي ولا إيمان لمن لا تقية له) (7).
ونقل: (قال أبو عبدالله عليه السلام: يا سليمان، إنكم على دين من كتمه أعزه الله، ومن أذاعه أذله الله) (8).
ونقل أيضا: (سأل زرارة محمد الباقر عليه السلام عن مسألة فقال: إذا كان غدا فالقني حتى أقرئك في كتاب، فأتيته من الغد بعد الظهر وكانت ساعتي التي كنت أخلو به فيها بين الظهر والعصر وكنت أكره أن أسأله إلا خاليا خشية أن يفتيني من أجل من يحضره بالتقية) (9).
ونقل أيضا: (عن أبي عبدالله عليه السلام أنه يقول: كان أبي يفتي في زمن بني أمية أن ما قتل البازي والصقر فهو حلال وكان يتقيهم وأنا لا أتقيهم فهو حرام ما قتل) (10).
ونقل أيضا: (فلما توفي ومضى دفعها إلى محمد بن علي عليه السلام ففتح الخاتم الخامس فوجد فيها أن فسر كتاب الله... وقل الحق في الخوف والأمن ولا تخش إلا الله ففعل) (11).
يعني أن الأئمة الذين قبله كانوا لا يقولون الحق في الخوف والأمن ويخشون الناس.
ونقل الكليني أيضا عن زرارة بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألت عن مسألة فأجابني، ثم جاءه رجل فسأله عنها فأجابه بخلاف ما أجابني، ثم جاء آخر فأجابه بخلاف ما أجابني وأجاب صاحبي، فلما خرج الرجلان قلت: يابن رسول الله رجلان من أهل العراق من شيعتكم قدما يسألان فأجبت كل واحد منهما بغير ما أجبت به صاحبه؟ فقال: يا زرارة هذا خير لنا وأبقى لنا ولكم) (12).(88/46)
ونقل الكليني أيضا: (عن موسى بن أشيم قال: كنت عند أبي عبدالله عليه السلام، فسأله رجل عن آية في كتاب الله عز وجل فأخبره بها ثم دخل عليه داخل فسأله عن تلك الآية فأخبره بخلاف ما أخبر الأول فدخلني من ذلك ما شاء الله، حتى كأن قلبي يشرح بالسكاكين، فقلت في نفسي: تركت أبا قتادة في الشام لا يخطئ في الواو وشبهه وجئت إلى هذا يخطئ هذا الخطأ كله فبينما أنا كذلك إذ دخل آخر فسأله عن تلك الآية، فأخبر عليه السلام بخلاف ما أخبرني وأخبر صاحبي، فسكنت نفسي فعلمت أن ذلك منه تقية قال: ثم التفت إلي فقال: يابن أشيم إن الله عز وجل فوض إلى سليمان بن داود عليه السلام فقال: (هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب)، وفوض إلى نبيه عليه السلام فقال: (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) فما فوض إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقد فوضه إلينا) (13).
أليس هذا شرك في الرسالة المحمدية أو يبقى الإنسان بعد هذا الاعتقاد –نعوذ بالله- مسلما؟
ونقل الكليني أيضا: (عن سلمه بن محرز قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام: أن رجلا أرمانيا مات وأوصى إلي، فقال لي: ما الأرماني؟ قلت: نبطي من أنباط الجبال مات وأوصى إلي بتركة وترك ابنته، فقال لي: أعطها النصف، قال:فأخبرت زرارة بذلك فقال لي: اتقاك، إنما المال لها، قال: فدخلت عليه بعد ذلك فقلت: أصلحك الله إن أصحابنا زعموا أنك اتقيتني، فقال: لا والله ما اتقيتك لكني اتقيت عليك أن تعمل، فهل علم بذلك أحد؟ قلت: لا، قال: فأعطها ما بقي) (14).(88/47)
يفهم من هذه الروايات أن الأئمة كانوا يكتمون المسائل مرة ويحرفونها أخرى ويغيرون أجوبتهم من شخص إلى آخر وأن الكتمان في المسائل معظم دينهم بل رووا عنهم كذبا وزورا أن الذي يكتم الدين يعزه الله وأن الذي يظهره يذله الله، إذا كان هذا شأن الأئمة المعصومين عندهم فبالله كيف الاعتماد على هؤلاء الأئمة أفليسوا هم أشبه بعلماء اليهود في تحريف الدين وكتمانه، وهذا كله طعن وإهانة شنيعة في حق أئمة أهل البيت وحاشاهم من هذه الأقوال الزائغة.
ونقل الكليني: (فحدثني هشام بن الحكم وحماد عن زرارة قال: قلت: في نفسي: شيخ لا علم له بالخصومة. (والمراد إمامه) (15).
وكتب في شرح هذا الحديث ملا خليل القزويني في الفارسية: (كه اين شيخ بيير بى دماغ شده نمى واند روش كفتكو باخصم) ومعناه بالعربية: أن هذا الشيخ عجوز لا عقل له ولا يحسن الكلام مع الخصم.
ونقل الكشي عن زرارة قال: سألت أباعبدالله عليه السلام عن التشهد...قلت التحيات والصلوات...فسألته عن التشهد، فقال: كمثله قال: التحيات والصلوات، فلما خرجت ضرطت في لحيته وقلت لا يفلح أبدا (16).
أبوعبدالله هذا هو الإمام جعفر الصادق الذي تنسب إليه طائفة الشيعة فيقولون عن أنفسهم أنهم جعفريون وزرارة هذا من عمائد الشيعة وأكثر روايات الأئمة تناقلها الشيعة عن طريقه، وهذا حاله مع إمامه المعصوم عنده، ما أشدها من إهانة عظمى ارتكبها زرارة ومن يرضى من عامة الناس أن يضرط أحدا في وجهه أو لحيته فكيف بإمام جليل كجعفر الصادق رحمه الله.(88/48)
وذكر المجلسي في جلاء العيون بالفارسية ما معناه بالعربية: (عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إذا ولد جعفر بن محمد بن علي بن حسين فسموه صادقا لأنه إذا ولد من أولاده الخامس والذي يسمى بجعفر ويدعي الإمامة كذبا ويفتري على الله وهو عند الله جعفر الكذاب) (17) وهذا الذي ينقلون عنه أنه جعفر الكذاب هو ابن الإمام النقي وهو أحد الأئمة المعصومين عند الشيعة وشقيق الإمام حسن العسكري وهذا أيضا أحد الأئمة الاثنا عشر المعصومين عند الشيعة، وجعفر هذا من آل علي وفاطمة ومن سلالة الحسين وزين العابدين فكيف دعواهم الباطلة بحبهم آل البيت، إن هذه سلسلة نسبه هي السلسلة الذهبية ولكنه عند الشيعة –محبي آل البيت- يلقب بجعفر الكذاب، فيا سبحان الله.
ـــــــــــــــ
(1) أصول الكافي، ص158-159.
(2) أصول الكافي، ص174.
(3) فروع الكافي، ج2.
(4) فروع الكافي، كتاب الروضة.
(5)، (6) ،(7)،(8) أصول الكافي، ص482-484.
(9) فروع الكافي،ج3،ص52.
(10) فروع الكافي،ج3،ص80.
(11) أصول الكافي، ص171.
(12) أصول الكافي، ص37.
(13) أصول الكافي،ص163.
(14) فروع الكافي، ج3، ص48.
(15) أصول الكافي، ص557.
(16) معرفة أخبار الرجال ص 106.
(17) جلاء العيون ص348
الأمر الحادي عشر من عقائدهم الفاسدة
عقيدة التقية وفضائلها عندهم:
ومعنى التقية عند الشيعة: الكذب المحض أو النفاق البين كما هو ظاهر من رواياتهم.
وإليك بعض هذه الروايات عن عقيدة الشيعة في التقية وفضائلها من كتبهم المعتبرة:
نقل الكليني: (عن ابن عمير الأعجمي قال: قال لي أبوعبدالله عليه السلام: يا أبا عمر إن تسعة أعشار الدين في التقية ولا دين لمن لا تقية له والتقية في كل شيء إلا في النبيذ والمسح على الخفين) (1).
ونقل الكليني أيضا: (قال أبو جعفر عليه السلام: التقية من ديني ودين آبائي ولا إيمان لمن لا تقية له) (2).(88/49)
ونقل الكليني أيضا: (عن أبي عبدالله عليه السلام قال: اتقوا على دينكم واحجبوه بالتقية فإنه لا إيمان لمن لا تقية له) (3).
وينقل الكليني أيضا: (عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله عز وجل (لا تستوي الحسنة ولا السيئة) قال: الحسنة: التقية، والسيئة: الإذاعة، وقوله عز وجل: (ادفع بالتي هي أحسن السيئة) قال: التي هي أحسن: التقية) (4).
ونقل الكليني: (عن درست الواسطي قال: قال أبو عبدالله عليه السلام: ما بلغت تقية أحد تقية أصحاب الكهف، أن كانوا يشهدون الأعياد ويشهدون الزنانير فأعطاهم الله أجرهم مرتين) كذا في أصول الكافي في باب التقية.
التقية في كل ضرورة:
نقل الكليني (عن أبي جعفر عليه السلام قال: التقية في كل ضرورة وصاحبها أعلم بها حين تنزل به) (5).
ونقل أيضا (عن محمد بن مسلم: دخلت على أبي عبدالله عليه السلام وعنده أبو حنيفة فقلت له: جعلت فداك رأيت رؤيا عجيبة، فقال لي: يابن مسلم هاتها إن العالم بها جالس وأومأ بيده إلى أبي حنيفة، فقلت: رأيت كأني دخلت داري فإذا أهلي قد خرجت علي فكسرت جوزا كثيرا ونثرته علي فتعجبت من هذه الرؤيا، فقال أبو حنيفة: أنت رجل تخاصم وتجادل لئاما في مواريث أهلك فبعد نصب شديد تنال حاجتك منها إن شاء الله، فقال أبو عبدالله عليه السلام: أصبت والله يا أبا حنيفة، ثم خرج أبوحنيفة من عنده فقلت له: جعلت فداك إني كرهت تعبير هذا الناصب، فقال: يابن مسلم لا يسوؤك الله فما يواطيء تعبيرهم تعبيرنا ... وليس التعبير كما عبره، فقلت له: جعلت فداك فقولك أصبت وتحلف عليه وهو مخطئ، قال: نعم حلفت عليه أنه أصاب الخطأ) (6).
ونقل الكليني (عن أبي عبدالله عليه السلام قال: كان أبي يقول: وأي شيء أقر لعيني من التقية، إن التقية جنة المؤمن) (7).(88/50)
ونقل الكليني أيضا (قيل لأبي عبدالله عليه السلام: إن الناس يرون أن عليا عليه السلام قال على منبر الكوفة: أيها الناس إنكم ستدعون إلى سبي فسبوني ثم تدعون إلى البراءة مني فلا تبرءوا مني، فقال: ما أكثر ما يكذب الناس على علي عليه السلام، ثم قال: إنما قال: إنكم ستدعون إلى سبي فسبوني ثم تدعون إلى البراءة مني وإني لعلى دين محمد صلى الله عليه وآله، ولم يقل: لا تبرءوا مني) (8).
إن الأئمة عند الشيعة معصومون وهم أولوا الأمر أيضا من قبل الله تجب طاعتهم في كل صغيرة وكبيرة عندهم فما دام أن التقية لها هذه المناقب عندهم، فإنه سيشتبه في كل قول من أقوالهم أو فعل من أفعالهم أن يكون صدر عنهم على سبيل التقية ومن الذي سيفصل حتما أن هذا القول من أقوال الإمام كان تقية وذلك بدون تقية وما يدرينا لعل هذه الأقوال والروايات الموجودة في كتب الشيعة هي أيضا على سبيل التقية؟
وبما أن كل قول أو فعل منهم يحتمل التقية لذا لزم أن لا يكون أي أمر من أوامرهم يجب العمل بمقتضاه فتسقط نتيجة لذلك جميع الأقوال والأفعال الصادرة منهم بسبب احتمال التقية.
الكتمان عند الشيعة
ونقل الكليني (عن سليمان خالد قال: قال أبوعبدالله عليه السلام: إنكم على دين من كتمه أعزه الله ومن أذاعه أذله الله) (9).
اعلم أن ما تقدم من عقيدة الشيعة ورواياتهم فإنها تخالف نصوص القرآن:
قال تعالى: "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته".
وقال تعالى: "هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله".
وقال تعالى: "اتل ما أوحي إليك من كتاب ربك".
وقال تعالى: "فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين".
وقال تعالى: "اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون".
وقال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين".(88/51)
وقال تعالى: " إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون".
حكم التقية في الإسلام
إن التقية في الإسلام أشد حرمة من أكل لحم الخنزير، إذ يجوز للمضطر أكل لحم الخنزير عند الشدة، وكذلك التقية تجوز في مثل تلك الحالة فقط فلو أن إنسانا تنزه عن أكل لحم الخنزير في حالة الاضطرار أيضا ومات فإنه آثم عند الله، وهذا بخلاف التقية فإنه إذا لم يلجأ إليها عند في حالة الاضطرار ومات فإن له درجة وثوابا عند الله، فكأن رخصة أكل لحم الخنزير تنتقل إلى العزيمة لكن لا تنتقل رخصة التقية إلى العزيمة. بل إنه إن مات لدين الله ولم يحتم بالتقية فإنه سيؤجر على موته هذا أجرا عظيما والعزيمة فيها على كل حال أفضل من التقية، والتاريخ الإسلامي من تحمل الرسول صلى الله عليه وسلم إيذاء المشركين وكذا الصديق وبلال وغيرهما رضي الله عنهما وشهادة سمية أم عمار وشهادة خبيب وغيرهم رضي الله عنهم كلها وإلى غير ذلك من وقائع وقصص نادرة في البطولة والعزيمة في مسيرة هذه الأمة الطويلة لخير دليل على أن العزيمة هي الأصل والأفضل والأحسن.
ـــــــــــ
(1)،(2)،(3)،(4)،(5) أصول الكافي، ص482-484.
(6) فروع الكافي،كتاب الروضة،ص137.
(7)،(8)،(9) أصول الكافي، ص484-485
الأمر الثاني عشر من عقائدهم الفاسدة
عقيدة المتعة وفضائلها عندهم:
وذكر فتح الله الكاشاني في تفسيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من تمتع مرة كان درجته كدرجة الحسين عليه السلام، ومن تمتع مرتين فدرجته كدرجة الحسن عليه السلام، ومن تمتع ثلاث مرات كان درجته كدرجة علي ابن أبي طالب عليه السلام، ومن تمتع أربع مرات فدرجته كدرجتي" (1).(88/52)
وذكر الكاشاني أيضا: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ومن خرج من الدنيا ولم يتمتع جاء يوم القيامة وهو أجدع" (2)، ونقل الكاشاني في تفسيره أيضا بالفارسية وترجمته بالعربية: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"جاءني جبريل بهدية من ربي وتلك الهدية متعة النساء المؤمنات ولم يهد الله هذه الهدية إلى أحد قبلي من الأنبياء...اعلموا أن المتعة خصني الله بها لشرفي على جميع الأنبياء السابقين، ومن تمتع مرة في عمره صار من أهل الجنة... وإذا اجتمع المتمتع والمتمتعة في مكان معا ينزل عليهما ملك يحرسهما إلى أن يفترقا، ولو تكلما بينهما فكلامهما يكون ذكرا وتسبيحا، وإذا أخذ أحدهما بيد الآخر تقاطر من أصابعهما الذنوب والخطايا، وإذا قبل أحدهما الآخر كتب لهما بكل قبلة أجر الحج والعمرة، ويكتب في جماعهما بكل شهوة ولذة حسنة كالجبال الشامخات، وإذا اشتغلا بالغسل وتقاطر الماء خلق الله تعالى بكل قطرة من ذلك الماء ملكا يسبح الله ويقدسه وثواب تسبيحه وتقديسه يكتب لهما إلى يوم القيامة.
يا علي الذي يظن أن هذه السنة (المتعة) خفيفة وضعيفة ولا يحبها فهو ليس من شيعتي وأنا بريء منه...
قال جبريل عليه السلام يا محمد صلى الله عليه وسلم الدرهم الذي يصرفه المؤمن في المتعة أفضل عند الله من ألف درهم أنفقت في غير المتعة.
يا محمد في الجنة جماعة من الحور العين خلقها الله لأهل المتعة.
يا محمد إذا عقد المؤمن من المؤمنة عقد المتعة فلا يقوم من مكانه إلا وقد غفر الله له ويغفر للمؤمنة أيضا....".
روى عن الصادق عليه السلام بأن المتعة من ديني ودين آبائي فالذي يعمل بها يعمل بديننا والذي ينكرها ينكر ديننا بل إنه يدين بغير ديننا. وولد المتعة أفضل من ولد الزوجة الدائمة ومنكر المتعة كافر مرتد (3).(88/53)
وذكر صاحب منتهى الآمال بالفارسية، وترجمته بالعربية: وروي أيضا عن الصادق عليه السلام أنه قال: ما من رجل تمتع ثم اغتسل إلا وقد خلق الله تعالى سبعين ملكا من كل قطرة ماء يتقاطر من جسده ليستغفر له إلى يوم القيامة ويلعن على من يجتنب منه حتى تقوم الساعة (4).
وقد ذكرت عدة روايات في فضائل المتعة في (عجالة حسنة) باللغة الأردية وهي ترجمة لرسالة المتعة للمجلسي سنذكر ترجمة بعضها بالعربية:
(قال علي أمير المؤمنين عليه السلام: من استصعب هذه السنة (المتعة) ولم يتقبلها فهو ليس من شيعتي وأنا بريء منه) (5).
وقال سيد العالم صلى الله عليه وسلم: (من تمتع من امرأة مؤمنة فكأنه زار الكعبة سبعين مرة) (6).
وقال الرحمة للعاملين رسول الله صلى الله عليه وآله: (من تمتع مرة عتق ثلث جسده من جهنم، ومن تمتع مرتين عتق ثلثا جسده من جهنم، ومن أحيا هذه السنة ثلاث مرات يأمن جسده كله من نار جهنم المحرقة) (7).
قال رسول الله سيد البشر شفيع المحشر: (يا علي ينبغي أن يرغب المؤمنون والمؤمنات في المتعة ولو مرة واحدة قبل أن ينتقلوا من الدنيا إلى الآخرة.
لقد أقسم الله تعالى بنفسه أنه لا يعذب رجلا أو امرأة قد تمتعا، ومن اجتهد في هذا الخير (المتعة) وازداد فيها رفع الله درجته) (8).
ونقل الكاشاني في تفسيره رواية طويلة بالفارسية وفيها أنه صلى الله عليه وسلم سئل: (جيست جزائي كى كه دراين باب سعى كند؟ فرمود: له أجرهما مراورا باشد أجر متمتع ومتمتعه) (9)، ومعناه بالعربية: (ما هو جزاء من سعى في هذا الباب (المتعة)؟ فقال: له أجرهما) أي أن للساعي بين المتمتعين أجرهما أي أجر المتمتع والمتمتعة.
ونقل أبوجعفر القمي في (من لا يحضره الفقيه) وهو من الصحاح الأربعة عند الشيعة (روي أن المؤمن لا يكمل حتى يتمتع) (10).(88/54)
ونقل القمي أيضا: (قال أبوجعفر عليه السلام: أن النبي صلى الله عليه وآله لما أسري به إلى السماء قال: لحقني جبريل عليه السلام قال: يا محمد إن الله تبارك وتعالى يقول: أني قد غفرت للمتمتعين من أمتك من النساء) (11).
ونقل القمي أيضا (وقال الصادق عليه السلام: إني أكره للرجل أن يموت وقد بقيت عليه خلة من خلال رسول الله صلى الله عليه وآله لم يأتها، فقلت: هل تمته رسول الله صلى الله عليه وآله؟ قال: نعم) (12).
ونقل القمي أيضا (عن عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إن الله تبارك وتعالى حرم على شيعتنا المسكر من كل شراب وعوضهم من ذلك المتعة) (13).
أركان المتعة وأحكامها
ونقل الملا فتح الله الكاشاني في تفسيره منهج الصادقين بالفارسية ومعناه بالعربية:
(ليعلم أن أركان عقد المتعة خمسة: زوج وزوجة ومهر وتوقيت وصيغة الإيجاب والقبول) (14).
ونقل الكاشاني أيضا بالفارسية ما معناه بالعربية: (واعلم أن عدد الزوجات في المتعة ليس بمحصور ولا يلزم الرجل النفقة والمسكن والكسوة ولا يثبت التوارث بين الزوجين المتمتعين وهذه الأشياء تثبت في العقد الدائم) (15).
ونقل أبو جعفر الطوسي (وسئل أبو عبدالله عليه السلام عن المتعة أهي من الأربع؟ فقال: لا ولا من السبعين...
وعن أبي عبدالله عليه السلام قال: ذكر له المتعة أهي من الأربع؟ قال: تزوج منهن ألفا فإنهن مستأجرات.. لا تطلق ولا ترث وإنما هي مستأجرة) (16).
مهر المتعة
ونقل الطوسي في التهذيب (وأما المهر في المتعة فهو ما يتراضيان عليه قليلا كان أو كثيرا... قلت لأبي عبدالله عليه السلام: أدنى ما يتزوج به المتعة؟ قال: كف من بر) (17).
لا شهادة ولا إعلان في المتعة
ونقل الطوسي في التهذيب (وليس في المتعة إشهاد ولا إعلان) (18).
ونقل الطوسي أيضا (عن أبي جعفر عليه السلام قال: إنما جعلت البينة في النكاح من أجل المواريث) (19).(88/55)
وذكر أبو جعفر الطوسي أيضا في التهذيب (سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الرجل يتزوج المرأة على عود واحد؟ قال: لا بأس ولكن إذا فرغ فليحول وجهه ولا ينظر) (20).
وذكر في التهذيب أيضا (لا تأس بالتمتع بالهاشمية) (21).
وذكر الكليني في الكافي (عن أبي عبدالله عليه السلام قال: جاءت امرأة إلى عمر فقالت: إني زنيت فطهرني، فأمر بأن ترجم، فأخبر بذلك أمير المؤمنين عليه السلام فقال: كيف زنيت؟ فقال: مررت بالبادية فأصابني عطش شديد فاستسقيت أعرابيا فأبى أن يسقيني إلا أن أمكنه من نفسي فلما أجهدني العطش وخفت على نفسي سقاني وأمكنته من نفسي، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: تزويج ورب الكعبة) (22).
سبحان الله إن الهوى قد تغلب على الشيعة فنسبوا إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه مثل هذه الأكاذيب، أويعقل أن يزني ظالم فاجر بامرأة مقهورة ويجبرها ويهددها بالموت والعطش فتضطر للاستجابة لكيده فيعتبر هذا كله عند الشيعة تزويجا شرعيا، أوليس يفتح بهذا باب واسع يدخل منه كل فاجر نذل فيأخذ بأية امرأة شريفة كريمة ويضطرها بأية وسيلة مثل هذه ليزني بها، ثم يكون ذلك عند الشيعة تزويجا،ويشهد الله أن الإسلام بريء من هذه الخبائث.
ثم الشيعة يستدلون بجواز المتعة بقوله تعالى: "فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن" وفي قراءة ابن مسعود: (فما استمتعتم به منهن إلى أجل).
والجواب:
الفاء للتفريغ يمنع الجملة من الاستئناف، فما استمتعتم منهن ما انتفعتم وتلذذتم بالجماع من النساء بالنكاح الصحيح فآتوهن أجورهن إلى مهورهن. وقراءة ابن مسعود رضي الله تعالى عنه شاذة لا توجد في المصادر، لا يحتج بها قرآنا ولا خبرا ولا يلزم العمل بها.(88/56)
والإجماع منعقد على عدم جواز المتعة وتحريمها ولا خلاف في ذلك في علماء الأمصار إلا من طائفة الشيعة، والحجة على تحريم المتعة قوله تعالى: "قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون".
فثبت من هذه الآية أنه لا يحل للرجل إلا الزوجة أو ما ملكت يمينه وأن من ابتغى وسلك غير هذا فهو من العادين، ولا يخفى أن الرجل إذا تولى امرأة بالمتعة فإنها ليست بمنكوحة له لأنه لا يشترط في المتعة شهود وليس لها نفقة ولا إرث ولا طلاق كما لا يشترط فيها التحديد بالأربعة ولا يجوز بيعها ولا هبتها ولا إعتاقها كما هي الحال في المملوكة فكيف صارت المتعة حلالا؟
وكذلك قوله تعالى: "فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم" (23).
فمن خاف عدم العدل فليكتف بواحدة أو بما ملكت يمينه فأين المتعة؟ فلو كانت حلالا لذكرها لأن تأخر البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
وكذا قوله تعالى: "ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المؤمنات المحصنات فمما ملكت أيمانكم"... إلى قوله تعالى: "ذلك لمن خشي العنت منكم"، فلو كانت المتعة حلالا لذكرها، وخاصة وقد ذكر (من خشي العنت) ولم يذكرها فدل على أنها حرام.
وقال تعالى: "وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله"، فلم يأمر من لا يجد النكاح أن يتولى امرأة بالمتعة ويتمتع بها حتى يغنيه الله من فضله (محصنين غير مسافحين). وتدل الآية على أن النكاح فيه إحصان وطهر وليس من ذلك في المتعة شيء. فكل هذا ظاهر في حرمتها.(88/57)
والروافض (الشيعة) يستدلون ببعض الأحاديث الواردة في الصحاح عندنا والجواب أنها منسوخة كما يتضح ذلك واضحا من الأحاديث الأخرى التي سنذكرها. وقد صرح به جميع الشراح وأئمة السلف والخلف من أهل السنة وقد أجمعوا على ذلك فلا دلالة لهم فيها.
والحجة على تحريم المتعة أيضا قوله صلى الله عليه وسلم: "إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا" (25).
وكذلك ما أخرجه مسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة وقال: ألا إنها حرام من يومكم هذا إلى يوم القيامة ومن كان أعطى شيئا فلا يأخذه (26).
وأخرج الترمذي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كانت المتعة في أول الإسلام كان الرجل يقدم البلدة ليس بها معرفة ويتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم فتحفظ له متاعه، وتصلح له شيئه، -حتى إذا نزلت الآية "إلا على أزواجكم أو ما ملكت أيمانكم"- قال ابن عباس رضي الله عنهما: (فكل فرج سواهما فهو حرام) (27).
قال الحازمي: إنه صلى الله عليه وسلم لم يكن أباح لهم قط وهم في بيوتهم وأوطانهم إنما أباح لهم في أوقات بحسب الضرورات حتى حرمها عليهم إلى يوم القيامة.
وفي كتب الشيعة أيضا روي (عن علي عليه السلام قال: حرم رسول الله صلى الله عليه وآله يوم خيبر لحوم الحمر الأهلية ونكاح المتعة) (28).(88/58)
بعد ما استوفينا الأدلة القطعية الفعلية على حرمة نكاح المتعة فلنقف ولننظر نظرة بسيطة عقلية ولكنها مجردة عن الهوى مرفوع عنها حجاب التهتك والمغالطة وهي أن الرجل إنما يجوز له النكاح بأربعة فقط لا غير، بينما يحل الروافض والشيعة للرجل أن يتمتع ولو بألف امرأة أو ألفين –كما سبق- فيؤدي ذلك إلى كثرة أبنائه وبناته فيقع الخلل على نظام النكاح والإرث لأنه إنما يعلم صحة النكاح والإرث إذا علم صحة النسب، لكنهم من الكثرة مما لا يمكن فيها ذلك، فهب لو أن رجلا سافر للسياحة وصار يتمتع بامرأة في كل مدينة قربها حتى صار له أبناء وبنات من بعده ثم قدر له أن يرجع ويمر هو أو أحد إخوانه أو بناته على تلك المدن فصار يعقد على بعض نسائها: فما يمنع أن يكون بعضهن من بناته؟ وحينئذ يكون قد عقد على بعض بناته أو بنات أخيه أو أخواته.
والعجب بعد هذا كله أن المتعة التي يمسك بها الشيعة دليلا لهم أنها كانت في بداية عهد النبي صلى الله عليه وسلم، يثبتون عنها أنها كانت تنعقد بالشهود ويعرفون بذلك في كتبهم.
والمتعة التي يجهر بها الشيعة في هذه الأيام لا يشترطون فيها الشهود فكيف يصح استدلالهم على صحة هذه المتعة بالتي أثبتوها في بداية عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وإليك روايتهم:
سئل الإمام جعفر الصادق: كان المسلمون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزوجون بغير بينه؟ قال: لا (29). وقد ذكروا هذه الرواية في باب المتعة (يتزوجون) المراد عندهم المتعة. وصرح المؤلف أنه لم يرد من ذلك النكاح الدائم بل أراد منه المتعة.
ـــــــــــــ
(1)،(2)،(3) تفسير منهج الصادقين،ص 356، مصنفه ملا فتح الله كاشاني.
(4) منتهى الآمال،ج2،ص341.
(5) عجالة حسنة، ترجمة رسالة المتعة لمحمد الباقر المجلسي ص15.
(6)،(7)،(8) المرجع السابق، ص16.
(9) تفسير منهج الصادقين للكاشاني، ص356.
(10)،(11)،(12) من لا يحضره الفقيه،ص329-330، لأبي جعفر محمد بن بابويه القمي.(88/59)
(13) من لا يحضره الفقيه،ص330،ومنتهى الآمال،ج3،ص341.
(14) تفسير منهج الصادقين،ص 357،للكاشاني.
(15) تفسير منهج الصادقين،ص 352،للكاشاني.
(16)،(17)،(18) التهذيب،ج2،ص188،لأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي.
(19) التهذيب،ج2،ص186،لأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي.
(20) التهذيب،ج2،ص190،لأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي.
(21) التهذيب،ج2،ص193،لأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي.
(22) فروع الكافي،ج2، كتاب النكاح،ص198.
(23)،(24) سورة النساء.
(25)،(26) صحيح مسلم،ج1،ص451-452،طبعة الهند.
(27) الترمذي،طبعة باكستان،ص133.
(28) التهذيب،ج2،ص186،الاستبصار،ج3،ص142.
(29) التهذيب،ج2،ص189.
الأمر الثالث عشر من عقائدهم الفاسدة
عقيدة جواز استعارة الفرج:
نقل أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في الاستبصار (عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: الرجل يحل لأخيه فرج جاريته؟ قال:نعم لا بأس به له ما أحل له منها) (1).
ونقل الطوسي في الاستبصار أيضا (عن محمد بن مضارب قال: قال لي أبو عبدالله عليه السلام: يا محمد خذ هذه الجارية تخدمك وتصيب منها فإذا خرجت فارددها إلينا) (2).
وورد في بعض روايات الشيعة عن أحد أئمتهم كلمة:"لا أحب ذلك" أي استعارة الفرج فكتب محمد بن الحسن الطوسي صاحب الاستبصار معلقا عليها: (فليس فيه ما يقتضي تحريم ما ذكرناه لأنه ورد مورد الكراهية، وقد صرح عليه السلام بذلك في قوله: لا أحب ذلك، فالوجه في كراهية ذلك أن هذا مما ليس يوافقنا عليه أحد من العامة ومما يشنعون به علينا، فالتنزه عن هذا سبيله أفضل وإن لم يكن حراما، ويجوز أن يكون إنما كره ذلك إذا لم يشترط حرية الولد فإذا اشترط ذلك فقد زالت الكراهية) (3).
وهذا نوع آخر من الزنا يستحله الشيعة وينسبونه إلى أئمة أهل البيت كذبا وزورا وأن يتبعون إلا أهواءهم مع أن الزنا بجميع صوره حرام في الشريعة الإسلامية كما هو معلوم لدى الجميع.
ـــــــــــ(88/60)
(1) الاستبصار،ج3،ص136،أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي.
(2) الاستبصار،ج3،ص136، وفروع الكافي،ج2،ص200،لمحمد بن يعقوب الكليني.
(3) الاستبصار،ج3،ص137.
الأمر الرابع عشر من عقائدهم الفاسدة
عقيدة جواز اللواطة بالنساء:
ذكر أبوجعفر محمد بن الحسن الطوسي في الاستبصار: عن عبدالله بن أبي يعفور قال: سألت أباعبدالله عليه السلام عن الرجل يأتي المرأة في دبرها؟ قال: لا بأس إذا رضيت، قلت: فأين قوله تعالى: "فأتوهن من حيث أمركم الله"؟ فقال: هذا في طلب الولد، فاطلبوا الولد من حيث أمركم الله، إن الله تعالى يقول: "نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم" (1).
ونقل في الاستبصار أيضا (عن موسى بن عبدالملك عن رجل قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن إتيان الرجل المرأة من خلفها في دبرها فقال أحلتها آية من كتاب الله تعالى قول لوط عليه السلام: "هؤلاء بناتي هن أطهر لكم" فقد علم أنهم لا يريدون الفرج) (2).
وفي الاستبصار أيضا (عن علي بن الحكم قال: سمعت صفوان يقول: قلت للرضا عليه السلام: أن رجلا من مواليك أمرني أن أسألك عن مسألة فهابك واستحيا منك أن يسألك، قال: ما هي؟ قال: للرجل أن يأتي امرأته في دبرها؟ قال: نعم ذلك له) (3).
وفي الاستبصار أيضا (عن يونس بن عمار قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام أو لأبي الحسن عليه السلام أني ربما أتيت الجارية من خلفها يعني دبرها وهي تفزرت فجعلت على نفسي إن عدت إلى امرأة هكذا فعلي صدقة درهم وقد ثقل ذلك علي، قال: ليس عليك شيء وذلك لك) (4).
وفي الاستبصار أيضا: (عن حماد بن عثمان قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام أو أخبرني من سأله عن الرجل يأتي المرأة في ذلك الموضع، وفي البيت جماعة، فقال لي ورفع صوته: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كلف مملوكه ما لا يطيق فليبعه، ثم نظر في وجوه أهل البيت ثم أصغى إلى فقال: لا بأس به) (5).(88/61)
وكتب صاحب الاستبصار في تعليقه على خبرين ورد فيهما المنع من اللواطة بالنساء فقال: (فالوجه في هذين الخبرين ضرب من الكراهية لأن الأفضل تجنب ذلك وإن لم يكن محظورا.. ويحتمل أيضا أن يكون الخبران وردا مورد التقية لأن أحدا من العامة لا يجيز ذلك) (6).
ألا تحتمل الأخبار التي جاءت بالجواز أن تكون هي التي وردت مورد التقية لأن الناس عموما يشتهون هذه الأمور فالأئمة لأجلهم ولإرضائهم اختاروا التقية، إن التقية محتملة في كل شيء وفي كل خبر.
وعلى كل فإن هذا الأمر ظاهر البطلان ومخالف لما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم،وهذا كله ما هو إلا اتباع للهوى.
إثبات حرمة اللواطة بالنساء من القرآن والسنة
قال الله عز وجل :"نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم"، إن الله عز وجل أذن لأتيان مقام الحرث وهو الفرج ولم يأذن لمقام الفرث وهو الدبر.
وقال تعالى: "يسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن".
في هذه الآية منعنا الله عز وجل من إتيان النساء في الفرج عند الحيض مع أنه لم يدم إلا بضعة أيام، فكيف يكون إتيان الدبر جائز مع دوام وجود النجاسة فيه. وأيضا يبين في الآية أن الممنوع من الإتيان هو الفرج فقط وليس الدبر لأن الحيضة متعلقة بالفرج فقط أما الدبر فحاله كما هو كان قبل الحيضة فلو كان جائزا إتيانه قبل الحيضة فلا مانع الآن أيضا ثم إنه لو كان الأمر كذلك لكانت الآية حينئذ (فاعتزلوا الفروج في المحيض) وليس (فاعتزلوا النساء) كما هو الحال.
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أتى كاهنا فصدقه بما يقول أو أتى امرأته حائضا أو أتى امرأته في دبرها فقد بريء مما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم" (7).
وقال صلى الله عليه وسلم: "ملعون من أتى امرأة في دبرها" (8).
اللهم جنبنا الفواحش والمعاصي والفتن ما ظهر منها وما بطن...آمين.....
ــــــــــ(88/62)
(1)،(2)،(3) الاستبصار،ج3،ص243.
(4) الاستبصار،ج3،ص444،باب النساء فيما دون الفرج.
(5)،(6) الاستبصار،ج3،ص243-244.
(7) مسند أبي داود،كتاب الكهانة والتطير،ص545.
(8) مسند أبي داود،باب في جامع النكاح،ص294.
الأمر الخامس عشر من عقائدهم الفاسدة
عقيدة الرجعة:
وذكر عباس القمي في منتهى الآمال بالفارسية ما ترجمته بالعربية: قال الصادق عليه السلام "ليس منا من لا يؤمن برجعتنا ولا يقر بحل المتعة" (1).
ونقل محمد الباقر المجلسي بالفارسية ما ترجمته بالعربية: (روى ابن بابويه في علل الشرائع عن الإمام محمد الباقر عليه السلام أنه قال: إذا ظهر المهدي فإنه سيحيي عائشة ويقيم عليها الحد) (2).
ونقل مقبول أحمد الشيعي في ترجمته للقرآن بالأردوية ما ترجمته بالعربية: (روي عن الإمام محمد الباقر عليه السلام في تفسير القمي وتفسير العياشي أن المراد في هذه الآية من "الآخرة" الرجعة ومعنى الرجعة أنه سيأتي رسول الله والأئمة عليهم السلام وخاصة من المؤمنين وخاصة من الكفار قبل قيام الساعة إلى الدنيا، لكي يعلى الخير والإيمان، ويقضى على الكفر والعصيان) (3).
وذكر الملا محمد الباقر المجلسي في حق اليقين كلاما طويلا بالفارسية حاصله أنه إذا ظهر المهدي عليه السلام (قبيل القيامة) فإنه سينشق جدار قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ويخرج أبا بكر وعمر من قبريهما فيحييهما ثم يصلبهما (والعياذ بالله).
ثم يذكر عن المهدي أيضا بالفارسية ما ترجمته بالعربية: ثم يأمر الناس أن يجتمعوا فالظلم والكفر الذي ظهر من بداية العالم إلى نهايته فإثم ذلك الظلم والكفر كله يكتب عليهما (أي أبي بكر وعمر) وما أهريق دم لآل محمد في أي زمان بل كل دم أهريق بغير حق وكل جماع حرام قد حصل وكل مال ربا أو مال حرام قد أكل وكل إثم وظلم وقع حتى ظهور المهدي فإن كل ذلك سيكون معدودا في أعمالهما (4).(88/63)
ونقل المجلسي بعده أيضا (وروى النعماني عن الإمام محمد الباقر عليه السلام أنه قال: لما يظهر المهدي فأول من يبايعه محمد عليه الصلاة والسلام ثم علي عليه السلام ويساعده الله بالملائكة، وروى الشيخ الطوسي والنعماني عن الإمام الرضا عليه السلام أنه من علامات ظهور المهدي أن يظهر عاريا أمام الشمس وينادي مناد هذا هو أمير المؤمنين رجع ليهلك الظالمين (5).
وهذا من أعظم أكاذيب الشيعة مخالف لما عليه الدين الإسلامي والإسلام وجميع الأديان السماوية مجمعة على أن الإنسان يعمل في هذه الدنيا ثم يموت ثم يحشر أمام الله يوم القيامة وهناك سيحاسبه الله عن أعماله ولكن الشيعة يريدون افتراء وكذبا أن ينصبوا المهدي في مقام المحاسب للخلق، هذه الروايات مع كونها باطلة فإنها إهانة عظيمة للرسول صلى الله عليه وسلم وسيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه حيث جعلوهما يبايعان المهدي الذي سيكون من ولدهما، ثم كون المهدي يظهر عاريا ليس عليه ثياب؟ وأما عن الشيخين الجليلين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وما أظهر لهما من البغضاء والشحناء لا يحتاج إلى تعليق فإنه خلاف النقل والعقل فكيف يعقل أن يحمل شخص أوزار الذين قبله، "فإنه لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور".
ـــــــــــ
(1) منتهى الآمال،ج2،ص341،لعباس القمي.
(2) حق اليقين،ص347،لمحمد الباقر المجلسي.
(3) ترجمة مقبول أحمد،ص535.
(4) حق اليقين،ص360،لمحمد الباقر المجلسي.
(5) حق اليقين،ص347،لمحمد الباقر المجلسي.
الأمر السادس عشر من عقائدهم الفاسدة
عقيدة الطينة:(88/64)
ذكر محمد بن يعقوب الكليني في أصول الكافي (باب طينة المؤمن والكافر) وأتي فيه يروايات نذكر بعضها (عن عبدالله بن كيسان: عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قلت له: جعلت فداك،أنا مولاك عبدالله بن كيسان، قال: أما النسب فأعرفه وأما أنت فلست أعرفك، قال: قلت له إني ولدت في الجبل ونشأت في أرض فارس وإنني أخالط الناس في التجارات وغير ذلك فلأخالط الرجل فأرى له حسن السمت وحسن الخلق وأمانة ثم أفتشه فأفتشه عن عداوتكم، وأخالط الرجل فأرى منه سوء الخلق وقلة أمانة ودعارة ثم أفتشه فأفتشه عن ولايتكم، فكيف يكون ذلك؟ قال: فقال لي: أما علمت يابن كيسان أن الله جل وعز أخذ طينة من الجنة وطينة من النار فخلطها جميعا ثم نزع هذه من هذه وهذه من هذه فما رأيت من أولئك من الأمانة وحسن الخلق وحسن السمت فمما مسهم من طينة الجنة وهم يعودون إلى ما خلقوا منه، وما رأيت من هؤلاء من قلة الأمانة وسوء الخلق والدعارة فمما مسهم من طينة النار، وهم يعودون إلى ما خلقوا منه).(88/65)
وأيضا (عن إبراهيم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إن الله جل وعز لما أراد أن يخلق آدم عليه السلام بعث جبريل عليه السلام في أول ساعة من يوم الجمعة فقبض بيمينه قبضة بلغت قبضته من السماء السابعة إلى السماء الدنيا، وأخذ من كل سماء تربة وقبض قبضة أخرى من الأرض السابعة العليا إلى الأرض السابعة القصوى، فأم الله عز وجل كلمته، فأمسك القبضة الأولى بيمينه والقبضة الأخرى بشماله ففلق الطين فلقتين، فذرأ من الأرض ذروا ومن السماوات ذروا، فقال للذي بيمينه: منك الرسل والأنبياء والأوصياء والصديقون والمؤمنون والسعداء ومن أريد كرامته، فوجب لهم ما قال كما قال، وقال للذي بشماله: منك الجبارون والمشركون والكافرون والطواغيت ومن أريد هوانه وشقوته فوجب لهم ما قال كما قال، ثم إن الطينتين خلطتا جميعا، وذلك قول الله عز وجل "إن الله فالق الحب والنوى" فالحب طينة المؤمنين التي ألقى الله عليها محبته، والنوى طينة الكافرين الذين نأوا عن كل خير، وإنما سمي النوى من أجل أنه نأى عن كل خير وتباعد منه، وقال الله عز وجل "يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي" فالحي المؤمن الذي تخرج طينته من طينة الكافر، والميت الذي يخرج من الحي هو الكافر الذي يخرج من طينة المؤمن، فالحي المؤمن، والميت الكافر، وذلك قول الله عز وجل "أومن كان ميتا فأحييناه" فكان موته اختلاط طينته مع طينة الكافر، وكان حياته حين فرق الله عز وجل بكلمته فذلك كذلك، يخرج الله عز وجل المؤمن في الميلاد من الظلمة بعد دخوله فيها إلى النور، ويخرج الكافرين من النور إلى الظلمة بعد دخوله النور،وذلك قول الله عز وجل "لينذر من كان حيا ويحق الحق على الكافرين"أ.هـ.(88/66)
ويظهر من هذه الروايات عقيدة الشيعة الفاسدة أن حسنات الكفار ومن ضمنهم عامة أهل السنة والجماعة (أي كل من عدا الشيعة) تعطى للشيعة الروافض،وأن سيئاتهم تحمل على الكفار (من ضمنهم أهل السنة حسب عقيدتهم) وهذا خلاف للعدل الرباني، وينكره العقل وتأباه الفطرة السليمة وقد قال تعالى: "ولا تزر وازرة وزر أخرى" وقوله تعالى: "كل نفس بما كسبت رهينة" وقوله تعالى: "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره" وقوله تعالى: "توفى كل نفس بما عملت" الآية، وغيرها من آيات كثيرة جدا في هذا المعنى وأحاديث كثيرة أيضا صحيحة وصريحة في هذا المعنى ترد على هذه العقيدة الفاسدة، فهي عقيدة باطلة مخالفة للنقل والعقل والعدل.
الأمر السابع عشر من عقائدهم الفاسدة
عقيدة الاحتساب في النياحة وشق الجيوب وضرب
الخدود على شهادة الحسين رضي الله عنه:(88/67)
وهي مخالفة للعقيدة الإسلامية (الصبر في المصائب) إن الشيعة يعقدون محافل ومجالس للمأتم والنياحة ويعملون المظاهرات العظيمة في الشوارع والميادين في ذكرى شهادة الحسين رضي الله عنه باهتمام بليغ في العشر الأواخر من محرم كل عام معتقدين أنها من أجل القربات فيضربون خدودهم بأيديهم وصدورهم وظهورهم ويشقون الجيوب يبكون ويصيحون بهتافات: يا حسين... يا حسين، وخاصة في اليوم العاشر من كل محرم فإن ضجيجهم المليء بالويلات يبلغ أوج الكمال ويخرجون في ذلك اليوم مترابطين متصافين يحملون قبة الحسين (التابوت) المصنوعة من الخشب ونحوه ويقودون خيلا مزينا بسائر الزينة يمثلون به حالة الحسين في كربلاء بفرسه وجماعته ويستأجرون عمالا بأجور ضخمة ليشتركوا معهم في هذا الضجيج والفوضى ويسبون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتبرءون منهم وقد تفضي هذه الأعمال - أعمال الجاهلية الأولى- إلى المنازعات مع أهل السنة خاصة عند سبهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والطعن والتبرؤ من الخلفاء أبي بكر وعمر وعثمان، فتسبب إراقة دماء الأبرياء.
والشيعة يصرفون في مآتم الحسين هذه أموالا طائلة لأنهم يعتقدون أنها من أصول دينهم وأعظم شعائرهم، إن الشيعة يعودون أولادهم بالبكاء في هذا المأتم فإذا كبروا اعتادوا البكاء متى شاءوا فبكاؤهم أمر اختياري وحزنهم حزن مخترع، مع أن الشريعة المطهرة أكدت في النهي عن النياحة وشق الجيوب وضرب الخدود والقرآن أوصى بني آدم بالصبر والرضا بالقضاء.
كما في قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين".
وقوله تعالى: "وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون".
وقوله تعالى: "وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر".
وقوله تعالى: "وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة أولئك أصحاب الميمنة".(88/68)
وقال تعالى: "والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس".
ثم إن الأئمة المعصومين عندهم والذين يجب طاعتهم لديهم قد ثبت عنهم أيضا مثل ذلك، فقد ذكر في نهج البلاغة (وقال علي رضي الله عنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم مخاطبا إياه صلى الله عليه وسلم: لولا أنك نهيت عن الجزع وأمرت بالصبر لأنفدنا عليك ماء الشؤون).
وذكر في نهج البلاغة أيضا (أن عليا عليه السلام قال: من ضرب يده عند مصيبة على فخذه فقد حبط عمله).
وقال الحسين لأخته زينب في كربلاء كما نقله صاحب منتهى الآمال بالفارسية وترجمته بالعربية: يا أختي أحلفك بالله وعليك أن تحافظي على هذا الحلف، إذا قتلت فلا تشقي على الجيب ولا تخمشي وجهك بأظفارك ولا تنادي بالويل والثبور على شهادتي (1).
ونقل أبو جعفر القمي أن أمير المؤمنين عليه السلام قال فيما علم به أصحابه: لا تلبسوا سوادا فإنه لباس فرعون (2). وقد وردفي تفسير الصافي في ذيل آية "أن لا يعصينك في معروف" أن النبي صلى الله عليه وسلم بايع النساء على أن لا يسودون ثوبا ولا يشققن جيبا وأن لا ينادين بالويل. وفي فروع الكافي للكليني أنه صلى الله عليه وسلم وصى السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها فقال: (إذا أنا مت فلا تخمشي وجها ولا تنادي بالويل ولا تقيمي على نائحة).
وهناك روايات كثيرة جدا وردت في كتب الشيعة صرح فيها بالنهي عن النياحة والنداء بالويل والثبور وعن شق الجيوب وضرب الخدود ونحو ذلك من مظاهر الجزع على المصائب وعدم الصبر عليها وقد أثبت هنا بنماذج فقط من رواياتهم ومن يرغب التفصيل في هذا الموضوع فعليه أن يرجع إلى كتابي "حقيقة المأتم" فقد بسطت فيه وذكرت الروايات من كتبهم في الرد على مآتمهم وجالسهم هذه التي تخالف عقيدة "الصبر في الإسلام".(88/69)
هذا ما تيسر لي على عجل أن أعرضه أمام عباد الله المؤمنين من عقائد باطلة للشيعة الاثناعشرية الجعفرية الروافض وقد ذكرت في كل باب نماذج قليلة فقط من مصادرهم ومن أراد الاطلاع على أكثر منها فعليه أن يراجع بنفسه مصادر الشيعة فإنها مملوءة بمثل هذه العبارات وأشد..
وأسال الله العظيم الكريم أن يحفظ المسلمين بفضله وإحسانه من أكاذيب الشيعة وضلالاتهم فإنها تحبط الحسنات وتجرد المؤمن من الإيمان وتخرجه من الإسلام وأن يهدينا الصراط المستقيم ويقيمنا على الحق المبين وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه من القول والعمل والنية والهدى إنه على كل شيء قدير وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وأزواجه وأتباعه أجمعين وبارك وسلم تسليما..
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين . . .
محمد عبدالستار التونسوي 4/11/1403هـ
ـــــــــــ
(1) منتهى الآمال،الجزء الأول،ص248.
(2) من لا يحضره الفقيه،ص51،لأبي جعفر محمد بن باويه القمي.(88/70)
بطلان نكاح المتعة
فضيلة العلامة الشيخ عبد الله بن زيد ال محمود
خطبة الكتاب
الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده .
أما بعد : فإن النكاح الشرعي هو من سنن المرسلين و من ضروريات بقاء الآدميين به ينتظم العفاف و الإحسان و حفظ الأنساب . و النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح : » لكني أصلي و أرقد ، و أصوم و أفطر ، و أتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني « . و لا يسمى النكاح زواجا إلا إذا كان عن طريق شرعي . فلقد شرع الله سبحانه هذا الزواج ليكون طريقا وحيدا لالتقاء الرجل بالمرأة ، فكل لقاء بينهما خارج نطاق الزواج الشرعي بأركانه و شروطه ، هو لقاء محرم يحاربه الإسلام أشد المحاربة .
هذا و إنه تظهر بين حين و آخر دعوات لإباحة أنواع من الأنكحة خارج نطاق الزواج الشرعي ، من ذلك دعوة بعضهم في هذه الأيام إلى حلية نكاح المتعة و ضرورة الأخذ به في الوقت الحاضر ، إن نكاح المتعة و إن كان مباحا زمن الجاهلية و بدء البعثة ، كإباحة الربا و شرب الخمر ، و الصلاة إلى غير الكعبة ، إلا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حرمه بعد ذلك تحريما مؤبدا إلى يوم القيامة .
و في هذه الرسالة مناقشة هادئة مدعمة بالأدلة الشرعية و المنطقية لدعاوى القائلين بنكاح المتعة ، تبين ضعف دليلهم ، و زيغ قصدهم ، و قصور حجتهم بل كون هذا الدليل حجة عليهم
لا لهم ، إذ أن دليلهم الوحيد في ذلك هو حديث ابن عباس في هذا الموضوع ، و هم يأخذون شطرا من الحديث و يتركون الشطر الآخر ، كما أنهم يأخذون قولا و يدعون آخر ( أ فتؤمنون ببعض الكتاب و تكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا و يوم القيامة يردون إلى أشد العذاب ) إذ أن ابن عباس نفسه يصرح بأن نكاح المتعة قد حرم كتحريم الميتة و الدم و لحم الخنزير على أن ابن عباس بشر يخطئ ويصيب ، و قد سبقه القرآن الكريم بتحريمه بقوله سبحانه : ( و الذين(89/1)
هم لفروجهم حافظون ، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ، فمن ابتغي وراء ذلك فأولئك هم العادون ) فاتفق الكتاب و السنة و إجماع المسلمين على تحريم نكاح المتعة .
نسأل الله سبحانه أن يسدد خطانا ، و أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه .
من عبد الله بن زيد آل محمود ــ رئيس المحاكم الشرعية و الشؤون الدينية إلى عيسى عبد الحميد الخاقاني .
و بعد ، فإنني وقفت على مقالتك المسجلة و الصادرة منك في يوم الجمعة الموافق 20/2/1979 . و سمعت ما تضمنت من الحث و التحريض للشباب و الشابات إلى التمتع من بعضهم مع بعض بنكاح المتعة الذي يستأجر فيها الرجل امرأة لوطئها باليوم أو الأسبوع بأجر مسمى معلوم ، و قد أثرت هذه الفتنة في الشباب لتفسد بها أخلاقهم و أنكحتهم الشرعية ، و تدنيهم إلى الإباحة المحرمة المطلقة التي يعدها العلماء زنا من عمل الجاهلية . و قد وردت النصوص الصحيحة الصريحة القطعية عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في تحريمها إلى يوم القيامة في أحاديث مشهورة و منشورة في رسالتي هذه ، و أصحها ما ثبت في الصحيحين عن الإمام علي رضي الله عنه ، قال : » نهى رسول الله متعة النساء عام خيبر « و في الحديث الآخر عنه:
» حرم رسول الله متعة النساء و الحمر الأهلية عام خيبر « . و ثبت عنه أنه قال : » لا أوتى بمستمتعين إلا رجمتهما « . و ثبت مثله في صحيح مسلم عن سبره بن معبد . و عن سلمة بن الأكوع عن رسول الله : » قد انعقد إجماع الصحابة على تحريمها كتحريم الزنا « و كل المسلمين في مشارق الأرض و مغاربها مجمعون على تحريمها تحريما مؤبدا إلى يوم القيامة و لا عبرة بشذوذ الشيعة القائلين بإباحتها ، إذ القول الشاذ لا يعتد به . . ثم إن الشيعة أنفسهم لا يعملون بها في أنفسهم و لا مع محارمهم و بناتهم فلا نسمع برجل منهم لا من أغنيائهم و لا من فقرائهم أنه أجر ابنته أو موليته لرجل يطؤها أسبوعا(89/2)
أو شهرا باسم نكاح المتعة ، فهم أبعد الناس عن هذه العملية الدنيئة ، و أشدهم بغضا لها لاعتقادهم بطلانها و عدم إباحتها .
و أنت تحاول أن تزيغ الناس عن معتقدهم الصحيح ، ثم تقودهم إلى الإباحة المحرمة بزخرف القول غرورا . و كأنك إنما قصدت هذه البلاد لقصد إثارة الفتن فيها التي هذه من جملتها و متى أردت بنا فتنة أبينا .
و بما أنني ــ رئيس المحاكم الشرعية و الشؤون الدينية ــ فإنني أمنعك منعا بابا من التعرض لإثارة مثل هذه الفتنة مثل هذه الفتنة التي تزيغ الناس عن معتقدهم الصحيح ، ثم تدنيهم من الإباحة المحرمة ، و لو كان عن جهل منك لعذرناك و لكنه عن قصد لإثارة الفتنة بين أهل السنة فعزلناك . فمن واجبك التزام الأدب الذي هو من صالحك و صالحنا و عدم التعرض لإثارة الفتن الضارة و لا الأقوال الشاذة ، إذ تحريم المتعة هو من الأمر الجلي الذي لا يخالطه غبار من الشك .
و ستجد في رسالتنا ما يشفي و يروي الغليل مما لا شك في صحته . و إني أرجو أن تكون لك بمثابة العظة النافعة ــ و قد أحسن من انتهى إلى ما سمع و السلام .
عبد الله بن زيد آل محمود
رئيس المحاكم الشرعية و الشؤون الدينية
بدولة قطر(89/3)
بطلان نكاح المتعة بمقتضى الدلائل من الكتاب و السنة
الحمد لله ثم الصلاة و السلام على محمد و على آله و صحبه و من تمسك بسنته و اتبع هداه .
أما بعد : فإنني رأيت مقالة صادرة عن أحد علماء الشيعة يقول فيها بإباحة متعة النساء
و يحث فيها الشباب و الشابات على فتح أبواب التمتع من بعضهم مع بعض بالنكاح المؤقت باليوم و اليومين و الأسبوع و الشهر ليشبعوا بذلك شهوتهم بدون تكلف النكاح الشرعي الذي يشق عليهم فعله و فعل ما يترتب عليه من الصداق و النفقة .
و هذه دعوة سافرة إلى فتح أبواب الزنا و التوسع فيه مما يجعل الشباب ينصرفون عن النكاح الشرعي ، و كانت هذه القضية هي مما عفا عليه الأثر و لم يبق عند علماء المسلمين كافة أي اهتمام بها و لا ذكر لكونها معلومة البطلان بواضح الكتاب و السنة و الإجماع .
ثم إنه يستدل لتأييد رأيه بالنقول الباطلة غير الصحيحة و بالأحاديث المنسوخة فتراه يقول ذكر البخاري في كتابه كذا ذكر مسلم كذا و ذكر مسلم كذا و ذكر الرازي كذا بما لا حقيقة له
و لم أجده ذكر في مقالته حديثا واحدا بلفظه أو معناه ، و لكنه عندما يسوق حديثا كحديث الإمام علي رضي الله عنه أن رسول الله رخص في المتعة في أول الإسلام ، ثم نهى عنها عام خيبر
وقبل عام الفتح نهيا عاما دائما إلى يوم القيامة ، فتراه يحتج بالمنسوخ من قوله رخص النبي صلى الله عليه وسلم في المتعة و يترك الناسخ تغريرا و تدليسا لأسماع الناس ، مع العلم أنني لم أره ذكر حديثا واحدا صحيحا بلفظه يؤيد صحة ما ذهب إليه ، إلا أن يكون منسوخا قد بطل العمل به .
إن أول كلمة بدأ بها مقالته هي قوله :
» إن المتعة كانت مباحة و إن أول من قال بتحريمها هو الخليفة الثاني « يعني عمر بن الخطاب رضي الله عنه فهو يحاول الصاقها بعمر ليستبيح بذلك حرمة تحريمها و ينزه الرسول عنها ، و هذا ليس محمولا على عدم معرفته أحاديث النسخ لها و إجماع الصحابة على تحريمها ، و(89/4)
إنما فعله تلبيسا على أسماع الناس ، كما قال سبحانه و تعالى :
( قل يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل و تكتمون الحق و أنتم تعلمون ) .
و لبس الحق بالباطل هو تغطيته به بحيث يظهر الباطل في صورة الحق فيظهر للناس باطله في صورة الحق و هو في الحقيقة باطل .
و من لوازم هذا التدليس كتمان الحق و عدم بيانه ، لأنه لو بينه للناس لعرفوا حقيقة بطلان قوله كله .
و إباحته في بدء الإسلام إنما نشأت عن بقاء الناس على حالتهم في الجاهلية و كان هذا نوعا من أنكحتهم ، و يسمى في القرآن » بالمتخذين أخدانا « . كما في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها عن ابن شهاب قال : أخبرني عروة ابن الزبير أن » عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء منها نكاح الناس اليوم ، يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فيصدقها ثم ينكحها ، و نكاح آخر كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه و يعتزلها زوجها
و لا يمسها أبدا حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب ، و إنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد ، فكان هذا النكاح نكاح الاستبضاع .
و نكاح آخر يجتمع الرهط ما دون العشرة فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها ، إذا حملت
و وضعت و مر عليها ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها تقول لهم عرفتم الذي كان من أمركم ، و قد ولدت فهو ابنك يا فلان تسمى من أجبت باسمه فيلحق به ولدها لا يستطيع أن يمتنع به الرجل . و نكاح رابع يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة لا تمتنع من جاءها ، و هن البغايا كن ينصبن على أبوابهن رايات تكون علما ، فمن أرادهن دخل عليهن فإذا حملت إحداهن و وضعت حملها جمعوا لها و دعوا لهن القافة ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون ، فالتاط به و دعي ابنه لا يمتنع من(89/5)
ذلك . فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم بالحق هدم نكاح الجاهلية كله إلا نكاح الناس اليوم « .
و به يعلم أن نكاح المتعة هو من قبيل » متخذات أخدان « بحيث يختص بها واحد بدون مشارك في زمن محدود كما هو الواقع من فعل كثير من النساء الزواني اللاتي يراعين التستر
و بذلك أنزل الله تعالى قوله :
( فأنكحوهن بإذن أهلهن و آتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات
ولا متخذات أخدان ) . فسمى الله الصداق أجرة و أجرا كما قال سبحانه : ( و المحصنات من المؤمنات و المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن ) . في قصة موسى قول شعيب : » إني أريد أن أنكحك إحدى ابني هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن اتممت عشرا فمن عندك « ، فتزوجها موسى برعاية غنم شعيب ثماني سنين ثم كملها عشرا . فليس في الشريعة الإسلامية نكاح مباح إلا نكاح الزوجة أو الأمة فمن ابتغى نكاحا غيرهما فأولئك هم العادون ، أي الذين يطلبون نكاحا مؤقتا بيوم أو يومين فهم المعتدون لحدود الله
والمستحلون لمحارمه .
ثم إن صاحب المقالة رد على من قال بجواز الاستمناء باليد يعني بذلك الشيخ يوسف القرضاوي في كتابه » الحلال و الحرام « حيث طرق موضوع هذه القضية ، ثم قال بجواز الاستمناء باليد عند الضرورة و ليس رأيه هذا ببدع من القول و الزور لجواز ارتكاب أدنى الضررين لدفع أعلاهما و هو عمل جائز في مذهب الحنابلة قال في » الإقناع « و لا يعزر من استمنى بيده أي لقوة الخلاف به و ضعف القول بحرمته .
و قد قال شيخ الإسلام ابن تيمية إن أبناء المهاجرين و الأنصار في غزواتهم الطويلة كانوا يستريحون بالاستمناء باليد ، و هذا الاستمناء هو كاسمه حقيقة و معنى و لا يسمى نكاحا ، فإخراج هذا المني إلى التراب أو إلى الفراش أيسر من وضعه في فرج حرام ، و قال شيخ الإسلام في فتاويه إن اضطر الشخص إلى الاستمناء بيده مثل أن يخاف الزنا إن لم يستمن أو يخاف المرض فهذا فيه(89/6)
قولان مشهوران و قد رخص في هذه الحال طوائف من السلف و الخلف.
هذا و إن أساطين الشيعة و رؤساءهم يتعففون عن هذا العمل فلا نسمع بغنى و لا فقير أنه سلم ابنته لرجل باستئجاره لها يوما أو يومين أو أسبوعا أو شهرا باسم نكاح المتعة ، فهم يترفعون عن العمل بهذا أو عدم السقوط فيه لدناءته ، فهو نكاح مفسدة و تنقل في اللذات ، و حتى إن جريمة الزنا قليلة فيما بينهم ، و ليس فيه شيء من المصالح سوى قضاء وطر الشهوة بخلاف النكاح الدائم الشرعي ، فإنه يترتب عليه مصالح كثيرة منها الإحصان و يعني أنه يحصن الزوج عن غير زوجته و يحصنها هي أيضا ، و متى أشرك مع زوجته غيرها من الأخدان فإنه يفسد به نظام الزوجية الشرعية فيبغض زوجته و تبغضه .
و منها أن الله سمى الزوجة سكنا فيسكن إليها الزوج و تسكن إليه و يأنس بها فقال سبحانه: ( و من آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها و جعل بينكم مودة و رحمة ) . فالزوج سكن للمرآة يسكن إليه و يطمئن بها فتجلب إليه الأنس و السرور و الغبطة و الحبور و تقاسمه الهموم و الغموم ويكون بوجودها بمثابة الملك المخدوم و السيد المحشوم . فمسكين مسكين رجل بلا زوجة ، و العزاب هم أراذل الأحياء و شرار الأموات … كما أن الزوج كرامة و نعمة للزوجة يرفع مستوى ضعفها و ينشر جناح وحدتها ويسعى عليها بكل ما تشتهي من الحاجات
والنفقات ، و يجعلها سيدة بيت و سعيدة عشيرة و أم بنين و بنات .
و منها أن الله سمى الزوجة حرثا الذي هو محل لإنشاء النسل المحبوب تكثيره عند الشرع ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : » تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة « و لا توجد هذه الميزات في نكاح المتعة الذي غايته قضاء وطر الشهوة لا غير
و لهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعلان النكاح و اشتهاره لشرفه فقال صلى الله عليه وسلم
» أعلنوا النكاح « . لكون النكاح الحرام يبالغ أهله في إخفائه و عدم(89/7)
بيانه ، فنكاح المتعة غايته تفنن الذوق و التنقل في اللذات بدون رغبة منه و لا منها في إنجاب البنين و البنات بل إنه من الأسباب التي ينقطع بها النسل ، لأنه متى تعاقب الرجال على المرأة بحيث تكون عند أحدهم شهرا و عند الآخر الشهر الثاني فإنه بذلك يفسد نظام الحمل من أجل اختلاط المياه في الرحم إذ هي بهذه الصفة من قبيل المتخذات أخدان .
و في مذهب الزيدية : إن النكاح مؤبد فلا يجوز عندهم نكاح المتعة أو النكاح المؤقت إلى أمد مجهول أو معلوم و غايته إلى خمسة و أربعين يوما أو أكثر من ذلك . فقد حدث زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي رضي الله عنهم : » أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة عام خيبر« .
و أخرج البخاري و مسلم و المؤيد بالله في شرح التجريد و غيرهم من طريق مالك عن ابن شهاب عن عبد الله و الحسن ابني محمد بن علي عن أبيهما عن علي ابن أبي طالب : » أن رسول الله صلى الله نهى عن متعة النساء يوم خيبر و عن لحوم الحمر الإنسية « .
و أخرج البيهقي عن طريق عبد الله بن لهيعة عن موسى بن أيوب عن أياس ابن عامر عن علي بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : » نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المتعة . قال : إنما كانت لمن لم يجد ، فلما أنزل النكاح و الطلاق و العدة و الميراث بين الزوج
و المرأة نسخت « .
و أخرج البيهقي أيضا أن رجلا سأل عبد الله بن عمر عن المتعة فقال » حرام «. قال فإن فلانا يقول فيها . فقال و الله لقد علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمها يوم خيبر و ما كنا مسافحين ، و هذا يدل على تحريم المتعة .
ثم إن الشيعة تمسكوا في استدلالهم على نكاح المتعة بقوله سبحانه : ( فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن ) و هذا الاستدلال لا صحة له ، فإن هذه الآية سيقت في بيان ما يحل
و يحرم من نكاح النساء كما يعلم من نظمها فيما قبلها و بعدها . و أن يكون الغرض المقصود من النكاح هو الإحصان و طلب(89/8)
النسل دون التمتع بسفح الماء و التنقل في اللذات الذي يكون حظ الحيوان فيها أكثر من حظ الإنسان ، ثم إن السنة تفسر القرآن و تبين ما أشكل منه ، و قد فسرت السنة هذا الاستمتاع و أن المراد به النكاح الشرعي .
فقد روى البخاري و مسلم : » أن النبي صلى الله عليه وسلم قال استوصوا بالنساء خيرا فإنهن خلقن من ضلع أعوج و إن أعوج ما في الضلع أعلاه ، فإن استمتعت بها استمتعت و بها عوج و إن ذهبت تقيمها كسرتها ، و كسرها طلاقها « . فدل هذا الحديث على نفس ما دلت عليه الآية و أن المراد بقوله » فما استمتعتم به منهن « . أي بالنكاح الشرعي الذي يتخلله الطلاق عند عدم الوفاق كما قال » و كسرها طلاقها « و نكاح المتعة ليس فيه طلاق و لا نفقة و لا ميراث فيجوز عندهم أن يستأجرها بنكاح المتعة . فهو يتمشى على طريقة السفاح بحيث أن الرجل يتفق مع المسافحة أسبوعا أو شهرا بأجر مسمى على سبيل الاختصاص بدون مشارك ثم يتفق الثاني معها كذلك إلا أنهم لا يذكرون فيه نكاح المتعة . و لهذا قال علي رضي الله عنه : » لا أوتي بمستمعين إلا رجمتها « .
فقوله : » فما استمتعتم به منهن « أي تمتعتم ، و الزوجة تسمى متاعا كما روى الإمام أحمد و الدارمي أن النبي صلى الله عليه وسلم » الدنيا متاع و خير متاعها الزوجة الصالحة
التي إذا نظر إليها سرته ، و إن أمرها أطاعته ، و إن غاب عنها حفظته في نفسها و ماله « .
ثم إن النكاح الشرعي المؤبد يخالف نكاح المتعة المقدر بيوم أو أسبوع أو شهر ، فإن نكاح المتعة ليس فيه سوى قضاء وطر الشهوة فقط بحيث يسفح ماءه في فرجها فهو يزيد الولوع
و الشغف في التنقل في اللذات ، فكلما سفح ماءه في امرأة انصرف عنها إلى غيرها ، لكون الحب إذا نكح فسد ، و لكون المتمتع بنكاح المتعة لا يقصد الإحصان و إنما يقصد مجرد السفاح التنقل في اللذات بين المشتهيات فتزداد به المرأة جنونا لا إحصانا بحيث تنصرف برغبتها عن النكاح الشرعي ، و من(89/9)
شروط النكاح الشرعي هو أن يكون عن رغبة في استدامة بقائها لإحصانه بها
وطلب النسل منها ، أما إذا تزوجها على عزم أن يطلقها بعد يوم أن يومين أو أسبوع أو على نية أن يبيحها لزوجها الأول فإن هذا نكاح باطل و لا ينعقد و لا تحل به المرأة لزوجها الأول و يسمى » التيس المستعار « .
عن ابن مسعود قال : » لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل و المحلل له « . رواه أحمد و النسائي و الترمذي و صححه .
و من صفة المؤمنين ما أخبر الله عنهم بقوله : ( و الذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت إيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء فأولئك هم العادون ) أي المتجاوزون ما أحل الله لهم إلى ما حرم عليهم .
إن متعة النساء في استئجار المرأة لوطئها يوما أو أسبوعا أو شهرا كانت من عمل الجاهلية ، ثم بقيت على حالة الإباحة في أول الإسلام حيث كان الناس في شدة و حاجة ، فلما وسع الله عليهم بالمال يوم فتح خيبر أي عام ستة من الهجرة حرمها رسول الله عن الله تحريما مؤبدا إلى يوم القيامة ، و قال : » إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء و إن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة فمن عنده منهن شيء فليخل سبيلها و لا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا « .
فلقد أبيحت متعة النساء لهم في أول الإسلام كحالتهم في الجاهلية حيث كانوا مصابين بالفقر الشديد و الفاقة و بالجوع و العراء حيث كانوا يتقاسمون في بعض أسفارهم بالتمرة الواحدة و حيث كان يوجد من بينهم سبعون رجلا ما منهم رجل عليه إزار و رداء ، بل إزار و إما رداء قد ربطوها في أعناقهم .
و في الصحيحين : » أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله صلى الله جئت أهب لك نفسي فنظر إليها ثم صوب نظره ، ثم طأطأ رسول الله رأسه ، فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئا جلست . فقام رجل فقال يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها ، فقال : هل عندك من شيء ؟ فقال : لا و(89/10)
الله فقال : انظر و لو خاتما من حديد ، فقال
و الله ما عندي و لا خاتم من حديد ، و لكن هذا إزاري فلها نصفه ، و ليس عليه سوى إزار
فقال رسول الله : ما تصنع بإزارك إن لبسته لم يكن عليها منه شيء و إن لبسته لم يكن عليك منه شيء ، و لكن هل معك شيء من القرآن ؟ فقال : نعم معي سورة كذا و كذا فقال اذهب فقد زوجتكما بما معك من القرآن « . مما يدل على أن متعة النساء قد أبيحت في زمان أبيح فيه أكل الميتة ، و هذا معنى الفتوى التي قيل إن ابن عباس أفتى بها على أنه ليس بمعصوم ، و قد زجره الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال : ما أراك تاركا هنياتك أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد حرمها !!! .
و جاء سعيد بن جبير إليه فقال ما هذه الفتوى التي سمعت الناس يتحدثون بها ، فقال: ما يقولون ؟ قال : يقولون : » إنك أبحت متعة النساء ، و قد سمعت الركاب الإبل يتغنون بها فقال: ما يقولون . قلت يقولون :
أقول للشيخ لما طال مجلسه
يا صاح لك في فتوى ابن عباس
هل لك في خصرة الأطراف آنسة
تكون مثواك حتى مصدر الناس
فقال : و الله ما قلت إلا أنها محرمة كحرمة الميتة و الدم و لحم الخنزير و ليس تأخير تحريم متعة النساء إلى زمن خيبر ببدع من القول للحكمة و المصلحة فإن الله يحدث من أمره ما يشاء . و كانت الأحكام من ا لأمر و النهي و الحلال و الحرام تنزل على النبي صلى الله عليه وسلم شيئا بعد شيء كما كان بعضهم يكلم بعضا في نفس الصلاة فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : » إن الله يحدث من أمره ما يشاء و إن مما أحدث من أمره أن لا تتكلموا في الصلاة يقول الله سبحانه : ( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ) . فقد أبيح للناس شرب الخمر في أول الإسلام فكان أول آية نزلت في التمهيد لتحريمه هي قوله سبحانه : ( لا تقربوا الصلاة
و أنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ) ثم أنزل الله بعدها ( و يسألونك عن الخمر و(89/11)
الميسر قل فيهما إثم كبير و منافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما ) .
و متى كان الشيء إثمه أكبر من نفعه وجب اجتنابه . ثم أنزل الله في السنة التاسعة من الهجرة قوله سبحانه : ( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر الميسر و الأنصاب و الأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ) . و هذه من سورة المائدة التي هي من آخر القرآن نزولا فأحلوا حلالها و حرموا حرامها . و هذا تحريم مؤبد يكفر مستحله ، حتى إن الصحابة حزنوا على من قتل شهيدا و هي في بطنه ، فأنزل الله : ( ليس على الذين آمنوا و عملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا و آمنوا و عملوا الصالحات ) لكون الشرائع لا تلزم إلا بعد بلوغها لقوله سبحانه : ( و ما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) و مثله صلاة الصحابة إلى جهة المشرق
وهو قبلة اليهود و النصارى ، حتى أنزل الله : ( قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام و حيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره ) . و أتي رجل إلى بني عبد الأشهل و هم يصلون الفجر مستقبلين المشرق ، فقال أشهد بالله لقد أنزل الله على رسوله قرآنا و أمر أن نستقبل القبلة فاستداروا و هم في صلاتهم إلى جهة القبلة .
إن الله سبحانه لا يحرم شيئا من المحرمات كالخمر و الميسر و متعة النساء إلا و مضرته واضحة و مفسدته راجحة ، و لهذا أوجب العلماء إقامة الحد على من يستحل النساء لإجماع الصحابة و التابعين و سائر علماء المسلمين على تحريمها إلى يوم القيامة ، و لا عبرة بشذوذ الشيعة في هذا . و ما نسبوه إلى أحد الصحابة كأبي و ابن مسعود من أنهما فعلا المتعة زمن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه على فرض صحته محمول على فعله قبل تحريمه . و إلا فحاشا و كلا أن يستبيحا فعلها بعد تحريم النبي صلى الله عليه وسلم لها و انعقاد إجماع الصحابة على تحريمها بالنصوص الصحيحة الصريحة . و مثله ما نسبوه إلى علي من قوله : » لو لا نهي عمر عن(89/12)
المتعة لما زنى إلا شقي « فإن هذا من الكذب المفترى صريحا على علي و عمر بشهادة علي على ذلك ، فإنه له في البخاري حديثين يبين فيهما أن رسول الله حرم المتعة و الحمر الأهلية عام خيبر ، و لم يحرمها عمر من تلقاء نفسه كما يقوله أعداؤه .
فقد أخرج البيهقي عن طريق عبد الله بن لهيعة عن موسى بن أيوب عن اياس بن عامر عن علي رضي الله عنه قال : » نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المتعة قال وإنما كانت لمن لم يجد فلما أنزل النكاح والطلاق والعدة والميراث بين الزوج والمرأة نسخت « . وأما احتجاج الشيعة بما روى مسلم عن جابر بن عبد الله كنا نستمع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر حتى نهى عنها عمر فدعوى اسناد انشاء التحريم إلى عمر هو باطل قطعا ، فما كان نهي عمر إلا بمثابة التبليغ والتنفيذ لحكم رسول الله في تحريمها إذ هو من واجبه ، والنبي صلى الله عليه وسلم قال فليبلغ الشاهد منكم الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع .
ثم قوله كنا نتمتع على عهد رسول الله و أبي بكر فإن هذا مخالف للأحاديث الصحيحة التي رواها البخاري و مسلم عن علي و عن سلمة بن الأكوع و عن ابن عمر ، و لا يبعد أن يكون حديث جابر مكذوب عليه أو أنه دخل فيه شيء من زيادة بعض الرواة .
و الصحيح هو ما رواه مسلم عن ربيع بن سبرة عن أبيه أن النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : » إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء و أن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة فمن كان عنده شيء منها فيخل سبيلها و لا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا « . فهذا الحديث فيه ذكر الناسخ و المنسوخ ، و كون التحريم صدر عن رسول الله عن الله و لم يقع من عمر ابتداء إلا على سبيل التبليغ و التنفيذ عن الله .
و مثله الحديث الذي احتج به صاحب المقالة عن ابن مسعود رضي الله عنه و هو في الصحيحين قال : » كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس لنا نساء(89/13)
فقلنا : يا رسول الله ألا نختصي فنهانا عن ذلك ، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ثم قرأ ابن مسعود
( يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم و لا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ) .
إن من عادة صاحب المقالة أن يحتج بالمنسوخ الذي زال حكمه و بطل العمل به و يترك الناسخ المحكم الذي يجب العمل به و الحكم بموجبه .
و نحن لا ننكر إباحة متعة النساء في أول الإسلام على حسب حالتهم في الجاهلية و كونهم يستأجرون المرأة في أسفارهم الطويلة بالثوب و بالقبضة من التمر و بالقبضة من الدقيق ، فابن مسعود و جابر على فرض صحة حديثهما يتحدثان عن حالتيهما في الجاهلية قبل تحريمها ، كما يتحدث الصحابة عن شربهم الخمر قبل أن تحرم عليهم ، و كما يتحدثون عن صلاتهم إلى المشرق قبل أن يحولوا إلى جهة الكعبة و كما يتحدثون عن كون أحدهم يكلم صاحبه بحاجته
وهو في صلاته جهة الكعبة و كما يتحدثون عن كون أحدهم يكلم صاحبه بحاجته و هو في صلاته زمن النبي صلى الله عليه وسلم حتى أنزل الله ( قوموا لله قانتين) أي ساكتين فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : » إن الله يحدث من أمره ما يشاء . و إن مما أحدث من أمره أن
لا تتكلموا في الصلاة « . لكون أحكام الشرائع من الفرائض و المحرمات تنزل شيئا بعد شيء
وإنما يؤخذ بالأخير فالأخير من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم و أفعاله و أحكامه ، و ملاك الأمر خواتمه ، و كل الصحابة مجمعون على تحريمها كالزنا سوى ما نسب إلى ابن عباس للمضطر ، و قد تحامل عليه الإمام علي رضي الله عنه باللؤم و التعنيف و قال له إنك امرؤ تائه فرجع ابن عباس عن فتواه و الصحابة كغيرهم يخطئ أحدهم في فتواه و يصيب .
قال في » الروضة الندية « .
( نكاح المتعة ) قال في الحجة : رخص فيها عليه الصلاة و الصيام أياما ثم نهى عنها . أما الترخيص أولا فلمكان حاجة تدعوا إليه كما ذكره ابن عباس فيمن يقدم بلدة ليس بها أهله(89/14)
. أشار ابن عباس أنها لم تكن يومئذ استئجارا على مجرد البضع بل كان ذلك مغمورا في ضمن حاجات من باب تدبير المنزل ، كيف و الاستئجار على مجرد البضع انسلاخ عن الطبيعة الإنسانية
و وقاحة يمجها الطبع السليم .
و أما النهي عنها فلارتفاع تلك الحاجة في غالب الأوقات ، و أيضا ففي جريان الرسم به اختلاط الأنساب لأنها عند انقضاء تلك المدة تخرج من حيزه و يكون الأمر بيدها فلا يدري ماذا تصنع . و ضبط العمدة في النكاح الصحيح الذي بناؤه على التأبيد في غاية العسر فما ظنك بالمتعة و إهمال النكاح الصحيح المعتبر في الشرع فإن أكثر الراغبين في النكاح إنما غالب داعيتهم قضاء شهوة الفرج ، و أيضا فإن من الأمر الذي يتميز به النكاح من السفاح التوطين على المعاونة الدائمة و إن كان الأصل فيه قطع المنازعة فيها على أعين الناس ــ انتهى و في شرح السنة اتفق العلماء على تحريم المتعة هو كالإجماع بين المسلمين ……(89/15)
إن الحاجة إلى النكاح ليست من الضرورة التي تبيح المحظور من الزنا و نكاح المتعة
و لقد قيل تجوع الحرة و لا تأكل بثيها و تأبى الدنية و لا اضطرت إليها .
إن قول صاحب المقالة : » إن نكاح المتعة أبيح في حالة الضرورة و أن أكثر الشباب
لا يستطيعون النكاح الشرعي لصعوبة التكاليف المترتبة عليه من الصداق و غيرها فصاروا واقعين في هذه الضرورة التي لهم نكاح المتعة أشبه إباحة أكل الميتة و الدم و لحم الخنزير
و شربة الخمر لدفع اللقمة التي يغص بها « .
فالجواب أن هذا الخطاب بعيد عن الصواب .
ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : » ما نهيتكم عنه فاجتنبوه و ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم « . رواه البخاري و مسلم من رواية أبي هريرة ، فجعل جميع المنهيات من الأشياء التي يجب اجتنابها و لا يعذر أحد بارتكابها كالربا و الزنا و شرب الخمر ، لأن هذه كلها ليست بأحمال على الجسم و ليست بأكل و شرب مما يفتقر غليه الجسم ، بل كلها من التروك ، بل كل المنهيات كهذه تركها أنفع من فعلها ، و إنما تحتاج إلى شدة حزم و قوة عزم في انصراف النفس عنها ، بخلاف الأوامر فإنها على حسب الاستطاعة ، صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب لأن الله سبحانه لا يكلف نفسا إلا وسعها .
فلو فعل أحد شيئا من المنهيات و الحدود وجب أن يعاقب بما يستحقه من الحد أو التعزير الذي يرجع فيها إلى اجتهاد الحاكم » و لا تأخذكم بهما رأفة في دين الله « . لأن من لا يكرم نفسه لا يكرم و من يهن الله فما له من مكرم . لأن الله سبحانه شرع الحدود للزجر بها مواقعة المنهيات كالزنا و نكاح المتعة و غيرها ، فكما أنه لا يستجاب لمرتكب كبيرة الزنا في دعوى الضرورة
فكذلك نكاح المتعة و هو محرم كالزنا .
فقول بعضهم إن نكاح المتعة محرم كتحريم الميتة و الدم و لحم الخنزير ، فإن هذا التعريف قاصر عن حدود التعريف بتحريمها ، و فيه شيء من التدليس و(89/16)
التلبيس على أسماع الناس .
فإن نكاح المتعة حرام إلى يوم القيامة كما روى مسلم عن ربيع بن سبرة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: » إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من الناس و إن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيلها و لا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا « . و خطب النبي صلى الله عليه و سلم قال : » إن الله » فرض فرائض فلا تضيعوها ، و حد حدودا فلا تعتدوها ، و حرم أشياء فلا تنتهكوها، و سكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا
عنها «.
و تحريم الميتة و الدم و لحم الخنزير ليس من تحريم المؤبد إلى يوم القيامة بل له أجل ينتهي إليه و هو وجود الضرورة المقتضية لإباحته ، فمتى أصيب الإنسان بالجوع الشديد الذي أشفى منه على الهلاك أبيح له أن يتناول من الميتة أو لحم الخنزير ما يسد به رمقه ، و لو مات بدون أن يتناول منها عد عاصيا . و قد قال بعض العلماء إنني لن أوتى برجل ما جوعا و لم يأكل من الميتة فإنني لا أصلي عليه لكونه قد أعان على قتل نفسه ، و المطلوب منه إحياءها و من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا .
ومثله إباحة الدم للضرورة وقد صار من أكبر العوامل والأدوية عند الأطباء في تدارك صحة المصابين بالجروح البليغة وبالرصاص الذي ينزف الدم عن الجسم ، فيكون في حالة ضرورة في تدارك علاجه بالدم لسريانه في الجسم مما عسى أن يتدراك به حياته وصحته لكونه لا بقاء للجسم بعد خروج الدم منه بخلاف نكاح المتعة فإنه لا ضرورة إليه ، وإنما يزداد صحة بتركه وقد قال رسول الله e لرجل: » أقلل من النكاح فإنه نور عينك وقوة ساقيك « .
وقد قيل:
أقلل نكاحك ما استطعت
ماء الحياة يصب في الأرحام
ولو كانت شهوة النكاح التي يجدها الإنسان في نفسه تبيح له نكاح المتعة لقيل بجواز الزنا للضرورة إذ هما في الحكم سواء ، بل إن نكاح المتعة أشد من الزنا فإن الزنا يستخفى به أهله أما نكاح المتعة فيجهرون به(89/17)
.
وقد حدثني رجل من الثقات قال: أتيت أصفهان فوجدت نساء كثيرات صفوفاً ينادين الرجال بأصوات عالية المتعة … المتعة !!
ومتى كان في مذهبهم وعقيدتهم أنه يجوز إستئجار المرأة باليوم واليومين وبالمرة والمرتين ويجوز مع بنت إبنة تسع سنين وعشر سنين بدون إذن أبيها أو وليها علمت حينئذ أنه الزنا قطعاً لا يغادر صغيرة ولا كبيرة من الزنا إلا أحصاها .
تبقى تسميته بالمتعة والأسماء لا تغير المسميات عن حقائقها وأوضاعها كما أخبر
النبي e عن أناس يشربون الخمر يسمونها بغير إسمها .
ومن القواعد الأصولية أن الاعتبار في العقود بمقاصدها ومعانيها لا بألفاظها ومبانيها.
فدعوى عدم صبره عنها حجة داحضة نظير إحالة ارتكابه لها على القضاء والقدر وما أذنب القضاء والقدر ولكنهم المذنبون ، ولما جيء عمر بن الخطاب بسارق فقال له ما حملك على السرقة قال حملني عليها قضاء الله وقدره فقال: وأنا أقطع يدك بقضاء الله وقدره فأمر به فقطعت يده .
وقد شرع الله الحدود لتكون بمثابة الزواجر عن إرتكاب الجرائم . وحد يقام في الأرض خير لأهلها من أن يمطروا أربعين صباحاً ، لأن الحدود تقلل من فشو إرتكاب المنكرات من الزنا وشرب الخمر ، فلا يقبل من أحد دعوى ضرورته وعدم صبره عند تغلب شهوته على عقله
ولو كان كذلك لفسد باب الأمر والنهي اللذين عليهما مدار أحكام الشرع .
أفيقال إن الزنا مباح للضرورة في حق من لا يستطيع الصبر عنه والله يقول: (والذين هم لفروجهم حافظون ، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هو العادون) فجعل كل من طلب نكاحاً غير النكاح الدائم الشرعي وملك اليمين أنه من المعتدين لحدود الله . ومثله دعوى عدم الصبر عن شرب الخمر .
فكيف يقاس أكل الميتة للمضطر التي لو ترك أكلها لمات ، وقد قال بعض العلماء لو ترك أكلها فمات لا يصلى عليه ، فكيف يقاس هذا على ضرورة الشهوة إلى النكاح التي لا يخشى على أحد(89/18)
الهلاك بتركه ، وبعض الناس يؤثر البقاء على العزوبة مع توفر الشهوة . ومثله لو غض بلقمة فدفعها بشربة خمر التي هي نادرة الوقوع ولعلها لم يقع لها نظير في الدنيا .
وقد رأينا بعض العلماء من جعل هذه حجة في إباحة ربا النسيئة للمضطر الذي يكفر من قال بإباحته ، ولا شك أن هذا من باب الترخص الجافي والأحكام الشرعية يجب بأن لا تعارض بترخص جاف ولا تشدد غال ولا تحمل على علة توهن الانقياد للحكم .
والنبي e حرم الربا بموقف جميع الناس بعرفة عام حجة الوداع فقال: » إن ربا الجاهلية موضوع ، وأول ربا أضع ربا عباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله « .
فحرم الربا تحريماً عاماً بدون إستثناء مع كونه عمدة تجارتهم ، فقد اشتهرت قريش بالتجارات الواسعة من أجل رحلاتهم الصيفية والشتوية ومن أجل توسعهم في المعاملات الربوية مع العلم أن جميع العرب سوادهم في حاجة وفقر شديد ، فكانوا يقتسمون الزاد بالتمرة الواحدة في غزوة العسرة القريبة من حجة الوداع ، ومع هذا فلم يبح رسو الله صلى الله عليه وسلم تعاطي الربا للمضطر لدخوله في عموم قوله ما نهيتكم عنه فاجتنبوه ، لكون الشخص متى صحت نيته وصدقت عزيمته سهل عليه مفارقة المألوفات المحرمة كما قيل:
والنفس كالطفل إن تهمله شبّ على
حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
ولهذا عزف الصحابة عن التعامل بالربا فلم يبق له ذكر بينهم امتثالاً لأمر الله وطاعة رسوله ، ولم يقولوا لا نستطيع تركه لأن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً ، ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ، ومثله عزوفهم عن الخمر التي كانوا قد شبوا على شربها ونشأوا على حبها وإدمان شربها ، ولما بلغهم تحريمها أخذوا يرمون الأوعية من أيديهم ثم خرجوا إلى السوق وبه ظروف الخمر فجعلوا يطعنونها بالسكانين حتى سالت بالأزقة وهم يقولون والله إن كنا لنكرمك عن هذا المصرع وأما اليوم فقد أهانك الله .(89/19)
(ومن يهن الله فما له من مكرم ) ، ولم يقولوا لا نستطيع تركها ولم يتعللوا بدعوى الضرورة وهكذا يقال في نكاح المتعة .
فقد كان العرب في جاهليتهم يستأجرون المرأة بالثوب والأتوار من الأقط والشعير ، ولما بغلهم خبر تحريمها وخطبهم النبي e قائلاً: » إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيلها ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً « رواه مسلم . فعزفوا عنها كلهم غنيهم وفقيرهم لكونها من التحريم المؤبد إلى يوم القيامة كما يدل له لفظ الحديث ، ثم إن النكاح قد يصبر عنه بعض الناس السنين الطويلة مع رجوليتهم وقوة شهوتهم خصوصاً الرؤساء والمجاهدين والمشتغلين بالعلم والتجارة والصناعة فإنهم ينصرفون عنه الانصراف الكلي بدون أن يحسوا بشدة ، وكانوا يتغربون عن أهلهم السنتين والثلاث ولا يجدون مساَ من تعب العزوبة ، وكنت ممن تغرب عن الأهل في طلب العلم أربع سنين ولم أجد مشقة في الغربة ولا في العزوبة ، لكون الاشتغال بالعلم وبالأعمال الدينية والمالية يستدعي الانصراف الكلي على حد ما قيل:
قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم
عن النساء ولو باتت بأطهار
وإن الذين يولعون بمجالسة النساء والعكوف بينهن هم الفارغون البطالون الذين ليسوا في عمل دنيا ولا دين ، وكذا الذواقون الذين يتنقلون في اللذات بين المشتهيات ، فلا يشبع نهمة أحدهم شيء ، حتى قيل إنه لو كان مع رجل جميع نساء أهل العراق فقدمت إمرأة من الشام وذكر له جمالها لتمنى أن تكون زوجة له مضافة إلى نساء أهل العراق وقد قيل:
لا يشبع النفس شيء حين تحرزه
ولا يزال لها في غيره وطر
ولا تزال وإن كانت بها سعة
لها إلى الشيء لم تظفر به نظر
لكن من قرّ عيناً بعيشه نفعه ، ومن جمع الضرات يطلب لذة فقد بات في الأضرار غير سديد .
لهذا رأينا شعراء العرب كإمريء القيس وزهير وعمرو بن ربيعة وكثير عزة رأيناهم يكثرون(89/20)
المديح والمبالغة في أوصاف النساء وذكر محسانهن بدقة الأوصاف الجميلة ، خصوصاً عندما يريد تقديم قصيدة على فاضل ، كما قدم زهير قصيدته في معشوقته سعاد ، لأن عندهم متى جاد المدح في المليح فالنسب مقدم . فبالغوا في الغوص على الأوصاف الشائعة المشتملة على الصدق والكذب ، حتى قيل أعذبه أكذبه ، كله من أجل غلبة الفراغ عليهم وكثرة اختلاطهم بالنساء في البادية زمن الجاهلية .
غير أن عشقهم يتصور على ألستنهم ، وإلا فمن المشهور إتصافهم بالعفاف والحصانة كما في قصة بيعة النبي صلى الله عليه وسلم للنساء حينما قال: » لا تشركن بالله شيئاً ولا تسرقن ولا تزنين « فقالت هند أو تزني الحرة يا رسول الله ؟ استنكاراً لذلك لكون الزنا إنما يعرف في الإماء ولسنا بهذا ننكر شدة حاجة الرجل إلى المرأة الحاجة الضرورية من جهة الناحية الجنسية أو الاجتماعية ، لكن هذه الحاجة الضرورية لا ينبغي أن ترقى إلى درجة استحلال المحظورات من الزنا ونكاح المتعة لكونها من اللذات ونعيم الحياة يقول الله سبحانه: (زين للناس حب الشهوات من النساء) والمزين هو الله والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: » حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء « . وقد تكلمنا في بعض مذكراتنا على شدة حاجة الرجل إلى المرأة وحاجتها إليه عند قوله سبحانه: ( وهو الذي جعل لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها جعل بينكم مودة ورحمة) .
فقلنا إن المرأة سكن للزوج تجلب إليه الأنس والسرور والغبطة والحبور وتقاسمه الهموم والغموم ، ويكون بجودها بمثابة الملك المخدوم والسيد المحشوم فمسكين رجل بلا إمرأة ، والعزاب هو أراذل الأحياء وشرار الأموات ، فمتى تعاملا بينهما بالمودة والرحمة فإنها السعادة الزوجية في الحياة ، كما أن الزوج كرامة للمرأة يرفع مستوى ضعفها وينشر جناح وحدتها ويسعى عليها بكل ما تشتهي من الحاجات والنفقات ، ويجعلها سيدة بيت وسعيدة عشيرة وأم بنين وبنات ، ولا توجد هذه الميزات في(89/21)
المنكوحة بالمتعة لأنها ليست بزوجة .
ولما جاءت إمرأة إلى عمربن الخطاب تجادله في خصومة لها أنشدها:
إن النساء شياطين خلقن لنا
نعوذ بالله من شر الشياطين
فقالت ليس كذلك ولكن قال الشاعر:
إن النساء رياحين خلقن لكم
وكلكم يشتهي شم الرياحين
ثم رأينا صاحب المقالة يحتج بما زعم بأنه قول العلامة ابن القيم في زاد المعاد وهو كذب منه فإن العلامة يجزم بتحريمها .
لكنه في بحثه في فتح مكة طرق موضوع تحريم متعة النساء ، فقال من العلماء من قال إنها حرمت يوم خيبر وعليه تدل أحاديث علي في البخاري .
ومنهم من قال إنما حرمت عام فتح مكة ، ورجح هذا القول لما روى مسلم عن سلمة بن الأكوع أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نهى عن متعة النساء عام أوطاس أي يوم حنين وهو عام فتح مكة .
ثم طرق موضوع الخلاف وهل تحريمها كتحريم الميتة ولحم الخنزير أو هو تحريم مؤبد في الحضر والسفر ، وهذا هو الصحيح لحديث ربيع بن سبرة عن أبيه أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: » إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة « ثم قال العلامة ابن القيم إن رسول الله رخص فيها أي في ذلك الزمان للضرورة والحاجة في الغزو فمن رخص فيها في الحضر مع كثرة النساء وإمكان النكاح الشرعي المعتاد فقد إعتدى والله لا يحب المتعدين . إنتهى .
وبه يعلم أن النصوص الصحيحة الصريحة ترد على من ادعى أن بدء تحريم متعة النساء وقع من عمر اجتهاداً منه واستجاب الصحابة له من أجل هيبته ، وهذا كله من الكذب على الله ورسوله وعلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
ولم نر لهذا القول سنداً صحيحاً ولا حسناً بل هو من نوع الكذب المفترى على عمر لكون الشيعة يبغضون عمر أشد البغض ، ولهذا شددوا في الإنكار على من يقول بتحريم المتعة مع ظواهر النصوص الصريحة المؤيدة للتحريم مع الإجماع العام ولا عبرة بشذوذ المخالفين .
أما نهي عمر عن التمتع في الحج(89/22)
فإن له أصلاً من الصحة في الصحاح وهو رأي رآه. والرأي يخطيء ويصيب ، وليس الصحابي بمعصوم فقد رأي أن يفرد الحج بسفرة ويفرد العمرة بسفرة ، فخالفه الصحابة على ذلك وأن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ تمتع بالعمرة إلى الحج في حجة الوداع ولم ينسخها شيء وبقي العمل بها إلى الآن ، وصفة التمتع أن يحرم بالعمرة متمتعاً بها إلى الحج . فإذا طاف طواف العمرة وسعى سعي العمرة قصّر من شعره ، ثم يلبس ثيابه ويتمتع بما هو مباح له من الطيب والنساء وغير ذلك من المحظورات كحالته قبل الإحرام وإذا كان يوم الثامن يحرم بالحج ، فهذه هي التي قال فيها ابن عباس حين نهى عمر عن التمتع فقال يوشك أن ينزل عليكم حجارة من السماء . أقول: قال رسول الله وتقولون قال أبوبكر وعمر. أما القول بالنهي عن متعة النساء فإنما ذكره على فرض صحته إبلاغاً للسنة واشتهاراً لها ليبلغ الشاهد الغائب .
ومن الكذب أيضاً ما نسبوه إلى علي من قوله: » لو لا نهي عمر عن المتعة ما زنى إلا شقي « فهذا مما لا صحة له وينزه الإمام علي عنه ، فقد ثبت عنه في الصحيحين من طريقين أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نهى عن متعة النساء عام خيبر وعن سلمة بن الأكوع: » قال رخص رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عام أوطاس في المتعة ثلاثة أيام ثم نهى عنها « رواه مسلم . وعن علي رضي الله عنه قال: » نهى رسول الله عن المتعة عام خيبر « متفق عليه . وعنه رضي الله عنه » أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ نهى عن متعة النساء وعن الحمر الأهلية يوم خيبر « رواه البخاري ومسلم والنسائي والترمذي وابن ماجه والإمام أحمد وابن حبان. وعن ربيع بن سبرة عن أبيه أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: » إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة فمن كان عنده منهم شيء فليخل سبيلها ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً « . رواه مسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه(89/23)
والإمام أحمد وابن حبان في صحيحه . قال أبو محمد بن حزم في المحلى ، الجزء الحادي عشر: ولا يجوز نكاح المتعة وهو النكاح إلى أجل ، وكان حلالاً على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم نسخها الله تعالى على لسان رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ نسخاً باتاً إلى يوم القيامة.
ثم قال بعد ذكره للخلاف بين الصحابة في بداية تحريمها فقال ونقتصر من الحجة في تحريمها على خبر ثابت وهو ما رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه قال: خرجنا مع رسول الله e فذكر الحديث وفيه فقال: سمعت رسول الله e على المنبر يخطب ويقول من كان تزوج إمرأة إلى أجل فليعطها ما سمى لها ولا يسترجع مما أعطاها شيئاً ويفارقها فإن الله قد حرمها عليكم إلى يوم القيامة . قال أبو محمد: ما حرم إلى يوم القيامة فقد أمنا نسخه .
فهذه النصوص الصحيحة الصريحة تكذب ما نسبوه إلى علي من قوله » لولا نهي عمر عن المتعة ما زنى إلا شقي « .
وإن من حكمة الله في شرعه وخلقه أنه لا يسد عن النفوس باب ممنوعها إلا ويفتح لها باب مشروعها ، لأن من ترك شيئاً لله عوضه الله ما هو خير منه ومن يتق الله يجعل اله مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ، ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً .
لهذا حث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على النكاح الشرعي لكونه من أسباب الغنى لقوله سبحانه: (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله ) فكم فقير عاد بعد الزواج غنياً .
وكذلك حث النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ أمته على فتح أبوابه وتسهيل طرقه وأسبابه فقال: » يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج « ، ولم يقل ومن لم يستطع فعليه بنكاح المتعة .
وقال: » خير الصداق أيسره « وخير النكاح أقله كلفة وقد أجاز نكاح إمرأة بنعلين وبوزن نواة من ذهب وبخاتم من حديد(89/24)
وبتعليم سورة أو سورتين من القرآن ، وكذلك التخفيف من مؤونة وليمة العرس وغيرها فقال: » أولم ولو بشاة « وقد أولم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على بعض نسائه بمدين من شعير ، ولم يتزوج أحداً من نسائه ولا زوج أحداً من بناته بأكثر من خمسمائة درهم ، وقد قدر يقل عن مائة ريال ، فلا يزني مع هذه التسهيلات إلا شقي ، ولا يكلف الخاطب الزيادة في الصداق إلا بخيل .
ثم إن الشيعة يستدلون على رأيهم بما هو معلوم البطلان لتضليل العوام وضعفة العقول والأفهام ، فهم يوردون لتأييد رأيهم ما دب ودرج من الأحاديث الموضوعة والأخبار المنكرة المكذوبة ، ومن ذلك قولهم: » قلت لأبي جعفر رضي الله عنه للتمتع ثواب؟ قال إن كان يريد بذلك وجه الله تعالى، وخلافاً على من أنكرها ، لم يكلمها كلمة إلا كتب الله له بها جنة ولم يمد يده إليها إلا كتب الله حسنة ، فإذا دنا منها غفر الله له بذلك ذنباً ، فإذا اغتسل غفر الله له بقدر ما مر من الماء على شعره قلت بعدد الشعر ؟ قال بعدد الشعر « .
وقولهم عن النبي e قال: » إني لما أسرى بي إلى السماء لحقني جبريل عليه السلام فقال: يا محمد إن الله تبارك وتعالى يقول: إني غفرت للمتمتعين من أمتك من النساء « .
من ذلك أبو زهرة في كتابه موسوعة الفقه الإسلامي المجلة الأول ص 3. قال بعد ذكره لأقوال القائلين بإباحة المتعة : وهي مذهبهم واعتقادهم وعليها جمهورهم ، لكن يوجد في أعقاب هذه الأقوال من ينكر متعة النساء من علماء الشيعة وينهي عنها أشد النهي .
من ذلك أن تحريم المتعة نقل صحيحاً عن الإمامين أبي جعفر محمد بن الباقر وأبي عبدالله جعفر الصادق وهما إمامان من أئمة الإمامية : فقد رووا أن بساما الصيرفي سأل أبا عبدالله جفعر الصادق عن المتعة ووصفها له فقال رضي الله عنه: ذلك هو الزنى وإنها من المخادنة التي نهى الله تعالى عنها في كثير من آيات القرآن مثل قوله: ( محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان) وقوله(89/25)
تعالى: (محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان) . ولقد جاء في الكافي عن الحسن بن يحيى بن زيد فقيه العراق أنه قال: اجمع آل رسول الله على كراهية المتعة والنهي عنها . والكراهية مع النهي تقتضي التحريم .
