وإليك بيان هذا الأصل بمثال حيث طبقوا مضمونه عملياً في مسألة عصمة الأنبياء إذ أجمع الامامية على الاعتقاد بعصمة الأنبياء من جميع الذنوب صغيرها وكبيرها، عمداً وسهواً، ومن الولادة الى الموت، واستدلوا على هذه العقيدة بالعقل، ولما وجدوا في القرآن آيات تصرح بأخطاء الأنبياء ومعاصيهم وتذكر ذلك بصراحة وببيان واضح، مثل قوله تعالى: (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى( (طه: 121-122)، وقوله: (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّر( (الفتح: من الآية2) وقوله: (فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ( (القصص: 15-16).
وغيرها كثير من الآيات، فقالوا إما أن نترك الدليل العقلي على عصمتهم المطلقة ونتبع دلالة هذه النصوص، أو أن نتبع الدليل العقلي ونؤول هذه الآيات، وهذا ما فعله السيد المرتضى في كتابه (تنزيه الأنبياء والأئمة) فأخذ يتكلف جداً بتأويل هذه الآيات الكثيرة والصريحة ليبقى الدليل العقلي هو المرجع ويدفع المعارض من النصوص وذلك بتأويلها(1)، وممن صرح بذلك المثال على الأصل المذكور من علمائهم:
__________
(1) ذكر السيد حسن بن سيد احمد الاسكندري وهو شيعي في كتابه (رسالة في مسائل الخلاف) ناقلاً لقول محمد بن عبد النبي: [اما ترى ان المفيد والمرتضى أنكرا احاديث الذر والميثاق واخبار الانوار والاشياح وسبق خلق الارواح وكذلك احاديث الطينة واحاديث الاحباط مع موافقتها للآيات، فردوا الاخبار والآيات] لان ظاهرها يخالف قواعدهم العقلية، وهذه الرسالة هي نسخة مخطوطة بدائرة الآثار والتراث برقم (26995).(75/75)
1- يقول شيخ طائفتهم الطوسي:[ وأما ما يستدل من الظواهر التي يقتضي ظاهرها وقوع المعصية من الانبياء نحو قوله تعالى " وعصى آدم ربه فغوى " فقد بينا الوجه فيه في التفسير واستوفاه المرتضى في التنزيه لا يحتمل ذكر ذلك ههنا . بل نقول : الظواهر تبنى على أدلة العقول ولا تبنى أدلة العقول على الظواهر ، وإذا علمنا بدليل العقل أن القبيح لا يجوز عليهم تأولنا الايات ان كانت لها ظواهر وان كان اكثرها لا ظاهر له على ما بين هناك](1).
2- يقول محققهم الحلي:[ وأما ما تضمنه الكتاب العزيز وكثير من الأخبار من ما ظاهره وقوع المعصية ، فمحمول على ضرب من التأويل ، لئلا تتناقض الأدلة . ولنذكر طرفا من ما نسب إلى أفاضل الأنبياء ليكون الجواب عنه معينا عن ما نسب إلى غيرهم . كقوله تعالى : ( وعصى آدم ربه فغوى ). وقوله في قصة نوح : ( إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق ) . وقوله تعالى مجيبا : ( إنه ليس من أهلك ). وقوله في قصة إبراهيم : ( واغفر لأبي إنه كان من الضالين). وقوله : ( هذا ربي ) تارة عن النجم ، وتارة عن القمر، وتارة عن الشمس . وفي قصة موسى : ( إن هي إلا فتنتك ). وفي قصة عيسى : ( وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ) مع علمه بكفرهم ، وأن الكافر لا يغفر له . وفي قصة محمد : ( ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ). ( ووجدك ضالا فهدى ). ( ووضعنا عنك وزرك ). لأن العصيان هو المخالفة وكما يحتمل أن تكون المخالفة في واجب ، يحتمل أن يكون في مندوب ، ومع احتمال كل واحد من الأمرين ، يجب تنزيله على ترك المندوب ، ليسلم الدليل العقلي عن الطعن](2).
__________
(1) الاقتصاد- الشيخ الطوسي ص 162.
(2) المسلك في أصول الدين - المحقق الحلي ص 156-157.(75/76)
3-يقول إمامهم وسيدهم محسن الأمين العاملي:[ونقول:النبي في اعتقادنا معصوم من الذنوب، فلا يحتاج إلى المغفرة، لذلك احتاج القائلون بعصمته إلى تأويل(ليغفر لك الله) بوجوه من التأويل لأن ظاهر النقل إذا خالف الدليل القطعي وجب تأويله](1).
الفصل الخامس
عرض المناظرة بين القادياني والشيعي
الفصل الخامس
قبل الدخول في المناظرة لا بد من الإشارة أولاً إلى أن كلاً من القاديانيين والشيعة يسعَوْن إلى هدف واحد مشترك وهو "إثبات وجوب وجود مرشد إلهي في كل وقت بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - وإلى قيام الساعة" وهذا المرشد إما أن يكون نبياً كما عند القاديانيين، أو شخصاً له من الصفات ما للنبي - صلى الله عليه وسلم - فهو شبيه بالنبي كما عند الشيعة مُمَثَّلاً بالإمام المعصوم(2)
__________
(1) الشيعة من الحقائق والأوهام- محسن الأمين العاملي ص83.
(2) فمن أقوال علماء الشيعة التي صرحت بأن صفات الإمام هي نفس صفات النبي - صلى الله عليه وسلم - قال عبد الحسين دستغيب في كتاب الإمامة من سلسلة أصول الدين(2/6): [ يجب أن يكون الإمام مشابهاً للرسول - صلى الله عليه وسلم - تماماً]، وقال:[ فالنائب لأي شخص يجب أن يكون مماثلاً لذلك الشخص فخليفة الرسول - صلى الله عليه وسلم - يجب أن يماثل الرسول من حيث العلم والعمل، بحيث لو رآه أي شخص فكأنما رأى الرسول ص]، وقال محمد تقي مصباح اليزدي في كتابه (دروس في العقيدة الإسلامية) ص331: [ الإمام الذي يمتلك خصائص نبي الإسلام - صلى الله عليه وسلم - كلها عدا النبوة والرسالة]، ويقول محسن الخرازي في (بداية المعارف الإلهية) جزء1 ص11: [كما انه (أي الإمام) يتصف بصفات النبي أيضاً لكونه خليفة له، فان كان النبي معصوماً فهو أيضاً معصوم…. وهكذا فالإمام يقوم مقام النبي في جميع صفاته عدا كونه نبياً] ويقول أيضاً جزء2 ص40: [فكل ما كان النبي معصوماً عنه كذلك يكون الإمام معصوماً عنه]، ويقول محمد رضا المظفر في (عقائد الإمامية) ص104: [ونعتقد ان الإمام كالنبي يجب ان يكون معصوماً].(75/77)
.
إذاً فالاتفاق حاصل بينهم على أصل القضية وإنما وقع الخلاف بينهم في فرعها متمثلاً باسم هذا المرشد الإلهي، وهل هو نبي على قول القاديانيين أو إمام على قول الشيعة ... ومن أجل أن نفهم بوضوح أكثر سبب هذا التوافق الجوهري بين أصحاب هاتين العقيدتين ونعرف سرَّه، لا بد لنا أولاً من الوقوف على حقيقتين هامتين هما:
الأولى:
إن كل دليل عقلي يثبت وجوب بعثة الأنبياء على الله تعالى لهداية الخلق قد اقتبسه الشيعة واستخدموه لإثبات معتقدهم على وجوب نصب الأئمة على الله تعالى لتحقيق الغرض نفسه -هداية الخلق-، والشاهد على اقتباسهم هذا الدليل في إثبات معتقدهم هو اعتراف علمائهم الصريح بذلك ومنهم:
1- قال المظفر:[ فالإمامة استمرار للنبوة،والدليل الذي يوجب إرسال الرسل وبعث الأنبياء هو نفسه يوجب أيضاً نصب الإمام بعد الرسول]،وقال ص104: [والدليل الذي اقتضانا ان نعتقد بعصمة الأنبياء هو نفسه يقضينا ان نعتقد بعصمة الأئمة بلا فرق](1) .
2- وقال آيتهم العظمى مكارم الشيرازي في كتابه(دروس في العقائد الإسلامية) ص189 تحت عنوان(فلسفة وجود الإمام):[ إن البحوث التي أثبتنا بها ضرورة بعث النبيين تبين كذلك إلى حد كبير ضرورة وجود الإمام بعد النبي]، وقال ص188:[ ولسوف نثبت في بحوثنا التالية وجوب أن يكون في كل عصر وزمان ممثل إلهي نبي أو إمام معصوم] .
__________
(1) عقائد الإمامية لعلامتهم وحجتهم محمد رضا المظفر ص103.(75/78)
3- قال علامتهم وشيخهم محمد جميل حمود في كتابه(الفوائد البهية في شرح عقائد الإمامية)(1/400):[ وبما أن الغرض من الخلق هو وصول الإنسان إلى كماله اللائق به وهو المعرفة كما قال تعالى(وما خلقت ...) كان اللازم بحكمته ورحمته أن يرسل سبحانه لخلقه أناس مطهرين يرشدونهم إلى عبادة الله تعالى ... من هنا تجب بعثة الأنبياء والأئمة بمناط واحد]، وقال(2/71-72):[ ووجوب اللطف لا يختص بالأنبياء والمرسلين،بل يشمل الأوصياء والأولياء المنصوصين من قبل الله تعالى،لأن مهام هؤلاء كمهام أولئك بمناط واحد لا يختلفون عن بعضهم البعض إلا في تلقي الوحي التشريعي] .
4-نقل السيد المرتضى نص قول القاضي عبدالجبار بأن الشيعة انتهوا بصفات الإمام إلى النبوة حيث قال:[ لكنهم انتهوا بالإمام إلى صفة النبوة وربما زادوا وربما نقصوا ، وهم الذين يوجبون الحاجة إلى الإمام من حيث لا يتم التكليف ولا حال المكلفين إلا به] فأجاب بأنه أشركوا الإمام مع النبي من حيث وجوب وجوده والأدلة على ذلك لا من حيث صفاته فقال:[ فظن بعيد، لأن من أوجب الحاجة إلى الإمام من حيث لا يتم التكليف إلا به لم يجعله نبيا، ولا بلغ به إلى صفة النبوة ، وليس من حيث شارك الإمام النبي في الحاجة إليه من هذا الوجه يكون نبيا] الشافي(1/39) .
5- وقال محسن الخرازي في (بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية) جزء2 ص40:[وكيف كان فالكلام في متعلق العصمة ايضاً واضح بعدما عرفت من وحدة الدليل في باب النبوة والإمامة]،وقال (2/25):[أن النبوة والإمامة كليهما مما يقتضيهما كماله المطلق ورحيميته المطلقة وإلا لزم الخلف في كونه كمالاً مطلقاً كما لا يخفى، وأما بناء على التقريب الكلامي فتقريبه كالتقريب الذي مضى في النبوة ] .(75/79)
6-قال السيد محمد مهدي الخرسان محقق كتاب الألفين للعلامة الحلي ص125: [ ولو جاز إهمال نصب الإمام مع حسنه بل مع كونه أحسن لجاز إهمال بعثة النبي ، فإن بعثة الأنبياء ما كانت إلا من ناحية الرأفة والرحمة واللطف والعلة واحدة في الجميع ، فكيف يصح استعمالها في النبي وإهمالها في الإمام مع أن الحاجة من البشر واحدة والداعي من قبله عز شأنه واحد] .
7- قال الشيخ محمد حسن آل ياسين ص22:[وهكذا يكون كل ما دل على ضرورة النبوة ووجوبها صالحاً للاستدلال به على وجوب الإمامة](1)، وقال ص23:[ ولذا رأت الشيعة أن الإمامة واجبة وجوب النبوة، ضرورية ضرورتها].
8- يقول علامتهم إبراهيم الأميني تحت عنوان(النبوة العامة):[تنسحب البراهين والأدلة العقلية التي تثبت وجوب النبوة على الله عزوجل على الإمامة في غياب الأنبياء والرسل، فلا بد من وجود فرد معصوم اختاره الله واصطفاه لعباده لإقامة الدين وتطبيق الشريعة في حياة الناس، ومن هنا فإن بحث مسألة النبوة العامة أمر ضروري للتمهيد من أجل بحث الإمامة في ضوء العقل](2).
9-يقول آيتهم وشيخهم محمد باقر الحكيم مثبتاً ضرورة الامامة بالعقل تحت عنوان (دليل قياس الإمامة للنبوة في الضرورة) :[إن جميع الأدلة التي يمكن الاستدلال بها عقلاًً على ضرورة النبوة يمكن الإستدلال بها عقلاً على ضرورة الإمامة، لأن الإمام كالنبي من حيث المسؤوليات والمهمات، وما دام الإمام كذلك فالدليل على ضرورة النبوة عقلاً هو الدليل على ضرورة الإمامة](3).
10-يقول السيد عبدالله شبر :[ والذي عليه الفرقة المحقة والطائفة الحقة أنه يجب على الله تعالى نصب الإمام في كل زمان عقلاً ونقلاً، أما العقل فوجوه:
__________
(1) كتاب (الإمامة) للشيخ محمد حسن آل ياسين.
(2) دراسة عامة في الإمامة لعلامتهم إبراهيم الأميني ص93.
(3) الإمامة وأهل البيت النظرية والإستدلال- السيد محمد باقر الحكيم ص112.(75/80)
الأول: إن ما ذكر في بيان الاضطرار إلى الرسل فهو بعينه جارٍ في الإضطرار إلى أوصيائهم وخلفائهم، لأن الاحتياج إليهم غير مختص بوقت دون آخر وفي حالة دون أخرى، ولا يكفي بقاء الكتب والشرائع من دون قيِّم لها عالم بها](1).
11-قال العلامة الحلي:[ واعلم : أن كل ما دل على وجوب النبوة فهو دال على وجوب الإمامة ، إذ الإمامة خلافة عن النبوة قائمة مقامها ، إلا في تلقي الوحي الإلهي بلا واسطة ، وكما أن تلك واجبة على الله تعالى في الحكمة هكذا هذه](2) .
الثانية:
في مقام الحوار والمناظرة فإن كل دليل استخدمه الشيعة على وجوب استمرار الإمامة سيستخدمه القادياني على وجوب استمرار النبوة،بمعنى أنه سيستخدم نفس أدلة الشيعة ضدهم في المناظرة ليثبت دعواه وليضعهم في موقف حرج لا يحسدون عليه بوجوب اختيار أحد أمرين لا يمكن الجمع بينهما ولا ثالث لهما وهو إما أن يُسَلِّموا للقاديانية بصحة ما ذهبوا إليه وعندها سيخسرون المناظرة لتكون الغلبة للقاديانيين، أو أن يتخلّوا عن أدلتهم ويعلنوا بطلانها،لأن القادياني اعتمدها بنصها وقلبها عليهم.
__________
(1) حق اليقين في معرفة أصول الدين – السيد عبدالله شبر ج1 ص183.
(2) النافع يوم الحشر - العلامة الحلي ص 95.(75/81)
ففي ضوء هاتين النتيجتين واتفاقهم على أصل القضية(1) سيسير الحوار، ولنعرض بعد هذه الإشارة والتمهيد المناظرة والحوار:
القادياني:
__________
(1) قد يقول البعض أن القادياني متطفل اقتات على نتاج عقول الإمامية التي أنتجت أدلة تثبت معتقدهم في الإمامة ومن ثم اقتبسها واستخدمها في اثبات معتقده في النبوة – وهذا التصور قد يتولّد بسبب سوقي للحوار بهذه الصورة في اعتماد القادياني على أدلة الشيعي – إلا أن الحق بخلافه لأن الشيعة باعتراف علمائهم اعتمدوا على أدلة وجوب الحاجة إلى النبوة التي ساقها علماء الإسلام في كتبهم العقائدية والكلامية،ومن ثم استخدموها لإثبات معتقدهم – كما ذكرنا اعتمادهم باعتراف علمائهم في الحقيقة الأولى – وبالتالي يكون الشيعة هم المتطفلون على غيرهم في اقتباس أدلتهم واستخدامها،أي أن الأصل في الأدلة أنها صيغت للنبوة مما يجعل القاديانية ومعتقدهم الضال هم الأصل في الباب ثم تطفَّل عليها الشيعة واقتبسوها منهم لدعم دعواهم في الإمامة،فالشيعة هم المقتبسون التابعون والقاديانية – مع كفرهم وضلالهم – هم المتبوعون.(75/82)
ان العقل يحكم بوجوب استمرار النبوة ووجود نبي في كل زمان إلى قيام الساعة (1)
__________
(1) هذا الاستدلال للقادياني يستطيع ان يلزم به الامامي لانه اشترك معه بنفس الاصل وهو الاعتداد والاعتماد على الدليل العقلي سواء وافقه الشرع ام لا، اما اهل السنة فلا يرد عليهم هذا? الالزام لانهم جعلوا المرجع والتحاكم الى الشرع فمهما يقرر العقل فلا يعتد به ما لم يؤيده دليل من الشرع، وعندما تأتي الشريعة بأمر يسقطون الاعتراضات والافتراضات التي يفرضها العقل مثل (كيف وليت ولولا ولِمَ) لانه عاجز عن ادراك الحكمة في كل امر، فيقول ابن القيم حول هذا الموضوع في (مختصر الصواعق المرسلة) ص87:[كما قال بعض اهل الايمان يكفيك من العقل ان يعرفك صدق الرسول ومعاني كلامه ثم يخلي بينك وبينه، وقال آخر: العقل سلطان ولى الرسول ثم عزل نفسه] وقال ص88:[لان العقل قد شهد للشرع والوحي بانه اعلم منه وانه لا نسبة له اليه وان نسبة علومه ومعارفه إلى الوحي اقل من خردلة بالاضافة الى جبل… وقال: ان الشرع مأخوذ عن الله بواسطة الرسولين الملك والبشر بينه وبين عباده، مؤيداً بشهادة الآيات وظهور البراهين على ما يوجبه العقل ويقتضيه تارة ويستحسنه تارة ويجوزه تارة ويضعف عن دركه تارة فلا سبيل له الى الاحاطة به ولابد من التسليم والانقياد لحكمهِ والاذعان والقبول، وهناك تسقط (لِمَ) وتبطل (كيف) وتزول (هلاّ) وتذهب (لو، وليت) في الريح، لان اعتراض المعترض عليد مردود، واقتراح المقترح ما ظن انه اولى منه سفه، وجملة الشريعة مشتملة على انواع الحكمة علماً وعملاً، حتى لو جمعت حِكَم جميع الامم ونُسِبت اليها لم تكن لها اليها نسبة، وهي متضمنة لأعلى المطالب بأقرب الطرق واتم البيان…] لذلك استراح اهل السنة من الصداع وضياع الوقت في مجادلة هؤلاء القاديانيين الكفار، ولم نسترسل معهم ببيان العلة والمناقشة العقلية، بل نقول ان قولكم باطل بقوله تعالى {ما كان محمدٌ أبا احدٌ من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين} وبقوله - صلى الله عليه وسلم - ((انه سيكون في امتي كذابون ثلاثون، كلهم يزعم انه نبي وانا خاتم النبيين لا نبي بعدي)) ولا نتجاوز هذا النص ونخوض بعقولنا لِمَ ختمت النبوة وكيف وهلاّ، كما فعل الحائرون المضطربون لانه سبحانه {لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون} فالحمد لله الذي عافانا مما ابتلاهم به، وكما قيل:
قَعَدَ النقل سالماً من منافٍ ... واسترحنا من الصداع جميعا(75/83)
.