ورأس الأئمة بالإجماع عندهم هو علي كرم الله وجهه قد نهى عن المتعة نهياً مؤكداً فقد قال رضي الله عنه : » لا أوتى بمستمتعين إلا رجمتهما « .
وقد نقل الكافي وهو أحد المصادر الأربعة لفقههم النهي عنها . وقد وجدنا في كتب الزيدية عن أئمة آل البيت عامة وعن الإمام جعفر الصادق خاصة ما يثبت أنه يرى المتعة من الزنا، كما نسب هذا القائل القول بإباحة المتعة إلى البخاري ومسلم وعن ابن القيم في زاد المعاد وعن ابن كثير في النهاية وغيرها من الكتب ، فيوهم الناس أن هؤلاء يقولون بإباحتها إلى يوم القيامة وهو كذب صريح عليهم فإنهم مجمعون كغيرهم على تحريمها إلى يوم القيامة .
والحاصل: أن المتعة ليست إلا من قبيل إتخاذ الأخدان الذي هو معروف من عادات الجاهلية وسكت عنه النبي e في أول الإسلام عفواً حتى يجيء الوقت المعين لإعلان التحريم ـ وقد حان وقت تحريمه زمن خيبر أي عام ستة من الهجرة .. وقيل عام الفتح ـ وإنه بلا ريب لا تتفق المتعة مع مقاصد الإسلام من العلاقة بين الرجل والمرأة التي أحلها الله سبحانه وتعالى بكلمته و لا يمكن أن يحل الله تعالى بكلمته إتخاذ الأخدان .
ثم إن هذا القرآن الكريم النازل على محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم لا يغادر صغيرة ولا كبيرة مما يحتاج إليه الناس إلا جاء بما يقطع النزاع ويعيد الخلاف إلى مواقع الإجماع في شأن هذه القضية وغيرها .
فقد حكى القرآن الكريم عن الرجل المعدم الفقير الذي يشتهي النساء بشدة ولا يستطيع صداق المحصنات الحراير فماذا يصنع ؟ أيحل له أن يستأجر امرأة بأجرة زهيدة إلى أجل مسمى ليتمتع بها أم لا ؟ وهي عين القضية التي نحن بصددها قال سبحانه: (ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح(89/26)
المحصنات المؤمنات فما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بأيمانكم بعضكم من بعض فأنكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان) .
ولم يقل ومن لم يستطع منكم طولاً أي صداقاً ، والطول هو الغني بالصداق ، فليتمتع بإمرأة بأجر معلوم إلى أجل مسمى " وما كان ربك نسيا " فلو كان حلالاً لما سكت عنه القرآن. ولو كانت المتعة تباح بحال لأبيحت لهذا المضطر الذي لم يجد صداقاً للمحصنات ، ولكون المقام مقام ضرورة والمقال جرى على حالة المخرج من هذه الضرورة ، فأباح الله له أن ينكح الجارية المملوكة مع علمه باسترقاق أولاده فيها تبعاً لأمهم ، أما إذا كان غنياً يجد صداق الحرة المحصنة فإنه لا يجوز له أن ينكح أمة مملوكة لكونه يذل نفسه بإسترقاق أولاده إلا إذا كانت ملكاً له، وقد نزلت هذه الآية في زمان كان الأرقاء فيه كثيرين ، فنكاح الأمة في مثل حالة هذا المقل هو نكاح شرعي يترتب عليه لوازم النكاح الشرعي فحصرت هذه الآية النكاح في أربعة أمور ، منها: إثنان حلالان ، وإثنان حرامان ، فإن الحلال هو نكاح الرغبة الشرعي الدائم ، ومنه زواج الفقير بالمرأة المملوكة .
والثاني : النكاح بملك اليمين .
وأما النكاح الحرام فمنه نكاح المسافحات اللاتي يزني بهن كل أحد .
والثاني: المتخذات أخدان أي التي تزني مع خليل واحد لا يشاركه فيها أحد وقد جعل العلماء نكاح المتعة من قبيل المتخذات أخدان ، وهذه الآية تشبه قوله سبحانه : ( والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين) والمستأجرة يوماً أو أسبوعاً في سبيل نكاح المتعة لا تسمى زوجة لا لغة ولا عرفاً ، ولا ينطبق عليها أحكام الزوجة الشرعية من الولي والإشهاد والنفقة والطلاق والميراث .
ويدل لهذه الآية قول النبي e » يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ، ولم يستطع فعليه بالصوم(89/27)
فإن له وجاء « أي يكسر من حدة شهوته ، ولم يقل ومن لم يستطع فليتمتع بامرأة بأجر معلوم إلى أجل مسمى ، فلو كان جائزاً لوجب بيانه ولما ساغ كتمانه لكونه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه ، إذ الأمر بنكاح المتعة أيسر من الصوم الذي لا يطيقه أكثر الناس وخاصة الشباب ، مما يدل على عدم إباحة المتعة .
ومثله إباحة نكاح الفقير للأمة المملوكة ، فإن هذه الأمة لا توجد في كل زمان ومكان وخاصة في هذا الزمان الذي تم فيه إبطال الرق العام وصار الناس كلهم أحراراً .
ومما ينبغي أن يعلم أن الله سبحانه في كتابه وعلى لسان نبيه لا يحرم شيئاً من المحرمات كالربا والزنا وشرب الخمر ونكاح المتعة إلا ومضرته واضحة ومفسدته راجحة .
وأنه لو انفتح للشباب والشابات إباحة نكاح المتعة الذي هو سهل وميسر لكل أحد بحيث يستأجر المرأة بنقد يسير في زمن قصير كيوم أو أسبوع أو مرة واحدة على مذهبهم يتمتع بها فإنه يفضل هذا على الزواج وتحمل تبعته وتكاليفه .
فلو فتح لهم إباحة هذا لانصرفوا برغبتهم عن النكاح الشرعي ، وتؤثر المرأة أن تبقى خالية من الأزواج وبريئة من الحمل وأعباء مشقته وتكاليفه ، لكون المسافحة لا ترغب أن تحمل ولا رغبة لها في الزواج الشرعي الدائم لكونها مسحورة بالتنقل في اللذات ، وكذا الرجل يفضل التنقل من واحدة إلى أخرى ، وبذلك يقل النسل أو ينقطع وقد لعن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذواقين من الرجال والذواقات من النساء ، ويوجد في هذا من المضار وما يوجد في السفاح من قلة النسل واختلاط الأنساب والعداوة بين الأغيار .
ولهذا رأينا من عرفنا من الشيعة أنهم أبعد الناس عن هذا العمل وأشدهم بغضاً له فلا نسمع بغني ولا فقير ولا شريف ولا حقير أنه أجر ابنته أو موليته رجلاً يتمتع بنكاحها أسبوعاً أو شهراً بأجرة معلومة ، فهم يترفعون بشرفهم واحترام محارمهم عن السقوط في هذه المهانة حتى كانت جريمة الزنا نادرة الوجود فيما(89/28)
بينهم ولهذا ختم الله هذه الآية : (يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم . والله يريد أ، يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً ) . والله أعلم .(89/29)
بسم الله الرحمن الرحيم
بيان موقف شيخ الإسلام الإمام الأكبر
محمد الطاهر ابن عاشور التونسي
من الشيعة
من خلال تفسيره (التحرير والتنوير)
بقلم:
الأستاذ/ خالد بن أحمد الشامي
الطبعة الأولى
(1425هـ - 2005م)
بسم الله الرحمن الرحيم
صورة الإمام الأكبر الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور
(1287- 1393هـ) = (1879- 1973م)
العلامة الشيخ/ محمد الطاهر ابن عاشور
محمد الطاهر ابن عاشور بين طلابه
الإهداء
إلى كل قلب في تونس الحبيبة..
دخله حب لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.
إلى كل عقل فيها..
أحبَّ العلم وأخذه من منبعه الصافي كتاب الله وصحيح سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
إلى العلماء فيها والمفكرين، إلى الدعاة والمصلحين...
أهدي هذا الجهد المتواضع..
نواة لمشروع أكبر في بيان موقف علمائنا السادة المالكية
من الشيعة أهل البدعة والضلال.
المؤلف
في غرة ربيع الآخر (1425هـ)
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه أجمعين...
وبعد:(90/1)
فإن بلاد إفريقية وتونس عرفت السنة والنور النبوي الرباني مع بداية الفتح الإسلامي الأول، لكنها بعد رَدْح من الزمن غالبتها البدعة وتكدر نورها وسنا العلم فيها على أيدي الملاحدة الزنادقة في دولة بني عُبيد الشيعية، حيث حملوا الناس على التشيع وسب الصحابة، والابتداع في الدين؛ فتصدى لهم العلماء النطاسيون، وأكابر أهل العلم الربانيين في هاتيك البلاد وما حولها.. فأصدروا الفتاوى والبيانات على كفر بني عُبيد وردتهم عن الدين، وأنه لا ولاية لهم، فتحمّل العلماء عبْء هذا، فقُتل الكثير، وشُرد الجمّ الغفير، ولكن الله يعز دينه ويعلي كلمته في كل زمان ومكان؛ فبادت دولة العبيديين وزالت، وتمكن أهل العلم من البلاد والعباد: ((كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ)) [الرعد:17].
ولا يسعني هنا أن أسرد الوقائع والحوادث التاريخية، فدونك -أيها القارئ- كتب التاريخ المشهورة، كتاريخ ابن خلدون التونسي، وتاريخ الطبري، والكامل لابن الأثير، والبداية والنهاية لابن كثير، فقد أحلتك على مليء!
ولِتَقِف على حوادث أهل العلم والفقهاء مع الدولة العبيدية الرافضية وما حصل لهم بسببها، عليك بكتاب المحن لعالم تونس في زمانه أبي العرب محمد بن أحمد التميمي المتوفى بالقيروان عام (333هـ)، وكتاب ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك؛ للقاضي عياض بن موسى اليحصبي المتوفى سنة (544هـ).
وما زال العلماء رحمهم الله يتحملون الدفاع عن كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وشريعة الإسلام، شاهرين سيوف الحق السُّنية في وجه أهل الباطل والبدعة، مُجْلين الحق والصواب، مبينين سبيل أهل الغي والضلال الذين حادوا عن منهج الحق والصدق والعدل والإنصاف.(90/2)
والله سبحانه يقول: ((وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً)) [النساء:115].
وكان من هؤلاء الأعلام العلماء: شيخ الإسلام ومفتي تونس الأكبر؛ العلامة المحقق المدقق؛ الإمام محمد الطاهر ابن عاشور رحمه الله الذي عُرف بتفسيره الكبير «التحرير والتنوير» الذي اخترنا أن تكون مادة كتابنا هذا منه، وهو:
«بيان موقف شيخ الإسلام الإمام الأكبر محمد الطاهر ابن عاشور من الشيعة من خلال تفسيره (التحرير والتنوير)» وقد اعتمدت في النقل منه على طبعة دار سحنون للنشر والتوزيع - تونس.
إلا أنني قدمت البحث بمقدمة مطولة -لابد منها- في بيان التعريف بالشيعة وموقفهم من أهل السنة، واعتقادهم وأقوالهم في أئمة أهل السنة أصحاب المذاهب الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل رحمهم الله.
ثم ذكرت بعض معتقداتهم الأخرى، ونقلت بعض أقوال علماء السادة المالكية في الشيعة.. ليستبين الحق، وماذا بعد الحق إلا الضلال؟!
والحمد لله الذي هدانا للإسلام الحق، وجنّبنا طريق الذين اتبعوا أهواءهم، ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، واتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرًا عن سواء السبيل.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
خالد بن أحمد الشامي
al_shamya@gawab.com
ترجمة حياته رحمه الله
شيخ الإسلام: محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر ابن عاشور التونسي، رئيس المفتين بتونس، وشيخ جامع الزيتونة وفروعه.
آل عاشور:(90/3)
أصل هذه الشجرة الزكية الأول هو محمد ابن عاشور، وُلد بمدينة سلا من المغرب الأقصى بعد خروج والده من الأندلس فارًّا بدينه من القهر والتنصير، توفي سنة (1110هـ) وقد سطع نجم آخر وهو الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور وهو جد مترجمنا، والذي وُلد سنة (1230هـ) وقد تقلد مناصب هامة كالقضاء والإفتاء والتدريس، والإشراف على الأوقاف الخيرية، والنظارة على بيت المال، والعضوية بمجلس الشورى.
ومن أشهر تلاميذه الشيخ محمد العزيز بوعتور، والشيخ يوسف جعيط، والشيخ أحمد ابن الخوجة، والشيخ سالم بوحاجب، والشيخ محمود ابن الخوجة، والشيخ محمد بيرم، ومن سلالة آل عاشور والد شيخنا الشيخ محمد ابن عاشور، وقد تولى رئاسة مجلس إدارة جمعية الأوقاف، ثم خلفه عليها أبو النخبة المثقفة محمد البشير صفر حيث عينته الدولة نائبًا عنها في تلك المؤسسة، وقد تدعمت الصلة وتمتنت بين الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور الجد وتلميذه محمد العزيز بوعتور الوزير، نتج عنها زيجة شرعية لابنة الثاني -محمد العزيز بوعتور- على ابن الأول -الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور الجد- وهكذا تمت أواصر هذه العائلة بالعائلات التونسية(1)، وأخذت مكانها وارتبطت صلاتها فكانت شجرة طيبة زيتونة لا شرقية ولا غربية أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.
مولده ونشأته (1879-1973م):
بشّرت هذه العائلة الشريفة بولادة الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور بالمرسي ضاحية من ضواحي العاصمة التونسية في جمادى الأولى سنة (1296هـ) الموافق لشهر سبتمبر (1879م)(2).
__________
(1) الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور رائد الفكر الإسلامي، بقلم الكاتب: المهدي بن حميدة (بتصرف).
(2) نقلاً عن نشرية الكلمة الطيبة (السنة:1) (العدد:12) محرم (1417هـ)، جاء فيها: الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور أصيل قرية بني خيار المشهورة بكثرة حفاظ القرآن وجودة حفظهم.(90/4)
نشأ الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور في بيئة علمية لجده للأب قاضي قضاة الحاضرة التونسية، وجده للأم الشيخ محمد العزيز بوعتور، ففي مثل هذا الوسط العلمي والسياسي والإصلاحي شبّ مترجمنا فحفظ القرآن الكريم حفظًا متقنًا منذ صغر سنه، وحفظ المتون العلمية كسائر أبناء عصره من التلاميذ، ثم تعلم ما تيسر له من اللغة الفرنسية(1).
ارتحل إلى المشرق العربي وأوروبا، وشارك في عدة ملتقيات إسلامية، كان عضوًا مراسلًا لمجمع اللغة العربية بالقاهرة سنة (1956م)، وبالمجمع العلمي العربي بدمشق سنة (1955م).
اشتهر بالصبر والاعتزاز بالنفس والصمود أمام الكوارث، والترفع عن الدنيا، حاول أقصى جهده إنقاذ التعليم الزيتوني وتصدى له بمعارفه ويقينه، ولكن أيدي الأعادي تسلطت على هذه المنارة العلمية فألغتها سنة (1961م)، فتولى العلم بتونس وانزوى حتى توفي عام (1973م) ودفن بمقبرة الزلاج بمدينة تونس فرحمه الله تعالى(2).
مسيرته الدراسية والعلمية:
التحق الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور بجامع الزيتونة في سنة (1303هـ-1886م) وثابر على تعليمه به حتى أحرز شهادة التطويع سنة (1317هـ-1899م) وسمي عدلًا مبرزًا، وابتداءً من سنة (1900م) إلى سنة (1932م) أقبل على التدريس بجامع الزيتونة والمدرسة الصادقية كمدرس من الدرجة الثانية، فمدرسًا من الدرجة الأولى سنة (1905م)، ثم عضوًا مؤسسًا للجنة إصلاح التعليم بجامع الزيتونة سنة (1910م).
__________
(1) الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور رائد الفكر الإسلامي.
(2) نقلاً عن نشرية الكلمة الطيبة، السنة الأولى (العدد:12)، محرم (1417هـ).(90/5)
التحق الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور بالقضاء سنة (1911م) فكان عضوًا بالمحكمة العقارية وقاضيًا مالكيًا، ثم مفتيًا مالكيًا سنة (1923م) فكبير المفتين سنة (1924م) فشيخ الإسلام للمذهب المالكي سنة (1932م)، وقد باشر رحمه الله كل هذه المهام بمهارة ودقة علمية نادرة، وبنزاهة وحسن نظر، فكان حجة ومرجعًا فيما يقضي به، سمي شيخ جامع الزيتونة وفروعه لأول مرة في سبتمبر (1932م) بعد أن اشترك في إدارة الكلية الزيتونية، ولكنه استقال من مشيخة جامع الزيتونة بعد (سبتمبر:1933م).
ثم سمي من جديد شيخًا لجامع الزيتونة في سنة (1945م)، وفي سنة (1956م) شيخًا عميدًا للكلية الزيتونية للشريعة وأصول الدين حتى سنة (1960م) حيث أحيل إلى الراحة بسبب موقفه تجاه الحملة التي شنها بورقيبة يومئذ ضد فريضة الصيام في رمضان(1).
كان مقبلًا على الكتابة والتحقيق والتأليف، فقد شارك في إنشاء مجلة السعادة العظمى سنة (1952م)، وهي أول مجلة تونسية مع صديقه العلامة الشيخ محمد الخضر حسين رحمه الله، ونشر بحوثًا عديدة خصوصًا في المجلة الزيتونية ومجلات شرقية مثل هدى الإسلام، والمنار، والهداية الإسلامية، ونور الإسلام، ومجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة، كما نشرت له مجلة المجمع العلمي بدمشق.
شارك في الموسوعة الفقهية التي تشرف عليها وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالكويت بمبحث قيم(2).
شيوخه:
__________
(1) جامع الزيتونة المَعْلم ورجاله - محمد العزيز ابن عاشور (ص:125).
(2) نقلاً عن نشرية الكلمة الطيبة، السنة الأولى (العدد:12)، محرم (1417هـ).(90/6)
اكتسب الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور ثقافة واسعة شملت التفسير، والحديث، والقراءات، ومصطلح الحديث، والبيان، واللغة، والتاريخ، والمنطق، وعلم العروض، وأعمل فكره فيما حصله وتوسع في ذلك وحلله، فقد تخرج على أيدي ثلّة من علماء عصره امتازوا بثقافة موسوعية في علوم الدين وقواعد اللغة العربية وبلاغتها وبيانها وبديعها، إلى جانب قدرة على التبليغ، ومعرفة بطرق التدريس، والتركيز على تربية الملكات في العلوم، ومن أشهرهم الشيخ محمد النجار، والشيخ سالم بوحاجب، والشيخ محمد النخلي، والشيخ محمد بن يوسف، والشيخ عمر ابن عاشور، والشيخ صالح الشريف رحمهم الله تعالى جميعًا.
وإذا تصفحنا حياة هؤلاء الأعلام وجدناها حياة علمية زاخرة حافلة بجلائل الأعمال، قد أعطوا الحياة التونسية عطاء جزيلًا في الدين والاجتماع والأدب والسياسة، وهؤلاء النبغاء وإن لم يتركوا مؤلفات ضخمة إلا أنهم تركوا تلاميذ شهدوا لهم بطول الباع في نقد الآثار والمناهج وتتبع الهنات اللغوية، وقد كان الشيخ بوحاجب بارعًا ماهرًا في علوم اللغة والنحو والبلاغة والأدب، والأستاذ عمر بن الشيخ ماهرًا في الفقه والمنطق والكلام والفلسفة، والشيخ محمد النجار كان جامعًا لشتى العلوم التي تدرس بجامع الزيتونة(1).
__________
(1) الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور رائد الفكر الإسلامي.(90/7)
وهؤلاء العلماء الذين تتلمذ عليهم الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور كانوا ثمرة لمصلحين أسهموا في الحياة التونسية إسهامًا جليلًا على شتى المستويات الأدبية والاجتماعية، أمثال الشيخ إبراهيم الرياحي، وإسماعيل التميمي، والوزير خير الدين باشا صاحب أقوم المسالك، والشيخ محمود قبادو، ولقد كان هؤلاء العلماء زعماء المدرسة الإصلاحية التونسية، وكانت فرعًا مهمًا للمدارس الإصلاحية التي نشرت في العالم الإسلامي؛ كالمدرسة الدهلوية، ومدرسة المصلح: محمد ابن عبدالوهاب النجدي، وهذه المدرسة إلى جانب المدرسة المغربية تتفق مع مدارس العالم الإسلامي في الأسس والمبادئ، وتختلف عنها في الأساليب والطرائق، بَيْدَ أنها تلتقي جميعًا حول هدف موحد؛ هو مقاومة التخلف المزري الذي تردى فيه المسلمون من بُعْدٍ عن التوحيد وانغماس في الشرك، بالرغم من أن دينهم دين الفكر والحضارة والعلم والمدنية(1).
إصلاحاته ورؤيته للإصلاح:
__________
(1) الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور رائد الفكر الإسلامي.(90/8)
بدأ الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور بمساعدة ثلّة من الأنصار الأوفياء في تخطيط مراحل الإصلاح، وتطبيق النُّظم التي يراها كفيلة بتحقيق الهدف الذي يصبو إليه؛ للخروج بهذا المعهد العظيم من كبوته(1)، بعد أن تكلم عن أساليب التعليم الزيتوني ومناهجه بلسان النقد في كتابه «أليس الصبح بقريب» الذي ألفه سنة (1907م-1321هـ) والذي ضمنه رؤيته للإصلاح، وحدد فيه أسباب تخلف العلوم مصنِّفًا كل علم على حدة، واعتبر أن إصلاح حال الأمة لا يكون إلا بإصلاح مناهج التعليم والقيام على هذا الجانب، وقد كتب كتابه هذا وعمره لم يتجاوز خمسًا وعشرين سنة، مما يدل على أن هذا الشيخ الجليل كرّس حياته للنهوض بالجامع الأعظم، وبالتالي على مكمن الداء في تخلف الأمة، ولئن أحس الشيخ بجسامة المهمة والبون الشاسع بين واقع المسلمين وما وصلت إليه الأمم الغربية من امتلاك أسباب النهضة والرقي، إلا أنه لم يدّخر جهدًا ولم يثنِ عزمًا في السير في هذا الطريق المليء بالأشواك.
لقد شملت عناية الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور إصلاح الكتب الدراسية وأساليب التدريس ومعاهد التعليم، وقد اهتمت لجان من شيوخ الزيتونة بتشجيعٍ منه بهذا الغرض، ونظرت في الكتب الدراسية على مختلف مستوياتها، وعمل الشيخ على استبدال كتب كثيرة كانت منذ عصور ماضية تدرّس، وصبغ عليها قدم الزمان صبغة احترام وقداسة موهومة.
__________
(1) جامع الزيتونة المَعْلم ورجاله - محمد العزيز ابن عاشور (ص:121).(90/9)
لقد حرص الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور على خاصتي التعليم الزيتوني: الصبغة الشرعية واللغة العربية، وللوصول إلى هذا الهدف لابد من تخصيص كتب دراسية شهد لها العلماء بغزارة العلم وإحكام الصنعة وتنمية الملكات في التحرير؛ ليتخرج من الزيتونة العالم المقتدر على الخوض فيما درس من المسائل وتمحيصها ونقدها، ولتحقيق هذه الأهداف دعا الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور المدرسين إلى التقليل من الإلقاء والإكثار من الأشغال التطبيقية، حتى تتربى للطالب ملكة بها يستقل في الفهم، ويعول على نفسه في تحصيل ثقافته العامة والخاصة، وقد حث المدرسين على نقد الأساليب والمناهج الدراسية، واختيار أحسنها أثناء الدرس، ومراعاة تربية الملكة بدلًا من شحن العقل بمعلومات كثيرة قد لا يحسن الطالب التصرف فيها، فكانت دعوته للإصلاح ذات بُعْدَي التنظير والتطبيق الميداني.
تطور العلوم:
يقول الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور في كتابه «أليس الصبح بقريب» -إيذانًا منه بقرب النصر واستعادة الأمة مجدها، وتخلصها من المستعمر الفرنسي الذي باغتها في عقر دارها-: «رأيت الذي يطمع في البحث عن موجبات تدني العلوم يرمي بنفسه إلى متسع ربما لا يجد منه مخرجًا في أمد غير طويل، وأيقنت أن لأسباب تأخر المسلمين عمومًا رابطةً وثيقةً بأسباب تأخر العلوم»(1).
أحس الشيخ ابن عاشور بقيمة العلم في سبيل نهوض الأمة، وحاول من خلال كتابه المذكور أن يقدم بديلًا لما ساد في أوساط الجامع المعمور من مناهج لتدريس الطلبة العلوم الشرعية التي توارثها الأجيال أبًا عن جد دون نظر وإعمال للرأي، ومكنت الغرب بالتالي من إحكام سيطرته على العالم الإسلامي -والقطر التونسي جزء منه-.
وقبل أن يسرد سببين رئيسين لتأخر العلوم ويزيد عليهما خمسة عشر سببًا فرعيًا؛ قدم نظرته إلى العلوم ورسم منهجه في التعامل مع العلم وأطواره، فقسم العلوم قسمين من جهة ثمرتها:
__________
(1) أليس الصبح بقريب (ص:175).(90/10)
القسم الأول: ما تنشأ عنه ثمرة هي من نوع موضوعات مسائله، كعلم النحو، فثمرته تجتنى منه، وهي ثمرة لفظية محضة.
القسم الثاني: ما يبحث عن أشياء لا لذاتها بل لاستنتاج نتائج عنها، مثل: علم التاريخ والفلسفة والهندسة النظرية وأصول الفقه وغيرها، فبالتاريخ يستعين مزاوله على عَقْل التجارب وتجنب مضار الحضارات والأخطاء التي وقعت فيها الأمم السابقة، والفلسفة تنير العقل وتدربه على فتح أبواب الحقائق، وهذه الأشياء لا تُقرأ في الفلسفة وإنما يتعودها الذهن ضمن ممارساته، ومثل ذلك: علم البلاغة وجميع العلوم البرهانية النظرية، وأصول الفقه في فلسفة الاستنباط.
يضيف في كتابه «أليس الصبح بقريب» ليقول كلمته الحاسمة في التعامل مع العلوم بمنطق النقد والتطوير دون الخروج عن أدب الالتزام بمناهج القدماء من سلف الأمة، فيقول: «وإن أطوار العلوم في الأمة تشبه أطوارها في الأفراد؛ ذلك أن العلم في الأمة كما هو في الفرد له أربعة أطوار:
1- طور الحفظ والتقليد والقبول للمسائل كما هي؛ من غير انتساب بعضها من بعض، ولا تفكر في غايتها، بل لقصد العمل.
2- طور انتساب بعضها من بعض وتنويعها والانتفاع ببعضها في بعض.
3- طور البحث في عللها وأسرارها وغاياتها.
4- الحكم عليها باعتبار تلك العلل بالتصحيح والنقد، وهو طور التضلع والتحرير».
المسيرة النضالية:(90/11)
عُزّز موقف الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور بتسميته شيخًا للإسلام المالكي سنة (1932م)، ثم بتكليفه في شهر سبتمبر من نفس السنة (1932م) بمهام شيخ مدير الجامع الأعظم وفروعه، فتيسر له الشروع في تطبيق آرائه الإصلاحية التي كانت شغله الشاغل(1) إلا أن الدسائس والمؤامرات التي كانت تحاك ضده من طرف معارضيه «الزيتونيين» من المتحفظين على خطواته الإصلاحية من جهة، والذين شعروا بنفوذه وقبوله من كل المحيطين به(2) من جهة ثانية، جعلته يقدِّم استقالته في سبتمبر السنة الموالية (1933م)، وفي سنة (1364هـ-1945م) عيّن مرة ثانية شيخًا للجامع الأعظم وفروعه، وقوبلت عودة الشيخ بحماس فياض من طرف الأوساط الزيتونية والرأي التونسي بصفة عامة، واهتز المعهد الزيتوني وفروعه سرورًا، فانتظمت عدة تظاهرات تكريمًا وارتياحًا لعودة الشيخ بالعاصمة، ومنها الاستقبال الحار الذي خصته به فروع سوسة والقيروان وصفاقس بمناسبة الزيارة التفقدية التي قام بها الشيخ ابن عاشور في ماي (1945م) فور تسميته من جديد على رأس إدارة التعليم الزيتوني، فانطلقت ألسنة الأدباء والشعراء بالقصائد الحماسية والأناشيد(3).
واستأنف الشيخ تطبيق برنامجه الإصلاحي، فجعل الفروع الزيتونية تحت مراقبة إدارة مشيخة الجامع رأسًا بعدما كانت ترجع شئونها بالنظر إلى السلطة الشرعية الجهوية.
__________
(1) نقلاً عن نشرية الكلمة الطيبة، السنة الأولى (العدد:12)، محرم (1417هـ).
(2) حاكوا له الدسائس بسبب مواقف اتهم باطلاً باتخاذها فيما يسمى بقضية التجنيس - انظر: المصدر السابق.
(3) أنشد تلاميذه أناشيد مؤثرة، منها ما أنشده صغار تلامذة فروع سوسة:
- أيها الطاهر أهلاً بابن عاشور وسهلاً- قد حللت الصفو حلا - وجرى دمع السرور.
- أنت للعين ضياء - في اهتداء وارتياء - يا وريث الأنبياء، أنت للمعمور نور (...).(90/12)
كما زاد الشيخ ابن عاشور في عدد الفروع الزيتونية التي ارتقت في مدة سبع سنوات (1949-1956م) من ثمانية إلى خمسة وعشرين -منها اثنان للفتيات في تونس وصفاقس- وصار عدد تلامذة الزيتونة وفروعها يناهز العشرين ألف تلميذ في حدود سنة: (1956م)(1).
كما امتدت شبكة فروع الزيتونة إلى القطر الجزائري بإنشاء فرعين في مدينة قسنطينة(2).
وحرص الشيخ ابن عاشور على أن يحسّن من أوضاع الطلبة المعيشية والاجتماعية، لما له من قيمة في رفع معنويات الطلبة الزيتونيين إزاء إخوانهم الميسرين، وأمام الضغوط من حولهم على القضاء على التعليم الزيتوني(3)، والحيرة التي كان عليها أغلب أبناء الزيتونة، والآفاق التي يمكن أن يرسموها لمستقبلهم.
وبعد اضطرابات وخلافات حول أمر التطوير، قررت السلطة إبعاد الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور عن مباشرة وظيفته مع إبقائه في خطته، وتكليف الشيخ علي النيفر بإدارة المشيخة، وفي سنة (1956م) عاد الشيخ ابن عاشور إلى مباشرة شئون التعليم الزيتوني بعنوان شيخ عميد للجامعة الزيتونية من سنة (1956) إلى (1960م).
كتاباته ومؤلفاته:
__________
(1) في هذه السنة حصلت تونس على استقلالها وأصبح بورقيبة والحزب الدستوري يباشرون الحكم، وقد أخاف هذا الأخير المد الزيتوني الذي أحدثه الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور.
(2) جامع الزيتونة المَعْلم ورجاله - محمد العزيز ابن عاشور (ص:123).
(3) المصدر السابق (ص:123).(90/13)
كان أول من حاضر بالعربية بتونس في هذا القرن، أما كتبه ومؤلفاته فقد وصلت إلى الأربعين، وهي غاية في الدقة العلمية، وتدل على تبحر الشيخ في شتى العلوم الشرعية والأدبية، ومن أجلّها كتابه في التفسير: «التحرير والتنوير» -موضوع بحثنا- وكتابه الثمين والفريد من نوعه: «في مقاصد الشريعة الإسلامية»، وكتابه «حاشية التنقيح للقرافي»، و«أصول العلم الاجتماعي في الإسلام»، و«الوقف وآثاره في الإسلام»، و«نقد علمي لكتاب أصول الحكم»، و«كشف المغطى في أحاديث الموطأ»، و«التوضيح والتصحيح في أصول الفقه»، و«موجز البلاغة»، و«كتاب الإنشاء والخطابة»، و«شرح ديوان بشار وديوان النابغة»...إلخ.
ولا تزال العديد من مؤلفات الشيخ مخطوطة منها: «مجموع الفتاوى»، وكتاب في السيرة، ورسائل فقهية كثيرة(1).
وقد قسمت مؤلفاته إلى قسمين، منها: مؤلفات في العلوم الإسلامية، وأخرى في العربية وآدابها(2):
العلوم الإسلامية:
1- التحرير والتنوير.
2- مقاصد الشريعة الإسلامية.
3- أصول النظام الاجتماعي في الإسلام.
4- أليس الصبح بقريب؟
5- الوقف وآثاره في الإسلام.
6- كشف المغطى من المعاني والألفاظ الواقعة في الموطأ.
7- قصة المولد.
8- حواشي على التنقيح لشهاب الدين القرافي في أصول الفقه.
9- رد على كتاب الإسلام وأصول الحكم تأليف علي عبد الرازق.
10- فتاوى ورسائل فقهية.
11- التوضيح والتصحيح في أصول الفقه.
12- النظر الفسيح عند مضايق الأنظار في الجامع الصحيح.
13- تعليق وتحقيق على شرح حديث أم زرع.
14- قضايا شرعية وأحكام فقهية وآراء اجتهادية ومسائل علمية.
15- آمال على مختصر خليل.
16- تعاليق على العلول وحاشية السياكوتي.
17- آمال على دلائل الإعجاز.
__________
(1) نقلاً عن نشرية الكلمة الطيبة، السنة الأولى (العدد:12)، محرم(1417هـ).
(2) نقلتها مجلة جوهر الإسلام عدد (3-4) السنة العاشرة (1978م) (في عدد خاص بالشيخ محمد الطاهر ابن عاشور).(90/14)
18- أصول التقدم في الإسلام.
19- مراجعات تتعلق بكتابي: معجز أحمد واللامع للعزيزي.
اللغة العربية وآدابها:
1- أصول الإنشاء والخطابة.
2- موجز البلاغة.
3- شرح قصيدة الأعشى.
4- تحقيق ديوان بشار.
5- الواضح في مشكلات المتنبي.
6- سرقات المتنبي.
7- شرح ديوان الحماسة لأبي تمام.
8- تحقيق فوائد العقيان للفتح ابن خاقان مع شرح ابن زاكور.
9- ديوان النابغة الذهبي.
10- تحقيق مقدمة في النحو لخلف الأحمر.
11- تراجم لبعض الأعلام.
12- تحقيق كتاب الاقتضاب للبطليوسي مع شرح كتاب أدب الكاتب.
13- جمع وشرح ديوان سحيم.
14- شرح معلقة امرئ القيس.
15- تحقيق لشرح القرشي على ديوان المتنبي.
16- غرائب الاستعمال.
17- تصحيح وتعليق على كتاب النتصار لجالينوس للحكيم ابن زهر.
وقد عدد الدكتور محمد الحبيب بن الخوجة المجلات العلمية التي أسهم فيها الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور، والتي نذكر منها:
- السعادة العظمى.
- المجلة الزيتونية.
ومن الصحف والمجلات الشرقية:
- هدى الإسلام.
- نور الإسلام.
- مصباح الشرق.
- مجلة المنار.
- مجلة الهداية الإسلامية.
- مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة.
- مجلة المجمع العلمي بدمشق.
وقد شغل مهمة عضو مراسل لمجمعي اللغة العربية بالقاهرة ودمشق منذ سنة (1955م).
* ... * ... *
مدخل وفيه
التعريف بفرقة الشيعة الإمامية الإثني عشرية(90/15)
هم فرقة ابتلي بهم المسلمون منذ مؤسسهم عبد الله بن سبأ، وهو يهودي من اليمن، أظهر الإسلام ونقل ما وجده في الفكر اليهودي إلى التشيع كالقول بالرجعة؛ وعدم موت الأئمة، والقدرة على أشياء لا يقدر عليها أحد من الخلق، والعلم بما لا يعلمه أحد، وإثبات البداء على الله عز وجل-تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا- وقد كان يقول في يهوديته بأن يوشع بن نون وصي موسى عليه السلام، فقال في الإسلام بأن عليًا وصي محمد صلى الله عليه وسلم، وابن السوداء هذا عبدالله بن سبأ هو أول من أحدث الطعن في الصحابة رضوان الله عليهم وكفّرهم! وأول من أظهر البراءة منهم باعتراف الشيعة أنفسهم!
انظر المصادر الشيعية الآتية:
المقالات والفرق لسعد بن عبد الله القمي (ص:21).. وفرق الشيعة للنوبختي (ص:44).. واختيار معرفة الرجال للطوسي (ص:108-109).. وتنقيح المقال للمامقاني (2/184).. من لا يحضره الفقيه (1/229).. الأنوار النعمانية (2/234).
وآخر عهده قال لعلي رضي الله عنه: «أنت أنت» أي: أنت الله! مما دفع عليًا إلى أن يهم بقتله؛ لكن عبد الله بن عباس نصحه بأن لا يفعل. فنفاه إلى المدائن.
أهم عقائدهم التي خالفوا فيها الإسلام وأهله:
تحريف القرآن: يعتقدون بأن القرآن الذي بأيدي المسلمين اليوم محرف وناقص، وأنه غير الذي أنزل على الرسول الأعظم عليه السلام، وقد ألف أكبر علمائهم الحاج ميرزا حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي المتوفى سنة (1320هـ) والمدفون في المشهد المرتضوي بالنجف، كتابه: «فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب» يزعم فيه بأن القرآن قد زيد فيه ونقص منه، وقد طبع هذا الكتاب في إيران سنة (1289هـ).(90/16)
ويعتقدون بمصحف اسمه «مصحف فاطمة»، ويروي الكليني في كتابه الكافي في صفحة (57) طبعة (1278هـ) عن أبي بصير عنه -أي جعفر الصادق-: «إن عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام، قال: قلت: وما مصحف فاطمة؟ قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه حرف واحد من قرآنكم».
الإمامة: وتكون بالنص؛ إذ يجب أن ينص الإمام السابق على الإمام اللاحق بالعين لا بالوصف، وأن الإمامة أهم من شهادة التوحيد. بل ومن أنكر إمامة واحد من أئمتهم الاثني عشر فقد كفر!
العصمة: يعتقدون أن كل الأئمة معصومون عن الخطأ والنسيان، وعن اقتراف الكبائر والصغائر. وأن كلامهم وحي من الله.. بل وينزل عليهم الوحي! وعليه ففي دينهم: الراد على الإمام كالراد على النبي، والراد على النبي كالراد على الله!!
العلم اللدني: وهو أن كل إمام من الأئمة أُودع العلم من لدن الرسول صلى الله عليه وسلم بما يكمل الشريعة، وهو يملك علمًا لدنيًا، ولا يوجد بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم من فرق، وقد استودعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أسرار الشريعة ليبينوا للناس ما يقتضيه زمانهم.
خوارق العادات: يعتقدون أنه يجوز أن تجري الخوارق على يد الإمام، ويسمون ذلك معجزة.. فعندهم الإمام يعلم الغيب، ويحيي الموتى، ويحكم بين الملائكة، ويحوّل الإنسان إلى أي صورة يشاء!
الغَيْبَة: يرون أن الزمان لا يخلو من حجة لله عقلًا وشرعًا، ويعتقدون أن الإمام الثاني عشر المهدي قد غاب في سردابه -كما زعموا- وأن له غيبة صغرى وغيبة كبرى، وهذا من أساطيرهم التي أضحكوا عليهم بها العالم كله. وصدق فيهم قول الشاعر المتندر:
ما آن للسرداب أن يلد الذي ... صيرتموه بجهلكم إنسانا
فعلى عقولكم العفا ذا إنكم ... ثلثتم العنقاء والغيلانا(90/17)
الرجعة: يعتقدون أن أئمتهم سيرجعون في آخر الزمان عندما يأذن الله لهم بالخروج، وكان بعضهم يقفون بعد صلاة المغرب بباب السرداب وقد قدموا مركبًا، فيهتفون باسمه، ويدعونه للخروج حتى تشتبك النجوم، ثم ينصرفون ويرجئون الأمر إلى الليلة التالية. ويقولون بأنه حين عودته سيملأ الأرض عدلًا كما ملئت جورًا وظلمًا، وسيقتص من خصوم الشيعة على مدار التاريخ، ولقد قالت الإمامية قاطبة بالرجعة، وقالت بعض فرقهم الأخرى برجعة بعض الأموات.
التّقية: وهم يعدونها أصلًا من أصول الدين، من تركها كان بمنزلة من ترك الصلاة، وهي واجبة لا يجوز رفعها حتى يخرج القائم، فمن تركها قبل خروجه فقد خرج عن دين الله تعالى وعن دين الإمامية، وينسبون إلى أبي جعفر الإمام الخامس عندهم قوله: «التقية ديني ودين آبائي، ولا إيمان لمن لا تقية له» وهم يتوسعون في مفهوم التقية إلى حد كبير.
المتعة: يرون بأن مُتعة النساء من خير العبادات وأفضل القربات، وقد حرم الإسلام هذا الزواج الذي تشترط فيه مدة محدودة بعد أن أبيح فترة من الزمن، وللشيعة فيه عجائب وغرائب ننزه القارئ الكريم أن يقرأ هنا سعارهم الجنسي ونشازهم، وقلة حياء نسائهم، وقصصهم في هذا الزواج المؤقت الذي جعلوه بريد الزنا، بل هو الآن في ديارهم الزنا بأم عينه!
البراءة: يوجبون لصحة إسلام الفرد التبرؤ من الخلفاء الثلاثة: أبي بكر وعمر وعثمان، وينعتونهم بأقبح الصفات؛ لأنهم -كما يزعمون- اغتصبوا الخلافة دون علي الذي هو أحق منهم بها، كما يبدءون بلعن أبي بكر وعمر بدل التسمية في كل أمر ذي بال، وهم ينالون كذلك من كثير من الصحابة باللعن، ولا يتورعون عن النيل من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، والطعن في عرضها، ورميها بالخنا -رضي الله عنها وحاشاها-.(90/18)
المغالاة: بعضهم غالى في شخصية علي رضي الله عنه، والمغالون من الشيعة رفعوه إلى مرتبة الألوهية كالسبئية، وبعضهم قالوا بأن جبريل قد أخطأ في الرسالة فنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، بدلًا من أن ينزل على علي؛ لأن عليًا يشبه النبي صلى الله عليه وسلم كما يشبه الغراب الغراب، ولذلك سموا بالغرابية.
وأقوالهم في علي بن أبي طالب وفي الأئمة من آل البيت تلتقي مع أقوال النصارى في عيسى عليه السلام، بل لقد شابهوهم في كثرة الأعياد وكثرة الصور، واختلاق خوارق العادات وإسنادها إلى الأئمة.
ومن أراد الوقوف على حقيقة دين الشيعة وخطرهم على الإسلام والمسلمين فليقرأ كتاب: «أصول مذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية» وهو رسالة دكتوراه علمية للباحث: ناصر بن عبدالله القفاري وتقع في ثلاثة مجلدات.. وهي موثقة أكاديميًا وعلميًا.
وكذا يُراجع كتاب: «حتى لا ننخدع» لعبدالله الموصلي، فهو من أعرف الناس بهم وبأقوالهم وكتبهم.
* ... * ... *
إمام الشيعة ومرجعهم الديني (الخميني)
في ميزان العلماء!!
إن للخميني بدعًا وضلالات كثيرة، كما أحيطت شخصيته بدعاوى ومظاهر لا صلة لها بالإسلام، وإليك هذا من كتبه قبل البدء في خطاباته الشهيره:
معتقدات الخميني في أئمته:
قال في كتابه الحكومة الإسلامية (ص:52) تحت عنوان الولاية التكوينية: «فإن للإمام مقامًا محمودًا ودرجة سامية، وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات الكون».
وقال أيضًا في نفس الصفحة من الكتاب نفسه: «وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقامًا محمودًا لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل».
وقال أيضًا في نفس الكتاب (ص:52): «وبموجب ما لدينا من الروايات فإن الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم والأئمة عليهم السلام كانوا قبل هذا العالم أنوارًا، فجعلهم الله بعرشه محدقين، وجعل لهم من المنزلة والزلفى ما لا يعلمه إلا الله».(90/19)
وقال أيضًا في نفس الكتاب (ص:91): «لا نتصور فيهم السهو والغفلة».
وقال أيضًا في نفس الكتاب (ص:113): «إن تعاليم الأئمة كتعاليم القرآن لا تخص جيلًا خاصًا، وإنما هي تعاليم للجميع في كل عصر ومصر وإلى يوم القيامة، يجب تنفيذها واتباعها».
وقال في كتابه كشف الأسرار (ص:154): «وبالإمامة يكتمل الدين والتبليغ يتم».
وقال في وصيته (ص:67): «نحن نفتخر بأن أئمتنا هم الأئمة المعصومون، بدءًا من علي بن أبي طالب وختمًا بمنقذ البشرية الإمام المهدي صاحب الزمان عليه وعلى آبائه آلاف التحية والسلام، وهو بمشيئة الله القدير حي يراقب الأمور»!
إلى غيرها من الأعاجيب والكفريات المقطوع بها.. والله المستعان.
وليس في المستطاع فضح كل هذه البدع في هذه العجالة، ويكفي أن نشير إلى تلك المفتريات التي تجعل القارئ والمتابع يتساءل باستغراب: ما حقيقة هذا الرجل؟ وما حقيقة دعوته؟ وهل هو يرتبط بالإسلام أصلًا؟!
تطاول خميني على الأنبياء والرسل:
إن المتابع لفكر خميني وتصريحاته وخطبه، يدرك بسهولة أبعاد نواياه الباطنية، ويلمس -دون شك- أغراضه التي تتلخص في تكوين هالة من القداسة الكهنوتية المزعومة حول شخصه.
وهو مقتنع بأن ما قام به يبلغ مستوى الرسالات السماوية، وأنه يعد العدة لاستقبال المهدي المنتظر.
ثم هو موقن بأنه نائب المهدي على الأقل، له ما للمهدي من منزلة وقداسة.
ونشير هنا إلى جانب من خطبه المسجلة، والتي سمعها العالم، وحفظتها الصحف العالمية. كما يلي:
أ- ألقى خميني خطابًا بمناسبة ذكرى مولد الإمام المهدي في (15/8/1400هـ) ضمنه أفكارًا تدل على أن الخميني لا يؤمن باكتمال الرسالة الإسلامية بالقرآن العظيم، وبالرسول الكريم خاتم الأنبياء والرسل صلى الله عليه وسلم.
وأحيلك أيها القارئ إلى فقرات من خطابه:(90/20)
قال: «لقد جاء الأنبياء جميعًا من أجل إرساء قواعد العدالة في العالم، لكنهم لم ينجحوا، حتى النبي محمد خاتم الأنبياء الذي جاء لإصلاح البشرية، وتنفيذ العدالة، وتربية البشر لم ينجح في ذلك.
وإن الشخص الذي سينجح في ذلك، ويرسي قواعد العدالة في جميع أنحاء العالم، في جميع مراتب إنسانية الإنسان وتقويم الانحرافات؛ هو المهدي المنتظر...
فالإمام المهدي الذي أبقاه الله سبحانه وتعالى ذخرًا من أجل البشرية، سيعمل على نشر العدالة في جميع أنحاء العالم، وسينجح فيما أخفق في تحقيقه الأنبياء...».
وقال أيضًا في خطبته التي ألقاها بمناسبة ذكرى مولد الإمام المهدي في (15/8/1400هـ):
«إن السبب الذي أطال سبحانه وتعالى من أجله عمر المهدي عليه السلام، وهو أنه لم يكن بين البشر من يستطيع القيام بمثل هذا العمل الكبير حتى الأنبياء، وأجداد الإمام المهدي عليه السلام لم ينجحوا في تحقيق ما جاءوا من أجله...».
وقال أيضًا:
«ولو كان الإمام المهدي عليه السلام قد التحق إلى جوار ربه، لما كان هناك أحد بين البشر لإرساء العدالة وتنفيذها في العالم...
فالإمام المهدي المنتظر عليه السلام، قد أُبقي ذخرًا لمثل هذا الأمر، ولذلك فإن عيد ميلاده -أرواحنا فداه- أكبر أعياد المسلمين، وأكبر عيد لأبناء البشرية؛ لأنه سيملأ الأرض عدلًا وقسطًا...
ولذلك يجب أن نقول: إن عيد ميلاد الإمام المهدي عليه السلام هو أكبر عيد للبشرية بأجمعها... عند ظهوره؛ فإنه سيخرج البشرية من الانحطاط، ويهدي الجميع إلى الصراط المستقيم، ويملأ الأرض عدلًا بعدما ملئت جورًا...
إن ميلاد الإمام المهدي عيد كبير بالنسبة للمسلمين، يعتبر أكبر من عيد ميلاد النبي محمد، ولذلك علينا أن نعد أنفسنا من أجل مجيء الإمام المهدي عليه السلام...(90/21)
إنني لا أتمكن من تسميته بالزعيم؛ لأنه أكبر وأرفع من ذلك، ولا أتمكن من تسميته بالرجل الأول؛ لأنه لا يوجد أحد بعده وليس له ثان، ولذلك لا أستطيع وصفه بأي كلام سوى المهدي المنتظر الموعود، وهو الذي أبقاه الله سبحانه وتعالى ذخرًا للبشرية، وعلينا أن نهيئ أنفسنا لرؤياه في حالة توفيقنا بهذا الأمر، ونكون مرفوعي الرأس...
على جميع الأجهزة في بلادنا... ونأمل أن تتوسع في سائر الدول، أن تهيئ نفسها من أجل ظهور الإمام المهدي عليه السلام وتستعد لزيارته...».
موقف علماء السنة من أقوال الخميني:
أخي: بقي أن تعرف موقف علماء أهل السنة مما قاله خميني:
لقد أثارت تصريحات خميني التي ذكرتها لك آنفًا موجة غضب واستنكار في صفوف المسلمين وأوساطهم، وأعلنوا أنها تصريحات غريبة ومناقضة لأصل العقيدة الإسلامية، ولروح الإسلام والسنة النبوية الشريفة.
وقالت هذه الأوساط عبر فتاوى وبيانات أصدرتها:
إن ما جاء في أقوال خميني، يعد خرقًا فظيعًا لمبادئ الإسلام، وطعنًا في شخص الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، الذي جاء مصلحًا وهاديًا للبشرية ومنقذًا لها.
وقد أكدت هذه الأوساط أن ما قاله خميني يعد خروجًا على كل ما قررته العقيدة الإسلامية، وأجمع عليه المسلمون في شخص الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، الذي جاء فيه قوله تعالى: ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)) [الأنبياء:107].
وقد أبدى المسلمون في كل مكان المزيد من الاستغراب والدهشة بسبب عدم صدور أي تكذيب أو نفي لتلك التصريحات المهووسة.
وفيما يأتي بعض برقيات وفتاوى الاحتجاج والاستنكار لتصريحات خميني الغريبة، ودحض مضمونها الخارج على الإسلام، والمتنكر لرسوله صلى الله عليه وسلم.
أولًا: موقف رابطة العالم الإسلامي:
استنكرت رابطة العالم الإسلامي بشدة تصريحات خميني حول ما أسماه: بظهور المهدي المنتظر لتحقيق ما عجز عنه الأنبياء.(90/22)
وقال بيان أصدرته الرابطة بهذا الشأن، نشر في جريدة أخبار العالم الإسلامي بتاريخ (9/رمضان/1400هـ):
«إن العبارات التي وردت في كلمة وجهها خميني يوم (15) شعبان الماضي، وأذاعها راديو طهران، تعارض معارضة صريحة العقيدة الإسلامية ومبادئ الدين الإسلامي الحنيف، وتحوي مناقضة صريحة للإسلام وما جاء به القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة، وما أجمعت عليه أمة المسلمين وعلماؤها».
وذكرت الرابطة أن تكذيبًا أو نفيًا لهذه التصريحات لم يصدر من طهران، على الرغم مما تحويه من إنكار لتعاليم الكتاب والسنة وإجماع الأمة على أن نبينا صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين، وهو المصلح الأعظم للبشرية جمعاء، حيث أرسل بأكمل الرسالات وأتمها، كما قال تعالى: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً)) [المائدة:3].
وقال صلى الله عليه وسلم: (تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك).
واختتمت الرابطة بيانها داعية الله تعالى أن يجنب المسلمين مزالق الفتن ما ظهر منها وما بطن، ويلهمهم سبيل الرشد، وأن لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم».
ثانيًا: موقف علماء تونس:
وفي تونس: أدان الشيخ الحبيب بلخوجة مفتي الجمهورية تصريحات خميني التي تطاول فيها على مقام النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وادعى فيها أن الرسول الكريم لم يؤدِّ رسالته على الوجه الأكمل...!!
وقال الشيخ بلخوجة في كلية الزيتونة:
«إن هذه التصريحات تشكّل مِساسًا بالدين، وتتناقض تمامًا مع مبادئ القرآن الكريم...».
وقال مفتي تونس:
«إن الذي يتجاهل السنة، ويناقض القرآن الكريم، يكذب إذا ادعى أنه ينتمي إلى الإسلام أو أن يكون حاملًا لرايته...».
ثالثًا: موقف علماء المغرب:(90/23)
وفي المملكة المغربية: أصدر علماء المغرب فتوى دينية ردًا على تصريحات خميني نشرت في العدد الرابع من مجلة دعوى الحق الصادرة في شعبان - رمضان (1400هـ) (تموز يوليو:1980م) عن وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية في المملكة المغربية، وقد جاءت هذه الفتوى معبرة عن إجماع أعضاء المجالس العلمية في أنحاء المملكة المغربية كافة، على إدانة الخميني استنادًا إلى الكتاب والسنة.
وأعلنت الفتوى: «إن أقوال خميني أقوال شنيعة ومزاعم باطلة فظيعة.. تؤدي إلى الإشراك بالله عز وجل..».
وأوضحت الفتوى أن هذه الأقوال قد أحدثت ضجة كبرى في الأوساط، حيث توجه الناس بسؤال عن موقف العلماء من هذه الأقوال النابية، والمزاعم الباطلة التي تناقض أصول العقيدة الإسلامية.
وأكدت الفتوى ردًا على تساؤلات الجمهور المغربي المسلم: إن ما قاله الخميني تطاول على مقام الملائكة والأنبياء والمرسلين، حيث جعل مكانة المهدي المنتظر في نظره فوق مكانة الجميع، وزعم أن لا ملكًا مقربًا ولا نبيًا مرسلًا أفضل منه.
وقال علماء المغرب في فتواهم: «إن من أخطر ما زعمه خميني: أن خلافة المهدي المنتظر خلافة تكوينية تخضع لها جميع ذرات الكون. ومقتضى ذلك أن خميني يعد المهدي المنتظر شريكًا للخالق عز وجل في الربوبية والتكوين.
وهذا كلام مناقض لعقيدة التوحيد يستنكره كل مسلم ولا يقبله، ولا يقره أي مذهب من المذاهب الإسلامية، ولا يبرأ قائله من الشرك والكفر بالله، قال الله تعالى: ((وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)) [الزمر:67]».
وأهاب علماء المغرب في فتواهم هذه ببقية العلماء في العالم الإسلامي الوقوف وقفة رجل واحد بوجه هذا التيار الهدام، فيردوا كل شبهة عن عقيدة الإسلام.
رابعًا: بيان رابطة العلماء في العراق:(90/24)
اطلعت هذه الرابطة على خطبة خميني السالفة الذكر، وأصدرت بيانًا مطولًا، جاء فيه:
«وحيث أن هذا الزعم يشكل انحرافًا عن جوهر الشريعة الإسلامية، وردة عن تعاليم الدين الحنيف، ومخالفة صريحة لقوله تعالى: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً)) [المائدة:3]، ودسًا خطيرًا يبتغي به زاعمه -لأغراض في نفسه- تحويل أنظار المسلمين عن النبي العربي الكريم، صاحب الخلق العظيم، الذي بعثه الله رحمة للعالمين ومنقذًا للبشرية من الظلمات إلى النور.
وبما أن من واجب علماء الدين بيان الحقيقة والمعروف، والتنديد بالأفكار والتيارات الفاسدة المشبوهة التي تحاول النيل من الإسلام وجوهره، فقد تدارست جمعية رابطة العلماء في العراق خطورة هذه الأقوال الفاسدة وأثرها في تسميم الفكر، وتضليل الرأي في المجتمعات الإسلامية، وانعكاساتها السلبية في نشر الإسلام في المجتمعات غير الإسلامية.
وقررت بالإجماع إصدار هذا البيان تعبيرًا عن استنكار علماء الدين في العراق لهذا الزعم الذي أطلقه خميني، وتأكيدًا على أن مثل هذه التصريحات المضللة مما يثير الفتنة والشكوك في العالم الإسلامي، ولا ينبغي بحال من الأحوال أن يصدر عن أي مسلم من المسلمين، والله من وراء القصد».
خامسًا: فتوى الألباني في الخميني وأقواله:
قال رحمه الله: «بسم الله الرحمن الرحيم، فقد وقفت على الأقوال الخمسة التي نقلتموها عن كتب المسمى (روح الله الخميني) راغبين مني بيان حكمي فيها, وفي قائلها، فأقول وبالله تعالى وحده أستعين:(90/25)
إن كل قول من تلك الأقوال الخمسة كفر بواح، وشرك صراح، لمخالفته للقرآن الكريم، والسنة المطهرة، وإجماع الأمة، وما هو معلوم من الدين بالضرورة. ولذلك فكل من قال بها معتقدًا، ولو ببعض ما فيها، فهو مشرك كافر، وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم. والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه المحفوظ عن كل زيادة ونقص: ((وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً)) [النساء:115].
وبهذه المناسبة أقول:
إن عجبي لا يكاد ينتهي من أناس يدعون أنهم من أهل السنة والجماعة، يتعاونون مع الخمينيين في الدعوة إلى إقامة دولتهم، والتمكين لها في أرض المسلمين، جاهلين أو متجاهلين عما فيها من الكفر والضلال والفساد في الأرض: ((وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ)) [البقرة:205].
فإن كان عذرهم جهلهم بعقائدهم، وزعمهم أن الخلاف بيننا وبينهم إنما هو خلاف في الفروع وليس في الأصول، فما هو عذرهم بعد أن نشروا كتيبهم: «الحكومة الإسلامية» وطبعوه عدة طبعات، ونشروه في العالم الإسلامي، وفيه من الكفريات ما جاء نقل بعضها عنه في السؤال الأول، مما يكفي أن يتعلّم الجاهل ويستيقظ الغافل، هذا مع كون الكتيب كتاب دعاية وسياسة، والمفروض في مثله أن لا يذكر فيه من العقائد ما هو كفر جلي عند المدعوين, ومع كون الشيعة يتدينون بالتقية التي تجيز لهم أن يقولوا ويكتبوا ما لا يعتقدونه، كما قال عز وجل في بعض أسلافهم: ((يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ)) [الفتح:11]، حتى قرأت لبعض المعاصرين منهم قوله وهو يسرد المحرمات في الصلاة: «والقبض فيها إلا تقية»، يعني وضع اليمين على الشمال في الصلاة.(90/26)
ومع ذلك كله فقد قالوا كلمة الكفر في كتيبهم، مصداق قوله تعالى في أمثالهم: ((وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ)) [البقرة:72].. ((وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ)) [آل عمران:118].
وختامًا: أقول محذرًا جميع المسلمين بقول رب العالمين: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ)) [آل عمران:118] وسبحانك اللَّهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت, أستغفرك وأتوب إليك.
وكتبه: محمد ناصر الدين الألباني، أبو عبد الرحمن
عَمَّان (26/12/1407هـ)»
علماء وفقهاء السادة المالكية.. والشيعة!!
موقف إمام دار الهجرة من الشيعة:
قال القاضي عياض في كتابه «ترتيب المدارك في أعلام مذهب مالك»: «وقد نظرنا طويلًا في أخبار الفقهاء، وقرأنا ما صنف من أخبارهم إلى يومنا هذا، فلم نر مذهبًا من المذاهب غيره أسلم منه، فإن فيها الجهمية والرافضة والخوارج والمرجئة والشيعة إلا مذهب مالك رحمه الله، فإنا ما سمعنا أحدًا ممن تقلد مذهبه قال بشيء من هذه البدع...»(1).
قال الإمام مالك رحمه الله عن هؤلاء الذين يسبون الصحابة: «إنما هؤلاء أقوام أرادوا القدح في النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يمكنهم ذلك، فقدحوا في أصحابه حتى يقال: رجل سوء، ولو كان رجلًا صالحًا لكان أصحابه صالحين»(2).
وسئل الإمام مالك رحمه الله عن الشيعة فقال: «لا تكلمهم ولا ترو عنهم؛ فإنهم يكذبون».
__________
(1) ترتيب المدارك (1/22).
(2) رسالة في سب الصحابة، عن الصارم المسلول (ص:580).(90/27)
ما أصدق هذا القول من هذا الإمام في هؤلاء الأراذل! الذين سخّروا ألسنتهم ودماءهم وأجسادهم وأقلامهم في شتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعتبرون أن هذا الأمر شرط من شروط الإيمان، فلا يتم إيمان أحدهم -بل لا يبدأ إيمان أحدهم- إلا بهذه العقيدة السفيهة.
فهذا الإمام مالك رحمه الله يبين لنا في هذه المقولة الخط الواضح للشيعة، وأنهم لا يقصدون صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن القصد بالضبط هو النبي صلى الله عليه وسلم، لكن جبنهم وخوفهم من سطوة أهل السنة يجعلهم يتنازلون عن الإمام الأكبر إلى أصحابه، وهذا الخط الباطني منذ بدايته إلى يومنا هذا لا يخفى إلا على مغفل جاهل بحال هؤلاء الشيعة، زراعة اليهود والمجوس وثمارهم!
وجاء في الصارم المسلول أيضًا؛ قال الإمام مالك: «من شتم النبي صلى الله عليه وسلم قُتل، ومن سب أصحابه أدب».
وقال عبد الملك بن حبيب: «من غلا من الشيعة في بغض عثمان والبراءة منه أُدب أدبًا شديدًا، ومن زاد إلى بغض أبي بكر وعمر فالعقوبة عليه أشد، ويكرر ضربه، ويطال سجنه، حتى يموت».
فهذا الإمام مالك رحمه الله وأصحابه يبينون لنا جزاء شاتم الصحابة، بأنه هو الضرب والإهانة والسجن إن تمادى في ذلك، حتى يُكفى شره، ولا يؤذي المسلمين بشتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.(90/28)
وجاء في المدارك للقاضي عياض (2/46): «دخل هارون الرشيد المسجد، فركع ثم أتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أتى مجلس مالك فقال: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، فقال مالك: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، ثم قال لمالك: هل لمن سب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في الفيء حق؟ قال: لا ولا كرامة، قال: من أين قلت ذلك؟ قال: قال الله: ((لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ)) [الفتح:29]، فمن عابهم فهو كافر، ولا حق للكافر في الفيء، واحتج مرة أخرى بقوله تعالى: ((لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ)) [الحشر:8]، قال: فهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين هاجروا معه وأنصاره، ((وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)) [الحشر:10]، فما عدا هؤلاء فلا حق لهم فيه».
وهذه فتوى صريحة صادرة من الإمام مالك، والمستفتي هو أمير المؤمنين في وقته، والإمام مالك يُلحق هؤلاء الشيعة في هذه الفتوى بالكفار الذين يغتاظون من مناقب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل من ذكر الصحابة بالخير فهو عدو لدود لهذه الشرذمة، قبحهم الله أينما حلوا وارتحلوا.
روى الخلال عن أبي بكر المروذي قال: سمعت أبا عبدالله يقول: قال مالك: «الذي يشتم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ليس له سهم -أو قال: نصيب- في الإسلام»(1).
__________
(1) السنة للخلال (2/557).(90/29)
وقال ابن كثير عند قوله سبحانه وتعالى: ((مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ)) [الفتح:29].
قال: «ومن هذه الآية انتزع الإمام مالك رحمة الله عليه في رواية عنه بتكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة رضي الله عنهم قال: لأنهم يغيظونهم، ومن غاظه الصحابة رضي الله عنهم فهو كافر لهذه الآية، ووافقه طائفة من العلماء رضي الله عنهم على ذلك»(1).
قال القرطبي: «لقد أحسن مالك في مقالته وأصاب في تأويله، فمن نقص واحدًا منهم أو طعن عليه في روايته، فقد ردّ على الله ربّ العالمين وأبطل شرائع المسلمين»(2).
موقف القاضي عياض المالكي رحمه الله (544هـ):
قال: «وكذلك نقطع بتكفير غلاة الرافضة في قولهم: إن الأئمة أفضل من الأنبياء»(3).
قول أبي بكر بن العربي المالكي رحمه الله (543هـ):
قال في العواصم: «ما رضيت النصارى واليهود في أصحاب موسى وعيسى، ما رضيت الروافض في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، حين حكموا عليهم بأنهم قد اتفقوا على الكفر والباطل».
ذم الشيعة والحكم عليهم من الكتب المالكية المشهورة:
جاء في ترتيب المدارك أيضًا للقاضي عياض المالكي (2/41-42): «وسأل رجل مالكًا فقال: من أهل السنة يا أبا عبدالله؟ قال: الذين ليس لهم لقب يعرفون به، لا جهمي ولا رافضي ولا قدري».
__________
(1) تفسير ابن كثير (4/219).
(2) تفسير القرطبي (16/297).
(3) الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم (2/1078).(90/30)
وجاء كذلك في المدارك (2/46): «نقل الواقدي عن الإمام مالك:...ولا تجوز شهادة القدري الذي يدعو، ولا الخارجي والرافضي..».
بل وشدد الإمام مالك على الشيعة الضلال فقال فيما نقله عنه القاضي عياض في مداركه (2/49):
«قال مالك: أهل الأهواء كلهم كفار، وأسوأهم الروافض. قيل: النواصب؟ قال: هم الروافض، رفضوا الحق ونصبوا له العداوة والبغضاء».
وقال ابن عبد البر في الاستذكار (8/591):
«قال أبو عمر: فعلى هذين القولين جماعة علماء السلف إلا الروافض، وهم لا يعدون خلافًا؛ لشذوذهم فيما ذهبوا إليه في هذا الباب عن سبيل المؤمنين ولا حجة لهم في قول الله تعالى: ((وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ)) [النمل:16] وقوله: ((يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ)) [مريم:6] لأن سليمان إنما ورث من داود النبوة والعلم والحكمة..».
وجاء في مواهب الجليل (3/369):
«..وفي إرشاد أبي المعالي: لا يكترث بقول الروافض أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر موقوفان على ظهور الإمام. انتهى».
وقال العلامة القرافي المالكي في كتابه الذخيرة (2/463): «...لما في الصحيح أنه عليه السلام نعى النجاشي للناس في اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم إلى المصلى فصف بهم وكبر أربع تكبيرات، ولأنها كالركعات فلا يزيد على الأربع، فلو زاد الإمام خامسة صحت الصلاة؛ لأنها مروية في غير هذا الحديث ومختلف فيها، ومع ذلك فروى ابن القاسم عنه: لا يتّبع فيها؛ لأنها من شعار الشيعة».
وجاء في حاشية العدوي المالكي (2/648): «...قوله: (من الشيعة) فرقة من الفرق الخارجين عن أهل السنة والجماعة؛ فإن قلت: ما يعتقدون؟ قلت: يعتقدون ويقولون: كل من كان لا يحب عليًا أكثر من الصحابة رضي الله عنهم فهو كافر».(90/31)
وجاء في مواهب الجليل (1/432): «وروى مجاهد أنه دخل مع ابن عمر مسجدًا وقد أذن ونحن نريد أن نصلي، فثوّب المؤذن فخرج عبد الله من المسجد وقال: اخرج بنا عن هذا المبتدع، ولم يصل فيه. ثم ذكر أنه قيل: إن التثويب هو قول المؤذن حي على خير العمل؛ لأنها كلمة زادها من خالف السنة من الشيعة، ورجح التفسير الأول بأن التثويب في اللغة الرجوع إلى الشيء».
وكذلك جاء في مواهب الجليل (4/250): «قلت: هذا ونحوه من نصوص المذهب يبين لك حال بعض القضاة في تقديمهم من يعرفون جرحته شرعًا للشهادة بين الناس في الدماء والفروج، ويعتذرون بالخوف من موليهم القضاء، مع أنهم فيما رأيت لا يخافون منه إلا عزلته عن القضاء، ولله در الشيخ أبي زكريا يحيى الصوفي صالح بجاية، روي عنه بسند صحيح أنه كان يقول: اللهم العن الشيعة ومغيري الشريعة. انتهى».
وجاء في كتاب: «فتح الباب، ورفع الحجاب، بتعقيب ما وقع في تواتر القرآن من السؤال والجواب» لأبي سعيد ابن لب المالكي، المنقول بنصه في كتاب «المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى علماء إفريقية والأندلس والمغرب» للونشريسي المالكي المتوفى بفاس عام (914هـ) (12/139):
«...إنه لم يثبت في القراءات كلها قول بعدم التواتر، والإجماع منسوب لإمام متقدم عالم شهير على «كذا» مصرح به لا يوجد إن شاء الله. وإنما أضاف الناس ذلك مذهبًا لبعض من مضى من الروافض والملحدة، لمقاصد فاسدة قصدوها كفرًا وضلالةً.. إلخ».
وقال العلامة القرطبي المالكي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن (8/161): «...وأما الروافض فليس قولهم مما يشتغل به ولا يحكى مثله، لما فيه من الطعن على السلف والمخالفة لسبيل المؤمنين».(90/32)
وقال رحمه الله (11/140): «قيل لأبي عبدالله: فإن قال رجل: أنا أذهب إلى حديث أبي أيوب (حُبب إليّ الغسل) قال: نحن لا نذهب إلى قول أبي أيوب، ولكن لو ذهب إليه ذاهب صلينا خلفه، قال: إلا أن يترك رجل المسح من أهل البدع من الرافضة الذين لا يمسحون وما أشبهه، فهذا لا نصلي خلفه...».
وقال في (1/85): «... وقد طعن الرافضة قبحهم الله تعالى في القرآن».
وقال رحمه الله في (6/228): «قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ)) [المائدة:67] قيل: معناه أظهر التبليغ؛ لأنه كان في أول الإسلام يخفيه خوفًا من المشركين، ثم أمر بإظهاره في هذه الآية، وأعلمه الله أنه يعصمه من الناس، وكان عمر رضي الله عنه أول من أظهر إسلامه وقال: لا نعبد الله سرًا وفي ذلك نزلت: ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ)) [الأنفال:64] فدلت الآية على رد قول من قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كتم شيئًا من أمر الدين تقية، وعلى بطلانه، وهم الرافضة، ودلت على أنه صلى الله عليه وسلم لم يُسرَّ إلى أحدٍ شيئًا من أمر الدين؛ لأن المعنى: بلِّغ جميع ما أنزل إليك ظاهرًا، ولولا هذا ما كان في قوله عز وجل: ((وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ)) [المائدة:67] فائدة».
وقال كذلك في تفسيره (14/158):
«قال ابن العربي: تعلق الرافضة -لعنهم الله- بهذه الآية على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها..».
وقال في (18/30):(90/33)
«وقال العوام بن حوشب: أدركت صدر هذه الأمة يقولون: اذكروا محاسن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تألف عليهم القلوب، ولا تذكروا ما شجر بينهم فتجسروا الناس عليهم. وقال الشعبي: تفاضلت اليهود والنصارى على الرافضة بخصلة، سئلت اليهود: من خير أهل ملّتكم؟ فقالوا: أصحاب موسى. وسئلت النصارى: من خير أهل ملّتكم؟ فقالوا: أصحاب عيسى. وسئلت الرافضة: من شر أهل ملتكم؟ فقالوا: أصحاب محمد، أمروا بالاستغفار لهم فسبوهم، فالسيف عليهم مسلول إلى يوم القيامة، لا تقوم لهم راية، ولا تثبت لهم قدم، ولا تجتمع لهم كلمة، كلما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها الله بسيف دمائهم وإدحاض حجتهم. أعاذنا الله وإياكم من الأهواء المضلة..».
وأقوال علمائنا المالكية رحمهم الله كثيرة لا تحصى في بيان خروج هؤلاء الشيعة عن الإسلام، وأنهم أهل أهواء وجهل... ولكني جعلت ما نقلت إشارة لمن أراد الوقوف على موقفهم رحمهم الله من هذه الفرقة الضالة المضلة.
* ... * ... *
تونسي يتشيع لمصالحه... ويأتي بالعجائب!
هو نكرة يعيش في بلاد الكفر بعد أن عُرف بالزندقة، طُرِد من تونس الحبيبة.. نظر دهاقنة الشيعة وصناديدهم إلى عقله فوجدوه مشوبًا بالإلحاد والحقد الدفين على الإسلام والمسلمين، فاتصلوا به ونقلوه من باب النكرة في الشك بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم إلى باب المعرفة بالتشيع والعداء السافر لله ولرسوله ولأصحابه وزوجاته، بل ولآل بيته الأطهار رضي الله عن الجميع...
إنه المدعو/ الدكتور محمد التيجاني السماوي.. وقد كُتبت باسمه أربعة كتب؛ دعا فيها إلى عقيدة الشيعة، وطعن في عقيدة أهل السنة والجماعة ونفَّر الناس منها، وقدح في الصحابة الكرام، ورماهم بالكفر والردة عن الإسلام.. وشحن كتبه بالأكاذيب والأباطيل والدس والتضليل!(90/34)
هذا وقد تصدى لهذا الضال بعض أهل العلم من أهل السنة والجماعة، وبينوا جهله بدين الإسلام وحقده على المسلمين؛ وأظهروا عواره وشدة حنقه وحقده على زوجات نبي الهدى وأصحابه البررة رضي الله عنهم.. وذلك من خلال الكتب التالية:
1/ كتاب: «الانتصار للصحب والآل من افتراءات السماوي الضال»، تأليف الدكتور: إبراهيم بن عامر الرحيلي.
2/ كتاب: «بل ضللت.. رد على التيجاني في كتابه: ثم اهتديت»، تأليف: خالد العسقلاني.
3/ كتاب: «كشف الجاني محمد التيجاني»، تأليف: عثمان الخميس.
* ... * ... *
طعن الشيعة في علماء السنة
طعن الشيعة في الأئمة الأربعة عند أهل السنة:
إن الشيعة عندما يُظهرون احترامهم لأئمة أهل السنة الأربعة أبي حنيفة ومالك الشافعي وأحمد بن حنبل رحمهم الله تعالى، إنما ذلك من باب التقية.
أما ما في كتبهم الخاصة التي يخفونها -حتى على عوام مِلّتهم!- فانظر:
روى ثقة إسلامهم الكليني في الكافي (1/58 ط: طهران) عن سماعة بن مهران عن إمامهم المعصوم السابع أبي الحسن موسى في حديث: «.. إذا جاءكم ما تعلمون فقولوا به، وإذا جاءكم ما لا تعلمون منها -وأومى بيده إلى فيه- ثم قال: لعن الله أبا حنيفة كان يقول: قال علي وقلت أنا وقالت الصحابة» وذكر هذه الرواية أيضًا محدثهم الحر العاملي في وسائل الشيعة (18/23، ط: بيروت) فراجعه.
وروى عمدتهم في الجرح والتعديل محمد بن عمرو الكشي في كتابه اختيار معرفة الرجال، المعروف برجال الكشي (ص:149، ط: مشهد إيران) عن هارون بن خارجة قال: «سألت أبا عبد الله عن قول الله عز وجل: ((الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ)) [الأنعام:82]؟ قال: هو ما استوجبه أبو حنيفة وزرارة».(90/35)
وفي رواية عن أبي بصير عن أبي عبد الله قال: «قلت: ((الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ)) [الأنعام:82].قال: أعاذنا الله وإياك من ذلك الظلم، قلت: ما هو؟ قال: هو الله ما أحدث زرارة وأبو حنيفة وهذا الضرب، قال: قلت: الزنا معه؟ قال: الزنا ذنب»(1).
وفي رجال الكشي (ص:146) عن أبي بصير قال: «قلت لأبي عبد الله: ((الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ)) [الأنعام:82] قال: أعاذنا الله وإياك يا أبا بصير! من ذلك الظلم ما ذهب فيه زرارة وأصحابه وأبو حنيفة وأصحابه».
وفي رجال الكشي (ص:187) ومجمع الرجال للقهبائي (6/4 ط:أصفهان): «أن أبا حنيفة قال لمؤمن الطاق وقد مات جعفر بن محمد: يا أبا جعفر إن إمامك قد مات! فقال أبو جعفر: لكن إمامك من المنظرين إلى اليوم المعلوم» يعني الشيطان.
وقال شيخهم محمد الرضي الرضوي في كتابه كذبوا على الشيعة (ص:135 ط: إيران): «قبحك الله يا أبا حنيفة كيف تزعم أن الصلاة ليست من دين الله..».
ويقول محمد الرضي الرضوي في كتابه كذبوا على الشيعة (ص:279) ما نصه: «ولو أن أدعياء الإسلام والسنة أحبوا أهل البيت عليهم السلام لاتبعوهم، ولما أخذوا أحكام دينهم عن المنحرفين عنهم كأبي حنيفة والشافعي ومالك وابن حنبل».
__________
(1) رجال الكشي (ص:145).(90/36)
ويقول السيد نعمة الله الجزائري في كتابه قصص الأنبياء (ص:347 ط: بيروت، الطبعة الثامنة) ما نصه: «أقول: هذا يكشف لك عن أمور كثيرة، منها بطلان عبادة المخالفين، وذلك أنهم وإن صاموا وصلوا وحجوا وزكوا، وأتوا من العبادات والطاعات وزادوا على غيرهم، إلا أنهم أتوا إلى الله تعالى من غير الأبواب التي أمر بالدخول منها.. وقد جعلوا المذاهب الأربعة وسائط وأبوابًا بينهم وبين ربهم، وأخذوا الأحكام عنهم، وهم أخذوها عن القياسات والاستنباطات، والآراء والاجتهاد الذي نهى الله سبحانه عن أخذ الأحكام عنها، وطعن عليهم من دخل في الدين منها».
أقول: هذا ما يعتقدونه في قرارة أنفسهم وما يخفونه عن بسطاء الناس.
ويأبى داعيتهم التيجاني الذي أسلفنا ذكره إلا أن يشارك القوم في اتهامهم علماء أهل السنة والجماعة والوقيعة فيهم.. فانظر ماذا قال في كتبه:
يقول في كتابه ثم اهتديت (ص:127 ط.مؤسسة الفكر في بيروت ولندن): «ربما أن المذاهب الأربعة فيها اختلاف كثير، فليست من عند الله ولا من عند رسوله».
وكتابه هذا قام بطبعه المجمع العلمي الشيعي في الهند بعدة لغات، ذكر هذا التيجاني نفسه في كتابه فاسألوا أهل الذكر (ص:11 من الطبعة الأولى في بيروت:1992م).
ويقول في كتابه الشيعة هم أهل السنة (ص:84): «كيف لا نعجب من الذين يزعمون بأنهم أهل السنة والجماعة وهم جماعات متعددة: مالكية وحنفية وشافعية وحنبلية، يخالفون بعضهم في الأحكام الفقهية؟».
ويقول في الصفحة (104): «وبهذا نفهم كيف انتشرت المذاهب التي ابتدعتها السلطات الحاكمة وسمتها بمذاهب أهل السنة والجماعة».
ويقول في الصفحة (109): «والذي يهمنا في هذا البحث أن نبين بالأدلة الواضحة! بأن المذاهب الأربعة لأهل السنة والجماعة هي مذاهب ابتدعتها السياسة..».(90/37)
ويقول في الصفحة (88): «فهذا أبو حنيفة... نجده قد ابتدع مذهبًا يقوم على القياس والعمل بالرأي مقابل النصوص الصريحة.. وهذا مالك.. نجده قد ابتدع مذهبًا في الإسلام... وهذا الشافعي... وهذا أحمد بن حنبل..».
ويقول في الصفحة (93): «كذلك نجد أن سبب انتشار مذهب أبي حنيفة بعد موته هو أن أبا يوسف والشيباني -وهما من أتباع أبي حنيفة ومن أخلص تلاميذه- كانا في نفس الوقت من أقرب المقربين لهارون الرشيد الخليفة العباسي، وقد كان لهما الدور الكبير في تثبيت ملكه وتأييده ومناصرته، فلم يسمح هارون الجواري والمجون لأحد أن يتولى القضاء والفتيا إلا بعد موافقتهما.. فصار أبو حنيفة أعظم العلماء، ومذهبه أعظم المذاهب الفقهية المتبعة؛ رغم أن علماء عصره كفروه واعتبروه زنديقًا».
ويقول في الصفحة (125): «وبكل هذا يتبين لنا مرة أخرى بالأدلة الواضحة!! التي لا تدفع!! بأن الشيعة الإمامية هم أهل السنة النبوية الحقيقية!! وأن أهل السنة والجماعة قد أطاعوا ساداتهم وكبراءهم فأضلوهم السبيل، وتركوهم في ظلمات يعمهون، وأغرقوهم في بحر كفر النعم، وأهلكوهم في مفاوز الطغيان».
ويقول في الصفحة (168): «فنقول له بأن كل أقطاب أهل السنة والجماعة وأئمتهم قد خالفوا صريح السنة النبوية، ونبذوها وراء ظهورهم، وتركوها عامدين طائعين».
وفي الصفحة (287) بَهَتَ أهل السنة بقوله: (إنهم خالفوا معظم السنن النبوية) بل تشنج التيجاني وزعم أنهم خالفوا تعاليم الإسلام، إذًا لماذا الدعوة إلى التقارب مع أهل السنة وهم ينظرون إلينا هذه النظرة العدائية؟!!
يقول النباطي ضمن طعنه عليه: «كان مالك يذكر عليًا وعثمان وطلحة والزبير، ويقول: والله ما اقتتلوا إلا على الثريد الأعفر.
ودخل محمد بن الحسن على مالك ليسمع منه الحديث فسمع في داره المزمار والأوتار فأنكر عليه فقال: إنا لا نرى به بأسًا.(90/38)
وفي حلية الأولياء وغيرها عن ابن حنبل وأبي داود أن جعفر بن سليمان ضرب مالكًا وحَلَقَه وحمله على بعير، وروي أنه كان على رأي الخوارج فسئل عنهم فقال:ما أقول في قوم ولوّنا فعدلوا فينا»(1).
طعنهم في الإمامين البخاري ومسلم:
يقول النباطي في الطعن عليهما: «كتم البخاري ومسلم أخبارًا جمة في فضائل أهل البيت صحيحة على شرطهما»(2).
ويقول بعد أن ذكر جملة من الأحاديث الموضوعة والضعيفة زعم أن الشيخين قد أسقطاها من كتابيهما: «فهذه الأحاديث إن كانت لم تصل إلى الشيخين مع شهرتها، فهو دليل قصورهما، فكيف يرجحون كتابيهما ويلهجون بذكرهما على غيرهما، وإن وصلت إليهما فتركا روايتها ونقلها كان ذلك من أكبر التهمة والانحراف، والرجوع عن السبيل الواضح إلى الاعتساف»(3).
ويقول أيضًا في طعنه على الإمام البخاري: «ما رأينا عند العامة أكثر صيتًا منه ولا أكثر درجة منه، فكأنه جيفة علت، أو كلفة غشت بدرًا، كتم الحق وأقصاه، وأظهر الباطل وأدناه»(4).
فهذه نماذج مما جاء في كتب هؤلاء الشيعة في حق أئمة أهل السنة وعلمائهم، توضح مدى حقدهم وبغضهم، وشدة عدائهم لهم.
وليعلم القارئ أني إنما سقت هنا أمثلة فقط، وإلا فقد تركت نصوصًا أخرى لهم في الطعن على السلف، فيها قدح شنيع ونيل عظيم من أعراضهم ودينهم؛ تنزهًا عن نقلها وتأثّمًا من نشرها بين الناس.
* ... * ... *
كيف ينظر الشيعة لأهل السنة والجماعة؟؟
ماذا يعني لفظ الناصب عند الشيعة الإثني عشرية:
أبو حنيفة عند الشيعة ناصبي كما في الكافي (8/292) ط: دار الكتب الإسلامية. طهران.
قال المفيد في كتابه عدة مسائل (ص:253، 263، 265، 268، 270 ط: قم): «أطلق لفظ الناصبي على أبي حنيفة».
__________
(1) الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم (3/220).
(2) المرجع السابق (3/225).
(3) المرجع السابق (3/232).
(4) المرجع السابق (3/234).(90/39)
وقال نعمة الله الجزائري في الأنوار النعمانية: (2/307 ط: تبريز): «ويؤيد هذا المعنى أنَّ الأئمة عليهم السلام وخواصهم أطلقوا لفظ الناصبي على أبي حنيفة وأمثاله، مع أنه لم يكن ممن نصب العداوة لآل البيت».
وقال حسين بن الشيخ محمد آل عصفور البحراني في المحاسن النفسانية في أجوبة المسائل الخراسانية (ص:157 ط: بيروت): «على أنك قد عرفت سابقًا أنه ليس الناصب إلا عبارة عن التقديم على عليٍّ عليه السلام ».
وقبلها قال في (ص:147) من كتابه: «بل أخبارهم تُنادي بأنَّ الناصب هو ما يُقال له عندهم سنيًا».
ويقول في نفس الموضع: «ولا كلام في أنَّ المراد بالناصبة هم أهل التسنّن».
وقال حسين بن شهاب الدين الكركي العاملي في كتابه هداية الأبرار إلى طريق الأئمة الأطهار (ص:106 ط:1): «كالشبهة التي أوجبت للكفار إنكار نبوة النبي صلى الله عليه وسلم والنواصب إنكار خلافة الوصي».
وقال محمد الحسيني الشيرازي في موسوعته (الفقه:33/38 ط:2 دار العلوم اللبنانية): «الثالث: مصادمة الخبرين المذكورين بالضرورة بعد أنْ فُسر الناصب بمطلق العامة».
إذًا المقصود بالعامة هم أهل السُّنّة كما يقول محسن الأمين في كتابه أعيان الشيعة (1/21، ط: دار التعارف بيروت): «الخاصة، وهذا يطلقه أصحابنا على أنفسهم مقابل العامة الذين يُسمّون أنفسهم بأهل السُّنّة والجماعة».
قال فتح الله الشيرازي في قاعدة لا ضرر ولا ضرار (ص:21 نشر دار الأضواء، بيروت): «وأما الحديث من طريق العامة فقد روى كثير من محدثيهم كالبخاري ومسلم...».
إذًا الناصب عند الشيعة هم مجمل أهل السُّنّة والجماعة (العامة)، فإذ قد فهمنا هذه النقطة ننتقل إلى ما يترتب عليها من أحكام عندهم.
نجاسة أهل السُّنّة عند الشيعة:(90/40)
قال الخوئي في كتابه منهاج الصالحين: (1/116 ط: نجف): «في عدد الأعيان النجسة وهي عشرة.. إلى أنْ قال: العاشر الكافر، وهو من ينتحل دينًا غير الإسلام، أو انتحل الإسلام وجحد ما يُعلم أنه من الدين الإسلامي، بحيث رجع جحده إلى إنكار الرسالة، نعم إنكار المعاد يُوجب الكفر مطلقًا، ولا فرق بين المرتد والكافر الأصلي الحربي والذمي، والخارجي والغالي والناصب».
وقال محسن الحكيم في كتابه العروة الوثقى (1/68 ط.طهران): «لا إشكال في نجاسة الغلاة والخوارج والنواصب».
وقال الخميني في تحرير الوسيلة: (1/119): «غير الإثني عشرية من فرق الشيعة إذا لم يظهر منهم نصب أو معاداة وسب لسائر الأئمة الذين لا يعتقدون بإمامتهم طاهرون، وأما مع ظهور ذلك منهم فهم مثل سائر النواصب».
ويقول في (ص:118 ط: بيروت): «وأما النواصب والخوارج لعنهما الله تعالى فهما نجسان من غير توقف».
وقال محمد بن علي القمي الكذوب في عقاب الأعمال (ص:352 ط: بيروت) عن الإمام الصادق أنّه قال: «إنَّ المؤمن ليشفع في حميمه إلاّ أنْ يكون ناصبيًا، ولو أنَّ ناصبًا شفع له كل نبي مرسل وملك مقرب ما شُفّعوا».
ويروي في الصفحةِ ذاتها عن أبي بصير عن الصادق: «إنَّ نوحًا عليه السلام حمل في السفينة الكلب والخنزير ولم يحمل ولد الزنا، والناصب شر من ولد الزنا».
* ... * ... *
حكم من لا يقول بإمامة الأئمة الاثني عشر
عند الشيعة
أخي القارئ: إن كل طوائف الإسلام قاطبة لا تقول بإمامة اثني عشر إمامًا.
قال يوسف البحراني في الحدائق الناضرة (18/153، ط: بيروت): «وليت شعري أي فرق بين من كفر بالله سبحانه ورسوله، وبين من كفر بالأئمة عليهم السلام مع ثبوت كون الإمامة من أصول الدين».
وقال الفيض الكاشاني في منهاج النجاة (ص:48، ط: دار الإسلامية بيروت): «ومن جحد إمامة أحدهم -الأئمة الاثني عشر- فهو بمنزلة من جحد نبوة جميع الأنبياء».(90/41)
وقال المجلسي في بحار الأنوار (23/390 ط: بيروت): «اعلم أن إطلاق لفظ الشرك والكفر على من لم يعتقد بإمامة أمير المؤمنين والأئمة من ولده عليهم السلام، وفضّل عليهم غيرهم؛ يدل على أنهم كفار مخلدون في النار».
وقال يوسف البحراني في الحدائق الناضرة (18/53):
«إنك قد عرفت أن المخالف كافر لاحظ له في الإسلام بوجه من الوجوه، كما حققنا في كتابنا الشهاب الثاقب».
وقال عبد الله شبر في حق اليقين في معرفة أصول الدين (2/188 ط: بيروت): «وأما سائر المخالفين ممن لم ينصب ولم يعاند ولم يتعصب، فالذي عليه جملة من الإمامية كالسيد المرتضى أنهم كفار في الدنيا والآخرة، والذي عليه الأشهر أنهم كفار مخلدون في النار، وتجري عليهم أحكام الإسلام في الدنيا من حقن دمائهم وأموالهم».
وقال محمد بن حسن النجفي في جواهر الكلام: (6/62):
«والمخالف لأهل الحق كافر بلا خلاف بيننا، كالمحكي عن الفاضل محمد صالح في شرح أصول الكافي، بل والشريف القاضي نور الله في إحقاق الحق من الحكم بكفر منكري الولاية؛ لأنها أصل من أصول الدين».
ويقول أيضًا في نفس المصدر السابق: «ومعلوم أن الله عقد الأخوّة بين المؤمنين بقوله تعالى: ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)) [الحجرات:10] دون غيرهم، فكيف تتصور الأخوة بين المؤمن والمخالف بعد تواتر الروايات وتظافر الآيات في وجوب معاداتهم والبراءة منهم».
وقال عبد الله المامقاني في تنقيح المقال (1/208، باب الفوائد ط.نجف): «وغاية ما يستفاد من الأخبار جريان حكم الكافر والمشرك في الآخرة على كل من لم يكن اثني عشريًا».(90/42)
وقال الصدوق في علل الشرائع (ص:601 ط: نجف) والحر العاملي في وسائل الشيعة (18/463) والجزائري في الأنوارالنعمانية (2/308): «عن داود بن فرقد قال: قلتُ لأبى عبد الله عليه السلام: ما تقول في قتل الناصب؟ قال: حلال الدم، ولكن أتقي عليك، فإن قدرت أن تقلب عليه حائطًا أو تغرقه في ماء لكيلا يشهد عليك فافعل. قلتُ: فما ترى في ماله؟ قال: تُوه ما قدرت عليه».
وقال نعمة الله الجزائري في الأنوار النعمانية (2/308): «وفي الروايات أن علي بن يقطين وهو وزير الرشيد قد اجتمع في حبسه جماعة من المخالفين وكان من خواص الشيعة، فأمر غلمانه وهدوا سقف الحبس على المحبوسين فماتوا كلهم وكانوا خمسمائة رجل تقريبًا، فأراد الخلاص من تبعات دمائهم فأرسل إلى مولانا الكاظم فكتب عليه السلام إليه جواب كتابه: بأنك لو كنت تقدمت إلي قبل قتلهم لما كان عليك شيء من دمائهم، وحيث أنك لم تتقدم إلي فكفّر عن كل رجل قتلته منهم بتيس، والتيس خير منه، فانظر إلى هذه الدية الجزيلة التي لا تعادل دية أخيهم الأصغر وهو كلب الصيد، فإن ديته خمس وعشرون درهمًا، ولا دية أخيهم الأكبر وهو اليهودي أو المجوسي، فإنها ثمانمائة درهم، وحالهم في الدنيا أخس وأبخس».
وقال أبو جعفر الطوسي في تهذيب الأحكام (4/122، ط: طهران) والفيض الكاشاني في الوافي (6/43، ط: دار الكتب الإسلامية طهران) عن الإمام الصادق: «خذ مال الناصب حيثما وجدته وادفع إلينا خُمسه».
وقال الخميني في تحرير الوسيلة (1/352): «والأقوى إلحاق الناصب بأهل الحرب في إباحة ما اغتنم منهم وتعلق الخُمس به، بل الظاهر جواز أخذ ماله أين وجد وبأي نحو كان، وادفع إلينا خُمسه».
وقال يوسف البحراني في الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة (12/323-324): «إن إطلاق المسلم على الناصب، وأنه لا يجوز أخذ ماله من حيث الإسلام خلاف ما عليه الطائفة المحقة سلفًا وخلفًا من الحكم بكفر الناصب ونجاسته وجواز أخذ ماله، بل قتله».(90/43)
* ... * ... *
جواز اغتياب المخالفين
قال الخميني في المكاسب المحرمة (1/251 ط: قم): «والإنصاف أن الناظر في الروايات لا ينبغي أن يرتاب في قصورها عن إثبات حرمة غيبتهم، بل لا ينبغي أن يرتاب في أن الظاهر من مجموعها اختصاصها بغيبة المؤمن الموالي لأئمة الحق عليهم السلام ».
وقال الخميني في المكاسب المحرمة (1/249): «ثم إن الظاهر اختصاص الحرمة بغيبة المؤمن، فيجوز اغتياب المخالف إلا أن تقتضي التقية وغيرها لزوم الكف عنهم».
وقال عبد الحسين دستغيب في الذنوب الكبرى (2/267 ط: الدار الإسلامية، بيروت): «ويجب أن يعلم أن حرمة الغيبة مختصة بالمؤمن أي المعتقد بالعقائد الحقة ومنها الاعتقاد بالأئمة عليهم السلام وبناءً على ذلك فإن غيبة المخالفين ليست حرامًا».
وقال محمد حسن النجفي في جواهر الكلام (22/62): «وعلى كل حال فالظاهر إلحاق المخالفين بالمشركين في ذلك؛ لاتحاد الكفر الإسلامي والإيماني فيه، بل لعل هجاءهم على رءوس الأشهاد من أفضل عبادة العباد ما لم تمنع التقية، وأولى من ذلك غيبتهم التي جرت سيرة الشيعة عليها في جميع الأعصار والأمصار وعلمائهم وعوا مهم؛ حتى ملئوا القراطيس منها، بل هي عندهم من أفضل الطاعات وأكمل القربات، فلا غرابة في دعوى تحصيل الإجماع كما عن بعضهم، بل يمكن دعوى كون ذلك من الضروريات فضلًا عن القطعيات».(90/44)
قال زعيم الحوزة العلمية آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي(1) في كتابه مصباح الفقاهة (1/323) في حديثه عن حرمة الغيبة ما نصه: «ومن أنكر واحدًا منهم -يقصد الأئمة الاثني عشر- جازت غيبته لوجوه، الوجه الأول: أنه ثبت في الروايات والأدعية والزيارات جواز لعن المخالفين، ووجوب البراءة منهم، وإكثار السب عليهم، واتهامهم، والوقيعة فيهم: أي غيبتهم؛ لأنهم من أهل البدع والريب، بل لا شبهة في كفرهم؛ لأن إنكار الولاية والأئمة حتى الواحد منهم، والاعتقاد بخلافة غيرهم، وبالعقائد الخرافية كالجبر ونحوه؛ يوجب الكفر والزندقة، وتدل عليه الأخبار المتواترة والظاهرة في كفر منكر الولاية، وكفر المعتقد بالعقائد المذكورة، وما يشبهها من ضلالات» انتهى كلامه.
فالسيد الخوئي -وهو شيخ مشايخ الشيعة الإمامية- يقرر أن لعن كل من ليس شيعيًا ثابت واجب؛ لأنه لا شبهة في كفرهم!!
أخي المسلم: كلام الشيعة الإمامية في كفر ونجاسة أهل السنة والجماعة لايدخل تحت حصر، وفيما نقلنا من كتبهم ومراجعهم كفاية لمن وفقه الله للهداية والنجاة.
* ... * ... *
كتاب (التحرير والتنوير) للطاهر ابن عاشور
هذا الاسم البالغ صداه كل الأوساط العلمية والمجامع الرائقة، كتاب يعرفه أهل القرآن وخاصة تفسيره وبيانه وتأويله، كتاب تألق بين كتب التفسير؛ جاء رويدًا وتصدر في الأولِ! حيث هو منهج علمي متين، متمسّك بطرائق وحبال المتقدمين، حريص على تفسير كلام الله بالمأثور -وإن شط فسرعان ما يعود- نمطه المتقدم فريد، وأسلوبه العصري تليد.
__________
(1) أبو القاسم الخوئي: المرجع العام للشيعة الاثني عشرية، وأستاذ الحوزة العلمية في النجف، تتلمذ على يده معظم من يحملون لقب آية الله في الأوساط الشيعية الآن، وبقي متربعًا على عرش المرجعية قرابة عشرين عامًا حتى توفي وهو في السابعة والتسعين من عمره عام (1413هـ).(90/45)
إذا تأملت تفسيره ولو من بُعد! ألفيت عقلًا راجحًا، ورأيًا صائبًا، وسعة فكر، وقوة بيان، وحجة قوية، وبرهانًا قاطعًا، ولا غرو؛ فهو سليل العلم ومعدن الفهم، علم وخبرة وذوق وملكة.. صحة مدارك وقوة مقاصد.
(التحرير والتنوير من التفسير) وهو مختصر من اسمه الأصلي: «تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد».
في هذا الكتاب الكبير دافع الإمام ابن عاشور رحمه الله عن مقاصد الإسلام ومعانيه وشرائعه ومبانيه.. حارب الشرك وأشكاله، والكفر وضروبه، حبّب المسلمين في السنة ورغبهم في التمسك بها، وحذّرهم البدعة ونفّرهم منها.
يعظّم الله وأوامره، ويجلّ النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأهل بيته من قرابته وأزواجه رضي الله عنهم أجمعين.
شنّع على المبتدعة وأهل الضلال، أصحاب الفطر المنكوسة والآراء المضللة، ورد على الزنادقة أعداء الملة المحمدية، وبين منهجهم وفضح باطلهم، بأجلى عبارة وأمتن بيان... ومن هؤلاء الضلال المبتدعة (الشيعة الإمامية الإثنا عشرية) فقد بين أمرهم وشيئًا من معتقداتهم الفاسدة، وأنهم ليسوا على شيء.
* ... * ... *
الطاهر ابن عاشور والشيعة
تعرض العلامة الإمام الكبير الطاهر ابن عاشور للشيعة من خلال كتبه ورسائله رحمه الله... في غير كتابه التفسير، وأنا هنا فقط سأقدم بتقدمة فيها إشارات إلى بعض مناقشاته وأقواله في الشيعة؛ هذه الفرقة التي شوهت الإسلام وأضرت بالمسلمين.
1) مناقشة المبتدعة في أسانيد ومتون مرويات حديث (أولية خلق النور المحمدي) ورَدِّه سندًا ومتنًا، روايةً ودرايةً(1).
2) مناقشته لأحاديث المهدي رواية ودراية عامة، والإزراء بالشيعة، وبيان فساد أقوالهم فيه وجهلهم بالمنقولات، وبعدهم عن تمحيص الآثار والروايات(2).
__________
(1) انظر: تحقيقات وأنظار (151-156).
(2) انظر: المصدر السابق (49-60).(90/46)
3) نتف من كلامه رحمه الله في كتابه الذي سخّر قلمه فيه لرفع راية الإصلاح الديني والعلمي والاجتماعي، متفائلًا بقرب الصبح، فوسمه بـ(أليس الصبح بقريب)، ولكن عكر على الإصلاح في العالم الإسلامي وجود بعض الدعوات المشبوهة والمذاهب الهدامة، من الباطنية والإسماعيلية والشيعة الغلاة بشتى مذاهبهم.. فتطرق رحمه الله إلى هذه المذاهب بشيء من الاقتضاب.. وإليك بعضًا منها:
قال رحمه الله في معرض كلامه عن تخلف بعض الديار من أفريقية والأندلس، وأن سببه يعود للتسلط المذهبي المقيت من الشيعة آنذاك فقال (ص:69): «كان ظهور الدولة العبيدية بالقيروان سنة (297هـ) الحايل الحقيقي بين أهل أفريقية وبين الزيادة من العلوم، وتقدمت الأندلس تقدمها السريع على القيروان، فإن العبيديين لما كانوا ينتحلون نحلة الشيعة، أظهروا بدعًا وأوهامًا وأماني من الأوهام، لم تكن معلومة لأهل العلم بالقيروان الذين لم يزالوا إلى يومئذ على السنة، فحدث بسبب ذلك التنكر بين أتباعهم وبين علماء القيروان، وابتدأ الأمر بالفتنة القولية، ثم انتهى بالضغط والاضطهاد، وبتحقير علماء السنة وتولية القضاة وأضرابهم من الشيعة... إلى أن قال: وكان علماء القيروان يتسترون من الاضطهاد خصوصًا في زمن إسماعيل العبيدي الملقب بالمنصور (سنة:331هـ) الذي تجاهر بمناوأة أهل العلم وهم أهل السنة والفقه، وأغرى بهم حثالة أتباع مذهبه من الشيعة... إلخ».
قال رحمه الله في ثنايا كلامه عن علم التفسير، وأن سبب الدس فيه الشيعة فقال (ص:187): «...وأما الطرق عن علي بن أبي طالب فإن أكثرها واه إلا ما صحّ بسند بريء من التهمة؛ لأن الشيعة قد أكثروا الرواية عنه بأسانيد أكثرها واه، وكذلك ما يروونه عن أئمة أهل البيت في تفسير كثير من آي القرآن، وكثير من ذلك في تفسير مجمع البيان للطبرسي... إلخ».(90/47)
رحم الله إمامنا ابن عاشور، ففي عصره لم يصل إليه إلا تفسير الطبرسي هذا، وهو مؤلف كما يعلم الباحثون على مذهب التقية!! وهو الذي يوزعه الشيعة الآن على أهل السنة من علماء وأكاديميين.. فكيف لو وقف الإمام على تفسير القمي، والبرهان للبحراني، وتفسير الصافي!
ج) قال رحمه الله في سياق كلامه عن أسباب الضعف في عرض التفسير وذلك في (ص:189): «...وكذا ما يحرِّف به غلاة الشيعة الكلم عن مواضعه في نحو: ((إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى)) [الليل:12] فقرأها بعضهم: (إن عليًّا للهدى) وقولهم: إن أهل البيت في آية: ((إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)) [الأحزاب:33] هم خصوص فاطمة وعلي وحسن وحسين وعباس، وكلمة: ((وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ)) [الأحزاب:34] تبطل ما صنعوه... إلخ».
* ... * ... *
موقف ابن عاشور من الشيعة في كتابه
(التحرير والتنوير)
والآن إلى المراد من بيان موقف العلامة الكبير الطاهر ابن عاشور من الشيعة من خلال كتابه العظيم (التحرير والتنوير).
[الموضع الأول]
قال رحمه الله في المجلد الأول (ص:61) من تفسيره، عند كلامه على القراءات في المقدمة السادسة:
«...وقرأ بعض الرافضة: ((وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً)) [الكهف:51] بصيغة التثنية وفسروها بأبي بكر وعمر حاشاهما، وقاتلهم الله».
أقول: وهذا مذهب وعقيدة الشيعة الإثني عشرية اليوم، فهم يكفرون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، وذلك لأن أسياد الشيعة علموا أن الطعن فيهما طعن في الإسلام. وإليك ما يشيب منه مفرق الغراب وناصية الوِلْدان من أقوالهم في الشيخين رضي الله عنهما، موثّقة من مصادرهم الأصلية ومراجعهم المعتمدة:
زَعْم الشيعة الاثني عشرية وجوب لعن الشيخين والبراءة منهما:(90/48)
يوجب الشيعة الاثنا عشرية لعن الشيخين: أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ويزعمون أن بعض أئمتهم قد لعنهما:
فقد نسبوا إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه -زورًا وبهتانًا- أنه لما قام إليه أحد الناس، وطلب منه أن يبايعه على ما عمل أبو بكر وعمر، قال: «فمد يده، وقال له: اصفق، لعن الله الاثنين»(1).
وزعم سليم بن قيس -من الشيعة- أن عليًّا كان يلعن الشيخين دائمًا(2).
وذكر بعض الشيعة أن الإمام جعفر الصادق رحمه الله كان يلعنهما رضي الله عنهما في دبر كل مكتوبة(3).
وقد أنشأ الشيعة أدعية عديدة في لعن الشيخين رضي الله عنهما، ذكروها في كتبهم، ووضعوا في فضلها أحاديث كثيرة، ترغيبًا لشيعتهم في قراءتها، والإكثار من ترديدها والدعاء بها.
وسأذكر منها:
الدعاء المسمى بـ«دعاء صنمي قريش»:
هذا الدعاء اعتبره الشيعة من الأدعية الخاصة في لعن الشيخين: أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وابنتيهما عائشة وحفصة زوجتي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والشيعة قد زعموا أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه -وحاشاه مما نسبه إليه الشيعة- كان يقنت في صلاة الوتر بهذا الدعاء(4). ونسبوا إليه -زورًا وبهتانًا- أنه قال عنه: «إن الداعي به كالرامي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بدر وحنين بألف ألف سهم»، ونسبوا إليه كذلك قوله عنه: «إنه من غوامض الأسرار وكرائم الأذكار»(5).
وقد زعم الشيعة أنه -حاشاه عما نسبوا إليه- كان يواظب عليه في ليله ونهاره وأوقات أسحاره(6).
__________
(1) رواه الصفار في بصائر الدرجات الكبرى (ص:412) والمفيد في الاختصاص (ص:312).
(2) السقيفة لسليم بن قيس.
(3) نفحات اللاهوت للكركي (ق:6/أ:74/ب).
(4) البلد الأمين للكفعمي (ص:511)، والمصباح له (ص:511)، ونفحات اللاهوت للكركي (ق:74/ب)، وعلم اليقين للكاشاني (2/701)، وفصل الخطاب للنوري الطبرسي (ص:221-222).
(5) المصادر السابقة نفسها.
(6) المصادر السابقة نفسها.(90/49)
ونسبوا إلى بعض أئمتهم -زورًا وبهتانًا أيضًا- في فضل هذا الدعاء: أن من قرأه مرة واحدة «كتب الله له سبعين ألف حسنة، ومحا عنه سبعين ألف سيئة، ورفع له سبعين ألف درجة، ويقضى له سبعون ألف ألف حاجة»(1) وأن من يلعن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما في الصباح لم يكتب عليه ذنب حتى يمسي، ومن لعنهما في المساء لم يكتب عليه ذنب حتى يصبح(2).
واهتم الشيعة بهذا الدعاء اهتمامًا كبيرًا، واعتبروه من الأدعية المشروعة(3).
وعمدوا إلى شرحه، فبلغت شروحه أكثر من عشرة شروح(4).
وقد ذكر مصنفو الشيعة هذا الدعاء -بعضه أو كله- في مصنفاتهم، فممن ذكره كله: الكفعمي في البلد الأمين (ص:511-514)، وفي المصباح (الجنة الواقية ص:548- 557)، والكاشاني في علم اليقين: (2/701-703)، والنوري الطبرسي في فصل الخطاب (ص:9-10)، وأسد الله الطهراني الحائري في مفتاح الجنان (ص:113-114)، وسيد مرتضى حسين في صحيفة علوية (ص:200-202)، ومنظور بن حسين وغيرهم (في تحفة العوام مقبول ص:213-214).
وممن ذكر مقتطفات من هذا الدعاء أو أشار إليه من مصنفي الشيعة:
__________
(1) ضياء الصالحين (ص:513).
(2) المصدر السابق (ص:513).
(3) الذريعة لآغا بزرك الطهراني (8/192).
(4) راجع المصادر الشيعية التالية: البلد الأمين للكفعمي (ص:511)، والمصباح له (ص:551)، ونفحات اللاهوت للكركي (ق:74/ب)، وعلم اليقين للكاشاني (2/701)، وفصل الخطاب للنوري الطبرسي (ص:221-222) والذريعة إلى تصانيف الشيعة لآغا بزرك الطهراني (8/192) وأمل الآمال للحر العاملي (2/32).(90/50)
الكركي في نفحات اللاهوت في لعن الجبت والطاغوت (ق:6/أ:74/ب)، والكاشاني في قرة العيون (ص:426)، والداماد الحسيني في شرعة التسمية في زمن الغيبة (ق:26/أ)، والمجلسي في مرآة العقول (4/356)، والتستري في إحقاق الحق (ص: 58، 133-134)، وأبو الحسن العاملي في مقدمته على تفسير البرهان(ص:113-174-226-250-290-294-313-339)، والحائري في إلزام الناصب (2/95)، والنوري الطبرسي في فصل الخطاب (221-222)، وعبدالله شبر في حق اليقين (1/219)، وغيرهم.
وقد سمّى الشيعة هذا الدعاء بـ«دعاء صنمي قريش» كما تقدم، لأنّ أوله: «اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، والعن صنمي قريش وجبتيها وطاغوتيها وإفكيها، وابنتيهما...إلخ».
ومرادهم بصنمي قريش: أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما وعامل بعدله من يبغضهما- كما صرح الشيعة بذلك في العديد من مصنفاتهم، منهم: الكفعمي في شرحه لهذا الدعاء(1)، والكركي في نفحات اللاهوت(2)، والمجلسي في مرآة العقول: (4/356)، والداماد الحسيني الذي أشار إلى دعاء صنمي قريش، وقال: إن المراد بـ(صنمي قريش) الرجلان المدفونان مع رسول الله(3)، والتستري في إحقاق الحق (ص:133-134)، والحائري في إلزام الناصب (2/95) ومما قاله: «صنما قريش هما: أبو بكر وعمر... غصبا الخلافة بعد رسول الله...»، والنوري الطبرسي في فصل الخطاب (ص:9-10) وقال نحوًا من قول الحائري.
__________
(1) المصباح للكفعمي (ص:552-554).
(2) وكتابه نفحات اللاهوت في لعن الجبت والطاغوت، صنفه خصيصًا في لعن الشيخين الجليلين صاحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهما اللذان عناهما بقوله: الجبت والطاغوت، وقد ذكر في هذا الكتاب أن عليًا رضي الله عنه وحاشاه مما ينسبه إليه الشيعة -كان يقنت في الوتر يلعن صنمي قريش، ثم قال: يريد بهما أبا بكر وعمر، وقد ورد استحباب الدعاء على أعداء الله في الوتر، نفحات اللاهوت للكركي (ق:74/ب).
(3) شرعة التسمية في زمن الغيبة (ق:26/أ).(90/51)
وبعض الشيعة لم يصرحوا بأن المراد بهما أبو بكر وعمر -وهذا من باب التقية التي يتعاملون بها مع أهل السنة- واكتفوا بالإشارة إلى ألقابهما، بحيث يدرك الشيعي الذي يعرف ألقابهما أنهما المرادان بهذا الدعاء، فالكاشاني: ذكر أن المراد بهما: فرعون وهامان، فقال: «أرذل المخلوقات صنما قريش عليهما لعائن الله.. وهما فرعون وهامان» وفرعون وهامان من الألقاب التي يطلقها الشيعة على الشيخين رضي الله عنهما كما سيأتي(1).
وأشار أبو الحسن العاملي إلى أن المراد بهما: فلان وفلان، أو الجبت والطاغوت(2)، وكلها من الألقاب التي يطلقها الشيعة على الشيخين.
والدعاء الذي وسمه الشيعة بـ«دعاء صنمي قريش» مليء باللعن والسب والشتم، والدعاء بالويل والنار على الشيخين رضي الله عنهما، وقد ختموا هذا الدعاء بقولهم: «ثم قل أربع مرات: اللَّهم عذّبهم عذابًا يستغيث منه أهل النار..».
وهو مليء أيضًا بالافتراءات المكذوبة، والإفك الواضح، والبهتان المبين، والاتهامات الباطلة الموجّهة لأفضل الناس بعد النبيين، الشيخين الجليلين أبي بكر وعمر، مثل: دعواهم أنهما أنكرا الوحي، وحرفا القرآن، وخالفا الشرع، وعطلا الأحكام، وخرّبا البلاد، وأفسدا العباد، وأخربا بيت النبوة، و...، و...، إلى آخر هذا الهذيان الكاذب، والإفك المفترى الذي لا يسعفه برهان، ولا تؤيده حجة ولا دليل. وهو يكشف بوضوح عما يعتمل في صدور الشيعة من حقد دفين، وبغض شديد، وكراهية شنيعة لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل ولأفضلهم على الإطلاق: اللذين أمرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم أن نقتدي بهما بعد موته.
أما عن عقيدة الشيعة في البراءة من الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما:
فإن البراءة منهما ومن عثمان ومعاوية رضي الله عنهم تعد من ضروريات مذهبهم، فمن لم يتبرأ منهم، فليس من مذهب الشيعة في شيء.
__________
(1) قرة العيون للكاشاني (ص:432-433).
(2) مقدمة البرهان للعاملي (ص:133).(90/52)
قال المجلسي -مرجع الشيعة المعاصرين-:«ومن ضروريات دين الإمامية البراءة من أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية...»(1).
بل والبراءة منهم تعتبر عند الشيعة من أسباب ذهاب الأسقام وشفاء الأبدان(2).
ومن تبرأ منهم ومات في ليلته دخل الجنة: روى الكليني في كتابه الكافي (2/389) -الذي يعد أحد الأصول الأربعة المعتبرة عند الشيعة- بسنده عن أحدهما(3)، قال: «من قال: اللَّهم إني أشهدك وأشهد ملائكتك المقرّبين، وحملة عرشك المصطفين أنك أنت الله لا إله إلا أنت الرحمن الرحيم، وأن محمدًا عبدك ورسولك، وأن فلانًا إمامي ووليي(4) وأن أباه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي والحسن والحسين وفلانًا وفلانًا حتى ينتهي إليه(5) أوليائي، على ذلك أحيا، وعليه أموت، وعليه أبعث يوم القيامة، وأبرأ من فلان وفلان وفلان. فإن مات من ليلته دخل الجنة».
وفلان وفلان وفلان هم أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم.
وليس الشيعة وحدهم الذين يلعنون الشيخين الجليلين: أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ويتبرءون منهما، بل هناك خلق آخر -على حد زعم الشيعة- خلقهم الله للعن الشيخين والتبرؤ منهما فقط.
فقد نسب الشيعة زورًا وبهتانًا إلى جعفر الصادق رحمه الله أنه قال: «إن من وراء عين شمسكم هذه أربعين عين شمس فيها خلق كثير، وإن من وراء قمركم أربعين قمرًا فيها خلق كثير، لا يدرون أن الله خلق آدم أم لم يخلقه، ألهموا إلهامًا لعنة فلان وفلان».
__________
(1) الاعتقادات للمجلسي (ق:17).
(2) إلزام الناصب للحائري (2/9).
(3) مصطلح يستعمله الشيعة ويريدون به أحد الإمامين: جعفر الصادق أو أباه الباقر.
(4) ويسمى إمام زمانه.
(5) أي: إلى إمام زمانه.(90/53)
وفي رواية الكليني صاحب الكافي: «لم يعصوا الله طرفة عين، يبرءون من فلان وفلان»(1). وقد أورد رجب البرسي هذه الرواية وزاد على الشيخين عثمان بن عفان(2).
وقد علّق المجلسي على هذه الرواية بقوله: «من فلان وفلان، أي: من أبي بكر وعمر»(3).
وخلاصة القول: أن الشيعة الاثني عشرية مجمعون على لعن الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما والتبرؤ منهما، بل ويوجبون ذلك كما تقدم آنفًا.
ولا ريب في مخالفة هذه الأقوال لما يعتقده أئمتهم في الشيخين رضي الله عنهما خصوصًا وفي الصحابة عمومًا، ولا شك أن ما نسبوه إلى أئمتهم من لعن الشيخين رضي الله عنهما وغيرهما من الصحابة والتبرؤ منهم؛ مكذوب على أولئك الأئمة رحمهم الله.
(انظر كتاب: أوجز الخطاب في بيان موقف الشيعة من الأصحاب للحسني).
ونحن نقول هنا كما قال إمامنا المفسر الكبير شيخ الإسلام الطاهر ابن عاشور رحمه الله: «قاتل الله الرافضة وقتلهم».
* ... * ... *
[الموضع الثاني]
__________
(1) رواه الصفار والكليني بسنديهما: بصائر الدرجات الكبرى للصفار (ص:510-513)، والروضة من الكافي للكليني (ص:347). وانظر الخرايج والجرايح للراوندي (ص:127)، ومختصر بصائر الدرجات لحسن الحلي (ص:12)، وقرة العيون للكاشاني (ص:433)، والبرهان للبحراني (1/48) (4/216)، ومرآة العقول شرح الروضة - للمجلسي (4/347).
(2) انظر: مشارق الأنوار لرجب البرسي (ص:42).
(3) مرآة العقول - شرح الروضة - للمجلسي (4/347).(90/54)
قال رحمه الله (ص:139) من المجلد الأول، في معرض كلامه عن (البسملة) وخلاف أهل العلم في كونها آية من كل سورة: «... قال الباقلاني: لو كانت التسمية من القرآن لكان طريق إثباتها إما التواتر أو الآحاد، والأول باطل؛ لأنه لو ثبت بالتواتر كونها من القرآن لحصل العلم الضروري بذلك، ولامتنع وقوع الخلاف فيه بين الأمة، والثاني أيضًا باطل؛ لأن خبر الواحد لا يفيد إلا الظن، فلو جعلناه طريقًا إلى إثبات القرآن لخرج القرآن عن كونه حجة يقينية، ولصار ذلك ظنيًا، ولو جاز ذلك لجاز ادعاء الروافض أن القرآن دخله الزيادة والنقصان والتغيير والتحريف. اهـ... إلى أن قال رحمه الله في نقل كلامٍ لعبدالوهاب:.. ولذلك قطعنا بمنع أن يكون شيء من القرآن لم ينقل إلينا، وأبطلنا قول الرافضة إن القرآن حِمْلُ جَملٍ عند الإمام المعصوم المنتظر، فلو كانت البسملة من الحمد لبينها رسول الله بيانًا شافيًا. اهـ».
وأقول هنا: يجب علينا حتى نَعِي ونفهم كلام هذا الإمام رحمه الله في موقف الشيعة من كتاب الله تعالى، أن نشير إلى بعض كلام علمائهم المعتبرين وعقيدتهم في القرآن الكريم... وإليك هذا:
قال الشيخ المفيد: «إن الأخبار قد جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى من آل محمد صلى الله عليه وسلم باختلاف القرآن، وما أحدثه بعض الظالمين فيه من الحذف والنقصان»(1).
وقال أبو الحسن العاملي: «اعلم أن الحق الذي لا محيص عنه بحسب الأخبار المتواترة الآتية وغيرها، أن هذا القرآن الذي في أيدينا قد وقع فيه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء من التغييرات، وأسقط الذين جمعوه بعده كثيرًا من الكلمات والآيات»(2).
__________
(1) أوائل المقالات (ص:91).
(2) المقدمة الثانية لتفسير مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار (ص:36) وطبعت هذه كمقدمة لتفسير البرهان للبحراني.(90/55)
وقال نعمة الله الجزائري: «إن تسليم تواتره عن الوحي الإلهي، وكون الكل قد نزل به الروح الأمين؛ يفضي إلى طرح الأخبار المستفيضة، بل المتواترة، الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن كلامًا، ومادةً، وإعرابًا، مع أن أصحابنا قد أطبقوا على صحتها والتصديق بها»(1).
وقال محمد باقر المجلسي في معرض شرحه لحديث هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إن القرآن الذي جاء به جبرائيل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم سبعة عشر ألف آية» قال عن هذا الحديث: «موثق» وأضاف: «ولا يخفى أن هذا الخبر وكثير من الأخبار الصحيحة صريحة في نقص القرآن وتغييره، وعندي أن الأخبار في هذا الباب متواترة معنى، وطرح جميعها يوجب رفع الاعتماد عن الأخبار رأسًا، بل ظني أن الأخبار في هذا الباب لا يقصر عن أخبار الإمامة، فكيف يثبتونها بالخبر؟»(2) أي كيف يثبتون الإمامة بالخبر إذا طرحوا أخبار التحريف؟
وروى شيخهم محمد بن محمد بن النعمان الملقب بالمفيد في كتاب الإرشاد (ص:365، الطبعة الثالثة، مؤسسة الأعلمي، بيروت:1979) عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا قام قائم آل محمد ضرب فساطيط يعلم فيها القرآن على ما أنزل، فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم؛ لأنه يخالف فيه التأليف».
وروى شيخهم النعماني في كتاب الغيبة (ص:318) عن علي عليه السلام قال: «كأني بالعجم فساطيطهم في مسجد الكوفة يعلمون الناس القرآن كما أنزل، قلت -أي الراوي-: يا أمير المؤمنين! أو ليس هو كما أنزل؟ فقال: لا. مُحي منه سبعون من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم، وما ترك أبو لهب إلا إزراء على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ لأنه عمه».
__________
(1) الأنوار النعمانية (ج:2) (ص:357).
(2) مرآة العقول (12/525).(90/56)
وقال نعمة الله الجزائري في الأنوار النعمانية (2/360): «روي في الأخبار أنهم عليهم السلام أمروا شيعتهم بقراءة هذا الموجود من القرآن في الصلاة وغيرها، والعمل بأحكامه، حتى يظهر مولانا صاحب الزمان (المهدي) فيرتفع هذا القرآن من أيدي الناس إلى السماء، ويخرج القرآن الذي ألفه أمير المؤمنين عليه السلام، فيقرأ ويعمل بأحكامه».
ويصرح الفيض الكاشاني في تفسير الصافي (المقدمة السادسة:1/44 ط: الأولى 1979م، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت لبنان) بأن: «المستفاد من جميع الأخبار والروايات الواردة من طريق أهل البيت، أن القرآن الذي بين أظهرنا ليس بتمامه كما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، بل منه ما هو خلاف ما أنزل الله، ومنه ما هو مغير محرف، وأنه حذف منه أشياء كثيرة، منها اسم علي عليه السلام في كثير من المواضع، ومنها لفظة آل محمد».
وذكر علي بن إبراهيم القمي في تفسيره(1) بأنه قد قرئت على أبي عبد الله عليه السلام هذه الآية: ((وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً)) [الفرقان:74] فقال أبو عبد الله عليه السلام: «لقد سألوا الله عظيمًا أن يجعلهم للمتقين إمامًا، فقيل له: يابن رسول الله! كيف نزلت؟ فقال: إنما نزلت هكذا: (والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعل لنا من المتقين إمامًا)».
__________
(1) تفسير القمي (1/36)، دار السرور، بيروت.(90/57)
وقال أيضًا في تفسير القمي [(1/37) دار السرور بيروت]: «وأما ما هو محرف فهو قوله تعالى: (لكن الله يشهد بما أنزل إليك في علي أنزله بعلمه والملائكة يشهدون). وقوله: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك في علي وإن لم تفعل فما بلغت رسالته). وقوله: (إن الذين كفروا وظلموا آل محمد حقهم لم يكن الله ليغفر لهم). وقوله: (وسيعلم الذين ظلموا آل محمد حقهم أي منقلب ينقلبون).وقوله: (ولو ترى الذين ظلموا آل محمد حقهم في غمرات الموت)».
ويقول نعمة الله الجزائري في الأنوار النعمانية (2/357 ط.تبريز إيران): «الأخبار المستفيضة المتواترة الصريحة على وقوع التحريف في القرآن».
ويورد محمد باقر المجلسي في مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول (12/525-526 ط:2 نشر دار الكتب الإسلامية طهران) ما رووه عن أبي عبد الله أنه قال: «إن القرآن الذي جاء به جبرائيل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم سبعة عشر ألف آية».
ويعلق على هذه الرواية بقوله: «فالخبر صحيح، ولا يخفى أن هذا الخبر وكثير من الأخبار الصحيحة صريحة في نقص القرآن وتغييره، وعندي أن الأخبار في هذا الباب متواترة».
ويقول أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي في كتابه المعروف الاحتجاج (1/225-228 ط.(1414) منشورات شركة الكتبي بيروت:1/371 ط: الأعلمي. بيروت ج:1 ص:249) «وليس يسوغ مع عموم التقية التصريح بأسماء المبدلين ولا الزيادة في آياته... فحسبك من الجواب عن هذا الموضع ما سمعت؛ فإن شريعة التقية تحظر التصريح بأكثر منه».
ويقول الطبرسي في الاحتجاج [(1/377-378)، ط: الأعلمي بيروت 1/254)]: «ولو شرحت لك كل ما أُسقط وحرِّف وبُدِّل وما يجري هذا المجرى، لطال وظهر ما تحظر التقية إظهاره من مناقب الأولياء ومثالب الأعداء».(90/58)
ويقول أبو الحسن العاملي المولى محمد طاهر بن عبد الحميد بن موسى بن علي بن معتوق بن عبد الحميد العاملي النباطي الفتوني في مقدمة تفسير مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار [ص:36، ط: الأفتاب بطهران عام (1374هـ) منشوارت مؤسسة إسماعيليان بقم] ما نصه: «اعلم أن الحق الذي لا محيص عنه بحسب الأخبار المتواترة الآتية وغيرها؛ أن هذا القرآن الذي بين أيدينا قد وقع فيه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء من التغييرات، وأسقط الذين جمعوه بعده كثيرًا من الكلمات والآيات عما ذكر الموافق لما أنزله الله تعالى؛ ما جمعه علي عليه السلام وحفظه إلى أن وصل إلى ابنه الحسن عليه السلام، وهكذا إلى أن انتهى إلى القائم عليه السلام، وهو اليوم عنده صلوات الله عليه».
هذه هي عقيدة الشيعة في كتاب الله تعالى الموصوف بأنه: ((لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)) [فصلت:42].
وأن الله تكفل بحفظه، فقال سبحانه: ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)) [الحجر:9].
ولكن الشيعة اتبعوا غير سبيل المؤمنين ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم وأعرضوا عنه بالكلية... معتقدين أنه محرف زيد فيه وأنقص منه، وأن القرآن الكامل سيأتي به المهدي (المختبئ)! آخر الزمان، وأنه حِمْلُ جَمَل، يعني أضعاف قرآن المسلمين اليوم!!!
* ... * ... *
[الموضع الثالث]
قال رحمه الله (ص:46) من تفسيره الجزء الرابع من المجلد الثالث، عند تفسير قوله تعالى:
((يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ)) [آل عمران:106].(90/59)
«..من العتبية قال: ما آية في كتاب الله أشد على أهل الاختلاف من أهل الأهواء من هذه الآية: ((يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ)) [آل عمران:106] قال مالك: إنما هذه لأهل القبلة. يعني أنها ليست للذين تفرقوا واختلفوا من الأمم قبلنا، بدليل قوله: ((أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)) [آل عمران:106] ورواه أبو غسان مالك الهروي عن مالك عن ابن عمر، وروي مثل هذا عن ابن عباس، وعلى هذا الوجه: فالمراد الذين أحدثوا بعد إيمانهم كفرًا بالردة أو بشنيع الأقوال التي تفضي إلى الكفر ونقض الشريعة، مثل الغرابية(1) من الشيعة الذين قالوا بأن النبوة لعلي، ومثل غلاة الإسماعيلية أتباع حمزة بن علي، وأتباع الحاكم العبيدي... إلخ».
أقول: هكذا الشيعة محكوم على أقوالهم بأنها تُفضي إلى الكفر ونقض الشريعة،فقد غلوا فيمن جعلوهم (أئمة) لهم، ورفعوا درجتهم من البشرية إلى مرتبة الربوبية والإلهية، فصرفوا لهم العبادة من دون الله، وإليك بعض الأمثلة من كتاب واحد للشيعة لتعلم كيف أنهم يدعون أن الوحي ينزل على أئمتهم:
في كتاب بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار (ص:251):
(باب في أنهم -الأئمة- يخاطبون ويسمعون الصوت ويأتيهم صور أعظم من جبرئيل وميكائيل):
(1) حدثنا علي بن اسماعيل، عن محمد بن عمرو الزيات، عن علي ابن أبي حمزة، عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: «إن منا لمن يعاين معاينة، وإن منا لمن ينقر في قلبه كيت وكيت، وإن منا لمن يسمع كما يقع السلسلة كله يقع في الطست، قال: قلت: فالذين يعاينون ما هم؟ قال: خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل».
__________
(1) الغرابية: تقدم تعريفها (ص:39-40) في فصل: أهم عقائدهم التي خالفوا فيها الإسلام وأهله.(90/60)
(2) حدثنا محمد بن عيسى عن زياد القندي عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قلت: كيف يزاد الإمام؟ فقال: منا من ينكت في أذنه نكتًا، ومنا من يقذف في قلبه قذفًا، ومنا من يخاطب».
(3) حدثنا بعض أصحابنا عن محمد بن حماد، عن أحمد بن رزين، عن الوليد الطائفي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إن منا لمن يوقر في قلبه، ومنا من يسمع بأذنه، ومنا من ينكت، وأفضل من يسمع».
(4) حدثنا أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن علي بن نعمان، عن يزيد بن إسحاق يلقب شعر، عن ابن أبي حمزة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: «إن منا لمن ينكت في أذنه، وإن منا لمن يؤتى في منامه، وإن منا لمن يسمع الصوت مثل صوت السلسلة يقع على الطست، وإن منا لمن يأتيه صورة أعظم من جبرئيل وميكائيل».
وغير هذا من الروايات والأعاجيب التي كذبوا فيها على أئمة أهل البيت عليهم السلام.. وخالفوا فيها كتاب الله تعالى، وصريح قول النبي صلى الله عليه وسلم.
* ... * ... *
[الموضع الرابع](90/61)
قال رحمه الله في (ص:260) من المجلد الرابع الجزء السادس عند قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)) [المائدة:67]: «... وإذ قد كانت هذه الآية من آخر ما نزل من القرآن، علمنا أن من أهم مقاصدها أن الله أراد قطع تخرص من قد يزعمون أن الرسول قد استبقى شيئًا لم يبلغه، أو أنه قد خص بعض الناس بإبلاغ شيء من الوحي لم يبلغه للناس عامة. فهي أقطع آية لإبطال قول الرافضة بأن القرآن أكثر مما هو في المصحف الذي جمعه أبو بكر ونسخه عثمان، وأن رسول الله اختص بكثير من القرآن علي بن أبي طالب، وأنه أورثه أبناءه، وأنه يبلغ وقر بعير، وأنه اليوم مختزن عند الإمام المعصوم الذي يلقبه بعض الشيعة بالمهدي المنتظر وبالوصي.
وكانت هذه الأوهام ألمت بأنفس بعض المتشيعين إلى علي رضي الله عنه في مدة حياته، فدعا ذلك بعض الناس إلى سؤاله عن ذلك. روى البخاري أن أبا جحيفة سأل عليًّا: (هل عندكم شيء ما ليس في القرآن وما ليس عند الناس؟ فقال: لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، ما عندنا إلا ما في القرآن؛ إلا فهمًا يعطى رجل في كتاب الله، وما في الصحيفة، قلت: وما في الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر). وحديث مسروق عن عائشة الذي سنذكره ينبئ بأن هذا الهاجس قد ظهر بين العامة في زمانها. وقد يخص الرسول بعض الناس ببيان شيء من الأحكام ليس من القرآن المنزل إليه لحاجة دعت إلى تخصيصه، كما كتب إلى علي ببيان العقل، وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر؛ لأنه كان يومئذ قاضيًا باليمن... إلخ).
أقول: راجع ما نقلناه في [الموضع الثاني] (ص:100-106) من أقوال علماء الشيعة، وعقيدتهم في القرآن الكريم.
* ... * ... *
[الموضع الخامس](90/62)
قال رحمه الله (ص:311) من المجلد الرابع -الجزء السابع- عند قوله تعالى: ((وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)) [الأنعام:74]: «... قال الفخر: وقالت الشيعة: لا يكون أحد من آباء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجداده كافرًا. وأنكروا أن آزر أب لإبراهيم وإنما كان عمه. وأما أصحابنا فلم يلتزموا ذلك. قلت: هو كما قال الفخر من عدم التزام هذا، وقد بينت في رسالة لي في طهارة نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الكفر لا ينافي خلوص النسب النبوي خلوصًا جبليًا؛ لأن الخلوص المبحوث عنه هو الخلوص مما يتعير به في العادة».
أقول: ثبت عندنا أهل السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم في عمه أبي طالب: (لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة، فيجعل في ضحضاح من نار يبلغ كعبيه، يغلي منه دماغه)(1) وفيه بيان أن أبا طالب في النار.
ومن هذا الباب وبمساندة غلو الشيعة الكبير في الأئمة عندهم، فقد ادعوا إيمان أبي طالب والد الإمام علي رضي الله عنه، فقد روى الصدوق عن جابر قال: (قلت: يا رسول الله! إن الناس يقولون: إن أبا طالب مات كافرًا، قال: يا جابر! ربك أعلم بالغيب، إنه لما كانت الليلة التي أسري بي إلى السماء انتهيت إلى العرش، فرأيت أربعة أنوار فقيل لي: هذا عبدالمطلب، وهذا عمك أبو طالب، وهذا أبوك عبدالله، وهذا ابن عمك جعفر بن أبي طالب، فقلت: إلهي لم نالوا هذه الدرجة؟ قال: بكتمانهم الإيمان وإظهارهم الكفر حتى ماتوا على ذلك!!)(2).
فلم اعتقد الشيعة هذه العقيدة؟
يجيبك أحد عقلائهم! فيقول: (كيف عقلًا يكون إمامنا عليٌ أبوه كافر في النار، ومعاوية يسلم أبوه وهو من الأعداء؟!) هذا مبلغهم من العلم!
__________
(1) رواه مسلم (1/135).
(2) انظر: جامع الأخبار، نقلاً عن تنقيح المسائل (ص:140).(90/63)
وكذلك في كفر عمه (أبي لهب) دليل آخر على إمكانية وقوع ذلك، وكفر أبي لهب واقع باتفاق السنة والشيعة!
فلا أدري لم تكلف الشيعة اختلاق الأحاديث الموضوعة ولي عنق الآيات، لإثبات إيمان أبي طالب؛ ذريعة بتنزيه الرسول صلى الله عليه وسلم عن أن يكون عمه كافرًا، مع أنهم أثبتوا ذلك في عمه أبي لهب!!
فلو كان كفر عمه أبي طالب منقصة، فالمنقصة واقعة بكفر عمه أبي لهب!
ولكن فعل الشيعة هذا ليس تنزيهًا للرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما المراد منه تنزيه علي رضي الله عنه عن أن يكون أبوه أبو طالب مشركًا، وهم الذين نعلم أنهم قد وصفوا عليًا رضي الله عنه بصفات لا يتصف بها إلا الخالق عز وجل.
والشيعة يرون أن القرابة كافية لدخول الإنسان الجنة، فأنكروا أن يكون آزر أبو إبراهيم في النار وكذلك أبو طالب.. حتى ألف بعض معاصريهم كتابه النشاز (أبو طالب مؤمن قريش) ودعا فيه لهذه العقيدة الفاسدة.
* ... * ... *
[الموضع السادس]
قال رحمه الله في (ص:16) من المجلد الحادي عشر-الجزء الثاني والعشرون-عند تفسير قوله تعالى: ((إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)) [الأحزاب:33]: «...وقد تلقف الشيعة حديث الكساء، فغصبوا وصف أهل البيت وقصروه على فاطمة وزوجها وابنيهما عليهم الرضوان، وزعموا أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لسن من أهل البيت. وهذه مصادمة للقرآن بجعل هذه الآية حشوًا بين ما خوطب به أزواج النبي. وليس في لفظ حديث الكساء ما يقتضي قصر هذا الوصف على أهل الكساء؛ إذ ليس في قوله: (هؤلاء أهل بيتي) صيغة قصر، وهو كقوله تعالى: ((إن هؤلاء ضيفي)) [الحجر:68] ليس معناه ليس لي ضيف غيرهم، وهو يقتضي أن تكون هذه الآية مبتورة عما قبلها وما بعدها.(90/64)
ويظهر أن هذا التوهم من زمن عصر التابعين وأن منشأه قراءة هذه الآية على الألسن دون اتصال بينها وبين ما قبلها وما بعدها، ويدل لذلك ما رواه المفسرون عن عكرمة أنه قال: من شاء باهلته أنها نزلت في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه قال أيضًا: ليس بالذي تذهبون إليه، إنما هو نساء النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه كان يصرخ بذلك في السوق. وحديث عمر بن أبي سلمة صريح في أن الآية نزلت قبل أن يدعو النبي الدعوة لأهل الكساء، وأنها نزلت في بيت أم سلمة.
وأما ما وقع من قول عمر بن أبي سلمة أن أم سلمة قالت: (وأنا معهم يا رسول الله ? فقال: أنت على مكانك وأنت على خير)؛ فقد وهم فيه الشيعة فظنوا أنه منعها من أن تكون من أهل بيته، وهذه جهالة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد ما سألته من الحاصل؛ لأن الآية نزلت فيها وفي ضرائرها فليست هي بحاجة إلى إلحاقها بهم، فالدعاء لها بأن يذهب الله عنها الرجس ويطهرها دعاء بتحصيل أمر حصل، وهو مناف لآداب الدعاء كما حرره شهاب الدين القرافي في الفرق بين الدعاء المأذون فيه والدعاء الممنوع منه، فكان جواب النبي صلى الله عليه وسلم تعليمًا لها. وقد وقع في بعض الروايات أنه قال لأم سلمة: (إنك من أزواج النبي). وهذا أوضح في المراد بقوله: (إنك على خير)».
وأقول: رحم الله العلامة الكبير، شيخ الإسلام الطاهر ابن عاشور فقد بين بالحجّة والبرهان، والعلم الدقيق، والمعرفة الثاقبة بتفسير آي الكتاب، وردّ أقوال المبطلين أعداء النبي صلى الله عليه وسلم والطاعنين في أزواجه الكرام المطهرات، من الشيعة الذين ما فتئوا يقدحون في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهم بهذا يؤذونه أشد الإيذاء، والله سبحانه وتعالى يقول:(90/65)
((الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)) [النور:26].
* ... * ... *
طعن الشيعة في أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها
وإلى معتقد الشيعة في أمهات المؤمنين زوجات النبي صلى الله عليه وسلم الطاهرات المطهرات رضي الله عنهن، وحيث إن المطاعن التي وجهها الشيعة إلى عائشة رضي الله عنها أكثر من غيرها فسأقتصر على نماذج منها..
وإذا كان هذا قولهم في عائشة أحب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إليه، فما بالك بغيرها رضي الله عنهن أجمعين؟ فمنها:
أولاً: ادعاء الشيعة كفرها وعدم إيمانها، وزعمهم أنها من أهل النار:
أسند العياشي -وهو من علماء الشيعة- إلى جعفر الصادق - زورًا وبهتانًا- في تفسير قوله تعالى: ((وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً)) [النحل:92]، قال: «التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثًا: عائشة، هي نكثت إيمانها»(1).
__________
(1) تفسير العياشي (2/269)، وانظر: البرهان للبحراني (2/383) وبحار الأنوار للمجلسي (7/454).(90/66)
وتبدو النزعة الباطنية في هذا التفسير جلية، فالشيعة قد نحوا منحى التأويل الباطني، بتحريفهم معنى نقض الغزل إلى نقض الإيمان، وزعمهم أن التي نقضت غزلها -أي إيمانها على حد قولهم- هي عائشة رضي الله عنها، بينما إجماع المفسرين على عكس ذلك، فإنهم أجمعوا على أن المرأة التي نقضت غزلها امرأة خرقاء في أهل الجاهلية تسمى: ريطة، كانت تغزل هي وجوارٍ لها من الغداة إلى الظهر، ثم تأمرهن فينقضن ما غزلن. وكانت معروفة عندهم، فضربها الله مثلًا لهم ألا يتشبهوا بها فينقضوا العهود من بعد توكيدها، فشبه نقض العهود بنقض الغزل. ولم يقل أحد منهم إن المرأة المعنية بهذه الآية هي الصديقة عائشة رضي الله عنها، ولم يؤول واحد منهم نقض الغزل بنقض الإيمان، ولم يشبه به(1).
وزعم الشيعة أيضًا أن لعائشة رضي الله عنها بابًا من أبواب النار تدخل منه:
فقد أسند العياشي إلى جعفر الصادق –رحمه الله، وحاشاه مما نسبه الشيعة إليه- أنه قال في تفسير قوله تعالى حكاية عن النار: ((لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ)) [الحجر:44]: «يؤتى بجهنم لها سبعة أبواب... والباب السادس لعسكر... إلخ»(2).
وعسكر كناية عن عائشة رضي الله عنها، كما زعم ذلك المجلسي(3).
ووجه الكناية عن اسمها بعسكر، كونها كانت تركب جملًا -في موقعة الجمل- يقال له عسكر. كما ذكر ذلك المجلسي أيضًا.
ولم يكتف الشيعة بذلك، بل لقبوا عائشة في كتبهم بـ(أم الشرور)(4)، وبـ(الشيطانة)(5).
__________
(1) انظر: تفسير ابن كثير (2/583-584)، وفتح القدير للشوكاني (3/190)، وروح المعاني للألوسي (14/221-222).
(2) تفسير العياشي (2/243)، وانظر: البرهان للبحراني (2/345)، وبحار الأنوار للمجلسي (4/378، 8/220).
(3) بحار الأنوار للمجلسي (4/378، 8/220).
(4) الصراط المستقيم للبياضي (3/161).
(5) المصدر نفسه (3/135).(90/67)
وزعموا أنها كانت تكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم (1)، وأن لقبها (حميراء) من الألقاب التي يبغضها الله تعالى(2).
فعائشة رضي الله عنها إذًا كافرة عند الشيعة، وليست من أهل الإيمان، وهي عندهم من أهل النار.
ومعلوم أن الشيعة يوجهون هذه المطاعن المفتراة المجردة عن الدليل إلى أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان لا يحب إلا طيبًا، والكافر خبيث ولا يحب، فكيف تتفق مزاعم الشيعة مع ما تواتر -تواترًا معنويًا- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حبه لعائشة الصديقة رضي الله عنها ؟!
أخرج أحمد وأبو حاتم وغيرهما بأسانيدهم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه دخل على عائشة وهي تموت، فقال لها: «كنت أحب نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، ولم يكن يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا طيبًا»(3).
وسمع عمار بن ياسر رضي الله عنهما رجلًا ينال من عائشة رضي الله عنها، فزجره ووبخه وقال له: «اغرب مقبوحًا منبوحًا، أتؤذي حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم »(4) رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن.
وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحبُّ الناس إليك؟ فقال: عائشة)(5).
ثم الشيعة بعد هذا كله يزعمون أنها كانت كافرة! حاشاها بل هي من أفضل المؤمنين وعباد الله الصالحين.
__________
(1) الخصال للصدوق (1/190).
(2) الأصول من الكافي للكليني (1/247).
(3) راجع السمط الثمين في مناقب أمهات المؤمنين للمحب الطبري (ص:30).
(4) جامع الترمذي (5/707) المناقب باب فضل عائشة رضي الله عنها.
(5) صحيح البخاري (5/68) ك.الفضائل باب فضائل أبي بكر.(90/68)
وقد فضلها رسول الله صلى الله عليه وسلم على سائر النساء بقوله: (فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)(1).
ويتناقض ما زعمه الشيعة عن عائشة بكونها من أهل النار مع ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من بشارته لها بالجنة بقوله: (لقد رأيت عائشة في الجنة؛ كأني أنظر إلى بياض كفيها ليهون بذلك علي عند موتي)(2).
ويتناقض أيضًا مع ما ثبت عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، من قوله عنها رضي الله عنها: (إنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة)(3).
فالشيعة بعد هذه الأدلة الواضحة الصريحة قد خالفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخالفوا من زعموا أنه إمام لهم -علي بن أبي طالب رضي الله عنه - وزعموا أن عائشة رضي الله عنها كافرة، وأنها من أهل النار، حاشاها من ذلك.
بل هي مؤمنة طاهرة، من أهل الفردوس الأعلى في الجنة مع زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثانيًا: الشيعة الإثنا عشرية ينسبون الصديقة بنت الصديق المبرَّأة من فوق سبع سموات إلى الفاحشة:
لما رمى رأس النفاق عبدالله بن أبي ابن سلول الصديقة الطاهرة عائشة رضي الله عنها بما برأها الله منه، غضب الله جلَّ وعلا لانتهاك حرمة نبيه فنفى التهمة عن الصديقة، وأنزل في تبرئتها من فوق سبع سموات آيات حَوَتْ الوعيد الشديد في الدنيا، والتوعد بالعذاب العظيم في الآخرة.
__________
(1) أخرجه البخاري (6/340) ك.الأنبياء باب قول الله تعالى: ((وَإِذْ قَالَتْ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ)) [آل عمران:42].
(2) مسند أحمد (6/138)، وفضائل الصحابة له (2/871)، وطبقات ابن سعد (8/65)، وانظر: السمط الثمين للمحب الطبري (ص:29).
(3) تاريخ الطبري (5/225).(90/69)
ولو فتّشت في آيات القرآن، وتأمّلت الآيات التي أوعد الله العصاة؛ لما رأيته غلّظ في عقوبة شيء تغليظه في عقوبة من رمى الصديقة عائشة رضي الله عنها بالإفك، فالآيات والقوارع مشحونة بالوعيد الشديد، والزجر العنيف، واستعظام ما جاء به رأس النفاق ومن رددوا قوله من الإفك، واستفظاع ما أقدموا عليه من التلقي بالألسنة والقول بالأفواه، يحسبونه هينًا وهو عند الله عظيم، فجعل القَذَفَةَ ملعونين في الدنيا والآخرة، وتوعدهم بالعذاب الشديد في الآخرة، وأخبر أن ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم ستشهد عليهم بإفكهم وبهتانهم، وهذا ليس ظلمًا لهم، بل هو جزاؤهم الحق الذي هم أهله؛ بسبب خوضهم في عرض نبيه، وتكلمهم على زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، تنبيهًا لهم على علو منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنافة محله صلوات الله وسلامه علبه.
وقد انتهى ذلك الإفك بجلد الخائضين فيه، وتوبتهم، واعتذارهم إلى نبيهم وزوجه الطاهرة العفيفة.
وبعد ذلك بقرون أحدث الشيعة إفكًا آخر اتهموا به العفيفة الطاهرة في عرضها مرة أخرى، ولم يحاسبهم أحد إلا الله؛ فإنه مطلع عليهم، وهو يدافع عن رسوله وحبيبه، ويذب عن عرض خليله صلى الله عليه وسلم.
فقد زعم الشيعة أن قوله تعالى: ((ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنْ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ)) [التحريم:10] مثل ضربه الله لعائشة وحفصة رضي الله عنهما.
وقد فسر بعضهم الخيانة بارتكاب الفاحشة -والعياذ بالله تعالى-.(90/70)
قال القمي في تفسير هذه الآية: «والله ما عنى بقوله: (فخانتاهما) إلا الفاحشة(1) وليقيمن الحد على (عائشة)(2) فيما أتت في طريق (البصرة)(3) وكان طلحة(4) يحبها، فلما أرادت أن تخرج إلى (البصرة)(5) قال لها فلان: لا يحل لك أن تخرجي من غير محرم، فزوّجت نفسها من (طلحة)»(6).
ووجه إقامة الحد عليها -على حد زعم الشيعة-: كونها زوّجت نفسها من آخر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع حرمة ذلك، فالله تعالى قد حرم نكاح أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من بعده أبدًا.
فمن هي التي ارتكبت الفاحشة وتزوجت من طلحة من بين زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي في طريقها إلى البصرة -كما زعم الشيعة-؟
المثل مضروب لعائشة وحفصة معًا -على حد زعم الشيعة المتقدم-.
وحفصة لم تخرج إلى البصرة، والتي خرجت هي عائشة رضي الله عنها بإجماع الشيعة، فهي إذًا التي يقام عليها الحد -كما زعم الشيعة- لتزويجها نفسها من طلحة مع حرمة ذلك عليها.
ولا بد أن يقام هذا الحد عند رجعة الأئمة وأعدائهم، حسب معتقد الشيعة الباطل في ذلك.
__________
(1) وليس هذا القول بدعاً من القمي، فقد سبقه إليه الكليني -شيخ الإسلام عند الشيعة، ومرجعهم- ونسبه إلى أبي جعفر الباقر (راجع البرهان للبحراني 4/358- 375).
(2) عند القمي فلانة بدل عائشة، وهذا من باب التقية، وقد صرح غيره باسمها فكشف ما حظرت التقية كشفه بزعمهم.
(3) في الطبعة الحديثة (...).
(4) في نسخة أخرى: فلان بدل طلحة، وهو من التقية كما أسلفنا.
(5) في الطبعة الحديثة (...).
(6) في نسخة أخرى فلان بدل طلحة.. تفسير القمي ط حجرية (ص:341)، ط حديثة (2/377)، وانظر: البرهان للبحراني (4/358)، وتفسير عبدالله شبر (ص:338) وقد ساقاها موضحة كما أثبتها في المتن.(90/71)
ومما يؤكد أن الشيعة الذين لم يذكروا اسم (عائشة) صراحة، عنوا بـ(فلانة) عائشة رضي الله عنها -مع أن الاخرين ذكروا اسمها صريحًا كما تقدم- ما رواه الشيعة في كتبهم من المزاعم المكذوبة التي جاء فيها: «أنه لما نزل قول الله تعالى: ((النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ)) [الأحزاب:6]، وحرّم الله نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم على المسلمين غضب طلحة، فقال: يحرِّم محمد علينا نساءه ويتزوج هو بنسائنا، لئن أمات الله محمدًا لنركضنّ بين خلاخيل نسائه كما ركض بين خلاخيل نسائنا -وفي رواية أخرى ذكروها: لأتزوجن عائشة»(1) -وفي رواية ثالثة- «وكان طلحة يريد عائشة»(2)، فأنزل الله تعالى: ((وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً)) [الأحزاب:53].
__________
(1) تفسير القمي ط.حجرية (ص:290)، ط.حديثة (2/195-196) ومؤتمر علماء بغداد لمقاتل بن عطية (ص:38)، والشافي للمرتضى (ص:258)، والطرائف لابن طاوس (ص:492-493)، والصراط المستقيم للبياضي (3/23-35)، ومنار الهدى لعلي البحراني (ص:452)، ونفحات اللاهوت للكركي (ق:36/ب)، وتفسير الصافي للكاشاني (2/363)، والبرهان للبحراني (3/333 – 334) وإحقاق الحق للتستري (ص:260-261)، وفصل الخطاب للنوري الطبرسي (ص:58)، وعقائد الإمامية للزنجاني (3/56) وسيرة الأئمة الاثني عشر لهاشم الحسيني (1/381)، والشيعة والحاكمون لمحمد جواد مغنية (ص:36).
(2) الطرائف لابن طاوس (ص:492-493)، ونفحات اللاهوت للكركي (ق:36/ب)، وفصل الخطاب للنوري الطبرسي (ص:58).(90/72)
ولم يكتف الشيعة بهذا، بل نسبوا إليه أقوالًا في غاية الخسة والبذاءة، وقد ترددت في ذكرها، وهممت أن لا أكتبها، لولا ما ألزمت به نفسي من إعطاء صورة واضحة مختصرة عن نظرة الشيعة إلى الصحاية رضي الله عنهم، لذا فإني أذكر بعضها، وأعرض عن بعضها الآخر:
ذكر رجب البرسي -وهو من علمائهم- أن عائشة جمعت أربعين دينارًا من خيانة وفرّقتها على مبغضي علي(1).
وذكر أحمد بن علي الطبرسي -وهو من علمائهم أيضًا- أن عائشة «زينت يومًا جاريةً كانت، وقالت: لعلنا نصطاد شابًا من شباب قريش بأن يكون مشغوفًا بها»(2).
فقاتلهم الله كيف حفظوا النبي صلى الله عليه وسلم في زوجته وأحب الناس إليه! لقد رموها بأشد مما رماها به رأس المنافقين وأتباعه زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
مناقشة هذه المفتريات:
لا يشك عاقل أن هذه المزاعم الشيعية من البهتان المبين والإفك المفترى، فالله سبحانه وتعالى لم يضرب امرأة نوح وامرأة لوط مثلًا لعائشة وحفصة رضي الله عنهما، بل هو مثل مضروب للذين كفروا مطلقًا، كما قال الله تعالى في رأس الآية: ((ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ)) [التحريم:10]، والشيعة لما كانوا يحقدون على عائشة وحفصة رضي الله عنهما ويعتقدون كفرهما، قصروا المثل المضروب عليهما وخصو بهما.
ولم يقل أحد من مفسري أهل السنة أن الخيانة من امرأة نوح وامرأة لوط هي الوقوع في الفاحشة، وإنما أولوها بأنها الخيانة في الدين(3).
__________
(1) مشارق أنوار اليقين لرجب البرسي (ص:86).
(2) احتجاج الطبرسي (ص:82).
(3) راجع: جامع البيان للطبري (28/169-171)، وتفسير ابن كثير (4/393)، وفتح القدير للشوكاني (5/255-256)، وقد أوّلها بعض الشيعة بذلك كالبياضي في الصراط المستقيم (3/165 -166)، والكاشاني في تفسير الصافي (2/720).(90/73)
وفي ذلك يقول حبر هذه الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: «ما زنتا؛ أما خيانة امرأة نوح فكانت تخبر أنه مجنون، وأما خيانة امرأة لوط فكانت تدل قومها على أضيافه». وتبعه على ذلك جميع المفسرين(1).
والقصة التي افتراها الشيعة لا شك في كذبها، وقد وقع واضعها في أخطاء تدل على كذبها، منها: ادعاؤه أن عائشة خرجت دون محرم، ولما أُخبرت أنه لا يجوز أن تخرج بغير محرم زوّجت نفسها من طلحة -على حد زعمهم-.
ودعوى أنها خرجت بغير محرم يبطلها ما أجمع عليه أهل السنة وجمهور الشيعة من أن ابن أختها عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما كان معها وفي عسكرها، وما رواه الشيعة من أنه -أي ابن أختها- عبدالله هو الذي حرّضها على المسير إلى البصرة، وحرّض أباه على محاربة علي رضي الله عنه، وعندما عزم أبوه على الإقلاع عن حربه لما التقيا في البصرة، أخذ يلح عليه حتى عاد إلى حربه، وهذه كلها مزاعم ذكرها الشيعة في كتبهم(2).
فكيف يقال: إنها خرجت من غير محرم، وعبدالله بن الزبير ابن أختها هو محرمها؟
__________
(1) راجع: جامع البيان للطبري (28/ 169-171)، وتفسير ابن كثير (4/393)، وفتح القدير للشوكاني (5/255-256) وغيرها من تفاسير أهل السنة فكلها أجمعت على ذلك.
(2) الاختصاص للمفيد (ص:119)، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (2/167-170، 4/480، 482-483)، وأحاديث أم المؤمنين عائشة لمرتضى العسكري (1/227، 268-269).(90/74)
لاشك أن قول الله تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً)) [الأحزاب:57] وقوله جل وعلا: ((وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً)) [الأحزاب:58]، منطبق على من قذفها؛ لأن في قذفها من حيث كونها زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم إيذاءً لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وقذفها من حيث كونها مؤمنة غافلة إيذاء لها، ولمن اتهموه بها رضي الله عنهما وأرضاهما.
وينبغي أن يعلم أن سب عائشة رضي الله عنها بما برّأها الله منه يعتبر مروقًا من الدين -حسبما تقرر في القواعد الشرعية- وسابها كافر، وعلى هذا إجماع علماء المسلمين، مستدلين بقوله تعالى: ((يَعِظُكُمْ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ)) [النور:17]، وبغيرها من آيات الكتاب الحكيم.
قال القاضي أبو يعلى: «من قذف عائشة رضي الله عنها بما برأها الله منه كفر بلا خلاف»(1).
و«روي عن محمد بن زيد بن علي بن الحسين أخي الحسن بن زيد أنه لما قدم عليه رجل من العراق فذكر عائشة بسوء، فقام إليه بعمود فضرب به دماغه فقتله، فقيل له: هذا من شيعتنا ومن بني الآباء! فقال: هذا سمى جدي (يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم) قرنان، ومن سمى جدي قرنان استحق القتل»(2).
__________
(1) نقله عنه ابن تيمية في الصارم المسلول (ص:571).
(2) ذكرها ابن تيمية في الصارم المسلول (ص:566-567).(90/75)
وروي عن أخيه الحسن بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب: «أنه كان بحضرته رجل، فذكر عائشة بذكر قبيح من الفاحشة، فقال: يا غلام! اضرب عنقه، فقال له العلويون: هذا رجل من شيعتنا، فقال: معاذ الله! هذا رجل طعن على النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الله تعالى: ((الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ)) [النور:26] فإن كانت عائشة خبيثة فالنبي صلى الله عليه وسلم خبيث، فهو كافر فاضربوا عنقه. فضربوا عنقه وأنا حاضر-على حد قول الراوي-»(1).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «ومن رمى عائشة رضي الله عنها بما برأها الله منه فقد مرق من الدين..»(2).
وقال ابن حجر الهيتمي بعد ما ذكر حديث الإفك: «عُلم من حديث الإفك أن من نسب عائشة إلى الزنا كان كافرًا، وقد صرح بذلك أئمتنا وغيرهم؛ لأن في ذلك تكذيبًا للنصوص القرآنية، ومُكِّذبها كافر بإجماع المسلمين، وبه يعلم القطع بكفر كثيرين من غلاة الروافض، لأنهم ينسبونها إلى ذلك، قاتلهم الله أنى يؤفكون»(3).
وقال الشيخ محمد بن سليمان التميمي حاكيًا عن عائشة رضي الله عنها: «والحاصل أن قذفها كيفما كان يوجب تكذيب الله تعالى في إخباره عن تبرئتها عما يقول القاذف فيها»(4).
ويقول في موضع آخر: «ومن كذّب الله فقد كفر»(5).
__________
(1) المصدر السابق: (ص:566).
(2) المصدر السابق (ص:568).
(3) الصواعق المحرقة لابن حجر الهيتمي (ص:101).
(4) رسالة في الرد على الرافضة لمحمد التميمي (ص:24-25).
(5) المصدر نفسه.(90/76)
ونقل قول بعض أهل البيت في ذلك: «وأما قذفها الآن فهو كفر وارتداد، ولا يكفي فيه الجلد؛ لأنه تكذيب لسبع عشرة آية في كتاب الله كما مر، فيقتل ردة...ومن يقذف الطاهرة الطيبة أم المؤمنين زوجة رسول رب العالمين صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة كما صح ذلك عنه، فهو من ضرْبِ عبدالله بن أبي ابن سلول رأس المنافقين..»(1).
وأقوال علماء المسلمين كثيرة في هذا الباب، وكلها متضافرة في كفر من رمى الصديقة بما برأها الله منه، أو نسبها إلى الفاحشة -عياذًا بالله- متبعين لكتاب ربهم الذي قرر أن الطيبين للطيبات والخبيثين للخبيثات، وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم التي دلّت دلالة قطعية على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الصديقة الطيبة عائشة حبًّا لم يساو بها فيه أحدًا من الناس، وكان صلى الله عليه وسلم لا يحب إلا طيبًا.
(انظر كتاب: أوجز الخطاب في بيان موقف الشيعة من الأصحاب للحسني).
ولعلك أخي القارئ الكريم تعذرني فيما نقلت لك مما صكّ مسامعك وكاد أن يُعمي بصرك، ووالله وبالله وتالله لولا أخذي على نفسي عهدًا في بيان موقفهم المخزي تجاه أمهاتنا أمهات المؤمنين زوجات النبي الكريم، لما نقلت لك ما يكاد المسلم أن يستفرغ منه؛ من هذا الكلام الذي يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم في أهله رضي الله عنهم. وأستغفر الله وأتوب إليه.
* ... * ... *
[الموضع السابع]
قال رحمه الله في (ص:45- 47) من المجلد الحادي عشر-الجزء الثاني والعشرون- عند تفسير قوله تعالى: ((مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً)) [الأحزاب:40].
__________
(1) المصدر نفسه.(90/77)
«... ولذلك لا يتردد مسلم في تكفير من يثبت نبوة لأحد بعد محمد صلى الله عليه وسلم وفي إخراجه من حظيرة الإسلام، ولا تعرف طائفة من المسلمين أقدمت على ذلك إلا البابية والبهائية وهما نحلتان مشتقة ثانيتهما من الأولى. وكان ظهور الفرقة الأولى في بلاد فارس في حدود سنة مائتين وألف وتسربت إلى العراق، وكان القائم بها رجلًا من أهل شيراز يدعوه أتباعه السيد علي محمد، كذا اشتهر اسمه، كان في أول أمره من غلاة الشيعة الإمامية، أخذ عن رجل من المتصوفين اسمه الشيخ أحمد زين الدين الأحسائي الذي كان ينتحل التصوف بالطريقة الباطنية، وهي الطريقة المتلقاة عن الحلاج. وكانت طريقته تعرف بالشيخية، ولما أظهر نحلته علي محمد هذا؛ لقَّب نفسه باب العلم فغلب عليه اسم الباب، وعرفت نحلته بالبابية، وادعى لنفسه النبوة، وزعم أنه أوحي إليه بكتاب اسمه البيان، وأن القرآن أشار إليه بقوله تعالى: ((خَلَقَ الإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ)) [الرحمن:3-4].
وكتاب البيان مؤلف بالعربية الضعيفة، ومخلوط بالفارسية. وقد حكم عليه بالقتل سنة: (1266هـ) في تبريز.
وأما البهائية فهي شعبة من البابية تُنسب إلى مؤسسها الملقب ببهاء الله، واسمه: ميرزا حسين علي، من أهل طهران، تتلمذ للباب بالمكاتبة، وأخرجته حكومة شاه العجم إلى بغداد بعد قتل الباب، ثم نقلته الدولة العثمانية من بغداد إلى أدرنة ثم إلى عكَّا، وفيما ظهرت نحلته وهم يعتقدون نبوة الباب، وقد التف حوله أصحاب نحلة البابية وجعلوه ليفة الباب، فقام اسم البهائية مقام اسم البابية، فالبهائية هم البابية.(90/78)
وقد كان البهاء بنى بناء في جبل الكرمل ليجعله مدفنًا لرفات الباب، وآل أمره إلى أن سجنته السلطنة العثمانية في سجن عكا، فلبث في السجن سبع سنوات ولم يطلق من السجن إلا عند ما أعلن الدستور التركي، فكان في عداد المساجين السياسيين الذين أطلقوا يومئذ، فرحل منتقلًا في أوربا وأمريكا مدة عامين ثم عامين، ثم عاد إلى حيفا فاستقر بها إلى أن توفي سنة: (1340هـ)، وبعد موته نشأ شقاق بين أبنائه وإخوته، فتفرقوا في الزعامة وتضاءلت نحلتهم.
فمن كان من المسلمين متبعًا للبهائية أو البابية، فهو خارج عن الإسلام مرتد عن دينه تجري عليه أحكام المرتد. ولا يرث مسلمًا ويرثه جماعة المسلمين، ولا ينفعهم قولهم: إنا مسلمون ولا نطقهم بكلمة الشهادة؛ لأنهم يثبتون الرسالة لمحمد صلى الله عليه وسلم، ولكنهم قالوا بمجيء رسول من بعده. ونحن كفرنا الغرابية من الشيعة لقولهم: بأن جبريل أرسل إلى علي ولكنه شُبِّه له محمد بعلي، إذ كان أحدهما أشبه بالآخر من الغراب بالغراب -وكذبوا- فبلغ الرسالة إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فهم أثبتوا الرسالة لمحمد صلى الله عليه وسلم ولكنهم زعموه غير المعين من عند الله.
وتشبه طقوس البهائية طقوس الماسونية، إلا أن البهائية تنتسب إلى التلقي من الوحي الإلهي، فبذلك فارقت الماسونية وعدت في الأديان والملل ولم تعد في الأحزاب».
وأقول: رحم الله شيخ الإسلام ابن عاشور ما أبدع فكره، وأثقب رأيه، وأبعد نظره، وأغير حميته على دين الإسلام.. تأمل أخي كُليماته لتجد كيف أنه يدافع عن الإسلام الدين الحق أمام كل شاغب عليه، بين مقلٍ من الكفر والزندقة ومستكثر! فهو رحمه الله يبين هنا بأوجز عبارة وأمتن قول بأن ما ظهر من الأقوال الإلحادية والمذاهب المتزندقة في هذه الأزمنة المتأخرة، إنما هي من رحِم التشيع خرجت.. فالبابية والبهائية والشيخية ملل كافرة خارجة عن الإسلام وهو منها براء.(90/79)
وحكم رحمه الله على من كان من المسلمين متبعًا للبهائية أو البابية، فهو خارج عن الإسلام مرتد عن دينه، تجري عليه أحكام المرتد، ولا يرث مسلمًا ويرثه جماعة المسلمين.
بل ولا ينفعهم قولهم: (إنا مسلمون) ولاينفعهم (نطقهم بكلمة الشهادة) لأنهم بعدها يحملون الزندقة والردة والإلحاد في دين الله.
* ... * ... *
[الموضع الثامن]
قال رحمه الله في (ص:103) من المجلد الحادي عشر-الجزء الثاني والعشرون-عند تفسير قوله تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)) [الأحزاب:56].
«...وأما التسليم في الغيبة فمقصور عليه وعلى الأنبياء والملائكة لا يشركهم فيه غيرهم من عباد الله الصالحين؛ لقوله تعالى: ((سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ)) [الصافات:79] وقوله: ((سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ)) [الصافات:130].. ((سَلامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ)) [الصافات:120] ((سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ)) [الصافات:109].
وأنه يجوز إتباع آلهم وأصحابهم وصالحي المؤمنين إياهم في ذلك دون استقلال. هذا الذي استقر عليه اصطلاح أهل السنة، ولم يقصدوا بذلك تحريمًا؛ ولكنه اصطلاح وتمييز لمراتب رجال الدين، كما قصروا الرضى على الأصحاب وأئمة الدين، وقصروا كلمات الإجلال نحو: تبارك وتعالى، وجل جلاله، على الخالق دون الأنبياء والرسل.
وأما الشيعة فإنهم يذكرون التسليم على علي وفاطمة وآلهما، وهو مخالف لعمل السلف، فلا ينبغي اتباعهم فيه؛ لأنهم قصدوا به الغض من الخلفاء والصحابة».(90/80)
أقول: نعم. إن هذا المقصد الخبيث هو خِبْءُ هؤلاء الشيعة، وهو الغض من خلفاء النبي صلى الله عليه وسلم وهم الثلاثة بعده: أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين وكذا جميع الصحابة إلا من استثنوه بهواهم... وحتى لا تعجل على العلامة الكبير ابن عاشور دونك عقيدة هؤلاء الشيعة في الصحابة رضي الله عنهم أجمعين:
أولاً: دعوى الشيعة الاثني عشرية ارتداد الصحابة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لا يرتاب مسلم صادق في إسلامه في سمو منزلة الصحابة وفضلهم ورفعة شأنهم، فهم قوم اختصهم الله تبارك وتعالى لصحبة أفضل رسله محمد صلى الله عليه وسلم، فصدقوه وآزروه ونصروه واتبعوا النور الذي جاء به، فتلقوه عذبًا زلالًا، وسائغًا فراتًا من مشكاة النبوة، وأخلصوا دينهم لله، وبذلوا في سبيله المهج والأرواح، والغالي والنفيس، والأموال والأولاد، فشادوا بنيانه، وأكملوا صَرْحه، وفتحوا البلاد، وهدوا العباد، فكانوا بذلك أهلًا لرضوان الله ومحبته ورحمته وجنته؛ فكانوا خير أمة أخرجت للناس وخير القرون.
ثم الشيعة الاثنا عشرية بعدما تبين لهم فضل أولئك الصحب الأبرار والخيرة الأطهار، يزعمون أن هؤلاء الكرام البررة رضي الله عنهم قد ارتدوا جميعًا على أدبارهم القهقرى، إلا نفرًا يسيرًا منهم رجحوا أنهم ثلاثة: وهم سلمان وأبو ذر والمقداد، استثنوهم من عداد من ارتد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال التستري -من كبار علمائهم-:«كما جاء موسى للهداية وهدى خلقًا كثيرًا من بني إسرائيل وغيرهم، فارتدوا في أيام حياته ولم يبق فيهم أحد على إيمانه سوى هارون (ع)؛ كذلك جاء محمد صلى الله عليه وسلم وهدى خلقًا كثيرًا لكنهم بعد وفاته ارتدوا على أعقابهم»(1).
__________
(1) إحقاق الحق للتستري (ص:316).(90/81)
ولئن سألت الشيعة أدلة جلية ألجأتهم إلى هذا القول؛ لرأيتهم قد افتروا أقوالًا ونسبوها -زورًا وبهتانًا- إلى من يدَّعون أنهم أئمة لهم، أمثال علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وغيرهم.
فمن الأقوال التي نسبوها إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «أن الناس كلهم ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم غير أربعة»(1) فزادوا عمار بن ياسر رضي الله عنه على الثلاثة السابقين.
ومن الأقوال التي نسبوها إلى محمد بن علي الباقر رحمه الله: «كان الناس أهل ردة بعد النبي إلا ثلاثة»(2) و«ارتد الناس إلا ثلاثة نفر»(3).
وقد وصف الشيعة أسانيد هذه الروايات بأنها معتبرة(4).
وهناك روايات أخرى مكذوبة ملأ الشيعة بها كتبهم ونسبوها -كذبًا وبهتانًا- إلى عدد من أئمتهم(5).
ولا ريب أن هؤلاء الأئمة الطيبين بريئون من ذلك، وما نسبه إليهم الشيعة هو محض إفك مفترى، والحق أنه قد كُذب على أئمة أهل بيت نبينا صلى الله عليه وسلم أكثر مما كُذب على غيرهم، حتى شكا الأئمة -وعلى رأسهم جعفر الصادق- من ذلك.
__________
(1) انظر: السقيفة لسليم بن قيس (ص:92)، والأنوار النعمانية للجزائري (1/81).
(2) روضة الكافي للكليني (ص:115)، وتفسير العياشي (1/199)، واختيار معرفة الرجال (ص:6-8-11)، وانظر: علم اليقين للكاشاني (1/ 743-744)، وتفسير الصافي له (1/148-305)، وقرة العيون له (ص:426)، والبرهان للبحراني (1/319)، وبحار الأنوار للمجلسي (6/749)، وحياة القلوب له (2/837)، والدرجات الرفيعة للشيرازي (ص:223)، وحق اليقين لعبدالله شبر (1/ 218-219).
(3) المصادر السابقة نفسها.
(4) انظر: تفسير الصافي للكاشاني (1/148)، وقرة العيون له (ص:426)، وحق اليقين لشبر (1/ 218).
(5) راجع في ذلك كتابي: موقف الشيعة الإثني عشرية من الصحابة رضي الله عنهم.(90/82)
وقد بين الإمام جعفر بن محمد الصادق رحمه الله -إمام الشيعة السادس- ذلك بقوله: «إنّا أهل بيت صادقون، لا نخلو من كذاب يكذب علينا ويُسقط صدقنا -بكذبه علينا- عند الناس»(1).
أضف إلى ذلك معارضة هذه المزاعم-ما زعمه الشيعة من ارتداد الصحابة- لما أخبر الله به تبارك وتعالى من أنه رضي عن الصحابة في غير ما موضع من كتابه الكريم، وأمر بالاستغفار لهم، والمؤمن المطيع المتبع لا يصنع كصنيع الشيعة مع الصحابة: (أمروا بالاستغفار لهم فسبوهم) بل يستغفر لهم ويترضى عنهم، ويعتقد أن ما نحن فيه من نعمة فهو من جهودهم رضي الله عنهم وجهادهم، ونتائج أعمالهم الطيبة المباركة، وثمرة لما قدموه من مال وولد في سبيل نصر دين الله ونشره، وإعلاء كلمة الله حتى لا يعبد أحد سواه.
وقد أخبر الله تبارك وتعالى أنه رضي عن الصحابة الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة بقوله: ((لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً)) [الفتح:18].
__________
(1) اختيار معرفة الرجال للطوسي (ص:108)، وتنقيح المقال للمامقاني (2/184)، ومعجم رجال الحديث للخوئي (1/202).(90/83)
وكانت عدتهم رضي الله عنهم ألفا وثلاثمائة باعتراف الشيعة أنفسهم(1) ولم يرتد منهم أحد، فكيف يُجوِّز الشيعة أن يرضى الله عز وجل عن أقوام ويحمدهم، وهو يعلم أنهم سيرتدون على أعقابهم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ بل وكيف يزعمون بعد هذا الإخبار أن الصحابة ارتدوا إلا نفرًا يسيرًا؟ إلا أن يقولوا: إن الله لم يعلم ذلك حتى وقع، فإن قالوها فقد عرضوا أنفسهم للعنة أحد الأئمة المعصومين عندهم؛ جعفر الصادق الذي لعن من قال: إن الله لا يعلم الشيء حتى يكون، أسنده إليه الكشي الشيعي في كتابه معرفة الرجال(2)، ودعا عليه بالخزي فقال: «من قال هذا أخزاه الله» أسنده الكليني في كتابه الكافي(3).
والآية عامة في الرضا عن المبايعين تحت الشجرة، تشمل جميع المبايعين، فـ(إذ) في قوله: (إذ يبايعونك) ظرف، وسواء أكانت ظرفًا محضًا أم كانت ظرفًا فيه معنى التعليل، فإنها تدل على تعلق الرضا بجميع المبايعين، فعلم أنهم جميعًا من المرضي عنهم.
وخلاصة القول: أن دعوى الشيعة ارتداد الصحابة أمر قائم على الهوى، وليس لديهم دليل نقلي صحيح ولا عقلي صريح يسوغ لهم الإقدام على مثل هذا الادعاء الخطير.
اللهم اعصمنا بالتقوى، واحفظ علينا حبنا لصحابة نبيك صلى الله عليه وسلم كما ترضى يا رب العالمين.
ثانيًا: دعوى الشيعة الاثني عشرية نفاق أكثر الصحابة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم:
لم يكتف الشيعة الاثنا عشرية بنسبة الصحابة رضي الله عنهم إلى الارتداد بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل زعموا أن أكثرهم أظهروا الإسلام وأضمروا الكفر في حياته عليه السلام.
__________
(1) انظر: مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب المازندراني (2/22)، والبرهان للبحراني (4/ 196-197).
(2) اختيار معرفة الرجال للطوسي (ص:151).
(3) الأصول من الكافي للكليني (1/148).(90/84)
قال التستري -من علماء الشيعة- عن الصحابة: «إنهم لم يسلموا، بل استسلم الكثير رغبة في جاه رسول الله... إنهم داموا مجبولين على توشح النفاق وترشح الشقاق»(1).
والمتأمل لهذا القول يسخر من سفاهة هذا الشيعي وسوء رأيه؛ إذ أي مال أو منصب أو شيء من حطام الدنيا كان لديه عليه السلام وقومه قد رموه عن قوس واحدة، وتآمروا على قتله وقَتْل مَن معه مِن صحابته، وأذاقوهم من العذاب ألوانًا، وأنزلوا بهم من الكربات ما الله به عليم، مما لا يصبر عليه صناديد الرجال، وهم ثابتون مقيمون على إسلامهم، قابضون على دينهم، ولو تركوه صلى الله عليه وسلم وتركوا دينه لأكرمهم المشركون وأعطوهم حتى يعطوهم من حطام الدنيا، ولكنَّ نظرتهم لم تكن إلى هذه الفانية بل كانت نظرة عميقة إلى ما وراء هذه الحياة مما أعد الله لهم، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
وكان الواحد منهم يلقى في رمضاء مكة في الأيام الشديدة الحر وتوضع عليه الصخور والأحجار الكبيرة حتى يرجع عن دينه، فلا يزيده هذا إلا ثباتًا على أمر الله ومضيًّا على الحق، ولسان حاله يقول لعتاة المشركين وجبابرتهم: ((فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا)) [طه:72] ولو قال لهم كلمة واحدة أحسوا منها أنه مستعد لترك دينه، لأغدقوا عليه وأعطوه، ولكنه الإيمان إذا لامس بشاشة القلوب يلتحم بها التحامًا لا يمكن فكه إلا أن يشاء الله.
فقل لي بربك يا مسلم: هل هذه من صفات المنافقين؟ وهل هؤلاء الأبرار منافقون كما زعم الشيعة؟!
وقد أكَّد حسن الشيرازي -وهو من الشيعة المعاصرين- نفاق أكثر الصحابة، وتساءل عن سبب قبول النبي صلى الله عليه وسلم للمنافقين في صفوف المؤمنين؟ ثم أجاب نفسه بقوله:
__________
(1) إحقاق الحق للتستري (ص:3).(90/85)
«إنه لم يكن من صالح النبي صلى الله عليه وسلم منذ فجر الإسلام أن يقبل المخلصين فقط ويرفض المنافقين، وإنما كان عليه أن يكدِّس جميع خامات الجاهليه ليسيج بها الإسلام عن القوى الموضعية والعالمية التي تظاهرت ضده، فكان يهتف: (قولوا لا إله إلا الله تفلحوا)... إلى أن قال: ولم يكن للنبي أن يرفضهم، وإلا لبقي هو وعلي وسلمان وأبو ذر والعدد القليل من الصفوة المنتجيين»(1).
ثم استرسل حسن الشيرازي في حديثه عن الصحابة فقال: «غير أنهم تكاثروا مع الأيام، وعلى إثر كثرتهم استطاع رءوس النفاق أن يتسللوا إلى المراكز القيادية، فخبطوا في الإسلام خبطًا ذريعًا كاد أن يفارق واقعه لولا أن تداركه بطله العظيم علي بن أبي طالب عليه السلام..»(2).
ومراده برءوس النفاق: أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فهم الذين عناهم الشيعي بقوله: «استطاع رءوس النفاق..».
وهذه المزاعم التي فيها طعن واضح برسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ الذي لم يكن يهتم بالكيف، بل كان جُلَّ اهتمامه منصبًّا على الكم -على حد زعم هذا الشيعي- فكان على حد ما زعم يجمع الناس دون اهتمام منه بسلامة عقيدتهم وصدق رغبتهم في الدخول في الإسلام؛ ليقاتل بهم القوى الموضعية والعالمية، وكأن هذا الشيعي لا يدرك أن المنافقين من أشد القوى الموضعية خطرًا على الدين وعلى أتباعه المسلمين المتربصين بهم الدوائر. وكأنه لا يعلم أيضًا أن المنافقين ممن أُمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بجهادهم في قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدْ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ)) [التوبة:73].
__________
(1) الشعائر الحسينية لحسن الشيرازي (ص:8-9).
(2) المصدر نفسه (ص:10).(90/86)
وقال المامقاني -من الشيعة-:«إن من المعلوم بالضرورة بنص الآيات الكريمة، وجود الفساق والمنافقين في الصحابة، بل كثرتهم فيهم، وعروض الفسق بل الارتداد لجمع منهم في حياته، ولآخرين بعد وفاته..»(1).
وقول المامقاني بوجود المنافقين في صفوف الصحابة صحيح؛ لكن زعمه كثرتهم من الكذب، إذ لو كانوا كثيرين كما زعم هو وأسلافه لأحاطوا برسول الله وصحابته وقضوا عليهم، وأقاموا دولة حال ظهور الإسلام دون قيامها، ولكنهم كانوا قلة حقيرة وشرذمة قليلة لم يكن لهم حول ولا طول، وقوةُ عقيدة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقفت حاجزًا منيعًا بينهم وبين مخططاتهم وسورًا عاليًا منعهم من تحقيق مآربهم، لذلك لم تصدر منهم إلا أقوال يسيرة دلت على أفئدتهم وما يعتمل في نفوسهم من حقد دفين نحو الإسلام ورسوله وأصحابه.
وهناك أقوال أخرى كثيرة صدرت عن الشيعة تحاول إلصاق تهمة النفاق بصحابة أطهار أبعد ما يكونون عن الاتصاف بها(2).
* ... * ... *
[الموضع التاسع]
قال رحمه الله في (ص:247) من المجلد العاشر-الجزء الحادي والعشرون-في أول مقدمة تفسير سورة (الأحزاب).
«...وكون القرآن قد تلاشى منه كثير هو أصل من أصول الروافض ليطعنوا به في الخلفاء الثلاثة، والرافضة يزعمون أن القرآن مستودع عند الإمام المنتظر، فهو الذي يأتي بالقرآن وقر بعير. وقد استوعب قولهم واستوفى إبطاله أبو بكر بن العربي في كتاب العواصم من القواصم».
وأقول هنا: انظر ما قدمناه تحت كلامه رحمه الله في الموضع الثاني (ص:100 وما بعدها).
__________
(1) تنقيح المقال للمامقاني (1/213).
(2) انظر على سبيل المثال لا الحصر: تفسير القمي (2/186)، والبرهان للبحراني (3/299)، وتفسير الصافي للكاشاني (2/342)، وقرة العيون له (ص:416-420). وانظر كتاب: أوجز الخطاب في بيان موقف الشيعة من الأصحاب للحسني.(90/87)
وأما إمام الزمان عند الشيعة الإمامية الذي يدندنون به ويعتقدون بوجوده، وأنه حي لم يمت، وهو الخرافة كما قدمنا.. فهو الذي ينتظرون ظهوره منذ أحد عشر قرنًا من الزمان!!
فدعونا هنا نتعرف على معتقداتهم فيه، ليعلم المسلم إلى أيّ مدى بلغ بهم السخف والبله.. والحمد لله على نعمة الإسلام أولًا، ونعمة العقل ثانيًا!
أ - مهدي الشيعة سيحكم بشريعة داود وآل داود وبتوراة موسى:
جاء في الكافي للكليني في كتاب الحجة من الأصول في الكافي (1/397-398) ما يلي:
1- علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن منصور، عن فضل الأعور، عن أبي عبيد الحذَّاء قال: كنا زمان أبي جعفر عليه السلام حين قبض نتردد كالغنم لا راعي لها، فلقينا سالم بن أبي حفصة فقال لي: يا أبا عبيدة! من إمامك؟ فقلت: أئمتي آل محمد، فقال: هلكت وأهلكت، أما سمعتُ أنا وأنت أبا جعفر عليه السلام يقول: من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية؟ فقلت: بلى لعمري! ولقد كان قبل ذلك بثلاث أو نحوها، فدخلت على أبي عبد الله عليه السلام، فقلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن سالمًا قال لي كذا وكذا، قال: «يا أبا عبيدة إنَّه لا يموت هنا ميت حتى يخلف من بعده من يعمل بمثل عمله ويسير بسيرته ويدعو إلى ما دعا إليه، يا أبا عبيدة إنَّه لم يمنع ما أعطي داود أن أعطي سليمان. ثم قال: يا أبا عبيدة إذا قام قائم آل محمد عليه السلام حكم بحكم داود وسليمان ولا يُسأل بينة».
2- محمَّد بن يحيى، عن أحمد بن محمَّد، عن محمد بن سنان، عن أبان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: «لا تذهب الدنيا حتى يخرج رجل مني يحكم بحكومة آل داود، ولا يُسأل بيّنة، يعطي كل نفس حقها».(90/88)
3 – محمد، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن عمَّار الساباطي قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: بم تحكمون إذا حكمتم؟ قال: «بحكم الله وحكم داود، فإذا ورد علينا الشيء الذي ليس عندنا تلقَّانا به روح القُدُس».
4 - محمد بن أحمد، عن محمد بن خالد، عن النَّضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن عمران بن أعين، عن جعيد الهمداني عن عليَّ بن الحسين عليه السلام قال: سألته بأي حكم تحكمون؟ قال «بحكم آل داود، فإن أعيانا شيء تلقانا به روح القُدُس».
5 - أحمد بن مهران رحمه الله، عن محمَّد بن عليَّ، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم عن عمَّار السَّاباطي قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما منزلة الأئمَّة؟ قال: «كمنزلة ذي القرنين، وكمنزلة يوشع، وكمنزلة آصف صاحب سليمان، قلت: فبم تحكمون؟ قال: بحكم الله وآل داود وحكم محمَّد صلى الله عليه وسلم، ولتلقَّانا به روح القُدُس»(1).
ب - المهدي المنتظر يتكلم العبرانية:
في كتاب (الغيبة) للنعماني: «إذا أذَّن الإمام دعا الله باسمه العبراني (فانتخب) له صحابته الثلاثمائة والثلاثة عشر كقزع الخريف، منهم أصحاب الألوية، منهم من يفقد فراشه ليلًا فيصبح بمكة، ومنهم من يُرى يسير في السحاب نهارًا يعرف باسمه واسم أبيه وحليته ونسبه..».
ج - اليهود من أتباع المهدي الشّيعي المنتظر:
روى الشَّيخ المفيد في الإرشاد، عن المفضّل بن عمر، عن أبي عبد الله قال: «يخرج مع القائم عليه السلام من ظهر الكوفة سبعة وعشرون رجلًا من قوم موسى، وسبعة من أهل الكهف، ويوشع بن نون، وسليمان، وأبو دجانة الأنصاري، والمقداد، ومالك الأشتر، فيكونون بين يديه أنصارًا»(2).
وبهذا نخلص إلى أن مهدي الشيعة المنتظر:
__________
(1) الأصول في الكافي للكليني (1/397-398).
(2) الإرشاد للمفيد الطوسي (ص:402).(90/89)
1- يحكم بشريعة آل داود، وبقرآن جديد ليس هو الذي بين أيدينا، ولو سأل سائل: فأين شريعة آل داود؟ لوجد الإجابة ولا شك أنه التلمود، ولذلك يبايع الناس على كتاب جديد، ففي كتاب الغيبة للنعماني عن أبي جعفر أنه قال: «فوالله لكأني أنظر إليه بين الركن والمقام يبايع الناس بأمر جديد شديد، وكتاب جديد، وسلطان جديد من السماء»(1).
2 - لسان المهدي وهو العبرانية.
3 - أتباعه من اليهود، فلعل (مهدي الشيعة) هو ملك اليهود (المخلص) المنتظر، وهو نفسه المسيح الدجال الذي أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم.
ويزعمون أنه عندما يخرج مهديهم أن أول ما يبدأ به هو إخراج خليفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فيعذبان ثم يحرقان على يد مهديهم، فقد روى المجلسي عن بشير النبال عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «هل تدري أول ما يبدأ به القائم عليه السلام ؟ قلت: لا. قال: يخرج هذين الرطبين غضين فيحرقهما ويذريهما في الرياح ويكسر المسجد!!»(2).
وفي رواية أخرى يرويها المفضل عن جعفر الصادق وفيها: قال المفضل: «يا سيدي! ثم يسير المهدي إلى أين؟ قال: إلى مدينة جدي رسول الله... فيقول: يا معشر الخلائق! هذا قبر جدي رسول الله، فيقولون: نعم يا مهدي آل محمد، فيقول: ومن معه في القبر؟ فيقولون: صاحباه وضجيعاه أبو بكر وعمر، فيقول: أخرجوهما من قبريهما، فيخرجان غضين طريين لم يتغير خلقهما ولم يشحب لونهما، فيكشف عنهما أكفانهما ويأمر برفعهما على دوحة يابسة نخرة فيصلبهما عليها!»(3).
__________
(1) بحار الأنوار (52/318).
(2) الغيبة للنعماني (ص:107).
(3) الرجعة للأحسائي (ص:186).(90/90)
ويقول نعمة الله الجزائري في الأنوار النعمانية (1/141) بعد ما ذكر رأيه في حكم لعن الشيخين رضي الله عنهما وأنه من ضرورات المذهب عندهم يقول: «..وفي الأخبار ما هو أغرب من هذا، وهو أن مولانا صاحب الزمان عليه السلام (المهدي) إذا ظهر وأتى المدينة أخرجهما من قبريهما، فيعذبهما على كل ما وقع في العالم من ظلم متقدم على زمانيهما، كقتل قابيل وهابيل، وطرح إخوة يوسف له في الجب، ورمي إبراهيم في نار نمرود، وإخراج موسى خائفًا يترقب، وعقر ناقة صالح، وعبادة من عبد النيران، فيكون لهما الحظ الأوفر من أنواع ذلك العذاب».
بل وجاء عندهم من أعماله القبيحة:
ما روى المجلسي عن محمد بن علي الكوفي، عن عبدالرحمن بن أبي هاشم، عن أبي خديجة، عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال: إن عليًا عليه السلام قال: «كان لي أن أقتل المولى وأجهز على الجريح، ولكن تركت ذلك للعاقبة من أصحابي، إن جرحوا لم يقتلوا، والقائم له أن يقتل المولى ويجهز على الجريح...»(1).
وروى النعماني في كتاب الغيبة كما نقله المجلسي في كتابه بحار الأنوار (52/353) عن أبي جعفر قال: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سار في أمته باللين وكان يتألف الناس، والقائم يسير بالقتل، بذلك أمر في الكتاب الذي معه: أن يسير بالقتل ولا يستتيب أحدًا، ويل لمن ناواه».
ومهدي الشيعة متعصب لا يقتل من أجل العقيدة، بل يقتل بعض الناس، يعني كتطهير عرقي فقط، وأول من يبدأ بالقتل قريش، روى المجلسي عن أبي عبدالله أنه قال: «إذا خرج القائم لم يكن بينه وبين العرب وقريش إلا السيف»(2).
هذا دليل أنه سوف يقتل العرب وقريش هكذا بلا سبب، يخرج يقتل فقط، فهو متعطش لسفك الدماء، هذا هو العدل الذي يقصده الشيعة والذي سيملأ الأرض عدلًا أي (قتلًا).تطهير عرقي لا غير.
__________
(1) بحار الأنوار (52/353).
(2) بحار الأنوار (52/355).(90/91)
وفي نفس المصدر بحار الأنوار (52/354) عن أبي جعفر يقول: «لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحب أكثرهم أن لا يروه مما يقتل من الناس، أما إنه لا يبدأ إلا بقريش فلا يأخذ منها إلا السيف ولا يعطيها إلا السيف، حتى يقول كثير من الناس: ليس هذا من آل محمد، ولو كان من آل محمد لرحم».
وكذلك الأموات لا ينجون من عذاب هذا المنتقم، فإنه يخرجهم من قبورهم فيعذبهم ويضرب أعناقهم -كما مر معنا- يروي المفيد عن أبي عبدالله عليه السلام: «إذا قام القائم من آل محمد عليهم السلام أقام خمسمائة من قريش فضرب أعناقهم، ثم خمسمائة أخر، حتى يفعل ذلك ست مرات»(1).
هذه وباختصار شديد عقيدة الشيعة في مهديهم السفاح... فأي هداية ورشاد تُرجى من هؤلاء الشيعة؟!!
* ... * ... *
[الموضع العاشر]
قال رحمه الله في (ص:210) من المجلد السابع-الجزء الرابع عشر-عند تفسير قوله تعالى: ((ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)) [النحل:69].
«ومن لطيف النوادر ما في الكشاف: أن من تأويلات الشيعة أن المراد بالنحل في الآية علي وآله. وعن بعضهم أنه قال عند المهدي: إنما النحل بنو هاشم يخرج من بطونهم العلم، فقال له رجل: جعل الله طعامك وشرابك أضحوكة من أضاحيكهم.
قلت: الرجل الذي أجاب الرافضي هو بشار بن برد. وهذه القصة مذكورة في أخبار بشار».
أقول: هذه واحدة من تأويلات الشيعة وتلاعبهم بآيات القرآن الكريم، ووصمهم آل البيت بأبشع الأوصاف مما هذا عنده تشريف!! فإليك بعضًا منها في تفاسيرهم وكتبهم ومصادرهم المعتمدة:
__________
(1) كتاب الإرشاد (ص:364) وبحار الأنوار (52/338).(90/92)
يؤول الشيعة كثيرًا من آيات القرآن بالإمامة والأئمة، وتأويلاتهم في ذلك تربو على الحصر، وكأن القرآن لم ينزل إلا فيهم، ولقد تجاوزوا في هذه الدعاوى كل معقول، وأسفّوا في تأويلاتهم إلى ما يشبه هذيان المعتوهين حتى قالوا:
إن النحل في قوله سبحانه: ((وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ)) [النحل:68] هم الأئمة، وروى القمي بإسناده إلى أبي عبد الله قال: «نحن النحل التي أوحى الله إليها ((أَنْ اتَّخِذِي مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتاً)) [النحل:68] أمرنا أن نتخذ من العرب شيعة ((وَمِنْ الشَّجَرِ)) [النحل:68] يقول: من العجم ((وَمِمَّا يَعْرِشُونَ)) [النحل:68] يقول: من الموالي..»(1).
وجمع المجلسي رواياتهم في هذا المعنى في باب بعنوان: «باب نادر في تأويل النحل بهم عليهم السلام »(2)، كما جاء بروايات تقول: «إن الأئمة هم الماء المعين، والقصر المشيد، والسحاب والمطر والفواكه، وسائر المنافع الظاهرة»(3).
وفي الباب الذي عقده بعنوان: «باب تأويل الأيام والشهور بالأئمة»(4) جاء فيه:
«نحن الأيام؛ فالسبت اسم رسول الله، والأحد كناية عن أمير المؤمنين، والإثنين: الحسن والحسين، والثلاثاء علي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، والأربعاء موسى بن جعفر، وعلي بن موسى ومحمد بن علي وأنا، والخميس، ابني الحسن بن علي، والجمعة ابن ابني..»(5).
ومن الطريف أن بعض الأيام حظيت في أخبار الشيعة بالذم كيوم الإثنين(6)، فهل يتوجه هذا الذم إلى بعض الأئمة؛ لأن الأئمة هم الأيام؟!
__________
(1) تفسير القمي (1/387).
(2) بحار الأنوار (24/110-113).
(3) انظر: بحار الأنوار (24/100-110).
(4) بحار الأنوار (24/238-243).
(5) البحار (24/239)، الصدوق/ الخصال (ص:395-396)، والنص منسوب لإمامهم العاشر علي الهادي.
(6) انظر: سفينة البحار (1/137).(90/93)
ويروي جابر الجعفي قال: سألت أبا جعفر عن تأويل قول الله عز وجل: ((إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ)) [التوبة:36] قال: فتنفس سيدي الصعداء ثم قال: «يا جابر، أما السنة فهي جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهورها اثنا عشر شهرًا فهو أمير المؤمنين إلي(1)،وإلى ابني جعفر، وابنه موسى، وابنه علي، وابنه محمد، وابنه علي، وإلى ابنه الحسن، وإلى ابنه محمد الهادي المهدي اثنا عشر إمامًا... والأربعة الحرم الذين هم الدين القيم أربعة منهم يخرجون باسم واحد: علي أمير المؤمنين رضي الله عنه، وأبي علي بن الحسين، وعلي بن موسى، وعلي بن محمد، فالإقرار بهؤلاء هو الدين القيم: ((فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)) [التوبة:36] أي: قولوا بهم جميعًا تهتدوا»(2).
والبعوضة (وهي حشرة صغيرة معروفة) ورد ذكرها في سورة البقرة [الآية: 26.].هي علي عندهم(3).
ولفظ (الذباب) يؤوَّل بعلي في تفسير الشيعة(4)، كما أولوا البعوضة وحاول بعضهم أن يلطف من هذا التأويل، فزعم أنه ذباب العسل(5)، وفاته أنهم يؤولون به قوله سبحانه: ((إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوْ اجْتَمَعُوا لَهُ)) [الحج:73].
وما أدري ما السر في إطلاق أسماء أحطِّ الحشرات على أمير المؤمنين علي رضي الله عنه من طائفة تزعم محبته والتشيع له؟!
فقد وصموه بما يلي:
__________
(1) أي هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومن بعده من الأئمة حتى يصل إليّ، المجلسي - بحار الأنوار (24/240).
(2) الطوسي/ الغيبة (ص:96)، ابن شهر آشوب/ مناقب آل أبي طالب (1/244)، بحار الأنوار (24/240)، البرهان (2/122-123)، نور اليقين (2/214-215)، اللوامع النورانية (ص:141).
(3) تفسير القمي (1/35)، البرهان (1/70).
(4) انظر: مرآة الأنوار (ص:150).
(5) نفس الموضع من المصدر السابق.(90/94)
1) علي عند الشيعة (هو دابة الأرض) في قوله تعالى: ((وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنْ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ)) [النمل:82] (1).
2) علي عند الشيعة (بئر)(2).
3) علي عند الشيعة هو(البحر) في قوله تعالى: ((مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ)) [الرحمن:19] (3).
4) علي عند الشيعة هو (الساعة) في قوله تعالى: ((بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ)) [الفرقان:11] (4).
هذه أوصاف أمير المؤمنين (علي بن أبي طالب) رضي الله عنه عند هؤلاء الشيعة وهم يزعمون حبه واتباعه -كذبوا- وقد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر، وتاريخهم الفعلي مع آل البيت أشد وأشنع.
والحمد لله الذي هدانا للإسلام وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وجعلنا من أهل التوحيد الذين يعبدون الله على بصيرة وعلم.
* ... * ... *
الخاتمة
__________
(1) انظر: كتاب الرجعة للأحسائي (ص:201) فصل في ذكر بعض ما جاء في رجعة أمير المؤمنين-صلوات الله عليه-وأنه دابة الأرض. وانظر: تفسير العياشي لمحمد بن مسعود العياشي (1/384) وانظر: تفسير القمي لعلي بن إبراهيم القمي (2/130) وانظر: تفسير فرات لفرات بن إبراهيم الكوفي (ص:373). وانظر: تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي (7/405). وانظر: التفسير الصافي للفيض الكاشاني (4/74).
(2) انظر: تفسير القمي (2/85) وأصول الكافي (1/427)... عند تفسير آية الحج رقم:45.
(3) انظر: تفسير القمي (2/344) وتفسير فرات (ص:177) والصافي (5/109).
(4) انظر: الغيبة للنعماني (ص:54) ومرآة الأنوار (ص:182).(90/95)
وبعد... فإني أرجو أن يكون قد استبان موقف شيخ الإسلام العلامة (محمد الطاهر ابن عاشور) رحمه الله من الشيعة، وذلك من خلال عرضنا لأقواله رحمه الله في تفسيره الكبير (التحرير والتنوير)، وكذا من خلال أقواله فيما أشرنا إليه من بعض كتبه، والتي يتبين فيها موقفه رحمه الله -وبكل صراحة ووضوح- من الشيعة ومعتقداتهم المخالفة لكتاب الله تعالى وصحيح سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأقوال أئمة آل البيت الموافقة لكتاب الله تعالى وهدي جدِّهم النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
وإني هنا: أدعو كل مسلم لعرض أقوال وأفعال ومعتقدات الشيعة على كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ليرى البون الشاسع والمخالفات في المعتقد، لتستبين السبيل وليعلم الدليل.
كما أني قد عرضت أقوال علمائنا وفقهائنا السادة المالكية في الشيعة ليُعْلَمَ أن المتقدمين منهم يوافقون شيخنا (الطاهر ابن عاشور) المتأخر؛ في ذم عقائد الشيعة في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وأزواجه وأصحابه، وما في معتقداتهم من شرك وزندقة وإلحاد وكفر بالله تعالى.
وعليه فإني أرجو أن أكون قد أسهمت في بيان معتقدات الشيعة وموقف علمائنا منهم، ليتضح الأمر عند العامة والخاصة من أبناء تونس الغالية -والمغرب العربي عامة- فلا يغتر مغتر بهالات الشيعة وإشاعاتهم وتلبيسهم على العامة، بل وبعض الخاصة.
فرحم الله شيخنا العلامة الكبير (الطاهر ابن عاشور) وأجزل له الأجر والمثوبة على جهوده في بيان الإسلام الصحيح، والتحذير من الدخيل على الدين من بدع المبتدعين وضلالات المضلين، الذين نبذوا كتاب الله خلفهم ظهريًا، واتخذوا من أهوائهم دينًا يحادُّون بها دين الله الذي أرسل به رسوله صلى الله عليه وسلم.
((اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ)) [الأعراف:3].
* ... * ... *
فهرس الموضوعات(90/96)
الإهداء ... 7
المقدمة ... 8
ترجمة حياته / ... 10
آل عاشور: ... 10
مولده ونشأته (1879-1973م): ... 10
مسيرته الدراسية والعلمية: ... 11
شيوخه: ... 12
إصلاحاته ورؤيته للإصلاح: ... 13
تطور العلوم: ... 14
المسيرة النضالية: ... 15
كتاباته ومؤلفاته: ... 17
مدخل وفيه التعريف بفرقة الشيعة الإمامية الاثني عشرية ... 20
أهم عقائدهم التي خالفوا فيها الإسلام وأهله: ... 20
إمام الشيعة ومرجعهم الديني (الخميني) في ميزان العلماء!! ... 23
معتقدات الخميني في أئمته: ... 23
تطاول خميني على الأنبياء والرسل: ... 24
موقف علماء السنة من أقوال الخميني: ... 25
علماء وفقهاء السادة المالكية.. والشيعة!! ... 30
موقف إمام دار الهجرة من الشيعة: ... 30
موقف القاضي عياض المالكي / (544هـ): ... 32
قول أبي بكر بن العربي المالكي / (543هـ): ... 32
ذم الشيعة والحكم عليهم من الكتب المالكية المشهورة: ... 32
تونسي يتشيع لمصالحه... ويأتي بالعجائب! ... 36
طعن الشيعة في علماء السنة ... 37
طعن الشيعة في الأئمة الأربعة عند أهل السنة: ... 37
طعنهم في الإمامين البخاري ومسلم: ... 40
كيف ينظر الشيعة لأهل السنة والجماعة؟؟ ... 41
ماذا يعني لفظ الناصب عند الشيعة الإثني عشرية: ... 41
نجاسة أهل السُّنّة عند الشيعة: ... 42
حكم من لا يقول بإمامة الأئمة الاثني عشر عند الشيعة ... 43
جواز اغتياب المخالفين ... 46
كتاب (التحرير والتنوير) للطاهر ابن عاشور ... 48
الطاهر ابن عاشور والشيعة ... 49
موقف ابن عاشور من الشيعة في كتابه (التحرير والتنوير) ... 51
[الموضع الأول] ... 51
زَعْم الشيعة الاثني عشرية وجوب لعن الشيخين والبراءة منهما: ... 51
[الموضع الثاني] ... 57
[الموضع الثالث] ... 61
[الموضع الرابع] ... 63
[الموضع الخامس] ... 64
[الموضع السادس] ... 66
طعن الشيعة في أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ... 68(90/97)
أولاً: ادعاء الشيعة كفرها وعدم إيمانها: ... 68
ثانيًا: الشيعة الإثنا عشرية ينسبون الصديقة إلى الفاحشة: ... 70
[الموضع السابع] ... 77
[الموضع الثامن] ... 79
أولاً: دعوى الشيعة الاثني عشرية ارتداد الصحابة: ... 79
ثانيًا: دعوى الشيعة الاثني عشرية نفاق أكثر الصحابة: ... 82
[الموضع التاسع] ... 85
[الموضع العاشر] ... 89
الخاتمة ... 92
فهرس الموضوعات ... 93
* ... * ... *(90/98)
بسم الله الرحمن الرحيم
بيان موقف شيخ الإسلام الإمام الأكبر
محمد الطاهر ابن عاشور التونسي
من الشيعة
من خلال تفسيره (التحرير والتنوير)
بقلم:
الأستاذ/ خالد بن أحمد الشامي
الطبعة الأولى
(1425هـ - 2005م)
بسم الله الرحمن الرحيم
صورة الإمام الأكبر الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور
(1287- 1393هـ) = (1879- 1973م)
العلامة الشيخ/ محمد الطاهر ابن عاشور
محمد الطاهر ابن عاشور بين طلابه
الإهداء
إلى كل قلب في تونس الحبيبة..
دخله حب لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.
إلى كل عقل فيها..
أحبَّ العلم وأخذه من منبعه الصافي كتاب الله وصحيح سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
إلى العلماء فيها والمفكرين، إلى الدعاة والمصلحين...
أهدي هذا الجهد المتواضع..
نواة لمشروع أكبر في بيان موقف علمائنا السادة المالكية
من الشيعة أهل البدعة والضلال.
المؤلف
في غرة ربيع الآخر (1425هـ)
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه أجمعين...
وبعد:(91/1)
فإن بلاد إفريقية وتونس عرفت السنة والنور النبوي الرباني مع بداية الفتح الإسلامي الأول، لكنها بعد رَدْح من الزمن غالبتها البدعة وتكدر نورها وسنا العلم فيها على أيدي الملاحدة الزنادقة في دولة بني عُبيد الشيعية، حيث حملوا الناس على التشيع وسب الصحابة، والابتداع في الدين؛ فتصدى لهم العلماء النطاسيون، وأكابر أهل العلم الربانيين في هاتيك البلاد وما حولها.. فأصدروا الفتاوى والبيانات على كفر بني عُبيد وردتهم عن الدين، وأنه لا ولاية لهم، فتحمّل العلماء عبْء هذا، فقُتل الكثير، وشُرد الجمّ الغفير، ولكن الله يعز دينه ويعلي كلمته في كل زمان ومكان؛ فبادت دولة العبيديين وزالت، وتمكن أهل العلم من البلاد والعباد: ((كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ)) [الرعد:17].
ولا يسعني هنا أن أسرد الوقائع والحوادث التاريخية، فدونك -أيها القارئ- كتب التاريخ المشهورة، كتاريخ ابن خلدون التونسي، وتاريخ الطبري، والكامل لابن الأثير، والبداية والنهاية لابن كثير، فقد أحلتك على مليء!
ولِتَقِف على حوادث أهل العلم والفقهاء مع الدولة العبيدية الرافضية وما حصل لهم بسببها، عليك بكتاب المحن لعالم تونس في زمانه أبي العرب محمد بن أحمد التميمي المتوفى بالقيروان عام (333هـ)، وكتاب ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك؛ للقاضي عياض بن موسى اليحصبي المتوفى سنة (544هـ).
وما زال العلماء رحمهم الله يتحملون الدفاع عن كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وشريعة الإسلام، شاهرين سيوف الحق السُّنية في وجه أهل الباطل والبدعة، مُجْلين الحق والصواب، مبينين سبيل أهل الغي والضلال الذين حادوا عن منهج الحق والصدق والعدل والإنصاف.(91/2)
والله سبحانه يقول: ((وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً)) [النساء:115].
وكان من هؤلاء الأعلام العلماء: شيخ الإسلام ومفتي تونس الأكبر؛ العلامة المحقق المدقق؛ الإمام محمد الطاهر ابن عاشور رحمه الله الذي عُرف بتفسيره الكبير «التحرير والتنوير» الذي اخترنا أن تكون مادة كتابنا هذا منه، وهو:
«بيان موقف شيخ الإسلام الإمام الأكبر محمد الطاهر ابن عاشور من الشيعة من خلال تفسيره (التحرير والتنوير)» وقد اعتمدت في النقل منه على طبعة دار سحنون للنشر والتوزيع - تونس.