الشيعي:
ما دليلك على ان العقل يحكم بوجوب استمرار النبوة؟
القادياني:
... هناك ثلاثة أدلة أُثبت بها وجوب استمرار النبوة ولن تستطيع ردها لأنها مؤيدة بأقوال علمائك الذين يثبتون أصل المعنى نفسه الذي نبني عليه قولنا.
الشيعي:
اذكرها لي.
القادياني:
الدليل الأول
قد ثبت بلا خلاف أن بعثة الأنبياء رحمة من الله تعالى بالعباد لهدايتهم، فقد قال تعالى: { وما ارسلناك إلا رحمة للعالمين } الأنبياء (107) ، وكذلك ذكر سبحانه تفضله ومَنِّهِ على المؤمنين ببعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال تعالى: { لقد منَّ الله على المؤمنين اذ بعث فيهم رسولاً من انفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين } آل عمران (164) ، وقال تعالى حاكياً عن موسى - صلى الله عليه وسلم - قوله { واذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم اذ جعل فيكم انبياء… } المائدة (20).
وعليه يكون بعث الأنبياء لطفاً ورحمة لغرض هداية الناس إلى الحق .. وهذا أمر لم ننفرد به نحن بل وافقنا عليه علماؤكم الذين صرحوا بوجوب بعث الأنبياء، وإليك نص كلام من صرح بذلك:(75/84)
1-قال علامتهم محمد رضا المظفر:[ ولأجل هذا يعسر على الإنسان المتمدن المثقف،فضلاً عن الوحشي الجاهل،أن يصل بنفسه إلى جميع طرق الخير والصلاح ومعرفة جميع ما ينفعه ويضره في دنياه وآخرته فيما يتعلق بخاصة نفسه أو بمجتمعه ومحيطه مهما تعاضد مع غيره من أبناء نوعه ممن هو على شاكلته وتكاشف معهم،ومهما أقام ـ بالاشتراك معهم ـ المؤتمرات والمجالس والاستبشارات، فوجب أن يبعث الله تعالى في الناس رحمةً لهم ولطفاً بهم { َ رسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ } (الجمعة:2)،وينذرهم عما فيه صلاحهم وسعادتهم، وإنما كان اللطف من الله تعالى واجباً ، فلأن اللطف بالعباد من كماله المطلق وهو اللطيف بعباده الجواد الكريم،فإذا كان المحل قابلاً ومستعداً لفيض الجود واللطف فإنه تعالى لا بد أن يفيض لطفه،إذ لا بخل في ساحة رحمته ولا نقص في جوده وكرمه] (1).
2- قال آيتهم العظمى مكارم الشيرازي في كتابه(دروس في العقائد الإسلامية) ص134عن وجوب بعثة الأنبياء:[ فهل الله الذي لا يغفل عن حاجات الانسان الدقيقة هذه يمكن أن يحرم الإنسان من هاد وقائد موثوق به ومعصوم من الخطأ ويأتمر بأوامر الله ووحيه؟ يقول الفيلسوف المعروف بابن سينا في كتابه(الشفاء) المشهور:( لا شك أن حاجة الإنسان إلى إرسال الأنبياء إليهم لبقاء النوع وبلوغ الكمالات أشد ضرورةً من نمو الأهداب والحواجب وتقعر باطن القدم وأمثالها،وذلك لأنه ليس من الممكن أن يوجب الله سبحانه وتعالى تلك الأمور ولا يوجب هذا الأمر؟!
3- قال علامتهم الحلي ص 138:[ اعلم يا ولدي أن وجود النبي لطف عظيم ورحمة تامة].
__________
(1) عقائد الإمامية لعلامتهم وحجتهم محمد رضا المظفر ص86.(75/85)
فإذا ثبت أن بعثة الأنبياء واجبة لأنها رحمة من الله تعالى ونعمة باعتراف علمائكم فقولكم بختمها وانقطاعها باطل لتضمنه الطعن بالله تعالى(1)
__________
(1) فمن أقوال القاديانية التي تضمنت هذا المعنى، وقد نقلنا معظمها من كتاب (القاديانية والاستعمار الإنكليزي) لمؤلفه عبد الله سلوم السامرائي ما يلي:-
أ- يعتبر القرآن النبوة رحمة، فموسى - عليه السلام - يخاطب شعبه قائلاً {اذكروا نعمة الله عليكم اذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا} فاذا كانت النبوة رحمة من الله تعالى وكذلك ثبت ان لا تبديل في سنة الله، فكيف يجوز لأي احد ان يزعم عقلاً او نقلاً عدم مجيء نبي أو رسول عند الحاجة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -…. لا يمكن ان نفهم كيف يظنون ذلك ويقعون في هذا الخطأ مع انهم يعتقدون ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رحمة للعالمين. [مجلة اخبار الفضل المجلد 120 العدد 133 في 8/5/1934].
ب-وقد زعموا –أي المسلمون- ان خزائن الله قد نفذت وما زعمهم هذا إلا لانهم لم يقدروا الله حق قدره وإلا فاني اقول انه لا يأتي نبي واحد فقط بل يأتي ألوف من الأنبياء [انوار خلافت لميرزا بشير الدين محمود احمد ص62].
ج-ان من نعم الله ان يجيء الأنبياء وان لا تتقطع سلسلتهم وهذا قانون الله لا تستطيعون ان تجابهوه. [الميرزا غلام احمد: من خطاب سيكلوت ص22]. ?
د-نحن –أي القاديانية- نعتقد بأن الله لا يزال يرسل الأنبياء لاصلاح هذه الامة وهدايتها على حسب الضرورة. [مجلة الفضل في 14/مايس/1925].
هـ-مذهبنا ان الدين الذي انقطعت فيه سلسلة النبوة ليس بدين حي، ونقول للاديان الاخرى انها ليست حية لاجل انه لم تبق فيها سلسلة النبوة مثل اليهودية والمسيحية والهندوكية، فاذا كان حال الاسلام كذلك لا يكن هناك فرق بين الاسلام والديانات الاخرى… [محمود احمد بن الميرزا (حقيقة الوحي) ص272].
و-هل يمكن ان يجيء الأنبياء في المستقبل؟ نعم يجيء الأنبياء والى يوم القيامة لانه ما دام الفساد باقي في الدنيا لابد وان يجيء الأنبياء. [الخليفة الثاني: انوار الخلافة ص62].
ز-ان القول بختم النبوة واغلاق بابها يستلزم انقطاع الفيوضات وفيه شؤم ونحس وقسط من منصب النبي، وكذلك تكذيب قول الله {كنتم خير امة} لان اغلاق النبوة لا يتلائم وخير الامة بل الامة بعد انقطاع النبوة تصبح شرامة، وكذلك تنخفض درجة النبي - صلى الله عليه وسلم - من درجة موسى - عليه السلام - لان الله بعث مئات الأنبياء بعد موسى، فكأن الله يكره امة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يتكلم معهم لان المحبة تستلزم المكالمة والمخاطبة. [ميرزا غلام احمد (رسالة ختم النبوة) ص6].(75/86)
، وبيانه بأن نقول لكم هل تقولون أن سبب ختمها هو لنفاد خزائن الله تعالى من هذه الرحمة فلم يعطها للعباد بعد نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟!
فإن قلتم كلا لم تنفد خزائن الله تعالى من هذه الرحمة بل عنده منها أضعافاً مضاعفة لأن القول بنفاد خزائنه سبحانه كفر بواح مخالف لقوله تعالى:
{ قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً } (الكهف:109).
فنقول لكم لماذا إذاً خصّها سبحانه ببعض العباد - الذين عاصروا النبي - صلى الله عليه وسلم - - وحرم الآخرين منها ممن جاؤوا بعد نبينا - صلى الله عليه وسلم - إلى قيام الساعة مع ثبوت حاجة الجميع لهذا اللطف والرحمة؟! في الوقت الذي صرح فيه علماؤكم بأن تخصيص بعض الناس باللطف والرحمة وحرمان الآخرين منها مع حاجة الجميع إليها، يتنافى مع عدل الله تعالى ورحمته بجميع عباده.
الشيعي:
ما هو الدليل على أن علماءنا منعوا تخصيص اللطف والرحمة ببعض المكلفين وحرمان الآخرين منها ؟!
القادياني
إن بطلان تخصيص اللطف والرحمة ببعض المكلفين وحرمان الآخرين منها يعتبر أمراً مُسَلَّماً به عند علمائك حتى أنهم جعلوه من البديهيات العقلية التي اعتمدوها كدليل عقلي لإثبات معتقدهم في الإمامة بوجوب وجود إمام معصوم في كل زمان وإلى قيام الساعة فقالوا بأن عدم وجود هذا الإمام المعصوم بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - يستلزم تخصيص بعض الناس بالرحمة وحرمان الآخرين منها وهذا ينافي عدله ورحمته لجميع عباده في كل عصر ووقت ،فمن أقوال علمائك الذين اعتمدوا على هذه المُسَلَّمة العقلية ما يلي:(75/87)
1- يذكر علامتهم ابن المطهر الحلي عدة أقوال أثبت فيها هذه المُسَلَّمة واعتمد عليها في الإمامة فمن أقواله(1) :
أ- ص396: [اما بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - فيحتاج الى الامام لانه هو القائم مقامه، واللطف عام لكل الازمان والاشخاص، لانه تعالى عام الفيض والجود والكرم، ولا يخص عنايته تعالى بأمة دون امة ولا بأهل عصر دون عصر].
ب- ص397: [والحكمة والرحمة تقتضيان نصب نائب للنبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل كفعله ويقوم مقامه فيما ذكرناه من الله تعالى وإلا لم يتم الغرض من بعثة النبي لأن رحمته لا تختص بأهل عصر دون عصر].
ج- ص394: [فينبغي ان يكون للامام هذه الكرامة التي للنبي - صلى الله عليه وسلم - وإلا لزم تخصيص بعض الامة باللطف الحاصل من النبي دون بعض وهو ترجيح بلا مرجح وهو باطل].
د- ص125-126: [ان هذه المنافع وهذه الشفقة وهو دعاء الرسول بلين وعفوة واستغفاره امر عظيم ورحمة تامة لا يجوز تخصيص البعض بها دون البعض، فيجب ذلك في كل عصر، ويستحيل من الرسول لانه خاتم الانبياء فلا يأتي نبي غيره ولم يحصل البقاء له في الدنيا، فلابد من قائم مقامه متيقن متابعته له في افعاله (ع) وليس ذلك إلا المعصوم فيجب في كل عصر]، قال محقق الكتاب على هذا الكلام:[فلابد من المصلح الناطق في كل زمان لان الخلق كلهم شرع سواء في العطف واللطف والشفقة والرحمة من الخلاق اللطيف فكيف يخص زمناً وجيلاً دون الازمنة والاجيال الاخرى بعطفه ولطفه وهو اللطيف الرحيم في كل عهد ومع كل جيل].
__________
(1) نقلنا أقواله من كتابه حول الإمامة (الألفين) الذي أراد أن يورد فيه ألفي دليل على صحة معتقدهم في الإمامة،بتحقيق السيد محمد مهدي الخرسان.(75/88)
هـ- ص 416 : السادس : قوله تعالى : ( ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون ) أقول ذكر ذلك مدحا لمن يقتل في سبيل الله أو يموت في سبيل الله وهذا المدح لا يختص بأهل زمان النبي بل هي عامة لكل الأزمان التي فيها إمام فإن هذا لطف عظيم في حق المكلف فلا يختص بأهل زمان دون زمان وأيضا الاجماع من المسلمين على عمومها للأزمان التي فيها إمام وذلك الإمام هو الآمر بالقتال الذي إذا قتل فيه المؤمن كان في سبيل الله ولا يتحقق ذلك إلا مع عصمة الإمام فإن غير المعصوم لا يؤمن على سفك الدماء ولا على قتل النفس .
و- ص 382 :[الثالثة:إن اختلاف الآراء وتضاد الشهوات واستهانة الجهال بالشريعة يقتضي اختلال نظام النوع إذا تقرر ذلك فنقول الآية تقتضي أنه لا بد من نصب رئيس واحد يأمر الكل وينهاهم ويحملهم على ذلك وإلا لزم وقوع أحد الأمرين أما وقوع الهرج والمرج واختلال نظام النوع إذ كل واحد يقول إن أمري هو المعروف ونهيي هو المنكر لأن كل واقعة مهمة فيها حكم وليس كل الأحكام معلومة للكل وجعل الاجتهاد من أي من اتفق مناطا يؤدي إلى وقوع الفتن واختلال نظام النوع ونقض الغرض من التكليف وأما زوال التكليف أو عمومه في أحد ما ذكرنا وهو باطل بالاجماع ولا بد أن يكون ذلك الرئيس لا يجوز عليه الخطأ وأن يعمل منكرا أو يترك معروفا وإلا لاحتاج إلى إمام آخر وتسلسل ووقع الهرج واختلال نظام النوع ولا بد منه في كل زمان لأن تخصيص بعض الناس في بعض الأوقات بالمعصوم دون بعض ترجيح من غير مرجح وذلك هو الإمام فظهر أن الإمام معصوم ويجب في كل زمان](75/89)
ز- قال ص 332-333 :[ فنقول : قد ثبت في علم الأصول إن لله تعالى في كل واقعة حكما واحدا وقد ثبت من هذه الآية أنه لا بد من طريق للمكلف إلى العلم بذلك الحكم يجعله الله تعالى وينصبه وذلك الدليل قد بينا أنه إما المعصوم أو غيره مثل الالهام والتواتر والإجماع والله تعالى قادر على أن يفعل ذلك لكن الثاني لم يتحقق في كل مكلف في كل واقعة من أول بعثة الأنبياء إلى آخره فهو خلاف جرى العادة فتعين الأول وإلا لكان الله تعالى مخلا بالواجب وناقضا لغرضه تعالى عن ذلك علوا كبيرا فتعين المعصوم فنقول تخصيصه ببعض الأزمان وببعض المكلفين ترجيح بلا مرجح فلا بد في كل زمان من معصوم واجب العصمة يكون قوله سندا للأحكام الشرعية ودليلا برهانيا قاطعا عليها يفيد العلم وذلك هو الإمام وهو المطلوب] .
ك-قال ص 138:[ اعلم يا ولدي أن وجود النبي لطف عظيم ورحمة تامة لا يعرفها أهل الدنيا ورحمة الله واسعة لا تختص بزمان دون زمان ولا بأهل عصر دون عصر آخر ولا يحصل البقاء السرمدي للبشر في دار الدنيا ، فلا بد من وجود شخص قائم مقامه في كل عصر ولهذا قرن تعالى في : ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) طاعته بطاعته فعليك بالتمسك بولاية الأئمة الاثني عشر فإنها الصراط المستقيم والدين القويم، هذه وصيتي إليك والله خليفتي عليك ، ثم تولى عني ماشيا فوددت لو قبضت نفسي ولم تفارقه لكن الحكم لله الواحد القهار .(75/90)
ل-قال ص 336-337:[ التاسع والعشرون : فائدة الخليفة تكميل قوى العلم والعمل لسائر الخلائق وتكميل كل مستعد على قدر استعداده ولما كانت مراتب الناس في الاستعداد متفاوتة في الكمال والنقصان وجب أن يكون المكمل الموصل كل مستعد إلى أقصى نهاية كماله كاملا في القوتين العملية والعلمية أصلا في الكمال إلى أقصى نهاية الكمال البشري ولا يتحقق ذلك مع غير العصمة فوجب أن يكون معصوما وهذا المعنى الموجب مشترك في كل خليفة لله تعالى في أرضه فيجب عموم الحكم لعموم العلة وهذا مقتضي الحكمة الإلهية والخليفة كما يقال على النبي صلى الله عليه وآله يقال على الإمام عليه السلام ولأن النبي لا يعم في كل عصر وهو ظاهر فلو اختص ذلك بالنبي لاختص باللطف بعض الأمة لكن رحمة الله عامة شاملة للكل وعنايته في حق أهل كل عصر وجب الإمام ].
م-قال ص 450:[ العشرون : قال الله تعالى : ( ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا ) اعلم أن هذه الآية تدل على أن الاهلاك للفاسقين بذنوبهم إنما هو بعد أن تجيئهم البينات - أي الأمور المفيدة للعلم والرسل إنما يركبون الحجة بعد تبليغ ما يفيد العلم وهذا عام في كل الأزمان وإلا لمنعت بعض الأمة من اللطف هذا خلف ومع عدم إمام معصوم لا يحصل ما يفيد العلم لأن ظواهر القرآن والأحاديث لا تفيد العلم فلا بد من إمام معصوم في كل الأوقات وهو المطلوب].(75/91)
ن- ص293-294: [قوله تعالى {واضرب لهم مثلاً اصحاب القرية اذ جاءها المرسلون اذ ارسلنا اليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا} الآية، وجه الاستدلال يتوقف على مقدمات، احداها: إن رحمة الله متساوية بل على أمة محمد - عليه السلام - أولى، الثانية:امة محمد - صلى الله عليه وسلم - اشرف من سائر الأمم لقوله تعالى {كنتم خير امة اخرجت للناس}، الثالثة: ان لطف الامامة كلطف النبوة، اذا تقرر ذلك فنقول: لَطَفَ الله في حق الامة الذين كذبوا وانكروا الرسالة عليهم بعد التكذيب، ولا لطف اعظم من طريق مفيد للعلم بطريق الآخرة وتحصيل السعادة الابدية والدلالة على الاحكام الشرعية وحفظها بمعصوم، فهل يتلطف الله بالكفار ولا ينصب لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - من بينهم ويخبرهم فمن يفيد قوله اليقين وهم اشرف الامم وعناية الله تعالى بهم اتم، هذا لا يتصور] (1) .