إلا أنني قدمت البحث بمقدمة مطولة -لابد منها- في بيان التعريف بالشيعة وموقفهم من أهل السنة، واعتقادهم وأقوالهم في أئمة أهل السنة أصحاب المذاهب الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل رحمهم الله.
ثم ذكرت بعض معتقداتهم الأخرى، ونقلت بعض أقوال علماء السادة المالكية في الشيعة.. ليستبين الحق، وماذا بعد الحق إلا الضلال؟!
والحمد لله الذي هدانا للإسلام الحق، وجنّبنا طريق الذين اتبعوا أهواءهم، ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، واتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرًا عن سواء السبيل.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
خالد بن أحمد الشامي
al_shamya@gawab.com
ترجمة حياته رحمه الله
شيخ الإسلام: محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر ابن عاشور التونسي، رئيس المفتين بتونس، وشيخ جامع الزيتونة وفروعه.
آل عاشور:(91/3)
أصل هذه الشجرة الزكية الأول هو محمد ابن عاشور، وُلد بمدينة سلا من المغرب الأقصى بعد خروج والده من الأندلس فارًّا بدينه من القهر والتنصير، توفي سنة (1110هـ) وقد سطع نجم آخر وهو الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور وهو جد مترجمنا، والذي وُلد سنة (1230هـ) وقد تقلد مناصب هامة كالقضاء والإفتاء والتدريس، والإشراف على الأوقاف الخيرية، والنظارة على بيت المال، والعضوية بمجلس الشورى.
ومن أشهر تلاميذه الشيخ محمد العزيز بوعتور، والشيخ يوسف جعيط، والشيخ أحمد ابن الخوجة، والشيخ سالم بوحاجب، والشيخ محمود ابن الخوجة، والشيخ محمد بيرم، ومن سلالة آل عاشور والد شيخنا الشيخ محمد ابن عاشور، وقد تولى رئاسة مجلس إدارة جمعية الأوقاف، ثم خلفه عليها أبو النخبة المثقفة محمد البشير صفر حيث عينته الدولة نائبًا عنها في تلك المؤسسة، وقد تدعمت الصلة وتمتنت بين الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور الجد وتلميذه محمد العزيز بوعتور الوزير، نتج عنها زيجة شرعية لابنة الثاني -محمد العزيز بوعتور- على ابن الأول -الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور الجد- وهكذا تمت أواصر هذه العائلة بالعائلات التونسية(1)، وأخذت مكانها وارتبطت صلاتها فكانت شجرة طيبة زيتونة لا شرقية ولا غربية أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.
مولده ونشأته (1879-1973م):
بشّرت هذه العائلة الشريفة بولادة الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور بالمرسي ضاحية من ضواحي العاصمة التونسية في جمادى الأولى سنة (1296هـ) الموافق لشهر سبتمبر (1879م)(2).
__________
(1) الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور رائد الفكر الإسلامي، بقلم الكاتب: المهدي بن حميدة (بتصرف).
(2) نقلاً عن نشرية الكلمة الطيبة (السنة:1) (العدد:12) محرم (1417هـ)، جاء فيها: الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور أصيل قرية بني خيار المشهورة بكثرة حفاظ القرآن وجودة حفظهم.(91/4)
نشأ الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور في بيئة علمية لجده للأب قاضي قضاة الحاضرة التونسية، وجده للأم الشيخ محمد العزيز بوعتور، ففي مثل هذا الوسط العلمي والسياسي والإصلاحي شبّ مترجمنا فحفظ القرآن الكريم حفظًا متقنًا منذ صغر سنه، وحفظ المتون العلمية كسائر أبناء عصره من التلاميذ، ثم تعلم ما تيسر له من اللغة الفرنسية(1).
ارتحل إلى المشرق العربي وأوروبا، وشارك في عدة ملتقيات إسلامية، كان عضوًا مراسلًا لمجمع اللغة العربية بالقاهرة سنة (1956م)، وبالمجمع العلمي العربي بدمشق سنة (1955م).
اشتهر بالصبر والاعتزاز بالنفس والصمود أمام الكوارث، والترفع عن الدنيا، حاول أقصى جهده إنقاذ التعليم الزيتوني وتصدى له بمعارفه ويقينه، ولكن أيدي الأعادي تسلطت على هذه المنارة العلمية فألغتها سنة (1961م)، فتولى العلم بتونس وانزوى حتى توفي عام (1973م) ودفن بمقبرة الزلاج بمدينة تونس فرحمه الله تعالى(2).
مسيرته الدراسية والعلمية:
التحق الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور بجامع الزيتونة في سنة (1303هـ-1886م) وثابر على تعليمه به حتى أحرز شهادة التطويع سنة (1317هـ-1899م) وسمي عدلًا مبرزًا، وابتداءً من سنة (1900م) إلى سنة (1932م) أقبل على التدريس بجامع الزيتونة والمدرسة الصادقية كمدرس من الدرجة الثانية، فمدرسًا من الدرجة الأولى سنة (1905م)، ثم عضوًا مؤسسًا للجنة إصلاح التعليم بجامع الزيتونة سنة (1910م).
__________
(1) الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور رائد الفكر الإسلامي.
(2) نقلاً عن نشرية الكلمة الطيبة، السنة الأولى (العدد:12)، محرم (1417هـ).(91/5)
التحق الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور بالقضاء سنة (1911م) فكان عضوًا بالمحكمة العقارية وقاضيًا مالكيًا، ثم مفتيًا مالكيًا سنة (1923م) فكبير المفتين سنة (1924م) فشيخ الإسلام للمذهب المالكي سنة (1932م)، وقد باشر رحمه الله كل هذه المهام بمهارة ودقة علمية نادرة، وبنزاهة وحسن نظر، فكان حجة ومرجعًا فيما يقضي به، سمي شيخ جامع الزيتونة وفروعه لأول مرة في سبتمبر (1932م) بعد أن اشترك في إدارة الكلية الزيتونية، ولكنه استقال من مشيخة جامع الزيتونة بعد (سبتمبر:1933م).
ثم سمي من جديد شيخًا لجامع الزيتونة في سنة (1945م)، وفي سنة (1956م) شيخًا عميدًا للكلية الزيتونية للشريعة وأصول الدين حتى سنة (1960م) حيث أحيل إلى الراحة بسبب موقفه تجاه الحملة التي شنها بورقيبة يومئذ ضد فريضة الصيام في رمضان(1).
كان مقبلًا على الكتابة والتحقيق والتأليف، فقد شارك في إنشاء مجلة السعادة العظمى سنة (1952م)، وهي أول مجلة تونسية مع صديقه العلامة الشيخ محمد الخضر حسين رحمه الله، ونشر بحوثًا عديدة خصوصًا في المجلة الزيتونية ومجلات شرقية مثل هدى الإسلام، والمنار، والهداية الإسلامية، ونور الإسلام، ومجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة، كما نشرت له مجلة المجمع العلمي بدمشق.
شارك في الموسوعة الفقهية التي تشرف عليها وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالكويت بمبحث قيم(2).
شيوخه:
__________
(1) جامع الزيتونة المَعْلم ورجاله - محمد العزيز ابن عاشور (ص:125).
(2) نقلاً عن نشرية الكلمة الطيبة، السنة الأولى (العدد:12)، محرم (1417هـ).(91/6)
اكتسب الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور ثقافة واسعة شملت التفسير، والحديث، والقراءات، ومصطلح الحديث، والبيان، واللغة، والتاريخ، والمنطق، وعلم العروض، وأعمل فكره فيما حصله وتوسع في ذلك وحلله، فقد تخرج على أيدي ثلّة من علماء عصره امتازوا بثقافة موسوعية في علوم الدين وقواعد اللغة العربية وبلاغتها وبيانها وبديعها، إلى جانب قدرة على التبليغ، ومعرفة بطرق التدريس، والتركيز على تربية الملكات في العلوم، ومن أشهرهم الشيخ محمد النجار، والشيخ سالم بوحاجب، والشيخ محمد النخلي، والشيخ محمد بن يوسف، والشيخ عمر ابن عاشور، والشيخ صالح الشريف رحمهم الله تعالى جميعًا.
وإذا تصفحنا حياة هؤلاء الأعلام وجدناها حياة علمية زاخرة حافلة بجلائل الأعمال، قد أعطوا الحياة التونسية عطاء جزيلًا في الدين والاجتماع والأدب والسياسة، وهؤلاء النبغاء وإن لم يتركوا مؤلفات ضخمة إلا أنهم تركوا تلاميذ شهدوا لهم بطول الباع في نقد الآثار والمناهج وتتبع الهنات اللغوية، وقد كان الشيخ بوحاجب بارعًا ماهرًا في علوم اللغة والنحو والبلاغة والأدب، والأستاذ عمر بن الشيخ ماهرًا في الفقه والمنطق والكلام والفلسفة، والشيخ محمد النجار كان جامعًا لشتى العلوم التي تدرس بجامع الزيتونة(1).
__________
(1) الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور رائد الفكر الإسلامي.(91/7)
وهؤلاء العلماء الذين تتلمذ عليهم الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور كانوا ثمرة لمصلحين أسهموا في الحياة التونسية إسهامًا جليلًا على شتى المستويات الأدبية والاجتماعية، أمثال الشيخ إبراهيم الرياحي، وإسماعيل التميمي، والوزير خير الدين باشا صاحب أقوم المسالك، والشيخ محمود قبادو، ولقد كان هؤلاء العلماء زعماء المدرسة الإصلاحية التونسية، وكانت فرعًا مهمًا للمدارس الإصلاحية التي نشرت في العالم الإسلامي؛ كالمدرسة الدهلوية، ومدرسة المصلح: محمد ابن عبدالوهاب النجدي، وهذه المدرسة إلى جانب المدرسة المغربية تتفق مع مدارس العالم الإسلامي في الأسس والمبادئ، وتختلف عنها في الأساليب والطرائق، بَيْدَ أنها تلتقي جميعًا حول هدف موحد؛ هو مقاومة التخلف المزري الذي تردى فيه المسلمون من بُعْدٍ عن التوحيد وانغماس في الشرك، بالرغم من أن دينهم دين الفكر والحضارة والعلم والمدنية(1).
إصلاحاته ورؤيته للإصلاح:
__________
(1) الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور رائد الفكر الإسلامي.(91/8)
بدأ الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور بمساعدة ثلّة من الأنصار الأوفياء في تخطيط مراحل الإصلاح، وتطبيق النُّظم التي يراها كفيلة بتحقيق الهدف الذي يصبو إليه؛ للخروج بهذا المعهد العظيم من كبوته(1)، بعد أن تكلم عن أساليب التعليم الزيتوني ومناهجه بلسان النقد في كتابه «أليس الصبح بقريب» الذي ألفه سنة (1907م-1321هـ) والذي ضمنه رؤيته للإصلاح، وحدد فيه أسباب تخلف العلوم مصنِّفًا كل علم على حدة، واعتبر أن إصلاح حال الأمة لا يكون إلا بإصلاح مناهج التعليم والقيام على هذا الجانب، وقد كتب كتابه هذا وعمره لم يتجاوز خمسًا وعشرين سنة، مما يدل على أن هذا الشيخ الجليل كرّس حياته للنهوض بالجامع الأعظم، وبالتالي على مكمن الداء في تخلف الأمة، ولئن أحس الشيخ بجسامة المهمة والبون الشاسع بين واقع المسلمين وما وصلت إليه الأمم الغربية من امتلاك أسباب النهضة والرقي، إلا أنه لم يدّخر جهدًا ولم يثنِ عزمًا في السير في هذا الطريق المليء بالأشواك.
لقد شملت عناية الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور إصلاح الكتب الدراسية وأساليب التدريس ومعاهد التعليم، وقد اهتمت لجان من شيوخ الزيتونة بتشجيعٍ منه بهذا الغرض، ونظرت في الكتب الدراسية على مختلف مستوياتها، وعمل الشيخ على استبدال كتب كثيرة كانت منذ عصور ماضية تدرّس، وصبغ عليها قدم الزمان صبغة احترام وقداسة موهومة.
__________
(1) جامع الزيتونة المَعْلم ورجاله - محمد العزيز ابن عاشور (ص:121).(91/9)
لقد حرص الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور على خاصتي التعليم الزيتوني: الصبغة الشرعية واللغة العربية، وللوصول إلى هذا الهدف لابد من تخصيص كتب دراسية شهد لها العلماء بغزارة العلم وإحكام الصنعة وتنمية الملكات في التحرير؛ ليتخرج من الزيتونة العالم المقتدر على الخوض فيما درس من المسائل وتمحيصها ونقدها، ولتحقيق هذه الأهداف دعا الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور المدرسين إلى التقليل من الإلقاء والإكثار من الأشغال التطبيقية، حتى تتربى للطالب ملكة بها يستقل في الفهم، ويعول على نفسه في تحصيل ثقافته العامة والخاصة، وقد حث المدرسين على نقد الأساليب والمناهج الدراسية، واختيار أحسنها أثناء الدرس، ومراعاة تربية الملكة بدلًا من شحن العقل بمعلومات كثيرة قد لا يحسن الطالب التصرف فيها، فكانت دعوته للإصلاح ذات بُعْدَي التنظير والتطبيق الميداني.
تطور العلوم:
يقول الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور في كتابه «أليس الصبح بقريب» -إيذانًا منه بقرب النصر واستعادة الأمة مجدها، وتخلصها من المستعمر الفرنسي الذي باغتها في عقر دارها-: «رأيت الذي يطمع في البحث عن موجبات تدني العلوم يرمي بنفسه إلى متسع ربما لا يجد منه مخرجًا في أمد غير طويل، وأيقنت أن لأسباب تأخر المسلمين عمومًا رابطةً وثيقةً بأسباب تأخر العلوم»(1).
أحس الشيخ ابن عاشور بقيمة العلم في سبيل نهوض الأمة، وحاول من خلال كتابه المذكور أن يقدم بديلًا لما ساد في أوساط الجامع المعمور من مناهج لتدريس الطلبة العلوم الشرعية التي توارثها الأجيال أبًا عن جد دون نظر وإعمال للرأي، ومكنت الغرب بالتالي من إحكام سيطرته على العالم الإسلامي -والقطر التونسي جزء منه-.
وقبل أن يسرد سببين رئيسين لتأخر العلوم ويزيد عليهما خمسة عشر سببًا فرعيًا؛ قدم نظرته إلى العلوم ورسم منهجه في التعامل مع العلم وأطواره، فقسم العلوم قسمين من جهة ثمرتها:
__________
(1) أليس الصبح بقريب (ص:175).(91/10)
القسم الأول: ما تنشأ عنه ثمرة هي من نوع موضوعات مسائله، كعلم النحو، فثمرته تجتنى منه، وهي ثمرة لفظية محضة.
القسم الثاني: ما يبحث عن أشياء لا لذاتها بل لاستنتاج نتائج عنها، مثل: علم التاريخ والفلسفة والهندسة النظرية وأصول الفقه وغيرها، فبالتاريخ يستعين مزاوله على عَقْل التجارب وتجنب مضار الحضارات والأخطاء التي وقعت فيها الأمم السابقة، والفلسفة تنير العقل وتدربه على فتح أبواب الحقائق، وهذه الأشياء لا تُقرأ في الفلسفة وإنما يتعودها الذهن ضمن ممارساته، ومثل ذلك: علم البلاغة وجميع العلوم البرهانية النظرية، وأصول الفقه في فلسفة الاستنباط.
يضيف في كتابه «أليس الصبح بقريب» ليقول كلمته الحاسمة في التعامل مع العلوم بمنطق النقد والتطوير دون الخروج عن أدب الالتزام بمناهج القدماء من سلف الأمة، فيقول: «وإن أطوار العلوم في الأمة تشبه أطوارها في الأفراد؛ ذلك أن العلم في الأمة كما هو في الفرد له أربعة أطوار:
1- طور الحفظ والتقليد والقبول للمسائل كما هي؛ من غير انتساب بعضها من بعض، ولا تفكر في غايتها، بل لقصد العمل.
2- طور انتساب بعضها من بعض وتنويعها والانتفاع ببعضها في بعض.
3- طور البحث في عللها وأسرارها وغاياتها.
4- الحكم عليها باعتبار تلك العلل بالتصحيح والنقد، وهو طور التضلع والتحرير».
المسيرة النضالية:(91/11)
عُزّز موقف الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور بتسميته شيخًا للإسلام المالكي سنة (1932م)، ثم بتكليفه في شهر سبتمبر من نفس السنة (1932م) بمهام شيخ مدير الجامع الأعظم وفروعه، فتيسر له الشروع في تطبيق آرائه الإصلاحية التي كانت شغله الشاغل(1) إلا أن الدسائس والمؤامرات التي كانت تحاك ضده من طرف معارضيه «الزيتونيين» من المتحفظين على خطواته الإصلاحية من جهة، والذين شعروا بنفوذه وقبوله من كل المحيطين به(2) من جهة ثانية، جعلته يقدِّم استقالته في سبتمبر السنة الموالية (1933م)، وفي سنة (1364هـ-1945م) عيّن مرة ثانية شيخًا للجامع الأعظم وفروعه، وقوبلت عودة الشيخ بحماس فياض من طرف الأوساط الزيتونية والرأي التونسي بصفة عامة، واهتز المعهد الزيتوني وفروعه سرورًا، فانتظمت عدة تظاهرات تكريمًا وارتياحًا لعودة الشيخ بالعاصمة، ومنها الاستقبال الحار الذي خصته به فروع سوسة والقيروان وصفاقس بمناسبة الزيارة التفقدية التي قام بها الشيخ ابن عاشور في ماي (1945م) فور تسميته من جديد على رأس إدارة التعليم الزيتوني، فانطلقت ألسنة الأدباء والشعراء بالقصائد الحماسية والأناشيد(3).
واستأنف الشيخ تطبيق برنامجه الإصلاحي، فجعل الفروع الزيتونية تحت مراقبة إدارة مشيخة الجامع رأسًا بعدما كانت ترجع شئونها بالنظر إلى السلطة الشرعية الجهوية.
__________
(1) نقلاً عن نشرية الكلمة الطيبة، السنة الأولى (العدد:12)، محرم (1417هـ).
(2) حاكوا له الدسائس بسبب مواقف اتهم باطلاً باتخاذها فيما يسمى بقضية التجنيس - انظر: المصدر السابق.
(3) أنشد تلاميذه أناشيد مؤثرة، منها ما أنشده صغار تلامذة فروع سوسة:
- أيها الطاهر أهلاً بابن عاشور وسهلاً- قد حللت الصفو حلا - وجرى دمع السرور.
- أنت للعين ضياء - في اهتداء وارتياء - يا وريث الأنبياء، أنت للمعمور نور (...).(91/12)
كما زاد الشيخ ابن عاشور في عدد الفروع الزيتونية التي ارتقت في مدة سبع سنوات (1949-1956م) من ثمانية إلى خمسة وعشرين -منها اثنان للفتيات في تونس وصفاقس- وصار عدد تلامذة الزيتونة وفروعها يناهز العشرين ألف تلميذ في حدود سنة: (1956م)(1).
كما امتدت شبكة فروع الزيتونة إلى القطر الجزائري بإنشاء فرعين في مدينة قسنطينة(2).
وحرص الشيخ ابن عاشور على أن يحسّن من أوضاع الطلبة المعيشية والاجتماعية، لما له من قيمة في رفع معنويات الطلبة الزيتونيين إزاء إخوانهم الميسرين، وأمام الضغوط من حولهم على القضاء على التعليم الزيتوني(3)، والحيرة التي كان عليها أغلب أبناء الزيتونة، والآفاق التي يمكن أن يرسموها لمستقبلهم.
وبعد اضطرابات وخلافات حول أمر التطوير، قررت السلطة إبعاد الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور عن مباشرة وظيفته مع إبقائه في خطته، وتكليف الشيخ علي النيفر بإدارة المشيخة، وفي سنة (1956م) عاد الشيخ ابن عاشور إلى مباشرة شئون التعليم الزيتوني بعنوان شيخ عميد للجامعة الزيتونية من سنة (1956) إلى (1960م).
كتاباته ومؤلفاته:
__________
(1) في هذه السنة حصلت تونس على استقلالها وأصبح بورقيبة والحزب الدستوري يباشرون الحكم، وقد أخاف هذا الأخير المد الزيتوني الذي أحدثه الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور.
(2) جامع الزيتونة المَعْلم ورجاله - محمد العزيز ابن عاشور (ص:123).
(3) المصدر السابق (ص:123).(91/13)
كان أول من حاضر بالعربية بتونس في هذا القرن، أما كتبه ومؤلفاته فقد وصلت إلى الأربعين، وهي غاية في الدقة العلمية، وتدل على تبحر الشيخ في شتى العلوم الشرعية والأدبية، ومن أجلّها كتابه في التفسير: «التحرير والتنوير» -موضوع بحثنا- وكتابه الثمين والفريد من نوعه: «في مقاصد الشريعة الإسلامية»، وكتابه «حاشية التنقيح للقرافي»، و«أصول العلم الاجتماعي في الإسلام»، و«الوقف وآثاره في الإسلام»، و«نقد علمي لكتاب أصول الحكم»، و«كشف المغطى في أحاديث الموطأ»، و«التوضيح والتصحيح في أصول الفقه»، و«موجز البلاغة»، و«كتاب الإنشاء والخطابة»، و«شرح ديوان بشار وديوان النابغة»...إلخ.
ولا تزال العديد من مؤلفات الشيخ مخطوطة منها: «مجموع الفتاوى»، وكتاب في السيرة، ورسائل فقهية كثيرة(1).
وقد قسمت مؤلفاته إلى قسمين، منها: مؤلفات في العلوم الإسلامية، وأخرى في العربية وآدابها(2):
العلوم الإسلامية:
1- التحرير والتنوير.
2- مقاصد الشريعة الإسلامية.
3- أصول النظام الاجتماعي في الإسلام.
4- أليس الصبح بقريب؟
5- الوقف وآثاره في الإسلام.
6- كشف المغطى من المعاني والألفاظ الواقعة في الموطأ.
7- قصة المولد.
8- حواشي على التنقيح لشهاب الدين القرافي في أصول الفقه.
9- رد على كتاب الإسلام وأصول الحكم تأليف علي عبد الرازق.
10- فتاوى ورسائل فقهية.
11- التوضيح والتصحيح في أصول الفقه.
12- النظر الفسيح عند مضايق الأنظار في الجامع الصحيح.
13- تعليق وتحقيق على شرح حديث أم زرع.
14- قضايا شرعية وأحكام فقهية وآراء اجتهادية ومسائل علمية.
15- آمال على مختصر خليل.
16- تعاليق على العلول وحاشية السياكوتي.
17- آمال على دلائل الإعجاز.
__________
(1) نقلاً عن نشرية الكلمة الطيبة، السنة الأولى (العدد:12)، محرم(1417هـ).
(2) نقلتها مجلة جوهر الإسلام عدد (3-4) السنة العاشرة (1978م) (في عدد خاص بالشيخ محمد الطاهر ابن عاشور).(91/14)
18- أصول التقدم في الإسلام.
19- مراجعات تتعلق بكتابي: معجز أحمد واللامع للعزيزي.
اللغة العربية وآدابها:
1- أصول الإنشاء والخطابة.
2- موجز البلاغة.
3- شرح قصيدة الأعشى.
4- تحقيق ديوان بشار.
5- الواضح في مشكلات المتنبي.
6- سرقات المتنبي.
7- شرح ديوان الحماسة لأبي تمام.
8- تحقيق فوائد العقيان للفتح ابن خاقان مع شرح ابن زاكور.
9- ديوان النابغة الذهبي.
10- تحقيق مقدمة في النحو لخلف الأحمر.
11- تراجم لبعض الأعلام.
12- تحقيق كتاب الاقتضاب للبطليوسي مع شرح كتاب أدب الكاتب.
13- جمع وشرح ديوان سحيم.
14- شرح معلقة امرئ القيس.
15- تحقيق لشرح القرشي على ديوان المتنبي.
16- غرائب الاستعمال.
17- تصحيح وتعليق على كتاب النتصار لجالينوس للحكيم ابن زهر.
وقد عدد الدكتور محمد الحبيب بن الخوجة المجلات العلمية التي أسهم فيها الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور، والتي نذكر منها:
- السعادة العظمى.
- المجلة الزيتونية.
ومن الصحف والمجلات الشرقية:
- هدى الإسلام.
- نور الإسلام.
- مصباح الشرق.
- مجلة المنار.
- مجلة الهداية الإسلامية.
- مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة.
- مجلة المجمع العلمي بدمشق.
وقد شغل مهمة عضو مراسل لمجمعي اللغة العربية بالقاهرة ودمشق منذ سنة (1955م).
* ... * ... *
مدخل وفيه
التعريف بفرقة الشيعة الإمامية الإثني عشرية(91/15)
هم فرقة ابتلي بهم المسلمون منذ مؤسسهم عبد الله بن سبأ، وهو يهودي من اليمن، أظهر الإسلام ونقل ما وجده في الفكر اليهودي إلى التشيع كالقول بالرجعة؛ وعدم موت الأئمة، والقدرة على أشياء لا يقدر عليها أحد من الخلق، والعلم بما لا يعلمه أحد، وإثبات البداء على الله عز وجل-تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا- وقد كان يقول في يهوديته بأن يوشع بن نون وصي موسى عليه السلام، فقال في الإسلام بأن عليًا وصي محمد صلى الله عليه وسلم، وابن السوداء هذا عبدالله بن سبأ هو أول من أحدث الطعن في الصحابة رضوان الله عليهم وكفّرهم! وأول من أظهر البراءة منهم باعتراف الشيعة أنفسهم!
انظر المصادر الشيعية الآتية:
المقالات والفرق لسعد بن عبد الله القمي (ص:21).. وفرق الشيعة للنوبختي (ص:44).. واختيار معرفة الرجال للطوسي (ص:108-109).. وتنقيح المقال للمامقاني (2/184).. من لا يحضره الفقيه (1/229).. الأنوار النعمانية (2/234).
وآخر عهده قال لعلي رضي الله عنه: «أنت أنت» أي: أنت الله! مما دفع عليًا إلى أن يهم بقتله؛ لكن عبد الله بن عباس نصحه بأن لا يفعل. فنفاه إلى المدائن.
أهم عقائدهم التي خالفوا فيها الإسلام وأهله:
تحريف القرآن: يعتقدون بأن القرآن الذي بأيدي المسلمين اليوم محرف وناقص، وأنه غير الذي أنزل على الرسول الأعظم عليه السلام، وقد ألف أكبر علمائهم الحاج ميرزا حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي المتوفى سنة (1320هـ) والمدفون في المشهد المرتضوي بالنجف، كتابه: «فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب» يزعم فيه بأن القرآن قد زيد فيه ونقص منه، وقد طبع هذا الكتاب في إيران سنة (1289هـ).(91/16)
ويعتقدون بمصحف اسمه «مصحف فاطمة»، ويروي الكليني في كتابه الكافي في صفحة (57) طبعة (1278هـ) عن أبي بصير عنه -أي جعفر الصادق-: «إن عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام، قال: قلت: وما مصحف فاطمة؟ قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه حرف واحد من قرآنكم».
الإمامة: وتكون بالنص؛ إذ يجب أن ينص الإمام السابق على الإمام اللاحق بالعين لا بالوصف، وأن الإمامة أهم من شهادة التوحيد. بل ومن أنكر إمامة واحد من أئمتهم الاثني عشر فقد كفر!
العصمة: يعتقدون أن كل الأئمة معصومون عن الخطأ والنسيان، وعن اقتراف الكبائر والصغائر. وأن كلامهم وحي من الله.. بل وينزل عليهم الوحي! وعليه ففي دينهم: الراد على الإمام كالراد على النبي، والراد على النبي كالراد على الله!!
العلم اللدني: وهو أن كل إمام من الأئمة أُودع العلم من لدن الرسول صلى الله عليه وسلم بما يكمل الشريعة، وهو يملك علمًا لدنيًا، ولا يوجد بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم من فرق، وقد استودعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أسرار الشريعة ليبينوا للناس ما يقتضيه زمانهم.
خوارق العادات: يعتقدون أنه يجوز أن تجري الخوارق على يد الإمام، ويسمون ذلك معجزة.. فعندهم الإمام يعلم الغيب، ويحيي الموتى، ويحكم بين الملائكة، ويحوّل الإنسان إلى أي صورة يشاء!
الغَيْبَة: يرون أن الزمان لا يخلو من حجة لله عقلًا وشرعًا، ويعتقدون أن الإمام الثاني عشر المهدي قد غاب في سردابه -كما زعموا- وأن له غيبة صغرى وغيبة كبرى، وهذا من أساطيرهم التي أضحكوا عليهم بها العالم كله. وصدق فيهم قول الشاعر المتندر:
ما آن للسرداب أن يلد الذي ... صيرتموه بجهلكم إنسانا
فعلى عقولكم العفا ذا إنكم ... ثلثتم العنقاء والغيلانا(91/17)
الرجعة: يعتقدون أن أئمتهم سيرجعون في آخر الزمان عندما يأذن الله لهم بالخروج، وكان بعضهم يقفون بعد صلاة المغرب بباب السرداب وقد قدموا مركبًا، فيهتفون باسمه، ويدعونه للخروج حتى تشتبك النجوم، ثم ينصرفون ويرجئون الأمر إلى الليلة التالية. ويقولون بأنه حين عودته سيملأ الأرض عدلًا كما ملئت جورًا وظلمًا، وسيقتص من خصوم الشيعة على مدار التاريخ، ولقد قالت الإمامية قاطبة بالرجعة، وقالت بعض فرقهم الأخرى برجعة بعض الأموات.
التّقية: وهم يعدونها أصلًا من أصول الدين، من تركها كان بمنزلة من ترك الصلاة، وهي واجبة لا يجوز رفعها حتى يخرج القائم، فمن تركها قبل خروجه فقد خرج عن دين الله تعالى وعن دين الإمامية، وينسبون إلى أبي جعفر الإمام الخامس عندهم قوله: «التقية ديني ودين آبائي، ولا إيمان لمن لا تقية له» وهم يتوسعون في مفهوم التقية إلى حد كبير.
المتعة: يرون بأن مُتعة النساء من خير العبادات وأفضل القربات، وقد حرم الإسلام هذا الزواج الذي تشترط فيه مدة محدودة بعد أن أبيح فترة من الزمن، وللشيعة فيه عجائب وغرائب ننزه القارئ الكريم أن يقرأ هنا سعارهم الجنسي ونشازهم، وقلة حياء نسائهم، وقصصهم في هذا الزواج المؤقت الذي جعلوه بريد الزنا، بل هو الآن في ديارهم الزنا بأم عينه!
البراءة: يوجبون لصحة إسلام الفرد التبرؤ من الخلفاء الثلاثة: أبي بكر وعمر وعثمان، وينعتونهم بأقبح الصفات؛ لأنهم -كما يزعمون- اغتصبوا الخلافة دون علي الذي هو أحق منهم بها، كما يبدءون بلعن أبي بكر وعمر بدل التسمية في كل أمر ذي بال، وهم ينالون كذلك من كثير من الصحابة باللعن، ولا يتورعون عن النيل من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، والطعن في عرضها، ورميها بالخنا -رضي الله عنها وحاشاها-.(91/18)
المغالاة: بعضهم غالى في شخصية علي رضي الله عنه، والمغالون من الشيعة رفعوه إلى مرتبة الألوهية كالسبئية، وبعضهم قالوا بأن جبريل قد أخطأ في الرسالة فنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، بدلًا من أن ينزل على علي؛ لأن عليًا يشبه النبي صلى الله عليه وسلم كما يشبه الغراب الغراب، ولذلك سموا بالغرابية.
وأقوالهم في علي بن أبي طالب وفي الأئمة من آل البيت تلتقي مع أقوال النصارى في عيسى عليه السلام، بل لقد شابهوهم في كثرة الأعياد وكثرة الصور، واختلاق خوارق العادات وإسنادها إلى الأئمة.
ومن أراد الوقوف على حقيقة دين الشيعة وخطرهم على الإسلام والمسلمين فليقرأ كتاب: «أصول مذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية» وهو رسالة دكتوراه علمية للباحث: ناصر بن عبدالله القفاري وتقع في ثلاثة مجلدات.. وهي موثقة أكاديميًا وعلميًا.
وكذا يُراجع كتاب: «حتى لا ننخدع» لعبدالله الموصلي، فهو من أعرف الناس بهم وبأقوالهم وكتبهم.
* ... * ... *
إمام الشيعة ومرجعهم الديني (الخميني)
في ميزان العلماء!!
إن للخميني بدعًا وضلالات كثيرة، كما أحيطت شخصيته بدعاوى ومظاهر لا صلة لها بالإسلام، وإليك هذا من كتبه قبل البدء في خطاباته الشهيره:
معتقدات الخميني في أئمته:
قال في كتابه الحكومة الإسلامية (ص:52) تحت عنوان الولاية التكوينية: «فإن للإمام مقامًا محمودًا ودرجة سامية، وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات الكون».
وقال أيضًا في نفس الصفحة من الكتاب نفسه: «وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقامًا محمودًا لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل».
وقال أيضًا في نفس الكتاب (ص:52): «وبموجب ما لدينا من الروايات فإن الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم والأئمة عليهم السلام كانوا قبل هذا العالم أنوارًا، فجعلهم الله بعرشه محدقين، وجعل لهم من المنزلة والزلفى ما لا يعلمه إلا الله».(91/19)
وقال أيضًا في نفس الكتاب (ص:91): «لا نتصور فيهم السهو والغفلة».
وقال أيضًا في نفس الكتاب (ص:113): «إن تعاليم الأئمة كتعاليم القرآن لا تخص جيلًا خاصًا، وإنما هي تعاليم للجميع في كل عصر ومصر وإلى يوم القيامة، يجب تنفيذها واتباعها».
وقال في كتابه كشف الأسرار (ص:154): «وبالإمامة يكتمل الدين والتبليغ يتم».
وقال في وصيته (ص:67): «نحن نفتخر بأن أئمتنا هم الأئمة المعصومون، بدءًا من علي بن أبي طالب وختمًا بمنقذ البشرية الإمام المهدي صاحب الزمان عليه وعلى آبائه آلاف التحية والسلام، وهو بمشيئة الله القدير حي يراقب الأمور»!
إلى غيرها من الأعاجيب والكفريات المقطوع بها.. والله المستعان.
وليس في المستطاع فضح كل هذه البدع في هذه العجالة، ويكفي أن نشير إلى تلك المفتريات التي تجعل القارئ والمتابع يتساءل باستغراب: ما حقيقة هذا الرجل؟ وما حقيقة دعوته؟ وهل هو يرتبط بالإسلام أصلًا؟!
تطاول خميني على الأنبياء والرسل:
إن المتابع لفكر خميني وتصريحاته وخطبه، يدرك بسهولة أبعاد نواياه الباطنية، ويلمس -دون شك- أغراضه التي تتلخص في تكوين هالة من القداسة الكهنوتية المزعومة حول شخصه.
وهو مقتنع بأن ما قام به يبلغ مستوى الرسالات السماوية، وأنه يعد العدة لاستقبال المهدي المنتظر.
ثم هو موقن بأنه نائب المهدي على الأقل، له ما للمهدي من منزلة وقداسة.
ونشير هنا إلى جانب من خطبه المسجلة، والتي سمعها العالم، وحفظتها الصحف العالمية. كما يلي:
أ- ألقى خميني خطابًا بمناسبة ذكرى مولد الإمام المهدي في (15/8/1400هـ) ضمنه أفكارًا تدل على أن الخميني لا يؤمن باكتمال الرسالة الإسلامية بالقرآن العظيم، وبالرسول الكريم خاتم الأنبياء والرسل صلى الله عليه وسلم.
وأحيلك أيها القارئ إلى فقرات من خطابه:(91/20)
قال: «لقد جاء الأنبياء جميعًا من أجل إرساء قواعد العدالة في العالم، لكنهم لم ينجحوا، حتى النبي محمد خاتم الأنبياء الذي جاء لإصلاح البشرية، وتنفيذ العدالة، وتربية البشر لم ينجح في ذلك.
وإن الشخص الذي سينجح في ذلك، ويرسي قواعد العدالة في جميع أنحاء العالم، في جميع مراتب إنسانية الإنسان وتقويم الانحرافات؛ هو المهدي المنتظر...
فالإمام المهدي الذي أبقاه الله سبحانه وتعالى ذخرًا من أجل البشرية، سيعمل على نشر العدالة في جميع أنحاء العالم، وسينجح فيما أخفق في تحقيقه الأنبياء...».
وقال أيضًا في خطبته التي ألقاها بمناسبة ذكرى مولد الإمام المهدي في (15/8/1400هـ):
«إن السبب الذي أطال سبحانه وتعالى من أجله عمر المهدي عليه السلام، وهو أنه لم يكن بين البشر من يستطيع القيام بمثل هذا العمل الكبير حتى الأنبياء، وأجداد الإمام المهدي عليه السلام لم ينجحوا في تحقيق ما جاءوا من أجله...».
وقال أيضًا:
«ولو كان الإمام المهدي عليه السلام قد التحق إلى جوار ربه، لما كان هناك أحد بين البشر لإرساء العدالة وتنفيذها في العالم...
فالإمام المهدي المنتظر عليه السلام، قد أُبقي ذخرًا لمثل هذا الأمر، ولذلك فإن عيد ميلاده -أرواحنا فداه- أكبر أعياد المسلمين، وأكبر عيد لأبناء البشرية؛ لأنه سيملأ الأرض عدلًا وقسطًا...
ولذلك يجب أن نقول: إن عيد ميلاد الإمام المهدي عليه السلام هو أكبر عيد للبشرية بأجمعها... عند ظهوره؛ فإنه سيخرج البشرية من الانحطاط، ويهدي الجميع إلى الصراط المستقيم، ويملأ الأرض عدلًا بعدما ملئت جورًا...
إن ميلاد الإمام المهدي عيد كبير بالنسبة للمسلمين، يعتبر أكبر من عيد ميلاد النبي محمد، ولذلك علينا أن نعد أنفسنا من أجل مجيء الإمام المهدي عليه السلام...(91/21)
إنني لا أتمكن من تسميته بالزعيم؛ لأنه أكبر وأرفع من ذلك، ولا أتمكن من تسميته بالرجل الأول؛ لأنه لا يوجد أحد بعده وليس له ثان، ولذلك لا أستطيع وصفه بأي كلام سوى المهدي المنتظر الموعود، وهو الذي أبقاه الله سبحانه وتعالى ذخرًا للبشرية، وعلينا أن نهيئ أنفسنا لرؤياه في حالة توفيقنا بهذا الأمر، ونكون مرفوعي الرأس...
على جميع الأجهزة في بلادنا... ونأمل أن تتوسع في سائر الدول، أن تهيئ نفسها من أجل ظهور الإمام المهدي عليه السلام وتستعد لزيارته...».
موقف علماء السنة من أقوال الخميني:
أخي: بقي أن تعرف موقف علماء أهل السنة مما قاله خميني:
لقد أثارت تصريحات خميني التي ذكرتها لك آنفًا موجة غضب واستنكار في صفوف المسلمين وأوساطهم، وأعلنوا أنها تصريحات غريبة ومناقضة لأصل العقيدة الإسلامية، ولروح الإسلام والسنة النبوية الشريفة.
وقالت هذه الأوساط عبر فتاوى وبيانات أصدرتها:
إن ما جاء في أقوال خميني، يعد خرقًا فظيعًا لمبادئ الإسلام، وطعنًا في شخص الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، الذي جاء مصلحًا وهاديًا للبشرية ومنقذًا لها.
وقد أكدت هذه الأوساط أن ما قاله خميني يعد خروجًا على كل ما قررته العقيدة الإسلامية، وأجمع عليه المسلمون في شخص الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، الذي جاء فيه قوله تعالى: ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)) [الأنبياء:107].
وقد أبدى المسلمون في كل مكان المزيد من الاستغراب والدهشة بسبب عدم صدور أي تكذيب أو نفي لتلك التصريحات المهووسة.
وفيما يأتي بعض برقيات وفتاوى الاحتجاج والاستنكار لتصريحات خميني الغريبة، ودحض مضمونها الخارج على الإسلام، والمتنكر لرسوله صلى الله عليه وسلم.
أولًا: موقف رابطة العالم الإسلامي:
استنكرت رابطة العالم الإسلامي بشدة تصريحات خميني حول ما أسماه: بظهور المهدي المنتظر لتحقيق ما عجز عنه الأنبياء.(91/22)
وقال بيان أصدرته الرابطة بهذا الشأن، نشر في جريدة أخبار العالم الإسلامي بتاريخ (9/رمضان/1400هـ):
«إن العبارات التي وردت في كلمة وجهها خميني يوم (15) شعبان الماضي، وأذاعها راديو طهران، تعارض معارضة صريحة العقيدة الإسلامية ومبادئ الدين الإسلامي الحنيف، وتحوي مناقضة صريحة للإسلام وما جاء به القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة، وما أجمعت عليه أمة المسلمين وعلماؤها».
وذكرت الرابطة أن تكذيبًا أو نفيًا لهذه التصريحات لم يصدر من طهران، على الرغم مما تحويه من إنكار لتعاليم الكتاب والسنة وإجماع الأمة على أن نبينا صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين، وهو المصلح الأعظم للبشرية جمعاء، حيث أرسل بأكمل الرسالات وأتمها، كما قال تعالى: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً)) [المائدة:3].
وقال صلى الله عليه وسلم: (تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك).
واختتمت الرابطة بيانها داعية الله تعالى أن يجنب المسلمين مزالق الفتن ما ظهر منها وما بطن، ويلهمهم سبيل الرشد، وأن لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم».
ثانيًا: موقف علماء تونس:
وفي تونس: أدان الشيخ الحبيب بلخوجة مفتي الجمهورية تصريحات خميني التي تطاول فيها على مقام النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وادعى فيها أن الرسول الكريم لم يؤدِّ رسالته على الوجه الأكمل...!!
وقال الشيخ بلخوجة في كلية الزيتونة:
«إن هذه التصريحات تشكّل مِساسًا بالدين، وتتناقض تمامًا مع مبادئ القرآن الكريم...».
وقال مفتي تونس:
«إن الذي يتجاهل السنة، ويناقض القرآن الكريم، يكذب إذا ادعى أنه ينتمي إلى الإسلام أو أن يكون حاملًا لرايته...».
ثالثًا: موقف علماء المغرب:(91/23)
وفي المملكة المغربية: أصدر علماء المغرب فتوى دينية ردًا على تصريحات خميني نشرت في العدد الرابع من مجلة دعوى الحق الصادرة في شعبان - رمضان (1400هـ) (تموز يوليو:1980م) عن وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية في المملكة المغربية، وقد جاءت هذه الفتوى معبرة عن إجماع أعضاء المجالس العلمية في أنحاء المملكة المغربية كافة، على إدانة الخميني استنادًا إلى الكتاب والسنة.
وأعلنت الفتوى: «إن أقوال خميني أقوال شنيعة ومزاعم باطلة فظيعة.. تؤدي إلى الإشراك بالله عز وجل..».
وأوضحت الفتوى أن هذه الأقوال قد أحدثت ضجة كبرى في الأوساط، حيث توجه الناس بسؤال عن موقف العلماء من هذه الأقوال النابية، والمزاعم الباطلة التي تناقض أصول العقيدة الإسلامية.
وأكدت الفتوى ردًا على تساؤلات الجمهور المغربي المسلم: إن ما قاله الخميني تطاول على مقام الملائكة والأنبياء والمرسلين، حيث جعل مكانة المهدي المنتظر في نظره فوق مكانة الجميع، وزعم أن لا ملكًا مقربًا ولا نبيًا مرسلًا أفضل منه.
وقال علماء المغرب في فتواهم: «إن من أخطر ما زعمه خميني: أن خلافة المهدي المنتظر خلافة تكوينية تخضع لها جميع ذرات الكون. ومقتضى ذلك أن خميني يعد المهدي المنتظر شريكًا للخالق عز وجل في الربوبية والتكوين.
وهذا كلام مناقض لعقيدة التوحيد يستنكره كل مسلم ولا يقبله، ولا يقره أي مذهب من المذاهب الإسلامية، ولا يبرأ قائله من الشرك والكفر بالله، قال الله تعالى: ((وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)) [الزمر:67]».
وأهاب علماء المغرب في فتواهم هذه ببقية العلماء في العالم الإسلامي الوقوف وقفة رجل واحد بوجه هذا التيار الهدام، فيردوا كل شبهة عن عقيدة الإسلام.
رابعًا: بيان رابطة العلماء في العراق:(91/24)
اطلعت هذه الرابطة على خطبة خميني السالفة الذكر، وأصدرت بيانًا مطولًا، جاء فيه:
«وحيث أن هذا الزعم يشكل انحرافًا عن جوهر الشريعة الإسلامية، وردة عن تعاليم الدين الحنيف، ومخالفة صريحة لقوله تعالى: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً)) [المائدة:3]، ودسًا خطيرًا يبتغي به زاعمه -لأغراض في نفسه- تحويل أنظار المسلمين عن النبي العربي الكريم، صاحب الخلق العظيم، الذي بعثه الله رحمة للعالمين ومنقذًا للبشرية من الظلمات إلى النور.
وبما أن من واجب علماء الدين بيان الحقيقة والمعروف، والتنديد بالأفكار والتيارات الفاسدة المشبوهة التي تحاول النيل من الإسلام وجوهره، فقد تدارست جمعية رابطة العلماء في العراق خطورة هذه الأقوال الفاسدة وأثرها في تسميم الفكر، وتضليل الرأي في المجتمعات الإسلامية، وانعكاساتها السلبية في نشر الإسلام في المجتمعات غير الإسلامية.
وقررت بالإجماع إصدار هذا البيان تعبيرًا عن استنكار علماء الدين في العراق لهذا الزعم الذي أطلقه خميني، وتأكيدًا على أن مثل هذه التصريحات المضللة مما يثير الفتنة والشكوك في العالم الإسلامي، ولا ينبغي بحال من الأحوال أن يصدر عن أي مسلم من المسلمين، والله من وراء القصد».
خامسًا: فتوى الألباني في الخميني وأقواله:
قال رحمه الله: «بسم الله الرحمن الرحيم، فقد وقفت على الأقوال الخمسة التي نقلتموها عن كتب المسمى (روح الله الخميني) راغبين مني بيان حكمي فيها, وفي قائلها، فأقول وبالله تعالى وحده أستعين:(91/25)
إن كل قول من تلك الأقوال الخمسة كفر بواح، وشرك صراح، لمخالفته للقرآن الكريم، والسنة المطهرة، وإجماع الأمة، وما هو معلوم من الدين بالضرورة. ولذلك فكل من قال بها معتقدًا، ولو ببعض ما فيها، فهو مشرك كافر، وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم. والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه المحفوظ عن كل زيادة ونقص: ((وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً)) [النساء:115].
وبهذه المناسبة أقول:
إن عجبي لا يكاد ينتهي من أناس يدعون أنهم من أهل السنة والجماعة، يتعاونون مع الخمينيين في الدعوة إلى إقامة دولتهم، والتمكين لها في أرض المسلمين، جاهلين أو متجاهلين عما فيها من الكفر والضلال والفساد في الأرض: ((وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ)) [البقرة:205].
فإن كان عذرهم جهلهم بعقائدهم، وزعمهم أن الخلاف بيننا وبينهم إنما هو خلاف في الفروع وليس في الأصول، فما هو عذرهم بعد أن نشروا كتيبهم: «الحكومة الإسلامية» وطبعوه عدة طبعات، ونشروه في العالم الإسلامي، وفيه من الكفريات ما جاء نقل بعضها عنه في السؤال الأول، مما يكفي أن يتعلّم الجاهل ويستيقظ الغافل، هذا مع كون الكتيب كتاب دعاية وسياسة، والمفروض في مثله أن لا يذكر فيه من العقائد ما هو كفر جلي عند المدعوين, ومع كون الشيعة يتدينون بالتقية التي تجيز لهم أن يقولوا ويكتبوا ما لا يعتقدونه، كما قال عز وجل في بعض أسلافهم: ((يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ)) [الفتح:11]، حتى قرأت لبعض المعاصرين منهم قوله وهو يسرد المحرمات في الصلاة: «والقبض فيها إلا تقية»، يعني وضع اليمين على الشمال في الصلاة.(91/26)
ومع ذلك كله فقد قالوا كلمة الكفر في كتيبهم، مصداق قوله تعالى في أمثالهم: ((وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ)) [البقرة:72].. ((وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ)) [آل عمران:118].
وختامًا: أقول محذرًا جميع المسلمين بقول رب العالمين: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ)) [آل عمران:118] وسبحانك اللَّهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت, أستغفرك وأتوب إليك.
وكتبه: محمد ناصر الدين الألباني، أبو عبد الرحمن
عَمَّان (26/12/1407هـ)»
علماء وفقهاء السادة المالكية.. والشيعة!!
موقف إمام دار الهجرة من الشيعة:
قال القاضي عياض في كتابه «ترتيب المدارك في أعلام مذهب مالك»: «وقد نظرنا طويلًا في أخبار الفقهاء، وقرأنا ما صنف من أخبارهم إلى يومنا هذا، فلم نر مذهبًا من المذاهب غيره أسلم منه، فإن فيها الجهمية والرافضة والخوارج والمرجئة والشيعة إلا مذهب مالك رحمه الله، فإنا ما سمعنا أحدًا ممن تقلد مذهبه قال بشيء من هذه البدع...»(1).
قال الإمام مالك رحمه الله عن هؤلاء الذين يسبون الصحابة: «إنما هؤلاء أقوام أرادوا القدح في النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يمكنهم ذلك، فقدحوا في أصحابه حتى يقال: رجل سوء، ولو كان رجلًا صالحًا لكان أصحابه صالحين»(2).
وسئل الإمام مالك رحمه الله عن الشيعة فقال: «لا تكلمهم ولا ترو عنهم؛ فإنهم يكذبون».
__________
(1) ترتيب المدارك (1/22).
(2) رسالة في سب الصحابة، عن الصارم المسلول (ص:580).(91/27)
ما أصدق هذا القول من هذا الإمام في هؤلاء الأراذل! الذين سخّروا ألسنتهم ودماءهم وأجسادهم وأقلامهم في شتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعتبرون أن هذا الأمر شرط من شروط الإيمان، فلا يتم إيمان أحدهم -بل لا يبدأ إيمان أحدهم- إلا بهذه العقيدة السفيهة.
فهذا الإمام مالك رحمه الله يبين لنا في هذه المقولة الخط الواضح للشيعة، وأنهم لا يقصدون صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن القصد بالضبط هو النبي صلى الله عليه وسلم، لكن جبنهم وخوفهم من سطوة أهل السنة يجعلهم يتنازلون عن الإمام الأكبر إلى أصحابه، وهذا الخط الباطني منذ بدايته إلى يومنا هذا لا يخفى إلا على مغفل جاهل بحال هؤلاء الشيعة، زراعة اليهود والمجوس وثمارهم!
وجاء في الصارم المسلول أيضًا؛ قال الإمام مالك: «من شتم النبي صلى الله عليه وسلم قُتل، ومن سب أصحابه أدب».
وقال عبد الملك بن حبيب: «من غلا من الشيعة في بغض عثمان والبراءة منه أُدب أدبًا شديدًا، ومن زاد إلى بغض أبي بكر وعمر فالعقوبة عليه أشد، ويكرر ضربه، ويطال سجنه، حتى يموت».
فهذا الإمام مالك رحمه الله وأصحابه يبينون لنا جزاء شاتم الصحابة، بأنه هو الضرب والإهانة والسجن إن تمادى في ذلك، حتى يُكفى شره، ولا يؤذي المسلمين بشتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.(91/28)
وجاء في المدارك للقاضي عياض (2/46): «دخل هارون الرشيد المسجد، فركع ثم أتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أتى مجلس مالك فقال: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، فقال مالك: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، ثم قال لمالك: هل لمن سب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في الفيء حق؟ قال: لا ولا كرامة، قال: من أين قلت ذلك؟ قال: قال الله: ((لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ)) [الفتح:29]، فمن عابهم فهو كافر، ولا حق للكافر في الفيء، واحتج مرة أخرى بقوله تعالى: ((لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ)) [الحشر:8]، قال: فهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين هاجروا معه وأنصاره، ((وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)) [الحشر:10]، فما عدا هؤلاء فلا حق لهم فيه».
وهذه فتوى صريحة صادرة من الإمام مالك، والمستفتي هو أمير المؤمنين في وقته، والإمام مالك يُلحق هؤلاء الشيعة في هذه الفتوى بالكفار الذين يغتاظون من مناقب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل من ذكر الصحابة بالخير فهو عدو لدود لهذه الشرذمة، قبحهم الله أينما حلوا وارتحلوا.
روى الخلال عن أبي بكر المروذي قال: سمعت أبا عبدالله يقول: قال مالك: «الذي يشتم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ليس له سهم -أو قال: نصيب- في الإسلام»(1).
__________
(1) السنة للخلال (2/557).(91/29)
وقال ابن كثير عند قوله سبحانه وتعالى: ((مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ)) [الفتح:29].
قال: «ومن هذه الآية انتزع الإمام مالك رحمة الله عليه في رواية عنه بتكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة رضي الله عنهم قال: لأنهم يغيظونهم، ومن غاظه الصحابة رضي الله عنهم فهو كافر لهذه الآية، ووافقه طائفة من العلماء رضي الله عنهم على ذلك»(1).
قال القرطبي: «لقد أحسن مالك في مقالته وأصاب في تأويله، فمن نقص واحدًا منهم أو طعن عليه في روايته، فقد ردّ على الله ربّ العالمين وأبطل شرائع المسلمين»(2).
موقف القاضي عياض المالكي رحمه الله (544هـ):
قال: «وكذلك نقطع بتكفير غلاة الرافضة في قولهم: إن الأئمة أفضل من الأنبياء»(3).
قول أبي بكر بن العربي المالكي رحمه الله (543هـ):
قال في العواصم: «ما رضيت النصارى واليهود في أصحاب موسى وعيسى، ما رضيت الروافض في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، حين حكموا عليهم بأنهم قد اتفقوا على الكفر والباطل».
ذم الشيعة والحكم عليهم من الكتب المالكية المشهورة:
جاء في ترتيب المدارك أيضًا للقاضي عياض المالكي (2/41-42): «وسأل رجل مالكًا فقال: من أهل السنة يا أبا عبدالله؟ قال: الذين ليس لهم لقب يعرفون به، لا جهمي ولا رافضي ولا قدري».
__________
(1) تفسير ابن كثير (4/219).
(2) تفسير القرطبي (16/297).
(3) الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم (2/1078).(91/30)
وجاء كذلك في المدارك (2/46): «نقل الواقدي عن الإمام مالك:...ولا تجوز شهادة القدري الذي يدعو، ولا الخارجي والرافضي..».
بل وشدد الإمام مالك على الشيعة الضلال فقال فيما نقله عنه القاضي عياض في مداركه (2/49):
«قال مالك: أهل الأهواء كلهم كفار، وأسوأهم الروافض. قيل: النواصب؟ قال: هم الروافض، رفضوا الحق ونصبوا له العداوة والبغضاء».
وقال ابن عبد البر في الاستذكار (8/591):
«قال أبو عمر: فعلى هذين القولين جماعة علماء السلف إلا الروافض، وهم لا يعدون خلافًا؛ لشذوذهم فيما ذهبوا إليه في هذا الباب عن سبيل المؤمنين ولا حجة لهم في قول الله تعالى: ((وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ)) [النمل:16] وقوله: ((يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ)) [مريم:6] لأن سليمان إنما ورث من داود النبوة والعلم والحكمة..».
وجاء في مواهب الجليل (3/369):
«..وفي إرشاد أبي المعالي: لا يكترث بقول الروافض أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر موقوفان على ظهور الإمام. انتهى».
وقال العلامة القرافي المالكي في كتابه الذخيرة (2/463): «...لما في الصحيح أنه عليه السلام نعى النجاشي للناس في اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم إلى المصلى فصف بهم وكبر أربع تكبيرات، ولأنها كالركعات فلا يزيد على الأربع، فلو زاد الإمام خامسة صحت الصلاة؛ لأنها مروية في غير هذا الحديث ومختلف فيها، ومع ذلك فروى ابن القاسم عنه: لا يتّبع فيها؛ لأنها من شعار الشيعة».
وجاء في حاشية العدوي المالكي (2/648): «...قوله: (من الشيعة) فرقة من الفرق الخارجين عن أهل السنة والجماعة؛ فإن قلت: ما يعتقدون؟ قلت: يعتقدون ويقولون: كل من كان لا يحب عليًا أكثر من الصحابة رضي الله عنهم فهو كافر».(91/31)
وجاء في مواهب الجليل (1/432): «وروى مجاهد أنه دخل مع ابن عمر مسجدًا وقد أذن ونحن نريد أن نصلي، فثوّب المؤذن فخرج عبد الله من المسجد وقال: اخرج بنا عن هذا المبتدع، ولم يصل فيه. ثم ذكر أنه قيل: إن التثويب هو قول المؤذن حي على خير العمل؛ لأنها كلمة زادها من خالف السنة من الشيعة، ورجح التفسير الأول بأن التثويب في اللغة الرجوع إلى الشيء».
وكذلك جاء في مواهب الجليل (4/250): «قلت: هذا ونحوه من نصوص المذهب يبين لك حال بعض القضاة في تقديمهم من يعرفون جرحته شرعًا للشهادة بين الناس في الدماء والفروج، ويعتذرون بالخوف من موليهم القضاء، مع أنهم فيما رأيت لا يخافون منه إلا عزلته عن القضاء، ولله در الشيخ أبي زكريا يحيى الصوفي صالح بجاية، روي عنه بسند صحيح أنه كان يقول: اللهم العن الشيعة ومغيري الشريعة. انتهى».
وجاء في كتاب: «فتح الباب، ورفع الحجاب، بتعقيب ما وقع في تواتر القرآن من السؤال والجواب» لأبي سعيد ابن لب المالكي، المنقول بنصه في كتاب «المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى علماء إفريقية والأندلس والمغرب» للونشريسي المالكي المتوفى بفاس عام (914هـ) (12/139):
«...إنه لم يثبت في القراءات كلها قول بعدم التواتر، والإجماع منسوب لإمام متقدم عالم شهير على «كذا» مصرح به لا يوجد إن شاء الله. وإنما أضاف الناس ذلك مذهبًا لبعض من مضى من الروافض والملحدة، لمقاصد فاسدة قصدوها كفرًا وضلالةً.. إلخ».
وقال العلامة القرطبي المالكي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن (8/161): «...وأما الروافض فليس قولهم مما يشتغل به ولا يحكى مثله، لما فيه من الطعن على السلف والمخالفة لسبيل المؤمنين».(91/32)
وقال رحمه الله (11/140): «قيل لأبي عبدالله: فإن قال رجل: أنا أذهب إلى حديث أبي أيوب (حُبب إليّ الغسل) قال: نحن لا نذهب إلى قول أبي أيوب، ولكن لو ذهب إليه ذاهب صلينا خلفه، قال: إلا أن يترك رجل المسح من أهل البدع من الرافضة الذين لا يمسحون وما أشبهه، فهذا لا نصلي خلفه...».
وقال في (1/85): «... وقد طعن الرافضة قبحهم الله تعالى في القرآن».
وقال رحمه الله في (6/228): «قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ)) [المائدة:67] قيل: معناه أظهر التبليغ؛ لأنه كان في أول الإسلام يخفيه خوفًا من المشركين، ثم أمر بإظهاره في هذه الآية، وأعلمه الله أنه يعصمه من الناس، وكان عمر رضي الله عنه أول من أظهر إسلامه وقال: لا نعبد الله سرًا وفي ذلك نزلت: ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ)) [الأنفال:64] فدلت الآية على رد قول من قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كتم شيئًا من أمر الدين تقية، وعلى بطلانه، وهم الرافضة، ودلت على أنه صلى الله عليه وسلم لم يُسرَّ إلى أحدٍ شيئًا من أمر الدين؛ لأن المعنى: بلِّغ جميع ما أنزل إليك ظاهرًا، ولولا هذا ما كان في قوله عز وجل: ((وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ)) [المائدة:67] فائدة».
وقال كذلك في تفسيره (14/158):
«قال ابن العربي: تعلق الرافضة -لعنهم الله- بهذه الآية على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها..».
وقال في (18/30):(91/33)
«وقال العوام بن حوشب: أدركت صدر هذه الأمة يقولون: اذكروا محاسن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تألف عليهم القلوب، ولا تذكروا ما شجر بينهم فتجسروا الناس عليهم. وقال الشعبي: تفاضلت اليهود والنصارى على الرافضة بخصلة، سئلت اليهود: من خير أهل ملّتكم؟ فقالوا: أصحاب موسى. وسئلت النصارى: من خير أهل ملّتكم؟ فقالوا: أصحاب عيسى. وسئلت الرافضة: من شر أهل ملتكم؟ فقالوا: أصحاب محمد، أمروا بالاستغفار لهم فسبوهم، فالسيف عليهم مسلول إلى يوم القيامة، لا تقوم لهم راية، ولا تثبت لهم قدم، ولا تجتمع لهم كلمة، كلما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها الله بسيف دمائهم وإدحاض حجتهم. أعاذنا الله وإياكم من الأهواء المضلة..».
وأقوال علمائنا المالكية رحمهم الله كثيرة لا تحصى في بيان خروج هؤلاء الشيعة عن الإسلام، وأنهم أهل أهواء وجهل... ولكني جعلت ما نقلت إشارة لمن أراد الوقوف على موقفهم رحمهم الله من هذه الفرقة الضالة المضلة.
* ... * ... *
تونسي يتشيع لمصالحه... ويأتي بالعجائب!
هو نكرة يعيش في بلاد الكفر بعد أن عُرف بالزندقة، طُرِد من تونس الحبيبة.. نظر دهاقنة الشيعة وصناديدهم إلى عقله فوجدوه مشوبًا بالإلحاد والحقد الدفين على الإسلام والمسلمين، فاتصلوا به ونقلوه من باب النكرة في الشك بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم إلى باب المعرفة بالتشيع والعداء السافر لله ولرسوله ولأصحابه وزوجاته، بل ولآل بيته الأطهار رضي الله عن الجميع...
إنه المدعو/ الدكتور محمد التيجاني السماوي.. وقد كُتبت باسمه أربعة كتب؛ دعا فيها إلى عقيدة الشيعة، وطعن في عقيدة أهل السنة والجماعة ونفَّر الناس منها، وقدح في الصحابة الكرام، ورماهم بالكفر والردة عن الإسلام.. وشحن كتبه بالأكاذيب والأباطيل والدس والتضليل!(91/34)
هذا وقد تصدى لهذا الضال بعض أهل العلم من أهل السنة والجماعة، وبينوا جهله بدين الإسلام وحقده على المسلمين؛ وأظهروا عواره وشدة حنقه وحقده على زوجات نبي الهدى وأصحابه البررة رضي الله عنهم.. وذلك من خلال الكتب التالية:
1/ كتاب: «الانتصار للصحب والآل من افتراءات السماوي الضال»، تأليف الدكتور: إبراهيم بن عامر الرحيلي.
2/ كتاب: «بل ضللت.. رد على التيجاني في كتابه: ثم اهتديت»، تأليف: خالد العسقلاني.
3/ كتاب: «كشف الجاني محمد التيجاني»، تأليف: عثمان الخميس.
* ... * ... *
طعن الشيعة في علماء السنة
طعن الشيعة في الأئمة الأربعة عند أهل السنة:
إن الشيعة عندما يُظهرون احترامهم لأئمة أهل السنة الأربعة أبي حنيفة ومالك الشافعي وأحمد بن حنبل رحمهم الله تعالى، إنما ذلك من باب التقية.
أما ما في كتبهم الخاصة التي يخفونها -حتى على عوام مِلّتهم!- فانظر:
روى ثقة إسلامهم الكليني في الكافي (1/58 ط: طهران) عن سماعة بن مهران عن إمامهم المعصوم السابع أبي الحسن موسى في حديث: «.. إذا جاءكم ما تعلمون فقولوا به، وإذا جاءكم ما لا تعلمون منها -وأومى بيده إلى فيه- ثم قال: لعن الله أبا حنيفة كان يقول: قال علي وقلت أنا وقالت الصحابة» وذكر هذه الرواية أيضًا محدثهم الحر العاملي في وسائل الشيعة (18/23، ط: بيروت) فراجعه.
وروى عمدتهم في الجرح والتعديل محمد بن عمرو الكشي في كتابه اختيار معرفة الرجال، المعروف برجال الكشي (ص:149، ط: مشهد إيران) عن هارون بن خارجة قال: «سألت أبا عبد الله عن قول الله عز وجل: ((الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ)) [الأنعام:82]؟ قال: هو ما استوجبه أبو حنيفة وزرارة».(91/35)
وفي رواية عن أبي بصير عن أبي عبد الله قال: «قلت: ((الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ)) [الأنعام:82].قال: أعاذنا الله وإياك من ذلك الظلم، قلت: ما هو؟ قال: هو الله ما أحدث زرارة وأبو حنيفة وهذا الضرب، قال: قلت: الزنا معه؟ قال: الزنا ذنب»(1).
وفي رجال الكشي (ص:146) عن أبي بصير قال: «قلت لأبي عبد الله: ((الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ)) [الأنعام:82] قال: أعاذنا الله وإياك يا أبا بصير! من ذلك الظلم ما ذهب فيه زرارة وأصحابه وأبو حنيفة وأصحابه».
وفي رجال الكشي (ص:187) ومجمع الرجال للقهبائي (6/4 ط:أصفهان): «أن أبا حنيفة قال لمؤمن الطاق وقد مات جعفر بن محمد: يا أبا جعفر إن إمامك قد مات! فقال أبو جعفر: لكن إمامك من المنظرين إلى اليوم المعلوم» يعني الشيطان.
وقال شيخهم محمد الرضي الرضوي في كتابه كذبوا على الشيعة (ص:135 ط: إيران): «قبحك الله يا أبا حنيفة كيف تزعم أن الصلاة ليست من دين الله..».
ويقول محمد الرضي الرضوي في كتابه كذبوا على الشيعة (ص:279) ما نصه: «ولو أن أدعياء الإسلام والسنة أحبوا أهل البيت عليهم السلام لاتبعوهم، ولما أخذوا أحكام دينهم عن المنحرفين عنهم كأبي حنيفة والشافعي ومالك وابن حنبل».
__________
(1) رجال الكشي (ص:145).(91/36)
ويقول السيد نعمة الله الجزائري في كتابه قصص الأنبياء (ص:347 ط: بيروت، الطبعة الثامنة) ما نصه: «أقول: هذا يكشف لك عن أمور كثيرة، منها بطلان عبادة المخالفين، وذلك أنهم وإن صاموا وصلوا وحجوا وزكوا، وأتوا من العبادات والطاعات وزادوا على غيرهم، إلا أنهم أتوا إلى الله تعالى من غير الأبواب التي أمر بالدخول منها.. وقد جعلوا المذاهب الأربعة وسائط وأبوابًا بينهم وبين ربهم، وأخذوا الأحكام عنهم، وهم أخذوها عن القياسات والاستنباطات، والآراء والاجتهاد الذي نهى الله سبحانه عن أخذ الأحكام عنها، وطعن عليهم من دخل في الدين منها».
أقول: هذا ما يعتقدونه في قرارة أنفسهم وما يخفونه عن بسطاء الناس.
ويأبى داعيتهم التيجاني الذي أسلفنا ذكره إلا أن يشارك القوم في اتهامهم علماء أهل السنة والجماعة والوقيعة فيهم.. فانظر ماذا قال في كتبه:
يقول في كتابه ثم اهتديت (ص:127 ط.مؤسسة الفكر في بيروت ولندن): «ربما أن المذاهب الأربعة فيها اختلاف كثير، فليست من عند الله ولا من عند رسوله».
وكتابه هذا قام بطبعه المجمع العلمي الشيعي في الهند بعدة لغات، ذكر هذا التيجاني نفسه في كتابه فاسألوا أهل الذكر (ص:11 من الطبعة الأولى في بيروت:1992م).
ويقول في كتابه الشيعة هم أهل السنة (ص:84): «كيف لا نعجب من الذين يزعمون بأنهم أهل السنة والجماعة وهم جماعات متعددة: مالكية وحنفية وشافعية وحنبلية، يخالفون بعضهم في الأحكام الفقهية؟».
ويقول في الصفحة (104): «وبهذا نفهم كيف انتشرت المذاهب التي ابتدعتها السلطات الحاكمة وسمتها بمذاهب أهل السنة والجماعة».
ويقول في الصفحة (109): «والذي يهمنا في هذا البحث أن نبين بالأدلة الواضحة! بأن المذاهب الأربعة لأهل السنة والجماعة هي مذاهب ابتدعتها السياسة..».(91/37)
ويقول في الصفحة (88): «فهذا أبو حنيفة... نجده قد ابتدع مذهبًا يقوم على القياس والعمل بالرأي مقابل النصوص الصريحة.. وهذا مالك.. نجده قد ابتدع مذهبًا في الإسلام... وهذا الشافعي... وهذا أحمد بن حنبل..».
ويقول في الصفحة (93): «كذلك نجد أن سبب انتشار مذهب أبي حنيفة بعد موته هو أن أبا يوسف والشيباني -وهما من أتباع أبي حنيفة ومن أخلص تلاميذه- كانا في نفس الوقت من أقرب المقربين لهارون الرشيد الخليفة العباسي، وقد كان لهما الدور الكبير في تثبيت ملكه وتأييده ومناصرته، فلم يسمح هارون الجواري والمجون لأحد أن يتولى القضاء والفتيا إلا بعد موافقتهما.. فصار أبو حنيفة أعظم العلماء، ومذهبه أعظم المذاهب الفقهية المتبعة؛ رغم أن علماء عصره كفروه واعتبروه زنديقًا».
ويقول في الصفحة (125): «وبكل هذا يتبين لنا مرة أخرى بالأدلة الواضحة!! التي لا تدفع!! بأن الشيعة الإمامية هم أهل السنة النبوية الحقيقية!! وأن أهل السنة والجماعة قد أطاعوا ساداتهم وكبراءهم فأضلوهم السبيل، وتركوهم في ظلمات يعمهون، وأغرقوهم في بحر كفر النعم، وأهلكوهم في مفاوز الطغيان».
ويقول في الصفحة (168): «فنقول له بأن كل أقطاب أهل السنة والجماعة وأئمتهم قد خالفوا صريح السنة النبوية، ونبذوها وراء ظهورهم، وتركوها عامدين طائعين».
وفي الصفحة (287) بَهَتَ أهل السنة بقوله: (إنهم خالفوا معظم السنن النبوية) بل تشنج التيجاني وزعم أنهم خالفوا تعاليم الإسلام، إذًا لماذا الدعوة إلى التقارب مع أهل السنة وهم ينظرون إلينا هذه النظرة العدائية؟!!
يقول النباطي ضمن طعنه عليه: «كان مالك يذكر عليًا وعثمان وطلحة والزبير، ويقول: والله ما اقتتلوا إلا على الثريد الأعفر.
ودخل محمد بن الحسن على مالك ليسمع منه الحديث فسمع في داره المزمار والأوتار فأنكر عليه فقال: إنا لا نرى به بأسًا.(91/38)
وفي حلية الأولياء وغيرها عن ابن حنبل وأبي داود أن جعفر بن سليمان ضرب مالكًا وحَلَقَه وحمله على بعير، وروي أنه كان على رأي الخوارج فسئل عنهم فقال:ما أقول في قوم ولوّنا فعدلوا فينا»(1).
طعنهم في الإمامين البخاري ومسلم:
يقول النباطي في الطعن عليهما: «كتم البخاري ومسلم أخبارًا جمة في فضائل أهل البيت صحيحة على شرطهما»(2).
ويقول بعد أن ذكر جملة من الأحاديث الموضوعة والضعيفة زعم أن الشيخين قد أسقطاها من كتابيهما: «فهذه الأحاديث إن كانت لم تصل إلى الشيخين مع شهرتها، فهو دليل قصورهما، فكيف يرجحون كتابيهما ويلهجون بذكرهما على غيرهما، وإن وصلت إليهما فتركا روايتها ونقلها كان ذلك من أكبر التهمة والانحراف، والرجوع عن السبيل الواضح إلى الاعتساف»(3).
ويقول أيضًا في طعنه على الإمام البخاري: «ما رأينا عند العامة أكثر صيتًا منه ولا أكثر درجة منه، فكأنه جيفة علت، أو كلفة غشت بدرًا، كتم الحق وأقصاه، وأظهر الباطل وأدناه»(4).
فهذه نماذج مما جاء في كتب هؤلاء الشيعة في حق أئمة أهل السنة وعلمائهم، توضح مدى حقدهم وبغضهم، وشدة عدائهم لهم.
وليعلم القارئ أني إنما سقت هنا أمثلة فقط، وإلا فقد تركت نصوصًا أخرى لهم في الطعن على السلف، فيها قدح شنيع ونيل عظيم من أعراضهم ودينهم؛ تنزهًا عن نقلها وتأثّمًا من نشرها بين الناس.
* ... * ... *
كيف ينظر الشيعة لأهل السنة والجماعة؟؟
ماذا يعني لفظ الناصب عند الشيعة الإثني عشرية:
أبو حنيفة عند الشيعة ناصبي كما في الكافي (8/292) ط: دار الكتب الإسلامية. طهران.
قال المفيد في كتابه عدة مسائل (ص:253، 263، 265، 268، 270 ط: قم): «أطلق لفظ الناصبي على أبي حنيفة».
__________
(1) الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم (3/220).
(2) المرجع السابق (3/225).
(3) المرجع السابق (3/232).
(4) المرجع السابق (3/234).(91/39)
وقال نعمة الله الجزائري في الأنوار النعمانية: (2/307 ط: تبريز): «ويؤيد هذا المعنى أنَّ الأئمة عليهم السلام وخواصهم أطلقوا لفظ الناصبي على أبي حنيفة وأمثاله، مع أنه لم يكن ممن نصب العداوة لآل البيت».
وقال حسين بن الشيخ محمد آل عصفور البحراني في المحاسن النفسانية في أجوبة المسائل الخراسانية (ص:157 ط: بيروت): «على أنك قد عرفت سابقًا أنه ليس الناصب إلا عبارة عن التقديم على عليٍّ عليه السلام ».
وقبلها قال في (ص:147) من كتابه: «بل أخبارهم تُنادي بأنَّ الناصب هو ما يُقال له عندهم سنيًا».
ويقول في نفس الموضع: «ولا كلام في أنَّ المراد بالناصبة هم أهل التسنّن».
وقال حسين بن شهاب الدين الكركي العاملي في كتابه هداية الأبرار إلى طريق الأئمة الأطهار (ص:106 ط:1): «كالشبهة التي أوجبت للكفار إنكار نبوة النبي صلى الله عليه وسلم والنواصب إنكار خلافة الوصي».
وقال محمد الحسيني الشيرازي في موسوعته (الفقه:33/38 ط:2 دار العلوم اللبنانية): «الثالث: مصادمة الخبرين المذكورين بالضرورة بعد أنْ فُسر الناصب بمطلق العامة».
إذًا المقصود بالعامة هم أهل السُّنّة كما يقول محسن الأمين في كتابه أعيان الشيعة (1/21، ط: دار التعارف بيروت): «الخاصة، وهذا يطلقه أصحابنا على أنفسهم مقابل العامة الذين يُسمّون أنفسهم بأهل السُّنّة والجماعة».
قال فتح الله الشيرازي في قاعدة لا ضرر ولا ضرار (ص:21 نشر دار الأضواء، بيروت): «وأما الحديث من طريق العامة فقد روى كثير من محدثيهم كالبخاري ومسلم...».
إذًا الناصب عند الشيعة هم مجمل أهل السُّنّة والجماعة (العامة)، فإذ قد فهمنا هذه النقطة ننتقل إلى ما يترتب عليها من أحكام عندهم.
نجاسة أهل السُّنّة عند الشيعة:(91/40)
قال الخوئي في كتابه منهاج الصالحين: (1/116 ط: نجف): «في عدد الأعيان النجسة وهي عشرة.. إلى أنْ قال: العاشر الكافر، وهو من ينتحل دينًا غير الإسلام، أو انتحل الإسلام وجحد ما يُعلم أنه من الدين الإسلامي، بحيث رجع جحده إلى إنكار الرسالة، نعم إنكار المعاد يُوجب الكفر مطلقًا، ولا فرق بين المرتد والكافر الأصلي الحربي والذمي، والخارجي والغالي والناصب».
وقال محسن الحكيم في كتابه العروة الوثقى (1/68 ط.طهران): «لا إشكال في نجاسة الغلاة والخوارج والنواصب».
وقال الخميني في تحرير الوسيلة: (1/119): «غير الإثني عشرية من فرق الشيعة إذا لم يظهر منهم نصب أو معاداة وسب لسائر الأئمة الذين لا يعتقدون بإمامتهم طاهرون، وأما مع ظهور ذلك منهم فهم مثل سائر النواصب».
ويقول في (ص:118 ط: بيروت): «وأما النواصب والخوارج لعنهما الله تعالى فهما نجسان من غير توقف».
وقال محمد بن علي القمي الكذوب في عقاب الأعمال (ص:352 ط: بيروت) عن الإمام الصادق أنّه قال: «إنَّ المؤمن ليشفع في حميمه إلاّ أنْ يكون ناصبيًا، ولو أنَّ ناصبًا شفع له كل نبي مرسل وملك مقرب ما شُفّعوا».
ويروي في الصفحةِ ذاتها عن أبي بصير عن الصادق: «إنَّ نوحًا عليه السلام حمل في السفينة الكلب والخنزير ولم يحمل ولد الزنا، والناصب شر من ولد الزنا».
* ... * ... *
حكم من لا يقول بإمامة الأئمة الاثني عشر
عند الشيعة
أخي القارئ: إن كل طوائف الإسلام قاطبة لا تقول بإمامة اثني عشر إمامًا.
قال يوسف البحراني في الحدائق الناضرة (18/153، ط: بيروت): «وليت شعري أي فرق بين من كفر بالله سبحانه ورسوله، وبين من كفر بالأئمة عليهم السلام مع ثبوت كون الإمامة من أصول الدين».
وقال الفيض الكاشاني في منهاج النجاة (ص:48، ط: دار الإسلامية بيروت): «ومن جحد إمامة أحدهم -الأئمة الاثني عشر- فهو بمنزلة من جحد نبوة جميع الأنبياء».(91/41)
وقال المجلسي في بحار الأنوار (23/390 ط: بيروت): «اعلم أن إطلاق لفظ الشرك والكفر على من لم يعتقد بإمامة أمير المؤمنين والأئمة من ولده عليهم السلام، وفضّل عليهم غيرهم؛ يدل على أنهم كفار مخلدون في النار».
وقال يوسف البحراني في الحدائق الناضرة (18/53):
«إنك قد عرفت أن المخالف كافر لاحظ له في الإسلام بوجه من الوجوه، كما حققنا في كتابنا الشهاب الثاقب».
وقال عبد الله شبر في حق اليقين في معرفة أصول الدين (2/188 ط: بيروت): «وأما سائر المخالفين ممن لم ينصب ولم يعاند ولم يتعصب، فالذي عليه جملة من الإمامية كالسيد المرتضى أنهم كفار في الدنيا والآخرة، والذي عليه الأشهر أنهم كفار مخلدون في النار، وتجري عليهم أحكام الإسلام في الدنيا من حقن دمائهم وأموالهم».
وقال محمد بن حسن النجفي في جواهر الكلام: (6/62):
«والمخالف لأهل الحق كافر بلا خلاف بيننا، كالمحكي عن الفاضل محمد صالح في شرح أصول الكافي، بل والشريف القاضي نور الله في إحقاق الحق من الحكم بكفر منكري الولاية؛ لأنها أصل من أصول الدين».
ويقول أيضًا في نفس المصدر السابق: «ومعلوم أن الله عقد الأخوّة بين المؤمنين بقوله تعالى: ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)) [الحجرات:10] دون غيرهم، فكيف تتصور الأخوة بين المؤمن والمخالف بعد تواتر الروايات وتظافر الآيات في وجوب معاداتهم والبراءة منهم».
وقال عبد الله المامقاني في تنقيح المقال (1/208، باب الفوائد ط.نجف): «وغاية ما يستفاد من الأخبار جريان حكم الكافر والمشرك في الآخرة على كل من لم يكن اثني عشريًا».(91/42)
وقال الصدوق في علل الشرائع (ص:601 ط: نجف) والحر العاملي في وسائل الشيعة (18/463) والجزائري في الأنوارالنعمانية (2/308): «عن داود بن فرقد قال: قلتُ لأبى عبد الله عليه السلام: ما تقول في قتل الناصب؟ قال: حلال الدم، ولكن أتقي عليك، فإن قدرت أن تقلب عليه حائطًا أو تغرقه في ماء لكيلا يشهد عليك فافعل. قلتُ: فما ترى في ماله؟ قال: تُوه ما قدرت عليه».
وقال نعمة الله الجزائري في الأنوار النعمانية (2/308): «وفي الروايات أن علي بن يقطين وهو وزير الرشيد قد اجتمع في حبسه جماعة من المخالفين وكان من خواص الشيعة، فأمر غلمانه وهدوا سقف الحبس على المحبوسين فماتوا كلهم وكانوا خمسمائة رجل تقريبًا، فأراد الخلاص من تبعات دمائهم فأرسل إلى مولانا الكاظم فكتب عليه السلام إليه جواب كتابه: بأنك لو كنت تقدمت إلي قبل قتلهم لما كان عليك شيء من دمائهم، وحيث أنك لم تتقدم إلي فكفّر عن كل رجل قتلته منهم بتيس، والتيس خير منه، فانظر إلى هذه الدية الجزيلة التي لا تعادل دية أخيهم الأصغر وهو كلب الصيد، فإن ديته خمس وعشرون درهمًا، ولا دية أخيهم الأكبر وهو اليهودي أو المجوسي، فإنها ثمانمائة درهم، وحالهم في الدنيا أخس وأبخس».
وقال أبو جعفر الطوسي في تهذيب الأحكام (4/122، ط: طهران) والفيض الكاشاني في الوافي (6/43، ط: دار الكتب الإسلامية طهران) عن الإمام الصادق: «خذ مال الناصب حيثما وجدته وادفع إلينا خُمسه».
وقال الخميني في تحرير الوسيلة (1/352): «والأقوى إلحاق الناصب بأهل الحرب في إباحة ما اغتنم منهم وتعلق الخُمس به، بل الظاهر جواز أخذ ماله أين وجد وبأي نحو كان، وادفع إلينا خُمسه».
وقال يوسف البحراني في الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة (12/323-324): «إن إطلاق المسلم على الناصب، وأنه لا يجوز أخذ ماله من حيث الإسلام خلاف ما عليه الطائفة المحقة سلفًا وخلفًا من الحكم بكفر الناصب ونجاسته وجواز أخذ ماله، بل قتله».(91/43)
* ... * ... *
جواز اغتياب المخالفين
قال الخميني في المكاسب المحرمة (1/251 ط: قم): «والإنصاف أن الناظر في الروايات لا ينبغي أن يرتاب في قصورها عن إثبات حرمة غيبتهم، بل لا ينبغي أن يرتاب في أن الظاهر من مجموعها اختصاصها بغيبة المؤمن الموالي لأئمة الحق عليهم السلام ».
وقال الخميني في المكاسب المحرمة (1/249): «ثم إن الظاهر اختصاص الحرمة بغيبة المؤمن، فيجوز اغتياب المخالف إلا أن تقتضي التقية وغيرها لزوم الكف عنهم».
وقال عبد الحسين دستغيب في الذنوب الكبرى (2/267 ط: الدار الإسلامية، بيروت): «ويجب أن يعلم أن حرمة الغيبة مختصة بالمؤمن أي المعتقد بالعقائد الحقة ومنها الاعتقاد بالأئمة عليهم السلام وبناءً على ذلك فإن غيبة المخالفين ليست حرامًا».
وقال محمد حسن النجفي في جواهر الكلام (22/62): «وعلى كل حال فالظاهر إلحاق المخالفين بالمشركين في ذلك؛ لاتحاد الكفر الإسلامي والإيماني فيه، بل لعل هجاءهم على رءوس الأشهاد من أفضل عبادة العباد ما لم تمنع التقية، وأولى من ذلك غيبتهم التي جرت سيرة الشيعة عليها في جميع الأعصار والأمصار وعلمائهم وعوا مهم؛ حتى ملئوا القراطيس منها، بل هي عندهم من أفضل الطاعات وأكمل القربات، فلا غرابة في دعوى تحصيل الإجماع كما عن بعضهم، بل يمكن دعوى كون ذلك من الضروريات فضلًا عن القطعيات».(91/44)
قال زعيم الحوزة العلمية آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي(1) في كتابه مصباح الفقاهة (1/323) في حديثه عن حرمة الغيبة ما نصه: «ومن أنكر واحدًا منهم -يقصد الأئمة الاثني عشر- جازت غيبته لوجوه، الوجه الأول: أنه ثبت في الروايات والأدعية والزيارات جواز لعن المخالفين، ووجوب البراءة منهم، وإكثار السب عليهم، واتهامهم، والوقيعة فيهم: أي غيبتهم؛ لأنهم من أهل البدع والريب، بل لا شبهة في كفرهم؛ لأن إنكار الولاية والأئمة حتى الواحد منهم، والاعتقاد بخلافة غيرهم، وبالعقائد الخرافية كالجبر ونحوه؛ يوجب الكفر والزندقة، وتدل عليه الأخبار المتواترة والظاهرة في كفر منكر الولاية، وكفر المعتقد بالعقائد المذكورة، وما يشبهها من ضلالات» انتهى كلامه.
فالسيد الخوئي -وهو شيخ مشايخ الشيعة الإمامية- يقرر أن لعن كل من ليس شيعيًا ثابت واجب؛ لأنه لا شبهة في كفرهم!!
أخي المسلم: كلام الشيعة الإمامية في كفر ونجاسة أهل السنة والجماعة لايدخل تحت حصر، وفيما نقلنا من كتبهم ومراجعهم كفاية لمن وفقه الله للهداية والنجاة.
* ... * ... *
كتاب (التحرير والتنوير) للطاهر ابن عاشور
هذا الاسم البالغ صداه كل الأوساط العلمية والمجامع الرائقة، كتاب يعرفه أهل القرآن وخاصة تفسيره وبيانه وتأويله، كتاب تألق بين كتب التفسير؛ جاء رويدًا وتصدر في الأولِ! حيث هو منهج علمي متين، متمسّك بطرائق وحبال المتقدمين، حريص على تفسير كلام الله بالمأثور -وإن شط فسرعان ما يعود- نمطه المتقدم فريد، وأسلوبه العصري تليد.
__________
(1) أبو القاسم الخوئي: المرجع العام للشيعة الاثني عشرية، وأستاذ الحوزة العلمية في النجف، تتلمذ على يده معظم من يحملون لقب آية الله في الأوساط الشيعية الآن، وبقي متربعًا على عرش المرجعية قرابة عشرين عامًا حتى توفي وهو في السابعة والتسعين من عمره عام (1413هـ).(91/45)
إذا تأملت تفسيره ولو من بُعد! ألفيت عقلًا راجحًا، ورأيًا صائبًا، وسعة فكر، وقوة بيان، وحجة قوية، وبرهانًا قاطعًا، ولا غرو؛ فهو سليل العلم ومعدن الفهم، علم وخبرة وذوق وملكة.. صحة مدارك وقوة مقاصد.
(التحرير والتنوير من التفسير) وهو مختصر من اسمه الأصلي: «تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد».
في هذا الكتاب الكبير دافع الإمام ابن عاشور رحمه الله عن مقاصد الإسلام ومعانيه وشرائعه ومبانيه.. حارب الشرك وأشكاله، والكفر وضروبه، حبّب المسلمين في السنة ورغبهم في التمسك بها، وحذّرهم البدعة ونفّرهم منها.
يعظّم الله وأوامره، ويجلّ النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأهل بيته من قرابته وأزواجه رضي الله عنهم أجمعين.
شنّع على المبتدعة وأهل الضلال، أصحاب الفطر المنكوسة والآراء المضللة، ورد على الزنادقة أعداء الملة المحمدية، وبين منهجهم وفضح باطلهم، بأجلى عبارة وأمتن بيان... ومن هؤلاء الضلال المبتدعة (الشيعة الإمامية الإثنا عشرية) فقد بين أمرهم وشيئًا من معتقداتهم الفاسدة، وأنهم ليسوا على شيء.
* ... * ... *
الطاهر ابن عاشور والشيعة
تعرض العلامة الإمام الكبير الطاهر ابن عاشور للشيعة من خلال كتبه ورسائله رحمه الله... في غير كتابه التفسير، وأنا هنا فقط سأقدم بتقدمة فيها إشارات إلى بعض مناقشاته وأقواله في الشيعة؛ هذه الفرقة التي شوهت الإسلام وأضرت بالمسلمين.
1) مناقشة المبتدعة في أسانيد ومتون مرويات حديث (أولية خلق النور المحمدي) ورَدِّه سندًا ومتنًا، روايةً ودرايةً(1).
2) مناقشته لأحاديث المهدي رواية ودراية عامة، والإزراء بالشيعة، وبيان فساد أقوالهم فيه وجهلهم بالمنقولات، وبعدهم عن تمحيص الآثار والروايات(2).
__________
(1) انظر: تحقيقات وأنظار (151-156).
(2) انظر: المصدر السابق (49-60).(91/46)
3) نتف من كلامه رحمه الله في كتابه الذي سخّر قلمه فيه لرفع راية الإصلاح الديني والعلمي والاجتماعي، متفائلًا بقرب الصبح، فوسمه بـ(أليس الصبح بقريب)، ولكن عكر على الإصلاح في العالم الإسلامي وجود بعض الدعوات المشبوهة والمذاهب الهدامة، من الباطنية والإسماعيلية والشيعة الغلاة بشتى مذاهبهم.. فتطرق رحمه الله إلى هذه المذاهب بشيء من الاقتضاب.. وإليك بعضًا منها:
قال رحمه الله في معرض كلامه عن تخلف بعض الديار من أفريقية والأندلس، وأن سببه يعود للتسلط المذهبي المقيت من الشيعة آنذاك فقال (ص:69): «كان ظهور الدولة العبيدية بالقيروان سنة (297هـ) الحايل الحقيقي بين أهل أفريقية وبين الزيادة من العلوم، وتقدمت الأندلس تقدمها السريع على القيروان، فإن العبيديين لما كانوا ينتحلون نحلة الشيعة، أظهروا بدعًا وأوهامًا وأماني من الأوهام، لم تكن معلومة لأهل العلم بالقيروان الذين لم يزالوا إلى يومئذ على السنة، فحدث بسبب ذلك التنكر بين أتباعهم وبين علماء القيروان، وابتدأ الأمر بالفتنة القولية، ثم انتهى بالضغط والاضطهاد، وبتحقير علماء السنة وتولية القضاة وأضرابهم من الشيعة... إلى أن قال: وكان علماء القيروان يتسترون من الاضطهاد خصوصًا في زمن إسماعيل العبيدي الملقب بالمنصور (سنة:331هـ) الذي تجاهر بمناوأة أهل العلم وهم أهل السنة والفقه، وأغرى بهم حثالة أتباع مذهبه من الشيعة... إلخ».
قال رحمه الله في ثنايا كلامه عن علم التفسير، وأن سبب الدس فيه الشيعة فقال (ص:187): «...وأما الطرق عن علي بن أبي طالب فإن أكثرها واه إلا ما صحّ بسند بريء من التهمة؛ لأن الشيعة قد أكثروا الرواية عنه بأسانيد أكثرها واه، وكذلك ما يروونه عن أئمة أهل البيت في تفسير كثير من آي القرآن، وكثير من ذلك في تفسير مجمع البيان للطبرسي... إلخ».(91/47)
رحم الله إمامنا ابن عاشور، ففي عصره لم يصل إليه إلا تفسير الطبرسي هذا، وهو مؤلف كما يعلم الباحثون على مذهب التقية!! وهو الذي يوزعه الشيعة الآن على أهل السنة من علماء وأكاديميين.. فكيف لو وقف الإمام على تفسير القمي، والبرهان للبحراني، وتفسير الصافي!
ج) قال رحمه الله في سياق كلامه عن أسباب الضعف في عرض التفسير وذلك في (ص:189): «...وكذا ما يحرِّف به غلاة الشيعة الكلم عن مواضعه في نحو: ((إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى)) [الليل:12] فقرأها بعضهم: (إن عليًّا للهدى) وقولهم: إن أهل البيت في آية: ((إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)) [الأحزاب:33] هم خصوص فاطمة وعلي وحسن وحسين وعباس، وكلمة: ((وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ)) [الأحزاب:34] تبطل ما صنعوه... إلخ».
* ... * ... *
موقف ابن عاشور من الشيعة في كتابه
(التحرير والتنوير)
والآن إلى المراد من بيان موقف العلامة الكبير الطاهر ابن عاشور من الشيعة من خلال كتابه العظيم (التحرير والتنوير).
[الموضع الأول]
قال رحمه الله في المجلد الأول (ص:61) من تفسيره، عند كلامه على القراءات في المقدمة السادسة:
«...وقرأ بعض الرافضة: ((وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً)) [الكهف:51] بصيغة التثنية وفسروها بأبي بكر وعمر حاشاهما، وقاتلهم الله».
أقول: وهذا مذهب وعقيدة الشيعة الإثني عشرية اليوم، فهم يكفرون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، وذلك لأن أسياد الشيعة علموا أن الطعن فيهما طعن في الإسلام. وإليك ما يشيب منه مفرق الغراب وناصية الوِلْدان من أقوالهم في الشيخين رضي الله عنهما، موثّقة من مصادرهم الأصلية ومراجعهم المعتمدة:
زَعْم الشيعة الاثني عشرية وجوب لعن الشيخين والبراءة منهما:(91/48)
يوجب الشيعة الاثنا عشرية لعن الشيخين: أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ويزعمون أن بعض أئمتهم قد لعنهما:
فقد نسبوا إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه -زورًا وبهتانًا- أنه لما قام إليه أحد الناس، وطلب منه أن يبايعه على ما عمل أبو بكر وعمر، قال: «فمد يده، وقال له: اصفق، لعن الله الاثنين»(1).
وزعم سليم بن قيس -من الشيعة- أن عليًّا كان يلعن الشيخين دائمًا(2).
وذكر بعض الشيعة أن الإمام جعفر الصادق رحمه الله كان يلعنهما رضي الله عنهما في دبر كل مكتوبة(3).
وقد أنشأ الشيعة أدعية عديدة في لعن الشيخين رضي الله عنهما، ذكروها في كتبهم، ووضعوا في فضلها أحاديث كثيرة، ترغيبًا لشيعتهم في قراءتها، والإكثار من ترديدها والدعاء بها.
وسأذكر منها:
الدعاء المسمى بـ«دعاء صنمي قريش»:
هذا الدعاء اعتبره الشيعة من الأدعية الخاصة في لعن الشيخين: أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وابنتيهما عائشة وحفصة زوجتي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والشيعة قد زعموا أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه -وحاشاه مما نسبه إليه الشيعة- كان يقنت في صلاة الوتر بهذا الدعاء(4). ونسبوا إليه -زورًا وبهتانًا- أنه قال عنه: «إن الداعي به كالرامي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بدر وحنين بألف ألف سهم»، ونسبوا إليه كذلك قوله عنه: «إنه من غوامض الأسرار وكرائم الأذكار»(5).
وقد زعم الشيعة أنه -حاشاه عما نسبوا إليه- كان يواظب عليه في ليله ونهاره وأوقات أسحاره(6).
__________
(1) رواه الصفار في بصائر الدرجات الكبرى (ص:412) والمفيد في الاختصاص (ص:312).
(2) السقيفة لسليم بن قيس.
(3) نفحات اللاهوت للكركي (ق:6/أ:74/ب).
(4) البلد الأمين للكفعمي (ص:511)، والمصباح له (ص:511)، ونفحات اللاهوت للكركي (ق:74/ب)، وعلم اليقين للكاشاني (2/701)، وفصل الخطاب للنوري الطبرسي (ص:221-222).
(5) المصادر السابقة نفسها.
(6) المصادر السابقة نفسها.(91/49)
ونسبوا إلى بعض أئمتهم -زورًا وبهتانًا أيضًا- في فضل هذا الدعاء: أن من قرأه مرة واحدة «كتب الله له سبعين ألف حسنة، ومحا عنه سبعين ألف سيئة، ورفع له سبعين ألف درجة، ويقضى له سبعون ألف ألف حاجة»(1) وأن من يلعن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما في الصباح لم يكتب عليه ذنب حتى يمسي، ومن لعنهما في المساء لم يكتب عليه ذنب حتى يصبح(2).
واهتم الشيعة بهذا الدعاء اهتمامًا كبيرًا، واعتبروه من الأدعية المشروعة(3).
وعمدوا إلى شرحه، فبلغت شروحه أكثر من عشرة شروح(4).
وقد ذكر مصنفو الشيعة هذا الدعاء -بعضه أو كله- في مصنفاتهم، فممن ذكره كله: الكفعمي في البلد الأمين (ص:511-514)، وفي المصباح (الجنة الواقية ص:548- 557)، والكاشاني في علم اليقين: (2/701-703)، والنوري الطبرسي في فصل الخطاب (ص:9-10)، وأسد الله الطهراني الحائري في مفتاح الجنان (ص:113-114)، وسيد مرتضى حسين في صحيفة علوية (ص:200-202)، ومنظور بن حسين وغيرهم (في تحفة العوام مقبول ص:213-214).
وممن ذكر مقتطفات من هذا الدعاء أو أشار إليه من مصنفي الشيعة:
__________
(1) ضياء الصالحين (ص:513).
(2) المصدر السابق (ص:513).
(3) الذريعة لآغا بزرك الطهراني (8/192).
(4) راجع المصادر الشيعية التالية: البلد الأمين للكفعمي (ص:511)، والمصباح له (ص:551)، ونفحات اللاهوت للكركي (ق:74/ب)، وعلم اليقين للكاشاني (2/701)، وفصل الخطاب للنوري الطبرسي (ص:221-222) والذريعة إلى تصانيف الشيعة لآغا بزرك الطهراني (8/192) وأمل الآمال للحر العاملي (2/32).(91/50)
الكركي في نفحات اللاهوت في لعن الجبت والطاغوت (ق:6/أ:74/ب)، والكاشاني في قرة العيون (ص:426)، والداماد الحسيني في شرعة التسمية في زمن الغيبة (ق:26/أ)، والمجلسي في مرآة العقول (4/356)، والتستري في إحقاق الحق (ص: 58، 133-134)، وأبو الحسن العاملي في مقدمته على تفسير البرهان(ص:113-174-226-250-290-294-313-339)، والحائري في إلزام الناصب (2/95)، والنوري الطبرسي في فصل الخطاب (221-222)، وعبدالله شبر في حق اليقين (1/219)، وغيرهم.
وقد سمّى الشيعة هذا الدعاء بـ«دعاء صنمي قريش» كما تقدم، لأنّ أوله: «اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، والعن صنمي قريش وجبتيها وطاغوتيها وإفكيها، وابنتيهما...إلخ».
ومرادهم بصنمي قريش: أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما وعامل بعدله من يبغضهما- كما صرح الشيعة بذلك في العديد من مصنفاتهم، منهم: الكفعمي في شرحه لهذا الدعاء(1)، والكركي في نفحات اللاهوت(2)، والمجلسي في مرآة العقول: (4/356)، والداماد الحسيني الذي أشار إلى دعاء صنمي قريش، وقال: إن المراد بـ(صنمي قريش) الرجلان المدفونان مع رسول الله(3)، والتستري في إحقاق الحق (ص:133-134)، والحائري في إلزام الناصب (2/95) ومما قاله: «صنما قريش هما: أبو بكر وعمر... غصبا الخلافة بعد رسول الله...»، والنوري الطبرسي في فصل الخطاب (ص:9-10) وقال نحوًا من قول الحائري.
__________
(1) المصباح للكفعمي (ص:552-554).
(2) وكتابه نفحات اللاهوت في لعن الجبت والطاغوت، صنفه خصيصًا في لعن الشيخين الجليلين صاحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهما اللذان عناهما بقوله: الجبت والطاغوت، وقد ذكر في هذا الكتاب أن عليًا رضي الله عنه وحاشاه مما ينسبه إليه الشيعة -كان يقنت في الوتر يلعن صنمي قريش، ثم قال: يريد بهما أبا بكر وعمر، وقد ورد استحباب الدعاء على أعداء الله في الوتر، نفحات اللاهوت للكركي (ق:74/ب).
(3) شرعة التسمية في زمن الغيبة (ق:26/أ).(91/51)
وبعض الشيعة لم يصرحوا بأن المراد بهما أبو بكر وعمر -وهذا من باب التقية التي يتعاملون بها مع أهل السنة- واكتفوا بالإشارة إلى ألقابهما، بحيث يدرك الشيعي الذي يعرف ألقابهما أنهما المرادان بهذا الدعاء، فالكاشاني: ذكر أن المراد بهما: فرعون وهامان، فقال: «أرذل المخلوقات صنما قريش عليهما لعائن الله.. وهما فرعون وهامان» وفرعون وهامان من الألقاب التي يطلقها الشيعة على الشيخين رضي الله عنهما كما سيأتي(1).
وأشار أبو الحسن العاملي إلى أن المراد بهما: فلان وفلان، أو الجبت والطاغوت(2)، وكلها من الألقاب التي يطلقها الشيعة على الشيخين.
والدعاء الذي وسمه الشيعة بـ«دعاء صنمي قريش» مليء باللعن والسب والشتم، والدعاء بالويل والنار على الشيخين رضي الله عنهما، وقد ختموا هذا الدعاء بقولهم: «ثم قل أربع مرات: اللَّهم عذّبهم عذابًا يستغيث منه أهل النار..».
وهو مليء أيضًا بالافتراءات المكذوبة، والإفك الواضح، والبهتان المبين، والاتهامات الباطلة الموجّهة لأفضل الناس بعد النبيين، الشيخين الجليلين أبي بكر وعمر، مثل: دعواهم أنهما أنكرا الوحي، وحرفا القرآن، وخالفا الشرع، وعطلا الأحكام، وخرّبا البلاد، وأفسدا العباد، وأخربا بيت النبوة، و...، و...، إلى آخر هذا الهذيان الكاذب، والإفك المفترى الذي لا يسعفه برهان، ولا تؤيده حجة ولا دليل. وهو يكشف بوضوح عما يعتمل في صدور الشيعة من حقد دفين، وبغض شديد، وكراهية شنيعة لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل ولأفضلهم على الإطلاق: اللذين أمرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم أن نقتدي بهما بعد موته.
أما عن عقيدة الشيعة في البراءة من الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما:
فإن البراءة منهما ومن عثمان ومعاوية رضي الله عنهم تعد من ضروريات مذهبهم، فمن لم يتبرأ منهم، فليس من مذهب الشيعة في شيء.
__________
(1) قرة العيون للكاشاني (ص:432-433).
(2) مقدمة البرهان للعاملي (ص:133).(91/52)
قال المجلسي -مرجع الشيعة المعاصرين-:«ومن ضروريات دين الإمامية البراءة من أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية...»(1).
بل والبراءة منهم تعتبر عند الشيعة من أسباب ذهاب الأسقام وشفاء الأبدان(2).
ومن تبرأ منهم ومات في ليلته دخل الجنة: روى الكليني في كتابه الكافي (2/389) -الذي يعد أحد الأصول الأربعة المعتبرة عند الشيعة- بسنده عن أحدهما(3)، قال: «من قال: اللَّهم إني أشهدك وأشهد ملائكتك المقرّبين، وحملة عرشك المصطفين أنك أنت الله لا إله إلا أنت الرحمن الرحيم، وأن محمدًا عبدك ورسولك، وأن فلانًا إمامي ووليي(4) وأن أباه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي والحسن والحسين وفلانًا وفلانًا حتى ينتهي إليه(5) أوليائي، على ذلك أحيا، وعليه أموت، وعليه أبعث يوم القيامة، وأبرأ من فلان وفلان وفلان. فإن مات من ليلته دخل الجنة».