__________
(1) قارن قول الحلي هذا واستدلاله على وجوب وجود معصوم مع استدلال القادياني على وجوب استمرار النبوة حيث قال:[ ان القول بختم النبوة واغلاق بابها يستلزم انقطاع الفيوضات وفيه شؤم ونحس وقسط من منصب النبي وغزّه، وكذلك تكذيب قوله الله {كنتم خير امة} لان اغلاق النبوة لا يتلائم وخير الامة بل الامة بعد انقطاع النبوة تصبح شرامة، وكذلك تنخفض درجة النبي - صلى الله عليه وسلم - من درجة موسى - عليه السلام - لان الله بعث مئات الأنبياء بعد موسى، فكأن الله يكره امة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يتكلم معهم لان المحبة تستلزم المكالمة والمخاطبة. [ميرزا غلام احمد (رسالة ختم النبوة) ص6] عندها ستعرف الشبه الكبير في الاستدلال وانهما دعوتان تنبتان من اصل واحد تخرجان من مشكاة واحدة .(75/92)
2-ذكر العالم علي بن موسى ين جعفر بن طاووس في كتاب (الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف) ص10 [ونعتقد ان رسله – عليهم السلام - معصومون من الخطأ والزلل مأمون منهم وقوع السهو والخطأ بحيث تحصل الثقة بما يقولونه انه منه، ولا يقع شك فيما يذكرونه عنه، وانه ما قبض رسولاً حتى امره ان يوصي الى من يقوم مقامه في أمته وفيما يجب له في حفظ كتابه وشريعته، وان القائم مقامه على صفات نبيه في العصمة، وكلما يجب له يجب للنائب من صفات الكمال ليوثق به في كل ما يتركه او يفعله ويقتدي به فيه وفي سائر الأحوال، لان الله علم ان الخطأ جائز على رعيته فلابد من يقوم مقام نبيه، فلم يكن لهم بدٌ من معصوم يرجعون اليه ويحتج به عليهم ويكون تماماً للاحسان إليهم، وهذا واجب في عدل الله وحكمته وجوده وكرمه ورحمته وهو من تمام التكليف ومن صفات المالك الرحيم اللطيف، وكيف يريد سبحانه منا مثل مراده من صحابة نبيه ويجعل لهم كتاباً ونبياً حافظاً للكتاب والشريعة ومبيناً لهما ويقتصر بنا على الكتاب وحده ... فيقتضي العدل والانصاف أن يكون لنا مع الكتاب المجيد خليفة للنبي يقوم مقامه ويحفظ كتابه وشريعته واحكامه…] وكلامه متضمن للمعنى والعلة التي ذكرناها وهي كيف يخص جيل الصحابة بالرحمة واللطف والنبوة ويحرم باقي المكلفين منها مع حاجة الجميع إليها.
3-قال محسن الخرازي في كتابه(بداية المعارف الإلهية) (1/233):[ في عمومية مقتضى البرهان:إذ برهان اللطف سواء كان بمعناه الفلسفي أو الكلامي، يقتضي لزوم إتمام الحجة على الناس وإرشادهم وتزكيتهم في جميع الأدوار والأمكنة، ولذا نعلم بأن ذلك لا يختص بمناطق الحجاز والشامات والعراق وإيران ونظائرها، إذ التكليف أو الغرض وهو نيل الإنسان إلى كماله اللائق به والسعادة في الدارين، لا يختص بقوم دون قوم بل كلٌ مكلفون ومنذرون].(75/93)
4-يقول الشيخ محمد اليعقوبي:[ ان لطف الله بعباده دائم ولا يختص بقومٍ دون قوم](1)
وبهذا يتبين أن العلة التي أوجبنا لأجلها استمرار النبوة وهي عدم تخصيص بعض الناس باللطف والرحمة في زمان وحرمان الآخرين في باقي الأزمنة منها مع حاجة الجميع إليها قد أثبتها علماؤكم وبَنَوا عليها استدلالهم بوجوب وجود معصوم في كل زمان فإن كانت هذه العلة صحيحة ومعتبرة عندك فهي دليلنا على وجوب استمرار النبوة، ولن تستطيع ردها لأن علماءكم اعتمدوها في استدلالهم، وإن كانت باطلة فدلالتها على بطلان قولك في الإمامة أولى من دلالتها على بطلان قولي في النبوة، وبهذا تبين لجميع العقلاء أنك لن تستطيع رد الدليل الاول العقلي لأن في رده نقض لقولك بوجوب وجود إمام معصوم(2) ، والآن انتقل معك إلى الدليل الثاني على قولي باستمرار النبوة إلى قيام الساعة.
الدليل الثاني
القادياني:
لقد اعترف علماؤك ايها الامامي بأن العقل والحكمة توجبان وجود نبي في كل عصر، منهم ابن بابويه القمي والمفيد والطوسي والحلي، ولكن معارضة الشرع لهذا الدليل العقلي منعتهم من القول به، وهذا اعتراف صريح منهم بأن العقل يحكم بوجوب وجود نبي في كل زمان.
الشيعي:
أين أثبتوا هذا الوجوب العقلي؟
القادياني:
في مواضع متعددة وبألفاظ صريحة إليك بيانها:
1-ذكر ابن بابويه في (إكمال الدين واتمام النعمة) أقوال عديدة منها:-
__________
(1) شكوى القرآن- الشيخ محمد اليعقوبي ص73.
(2) كما ذكرت سابقاً بأن موقف الإمامي ضعيف جداً أمام القادياني لأنه إما أن يُسَلِّم له بصحة دعوته أو يعترف ببطلان الأدلة التي اعتمدها القادياني وهذا يتضمن الاعتراف ببطلان أدلته هو على الإمامة ليقدم خدمةً كبيرةً لأهل السنة في مجال الحوار العقائدي حول الإمامة.(75/94)
أ-قال ص4: [ومن زعم ان الدنيا تخلو ساعة من إمام لزمه ان يصحح مذهب البراهمة في ابطالهم الرسالة، ولولا ان القرآن نزل بأن محمداً - صلى الله عليه وسلم - خاتم الانبياء لوجب كون رسول في كل وقت، فلما صح ذلك ارتفع معنى الرسول بعده].
ب-قال ص664: [ثم انه عز وجل قطع بعد نبينا - صلى الله عليه وسلم - الرسل وجعل لنا هداة من أهل بيته…..ولولا ذلك ما كانت الحكمة توجب إلا بعثة الرسل (ع) الى انقطاع التكليف عنا].
ج-قال ص660: [وبعد فلولا الكتاب المنزل وما خبرنا الله تعالى على لسان نبينا المرسل - صلى الله عليه وسلم - وما اجتمعت عليه الأمة من النقل
عنه - صلى الله عليه وسلم - في الخبر الموافق للكتاب انه لا نبي بعده لكان الواجب اللازم في الحكمة انه لا يجوز ان تخلو العباد من رسول منذر ما دام التكليف لازماً لهم وان تكون الرسل متواترة إليهم…..فعلل العباد مع التكليف لا تنزاح إلا برسول منذر مبعوث إليهم يقيم اودهم ويخبرهم بمصالح أمورهم ديناً ودنيا وينصف مظلومهم من ظالمهم ويأخذ حق ضعيفهم من قويهم، وحجة لا تلزمهم إلا بذلك، فلما اخبر الله تعالى انه قد ختم رسله وأنبياءه بمحمد - صلى الله عليه وسلم - سلمنا لذلك وايقنا انه لا رسول بعده، لابد لنا ممن يقوم مقامه وتلزمنا حجة الله تعالى به وتنزاح علتنا].(75/95)
د-ان ابن بابويه الملقب بالصدوق في معرض رده على المعتزلة ونقض قولهم وشبهتهم، تحاكم معهم الى العقل الذي يعتمده المعتزلة ويقدموه على النقل، فذكر لهم ما نحن بصدده، وهو لماذا لم يبعث الله تعالى نبياً في كل مكان وزمان الى قيام الساعة؟!! فان العقل يستحقه ويحكم بوجوبه لحاجة الخلق إليه، ليلقم المعتزلة حجراً، فقال ص63 بنفس الكتاب: [ونقلب هذا الكلام على المعتزلة فيُقال لهم لِمَ لَمْ يبعث الله عز وجل بأضعاف من بعث من الأنبياء؟!! ولِمَ يبعث الله عز وجل في كل قرية نبياً وفي كل عصر ودهر نبياً او انبياء إلى ان تقوم الساعة…؟!!]. وكأن لسان حاله يقول للمعتزلة يا من جعلتم العقل حاكماً ومرجعاً عند النزاع، وتوجبوا على الله تعالى ان يفعل ما يحكم به العقل ويستحسنه، فها هو العقل يحكم بوجوب بعثة الانبياء في كل مكان وزمان الى قيام الساعة، فلماذا لم يفعله الله تعالى؟! وفي كلامه هذا اثبات ما نحن بصدده، وهو ان العقل يحكم بوجوب وجود نبي في كل زمان الى قيام الساعة، وقد أثبته صراحة في كلامه هذا.(75/96)
هـ- يؤكد الصدوق ايضاً اعتبار حكم العقل وان الله تعالى لا يأتي إلا بما يوافق ما تقرره العقول ويضرب لهذا مقال، وهو ان العقل يحكم بالحاجة إلى بعثة الأنبياء، ولو علم الله تعالى ان العقل يحكم بعدم الحاجة إلى الأنبياء لم يبعثهم ليطابق فعله تعالى بذلك ما تقرره العقول، فيقول في (اكمال الدين) ص4: [وذلك لان الله تعالى تقدس ذكره لا يدعوا الى سبب إلا بعد ان يصوّر في العقل حقائقه، واذا لم يصور ذلك لم تتسق الدعوة ولم تثبت الحجة، وذلك ان الأشياء تألف اشكالها وتنبوا عن اضدادها، فلو كان في العقل إنكار الرسل لما بعث الله عز وجل نبياً قط، مثال ذلك الطبيب يعالج المريض بما يوافق طباعه ولو عالجه بدواء يخالف طباعه أدى ذلك إلى تلفه، فثبت ان الله احكم الحاكمين لا يدعوا إلى سبب إلا وله في العقول صورة ثابتة]. وحاصل كلامه ان العقول تحكم بوجوب بعثة الأنبياء والحاجة إليها، وهذا يثبت قولنا ويؤكده.
2-ان الشيخ المفيد قد أيَّد ما ذكرناه بأن العقل لا يمنع من بعثة الأنبياء بعد
نبينا - صلى الله عليه وسلم - بل الذي يمنع من ذلك هو الشرع، فقال في (اوائل المقالات) باب (القول في الإيحاء إلى الائمة وظهور الأعلام عليهم والمعجزات) ص80-81: [والاتفاق على انه من يزعم ان احداً بعد نبينا - صلى الله عليه وسلم - يُوحى اليه فقد اخطأ وكفر ولحصول العلم بذلك من دين النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما ان العقل لم يمنع من بعثة نبي بعد نبينا - صلى الله عليه وسلم - ونسخ شرعه منا نسخ ما قبله من شرائع الأنبياء وإنما منع ذلك الإجماع والعلم بأنه خلاف دين الرسول - صلى الله عليه وسلم - من جهة اليقين وما يقارب الاضطرار والامامية جميعاً على ما ذكرت ليس بينها فيه على ما وصفت خلاف]. وهذا اعتراف منه أن العقل لا يمنع من بعثة الأنبياء بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا يؤيد ما أثبتناه من حكم العقل باستمرار النبوة.(75/97)
3-صرح علامتهم وفيلسوفهم النصير الطوسي في كتابه تجريد الاعتقاد بأن البعثة واجبة في كل وقت فقال:[ المسألة السادسة : في وجوب البعثة في كل وقت قال : ودليل الوجوب يعطي العمومية] وهذا تأييد ما بعده تأييد لقولي بوجوب النبوة في كل وقت من علامتكم ثم جاء بعده علامتكم الحلي ليشرح لنا كلام الطوسي بتعثر وغموض ليخرج منه مؤيداً قوله ليمدنا بسلاح قوي لا يمكنك الانفكاك عنه فقال:[ وقال علماء الإمامية : إنه تجب البعثة في كل وقت .. واستدل المصنف رحمه الله على وجوب البعثة في كل وقت بأن دليل الوجوب يعطي العمومية ، أي دليل وجوب البعثة يعطي عمومية الوجوب في كل وقت ، لأن في بعثته زجرا عن القبائح وحثا على الطاعة فتكون لطفا .. فتكون واجبة في كل وقت ] (1).
فإذا ثبت باعتراف علمائك أن الدليل العقلي يحكم بوجوب وجود نبي في كل عصر، فأنا ألزمك بهذا الدليل العقلي الذي جعلته معتبراً عندك بل ومرجعاً عند الاختلاف حيث قدمته على النقل وأولت النقل ليوافقه إن كان له تأويل سائغ وأما إن لم يكن لهذا النقل تأويل سائغ طرحته ليبقى الدليل العقلي هو المعتبر وفيه الحجة (2).
الشيعي:
أنا لا ألتزم بهذا الدليل العقلي بل أمنعه بالشرع -كما منعه علماؤنا- الذين صرحوا بختم النبوة بنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وعدم استمرارها في قوله تعالى:
{ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً } (الأحزاب:40)
القادياني:
__________
(1) ينظر (كشف المراد شرح تجريد الاعتقاد) ص381 لابن المطهر الحلي.
(2) كما تبين لنا في الأصلين الأول والثاني من الفصل السابق(75/98)
ما دمت قد وافقتني على أن العقل يحكم بوجوب استمرار النبوة، فلا تهمني معارضة هذا النص له، لأن النص يمكن تأويله كما قررتم أنتم في أصولكم بأنه اذا تعارض العقل مع النقل يقدم العقل ويؤول النقل (1).
الشيعي:
وما هو تأويلك لقوله تعالى {…وخاتم النبيين}.
القادياني:
بالطبع ليس المراد ما تفهمه أنت وغيرك من هذه الآية، بل المقصود بـ(خاتم النبيين) أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - هو خاتم الأنبياء أي طابعهم، فكل نبي يظهر الآن بعده تكون نبوته مطبوعاً عليها بخاتم تصديقه(2)- صلى الله عليه وسلم - .
__________
(1) انظر الأصل الثاني في الفصل الرابع من هذه الدراسة.
(2) انظر المسألة القاديانية للمودودي ص4-5، بل وممكن أن الآية بتأويل آخر فيقول بأن الاية تشير إلى أنه - صلى الله عليه وسلم - خاتم الأنبياء التشريعيين فلا يأتي بعده نبي بشريعة جديدة وهذا لا يتنافى مع دعوتنا بنبوة القادياني نبوة تبليغية!!! بناءا على ما ذكره بعض علماء الشيعة من تعريف للنبي التشريعي والتبليغي.(75/99)
ولا يمكنك أيها الإمامي أن ترد تأويلي أو تمنعني عنه، وذلك لأنك قد أَوّلت أخطاء الأنبياء في القرآن، فليس تأويلك لهذه الأخطاء في القرآن مع صراحتها لتوافق ما قرره عقلك أولى وأصح من تأويلي لهذا النص ليتوافق مع ما قرره عقلي (من وجوب استمرار النبوة) مع العلم أني أوّلت آية واحدة، وأنت أوّلت آيات كثيرة من القرآن كانت أكثر صراحة(1)مما أولته أنا، فثبت قولي إذ لا يمكن التفريق بين التأويلين إلا بمحض الهوى والتحكم الذي يتنزه عنه العقلاء والمنصفون.
الدليل الثالث
القادياني:
قبل ذكر نص الدليل لا بد من بيان قضية مهمة جداً سبقت الإشارة إليها وهي أن الاتفاق حاصل بيننا وبينكم على الحاجة إلى مرشد إلهي بعد النبي وأن وجوده واجب على الله تعالى لهداية الخلق، وعدمه يتنافى مع عدل الله تعالى ورحمته، أي أن هناك تطابقاً تاماً بين النظريتين دون أدنى فرق بينهما (2).
__________
(1) وذلك لان الآيات قد صرحت بأخطاء الأنبياء وطلبهم المغفرة من الله تعالى على تلك الذنوب وان الله قد غفر لهم وعفا عنهم وتجاوز عنهم، ومن تتبعها وجدها تقرب عشرين آية او تزيد، فالقادياني لم يؤول سوى آية واحدة فقط، في حين كان تأويل الشيعي لأكثر من عشرين آية، ولمزيد من الاطلاع على تأويل الشيعة لتلك الآيات ينظر كتاب (تنزيه الأنبياء والائمة) للسيد المرتضى.
(2) ما عدا الفرق في تسمية هذا المرشد هل هو نبي أو إمام، وهذا سيتلاشى عندما يتعرض القادياني لهذا الاختلاف بينهم، ليثبت أن حقيقة هذا المرشد متفق عليها حتى من حيث صفاته وماهيته وليبقى الخلاف لفظياً فقط مع الاتفاق حتى على صفاته فترقب الحوار حول هذه النقطة فإنه ممتع.(75/100)
وخير مثال يظهر به هذا التوافق والتطابق على وجود المرشد الإلهي هو أن آيتكم العظمى مكارم الشيرازي ساق العديد من الأدلة التي أثبت من خلالها الحاجة إلى ممثل إلهي مستخدماً هذا التعبير "ممثل إلهي" ليشمل كلاً من النبي والإمام، بمعنى أن الأدلة تصلح لإثبات الحاجة إلى نبي وإلى إمام فقال:[ ولسوف نثبت في بحوثنا التالية وجوب أن يكون في كل عصر وزمان ممثل إلهي نبي أو إمام معصوم] (1)، فانظر كيف رفع الخلاف بيننا وأزاله بلفظة ذكية شاملة لقولنا وقولكم على السواء سعياً منه للوحدة والاتفاق ونبذاً للفرقة والخلاف، فعبَّر بالممثل الإلهي ليبقيه عاماً ويبقي الباب مفتوحاً يستخدمه كل من يدَّعي الحاجة إلى النبوة والحاجة إلى الإمامة.