وفلان وفلان وفلان هم أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم.
وليس الشيعة وحدهم الذين يلعنون الشيخين الجليلين: أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ويتبرءون منهما، بل هناك خلق آخر -على حد زعم الشيعة- خلقهم الله للعن الشيخين والتبرؤ منهما فقط.
فقد نسب الشيعة زورًا وبهتانًا إلى جعفر الصادق رحمه الله أنه قال: «إن من وراء عين شمسكم هذه أربعين عين شمس فيها خلق كثير، وإن من وراء قمركم أربعين قمرًا فيها خلق كثير، لا يدرون أن الله خلق آدم أم لم يخلقه، ألهموا إلهامًا لعنة فلان وفلان».
__________
(1) الاعتقادات للمجلسي (ق:17).
(2) إلزام الناصب للحائري (2/9).
(3) مصطلح يستعمله الشيعة ويريدون به أحد الإمامين: جعفر الصادق أو أباه الباقر.
(4) ويسمى إمام زمانه.
(5) أي: إلى إمام زمانه.(91/53)
وفي رواية الكليني صاحب الكافي: «لم يعصوا الله طرفة عين، يبرءون من فلان وفلان»(1). وقد أورد رجب البرسي هذه الرواية وزاد على الشيخين عثمان بن عفان(2).
وقد علّق المجلسي على هذه الرواية بقوله: «من فلان وفلان، أي: من أبي بكر وعمر»(3).
وخلاصة القول: أن الشيعة الاثني عشرية مجمعون على لعن الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما والتبرؤ منهما، بل ويوجبون ذلك كما تقدم آنفًا.
ولا ريب في مخالفة هذه الأقوال لما يعتقده أئمتهم في الشيخين رضي الله عنهما خصوصًا وفي الصحابة عمومًا، ولا شك أن ما نسبوه إلى أئمتهم من لعن الشيخين رضي الله عنهما وغيرهما من الصحابة والتبرؤ منهم؛ مكذوب على أولئك الأئمة رحمهم الله.
(انظر كتاب: أوجز الخطاب في بيان موقف الشيعة من الأصحاب للحسني).
ونحن نقول هنا كما قال إمامنا المفسر الكبير شيخ الإسلام الطاهر ابن عاشور رحمه الله: «قاتل الله الرافضة وقتلهم».
* ... * ... *
[الموضع الثاني]
__________
(1) رواه الصفار والكليني بسنديهما: بصائر الدرجات الكبرى للصفار (ص:510-513)، والروضة من الكافي للكليني (ص:347). وانظر الخرايج والجرايح للراوندي (ص:127)، ومختصر بصائر الدرجات لحسن الحلي (ص:12)، وقرة العيون للكاشاني (ص:433)، والبرهان للبحراني (1/48) (4/216)، ومرآة العقول شرح الروضة - للمجلسي (4/347).
(2) انظر: مشارق الأنوار لرجب البرسي (ص:42).
(3) مرآة العقول - شرح الروضة - للمجلسي (4/347).(91/54)
قال رحمه الله (ص:139) من المجلد الأول، في معرض كلامه عن (البسملة) وخلاف أهل العلم في كونها آية من كل سورة: «... قال الباقلاني: لو كانت التسمية من القرآن لكان طريق إثباتها إما التواتر أو الآحاد، والأول باطل؛ لأنه لو ثبت بالتواتر كونها من القرآن لحصل العلم الضروري بذلك، ولامتنع وقوع الخلاف فيه بين الأمة، والثاني أيضًا باطل؛ لأن خبر الواحد لا يفيد إلا الظن، فلو جعلناه طريقًا إلى إثبات القرآن لخرج القرآن عن كونه حجة يقينية، ولصار ذلك ظنيًا، ولو جاز ذلك لجاز ادعاء الروافض أن القرآن دخله الزيادة والنقصان والتغيير والتحريف. اهـ... إلى أن قال رحمه الله في نقل كلامٍ لعبدالوهاب:.. ولذلك قطعنا بمنع أن يكون شيء من القرآن لم ينقل إلينا، وأبطلنا قول الرافضة إن القرآن حِمْلُ جَملٍ عند الإمام المعصوم المنتظر، فلو كانت البسملة من الحمد لبينها رسول الله بيانًا شافيًا. اهـ».
وأقول هنا: يجب علينا حتى نَعِي ونفهم كلام هذا الإمام رحمه الله في موقف الشيعة من كتاب الله تعالى، أن نشير إلى بعض كلام علمائهم المعتبرين وعقيدتهم في القرآن الكريم... وإليك هذا:
قال الشيخ المفيد: «إن الأخبار قد جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى من آل محمد صلى الله عليه وسلم باختلاف القرآن، وما أحدثه بعض الظالمين فيه من الحذف والنقصان»(1).
وقال أبو الحسن العاملي: «اعلم أن الحق الذي لا محيص عنه بحسب الأخبار المتواترة الآتية وغيرها، أن هذا القرآن الذي في أيدينا قد وقع فيه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء من التغييرات، وأسقط الذين جمعوه بعده كثيرًا من الكلمات والآيات»(2).
__________
(1) أوائل المقالات (ص:91).
(2) المقدمة الثانية لتفسير مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار (ص:36) وطبعت هذه كمقدمة لتفسير البرهان للبحراني.(91/55)
وقال نعمة الله الجزائري: «إن تسليم تواتره عن الوحي الإلهي، وكون الكل قد نزل به الروح الأمين؛ يفضي إلى طرح الأخبار المستفيضة، بل المتواترة، الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن كلامًا، ومادةً، وإعرابًا، مع أن أصحابنا قد أطبقوا على صحتها والتصديق بها»(1).
وقال محمد باقر المجلسي في معرض شرحه لحديث هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إن القرآن الذي جاء به جبرائيل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم سبعة عشر ألف آية» قال عن هذا الحديث: «موثق» وأضاف: «ولا يخفى أن هذا الخبر وكثير من الأخبار الصحيحة صريحة في نقص القرآن وتغييره، وعندي أن الأخبار في هذا الباب متواترة معنى، وطرح جميعها يوجب رفع الاعتماد عن الأخبار رأسًا، بل ظني أن الأخبار في هذا الباب لا يقصر عن أخبار الإمامة، فكيف يثبتونها بالخبر؟»(2) أي كيف يثبتون الإمامة بالخبر إذا طرحوا أخبار التحريف؟
وروى شيخهم محمد بن محمد بن النعمان الملقب بالمفيد في كتاب الإرشاد (ص:365، الطبعة الثالثة، مؤسسة الأعلمي، بيروت:1979) عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا قام قائم آل محمد ضرب فساطيط يعلم فيها القرآن على ما أنزل، فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم؛ لأنه يخالف فيه التأليف».
وروى شيخهم النعماني في كتاب الغيبة (ص:318) عن علي عليه السلام قال: «كأني بالعجم فساطيطهم في مسجد الكوفة يعلمون الناس القرآن كما أنزل، قلت -أي الراوي-: يا أمير المؤمنين! أو ليس هو كما أنزل؟ فقال: لا. مُحي منه سبعون من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم، وما ترك أبو لهب إلا إزراء على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ لأنه عمه».
__________
(1) الأنوار النعمانية (ج:2) (ص:357).
(2) مرآة العقول (12/525).(91/56)
وقال نعمة الله الجزائري في الأنوار النعمانية (2/360): «روي في الأخبار أنهم عليهم السلام أمروا شيعتهم بقراءة هذا الموجود من القرآن في الصلاة وغيرها، والعمل بأحكامه، حتى يظهر مولانا صاحب الزمان (المهدي) فيرتفع هذا القرآن من أيدي الناس إلى السماء، ويخرج القرآن الذي ألفه أمير المؤمنين عليه السلام، فيقرأ ويعمل بأحكامه».
ويصرح الفيض الكاشاني في تفسير الصافي (المقدمة السادسة:1/44 ط: الأولى 1979م، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت لبنان) بأن: «المستفاد من جميع الأخبار والروايات الواردة من طريق أهل البيت، أن القرآن الذي بين أظهرنا ليس بتمامه كما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، بل منه ما هو خلاف ما أنزل الله، ومنه ما هو مغير محرف، وأنه حذف منه أشياء كثيرة، منها اسم علي عليه السلام في كثير من المواضع، ومنها لفظة آل محمد».
وذكر علي بن إبراهيم القمي في تفسيره(1) بأنه قد قرئت على أبي عبد الله عليه السلام هذه الآية: ((وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً)) [الفرقان:74] فقال أبو عبد الله عليه السلام: «لقد سألوا الله عظيمًا أن يجعلهم للمتقين إمامًا، فقيل له: يابن رسول الله! كيف نزلت؟ فقال: إنما نزلت هكذا: (والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعل لنا من المتقين إمامًا)».
__________
(1) تفسير القمي (1/36)، دار السرور، بيروت.(91/57)
وقال أيضًا في تفسير القمي [(1/37) دار السرور بيروت]: «وأما ما هو محرف فهو قوله تعالى: (لكن الله يشهد بما أنزل إليك في علي أنزله بعلمه والملائكة يشهدون). وقوله: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك في علي وإن لم تفعل فما بلغت رسالته). وقوله: (إن الذين كفروا وظلموا آل محمد حقهم لم يكن الله ليغفر لهم). وقوله: (وسيعلم الذين ظلموا آل محمد حقهم أي منقلب ينقلبون).وقوله: (ولو ترى الذين ظلموا آل محمد حقهم في غمرات الموت)».
ويقول نعمة الله الجزائري في الأنوار النعمانية (2/357 ط.تبريز إيران): «الأخبار المستفيضة المتواترة الصريحة على وقوع التحريف في القرآن».
ويورد محمد باقر المجلسي في مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول (12/525-526 ط:2 نشر دار الكتب الإسلامية طهران) ما رووه عن أبي عبد الله أنه قال: «إن القرآن الذي جاء به جبرائيل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم سبعة عشر ألف آية».
ويعلق على هذه الرواية بقوله: «فالخبر صحيح، ولا يخفى أن هذا الخبر وكثير من الأخبار الصحيحة صريحة في نقص القرآن وتغييره، وعندي أن الأخبار في هذا الباب متواترة».
ويقول أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي في كتابه المعروف الاحتجاج (1/225-228 ط.(1414) منشورات شركة الكتبي بيروت:1/371 ط: الأعلمي. بيروت ج:1 ص:249) «وليس يسوغ مع عموم التقية التصريح بأسماء المبدلين ولا الزيادة في آياته... فحسبك من الجواب عن هذا الموضع ما سمعت؛ فإن شريعة التقية تحظر التصريح بأكثر منه».
ويقول الطبرسي في الاحتجاج [(1/377-378)، ط: الأعلمي بيروت 1/254)]: «ولو شرحت لك كل ما أُسقط وحرِّف وبُدِّل وما يجري هذا المجرى، لطال وظهر ما تحظر التقية إظهاره من مناقب الأولياء ومثالب الأعداء».(91/58)
ويقول أبو الحسن العاملي المولى محمد طاهر بن عبد الحميد بن موسى بن علي بن معتوق بن عبد الحميد العاملي النباطي الفتوني في مقدمة تفسير مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار [ص:36، ط: الأفتاب بطهران عام (1374هـ) منشوارت مؤسسة إسماعيليان بقم] ما نصه: «اعلم أن الحق الذي لا محيص عنه بحسب الأخبار المتواترة الآتية وغيرها؛ أن هذا القرآن الذي بين أيدينا قد وقع فيه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء من التغييرات، وأسقط الذين جمعوه بعده كثيرًا من الكلمات والآيات عما ذكر الموافق لما أنزله الله تعالى؛ ما جمعه علي عليه السلام وحفظه إلى أن وصل إلى ابنه الحسن عليه السلام، وهكذا إلى أن انتهى إلى القائم عليه السلام، وهو اليوم عنده صلوات الله عليه».
هذه هي عقيدة الشيعة في كتاب الله تعالى الموصوف بأنه: ((لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)) [فصلت:42].
وأن الله تكفل بحفظه، فقال سبحانه: ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)) [الحجر:9].
ولكن الشيعة اتبعوا غير سبيل المؤمنين ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم وأعرضوا عنه بالكلية... معتقدين أنه محرف زيد فيه وأنقص منه، وأن القرآن الكامل سيأتي به المهدي (المختبئ)! آخر الزمان، وأنه حِمْلُ جَمَل، يعني أضعاف قرآن المسلمين اليوم!!!
* ... * ... *
[الموضع الثالث]
قال رحمه الله (ص:46) من تفسيره الجزء الرابع من المجلد الثالث، عند تفسير قوله تعالى:
((يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ)) [آل عمران:106].(91/59)
«..من العتبية قال: ما آية في كتاب الله أشد على أهل الاختلاف من أهل الأهواء من هذه الآية: ((يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ)) [آل عمران:106] قال مالك: إنما هذه لأهل القبلة. يعني أنها ليست للذين تفرقوا واختلفوا من الأمم قبلنا، بدليل قوله: ((أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)) [آل عمران:106] ورواه أبو غسان مالك الهروي عن مالك عن ابن عمر، وروي مثل هذا عن ابن عباس، وعلى هذا الوجه: فالمراد الذين أحدثوا بعد إيمانهم كفرًا بالردة أو بشنيع الأقوال التي تفضي إلى الكفر ونقض الشريعة، مثل الغرابية(1) من الشيعة الذين قالوا بأن النبوة لعلي، ومثل غلاة الإسماعيلية أتباع حمزة بن علي، وأتباع الحاكم العبيدي... إلخ».
أقول: هكذا الشيعة محكوم على أقوالهم بأنها تُفضي إلى الكفر ونقض الشريعة،فقد غلوا فيمن جعلوهم (أئمة) لهم، ورفعوا درجتهم من البشرية إلى مرتبة الربوبية والإلهية، فصرفوا لهم العبادة من دون الله، وإليك بعض الأمثلة من كتاب واحد للشيعة لتعلم كيف أنهم يدعون أن الوحي ينزل على أئمتهم:
في كتاب بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار (ص:251):
(باب في أنهم -الأئمة- يخاطبون ويسمعون الصوت ويأتيهم صور أعظم من جبرئيل وميكائيل):
(1) حدثنا علي بن اسماعيل، عن محمد بن عمرو الزيات، عن علي ابن أبي حمزة، عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: «إن منا لمن يعاين معاينة، وإن منا لمن ينقر في قلبه كيت وكيت، وإن منا لمن يسمع كما يقع السلسلة كله يقع في الطست، قال: قلت: فالذين يعاينون ما هم؟ قال: خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل».
__________
(1) الغرابية: تقدم تعريفها (ص:39-40) في فصل: أهم عقائدهم التي خالفوا فيها الإسلام وأهله.(91/60)
(2) حدثنا محمد بن عيسى عن زياد القندي عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قلت: كيف يزاد الإمام؟ فقال: منا من ينكت في أذنه نكتًا، ومنا من يقذف في قلبه قذفًا، ومنا من يخاطب».
(3) حدثنا بعض أصحابنا عن محمد بن حماد، عن أحمد بن رزين، عن الوليد الطائفي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إن منا لمن يوقر في قلبه، ومنا من يسمع بأذنه، ومنا من ينكت، وأفضل من يسمع».
(4) حدثنا أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن علي بن نعمان، عن يزيد بن إسحاق يلقب شعر، عن ابن أبي حمزة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: «إن منا لمن ينكت في أذنه، وإن منا لمن يؤتى في منامه، وإن منا لمن يسمع الصوت مثل صوت السلسلة يقع على الطست، وإن منا لمن يأتيه صورة أعظم من جبرئيل وميكائيل».
وغير هذا من الروايات والأعاجيب التي كذبوا فيها على أئمة أهل البيت عليهم السلام.. وخالفوا فيها كتاب الله تعالى، وصريح قول النبي صلى الله عليه وسلم.
* ... * ... *
[الموضع الرابع](91/61)
قال رحمه الله في (ص:260) من المجلد الرابع الجزء السادس عند قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)) [المائدة:67]: «... وإذ قد كانت هذه الآية من آخر ما نزل من القرآن، علمنا أن من أهم مقاصدها أن الله أراد قطع تخرص من قد يزعمون أن الرسول قد استبقى شيئًا لم يبلغه، أو أنه قد خص بعض الناس بإبلاغ شيء من الوحي لم يبلغه للناس عامة. فهي أقطع آية لإبطال قول الرافضة بأن القرآن أكثر مما هو في المصحف الذي جمعه أبو بكر ونسخه عثمان، وأن رسول الله اختص بكثير من القرآن علي بن أبي طالب، وأنه أورثه أبناءه، وأنه يبلغ وقر بعير، وأنه اليوم مختزن عند الإمام المعصوم الذي يلقبه بعض الشيعة بالمهدي المنتظر وبالوصي.
وكانت هذه الأوهام ألمت بأنفس بعض المتشيعين إلى علي رضي الله عنه في مدة حياته، فدعا ذلك بعض الناس إلى سؤاله عن ذلك. روى البخاري أن أبا جحيفة سأل عليًّا: (هل عندكم شيء ما ليس في القرآن وما ليس عند الناس؟ فقال: لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، ما عندنا إلا ما في القرآن؛ إلا فهمًا يعطى رجل في كتاب الله، وما في الصحيفة، قلت: وما في الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر). وحديث مسروق عن عائشة الذي سنذكره ينبئ بأن هذا الهاجس قد ظهر بين العامة في زمانها. وقد يخص الرسول بعض الناس ببيان شيء من الأحكام ليس من القرآن المنزل إليه لحاجة دعت إلى تخصيصه، كما كتب إلى علي ببيان العقل، وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر؛ لأنه كان يومئذ قاضيًا باليمن... إلخ).
أقول: راجع ما نقلناه في [الموضع الثاني] (ص:100-106) من أقوال علماء الشيعة، وعقيدتهم في القرآن الكريم.
* ... * ... *
[الموضع الخامس](91/62)
قال رحمه الله (ص:311) من المجلد الرابع -الجزء السابع- عند قوله تعالى: ((وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)) [الأنعام:74]: «... قال الفخر: وقالت الشيعة: لا يكون أحد من آباء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجداده كافرًا. وأنكروا أن آزر أب لإبراهيم وإنما كان عمه. وأما أصحابنا فلم يلتزموا ذلك. قلت: هو كما قال الفخر من عدم التزام هذا، وقد بينت في رسالة لي في طهارة نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الكفر لا ينافي خلوص النسب النبوي خلوصًا جبليًا؛ لأن الخلوص المبحوث عنه هو الخلوص مما يتعير به في العادة».
أقول: ثبت عندنا أهل السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم في عمه أبي طالب: (لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة، فيجعل في ضحضاح من نار يبلغ كعبيه، يغلي منه دماغه)(1) وفيه بيان أن أبا طالب في النار.
ومن هذا الباب وبمساندة غلو الشيعة الكبير في الأئمة عندهم، فقد ادعوا إيمان أبي طالب والد الإمام علي رضي الله عنه، فقد روى الصدوق عن جابر قال: (قلت: يا رسول الله! إن الناس يقولون: إن أبا طالب مات كافرًا، قال: يا جابر! ربك أعلم بالغيب، إنه لما كانت الليلة التي أسري بي إلى السماء انتهيت إلى العرش، فرأيت أربعة أنوار فقيل لي: هذا عبدالمطلب، وهذا عمك أبو طالب، وهذا أبوك عبدالله، وهذا ابن عمك جعفر بن أبي طالب، فقلت: إلهي لم نالوا هذه الدرجة؟ قال: بكتمانهم الإيمان وإظهارهم الكفر حتى ماتوا على ذلك!!)(2).
فلم اعتقد الشيعة هذه العقيدة؟
يجيبك أحد عقلائهم! فيقول: (كيف عقلًا يكون إمامنا عليٌ أبوه كافر في النار، ومعاوية يسلم أبوه وهو من الأعداء؟!) هذا مبلغهم من العلم!
__________
(1) رواه مسلم (1/135).
(2) انظر: جامع الأخبار، نقلاً عن تنقيح المسائل (ص:140).(91/63)
وكذلك في كفر عمه (أبي لهب) دليل آخر على إمكانية وقوع ذلك، وكفر أبي لهب واقع باتفاق السنة والشيعة!
فلا أدري لم تكلف الشيعة اختلاق الأحاديث الموضوعة ولي عنق الآيات، لإثبات إيمان أبي طالب؛ ذريعة بتنزيه الرسول صلى الله عليه وسلم عن أن يكون عمه كافرًا، مع أنهم أثبتوا ذلك في عمه أبي لهب!!
فلو كان كفر عمه أبي طالب منقصة، فالمنقصة واقعة بكفر عمه أبي لهب!
ولكن فعل الشيعة هذا ليس تنزيهًا للرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما المراد منه تنزيه علي رضي الله عنه عن أن يكون أبوه أبو طالب مشركًا، وهم الذين نعلم أنهم قد وصفوا عليًا رضي الله عنه بصفات لا يتصف بها إلا الخالق عز وجل.
والشيعة يرون أن القرابة كافية لدخول الإنسان الجنة، فأنكروا أن يكون آزر أبو إبراهيم في النار وكذلك أبو طالب.. حتى ألف بعض معاصريهم كتابه النشاز (أبو طالب مؤمن قريش) ودعا فيه لهذه العقيدة الفاسدة.
* ... * ... *
[الموضع السادس]
قال رحمه الله في (ص:16) من المجلد الحادي عشر-الجزء الثاني والعشرون-عند تفسير قوله تعالى: ((إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)) [الأحزاب:33]: «...وقد تلقف الشيعة حديث الكساء، فغصبوا وصف أهل البيت وقصروه على فاطمة وزوجها وابنيهما عليهم الرضوان، وزعموا أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لسن من أهل البيت. وهذه مصادمة للقرآن بجعل هذه الآية حشوًا بين ما خوطب به أزواج النبي. وليس في لفظ حديث الكساء ما يقتضي قصر هذا الوصف على أهل الكساء؛ إذ ليس في قوله: (هؤلاء أهل بيتي) صيغة قصر، وهو كقوله تعالى: ((إن هؤلاء ضيفي)) [الحجر:68] ليس معناه ليس لي ضيف غيرهم، وهو يقتضي أن تكون هذه الآية مبتورة عما قبلها وما بعدها.(91/64)
ويظهر أن هذا التوهم من زمن عصر التابعين وأن منشأه قراءة هذه الآية على الألسن دون اتصال بينها وبين ما قبلها وما بعدها، ويدل لذلك ما رواه المفسرون عن عكرمة أنه قال: من شاء باهلته أنها نزلت في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه قال أيضًا: ليس بالذي تذهبون إليه، إنما هو نساء النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه كان يصرخ بذلك في السوق. وحديث عمر بن أبي سلمة صريح في أن الآية نزلت قبل أن يدعو النبي الدعوة لأهل الكساء، وأنها نزلت في بيت أم سلمة.
وأما ما وقع من قول عمر بن أبي سلمة أن أم سلمة قالت: (وأنا معهم يا رسول الله ? فقال: أنت على مكانك وأنت على خير)؛ فقد وهم فيه الشيعة فظنوا أنه منعها من أن تكون من أهل بيته، وهذه جهالة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد ما سألته من الحاصل؛ لأن الآية نزلت فيها وفي ضرائرها فليست هي بحاجة إلى إلحاقها بهم، فالدعاء لها بأن يذهب الله عنها الرجس ويطهرها دعاء بتحصيل أمر حصل، وهو مناف لآداب الدعاء كما حرره شهاب الدين القرافي في الفرق بين الدعاء المأذون فيه والدعاء الممنوع منه، فكان جواب النبي صلى الله عليه وسلم تعليمًا لها. وقد وقع في بعض الروايات أنه قال لأم سلمة: (إنك من أزواج النبي). وهذا أوضح في المراد بقوله: (إنك على خير)».
وأقول: رحم الله العلامة الكبير، شيخ الإسلام الطاهر ابن عاشور فقد بين بالحجّة والبرهان، والعلم الدقيق، والمعرفة الثاقبة بتفسير آي الكتاب، وردّ أقوال المبطلين أعداء النبي صلى الله عليه وسلم والطاعنين في أزواجه الكرام المطهرات، من الشيعة الذين ما فتئوا يقدحون في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهم بهذا يؤذونه أشد الإيذاء، والله سبحانه وتعالى يقول:(91/65)
((الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)) [النور:26].
* ... * ... *
طعن الشيعة في أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها
وإلى معتقد الشيعة في أمهات المؤمنين زوجات النبي صلى الله عليه وسلم الطاهرات المطهرات رضي الله عنهن، وحيث إن المطاعن التي وجهها الشيعة إلى عائشة رضي الله عنها أكثر من غيرها فسأقتصر على نماذج منها..
وإذا كان هذا قولهم في عائشة أحب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إليه، فما بالك بغيرها رضي الله عنهن أجمعين؟ فمنها:
أولاً: ادعاء الشيعة كفرها وعدم إيمانها، وزعمهم أنها من أهل النار:
أسند العياشي -وهو من علماء الشيعة- إلى جعفر الصادق - زورًا وبهتانًا- في تفسير قوله تعالى: ((وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً)) [النحل:92]، قال: «التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثًا: عائشة، هي نكثت إيمانها»(1).
__________
(1) تفسير العياشي (2/269)، وانظر: البرهان للبحراني (2/383) وبحار الأنوار للمجلسي (7/454).(91/66)
وتبدو النزعة الباطنية في هذا التفسير جلية، فالشيعة قد نحوا منحى التأويل الباطني، بتحريفهم معنى نقض الغزل إلى نقض الإيمان، وزعمهم أن التي نقضت غزلها -أي إيمانها على حد قولهم- هي عائشة رضي الله عنها، بينما إجماع المفسرين على عكس ذلك، فإنهم أجمعوا على أن المرأة التي نقضت غزلها امرأة خرقاء في أهل الجاهلية تسمى: ريطة، كانت تغزل هي وجوارٍ لها من الغداة إلى الظهر، ثم تأمرهن فينقضن ما غزلن. وكانت معروفة عندهم، فضربها الله مثلًا لهم ألا يتشبهوا بها فينقضوا العهود من بعد توكيدها، فشبه نقض العهود بنقض الغزل. ولم يقل أحد منهم إن المرأة المعنية بهذه الآية هي الصديقة عائشة رضي الله عنها، ولم يؤول واحد منهم نقض الغزل بنقض الإيمان، ولم يشبه به(1).
وزعم الشيعة أيضًا أن لعائشة رضي الله عنها بابًا من أبواب النار تدخل منه:
فقد أسند العياشي إلى جعفر الصادق –رحمه الله، وحاشاه مما نسبه الشيعة إليه- أنه قال في تفسير قوله تعالى حكاية عن النار: ((لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ)) [الحجر:44]: «يؤتى بجهنم لها سبعة أبواب... والباب السادس لعسكر... إلخ»(2).
وعسكر كناية عن عائشة رضي الله عنها، كما زعم ذلك المجلسي(3).
ووجه الكناية عن اسمها بعسكر، كونها كانت تركب جملًا -في موقعة الجمل- يقال له عسكر. كما ذكر ذلك المجلسي أيضًا.
ولم يكتف الشيعة بذلك، بل لقبوا عائشة في كتبهم بـ(أم الشرور)(4)، وبـ(الشيطانة)(5).
__________
(1) انظر: تفسير ابن كثير (2/583-584)، وفتح القدير للشوكاني (3/190)، وروح المعاني للألوسي (14/221-222).
(2) تفسير العياشي (2/243)، وانظر: البرهان للبحراني (2/345)، وبحار الأنوار للمجلسي (4/378، 8/220).
(3) بحار الأنوار للمجلسي (4/378، 8/220).
(4) الصراط المستقيم للبياضي (3/161).
(5) المصدر نفسه (3/135).(91/67)
وزعموا أنها كانت تكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم (1)، وأن لقبها (حميراء) من الألقاب التي يبغضها الله تعالى(2).
فعائشة رضي الله عنها إذًا كافرة عند الشيعة، وليست من أهل الإيمان، وهي عندهم من أهل النار.
ومعلوم أن الشيعة يوجهون هذه المطاعن المفتراة المجردة عن الدليل إلى أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان لا يحب إلا طيبًا، والكافر خبيث ولا يحب، فكيف تتفق مزاعم الشيعة مع ما تواتر -تواترًا معنويًا- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حبه لعائشة الصديقة رضي الله عنها ؟!
أخرج أحمد وأبو حاتم وغيرهما بأسانيدهم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه دخل على عائشة وهي تموت، فقال لها: «كنت أحب نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، ولم يكن يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا طيبًا»(3).
وسمع عمار بن ياسر رضي الله عنهما رجلًا ينال من عائشة رضي الله عنها، فزجره ووبخه وقال له: «اغرب مقبوحًا منبوحًا، أتؤذي حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم »(4) رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن.
وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحبُّ الناس إليك؟ فقال: عائشة)(5).
ثم الشيعة بعد هذا كله يزعمون أنها كانت كافرة! حاشاها بل هي من أفضل المؤمنين وعباد الله الصالحين.
__________
(1) الخصال للصدوق (1/190).
(2) الأصول من الكافي للكليني (1/247).
(3) راجع السمط الثمين في مناقب أمهات المؤمنين للمحب الطبري (ص:30).
(4) جامع الترمذي (5/707) المناقب باب فضل عائشة رضي الله عنها.
(5) صحيح البخاري (5/68) ك.الفضائل باب فضائل أبي بكر.(91/68)
وقد فضلها رسول الله صلى الله عليه وسلم على سائر النساء بقوله: (فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)(1).
ويتناقض ما زعمه الشيعة عن عائشة بكونها من أهل النار مع ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من بشارته لها بالجنة بقوله: (لقد رأيت عائشة في الجنة؛ كأني أنظر إلى بياض كفيها ليهون بذلك علي عند موتي)(2).
ويتناقض أيضًا مع ما ثبت عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، من قوله عنها رضي الله عنها: (إنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة)(3).
فالشيعة بعد هذه الأدلة الواضحة الصريحة قد خالفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخالفوا من زعموا أنه إمام لهم -علي بن أبي طالب رضي الله عنه - وزعموا أن عائشة رضي الله عنها كافرة، وأنها من أهل النار، حاشاها من ذلك.
بل هي مؤمنة طاهرة، من أهل الفردوس الأعلى في الجنة مع زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثانيًا: الشيعة الإثنا عشرية ينسبون الصديقة بنت الصديق المبرَّأة من فوق سبع سموات إلى الفاحشة:
لما رمى رأس النفاق عبدالله بن أبي ابن سلول الصديقة الطاهرة عائشة رضي الله عنها بما برأها الله منه، غضب الله جلَّ وعلا لانتهاك حرمة نبيه فنفى التهمة عن الصديقة، وأنزل في تبرئتها من فوق سبع سموات آيات حَوَتْ الوعيد الشديد في الدنيا، والتوعد بالعذاب العظيم في الآخرة.
__________
(1) أخرجه البخاري (6/340) ك.الأنبياء باب قول الله تعالى: ((وَإِذْ قَالَتْ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ)) [آل عمران:42].
(2) مسند أحمد (6/138)، وفضائل الصحابة له (2/871)، وطبقات ابن سعد (8/65)، وانظر: السمط الثمين للمحب الطبري (ص:29).
(3) تاريخ الطبري (5/225).(91/69)
ولو فتّشت في آيات القرآن، وتأمّلت الآيات التي أوعد الله العصاة؛ لما رأيته غلّظ في عقوبة شيء تغليظه في عقوبة من رمى الصديقة عائشة رضي الله عنها بالإفك، فالآيات والقوارع مشحونة بالوعيد الشديد، والزجر العنيف، واستعظام ما جاء به رأس النفاق ومن رددوا قوله من الإفك، واستفظاع ما أقدموا عليه من التلقي بالألسنة والقول بالأفواه، يحسبونه هينًا وهو عند الله عظيم، فجعل القَذَفَةَ ملعونين في الدنيا والآخرة، وتوعدهم بالعذاب الشديد في الآخرة، وأخبر أن ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم ستشهد عليهم بإفكهم وبهتانهم، وهذا ليس ظلمًا لهم، بل هو جزاؤهم الحق الذي هم أهله؛ بسبب خوضهم في عرض نبيه، وتكلمهم على زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، تنبيهًا لهم على علو منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنافة محله صلوات الله وسلامه علبه.
وقد انتهى ذلك الإفك بجلد الخائضين فيه، وتوبتهم، واعتذارهم إلى نبيهم وزوجه الطاهرة العفيفة.
وبعد ذلك بقرون أحدث الشيعة إفكًا آخر اتهموا به العفيفة الطاهرة في عرضها مرة أخرى، ولم يحاسبهم أحد إلا الله؛ فإنه مطلع عليهم، وهو يدافع عن رسوله وحبيبه، ويذب عن عرض خليله صلى الله عليه وسلم.
فقد زعم الشيعة أن قوله تعالى: ((ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنْ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ)) [التحريم:10] مثل ضربه الله لعائشة وحفصة رضي الله عنهما.
وقد فسر بعضهم الخيانة بارتكاب الفاحشة -والعياذ بالله تعالى-.(91/70)
قال القمي في تفسير هذه الآية: «والله ما عنى بقوله: (فخانتاهما) إلا الفاحشة(1) وليقيمن الحد على (عائشة)(2) فيما أتت في طريق (البصرة)(3) وكان طلحة(4) يحبها، فلما أرادت أن تخرج إلى (البصرة)(5) قال لها فلان: لا يحل لك أن تخرجي من غير محرم، فزوّجت نفسها من (طلحة)»(6).
ووجه إقامة الحد عليها -على حد زعم الشيعة-: كونها زوّجت نفسها من آخر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع حرمة ذلك، فالله تعالى قد حرم نكاح أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من بعده أبدًا.
فمن هي التي ارتكبت الفاحشة وتزوجت من طلحة من بين زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي في طريقها إلى البصرة -كما زعم الشيعة-؟
المثل مضروب لعائشة وحفصة معًا -على حد زعم الشيعة المتقدم-.
وحفصة لم تخرج إلى البصرة، والتي خرجت هي عائشة رضي الله عنها بإجماع الشيعة، فهي إذًا التي يقام عليها الحد -كما زعم الشيعة- لتزويجها نفسها من طلحة مع حرمة ذلك عليها.
ولا بد أن يقام هذا الحد عند رجعة الأئمة وأعدائهم، حسب معتقد الشيعة الباطل في ذلك.
__________
(1) وليس هذا القول بدعاً من القمي، فقد سبقه إليه الكليني -شيخ الإسلام عند الشيعة، ومرجعهم- ونسبه إلى أبي جعفر الباقر (راجع البرهان للبحراني 4/358- 375).
(2) عند القمي فلانة بدل عائشة، وهذا من باب التقية، وقد صرح غيره باسمها فكشف ما حظرت التقية كشفه بزعمهم.
(3) في الطبعة الحديثة (...).
(4) في نسخة أخرى: فلان بدل طلحة، وهو من التقية كما أسلفنا.
(5) في الطبعة الحديثة (...).
(6) في نسخة أخرى فلان بدل طلحة.. تفسير القمي ط حجرية (ص:341)، ط حديثة (2/377)، وانظر: البرهان للبحراني (4/358)، وتفسير عبدالله شبر (ص:338) وقد ساقاها موضحة كما أثبتها في المتن.(91/71)
ومما يؤكد أن الشيعة الذين لم يذكروا اسم (عائشة) صراحة، عنوا بـ(فلانة) عائشة رضي الله عنها -مع أن الاخرين ذكروا اسمها صريحًا كما تقدم- ما رواه الشيعة في كتبهم من المزاعم المكذوبة التي جاء فيها: «أنه لما نزل قول الله تعالى: ((النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ)) [الأحزاب:6]، وحرّم الله نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم على المسلمين غضب طلحة، فقال: يحرِّم محمد علينا نساءه ويتزوج هو بنسائنا، لئن أمات الله محمدًا لنركضنّ بين خلاخيل نسائه كما ركض بين خلاخيل نسائنا -وفي رواية أخرى ذكروها: لأتزوجن عائشة»(1) -وفي رواية ثالثة- «وكان طلحة يريد عائشة»(2)، فأنزل الله تعالى: ((وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً)) [الأحزاب:53].
__________
(1) تفسير القمي ط.حجرية (ص:290)، ط.حديثة (2/195-196) ومؤتمر علماء بغداد لمقاتل بن عطية (ص:38)، والشافي للمرتضى (ص:258)، والطرائف لابن طاوس (ص:492-493)، والصراط المستقيم للبياضي (3/23-35)، ومنار الهدى لعلي البحراني (ص:452)، ونفحات اللاهوت للكركي (ق:36/ب)، وتفسير الصافي للكاشاني (2/363)، والبرهان للبحراني (3/333 – 334) وإحقاق الحق للتستري (ص:260-261)، وفصل الخطاب للنوري الطبرسي (ص:58)، وعقائد الإمامية للزنجاني (3/56) وسيرة الأئمة الاثني عشر لهاشم الحسيني (1/381)، والشيعة والحاكمون لمحمد جواد مغنية (ص:36).
(2) الطرائف لابن طاوس (ص:492-493)، ونفحات اللاهوت للكركي (ق:36/ب)، وفصل الخطاب للنوري الطبرسي (ص:58).(91/72)
ولم يكتف الشيعة بهذا، بل نسبوا إليه أقوالًا في غاية الخسة والبذاءة، وقد ترددت في ذكرها، وهممت أن لا أكتبها، لولا ما ألزمت به نفسي من إعطاء صورة واضحة مختصرة عن نظرة الشيعة إلى الصحاية رضي الله عنهم، لذا فإني أذكر بعضها، وأعرض عن بعضها الآخر:
ذكر رجب البرسي -وهو من علمائهم- أن عائشة جمعت أربعين دينارًا من خيانة وفرّقتها على مبغضي علي(1).
وذكر أحمد بن علي الطبرسي -وهو من علمائهم أيضًا- أن عائشة «زينت يومًا جاريةً كانت، وقالت: لعلنا نصطاد شابًا من شباب قريش بأن يكون مشغوفًا بها»(2).
فقاتلهم الله كيف حفظوا النبي صلى الله عليه وسلم في زوجته وأحب الناس إليه! لقد رموها بأشد مما رماها به رأس المنافقين وأتباعه زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
مناقشة هذه المفتريات:
لا يشك عاقل أن هذه المزاعم الشيعية من البهتان المبين والإفك المفترى، فالله سبحانه وتعالى لم يضرب امرأة نوح وامرأة لوط مثلًا لعائشة وحفصة رضي الله عنهما، بل هو مثل مضروب للذين كفروا مطلقًا، كما قال الله تعالى في رأس الآية: ((ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ)) [التحريم:10]، والشيعة لما كانوا يحقدون على عائشة وحفصة رضي الله عنهما ويعتقدون كفرهما، قصروا المثل المضروب عليهما وخصو بهما.
ولم يقل أحد من مفسري أهل السنة أن الخيانة من امرأة نوح وامرأة لوط هي الوقوع في الفاحشة، وإنما أولوها بأنها الخيانة في الدين(3).
__________
(1) مشارق أنوار اليقين لرجب البرسي (ص:86).
(2) احتجاج الطبرسي (ص:82).
(3) راجع: جامع البيان للطبري (28/169-171)، وتفسير ابن كثير (4/393)، وفتح القدير للشوكاني (5/255-256)، وقد أوّلها بعض الشيعة بذلك كالبياضي في الصراط المستقيم (3/165 -166)، والكاشاني في تفسير الصافي (2/720).(91/73)
وفي ذلك يقول حبر هذه الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: «ما زنتا؛ أما خيانة امرأة نوح فكانت تخبر أنه مجنون، وأما خيانة امرأة لوط فكانت تدل قومها على أضيافه». وتبعه على ذلك جميع المفسرين(1).
والقصة التي افتراها الشيعة لا شك في كذبها، وقد وقع واضعها في أخطاء تدل على كذبها، منها: ادعاؤه أن عائشة خرجت دون محرم، ولما أُخبرت أنه لا يجوز أن تخرج بغير محرم زوّجت نفسها من طلحة -على حد زعمهم-.
ودعوى أنها خرجت بغير محرم يبطلها ما أجمع عليه أهل السنة وجمهور الشيعة من أن ابن أختها عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما كان معها وفي عسكرها، وما رواه الشيعة من أنه -أي ابن أختها- عبدالله هو الذي حرّضها على المسير إلى البصرة، وحرّض أباه على محاربة علي رضي الله عنه، وعندما عزم أبوه على الإقلاع عن حربه لما التقيا في البصرة، أخذ يلح عليه حتى عاد إلى حربه، وهذه كلها مزاعم ذكرها الشيعة في كتبهم(2).
فكيف يقال: إنها خرجت من غير محرم، وعبدالله بن الزبير ابن أختها هو محرمها؟
__________
(1) راجع: جامع البيان للطبري (28/ 169-171)، وتفسير ابن كثير (4/393)، وفتح القدير للشوكاني (5/255-256) وغيرها من تفاسير أهل السنة فكلها أجمعت على ذلك.
(2) الاختصاص للمفيد (ص:119)، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (2/167-170، 4/480، 482-483)، وأحاديث أم المؤمنين عائشة لمرتضى العسكري (1/227، 268-269).(91/74)
لاشك أن قول الله تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً)) [الأحزاب:57] وقوله جل وعلا: ((وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً)) [الأحزاب:58]، منطبق على من قذفها؛ لأن في قذفها من حيث كونها زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم إيذاءً لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وقذفها من حيث كونها مؤمنة غافلة إيذاء لها، ولمن اتهموه بها رضي الله عنهما وأرضاهما.
وينبغي أن يعلم أن سب عائشة رضي الله عنها بما برّأها الله منه يعتبر مروقًا من الدين -حسبما تقرر في القواعد الشرعية- وسابها كافر، وعلى هذا إجماع علماء المسلمين، مستدلين بقوله تعالى: ((يَعِظُكُمْ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ)) [النور:17]، وبغيرها من آيات الكتاب الحكيم.
قال القاضي أبو يعلى: «من قذف عائشة رضي الله عنها بما برأها الله منه كفر بلا خلاف»(1).
و«روي عن محمد بن زيد بن علي بن الحسين أخي الحسن بن زيد أنه لما قدم عليه رجل من العراق فذكر عائشة بسوء، فقام إليه بعمود فضرب به دماغه فقتله، فقيل له: هذا من شيعتنا ومن بني الآباء! فقال: هذا سمى جدي (يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم) قرنان، ومن سمى جدي قرنان استحق القتل»(2).
__________
(1) نقله عنه ابن تيمية في الصارم المسلول (ص:571).
(2) ذكرها ابن تيمية في الصارم المسلول (ص:566-567).(91/75)
وروي عن أخيه الحسن بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب: «أنه كان بحضرته رجل، فذكر عائشة بذكر قبيح من الفاحشة، فقال: يا غلام! اضرب عنقه، فقال له العلويون: هذا رجل من شيعتنا، فقال: معاذ الله! هذا رجل طعن على النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الله تعالى: ((الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ)) [النور:26] فإن كانت عائشة خبيثة فالنبي صلى الله عليه وسلم خبيث، فهو كافر فاضربوا عنقه. فضربوا عنقه وأنا حاضر-على حد قول الراوي-»(1).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «ومن رمى عائشة رضي الله عنها بما برأها الله منه فقد مرق من الدين..»(2).
وقال ابن حجر الهيتمي بعد ما ذكر حديث الإفك: «عُلم من حديث الإفك أن من نسب عائشة إلى الزنا كان كافرًا، وقد صرح بذلك أئمتنا وغيرهم؛ لأن في ذلك تكذيبًا للنصوص القرآنية، ومُكِّذبها كافر بإجماع المسلمين، وبه يعلم القطع بكفر كثيرين من غلاة الروافض، لأنهم ينسبونها إلى ذلك، قاتلهم الله أنى يؤفكون»(3).
وقال الشيخ محمد بن سليمان التميمي حاكيًا عن عائشة رضي الله عنها: «والحاصل أن قذفها كيفما كان يوجب تكذيب الله تعالى في إخباره عن تبرئتها عما يقول القاذف فيها»(4).
ويقول في موضع آخر: «ومن كذّب الله فقد كفر»(5).
__________
(1) المصدر السابق: (ص:566).
(2) المصدر السابق (ص:568).
(3) الصواعق المحرقة لابن حجر الهيتمي (ص:101).
(4) رسالة في الرد على الرافضة لمحمد التميمي (ص:24-25).
(5) المصدر نفسه.(91/76)
ونقل قول بعض أهل البيت في ذلك: «وأما قذفها الآن فهو كفر وارتداد، ولا يكفي فيه الجلد؛ لأنه تكذيب لسبع عشرة آية في كتاب الله كما مر، فيقتل ردة...ومن يقذف الطاهرة الطيبة أم المؤمنين زوجة رسول رب العالمين صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة كما صح ذلك عنه، فهو من ضرْبِ عبدالله بن أبي ابن سلول رأس المنافقين..»(1).
وأقوال علماء المسلمين كثيرة في هذا الباب، وكلها متضافرة في كفر من رمى الصديقة بما برأها الله منه، أو نسبها إلى الفاحشة -عياذًا بالله- متبعين لكتاب ربهم الذي قرر أن الطيبين للطيبات والخبيثين للخبيثات، وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم التي دلّت دلالة قطعية على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الصديقة الطيبة عائشة حبًّا لم يساو بها فيه أحدًا من الناس، وكان صلى الله عليه وسلم لا يحب إلا طيبًا.
(انظر كتاب: أوجز الخطاب في بيان موقف الشيعة من الأصحاب للحسني).
ولعلك أخي القارئ الكريم تعذرني فيما نقلت لك مما صكّ مسامعك وكاد أن يُعمي بصرك، ووالله وبالله وتالله لولا أخذي على نفسي عهدًا في بيان موقفهم المخزي تجاه أمهاتنا أمهات المؤمنين زوجات النبي الكريم، لما نقلت لك ما يكاد المسلم أن يستفرغ منه؛ من هذا الكلام الذي يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم في أهله رضي الله عنهم. وأستغفر الله وأتوب إليه.
* ... * ... *
[الموضع السابع]
قال رحمه الله في (ص:45- 47) من المجلد الحادي عشر-الجزء الثاني والعشرون- عند تفسير قوله تعالى: ((مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً)) [الأحزاب:40].
__________
(1) المصدر نفسه.(91/77)
«... ولذلك لا يتردد مسلم في تكفير من يثبت نبوة لأحد بعد محمد صلى الله عليه وسلم وفي إخراجه من حظيرة الإسلام، ولا تعرف طائفة من المسلمين أقدمت على ذلك إلا البابية والبهائية وهما نحلتان مشتقة ثانيتهما من الأولى. وكان ظهور الفرقة الأولى في بلاد فارس في حدود سنة مائتين وألف وتسربت إلى العراق، وكان القائم بها رجلًا من أهل شيراز يدعوه أتباعه السيد علي محمد، كذا اشتهر اسمه، كان في أول أمره من غلاة الشيعة الإمامية، أخذ عن رجل من المتصوفين اسمه الشيخ أحمد زين الدين الأحسائي الذي كان ينتحل التصوف بالطريقة الباطنية، وهي الطريقة المتلقاة عن الحلاج. وكانت طريقته تعرف بالشيخية، ولما أظهر نحلته علي محمد هذا؛ لقَّب نفسه باب العلم فغلب عليه اسم الباب، وعرفت نحلته بالبابية، وادعى لنفسه النبوة، وزعم أنه أوحي إليه بكتاب اسمه البيان، وأن القرآن أشار إليه بقوله تعالى: ((خَلَقَ الإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ)) [الرحمن:3-4].
وكتاب البيان مؤلف بالعربية الضعيفة، ومخلوط بالفارسية. وقد حكم عليه بالقتل سنة: (1266هـ) في تبريز.
وأما البهائية فهي شعبة من البابية تُنسب إلى مؤسسها الملقب ببهاء الله، واسمه: ميرزا حسين علي، من أهل طهران، تتلمذ للباب بالمكاتبة، وأخرجته حكومة شاه العجم إلى بغداد بعد قتل الباب، ثم نقلته الدولة العثمانية من بغداد إلى أدرنة ثم إلى عكَّا، وفيما ظهرت نحلته وهم يعتقدون نبوة الباب، وقد التف حوله أصحاب نحلة البابية وجعلوه ليفة الباب، فقام اسم البهائية مقام اسم البابية، فالبهائية هم البابية.(91/78)
وقد كان البهاء بنى بناء في جبل الكرمل ليجعله مدفنًا لرفات الباب، وآل أمره إلى أن سجنته السلطنة العثمانية في سجن عكا، فلبث في السجن سبع سنوات ولم يطلق من السجن إلا عند ما أعلن الدستور التركي، فكان في عداد المساجين السياسيين الذين أطلقوا يومئذ، فرحل منتقلًا في أوربا وأمريكا مدة عامين ثم عامين، ثم عاد إلى حيفا فاستقر بها إلى أن توفي سنة: (1340هـ)، وبعد موته نشأ شقاق بين أبنائه وإخوته، فتفرقوا في الزعامة وتضاءلت نحلتهم.
فمن كان من المسلمين متبعًا للبهائية أو البابية، فهو خارج عن الإسلام مرتد عن دينه تجري عليه أحكام المرتد. ولا يرث مسلمًا ويرثه جماعة المسلمين، ولا ينفعهم قولهم: إنا مسلمون ولا نطقهم بكلمة الشهادة؛ لأنهم يثبتون الرسالة لمحمد صلى الله عليه وسلم، ولكنهم قالوا بمجيء رسول من بعده. ونحن كفرنا الغرابية من الشيعة لقولهم: بأن جبريل أرسل إلى علي ولكنه شُبِّه له محمد بعلي، إذ كان أحدهما أشبه بالآخر من الغراب بالغراب -وكذبوا- فبلغ الرسالة إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فهم أثبتوا الرسالة لمحمد صلى الله عليه وسلم ولكنهم زعموه غير المعين من عند الله.
وتشبه طقوس البهائية طقوس الماسونية، إلا أن البهائية تنتسب إلى التلقي من الوحي الإلهي، فبذلك فارقت الماسونية وعدت في الأديان والملل ولم تعد في الأحزاب».
وأقول: رحم الله شيخ الإسلام ابن عاشور ما أبدع فكره، وأثقب رأيه، وأبعد نظره، وأغير حميته على دين الإسلام.. تأمل أخي كُليماته لتجد كيف أنه يدافع عن الإسلام الدين الحق أمام كل شاغب عليه، بين مقلٍ من الكفر والزندقة ومستكثر! فهو رحمه الله يبين هنا بأوجز عبارة وأمتن قول بأن ما ظهر من الأقوال الإلحادية والمذاهب المتزندقة في هذه الأزمنة المتأخرة، إنما هي من رحِم التشيع خرجت.. فالبابية والبهائية والشيخية ملل كافرة خارجة عن الإسلام وهو منها براء.(91/79)
وحكم رحمه الله على من كان من المسلمين متبعًا للبهائية أو البابية، فهو خارج عن الإسلام مرتد عن دينه، تجري عليه أحكام المرتد، ولا يرث مسلمًا ويرثه جماعة المسلمين.
بل ولا ينفعهم قولهم: (إنا مسلمون) ولاينفعهم (نطقهم بكلمة الشهادة) لأنهم بعدها يحملون الزندقة والردة والإلحاد في دين الله.
* ... * ... *
[الموضع الثامن]
قال رحمه الله في (ص:103) من المجلد الحادي عشر-الجزء الثاني والعشرون-عند تفسير قوله تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)) [الأحزاب:56].
«...وأما التسليم في الغيبة فمقصور عليه وعلى الأنبياء والملائكة لا يشركهم فيه غيرهم من عباد الله الصالحين؛ لقوله تعالى: ((سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ)) [الصافات:79] وقوله: ((سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ)) [الصافات:130].. ((سَلامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ)) [الصافات:120] ((سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ)) [الصافات:109].
وأنه يجوز إتباع آلهم وأصحابهم وصالحي المؤمنين إياهم في ذلك دون استقلال. هذا الذي استقر عليه اصطلاح أهل السنة، ولم يقصدوا بذلك تحريمًا؛ ولكنه اصطلاح وتمييز لمراتب رجال الدين، كما قصروا الرضى على الأصحاب وأئمة الدين، وقصروا كلمات الإجلال نحو: تبارك وتعالى، وجل جلاله، على الخالق دون الأنبياء والرسل.
وأما الشيعة فإنهم يذكرون التسليم على علي وفاطمة وآلهما، وهو مخالف لعمل السلف، فلا ينبغي اتباعهم فيه؛ لأنهم قصدوا به الغض من الخلفاء والصحابة».(91/80)
أقول: نعم. إن هذا المقصد الخبيث هو خِبْءُ هؤلاء الشيعة، وهو الغض من خلفاء النبي صلى الله عليه وسلم وهم الثلاثة بعده: أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين وكذا جميع الصحابة إلا من استثنوه بهواهم... وحتى لا تعجل على العلامة الكبير ابن عاشور دونك عقيدة هؤلاء الشيعة في الصحابة رضي الله عنهم أجمعين:
أولاً: دعوى الشيعة الاثني عشرية ارتداد الصحابة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لا يرتاب مسلم صادق في إسلامه في سمو منزلة الصحابة وفضلهم ورفعة شأنهم، فهم قوم اختصهم الله تبارك وتعالى لصحبة أفضل رسله محمد صلى الله عليه وسلم، فصدقوه وآزروه ونصروه واتبعوا النور الذي جاء به، فتلقوه عذبًا زلالًا، وسائغًا فراتًا من مشكاة النبوة، وأخلصوا دينهم لله، وبذلوا في سبيله المهج والأرواح، والغالي والنفيس، والأموال والأولاد، فشادوا بنيانه، وأكملوا صَرْحه، وفتحوا البلاد، وهدوا العباد، فكانوا بذلك أهلًا لرضوان الله ومحبته ورحمته وجنته؛ فكانوا خير أمة أخرجت للناس وخير القرون.
ثم الشيعة الاثنا عشرية بعدما تبين لهم فضل أولئك الصحب الأبرار والخيرة الأطهار، يزعمون أن هؤلاء الكرام البررة رضي الله عنهم قد ارتدوا جميعًا على أدبارهم القهقرى، إلا نفرًا يسيرًا منهم رجحوا أنهم ثلاثة: وهم سلمان وأبو ذر والمقداد، استثنوهم من عداد من ارتد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال التستري -من كبار علمائهم-:«كما جاء موسى للهداية وهدى خلقًا كثيرًا من بني إسرائيل وغيرهم، فارتدوا في أيام حياته ولم يبق فيهم أحد على إيمانه سوى هارون (ع)؛ كذلك جاء محمد صلى الله عليه وسلم وهدى خلقًا كثيرًا لكنهم بعد وفاته ارتدوا على أعقابهم»(1).
__________
(1) إحقاق الحق للتستري (ص:316).(91/81)
ولئن سألت الشيعة أدلة جلية ألجأتهم إلى هذا القول؛ لرأيتهم قد افتروا أقوالًا ونسبوها -زورًا وبهتانًا- إلى من يدَّعون أنهم أئمة لهم، أمثال علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وغيرهم.
فمن الأقوال التي نسبوها إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «أن الناس كلهم ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم غير أربعة»(1) فزادوا عمار بن ياسر رضي الله عنه على الثلاثة السابقين.
ومن الأقوال التي نسبوها إلى محمد بن علي الباقر رحمه الله: «كان الناس أهل ردة بعد النبي إلا ثلاثة»(2) و«ارتد الناس إلا ثلاثة نفر»(3).
وقد وصف الشيعة أسانيد هذه الروايات بأنها معتبرة(4).
وهناك روايات أخرى مكذوبة ملأ الشيعة بها كتبهم ونسبوها -كذبًا وبهتانًا- إلى عدد من أئمتهم(5).
ولا ريب أن هؤلاء الأئمة الطيبين بريئون من ذلك، وما نسبه إليهم الشيعة هو محض إفك مفترى، والحق أنه قد كُذب على أئمة أهل بيت نبينا صلى الله عليه وسلم أكثر مما كُذب على غيرهم، حتى شكا الأئمة -وعلى رأسهم جعفر الصادق- من ذلك.
__________
(1) انظر: السقيفة لسليم بن قيس (ص:92)، والأنوار النعمانية للجزائري (1/81).
(2) روضة الكافي للكليني (ص:115)، وتفسير العياشي (1/199)، واختيار معرفة الرجال (ص:6-8-11)، وانظر: علم اليقين للكاشاني (1/ 743-744)، وتفسير الصافي له (1/148-305)، وقرة العيون له (ص:426)، والبرهان للبحراني (1/319)، وبحار الأنوار للمجلسي (6/749)، وحياة القلوب له (2/837)، والدرجات الرفيعة للشيرازي (ص:223)، وحق اليقين لعبدالله شبر (1/ 218-219).
(3) المصادر السابقة نفسها.
(4) انظر: تفسير الصافي للكاشاني (1/148)، وقرة العيون له (ص:426)، وحق اليقين لشبر (1/ 218).
(5) راجع في ذلك كتابي: موقف الشيعة الإثني عشرية من الصحابة رضي الله عنهم.(91/82)
وقد بين الإمام جعفر بن محمد الصادق رحمه الله -إمام الشيعة السادس- ذلك بقوله: «إنّا أهل بيت صادقون، لا نخلو من كذاب يكذب علينا ويُسقط صدقنا -بكذبه علينا- عند الناس»(1).
أضف إلى ذلك معارضة هذه المزاعم-ما زعمه الشيعة من ارتداد الصحابة- لما أخبر الله به تبارك وتعالى من أنه رضي عن الصحابة في غير ما موضع من كتابه الكريم، وأمر بالاستغفار لهم، والمؤمن المطيع المتبع لا يصنع كصنيع الشيعة مع الصحابة: (أمروا بالاستغفار لهم فسبوهم) بل يستغفر لهم ويترضى عنهم، ويعتقد أن ما نحن فيه من نعمة فهو من جهودهم رضي الله عنهم وجهادهم، ونتائج أعمالهم الطيبة المباركة، وثمرة لما قدموه من مال وولد في سبيل نصر دين الله ونشره، وإعلاء كلمة الله حتى لا يعبد أحد سواه.
وقد أخبر الله تبارك وتعالى أنه رضي عن الصحابة الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة بقوله: ((لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً)) [الفتح:18].
__________
(1) اختيار معرفة الرجال للطوسي (ص:108)، وتنقيح المقال للمامقاني (2/184)، ومعجم رجال الحديث للخوئي (1/202).(91/83)
وكانت عدتهم رضي الله عنهم ألفا وثلاثمائة باعتراف الشيعة أنفسهم(1) ولم يرتد منهم أحد، فكيف يُجوِّز الشيعة أن يرضى الله عز وجل عن أقوام ويحمدهم، وهو يعلم أنهم سيرتدون على أعقابهم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ بل وكيف يزعمون بعد هذا الإخبار أن الصحابة ارتدوا إلا نفرًا يسيرًا؟ إلا أن يقولوا: إن الله لم يعلم ذلك حتى وقع، فإن قالوها فقد عرضوا أنفسهم للعنة أحد الأئمة المعصومين عندهم؛ جعفر الصادق الذي لعن من قال: إن الله لا يعلم الشيء حتى يكون، أسنده إليه الكشي الشيعي في كتابه معرفة الرجال(2)، ودعا عليه بالخزي فقال: «من قال هذا أخزاه الله» أسنده الكليني في كتابه الكافي(3).
والآية عامة في الرضا عن المبايعين تحت الشجرة، تشمل جميع المبايعين، فـ(إذ) في قوله: (إذ يبايعونك) ظرف، وسواء أكانت ظرفًا محضًا أم كانت ظرفًا فيه معنى التعليل، فإنها تدل على تعلق الرضا بجميع المبايعين، فعلم أنهم جميعًا من المرضي عنهم.
وخلاصة القول: أن دعوى الشيعة ارتداد الصحابة أمر قائم على الهوى، وليس لديهم دليل نقلي صحيح ولا عقلي صريح يسوغ لهم الإقدام على مثل هذا الادعاء الخطير.
اللهم اعصمنا بالتقوى، واحفظ علينا حبنا لصحابة نبيك صلى الله عليه وسلم كما ترضى يا رب العالمين.
ثانيًا: دعوى الشيعة الاثني عشرية نفاق أكثر الصحابة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم:
لم يكتف الشيعة الاثنا عشرية بنسبة الصحابة رضي الله عنهم إلى الارتداد بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل زعموا أن أكثرهم أظهروا الإسلام وأضمروا الكفر في حياته عليه السلام.
__________
(1) انظر: مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب المازندراني (2/22)، والبرهان للبحراني (4/ 196-197).
(2) اختيار معرفة الرجال للطوسي (ص:151).
(3) الأصول من الكافي للكليني (1/148).(91/84)
قال التستري -من علماء الشيعة- عن الصحابة: «إنهم لم يسلموا، بل استسلم الكثير رغبة في جاه رسول الله... إنهم داموا مجبولين على توشح النفاق وترشح الشقاق»(1).
والمتأمل لهذا القول يسخر من سفاهة هذا الشيعي وسوء رأيه؛ إذ أي مال أو منصب أو شيء من حطام الدنيا كان لديه عليه السلام وقومه قد رموه عن قوس واحدة، وتآمروا على قتله وقَتْل مَن معه مِن صحابته، وأذاقوهم من العذاب ألوانًا، وأنزلوا بهم من الكربات ما الله به عليم، مما لا يصبر عليه صناديد الرجال، وهم ثابتون مقيمون على إسلامهم، قابضون على دينهم، ولو تركوه صلى الله عليه وسلم وتركوا دينه لأكرمهم المشركون وأعطوهم حتى يعطوهم من حطام الدنيا، ولكنَّ نظرتهم لم تكن إلى هذه الفانية بل كانت نظرة عميقة إلى ما وراء هذه الحياة مما أعد الله لهم، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
وكان الواحد منهم يلقى في رمضاء مكة في الأيام الشديدة الحر وتوضع عليه الصخور والأحجار الكبيرة حتى يرجع عن دينه، فلا يزيده هذا إلا ثباتًا على أمر الله ومضيًّا على الحق، ولسان حاله يقول لعتاة المشركين وجبابرتهم: ((فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا)) [طه:72] ولو قال لهم كلمة واحدة أحسوا منها أنه مستعد لترك دينه، لأغدقوا عليه وأعطوه، ولكنه الإيمان إذا لامس بشاشة القلوب يلتحم بها التحامًا لا يمكن فكه إلا أن يشاء الله.
فقل لي بربك يا مسلم: هل هذه من صفات المنافقين؟ وهل هؤلاء الأبرار منافقون كما زعم الشيعة؟!
وقد أكَّد حسن الشيرازي -وهو من الشيعة المعاصرين- نفاق أكثر الصحابة، وتساءل عن سبب قبول النبي صلى الله عليه وسلم للمنافقين في صفوف المؤمنين؟ ثم أجاب نفسه بقوله:
__________
(1) إحقاق الحق للتستري (ص:3).(91/85)
«إنه لم يكن من صالح النبي صلى الله عليه وسلم منذ فجر الإسلام أن يقبل المخلصين فقط ويرفض المنافقين، وإنما كان عليه أن يكدِّس جميع خامات الجاهليه ليسيج بها الإسلام عن القوى الموضعية والعالمية التي تظاهرت ضده، فكان يهتف: (قولوا لا إله إلا الله تفلحوا)... إلى أن قال: ولم يكن للنبي أن يرفضهم، وإلا لبقي هو وعلي وسلمان وأبو ذر والعدد القليل من الصفوة المنتجيين»(1).
ثم استرسل حسن الشيرازي في حديثه عن الصحابة فقال: «غير أنهم تكاثروا مع الأيام، وعلى إثر كثرتهم استطاع رءوس النفاق أن يتسللوا إلى المراكز القيادية، فخبطوا في الإسلام خبطًا ذريعًا كاد أن يفارق واقعه لولا أن تداركه بطله العظيم علي بن أبي طالب عليه السلام..»(2).
ومراده برءوس النفاق: أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فهم الذين عناهم الشيعي بقوله: «استطاع رءوس النفاق..».
وهذه المزاعم التي فيها طعن واضح برسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ الذي لم يكن يهتم بالكيف، بل كان جُلَّ اهتمامه منصبًّا على الكم -على حد زعم هذا الشيعي- فكان على حد ما زعم يجمع الناس دون اهتمام منه بسلامة عقيدتهم وصدق رغبتهم في الدخول في الإسلام؛ ليقاتل بهم القوى الموضعية والعالمية، وكأن هذا الشيعي لا يدرك أن المنافقين من أشد القوى الموضعية خطرًا على الدين وعلى أتباعه المسلمين المتربصين بهم الدوائر. وكأنه لا يعلم أيضًا أن المنافقين ممن أُمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بجهادهم في قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدْ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ)) [التوبة:73].
__________
(1) الشعائر الحسينية لحسن الشيرازي (ص:8-9).
(2) المصدر نفسه (ص:10).(91/86)
وقال المامقاني -من الشيعة-:«إن من المعلوم بالضرورة بنص الآيات الكريمة، وجود الفساق والمنافقين في الصحابة، بل كثرتهم فيهم، وعروض الفسق بل الارتداد لجمع منهم في حياته، ولآخرين بعد وفاته..»(1).
وقول المامقاني بوجود المنافقين في صفوف الصحابة صحيح؛ لكن زعمه كثرتهم من الكذب، إذ لو كانوا كثيرين كما زعم هو وأسلافه لأحاطوا برسول الله وصحابته وقضوا عليهم، وأقاموا دولة حال ظهور الإسلام دون قيامها، ولكنهم كانوا قلة حقيرة وشرذمة قليلة لم يكن لهم حول ولا طول، وقوةُ عقيدة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقفت حاجزًا منيعًا بينهم وبين مخططاتهم وسورًا عاليًا منعهم من تحقيق مآربهم، لذلك لم تصدر منهم إلا أقوال يسيرة دلت على أفئدتهم وما يعتمل في نفوسهم من حقد دفين نحو الإسلام ورسوله وأصحابه.
وهناك أقوال أخرى كثيرة صدرت عن الشيعة تحاول إلصاق تهمة النفاق بصحابة أطهار أبعد ما يكونون عن الاتصاف بها(2).
* ... * ... *
[الموضع التاسع]
قال رحمه الله في (ص:247) من المجلد العاشر-الجزء الحادي والعشرون-في أول مقدمة تفسير سورة (الأحزاب).
«...وكون القرآن قد تلاشى منه كثير هو أصل من أصول الروافض ليطعنوا به في الخلفاء الثلاثة، والرافضة يزعمون أن القرآن مستودع عند الإمام المنتظر، فهو الذي يأتي بالقرآن وقر بعير. وقد استوعب قولهم واستوفى إبطاله أبو بكر بن العربي في كتاب العواصم من القواصم».
وأقول هنا: انظر ما قدمناه تحت كلامه رحمه الله في الموضع الثاني (ص:100 وما بعدها).
__________
(1) تنقيح المقال للمامقاني (1/213).
(2) انظر على سبيل المثال لا الحصر: تفسير القمي (2/186)، والبرهان للبحراني (3/299)، وتفسير الصافي للكاشاني (2/342)، وقرة العيون له (ص:416-420). وانظر كتاب: أوجز الخطاب في بيان موقف الشيعة من الأصحاب للحسني.(91/87)
وأما إمام الزمان عند الشيعة الإمامية الذي يدندنون به ويعتقدون بوجوده، وأنه حي لم يمت، وهو الخرافة كما قدمنا.. فهو الذي ينتظرون ظهوره منذ أحد عشر قرنًا من الزمان!!
فدعونا هنا نتعرف على معتقداتهم فيه، ليعلم المسلم إلى أيّ مدى بلغ بهم السخف والبله.. والحمد لله على نعمة الإسلام أولًا، ونعمة العقل ثانيًا!
أ - مهدي الشيعة سيحكم بشريعة داود وآل داود وبتوراة موسى:
جاء في الكافي للكليني في كتاب الحجة من الأصول في الكافي (1/397-398) ما يلي:
1- علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن منصور، عن فضل الأعور، عن أبي عبيد الحذَّاء قال: كنا زمان أبي جعفر عليه السلام حين قبض نتردد كالغنم لا راعي لها، فلقينا سالم بن أبي حفصة فقال لي: يا أبا عبيدة! من إمامك؟ فقلت: أئمتي آل محمد، فقال: هلكت وأهلكت، أما سمعتُ أنا وأنت أبا جعفر عليه السلام يقول: من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية؟ فقلت: بلى لعمري! ولقد كان قبل ذلك بثلاث أو نحوها، فدخلت على أبي عبد الله عليه السلام، فقلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن سالمًا قال لي كذا وكذا، قال: «يا أبا عبيدة إنَّه لا يموت هنا ميت حتى يخلف من بعده من يعمل بمثل عمله ويسير بسيرته ويدعو إلى ما دعا إليه، يا أبا عبيدة إنَّه لم يمنع ما أعطي داود أن أعطي سليمان. ثم قال: يا أبا عبيدة إذا قام قائم آل محمد عليه السلام حكم بحكم داود وسليمان ولا يُسأل بينة».
2- محمَّد بن يحيى، عن أحمد بن محمَّد، عن محمد بن سنان، عن أبان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: «لا تذهب الدنيا حتى يخرج رجل مني يحكم بحكومة آل داود، ولا يُسأل بيّنة، يعطي كل نفس حقها».(91/88)
3 – محمد، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن عمَّار الساباطي قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: بم تحكمون إذا حكمتم؟ قال: «بحكم الله وحكم داود، فإذا ورد علينا الشيء الذي ليس عندنا تلقَّانا به روح القُدُس».
4 - محمد بن أحمد، عن محمد بن خالد، عن النَّضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن عمران بن أعين، عن جعيد الهمداني عن عليَّ بن الحسين عليه السلام قال: سألته بأي حكم تحكمون؟ قال «بحكم آل داود، فإن أعيانا شيء تلقانا به روح القُدُس».
5 - أحمد بن مهران رحمه الله، عن محمَّد بن عليَّ، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم عن عمَّار السَّاباطي قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما منزلة الأئمَّة؟ قال: «كمنزلة ذي القرنين، وكمنزلة يوشع، وكمنزلة آصف صاحب سليمان، قلت: فبم تحكمون؟ قال: بحكم الله وآل داود وحكم محمَّد صلى الله عليه وسلم، ولتلقَّانا به روح القُدُس»(1).
ب - المهدي المنتظر يتكلم العبرانية:
في كتاب (الغيبة) للنعماني: «إذا أذَّن الإمام دعا الله باسمه العبراني (فانتخب) له صحابته الثلاثمائة والثلاثة عشر كقزع الخريف، منهم أصحاب الألوية، منهم من يفقد فراشه ليلًا فيصبح بمكة، ومنهم من يُرى يسير في السحاب نهارًا يعرف باسمه واسم أبيه وحليته ونسبه..».
ج - اليهود من أتباع المهدي الشّيعي المنتظر:
روى الشَّيخ المفيد في الإرشاد، عن المفضّل بن عمر، عن أبي عبد الله قال: «يخرج مع القائم عليه السلام من ظهر الكوفة سبعة وعشرون رجلًا من قوم موسى، وسبعة من أهل الكهف، ويوشع بن نون، وسليمان، وأبو دجانة الأنصاري، والمقداد، ومالك الأشتر، فيكونون بين يديه أنصارًا»(2).
وبهذا نخلص إلى أن مهدي الشيعة المنتظر:
__________
(1) الأصول في الكافي للكليني (1/397-398).
(2) الإرشاد للمفيد الطوسي (ص:402).(91/89)
1- يحكم بشريعة آل داود، وبقرآن جديد ليس هو الذي بين أيدينا، ولو سأل سائل: فأين شريعة آل داود؟ لوجد الإجابة ولا شك أنه التلمود، ولذلك يبايع الناس على كتاب جديد، ففي كتاب الغيبة للنعماني عن أبي جعفر أنه قال: «فوالله لكأني أنظر إليه بين الركن والمقام يبايع الناس بأمر جديد شديد، وكتاب جديد، وسلطان جديد من السماء»(1).
2 - لسان المهدي وهو العبرانية.
3 - أتباعه من اليهود، فلعل (مهدي الشيعة) هو ملك اليهود (المخلص) المنتظر، وهو نفسه المسيح الدجال الذي أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم.
ويزعمون أنه عندما يخرج مهديهم أن أول ما يبدأ به هو إخراج خليفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فيعذبان ثم يحرقان على يد مهديهم، فقد روى المجلسي عن بشير النبال عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «هل تدري أول ما يبدأ به القائم عليه السلام ؟ قلت: لا. قال: يخرج هذين الرطبين غضين فيحرقهما ويذريهما في الرياح ويكسر المسجد!!»(2).
وفي رواية أخرى يرويها المفضل عن جعفر الصادق وفيها: قال المفضل: «يا سيدي! ثم يسير المهدي إلى أين؟ قال: إلى مدينة جدي رسول الله... فيقول: يا معشر الخلائق! هذا قبر جدي رسول الله، فيقولون: نعم يا مهدي آل محمد، فيقول: ومن معه في القبر؟ فيقولون: صاحباه وضجيعاه أبو بكر وعمر، فيقول: أخرجوهما من قبريهما، فيخرجان غضين طريين لم يتغير خلقهما ولم يشحب لونهما، فيكشف عنهما أكفانهما ويأمر برفعهما على دوحة يابسة نخرة فيصلبهما عليها!»(3).
__________
(1) بحار الأنوار (52/318).
(2) الغيبة للنعماني (ص:107).
(3) الرجعة للأحسائي (ص:186).(91/90)
ويقول نعمة الله الجزائري في الأنوار النعمانية (1/141) بعد ما ذكر رأيه في حكم لعن الشيخين رضي الله عنهما وأنه من ضرورات المذهب عندهم يقول: «..وفي الأخبار ما هو أغرب من هذا، وهو أن مولانا صاحب الزمان عليه السلام (المهدي) إذا ظهر وأتى المدينة أخرجهما من قبريهما، فيعذبهما على كل ما وقع في العالم من ظلم متقدم على زمانيهما، كقتل قابيل وهابيل، وطرح إخوة يوسف له في الجب، ورمي إبراهيم في نار نمرود، وإخراج موسى خائفًا يترقب، وعقر ناقة صالح، وعبادة من عبد النيران، فيكون لهما الحظ الأوفر من أنواع ذلك العذاب».
بل وجاء عندهم من أعماله القبيحة:
ما روى المجلسي عن محمد بن علي الكوفي، عن عبدالرحمن بن أبي هاشم، عن أبي خديجة، عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال: إن عليًا عليه السلام قال: «كان لي أن أقتل المولى وأجهز على الجريح، ولكن تركت ذلك للعاقبة من أصحابي، إن جرحوا لم يقتلوا، والقائم له أن يقتل المولى ويجهز على الجريح...»(1).
وروى النعماني في كتاب الغيبة كما نقله المجلسي في كتابه بحار الأنوار (52/353) عن أبي جعفر قال: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سار في أمته باللين وكان يتألف الناس، والقائم يسير بالقتل، بذلك أمر في الكتاب الذي معه: أن يسير بالقتل ولا يستتيب أحدًا، ويل لمن ناواه».
ومهدي الشيعة متعصب لا يقتل من أجل العقيدة، بل يقتل بعض الناس، يعني كتطهير عرقي فقط، وأول من يبدأ بالقتل قريش، روى المجلسي عن أبي عبدالله أنه قال: «إذا خرج القائم لم يكن بينه وبين العرب وقريش إلا السيف»(2).
هذا دليل أنه سوف يقتل العرب وقريش هكذا بلا سبب، يخرج يقتل فقط، فهو متعطش لسفك الدماء، هذا هو العدل الذي يقصده الشيعة والذي سيملأ الأرض عدلًا أي (قتلًا).تطهير عرقي لا غير.
__________
(1) بحار الأنوار (52/353).
(2) بحار الأنوار (52/355).(91/91)
وفي نفس المصدر بحار الأنوار (52/354) عن أبي جعفر يقول: «لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحب أكثرهم أن لا يروه مما يقتل من الناس، أما إنه لا يبدأ إلا بقريش فلا يأخذ منها إلا السيف ولا يعطيها إلا السيف، حتى يقول كثير من الناس: ليس هذا من آل محمد، ولو كان من آل محمد لرحم».
وكذلك الأموات لا ينجون من عذاب هذا المنتقم، فإنه يخرجهم من قبورهم فيعذبهم ويضرب أعناقهم -كما مر معنا- يروي المفيد عن أبي عبدالله عليه السلام: «إذا قام القائم من آل محمد عليهم السلام أقام خمسمائة من قريش فضرب أعناقهم، ثم خمسمائة أخر، حتى يفعل ذلك ست مرات»(1).
هذه وباختصار شديد عقيدة الشيعة في مهديهم السفاح... فأي هداية ورشاد تُرجى من هؤلاء الشيعة؟!!
* ... * ... *
[الموضع العاشر]
قال رحمه الله في (ص:210) من المجلد السابع-الجزء الرابع عشر-عند تفسير قوله تعالى: ((ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)) [النحل:69].
«ومن لطيف النوادر ما في الكشاف: أن من تأويلات الشيعة أن المراد بالنحل في الآية علي وآله. وعن بعضهم أنه قال عند المهدي: إنما النحل بنو هاشم يخرج من بطونهم العلم، فقال له رجل: جعل الله طعامك وشرابك أضحوكة من أضاحيكهم.
قلت: الرجل الذي أجاب الرافضي هو بشار بن برد. وهذه القصة مذكورة في أخبار بشار».
أقول: هذه واحدة من تأويلات الشيعة وتلاعبهم بآيات القرآن الكريم، ووصمهم آل البيت بأبشع الأوصاف مما هذا عنده تشريف!! فإليك بعضًا منها في تفاسيرهم وكتبهم ومصادرهم المعتمدة:
__________
(1) كتاب الإرشاد (ص:364) وبحار الأنوار (52/338).(91/92)
يؤول الشيعة كثيرًا من آيات القرآن بالإمامة والأئمة، وتأويلاتهم في ذلك تربو على الحصر، وكأن القرآن لم ينزل إلا فيهم، ولقد تجاوزوا في هذه الدعاوى كل معقول، وأسفّوا في تأويلاتهم إلى ما يشبه هذيان المعتوهين حتى قالوا:
إن النحل في قوله سبحانه: ((وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ)) [النحل:68] هم الأئمة، وروى القمي بإسناده إلى أبي عبد الله قال: «نحن النحل التي أوحى الله إليها ((أَنْ اتَّخِذِي مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتاً)) [النحل:68] أمرنا أن نتخذ من العرب شيعة ((وَمِنْ الشَّجَرِ)) [النحل:68] يقول: من العجم ((وَمِمَّا يَعْرِشُونَ)) [النحل:68] يقول: من الموالي..»(1).
وجمع المجلسي رواياتهم في هذا المعنى في باب بعنوان: «باب نادر في تأويل النحل بهم عليهم السلام »(2)، كما جاء بروايات تقول: «إن الأئمة هم الماء المعين، والقصر المشيد، والسحاب والمطر والفواكه، وسائر المنافع الظاهرة»(3).
وفي الباب الذي عقده بعنوان: «باب تأويل الأيام والشهور بالأئمة»(4) جاء فيه:
«نحن الأيام؛ فالسبت اسم رسول الله، والأحد كناية عن أمير المؤمنين، والإثنين: الحسن والحسين، والثلاثاء علي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، والأربعاء موسى بن جعفر، وعلي بن موسى ومحمد بن علي وأنا، والخميس، ابني الحسن بن علي، والجمعة ابن ابني..»(5).
ومن الطريف أن بعض الأيام حظيت في أخبار الشيعة بالذم كيوم الإثنين(6)، فهل يتوجه هذا الذم إلى بعض الأئمة؛ لأن الأئمة هم الأيام؟!
__________
(1) تفسير القمي (1/387).
(2) بحار الأنوار (24/110-113).
(3) انظر: بحار الأنوار (24/100-110).
(4) بحار الأنوار (24/238-243).
(5) البحار (24/239)، الصدوق/ الخصال (ص:395-396)، والنص منسوب لإمامهم العاشر علي الهادي.
(6) انظر: سفينة البحار (1/137).(91/93)
ويروي جابر الجعفي قال: سألت أبا جعفر عن تأويل قول الله عز وجل: ((إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ)) [التوبة:36] قال: فتنفس سيدي الصعداء ثم قال: «يا جابر، أما السنة فهي جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهورها اثنا عشر شهرًا فهو أمير المؤمنين إلي(1)،وإلى ابني جعفر، وابنه موسى، وابنه علي، وابنه محمد، وابنه علي، وإلى ابنه الحسن، وإلى ابنه محمد الهادي المهدي اثنا عشر إمامًا... والأربعة الحرم الذين هم الدين القيم أربعة منهم يخرجون باسم واحد: علي أمير المؤمنين رضي الله عنه، وأبي علي بن الحسين، وعلي بن موسى، وعلي بن محمد، فالإقرار بهؤلاء هو الدين القيم: ((فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)) [التوبة:36] أي: قولوا بهم جميعًا تهتدوا»(2).
والبعوضة (وهي حشرة صغيرة معروفة) ورد ذكرها في سورة البقرة [الآية: 26.].هي علي عندهم(3).
ولفظ (الذباب) يؤوَّل بعلي في تفسير الشيعة(4)، كما أولوا البعوضة وحاول بعضهم أن يلطف من هذا التأويل، فزعم أنه ذباب العسل(5)، وفاته أنهم يؤولون به قوله سبحانه: ((إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوْ اجْتَمَعُوا لَهُ)) [الحج:73].
وما أدري ما السر في إطلاق أسماء أحطِّ الحشرات على أمير المؤمنين علي رضي الله عنه من طائفة تزعم محبته والتشيع له؟!
فقد وصموه بما يلي:
__________
(1) أي هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومن بعده من الأئمة حتى يصل إليّ، المجلسي - بحار الأنوار (24/240).
(2) الطوسي/ الغيبة (ص:96)، ابن شهر آشوب/ مناقب آل أبي طالب (1/244)، بحار الأنوار (24/240)، البرهان (2/122-123)، نور اليقين (2/214-215)، اللوامع النورانية (ص:141).
(3) تفسير القمي (1/35)، البرهان (1/70).
(4) انظر: مرآة الأنوار (ص:150).
(5) نفس الموضع من المصدر السابق.(91/94)
1) علي عند الشيعة (هو دابة الأرض) في قوله تعالى: ((وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنْ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ)) [النمل:82] (1).
2) علي عند الشيعة (بئر)(2).
3) علي عند الشيعة هو(البحر) في قوله تعالى: ((مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ)) [الرحمن:19] (3).
4) علي عند الشيعة هو (الساعة) في قوله تعالى: ((بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ)) [الفرقان:11] (4).
هذه أوصاف أمير المؤمنين (علي بن أبي طالب) رضي الله عنه عند هؤلاء الشيعة وهم يزعمون حبه واتباعه -كذبوا- وقد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر، وتاريخهم الفعلي مع آل البيت أشد وأشنع.
والحمد لله الذي هدانا للإسلام وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وجعلنا من أهل التوحيد الذين يعبدون الله على بصيرة وعلم.
* ... * ... *
الخاتمة
__________
(1) انظر: كتاب الرجعة للأحسائي (ص:201) فصل في ذكر بعض ما جاء في رجعة أمير المؤمنين-صلوات الله عليه-وأنه دابة الأرض. وانظر: تفسير العياشي لمحمد بن مسعود العياشي (1/384) وانظر: تفسير القمي لعلي بن إبراهيم القمي (2/130) وانظر: تفسير فرات لفرات بن إبراهيم الكوفي (ص:373). وانظر: تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي (7/405). وانظر: التفسير الصافي للفيض الكاشاني (4/74).
(2) انظر: تفسير القمي (2/85) وأصول الكافي (1/427)... عند تفسير آية الحج رقم:45.
(3) انظر: تفسير القمي (2/344) وتفسير فرات (ص:177) والصافي (5/109).
(4) انظر: الغيبة للنعماني (ص:54) ومرآة الأنوار (ص:182).(91/95)
وبعد... فإني أرجو أن يكون قد استبان موقف شيخ الإسلام العلامة (محمد الطاهر ابن عاشور) رحمه الله من الشيعة، وذلك من خلال عرضنا لأقواله رحمه الله في تفسيره الكبير (التحرير والتنوير)، وكذا من خلال أقواله فيما أشرنا إليه من بعض كتبه، والتي يتبين فيها موقفه رحمه الله -وبكل صراحة ووضوح- من الشيعة ومعتقداتهم المخالفة لكتاب الله تعالى وصحيح سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأقوال أئمة آل البيت الموافقة لكتاب الله تعالى وهدي جدِّهم النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
وإني هنا: أدعو كل مسلم لعرض أقوال وأفعال ومعتقدات الشيعة على كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ليرى البون الشاسع والمخالفات في المعتقد، لتستبين السبيل وليعلم الدليل.
كما أني قد عرضت أقوال علمائنا وفقهائنا السادة المالكية في الشيعة ليُعْلَمَ أن المتقدمين منهم يوافقون شيخنا (الطاهر ابن عاشور) المتأخر؛ في ذم عقائد الشيعة في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وأزواجه وأصحابه، وما في معتقداتهم من شرك وزندقة وإلحاد وكفر بالله تعالى.
وعليه فإني أرجو أن أكون قد أسهمت في بيان معتقدات الشيعة وموقف علمائنا منهم، ليتضح الأمر عند العامة والخاصة من أبناء تونس الغالية -والمغرب العربي عامة- فلا يغتر مغتر بهالات الشيعة وإشاعاتهم وتلبيسهم على العامة، بل وبعض الخاصة.
فرحم الله شيخنا العلامة الكبير (الطاهر ابن عاشور) وأجزل له الأجر والمثوبة على جهوده في بيان الإسلام الصحيح، والتحذير من الدخيل على الدين من بدع المبتدعين وضلالات المضلين، الذين نبذوا كتاب الله خلفهم ظهريًا، واتخذوا من أهوائهم دينًا يحادُّون بها دين الله الذي أرسل به رسوله صلى الله عليه وسلم.
((اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ)) [الأعراف:3].
* ... * ... *
فهرس الموضوعات(91/96)
الإهداء ... 7
المقدمة ... 8
ترجمة حياته / ... 10
آل عاشور: ... 10
مولده ونشأته (1879-1973م): ... 10
مسيرته الدراسية والعلمية: ... 11
شيوخه: ... 12
إصلاحاته ورؤيته للإصلاح: ... 13
تطور العلوم: ... 14
المسيرة النضالية: ... 15
كتاباته ومؤلفاته: ... 17
مدخل وفيه التعريف بفرقة الشيعة الإمامية الاثني عشرية ... 20
أهم عقائدهم التي خالفوا فيها الإسلام وأهله: ... 20
إمام الشيعة ومرجعهم الديني (الخميني) في ميزان العلماء!! ... 23
معتقدات الخميني في أئمته: ... 23
تطاول خميني على الأنبياء والرسل: ... 24
موقف علماء السنة من أقوال الخميني: ... 25
علماء وفقهاء السادة المالكية.. والشيعة!! ... 30
موقف إمام دار الهجرة من الشيعة: ... 30
موقف القاضي عياض المالكي / (544هـ): ... 32
قول أبي بكر بن العربي المالكي / (543هـ): ... 32
ذم الشيعة والحكم عليهم من الكتب المالكية المشهورة: ... 32
تونسي يتشيع لمصالحه... ويأتي بالعجائب! ... 36
طعن الشيعة في علماء السنة ... 37
طعن الشيعة في الأئمة الأربعة عند أهل السنة: ... 37
طعنهم في الإمامين البخاري ومسلم: ... 40
كيف ينظر الشيعة لأهل السنة والجماعة؟؟ ... 41
ماذا يعني لفظ الناصب عند الشيعة الإثني عشرية: ... 41
نجاسة أهل السُّنّة عند الشيعة: ... 42
حكم من لا يقول بإمامة الأئمة الاثني عشر عند الشيعة ... 43
جواز اغتياب المخالفين ... 46
كتاب (التحرير والتنوير) للطاهر ابن عاشور ... 48
الطاهر ابن عاشور والشيعة ... 49
موقف ابن عاشور من الشيعة في كتابه (التحرير والتنوير) ... 51
[الموضع الأول] ... 51
زَعْم الشيعة الاثني عشرية وجوب لعن الشيخين والبراءة منهما: ... 51
[الموضع الثاني] ... 57
[الموضع الثالث] ... 61
[الموضع الرابع] ... 63
[الموضع الخامس] ... 64
[الموضع السادس] ... 66
طعن الشيعة في أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ... 68(91/97)
أولاً: ادعاء الشيعة كفرها وعدم إيمانها: ... 68
ثانيًا: الشيعة الإثنا عشرية ينسبون الصديقة إلى الفاحشة: ... 70
[الموضع السابع] ... 77
[الموضع الثامن] ... 79
أولاً: دعوى الشيعة الاثني عشرية ارتداد الصحابة: ... 79
ثانيًا: دعوى الشيعة الاثني عشرية نفاق أكثر الصحابة: ... 82
[الموضع التاسع] ... 85
[الموضع العاشر] ... 89
الخاتمة ... 92
فهرس الموضوعات ... 93
* ... * ... *(91/98)
تأملات في كتاب نهج البلاغة
مقدمة :
الحمد لله وحده والصلاة السلام على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم :
أيها القارئ الكريم : لا يخفى عليك واقع الأمة الإسلامية من حيث ضعفها وانقساماتها وكثرة ما يحيط بها من فتن وبلايا ، وأسباب الضعف كثيرة من أهمها : كثرة الاختلافات في الأمة الإسلامية ، فتجد الانقسامات في الفرق ( أهل السنة والجماعة والإثني عشرية والإسماعيلية والخوارج وغيرها ) وتجد أصحاب المذهب الواحد بينهم من الاختلافات والانقسامات لا يعلمها إلا الله وعلى سبيل المثال : الإثنا عشرية منهم أصولية وإخبارية وشيخية وكل فرقة وطائفة تجد داخلها من الاختلافات ما لا يعلمه إلا الله ، وعند أهل السنة كذلك ومع كثرة الاختلافات قل أن تجد من يسعى للإصلاح وجمع الكلمة مع كثرة ما ورد من النصوص الشرعية من الأمر بالإصلاح واجتماع الكلمة ووحدة الصف اتجاه العدو لقوله تعالى : ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ) بل تجد لغة الحوار والخطاب مفقودة فإذا كتب كاتب كتابا أو رسالة موجهة لخصمه اشتد في غيرته وغمط الآخرين حقهم وتجد القارئ الذي وجهت له الرسالة يقرأ ذلك الكتاب والبحث وهدفه الرد والطعن في المؤلف وقل أن تجد من يتقبل الرسالة ويطالعها بعقل ويبحث في أسطرها عن الحق أو على الأقل يبحث عن عيوبه لكي يقوم بإصلاحها ولعل من أسباب ذلك انعدام لغة الحوار الشرعية وحب الظهور وقلة الإخلاص وعيوبنا كثيرة والله المستعان .(92/1)
أيها القارئ الكريم : الرسالة التي بين يديك مختصرة جدا ولكنها في غاية الأهمية إذ فيها ارتقاء بلغة الحوار والطرح وهذا أسلوب نفتقده ونحن بأمس الحاجة إليه وفيها صدق المعلومة وتوثيقها من غير مبالغة أو استفزاز أو استثارة وقد حرص المؤلف جزاه الله خيرا على الاختصار وسهولة العبارة وبيان أنه يمكن للباحثين الجادين الذين يريدون التقريب بين المذاهب الموافقة لكتاب الله وسنة رسوله بوجود الحقائق في الكتب المعتمدة لديهم أو من خلال إبرازها والتمسك بها يتم تقريب شقة الخلاف.
أيها القارئ الكريم : لا تعجل في الحكم وعليك أن تقرأ وتتمهل في الاطلاع والقراءة ولا تتأثر بالروايات التي تخالف العقل والفطرة السليمة لأنها من أهم أسباب الفرقة بين الأمة .
ومعذرة على الإطالة وإلى رسالة أخرى تخدم وحدة الأمة الإسلامية وتزيل الغشاوة عن الأبصار.
صالح بن عبدالله الدرويش : القاضي بالمحكمة الكبرى بالقطيف
...
تأملات في كتاب نهج البلاغة
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه إلى يوم الدين وبعد :
فإن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله الطيبين واجبة على المسلمين دون غلو، وعلى المسلم التمسك بما ثبت في فضائلهم في الكتاب و السنة الصحيحة ، ورفض الروايات التي لا أساس لها ولا سند ، والمدسوسة في كثير من المرويات . وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتعبد الله تعالى في صلاتنا بالصلاة والسلام على محمد وآل محمد قبل التسليم . وأن نقول كما ثبت في الصحيح ( اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد )[1] . وقال صلى الله عليه وسلم : ( أذكركم الله في أهل بيتي )[2] .
نعمة العقل :(92/2)
لقد فضل الله تعالى الإنسان على الحيوان بنعمة العقل وجعل التكليف ساقطا عمن فقد هذه النعمة ، لعدم مقدرته على التمييز ، قال تعالى : { وهديناه النجدين } [3] ، وقال تعالى : { إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا } [4].
ولقد بشر الله تعالى أهل العقل والفهم في كتابه الكريم ، فقال : { والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشرعباد . الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب } [5]، وقال تعالى : { وإلاهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم .إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيى به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون }[6] .
إن العقل أحد مصادر التشريع عند الشيعة ، قال زين الدين العاملي الملقب بالشهيد الثاني:( والأصول الأربعة الكتاب والسنة والإجماع والعقل )[7].
وفي الكافي أن رسول الله قال : ( ما قسم الله للعباد شيئا أفضل من العقل ) [8] ، وفي الكافي أيضا ( سمعنا أبا عبد الله يقول لا غنى أخصب من العقل ) [9] ، وفيه أيضا ( عن ابن السكيت أنه قال للرضا : فما الحجة على الخلق اليوم ؟ فقال الرضا: العقل تعرف به الصادق على الله فتصدقه والكاذب على الله فتكذبه ، فقال ابن السكيت هذا هو والله الجواب ) [10] .
إذن فعلينا أن نفكر ، وندع عقولنا تعمل فإن من عيوبنا قلة البحث والقراءة والذي لا يقرأ يعير عقله غيره فلا تجده يفكر وللأسف الشديد فإن تلقينا العلم والدين بالوراثة فهي المصدر.
أيها القارئ الكريم : حسبك الروايات السابقة لكي تفكر وتهتم بعمل العقل في كل ما يعرض عليك.
مكانة نهج البلاغة:(92/3)
قال عنه أحد أكبر علماء الشيعة المعاصرين ، الهادي كاشف الغطاء في كتابه مستدرك نهج البلاغة : ( بأن كتاب نهج البلاغة أو ما اختاره العلامة ابوالحسن محمد الرضا . من كلام مولانا أمير المؤمنين .....من أعظم الكتب الإسلامية شأنا - إلى أن قال - نور لمن استضاء به ، ونجاة لمن تمسك به ، وبرهان لمن اعتمده ، ولب لمن تدبره [11]. وقال أيضا ( إن اعتقادنا في كتاب نهج البلاغة أن جميع مافيه من الخطب والكتب والوصايا والحكم والآداب حاله كحال ما يروى عن النبى ص وعن أهل بيته في جوامع الأخبار الصحيحة والكتب المعتبرة ) [12].
وقال عن نهج البلاغة شرح محمد عبده ( أحد شيوخ الأزهر بمصر ) :
( ومن أفاضل شراحه العلامة الشيخ محمد عبده فقد شرحه بكلمات وجيزة 00)[13]
وقال بعض علماء أهل السنة عن نهج البلاغة (... ألفه لهم الشريف الرضي وأعانه عليه أخوه المرتضى ، وطريقتهما في تأليفه أن يعمدا إلى الخطبة القصيرة المأثورة عن أمير المؤمنين فيزيدان عليها . . . . ، وإن الصحيح من كلام أمير المؤمنين في نهج البلاغة قد يبلغ عشره أو نصف عشره ، والباقي من كلام الرضي والمرتضى )[14] ؟ وقيل أيضا أن الذي ألفه هو الشريف المرتضى المتوفى سنة 436 هـ فبالرغم من هذه الشقة البعيدة من السنين بينهما وبين علي رضي الله عنه ، إلا أنهما يرويان عنه مباشرة بدون إسناد .
وقد انتهج مثل ذلك صاحب الكتاب المسمى ( مستدرك نهج البلاغه )؟! فكيف لهذا المعاصر[15] أيضا أن يروي عن علي رضي الله عنه الذي عاش في القرن الأول الهجري وهو قد عاش في القرن الرابع عشر بدون ذكر المصادر أو الإسناد ؟.وما يدرينا لعله بعد سنين أو قرون من الآن يأتي منهم من يروي عن على رضي الله عنه وبالطريقة نفسها !!.(92/4)
فبالرغم من مكانة هذا الكتاب عند الشيعة والمكانة التي يعطونها لعلى رضي الله عنه ومن ذلك أنه معصوم عن الكذب والخطأ والنسيان . وأنه إمام طاعته من طاعة الله ، إلا أنهم يخالفون ما في النهج من كلام نسبوه لعلي رضي الله عنه ولا يطيعونه ، فلماذا الشيعة يخالفون كتاب الله وسنة رسوله وقول إمامهم !! . وأمثلة هذه الدلائل على مخالفتهم ما في نهج البلاغة ما يلي :
أولا : أين النص الإلهي بالإمامة الذي يزعمونه ؟ وكيف لعلي رضي الله عنه أن يرفضها لو كان هناك نص ؟! :
1- ففى نهج البلاغة خطبة لعلي رضي الله عنه حينما دعوه إلى البيعة بعد مقتل عثمان رضي الله عنهما قال فيها : ( دعوني والتمسوا غيري ، فإنا مستقبلون أمرا له وجوه وألوان ، لا تقوم له القلوب ، ولا تثبت عليه العقول ... إلى أن قال : وإن تركتموني فأنا كأحدكم ، ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم ، وأنا لكم وزيرا خير لكم مني أميرا )[16] فلله العجب !
إذ لو كان أمر الإمامة أو الخلافة كما يصورها الشيعة بأنها نص إلهى في علي رضي الله عنه وأبنائه الإحدى عشر من بعده ، كما يذكر ذلك الكليني في الكافي : ( عن أبي عبد الله ع قال : إن الإمامة عهد من الله عز وجل معهود لرجال مسمين ليس للإمام أن يزويها عن الذي يكون بعده )[17] .
كيف يستطيع علي رضي الله عنه أن يقول دعوني والتمسوا غيري هل يتهم الشيعة الإمام علي رضي الله عنه بعصيان الله ؟ أين حبهم لعلي رضي الله عنه ؟ إن عليا رضي الله عنه عند أهل السنة من خيرة الصحابة ومن أكثرهم طاعة لله ، وإنه من المبشرين بالجنة ، لكننا نقول بأن عليا رضي الله عنه هنا ( وفي نهج البلاغة ) يقرر أن الخلافة يجوز أن تكون له أو لغيره ، ويقول نفسه عن نفسه أكون مقتدياً خيرا لي من أن أكون إماماً . فهو لا يرى الأمر كما يراه الشيعة .(92/5)
2 - وقال علي رضي الله عنه أيضا - حسب مارووا - في نهج البلاغة مخاطباً طلحة والزبير: ( والله ما كانت لي في الخلافة رغبة ، ولا في الولاية إربة ، ولكنكم دعوتموني إليها وحملتموني عليها )[18].
فهل يجوز بعد هذا لأحد أن يقول بأن هناك نصاً إلهياً وهذا علي رضي الله عنه يقول بأنه ليس له في الخلافة رغبة ؟ وأنهم حملوه عليها . فلو كان هناك نص لما رفض علي رضي الله عنه الخلافة ، و ما العمل وقد جعلوا من أنكر الإمامة كافراً.
قال الصدوق ( ابن بابويه القمي ) ! مصرحا ( إعتقادنا فيمن جحد إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والأئمة من بعده أنه كمن جحد جميع الأنبياء ، وإعتقادنا فيمن أقر بأمير المؤمنين وأنكر واحدا من بعده من الأئمة إنه بمنزلة من أقر بجميع الأنبياء ، ثم أنكر نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ) [19]. وقال الطوسي : ( ودفع الإمامة كفر ، كما أن دفع النبوة كفر لأن الجهل بهما على حد واحد ) [20].
3 - وفي نهج البلاغة أن علياً قال في وصف بيعته بالخلافة ( وبسطتم يدي فكففتها ، ومددتموها فقبضتها ، ثم تداككتم علي تداكُ الهيم على حياضها يوم وردها )[21]. فهذا الوصف منه يدل على أنه لم يقبل عليها وكان يتمنعها حتى أن لم يجد بدا من قبول بيعتهم له .
4 - وورد في نهج البلاغة قول علي رضي الله عنه وهو يذكر أمر الخلافة والإمامة : ( رضينا عن الله قضائه ، وسلمنا لله أمره ....... فنظرت في أمري فإذا طاعتي سبقت بيعتي إذ الميثاق في عنقي لغيري )[22] .
إذن أمر الله الذي سلم له علي : أن تكون الخلافة في أبي بكر ، فأين أمر الله بالخلافة والإمامة لعلي ؟!! .(92/6)
ويقول علي البحراني في منار الهدى ( ولما رأى ذلك تقدم إلى الصديق ، وبايعه المهاجرون والأنصار ، والكلام من فيه وهو يومئذ أمير المؤمنين وخليفة المسلمين ، لا يتقي الناس ، ولا يظهر إلا ما يبطنه لعدم دواعى التقية ، وهو يذكر الأحداث الماضية فيقول : ( فمشيت عند ذلك إلى أبى بكر ، فبايعته ، ونهضت في تلك الأحداث ... فتولى أبو بكر تلك الأمور فسدد ويسر وقارب واقتصد فصحبته مناصحا ، وأطعته فيما أطاع الله جاهدا )[23].
وكان علي رضي الله عنه ـ كما ذكر ـ مطيعا لأبي بكر ممتثلاً لأوامره فقد حدث أن وفداً من الكفار جاءوا إلى المدينة المنورة ، ورأوا بالمسلمين ضعفاً وقلة لذهابهم إلى الجهات المختلفة للجهاد واستئصال شأفة المرتدين والبغاة ، فأحس منهم الصديق خطراً على عاصمة إلإسلام والمسلمين ( فأمر الصديق بحراسة المدينة وجعل الحرس على أنقابها يبيتون بالجيوش ، وأمر عليا والزبير وطلحة وعبد الله بن مسعود أن يرأسوا هؤلاء الحرائر ، وبقوا كذلك حتى أمنوا منهم )[24].