ومعنى هذا أن كل دليل ساقه علماؤك لدعم نظريتهم يصلح لإثبات قولي في النبوة، وهذه الحقيقة العلمية هي منطلقي في هذا الدليل لإثبات صحة قولي بالحاجة إلى المرشد الإلهي- نبي أو شبيه النبي – من خلال نصوص علمائك التي صرحوا بها بوجوب وجود هذا المرشد الإلهي وإن عدمه يتنافى مع عدل الله تعالى ورحمته، فممن قال بذلك:
__________
(1) دروس في العقائد الإسلامية لمكارم الشيرازي ص188، وممن استخدم لفظاً عاماً ينطبق على النبي والإمام علامتهم إبراهيم الأميني في كتابه(دراسة عامة في الإمامة) فقال ص93:[تنسحب البراهين والأدلة العقلية التي تثبت وجوب النبوة على الله عزوجل على الإمامة في غياب الأنبياء والرسل، فلا بد من وجود فرد معصوم اختاره الله واصطفاه لعباده لإقامة الدين وتطبيق الشريعة في حياة الناس، ومن هنا فإن بحث مسألة النبوة العامة أمر ضروري للتمهيد من أجل بحث الإمامة في ضوء العقل]، فعبر بلفظ "فرد معصوم" ليصح إطلاقه على النبي والإمام حتى يحقق التوافق والوحدة بينهما.(75/101)
1-قال محمد تقي مصباح اليزدي ص331: [ إن ختم النبوة إنما يكون موافقاً للحكمة الإلهية فيما لو اقترن بتعيين الإمام المعصوم، الإمام الذي يمتلك خصائص نبي الإسلام ص كلها عدا النبوة والرسالة،وبذلك تثبت ضرورة وجود الإمام] (1) وقال بنفس الكتاب ص333:[ وضحنا في الدرس السابق أن ختم النبوة بدون نصب الإمام المعصوم وتعيينه مخالف للحكمة الإلهية،وأن إكمال الدين الإسلامي العالمي والخالد مرتبط بتعيين الخلفاء الصالحين بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - بحيث يكونوا متوفرين على كل مناصب النبي الإلهية سوى النبوة والرسالة]،فقد أثبت بأن حرمان الناس من مرشد إلهي بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - يتنافى مع عدل الله تعالى وهذا قولنا بعينه.
__________
(1) دروس في العقيدة الإسلامية لمحمد تقي مصباح اليزدي ص134.(75/102)
2-قال مكارم الشيرازي ص134:[ فهل الله الذي لا يغفل عن حاجات الإنسان الدقيقة هذه يمكن أن يحرم الإنسان من هاد وقائد موثوق به ومعصوم من الخطأ ويأتمر بأوامر الله ووحيه] (1)، وقال في نفس الكتاب ص189(التكامل المعنوي إلى جانب وجود القادة الإلهيين):[ قبل كل شئ نتوجه إلى الهدف من خلق الإنسان،فهو أساس عالم الخليقة:إن الإنسان يطوي طريقاً طويلاً كثير المنعطفات والعثرات في سيره نحو الله،نحو الكمال المطلق،نحو التكامل المعنوي بجميع أبعاده،من البديهي أنه لا يستطيع أن يقطع هذا الطريق بنجاح بغير هداية قائد معصوم،ولا أن يطويه بغير معلم سماوي،لأنه طريق محفوف بالظلمات وبمخاطر الضلال .... وهذا ما يطلق عليه في كتب العقائد إسم "قاعدة اللطف" ويقصدون بها أن الله الحكيم يمد الإنسان بجميع الأمور اللازمة لكي يصل إلى هدف الخلق،ومن ذلك بعث الأنبياء وتعيين الأئمة المعصومين،وإلا فإن ذلك يؤدي إلى نقض الغرض فتأمل!]،فقد صرح بأن عدم المرشد الإلهي- عبر عنه بالأنبياء والأئمة – يتنافى مع حكمة الله تعالى في هداية الخلق.
3-قال السيد مجتبى اللاري: [ إن الأمة في حركتها إلى الكمال تحتاج إلى زعيم ما، وهي حاجة فطرية طبيعية ... أفهل بالإمكان أن نقول بأن الله الذي لم يترك أي شيء من مستلزمات التكامل المادي والجسدي للبشر دون أن يهبه إياه، قد حرمه من أن يوفر له العامل المهم الذي له الدور الأساسي في رقيه الروحي ، وانه بخل ان يجود عليه] (2) ،فاعترف بأن حرمان الناس من المرشد الإلهي معناه بخل الله تعالى وهو باطل.
__________
(1) دروس في العقائد الإسلامية ص134.
(2) أصول عقائد الإسلام للسيد مجتبى اللاري .(75/103)
4-قال فيلسوفهم الشيرازي في كتابه (الحجة) ص153 تحت عنوان(ترك البشر دون إمام يلزم النقص من الله): [لما ثبت أن نظام الدين والدنيا لا يصلح إلا بوجود إمام يقتدي به الناس ويأتمون به ويتعلمون منه سبيل هداهم وتقواهم، وان حاجتهم إليه في كل زمان أعظم وأهم من حاجتهم إلى الغذاء والكسوة، وما يجري مجراها من المنافع والضرورات، فوجب من العناية الربانية أن لا يترك الأرض ولا يدع الخلق من غير إمام، وإلا لزم أحد الأمور الثلاثة:إما الجهل وعدم العلم، أو النقص وعدم القدرة على خلقه، أو البخل والضنة بوجوده، وجميع هذه الوجوه محالة على الله فهو أجل وأعظم من أن تعتريه أحد هذه الأمور]، فأثبت أن عدم هذا المرشد محال على الله تعالى لأنه يتضمن الطعن به سبحانه .
5- قال الشيخ محمد حسن آل ياسين:[ لأن وجود النبوة دون الإمامة وجود منقطع الآخِر، وذلك يناقض جوهر الإسلام القائم على استمرار الرسالة إلى يوم القيامة، فالنبوة بداية الحياة والإمامة استمرار لتلك الحياة] (1)، وقال ص23:[ ولو جاز لنا أن نقول بالنبوة دون الإمامة لجاز لنا أن نقول بأن الرسالة محدودة النظر لم تُقَدِّر لنفسها عمراً بعد حياة رسولها، ولم تحتط لأهدافها بوصي يستمر في العمل والإمداد .... إن الإمامة في واقعها إتمام لمعنى النبوة، ولا يستقيم وجود النبي العملي بدونها].
__________
(1) كتاب(الإمامة) ص22 للشيخ محمد حسن آل ياسين.(75/104)
6-لقد أثبتم لهذا المرشد الذي أوجبتم وجوده في كل زمان إلى قيام الساعة معرفة أخبار السماء صباحاً مساءاً، ومعلوم أن تلك المعرفة- على فرض احتمال تحققها- تكون إما عن طريق وحي ظاهر وهو الملك- وهو ما اختص به الأنبياء والرسل- أو باطن وهو الإلقاء في القلب، ورغم أن مقتضى نفيكم لاستمرار النبوة يلزمكم بإثبات الطريق الثاني في تحقق المعرفة إلا أنكم- ويا للعجب- أثبتم له الوحي الظاهر وهو تكليم الملك للإمام (1)، وهذا هو عين معنى الوحي الذي ينزل على الأنبياء، بل أنكم لم تثبتوا هذا فحسب وإنما جعلتم منع الله تعالى لهذا الوحي منافٍ لرحمته ولطفه بعباده، فمن رواياتكم التي أثبتم بها هذا المعنى ما يلي:
أ-ذكر الكليني في (الكافي) ج1 ص261 الحديث (3): [عن جماعة بن سعد الخثعمي انه قال: كان المفضل عند ابي عبد الله (ع) فقال له المفضل: جعلت فداك يفرض الله طاعة عبد على العباد ويحجب عنه خبر السماء؟ قال: لا، الله اكرم وارحم وارأف بعباده من ان يفرض طاعة عبد على العباد ثم يحجب عنه خبر السماء صباحاً ومساءً].
__________
(1) فقد روى الكليني عدة روايات تثبت تكليم الملك للإمام سنتطرق إليها بتفصيل منها عن حمران بن أعين قال : قال أبو جعفر عليه السلام إن عليا عليه السلام كان محدثا ، فخرجت إلى أصحابي فقلت : جئتكم بعجيبة ، فقالوا : وما هي ؟ فقلت : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول، كان علي عليه السلام محدثا فقالوا : ما صنعت شيئا ألا سألته من كان يحدثه ، فرجعت إليه فقلت : إني حدثت أصحابي بما حدثتني فقالوا : ما صنعت شيئا ألا سألته من كان يحدثه؟ فقال لي:يحدثه ملك ...الكافي(1/270) .(75/105)
ب-ذكر أيضاً ص262 الحديث (6): [عن ابي حمزة قال: سمعت ابا جعفر (ع) يقول: لا والله لا يكون عالم (العالم الذي افترض الله طاعته) جاهل ابداً، عالماً بشيء جاهلاً بشيء، ثم قال: الله اجل واعز وأكرم ان يفرض طاعة عبد يحجب عنه علم سمائه وأرضه، ثم قال: لا يحجب ذلك عنه] .
ولكون انقطاع الوحي ينافي رحمة الله ولطفه بعباده قلنا بوجوب استمرار وجود النبي الذي هو الوجهة الأرضية لهذا الوحي السماوي باتفاق جميع أهل الأديان والمذاهب بلا استثناء، وعليه تكون جميع هذه النصوص والمقدمات العقلية التي وضعتموها لتثبتوا بها وجوب وجود إمام معصوم دعامةً لي أستدل بها عليك بوجوب استمرار النبوة، بل انكم ساعدتمونا مساعدة كبيرة على دعوتنا من خلال الاعتماد على أدلتكم، فنحن إذاً مشتركون معكم بالادلة وأن دعوتينا متطابقتان من حيث المضمون حتى أنهما تكادان أن تكونا دعوة واحدة، فدعوا الخصام والجدال وهلمّوا معنا ووافقونا على قولنا، بتغيير نتيجة مقدماتكم من وجوب وجود إمام معصوم، إلى وجوب وجود نبي- وهو الأقرب إلى المنطق والعقل ومقتضى الأدلة- ومرحباً بالوفاق والاتفاق، ولنستريح من الردود والجدال والخصام فيما بيننا.
الفصل السادس
محاولة التفريق بين النبي والإمام ودحضها
الفصل السادس
الشيعي:
صحيح أننا متفقون على المقدمات والأدلة العقلية كما تبين من خلال سوقك لها، إلا أن هذا لا ينفي كون الخلاف بيننا جوهرياًًًً وأساسياً، حيث أننا أثبتنا من خلال تلك المقدمات وجوب وجود إمام معصوم ولم نثبت بها وجوب وجود نبي، والفرق بين الامام والنبي كالفرق بين السماء والأرض، فالفرق بين دعوتنا ودعوتكم كالفرق بين الإيمان والكفر.
القادياني:
جوابي على تفريقك من وجهين هما:
الوجه الأول:(75/106)
لن أُفَنِّد هنا في هذا الوجه ادعاءك هذا حول وجود فرق بين النبي والإمام، بل أنني لو سلمت جدلاً(1) بصحة قولك بأن هناك خلافاً حقيقياً وجوهرياً بين نبينا وإمامكم فهذا قد ينفعك في تبرئة الشيعة من القول باستمرار النبوة(2) الذي نعتقده، إلا أنه لا ينفعك بتاتاً في موضوع مناظرتنا والذي ينصب حول إثبات أن كلتا دعوتينا تشعان من مشكاة واحدة وتنهلان من عين واحدة مما يعكس عجزك عن إبطال أدلتي الثلاثة التي سقتها لك والتي اعتمدت فيها على تقرير علمائك واستدلالهم العقلي، وعليه يكون لجوئك إلى هذا التفريق المزعوم وإدارة الحوار نحو هذه الوجهة تهرباً صريحاً من المواجهة ومقابلة الدليل بالدليل، وتغطية فضفاضة لعجزك عن الجواب، وهذا بحد ذاته نصر كبير لي عليك أيها الشيعي بإظهارك العجز والانقطاع عن مواجهة أدلتي ونقضها(3)
__________
(1) وهذا تسليم جدلي لمجاراة الإمامي في الحوار وإلا فالحق هو بعدم وجود فرق حقيقي بين نبي القاديانية وإمام الشيعة كما سيتبين بعد قليل من سير الحوار.
(2) وهذا ينجيكم من اعتقاد الكفر والخروج من دائرة الإسلام الذي يوصم به كل من يعتقد بنبوة شخص بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكن هذا لا علاقة له بموضوع دراستنا لا من قريب ولا من بعيد إذ موضوعها هو عجز الشيعي عن مواجهة أدلة القادياني ونقضها ومن ثم تكون الغلبة للقادياني عليه إذا ما جمعهم حوار ومناظرة علمية .
(3) وهذا يوضح ويؤكد بأن الامامي لا يستطيع ان يمنع القادياني من دعوته ولا يستطيع ان ينقضها برد ادلته لانها نفس ادلة الامامي على اهل السنة، فاذا ردها ليبطل قول القادياني، يكون بذلك قد نقض أدلته التي يحتج بها على أهل السنة، فليختر الامامي بين أن يوافق القادياني أو أن يوافق اهل السنة، ونصيحتي له هي ان يترك هذه النظرية من الأساس (أي نظرية الامام المعصوم) لأنها جلبت الشر على عقيدة ختم النبوة، وأن يعود لأخذ العقيدة الصافية من كتاب الله تعالى وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - بعيداً عن الاوهام والافتراضات التي وضعتها عقول حائرة مضطربة (الله اعلم بنيات أصحابها) جلبت الشر على هذا الاصل العظيم من دين الاسلام وهو ختم النبوة بنبينا - صلى الله عليه وسلم -.(75/107)
.
الوجه الثاني:
في هذا الوجه سأتجاوز التسليم الجدلي الذي سقته في الوجه الأول من هذا الجواب لأنقض أصل ادعائك، فأقول: أن دعواك بوجود فرق حقيقي بين النبي والإمام باطلة ليس لها أدنى رصيد من الواقع، لأن جميع أخباركم ومروياتكم تثبت إثباتاً قاطعاً أن لا خلاف بين إمامكم والنبي من حيث الصفات والمزايا، بل والصلاحيات أيضاً، وإليك هذه العجالة ببعض صفات الإمام عندكم مما يجعله في مصاف الأنبياء بل فوقهم في الرتبة، وقد اخترتها من أصح الكتب عندكم ألا وهو الكافي للكليني فمن هذه الصفات ما يلي:
أولها: أن الإمام يعلم الغيب ويعلم ما كان وما يكون وأن علمه بها يفوق علم بعض الأنبياء لها
1-ذكر ص260-261 الحديث (1): [عن سيف التمار قال: كنا مع ابي عبد اله (ع) جماعة من الشيعة في الحجر، فقال: علينا عين؟ فلتفتنا يمنة ويسرة فلم نرَ احداً، فقلنا: ليس علينا عين، فقال: ورب الكعبة ورب البنيّة –ثلاث مرات- لو كنت بين موسى والخضر لأخبرتهما اني اعلم منهما ولأنبئتهما بما ليس في ايدهما، لان موسى والخضر (ع) اعطيا علم ما كان ولم يعطيا علم ما يكون وما هو كائن حتى تقوم الساعة وقد ورثناه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وراثة]. وفي هذا الحديث دلالة واضحة على ان العلم الذي عند الأئمة يفوق العلم الذي عند الانبياء السابقين، فهل بعد هذا يأتينا من يقول أن هناك فرقاً بين الأئمة والأنبياء..؟!!.. اللهم إلا في تفوق الأئمة وعلو كعبهم على الأنبياء بالعلم!!!
2-ذكر ص261 الحديث (2): [عدة من اصحابنا منهم عبد الاعلى وابو عبيدة وعبد الله ابن بش الخثعمي سمعوا ابا عبد الله (ع) يقول: اني لأعلم ما في السموات وما في الارض واعلم ما في الجنة واعلم ما في النار، واعلم ما كان وما يكون، قال: ثم مكث هنيئة فرأى ان ذلك كبر على من سمعه منه، فقال، علمت ذلك من كتاب الله عز وجل، ان الله عز وجل يقول: فيه تبيان كل شيء].(75/108)
3-ذكر ص285 الحديث (7): [يا ابا محمد (الكاظم يخاطب ابا بصير) ان الامام لا يخفى عليه كلام احد من الناس ولا طير ولا بهيمة ولا شيء فيه روح، فمن لم يكن هذه الخصال فيه فليس هو بامام].
4-ذكر ص258 الحديث (1): [عن ابي بصير قال: قال ابو عبد الله (ع): أي امام لا يعلم ما يصيبه والى ما يصير، فليس ذلك بحجة لله على خلقه].
5-ذكر ص258 الحديث (3): [عن ابي عبد الله (ع) قال: اذا اراد الامام ان يعلم شيئاً اعلمه الله ذلك].
6-ذكر ص20: [ثم سكت ساعة ثم قال (أي ابو عبد الله (ع)) : ان عندنا علم ما كان وما هو كائن الى ان تقوم الساعة، قال جعلت فداك هذا والله هو العلم، قال: انه العلم وليس بذاك قال: قلت جعلت فداك فأي شيء العلم؟ قال: ما يحدث بالليل والنهار الامر بعد الامر والشيءَ بعد الشيءَ الى يوم القيامة].
7-ذكر ص261 الحديث (3): [عن جماعة بن سعد الخثعمي انه قال: كان المفضل عند ابي عبد الله (ع) فقال له المفضل: جعلت فداك يفرض الله طاعة عبد على العباد ويحجب عنه خبر السماء؟ قال: لا الله اكرم وارحم وارأف بعباده من ان يفرض طاعة عبد على العباد ثم يحجب عنه خبر السماء صباحاً ومساءً].
8-ذكر ص262 الحديث (6) [عن ابي حمزة قال: سمعت ابا جعفر (ع) يقول: لا والله لا يكون عالم (أي العالم الذي افترض الله طاعته) جاهل ابداً، عالماً بشيء جاهلاً بشيء، ثم قال: الله اجل واعز واكرم من ان يفرض طاعة عبد يحجب عنه علم سمائه وارضه، ثم قال: لا يحجب ذلك عنه].
ثانياً: أن الإمام معصوم من الذنوب عمداً وسهواً
1-ذكر ص202-203 الحديث (19: [عن الرضا (ع) قال: … وان العبد اذا اختاره الله عز وجل لأمور عباده شرح صدره لذلك واودع قلبه ينابيع الحكمة وألهمه العلم الهاماً، فلم يعي بعده بجواب ولا يحير فيه عن الصواب، فهو معصوم مؤيد موفق مسدد، قد أمن من الخطايا والزلل والعثار يخصه الله بذلك ليكون حجته على عباده].(75/109)
2-ذكر ص204: [عن ابي عبد الله (ع) قال: ….معصوماً من الزلات مصوناً عن الفواحش كلها].
3-ذكر ص200 الحديث (1): [عن الرضا (ع) قال:….الامام المطهر من الذنوب المبرأ من العيوب المخصوص بالعلم الموسوم بالحلم].
4-قال محمد رضا المظفر في (عقائد الامامية) ص104: [ونعتقد ان الامام كالنبي يجب ان يكون معصوماً من جميع الرذائل والفواحش ما ظهر منها وما بطن، من سن الطفولة الى الموت عمداً وسهواً، كما يجب ان يكون معصوماً من السهو والخطأ والنسيان، لان الائمة حفظة الشرع والقوامون عليه حالهم في ذلك حال النبي والدليل الذي اقتضانا ان نعتقد بعصمة الانبياء هو نفسه يقتضينا ان نعتقد بعصمة الائمة فلا فرق].
ثالثاًً: أن الله تعالى فرض طاعته على العباد
1-ذكر ص186 الحديث (2): [عن ابي الصباح قال: اشهد اني سمعت ابا عبد الله (ع) يقول: اشهد ان علياً امام فرض الله طاعته وان الحسن امام فرض الله طاعته وان الحسين امام فرض الله طاعته وان علي بن الحسين امام فرض الله طاعته وان محمداً بن علي امام فرض الله طاعته].
2-ذكر ص186 الحديث (5): [عن ابي الحسن العطار قال: سمعت ابا عبد الله (ع) يقول: أُشْرِكَ بين الاوصياء والرسل في الطاعة].
3-ذكر ص187 الحديث (11): [عن ابي سلمة عن ابي عبد الله (ع) قال: سمعته يقول: نحن الذين فرض الله طاعتنا الا يَسَع الناس إلا معرفتنا ولا يُعذر الناس بجهالتنا].
رابعاًً: عارفه مؤمن ومنكره كافر
1-ذكر ص180 الحديث (1): [عن ابي حمزة قال: قال لي ابو جعفر (ع): انما يعبد الله من يعرف الله، فأما من لا يعرف الله فانما يعبده هكذا ضلالاً، قلت: جعلت فداك فما معرفة الله؟ قال: تصديق الله عز وجل وتصديق رسوله - صلى الله عليه وسلم - وموالاة علي (ع) والائتمام به وائمة الهدى (ع) والبراءة الى الله عز وجل من عدوهم، هكذا يعرف الله عز وجل].(75/110)
2-ذكر ص181 الحديث (5): [عن ذريح قال: سألت ابا عبد الله (ع) عن الائمة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: كان امير المؤمنين (ع) اماماً ثم كان الحسن (ع) اماماً ثم كان الحسين (ع) اماماً ثم كان علي بن الحسين اماماً، ثم كان محمد بن علي اماماً، من انكر ذلك كان كمن انكر معرفة الله تعالى ومعرفة رسوله - صلى الله عليه وسلم -].
3-ذكر ص187 الحديث (11): [عن ابي سلمة عن ابي عبد الله (ع) قال: سمعته يقول: نحن الذين فرض الله طاعتنا لا يسع الناس إلا معرفتنا ولا يعذر الناس بجهالتنا من عرفنا كان مؤمناً، ومن انكرنا كان كافراً، ومن لم يعرفنا ولم ينكرنا كان منالاً حتى يرجع الى الهدى الذي افترض الله عليه من طاعتنا الواجبة، فان يمت على ضلالته يفعل الله به ما يشاء].
4-ذكر ص203 الحديث (2): [قال ابو عبد الله (ع) عن الامام:….. ولا يقبل الله اعمال العباد إلا بمعرفته].
5-ذكر ص184 الحديث (9): [ان امير المؤنين (ع) قال:…. ونحن الاعراف يعرّفنا الله عز وجل يوم القيامة على الصراط، فلا يدخل الجنة إلا من عرفنا وعرفناه ولا يدخل النار إلا من انكرنا وانكرناه].
6-ذكر ص184 الحديث (8): [عن ابي جعفر (ع) قال:…. وكذلك والله يا ابا محمد من اصبح من هذه الامة لا امام له من الله عز وجل ظاهر عادل اصبح ضالاً تائهاً وان مات على هذه الحالة مات ميتة كفر ونفاق].
فهذه أهم صفات الإمام التي تجعل الفرق بين النبي والإمام لفظياً، إذ لو أردنا أن نُعَرِّف النبي ونذكر أوصافه لما جئنا بأكثر من هذه الصفات لتبطل بذلك دعواك بالفرق بين النبي والإمام، فإن كنت تملك دليلاً مقنعاً يثبت الفرق فأتِ به أمام جميع المسلمين { قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ } (الأنبياء:61) .
الشيعي:(75/111)
هناك فرق جوهري بين النبي والإمام وهو أن النبي ينزل عليه الوحي من الله تعالى وهذا الفرق الجوهري قد تجاهلته تماماً لتلبس على المسلمين بعدم الفرق بين دعوتينا، وها هو علم الهدى السيد المرتضى يذكر كلمة الفصل بالفرق الجوهري بين النبي والإمام فقال:[والنبي لم يكن عندنا نبيا لاختصاصه بالصفات التي يشرك فيها الإمام (1) بل لاختصاصه بالأداء عن الله تعالى بغير واسطة ، أو بواسطة هو الملك ، وهذه مزية بينة] (2)، وبوجود هذا الفرق الجوهري ألا وهو الوحي بواسطة الملك تبطل دعواك.
القادياني:
إليك الجواب عما أوردته وقد قسمته إلى قسمين:
القسم الأول
قد يتصور القارئ أنك حسمت الحوار لصالحك بإيرادك لهذا الفرق بين النبي والإمام، إلا أن الأمر بخلافه تماماً، إذ حتى هذا الأمر- وهو الوحي وتكليم الملك – ثابت عندكم للإمام صراحةً أو ضمناً.
ولكن قبل أن نثبت ذلك من مصادر مذهبك ومروياته، لا بد من تنبيه القارئ إلى نقطة غاية في الأهمية بل هي أهم نقاط الحوار على الإطلاق وهي أن سعي الشيعة وأنت منهم واستماتتكم لإيجاد فرق بين النبي والإمام- مما قد يولِّد عند المسلمين تعاطفاً وتجاوباً معكم – ليس مردُّه حرصكم على أصل النبوة وصيانته من أن يُصاب بخدش في قدسيته، كما قد يتوهم الجميع بحكم أن هذا هو ما ينصرف إليه ذهن المسلم على حد سواء بحكم البداهة وثوابت الشرع والتعقل التي تحسم الخيرية للأنبياء وتوجب فضلهم على باقي البشر.. بل المراد به أمر آخر سيأسف له ويندهش به جميع المسلمين .. وحتى أعود بالموضوع إلى سياق الحوار وطابعه المناظراتي، أتوجه إليك ومن خلالك إلى جميع الشيعة بالسؤال التالي:
__________
(1) ويقصد بالصفات المشتركة عندهم بين النبي والإمام هي العصمة والأفضلية وغيرها.
(2) الشافي في الامامة للشريف المرتضى ج1 ص39 .(75/112)
هل هذه المحاولة للتفريق بين النبي والإمام التي أوردها الشيعة هي لتنزيه مرتبة النبوة من أن يصلها ويرتقي إليها إمام الشيعة المعصوم، بمعنى أن غرضكم منها هو حماية مرتبة النبوة وشرفها وقدسيتها من أن تعطى للإمام المعصوم؟
ربما قد يجيب العقل عندكم ابتداءاً بـ" نعم " لقد أوردوا هذه المحاولة للتفريق بين النبي والإمام من أجل تنزيه مرتبة النبوة، ولكن جوابكم لن يكون كذلك .. بل سيكون الجواب هو أن إيرادنا لهذا الفرق أردنا به إثبات العكس من ذلك تماماً؟!! فبعد تأمل مروياتكم ونصوص علمائكم حول مرتبة الإمام وفضله، سنجد أنكم أوردتم هذا الفرق لأجل صيانة مرتبة الإمام وشرفها من أن تهبط من رفعتها وشموخها وشرفها وتنحدر إلى مرتبة النبوة وهذه الحقيقة يقف عليها من اطلع على معتقدكم في الإمامة.
وقبل أن تتهمني بافتراء هذا الأمر عليكم وتطالبني بدليل على ما أقوله أقَدِّم لك هذه الحقيقة من مروياتكم ونصوص علمائكم وكما يلي:
أولاً:تصريحكم بأن مرتبة الإمامة أعلى وأسمى من مرتبة النبوة
وهذه قد صرح بها علماؤك بكل جرأة وتطاول فممن قال بذلك:
1-يقول آيتهم العظمى ناصر مكارم الشيرازي عند تفسيره للآية(124) من سورة البقرة في تفسيره (الامثل):[يتبين من الآية الكريمة ان منزلة الامامة الممنوحة لابراهيم بعد كل هذه الاختبارات تفوق منزلة النبوة والرسالة….. فمنزلة الامامة أسمى مما ذكر بل أسمى من النبوة والرسالة]،وقال في (نفحات القرآن) جزء9 ص19: [ما هو هذا المقام الذي ناله ابراهيم في آخر عمره بعد نيله مقام النبوة والرسالة وبعد ذلك الجهاد الطويل؟ من المسلم به انه كان أسمى وأرفع منهما جميعاً]، وقال ايضاً ص17: [كما يعير القرآن أهمية خاصة للإمامة ويعتبرها آخر مرحلة من مسيرة تكامل الإنسان] وقال ايضاً جزء7 ص81: [على أية حال أنه (مقام الإمامة) مقام يفوق النبوة].(75/113)
2-يقول آيتهم العظمى السيد كاظم الحائري في (الإمامة وقيادة المجتمع) ص26: [ان الذي يبدو من الروايات أن مقام الإمامة فوق المقامات الأخرى – ما عدا مقام الربوبية قطعاً- التي يمكن ان يصل إليها الإنسان…. وقال ص28: وكذا قوله - عليه السلام - "ان الله اتخذه خليلاً قبل ان يتخذ اماماً" يدل في ظاهره على تفوق مقام الإمامة على مقام (العبودية، النبوة، الرسالة، الخلة)…. وقال ص29: فمقام الإمامة اذن فوق مقام النبوة].
3-يقول كمال الحيدري في (العصمة) ص17: [ومن خلال هذه الشواهد يتضح لنا ان مقام الإمامة يختلف عن النبوة والرسالة بل هي أسمى منهما وارفع] ونسبه الى الطباطبائي في الميزان جزء1 ص267.
4-قال هادي الطهراني في (ودائع النبوة) ص114: [الامامة اجل من النبوة فانها مرتبة ثالثة شرفه الله تعالى بها بعد النبوة والخلة] / نقلاً عن اصول مذهب الشيعة للقفازي ص656.
5-ذكر ابن بابويه في (إكمال الدين) ص617-618: [والنبوة والرسالة من الله جل جلاله سنن والإمامة فريضة، والسنن تنقطع ويجوز تركها في حالات، والفرائض لا تزول ولا تنقطع بعد محمد - صلى الله عليه وسلم -….. فالرسالة والنبوة سنن والإمامة فرض].
6-ذكر الحلي في (الالفين) ص3:[الإمامة لطف عام والنبوة لطف خاص لإ مكان خلو الزمان من نبي حي بخلاف الإمام، وإنكار اللطف العام شر من إنكار اللطف الخاص ].(75/114)
7-يقول آيتهم وشيخهم الذي يُعَدُّ من أبرز شخصياتهم السياسية محمد باقر الحكيم :[ أن الإمامة هي مرتبة عالية أعلى من درجة النبوة .. وعندما تكون الإمامة أعلى درجةً من النبوة، فلا بد أن تجتمع فيها أبعاد النبوة ومسؤولياتها بأعلى درجاتها، بل يمكن أن نقول بأن الإمامة تمثل تطوراً وسمواً في حركة النبوة(1) .. ورود التصريح به في روايات أهل البيت عليهم السلام من أن الإمامة أعلى درجة من النبوة](2).
ثانياً:تصريحكم بأن الأئمة أفضل من الأنبياء
وهذا أيضاً قد صرح به علماؤكم وكما يلي:
1-ذكر الشيخ المفيد في (اوائل المقالات) باب (القول في المفاضلة بين الائمة والانبياء ص85: [قد قطع قوم من اهل الامامة بفضل الأئمة (ع) من آل محمد - صلى الله عليه وسلم - على سائر من تقدم من الرسل والانبياء سوى نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، واوجب فريق منهم الفضل على جميع الرسل والانبياء سوى اولي العزم].
2-ذكر العلامة السيد نعمة الله الجزائري في (الانوار النعمانية ج1 ص20-21: [إعلم أنه لا خلاف بين اصحابنا رضوان الله عليهم في اشرفية نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - على سائر الانبياء عليهم السلام للأخبار المتواترة، وانما الخلاف بينهم في افضلية امير المؤمنين والائمة الطاهرين عليهم السلام على الانبياء ما عدا جدهم - صلى الله عليه وسلم -، فذهب جماعة الى انهم افضل باقي الانبياء ما خلا اولي العزم فانهم افضل من الائمة عليهم السلام، وبعضهم الى المساواة، واكثر المتأخرين الى افضلية الائمة عليهم السلام على اولي العزم وغيرهم وهو الصواب….].
__________
(1) وكلام الحكيم هذا فيه تصريح بأنهم ينزهون مرتبة الإمامة من أن تنحدر من علوها وسموها الى مرتبة النبوة لأنها تمثل سمواً وارتقاءاً عن مرتبة النبوة كما صرح بذلك.
(2) الإمامة وأهل البيت النظرية والاستدلال- للسيد محمد باقر الحكيم ص 22-25 .(75/115)
3-ذكر محدثكم الحر العاملي في كتابه(الفصول المهمة في أصول الأئمة - الحر العاملي) ج1 ص403 باباً يثبت هذا التفضيل وهو الباب رقم(101) بعنوان (ان النبي والائمة الاثنى عشري ع أفضل من سائر المخلوقات من الانبياء والاوصياء السابقين والملائكة وغيرهم ، وان الانبياء أفضل من الملائكة )، وذكر روايتين ترجحان عنوان الباب.
4-ذكر ابن بابويه في (عيون اخبار الرضا) ج1 ص262 فصلاً بعنوان (افضلية النبي والائمة على جميع الملائكة والانبياء عليهم السلام).
5-قال السيد أمير محمد كاظم القزويني في كتابه(الشيعة في عقائدهم وأحكامهم) ص66:[ فإنك تجد أن علياً ع كان جامعاً لجميع هذه الصفات المتفرقة في هؤلاء الأنبياء عليهم السلام من أولي العزم، وأنه عليه السلام أفضل منهم]، وقال ص73 تحت عنوان(الأئمة من أهل البيت عليهم السلام أفضل من الأنبياء عليهم السلام بنص القرآن):[وأما تفضيل الشيعة لأئمتهم على الأنبياء عليهم السلام إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... لذا وجب أن يكونوا أفضل منهم] .
6-يقول آيتهم العظمى الميرزا جواد التبريزي تحت عنوان(التفضيل بين الأئمة والأنبياء) حول سؤال وجه إليه:[س:هل هناك تفضيل بين الأئمة عليهم السلام والأنبياء باستثناء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ وإذا كان فما هو الدليل على ذلك؟ ج: بسمه تعالى: أئمتنا أفضل من الأنبياء ما عدا الرسول - صلى الله عليه وسلم - والله العالم] (1).
7-وختمها الخميني في (الحكومة الاسلامية) ص47 بقوله: [وان من ضروريات مذهبنا ان لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل].
ثالثاًً:المَلَك الذي ينزل على الأئمة دون الأنبياء هو أعظم من جبريل
__________
(1) الأنوار الإلهية في المسائل العقائدية للميرزا جواد التبريزي ص179.(75/116)
لقد حاولتم أن تدعموا عقيدتكم في تفضيل الأئمة على الأنبياء وتُرَسِّخوها في قلوب الشيعة بطريق آخر متمثل بإيرادكم لروايات مفادها أن هناك مَلَكاً يدعى "الروح" كان مع الأئمة يسددهم ويخبرهم بأخبار السماء، ولهذا الملك ميزتان كل واحدة منهما تدل بصراحة على تفضيل الأئمة على الأنبياء هما:
أ- أنه أعظم من جبريل:
فبما أنكم تعتقدون بتفضيل الأئمة على الأنبياء، فيجب أن يكون الملك النازل عليهم أعظم من الملك النازل على الأنبياء لتُرَسِّخوا بذلك وتؤصلوا معتقدكم ذاك في التفضيل.
ب-أن هذا الملك لم يكن مع الأنبياء بل فقط مع الأئمة:
أي أن ما عند الأئمة أفضل مما عند الأنبياء لأن هذا الملك وهو الروح كان مع الأئمة فقط ولم يكن مع الأنبياء كما نصت عليه الرواية الرابعة التالية بقوله: [لم يكن مع أحد ممن مضى ، غير محمد صلى الله عليه وآله وهو مع الائمة يسددهم]، فهو غير موجود مع الأنبياء السابقين لتستيقن بأنكم تنزهون مرتبة الإمامة من أن تنحدر من عزها ورفعتها إلى مرتبة النبوة.