ثانيا : علي رضي الله عنه يعلن ثناءه وحبه لإبي بكر وعمر وعثمان ويمدح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضى الله عنهم أجمعين : -(92/7)
1 - وورد في النهج أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه لما استشار عليا رضي الله عنه عند انطلاقه لقتال فارس وقد جمعوا للقتال ، أجابه : ( إن هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا قلة ، وهو دين الله تعالى الذي أظهره ، وجنده الذي أعده وأمده ، حتى بلغ مابلغ وطلع حيثما طلع ، ونحن على موعد من الله تعالى حيث قال عز اسمه { وعد الله الذين آمنوا } وتلى الآية ، والله تعالى منجز وعده وناصر جنده ، ومكان القيم بالأمر في الإسلام مكان النظام من الخرز فإن انقطع النظام تفرق الخرز ، ورب متفرق لم يجتمع ، والعرب اليوم وإن كانوا قليلاً فهم كثيرون بالإسلام عزيزون بالإجتماع ، فكن قطباً ، واستدر الرحى بالعرب وأصلهم دونك نار الحرب ، فإنك إن شخصت من هذه الأرض انقضت عليك من أطرافها وأقطارها ، حتى يكون ما تدع وراءك من العورات أهم إليك مما بين يديك . إن الأعاجم إن ينظروا إليك غداً يقولوا : هذا أصل العرب فإذا قطعتموه استرحتم ، فيكون ذلك أشد لكَلَبِهم عليك وطمعهم فيك . فأما ماذكرت من مسير القوم إلى قتال المسلمين فإن الله سبحانه وتعالى هو أكره لمسيرهم منك ، وهو أقدر على تغيير ما يكره . وأما ماذكرت من عددهم فإنا لم نكن نقاتل فيما مضى بالكثرة ، وإنما كنا نقاتل بالنصر والمعونة )[25]. انتهى بلفظه . فتدبر منصفاً لهذا الثناء والحب والخوف على عمر من علي رضي الله عنه فأين ذلك كله ممن يكفر عمر رضي الله عنه ويسبه .(92/8)
2 - وأيضا في النهج لما استشار عمر بن الخطاب عليا رضى الله عنهما في الخروج إلى غزوة الروم ، قال : ( وقد توكل الله لهذا الدين بإعزاز الحوزة ، وستر العورة ، والذي نصرهم وهم قليل لا ينتصرون ، ومنعهم وهم قليل لا يمتنعون ، حي لا يموت ، إنك متى تسر إلى هذا العدو بنفسك ، فتلقهم فتنكب ، لاتكن للمسلمين كانفة دون أقصى بلادهم ، ليس بعدك مرجع يرجعون إليه . فابعث إليهم رجلاً مجرباً ، واحفز معه أهل البلاء وإلنصيحة ، فإن أظهر الله فذاك ما تحب ، وإن كانت الأخرى ، كنت ردْءاً للناس ومثابة للمسلمين )[26].
تأمل يا أخي المسلم والمنصف قوله كنت ردءا للناس ومثابة للمسلمين فلوكان عمر رضي الله عنه كافراً مرتداً لم يقل علي ردءا للناس ومثابة للمسلمين فهل علي رضي الله عنه كان يقول كلاما لا يعتقده أم أنها الحقيقة التي عميت على أهل الأهواء؟؟؟!! .
3 - وأورد المرتضى في النهج عن علي رضي الله عنه من كتابه الذي كتبه إلى معاوية رضي الله عنهما : ( إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان ، على مابايعوهم عليه ، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد ، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار ، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضى فإن خرج منهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ماخرج منه فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين ، وولاه الله ما تولى )[27].(92/9)
وهنا يستدل الإمام على رضي الله عنه على صحة خلافته وانعقاد بيعته بصحة بيعة من سبقه ، وهذا يعني بوضوح أن عليا رضي الله عنه كان يعتقد بشرعية خلافة أبى بكر وعمر وعثمان ، كما يذكر في هذا النص الواضح في معناه والذي كتبه إلى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ، بأن الإمامة والخلافة تنعقد باتفاق المسلمين واجتماعهم على شخص ، وخاصة في العصر الأول باجتماع الأنصار والمهاجرين فإنهم اجتمعوا على أبى بكر وعمر ، فلم يبق للشاهد أن يختار ، ولا للغائب أن يرد .
4 - وفى النهج أيضا - عن علي رضي الله عنه (لله بلاء فلان [28] لقد قوم الأود[29]، وداوى العمد[30] ، وأقام السنة ، وخلف البدعة ، وذهب نقي الثوب ، قليل العيب ، أصاب خيرها واتقى شرها ، أدى لله طاعة واتقاه بحقه ، رحل وتركهم في طرق متشعبة لا يهتدي إليها الضال ، ولا يستيقن المهتدي )[31] . وقد حذف الشريف صاحب النهج حفظا لمذهبه لفظ (أبي بكر أو عمر ) وأثبت بدله (فلان ) ، ولهذا الإبهام اختلف الشراح فقال البعض هو أبو بكر والبعض عمر ، ورجح الأكثر الأول وهو الأظهر ، فقد وصفه من الصفات بأعلى مراتبها فناهيك به وناهيك بها ، وغاية ما أجابو أن هذا المدح كان من الإمام لاستجلاب قلوب الناس لإعتقادهم بالشيخين أشد الإعتقاد ولايخفى على المنصف أن فيه نسبة الكذب لغرض دنيوي مظنون الحصول ، بل كان اليأس منه حاصلا قاطعا ، وفيه تضييع غرض الدين بالمرة ، فحاشا لمثل الإمام أن يمدح مثلهما [32]، لو كانا كما يزعمون ، وأيضا أية ضرورة تلجأه إلى هذه التأكيدات والمبالغات ؟ وأيضا في هذا المدح العظيم الكامل تضليل الأمة وترويج الباطل ، وذلك محال من المعصوم - حسب اعتقاد الشيعة - بل كان الواجب عليه بيان الحال لما بين يديه ، فانظر وأنصف .(92/10)
وقد احتار الإمامية الإثنا عشرية بمثل هذا النص ، لأنه في نهج البلاغة وما في النهج عندهم قطعي الثبوت ، وصور شيخهم ميثم البحراني[33] ذلك بقوله : (واعلم أن الشيعة قد أوردوا هنا سؤالا فقالوا : إن هذه الممادح إلتي ذكرها . في حق أحد الرجلين تنافي ما أجمعنا عليه من تخطئتهما وأخذهما لمنصب الخلافة ، فإما أن لا يكون هذا الكلام من كلامه رضي الله عنه ، وإما أن يكون إجماعنا خطأ ) . ثم حملوا هذا الكلام على التقية وأنه إنما قال هذا المدح - من أجل ( استصلاح من يعتقد صحة خلافة الشيخين . واستجلاب قلوبهم بمثل هذا الكلام )[34] . أى : إن عليا رضي الله عنه - في زعمهم - أظهر لهم خلاف ما يبطن ! ونحن نقول أن قول علي رضي الله عنه هو الحق والصدق ، وهو الذي لا يخاف في الله لومة لائم [35].
5 – وأيضا فقد زوج الإمام علي رضي الله عنه ابنته أم كلثوم عمر بن الخطاب رضي الله عنه (فروع الكافي كتاب الطلاق باب المتوفى عنها زوجها 6/115-116).
وأيضا سمى الإمام أولاده بأسماء الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم (كشف الغمة للأربلي والإرشاد للمفيد)
6- وجاء في نهج البلاغة على لسان علي بخصوص عثمان رضي الله عنهما ( والله ما أدري ما أقول لك ؟ ما أعرف شيئا تجهله ، ولا أدلك على أمر لا تعرفه ، إنك لتعلم ما نعلم ما سبقناك إلى شيئ فنخبرك عنه ولا خلونا بشيء فنبلغكه ، وقد رأيت كما رأينا وسمعت كما سمعنا وصحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما صحبنا وما ابن قحافة ولا ابن الخطاب بأولى لعمل الحق منك وأنت أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشيجة رحم منهما وقد نلت من صهره مالم ينالا )[37].(92/11)
فانظر هذا المدح والثناء على عثمان من علي رضي الله عنهما وانظر إلى قوله : ( وما ابن قحافة ولا ابن الخطاب ، بأولى لعمل الحق منك ) فهذه شهادة علي بأن أبابكر وعمركانا على الحق وعملا به وليسا بأولى من عثمان في ذلك فهو لعمل الحق أهل ، فأين هذا من سب من يدعون حب علي ؟ وهل اتبعوا الإمام أم خالفوه ؟! .
7 - وجاء أيضا في أحد شروحهم لنهج البلاغة : ( ولما حوصر عثمان رضي الله عنه في بيته قام علي بالدفاع عنه بيده ولسانه)[38].
8 - وورد في في نهج البلاغة خطبة على رضي الله عنه والتي تدور حول مدح وثناء على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ونعرض هنا جزءاً منها : ( لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فما أرى أحدا يشبههم منكم لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً وقد باتوا سجداً وقياماً يراوحون بين جباههم ويقبضون على مثل الجمر من ذكر معادهم كأن بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم ، إذا ذكر الله همرت أعينهم حتى ابتلت جيوبهم ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف خوفا من العقاب ورجاءا للثواب )[39].
9 – وقال أيضا مادحا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (وفي نهج البلاغة ؟!) : ( أين القوم الذين دعوا إلى الإسلام فقبلوه وقرأو القرآن فأحكموه ، وهيجوا إلى القتال فَوَلِهُوا وَلَهَ اللقاح إلى أولادها ، وسلبوا السيوف أغمادها وأخذوا بأطراف الأرض زحفاً زحفاً ، وصفاً صفاً ، بعض هلك ، وبعض نجا ، لا يبشرون بالأحياء ، ولا يعزون بالموتى ، مر العيون من البكاء خمص البطون من الصيام ، ذبل الشفاه من الدعاء ، صفر الألوان من السهر ، على وجوههم غبرة الخاشعين ، أولئك أخواني الذاهبون ، فحق لنا أن نظمأ إليهم ونعض الأيدي على فراقهم )[40].(92/12)
10 - وهاهو نهج البلاغة مليء من منع علي لأصحابه من السب والشتم والتكفير والتفسيق ، وحتى لمقاتليه في حرب صفين ، وعنوان الخطبة ( ومن كلام له عليه السلام وقد سمع قوما من أصحابه يسبون أهل الشام أيام حربهم في صفين ) : ( إني أكره لكم أن تكونوا سبابين ، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم ، كان أصوب في القول ، وأبلغ في العذر ، وقلتم مكان سبكم إياهم : ( اللهم احقن دماءنا ودماءهم ، وأصلح ذات بينا وبينهم ، واهدهم من ضلالتهم حتى يعرف الحق من جهله ، ويروي عن الغي والعدوان من لهج به )[41].
11 - وجاء في نهح البلاغة ،كتاب علي رضي الله عنه إلى الأمصار يذكر فيه ما جرى بينه وبين أهل صفين ( وكان بدء أمرنا أنا التقينا والقوم من أهل الشام ، والظاهر أن ربنا واحد ، ودعوتنا في الإسلام واحدة ، ولا نستزيدهم في الإيمان بالله ، والتصديق برسوله ولا يستزيدوننا ، والأمر واحد إلا ما اختلفنا فيه من دم عثمان ونحن منه براء)[42].
إن علياً رضي الله عنه لم يكفر أحداً ممن قاتله حتى ولا الخوارج ، ولا سبا ذرية أحد منهم ، ولا غنم ماله ، ولا حكم في أحد ممن قاتله بحكم المرتدين كما حكم أبو بكر وسائر الصحابة في بني حنيفة وأمثالهم من المرتدين ، بل كان يترضى . عن طلحة والزبير وغيرهما ممن قاتلهم ، ويحكم فيهم وفي أصحاب معاوية ممن قاتلهم بحكم المسلمين ، وقد ثبت بالنقل الصبحيح أن مناديه نادى يوم الجمل لايتبع مدبر ، ولا يجهز على جريح ولا يغنم مال [43] . واستفاضت الآثار أنه كان يقول عن قتلى معاويه : إنهم جميعا مسلمون ليسوا كفارا ولا منافقين [44]. وهذا ثبت بنقل الشيعة نفسها ، فقد جاء في كتبهم المعتمده عندهم ( عن جعفر عن أبيه أن عليا - عليه السلام - لم يكن ينسب أحدا من أهل حربه إلى الشرك ولا إلى النفاق ، ولكنه يقول : هم بغوا علينا )[45] .(92/13)
ثالثا : - علي رضي الله عنه يذم الذين ادعوا التشيع له وخالفوا أوامره من شيعة الكوفة :
وقد وردت في نهج البلاغة نصوص كثيرة نذكر بعضها :
1 - ( لو ددت أن معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم فأخذ مني عشرة منكم وأعطاني رجلا منهم ، يا أهل الكوفة منيت منكم بثلاث واثنتين صمٌ ذوو أسماع وبكم ذوو كلام وعمي ذوو إبصار )[46].
2 - وفي النهج قوله : ( اللهم إني مللتهم وملوني وسئمتهم وسئمونى فأبدلني بهم خيرا منهم ، وأبدلهم بي شرا مني ....) [47].
3 - وفي النهج قوله يذم أهل الكوفة : (يا أشباه الرجال ولا رجال ! حلوم الأطفال ، وعقول ربات الحجال ، لوددت أني لم أركم ولم أعرفكم معرفة - والله - جرَّت ندماً ، وأعقبت سدما. قاتلكم الله لقد ملأتم قلي قيحا ، وشحنتم صدري غيظا ، وجرعتمونى نغب التًّهمَام أنفاساً ، وأفسدتم علي رأيي بالعصيان والخذلان ) [48] .
إن سيرة علي رضي الله عنه وأفعاله وأقواله الثابتة عنه تختلف عن أقوال وأفعال بعض المدعين محبته ، لقد خالفوا أوامره حتى قال فيهم مثل هذا الكلام مرات عدة ، ولا زال المدعون التشيع له يفعلون ما يغضب علي ، وهو براء مما يفعلون .
رابعا: - علي رضي الله عنه ينهى عن الغلو :
1 - وفي نهج البلاغة : ( وقال علي رضي الله عنه بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم ، مخاطبا إياه : لولا أنك أمرت بالصبر ونهيت عن الجزع لأنفدنا عليك ماء الشؤون ) [49] .
2 - وذكر في نهج البلاغة أيضا أن عليا رضي الله عنه قال : ( من ضرب يده على فخذه عند مصيبته حبط أجره )[50].
قال تعالى : { والصابرين في السراء والضراء وحين البأس } . وقال تعالى : { وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنالله وإنا إليه رأجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون } .(92/14)
هل أئمة الشيعة يرضون ويقبلون ما يفعله عوام والمنتسبون للعلم منهم ؟؟وهل الأئمة أمروا بالأحزان في أيام عاشوراء وغيرها ؟
3 - وجاء فى نهج البلاغة أن علي بن أبي طالب قال : ( وسيهلك في صنفان : محب مفرط يذهب به الحب إلى غير الحق ، ومبغض مفرط يذهب به البغض إلى غير الحق ، وخير الناس في حالا النمط الأوسط فالزموه ، والزموا السواد الأعظم بأن يد الله على الجماعة ، وإياكم وا لفرقة ) [51].
4 - وجاء في نهج البلاغة - ما يخالف ، اعتقادهم في عصمة الأئمة - حيث قال أمير المؤمنين -كما يروي صاحب النهج : ( لا تخالطوني بالمصانعة ، ولاتظنوا بي استثقالا في حق قيل لي ، ولا التماس إعظام النفس، بأنه من استثقل الحق أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه ، كان العمل بهما أثقل عليه ، فلا تكفوا عن مقالة بحق ، أو مشورة بعدل ، فإني لست في نفسي بفوق أن أخطئ ولا آمن ذلك من فعلي )[52]. وفي نهج البلاغة أيضا كان علي رضي الله عنه يوصي ابنه الحسن رضي الله عنه حيث قال : (..... فإن أشكل عليك من ذلك فاحمله على جهالتك به فإنك أول ما خلقت جاهلا ثم علمت وما أكثر ما تجهل من الأمر ويتحير فيه رأيك ويضل فيه بصرك ثم تبصره بعد ذلك)(نهج البلاغة شرح محمد عبده 2/578 ط مؤسسة المعارف بيروت) فهذا علي لاينفي عن نفسه الخطأ فكيف يقول علماؤهم لايجوز على الأئمة الخطأ والسهو والنسيان ؟.
وكان علي رضي الله عنه يناجي ربه بهذا الدعاء - كما يروي صاحب النهج ( اللهم اغفر لي ما أنت أعلم به مني فإن عدت فعد علي بالمغفرة ، اللهم اغفر لي ما وأيت[53] من نفسي ولم تجد له وفاء عندي ، اللهم اغفر لي ما تقربت به إليك بلساني ثم خالفه قلبي ، اللهم اغفر لي رمزات الألحاظ وسقطات الألفاظ وسهوات الجنان وهفوات اللسان [54].
فهذا علي يدعوا الله بأن يغفر ذنوبه من السهو وغيره، فهل هذا ينافي العصمة ؟!.(92/15)
ومعني العصمة عند الشيعة يختلف بحسب أطوار التشيع وتطوراته ، وقد استقر على ما قرره شيخ الشيعة ـ في زمنه ـ المجلسي صاحب بحار الأنوار ـ المتوفى سنة (1111هـ) ـ في قوله : (( إعلم أن الإمامية اتفقوا على عصمة الأئمة ـ عليهم السلام ـ من الذنوب ـ صغيرها وكبيرها فلا يقع منهم ذنب أصلا لا عمدا ولا نسيانا ولا لخطأ في التأويل ولا للإسهاء من الله ))[55].
فالمجلسي يسبغ على أئمته العصمة من كافة الأوجه المتصورة ، العصمة من المعصية كلها ـ صغيرة أو كبيرة ـ العصمة من الخطأ ، والعصمة من السهو والنسيان .
5 - وجاء في نهج البلاغة عن علي رضي الله عنه أنه قال : ( أوصيكم بتقوى الله الذي ألبسكم الرياش [56]وأسبغ عليكم المعاش ، فلو أن أحدا يجد إلى البقاء سُلًّمَا أو لدفع الموت سبيلاً لكان ذلك سليمان بن داود )[57].
وهذا ينقض الباب الذي وضعه الكليني في الكافي بعنوان :( أن الأئمة ع يعلمون متى يموتون ، وأنهم لا يموتون إلا باختيار منهم ). كيف ؟ وعلي يقول : ( ..أو لدفع الموت سبيلاً ) .
6 - وجاء في نهج البلاغة عن علي رضي الله عنه أنه قال في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم - :
( أرسله على حين فترة من الرسل . . . فقفى به الرسل ، وختم به الوحي ) [58].
فأين هذا القول مما في الكافي ( أن الحسن العباس المعروفي كتب إلى الرضا ع جعلت فداك أخبرني ما الفرق بين الرسول والنبي والإمام ، قال فكتب أو قال : الفرق بين الرسول والنبي والإمام : أن الرسول الذي ينزل عليه جبرائيل فيراه ويسمع كلامه وينزل عليه الوحى وربما رأى في منامه نحو رؤيا ابراهيم ع ، والنبي ربما سمع الكلام وربما رأى الشخص ولم يسمع ، والإمام هو الذي يسمع الكلام ولا يرى الشخص )[59] .
وجاء في بحار الأنوار تسع عشرة رواية تذكر بأن الله تعالى ناجى علياً ، وأن جبرائيل يملي عليه ....)[60] .(92/16)
وتتحدث بعض رواياتهم عن أنواع الوحي للإمام فتذكر أن جعفراً قال : ( إن منا لمن ينكت في أذنه ، وإن منا لمن يؤتى في منامه ، وإن منا لمن يسمع صوت السلسلة تقع على الطشت ( كذا ) ، وإن منا لمن يأتيه صورة أعظم من جبرائيل وميكائيل)[61] .
بل أكثر من ذلك فرفعوهم فوق الأنبياء والرسل فلا يحتاجون إلى الوحي في كل الأحوال بل كما جاء في الباب الذي عقده الكليني في الكافي (باب أن الأئمة عليهم السلام إذا شاؤوا أن يعلموا علموا )[62]، وذكر فيه ثلاث روايات كلها تنطق بـ ( أن الإمام إذا شاء أن يعلم أعلم ) [63] ، فالوحي للأئمة ليس بمشيئة الله وحده كما هي الحال مع الرسل - عليهم السلام - بل هو تابع لمشيثة الإمام . بل إن الأئمة تذهب إلى عرش الرحمن كل ليلة جمعة لتطوف به فتأخذ من العلم ما شاءت ، قال أبو عبد الله (إذا كان ليلة الجمعة وافى رسول الله - صلى الله عليه وآله - العرش ووافى الأئمة - عليهم السلام - معه ووافينا معهم ، فلا ترد أرواحنا إلى أبداننا إلا بعلم مستفاد ولولا ذلك لأنفدنا ) [64] .
وعقد الكليني في الكافي باباً بعنوان : ( أن الأئمة - عليهم السلام - ولاة أمر الله وخزنة علمه ) [65] ، وضمن هذا الباب ست روايات في هذا المعنى ، وبابٌ بعنوان ( أن الأئمة ورثوا علم النبي وجميع الأنبياء والأوصياء الذين من قبلهم )[66] ، وفيه سبع روايات ، وبابٌ بعنوان : ( أن الأئمة يعلمون جميع العلوم التى خرجت إلى الملائكة والأنبياء والرسل - عليهم السلام ) [67] وفيه أربع روايات .(92/17)
وذكر في كتب الشيعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استمر طيلة حياته يعلِم علياً علوماً وأسراراً لايطلع عليها أحد سواه ، وقد وصلت مبالغات الشيعة في هذه الدعاوي إلى مرحلة لا يصدقها عقل .. حتى قيل: إن علياً استمر في تلقي العلم من فم رسول الله حتى بعد موته - عليه الصلاة والسلام - وعقد المجلسي لهذا باباً بعنوان (باب ماعلمه رسول الله صلى الله عليه وآله عند وفاته وبعده )[68] .
وقالت الرواية الأولى في هذا الباب إن عليا رضي الله عنه قال : ( أوصاني النبى صلى الله عليه وآله فقال : إذا أنا مِتُّ فغسلني بست قرب من بئر غرس[69] فإذا فرغت من غسلي فأدرجني في أكفانى ، ثم ضع فاك على فمي ، قال ففعلت وأنبأني بما هو كائن إلى يوم القيامة )[70] . وقالت الرواية الثانية بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يا علي إذا أنا مت فاغسلني وكفني , ثم اقعدني وسائلني واكتب )[71].
ومضت بقية الروايات على هذا النسق , حتى قالوا بأن علياً كان إذا أخبر بشيء قال : ( هذا ما أخبرني به النبي صلى الله عليه وآله بعد موته )[72].
أيها القارئ الكريم : أكتفي بهذا ولي معك لقاءات أخرى إن شاء الله تعالى ، وعلينا الصبر والسير في الطريق والبحث عن الروايات التي تجمع الأمة فلنكن دعاة إصلاح وتقريب وهذا هو الطريق لابد من إظهار منزلة آل البيت في كتب السنة والسعي الجاد لتنقية الروايات عن الأئمة والاعتماد على القرآن الكريم لكي يكون هو مصدر توحيد كلمة المسلمين (وهذا بإذن الله تعالى موضوعنا القادم) وإلى اللقاء ، ربما صدرت كلمات لا تليق فمعذرة.
____________________________(92/18)
[1] - البخاري (6357) .
[2] - رواه مسلم (2408) .
[3] - سورة البلد آيه 10 .
[4] - سورة الإنسان آيه 3 .
[5] - الزمر 17 , 18 .
[6] - البقرة آيه 164 .
[7] - الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقيه . ج3 ص 62 .
[8] - الكافي لمحمد بن يعقوب الكليني . ج1 ص 12(وهو من أهم كتبهم ).
[9] - الكافي ج 1ص 29 .
[10] - مستدرك الوسائل ج1 ص81 .
[11] - مقدمة / مستدرك نهج البلاغة ص5 .
[12] - الهادي كاشف الغطاء/مستدرك نهج البلاغة ص 191.
[13] - المصدر السابق ص192 .
[14] - شاه عبد العزيز الدهلوي /مختصر التحفة الإثني عشرية ص 58 .
[15] - الهادي بن عباس كاشف الغطاء (1289- 1361هـ) .
[16] - نهج البلاغة ص 178 ، 179 شرح محمد عبده / دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع .
[17] - الكافي/لمحمد بن يعقوب الكليني ج1ص 278 .
[18] - نهج البلاغة ص 397 شرح محمد عبده .
[19] - الاعتقادات للقمي ص111 .
[20] - الطوسي / تلخيص الشافي : 4/131 ، بحار الانوار 8/368 .
[21] - نهج البلاغة شرح محمد عبده ص 430 .
[22]- نهج البلاغة ص 81 خطبة 37 ط بيروت بتحقيق صبحي الصالح ، نهج البلاغة شرح محمد عبده ص 95-96 .
[23] - منار الهدى / لعلي البحراني ص 373 ، وأيضا ناسخ التواريخ ج3 ص532 .
[24] - شرح نهج البلاغة / ج 4 ص 228 ط تبريز ، الشيعة وآل البيت/إحسان إلهي ظهير/ص71 .
[25] - نهج البلاغة ص257 ، 258 شرح محمد عبده / دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع / بيروت .
[26] - نهج البلاغة ص246،247. شرح محمد عبده / دار الاندلس لملطباعة والنشر والتوزيع .
[27] - المصدر السابق ص 446 .
[28] - ورويت ( لله بلاد فلان ) وقال شارح نهج البلاغة الشيعي المعتزلى (ابو الحديد) في ج 12ص3 .( أي لله ما صنع فلان ، والمكنى عنه عمر بن الخطاب ، (وقال ابو الحديد) : وقد وجدت النسخة التي بخط الرضى أبي الحسن جامع نهج البلاغة وتحت فلان عمر ) .
ويقول ابو الحديد في شرحه لنهج البلاغة(92/19)
: سألت عنه النقيب أبا جعفر يحيى بن أبي زيد العلوي فقال لي هو عمر بن الخطاب ، فقلت له : أيثني عليه أمير المؤمنين هذا الثناء ؟ فقال : نعم ، ويقول أيضا في ج 2 ص 4 : اذا اعترف أمير المؤمنين بأنه اقام السنة وذهب نقي الثوب قليل العيب وأنه أدى إلى الله طاعته واتقاه بحقه فهذا غاية مايكون المدح .
[29] - الأود : العوج .
[30] - العمد بالتحريك : العله ، انظر صبحي الصالح في تعليقه على نهج البلاغة ص671.
[31] - نهج البلاغة ص430 شرح محمدعبده .
[32] - أي إلا من اعتقاد بصدق ما يقوله .
[33] - ميثم بن علي البحراني ( كمال الدين ) من شيوخ الإمامية ، من أهل البحرين ، من كتبه : (شرح نهج البلاغة ) ، توفي في البحرين سنة 679 س (معجم المؤلفين :13/55) .
[34] - ميثم البحراني/ شرح نهج البلاغة : 4/98 .
[35] - أصول مذهب الشيعة / د ناصر القفاري ص 764 .
[37] - نهج البلاغة ص 291 شرح محمد عبده/دار الاندلس للطباعة والنشر والتوزيع / بيروت ، وشرح أبي الحديد ج9 ص261.
[38] - شرح نهج البلاغة للبحراني ج 4 ص354 .
[39] - نهج البلاغة تحقيق صبحي الصالح ص143، وشرح أبي الحديد ج7ص77 ، وشرح محمد عبده ص190.
[40] - نهج البلاغة شرح محمد عبده ص229، شرح أبي الحديد ج7ص291 .
[41] - نهج البلاغة شرح محمد عبده ص 398 ، نهج البلاغة تحقيق صبجي ألصالح ص323 ، شرح أبي الحديد ج11ص21 .
[42] - نهج البلاغة شرح محمد عبده ص 543 .
[43] - أصول مذهب الشيعة / د ناصر القفاري .
[44] - منهاج السنة 4/ 181 .
[45] - قرب الإسناد ص 62 ، وسائل الشيعة11/62 .
[46] - نهج البلاغة شرح محمد عبده ص189، وشرح أبي الحديد ج 7 ص70 .
[47] - نهج البلاغة شرح محمد عبده ص 72 ، شرح أبي الحديد ج1ص332 .
[48] - نهج البلاغة شرح محمد عبده ص 77 ، شرح أبي الحديد ج2ص75 .
[49] - شرح محمد عبده ص436 ، نهج البلاغة شرح أبي الحديد ج 13 ص42 .
[50] - نهج البلاغة شرح أبي الحديد ج 18 ص 342(92/20)
.
[51] - نهج البلاغة شرح محمد عبده ص 237 ، شرح أبي الحديد ج8ص112 .
[52] - نهج البلاغة شرح محمد عبده ص412-413 ، شرح أبي الحديد ج11ص102 .
[53] - وأيت : أي (وعدت) والوأي : (الوعد). وتقول قد وأيت وأيا : أي (وعدت وعدا) .
[54] - نهج البلاغة شرح أبي الحديد ج6 ص176.
[55] - بحار الأنوار 25/ 209 .
[56] - الرياش والريش واحد وهو اللباس أو اللباس الفاخر .
[57] - نهج البلاغة شرح محمد عبده ص326 .
[58] - المصدر السابق ص245 .
[59] - الكافي ج1 ص 176 .
[60] - بحار الانوار 39/151-157.
[61] - بحار الانوار 26/358 ، بصائر الدرجات ص63.
[62] - أصول الكافي 1/258.
[63] - نفس الموضع من المصدر السابق .
[64] - أصول الكافي 1/254 ، بحار الأنوار26/88 - 89 ، بصالر الدرجات ص36 .
[65] - أصول الكافي 1/192-193.
[66] - المصدر السابق 1/223-226 .
[67] - المصدر السابق 255- 256 .
[68] - بحار الانوار 40/213- 218 .
[69] - بئر غرس : بئر بالمدينه المنوره . انظر معجم البلدان 4/193.
[70] - بحار الأنوار 213/40 ، بصائر الدرجات ص80 .
[71] - نفس الموضع من المصدرين السابقين .
[72] - بحار الأنوار 40/215.
... ...(92/21)
تأملات في كتاب نهج البلاغة
مقدمة :
الحمد لله وحده والصلاة السلام على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم :
أيها القارئ الكريم : لا يخفى عليك واقع الأمة الإسلامية من حيث ضعفها وانقساماتها وكثرة ما يحيط بها من فتن وبلايا ، وأسباب الضعف كثيرة من أهمها : كثرة الاختلافات في الأمة الإسلامية ، فتجد الانقسامات في الفرق ( أهل السنة والجماعة و الإثني عشرية والإسماعيلية والخوارج وغيرها ) وتجد أصحاب المذهب الواحد بينهم من الاختلافات والانقسامات لا يعلمها إلا الله وعلى سبيل المثال : الإثنا عشرية منهم أصولية وإخبارية و شيخية وكل فرقة وطائفة تجد داخلها من الاختلافات ما لا يعلمه إلا الله ، وعند أهل السنة كذلك ومع كثرة الاختلافات قل أن تجد من يسعى للإصلاح وجمع الكلمة مع كثرة ما ورد من النصوص الشرعية من الأمر بالإصلاح واجتماع الكلمة ووحدة الصف اتجاه العدو لقوله تعالى : ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ) بل تجد لغة الحوار والخطاب مفقودة فإذا كتب كاتب كتابا أو رسالة موجهة لخصمه اشتد في غيرته و غمط الآخرين حقهم وتجد القارئ الذي وجهت له الرسالة يقرأ ذلك الكتاب والبحث وهدفه الرد والطعن في المؤلف وقل أن تجد من يتقبل الرسالة ويطالعها بعقل ويبحث في أسطرها عن الحق أو على الأقل يبحث عن عيوبه لكي يقوم بإصلاحها ولعل من أسباب ذلك انعدام لغة الحوار الشرعية وحب الظهور وقلة الإخلاص وعيوبنا كثيرة والله المستعان .(93/1)
أيها القارئ الكريم : الرسالة التي بين يديك مختصرة جدا ولكنها في غاية الأهمية إذ فيها ارتقاء بلغة الحوار والطرح وهذا أسلوب نفتقده ونحن بأمس الحاجة إليه وفيها صدق المعلومة وتوثيقها من غير مبالغة أو استفزاز أو استثارة وقد حرص المؤلف جزاه الله خيرا على الاختصار وسهولة العبارة وبيان أنه يمكن للباحثين الجادين الذين يريدون التقريب بين المذاهب الموافقة لكتاب الله وسنة رسوله بوجود الحقائق في الكتب المعتمدة لديهم أو من خلال إبرازها والتمسك بها يتم تقريب شقة الخلاف.
أيها القارئ الكريم : لا تعجل في الحكم وعليك أن تقرأ وتتمهل في الاطلاع والقراءة ولا تتأثر بالروايات التي تخالف العقل والفطرة السليمة لأنها من أهم أسباب الفرقة بين الأمة .
ومعذرة على الإطالة وإلى رسالة أخرى تخدم وحدة الأمة الإسلامية وتزيل الغشاوة عن الأبصار.
صالح بن عبدالله الدرويش : القاضي بالمحكمة الكبرى بالقطيف
...
تأملات في كتاب نهج البلاغة
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه إلى يوم الدين وبعد :
فإن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله الطيبين واجبة على المسلمين دون غلو، وعلى المسلم التمسك بما ثبت في فضائلهم في الكتاب و السنة الصحيحة ، ورفض الروايات التي لا أساس لها ولا سند ، والمدسوسة في كثير من المرويات . وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتعبد الله تعالى في صلاتنا بالصلاة والسلام على محمد وآل محمد قبل التسليم . وأن نقول كما ثبت في الصحيح ( اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد )[1] . وقال صلى الله عليه وسلم : ( أذكركم الله في أهل بيتي )[2] .
نعمة العقل :(93/2)
لقد فضل الله تعالى الإنسان على الحيوان بنعمة العقل وجعل التكليف ساقطا عمن فقد هذه النعمة ، لعدم مقدرته على التمييز ، قال تعالى : {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ } [3] ، وقال تعالى : {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً } [4].
ولقد بشر الله تعالى أهل العقل والفهم في كتابه الكريم ، فقال : {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ . الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ } [5] ، و قال تعالى : { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }[6] .
إن العقل أحد مصادر التشريع عند الشيعة ، قال زين الدين العاملي الملقب بالشهيد الثاني : ( والأصول الأربعة الكتاب والسنة والإجماع والعقل )[7].
وفي الكافي أن رسول الله قال : ( ما قسم الله للعباد شيئا أفضل من العقل ) [8] ، وفي الكافي أيضا ( سمعنا أبا عبد الله يقول لا غنى أخصب من العقل ) [9] ، وفيه أيضا ( عن ابن السكيت أنه قال للرضا : فما الحجة على الخلق اليوم ؟ فقال الرضا: العقل تعرف به الصادق على الله فتصدقه والكاذب على الله فتكذبه ، فقال ابن السكيت هذا هو والله الجواب ) [10] .(93/3)
إذن فعلينا أن نفكر ، وندع عقولنا تعمل فإن من عيوبنا قلة البحث والقراءة والذي لا يقرأ يعير عقله غيره فلا تجده يفكر وللأسف الشديد فإن تلقينا العلم والدين بالوراثة فهي المصدر.
أيها القارئ الكريم : حسبك الروايات السابقة لكي تفكر وتهتم بعمل العقل في كل ما يعرض عليك.
مكانة نهج البلاغة:
قال عنه أحد أكبر علماء الشيعة المعاصرين ، الهادي كاشف الغطاء في كتابه مستدرك نهج البلاغة : ( بأن كتاب نهج البلاغة أو ما اختاره العلامة أبو الحسن محمد الرضا . من كلام مولانا أمير المؤمنين .....من أعظم الكتب الإسلامية شأنا - إلى أن قال - نور لمن استضاء به ، ونجاة لمن تمسك به ، وبرهان لمن اعتمده ، ولب لمن تدبره [11]. وقال أيضا ( إن اعتقادنا في كتاب نهج البلاغة أن جميع ما فيه من الخطب والكتب والوصايا والحكم والآداب حاله كحال ما يروى عن النبى ص وعن أهل بيته في جوامع الأخبار الصحيحة والكتب المعتبرة ) [12].
وقال عن نهج البلاغة شرح محمد عبده ( أحد شيوخ الأزهر بمصر ) :
( ومن أفاضل شراحه العلامة الشيخ محمد عبده فقد شرحه بكلمات وجيزة 00)[13]
وقال بعض علماء أهل السنة عن نهج البلاغة (... ألفه لهم الشريف الرضي وأعانه عليه أخوه المرتضى ، وطريقتهما في تأليفه أن يعمدا إلى الخطبة القصيرة المأثورة عن أمير المؤمنين فيزيدان عليها . . . . ، وإن الصحيح من كلام أمير المؤمنين في نهج البلاغة قد يبلغ عشره أو نصف عشره ، والباقي من كلام الرضي والمرتضى )[14] ؟ وقيل أيضا أن الذي ألفه هو الشريف المرتضى المتوفى سنة 436 هـ فبالرغم من هذه الشقة البعيدة من السنين بينهما وبين علي رضي الله عنه ، إلا أنهما يرويان عنه مباشرة بدون إسناد .(93/4)
وقد انتهج مثل ذلك صاحب الكتاب المسمى ( مستدرك نهج البلاغة )؟! فكيف لهذا المعاصر[15] أيضا أن يروي عن علي رضي الله عنه الذي عاش في القرن الأول الهجري وهو قد عاش في القرن الرابع عشر بدون ذكر المصادر أو الإسناد ؟.وما يدرينا لعله بعد سنين أو قرون من الآن يأتي منهم من يروي عن على رضي الله عنه وبالطريقة نفسها !!.
فبالرغم من مكانة هذا الكتاب عند الشيعة والمكانة التي يعطونها لعلى رضي الله عنه ومن ذلك أنه معصوم عن الكذب والخطأ والنسيان . وأنه إمام طاعته من طاعة الله ، إلا أنهم يخالفون ما في النهج من كلام نسبوه لعلي رضي الله عنه ولا يطيعونه ، فلماذا الشيعة يخالفون كتاب الله وسنة رسوله وقول إمامهم !! . وأمثلة هذه الدلائل على مخالفتهم ما في نهج البلاغة ما يلي :
أولا : أين النص الإلهي بالإمامة الذي يزعمونه ؟ وكيف لعلي رضي الله عنه أن يرفضها لو كان هناك نص ؟! :
1- ففى نهج البلاغة خطبة لعلي رضي الله عنه حينما دعوه إلى البيعة بعد مقتل عثمان رضي الله عنهما قال فيها : ( دعوني والتمسوا غيري ، فإنا مستقبلون أمرا له وجوه وألوان ، لا تقوم له القلوب ، ولا تثبت عليه العقول ... إلى أن قال : وإن تركتموني فأنا كأحدكم ، ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم ، وأنا لكم وزيرا خير لكم مني أميرا )[16] فلله العجب !
إذ لو كان أمر الإمامة أو الخلافة كما يصورها الشيعة بأنها نص إلهى في علي رضي الله عنه وأبنائه الإحدى عشر من بعده ، كما يذكر ذلك الكليني في الكافي : ( عن أبي عبد الله ع قال : إن الإمامة عهد من الله عز وجل معهود لرجال مسمين ليس للإمام أن يزويها عن الذي يكون بعده )[17] .(93/5)
كيف يستطيع علي رضي الله عنه أن يقول دعوني والتمسوا غيري هل يتهم الشيعة الإمام علي رضي الله عنه بعصيان الله ؟ أين حبهم لعلي رضي الله عنه ؟ إن عليا رضي الله عنه عند أهل السنة من خيرة الصحابة ومن أكثرهم طاعة لله ، وإنه من المبشرين بالجنة ، لكننا نقول بأن عليا رضي الله عنه هنا ( وفي نهج البلاغة ) يقرر أن الخلافة يجوز أن تكون له أو لغيره ، ويقول نفسه عن نفسه أكون مقتدياً خيرا لي من أن أكون إماماً . فهو لا يرى الأمر كما يراه الشيعة .
2 - وقال علي رضي الله عنه أيضا - حسب ما رووا - في نهج البلاغة مخاطباً طلحة والزبير: ( والله ما كانت لي في الخلافة رغبة ، ولا في الولاية إربة ، ولكنكم دعوتموني إليها وحملتموني عليها )[18].
فهل يجوز بعد هذا لأحد أن يقول بأن هناك نصاً إلهياً وهذا علي رضي الله عنه يقول بأنه ليس له في الخلافة رغبة ؟ وأنهم حملوه عليها . فلو كان هناك نص لما رفض علي رضي الله عنه الخلافة ، و ما العمل وقد جعلوا من أنكر الإمامة كافراً.
قال الصدوق ( ابن بابويه القمي ) ! مصرحا ( إعتقادنا فيمن جحد إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والأئمة من بعده أنه كمن جحد جميع الأنبياء ، و إعتقادنا فيمن أقر بأمير المؤمنين وأنكر واحدا من بعده من الأئمة إنه بمنزلة من أقر بجميع الأنبياء ، ثم أنكر نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ) [19]. وقال الطوسي : ( ودفع الإمامة كفر ، كما أن دفع النبوة كفر لأن الجهل بهما على حد واحد ) [20].
3 - وفي نهج البلاغة أن علياً قال في وصف بيعته بالخلافة ( وبسطتم يدي فكففتها ، ومددتموها فقبضتها ، ثم تداككتم علي تداكُ الهيم على حياضها يوم وردها )[21] . فهذا الوصف منه يدل على أنه لم يقبل عليها وكان يتمنعها حتى أن لم يجد بدا من قبول بيعتهم له .(93/6)
4 - وورد في نهج البلاغة قول علي رضي الله عنه وهو يذكر أمر الخلافة والإمامة : ( رضينا عن الله قضائه ، وسلمنا لله أمره ....... فنظرت في أمري فإذا طاعتي سبقت بيعتي إذ الميثاق في عنقي لغيري )[22] .
إذن أمر الله الذي سلم له علي : أن تكون الخلافة في أبي بكر ، فأين أمر الله بالخلافة والإمامة لعلي ؟!! .
ويقول علي البحراني في منار الهدى ( ولما رأى ذلك تقدم إلى الصديق ، وبايعه المهاجرون والأنصار ، والكلام من فيه وهو يومئذ أمير المؤمنين وخليفة المسلمين ، لا يتقي الناس ، ولا يظهر إلا ما يبطنه لعدم دواعى التقية ، وهو يذكر الأحداث الماضية فيقول : ( فمشيت عند ذلك إلى أبى بكر ، فبايعته ، ونهضت في تلك الأحداث ... فتولى أبو بكر تلك الأمور فسدد ويسر وقارب واقتصد فصحبته مناصحاً ، وأطعته فيما أطاع الله جاهدا )[23].
وكان علي رضي الله عنه ـ كما ذكر ـ مطيعا لأبي بكر ممتثلاً لأوامره فقد حدث أن وفداً من الكفار جاءوا إلى المدينة المنورة ، ورأوا بالمسلمين ضعفاً وقلة لذهابهم إلى الجهات المختلفة للجهاد واستئصال شأفة المرتدين والبغاة ، فأحس منهم الصديق خطراً على عاصمة الإسلام والمسلمين ( فأمر الصديق بحراسة المدينة وجعل الحرس على أنقابها يبيتون بالجيوش ، وأمر عليا والزبير وطلحة وعبد الله بن مسعود أن يرأسوا هؤلاء الحرائر ، وبقوا كذلك حتى أمنوا منهم )[24].
ثانيا : علي رضي الله عنه يعلن ثناءه وحبه لإبي بكر وعمر وعثمان ويمدح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضى الله عنهم أجمعين : -(93/7)
1 - وورد في النهج أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه لما استشار عليا رضي الله عنه عند انطلاقه لقتال فارس وقد جمعوا للقتال ، أجابه : ( إن هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا قلة ، وهو دين الله تعالى الذي أظهره ، وجنده الذي أعده وأمده ، حتى بلغ ما بلغ وطلع حيثما طلع ، ونحن على موعد من الله تعالى حيث قال عز اسمه { وعد الله الذين آمنوا } و تلى الآية ، والله تعالى منجز وعده وناصر جنده ، ومكان القيم بالأمر في الإسلام مكان النظام من الخرز فإن انقطع النظام تفرق الخرز ، ورب متفرق لم يجتمع ، والعرب اليوم وإن كانوا قليلاً فهم كثيرون بالإسلام عزيزون بالإجتماع ، فكن قطباً ، واستدر الرحى بالعرب وأصلهم دونك نار الحرب ، فإنك إن شخصت من هذه الأرض انقضت عليك من أطرافها وأقطارها ، حتى يكون ما تدع وراءك من العورات أهم إليك مما بين يديك . إن الأعاجم إن ينظروا إليك غداً يقولوا : هذا أصل العرب فإذا قطعتموه استرحتم ، فيكون ذلك أشد لكَلَبِهم عليك وطمعهم فيك . فأما ما ذكرت من مسير القوم إلى قتال المسلمين فإن الله سبحانه وتعالى هو أكره لمسيرهم منك ، وهو أقدر على تغيير ما يكره . وأما ما ذكرت من عددهم فإنا لم نكن نقاتل فيما مضى بالكثرة ، وإنما كنا نقاتل بالنصر والمعونة )[25]. انتهى بلفظه . فتدبر منصفاً لهذا الثناء والحب والخوف على عمر من علي رضي الله عنه فأين ذلك كله ممن يكفر عمر رضي الله عنه ويسبه .(93/8)
2 - وأيضا في النهج لما استشار عمر بن الخطاب عليا رضى الله عنهما في الخروج إلى غزوة الروم ، قال : ( وقد توكل الله لهذا الدين بإعزاز الحوزة ، وستر العورة ، والذي نصرهم وهم قليل لا ينتصرون ، ومنعهم وهم قليل لا يمتنعون ، حي لا يموت ، إنك متى تسر إلى هذا العدو بنفسك ، فتلقهم فتنكب ، لا تكن للمسلمين كانفة دون أقصى بلادهم ، ليس بعدك مرجع يرجعون إليه . فابعث إليهم رجلاً مجرباً ، واحفز معه أهل البلاء و النصيحة ، فإن أظهر الله فذاك ما تحب ، وإن كانت الأخرى ، كنت ردْءاً للناس ومثابة للمسلمين )[26].
تأمل يا أخي المسلم والمنصف قوله كنت ردءا للناس ومثابة للمسلمين فلو كان عمر رضي الله عنه كافراً مرتداً لم يقل علي ردءا للناس ومثابة للمسلمين فهل علي رضي الله عنه كان يقول كلاما لا يعتقده أم أنها الحقيقة التي عميت على أهل الأهواء؟؟؟!! .
3 - وأورد المرتضى في النهج عن علي رضي الله عنه من كتابه الذي كتبه إلى معاوية رضي الله عنهما : ( إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان ، على ما بايعوهم عليه ، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد ، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار ، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضى فإن خرج منهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين ، وولاه الله ما تولى )[27].(93/9)
وهنا يستدل الإمام على رضي الله عنه على صحة خلافته وانعقاد بيعته بصحة بيعة من سبقه ، وهذا يعني بوضوح أن عليا رضي الله عنه كان يعتقد بشرعية خلافة أبى بكر وعمر وعثمان ، كما يذكر في هذا النص الواضح في معناه والذي كتبه إلى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ، بأن الإمامة والخلافة تنعقد باتفاق المسلمين واجتماعهم على شخص ، وخاصة في العصر الأول باجتماع الأنصار والمهاجرين فإنهم اجتمعوا على أبى بكر وعمر ، فلم يبق للشاهد أن يختار ، ولا للغائب أن يرد .
4 - وفى النهج أيضا - عن علي رضي الله عنه (لله بلاء فلان [28] لقد قوم الأود[29]، وداوى العمد[30] ، وأقام السنة ، وخلف البدعة ، وذهب نقي الثوب ، قليل العيب ، أصاب خيرها واتقى شرها ، أدى لله طاعة واتقاه بحقه ، رحل وتركهم في طرق متشعبة لا يهتدي إليها الضال ، ولا يستيقن المهتدي )[31] . وقد حذف الشريف صاحب النهج حفظا لمذهبه لفظ (أبي بكر أو عمر ) وأثبت بدله (فلان ) ، ولهذا الإبهام اختلف الشراح فقال البعض هو أبو بكر والبعض عمر ، ورجح الأكثر الأول وهو الأظهر ، فقد وصفه من الصفات بأعلى مراتبها فناهيك به وناهيك بها ، وغاية ما أجابوا أن هذا المدح كان من الإمام لاستجلاب قلوب الناس لإعتقادهم بالشيخين أشد الإعتقاد و لا يخفى على المنصف أن فيه نسبة الكذب لغرض دنيوي مظنون الحصول ، بل كان اليأس منه حاصلا قاطعا ، وفيه تضييع غرض الدين بالمرة ، فحاشا لمثل الإمام أن يمدح مثلهما [32]، لو كانا كما يزعمون ، وأيضا أية ضرورة تلجأه إلى هذه التأكيدات والمبالغات ؟ وأيضا في هذا المدح العظيم الكامل تضليل الأمة وترويج الباطل ، وذلك محال من المعصوم - حسب اعتقاد الشيعة - بل كان الواجب عليه بيان الحال لما بين يديه ، فانظر وأنصف .(93/10)
وقد احتار الإمامية الإثنا عشرية بمثل هذا النص ، لأنه في نهج البلاغة وما في النهج عندهم قطعي الثبوت ، وصور شيخهم ميثم البحراني[33] ذلك بقوله : (واعلم أن الشيعة قد أوردوا هنا سؤالا فقالوا : إن هذه الممادح إلتي ذكرها . في حق أحد الرجلين تنافي ما أجمعنا عليه من تخطئتهما وأخذهما لمنصب الخلافة ، فإما أن لا يكون هذا الكلام من كلامه رضي الله عنه ، وإما أن يكون إجماعنا خطأ ) . ثم حملوا هذا الكلام على التقية وأنه إنما قال هذا المدح - من أجل ( استصلاح من يعتقد صحة خلافة الشيخين . واستجلاب قلوبهم بمثل هذا الكلام )[34] . أى : إن عليا رضي الله عنه - في زعمهم - أظهر لهم خلاف ما يبطن ! ونحن نقول أن قول علي رضي الله عنه هو الحق والصدق ، وهو الذي لا يخاف في الله لومة لائم [35].
5 – وأيضا فقد زوج الإمام علي رضي الله عنه ابنته أم كلثوم عمر بن الخطاب رضي الله عنه (فروع الكافي كتاب الطلاق باب المتوفى عنها زوجها 6/115-116).
وأيضا سمى الإمام أولاده بأسماء الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم (كشف الغمة للأربلي والإرشاد للمفيد)
6- وجاء في نهج البلاغة على لسان علي بخصوص عثمان رضي الله عنهما ( والله ما أدري ما أقول لك ؟ ما أعرف شيئا تجهله ، ولا أدلك على أمر لا تعرفه ، إنك لتعلم ما نعلم ما سبقناك إلى شيئ فنخبرك عنه ولا خلونا بشيء فنبلغكه ، وقد رأيت كما رأينا وسمعت كما سمعنا وصحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما صحبنا وما ابن قحافة ولا ابن الخطاب بأولى لعمل الحق منك وأنت أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشيجة رحم منهما وقد نلت من صهره ما لم ينالا )[37].(93/11)
فانظر هذا المدح والثناء على عثمان من علي رضي الله عنهما وانظر إلى قوله : ( و ما ابن قحافة ولا ابن الخطاب ، بأولى لعمل الحق منك ) فهذه شهادة علي بأن أبابكر و عمر كانا على الحق وعملا به وليسا بأولى من عثمان في ذلك فهو لعمل الحق أهل ، فأين هذا من سب من يدعون حب علي ؟ وهل اتبعوا الإمام أم خالفوه ؟! .
7 - وجاء أيضا في أحد شروحهم لنهج البلاغة : ( ولما حوصر عثمان رضي الله عنه في بيته قام علي بالدفاع عنه بيده ولسانه)[38].
8 - وورد في في نهج البلاغة خطبة على رضي الله عنه والتي تدور حول مدح وثناء على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ونعرض هنا جزءاً منها : ( لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فما أرى أحدا يشبههم منكم لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً وقد باتوا سجداً وقياماً يراوحون بين جباههم ويقبضون على مثل الجمر من ذكر معادهم كأن بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم ، إذا ذكر الله همرت أعينهم حتى ابتلت جيوبهم ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف خوفا من العقاب ورجاءا للثواب )[39].
9 – وقال أيضا مادحاً أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (وفي نهج البلاغة ؟!) : ( أين القوم الذين دعوا إلى الإسلام فقبلوه و قرأوا القرآن فأحكموه ، وهيجوا إلى القتال فَوَلِهُوا وَلَهَ اللقاح إلى أولادها ، وسلبوا السيوف أغمادها وأخذوا بأطراف الأرض زحفاً زحفاً ، وصفاً صفاً ، بعض هلك ، وبعض نجا ، لا يبشرون بالأحياء ، ولا يعزون بالموتى ، مر العيون من البكاء خمص البطون من الصيام ، ذبل الشفاه من الدعاء ، صفر الألوان من السهر ، على وجوههم غبرة الخاشعين ، أولئك أخواني الذاهبون ، فحق لنا أن نظمأ إليهم ونعض الأيدي على فراقهم )[40].(93/12)
10 - وهاهو نهج البلاغة مليء من منع علي لأصحابه من السب والشتم والتكفير والتفسيق ، وحتى لمقاتليه في حرب صفين ، وعنوان الخطبة ( ومن كلام له عليه السلام وقد سمع قوما من أصحابه يسبون أهل الشام أيام حربهم في صفين ) : ( إني أكره لكم أن تكونوا سبابين ، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم ، كان أصوب في القول ، وأبلغ في العذر ، وقلتم مكان سبكم إياهم : ( اللهم احقن دماءنا ودماءهم ، وأصلح ذات بينا وبينهم ، واهدهم من ضلالتهم حتى يعرف الحق من جهله ، ويروي عن الغي والعدوان من لهج به )[41].
11 - وجاء في نهج البلاغة ،كتاب علي رضي الله عنه إلى الأمصار يذكر فيه ما جرى بينه وبين أهل صفين ( وكان بدء أمرنا أنا التقينا والقوم من أهل الشام ، والظاهر أن ربنا واحد ، ودعوتنا في الإسلام واحدة ، ولا نستزيدهم في الإيمان بالله ، والتصديق برسوله ولا يستزيدوننا ، والأمر واحد إلا ما اختلفنا فيه من دم عثمان ونحن منه براء)[42].
إن علياً رضي الله عنه لم يكفر أحداً ممن قاتله حتى ولا الخوارج ، ولا سبا ذرية أحد منهم ، ولا غنم ماله ، ولا حكم في أحد ممن قاتله بحكم المرتدين كما حكم أبو بكر وسائر الصحابة في بني حنيفة وأمثالهم من المرتدين ، بل كان يترضى . عن طلحة والزبير وغيرهما ممن قاتلهم ، ويحكم فيهم وفي أصحاب معاوية ممن قاتلهم بحكم المسلمين ، وقد ثبت بالنقل الصحيح أن مناديه نادى يوم الجمل لا يتبع مدبر ، ولا يجهز على جريح ولا يغنم مال [43] . واستفاضت الآثار أنه كان يقول عن قتلى معاوية : إنهم جميعا مسلمون ليسوا كفارا ولا منافقين [44]. وهذا ثبت بنقل الشيعة نفسها ، فقد جاء في كتبهم المعتمدة عندهم ( عن جعفر عن أبيه أن عليا - عليه السلام - لم يكن ينسب أحدا من أهل حربه إلى الشرك ولا إلى النفاق ، ولكنه يقول : هم بغوا علينا )[45] .(93/13)
ثالثا : - علي رضي الله عنه يذم الذين ادعوا التشيع له وخالفوا أوامره من شيعة الكوفة :
وقد وردت في نهج البلاغة نصوص كثيرة نذكر بعضها :
1 - ( لوددت أن معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم فأخذ مني عشرة منكم وأعطاني رجلا منهم ، يا أهل الكوفة منيت منكم بثلاث واثنتين صمٌ ذوو أسماع وبكم ذوو كلام وعمي ذوو إبصار )[46].
2 - وفي النهج قوله : ( اللهم إني مللتهم وملوني وسئمتهم و سئمونى فأبدلني بهم خيرا منهم ، وأبدلهم بي شرا مني ....) [47].
3 - وفي النهج قوله يذم أهل الكوفة : (يا أشباه الرجال ولا رجال ! حلوم الأطفال ، وعقول ربات الحجال ، لوددت أني لم أركم ولم أعرفكم معرفة - والله - جرَّت ندماً ، وأعقبت سدما. قاتلكم الله لقد ملأتم قلي قيحاً ، وشحنتم صدري غيظا ، و جرعتمونى نغب التًّهمَام أنفاساً ، وأفسدتم علي رأيي بالعصيان والخذلان ) [48] .
إن سيرة علي رضي الله عنه وأفعاله وأقواله الثابتة عنه تختلف عن أقوال وأفعال بعض المدعين محبته ، لقد خالفوا أوامره حتى قال فيهم مثل هذا الكلام مرات عدة ، ولا زال المدعون التشيع له يفعلون ما يغضب علي ، وهو براء مما يفعلون .
رابعا: - علي رضي الله عنه ينهى عن الغلو :
1 - وفي نهج البلاغة : ( وقال علي رضي الله عنه بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم ، مخاطبا إياه : لولا أنك أمرت بالصبر ونهيت عن الجزع لأنفدنا عليك ماء الشؤون ) [49] .
2 - وذكر في نهج البلاغة أيضا أن عليا رضي الله عنه قال : ( من ضرب يده على فخذه عند مصيبته حبط أجره )[50].(93/14)
قال تعالى : {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ} . وقال تعالى : {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } .
هل أئمة الشيعة يرضون ويقبلون ما يفعله عوام والمنتسبون للعلم منهم ؟؟وهل الأئمة أمروا بالأحزان في أيام عاشوراء وغيرها ؟
3 - وجاء فى نهج البلاغة أن علي بن أبي طالب قال : ( وسيهلك في صنفان : محب مفرط يذهب به الحب إلى غير الحق ، ومبغض مفرط يذهب به البغض إلى غير الحق ، وخير الناس في حالا النمط الأوسط فالزموه ، والزموا السواد الأعظم بأن يد الله على الجماعة ، وإياكم و الفرقة ) [51].
4 - وجاء في نهج البلاغة - ما يخالف ، اعتقادهم في عصمة الأئمة - حيث قال أمير المؤمنين -كما يروي صاحب النهج : ( لا تخالطوني بالمصانعة ، و لا تظنوا بي استثقالا في حق قيل لي ، ولا التماس إعظام النفس، بأنه من استثقل الحق أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه ، كان العمل بهما أثقل عليه ، فلا تكفوا عن مقالة بحق ، أو مشورة بعدل ، فإني لست في نفسي بفوق أن أخطئ ولا آمن ذلك من فعلي )[52]. وفي نهج البلاغة أيضا كان علي رضي الله عنه يوصي ابنه الحسن رضي الله عنه حيث قال : (..... فإن أشكل عليك من ذلك فاحمله على جهالتك به فإنك أول ما خلقت جاهلا ثم علمت وما أكثر ما تجهل من الأمر ويتحير فيه رأيك ويضل فيه بصرك ثم تبصره بعد ذلك)(نهج البلاغة شرح محمد عبده 2/578 ط مؤسسة المعارف بيروت) فهذا علي لا ينفي عن نفسه الخطأ فكيف يقول علماؤهم لا يجوز على الأئمة الخطأ والسهو والنسيان ؟.(93/15)
وكان علي رضي الله عنه يناجي ربه بهذا الدعاء - كما يروي صاحب النهج ( اللهم اغفر لي ما أنت أعلم به مني فإن عدت فعد علي بالمغفرة ، اللهم اغفر لي ما وأيت[53] من نفسي ولم تجد له وفاء عندي ، اللهم اغفر لي ما تقربت به إليك بلساني ثم خالفه قلبي ، اللهم اغفر لي رمزات الألحاظ وسقطات الألفاظ و سهوات الجنان وهفوات اللسان [54].
فهذا علي يدعوا الله بأن يغفر ذنوبه من السهو وغيره، فهل هذا ينافي العصمة ؟!.
ومعني العصمة عند الشيعة يختلف بحسب أطوار التشيع وتطوراته ، وقد استقر على ما قرره شيخ الشيعة ـ في زمنه ـ المجلسي صاحب بحار الأنوار ـ المتوفى سنة (1111هـ) ـ في قوله : (( إعلم أن الإمامية اتفقوا على عصمة الأئمة ـ عليهم السلام ـ من الذنوب ـ صغيرها وكبيرها فلا يقع منهم ذنب أصلا لا عمدا ولا نسيانا ولا لخطأ في التأويل ولا للإسهاء من الله ))[55].
فالمجلسي يسبغ على أئمته العصمة من كافة الأوجه المتصورة ، العصمة من المعصية كلها ـ صغيرة أو كبيرة ـ العصمة من الخطأ ، والعصمة من السهو والنسيان .
5 - وجاء في نهج البلاغة عن علي رضي الله عنه أنه قال : ( أوصيكم بتقوى الله الذي ألبسكم الرياش [56]وأسبغ عليكم المعاش ، فلو أن أحدا يجد إلى البقاء سُلًّمَا أو لدفع الموت سبيلاً لكان ذلك سليمان بن داود )[57].
وهذا ينقض الباب الذي وضعه الكليني في الكافي بعنوان :( أن الأئمة ع يعلمون متى يموتون ، وأنهم لا يموتون إلا باختيار منهم ). كيف ؟ وعلي يقول : ( ..أو لدفع الموت سبيلاً ) .
6 - وجاء في نهج البلاغة عن علي رضي الله عنه أنه قال في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم - :
( أرسله على حين فترة من الرسل . . . فقفى به الرسل ، وختم به الوحي ) [58].(93/16)
فأين هذا القول مما في الكافي ( أن الحسن العباس المعروفي كتب إلى الرضا ع جعلت فداك أخبرني ما الفرق بين الرسول والنبي والإمام ، قال فكتب أو قال : الفرق بين الرسول والنبي والإمام : أن الرسول الذي ينزل عليه جبرائيل فيراه ويسمع كلامه وينزل عليه الوحى وربما رأى في منامه نحو رؤيا إبراهيم ع ، والنبي ربما سمع الكلام وربما رأى الشخص ولم يسمع ، والإمام هو الذي يسمع الكلام ولا يرى الشخص )[59] .
وجاء في بحار الأنوار تسع عشرة رواية تذكر بأن الله تعالى ناجى علياً ، وأن جبرائيل يملي عليه ....)[60] .
وتتحدث بعض رواياتهم عن أنواع الوحي للإمام فتذكر أن جعفراً قال : ( إن منا لمن ينكت في أذنه ، وإن منا لمن يؤتى في منامه ، وإن منا لمن يسمع صوت السلسلة تقع على الطشت ( كذا ) ، وإن منا لمن يأتيه صورة أعظم من جبرائيل و ميكائيل)[61] .
بل أكثر من ذلك فرفعوهم فوق الأنبياء والرسل فلا يحتاجون إلى الوحي في كل الأحوال بل كما جاء في الباب الذي عقده الكليني في الكافي (باب أن الأئمة عليهم السلام إذا شاؤوا أن يعلموا علموا )[62]، وذكر فيه ثلاث روايات كلها تنطق بـ ( أن الإمام إذا شاء أن يعلم أعلم ) [63] ، فالوحي للأئمة ليس بمشيئة الله وحده كما هي الحال مع الرسل - عليهم السلام - بل هو تابع لمشيثة الإمام . بل إن الأئمة تذهب إلى عرش الرحمن كل ليلة جمعة لتطوف به فتأخذ من العلم ما شاءت ، قال أبو عبد الله (إذا كان ليلة الجمعة وافى رسول الله - صلى الله عليه وآله - العرش ووافى الأئمة - عليهم السلام - معه ووافينا معهم ، فلا ترد أرواحنا إلى أبداننا إلا بعلم مستفاد ولولا ذلك لأنفدنا ) [64] .(93/17)
وعقد الكليني في الكافي باباً بعنوان : ( أن الأئمة - عليهم السلام - ولاة أمر الله وخزنة علمه ) [65] ، وضمن هذا الباب ست روايات في هذا المعنى ، وبابٌ بعنوان ( أن الأئمة ورثوا علم النبي وجميع الأنبياء والأوصياء الذين من قبلهم )[66] ، وفيه سبع روايات ، وبابٌ بعنوان : ( أن الأئمة يعلمون جميع العلوم التى خرجت إلى الملائكة والأنبياء والرسل - عليهم السلام ) [67] وفيه أربع روايات .
وذكر في كتب الشيعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استمر طيلة حياته يعلِم علياً علوماً وأسراراً لا يطلع عليها أحد سواه ، وقد وصلت مبالغات الشيعة في هذه الدعاوي إلى مرحلة لا يصدقها عقل .. حتى قيل: إن علياً استمر في تلقي العلم من فم رسول الله حتى بعد موته - عليه الصلاة والسلام - وعقد المجلسي لهذا باباً بعنوان (باب ما علمه رسول الله صلى الله عليه وآله عند وفاته وبعده )[68] .
وقالت الرواية الأولى في هذا الباب إن عليا رضي الله عنه قال : ( أوصاني النبى صلى الله عليه وآله فقال : إذا أنا مِتُّ فغسلني بست قرب من بئر غرس[69] فإذا فرغت من غسلي فأدرجني في أكفاني ، ثم ضع فاك على فمي ، قال ففعلت وأنبأني بما هو كائن إلى يوم القيامة )[70] . وقالت الرواية الثانية بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يا علي إذا أنا مت فاغسلني وكفني , ثم أقعدني وسائلني واكتب )[71].
ومضت بقية الروايات على هذا النسق , حتى قالوا بأن علياً كان إذا أخبر بشيء قال : ( هذا ما أخبرني به النبي صلى الله عليه وآله بعد موته )[72].(93/18)
أيها القارئ الكريم : أكتفي بهذا ولي معك لقاءات أخرى إن شاء الله تعالى ، وعلينا الصبر والسير في الطريق والبحث عن الروايات التي تجمع الأمة فلنكن دعاة إصلاح وتقريب وهذا هو الطريق لابد من إظهار منزلة آل البيت في كتب السنة والسعي الجاد لتنقية الروايات عن الأئمة والاعتماد على القرآن الكريم لكي يكون هو مصدر توحيد كلمة المسلمين (وهذا بإذن الله تعالى موضوعنا القادم) وإلى اللقاء ، ربما صدرت كلمات لا تليق فمعذرة.
____________________________(93/19)
[1] - البخاري (6357) .
[2] - رواه مسلم (2408) .
[3] - سورة البلد آيه 10 .
[4] - سورة الإنسان آيه 3 .
[5] - الزمر 17 , 18 .
[6] - البقرة آيه 164 .
[7] - الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية . ج3 ص 62 .
[8] - الكافي لمحمد بن يعقوب الكليني . ج1 ص 12(وهو من أهم كتبهم ).
[9] - الكافي ج 1ص 29 .
[10] - مستدرك الوسائل ج1 ص81 .
[11] - مقدمة / مستدرك نهج البلاغة ص5 .
[12] - الهادي كاشف الغطاء/مستدرك نهج البلاغة ص 191.
[13] - المصدر السابق ص192 .
[14] - شاه عبد العزيز الدهلوي /مختصر التحفة الإثني عشرية ص 58 .
[15] - الهادي بن عباس كاشف الغطاء (1289- 1361هـ) .
[16] - نهج البلاغة ص 178 ، 179 شرح محمد عبده / دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع .
[17] - الكافي/لمحمد بن يعقوب الكليني ج1ص 278 .
[18] - نهج البلاغة ص 397 شرح محمد عبده .
[19] - الاعتقادات للقمي ص111 .
[20] - الطوسي / تلخيص الشافي : 4/131 ، بحار الأنوار 8/368 .
[21] - نهج البلاغة شرح محمد عبده ص 430 .
[22]- نهج البلاغة ص 81 خطبة 37 ط بيروت بتحقيق صبحي الصالح ، نهج البلاغة شرح محمد عبده ص 95-96 .
[23] - منار الهدى / لعلي البحراني ص 373 ، وأيضا ناسخ التواريخ ج3 ص532 .
[24] - شرح نهج البلاغة / ج 4 ص 228 ط تبريز ، الشيعة وآل البيت/إحسان إلهي ظهير/ص71 .
[25] - نهج البلاغة ص257 ، 258 شرح محمد عبده / دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع / بيروت .
[26] - نهج البلاغة ص246،247. شرح محمد عبده / دار الاندلس لملطباعة والنشر والتوزيع .
[27] - المصدر السابق ص 446 .
[28] - ورويت ( لله بلاد فلان ) وقال شارح نهج البلاغة الشيعي المعتزلى (ابو الحديد) في ج 12ص3 .( أي لله ما صنع فلان ، والمكنى عنه عمر بن الخطاب ، (وقال ابو الحديد) : وقد وجدت النسخة التي بخط الرضى أبي الحسن جامع نهج البلاغة وتحت فلان عمر ) .
ويقول ابو الحديد في شرحه لنهج البلاغة(93/20)
: سألت عنه النقيب أبا جعفر يحيى بن أبي زيد العلوي فقال لي هو عمر بن الخطاب ، فقلت له : أيثني عليه أمير المؤمنين هذا الثناء ؟ فقال : نعم ، ويقول أيضا في ج 2 ص 4 : إذا اعترف أمير المؤمنين بأنه أقام السنة وذهب نقي الثوب قليل العيب وأنه أدى إلى الله طاعته واتقاه بحقه فهذا غاية ما يكون المدح .
[29] - الأود : العوج .
[30] - العمد بالتحريك : العله ، انظر صبحي الصالح في تعليقه على نهج البلاغة ص671.
[31] - نهج البلاغة ص430 شرح محمد عبده .
[32] - أي إلا من اعتقاد بصدق ما يقوله .
[33] - ميثم بن علي البحراني ( كمال الدين ) من شيوخ الإمامية ، من أهل البحرين ، من كتبه : (شرح نهج البلاغة ) ، توفي في البحرين سنة 679 س (معجم المؤلفين :13/55) .
[34] - ميثم البحراني/ شرح نهج البلاغة : 4/98 .
[35] - أصول مذهب الشيعة / د ناصر الفقاري ص 764 .
[37] - نهج البلاغة ص 291 شرح محمد عبده/دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع / بيروت ، وشرح أبي الحديد ج9 ص261.
[38] - شرح نهج البلاغة للبحراني ج 4 ص354 .
[39] - نهج البلاغة تحقيق صبحي الصالح ص143، وشرح أبي الحديد ج7ص77 ، وشرح محمد عبده ص190.
[40] - نهج البلاغة شرح محمد عبده ص229، شرح أبي الحديد ج7ص291 .
[41] - نهج البلاغة شرح محمد عبده ص 398 ، نهج البلاغة تحقيق صبحي الصالح ص323 ، شرح أبي الحديد ج11ص21 .
[42] - نهج البلاغة شرح محمد عبده ص 543 .
[43] - أصول مذهب الشيعة / د ناصر الفقاري .
[44] - منهاج السنة 4/ 181 .
[45] - قرب الإسناد ص 62 ، وسائل الشيعة11/62 .
[46] - نهج البلاغة شرح محمد عبده ص189، وشرح أبي الحديد ج 7 ص70 .
[47] - نهج البلاغة شرح محمد عبده ص 72 ، شرح أبي الحديد ج1ص332 .
[48] - نهج البلاغة شرح محمد عبده ص 77 ، شرح أبي الحديد ج2ص75 .
[49] - شرح محمد عبده ص436 ، نهج البلاغة شرح أبي الحديد ج 13 ص42 .
[50] - نهج البلاغة شرح أبي الحديد ج 18 ص 342(93/21)
.
[51] - نهج البلاغة شرح محمد عبده ص 237 ، شرح أبي الحديد ج8ص112 .
[52] - نهج البلاغة شرح محمد عبده ص412-413 ، شرح أبي الحديد ج11ص102 .
[53] - وأيت : أي (وعدت) والوأي : (الوعد). وتقول قد وأيت وأيا : أي (وعدت وعدا) .
[54] - نهج البلاغة شرح أبي الحديد ج6 ص176.
[55] - بحار الأنوار 25/ 209 .
[56] - الرياش والريش واحد وهو اللباس أو اللباس الفاخر .
[57] - نهج البلاغة شرح محمد عبده ص326 .
[58] - المصدر السابق ص245 .
[59] - الكافي ج1 ص 176 .
[60] - بحار الأنوار 39/151-157.
[61] - بحار الأنوار 26/358 ، بصائر الدرجات ص63.
[62] - أصول الكافي 1/258.
[63] - نفس الموضع من المصدر السابق .
[64] - أصول الكافي 1/254 ، بحار الأنوار26/88 - 89 ، بصائر الدرجات ص36 .
[65] - أصول الكافي 1/192-193.
[66] - المصدر السابق 1/223-226 .
[67] - المصدر السابق 255- 256 .
[68] - بحار الأنوار 40/213- 218 .
[69] - بئر غرس : بئر بالمدينة المنورة . انظر معجم البلدان 4/193.
[70] - بحار الأنوار 213/40 ، بصائر الدرجات ص80 .
[71] - نفس الموضع من المصدرين السابقين .
[72] - بحار الأنوار 40/215.
... ...(93/22)
تحريم المتعة في الكتاب والسنة
تأليف : يوسف جابر المحمدي
{ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآياتٍ لقوم يتفكرون } صدق الله العظيم
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونتوب إليه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، فإن أصدق الحديث كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
أما بعد : قال تعالى{ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآياتٍ لقوم يتفكرون } الروم / 21
فالسكن النفسي الموحي بالهدوء واستجماع الشتات وإسكات صرخات الجسد على صورة مطمئنة لايزعجها الخوف وتجديد قوى النفس كلما أخمدها الملل من رتابة العمل المعاشي والاستئناس والاستمتاع بما في الجنس الآخر من غواية المتعة حتى تسكن نوازع التطلع إلى مثل تلك المفاتن في نساء اخريات ، هذا هو المعنى الرحيب للسكن النفسي المراد من الزواج في قوله تعالى { ليسكن إليها } الأعراف /189 .(94/1)
وليس المتاع الجنسي على هذه الصورة وحده مقصود الزواج في الإسلام ، فالزواج ليس مجرد اتصال جنسي ، بل إن الزواج الإسلامي نموذج للشمول في العواطف والوجدانات يتناسب مع الشمول في عقيدة الإيمان ، فهو وسيلة لثراء الإنسان في المشاعر العليا ، وفي تهذيب الغرائز الجامحة وترويضها. فالمودة والرحمة بين الزوجين من مقاصد الزواج الرئيسية ، ومن الرحمة تكون الرحم ، وهي صلة القرابة في الآباء والأمهات وتنشأ علاقة أخرى هي مودة الرحم التي سميت في الإسلام " صلة القرابة " والتي توعد الله قاطعها بالحرمان من الجنة ، وربط اسمها واسم " الرحمن " و" الرحيم " دلالة وثيقة على ما بين مقاصد الزواج ومقاصد الإيمان . فالزواج في الإسلام نبع يفيض بأسمى الأخلاق ، ومدرسة جامعة يتعلم فيها الزوجان أصول المودة والرحمة والحب ، وما ينشأ عنها من الغيرة والعزة والوفاء ورعاية المحرمات .(94/2)
ولكن في الآونة الأخيرة وبسبب جنوح العواطف وعرام الشهوات ، والتفنن في الإثارة ورواج سوق السياحة واتخاذ الجاهلية الحديثة المرأة سلعة تباع وتشترى ..واعتبارها تسلية ومتعة وجعلها تطوف الشوارع عارية السيقان والصدور ! وتفخر بعريها وعبوديتها لبيوت الأزياء ! وأساتذة التجميل ودكاكين الديكور حتىجعلت شركات الدعاية العالمية صورها على كل شيء حتى على الأحذية وآلات الحلاقة الرجالية . ففي السويد عرضت المرأة صورها بشكل فاضح ومخز ، وفي إنجلترا باعت المرأة جسدها وفي فرنسا وأمريكا أصبح البغاء تجارة تدر الأرباح الكثيرة وهي تنادي بمزيد من هذا التهتك والابتذال باسم الحرية والحضارة ..فبسبب كل هذا أخذ بعض ذوي الأهواء والشهوات في حث الشباب والشابات إلى التمتع ببعضهم البعض باليوم واليومين والأسبوع والشهر ليشبعوا بذلك شهواتهم أمام مغريات العصر ....فأخذوا بإحياء ، موضوع " نكاح المتعة " من جديد بعد أن حسم في العصور الخالية وكان مما عفا عليه الأثر ولم يبق عند المسلمين كافة أي اهتمام به ولاذكر لكونه معلوم البطلان بواضح الكتاب والسنة والإجماع والعقل !
وقد نجحوا في دفع المرأة المسلمة إلى هذه الهاوية والأدهى والأمر أن هؤلاء يدفعونها إلى هذه الهاوية باسم الدين...وقد كثرت هذه الأيام مجادلاتهم ونقاشاتهم وتفننوا في تأليف الكتب في هذا الموضوع الحساس حتى وقع بعض الشباب من أصحاب النفوس الضعيفة والمريضة في حبالهم ، ولكن لا منجاة من هذه المهالك إلا باتباع منهج الله تبارك وتعالى ..ولاعاصم من الحرام إلا بدخول حصن الحلال من أبوابه المشرّعة ..فذلك أزكى وأطهر وأحسن عاقبة وأكرم سبيلاً .
وقد رأيت أن الحاجة ملحة في الرد على مثل هذه الدعوة السافرة إلى فتح أبواب الزنا والتوسع فيه مما يجعل الشباب ينصرفون عن الزواج الشرعي ، فألفت هذه الرسالة المختصرة .(94/3)
أولاً : المتعة لغة اسم مصدر متّع وتدور مادته على معنى الانتفاع والالتذاذ ومنه قول الشاعر
المشعث:
تمتع يا مشعث أن شيئاً سبقت به الممات هو المتاع
أي انتفع وتلذذ .
تعريف نكاح المتعة لغة وشرعا وحكمه :
وردت كلمة " المتعة " ومشتقاتها في القرآن 71 مرة ، في سور مختلفة(1)، ومعانيها وإن اختلفت راجعة إلى أصل واحد ودائرة حول الانتفاع ولا يستقيم معناها على اعتباره في " المتعة " موضوع البحث (2).
فالاستمتاع في اللغة الانتفاع ، وكل ما انتفع به فهو متاع ، يقال : استمتع الرجل بولده ، ويقال فيمن مات في زمان شبابه : لم يتمتع بشبابه قال تعالى في سورة الأنعام / 128
{ ربنا استمتع بعضنا ببعض } وقال تعالى في سورة الأحقاف / 20{ أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها } يعني تعجلتم بها. وقال تعالى في سورة التوبة /69 { فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم } يعني بحظكم ونصيبكم من الدنيا (3).
وفي الحديث الشريف قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم : " الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة(4).
وأما شرعا فإن لفظ المتعة يطلق على ثلاثة أشياء :
1- متعة الحج (5).
2- متعة الطلاق (6).
3- متعة النساء .
__________
(1) انظر المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم للمرحوم فؤاد عبد الباقي " باب الميم " ص 833-834
(2) انظر الأصل في الأشياء الإباحة ولكن المتعة حرام ص78-80
(3) التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب للإمام فخر الدين الرازي 10/ 40
(4) أخرجه أحمد في مسنده باسناد صحيح 8/ 75
(5) أي الإحرام بالعمرة في أشهر الحج من عامه
(6) وهي مال يجب على الزوج دفعه لامرأته المفارقة في الحياة بطلاق وما في معناه بشروط مخصوصة(94/4)
وما يهمنا هو " متعة النساء " أو " نكاح المتعة " وهو نكاح المرأة لأجل محدود ثم إخلاء سبيلها بانقضائه (1) .
فتعريف المتعة اصطلاحاً : بأن يقول الرجل لامرأة : متعيني نفسك بكذا من الدراهم مدة كذا ، فتقول له : متعتك نفسي ، أو يقول لها الرجل : اتمتع بك أي لابد في هذا العقد من لفظ التمتع (2).
حكمه شرعا :
شرع النكاح في الإسلام ، لمقاصد أساسية ، قد نص القرآن الكريم عليها صراحة ، ترجع كلها إلى تكوين الأسرة الفاضلة قال تعالى { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة } حيث أشارت الآية الكريمة إلى أن مناط السكن إنما هو " الزوجة " لا مطلق المرأة ! وبذلك يمكن القول بأن " الزوجة الدائمة " هي التي جرت سنة الله تعالى بجعلها سكنا للرجل ، وجعل بينها وبين زوجها مودة ورحمة ، بحكم العلاقة الزوجية الصحيحة الدائمة في أسرة تنجب البنين والحفدة على ما ينص عليه قوله تعالى { والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة } النحل /72، وحينما يربط الله تعالى الزواج بغريزة الجنس لم يكن ليقصد مجرد قضاء الشهوة ، أي لمجرد سفح الماء ، بل قصد أن يكون على النحو الذي يحقق تلك " المقاصد " من تكوين الأسرة التي شرع أحكامها التفصيلية القرآن الكريم من الخطبة ، فالزواج ، فالطلاق ، إذا لم يتفق الزوجان ، ثم الرضاعة ، والحضانة ، والنفقة ....إلخ
فالزواج إذاً تبعات وتكاليف جسام لإنشاء أسرة ، يحفز عليه غريزة الجنس ، تحقيقا للمقاصد العليا الإنسانية التي أشرنا إليها.
__________
(1) انظر معاجم اللغة كالجوهري في الصحاح والزبيدي في تاج العروس وأحمد فارس في معجم مقاييس اللغة والفيروزآبادي في القاموس والجمهرة لإبن دريد ولسان العرب وغيرها.
(2) انظر النكاح وقضاياه لأحمد الحصري ص168(94/5)
وعلى هذا ، فإن مجرد قضاء الشهوة و " الاستمتاع " مجرداً عن الإنجاب وبناء الأسرة ، يخالف مقصد الشارع من أصل تشريع النكاح ، لذلك أطلق عليه القرآن الكريم " السفاح " وحذر من اتباع هذا السبيل بقوله تعالى{ وأحل لكم ماوراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين } النساء /24، ومعنى الآية الكريمة صريح ، إذ مؤداه ، أن تتزوجوا النساء بالمهور ، قاصدين ما شرع الله النكاح لأجله ، من الإحصان ، وتحصيل النسل ، دون مجرد سفح الماء ، وقضاء الشهوة ، كما يفعل الزناة ! يرشدك إلى هذا أيضا ، ما رواه معقل بن يسار قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال : إني أصبت امرأة ذات حسب ومنصب ، إلا أنها لا تلد ، فأتزوجها ؟ فنهاه ، ثم أتاه الثانية فنهاه ، ثم أتاه الثالثة فنهاه ، فقال : تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم (1). إذ ليس المقصد مجرد الاستمتاع بالحسن والجمال ، كل ذلك دال دلالة واضحة ، لا لبس فيه ولا إبهام على ما ذكرنا من " المقاصد " الاجتماعية الرفيعة التي لا يمكن أن تتحقق إلا عن طريق الزواج الصحيح الدائم الذي شرعه الله تعالى أصلاً (2).
أدلة تحريم المتعة :
استدل جماهير الأمة من فقهاء أهل السنة ومن معهم من فقهاء الأمصار من الظاهرية والإباضية من الخوارج والزيدية والإسماعلية (من الشيعة ) على تحريم هذا النوع من النكاح وبطلان هذا العقد بالكتاب والسنة والإجماع والعقل .
أولاً : أدلة تحريم المتعة في القرآن :
__________
(1) اخرجه أبوداود 2050، والنسائي 6/65
(2) انظر " الأصل في الأشياء لسائح علي بحث محمد الدريني ص 8-12(94/6)
أما الكتاب فلقوله تعالى في سورتي المؤمنون / 4-7 والمعارج / 29-31{ والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون } وجه الاستدلال :إن الله حرم على المؤمنين جميع الفروج إلا فرجاً أحله سبحانه وتعالى بعقد الزواج الشرعي أو بملك اليمين .
أما المنكوحة متعة فليست واحدة من هاتين ، فلا هي زوجة ، ولا هي مملوكة رقيقة ، بل هي امرأة مستأجرة !! كما يقول القائلون بالمتعة .....وسيأتي تفصيله إن شاء الله .
قال القاضي أبو حنيفة النعمان بن محمد صاحب دعائم الإسلام -وهو من علماء الشيعة المتعصبين الإسماعيلية وقيل إنه من الاثنى عشرية- إن إبطال نكاح المتعة موجود في كتاب الله تعالى لأنه يقول سبحانه وتعالى { والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير
ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون } ، فلم يطلق النكاح إلا على زوجة أو ملك يمين ، وذكر الطلاق الذي يجب به الفرقة بين الزوجين ، وورّث الزوجين بعضهما من بعض ، وأوجب العدة على المطلقات ونكاح المتعة على خلاف هذا ، إنما هو عند من أباحه أن يتفق الرجل والمرأة على مدة معلومة فإذا انقضت المدة بانت منه بلا طلاق ، ولم تكن عليها عدة ولم يلحق به ولد إن كان منها ، ولم يجب لها عليه نفقة ، ولم يتوارثا ، وهذا هو الزنا المتعارف الذي لاشك فيه(1). وفيما يلي بيان تفصيل ذلك .
بيان أن امرأة المتعة ليست زوجة وليست ملك يمين :
أما أنها ليست بملك يمين فمسلم عندهم إجماعا !
__________
(1) دعائم الإسلام للقاضي المغربي 2/229(94/7)
وأما أنها ليست بزوجة فبسبب أن المتعة لو كان زواجا لتعلقت به الأحكام الواردة في القرآن بصدد الزواج كالطلاق ، والإرث ، والعدة ،والعدد ، والنفقة ...كما مر ...لذلك ، القائلون بالمتعة -هؤلاء أنفسهم - لا يعطونها أحكام الزوجة ولوازمها ! وسوف نلزمهم بما جاء في رواياتهم وكتبهم ...وما قاله أئمتهم الذين يعتقدون فيهم العصمة المطلقة وما قاله علماؤهم المجتهدون الذين يقلدونهم.
أولا : يعدونها امرأة "مستأجرة " (1).
1) فعن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله-أي جعفر الصادق - أنه قال : تزوج منهن ألفا فإنهن
" مستأجرات"
2) وعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر - أي محمد الباقر قال : إنما هي "مستأجرة " .
3) وعن عبد السلام عن أبي عبد الله قال : ليست من الأربع إنما هي " إجارة " .
4) وعن عمر بن أذينة عن أبي عبد الله قال : قلت : كم يحل من المتعة ؟ فقال : هن بمنزلة الإماء!!
5) وعن زرارة عن أبي جعفر قال : قلت له : الرجل يتزوج المتعة وينقضي شرطها ثم يتزوجها رجل آخر حتى بانت منه ثم يتزوجها الأول حتى بانت منه ثلاثا وتزوجت ثلاثة أزواج يحل للأول أن يتزوجها ، قال : نعم كم شاء ليس هذه مثل " الحرة " هذه " مستأجرة " وهي بمنزلة الإماء !!
6) وعن الفضيل بن يسار أنه سأل أبا عبد الله عن المتعة فقال : هي كبعض إمائك.
7)و عن عمر بن أذينة عن إسماعيل ابن الفضل الهاشمي قال : سألت أبا عبد الله عن المتعة فقال : الق عبد الملك ابن جريج فسله عنها فإن عنده منها علما فلقيته فأملى عليّ شيئاً كثيراً في استحلالها !! ، وكان فيما روي لي فيها ابن جريج أنه ليس فيها وقت ولا عدد إنما هي بمنزلة الإماء يتزوج منهن كم شاء !!
__________
(1) انظر وسائل الشيعة الى تحصيل مسائل الشريعة " كتاب النكاح باب (4) 14/ 446 -447 .(94/8)
وقال النجفي في جواهره : إن المتمتع بها ليست كالحرة ، هي " مستأجرة " كالأمة خصوصا خبر أبي جعفر : " في المتعة قال : ليست من الأربع لأنها لا تطلق ولا ترث ولا تورث و إنما هي "مستأجرة" الظاهر أو الصريح في اختصاص الإرث بالأربع من الزوجات بخلاف المتعة التي هي " مستأجرة" وبمنزلة الأمة ، بل لا يخفى على من تأمل ما ورد في المتعة وخصوصاً نصوص النهي عنها لمن يتمكن من التعفف بالتزويج إنها ليست زوجة توارث ، و إنما هي استمتاع وانتفاع .
وقال أيضا :تطابقت النصوص والفتاوى خصوصاً بعد تصريح الأدلة بأنهن " مستأجرات" ، ولا ريب في جواز ذلك في " الإجارة " .(1)
وقالوا : النكاح الدائم بمنزلة تملك البضع والمنقطع بمنزلة إجارة البضع ولذلك يحكم عليه بكل ما يناسبه من أحكام الإجارة فكما أن طبع الحال يقتضي حكم الشارع بجواز الملك و " الإجارة " في سائر ما يتمتع بها فكذلك في البضع قضاء للضرورة والحاجة ....(2)
ثانيا : امرأة المتعة مادامت مستأجرة ، فلا ترث !
1) فعن عمر بن حنظلة عن جعفر بن محمد الصادق في حديث في المتعة قال : وليس بينهما ميراث!
2) وعن سعيد عن جعفر بن محمد قال : سألته عن الرجل يتزوج المرأة متعة ولم يشترط الميراث قال ليس بينهما ميراث اشترط أو لم يشترط!
3) وعن زرارة عن أبي جعفر - أي محمد بن علي الباقر - في حديث قال : ولا ميراث بينهما !! في المتعة إذا مات واحد منهما في ذلك الأجل .
4) وعن أبان بن تغلب قال : قلت لأبي عبد الله : كيف أقول لها إذا خلوت بها ؟ قال : تقول : أتزوجك متعة ......لا وارثة ولا موروثة كذا وكذا يوماً ...(3).
__________
(1) انظر جواهر الكلام 30/192و202-203
(2) المحجة البيضاء في فهم تهذيب الأحياء 3/76 .
(3) الوسائل باب (18) باب صيغة المتعة وما ينبغي فيها من الشروط ! ح1(94/9)
5) وعن الأحول قال : سألت أبا عبد الله قلت : ما أدنى ما يتزوج الرجل به المتعة ؟ قال : كف من بر يقول لها : زوجيني نفسك متعة ...على أن لا أرثك ولا ترثيني (1)....
وقال النجفي في "جواهره " : الظاهر أو الصريح في اختصاص الإرث بالأربع من الزوجات بخلاف المتعة التي هي مستأجرة وبمنزلة الأمة .
وقال الحلي : " لا يثبت بهذا العقد ميراث شرطا سقوطه أو أطلقا "
وقال الخميني : لا يثبت بهذا العقد توارث فلو شرطا التوارث أو توريث أحدهما ففي التوريث إشكال ...
وقال الخوئي : " ولا توارث بينهما إلا إذا اشترط ذلك لهما أو لأحدهما ومع الاشتراط ينفذ الشرط(2).
ثالثا : يجوز أن يجمع رجل المتعة تحته أكثر من أربع متمتعات (3)ولو مليون !!
1) عن بكر بن محمد قال : سألت أبا الحسن عن المتعة أهي من الأربع ؟ فقال : لا .
2) عن عبيد بن زرارة عن أبيه عن أبي عبد الله قال : ذكرت له المتعة أهي من الأربع ؟ فقال : تزوج منهن ألفا ! فإنهن مستأجرات !!
3) عن زرارة بن أعين قال : قلت : ما يحل من المتعة ؟ قال : كم شئت !!
4) عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر في المتعة ليست من الأربع لأنها لا تطلق ولا ترث و إنما هي مستأجرة .
5) عن عمر بن أذينة عن أبي عبد الله (ع) قال له : كم يحل من المتعة ؟ قال : فقال : هن بمنزلة الإماء .
6) عن أبي بصير قال : سئل أبو عبد الله عن المتعة أهي من الأربع ؟ فقال : لا ولا من السبعين !!!
__________
(1) المصدر السابق ح5
(2) انظرجواهر الكلام 30/ 190وتبصرة المتعلمين في أحكام الدين للحلي ص258و المتعة ومشروعيتها في الاسلام116-121
وزبدة الأحكام للخميني ص248وتحرير الوسيلة 2/288ومنهاج الصالحين للخوئي 2/301-304والمسائل المنتخبة ص340والمتعة للفكيكي ص38 والروضة 5/296.....
(3) انظر الوسائل باب (4) باب أنه يجوز ان يتمتع بأكثر من أربع نساء !!! وان كان عنده أربع زوجات !! بالدائم(94/10)
7) عن عمر بن أذينة عن إسماعيل ابن الفضل الهاشمي قال : سألت أبا عبد الله (ع) عن المتعة فقال : الق عبد الملك ابن جريج فسله عنها فان عنده منها علما فلقيته فأملى عليّ شيئا كثيرا في استحلالها !! ، وكان فيما روى لي فيها ابن جريج أنه ليس فيها وقت ولا عدد إنما هي بمنزلة الإماء يتزوج منهن كم شاء !! وصاحب الأربع نسوة يتزوج منهن ما شاء بغير ولي ولا شهود ...
8) عن الفضيل بن يسار أنه سأل أبا عبد الله عن المتعة فقال : هي كبعض إمائك!!
وأما بخصوص فقهائهم فقالوا : " ويجوز الجمع بين أكثر من أربع في المتعة (1).
وقال عبد الله نعمة : " يجوز الزيادة في المتعة على أربع نساء في آن واحد على قول مشهور ، بخلاف الدائم فانه لا يجوز (2).
رابعا : المتمتع بها تنحل بدون طلاق .
1) عن هشام بن سالم قال : قلت : كيف يتزوج المتعة ؟ قال : يقول : أتزوجك كذا وكذا يوما بكذا وكذا درهما فإذا مضت تلك الأيام كان طلاقها في شرطها (3).
2) عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر في المتعة ليست من الأربع لأنها لا تطلق ولا ترث و إنما هي مستأجرة (4).
3) عن ابن أبي عمير في خبر صدقه الصادق (ع) قال : إذا انقضى الأجل بانت منه بغير طلاق (5).
4) عن أبان بن تغلب في حديث صيغة المتعة أنه قال له أبو عبد الله (ع) إن لم تشترط كان تزويج مقام ...ولم تقدر على أن تطلقها إلا طلاق السنة (6).
__________
(1) المتعة ومشروعيتها في الإسلام لمجموعة من علماء الشيعة ص133
(2) انظر روح التشيع ص460، جواهر الكلام 30/ 161
(3) الوسائل 14/ 466-467 باب18ح3
(4) الوسائل 14/ 446ح4 وانظر مستدرك الوسائل 14/ 473ح1 باب ان المتمتع بها تبين بانقضاء المدة وبهبتها ولايقع بها طلاق
(5) مستدرك الوسائل 14/ 473ح3
(6) الوسائل 14/ 470ح2(94/11)
5) عن محمد بن إسماعيل عن أبي الحسن الرضا (ع) قال : قلت له : الرجل يتزوج المرأة متعة سنة أو أقل أو أكثر قال : إذا كان شيئا معلوما إلى أجل معلوم قال : قلت وتبين بغير طلاق ؟ قال : نعم .
6) عن زرارة عن أبي جعفر (ع) في حديث المتعة -إلى أن قال - فإذا جاز الأجل كانت فرقة بغير طلاق (1).
7) عن الحسن الصيقل عن أبي عبد الله (ع) قال : قلت له رجل طلق امرأته طلاقا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره فتزوجها رجل متعة أتحل للأول ؟ قال : لا....والمتعة ليس فيها طلاق (2).
8) عن الحسن الصيقل عن أبي عبد الله (ع) قال : قلت له رجل طلق امرأته طلاقا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره فتزوجها رجل متعة أتحل للأول ؟ قال : لا لأن الله تعالى يقول { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها } والمتعة ليس فيها طلاق !!
9) عن عمر بن أذينة عن إسماعيل ابن الفضل الهاشمي قال : سألت أبا عبد الله (ع) عن المتعة فقال : الق عبد الملك ابن جريج فسله عنها فإن عنده منها علما فلقيته فأملى عليّ شيئاً كثيراً في استحلالها ، وكان فيما روى لي فيها ابن جريج انه ليس فيها وقت ولا عدد إنما هي بمنزلة الإماء يتزوج منهن كم شاء !! وصاحب الأربع نسوة يتزوج منهن ما شاء بغير ولي ولا شهود فإذا انقضى الأجل بانت منه بغير طلاق ويعطيها الشيء اليسير وعدتها حيضتان وإن كانت لا تحيض فخمسة وأربعون يوما ، قال: فأتيت بالكتاب أبا عبد الله (ع) فقال : صدق و أقر به ، قال ابن أذينة : وكان زرارة يقول هذا ، ويحلف أنه الحق !! إلا أنه كان يقول : إن كانت تحيض فحيضة وان كانت لا تحيض فشهر ونصف.
__________
(1) مستدرك الوسائل 14/ 473ح2
(2) تهذيب الأحكام 8/33-34(94/12)
وأما بخصوص فقهائهم فقال البحراني في حدائقه : " لا خلاف نصا وفتوى في أن المتعة لا يقع بها طلاق ، بل تبين بانقضاء المدة (1).
وقال نعمة : " لا طلاق في المتعة ، بل تبين المتمتع بها بمجرد انتهاء أجلها أو هبته لها ، بخلاف الدائم فانه لابد في بينونتها من طلاق أو نحوه (2).
خامسا : المتمتع بها لا تحلل المطلقة لزوجها الأول .
1) عن زرارة عن أبي جعفر قال : قلت له : الرجل يتزوج المتعة وينقضي شرطها ثم يتزوجها رجل آخر حتى بانت منه ثم يتزوجها الأول حتى بانت منه ثلاثا وتزوجت ثلاثة أزواج يحل للأول أن يتزوجها ، قال : نعم كم شاء ليس هذه مثل " الحرة " هذه مستأجرة وهي بمنزلة الإماء (3).
2) عن أبان عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله في الرجل يتمتع من المرأة المرات قال : لا بأس يتمتع منها ما شاء (4).
3) عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر قال : سألته عن رجل تزوج امرأة متعة كم مرة يرددها ويعيد التزويج قال : ما أحب (5).
4) عن محمد بن مسلم عن أحدهما - أي الصادق أو الباقر - قال : سألته عن رجل طلق امرأته ثلاثا ثم تمتع فيها رجل آخر ، هل تحل للأول : قال : لا (6).
5) عن الحسن الصيقل قال : سالت أبا عبد الله عن رجل طلق امرأته طلاقا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ويزوجها رجل متعة أيحل له أن ينكحها ؟ قال لا حتى تدخل في مثل ما خرجت منه (7).
__________
(1) انظر الحدائق 24/ 174 و الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 5/289وشرائع الإسلام للحلي 2/307
(2) انظر روح التشيع ص459- 460
(3) الوسائل 14/ 480 باب انه يجوز ان يتمتع بالمرأة الواحدة مرارا كثيرة ولا تحرم في الثالثة ولا في التاسعة كالمطلقة بل هي
كالأمة
(4) المصدر السابق ح2
(5) المصدر السابق ح3
(6) الكافي 5/ 425 باب تحليل المطلقة لزوجها وما يهدم الطلاق ح1
(7) المصدر السابق ح2(94/13)
6) عن الحسن الصيقل عن أبي عبد الله (ع) قال : قلت له رجل طلق امرأته طلاقا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره فتزوجها رجل متعة أتحل للأول ؟ قال : لا لأن الله تعالى يقول { فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره فإن طلقها } والمتعة ليس فيها طلاق (1).
7) عن عمار الساباطي قال : سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل طلق امرأته تطليقتين ثم تزوجت متعة هل تحل لزوجها الأول بعد ذلك ؟ قال : لا حتى تزوج بتاتا (2).
وأما بخصوص فقهائهم فقال عبد الله نعمة : " لا يقع بعقد المتعة المحلل للطلاق الثالث ، بل هو مختص بالنكاح الدائم مع الدخول بها إجماعا ، ونص الآية { حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها...}(3).
وقالوا : " لو طلق الرجل الدائمة ثلاثا مع تخلل رجعتين أو عقدين جديدين في البين حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره .....
وقالوا : يعتبر في زوال التحريم بالنكاح أمور أولها :" أن يكون العقد دائماً لا متعة !!
سادسا : يجوز لرجل المتعة أن ينكح مشركة ( زردشتية ) .
1) فعن محمد بن سنان عن الرضا قال : سألته عن نكاح اليهودية والنصرانية ، فقال : لا بأس ، فقلت : فمجوسية ؟ فقال : لا بأس به يعني متعةً (4).
2) عن ابن سنان عن منصور الصيقل عن أبي عبد الله قال : لا بأس بالرجل أن يتمتع بالمجوسية (5).
وأما بخصوص فقهائهم فقال الحلي في شرائعه : " فيشترط أن تكون الزوجة !! مسلمة أو كتابية كاليهودية والنصرانية والمجوسية ..(6)
سابعا : عدة المتمتع بها هي عدة المستأجرة (7).
1) فعن زرارة عن أبي عبد الله أنه قال : إن كانت تحيض فحيضة وإن كانت لا تحيض فشهر ونصف.
__________
(1) التهذيب 8/33-34ح22
(2) تهذيب الأحكام 8/33-34ح20
(3) انظر روح التشيع ص460
(4) باب حكم التمتع بالكتابية الوسائل 14/ 462ح4
(5) المصدر السابق ح5
(6) الشرائع للحلي 2/ 303
(7) انظر هذه الروايات المزعومة في الوسائل 14/ 473 باب 22(94/14)
2)و عن زرارة قال : عدة المتعة خمسة وأربعون يوماً كأني أنظر إلى أبي جعفر يعقده بيده خمسة وأربعين ، فإذا جاز الأجل كانت فرقة بغير طلاق .
3) وعن عمر بن أذينة عن زرارة قال : سألت أبا جعفر ما عدة المتعة إذا مات عنها الذي تمتع بها ؟ قال : أربعة أشهر وعشراً ، قال : ثم قال : يا زرارة كل النكاح إذا مات الزوج فعلى المرأة حرة كانت أو أمة وعلى أيّ وجه كان النكاح منه متعة أو تزويجا أو ملك يمين فالعدة أربعة أشهر وعشراً وعدة المطلقة ثلاثة أشهر والأمة المطلقة عليها نصف ما على الحرة ، وكذلك المتعة عليها مثل ما على الأمة (1).
4)وعن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا (ع) قال : قال أبو جعفر (ع) عدة المتعة خمسة وأربعون يوما والإحتياط خمسة وأربعون ليلة .
5) وعن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا قال : سمعته يقول : قال أبو جعفر (ع) عدة المتعة حيضة ، وقال : خمسة و أربعون يوماً لبعض أصحابه .
6) وعن عبد الله بن عمرو عن أبي عبد الله في حديث في المتعة قال : قلت : فكم عدتها ؟ فقال : خمسة وأربعون يوما أو حيضة مستقيمة .
7) وعن عمر بن أذينة عن إسماعيل ابن الفضل الهاشمي قال : سألت أبا عبد الله عن المتعة فقال : الق عبد الملك ابن جريج فسله عنها فان عنده منها علما فلقيته فأملى عليّ شيئا كثيرا في استحلالها !! ، وكان فيما روي لي فيها ابن جريج انه ليس فيها وقت ولا عدد إنما هي بمنزلة الإماء يتزوج منهن كم شاء !! وصاحب الأربع نسوة يتزوج منهن ما شاء بغير ولي ولا شهود فإذا انقضى الأجل بانت منه بغير طلاق ويعطيها الشيء اليسير وعدتها حيضتان وان كانت لا تحيض فخمسة وأربعون يوما ، قال : فأتيت بالكتاب أبا عبد الله (ع) فقال : صدق وأقر به ، قال ابن أذينة : وكان زرارة يقول هذا ويحلف انه الحق !! إلا انه كان يقول : أن كانت تحيض فحيضة وان كانت لا تحيض فشهر ونصف(2).
__________
(1) الوسائل كتاب الطلاق باب 52ح2
(2) الوسائل 14/ 447ح8(94/15)
8) وعن أبي بصير عن أبي جعفر في المتعة قال : لا بأس بأن تزيدها وتزيدك إذا انقطع الأجل بينكما فتقول :استحللتك بأمر آخر برضا منها ولا يحل لغيرك حتى تنقضي عدتها وعدتها حيضتان (1).
9 ) وعن أبي بصير قال : لابد من أن يقول فيه هذه الشروط : أتزوجك متعة كذا وكذا يوما ، بكذا وكذا درهما ، نكاحا غير سفاح على كتاب الله !!! وسنة نبيه !!!! وعلى أن لا ترثيني ولا أرثك وعلى أن تعتدي خمسة وأربعين يوما ، وقال بعضهم : حيضة (2).
أما عدة المتمتع بها إذا هلك رجل المتعة فهي :
1) فعن علي بن يقطين عن أبي الحسن قال : عدة المرأة إذا تمتع بها فمات عنها خمسة وأربعون يوما(3).