وإليك نص الروايات من أصح كتبكم ألا وهو الكافي للكليني ج1ص273:
1-عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله تبارك وتعالى: " وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدرى ما الكتاب ولا الايمان " قال : خلق من خلق الله عزوجل أعظم من جبرئيل وميكائيل ، كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله يخبره ويسدده وهو مع الائمة من بعده .
2-عن أسباط بن سالم قال : سأله رجل من أهل هيت - وأنا حاضر - عن قول الله عزوجل : " وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا " فقال : منذ أنزل الله عزوجل ذلك الروح على محمد ، صلى الله عليه وآله ما صعد إلى السماء وإنه لفينا .(75/117)
3-عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل : " يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي " قال : خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل ، كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وهو مع الائمة ، وهو من الملكوت.
4-عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : " يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي " قال : خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل ، لم يكن مع أحد ممن مضى ، غير محمد صلى الله عليه وآله وهو مع الائمة يسددهم ، وليس كل ما طلب وجد .
رابعاًً:تصريحكم بأن الأنبياء مع علو منزلتهم مأمورون باعتقاد إمامة الأئمة الاثنى عشر.
وقد ذكرتم لذلك عدة روايات صريحة ذكرها خاتمة محدثيكم محمد باقر المجلسي في كتابه (بحار الأنوار) ج26 ص 280-282 منها:
1- ابن يزيد عن ابن محبوب عن محمد ابن الفضيل عن أبي الحسن ( عليه السلام ) قال : ولاية علي مكتوبة في جميع صحف الانبياء ، ولن يبعث الله نبيا إلا بنبوة محمد ووصية على صلوات الله عليهما.
2- أحمد بن محمد عن العباس عن ابن المغيرة عن أبي حفص عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول: يا علي ما بعث الله نبيا إلا وقد دعاه إلى ولايتك طائعا أو كارها.
3- الحسن بن علي بن النعمان عن يحيى بن أبي زكريا عن أبيه و محمد بن سماعة عن فيض ابن أبي شيبة عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر ( عليه السلام ) يقول : إن الله تبارك وتعالى أخذ ميثاق النبيين على ولاية علي وأخذ عهد النبيين بولاية علي .
4- أحمد بن محمد بن علي بن الحكم عن ابن عميرة عن الحضرمي عن حذيفة بن اسيد قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ما تكاملت النبوة لنبي في الاظلة حتى عرضت عليه ولايتي وولاية أهل بيتي ومثلوا له فأقروا بطاعتهم وولايتهم .(75/118)
5- السندي بن محمد عن يونس بن يعقوب عن عبد الاعلى قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) : ما نبئ نبي قط إلا بمعرفة حقنا وبفضلنا على من سوانا .
6- محمد بن عيسى عن محمد بن سليمان عن يونس بن يعقوب عن أبي بصير عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : ما من نبي نبئ ولا من رسول ارسل إلا بولايتنا و تفضيلنا على من سوانا .
7- ابن يزيد عن يحيى بن المبارك عن ابن جبلة عن حميد بن شعيب عن جابر قال : قال أبو جعفر ( عليه السلام ) : ولايتنا ولاية الله التي لم يبعث نبيا قط إلا بها.
8- محمد بن أحمد عن ابن يزيد عن ابن محبوب عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن ( عليه السلام ) في قول الله عز وجل : " يوفون بالنذر " قال : يوفون بالنذر الذي اخذ عليهم في الميثاق من ولايتنا.
9- أحمد بن محمد بن علي بن الحكم عن داود العجلي عن زرارة عن حمران عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : إن الله تبارك وتعالى أخذ الميثاق على أولي العزم أني ربكم ومحمد رسولي وعلي أمير المؤمنين وأوصياؤه من بعده ولاة أمري وخزان علمي وأن المهدي أنتصر به لديني.
فإمامة الأئمة إذاً عندكم من ضروريات الأديان السماوية التي لم يبعث نبي إلا بالدعوة إليها بل أن الأنبياء جميعهم كانوا مأمورين بالإيمان بإمامة علي وأولاده التي لا تدانيها النبوة في الفضل والشرف ولا تصل إلى عشر معشارها بل ولا إلى قطرة من بحارها.
خامساًً: بأن الأنبياء ما نالوا الفضل والرفعة من جهة نبوتهم واصطفائهم من الله تعالى بل من جهة إقرارهم بإمامة الأئمة والخضوع لهم.
وإليك روايتان تذكران هذا المعنى هما:(75/119)
1- ذكر شيخهم المفيد في كتابه (الاختصاص) ص250 :[ابن سنان ، عن المفضل بن عمر قال : قال لي أبو عبد الله عليه السلام : إن الله تبارك و تعالى توحد بملكه فعرف عباده نفسه ، ثم فوض إليهم أمره وأباح لهم جنته فمن أراد الله أن يطهر قلبه من الجن والإنس عرفه ولايتنا ومن أراد أن يطمس على قلبه امسك عنه معرفتنا . ثم قال يا مفضل والله ما استوجب آدم أن يخلقه الله بيده وينفخ فيه من روحه إلا بولاية علي عليه السلام ، وما كلم الله موسى تكليما " إلا بولاية علي عليه السلام ، ولا أقام الله عيسى ابن مريم آية للعالمين إلا بالخضوع لعلي عليه السلام ، ثم قال : أجمل الأمر ما استأهل خلق من الله النظر إليه إلا بالعبودية لنا].
2-ذكر المجلسي في (بحار الأنوار) ج26ص282:[ عن حبة العرني قال : قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : إن الله عرض ولايتي على أهل السماوات وعلى أهل الارض أقر بها من أقر وأنكرها من أنكر ، أنكرها يونس فحبسه الله في بطن الحوت حتى أقر بها].
فانظر إلى هذه المرتبة الخيالية للإمامة التي بفضل انحناء الأنبياء لها وخضوع أعناقهم أمامها نالوا ما نالوا من المراتب، لأن النبوة التي أنعم الله بها عليهم وبكل بساطة لا قيمة لها بدون إمامة الأئمة حتى أن نبي الله تعالى يونس عليه السلام لما أبى الإقرار بها وأنكرها- ظناً منه بأن النبوة أعلى منها بالشرف والأهمية – حبسه الله تعالى في بطن الحوت عقوبةً له ولم يخرجه منها إلا بعد خضوعه لها واعترافه بفضلها على نبوته المسكينة الخاضعة !!!(75/120)
فهذه خمس مجموعات صرح بها علماؤك بتفضيل مرتبة الإمامة على النبوة وأنهم لن يرضوا أبداً بأن يهبطوا بمرتبة الإمامة إلى مرتبة النبوة لأن في هذا حطّاً من قدرها ورفعتها، وقد أوردتها ليعلم كل عقلاء العالم والمنصفين بأنكم لم تفرقوا بين النبي والإمام في هذه المناظرة وأمثالها في الكتب والحوارات إلا لأجل صيانة مرتبة الإمام وشرفها من أن تهبط من رفعتها وشموخها وشرفها وتنحدر إلى مرتبة النبوة، وبالإضافة لما تقدم من اثباتات صريحة من نصوص علمائك أسوق إليك تصريحاً ذهبياً يثبت هذه الحقيقة التي باتت واضحة وهو لخاتمة محدثيكم محمد باقر المجلسي الذي صرح بالسبب الحقيقي وراء عدم إثبات النبوة لأئمتهم فقال في (بحار الأنوار) (26/82):[وبالجملة لا بد لنا من الاذعان بعدم كونهم عليهم السلام أنبياء ...]، وهذا ليس تنزيهاً لمرتبة النبوة بل خوفاً من هبوط مرتبة الأئمة إلى مرتبة الأنبياء فقال في تتمة الكلام:[ وبالجملة لا بد لنا من الاذعان بعدم كونهم عليهم السلام أنبياء وبأنهم أشرف وأفضل من غير نبينا ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من الأنبياء والأوصياء]، حتى أنه أورد باباً في كتابه المذكور (26/267) بعنوان(تفضيلهم عليهم السلام على الأنبياء وعلى جميع الخلق).(75/121)
وبهذه النصوص الصريحة انكشف النقاب عن معتقد الشيعة في الأئمة والذي تجلى فيه للجميع حطِّهم من قدر النبوة وشرف مرتبتها (1)
__________
(1) وهكذا حصل التآمر من علماء الشيعة على مرتبة النبوة بالإجهاز عليها، وبالفعل قاموا بذبحها وسلخها عن شرفها وفضلها بمرأى ومسمع من جميع المسلمين في العالم، غير مكترثين لهذا الأصل العظيم الشريف عند الله تعالى حتى عدها سبحانه من أعظم النِعَم على العباد وذلك حين بيَّن لنا سبحانه العباد الذين أنعم الله بنعمه وفضله عليهم ذاكراً في مقدمتهم الأنبياء لأنهم فازوا بوسام النبوة والسبق في القرب من الله تعالى حيث قال(وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً) (النساء:69)، ويقول السيد أبو الحسن الندوي في كتابه (صورتان متضادتان) حول خطر إمامة الشيعة على أصل النبوة ص97-98: [يحسن بنا الى تلقي نظرة على معتقدات فرقة الاثنا عشرية ومبادئها التي ننقلها ملتقطة من كتابهم اصول الكافي، هذه الفرقة ترى ان خليفة الرسول والخليفة الامام ايضاً قد تم تعيينهم من عند الله، وهم كالنبي معصومون ومفترضوا الطاعة، وان منزلتهم تساوي منزلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتفوق منزلة الانتبياء الاخرين، ان حجة الله لا تقوم على خلقة بدون امام، وان هذا لا يتم ما لا يعلم به، ان الدنيا لا تقوم من دون امام ان معرفة الائمة شرط للأيمان، وان طاعة الائمة واجبة كطاعة الرسل، ان الائمة لهم الخيار في تحليل الاشياء وتحريمها وانهم معصومون مثل الانبياء، ان المؤمن بالائمة المعصومين من اهل الجنة وان كان ظالماً وفاسقاً وفاجراً، ان درجة الائمة كدرجة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وارفع من جميع الخلق ومن جميع الانبياء عليهم الصلاة والسلام، لقد كان الائمة يتمتعون بعلم ما كان وما يكون، تعرض اعمال العباد على الائمة في ليلهم ونهارهم، ان الملائكة تتردد الى الائمة ليل نهار، وفي ليلة كل جمعة يكرمون بالمعراج، وعلى الائمة ينزل كتاب من عند الله كل عام في ليلة القدر، الموت يكون في سلطتهم، وانهم يملكون الدنيا والآخرة، فيعطون من شاؤوا ما شاؤوا، ولقد استنبط المحققون من غير المسلمين نفس هذا المفهوم من تصور الامامة المذكور، فهذا البطريق هوجيش يقول (ان الشيعة انما يخلعون على الائمة صفات الله) ومحقق آخر ايوانو يقول (ان استمرار ضوء الامامة في العالم بصفة دائمة انما يمنح النبوة مكانة جانبية)… وينقل كلام ولي الله الدهلوي ص103 قائلاً: (ان بطلان الامامية يعرف من لفظ الامام، فان الامام عندهم هو المعصوم المفترض الطاعة، الموصى اليه وحياً باطنياً (بل انه وحي ظاهر بتكليم الملك كما اثبتنا ذلك) وهذا هو معنى النبي فمذهبهم? يستلزم انكار النبوة)]، نعم إن اعتقاد قضية الإمامة بمفهومها الشيعي يعطي النبوة مكانة جانبية ونستطيع أن نلمس هذا من خلال واقع تعامل الشيعة مع شخص نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - إذ أنها تؤثر على مكانته - صلى الله عليه وسلم - في قلوب المسلمين من خلال تقليلها لمحبته - صلى الله عليه وسلم - عما أوجبه له دين الإسلام حيث قال - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه مسلم في صحيحه(1/49): [ عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين ]، وروى البخاري (7/218): [ حدثني أبو عقيل زهرة بن معبد انه سمع جده عبد الله بن هشام قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقال له عمر يا رسول الله لأنت أحب إليَّ من كل شئ إلا من نفسي فقال النبي صلى الله عليه وسلم له لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك فقال له عمر فانه الآن والله لأنت أحب إليَّ من نفسي فقال النبي صلى الله عليه وسلم الآن يا عمر]، وهذا المعنى تضمنه قوله تعالى(النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ )(الأحزاب: من الآية6)، ويؤكد السيد أبو الحسن الندوي ما أثبته الشرع من وجوب تفرد النبي - صلى الله عليه وسلم - بمحبة لا مشارك ولا مزاحم ولا مساوٍ له فيها مهما كان إيمانه وتقواه فقال في كتابه (صورتان متضادتان) ص96-97: [أما الشرط الرابع الذي كنا قد اشترطناه للنبوة الدائمة والامة الخالدة هو ان تكون شخصية الرسول هي مركز الهداية ومحور العلاقة القلبية والتفويض العقلي للأمة، وان يكون النبي هو مصدر التشريع والمستحق لأن يُطاع ويُمتثل امره، لا يشاركه في ذلك احد من أفراد أمته… الى ان قال ص104: اما شخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - فلا يكفينا ان نتصل بها اتصالاً قانونياً فحسب بل المطلوب منا ان نرتبط بها ارتباطاً روحياً وعاطفياً، ونحبه حباً خالصاً عميقاً يفوق كل الحب للمال والنفس والأهل والاولاد ولا تشارك في ذلك أي شخصية بعد ذات الله تعالى، وإن كان من كبار الاولياء أو من الرجال الكاملين أو فرداً عظيماً من افراد اهل البيت.
... ان النبي - صلى الله عليه وسلم - شمس مشرقة للعالم كله، وكل من عداه سواء كان من الصحابة الكرام أم المجددين أو مؤسسي الحكومات والممالك أو قادة الثورات، فهو ذرة تستنير بنور هذه الشمس المشرقة وتُنير، وهو تراب يتحول الى اكسيد، وحديد "حجر الفلاسفة"وهو أحق وأجدر بالوصف الذي جاء في بيتين عربيين قديمين:
ألا ان وادي الجذع أضحى ترابه ... ... في المسك كافوراً وأعواده رَنْدا
وما ذاك إلا ان هنداً عشيةً ... ... تمشَّت وجرّت في جوانبه بُرْدا
فهذه المحبة التي أوجبها الشرع لنبينا - صلى الله عليه وسلم - ، إلا أنها لم تصفو ولم تسلم للشيعة – بسبب عقيدة الإمامة- كما أمر بها الشرع وكما هي موجودة عند أهل السنة لأنهم جعلوا له مساوٍ في الصفات، ومن ثم يكون مساوٍ له في الحب وهم الأئمة المعصومين، وليس هذا افتراءاً عليهم بل هو واقع يلمسه كل من عاش بين أظهرهم، فهاهو وهو ممن عاش في بلادهم وطاف بها مثبتاً ذلك حيث يقول في كتابه(صورتان متضادتان) ص105-106: [ولكن هذه المعتقدات عن الامامة والأئمة لا تعارض الاعجاب والحب للنبي - صلى الله عليه وسلم - فحسب بل انها تضادّه وتتصادم معه، فكانت النتيجة الطبيعية والنفسية ان الشيعة لم يتمكنوا من تأليف كتاب قوي مؤثر في السيرة النبوية ولا ان شعراءهم النابغين وقفوا الى نظم نبويات قوية مؤثرة، ومدائح نبوية تتجلى فيها العاطفة القلبية في المديح الشعري للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وتتدفق فيه القريحة الوقّادة، كما نرى ذلك في شعر المراثي ومناقب اهل البيت وتصوير ما حدث في كربلاء باسلوب ساحر وشاعرية بليغة، ولا نبغ فيهم شاعر للمديح يضاهي شعراء الهند الذين علا كعبهم في شعر المديح، دع عنك شعراء الفارسية في المديح النبوي مثل القدسي والجافي وهذا ما يقتضيه القياس، وهي قضية معلومة، ومن المناسب في هذه المناسبة ان انقل ما قلته في رحلتي الى ايران في كتاب "من نهر كابل الى نهر اليرموك": اننا شعرنا في كل مجتمع ينتمي الى الطريقة الامامية ان الصلة العاطفية والحماس الداخلي في حب اهل البيت وتعظيم الأئمة الذين كانوا أئمة الهدى ومصابيح الدُجى- ولا يشك في ذلك مسلم- كاد يشغل كل فراغ في النفس والعاطفة والعقل والضمير ويُخشى أن يكون قد أخذ الشيء الكثير من حق النبوة التي هي مصدر كل خير وسعادة ومن شخصية الرسول الأعظم الذي نال به أهل البيت الشرف، واستحقوا الحب والتعظيم، وأنه نما وازدهر على حساب? الصلة العميقة التي يجب أن تكون بين المسلم ونبيه - صلى الله عليه وسلم - وقد ظهر ذلك الاثر في الشعر الذي قاله شعراء ايران في مدح النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفيما قالوا في حق أهل البيت، وخاصة في مناقب امير المؤمنين علي بن ابي طالب، وسيدنا حسين بن علي، فيفوق الثاني الاول في قوة العاطفة والتعبير عن القلب، والقدرة الشعرية وفيض الخاطر وتدفق القريحة لمسنا هذا الفرق في الشعر الذي قاله شعراء أردو في الهند من اخواننا الجعفريين، والشعر الذي قالوه في المديح النبوي ولمسناه في الشعر الفارسي، ورأينا هذا الفرق في الكتب التي أُلِّفت في السيرة النبوية وفي مناقب أهل البيت كمّاً وكيفاً، ورأيناه في الفرق الواسع بين العناية بالمشاهد والعناية بالمساجد، وبين الشوق الى السفر الى النجف وكربلاء و"العتبات العاليات" والسفر الى الحرمين الشريفين]، وأنا بسبب عيشي بين أظهرهم وقفت على ما ذكره الندوي بل أكثر من ذلك ويمكن بيان ذلك من خلال مظهرين هما:
المظهر الأول:
لا نجدهم يذكرون في محاضراتهم ومؤلفاتهم وخطبهم إلا أئمتهم المعصومين وفضائلهم وعلو منزلتهم والتجريح بأعدائهم، واذا أرادوا أن يذكروا النبي - صلى الله عليه وسلم - فيكون ذكره ثانوياً، وهذا موجود عند عوامهم ومثقفيهم ، فكل من عاش بين أظهرهم سيرى ذلك واضحاً جلياً، فيرى الفرق بين اهتمامهم بوفاة الحسين ووفاة علي - رضي الله عنه - وعدم اهتمامهم بوفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - التي تعتبر أعظم مصيبة حلت بأمة الاسلام إلى قيام الساعة، وكذلك صرفهم النذور والطعام ثواباً للحسين - رضي الله عنه - (بزعمهم) وعدم فعل نصف ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -، حتى ان المتأمل لحالهم يشعر أنهم لا يحبون علي - رضي الله عنه - لانه ابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتلميذه وزوج ابنته، بل يحبون النبي - صلى الله عليه وسلم - لانه ابن عم علي - رضي الله عنه - أي الاصل هو حب علي - رضي الله عنه -، ويشعر من خلال دراسة كتبهم ورواياتهم بأن الغرض الرئيسي من بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنزال القرآن هو لبيان فضل أهل البيت وثواب من يطيعهم وعقوبة من يعصيهم، وهذا ظاهر لمن قرأ اصول الكافي-وهو أهم وأوثق كتب الحديث عندهم- وأسباب نزول الآيات وتفسيرها من قبل الائمة، لذلك رووا عن علي - رضي الله عنه - انه قال: [نزل القرآن ثلاثاً: ثلث فينا وفي عدونا وثلث سنن وامثال وثلث فرائض واحكام] وعن ابي جعفر (ع) قوله:[نزل القرآن اربعة ارباع: ربع فينا وربع في عدونا، وربع سنن وامثال، وربع فرائض واحكام] انظر الكافي للكليني (2/627-628).
المظهر الثاني:
يتمثل بالفرق بين اهتمامهم بقراءة القرآن وبين القراءة على استشهاد الإمام الحسين - رضي الله عنه - في شهر محرم وغيره، من خلال تقديمهم للعشرات بل المئات من أصحاب الأصوات الجميلة المؤثرة التي تنوح وتلطم، في حين لم يقدموا لنا صوتاً واحداً جميلاً يتغنى بالقرآن كي يحببه إلى قلوب المسلمين- ولذا تراهم يتوجهون إلى القراء السعوديين والمصريين إن احتاجوا لذلك-، بل أني أجزم من خلال معايشتي لهم بأن صاحب الصوت الجميل لو توجه للقرآن لما وجد قبولاً ونجاحاً في الأوساط الشيعية من خلال الإقبال على أشرطته، بخلاف مالو توجه للنياحة واللطم فسرعان ما يحقق نجاحاً كبيراً، بما يدل دلالة قاطعة على توجههم إلى القراءة على استشهاد الإمام الحسين - رضي الله عنه -، وعزوفهم وإعراضهم عن قراءة القرآن وتشجيع المسلمين على قراءته.
فهذه أهم المظاهر التي تتجلى فيها ضعف العاطفة والمحبة لشخص النبي - صلى الله عليه وسلم - بسبب قضية الإمامة التي ظهر خطرها عليها، فلو لم يكن في الإمامة إلا هذا الخطر على ركن النبوة – والمتمثل بتقليلها لمحبة النبي - صلى الله عليه وسلم - عما أوجبه الشرع له – لكان حريٌّ بالمسلم أن يتنكَّر لها ويرفضها بشدة كي تصفو له محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - دون مشارك فيها أو قادح يقللها، فكيف إذا انضاف إليها ما تقدم من خطر الحطّ من شرف النبوة وقدرها، وخطر نسفها لختم النبوة بنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فالخطب عندها أدهى وأمرّ.(75/122)
بما يجعلهم في قفص الإتهام الشرعي بتهمة هدمهم لركن النبوة من خلال حطِّهم من قدرها وشرفها، وهذه التهمة ثابتة في حقهم حتى مع التسليم بصحة التفريق المذكور- بثبوت صفة الوحي للنبي دون الإمام – فلن تعفيهم محاولتهم تلك من التهمة الثابتة عليهم بنصوص علمائهم.
القسم الثاني
بعد أن أعرضنا في القسم الأول عن تمحيص دعوى التفريق التي ذكرتموها باختصاص النبي بصفة الوحي وتكليم الملك دون الإمام، آن لنا أن نثبت بطلانها من خلال سوقنا لمرويات ونصوص علمائكم التي أثبتت هذه الصفة للإمام صراحةً أو ضمناً وكما يلي:
أولاً:أن الملك يُحَدِّث الإمام ويكلمه
فمن رواياتكم التي أثبتت هذا والتي نقلناها من أصح الكتب عندكم وهو الكافي للكليني (1):
1- عن محمد بن مسلم قال ذكر المحدث عند أبي عبد الله عليه السلام فقال : إنه يسمع الصوت ولا يرى الشخص فقلت له : جعلت فداك كيف يعلم أنه كلام الملك ؟ قال : إنه يعطي السكينة والوقار حتى يعلم أنه كلام ملك .
2- عن حمران بن أعين قال : قال أبو جعفر عليه السلام إن عليا عليه السلام كان محدثا ، فخرجت إلى أصحابي فقلت : جئتكم بعجيبة ، فقالوا : وما هي؟ فقلت : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول ، كان علي عليه السلام محدثا فقالوا : ما صنعت شيئا ألا سألته من كان يحدثه ، فرجعت إليه فقلت: إني حدثت أصحابي بما حدثتني فقالوا : ما صنعت شيئا ألا سألته من كان يحدثه ؟ ، فقال لي : يحدثه ملك.
3-عن زرارة قال : سألت أبا جعفر عليه السلام ... قلت : الامام ما منزلته ؟ قال : يسمع الصوت ولا يرى ولا يعاين الملك.
__________
(1) ينظر أصول الكافي الجزء الأول حيث وردت الرواية الأولى والثانية ص270، بينما وردت الرواية الثالثة ص176 والخامسة ص264.(75/123)
4-عن بريد العجلي قال : سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن الرسول والنبي والمحدث ، قال : والمحدث الذي يسمع كلام الملائكة وينقر في اذنه وينكت في قلبه(1).
5- عن ابي عبد الله (ع) انه قال: ان علمنا غابر ومزبور ونكت في القلوب ونقرٌ في الاسماع، فقال اما الغابر فما تقدم من علمنا، واما المزبور فما يأتينا، واما النكت في القلوب فالهام، واما النقر في الاسماع فأمر الملك].
وهذه الروايات متضمنة لمعنى الوحي لأن نزول الملك وتكليمه للإمام لا يكون من تلقاء نفسه وإنما بأمرٍ من الله تعالى كما قال تعالى على لسان الملائكة { وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً } (مريم:64).
ثانياً:أن الملك الذي يكلم الإمام هو جبريل عليه السلام
وهذا يثبت صفة الوحي للإمام بوضوح أقوى من سابقه لأن ملك الوحي هو جبريل عليه السلام وهو أمين السماء، وقد أثبت الشيعة أنه هو الملك الذي يكلم الإمام ويسمع الإمام كلامه وحديثه،فمن نصوصكم في ذلك:
1-لقد اعترف آيتكم العظمى جعفر سبحاني بأن الملك الذي يكلم الإمام في الروايات هو جبريل عليه السلام حيث قال في مفاهيم القرآن(4/390): [ الظاهر أن المراد من الملك في هاتيك الروايات هو جبرئيل].
2-يقول فيلسوفهم صدر الدين الشيرازي في كتابه (الحجة) بأن جبريل هو روح القدس وذلك ص91:[ جبرائيل هو المسمى بروح القدس]، ثم أثبت بأن الإمام يسمع كلام الله تعالى بواسطة روح القدس أي بواسطة جبريل فقال ص93: [ قوله"والإمام هو الذي يسمع الكلام ولا يرى الشخص" أي يسمع كلام الله بواسطة الروح القدسي سماعاً في اليقظة لكن بصورة الألفاظ، ولا يرى الواسطة متمثلة متشخصة لا في اليقظة ولا في النوم أيضاً]
__________
(1) بحار الأنوار - العلامة المجلسي ج26 ص74.(75/124)
3-نستطيع أن نتيقن بأنه جبريل لأنه نفس الملك الذي كان يُكَلِّم الأنبياء والمرسلين كان يكلم الإمام، لأن الروايات أثبتت أنه نفس الملك لا غيره وهو جبريل عليه السلام.
4-هناك روايات عديدة تثبت أن جبريل عليه السلام كان ينزل على الإمام ويكلمه أكثر من مرة وفي أكثر من حادثة،فمنها:
أ- عن حمران بن أعين قال : قلت لابي عبد الله عليه السلام : جعلت فداك بلغني أن الله تبارك وتعالى قد ناجى عليا عليه السلام قال : أجل قد كان بينهما مناجاة بالطائف نزل بينهما جبرئيل(1).
ب-عن عبد الله بن أبي يعفور قال : قلت لابي عبد الله عليه السلام : إنا نقول : إن عليا لينكت في قلبه أو يوقر في صدره ، فقال : إن عليا كان محدثا ، قال : فلما أكثرت عليه قال : إن عليا كان يوم بني قريظة وبني النظير كان جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره يحدثانه(2).
ج-عن رفاعة بن موسى ، عن أبي عبد الله عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يملي على علي عليه السلام صحيفة فلما بلغ نصفها وضع رسول الله رأسه في حجر علي عليه السلام ثم كتب علي عليه السلام حتى امتلات الصحيفة ، فلما رفع رسول الله رأسه قال : من أملى عليك يا علي ؟ فقال : أنت يا رسول الله ، قال : بل أملى عليك جبرئيل(3).
د- عن ابن سدير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سمعته يقول : دعا رسول الله صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام ودعا بدفتر ، فأملى عليه رسول الله صلى الله عليه وآله بطنه واغمي عليه ، فأملى عليه جبرئيل ظهره ، فانتبه رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : من أملى عليك هذا يا علي ؟ فقال : أنت يارسول الله ، فقال : أنا أمليت عليك بطنه وجبرئيل أملى عليك ظهره ، وكان قرآنا يملي عليه(4).
__________
(1) بحار الأنوار للمجلسي ج39ص157.
(2) بحار الأنوار للمجلسي ج40 ص140-141.
(3) بحار الأنوار للمجلسي ج39 ص152.
(3) بحار الأنوار للمجلسي ج39 ص152.(75/125)
والرواية الأخيرة تصرح بأن الذي أملاه جبريل على علي رضي الله عنه كان قرآناً فهل يوجد أصرح من ذلك على أن الوحي حاصل للإمام.
ثالثاً:مفهوم النبوة والوحي متحقق في الإمام ولم ينفَ عنه إلا اسمها
وهذا ثابت وبكل صراحة في الرواية الثابتة في نهج البلاغة وهذا نصها: [ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أمه يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما ويأمرني بالاقتداء به . ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الاسلام غير رسول الله صلى الله عليه وآله وخديجة وأنا ثالثهما . أرى نور الوحي والرسالة ، وأشم ريح النبوة ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه صلى الله عليه وآله، فقلت يا رسول الله ما هذه الرنة ؟ فقال هذا الشيطان أيس من عبادته . إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلا أنك لست بنبي ولكنك وزير وإنك لعلى خير](1)، ويمكن إثبات ذلك من وجهين:
الأول:
وهو المتعلق بقوله[إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى]، فهي تثبت بأن الإمام يسمع ويرى الوحي كالنبي - صلى الله عليه وسلم - حذو القذة بالقذة دون أدنى فرق بينهما، وهذا يبطل زعمك بأن الوحي هو الفارق بين النبي والإمام لأنه متحقق في الإمام بنص الرواية، وإليك اعتراف علمائك عند شرحهم لهذه العبارة:
__________
(1) نهج البلاغة - خطب الامام علي - رضي الله عنه - ج2 ص 157-158 خطبة 234.(75/126)
1-يقول ابن ميثم البحراني:[وروي عن الصادق عليه السلام أنه قال:كان علي عليه السلام يرى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل الرسالة الضوء ويسمع الصوت]، وقال في نفس الصفحة:[ويؤيد ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - حين سأله عن ذلك (انك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلا أنك لست بنبي) فإنه شهد له في ذلك بالوصول إلى مقام سماع الوحي وكلام الملك وصوت الشيطان وسائر ما يراه - صلى الله عليه وسلم - ويسمعه](1)، فهو يصرح بوصول الإمام إلى مقام يسمع فيه كلام الوحي والملك والشيطان، ولم يحصر السماع في ذلك بل زاد عليه وأطلقه بكل ما يراه ويسمعه النبي - صلى الله عليه وسلم - دون أدنى فرق، فأين الفرق بالله عليكم يا منصفين؟!!!
2-يقول حبيب الله الهاشمي الخوئي:[ما أشار إليه بقوله(انك تسمع ما أسمع وترى ما أرى) ظاهر هذا الكلام يفيد أن الإمام يسمع صوت الملك ويعاينه كالرسول](2).
3-يقول الحسيني الشيرازي:[ثم قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - لعلي عليه السلام (أنك تسمع ما أسمع) من صوت الوحي ورنة الشيطان وما أشبه،(وترى ما أرى) من صورة الملائكة والشيطان](3) (3/224).
الثاني:
__________
(1) المصباح (الشرح الكبير) ميثم البحراني(4/318).
(2) منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة – للميرزا حبيب الله الهاشمي الخوئي(12/42-43).
(3) توضيح نهج البلاغة- للسيد محمد الحسيني الشيرازي(3/244).(75/127)
بالإضافة لما تقدم من نص الرواية وتصريح العلماء، فإن الذي يؤكد أن مفهوم النبوة متحقق في الإمام هو النفي الوارد في الرواية بقوله(إلا أنك لست بنبي) وهذا يؤكد أن الوصف المتقدم ينطبق على مفهوم النبوة تماماً مما اضطره لنفي الإسم عنه بعد ثبوت الوصف له، فيقول حبيب الله الخوئي حول النفي الوارد:[ ولما كان ظاهر قوله - صلى الله عليه وسلم - (أنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى) موهماً للمساوات بينه عليه السلام وبينه - صلى الله عليه وسلم - استدرك ذلك بقوله(إلا أنك لست بنبي)](1)، ويقول الموسوي:[ثم لما أشار إلى أن الإمام يسمع كما يسمع النبي ويرى مثلما يرى، ولما كان يخشى أن يظن أحد بتساويهما نفى عنه النبوة](2).
بمعنى أدقّ أن نفي النبوة عن الإمام ليس من جهة عدم اتصافه بالنبوة وعدم تحقق مفهومها فيه، بل من جهة أخرى وهي كونه - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيين فلا يجوز أن يطلق اسم النبي على أحد بعده(3)، وإلا فوصف النبوة متحقق في علي رضي الله عنه بنص الرواية وتصريح العلماء من سماعه ورؤيته للوحي وكلام الملك.
وهكذا تبين لنا من خلال الوجهين أن مفهوم النبوة متحقق في الإمام بنص الرواية ولم ينفِ عنه إلا اسم النبوة دون حقيقتها لتستيقن بأن الخلاف بيننا لفظي فقط مع الاتفاق على الحقيقة والمفهوم.
رابعاً: إن الاتصال بالسماء لم ينقطع بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه ثابت للأئمة
__________
(1) منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (12/42).
(2) شرح نهج البلاغة- للسيد عباس علي الموسوي(3/348).
(3) ولذا ينقل حبيب الله الخوئي في شرحه السابق للنهج(12/43) قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي - رضي الله عنه - :[ وقال - صلى الله عليه وسلم - لولا أني خاتم النبيين لكنت شريكاً في النبوة]، وقال البحراني في شرحه(4/318) ناقلاً نفس الحديث:[ وقال له الرسول - صلى الله عليه وسلم - لولا أني خاتم النبيين لكنت شريكاً في النبوة].(75/128)
وهذا قد صرح به عالمكم محسن الخرازي معتمداً على ما ورد عندكم من روايات، وذلك حين أورد اعتراضاً على ختم النبوة بأن فيه حرماناً البشر من رحمة الاتصال بالملأ الأعلى، فقال إن هذا الاتصال ثابت للأئمة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم ينقطع حيث قال في كتابه(بداية المعارف الإلهية) (1/281):[ ومنها أن لازم ختم النبوة هو قطع ارتباط الأمة مع المبدأ الأعلى، وفيه أن الارتباط بالمبدأ الأعلى لا ينحصر في النبوة إذ الارتباط بواسطة الأئمة (ع) ميسور وممكن بل واجب، إذ الإمامة غير منقطعة إلى يوم القيامة، والإمام محدث والملائكة تتنزل إليهم وتخبرهم بما يكون في السنة من التقدير والقضاء والحوادث وبأعمال العباد وغير ذلك، لتواتر الروايات الدالة على ذلك، من جملتها ما روي عن الباقر عليه السلام :(إن أوصياء محمد عليه وعليهم السلام محدثون) أصول الكافي(1/270) ].
فهو يثبت الوحي للأئمة بكل صراحة، لأنه نفى حصول انقطاع الاتصال بالسماء بعد رحيل النبي - صلى الله عليه وسلم - مؤكداً استمراره وثبوته للأئمة، وبما أن الاتصال الذي كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - في السماء هو الوحي فهو إذاً بعينه ثابت للأئمة ولم ينقطع بموت النبي - صلى الله عليه وسلم - .
خامساً: أن الأئمة يعلمون أخبار السماء صباحاً ومساءاً عن طريق الملك(75/129)
لقد صرحتم بأن الإمام يعرف أخبار السماء صباحاً ومساءً وهذا إما أن يكون عن طريق وحي ظاهر وهو الملك أو باطن وهو الإلقاء في القلب ولكنكم قد اثبتم له الوحي الظاهر وهو تكليم الملك للإمام(1) وهذا هو معنى الوحي الذي ينزل على الانبياء، ولكنكم لم تثبتوا هذا للامام فحسب، بل جعلتم منع الله تعالى لهذا الوحي (وهو إخبار الامام بأخبار السماء والارض صباحاً ومساءً عن طريق الملَك) عن الامام منافٍ لرحمته ولطفه بعباده، وبالتالي يكون القول بانقطاع الوحي بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - ينافي رحمة الله تعالى بعباده ولطفه بهم، فمن رواياتكم التي أثبتم فيها نفس المعنى الذي نقول به ما يلي:-
أ-ذكر الكليني في (الكافي) ج1 ص261 الحديث (3): [عن جماعة بن سعد الخثعمي انه قال: كان المفضل عند ابي عبد الله (ع) فقال له المفضل: جعلت فداك يفرض الله طاعة عبد على العباد ويحجب عنه خبر السماء؟ قال: لا، الله اكرم وارحم وارأف بعباده من ان يفرض طاعة عبد على العباد ثم يحجب عنه خبر السماء صباحاً ومساءً].