2) وعن عبد الرحمن بن الحجاج قال : سألت أبا عبد الله عن المرأة يتزوجها الرجل متعة ثم يتوفى عنها هل عليها العدة ؟ فقال : تعتد أربعة أشهر وعشرا وإذا انقضت أيامها وهو حي فحيضة ونصف مثل ما يجب على الأمة.
3) وعن علي بن عبيد الله عن أبيه عن رجل ! عن أبي عبد الله قال : سألته عن رجل تزوج امرأة متعة ثم مات عنها ما عدتها ؟ قال : خمسة وستون يوما (4).
وأما بخصوص فقهائهم فقالوا : " وعدتها مع الدخول إن انقضت مدتها أو وهبها حيضتان إن كانت ممن تحيض ..
ثامنا : المتمتع بها لها أجر (5) الأيام التي تحضرها.
1) فعن عمر بن حنظلة قال : قلت لأبي عبد الله: أتزوج المرأة شهرا بشيء مسمى فتأتي بعض الشهر ولا تفي ببعض قال : يحبس عنها من صداقها مقدار ما احتبست عنك إلا أيام حيضها فإنها لها(6).
2)و عن عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله قال : قلت له : أتزوج المرأة شهرا فأحبس عنها شيئا فقال: نعم خذ منها بقدر ما تخلفك أن كان نصف شهر فالنصف وان كان ثلثا فالثلث .
__________
(1) الوسائل 14/ 477ح6
(2) الوسائل 14/ 467ح4
(3) الوسائل 15/ 485ح3
(4) المصدر السابق ح4
(5) الوسائل 14/ 481-482 باب 27
(6) الوسائل 14/ 482ح4(94/16)
3) وعن عمر بن حنظلة قال : قلت لأبي عبد الله : أتزوج المرأة شهرا فتريد مني المهر كملا وأتخوف أن تخلفني قال : يجوز أن تحبس ما قدرت عليه فان هي أخلفتك فخذ منها بقدر ما تخلفك .
4) وعن إسحاق بن عمار قال : قلت لأبي الحسن (ع) يتزوج المرأة متعة تشترط له أن تأتيه كل يوم حتى توفيه شرطه أو يشترط أياما معلومة تأتيه فتغدر به فلا تأتيه على ما شرطه عليها ، فهل يصلح له أن يحاسبها على ما لم تأته من الأيام فيحبس عنها بحساب ذلك ؟ قال نعم ينظر إلى ما قطعت من الشرط فيحبس عنها من مهرها مقدار ما لم تف ماله خلا أيام الطمث فإنها لها ولا يكون لها إلا ما أحل له فرجها !!
وأما أتباعهم فقالوا : " لو أخلت بشيء من المدة ..قاصها من المهر بنسبة ما أخلت به من المدة بأن يبسط المهر على جميع المدة ويسقط منه بحسابه حتى لو أخلت بها جميعا سقط عنه المهر(1) .
وقال أحد فقهاؤهم تعليقا على هذا القول ما نصه بالحرف : كما لو متعها عشرة أيام بعشرة دنانير !!! فمنعت الزوجة !! الزوج !! عن الاستمتاع يومين مثلا فيسقط من المهر ! بنسبة هذين اليومين ديناران (2).
تاسعا : يقولون إنها لا تحصن(3).
1) فعن هشام وحفص البختري عمن ذكره !! عن أبي عبد الله (ع) في رجل يتزوج المتعة أتحصنه ؟ قال : لا إنما ذاك على الشيء الدائم عنده .
2) وعن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (ع) في حديث قال : لا يرجم الغائب عن أهله ولا المملوك الذي لم يبن بأهله ، ولا صاحب المتعة .
عاشرا : يجوز لرجل المتعة أن ينكح متعة امرأة متزوجة !!
__________
(1) الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 5/ 285
(2) انظر المصدر السابق الحاشية لكلانتر ص 285-286
(3) انظر الوسائل 18/ 351-355 أبواب حد الزنا باب 2 باب ثبوت الاحصان الموجب للرجم في الزنا بأن يكون له فرج حرة أو يغدو عليه ويروح بعقد دائم أو ملك يمين مع الدخول وعدم ثبوت الاحصان بالمتعة.(94/17)
فقد عقد كل من العاملي في وسائله والنوري في مستدركه(1) بابا في ذلك وسمياه " باب تصديق المرأة في نفي الزوج والعدة ونحوهما وعدم وجوب التفتيش السؤال ولا منها(2) " وهذه الروايات هي:
1) عن ميسر قال : قلت لأبي عبد الله (ع) ألقى المرأة بالفلاة التي ليست فيها أحد فأقول لها : لك زوج ؟ قتقول : لا فأتزوجها ؟ قال : نعم هي المصدقة على نفسها!!
2) وعن يونس بن عبد الرحمن عن الرضا (ع) في حديث قال : قلت له المرأة تتزوج متعة فينقضي شرطها وتتزوج رجلا آخر قبل أن تنقضي عدتها قال : وما عليك إنما إثم ذلك عليها !!
3) وعن إسحاق بن عمار عن فضل مولى محمد بن راشد ! عن أبي عبد الله (ع) قال : قلت إني تزوجت امرأة متعة فوقع في نفسي أن لها زوجا ففتشت عن ذلك فوجدت لها زوجا قال : ولم فتشت!!!
4) وعن أيوب بن نوح عن مهران بن محمد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) قال : قيل له : أن فلانا تزوج امرأة متعة فقيل له : أن لها زوجا فسألها فقال أبو عبد الله (ع) ولم سألها ؟ !!
5) وعن محمد بن أحمد بن نصر ومحمد بن الحسن الأشعري عن محمد بن عبد الله الأشعري قال : قلت للرضا (ع) الرجل يتزوج بالمرأة فيقع في قلبه أن لها زوجا ، فقال : وما عليه ؟ أرأيت لو سألها البينة يجد من يشهد أن ليس لها زوج!!
6) عن أبان بن تغلب عن أبي عبد الله(ع) في المرأة الحسناء ترى في الطريق ولا يعرف أن تكون ذات بعل أو عاهرة ، فقال : ليس هذا عليك إنما عليك أن تصدقها .(3)
__________
(1) مستدرك الوسائل للنوري 14/ 458-459 باب 9 ، وانظر بحار الأنوار 100أو 103/ 310والخلاصة
للمفيد ص55-56
(2) انظر الوسائل ا14/ 456-457الباب السابق
(3) مستدرك الوسائل للنوري 14/ 458-459 باب 9 ، وانظر بحار الأنوار لعلامتهم المجلسي 100أو 103/ 310وخلاصة الايجاز في المتعة لمفيدهم ص55-56(94/18)
7) عن جعفر بن محمد بن عبيد الله قال : سألت أبا الحسن (ع) عن تزويج المتعة وقلت : أتهمها بأن لها زوجا ، يحل لي الدخول بها قال (ع) : أرأيتك أن سألتها البينة على أن ليس لها زوج هل تقدر على ذلك (1).
وأما بخصوص أتباعهم فقال البحراني في تعليقه على هذه الأخبار ما نصه : " ومنها انه يصح التمتع بها بغير سؤال ، بل الأفضل ترك الفحص والسؤال فإنها مصدقة في عدم الزوج والعدة والأخبار !! بذلك متكاثرة (2).
حادي عشر : يجوز التمتع بالزانية!!
فقد عقد العاملي في وسائله(3) والنوري في مستدركه باباً أسمياه " باب عدم تحريم التمتع بالزانية وان أصرت!! "
1) فعن زرارة قال : سأله عمار وأنا عنده عن الرجل يتزوج الفاجرة متعة ، قال : لا بأس وان كان التزويج الآخر فليحصن بابه .
2) عن إسحاق بن جرير قال : قلت لأبي عبد الله أن عندنا بالكوفة امرأة معروفة بالفجور أيحل أن أتزوجها متعة قال : فقال : رفعت راية ؟ قلت : لا ، لو رفعت راية أخذها السلطان قال : نعم تزوجها متعة قال : ثم أصغى إلى بعض مواليه فأسر إليه شيئا فلقيت مولاه فقلت له : ما قال لك ؟ فقال : إنما قال لي : ولو رفعت راية ما كان عليه في تزويجها !! شيء إنما يخرجها من حرام إلى حلال.
3) عن علي بن يقطين قال : قلت لأبي الحسن نساء أهل المدينة قال : فواسق قلت : فأتزوج منهن ؟ قال : نعم.
4) عن زرارة عن أبي جعفر : سئل عن رجل أعجبته امرأة فسأل عنها فإذا الثناء عليها يثني في الفجور فقال : لا بأس بأن يتزوجها ! ويحصنها .
__________
(1) مستدرك الوسائل للنوري 14/ 458-459 باب 9 ، وانظر بحار الأنوار 100أو 103/ 310وخلاصة الايجاز في المتعة ص56
(2) انظر الحدائق 24/ 130
(3) انظر الوسائل باب (9) 14/ 454-455(94/19)
وأما بخصوص أقوالهم عن المتعة بالزانية فقال البحراني في تعليقه على الخبر الأول ما نصه : " وفيه دلالة على جواز التمتع بها وان كان يعلم أنها تزني بخلاف الزوجة الدائمة ، فانه شرط عليه أن يمنعها من الفجور (1).
وقال النجفي في جواهره : " يستحب له أن يسألها عن حالها مع التهمة وعلى كل حال فليس السؤال المزبور شرطا في الصحة !....ويكره أن تكون زانية فان فعل فليمنعها من الفجور وليس شرطا في أصل الجواز الذي عرفت لما تقدم سابقا - أي من الروايات - الدالة صريحا عليه وانه ليس عليه من إثمها شيء واختلاط الماء بعد أن قال الشارع " الولد للفراش ..غير قادح كما أوضحناه سابقا ...(2)
وقال الشيرازي ما نصه : " كراهية التمتع بالفاجرة لعلها من جهة احتمال التلوث بالأمراض مع المعاشرة و بتوحل السمعة !! وبعدم الأمن من اختلاط المياه ، لكن لا تلازم بين عقدها وبين مباشرتها ...(3)
ثاني عشر : يجوز أن يتمتع بالبكر دون أن يفتض بكارتها !!
1) فعن زياد بن أبي حلال قال : سمعت أبا عبد الله يقول : لا بأس أن يتمتع البكر ما لم يفض إليها كراهية العيب على أهلها .
2) وعن أبي سعيد القماط عمن رواه !! قال : قلت لأبي عبد الله : جارية بكر بين أبويها تدعوني إلى نفسها سرا من أبويها فأفعل ذلك ؟ قال : نعم واتق موضع الفرج ، قال : قلت : فان رضيت بذلك ، قال : وان رضيت فانه عار على الأبكار.
3) وعن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله قال : سألته عن التمتع بالأبكار فقال : هل جعل ذلك إلا لهن فليستترن وليستعففن !!
4) وعن الحلبي قال : سألته عن التمتع من البكر إذا كانت بين أبويها بلا إذن أبويها قال : لا بأس ما لم يقتض ما هناك لتعف بذلك .
__________
(1) الحدائق 24/ 133
(2) انظر جواهر الكلام 30/ 159-160والسرائر لابن إدريس 2/621 وملاذ الأخيار للمجلسي 12/35 و تحرير الوسيلة للخميني 2/261 و الحدائق 24/131و135و133.
(3) الفقه للشيرازي65/251-252(94/20)
وأما بخصوص أتباعهم فقال الحلي المحقق والعلامة : " للبالغة الرشيدة أن تمتع نفسها ، وليس لوليها اعتراض بكرا كانت أو ثيبا على الأشهر .....ويكره أن يتمتع ببكر ليس لها أب فان فعل فلا يفتضها وليس بمحرم (1).
وقال الطوسي : ولا بأس أن يتزوج الرجل متعة بكرا ليس لها أب من غير ولي ويدخل بها فان كانت البكر بين أبويها وكانت دون البالغ لم يجز له العقد عليها إلا بإذن أبيها وان كانت بالغا وقد بلغت حد البلوغ وهو تسع سنين إلى عشر جاز له العقد عليها من غير إذن أبيها إلا انه لا يجوز له أن يفضي إليها والأفضل ألا يتزوجها إلا بإذن أبيها على كل حال(2) .
ثالث عشر : لا لعان في المتعة (3).
1) عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله قال : لا يلاعن الرجل التي يتمتع منها .
2) عن ابن سنان عن أبي عبد الله قال : لا يلاعن الحر الأمة ولا الذمية ولا المتمتع بها .
وأما بخصوص أتباعهم فقالوا : " لا يقع بها لعان على الأظهر (4).
رابع عشر : لا ظهار في المتعة .
1) محمد بن علي بن الحسين قال : قال الصادق : لا يقع ظهار على طلاق ولا طلاق على ظهار (5).
2) عن فضال عمن أخبره ! عن أبي عبد الله قال : لا يكون الظهار إلا على مثل موضع الطلاق (6)..
وأما فقهاؤهم فقالوا : لا يقع بالمتمتع بها ظهار (7).
خامس عشر : لا إيلاء في المتعة .
__________
(1) الشرائع 2/306و تبصرة المتعلمين في أحكام الدين ص151 و انظر الجواهر 30/ 186 والنهاية للطوسي ص490
(2) النهاية للطوسي ص490
(3) انظر الوسائل 15/ 605 كتاب اللعان باب عدم ثبوت اللعان بين الزوج ! والمتعة
(4) انظر الشرائع للحلي 2/ 306 و الجواهر 30/ 189
(5) الوسائل كتاب الظهار باب (20)
(6) الوسائل كتاب الظهار باب (16)
(7) جواهر الكلام 30/ 189 ، وروح التشيع ص 460(94/21)
1) عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله قال : سألته عن الإيلاء فقال : إذا مضت أربعة أشهر ووقف فأما أن يطلق وإما أن يفيء ، قلت فان طلق تعتد عدة المطلقة ؟ قال : نعم (1).
أما بخصوص أتباعهم فقالوا : " و لا إيلاء على أصح القولين لقوله تعالى في قصة الإيلاء { وإن عزموا الطلاق } وليس في المتعة طلاق ، ولأن من لوازم الإيلاء المطالبة بالوطء وهو منتف في المتعة وبانتفاء اللازم ينتفي الملزوم(2).
سادس عشر : لا نفقة لامرأة المتعة في المتعة .
1) فعن هشام بن سالم عن أبي عبد الله في حديث في المتعة قال : ولا نفقة ولا عدة عليك (3).
وأما بخصوص أتباعهم فقالوا : لا نفقة للمنقطعة إلا مع الشرط ! أما الدائمة فلها النفقة حتى ولو اشترط عليها عدم الإنفاق ...لأن هذا الشرط لا أثر له ...(4)
وقال صاحب الجواهر في شرحه لنفقة الزوجة ما نصه : " أما الشرط المتفق عليه فاثنان الأول : أن يكون العقد دائما فلا نفقة لذات العقد المنقطع إجماعا بقسميه ..
والثاني : التمكين الكامل وهو التخلية بينها وبينه .(5).
سابع عشر : لا سكنى في المتعة فيجوز اشتراط المرة والمرتين .
1) عن القاسم بن محمد عن رجل سماه !! قال : سألت أبا عبد الله عن الرجل يتزوج المرأة على عرد واحد فقال : لا بأس ، ولكن إذا فرغ فليحول وجهه ولا ينظر !
2) عن زرارة قال: قلت له : هل يجوز أن يتمتع الرجل من المرأة ساعة ! أو ساعتين ؟ فقال : الساعة والساعتان لا يوقف على حدهما ، ولكن العرد والعردين واليوم واليومين والليلة وأشباه ذلك .
__________
(1) الوسائل كتاب الإيلاء والكفارات باب(12) ح2
(2) الروضة البهية 5/ 289، والجواهر 30/ 188وروح التشيع ص460
(3) الوسائل باب انه لانفقة على الرجل في المتعة 14/ 495-496 ح1
(4) المتعة ومشروعيتها في الإسلام لمجموعة من علماء الشيعة ص 122و133
(5) جواهر الكلام 30/ 303(94/22)
3) عن خلف بن حماد قال : أرسلت إلى أبي الحسن : كم أدنى أجل المتعة ؟ هل يجوز أن يتمتع الرجل بشرط مرة واحدة ؟ قال : نعم (1).
وأما بخصوص أتباعهم فقالوا : " يجوز أن يشترط عليها وعليه الإتيان ليلا أو نهارا وان يشترط المرة أو المرات مع تعيين المدة بالزمان (2).
وقد علق أحدهم على هذا القول بما نصه: " وحاصل الغاية أن المتمتع إنما يشترط هذا الشرط مع عدم وجوب المضاجعة والوطي في المتعة ليتوسع أوقاته لبقية أموره الدنيوية حتى لا يشغله الاستمتاع بها عن أعماله اليومية (3).
ثامن عشر : يجوز في المتعة اشتراط عدم الفض !
1) عن سماعة بن مهران وعن عمار بن مروان عن أبي عبد الله قال : قلت رجل جاء إلى امرأة فسألها أن تزوجه نفسها فقالت : أزوجك نفسي على أن تلتمس مني ما شئت من نظر والتماس وتنال مني ما ينال الرجل من أهله إلا أن لا تدخل فرجك في فرجي وتتلذذ بما شئت ! فإني أخاف الفضيحة ، قال : ليس له إلا ما اشترط(4) .
وأما بخصوص أتباعهم فقال البحراني : " المشهور بين الأصحاب انه لو اشترط المرأة المتمتع بها أن لا يطأها في الفرج !! لزم الشرط ولم يجز له الوطء ولو أذنت بعد ذلك جاز (5).
تاسع عشر : يجوز العزل في المتعة دون إذن امرأة المتعة .
1) فعن محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله عن العزل ، فقال : ذاك إلى الرجل يصرفه حيث شاء .
2) وعن ابن أبي عمير وغيره قال : الماء ماء الرجل يضعه حيث شاء (6).
__________
(1) الوسائل 14/ 479-480باب (25)
(2) السرائر 2/623 وتحرير الوسيلة 2/ 260
(3) حاشية الروضة 5/ 289 تعليق محمد كلانتر
(4) الوسائل باب جواز اشتراط الاستمتاع بما عدا الفرج ! في المتعة فيلزم الشرط ، وانظر الوسائل 15/45 باب 36
(5) الحدائق 24/197
(6) الوسائل 14/ 489 باب جواز العزل عن المتمتع بها(94/23)
وأما بخصوص أتباعهم فقال البحراني ما نصه : " قد صرحوا بأنه يجوز للمتمتع العزل وان لم ترض وان الولد يلحق به وان عزل ....(1)
عشرين : لا خلع في المتعة .
1) عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله قال : الخلع والمباراة تطليقة بائن وهو خاطب من الخطاب(2).
وفيما يلي جدول يبين أحكام الزوجة كما أنزلها وشرعها الله تعالى في محكم كتابه وأحكام امرأة المتعة كما شرعها أئمة الشيعة و أتباعهم .
أحكام الزوجة كما شرعها الله في القرآن
أحكام امرأة المتعة كما شرعها أئمة الشيعة
1- الزوجة في القرآن إما زوجة حرة أو زوجة أمة أو ملك يمين .
قال تعالى { والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم }
وقال تعالى { والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم } النساء /24
وقال تعالى { ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات } النساء /25
وقال تعالى { فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب} النساء /25
1- امرأة المتعة ليست زوجة حرة أو زوجة أمة ولا ملك يمين و إنما هي مستأجرة.
- عن زرارة عن أبي عبد الله (ع) قال : ذكرت له المتعة أهي من الأر بع ؟ فقال : تزوج منهن ألفا فإنهن مستأجرات!!
- عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) في المتعة ليست من الأربع ...... و إنما هي مستأجرة !!!
2- ثبوت الميراث للزوجة :
قال تعالى :{ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين } النساء/12
__________
(1) الحدائق 24/ 170-171 و انظر تبصرة المتعلمين ص152 ، والمتعة للفكيكي ص36 و المتعة ومشروعيتها في الاسلام ص133
(2) الوسائل كتاب الخلع والمباراة باب ( 5) ان طلاق المختلعة بائن(94/24)
2-عدم ثبوت الميراث لامرأة المتعة :
قال أئمة الشيعة :
- عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا (ع) قال : تزويج المتعة نكاح بميراث ونكاح بغير ميراث إن اشترطت كان و إن لم تشترط لم يكن .
- عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر (ع) يقول في الرجل يتزوج المرأة متعة انهما يتوارثان إذا لم يشترطا و إنما الشرط بعد النكاح .
- عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه ! عن أبي عبد الله (ع) في حديث في المتعة قال : أن حدث به حدث لم يكن لها ميراث .
- عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله (ع) كم المهر يعني في المتعة فقال : ما تراضيا عليه -إلى أن قال - وان اشترطا الميراث فهما على شرطهما .
- عن عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله (ع) في حديث عن المتعة قال : وليس بينهما ميراث .
- عن سعيد بن يسار عن أبي عبد الله (ع) قال : سألته عن الرجل يتزوج المرأة متعة ولم يشترط الميراث قال : ليس بينهما ميراث اشترط أو لم يشترط .
- عن عبد الله بن عمرو قال : سألت أبا عبد الله (ع) عن المتعة فقال : حلال لك من الله ! ورسوله ! قلت : فما حدها ؟ قال : من حدودها أن لا ترثها ولا ترثك .
- عن زرارة عن أبي جعفر (ع) في حديث قال : ولا ميراث بينهما في المتعة إذا مات واحد منهما في ذلك الأجل .
- عن أبان بن تغلب قال : قلت لأبي عبد الله (ع) : كيف أقول لها إذا خلوت بها ؟ قال : تقول : أتزوجك متعة على كتاب الله وسنة نبيه لا وارثة ولا موروثة كذا وكذا يوما ......
- عن أن أبي نصر عن ثعلبة قال : تقول : أتزوجك متعة على كتاب الله وسنة نبيه نكاحا غير سفاح وعلى أن لا تريثيني ولا أرثك ، كذا وكذا يوما بكذا وكذا درهما وعلى أن عليك العدة .(94/25)
- عن سماعة عن أبي بصير قال : لابد من أن يقول فيه هذه الشروط : أتزوجك متعة كذا وكذا يوما بكذا وكذا درهما نكاحا غير سفاح على كتاب الله وسنة نبيه وعلى أن لا تريثيني ولا أرثك وعلى أن تعتدي خمسة و أربعون يوما .
- عن الأحول قال : سألت أبا عبد الله (ع) قلت : ما أدنى ما يتزوج الرجل به المتعة ؟ قال : كف من بر يقول لها : زوجيني نفسك متعة على كتاب الله وسنة نبيه نكاحا غير سفاح على أن لا أرثك ولا ترثيني ، ولا أطلب ولدك إلى أجل مسمى فان بدا لي زدتك وزدتني .
3- الفرقة تكون بالطلاق أو بالخلع أو بالفسخ أو تفريق قاض ، و الطلاق مرتان والطلاق رجعي وبائن.
قال تعالى { وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن} البقرة/ 231
وقال تعالى { الطلاق مرتان} البقرة /229
وقال تعالى { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن } الطلاق /1
وقال تعالى {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن } البقرة / 237
وقال تعالى {والمطلقات يتربصن بأنفسهن} البقرة /228
وقال تعالى { وللمطلقات متاع بالمعروف } البقرة / 241
وقال تعالى { وان يتفرقا يغن الله كلا من سعته } النساء /131
وقال تعالى { فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به}
البقرة /229
وقال تعالى { الطلاق مرتان فامساك بمعروف أو تسريح باحسان} البقرة /229
قال تعالى { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله و اليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن ارادوا إصلاحا } البقرة /228
قال تعالى{ فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا} البقرة /230
3- باب أن المتمتع بها تبين بانقضاء المدة أو بهبتها ولا يقع بها طلاق وانه يجوز للمتمتع بالمرأة الواحدة مراراً كثيرة ولا تحرم في الثالثة ولا في التاسعة كالمطلقة ! بل هي كالأمة .(94/26)
- عن زرارة عن أبي جعفر (ع) في حديث قال : فإذا جاء الأجل يعني في المتعة كانت فرقة بغير طلاق.
-عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) في المتعة ليست من الأربع لأنها لا تطلق ولا ترث و إنما هي مستأجرة .
- عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال : قلت له : الرجل يتزوج المتعة وينقضي شرطها ثم يتزوجها رجل آخر حتى بانت منه حتى يتزوجها الأول حتى بانت منه ثلاثا وتزوجت ثلاثة أزواج يحل للأول أن يتزوجها ؟ قال : نعم كم شاء ليس هذه مثل الحرة هذه مستأجرة وهي بمنزلة الإماء .
- عن أبان عن بعض أصحابه ! عن أبي عبد الله (ع) في الرجل يتزوج من المرأة المرات قال : لا بأس يتمتع منها ما شاء .
- عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (ع) قال : سألته عن رجل تزوج امرأة متعة كم مرة يرددها ويعيد التزويج قال ما أحب .
4- المطلقة المدخول بها لها كامل المهر والغير مدخول بها ولا مسمى لها المهر لها المتعة و الغير مدخول بها وقد فرض لها المهر نصف الفريضة و المطلقة المدخول بها والغير مفروض لها المهر مهر المثل.
قال تعالى{ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا} البقرة /229
قال تعالى { لاجناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين} البقرة /236
قال تعالى {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم} البقرة /237
قال تعالى { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة} النساء /24
4- باب أن من تمتع امرأة ثم وهبها المدة قبل الدخول أو بعده لم يجز له الرجوع وان انتهاء المدة أو هبتها غير بائن فهي مستأجرة و باب جواز حبس المهر !! عن المرأة المتمتع بها بقدر ما تخلف من المدة إلا أيام حيضها فإنها لها(94/27)
- عن علي بن رئاب قال : كتبت إليه أسأله عن رجل تمتع بامرأة ثم وهبها لها أيامها قبل أن يفضي إليها أو وهب لها أيامها بعد ما أفضى إليها هل له أن يرجع فيما لها من ذلك ؟ فوقع (ع) لا يرجع.
- عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال : قلت له : الرجل يتزوج المتعة وينقضي شرطها ثم يتزوجها رجل آخر حتى بانت منه حتى يتزوجها الأول حتى بانت منه ثلاثا وتزوجت ثلاثة أزواج يحل للأول أن يتزوجها ؟ قال : نعم كم شاء ليس هذه مثل الحرة هذه مستأجرة وهي بمنزلة الإماء .
- عن عمر بن حنظلة قال : قلت لأبي عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : أتزوج المرأة شهرا فتريد مني المهر !!!!كملا وأتخوف أن تخلفني قال : يجوز أن تحبس ما قدرت عليه فان هي أخلفتك فخذ منها بقدر ما تخلفك.
5) المطلقة ثلاثا تحل للزوج الأول .
قال تعالى { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون }
البقرة /230
5)المتمتع بها لا تحل المطلقة للزوج الأول .
- عن محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال : سألته عن رجل طلق امرأته ثلاثا ثم تمتع فيها رجل آخر ، هل تحل للأول : قال : لا !
- عن الحسن الصيقل قال : سالت أبا عبد الله (ع) عن رجل طلق امرأته طلاقا لا تجل له حتى تنكح زوجا غيره ويزوجها رجل متعة أيحل له أن ينكحها ؟ قال : لا !! حتى تدخل في مثل ما خرجت منه.
- عن إسحاق بن عمار قال : سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل طلق امرأته طلاقا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره فتزوجها عبد ثم طلقها هل يهدم الطلاق ؟ قال : نعم لقول الله عز وجل في كتابه ( حتى تنكح زوجا غيره ) وقال هو أحد الأزواج .
- عن عمار الساباطي قال : سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل طلق امرأته تطليقتين ثم تزوجت متعة ! هل تحل لزوجها الأول بعد ذلك ؟ قال : لا !! حتى تزوج بتاتا !!(94/28)
- عن الحسن الصيقل عن أبي عبد الله (ع) قال : قلت له رجل طلق امرأته طلاقا لا تحل حتى تنكح زوجا غيره ، فتزوجها رجل متعة ! أتحل للأول ؟ قال : لا !! لأن الله تعالى يقول ( فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فان طلقها ) والمتعة ليس فيها طلاق
6- السكن والمودة والرحمة من أركان الزوجية :
قال تعالى { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} الروم /21
وقال تعالى{ هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها } الأعراف / 189
6-ل امودة ولا رحمة في المتعة :
- عن القاسم عن رجل سماه !! قال : سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يتزوج ! المرأة على عرد واحد ، فقال : لا بأس !! ولكن إذا فرغ فليحول وجهه ولا ينظر !
- عن خلف بن حماد قال : أرسلت إلى أبي الحسن (ع) كم أدنى أجل المتعة ؟؟ هل يجوز أن يتمتع الرجل بشرط مرة واحدة
قال : نعم !!!
- عن أبي بصير قال : لابد من أن تقول فيه هذه الشروط : أتزوجك متعة كذا وكذا يوما بكذا وكذا درهما
7- وجوب الإسكان .
قال تعالى { أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن ...} الطلاق /6
7- لا سكن في المتعة !
- عن إسحاق بن عمار قال : قلت لأبي الحسن (ع) يتزوج المرأة متعة تشترط له أن تأتيه !! كل يوم حتى توفيه شرطه أو يشترط أياما معلومة تأتيه فتغدر به فلا تأتيه على ما شرطه عليها ، فهل يصلح له أن يحاسبها على ما لم تأته من الأيام فيحبس عنها بحساب ذلك ؟ قال : نعم ينظر إلى ما قطعت من الشرط فيحبس عنها من مهرها مقدار ما لم تف ماله خلا أيام الطمث فإنها لها ولا يكون لها إلا ما أحل له فرجها !!
8- حرمة الجمع بأكثر من أربع زوجات .(94/29)
قال تعالى { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا} النساء /3
8- باب انه يجوز أن يتمتع بأكثر من أربع نساء !! وان كان عنده أربع زوجات بالدائم !
- عن بكر بن محمد قال : سألت أبا الحسن (ع) عن المتعة أهي من الأربع ؟ فقال : لا .
- عن زرارة عن أبي عبد الله (ع) قال : ذكرت له المتعة أهي من الأربع ؟ فقال : تزوج منهن ألفا فإنهن مستأجرات !!!
- عن زرارة قال : قلت : ما يحل من المتعة ؟ قال : كم شئت
- عن عمر بن أذينة عن أبي عبد الله (ع) قال : قلت : له كم يحل من المتعة ؟ قال : فقال : هن بمنزلة الإماء !!!
- عن أبي بصير قال : سئل أبا عبد الله (ع) عن المتعة أهي من الأربع ؟ فقال : لا . ولا من السبعين !!!!
9-وجوب العدة و المطلقة الغير مدخول بها لاعدة لها ، والمطلقة المدخول بها التي لا تحيض ثلاثة أشهر وعدة المتوفى عنها زوجها وهي غير حامل أربعة اشهر وعشرة أيام ، وعدة المطلقة الحامل و المتوفى عنها زوجها وهي حامل وضع الحمل .
قال تعالى { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم }.الطلاق /1
قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها} الأحزاب /4قال تعالى{واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر و اللائي لم يحضن} الطلاق
قال تعالى { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} البقرة /228
قال تعالى{والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} } البقرة /234
قال تعالى { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} الطلاق /4(94/30)
9- عدم وجوب العدة وإن المتمتع بها الغير مدخول بها لاعدة لها قياسا بالدائم وإن عدة المطلقة المدخول بها التي تحيض ثلاثة اشهر و عدة المتمتع بها المدخول بها التي لا تحيض و عدة المتمتع بها إذا هلك رجل المتعة .
- عن يونس بن عبد الرحمن عن الرضا (ع) في حديث قال : قلت له : المرأة تتزوج متعة فينقضي شرطها وتتزوج رجلا آخر قبل أن تنقضي عدتها ، قال : وما عليك إنما إثم ذلك عليها .
- عن زرارة عن أبي عبد الله (ع) أنه قال : أن كانت تحفحيضة وان كانت لا تحيض فشهر ونصف .
-عن زرارة عن أبي عبد الله (ع) أنه قال : أن كانت تحيض فحيضة وان كانت لا تحيض فشهر ونصف .
- عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا (ع) قال : قال أبو جعفر (ع) عدة المتعة خمسة وأربعون يوما والاحتياط خمسة وأربعون ليلة .
- وعن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا قال : سمعته يقول : قال أبو جعفر (ع) عدة المتعة حيضة ، وقال : خمسة و أربعون يوما لبعض أصحابه .
د)وعن أبي بصير عن أبي جعفر في المتعة قال : لا بأس بأن تزيدها وتزيدك إذا انقطع الأجل بينكما فتقول :استحللتك بأمر آخر برضا منها ولا يحل لغيرك حتى تنقضي عدتها وعدتها حيضتان
- فعن علي بن يقطين عن أبي الحسن قال : عدة المرأة إذا تمتع بها فمات عنها خمسة وأربعون يوما .
-وعن عبد الرحمن بن الحجاج قال : سألت أبا عبد الله عن المرأة يتزوجها الرجل متعة ثم يتوفى عنها هل عليها العدة ؟ فقال : تعتد أربعة أشهر وعشرا وإذا انقضت أيامها وهو حي فحيضة ونصف مثل ما يجب على الأمة.
- وعن علي بن عبيد الله عن أبيه عن رجل ! عن أبي عبد الله قال : سألته عن رجل تزوج امرأة متعة ثم مات عنها ما عدتها ؟ قال : خمسة وستون يوما.
9-تحريم التزوج بالمرأة المتزوجة .
قال تعالى {حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم .....والمحصنات من النساء } النساء /23-24(94/31)
9- باب تصديق المرأة في نفي الزوج والعدة ونحوهما وعدم وجوب !! التفتيش والسؤال ولا منها !!
- عن ميسر قال : قلت لأبي عبد الله (ع) : ألقى المرأة بالفلاة التي ليس فيها أحد فأقول لها : لك زوج ؟ فتقول : لا . فأتزوجها ؟ قال: نعم هي المصدقة على نفسها .
- عن الرضا (ع) في حديث قال : قلت له : المرأة تتزوج متعة فينقضي شرطها ، وتتزوج رجلا آخر قبل أن تنقضي عدتها ، قال : وما عليك إنما إثم ذلك عليها .
- عن فضل مولى محمد بن راشد عن أبي عبد الله (ع) قال : قلت : إني تزوجت امرأة متعة فوقع في نفسي أن لها زوجاً ففتشت عن ذلك فوجدت لها زوجا ً ، قال : ولم فتشت ؟
- عن مهران بن محمد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) قال: قيل له : أن فلانا تزوج امرأة متعة ، فقيل له : إن لها زوجاً فسألها ، فقال أبو عبد الله (ع) : ولم سألها ؟ .
- عن محمد بن عبد الله الأشعري قال : قلت للرضا (ع) : الرجل يتزوج بالمرأة فيقع في قلبه أن لها زوجاً ، فقال : وما عليه ؟ أرأيت لو سألها البينة كان يجد من يشهد أن ليس لها زوج .
10- ثبوت اللعان وعدم نفي الولد .
قال تعالى { والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه من الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم} النور /6-10
10-باب عدم ثبوت اللعان بين الزوج ! والمتعة !
- عن ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال : لا يلاعن الحر الأمة ولا الذمية ولا التي يتمتع بها !
- عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (ع) قال : لا يلاعن الرجل المرأة التي يتمتع منها !!
11- ثبوت الظهار .(94/32)
قال تعالى { الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا } المجادلة /2
11- عدم الظهار في المتعة .
- عن محمد بن علي بن الحسين قال : قال الصادق : لا يقع ظهار على طلاق ولا طلاق على ظهار .
- عن فضال عمن أخبره ! عن أبي عبد الله قال : لا يكون الظهار إلا على مثل موضع الطلاق.
12- وجوب النفقة .
قال تعالى {أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن} الطلاق / 6
وقال تعالى { لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لايكلف الله نفسا إلا ما آتاها} الطلاق /7
وقال تعالى {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } البقرة /233
12- باب انه لا نفقة ولا قسم ولا عدة على الرجل في المتعة .
- عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (ع) في حديث في المتعة قال : ولا نفقة ولا عدة عليك .
13- ثبوت الخلع .
قال تعالى { ولايحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به} البقرة /229
13- عدم الخلع في المتعة .
أ)عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله قال : الخلع والمباراة تطليقة بائن وهو خاطب من الخطاب .
14- شرط الإتيان في موضع الحرث .
قال تعالى { ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض و لا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } البقرة /223
14- باب جواز اشتراط الاستمتاع بما عدا الفرج في المتعة فيلزم الشرط !(94/33)
-عن عمار بن مروان عن أبي عبد الله (ع) قال : قلت : رجل جاء إلى امرأة فسألها أن تزوجه نفسها فقالت : أزوجك نفسي على أن تلتمس مني ما شئت من نظر والتماس وتنال مني ما ينال الرجل من أهله إلا أن لا تدخل فرجك في فرجي وتتلذذ بما شئت فإني أخاف الفضيحة !!! قال : ليس له إلا ما اشترط !
15-ثبوت الإيلاء .
قال تعالى { للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم} البقرة /226-227
15-عدم الإيلاء في المتعة !
- عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله قال : سألته عن الإيلاء فقال : إذا مضت أربعة أشهر ووقف فأما أن يطلق وإما أن يفيء ، قلت فان طلق تعتد عدة المطلقة ؟ قال : نعم.
16- وجوب الإحصان .
قال تعالى{ محصنين غير مسافحين}
المائدة /5
وقال تعالى { محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان} النساء / 25
وقال تعالى { وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله }
النور /33
وقال تعالى {ومن لم يستطع منكم أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ... ذلك لمن خشى العنت منكم وأن تصبروا خير لكم } النساء /25
16- باب عدم ثبوت الإحصان الموجب للرجم في الزنا ! بأن يكون له فرج حرة!! أو أمة ! يغدو عليه ويروح بعقد دائم !! أو ملك يمين ! مع الدخول وعدم ثبوت الإحصان بالمتعة !
- عن هشام وحفص البختري عمن ذكره !! عن أبي عبد الله (ع)
في رجل يتزوج المتعة أتحصنه ؟؟ قال : لا !! إنما ذاك على الشيء الدائم عنده !
- عن إسحاق بن عمار قال : قلت لأبي إبراهيم (ع) : الرجل تكون له الجارية أتحصنه ؟ قال : فقال : نعم إنما هو على وجه الاستغناء ، قال : قلت : والمرأة المتعة ؟ قال : فقال : لا إنما ذلك على الشيء الدائم ، قال : قلت : فان زعم أنه لم يكن يطأها ، قال: فقال : لا يصدق وإنما أوجب ذلك عليه لأنه يملكها .(94/34)
17- حرمة التزوج بالمشركة كالمجوسية .
قال تعالى { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} البقرة /221
وقال تعالى { ولا تمسكوا بعصم الكوافر} الممتحنة /10
وقال تعالى{ اليوم أحل لكم الطيبات ... والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} المائدة /5
وقال تعالى { وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين } الأنعام / 155-156
17- جواز المتعة مع المجوسية .
- عن ابن سنان عن الرضا (ع) قال : سألته عن نكاح اليهودية والنصرانية فقال : لا بأس فقلت : فمجوسية ؟ فقال : لا بأس به يعني متعة .
- عن منصور الصيقل عن أبي عبد الله (ع) قال : لا بأس بالرجل أن يتمتع بالمجوسية !
18-حرمة التزويج بالزانية .
قال تعالى { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين} النور / 3
18- باب عدم تحريم التمتع بالزانية !! وان أصرت !!!
- عن زرارة قال : سأله عمار و أنا عنده عن الرجل يتزوج الفاجرة !! متعة ، قال : لا بأس ! وان كان التزويج الآخر فليحصن بابه .
- عن إسحاق قال : قلت لأبي عبد الله (ع) : أن عندنا بالكوفة امرأة معروفة بالفجور أيحل أن أتزوجها متعة ؟ قال : فقال : رفعت راية ؟ قلت : لا لو رفعت راية أخذها السلطان قال : نعم تزوجها متعة ، قال : ثم أصغى إلى بعض مواليه فأسر إليه شيئا ، فلقيت مولاه فقلت له : ما قال لك ؟ فقال : إنما قال لي : ولو رفعت راية ما كان عليه في تزويجها شيء إنما يخرجها من حرام !! إلى حلال !(94/35)
-عن الحسن بن ظريف قال : كتبت إلى أبي محمد (ع) قد تركت التمتع ثلاثين سنة ثم نشطت ! لذلك ، وكان في الحي امرأة وصفت لي بالجمال ، فمال قلبي إليها وكانت عاهرا لا تمنع يد لامس فكرهتها ثم قلت قد قال الأئمة ! (ع) تمتع بالفاجرة! فانك تخرجها من حرام إلى حلال ، فكتبت إلى أبي محمد (ع) أشاوره في المتعة وقلت : أيجوز بعد هذه السنين أن أتمتع ؟ فكتب : إنما تحيى سنة !!! وتميت بدعة !!!! فلا بأس وإياك وجارتك المعروفة بالعهر وان حدثتك نفسك أن آبائي ! قالوا : تمتع بالفاجرة !! فانك تخرجها من حرام إلى حلال فان هذه امرأة معروفة بالهتك وهي جارة وأخاف عليك استفاضة الخبر ! منها فتركتها ولم أتمتع بها وتمتع بها شاذان بن سعد رجل من إخواننا وجيراننا فاشتهر بها حتى علا أمره وصار إلى السلطان وغرم بسببها ملا نفيسا وأعاذني الله من ذلك ببركة سيدي !!
- عن الحسن بن حريز قال : سألت أبا عبد الله (ع) في المرأة تزني عليها أيتمتع بها ؟ قال : أرأيت ذلك ؟ قلت : لا ، ولكنها ترمى به ، قال : نعم ، تمتع بها على انك تغادر وتغلق بابك!!!
- عن فضل مولى محمد بن راشد عن أبي عبد الله (ع) قال : قلت : إني تزوجت امرأة متعة فوقع في نفسي أن لها زوجاً ففتشت عن ذلك فوجدت لها زوجا ً ، قال : ولم فتشت ؟
- عن مهران بن محمد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) قال: قيل له : أن فلانا تزوج امرأة متعة ، فقيل له : إن لها زوجاً فسألها ، فقال أبو عبد الله (ع) : ولم سألها ؟!!
- عن أحمد بن محمد بن عيسى عن بعض رجاله ! عن أبي عبد الله (ع) قال : سألته عن رجل تزوج بالمرأة متعة أياما معلومة فتجيئه في بعض أيامها فتقول : إني قد بغيت قبل مجيئي إليك بساعة أو بيوم هل له أن يطأها وقد أقرت له ببغيها ؟ قال : لا ينبغي له أن يطأها .
ثانياً : أدلة تحريم المتعة من السنة النبوية:(94/36)
وفيما يلي بعض الأحاديث التي حرم فيها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نكاح المتعة ، ومنها حديث علي وسلمة وسبرة وابن عمر ...
1- عن محمد بن علي عن علي بن أبي طالب : " أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر ، وعن أكل لحوم الحمر الإنسية (1)
__________
(1) اخرجه مالك ص335 ، والحميدي ص37 قال : حدثنا سفيان ، وأحمد 1/ 79 (592) قال : حدثنا سفيان وفي 1/142 (1203) قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : أنبأنا معمر ، والدارمي 1996 قال : أخبرنا أحمد بن عبد الله ، قال : حدثنا مالك وفي
( 2203) قال : حدثنا محمد ، قال : حدثني ابن عيينة
والبخاري 5/172 قال : حدثنا يحيى بن قزعة ، قال : حدثنا مالك وفي 7/16 قال : حدثنا مالك بن اسماعيل ، قال : حدثنا ابن عيينة وفي 7/123قال : حدثنا عبد الله بن يوسف ، قال أخبرنا مالك وفي 9/31 قال : حدثنا مسدد ، قال : حدثنا يحيى ، عن عبيد الله بن عمر، ومسلم 4/134و135و6/63 قال : حدثنا يحيى بن يحيى ، قال : قرأت على مالك ابن أنس (ح) وحدثنا أبوبكر بن أبي شيبة وابن نمير وزهير بن حرب ، قالوا : حدثنا سفيان ح وحدثنا ابن نمير ، قال : حدثنا أبي قال : حدثنا عبيد الله ح وحدثني أبو الطاهر وحرملة ، قالا : أخبرنا ابن وهب ، قال : اخبرني يونس ، وفي 4/134 قال : وحدثناه عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي ، قال : حدثنا جويرية ، عن مالك وفي 6/ 63 قال : حدثنا : اسحاق وعبد بن حميد قالا : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، وابن ماجة 1961 قال : حدثنا محمد ابن يحيى قال : حدثنا بشر بن عمر قال : حدثنا مالك بن أنس ، والترمذي 1121و1794 قال : حدثنا ابن أبي عمر قال : حدثنا سفيان وفي (1794) قال : حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الوهاب الثقفي عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن مالك بن أنس (ح) وحدثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي قال : حدثنا سفيان ، والنسائي 6/125 قال : أخبرنا عمرو بن علي قال : حدثنا يحيى عن عبيد الله بن عمر وفي 6/126 قال : أخبرنا محمد بن سلمة والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع قالا : انبأنا ابن القاسم عن مالك (ح) وأخبرنا عمرو بن علي ومحمد بن بشار ومحمد بن المثنى ، قالوا : أنبأنا عبد الوهاب قال : سمعت يحيى بن سعيد يقول : أخبرني مالك بن أنس وفي 7/202 قال : أخبرنا محمد بن منصور والحارث بن مسكين قراءة عليه وانا أسمع عن سفيان (ح) أخبرنا سليمان بن داود قال : حدثنا عبد الله بن وهب قال : أخبرني يونس ومالك وأسامة ، ستتهم ( مالك وسفيان بن عيينة ، ومعمر ، وعبيد الله بن عمر ، ويونس ، وأسامة بن زيد ) عن الزهري عن عبد الله والحسن ابني محمد بن على ، عن أبيهما ، فذكره .....انظر المسند الجامع 13/266-268، مسند علي بن أبي طالب .(94/37)
.
2- وعن الربيع بن سبرة عن أبيه قال : " نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن نكاح المتعة عام الفتح (1).
3- وعن إياس بن سلمة عن أبيه قال : " رخّص رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثا ، ثم نهى عنها (2)
__________
(1) أخرجه الحميدي 846 قال : حدثنا سفيان وأحمد 3/ 404 قال : حدثنا اسماعيل بن ابراهيم ، قال : حدثنا معمر ، وفي 3/ 404 قال : حدثنا عبد الصمد قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا اسماعيل بن أمية ، وفي 3/404 قال : حدثنا عبد الرزاق قال : حدثنا معمر ، وفي 3/ 405 قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، والدارمي 2202 قال : أخبرنا محمد بن يوسف قال : حدثنا ابن عيينة ، ومسلم 4/ 133 قال : حدثنا عمرو الناقد ، وابن نمير ، قالا : حدثنا سفيان بن عيينة (ح) وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا ابن علية ، عن معمر (ح) وحدثنيه حسن الحلواني ، وعبد بن حميد ، عن يعقوب بن ابراهيم بن سعد ، قال حدثنا أبي عن صالح (ح) وحدثني حرملة بن يحيى ، قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني يونس ، وأبوداود 2072 قال : حدثنا مسدد بن مسرهد ، قال : حدثنا عبد الوارث ، عن اسماعيل بن أمية ، وفي 2073 قال : حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، والنسائي في الكبرى " تحفة الأشراف 3809 عن محمد بن عبد الله بن بزيع عن يزيد وهو ابن زريع عن معمر (ح) وعن محمد بن بشار ، عن وهب بن جرير عن أبيه عن محمد بن اسحاق ، ستتهم ( ابن عيينة ، ومعمر ، واسماعيل بن أمية ، وصالح ، ويونس ، ومحمد ابن اسحاق ) عن الزهري عن الربيع بن سبرة ، فذكره ...انظر المسند الجامع 6/32-33
(2) أخرجه أحمد 4/55 ، ومسلم 4/131 قال : حدثنا أبوبكر بن أبي شيبة كلاهما (أحمد ، وأبوبكر ) قالا : حدثنا يونس بن
محمد قال : حدثنا عبد الواحد بن زياد قال : حدثنا أبو عميس ، عن إياس بن سلمة ، فذكره ..انظر المسند الجامع ، مسند سلمة بن الأكوع 7/ 94-95(94/38)
.
4- وعن ابن عمر قال : لما ولى عمر بن الخطاب ، خطب الناس فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أذن لنا في المتعة ثلاثا ، ثم حرمها ، والله ، لا أعلم أحدا يتمتع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة ، إلا أن يأتيني بأربعة يشهدون أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أحلها بعد إذ حرمها (1).
5- وعن سالم بن عبد الله أن رجلا سأل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن المتعة فقال حرام قال : فان فلانا يقول فيها فقال : والله لقد علم أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حرمها يوم خيبر وما كنا مسافحين (2).
6- وعن سالم بن عبد الله قال : أتى عبد الله بن عمر فقيل له إن ابن عباس يأمر بنكاح المتعة فقال ابن عمر : سبحان الله ما أظن ابن عباس يفعل هذا ، قالوا بلى إنه يأمر به قال : وهل كان ابن عباس إلا غلاما صغيرا إذ كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم قال ابن عمر : نهانا عنها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وما كنا مسافحين (3).
ثالثا : أدلة تحريم المتعة من الإجماع .
وأما الإجماع : فقد أجمع الصحابة على تحريم هذا النكاح المسمى "متعة " لنهي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عنه .
__________
(1) أخرجه ابن ماجه (1963) قال حدثنا محمد بن خلف العسقلاني قال : حدثنا الفريابي عن أبان بن أبي حازم عن بكر حفص عن ابن عمر ، فذكره انظر المسند الجامع ، مسند عمر 13/ 552
(2) رواه الطبراني ....انظر مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 4/265 و السنن الكبرى 7/ 202
(3) رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح خلا المعافي بن سليمان وهو ثقة انظر مجمع الزوائد للهيثمي 4/265 ...،ورواه
عبد الرزاق في مصنفه 7/ 502(94/39)
وقد انعقد هذا الإجماع في شورى الصحابة حينما نهى عنها عمر رضي الله عنه وهو على المنبر أيام خلافته ، وأقره الصحابة (1).
قال الجصاص : وقد دللنا على ثبوت الحظر بعد الإباحة من ظاهر الكتاب والسنة وإجماع السلف ...ولا خلاف فيها بين الصدر الأول على ما بينا وقد اتفق فقهاء الأمصار مع ذلك على تحريمها ولا يختلفون (2).
وقال المازري : انعقد الإجماع على تحريمه ولم يخالف فيه إلا طائفة من المستبدعة وتعلقوا بالأحاديث الواردة في ذلك وقد ذكرنا أنها منسوخة فلا دلالة لهم فيها .(3)
و قال الخطابي في معالم السنن : تحريم المتعة كالإجماع إلا عن بعض الشيعة ولا يصح على قاعدتهم في الرجوع إلى المختلفات إلى علي و آل بيته فقد صح عن علي أنها نسخت ونقل البيهقي عن جعفر بن محمد أنه سئل عن المتعة فقال هي الزنا بعينه .
وقال القاضي عياض : " ..ووقع الإجماع بعد ذلك على تحريمها من جميع العلماء إلا الروافض (4).
وقال القرطبي : " أجمع السلف و الخلف على تحريمها إلا من لا يلتفت إليه من الروافض (5).
رابعا : أدلة تحريم المتعة من المعقول :
__________
(1) وما كانوا ليقروه على خطأ لو كان مخطئا ....فلم ينكر عليه أحد ...فلو سكتوا لعلمهم بحرمتها فذاك ولو سكتوا لجهلهم بحلها وحرمتها فمحال عادة لشدة احتياجهم الى البحث عن أمور النكاح ولو سكتوا مع علمهم بحلها وحرمتها عادة لشدة احتياجهم إلى البحث عن أمور النكاح ولو سكتوا مع علمهم بحلها فاخفاء الحق مداهنة وكفر وبدعة وذلك محال منهم .
(2) الجصاص في تفسيره 2/153
(3) المعلم 2/ 131
(4) انظر صحيح مسلم بشرح النووي 9/181
(5) انظر فتح الباري 9/78-79(94/40)
إن النكاح ما شرع لاقتضاء الشهوة فقط ،و إنما شرع مؤبدا لأغراض ومقاصد اجتماعية ومقاصد أخرى يتوسل به إليها ، مثل سكن النفس وإنجاب الأولاد وتكوين الأسرة ......وبقاء النوع الإنساني على وجه يليق بكرامة الإنسان ، وان غريزة الجنس إنما تأصلت في الفطرة ، لتكون حافزا على " النكاح الصحيح المشروع " الذي من شأنه أن يحقق تلك المقاصد السامية ، كيلا يتسافد الرجل والمرأة ، تسافد الحيوان ، وفي ذلك تضييع المرأة لنفسها و اذلالها وامتهانها ..... .إذ تصبح كالسلعة التي تنتقل من يد إلى يد ، فيضر بالأولاد حيث لا يجدون البيت الذي يستقرون فيه ويتعهدهم بالتربية والتأديب . ....وهذا تغيير لمجرى سنة الله في خلقه ، ونزع المرأة عن وظيفتها الشريفة السامية التي خلقها الله تعالى لها، وأحكم تكوينها الفطري لأدائها ولتكون زوجة يسكن إليها زوجها من عناء الحياة وتكون أما تحنو على أولادها ، وتتولى تنشئتهم النشأة الصالحة ، وبذلك تكون " الأسرة " هي المحضن الطبيعي ، للقادة والساسة والعظماء والعباقرة والعلماء ومن إليهم ولا يتصور أن يتخرج أمثال هؤلاء في غير الأسرة الشريفة النظيفة التي ينقطع فيها تعهد الآباء والأمهات بأبنائهم وإلا كانت الإباحية والانحلال الاجتماعي ، وفي ذلك القضاء المبرم على الأمة كلها ...(1)
لقد أراد الشارع الحكيم من عقد النكاح أن يكون عقدا للألفة والمحبة و الشراكة في الحياة ، وأية ألفة وشركة تجيء من عقد لا يقصد منه إلا قضاء الشهوة على شرط واحد أو على عرد واحد ....وإذا فرغ فليحول وجهه ؟!!
كيف يقع الزنا إذا لم يكن هذا النوع بالذات من النكاح زنا ؟!!
أليس الزنا يقع بالتراضي بين الطريفين على قضاء الوطر ؟
وهل تقل المفاسد التي تترتب على الزنا عن المفاسد التي تترتب على المتعة إذا أبيح مثل هذا النوع من النكاح ؟!
__________
(1) انظر الفقه الإسلامي للزحيلي 7/ 70، والحصري ص177، وفقه السنة 2/ 43 .(94/41)
فكيف يعرف الناس أبناءهم ؟
ومن ذا الذي يضمن استبراء المرأة رحمها بحيضة أو حيضتين أو 45 يوما ....أو ...بعد مفارقة المتمتع لها ، لتعرف نفسها هل هي حامل أم حائل ؟
وإذا لم يعرف الناس أبناءهم فمن الذي ينفق على هذا الجيش الجرار نتيجة المتعة ....
وأين العاقدون وقد قضى كل منهم وطره ومضى لسبيله ..؟ ولاسيما أن القائلين بالمتعة يقولون أن صاحب المتعة لو نفى الولد انتفى بلا لعان !
أن على المجتمع أن يخصص خطة تنمية لبناء دور الإيواء لأبناء المتعة ، وليصرف عليهم من صندوقي الضمان الاجتماعي والجهاد ! ولتشكر مشرعي المتعة لأنهم ألزموا صاحبة المتعة بعدة وفاء كاملة لأبعد الأجلين !....
ولتقفل الدكان وتجلس أمام الجامع للتسول حتى تنتهي العدة !
أن بيوت المال وخزائن الدول لتنوء بالإنفاق على هؤلاء ، وهي وان فتحت أبوابها لهؤلاء فقد تعطلت مرافق الحياة الأخرى التي من أجلها تجبى الأموال في بيوت المال .....وهذا ما حدث لإحدى هذه الدول حينما استحلت المتعة واستساغتها .
فقد كتبت مجلة " الشراع " الشيعية : أن رفسنجاني أشار إلى ربع مليون لقيط في إيران بسبب زواج المتعة (1).
وقالت : إن رفسنجاني هدد بتعطيل زواج المتعة بسبب المشكلات الكثيرة التي خلفها (2).
وقد وصفت مدينة " مشهد " الشيعية الإيرانية حيث شاعت ممارسة المتعة بأنها : " المدينة الأكثر انحلالا على الصعيد الأخلاقي في آسيا (3).
أن الجماعة التي تنطلق منها الشهوات بغير حساب -كهؤلاء ، جماعة معرضة للخلل والفساد ..لأنه لا أمن فيها للبيت ، ولا حرمة فيها للأسرة ....
هذا أحد مشايخهم يمارس المتعة بنهم وشبق ويدعى " ملا هاشم ! " يقول فيما نقلته إحدى الباحثات الشيعيات عنه ما نصه : " في إحدى المرات طلبت منه امرأة أن يذهب إلى منزلها ويصلي من أجلها ،
__________
(1) انظر مجلة " الشراع " العدد 684 السنة الرابعة ص4
(2) المصدر السابق
(3) انظر المتعة لشهلا حائري ص 39(94/42)
بعد الصلاة طلبت منه المرأة أن يبقى لفترة أطول ، لم يكن الملا ! هاشم عالما بطبيعة نواياها فقال لها إنه مضطر للمغادرة ، عندئذ نطقت المرأة بالعبارة المتعارف عليها " هذا الذي سيبقى سرا بيننا " فقال لها إنه لا يستطيع قضاء الليل معها ، ولكن باستطاعته " قضاء ساعتين " ......
وتقول أيضا : كان الملا هاشم سعيدا في وظيفته الدينية ! ، وقال لي مرارا انه لا يستطيع رفض أي عرض من امرأة للمتعة لم تتجاوز مدة أي عقد متعة ، الساعتين!! أو الثلاث !! ، يقول إنه كان يزور النساء في البيوتسابقا .....حسب رأي الملا ! هاشم ..فان زواج المتعة ينتشر بين رجال الدين أساسا (1).
إن هذا هدم للحياة الزوجية الصحيحة وتقويض لدعائم الأسرة وفتح لأبواب الفحشاء على مصاريعها من قبل من يستترون تحت الإسلام ...وأنهم من رجال الدين والدين منهم براء !
إنه لا يمكن لأي إنسان محايد غير متعصب ، إلا إنكار" هذا الزنا " والقول بأن أمثال هؤلاء الرجال زناة يجب إقامة الحد الشرعي عليهم ، وكما قال الصادق - فيما روى عنه صاحب "دعائم الإسلام " : إن رجلا سأله عن نكاح المتعة قال : صفه لي قال : يلقى الرجل المرأة فيقول أتزوجك بهذا الدرهم والدرهمين وقعة أو يوما أو يومين قال : هذا زنا وما يفعل هذا إلا فاجر (2).
وفيما روى عنه هشام بن الحكم عن أبي عبد الله في المتعة قال : ما يفعله عندنا إلا الفواجر !!!
أي أمثال هذا الملا المتستر ومن على شاكلته من أصحاب المتعة والجنس !!
شبهات المخالفين والرد عليها:
تعلق القائلون بالمتعة -وهم الاثنا عشرية- بشبهات وأوهام على استمرارية حل نكاح المتعة ، فاستدلوا حسب زعمهم من الكتاب والسنة والإجماع والعقل ....على إباحة المتعة !وهذه الشبهات
__________
(1) المصدر السابق ص226-227
(2) دعائم الاسلام 2/229ح859(94/43)
هي أوهن من بيت العنكبوت ولكن قد يبدو لمن لم يطلع على موضوع نكاح المتعة ، أن أدلتهم قوية ودامغة في حين إنها شبهات واهية وهي :
أولا: قالوا : إن في القرآن الكريم آيتين محكمتين أحداهما في تشريع متعة الحج وهي الآية 196 من سورة البقرة والأخرى في تشريع متعة النساء وهي الآية 24 من سورة النساء (1).
قالوا : ونحن حسبنا القرآن الكريم في نص إباحتها وهو قول الله عز وجل { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة } والمراد بإجماع أمة التوحيد بالاستمتاع المذكور في هذه الآية نكاح المتعة ، ولقد ذكر نزولها بهذا المعنى في أوثق مصادر التفسير عند أهل السنة .
ثانيا: قالوا : إن سياق الآية دال على نكاح المتعة بالنظر إلى ما قبلها وما بعدها من آيات يدلنا على اختصاصها بشأن المتعة ، فإن الآيات بصدد بيان شأن المحرمات عن المحللات والتأكيد على غض النظر عن الأموال التي تمتلكها الزوجات على ما كانت عليه الجاهلية الأولى من التطاول على أموال نسائهم استغلالا لجانب ضعفهن......
قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن } .... (19)
وقال عز وجل { وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا}....(21)
ثم قال { ولاتنكحوا ما نكح آباؤكم } ......( 22)
{حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم } .....(23)
__________
(1) الفصول المهمة ص63 ، ومسائل فقهية للموسوي ص75 ، ومقدمة مرآة العقول 1/ 275و321 ، والمتعة للفكيكي ص45(94/44)
{وأن تجمعوا بين الأختين } ....(23)
{والمحصنات من النساء } ....(24)
{وأحل لكم ما وراء ذلكم } ....(24)
إلى هنا اكتمل الهدف من تحريم البغي على الأزواج وهضم حقوقهن وتفصيل المحرمات ثم الحكم بتحليل ما عداهن إذ بقى حكم آخر غير مذكور في الآيات المذكورة فيتعرض له القرآن تتميما للفائدة قال { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة } ..... ( 24)
فتعرف من ذلك أن هناك نوعاً آخر من الأزواج غير المتقدم ذكرهن وقد لا يشملهن حكم الأولى فمست الحاجة إلى بيان آخر لتفصيل هذه فقال : وأما النساء المستمتع بهن فادفعوا إليهن أيضاً ما توافقتم عليه من أجر ولا تذهبوا بأجورهن كما كان الحكم كذلك في زواج الدائميات أيضاً .
ثم بيّن تعالى قسماً ثالثاً من النساء اللاتي يجوز نكاحهن : ( الإماء ) وهذه الأخيرة تخص أولئك الذين لا يستطيعون طولاً أن ينكحوا المحصنات : الحرات قال تعالى {ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات } ثم ينتهي الحديث بقوله تعالى { يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم ... }
تلك قرائن مكتنفة تدلنا على ترجيح القول بأن الآية المبحوث عنها تهدف إلى المتعة ( الزواج المؤقت ) وبذلك ينسجم سياق الآيات المرتبطة بعضها مع بعض من دون ما حصول تكرار أو إهمال ....
فلو كانت هذه الآية في بيان الدائم للزم التكرار في سورة واحدة أما إذا كانت لبيان المتعة فإنها تكون لبيان معنى جديد ... فالدائم وملك اليمين تبينا بقوله تعالى { فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم}(94/45)
ونكاح الإماء مبين بقوله تعالى { ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات } إلى أن قال :{ فإنكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف }. والمتعة مبينة بآيتها هذه { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن } والحاصل أن الله قد بين في أول السورة النكاح الدائم { فانكحوا ما طاب لكم من النساء }ثم وجوب إيتاء الصداق { وآتوا النساء صدقاتهن } ثم محرمات النكاح ثم إحلال ما عداها بنكاح دائم أو منقطع أو ملك يمين ثم وجوب إيتاء المهر في نكاح المتعة وجواز تجديده قبل انقضاء الأجل أو بعد زيادة في الفريضة(1).
ثالثا: قالوا : إن لفظة "الاستمتاع " يراد بها نكاح المتعة أو الزواج المؤقت !!
__________
(1) انظر مسائل فقهية ص76، ونقض الوشيعة 285و286، والميزان 4/ 280، وروح التشيع 461-262 ، وفقه الجنس ص137 ،
والروضة 5/ 249-251 .(94/46)
نقول : إن لفظ الاستمتاع والتمتع وإن كان في الأصل واقعاً على الانتفاع والالتذاذ فقد صار بعرف الشرع مخصوصاً بهذا العقد المعين لاسيما إذا أضيفت إلى النساء .....ولأن لفظة الاستمتاع كانت دائرة في أعراف الناس يراد منها " الزواج المؤقت " وورد لفظ القرآن بذلك فلابد من حمله على نفس المعنى المتداول جريا وفق أسلوب القرآن في جميع أحكامه وتشريعاته المترتبة على أعراف الناس أمثال البيع والربا والربح والغنيمة وما إلى ذلك ....فإذا أطلق لفظ الاستمتاع لا يستفاد به في الشرع إلا العقد بالأجل ألا ترى أنهم يقولون : فلان يقول بالمتعة وفلان لا يقول بها ولا يريدون إلا العقد المخصوص ....فالمراد بالاستمتاع المذكور في الآية نكاح المتعة بلا شك فإن الآية مدنية نازلة في سورة النساء في النصف الأول من عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد الهجرة على ما يشهد به معظم آياتها وقد كان الناس آنذاك يتمتعون بالنساء تمتعا مؤقتا إزاء أجر !! معين والآية وردت وفقا للعادة الجارية مؤكدة الوفاء بالأجر الذي يتفقان عليه .(1)
رابعا : قالوا : إن الله تعالى ذكر الاستمتاع و أعقبه بالأجر عليه فدل ذلك على جواز الاستمتاع.
خامسا : قالوا : إن الآية صرحت بلفظة " أجورهن" ولا أجر في النكاح الدائم بل هو مهر أو صداق ..... فحمل اللفظ على غير معناه المعهود تأويل لا شاهد عليه ....(2).
سادسا: قالوا : لو كان المراد بهذه الآية النكاح الدائم لوجب للمرأة بحكم الآية جميع المهر بنفس العقد .....
__________
(1) انظر تفسير الرازي 10/ 42-44 ، وتفسير الميزان 4/ 279 ، والروضة 5/ 284
(2) روح التشيع ص462 وص136 من كتاب المتعة ومشروعيتها في الاسلام لمجموعة من علماء مدرسة المتعة ، و المحجة البيضاء ص76 ( الهامش) ، والروضة 5/ 249(94/47)
ومما يدل أن لفظ " الاستمتاع " في الآية لا يجوز أن يكون المراد به الانتفاع والجماع انه لو كان المراد به عقد النكاح الدائم لوجب لها جميع المهر بنفس العقد لأنه قال { فآتوهن أجورهن } يعني مهورهن عند أكثر المفسرين وذلك غير واجب بلا خلاف و إنما يجب الأجر بكماله في عقد المتعة ..... بخلاف ما لو لم يحصل الاستلذاذ لم يجب إعطاء المهر وهو باطل لأنه قد يجب بالموت والفسخ ونصفه بالطلاق إذا حصل شيء من ذلك قبل الدخول .....لأنه لو كان كذلك لوجب أن لا يلزم من لا ينتفع بها من شيء من المهر وقد علمنا انه لو طلقها قبل الدخول لزمه نصف المهر وان خلا بها خلوة تامة لزمه جميع المهر عند كثير من الفقهاء وان لم يلتذ وينتفع (1)
سابعا : قالوا : إن الآية أمرت بوجوب إعطاء المهر بالاستمتاع وذلك يقتضي أن يكون معناها هذا العقد المسمى " نكاح المتعة " . لأن الله علق وجوب إعطاء المهر بالاستمتاع وذلك يقتضي أن يكون معناه هذا العقد المخصوص دون الجماع (2) .
ثامنا : وقالوا (3): إن جماعة من الصحابة كانوا يقرؤون الآية بزيادة " إلى أجل مسمى " .
فقد أخرج الحافظ أبو بكر البيهقي المتوفى 458 بإسناده في السنن الكبرى 7/205 عن محمد بن كعب عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " كانت المتعة في أول الإسلام وكانوا يقرؤون هذه الآية “ فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى " الحديث .وذكر (4) الحافظ أبو زكريا النووي الشافعي المتوفى 676 في شرح صحيح مسلم 9/181 أن عبد الله بن مسعود قرأ : فما استمتعتم به منهن إلى أجل .(5) .
__________
(1) التبيان للطوسي 3/ 166 ، ومجمع البيان 5/ 72 ، وتفسير قلائد الدرر 3/ 65 ، وفقه الجنس ص137 .
(2) مجمع البيان 5/ 71-72 ، أصل الشيعة ص105 ، السرائر 2/ 619
(3) الغدير 6/ 230 ، ومقدمة مرآة العقول 1/ 277
(4) المصدر السابق
(5) كاشف الغطاء في أصل الشيعة ص94، والفصول لعبد الحسين ص 66-67 ، ومقدمة مرآة العقول 1/ 278(94/48)
تاسعا : قالوا : إن آية المتعة غير منسوخة بل من المحكمات .
إن جماعة من أكابر علماء السنة رووا أن آية المتعة غير منسوخة منهم الزمخشري في تفسيره " الكشاف " حيث نقل عن ابن عباس إن آية المتعة من المحكمات .
وقالوا : ونقل غيره أن الحكم ابن عتيبة سئل : آية المتعة هل هي منسوخة ؟ فقال لا .
وقالوا : إن عمران بن حصين الصحابي صرح بنزول هذه الآية في المتعة وأنها لم تنسخ(1) ..
فقد أخرج أحمد في مسنده 4ص436 بإسناد رجاله كلهم ثقات عن عمران بن حصين قال : نزلت آية المتعة في كتاب الله تبارك وتعالى وعملنا بها مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلم تنزل آية تنسخها ولم ينه عنها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى مات.
وقالوا : إن هذه الروايات ونظائرها موجودة في أكثر صحاح السنة وتفاسيرهم وكتبهم الفقهية (2).
عاشرا: قالوا : إن نسخ آية المتعة بآية الأزواج مستحيل لأن آية المتعة في سورة النساء وهي مدنية ، وآية الأزواج في سورة المؤمنون والمعا رج وكلتاهما مكيتان ويستحيل تقدم الناسخ على المنسوخ (3)
__________
(1) الأميني 6/ 220 تحت عنوان " المتعة في الكتاب
(2) انظر ص 80-81 ، ومسائل فقهية ص75 وكاشف الغطاء في أصل الشيعة ص98 و الخوئي في تفسيره البيان ص319، وعبد الله نعمة في روح التشيع ص 464 و الفكيكي في " المتعة " ص 56 ، وجواد مغنية في تفسيره الكاشف 5/ 296
(3) انظر أدلتهم في " نقض الوشيعة " لمحسن الأمين ص273 وتفسير آلآء الرحمن للبلاغي 2/75 ، وكاشف الغطاء ص 94-100 ومجمع البيان 5/71-72 والتبيان 3/ 165 و تفسير قلائد الدرر للجزائري 3/67 و الغدير للأميني 6/208و229-235 وفقه
الجنس للوائلي ص 138-141 و مقدمة مرآة العقول للعسكري 1/275-278 والسرائر 2/ 619 و المتعة ومشروعيتها في الإسلام بحث عبد الله نعمة ص136 و الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية ( الحاشية ) 5/ 249-251 و 260و266و267 و274
الفكيكي ص41و133و143و 169 ، التفسير الكاشف 5/297 ومسائل فقهية ص75و84 ، وجواهر الكلام 30/ 145 ، والخوئي ص317و319و320(94/49)
.
وقالوا :إن أهل السنة يقولون " إن المتعة نسختها آية الأزواج في قوله { والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم} على الاعتبار أن المتمتع بها ليست بمملوكة وليست بزوجة لأنه لا عدة لها ولا طلاق ولا نفقة ولا إرث فتدخل في عموم قوله تعالى { فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون } وهذا خطأ ،فان آية المتعة من آيات سورة النساء المدنية وهي آخر ما نزل من القرآن الكريم وآية { إلا على أزواجهم } مكية لأن هذه الآية من آيات سورة " المؤمنون " ومن آيات سورة " المعارج " وكلتاهما مكيتان ولا يمكن نسخ المدني المتأخر زماناً بالمكي المتقدم زماناً.........
وقالوا : إن النسخ إنما يثبت بآية قرآنية أو بخبر متواتر لا بخبر الواحد ..... فالكتاب لا ينسخ بأخبار الآحاد . .
أحد عشر : قالوا : إن أهل السنة يقولون إن آية المتعة نسختها آية مواريث الأزواج { لكم نصف ما ترك أزواجكم}
قالوا : وفي الشرع مواضع كثيرة لا ترث فيها الزوجة كالكافرة والقاتلة والمعقود عليها في المرض إذا مات زوجها فيه قبل الدخول كما أنها قد ترث حق الزوجة مع خروجها عن العدة قبل انقضاء الحول إذاً فالإرث لا يلزم الزوجية طرداً ولا عكساً .على أن عدم التوارث في المتعة إنما هو لدليل خاص مضافاً إلى إن هناك من فقهاء الشيعة من يقول بالتوارث فيها وهذه المسألة خلافية بين أئمة الإمامية وفيها ثلاثة أقوال :
أ- يتوارثان مطلقاً بحكم ظاهر آية المواريث .
ب- يتوارثان مع الشرط .
ج- لا إرث بينهما وإن شرطا .(94/50)
وقد خرج القسمان الأخيران بالدليل الخاص ! فخصص به الكتاب ويجوز ذلك من حيث إن نفس النكاح مؤجل بأجل ، فتكون العلاقة مؤقتة لا توجب التوارث على أننا نتفق مع القائلين بلزوم اتباع ظاهر آية المواريث لأن المتمتع والمتمتع بها زوجان مع إن جمهور أهل السنة جوزوا نكاح الكتابية بالعقد الدائم واتفقوا على عدم التوارث بينها وبين زوجها المسلم تخصيصاً منهم لعموم الإرث بما رووه من قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يتوارث أهل ملتين(1) .
اثنى عشر : قالوا : إن أهل السنة يقولون بأن نكاح المتعة منسوخ بآية العدة بقوله تعالى { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن} و هذا الزعم باطل فإن المتعة أيضاً لها عدة لكنها نصف عدة النكاح الدائم .. (2).
ثالث عشر: قالوا : إن أهل السنة يقولون إن المتعة نسختها آية الطلاق، وهذا باطل فإن الطلاق ليس السبب الوحيد للمفارقة بل الفسخ إذا وجدت أسبابه أيضاً سبب للفراق كما أن انقضاء الأجل في النكاح المنقطع أيضاً سبب للفراق فلم ينحصر السبب في الطلاق .
ثم إن تشريع الطلاق لم يحصر إباحة الوطء وشرعيته بما كان مورداً للطلاق وإلا فما تقولون في التسري والوطء بملك اليمين فإن مورد الطلاق هو العقد المبني على الدوام لأن الطلاق هو الحل لعقدة الزواج الدائم قطع لدوامه.
رابع عشر : قالوا : إن أهل السنة يقولون إن المتعة نسختها آية الإحصان وهذا باطل فان آية المتعة مما يستدل بها على مشروعية المتعة وعلى أنها تحصن وذلك أن الآية بعد أن ذكرت المحرمات ذكرت ما يحل { وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن}
__________
(1) انظر كاشف الغطاء ص96 ، البيان للخوئي ص316-317 ، المتعة ومشروعيتها في الاسلام ص 144 .
(2) انظر الروضة مع اللمعة ( الحاشية ) 5/ 258 ، الخوئي في تفسيره ص 315-316 ، تفسير البلاغي 2/ 83 ، الانتصار للمرتضى ص 114 ، كاشف الغطاء ص96 .(94/51)
فأباحت ما وراء المحرمات وهو الابتغاء عن طريق الإحصان أو قل ابتغاء ما يحصّنكم ويبعدكم عن السفاح ... ومن هذا الابتغاء المتعة...كما أن المراد بالإحصان في قوله{ محصنين غير مسافحين} هو إحصان العفة دون إحصان التزوج لكون الكلام بعينه شاملاً لملك اليمين كشموله النكاح ولو سلم أن المراد بالإحصان هو إحصان التزوج عاد الأمر إلى تخصيص الرجم في زنى المحصن بزنى المتمتع المحصن بحسب السنة ! دون الكتاب فإن حكم الرجم غير مذكور في الكتاب من أصله (1).
خامس عشر: قالوا : كان علي بن أبي طالب المنكر الأول على من حرم المتعة وهو عمر كما أخرج ابن جرير الطبري بسند صحيح!! إن الحكم سئل عن هذه الآية أمنسوخة ؟ قال : لا وقال علي : لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي.(2)
وقالوا : إن الرواية عن ابن الحنفية عن أبيه ( ع) موضوعة ، فالحسن بن محمد ابن الحنفية معروف عندهم بآراء قبيحة كالإرجاء .......إذ لا يخفى على ابن الحنفية رأي أبيه ( ع) في المتعة ، فرواية النهي عن المتعة إلى أمير المؤمنين علي موضوعة قطعاً... وكيف يتم عزوها المختلق إلى أمير المؤمنين
( ع) وبين يدي الأمة قوله الصحيح ! الثابت ! : لولا أن عمر نهى عنه ما زنى إلا شقي ، فقد صح ! عنه (ع) مذهبه إلى تحليل المتعة ، والحديث أخرجه الثعلبي والطبري وصاحب الدر المنثور بعدة طرق والرازي وأبو حيان ......
سادس عشر : قالوا : إن جابر بن عبد الله أنكر على عمر تحريمه للمتعة.(3)
__________
(1) انظر المصدر السابق
(2) انظر " الفصول المهمة " ص79 لعبد الحسين ! الموسوي و الفكيكي في " المتعة" و مرتضى العسكري في " مقدمة مرآة العقول" 1/ 276 ومحمد كلانتر في اللمعة والغدير للأميني 6/ 239 وعبد الله نعمة في روح التشيع ص463-464 .
(3) في كتابه " مسائل فقهية " ص84(94/52)
وقالوا : لو كان هناك نهي من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما غاب عن الصحابة الذين تمتعوا في عهد أبي بكر و شطر من عهد عمر نفسه ، وهذا ينفي نسخها في عهد الرسول وإلا كان الخليفة الأول محللا لما حرم الله والرسول (1).
سابع عشر : قالوا : إن عبد الله بن عمر أنكر على أبيه تحريمه لمتعة النساء ....فقد نقل العلامة في نهج الصدق والشهيد الثاني من روضته البهية عن صحيح !! الترمذي أن رجلاً من أهل الشام سأل ابن عمر عن متعة النساء فقال هي حلال فقال : إن أباك قد نهى عنها فقال ابن عمر : أرأيت إن كان أبي قد نهى عنها وقد سنها [ صنعها] رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنترك السنة ونتبع قول أبي.
وقالوا : سئل ابن عمر مرة أخرى عن متعة النساء فقال - كما عن صحيح الترمذي !! هي حلال ، فقيل له إن أباك نهى عنها ... فقال : أرأيت إن كان أبي نهى عنها وصنعها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنترك السنة ونتبع قول أبي (2).
ثامن عشر: قالوا : إن أهل السنة استدلوا على ثبوت النسخ بروايات عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، ورد الشيعة هذه الروايات وناقشوها متنا وسندا وأثبتوا بالمنطق السليم أنها موضوعة على الرسول الأعظم بأدلة منها:
أ) تناقض روايات التحريم .
__________
(1) انظر كذلك التفسير الكاشف لمغنية 2/ 296-297 ، ودراسات في عقائد الشيعة ص260 لمحمد الحسني .
(2) الفصول المهمة ص80 وانظر الزواج المؤقت ودوره في حل مشكلات الجنس ص36 ، 37 لمحمد تقي الحكيم ، و الفكيكي في كتابه " المتعة " ص55-65 و130و 137 ، ونهج الحق للحلي ص282-283 ، والروضة البهية 5/ 283 ، و الصراط المستقيم للنباطي 3/ 269 ، و نقض الوشيعة لمحسن الأمين ص326-327 ? و المتعة ومشروعيتها في الإسلام ص 185 ، والزواج في القرآن والسنة لعز الدين بحر العلوم ص272 ، و الحدائق الناضرة للبحراني 24/ 114 .....(94/53)
قالوا إن أهل السنة أنفسهم يعترفون بأن روايات النسخ عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مضطربة متناقضة(1)في تاريخ الإباحة والنسخ والنهي ففي بعضها كما في روايات مسلم وابن حنبل أن الإباحة والتحريم كانا يوم الفتح ، وفي بعضها لم يعين الوقت وفي بعضها في حجة الوداع ، وإذا ضممنا إلى ذلك ما ورد في إباحتها يوم خيبر وعمرة القضاء وحنين وأوطاس وتبوك تكون قد أبيحت و نسخت ست مرات أو يبع مرات وروايات النسخ ليست بحجة حتى لو سلمت من التناقض لأنها من أخبار الآحاد ..والنسخ يثبت بآية قرآنية أو بخبر متواتر ،لا يثبت بخبر الواحد .(2)
وعارضوا النسخ بحديث عمران بن حصين وحديث جابر: كنت عند جابر بن عبد الله فأتاه آت فقال : ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين ، فقال جابر : فعلناهما مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما (3).
ومن ردود الشيعة : إن أصدق شيء في الدلالة على عدم النسخ في عهده صلى الله عليه وعلى آله وسلم قول عمر : "متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهي عنهما وأعاقب عليهما ، متعة الحج ومتعة النساء (4).
__________
(1) انظرجواد مغنية في تفسيره " الكاشف 5/ 297 ،النجفي في جواهر الكلام 30/ 147، والفكيكي 127-132 ،الحدائق 24/114-116 ، والإنتصار ص 110 ، روح التشيع لعبد الله نعمة ص465-467، خلاصة الإيجاز للمفيد ص33 ، قلائد الدررللجزائري 3/ 69 ، تفسير الميزان 4/ 282و299-300، و البيان للخوئي321، ومسائل فقهية للموسوي ص77-78 و مقدمة مرآة العقول 1/ 313 و319
(2) انظر التفسير الكاشف لمغنية 5/ 297 .
(3) انظر المصدر السابق
(4) طريق الهدى ص165(94/54)
فالخليفة لم يدع النسخ كما سمعته من كلامه الصريح في إسناد التحريم والنهي إلى نفسه ، ولو كان هناك ناسخ من الله عز وجل أو من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأسند التحريم إلى الله تعالى أو إلى الرسول ! فان ذلك أبلغ في الزجر وأولى بالذكر .(1)
تاسع عشر : قالوا : إن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد أباح المتعة لأصحابه .
واجمع المسلمون على شرعية نكاح المتعة والإذن فيه في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بغير شبهة ثم ادعى نسخها ولم يثبت وقد ثبتت الإباحة بالإجماع فعلى من ادعى الحظر والنسخ الدلالة ، وقد ثبت إباحتها بالإجماع فلم يعدل إلى تحريمها إلا بالإجماع .
و النسخ مجرد ادعاء لم يثبت .
وقالوا : إنه لا نزاع ولا خلاف في أن المتعة كانت مشروعة والخصم يقول إنها نسخت ، قلنا المشروعية دراية والنسخ رواية و لا تطرح الدراية بالرواية .
وقالوا : أن المتعة ثبتت بدليل قطعي والأدلة المانعة لها كلها ظنية والقطعي لا ينسخ إلا بقطعي مثله.
و إذا تعارضت الأخبار وتكافأت سقطت عن الحجة والاعتماد وصارت من المتشابهات ولا بد من رفضها والعمل بالمحكمات وبعد ثبوت المشروعية والإباحة باتفاق المسلمين واستصحاب بقائها وأصالة عدم النسخ عند الشك يتعين القول بجوازها وحليتها إلى يوم القيامة.
وقالوا : إن المكي لا ينسخ المدني ، فآية الأزواج أو الفروج في سورة المؤمنين و المعارج وكلاهما مكيتان نزلتا قبل الهجرة بالاتفاق ، و آية المتعة في سورة النساء وهي مدنية فلا يمكن أن تكون ناسخة لإباحة المتعة المشروعة في المدينة بعد الهجرة بالإجماع ، ويستحيل تقدم الناسخ على المنسوخ.
وقالوا :إن روايات النسخ ليست بحجة حتى ولو سلمت من التناقض ، لأنها من أخبار الآحاد ...والنسخ إنما يثبت بآية قرآنية أو بخبر متواتر ولا يثبت بالخبر الواحد .
__________
(1) انظر الموسوي في مسائل فقهية ص78 ، ومغنية في تفسيره 5/ 297 .(94/55)
عشرين : قالوا : إن أهل البيت ( ع) ابتداءً بالإمام علي ( ع) وانتهاء إلى آخر أولاده من الأئمة ومن شيعتهم أيضا أطبقوا على ذلك وحتى عرفت كلمة الإمام ( ع) : لولا ما نهى عنه عمر ما زنى إلا شقي ........لذلك أجمع الإمامية -تبعا لأئمتهم الاثنى عشر - على دوام حلها ....فقد ثبت عدم نسخها بنصوص صحاحنا المتواترة عن أئمة العترة الطاهرة فراجعها في مظانها من وسائل الشيعة إلى أحكام الشريعة .(1)
وقالوا : لا نعلم في المتعة ضررا عاجلا أو آجلا وكل ما هذا شأنه فهو مباح لأنه لو كان فيها شيء من المفاسد لكان أما عقليا ! وهو منتف اتفاقا و إما شرعيا وليس كذلك وإلا لكان أحد مستمسكات الخصم ... لذلك فقد ثبت بالأدلة الصحيحة إن كل منفعة لا ضرر فيها في عاجل ولا آجل مباحة بضرورة العقل وهذه صفة نكاح المتعة فيجب إباحته بأصل العقل ...
فإن قيل فمن أين لكم نفي المضرة عن هذا النكاح في الآجل والخلاف في ذلك ؟
قلنا : من ادعى ضرراً في الآجل فعليه الدليل .(2)
أجوبة هذه الشبهات الواهيات
والجواب عن هذه الشبهات والتي هي أقوى شبهاتهم حسب الترتيب السابق ما يلي:
الجواب عن الشبهة (1) من وجوه عديدة :
أولا : صحيح أن الله تعالى شرع متعة الحج بالقرآن ، وذلك في قوله تعالى من سورة البقرة / 196{ فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي }، ولكنه سبحانه وتعالى لم يشرع متعة النساء بالقرآن بقوله تعالى { فما استمتعتم به منهن ....} ، وتفصيل ذلك : أن القرآن الكريم من أسلوبه في الدلالة على الأحكام ، إن هناك أحكاما مفصلة وأخرى مجملة ..
__________
(1) انظر جواهر الكلام للنجفي 30/ 150، " خلاصة الإيجاز في المتعة " ص27 ، و " مسائل فقهية " ص75و87 ، وفقه الجنس ص154 و الحدائق 24 / 113 .
(2) انظر الفكيكي ص166 ، السرائر 2/618(94/56)
فالحكم المجمل : وغالبا ما يأتي القرآن الكريم في بيان الأحكام بالحكم مجملا ، ليفسح المجال لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليقوم بالبيان الذي كلفه الله به في قوله تعالى في سورة النحل / 44{ وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون } ومن أمثلة ذلك :
أ) الأمر بإقامة الصلاة : فقد تعددت آيات القرآن في الحث على إقامة الصلاة والمحافظة عليها ، ومع ذلك لم يتعرض القرآن لبيان كيفياتها ، ولا لعدد ركعاتها ....وما إلى ذلك مما بينته السنة النبوية ، وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم في ذلك : صلوا كما رأيتموني أصلي .
ب) الأمر بإيتاء الزكاة : أمر القرآن بإخراجها وبين الأصناف الذين تدفع لهم الزكاة ، لكنه لم يحدد مقادير الزكاة ولا الأموال التي تخرج منها ، وجاءت السنة فبينت ذلك كله .
ج) ومثل ذلك الحج : بيّن القرآن وجوب الحج على المستطيع ولم يبيّن من هو المستطيع ، ولم يذكر من أركانه سوى طواف الإفاضة ، والسعي ، وتكلفت السنة ببيان كل ما يتعلق بالحج من أحكام ، وأدى الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم مناسك الحج ، وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأصحابه : خذوا عني مناسككم .
وهكذا في بقية الأحكام كالوصية والقصاص ....وغيرهما ...لو تتبعنا أكثر الأحكام التي جاءت في القرآن الكريم نجد إن بيان القرآن لها إنما هو على سبيل الإجمال لا التفصيل ......
الحكم المفصل :
ولكن بجانب ذلك هناك أنواع أخرى من الأحكام فصلها القرآن تفصيلا كاملا ، ولم يترك للسنة فيها مجالا إلا القليل ، وهذا هو الحكم المفصل ..
ومن أمثلة الحكم المفصل :
أ) أحكام المواريث : حيث بين القرآن فرض كل وارث ومقدار إرثه في حالاته المختلفة ......
ب) أحكام الأسرة :وهو موضوع البحث كالزواج والطلاق ، وما يتبع ذلك من أحكام العدة والنفقة .....
عناية القرآن والسنة النبوية بالنساء :(94/57)
يعلم كل المسلمين وكل من اطلع على القرآن وإن لم يؤمن به أن جميع هذه القضايا لها أحكام محددة في القرآن والسنة ولم تترك لاجتهادات البشر وتقديراتهم ......
فالزوجة وأحكامها وتشريعاتها بينتها أكثر من سورة أو آية ......
فنحن المسلمون عندنا أكبر سورة لأحكام النساء في القرآن وهي سورة النساء ، وأصح ما ذكر من حيث ترتيب النزول أنها سادسة السور التي نزلت بالمدينة ، فأول ما نزل بالمدينة سورة البقرة ثم الأنفال ثم آل عمران ثم الأحزاب ثم الممتحنة ثم النساء ....
هذه السورة هي الرابعة في المصحف والتي كثيرا ما يطلق عليها اسم " سورة النساء الكبرى " تمييزا لها عن سورة أخرى عرضت لبعض شؤونهن وهي " سورة الطلاق " التي كثيرا ما يطلق عليها اسم " سورة النساء الصغرى "(1) .
ولم تكن هاتان السورتان فقط هما كل ما عرض فيه القرآن لشأن النساء ، بل عرض لهن في أكثر من عشر سور ، وان لم تسم بهذا الاسم ، كما يأتي توضيح ذلك .
كيان الأسرة داخل الإطار الإسلامي :
لقد استوفى القرآن شأن الأسرة من جميع وجوهها وشرحت السنة النبوية المطهرة مقاصد القرآن الكريم وبينتها وفصلتها ..... ومن أهم ما جاء في القرآن والسنة عن نظام الأسرة ما يلي :
1- الأهداف النبيلة من الزواج .
2- الحث على الزواج والتزويج.
3- صفات الزوج والزوجة الصالحة.
4- طريقة توجيه الغريزة الجنسية إذا لم توجد القدرة على الزواج.
5- الطريقة التي يتم بها الزواج .
6- حقوق كل من الزوجين وواجباتهما .
7- كيف تتم المحافظة على هذه العلاقات المقدسة.
8- مدى استمرار آثار هذه العلاقة بعد الفرقة .
9- الأسرة والإسلام وقبله وتعدد الزوجات إلى أربع .
كما وان الإسلام من أجل تكريم المرأة ورفع الظلم عنها :
1-قيد تعدد الزوجات فجعل أقصى التعدد أربعا .
2-قيد الطلاق فجعله ثلاثا .
__________
(1) انظر تفسير القرآن الكريم لمحمود شلتوت من ص163 وما بعدها(94/58)
3- شرع الخلع إذا كرهت الزوجة زوجها وأرادت الفراق.
4- منع الظهار الذي يوجب الحرمة بين الزوجين مع بقاء الزوجية.
5- جعل للإيلاء مدة وأجلا وهو أربعة أشهر....
6- عاقب قاذف امرأته .....
وفيما يلي ذكر لبعض هذه النقاط .
ففي سورة البقرة عرض لهن في ربعين عظيمين هما { يسألونك عن الخمر والميسر } البقرة /219
{ والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أ راد أن يتم الرضاعة } البقرة/233
بين في أولهما حكم تزوج المسلم بالمشركة التي لا تؤمن بكتاب ولا برسول وحكم تزوج المسلمة بالمشرك { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون } البقرة /221
وأبطل بعض العادات الضارة التي كان يعتادها أهل الجاهلية مع النساء { ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولاتقربوهن حتى يطهرن فاذا تطهرن ....}
وأبطل بعض المعاملات التي كان يؤذي بها أهل الجاهلية النساء ، كما بين الطلاق الذي يملك الرجل فيه رجعة الزوجة ، والطلاق الذي لا يملك فيه ا لرجعة وبين أن للمرأة الحق في افتداء نفسها بما تملك من مال إذا أساء الرجل عشرتها وامتنع عن طلاقها ، وبين مساواتها للرجل فيما لها وفيما عليها من الحقوق الزوجية ، وأمر بإمساكها بمعروف أو تسريحها بإحسان ، وحذر من عضل النسا ء ومنعهن من أن يتزوجن بمن يرون طمعا في مالهن وإضرارا لهن .(94/59)
وبين في الربع الثاني أن المرأة شريكة الرجل في شأن الولد وإرضاعه ، وأنه لا يصح للرجل أن يبت في هذا الشأن برأي إلا عن { تراض منهما وتشاور } ، وبين الخطبة وأدبها ، كما بين حق المطلقات في المتعة : وهي ما يبذله الرجل للمرأة بعد طلاقها مما تتعزى به ويخفف عنها وقع الفراق ، وجعله حقا على المتقين ، وبين عدة المتوفى عنها زوجها ، وحث الأزواج على الإيصاء لهن بعد الوفاء ، وبالبقاء في منازلهن دون إخراج لهن منها ، نري ذلك كله في الآيات من 226-242 .
وعرض لهن في سورة المائدة ، وبين حل تزوج المحصنات الكتابيات منهن ، وسوى في حقوق الزوجية بينهن وبين المحصنات المؤمنات ، ونرى ذلك في الآية الخامسة من هذه السورة .
وعرض لهن في سورة النور ، وبين ما يردعهن عن ارتكاب ما يزري بالكرامة ويخل بالشرف والمكانة ، كما بين من تعدى عليهن بالقذف زوجا كان أو غير زوج وشرع الأدب الواجب على الرجال حين يريدون الدخول عليهن في البيوت ، حفظا لهن من أن تقع عليهن الأنظار وهن في حالة التبذل والقيام بالمصالح المنزلية ، كما خص هؤلاء الذين نضبت وجوههم من ماء الحياء بشديد من التحذير مما اعتادوا في إكراه الفتيات على البغاء تكسبا بعرضهن ، نرى ذلك كله في الآية الثانية حتى الآية الرابعة والثلاثين ، ثم في الآية الثامنة والخمسين حتى الآية الحادية والستين .
وعرض لهن في سورة الأحزاب وعالج كثيرا من المشاكل المنزلية وما يجب عليهن من آداب وقد اتخذت السورة زوجات الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم مثالا حيا فيما ينبغي أن تتخذه الزوجة الصالحة أساسا لحياتها الفاضلة ، ونرى ذلك في الآية الثلاثين من هذه السورة حتى الآية التاسعة والخمسين .(94/60)
وعرض لهن في سورة المجادلة ، فاستمع إلى رأي المرأة وقرره مبدءً يسير عليه التشريع العام الخالد ، وبذلك كانت آيا ت الظهار التي افتتحت بها السورة المذكورة أثرا من آثار الفكر النسائي ، وصفحة إلهية خالدة تلمح فيها على ممر الدهور صورة احترام الإسلام للمرأة ،و أن الإسلام ليس - كما يظن أعداؤه من أصحاب المتعة ومن لف لفهم - يراها مخلوقة يقاد بفكر الرجل ورأيه ، وإنما هي مخلوق له إبداء رأيه ، وللرأي قيمته ووزنه .
يقول أوس بن الصامت لزوجه خولة بنت ثعلبة : أنت علي كظهر أمي ، وكان المعروف في الجاهلية أن الرجل قال هذه الكلمة لزوجته حرمت عليه، ثم دعاها أوس إلى نفسه فأبت وقالت : والذي نفس خولة بيده لا تصل إليّ وقد قلت ما قلت حتى يحكم الله ورسوله ، ثم جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقالت :
يا رسول الله إن أوسا تزوجني وأنا شابة مرغوب فيّ ، فلما خلا سني ونثرت بطني جعلني كأمه ، وتركني إلى غير واحد ، فإن كنت تجد لي رخصة يا رسول الله فحدثني بها : فقال عليه والصلاة والسلام : ما أمرت في شأنك بشيء حتى الآن ، وما أراك قد حرمت عليه ، فأخذت تجادل رسول الله مرارا وتقول في الرد عليه : إنه ما ذكر طلاقا ، فكيف أحرم عليه ؟ إن لي منه صبية صغارا إن ضمهم إليه ضاعوا وإن ضممتهم إليّ جاعوا ، وجعلت ترفع رأسها إلى السماء وتقول : اللهم إني أشكو إليك ، وما برحت علي هذه الحال حتى نزلت الآيات الأربع الأوائل من هذه السورة .
وعرض لهن في سورة الممتحنة ، وبّين حكم النساء يهاجرن مؤمنات من بلاد الأعداء إلى بلاد الإسلام وحكم زوجيتهن لأزواجهن لأزواجهن السابقين ، وزواجهن بالمؤمنين ، وبين حقهن في المبالغة على السمع والطاعة ، وعلى القيام(94/61)
بحدود الشريعة وأحكامها وأنهن حقهن في ذلك كالرجال ، وقد وري المفسرون قصة هذه المبالغة التي شغلت مركز المفاوضة فيها عن النساء هند بنت عتبة زوج أبي سفيان وهي قصة طريفة تبدو فيها ظاهرة عظيمة من حرية الرأي في ا لنقاش والحوار ، ونرى ذلك في الآيات من العاشرة حتى الثانية عشرة من هذه السورة .
وعرض لهن في سورة التحريم في شأن جرى بين زوجات الرسول ، ويجري بين كل الزوجات في كل زمان ومكان ، وتقررت في هذه السورة مسؤلية المرأة عن نفسها مسؤلية مستقلة عن مسؤلية الرجل ، وأنه لا يؤثر عليها وهي صالحة ، فساد الرجل وطغيانه ، ولا ينفعها وهي طالحة صلاح الرجل وتقواه ، ونرى ذلك في الآيات الخمس الأوائل من هذه السورة ، والآيات التي ختمت بهن . وأخيراً عرض القرآن الكريم للنساء في سورتهن الكبرى والصغرى : النساء والطلاق . وكم تنبض قلوب النساء فرحاً لتكريم الله لهن وعنايته بهن حينما يسمعن أو يعلمن أن القرآن عرض لهن في هذه السور كلها وأن من بين هذه السور سورتين سميتا باسمهن وعالجتا كثيراً من شئونهن في أطوار حياتهن كلها من عهد الطفولة إلى عهد الزوجية والأمومة (1).
__________
(1) تفسير القرآن لمحمود شلتوت ص162-167(94/62)
فمثل هذه الأحكام والتشريعات فصلها القرآن تفصيلا كاملا ، ولم يترك للسنة فيها مجالا إلا القليل، فليس بمعقول أبدا أن يذكر القرآن تشريع نكاح المتعة بقوله تعالى{ فما استمتعتم به } التي هي في حقيقتها أكثر من قضية الزواج تعقيدا وأشد عسرا وأخطر أثرا بالإشارة إليها تلك الإشارة الخفية لو صح أن الإشارة كانت إليها ، ولما عرضها هذا العرض الخاطف ، بل لجعلها قضية بذاتها ، ولرسم حدودها ، وبين معالمها وموقف كل من الرجل والمرأة فيها ......ولما ترك المجال للبشر أن يشرعوا أحكامها وقوانينها هذا يقول :ترث وذاك يقول لا ترث إلا مع الشرط وآخر يقول اشترطا أم لم يشترطا فلا يرث .......
وإذا لم يكن القرآن الكريم بين أحكام امرأة المتعة وفصلها تفصيلا كاملا ، فلابد أنه ترك للسنة فيها مجالا، ليفسح المجال لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليقوم ببيان أحكام امرأة المتعة الذي كلفه الله به في قوله تعالى من سورة النحل / 44{ وأنزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم ولعلهم يتفكرون } إذ المفروض أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد بين للناس أن هذه الآية في المتعة ، وبين أحكامها ....لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ولكن ماذا نفعل والحال والواقع أن لا هذا ولا ذاك وقع ...إذ لا يوجد حديث واحد ولو ضعيف أو حتى موضوع سواء حول تفسير الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لهذه الآية في أنها نزلت في المتعة ..أو بيان أحكام امرأة المتعة !!
ثانيا : إن جمهور أهل السنة لم يتفقوا على تشريع نكاح المتعة بهذه الآية واليك أدلة ذلك من عدة وجوه :
أ) تفسير الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم ):
إن الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) لم يقل إنها نزلت في نكاح المتعة وبيان ذلك :(94/63)
إن المصدر الثاني الذي كان يرجع إليه الصحابة في تفسيرهم لكتاب الله تعالى هو رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) فيبين لهم ما خفي عليهم لأن وظيفته البيان كما اخبر الله عنه بذلك في كتابه حيث قال { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم و لعلهم يتفكرون } و كما نبه على ذلك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
فقد روى أبو داود بسنده عن المقدام بن معدي كرب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ألا لا يحل لكم لحم الحمار الأهلي ولا كل ذي ناب من السبع ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه (1) .
والذي يرجع إلى كتب السنة يجد أنها قد أفردت للتفسير بابا ذكرت فيه كثيرا من التفسير المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فمن ذلك على سبيل المثال لا الحصر :
ما أخرجه أحمد وغيره عن عدي بن حاتم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : إن المغضوب عليهم هم اليهود و إن الضالين هم النصارى .
وما رواه البخاري وغيره عن علقمة عن عبدالله رضي الله عنه قال لما نزلت { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم } شق ذلك على المسلمين فقالوا يا رسول الله أينا لا يظلم نفسه قال ليس ذلك إنما هو الشرك ألم تسمعوا ما قال لقمان لابنه وهو يعظه { يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم }(2) .
وما أخرجه أحمد بسنده عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الكوثر نهر في الجنة وعدنيه ربي عز وجل(3) .
وغير هذا كثير.......
__________
(1) سنن أبي داود كتاب السنة
(2) البخاري كتاب أحاديث الأنبياء ، الترمذي في تفسير القرآن وأحمد
(3) مسند أحمد(94/64)
فأين تفسير الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لهذه الآية التي يطلقون عليها " آية المتعة " ؟
وأين قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إن هذه الآية نزلت في نكاح المتعة أو النكاح المنقطع ؟!
ب) تفسير الصحابة رضى الله عنهم :
إن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ،لم يقولوا فيما يروونه عن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن الآية نزلت في المتعة ، وخير مثال نضربه ونلقم المخالف حجراً قول الإمام علي رضي الله عنه - الذي يعتبره أتباع المتعة أنه حجة وأنه الإمام المعصوم والوصي الأول وكان أعلم الصحابة بمواقع التنزيل ومعرفة التنزيل ، فإن السنة و الشيعة لم يروا عنه بأن هذه الآية نازلة في المتعة مع أنه كان يعلم نزول كل آية زماناً و مكاناً !
فقد أخرج أبو نعيم في الحلية عن علي رضي الله عنه أنه قال والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيم نزلت و أين نزلت وإن ربي وهب لي قلبا عقولا و لسانا سئولا.
و روى أبو الطفيل قال : شهدت عليا يخطب وهو يقول : سلوني فوالله لا تسئلوني عن شيء إلا أخبرتكم وسلوني عن كتاب الله فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل .
فأين تفسير علي كرم الله وجهه لهذه الآية التي يسمونها آية المتعة ؟؟!!
أما عمر ، فقد ذكر ابن عبد البر في الاستذكار في تأويل { فما استمتعتم به منهن} : أن جماعة منهم عمر رضي الله عنه قال : هو النكاح الحلال ، فإذا عقد النكاح ، ولم يدخل ، فقد استمتع بالعقدة ، فإن طلقها قبل أن يدخل بها ، فلها نصف الصداق ، وإن دخل بها ، فلها الصداق كله ، لأنه قد استمتع بها المتعة الكاملة (1).
وقال ابن مسعود : إنها محمولة على الاستمتاع بهن في النكاح ، وقول ابن مسعود إلى أجل مسمى يعني به المهر دون العقد (2).
ج) تفسير علماء الأمة :
__________
(1) الاستذكار 16/ 298
(2) الحاوي الكبير للماوردي 9/ 331(94/65)
وأما تفسير علماء الأمة ، فإنهم لم يقولوا إن الآية نزلت في المتعة ، بل يقولون أن هذه الآية لا تمت بصلة بنكاح المتعة أصلا و لا تدل على جواز نكاح المتعة والقول إنها نزلت في المتعة غلط... وتفسير البعض لها بذلك غير مقبول .
قال الحسن البصري أن { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن } هو النكاح .
وقال ابن شهاب : هو النكاح ، فإذا فرض النكاح {ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة } من إيجاب الصداق ، قليلا كان أو كثيرا .
وقال ربيعة : ذلك النكاح فما استمتعت به من امرأتك قلّ أو كثر ، ولم تصبها إلا ليلة ، قال الله تعالى { ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة } أي أعطت زوجها بعد الفريضة ، وذلك الذي قال الله عز وجل .
وقال المقدسي في كتابه " تحريم نكاح المتعة : " وروى غيرهم في تفسير ذلك ، ما يدل على صحة ما ذهبنا إليه ، وروي أن المراد به تقدير الصداق .
فعن سعيد عن الحسن و قتادة قالا في هذه الآية : إلى موت أو طلاق(1) .
وعن قتادة { فآتوهن أجورهن فريضة } قال : ما تراضوا عليه من قليل أو كثير ، فقد أحلّ الله ذلك لهما(2).
بيان تفاسير أهل السنة :
إن جمهور أهل السنة لم يقولوا بنزول هذه الآية في متعة النساء ولم يتفقوا أو يجمعوا على نزول هذه الآية في المتعة ، ونسبة القول اليهم كذب بين ، ومن أصر على ذلك فهو كاذب.
كما وان الشيعة القائلين بالمتعة لم يتفقوا على نزول هذه الآية في المتعة ، وإليك بيان أقوال علماء الفريقين من أهل التفسير في ذلك وقبل إيراد هذه الأقوال لابد من بيان أن الجمهور لم يقولوا بأن المراد من هذه الآية نكاح المتعة بشكل مفصل .
بيان أن الجمهور لم يقولوا بأن المراد من هذه الآية نكاح المتعة :
إن أكثر أهل التفسير لم ينسبوا ذلك إلى الجمهور وهذه بعض أقوالهم باختصار :
__________
(1) المقدسي في كتابه " تحريم نكاح المتعة " ص 181-182
(2) المقدسي ص 181-182(94/66)
أ) الرازي أن في الآية قولان ... الأول : إنها النكاح وهذا قول أكثر علماء الأمة.
الثاني : إن المراد المتعة .
ب) الإمام ابن الجوزي : إن مجاهد والحسن والجمهور قالوا المراد بالاستمتاع النكاح والثاني : انه نكاح المتعة .
ج) الطبري : أورد عدة أقوال في تفسير الآية بروايات مسندة فتارة إنها في النكاح رواية عن مجاهد والحسن وابن زيد وابن عباس ثم أورد من فسرها بالمتعة رواية عن مجاهد وابن عباس ...
وأما قوله تعالى { لا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة } أورد الطبري قول إنها النكاح وقال آخرون إنها المتعة ....
د) الكيا الهراسي : وظن ظانون أن الآية وردت في نكاح المتعة ..... والذي ذكروه هؤلاء لا يحتمل.
ه) النحاس يقول : اختلف العلماء في هذه ..... فقال قوم : هو النكاح بعينه وما أحل الله المتعة قط في كتابه وهذا قول حسن ومجاهد .....
و) البيضاوي : حكى قولين ، قول بأنها نكاح والقول الثاني قال عنه بأسلوب التمريض : وقيل إنها نزلت في المتعة .
ز) ابن العربي : أورد قولين ، الأول المراد النكاح وهذا قول الحسن ومجاهد والثاني المتعة.
ح) الماوردي : قال إن في الآية قولين أحدهما : إنها في النكاح وهو قول مجاهد والحسن وأحد قولي ابن عباس والقول الثاني إنها في المتعة بقراءة أبيّ وهذا قول السدي أيضاً .
ط) البغوي أورد قولين في الآية أحدهما قول الحسن ومجاهد إنها النكاح والثاني قال وقال آخرون : هو نكاح المتعة .
ي) الخازن : واختلفوا في معناه فقال الحسن ومجاهد المراد النكاح وعندما فسر قوله تعالى ل{ ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة } قال : واختلفوا فيه : فمن حمل ما قبله على نكاح المتعة - وأورد قولهم ثم قال - ومن حمل الآية على الاستمتاع بالنكاح الصحيح - وأورد قولهم..
يا) والإمام النسفي أورد قولين في تفسير الآية من دون أن ينسب القول الثاني أي إنها نزلت في المتعة إلى الجمهور .(94/67)
يب ) ابن كثير :حكى عن مجاهد بأنها في المتعة ، وقال أن الجمهور على خلاف ذلك .
يج ) رشيد رضا : أورد قولين في الآية انه في النكاح وهو المتبادر من نظم الآية......وذهبت الشيعة إلى أن المراد بالآية نكاح المتعة .....
يد) الألوسي أورد قولين في تفسير الآية :قول انه قيل في المتعة ..والقول الثاني انه في النكاح لا المتعة التي يقول بها الشيعة .
يه) الجصاص : إن الاستمتاع هو الانتفاع وهو ههنا كناية عن الدخول ...وفي فحوى الآية من الدلالة على أن المراد النكاح دون المتعة ثلاثة أوجه ......
يو) الشنقيطي : إن الآية في عقد النكاح لا في نكاح المتعة كما قال به من لا يعلم معناه....
والآن إليك ذكر هذه التفاسير بالتفصيل .
أ- ذكر تفاسير أهل السنة :
1- قال ابن الجوزي في تفسير قوله تعالى { فما استمتعتم به منهن فآتوهن }
فيه قولان :
أحدهما : انه الاستمتاع في النكاح بالمهور قاله ابن عباس والحسن ومجاهد والجمهور .
والثاني : انه الاستمتاع إلى أجل مسمى من غير عقد نكاح وقد روي عن ابن عباس انه كان يفتي بجواز المتعة ثم رجع و قد تكلف قوم من مفسري القراء فقالوا : المراد بهذه الآية نكاح المتعة ثم نسخت بما روي عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه نهى عن متعة النساء وهذا تكلف لا يحتاج إليه لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أجاز المتعة ثم منع منها فكان قوله منسوخا بقوله وأما الآية فإنها لم تتضمن جواز المتعة لأنه تعالى قال فيها { أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين } فدل ذلك على النكاح الصحيح قال الزجاج : ومعنى قوله { فما استمتعتم به منهن } فما نكحتموهن على الشريطة التي جرت وهو قوله {محصنين غير مسافحين } أي عاقدين التزويج { وآتوهن أجورهن } أي : مهورهن ومن ذهب في الآية إلى غير هذا فقد أخطأ وجهل اللغة .
قوله تعالى { ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة } فيه ستة أقوال :(94/68)
أحدها : إن معناه : لا جناح عليكم فيما تركته المرأة من صداقها ووهبته لزوجها ، هذا مروي عن ابن عباس وابن زيد .
والثاني : ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من مقام أو فرقة بعد أداء الفريضة روي عن ابن عباس أيضاً .
والثالث : ولا جناح عليكم أيها الأزواج إذا أعسرتم بعد الفرض لنسائكم فيما تراضيتم به من أن ينقصنكم أو يبرئنكم قاله أبو سليمان التيمي .
والرابع : لا جناح عليكم إذا انقضى أجل المتعة إن يزدنكم في الأجل وتزيدونهن في الأجر من غير استبراء قاله السدي ، وهو يعود إلى قصة المتعة .
والخامس : لا جناح عليكم أن تهب المرأة للرجل مهرها أو يهب هو للتي لم يدخل بها نصف المهر الذي لا يجب عليه قاله الزجاج .
والسادس : إنه عام في الزيادة والنقصان والتأخير والإبراء قاله القاضي أبو يعلى (1).
2- ويقول الكياالهراسي : وظن ظانون أن هذه الآية وردت في نكاح المتعة ....والذي ذكره هؤلاء في معنى قوله تعالى {فما استمتعتم به منهن }لا يحتمل ما ذكره هذا القائل الذي حمله على نكاح المتعة (2).
3- وقال الإمام النحاس : اختلف العلماء بعد اجتماع من تقوم به الحجة أن المتعة حرام بكتاب الله عز وجل وسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقول الخلفاء الراشدين المهديين وتوقيف علي بن أبي طالب رضي الله عنه ابن عباس وقوله انك رجل تائه وان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم " قد حرم المتعة ولا اختلاف بين العلماء في صحة الإسناد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وصحة طريقه بروايته عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تحريم المتعة ....
فقال قوم { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة } هو النكاح بعينه ! وما أحل الله المتعة قط في كتابه (3).
__________
(1) ابن الجوزي في تفسيره زاد المسير في علم التفسير 2/ 52-53
(2) الكياالهراسي في تفسيره " أحكام القرآن " ص412-413
(3) النحاس في تفسيره الناسخ والمنسوخ ص102(94/69)
4- وقال القيسي في " الإيضاح " {فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة }
هذه الآية نزلت فيما كان أباح النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من نكاح المتعة ثلاثة أيام، كان الرجل يقول للمرأة : أتزوجك إلى اجل كذا وكذا على ألا ميراث بيننا ولا طلاق ولا شاهد وأعطيك كذا وعلى القول الأول : النكاح إلى أجل بغير شاهد ولا ولي.
القول الثاني قال الحسن ومجاهد.
فالمعنى على هذا القول : فما استمتعتم به ممن تزوجتم وإن قّل الاستمتاع فلها صداقها فريضة
فالاستمتاع على هذا القول : النكاح الصحيح .
قوله تعالى { ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة }
من قال : إن قوله : { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة} في جواز المتعة نزل ثم نسخ ، قال : إن قوله : {ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة } منسوخ أيضاً ، لأن معناه عنده : لا حرج عليكم إذا تم االأجل الذي اشترطتم في الاستمتاع أن تزيدك المرأة في أجل الاستمتاع وتزيدها أنت في الأجرة على ما تراضيتم به قبل أن تستبرىء نفسها .
قال السدي : كان الرجل إن شاء أرضاها بعد الفريضة الأولى وتقيم معه بأجرة أخرى إلى أجل آخر.
فأما من قال : إن آية الاستمتاع محكمة يراد بها النكاح الصحيح المباح قال : هذا أيضاً محكم غير منسوخ مراد به النكاح الصحيح المباح ومعناه عنده : لا حرج عليكم فيما وهبت الزوجة لزوجها من صداقها إذا تراضوا على ذلك.
قال ابن زيد : إن وضعت له شيئاً من صداقها فهو سائغ له (1).
5- وقال القاضي الماوردي في تفسيره ما نصه { فما استمتعتم به منهن فآتوهن اجورهن فريضة}
أي آتوهن صدقاتهن معلومة ، وهذا قول مجاهد ، والحسن ، وأحد قولي ابن عباس .
والقول الثاني : إنها المتعة إلى أجل مسمى من غير نكاح ، قاله ابن عباس (2) .
__________
(1) القيسي في " الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه " ص 221-224
(2) القاضي الماوردي في تفسيره 2/ 471(94/70)
6- وقال النسفي في تفسيره ما نصه : { فما استمتعتم به منهن } فما نكحتموهن منهن { فآتوهن أجورهن } مهورهن لأن المهر ثواب على البضع فما في معنى النساء ومن للتبعيض أو للبيان ويرجع الضمير إليه على اللفظ في به وعلى المعنى في فآتوهن { فريضة } حال من الأجور أي مفروضة أو وضعت موضع إيتاء لأن الإيتاء مفروض أو مصدر مؤكد أي فرض ذلك فريضة {ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة } فيما تحط عنه من المهر أو تهب له من كله أو يزيد لها على مقداره أو فيما تراضيا به من مقام أو فراق .
وقيل : إن قوله فما استمتعتم نزلت في المتعة التي كانت ثلاثة أيام حين فتح الله مكة على رسوله ثم
نسخت .(1)
7-و قال الجصاص {فما أستمتعتم به منهن } يعني دخلتم بهن { فآتوهن أجورهن } كاملة و هو كقوله تعالى {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة }وقوله تعالى { فلا تأخذوا منه شيئا} والاستمتاع هو الانتفاع وهو ههنا كناية عن الدخول ...وفي فحوى الآية من الدلالة على أن المراد النكاح دون المتعة ثلاثة اوجه ......(2)
8- وقال نظام الدين النيسابوري في تفسيره {فما استمتعتم به منهن } أي فما استمتعتم به من المنكوحات ، من جماع ، أو عقد عليهن ، أو خلوة صحيحة عند أبي حنيفة { فآتوهن أجورهن } أي عليه ، فأسقط الراجع للعلم به ، ويجوز أن يراد بما النساء ، ومن للتبعيض أو للبيان لا لابتداء الاستمتاع ، ويكون رجوع الضمير إليه في {به} على اللفظ وفي { فآتوهن } على المعنى . والأجور : المهور ، لأن المهر ثواب على البضع كما يسمى بدل منافع الدار والدابة أجرا ( فريضة ) حال من الأجور ، بمعنى مفروضة أو أقيمت مقام إيتاء ، لأن الإيتاء مفروض أو مصدر مؤكد : أي فرض ذلك فريضة ، ولا يخفى أنه إن استمتع بها بدخول بها يجب تمام المهر ، وان استمتع بعقد النكاح فقط فالأجر نصف المهر .
__________
(1) مدارك التنزيل وحقائق التأويل 1/ 304-305
(2) " أحكام القرآن " 2/ 146(94/71)
قال أكثر علماء الأمة : إن الآية في النكاح المؤبد ، وقيل المراد بها حكم المتعة ... واتفقوا على أنها كانت مباحة في أول الإسلام ، ثم السواد الأعظم من الأمة على أنها صارت منسوخة ، وذهب الشيعة إلى أنها ثابتة كما كانت .....{ ولاجناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة } الذين حملوا الآية على بيان حكم النكاح ، قالوا : المراد أنه إذا كان المهر مقدرا بمقدار معين فلا حرج في أن تحط عنه شيئا أو تبرئه عنه بالكلية . كقوله { فإن طبن لكم عن شيء }
وقال الزجاج : لا أثم عليكم في أن تهب المرأة للزوج مهرها ، أو يهب الزوج للمرأة تمام المهر إذا طلقها قبل الدخول .
قال أبوحنيفة : إلحاق الزيادة بالصداق جائز ، لأن التراضي قد يقع على الزيادة ، وقد يقع على النقصان ، وهي ثابتة إن دخل بها أو مات عنها ، أما إذا طلقها قبل الدخول بطلت الزيادة وكان لها نصف المسمى في العقد .
وقال الشافعي : الزيادة بمنزلة الهبة ، فإن أقبضها ملكته بالقبض ، وإن لم يقبضها بطلت . والدليل على بطلان هذه الزيادة أنها لو التحقت بالأصل ، فإما أن ترفع العقد الأول وتحدث عقدا ثانيا وهو باطل بالإجماع ،وإما أن تحصل عقدا مع بقاء العقد الأول وهو تحصيل الحاصل .
والذين حملوا الآية على حكم المتعة قالوا : المراد أنه ليس للرجل سبيل على المرأة من بعد الفريضة وهي المقدار المفروض من الأجر والأجل ، فان قال لها زيدي في الأيام وأزيد في الأجر فهي بالخيار(1).
__________
(1) " غرائب القرآن ورغائب الفرقان "4/ 15-18(94/72)
9- وقال الشنقيطي عند تفسيره { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة} ما نصه : يعني : كما إنكم تستمتعون بالمنكوحات فأعطوهن مهورهن في مقابلة ذلك وهذا المعنى تدل له آيات من كتاب الله كقوله تعالى { وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض } فإفضاء بعضهم إلى بعض المصرح بأنه سبب لاستحقاق الصداق كاملا هو بعينه الاستمتاع المذكور هنا في قوله { فما استمتعتم به منهن} وقوله { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } وقوله { ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا } فالآية في عقد النكاح لا في نكاح المتعة كما قال به من لا يعلم معناه (1).
10- وقال جلال الدين في تفسير الجلالين ما نصه : { فما } فمن { استمتعتم } تمتعتم { به منهن } ممن تزوجتم بالوطء {فآتوهن أجورهن } مهورهن التي فرضتم لهن { فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم } أنتم وهن { به من بعد الفريضة } من حطها أو بعضها أو زيادة عليها (2).
11- وقال الشيخ عبد الكريم الخطيب في تفسيره : {فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة } الاستمتاع المطلوب إيتاء الأجر عنه هنا ، هو ما يحققه الزواج للرجل من سكن نفسي ، وأنس روحي ، وقرة عين بالبنين والبنات إلى ما يجد من إشباع لغريزته الجسدية مع العفة والتصّون .. و "ما " في قوله تعالى فما استمتعتم به منهن .. اسم موصول لغير العاقل ، معدول به عن " من" التي يقع في حيزها العقلاء وهن النساء المرغوب في الزواج منهن وفي اختيار النظم القرآني لهذا الأسلوب إعجاز من إعجازه ... فإن ما في كلمة {ما } من التجهيل والتفخيم ما يلقي إلى شعور الرجال إحساساً بعظم الأمانة التي سيحملونها بهذا الزواج الذي هم مقدمون عليه وبأنه نعمة عظيمة من نعم الله لمن يعرف كيف يكشف أسرارها ويتعرف على مواقع الخير فيها (3).
__________
(1) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن" 1/384
(2) الجلالين ص 95
(3) التفسير القرآني للقرآن " 5/740 -753 .(94/73)
فالمرأة عالم رحيب ، أشبه بالبحر ، تكمن في أعماقه اللآلئ والدرر كما تضطرب في كيانه الحيتان والأخطبوطات .. والصيد في هذا البحر يحتاج إلى مهارة وكياسة وإلا وقع المحذور وساءت العاقبة.
هذا وقد حمل كثير من المفسرين قوله تعالى فما استمتعتم به منهن .. على نكاح " المتعة " وإن قوله تعالى فآتوهن أجورهن هو إشارة إلى الثمن الذي يقدمه الرجل للمرأة مقابل الاستمتاع بها.
والآية الكريمة في منطوقها لا تعطي هذا المفهوم ، الذي فوق إنه - في وضعه هذا - عنصر دخيل على القضية التي أمسك القرآن الكريم بجميع أطرافها هنا ، وهي قضية " الزواج " وما أحل الله وما حّرم على الرجال من النساء - فوق هذا فإن هذا المفهوم يناقض قوله تعالى {فريضة } الذي هو وصف ملازم للمهر الذي أشار إليه سبحانه تعالى بقوله فآتوهن أجورهن فريضة كما إنه يناقض قوله تعالى والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون .
والمرأة المتمتع بها ليست زوجة لأنها لا تحسب في الأربع المباح للرجل الإمساك بهن ولا ترث المتمتع بها ولا يرثها كما أنها ليست ملك يمين لمن يتمتع بها ...إن القرآن الكريم لم يجر فيه ذكر بإباحة المتعة وإن الآية الكريمة التي يستشهدون بها لهذا وهي قوله تعالى فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن إنما هي لتقرير حكم من أحكام الزواج الشرعي الدائم وهذا الحكم هو المهر الواجب لصحة عقد هذا الزواج (1) .
__________
(1) " التفسير القرآني للقرآن " 5/740 -753(94/74)
12- وقال الشيخ محمد علي السايس في تفسيره { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة} - ما - واقعة على الاستمتاع والعائد في الخبر محذوف أي فآتوهن أجورهن عليه كقوله { ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور } أي منه ويجوز أن تكون واقعة على النساء وأعاد الضمير في به عليها باعتبار اللفظ وفي منهن باعتبار المعنى وقوله فريضة معمول لفرض محذوف والمراد بالأجور المهور لأنها في مقابلة الاستمتاع فسميت أجر.{ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة} من حط لكله أو بعضه أو زيادة عليه - أمر بإيتاء الأزواج مهورهن وأجاز الحط بعد الاتفاق برضا الزوجين - وعلى ذلك تكون الآية نزلت في النكاح المتعارف .
وقيل نزلت في المتعة وهي أن يستأجر الرجل المرأة بمال معلوم إلى أجل معين وكان الرجل ينكح امرأة وقتاً معلوماً ليلة أو ليلتين أو أسبوعاً بثبوت أو غير ثبوت ويقضي منها وطراً ثم يتركها .
واتفق العلماء على أنها كانت جائزة ثم اختلفوا فذهب الجمهور إلى أنها نسخت وذهب ابن عباس إلى إنها لم تنسخ وهناك رواية عنه أنها نسخت وروى أنه رجع عن القول بها قبل موته.
والراجح أن الآية ليست في المتعة لأن الله ذكر المحرمات في النكاح المتعارف ثم ذكر إنه أحل ما وراء ذلكم أي في هذا النكاح نفسه .
والراجح أن حكم المتعة الثابت بالسنة قد نسخ لما أخرج مالك عن علي أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن متعة النساء وعن أكل لحوم الحمر الإنسية .....(1)
13- وقال الشيخ محمد السيد طنطاوي في تفسيره :
قال تعالى { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة}
والاستمتاع : طلب المتعة والتلذذ بما فيه منفعة ولذة .
والمراد بقوله { أجورهن } أي مهورهن لأنها في مقابلة الاستمتاع فسميت أجراً .
و (ما) في قوله { فما استمتعتم به منهن .. }واقعة على الاستمتاع . والعائد في الخبر محذوف أي فآتوهن أجورهن عليه .
__________
(1) " آيات الأحكام " ص76(94/75)
والمعنى : فما انتفعتم وتلذذتم به من النساء عن طريق النكاح الصحيح فآتوهن أجورهن عليه.
ويصح أن تكون { ما } واقعة على النساء باعتبار الجنس أو الوصف .
وأعاد الضمير عليها مفرداً في قوله { به} باعتبار لفظها ، وأعاده عليها جمعا في قوله { منهن}
باعتبار معناها .
ومن في قوله { منهن } للتبعيض أو للبيان . والجار والمجرور في موضع النصب على الحال من ضمير {به} والمعنى : فأي فرد أو الفرد الذي تمتعتم به حال كونه من جنس النساء أو بعضهن فأعطوهن أجورهن على ذلك . والمراد من الأجور : المهور وسمى المهر أجراً لأنه بدل عن المنفعة لا عن العين.
وقوله { فريضة } مصدر مؤكد لفعل محذوف أي : فرض الله عليكم ذلك فريضة ، أو حال من الأجور بمعنى مفروضة . أي : فآتوهن أجورهن حالة كونها مفروضة عليكم .
ثم بين - سبحانه - أنه لا حرج في أن يتنازل أحد الزوجين لصاحبه عن حقه أو عن جزء منه مادام ذلك حاصلاً بالتراضي فقال - تعالى { ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن الله كان عليما حكيما } أي : لا إثم ولا حرج عليكم فيما تراضيتم به أنتم وهن من إسقاط شيء من المهر أو الإبراء منه أو الزيادة عليه ما دام ذلك بالتراضي بينكم ومن بعد اتفاقكم على مقدار المهر الذي سميتموه وفرضتموه على أنفسكم .
وقد ذيل - سبحانه - الآية الكريمة بقوله { إن الله كان عليما حكيما } لبيان أن ما شرعه هو بمقتضى علمه الذي أحاط بكل شيء وبمقتضى حكمته التي تضع كل شيء في موضعه .(94/76)
فأنت ترى أن الآية الكريمة مسوقة لبيان بعض الأنواع من النساء اللاتي حرم الله نكاحهن ، ولبيان ما أحله الله منهن بعبارة جامعة ، ثم لبيان أن الله تعالى قد فرض على الأزواج الذين يبتغون الزوجات عن طريق النكاح الصحيح الشريف أن يعطوهن مهورهن عوضاً عن انتفاعهم بهن وأنه لا حرج في أن يتنازل أحد الزوجين لصاحبه عن حقه أو عن أي شيء منه مادام ذلك بسماحة نفس ، ومن بعد تسمية المهر المقدر .
هذا ، وقد حمل بعض الناس هذه الآية على أنها واردة في نكاح المتعة وهو عبارة عن أن يستأجر الرجل المرأة بمال معلوم إلى أجل معين لكي يستمتع بها .
قالوا : لأن معنى قوله تعالى { فما استمتعتم به منهن فأتوهن اجورهن } : فمن جامعتموهن ممن نكحتموهن نكاح المتعة فآتوهن أجورهن .
ولا شك أن هذا القول بعيد عن الصواب ، لأنه من المعلوم أن النكاح الذي يحقق الإحصان والذي لا يكون الزوج به مسافحا . هو النكاح الصحيح الدائم المستوفى شرائطه ، والذي وصفه الله تعالى بقوله { وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا باموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة}
وإذاً فقد بطل حمل الآية على أنها في نكاح المتعة ، لأنها تتحدث عن النكاح الصحيح الذي يتحقق معه الإحصان ولا يقصد به سفح الماء وقضاء الشهوة ..
قال بعض العلماء : وهذا النص وهو قوله تعالى { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة } قد تعلق به بعض المفسدين الذين لم يفهموا معنى العلاقات المحرمة بين الرجل والمرأة ، فادعوا أنه يبيح
المتعة ... والنص بعيد عن هذا المعنى الفاسد بعد من قالوه عن الهداية ، لأن الكلام كله في عقد الزواج فسابقه ولاحقه في عقد الزواج والمتعة حتى على كلامهم لا تسمى عقد نكاح أبداً .(94/77)
وقد تعلقوا مع هذا بعبارات رواها عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه أباح المتعة في غزوات ثم نسخها ، وبأن ابن عباس كان يبيحها في الغزوات وهذا الاستدلال باطل لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم - نسخها فكان عليهم عند تعلقهم برواية مسلم أن يأخذوا بها جملة أو يتركوها ، وجملتها تؤدي إلى النسخ لا إلى البقاء (1).
14- وقال سعيد حوى في تفسيره " الأساس في التفسير " ما نصه : حمل بعضهم قوله تعالى { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة } على أنه في نكاح المتعة ، والنص لا يفهم ذلك كما رأينا ، وسواء كانت في نكاح المتعة أو لم تكن ، فحرمة نكاح المتعة مقررة في السنة وثابتة فيها ، فالمسألة تدور بين كون الآية منسوخة بالسنة إذا فهمناها على أنها في المتعة أو أنها غير منسوخة إذا فهمناها على إنها في غير المتعة ، والعمدة في تحريم المتعة ما ثبت في الصحيحين عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قال : " نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر " ، وفي صحيح مسلم عن سبرة بن معبد الجهني أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوم فتح مكة فقال : " يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرّم ذلك إلى يوم القيامة ، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا (2).
15- وقال عبد الحميد كشك في تفسيره " في رحاب التفسير " ما نصه : { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة } أي وأي امرأة من النساء اللواتي أحللن لكم تزوجتموها ، فأعطوها الأجر وهو المهر بعد أن تفرضوه في مقابلة ذلك الاستمتاع .
__________
(1) " الوسيط " 3/ 144
(2) " الأساس في التفسير المجلد الثاني(94/78)
وسر هذا : أن الله لما جعل للرجل على المرأة حق القيام ، وحق رياسة المنزل الذي يعيشان فيه : وحق الاستمتاع بها ، فرض لها في مقابلة ذلك جزاء وأجراً تطيب به ويتم به العدل بينها وبين زوجها.
والخلاصة : أن أي امرأة طلبتم أن تتمتعوا وتنتفعوا بتزوجها فأعطوها المهر الذي تتفقون عليه عند العقد فريضة فرضها الله عليكم ، وذلك أن المهر يفرض ويعين في عقد النكاح ويسمى ذلك إيتاءً وإعطاء ويقال عقد فلان على فلانة وأمهرها ألفاً كما يقال فرض لها ألفاً ومن هذا قوله تعالى { وقد فرضتم لهن فريضة } وقوله { ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة } فالمهر يتعين بفرضه في العقد ويصير في حكم المعطى وقد جرت العادة بان يعطى كله أو أكثره قبل الدخول ولكن لا يجب كله إلا بالدخول فمن طلق قبله وجب عليه نصفه لا كله ومن لم يعط شيئاً قبل الدخول وجب عليه كله بعد .{ ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة } أي ولا تضييق عليكم إذا تراضيتم على النقص في المهر بعد تقديره أو تركه كله والزيادة فيه إذ ليس الغرض من الزوجين إلا أن يكونا في عيشة راضية يستظلان فيها بظلال المودة والرحمة ، والهدوء والطمأنينة ، والشارع الحكيم لم يضع لكم إلا ما فيه سعادة الفرد والأمة ورقى الشؤون الخاصة والعامة .
{ إن الله كان عليما حكيما } وقد وضع لعباده من الشرائع بحكمته ما فيه صلاحهم ما تمسكوا به ومن ذلك أنه فرض عليهم عقد النكاح الذي يحفظ الأموال والأنساب وفرض على من يريد الاستمتاع بالمرأة مهراً يكافئها به على قبولها قيامه ورياسته عليها ثم أذن للزوجين أن يعملا ما فيه الخير لهما من رضى فيحطا المهر كله أو بعضه أو يزيدا عليه .(94/79)
ونكاح المتعة " وهو نكاح المرأة إلى أجل معين كيوم أو أسبوع أو شهر " كان مرخصاً فيه في بدأ الإسلام وأباحه النبي لأصحابه في بعض الغزوات لبعدهم عن نسائهم ، فرخص فيه في مرة أو مرتين خوفاً من الزنا فهو من قبيل ارتكاب أخف الضررين ثم نهى عنها نهياً مؤبداً لأن المتمتع به لا يكون مقصده الإحصان و إنما يكون مقصده المسافحة وللأحاديث المصرحة بتحريمه تحريماً مؤبداً إلى يوم القيامة ونهى عمر في خلافته وإشادته بتحريمه على المنبر وإقرار الصحابة له(1).
فكبار أهل التفسير من أهل السنة ذهبوا إلى أن الآية في النكاح القرآني كابن الجوزي والزجاج والطبري والنحاس و الجصاص و الكيا الهراسي وابن كثير والشوكاني والألوسي ورشيد رضا والسايس والخطيب والطنطاوي أجمعوا على تفسير الآية على اعتبارها في النكاح ثم حكاية الرأي القائل إنها في المتعة .
ثانيا : إن الشيعة لم يتفقوا على نزول هذه الآية في المتعة واليك البيان :
ب- ذكر تفاسير الشيعة :
1- قال الطبرسي في تفسيره ما نصه : { فما استمتعتم به منهن فآتوهن اجورهن فريضة } قيل المراد بالاستمتاع هنا درك البغية والمباشرة وقضاء الوطر من اللذة ... عن الحسن ومجاهد وابن زيد والسدي فمعناه على هذا فما استمتعتم أو تلذذتم من النساء بالنكاح فآتوهن مهورهن .
وقيل المراد به نكاح المتعة ..... عن ابن عباس والسدي وابن سعيد وجماعة من التابعين وهو مذهب أصحابنا الإمامية ....(2)
2- وقال الطوسي في تفسيره التبيان 3/165 ما نصه : {فما استمتعتم به منهن }
قال الحسن ومجاهد وابن زيد هو النكاح!
وقال ابن عباس والسدي : هو المتعة إلى أجل مسمى وهو مذهبنا (3).
__________
(1) في رحاب التفسير " المجلد الأول 5/ 879-880
(2) مجمع البيان 5/71
(3) التبيان 3/165(94/80)
3- ويقول عبد الله شبر في تفسيره المسمى "الجوهر الثمين "2/ 31 ما نصه : قوله تعالى {فما استمتعتم به منهن} فمن تمتع به من المنكوحات أو فما استمتعتم به منهن من جماع أو عقد عليهن(1).
4- وقال الشيخ محمد المشهدي في تفسيره " كنز الدقائق" ما نصه :{ فما استمتعتم به منهن } فمن تمتعتم به من المنكوحات أو فما استمتعتم به منهن من جماع أو عقد عليهن (2).
5- وقال الشيخ السبزواري في تفسيره "الجديد في تفسير القرآن المجيد " ما نصه: فقوله تعالى {استمتعتم } يعني تمتعتم به منهن من لذة (3).
وقيل المراد به نكاح المتعة ..... عن ابن عباس والسدي وابن سعيد وجماعة من التابعين وهو مذهب أصحابنا الإمامية .) انتهى كلامه .
من كل هذا نلخص أن السنة والشيعة لم يتفقوا على نزول هذه الآية في نكاح المتعة بل لم يتفقوا على تشريع المتعة بهذه الآية .
فأين اتفاق أهل التفسير من السنة والشيعة على تشريع هذا النكاح بآية 24 من سورة النساء ؟!
وبعد أن علمنا أن أغلب أهل التفسير فسروا الآية أنها في النكاح القرآني ، لابد من بيان أنها في النكاح الدائم فعلا بأدلة قاطعة لا يتطرق إليها الشك أبدا وأن هذا القول يستند إلى أقوى الأدلة والبراهين ، ومن أجل بيان ذلك نورد بقية شبهات القائلين بالمتعة مع أدلتنا لكي تكون هذه الحجج دامغة .
والجواب عن الشبهة (2) :
__________
(1) الجوهر الثمين "2/ 31
(2) " كنز الدقائق" 2/414
(3) "الجديد في تفسير القرآن المجيد(94/81)
إن الآية الكريمة في منطوقها لا تعطي هذا الفهم - أي أنها في المتعة -الذي فوق انه في وضعه هذا - عنصرا دخيلا على القضية التي أمسك القرآن بجميع أطرافها هنا وهي قضية الزواج وما أحل الله وما حرم على الرجال من النساء فدلالة الآية لا تدل على ما ذهبوا إليه من جواز عقد المتعة بل هي حجة عليهم بدليل سياقها إذ لا تعلق لها بموضوعنا " المتعة " إطلاقا فهو استدلال في غير موضوع البحث بل الآية واردة في نكاح الزوجات الدائم المشروع يدل على ذلك سوابقها وسياقها ولواحقها فاستدلالهم مردود يتنافى مع أسلوب اللغة وبلاغتها يرشدك إلى هذا ما يلي :
أ) سوابق الآية :
بين سبحانه من يحرم نكاحهن من الأقارب فقال تعالى { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فان لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفورا رحيما والمحصنات من النساء إلا ما ملكت ايمانكم .
ب) سياق الآية :
ثم قال تعالى مباشرة { وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن الله كان عليما حكيما}
ج) لواحق الآية :(94/82)
ثم قال الله تعالى مباشرة { ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ذلك لمن خشى العنت منكم وأن تصبروا خيرلكم والله غفور رحيم }
ولا جرم أن هذا السياق من أول الآية إلى آخرها خاص بالنكاح الدائم فكان هذا مانعا أن يقحم نكاح المتعة في وسطها و مانعا أيضا من الدلالة على ذلك لوحدة السياق الذي ينتظم وحدة الموضوع التي تتناولها الآيات بأحكامها ، فالاستدلال بهذه الآية على جواز المتعة تكلف وتأويل للآية الكريمة تأويلا مستكرها ويؤكد هذا النظر أنك لو أمعنت النظر في السابق واللاحق لوجدت :
1) أن قوله تعالى { فما استمتعتم } مراد به الاستمتاع بالنكاح الصحيح المشروع لا هذا السفاح - المتعة !! لأن منطوق الآية من أوله إلى آخره في موضوع النكاح الدائم المشروع فقد ذكر الله ثلاث مرات لفظة " النكاح " تارة بقوله تعالى { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم } و ثانية بقوله تعالى { ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح }
و ثالثة بقوله {فانكحوهن بإذن أهلهن } و لم يذكر المتعة و لا الإجارة فيصرف قوله تعالى {فما استمتعتم } إلى النكاح ، فحمل العبارة المتوسطة بقطع الكلام من السياق والسباق تحريف صريح لكلام الله تعالى لأن العطف بالفاء مانع من قطع المعنى بعدها عما قبلها فالفاء تربط ما بعدها بما قبلها وإلا تفكك النظم القرآني فيتعين أن يكون قوله تعالى ( فما استمتعتم ) منصرفا إلى النكاح الدائم الصحيح لا إلى المتعة لأن العطف يمنع هذا الانقطاع كما هو مبين في النحو ......(94/83)
ولو كانت هذه الجملة لبيان المتعة لاختل نظم هذه الآيات الثلاث و لبقى الكلام الأول في أصل النكاح أبتر و لبطل التفريع بالفاء و هذا غير صحيح لغة .
2) إن قوله تعالى { أن تبتغوا بأموالكم محصنين } أي وأحل لكم ما وراء ذلكم لأجل أن تبتغوه وتطلبوه بأموالكم التي تدفعونها مهرا للزوجة أو ثمنا للأمة ، محصنين أنفسكم ومانعين لها من الاستمتاع بالمحرم باستغناء كل منهما بالآخر ، إذ الفطرة تدعو الرجل إلى الاتصال بالأنثى ، والأنثى إلى الاتصال بالرجل ليتزوجا.
فالإحصان هو هذا الاختصاص الذي يمنع النفس أن تذهب أيّ مذهب ، فيتصل كل ذكر بأي امرأة وكل امرأة بأي ذكر ، إذ لو فعلا ذلك لما كان القصد من هذا إلا المشاركة في سفح الماء الذي تفرزه الفطرة إيثارا للذة على المصلحة ، إذ المصلحة تعدو إلى اختصاص كل أنثى بذكر معين ، لتتكون بذلك الأسرة ويتعاون الزوجان على تربية أولادهما ، فاذا انتفى هذا المقصد كما هو الحال في امرأة المتعة إذ كل شهر تحت صاحب بل كل يوم في حجر ملاعب فالمتمتع بها لا يقصد الإحصان دون المسافحة بل يكون قصده المسافحة ، فانحصرت الداعية الفطرية في سفح الماء وصبه ، وذلك هو البلاء العام الذي تصطلي بناره الأمة كلها.....
و الإحصان هنا بمعنى العفة وتحصين النفس ومنعها فيما يغضب الله أي متناكحين نكاحا شرعيا صحيحا يحصنهم والإحصان لا يكون إلا في نكاح صحيح لأن الناكح بالمتعة لا يكون محصناً بل عند المجيزين لا يثبت حكم الإحصان إلا بالعقد الدائم أو الملك بخلاف العقد المنقطع فلا إحصان به ، فبطلت المتعة بهذا القيد لأن الإحصان لا يكون إلا في نكاح صحيح والقائلين بالمتعة يقولون أن المتعة لا يوجب إحصانا فالإحصان لا يكون مقصودا في المتعة أصلا إذ امرأة المتعة كل شهر تحت صاحب بل كل يوم في حجر ملاعب فالمتمتع بها لا يقصد الإحصان دون المسافحة بل يكون قصده المسافحة فلزمهم أن يفسروه بالنكاح الصحيح .(94/84)
إن قوله تعالى { غير مسافحين } أي لا زانين مسافحين يعني في حال كونكم مخصصين أزواجكم بأنفسكم ومحافظين عليهن لكي لا يرتبطن بالأجانب ولا تقصدوا بهن محض قضاء شهوتكم وصب مائكم واستبراء أوعية المني ، والسفاح مأخوذ من السفح وهو صب الماء وسيلانه وسمي به الزنا لأن الزاني لا غرض له إلا صب النطفة فقط دون النظر إلى الأهداف الشريفة التي شرعها الله وراء النكاح ، وهذا إشارة إلى تحريم المتعة وذلك لما كان الزنا ليس إلا مجرد سفح الماء في الرحم وليس لأحكام النكاح به تعلق ، سماه الله تعالى سفاحاً، ولما كانت المتعة لا تتعلق بها لوازم الزوجية أيضا أشبهت السفاح ، فكذلك صاحب المتعة لا غرض له إلا سفح الماء فبطلت المتعة بهذا القيد .(94/85)
4) ومما يدل على أن الآية في النكاح الشرعي الدائم ، أن سياق ما بعد الآية منصب في النكاح الشرعي ، حيث يقول الله تعالى بعد الآية مباشرة { ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ....... فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان............... ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خيرلكم والله غفور رحيم } فدل على أن القرآن الكريم في هذه الآيات يبين أحكام النكاح ، الذي فصل أحكامه وأرسى قواعده ، لا متعة الشيعة التي لا هدف لها سوى مباشرة الجنس ليس إلا، فلو كانت متعة الشيعة جائزة لما نصت الآية التي بعدها صراحة على التزوج من الإماء ولما أضطر الناس إلى ذلك ولما جعل الشارع عن ترك نكاح الإماء خيرا من نكاحهن ولكان في نكاح المتعة مندوحة عن ذلك ، ففي هذه الآية ما يشير إلى وهن استدلالهم بالآية السابقة على حل المتعة لأن الله أمر بالاكتفاء بنكاح الإماء عند عدم الطول إلى نكاح الحرائر فلو كان أحل المتعة في الكلام السابق لما قال سبحانه بعده { ومن لم يستطع } لأن المتعة في صورة عدم الطول فمجرد نزول هذه الآية بعد قوله تعالى { فما استمتعتم } يكفي في تحريم المتعة فإن الآية نقلت من لا يستطيع أن ينكح " الحرة " المحصنة إلى ملك اليمين " الأمة " ولم يذكر له ما هو عليه أقدر من ملك اليمين فلو كان التمتع بكف من بر جائز لذكره ! فأية ضرورة كانت داعية إلى تحليل نكاح الإماء بهذا التقييد والتشديد و إلزام الشرط والقيود.
فيعلم أن أنواع الأنكحة ثلاثة لا كما زعموا :
1- نكاح دائم بالحرة أو حرتين أو ثلاث أو أربع .
2- نكاح دائم بالأمة لمن خاف العنت ولا يملك الطول .
3- التسري بالإماء .(94/86)
وهكذا في معرض المقارنة بين نكاح الإماء ونكاح الحرائر : لم نجد القرآن يشير إلى المتعة في معرض بيان الرخصة ورفع المشقة عند خشية العنت ..بل أباح الإماء وحث على الصبر ... قال تعالى في نفس الآية { وأن تصبروا خيرلكم والله غفور رحيم } أي أن الحل الوحيد لمن خشي العنت وعجز عن نكاح الحرائر دائر بين نكاح الإماء و الصبر !
{ انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون} المائدة /75.
ومن ذلك يعلم بطلان قولهم : " لو كانت هذه الآية في بيان الدائم للزم التكرار في سورة واحدة، لأنه لا تكرار لحكم واحد في هذه السورة ، مع أنه لا مانع يمنع ذلك ، بل إن كل آية دلت على خلاف ما دلت عليه الآية الأخرى ...وبيان ذلك : أن الآية الأولى { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } تنشئ للمرأة حقا صريحا وحقا شخصيا في صداقها ، وتنبئ بما كان واقعا في المجتمع الجاهلي من هضم هذا الحق في صور شتى ، ومنها قبض الولي لهذا الصداق وأخذه لنفسه ، وكأنما هي صفقة بيع هو صاحبها ....فدلت الآية على نهي الأولياء عن أكل مهور مولياتهن .....
أما الآية الثانية أي قوله { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن } فأوجبت على الأزواج المستمتعين من زوجاتهم بالدخول ، بإيتاء مهورهن التي سميت عند عقدة النكاح ....
فعلى هذا فلا تكرار في السورة الواحدة لحكم واحد (1).
وبالجملة هذه الآيات صريحة الدلالة على تحريم المتعة وقد تبين عدم دلالة الآية التي استدلوا بها على مدعاهم ولعمري أن القول بذلك بعيد كما لا يخفى على من أطلق ربقة قيد التقليد .
تفسير آية الاستمتاع :
__________
(1) المتعة للأهدل ص308-309(94/87)
بدأ الله تعالى بذكر المحرمات في النكاح فقال { حرمت عليكم ....} أي هؤلاء المذكورات وبعد أن أنهى البيان في ذلك عطف بقوله{و أحل لكم ما وراء ذلكم } اقتضى ذلك إباحة النكاح فيمن عدا المحرمات المذكورة أي سواهن من النساء ، فتعين أن يكون المعنى إباحة نكاح ما عدا المحرمات لا محالة ، لأنه لا خلاف في أن النكاح مراد بذلك فوجب أن يكون ذكر الاستمتاع بائنا لحكم المدخول بها بالنكاح في استحقاقها لجميع الصداق ، فقال { أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين } يعني بالنكاح أي الإحصان بعقد النكاح والمراد بقوله تعالى {محصنين } حث الرجال على حظهم المحمود فيما أبيح لهم من الإحصان دون السفاح ، فقيل لهم : اطلبوا منافع البُضع بأموالكم على وجه النكاح لا على وجه السفاح ، والسفاح اسم الزنا ، وهو مأخوذ من سفح الماء أي صبه وسيلانه ....، ثم عطف عليه حكم النكاح إذا اتصل به الدخول بقوله { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن} والمعنى فكل امرأة أو أية امرأة من أولئك النساء اللواتي أحل لكم أن تبتغوا تزوجهن بأموالكم استمتعتم بها أي تزوجتموها فأعطوها الأجر والجزاء بعد أن تفرضوه لها في مقابلة ذلك الاستمتاع وهو المهر ، والأجور : المهور وسمى المهر أجرا لأنه أجر الاستمتاع وهذا نص على أن المهر يسمى أجرا ، وذلك دليل على انه في مقابلة البُضع ، لأن ما يقابل المنفعة يُسمى أجرا .
وهل يعطى هذا الأجر المفروض والمهر المحدود قبل الدخول بالمرأة أو بعده ؟(94/88)
إذا قلنا إن السين والتاء في " استمتعتم " للطلب يكون المعنى فمن طلبتم أن تتمتعوا وتنتفعوا بتزوجها فأعطوها المهر الذي تفرضونه لها عند العقد عطاء فريضة أو حال كونه فريضة تفرضونها على أنفسكم أو فرضها الله عليكم ، وإذا قلنا إنها ليست للطلب يكون المعنى فمن تمتعتم بتزوجها منهن بأن دخلتم بها أو صرتم متمكنين من الدخول بها لعدم المانع بعد العقد فأعطوها مهرها فريضة أو افرضوه لها فريضة أو فرض الله عليكم ذلك فريضة لا هوادة فيها ، أو حال كون ذلك المهر فريضة منكم أو منه تعالى . فالمهر يفرض ويعين في عقد النكاح ويسمي ذلك إيتاء و إعطاء حتى قبل القبض
يقولون حتى الآن عقد فلان على فلانة وأمهرها بألف أو أعطاها عشرة آلاف مثلاً . وكانوا يقولون أيضاً فرض لها كذا فريضة ولذلك اخترنا أن الذي فرض الفريضة هو الزوج بتقديمه في التقدير ويؤيده قوله تعالى { ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة } وقوله { وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم } فالمهر يجب ويتعين بفرضه وتعيينه في العقد ويصير في حكم المعطى والعادة أن يعطى كله أو أكثره قبل الدخول وجب عليه نصف المهر لا كله . ومن لم يعطه قبل الدخول يجب عليه إعطاءه بعده .
والجواب عن الشبهة (3) :
إن لفظة "الاستمتاع " لا يراد بها نكاح المتعة وبيان ذلك :
أ- إن أئمة اللغة قالوا : إن " الاستمتاع " في اللغة الانتفاع ، وكل ما انتفع به فهو متاع ، يقال : استمتع الرجل بولده ، ويقال فيمن مات في زمان شبابه : لم يتمتع بشبابه ، قال تعالى عن الكفار أنهم قالوا { ربنا استمتع بعضنا ببعض } وقال تعالى { أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا و استمتعتم بها} يعني تعجلتم الانتفاع بها ، وقال { فاستمتعتم بخلاقكم } يعني بحظكم ونصيبكم من الدنيا .
ب- إن لفظ " الاستمتاع " ورد في غير هذا الموضع من القرآن ولم يرد به المتعة اتفاقاً .(94/89)
قال تعالى في سورة الأنعام / 128 { ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا }.
وقال تعالى في سورة الأحقاف /20 { أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا و استمتعتم بها}
وقال تعالى في سورة التوبة / 69 { فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم} .
ج- إن الله تعالى لم يعبر في الآية الكريمة بلفظ المصدر " الاستمتاع " ولا بلفظ اسمه " المتعة " فهو لم يقل مثلا " فما نكحتم بالمتعة " وإلا لما وجد خلاف ولكن عبر بلفظ الفعل فقال { فما استمتعتم } والفرق بينهما واضح والفعل يدور معناه على الالتذاذ والنفع كما في كتب اللغة وهو هنا بهذا المعنى وصرح أئمة اللغة بأن الفعل " استمتع " في هذا الموضع لا معنى له إلا ما ذكرنا والقول بأنه يدل على المتعة يدل على جهل بالعربية من القائل به و أهل اللسان أدرى ولو كان الله تعالى يريد نكاح المتعة لاستعمل لفظة " المتعة " التي جاءت في القرآن عدة مرات في غير النكاح { ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى } هود /3
{ ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون } الحجر /3
{والذين كفروا يتمتعون و يأكلون كما تأكل الأنعام }محمد /12
{ قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار} إبراهيم /30
{و أمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم} هود /48
{ كلوا و تمتعوا قليلا إنكم مجرمون} المرسلات /46
فهذا دليل قاطع على أن لفظ " الاستمتاع " و" التمتع " لم يقتصر في عرف الشرع على هذا العقد المعين كما زعموا.(94/90)
د- إن حقيقة " الاستمتاع " في القرآن الكريم وفي عرفه الاستعمالي لا تدل على " إنشاء عقد المتعة " أصلا في أي موضع من آي القرآن ومن ذهب إلى أن المقصود بالاستمتاع هنا هو " إنشاء عقد المتعة " فعليه بالدليل وإلا كان تقولا على الله تعالى و إنما يعبر القرآن عن إنشاء " العلاقة الزوجية الصحيحة الدائمة " إما بلفظ " النكاح " و مشتقاته وهو الكثير الغالب وإما بلفظ " التزويج ، " أما بلفظ " الاستمتاع " فلم يعهد استعماله في القرآن الكريم لإنشاء عقدٍ أصلا ، فيبقى " الاستمتاع " إذن على معناه الحقيقي اللغوي و الشرعي حتى يقوم الدليل على صرفه عن معناه الأصلي ، ثم لو كان استعمال " الاستمتاع " هنا في إنشاء عقد المتعة لاستدل ابن عباس رضي الله عنه في محاورته ابن الزبير ، وابن عباس ترجمان القرآن ولهذا قلنا إنه لا ينبغي لأحد أن يستدل على إباحة "المتعة" بالقرآن الكريم وأن ُيحمّل آياته مالا تحتمل انتصاراً لمذهب أو رأي فإن القرآن الكريم فوق كل المذاهب و الآراء جميعاً . ...
والجواب عن الشبهة (4) :
4- إن إيتاء الأجر بعد الاستمتاع بهن لا يجوز اعتباره على إباحة المتعة في شيء لأن في الآية الكريمة تقديما وتأخيرا كأنه تعالى قال : فآتوهن أجورهن إذا استمتعتم بهن أي إذا أردتم الاستمتاع بهن فهذا على طريقة في اللغة من التقديم والتأخير مثل قوله تعالى { إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن } أي إذا أردتم الطلاق أو تطليق النساء ومثل قوله تعالى{ إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا} أي إذا أردتم القيام إلى الصلاة .
والجواب عن الشبهة (5) :
إن استدلالهم بان الله تعالى قد ذكر "الأجر" { فآتوهن أجورهن} ولم يذكر المهر لا حجة فيه من وجوه:
1- " الأجر" في المفهوم القرآني ينصرف إلى " المهر" في كثير من المواضع بدلالة السياق ، ألا ترى أن القرآن الكريم استعمل " الأجر " بمعنى “ المهر" في مثل قوله تعالى :(94/91)
أ) في سورة النساء : {فأنكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف}
ب) في سورة الأحزاب { ياأيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن}
ج) في سورة الممتحنة : {ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن}
د) في سورة المائدة : {اليوم أحل لكم الطيبات ....... والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن}
و) في سورة النساء : { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن}
2- لم يثبت أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أعطى " أجرا " و إنما أعطى "مهرا " قال تعالى { ياأيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن}
يقول الطبرسي -وهو من علماء الشيعة البارزين - عند تفسيره لهذه الآية : {أجورهن} أي مهورهن لأن المهر أجر على البضع .
وقال أحمد الجزائري من علماءهم عند تفسيره لهذه الآية ما نصه : والأجور هي المهور لأن المهر أجر
البضع (1).
3- إن شيخ طائفة الشيعة الإمامية الطوسي وشيخه المرتضى قد سفها هذا القول.
قال الطوسي شيخ طائفة الشيعة الإمامية في تفسيره " التبيان " 3/166 ما نصه : وفي أصحابنا من قال: قوله : يدل على إنه أراد المتعة لأن المهر لا يسمى أجرا بل سماه الله صدقة ونحلة وهذا ضعيف لأن الله سمى المهر أجرا في قوله { فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن } {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن}ومن حمل ذلك كله على المتعة كان مرتكبا لما يعلم خلافه (2).
__________
(1) جوامع الجامع 2/330 وتفسير قلائد الدرر 3/204
(2) " التبيان " 3/166(94/92)
وقال الشريف المرتضى من أعلام الإمامية في كتابه الانتصار ما نصه : وفي أصحابنا من استدل على أن لفظة "استمتعتم " تنصرف إلى هذا النكاح المؤجل دون المؤبد بأنه تعالى سمّى العوض عليه أجرًا ولم يسم العوض على النكاح المؤبد بهذا الاسم في القرآن كله بل سماه نحلا و صداقا وفرضا و هذا غير معتمد لأنه تعالى قد سمى العوض عن النكاح المؤبد في غير هذا الموضع بالأجر في قوله تعالى { ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن } و في قوله عز و جل { فأنكحوهن باذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف} (1).
و قال ابن العربي في تفسيره : قوله تعالى{ فآتوهن أجورهن }سمّاه في هذه الآية أجرا وسماه في الآية الأولى في أول السورة نحلة (2) .
4- أن أئمتهم الذين يدعون فيهم العصمة وإنهم يعلمون تأويل القرآن وتفسيره ، يقولون إن الأجر بمعنى المهر !!
فعن عمر بن حنظلة قال : قلت لأبي عبد الله : أتزوج المرأة شهرا بشيء مسمى فتأتي بعض الشهر ولا تفي ببعض قال : يحبس عنها من صداقها مقدار ما احتبست عنك إلا أيام حيضها فإنها لها (3).
وفي رواية أخرى : " أتزوج المرأة شهرا فتريد مني المهر كملا .....
وعقد شيخهم العاملي في وسائله تحت هذه الروايات بابا سماه " باب جواز حبس المهر عن المرأة المتمتع بها.
والجواب عن الشبهة (6) :
إن هذا الاحتجاج غير سديد من وجوه:
__________
(1) الانتصارص112
(2) أحكام القرآن 1 / 499
(3) الوسائل باب جواز حبس المهر عن المرأة المتمتع بها بقدر ما تخلف من المدة إلا أيام حيضها فانها لها .(94/93)
1- إن قوله سبحانه { فما استمتعتم به منهن} متناول لكل من دخل بها ، أما غير المدخول بها ، فإنها لا تستحق إلا نصفه وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحالة ، وهي المطلقة قبل الدخول المسمى لها بقوله تعالى { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح } فأما الآية { فما استمتعتم به منهن } فهي كقوله سبحانه { وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا } فجعل الإفضاء مع العقد موجبا لاستقرار الصداق فتبين بذلك ، انه ليس لتخصيص النكاح المؤقت بإعطاء الأجر فيه دون النكاح المؤبد معنى ، بل إعطاء الصداق كاملا في المؤبد أولى.
2- إن هذا الاحتجاج غير صحيح لحكم استحقاق المبلغ في نكاح المتعة عند المجوزين .....
فهذا اكبر مرجع للشيعة يقول في كتابه تحرير الوسيلة وفي كتابه زبدة الأحكام ما نصه بالحرف الواحد : " تملك المتمتعة المهر بالعقد فيلزم على الزوج دفعه إليها بعده لو طالبته وان كان استقراره بالتمام مراعي بالدخول ووفائها بالتمكين في تمام المدة فلو وهبها المدة ، فان كان قبل الدخول لزمه نصف المهر وان كان بعده لزمه الجميع(1).
ويقول المبيحون للمتعة من علماء الشيعة في كتابهم " المتعة ومشروعيتها في الإسلام " ما نصه :
" إذا طلق الزوجة قبل الدخول يثبت لها نصف المهر المسمى وكذا إذا وهب المدة للزوجة المؤقتة قبل أن يدخل أما إذا انقضت المدة دون أن يدخل لسبب فلها المهر كاملا وقيل نصف المهر (2).
__________
(1) تحرير الوسيلة 2/289 وفي كتابه زبدة الأحكام ص248
(2) " المتعة ومشروعيتها في الاسلام ! ص119(94/94)
ويقول شيخهم بحر العلوم في كتاب المتعة ومشروعيتها في الإسلام ما نصه : " وتستحق كل من الدائمة والمنقطعة جميع المهر على الزوج بعد الدخول أما قبل الدخول فيثبت نصف المهر لو طلق في الدائم أو وهبها المدة في المنقطع (1).
ويقول العاملي في كتابه الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية : ولو كانت الهبة بعد الدخول للجميع أو البعض لم يسقط منه شيء قطعا لاستقراره بالدخول (2).
وإذا كان المهر في الزواج يتشطر ، نصفه تستحقه بالعقد ونصفه بالدخول وأوضح ما يكون ذلك في الطلاق قبل الدخول أو بعده ، فان الأمر في المتعة لا يختلف بشهادة أكبر إمام شيعي إمامي معاصر.
مع ملاحظة أن المتعة لا طلاق فيها لا قبل الدخول ولا بعده ، و إنما تنتهي العلاقة بانتهاء الأجل المتفق عليه وهناك صورة محتملة يشبه الأمر فيها الطلاق قبل الدخول في النكاح المعتاد .
فلو أن إنسانا كان في سفر وعقد اتفاقا مع امرأة ليتمتع بها بمبلغ معين في زمن معين ، ثم كلف بالسفر أو الخروج من هذا البلد لسبب من الأسباب قبل انقضاء المدة المتفق عليها فليس بإمكانه الطلاق لأنه لا يملكه ولكن بإمكانه أن يهبها المدة الباقية . ولا تخلو هذه الهبة التي حلت محل الطلاق من أن تكون قبل الدخول أو بعده . فان كانت قبله استحقت نصف المتفق عليه وان كانت بعده استحقت المبلغ كله وبهذا ينعدم الفرق بين المتعة والنكاح المشروع في هذه الحالة . ويصبح فهم الآية على أنها خاصة بالمتعة لا أساس له . وإذا كان أصحاب المتعة يرون عدم صلتها بالنكاح المعتاد لعدم إشارتها إلى تشطير المهر فإننا نقول لهم : وهي بهذا الشرط لا علاقة لها بالمتعة ، لأنها لا تختلف عن الزواج في هذا الحكم !
وهل لأن الآية لم تشر إلى تشطير المهر تصبح دليلا على المتعة ؟!
__________
(1) كتاب المتعة ومشروعيتها في الاسلام ص266
(2) العاملي في كتابه الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 5/285(94/95)
فماذا تقولون في قوله تعالى { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } وهي لم تشر إلى تقسيم الصداق ..
فهل هذا أيضا في المتعة ؟!
إنها تتحدث عن الصداق الذي هو من خواص النكاح ولا علاقة له بمسألة الأجر المتفق عليه في المتعة موضوع البحث (1).
والجواب عن الشبهة (7) من وجوه :
1- إن المقصود " بالاستمتاع" في سياق الآية الكريمة هو "الاستمتاع بالزوجة " المعقود عليها نكاحا صحيحا مشروعا دائما و إنما أورده الله تعالى هنا ، للدلالة على "تأكيد المهر" بعد الاستمتاع وعدم قابليته للسقوط بعد هذا الاستمتاع ، إذ من المعلوم أن "عقد الزواج" وان كان يثبت به المهر كاملا ، أثر إبرامه ، وتستحقه الزوجة بنفس العقد ،غير انه يثبت ثبوتا قابلا لسقوط بعضه ، كالطلاق قبل الدخول ، مثلا حيث يثبت نصفه فقط ، أما بعد "الاستمتاع " بالزوجة فيتأكد "المهر" كاملا ويصبح العقد غير قابل لأن يسقط شيء منه .
فالآية الكريمة { فما استمتعتم به منهن } تفيد أن المهر يتأكد وجوبه كاملا بالاستمتاع ، لا بعقد الزواج وحده لأنه عرضة لأن يسقط نصفه بالطلاق قبل الدخول فيتأكد حق المرأة في تمام المهر بالدخول فالاستمتاع هنا أثر لعقد النكاح الصحيح الدائم الذي يثبت به المهر كاملا غير قابل للسقوط وليس إنشاء لعقد المتعة.
فالآية الكريمة تبين حكم المرأة المدخول بها التي سمي لها الصداق ولم تستلمه فقال سبحانه { فما استمتعتم به منهن } أي بالدخول فعلا بموجب العقد وقد سميتم لهن الصداق ولكن لم تسلموه إليهن فآتوهن أجورهن فريضة لازمة لا يحق لكم أن تنقصوهن منه شيئا كما قال تعالى في آية أخرى { وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا}
فتكون الآية مبينة لحكم صداق المدخول بها المسمى لها المستمتع منها .
فالآية { فما استمتعتم به منهن فآتوهن } أمر بإيتائهن وهو إنشاء الإيتاء .
__________
(1) انظر كتاب السائح علي " الأصل في الأشياء ص78-79و96-98 .(94/96)
وآية { وآتيتم إحداهن قنطارا } أخبار عن إيتاء سابق والفرق بينهما هو الفرق بين مدلول الأمر الذي للإنشاء والخبر الواقع بالفعل .
فآية { فما استمتعتم } تتكلم عن استمتاع سابق وقع بهن وحصل الرجل عليهن منهن ، فطولبوا بدفع أجورهن إليهن .
وهذا الاستمتاع الواقع بالفعل المطلوب إعطاء الأجر عليه لا بد له من عقد سابق يبيحه ولا يكون إلا بالملك أو النكاح الدائم .
فالزوجات مع المهر لهن أربع حالات :
أ- معقود عليها ولم يسم لها ولم يدخل بها .
ب- معقود عليها وسمي لها وغير مدخول بها .
ج- معقود عليها ولم يسم لها ودخل بها .
د- معقود عليها وسمي لها ودخل بها .
وقد جاء القرآن الكريم ببيان تلك الحالات بالنسبة لاستحقاق المهر كله أو بعضه قبل الدخول أو بعده أي في حالة الفرقة بالطلاق .
الحالة الأولى : وهي إذا عقد عليها ولم يسم لها صداقا ولم يدخل بها وطلقها قال تعالى: {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين}
الحالة الثانية : هي المعقود عليها والمسمى لها ولم يدخل بها وطلقها فقال تعالى : {وإن طلقتموهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح} .
الحالة الثالثة : فشملها عموم قوله تعالى{وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } وقد أجمع الفقهاء على أن المدخول بها التي لم يسم لها أن لها صداق المثل ولعل التعبير عن الصداق بنحلة مما يؤيد ذلك لأنه بعد الدخول والتمكين أصبح كالهبة والعطية يعطيه الزوج نحلة وإلا لتوقفت عن تسليم نفسها حتى تقبض صداقها .(94/97)
الحالة الرابعة : فلعل هذه الهدية تعتبر تتمة حلقة التشريع وذلك في حق المدخول بها المسمى لها ولم تستلم صداقها فقال تعالى : {فما استمتعتم به منهن } أي بالدخول فعلا بموجب العقد السابق وقد سميتم لهن الصداق ولكن لم تسّلموه إليهن {آتوهن أجورهن فريضة }لازمة لا يحق لكم أن تنقصوهن منه شيئا {وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا} فاستوجب الإفضاء والمسيس كامل الصداق { فان طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا } وهذا لا يكون إلا في غير المدفوع فتكون الآية { فما استمتعتم به منهن } مبينة لحكم صداق المدخول بها المسمى لها المستمتع منها .
وقد أشار القرطبي إشارة مجملة خفيفة إلى هذا فقال : ولو قال قائل إن آية {آتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا }كافية عن هذا المعنى فإنما يقال له ليست كافية ، لأن تلك فيها آتاها وسلّمها بالفعل فلا يعود للأخذ منه وهذه لمن لم يسلمها شيئا فليؤتها أجرها فريضة لازمة .
ومما يشهد لهذا تقدم الآية بقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة}
فحرم أن يرثوهن كرها وهذا يشمل عدم إعطائهن ما لهن من الصداق ونهى عن عضلهن للذهاب ببعض ما آتيناهن وهذا يشمل ما قد تسلمنه فعلا ليسترجع منهن بعضه فقد فرقت الآية هنا بين المسلّم لها فعلا وما لم يسلّم فما لم يسلّم لا يحل له ميراثه كرها عليها ، اللهم إلا إن طبن نفسا عن شيء منه وما سلم فعلا فلا يضيعه عليهن لاسترجاع بعضا منه ولو كان قنطارا (1).
والجواب عن الشبهة (8) من وجوه عديدة:
1- إن لفظة " إلى أجل مسمى " جاءت في القرآن ( 18) مرة في آيات متفرقة وهي:
قال تعالى في سورة البقرة / 282 {إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه}
__________
(1) انظر تحريم نكاح المتعة مقدمة شيخنا عطية محمد ص75- 78(94/98)
وقال تعالى في سورة الأنعام / 2 { و هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلاً وأجل مسمى}
وقال تعالى في سورة الأنعام / 60 {ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم}
وقال تعالى في سورة هود / 3 {ثم توبوا إليه يمتعكم متاعاً حسناً إلى أجل مسمى}
وقال تعالى في سورة النحل / 61 { ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى}
وقال تعالى في سورة فاطر / 45{ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى}
وقال تعالى في سورة إبراهيم / 10 {يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى}
وقال تعالى في سورة طه /129 {ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاماً وأجل مسمى}
وقال تعالى في سورة الحج / 5 {ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى}
وقال تعالى في سورة الحج / 33{ لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق }
وقال تعالى في سورة العنكبوت / 53 { ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب}
وقال تعالى في سورة الرعد / 2 { وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى }
وقال تعالى في سورة لقمان / 29{وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى }
وقال تعالى في سورة فاطر /13 {وسخر الشمس والقمر كل يجري لأ جل مسمى}
وقال تعالى في سورة الشورى / 14{ ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضى بينهم}
وقال تعالى في سورة نوح / 4{ يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى}
وقال تعالى في سورة غافر / 67 {ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلا مسمى }
فهذه اللفظة لم تأت في آية { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة } كما يزعم القائلون بالمتعة ، وكان الأولى أن تذكر " هذه اللفظة هنا في هذه الآية ، لكي لا يكون هناك خلاف . فترى ما هو السبب في عدم ذكرها في الآية ؟(94/99)
إن السبب واضح وجلي لأدنى من له أدنى مسكة من عقل ، وهو أن هذه الآية المفترى عليها بزعمهم إنها في المتعة ، لا دخل لها بالمتعة إطلاقاً لا من قريب ولا من بعيد ، وهذا ما نصت عليه الآية كما أنزلها الله وبينه لنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فلو كان الله شرع نكاح المتعة بالقرآن كما يدّعون لأثبت هذا الحرف أو هذه اللفظة " إلى أجل مسمى " في هذه الآية -المختلف حولها - ولما نسخ هذا الحرف من القرآن ولما اختلف اثنان حول الآية ، هذا يقول إنها في المتعة ! وذاك يقول إنها في النكاح الدائم .
وأما قولهم : انه قد استفاضت الرواية عن الصحابة والتابعين في أن الآية المذكورة نزلت في المتعة ...
فالجواب :
إن هذا من الكذب فان هذه الرواية غير مستفيضة بل آحادية ، كما وان هذه القراءة شاذة واليك بيان ذلك بالتفصيل :
1- إن هذه الرواية غير متواترة بل أحادية والقراءة شاذة بخلاف ما جاءت به مصاحف المسلمين.
قال ابن جرير الطبري في تفسيره ما نصه بالحرف الواحد : وأما ما روي عن أبيّ بن كعب وابن عباس من قراءتهما " فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى " فقراءة بخلاف ما جاءت به مصاحف المسلمين وغير جائز لأحد أن يلحق بكتاب الله شيئاً لم يأت الخبر القاطع العذر عمن لا يجوز خلافه(1) .
وقال القيسي في الإيضاح بعد أن ذكر قراءة ابن عباس وأبي بزيادة إلى أجل مسمى قال ص 222 ما نصه : ولا يجوز لأحد اليوم أن يقرأ بذلك ، لأنها قراءة على التفسير مخالفة للمصحف ، ولأن القرآن لا يؤخذ بأخبار الآحاد .(2)
__________
(1) جامع البيان " 4/ 15
(2) الإيضاح ص 222(94/100)
وقال المازري في " المعلم : إن طائفة من المستبدعة تعلقوا بقوله تعالى {فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن } وفي قراءة ابن مسعود : فما استمتعتم به منهن إلى أجل ، وقراءة ابن مسعود هذه شاذة لا يحتج بها قرآناً ولا خبراً ولا يلزم العمل بها (1).
وقال الجصاص ما نصه: وأما احتجاج من احتج فيها بقوله تعالى { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن } أن قراءة أبي " إلى أجل مسمى " فإنه لا يجوز إثبات الأجل في التلاوة عند أحد من المسلمين فالأجل عندنا غير ثابت في القرآن .(2)
وقال الرازي ما نصه : إنا لا ننكر أن المتعة كانت مباحة ، إنما الذي نقوله : إنها صارت منسوخة ، وعلى هذا التقدير فلو كانت هذه الآية دالة على أنها مشروعة لم يكن ذلك قادحا في غرضنا ، وهذا هو الجواب أيضا عن تمسكهم بقراءة أبي وابن عباس ، فإن تلك القراءة بتقدير ثبوتها لا تدل إلا على أن المتعة كانت مشروعة ، ونحن لا ننازع فيه ، إنما الذي نقوله : إن النسخ طرأ عليه ، وما ذكرتم من الدلائل لا يدفع قولنا .
ثم أن هذه القراءة الشاذة أي " إلى أجل مسمى " جار ومجرور ، متعلق بالاستمتاع ، لا بنفس " العقد " في حين أن المدة المتعينة إنما تكون متعلقة بنفس العقد .....ومن هنا أبطلوا متعتهم بأيديهم وهم لا يشعرون!
2-فاذا ثبت أن هذه القراءة بخلاف ما جاءت به مصاحف المسلمين فإنها إذن لم تتجاوز حد الآحاد ، فليست بقرآن لأن القرآن من شرط ثبوته التواتر ولم تتواتر !
فأما إنها ليست بقرآن فلما استقر في علم الأصول أن " القراءة الشاذة " لا تثبت قرآنا يتلى لأنها ليست متواترة فيكون من قبيل تفسير الآية وليس ذلك بحجة وأما عند من لم يشترط التواتر في ثبوت القرآن فلا مانع من نسخ ظني القرآن بظني السنة كما تقرر في علم الأصول.
__________
(1) " المعلم بفوائد مسلم " 2/ 130
(2) " أحكام القرآن " 2/ 148(94/101)
فاذا كان ليس بقرآن وليس بمنزل من الله تعالى إذ لو كان قرآنا لوجدناه فيه ولقريء به في المحاريب وبين أظهر الناس ولما لم يجز ذلك بحال علم أنه ليس من القرآن وكفانا بالمصحف وإجماع الصحابة ، ألا ترى أنا أجمعنا على أن سورتي القنوت ليستا من القرآن وإنْ كانتا في قراءة أبي فكذلك هذا مثله ، فهذه الزيادة لم تثبت قرآنا لإجماع الصحابة على عدم كتابتها في المصاحف العثمانية وأكثر الأصوليين على أن ما قرأه الصحابي على أنه قرآن ولم يثبت كونه قرآناً لا يستدل به على شيء لأنه باطل من أصله .
وأما أنها لا تثبت سنة أيضاً على الأصح ، فلأنها لم تُروَ على أنها سنة مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذ يعوزها السند ، فبقيت على إنها مجرد فهم صحابي ، عبر عنه بلفظه هو ، ومعلوم - أصولياً - أن رأي الصحابي ليس بحجة ، لأنه محض اجتهاد ، ولو لزمنا رأي الصحابي كما يلزمنا قول الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لتعدد الرسل، وعلم الله أنه لم يرسل لنا إلا رسولاً واحداً فلا يصح الاحتجاج أذن على إباحة المتعة بقراءة شاذة منسوبة إلى صحابي ، إطلاقاً ، لأنها لا تعدو أن تكون رأياً اجتهادياً خاصاً به .
3-فاذا ثبت أن هذه القراءة ليست متواترة فغايتها أن تكون كأخبار الآحاد ونحن لا ننكر إن المتعة أحلت في أول الإسلام ولكن الكلام في دلالة القرآن على ذلك ، فإن كان هذا الحرف أنزل فلا ريب إنه ليس ثابتاً من القراءة المشهورة فيكون منسوخاً ويكون لما كانت المتعة مباحة فلما حرمت نسخت هذا الحرف .
4-لو مشينا على الاحتجاج بهذا التفسير كخبر آحاد فهو معارض بأقوى منه لأن القرآن على خلافه لقوله تعالى في آيتي المؤمنون والمعارج إذ كلتاهما تدلان على تحريم المتعة وهما ترشدان أيضاً إلى أن آية النساء غير واردة في المتعة وبالتالي تسقط قراءة ابن عباس إذ لا يعدو كون هذا الحرف خبر آحاد عورض بنص قرآني وخبر نبوي أصح منه أيضاً .(94/102)
قال الألوسي في تفسيره :القراءة شاذة وما دل على التحريم كآية {إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم } قطعي فلا تعارضه .
كما أن الأحاديث الصحيحة الصريحة القاطعة بتحريم نكاح المتعة إلى يوم القيامة وجمهور العلماء على خلافه كما سبق .
5-ونقول هذه القراءة على الرغم من شذوذها ومعارضتها بأقوى منها فلو فرضنا جدلاً أن الدليلين متساويان في القوة وتعارضا في الحل والحرمة يلزم تقديم دليل الحرمة منهما لأن الحظر مقدم على الإباحة أصولياً وذلك لأن تقديم المحرم قد يؤدي إلى ترك المباح وتقديم المبيح قد يؤدي إلى ارتكاب الحرام وترك المباح أولى من ارتكاب الحرام .
6- إنه ليس في الآية ما يدل على أن الاستمتاع إلى أجل مسمى حلال فإنه تعالى لم يقل : وأحل لكم أن تستمتعوا بهن إلى اجل بل قال تعالى{فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن }.
7- لو كان في القرآن ذكر الأجل على الفرض الجدلي ، لما دل على متعة النساء لأن الأجل يجوز أن يكون داخلا على المهر ، فيكون تقديره - فما دخلتم به منهن بمهر إلى أجل مسمى فآتوهن مهورهن عند حلول الأجل .
وجواب آخر : لو سلمنا ما ذكروا من الزيادة في القراءة ، فليس فيها دليل على إباحة نكاح المتعة ، و إنما فيها دليل على وجوب المهر على من ارتكب الحرام من ذلك ووطيء فيه ، ونحن نقول : إن المهر يلزم بالوطيء فيه لأجل الشبهة التي سقط الحد لأجلها عنه ، فهو كما لو وجد امرأة نائمة على فراشه فوطأها معتقدا أنها زوجته ، فانه يجب عليه مهر مثلها لأجل الشبهة ، فكذلك ها هنا .(94/103)
8-ونقول إن هذه القراءة الشاذة " إلى أجل مسمى " تتعلق بالاستمتاع لا بنفس العقد والمدة المتعينة في المتعة حسب مذهبهم إنما تكون متعلقة بنفس العقد لا بالاستمتاع فصار معنى الآية : فان تمتعتم بالمنكوحات إلى مدة معينة فأدوا مهورهن تماماً وفائدة زيادة هذه العبارة دفع ما عسى أن يتوهم إن وجوب تمام المهر معلق بمضي تمام مدة النكاح كما اشتهر في العرف أن ثلث المهر يعجّل والثلثين يؤجلان إلى بقاء النكاح فهذا التأجيل يحصل بتصرف المرأة واختيارها وإلا فلها المطالبة بعد الوطء مرة تمام المهر في الشرع ولو كان " إلى أجل مسمى " قيد العقد لم تصح المتعة عندهم إلى مدة العمر أبداً مع إنها صحيحة كذلك بإجماعهم وهذا عجيب !
9- ونقول إن هذه القراءة الشاذة " إلى أجل مسمى " جار ومجرور ، متعلق بالاستمتاع ، لا بنفس العقد ، ومعلوم أن المدة المتعينة في المتعة عند أتباع المتعة ، إنما تكون متعلقة بنفس العقد ، لا بالاستمتاع على ما هو مقرر عندهم بسبب بسيط ، هو أنهم جعلوا تعيين الأجل شرطا لصحة العقد ، فاذا لم يعين الأجل فيه ، لا يكون زواج متعة ! ولذلك قالوا : لو وهبها المدة قبل الدخول ، لزمه المهر!
10- ونقول إن القائلين بالمتعة تضاربت وتناقضت روايات وأقوال أئمتهم في لفظة " إلى أجل مسمى " من آية 24 من سورة النساء أهي تنزيل من الله أو قراءة ! وفيما يلي ذكر جملة من رواياتهم المعتبرة :
أ- قالوا :إن الآية نزلت هكذا " فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن .
فعن أبي جعفر " فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة.(1)
وروى الكليني في كافيه عن أبي عبد الله قال : إنما نزلت " فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة (2).
__________
(1) انظر مستدرك الوسائل للنوري 14/ 447-448 .
(2) الكليني في كافيه 5/ 449(94/104)
وروى شيخهم العياشي في تفسيره عن أبي عبد الله قال : قلت له : ما تقول في المتعة ؟ قال : قول الله تعالى " فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة إلى أجل مسمى ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة (1).
وروى شيخهم القمي في تفسيره ما نصه بالحرف : " فمن استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة " قال الصادق (ع) فهذه الآية !! دليل على المتعة (2).
ب- في أن الآية نزلت {فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة}
روى الكليني والطوسي وأحمد بن عيسى عن أبي بصير قال : سألت أبا جعفر عن المتعة فقال : نزلت في القرآن {فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة }(3)
و روى شيخهم المفيد في خلاصة الإيجاز و الكليني عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : سمعت أبا حنيفة يسأل أبا عبد الله (ع) عن المتعة فقال : عن أي المتعتين تسأل ؟ قال : سألتك عن متعة الحج فأنبئني عن متعة النساء أحق هي ؟ قال : سبحان الله أما تقرأ كتاب الله { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة } فقال أبو حنيفة : والله لكأنها آية لم أقرأها قط .(4)
__________
(1) العياشي في تفسيره 1/260
(2) القمي في تفسيره 1/ 136
(3) الكليني في كافيه 5/448ح1 والطوسي في تهذيبه 2/186 وفي استبصاره 3/141 وانظر البحار 103/ 315ح20 ، والوسائل 14/ 436ح1 ، وقال المجلسي في مرآة العقول 20/ 225 ، وفي تهذيب الأخيار 12/ 29 عن هذا الحديث بانه " حسن كالصحيح!
(4) خلاصة الإيجاز في المتعة " ص 29 و الكليني في الفروع 5/ 449 ح6 وانظر الوسائل 14/ 437 ح6
وقال المجلسي في مرآة العقول 20/229 عن هذا الحديث بأنه " حسن " .(94/105)
و روى العياشي في تفسيره عن أبي بصير عن أبي جعفر قال : نزلت هذه الآية {فما استمتعتم به منهن فآتوهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة }قال: لا بأس بأن تزيدها وتزيدك إذا انقطع الأجل فيما بينكما يقول : استحللتك بأجل آخر برضى منها ولا تحل لغيرك حتى تنقضي عدتها وعدتها حيضتان (1).
وروى الحميري في قرب الإسناد عن بكر بن محمد قال : سألت أبا عبد الله (ع) عن المتعة فقال {فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة}(2)
وروي الصفار في بصائر الدرجات في رواية طويلة ص85 عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله (ع) ...وان مما أحل الله المتعة من النساء في كتابه ..كما قال الله عز و جل{ما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة }(3)
ج- في أقوال أئمتهم أنهم يقرأون الآية " فما استمتعتم به منهن " إلى أجل مسمى"
روى العياشي في تفسيره عن أبي بصير عن أبي جعفر (ع) قال : كان يقرأ ( فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة ) فقال : هو أن يتزوجها إلى أجل مسمى ثم يحدث شيئا بعد الأجل .(4)
__________
(1) انظر العياشي 259ح86وانظر نوادر أحمد بن محمد ص65 ، والكاشاني في تفسيره الصافي 1/346 والبحراني في تفسيره البرهان 1/360 و المجلسي في بحاره 23/ 73 ، والعاملي في وسائله 14/ 477ح6 ، ومستدرك الوسائل للنوري 14/ 449 .
(2) انظر الوسائل 14/ 439ح17 ، قرب الاسناد ص21
(3) الصفار في بصائر الدرجات ص85 وانظر الوسائل 14/ 476ح5 .
(4) العياشي في تفسيره 1/ 260ح87وانظر ، الوسائل 14/ 477ح7 ، و البحار 103/ 314-315 ح 17 ، ومستدرك الوسائل للنوري 14/ 447 .(94/106)
وروى العياشي أيضا في تفسيره ما نصه بالحرف : وكان ابن عباس يقول : " فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة(1).
وجاء في تفسير ناسخ القرآن ومنسوخه لسعد بن عبد الله : برواية جعفر بن قولويه بإسناده قال : قرأ أبو جعفر وأبو عبد الله " فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة(2) .
وقال ابن بابويه القمي في الفقيه وعلله ما نصه : وقرأ ابن عباس " فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة (3).
نلخص من كل ما تقدم أن القائلين بالمتعة - وهم الفرقة الوحيدة - الشيعة الاثنا عشرية- اختلفوا في " إلى أجل مسمى " هل هي قول الله تعالى أي بمعنى آخر هل هي آية أم قراءة ؟ وإذا كانت آية ، فهل هي قبل قوله تعالى {فآتوهن أجورهن فريضة } أم بعدها ؟؟
فمنهم من أثبتها بعد قوله تعالى {فآتوهن أجورهن فريضة } ومنهم من أثبتها قبل قوله تعالى{فآتوهن أجورهن}.
فما أكثر الاختلافات والكل يدعي أن هذا من عند الله ........ فهذا الاختلاف أن دل على شيء فإنما يدل على أن هذه اللفظة " إلى أجل مسمى " ليست من القرآن !!
قال تعالى { أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا } النساء /82
وأما احتجاجهم بحديث ابن عباس على متعتهم بهذا النص المقطوع ، فالجواب من وجوه :
أولا : أن الحديث لم يرووه بتمامه كما أشاروا إليه في السنن الكبرى.... ، واليك متن الحديث في كتب الحديث(4).
__________
(1) في تفسيره 1/259ح85وانظر الوسائل 14/ 440ح20 ، والبحار 103/ 314ح15 .
(2) انظر البحار 103/ 305ح 12 ، ومستدرك الوسائل للنوري 14/ 448ح6.
(3) الفقيه 3/ 292ح3 والعلل ص173وانظر الوسائل 14/ 438ح 13 .
(4) انظر تحفة الأحوذي 4/ 269 ، والسنن الكبرى للبيهقي 7/ 205-206 ، ونيل الأوطار للشوكاني 6/ 134-135 والحازمي في كتابه " الناسخ والمنسوخ من الآثار" ص429-430(94/107)
أ- رواية البيهقي في السنن :
عن موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب عن ابن عباس رضي الله عنهم قال كانت المتعة في أول الإسلام وكانوا يقرؤن هذه الآية فما استمتعتم به منهن إلى اجل مسمى الآية فكان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج بقدر ما يرى انه يفرغ من حاجته لتحفظ متاعه وتصلح له شأنه حتى هذه الآية ( حرمت عليكم أمهاتكم ) إلى آخر الآية فنسخ الله عز و جل الأولى فحرمت المتعة وتصديقها من القرآن { إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم } وما سوى هذا الفرج فهو حرام .
ب- رواية الترمذي :
عن موسى ابن عبيدة عن محمد بن كعب إنما كانت المتعة في أول الإسلام كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم فتحفظ له متاعه وتصلح له شيئه حتى إذا نزلت الآية { إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم } قال ابن عباس : فكل فرج سوى هذين فهو حرام .
ج- رواية الحازمي :
عن موسى بن عبيدة سمعت محمد ابن كعب القرظي يحدث عن ابن عباس قال : كانت في أول الإسلام :متعة النساء فكان الرجل يقدم بسلعته البلد ليس له من يحفظ عليه ضيعته ويضم إليه متاعه فيتزوج المرأة إلى قدر ما يرى أنه يقضي حاجته وقد كانت تقرأ ( فما استمتعتم به منهن- إلى اجل مسمى- فآتوهن أجورهن ) الآية حتى نزلت : {حرمت عليكم أمهاتكم و بناتكم } إلى قوله : {محصنين غير مسافحين}فتركت المتعة وكان الإحصان إذا شاء طلق وإذا شاء امسك ، ويتوارثان وليس لهما من الأمر شيء .
ثانيا : إن هذا الحديث ضعيف ، فقد رواه البيهقي والترمذي والحازمي كلهم من طريق موسى بن عبيدة .
قال الحازمي بعد إيراده الرواية كما سبق 0 ما نصه : هذا إسناد صحيح لولا موسى بن عبيدة وهو الربذي كان يسكن الربذة .(1)
__________
(1) الحازمي بعد ايراده الرواية كما سبق ص430(94/108)
وقال ابن حجر في الفتح :و أما ما أخرجه الترمذي من طريق محمد بن كعب عن ابن عباس قال : إنما كانت المتعة في أول الإسلام كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما يرى انه يقيم فتحفظ له متاعه " فإسناده ضعيف ، وهو شاذ مخالف لما تقدم من علة إباحتها .(1)
وقال في " تقريب التهذيب ": موسى بن عبيدة ضعيف من صغار السادسة (2) .
وأما احتجاجهم بحديث عبد الله بن مسعود بأنه قرأ : فما استمتعتم به منهن إلى أجل إلخ ......
فقد تقدم الجواب عن هذه القراءة من أكثر من وجه وأضيف هنا ما قاله الإمام المازري .
قال رحمه الله تعالى : هذه القراءة ليست عندنا بحجة لأنها من طريق الآحاد والقرآن لا يثبت بخبر الواحد ولا يلزم العمل بخبر الواحد في مثل هذه النقول على أنه قرآن على الصحيح من القول في ذلك .
فالمخالف ملزم بإثبات أن ابن مسعود كان يقرأ ( فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى ) على إنها قراءة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وان نسبت بعض كتب التفسير ذلك القول إليه ، وإذا لم يستطع المخالف إثبات ذلك ولن يستطيع أبداً ، فيلزم أن يفتري على الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .. وُيلزم المسلمين بقراءة شاذة لا يستطيع هو أن يثبتها أنها من قراءة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
والجواب عن الشبهة (9) من وجوه :
1- إن الآية محكمة غير منسوخة نزلت في النكاح الدائم كما بيناها سالفا ، فقد روي عن عائشة رضي الله عنها وابن عباس مثل ذلك ....
قال أبو محمد القيسي في " الإيضاح " ص 22-223 : وقالت عائشة رضي الله عنها : حرم الله المتعة بقوله { والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم }
__________
(1) ابن حجر في الفتح 9/ 77
(2) " تقريب التهذيب " ص 552 ، وانظر ترجمته في الميزان 4/ 213 ، والضعفاء الكبير للعقيلي 4/ 16 .(94/109)
قال أبو محمد : وهذا قول حسن ، لأن المتعة لم تكن زواجا صحيحا ولا ملك يمين ، ففرض الله في هذه الآية حفظ الفروج إلا على زوجةٍ أو ملك يمين ، ونكاح المتعة ليس بملك يمين ، ولا بنكاح صحيح ......
فقد ذكر القيسي عن ابن عباس : أن الآية محكمة غير منسوخة لكنها نزلت في النكاح الصحيح .(1)
فالمعنى على هذا القول : فما استمتعتم به ممن تزوجتم وإن قلّ الاستمتاع فلها صداقها فريضة ، فالاستمتاع على هذا القول : النكاح الصحيح .
2- ليس من الإنصاف أن يقتصروا على قول الزمخشري في كشافه ويتركوا أقوال بقية المفسرين المتقدمين عليه عند الأمة ، خاصة في الأحكام الذين صرحوا بنسخها ، ولاسيما الزمخشري لم يقتصر على القول بالنسخ ، ولكنه ذكره قولا محكيا كما صرح به النسفي الذي لخصه ..
وأما قولهم : أن الحكم ابن عتيبة سئل : عن آية المتعة هل هي منسوخة ؟ فقال لا.
فالجواب :
إن هذا الحديث ضعيف من طريقنا وطريقهم .
فأما من طريق السنة فلأمور :
1- الحكم بن عتيبة كان يدلس كما قال ابن حبان ولم يصرح بالسماع من علي فالسند غير متصل وهو دليل الضعف إلا أن يصرح بسماعه !
2- إن الحكم بن عتيبة لم يدرك عليا رضي الله عنه وذلك يظهر من تاريخ ميلاده فانه ولد سنة خمسين وقيل سنة سبع وأربعين وكان استشهاد سيدنا علي بن أبي طالب سنة أربعين فالسند منقطع جزما لا تقوم به الحجة (2).
3-إن هذا الحديث مع انقطاعه وضعفه معارض بما ثبت عن علي رضي الله عنه من التشديد في المتعة حتى قال لابن عمه ابن عباس حينما بلغه أنه يرخص في المتعة " إنك امرؤ تائه " .
فقد روى مسلم في صحيحه عن ابن الحنفية قال : سمع علي بن أبي طالب يقول لفلان انك رجل تائه نهانا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
__________
(1) " الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه " ص 221
(2) انظر التهذيب لإبن حجر 2/434(94/110)
وفي رواية أن عليا سمع ابن عباس يلين في متعة النساء فقال مهلا يا ابن عباس فان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عنها يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأنسية .
فأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه هو الذي أنكر على ابن عباس في تحليله للمتعة كما رواه مسلم وأما إنكاره على عمر رضي الله عنه في تحريمه للمتعة كما جاء ذلك في تفسير الطبري فسنده ضعيف فيما سبق !
وأما من طريق الشيعة فلأمور :
1- إن الحكم بن عتيبة غير ثقة ومطعون فيه عند الشيعة وإليك أقوالهم :
قال الطوسي: الحكم بن عتيبة أبو محمد الكوفي الكندي مولى زيدي بتري(1).
وقال الحلي: الحكم بن عتيبة مذموم من فقهاء العامة (2).
كما أن ابن داود الحلي أورده في رجاله في القسم الثاني أيضا المختص بالمجهولين والمجروحين ، قال عنه ما نصه : زيدي بتري(3) .
وقال الأردبيلي: روى الكشي في ذمه روايات كثيرة (4).
فإن احتجوا بهذا الحديث بما رووه من طرقهم فيما أخرجه الكليني في كافيه عن ابن مسكان عن عبد الله بن سليمان قال : سمعت أبا جعفر يقول : كان علي يقول (ع) : لولا ما سبقني به ابن الخطاب ما زنى إلا شقي .
وكذلك فيما أخرجه الطوسي في تهذيبه بنفس الإسناد المذكور عن ابن مسكان عن أبي جعفر الباقر.
فان احتجاجهم باطل لأن الحديث ضعيف من طرقهم أيضا ....
فقد حكم المجلسي على الحديث بأنه مجهول وذلك في كتابه ملاذ الأخيار وفي كتابه مرآة العقول(5).
__________
(1) في رجاله ص171
(2) في رجاله ص218 في القسم الثاني المختص بالضعفاء
(3) ابن داود الحلي في رجاله ص243
(4) في جامع الرواة 1/266
(5) ملاذ الأخيار 12/29ح5 وفي كتابه مرآة العقول 20/227ح2 .(94/111)
فإن احتجوا بما أورده المجلسي في بحاره في رواية طويلة عن المفضل بن عمر يقول المفضل للصادق (ع) : يا مولاي فالمتعة قال المتعة حلال طلق .... وقول أمير المؤمنين (ع) : لعن الله ابن الخطاب فلولاه ما زنى إلا شقي أو شقية لأنه كان يكون للمسلمين غناء في المتعة عن الزنا (1)..
فإن هذه الرواية باطلة أيضا من طرقهم : لأن الراوي هو المفضل بن عمر الخطابي المتهافت ، مطعون فيه عندهم وإليك ايها القارئ أقوال علمائهم في الجرح والتعديل فيه :
قال النجاشي: المفضل بن عمر أبو عبد الله وقيل أبو محمد الجعفي الكوفي ، فاسد المذهب ! مضطرب الرواية لا يعبأ به و قيل : أنه كان خطابيا و قد ذكرت له مصنفات لا يعول عليها و إنما ذكره للشرط الذي قدمناه له .(2)
وقال ابن الغضائري كما نقل عنه صاحب مجمع الرجال للقهبائي 6/131 والحلي في رجاله ص258 وأبو داود الحلي في رجاله ص280 : المفضل بن عمر الجعفي أبو عبد الله ضعيف متهافت مرتفع القول خطابي وقد زيد عليه شيء كثير وحمل الغلاة في حديثه حملا عظيما ولا يجوز أن يكتب حديثه (3).
وقال الأردبيلي: وروى روايات غير نقية الطريق في مدحه وأورد الكشي أحاديث تقتضي مدحه والثناء عليه لكن طرقها غير نقية كلها ، وأحاديث تقتضي ذمه والبراءة منه وهي أقرب إلى الصحة فالأولى عدم الاعتماد والله أعلم (4).
وأخرج الكشي في رجاله بسند معتبر صحيح ص322 عن إسماعيل بن جابر : قال أبو عبد الله: ائت المفضل وقل له يا كافر يا مشرك ما تريد إلى ابني تريد أن تقتله(5) .
__________
(1) في بحاره 103/305 والبحراني في حدائقه 24/116.
(2) رجاله 2/359 -360
(3) مجمع الرجال للقهبائي 6/131 والحلي في رجاله ص258 وأبو داود الحلي في رجاله ص280
(4) في جامع الرواة 2/258 - 259
(5) الكشي في رجاله ص322(94/112)
وأخرج الكشي بإسناد صحيح عن حماد بن عثمان قال: سمعت أبا عبد الله يقول للمفضل بن عمر الجعفي يا كافر يا مشرك مالك ولابني يعني إسماعيل بن جعفر وكان منقطعا إليه يقول فيه مع الخطابية ثم رجع بعد (1).
وروى الكشي بسند صحيح عن عبد الله بن مسكان قال : دخل حجر بن زايدة وعامر بن جذاعة على أبي عبد الله فقالا : جعلنا فداك إن المفضل بن عمر يقول لكم : إنكم تقدرون أرزاق العباد فقال والله ما يقدر أرزاقنا إلا الله ولقد احتجت إلى طعام لعيالي فضاق صدري وأبلغت إلى فكرة في ذلك حتى أحرزت قوتهم فعندها طابت نفسي لعنه الله وبرىء منه قالا أفتلعنه وتتبرأ منه ؟ قال نعم فالعناه وابرءا منه برىء الله ورسوله منه....
وأما احتجاجهم بحديث عمران فباطل روايةً و درايةً.....
فأما رواية فمن وجوه :
أولاً : إن الحديث الذي استشهدوا به من صحيح البخاري أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الحج لا في كتاب النكاح .
ثانيا :إن الحديث نفسه قد رواه غير البخاري و صرح فيه عمران بأنه يقصد متعة الحج وأخرجه مسلم في صحيحه و أحمد في مسنده وابن ماجه في سننه والنسائي في سننه وابن سعد في الطبقات الكبرى والطيالسي في مسنده والدارمي في سننه وغيرهم .
ثالثا : أطبق شراح صحيح البخاري كالعسقلاني والعيني و القسطلاني وشراح صحيح مسلم كالنووي والمازري وغيرهم على تفسير المتعة هنا " بمتعة الحج" .
وفيما يلي ذكر لمتن الحديث في كتب السنة .
أولاً : ذكر أحاديث صحيح البخاري :
1- أخرج البخاري في صحيحه بإسناده عن مطرف عن عمران رضي الله عنه قال : " تمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فنزل القرآن قال رجل برأيه ما شاء .
والحديث أخرجه البخاري في كتاب الحج باب التمتع على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
__________
(1) الكشي في رجاله ص321ح581(94/113)
2- أخرج البخاري بإسناده عن أبي رجاء عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال : أنزلت آية المتعة في كتاب الله . ففعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم ينزل قرآن يحرمه ولم ينه عنه حتى مات قال رجل برأيه ما شاء .
والحديث أخرجه البخاري في كتاب التفسير " تفسير سورة البقرة " باب { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج}.
وعلق الحافظ ابن حجر على الحديث الأول في فتح الباري ما لفظه(1) : قوله أي قول عمران " ونزل القرآن " أي بجوازه يشير إلى قوله تعالى { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج } الآية ورواه مسلم من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث عن همام بلفظ " ولم ينزل فيه القرآن " أي بمنعه وتوضحه رواية مسلم الأخرى من طريق شعبة وسعيد بن أبي عروبة كلاهما عن قتادة بلفظ " ثم لم ينزل فيها كتاب الله ولم ينه عنها نبي الله " وزاد من طريق شعبة .. عن مطرف " ولم ينزل فيه قرآن بحرمة " وله من طريق أبي العلاء عن مطرف " فلم تنزل آية تنسخ ذلك ولم تنه عنه حتى مضى لوجهه " ... وقد أخرجه المصنف في تفسير البقرة .
ثانياً : ذكر أحاديث صحيح مسلم :
1-أخرج مسلم بإسناده عن مطرف قال : قال لي عمران بن حصين إني لأحدثك بالحديث اليوم ينفعك الله بعد اليوم واعلم أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد أعمر طائفة من أهله في العشر فلم تنزل آية تنسخ ذلك ولم ينه عنه حتى مضى لوجهه ارتأى كل امريء بعد ما شاء أن يرتئي .
2- وأخرج مسلم بإسناده عن مطرف قال : قال لي عمران بن حصين أحدثك حديثا عسى الله أن ينفعك به أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم جمع بين حجة وعمرة ثم لم ينه عنه حتى مات ولم ينزل فيه قرآن يحّرمه وقد كان يسلم علّى حتى اكتويت فتركت ثم تركت الكي فعاد .
__________
(1) في فتح الباري 3/505(94/114)
3- وأخرج مسلم بإسناده عن مطرف قال بعث إليّ عمران بن حصين في مرضه الذي توفى فيه فقال إني كنت محدثك بأحاديث لعل الله أن ينفعك بها بعدي فإن عشت فأكتم عني وإن مت فحدث بها إن شئت إنه قد سُلّم عليّ واعلم أن نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد جمع بين حجة وعمرة ثم لم ينزل فيها كتاب الله ولم ينه عنها نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال رجل فيها برأيه ما شاء .
4- وأخرج مسلم بإسناده عن مطرف عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال اعلم أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم جمع بين حج وعمرة ثم لم ينزل فيها كتاب ولم ينهنا عنهما رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال فيها رجل برأيه ما شاء .
5- وأخرج مسلم بإسناده عن مطرف عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم ينزل فيه القرآن قال رجل برأيه ما شاء .
6- وأخرج مسلم بإسناده عن مطرف عن عمران بن حصين رضي الله عنه بهذا الحديث قال تمتع نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وتمتعنا معه .
7-وأخرج مسلم بإسناده عن أبي رجاء قال قال عمران بن حصين نزلت آية المتعة في كتاب الله " يعني متعة الحج " وأمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم لم ينزل آية تنسخ آية متعة الحج ولم ينه عنها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى مات قال رجل برأيه بعد ما شاء .
8- وأخرج مسلم بإسناده عن أبي رجاء عن عمران بن حصين بمثله غير أنه قال وفعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يقل وأمرنا بها .(94/115)
قال النووي في صحيح مسلم عند شرحه لهذه الأحاديث : وهذه الروايات كلها متفقة على أن مراد عمران أن التمتع بالعمرة إلى الحج جائز وكذلك القران وفيه التصريح بإنكاره على عمر بن الخطاب رضي الله عنه منع التمتع وقد سبق تأويل فعل عمر أنه لم يرد إبطال التمتع بل ترجيح الإفراد عليه (1).
ثالثاً : ذكر أحاديث مسند أحمد :
روى أحمد بإسناده عن مطرف بن عبد الله قال : بعث إليّ عمران بن حصين في مرضه فأتيته فقال لي : إني كنت أحدثك أحاديث لعل الله تبارك وتعالى ينفعك بها بعدي ، واعلم أنه كان يسلّم علّي فان عشت فاكتم علّي وان مت فحدث إن شئت واعلم أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد جمع بين حجة وعمرة ثم لم ينزل فيها كتاب ولم ينه عنها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال رجل فيها برأيه ما شاء (2).
وعن أبي العلاء بن الشخير عن مطرف قال : قال لي عمران : اعلم أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد أعمر من أهله في العشر ، فلم تنزل آية تنسخ ذلك و لم ينه عنه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى مضى لوجهه ، ارتأى كل امريء بعد ما شاء الله أن يرتئي .
رابعاً: سنن النسائي :
1- أخرج النسائي في سننه من كتاب الحج " باب القران " بإسناده عن عمران بن حصين قال : جمع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بين حج وعمرة ثم توفى قبل أن ينهى عنها وقبل أن ينزل القرآن بتحريمه .
2- وأخرج النسائي بإسناده عن عمران أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم جمع بين حج وعمرة ثم لم ينزل فيها كتاب ولم ينه عنهما النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال فيهما رجل برأيه ما شاء .
__________
(1) النووي في صحيح مسلم 9/ 208
(2) اسناده صحيح على شرط الشيخين وأخرجه إبن سعد في الطبقات الكبرى 4/290(94/116)
3- و أخرج النسائي بإسناده عن عمران بن حصين قال : تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .(1)
خامساً : سنن ابن ماجة :
1-أخرج ابن ماجة في سننه من كتاب الحج باب "التمتع بالعمرة إلى الحج " بإسناده عن مطرف قال : قال لي عمران بن الحصين : إني أحدثك حديثا لعل الله أن ينفعك به بعد اليوم اعلم أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد اعتمر طائفة من أهله في العشر من ذي الحجة ولم ينه عنه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم ينزل نسخه قال في ذلك ، بعد رجل برأيه ما شاء أن يقول (2).
وأما بطلانه دراية فذلك من وجوه :
أولاً : أن اللفظ الذي استدلوا به يرشد إلى أن المنهي عنه " متعة الحج " و ذلك عند قول عمران " فعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم " ومعلوم أن الصيغة هنا تقتضي التعميم وهذا ما حدث في حجة الوداع عندما أمر أصحابه الذين لم يسوقوا هدياً أن يحلوا من إحرامهم بعمل عمرة .
ثانياً : قول عمران " ولم ينه عنها حتى مات " لم يحصل إلا بشأن متعة الحج لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لما قيل له : ألنا خاصة قال: لا الحديث .
أما متعة النساء فقد نهى عنها قبل ذلك ..
والجواب عن الشبهة (10) :
قولهم : إن نسخ آية المتعة بآية الأزواج مستحيل .....
فالجواب :
إن آية الاستمتاع محكمة غير منسوخة نزلت في النكاح الصحيح الدائم.
فلا يوجد نسخ بين الآيتين البتة ، أعني بين آية الاستمتاع بالأزواج بعقد دائم المدنية وبين آية الفروج المكية !
وقد استدلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وغيرها بهذه الآية على تحريم المتعة ونسخها في القرآن .
__________
(1) انظر صحيح سنن النسائي للألباني 2/76 .
(2) انظر صحيح سنن إبن ماجه للألباني 2/ 166.(94/117)