ب-ذكر ايضاً ص262 الحديث (6): [عن ابي حمزة قال: سمعت ابا جعفر (ع) يقول: لا والله لا يكون عالم (العالم الذي افترض الله طاعته) جاهل ابداً، عالماً بشيء جاهلاً بشيء، ثم قال: الله اجل واعز وأكرم ان يفرض طاعة عبد يحجب عنه علم سمائه وارضه، ثم قال: لا يحجب ذلك عنه].
وهذا هو بعينه الذي أثبته الخرازي، إذ أثبت أن الاتصال بالسماء عن طريق الملائكة حاصل للأئمة وهذا بلا شك هو مفهوم الوحي.
سادساً: إن روح القدس الذي به تحمل النبوة ينتقل من النبي إلى الإمام
__________
(1) فقد روى الكليني عدة روايات تثبت تكليم الملك للإمام ذكرناها في النقطة الأولى في هذا القسم .(75/130)
وقد أثبتم هذه الروح أي روح القدس في رواياتكم والتي ميزتموها عن باقي الأرواح بأنها لا تسهو ولا تلهو وبها يعلم النبي والإمام أنباء الغيب من تحت عرش الرحمن إلى ما تحت الثرى كما- عبر عنه شارح الكافي عند تعليقه على الرواية الثانية الآتية - وهناك مزية أخرى لروح القدس وهي أن النبوة تحمل بها فبروح القدس تُحمل النبوة- حيث صرح بذلك في الرواية الثالثة- والفاجعة التي سيُصاب بها القارئ حين يعلم أن هذه الروح التي تحمل بها النبوة قد انتقلت إلى الإمام كما ورد في الرواية الثالثة بقوله:[ وروح القدس فبه حمل النبوة فإذا قبض النبي صلى الله عليه وآله انتقل روح القدس فصار إلى الامام]، بمعنى أن الإمام سيحمل النبوة عن طريق روح القدس التي انتقلت إليه فكيف تزعمون بأنكم لم تثبتوا النبوة للإمام، ومن الروايات حول "روح القدس" هذه ما رواه الكليني في الكافي ج1ص271-272:
1- عن جابر الجعفي قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : يا جابر إن الله تبارك وتعالى خلق الخلق ثلاثة أصناف وهو قول الله عزوجل : " وكنتم أزواجا ثلاثة فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشئمة ما أصحاب المشئمة والسابقون السابقون اولئك المقربون " فالسابقون هم رسل الله عليهم السلام وخاصة الله من خلقه ، جعل فيهم خمسة أرواح أيدهم بروح القدس فبه عرفوا الاشياء ، وأيدهم بروح الايمان فبه خافوا الله عزوجل وأيدهم بروح القوة فبه قدروا على طاعة الله ، وأيدهم بروح الشهوة فبه اشتهوا طاعة الله عزوجل وكرهوا معصيته ، وجعل فيهم روح المدرج الذي به يذهب الناس ويجيؤون ، وجعل في المؤمنين وأصحاب الميمنة روح الايمان فبه خافوا الله ، وجعل فيهم روح القوة فبه قدروا على طاعة الله ، وجعل فيهم روح الشهوه فبه اشتهوا طاعة الله ، وجعل فيهم روح المدرج الذي به يذهب الناس ويجيؤون .(75/131)
2 - عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته عن علم العالم ، فقال لي : يا جابر إن في الانبياء والاوصياء خمسة أرواح : روح القدس وروح الايمان وروح الحياة وروح القوة وروح الشهوة ، فبروح القدس يا جابر عرفوا ما تحت العرش إلى ما تحت الثرى ، ثم قال : يا جابر إن هذه الاربعة أرواح يصيبها الحدثان إلا روح القدس فإنها لا تلهو ولا تلعب .
3 - عن المفضل بن عمر ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن علم الامام بما في أقطار الارض وهو في بيته مرخى عليه ستره ، فقال : يا مفضل إن الله تبارك وتعالى جعل في النبي صلى الله عليه وآله خمسة أرواح : روح الحياة فبه دب ودرج ، وروح القوة فبه نهض وجاهد ، وروح الشهوة فبه أكل وشرب وأتى النساء من الحلال ، وروح الايمان فبه آمن وعدل ، وروح القدس فبه حمل النبوة فإذا قبض النبي صلى الله عليه وآله انتقل روح القدس فصار إلى الامام ، وروح القدس لا ينام ولا يغفل ولا يلهو ولا يزهو والاربعة الارواح تنام وتغفل وتزهو وتلهو ، وروح القدس كان يرى به(1).
سابعاً: مفهوم العصمة يتضمن إثبات الوحي وهي متحققة في الإمام
إن مفهوم العصمة متضمن معنى الوحي من خلال إخباره وتصويبه للمعصوم، فيذكر الدكتور عبد الهادي الحسني في كتاب (العصمة) ص71: [أي ان الائمة يوحى اليهم وإلا كيف تكون العصمة؟! أما قال الله عز وجل وهو يخبر عن عصمة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وكونها بالوحي {والنجم اذا هوى ما ضلّ صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى} وهذه هي العصمة، ثم قال بعدها مبيناً علتها (وسببها) {ان هو إلا وحي يوحى} عن طريق جبريل (ع) الذي اخبر عنه بقوله تعالى بعدها {علمه شديد القوى} النجم (1-5)].
ثامناً: لم تثبتوا نزول الوحي فقط على الإمام بل زدتم عليه
__________
(1) قال محقق الكتاب:[يعنى ما غاب عنه في اقطار الارض وما في عنان السماء وبالجملة ما دون العرش إلى ما تحت الثرى] .(75/132)
فقد أثبتم للأئمة نزول ملك هو أعظم من جبريل عليه السلام أي لم تكتفوا بنزول جبريل على الإمام لأن هذا في نظركم شئ مشترك بينهم وبين الأنبياء، وبما أنكم تعتقدون علو منزلة أئمتكم على منزلة الأنبياء وأنها أعظم منها، فلا بد أن تضيفوا إليهم تَنَزُّل ملائكة أعظم من جبريل لتؤصلوا وتجَذِّروا معتقدكم بالتفضيل أي إن الأنبياء كان ينزل عليهم جبريل فإن أئمتنا – مع نزول جبريل عليهم (1)–ينزل عليهم ملك هو أعظم من جبريل ولم يكن مع من مضى من الأنبياء(2)، وهذا الملك يدعى الروح وهو أعظم من جبريل وميكائيل فمن الروايات التي أثبتت ذلك والتي وردت في كتاب الكافي للكليني ج1ص273 ما يلي:
1 - عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله تبارك وتعالى : " وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدرى ما الكتاب ولا الايمان " قال : خلق من خلق الله عزوجل أعظم من جبرئيل وميكائيل ، كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله يخبره ويسدده وهو مع الائمة من بعده .
2 - عن أسباط بن سالم قال : سأله رجل من أهل هيت - وأنا حاضر - عن قول الله عزوجل : " وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا " فقال : منذ أنزل الله عزوجل ذلك الروح على محمد ، صلى الله عليه وآله ما صعد إلى السماء وإنه لفينا .
3 - عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل : " يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي " قال : خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل ، كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وهو مع الائمة ، وهو من الملكوت .
__________
(1) كما أثبتنا ذلك من نزول جبريل عليه السلام على أئمتهم.
(2) بدليل العبارة التي وردت في نفس الحديث الذي سنذكره وهي قوله:[ لم يكن مع أحد ممن مضى، غير محمد صلى الله عليه وآله وهو مع الائمة يسددهم].(75/133)
4 - عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : " يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي " قال : خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل ، لم يكن مع أحد ممن مضى ، غير محمد صلى الله عليه وآله وهو مع الائمة يسددهم ، وليس كل ما طلب وجد .
وانظر بعين البصيرة لهذه العبارة عن هذا الملك الذي هو أعظم من جبريل وميكائيل حيث قال عنه:[ لم يكن مع أحد ممن مضى ، غير محمد صلى الله عليه وآله وهو مع الائمة يسددهم]، فهو غير موجود مع الأنبياء السابقين لتستيقن بأنكم تنزهون مرتبة الإمامة من أن تنحدر من عزها ورفعتها إلى مرتبة النبوة.
تاسعاً: مفهوم النبوة التبليغية وتعريفها ينطبق تماماً على إمامكم المعصوم
بعدما تبين لنا بما تقدم أنكم تثبتون الوحي للإمام المتمثل بتكليم جبريل له وإملائه عليه قرآناً وإخباره له بأخبار السماء صباحاً مساءاً(1)، بما يجعله في مصاف الأنبياء لتحقق مفهوم النبوة فيه، دون أدنى فرق معقول، وهذا التحقق يتأكد أكثر من خلال طرحكم مفهومين للنبوة وهما النبوة التشريعية والتبليغية على ما صرح به آيتكم العظمى جعفر سبحاني(2) والذي عرفهما بقوله:
__________
(1) قال علامتهم محمد جميل حمود مثبتاً الوحي للإمام بالإضافة لما تقدم في كتابه (الفوائد البهية)(2/102):[ فنزول جبرائيل عليه السلام والملائكة المقربين على نبينا محمد وعترته الطاهرة ... وعليه فوساطة جبريل أو روح القدس في علمهم في هذه النشأة]، وقال عن الوحي الذي ينزل على الرسل وأولي العزم(2/107):[ وهذا القسم من الوحي يشمل العترة الطاهرة أيضاً لقوله تعالى( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) (الانبياء:73).
(2) وذلك في كتابه(مفاهيم القرآن)جزء3 ص217-218.(75/134)
1- النبوة التشريعية: هي أن يبعث النبي بشريعة جديدة وكتاب جديد، وهذه قد انحصرت في خمسة ذكرت أسماؤهم في القرآن الكريم.
2- النبوة التبليغية: هي أن يبعث النبي لغاية الدعوة والإرشاد إلى أحكام وقوانين سنّها الله تعالى على لسان نبيه المتقدم، وهم الأكثرية من الأنبياء حيث بعثوا لترويج الدين الذي جاء به أولي العزم الخمسة.
ولو تأملنا التعريفين بتجرد وإنصاف نستطيع أن ننفي عن الإمام النبوة التشريعية لأنه لم يأتِ بشريعة جديدة غير شريعة نبينا - صلى الله عليه وسلم - - وهذا لم تتفردوا به لأننا مثلكم لم نقل أن القادياني جاء بشريعة جديدة - إلا أن النبوة التبليغية متحققة فيه تماماً بمفهومها الذي ذكرتموه ولا يمكنكم إيجاد فرق ظاهر ومقنع بينهما، وهذا التحقق يظهر بأمور منها:
الأول:
النبي التبليغي ينزل عليه الوحي وهذا متحقق في الإمام.
الثاني:(75/135)
إن وظيفة النبي هي بعينها وظيفة الإمام، وهي بيانه للشريعة وحفظها من التحريف لكي تصل إلى جميع المكلفين كاملة ناصعة، حيث قال جعفر سبحاني عن وظيفة النبي التبليغي وتعريفه:[ بأنه الذي يقوم بنشر الشريعة وجلائها وتجديدها لكي لا تندرس ويتم إبلاغها من السلف إلى الخلف باسلوب صحيح](1)، وفي الوقت نفسه أثبتم هذا للإمام، حيث يقول مرتضاهم الملقب بعلم الهدى:[ لأن أصحابنا قد ذكروا وجوه الحاجة إليه في ذلك . فمنها تأكيد العلوم وإزالة الشبهات. ومنها أن يبين ذلك ويفصله، وينبه على مشكله وغامضه . ومنها كونه من وراء الناقلين ليأمن المكلفون من أن يكون شئ من الشرع لم يصل إليهم](2)، وقال أيضاً:[ فيجب أن يكون من وراء ما ينقل إلينا بعد وفاته صلى الله عليه وآله من شريعته معصوم يتلافى ما يجري في الشريعة من زلل وترك الواجب] ، وقال أيضاً ناقلاً اعتراض القاضي عبدالجبار المعتزلي حيث قال:[ قال صاحب الكتاب: " فعند ذلك يقال لهم : إن شريعة النبي صلى الله عليه وآله وإن كان لا بد من أن تكون محفوظة فمن أين أنها لا تحصل محفوظة إلا بالإمام المعصوم؟]، فأجاب عنه بقوله:[ فقد بينا أن الحافظ ليس يخلو من أن يكون الأمة أو الإمام ، وأبطلنا أن تكون الأمة هي الحافظة فلا بد من ثبوت الحفظ للإمام وإلا وجب أن تكون الشريعة مهملة](3)، فانظر لهذا التطابق بين النبي التبليغي والإمام، حيث تحقق فيه مفهوم النبوة التبليغية تماماً دون أدنى فرق إلا اطلاق الاسم.
ثالثاً:
إن بعض أعلامكم حين أرادوا أن يفرِّقوا بين النبي- بمفهوميه التشريعي والتبليغي- والإمام، أوردوا تفرد النبي بالوحي التشريعي والنبوة التشريعية كفرق ظاهر وحد فاصل يميز النبي عن الإمام، فمن هؤلاء:
__________
(1) وذلك في كتابه(مفاهيم القرآن)جزء3 ص218.
(2) الشافي في الامامة ج1 - الشريف المرتضى ص75-76.
(3) الشافي في الامامة ج1 - الشريف المرتضى ص180-181.(75/136)
أ-يقول علامتكم محمد جميل حمود:[ ووجوب اللطف لا يختص بالأنبياء والمرسلين،بل يشمل الأوصياء والأولياء المنصوصين من قبل الله تعالى،لأن مهام هؤلاء كمهام أولئك بمناط واحد لا يختلفون عن بعضهم البعض إلا في تلقي الوحي التشريعي](1)، وقال في نفس الكتاب (2/97):[ فمما لا ريب فيه عند الإمامية،ان الإمام- كالنبي- قائم مقامه في جميع شؤونه إلا تلقي الوحي التشريعي]
ب-يقول فيلسوفكم الشيرازي:[لكن النبوة ختمت بالنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - أي نبوة الرسالة والتشريع، وبقيت الإمامة التي هي باطن النبوة إلى يوم القيامة](2)، وقال في نفس الكتاب ص97:[فإن هذه الأحوال السنية ... مما يقع فيه الاشتراك بين الأنبياء والرسل والمحدثين من هذه الأمة، بل أن الأرض ما خلت عن النبوة الباطنية إلا نبوة التشريع وإطلاق الإسم].
إلا أنهم غفلوا عن ان محاولة التفريق التي أوردوها غير تامة، لأنها تصح للتفريق بين النبي التشريعي فقط والإمام، ولكنها في الوقت نفسه تثبت الشراكة والتشابه التام- التطابق- بين النبي التبليغي والإمام في انتفاء الوحي التشريعي عنهما، وهذا منتهى الإفلاس والتخبط بأن توردوا ما تظنوه يخدمكم للتفريق، وهو في حقيقته ضدكم لتضمّنه التطابق والتشريك بين النبي والإمام، فمحاولتكم هذه قد انقلبت عليكم وهذا يظهر من وجهين:
1-أنها أثبتت التطابق التام بين النبي التبليغي والإمام، من خلال إفلاسكم من إيراد فرق صحيح بينهما.
__________
(1) الفوائد البهية في شرح عقائد الإمامية- العلامة محمد جميل حمود (2/71-72).
(2) كتاب الحجة- صدر الدين الشيرازي ص133.(75/137)
2-إن نفي الوحي التشريعي عن الإمام لم تتفردوا به، فنحن أيضاً لم نثبت الوحي التشريعي لنبينا غلام أحمد القادياني(1)، بمعنى أن محاولتكم هذه جاءت لتؤكد التطابق بيننا وليس التفريق!!! فمرحباً بالوفاق والاتفاق والتطابق بين نبينا التبليغي وإمامكم المعصوم.
عاشراً: علماء الشيعة صرحوا بأن الإمام يجب أن يتصف بصفات النبي
فقد صرحتم بوجوب اتصاف الإمام بصفات النبي لأنه نائب عنه فيجب أن يكون مماثلاً له تماماً- أي نسخة طبق الأصل – فممن صرح بذلك من علمائكم:
__________
(1) فينقل آية الشيعة محققهم جعفر سبحاني بأن القادياني لم يأتِ بشريعة جديدة بل نبوته تابعة لنبوة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وذلك في كتابه (المذاهب الإسلامية) تحت عنوان(عقيدته في الرسول وشريعته) ص366:[ إنه ادعى النبوة والرسالة على النحو الذي بيناه، ومع ذلك ادعى ان رسالته مؤيدة للإسلام لا ناسخة لشريعته، يقول: أما ما يطلب الله منكم من ناحية العقائد، هو أن تعتقدوا أن الله واحد لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله وهو خاتم الأنبياء وأفضلهم أجمعين فلا نبي بعده إلا من خلع عليه رداء المحمدية على وجه التبعية لأن الخادم لا يغاير مخدومه، ولا الفرع بمنفصل عن أصله]، ثم بيّن بأن نبوته التي ادعاها تنطبق تماماً تعريف النبي التبليغي المذكور فقال ص362-363: [ إن دعوته تمت باسم الإسلام، وأنها دعوة إصلاحية يبغي وراءها نفض كثبان الجهل والخرافة عن وجه الدين .. إن دعوته قائمة على إصلاح العالم والدعوة إلى الإسلام وتجديده .. أنه قد أرسل لإصلاح الخلق ليقيم هذا الدين في القلوب من جديد].(75/138)
1- قال عبد الحسين دستغيب في كتاب الامامة من سلسلة اصول الدين(2/6): [ يجب أن يكون الإمام مشابهاً للرسول - صلى الله عليه وسلم - تماماً]،وقال:[ فالنائب لأي شخص يجب أن يكون مماثلاً لذلك الشخص فخليفة الرسول - صلى الله عليه وسلم - يجب أن يماثل الرسول من حيث العلم والعمل، بحيث لو رآه أي شخص فكأنما رأى الرسول - صلى الله عليه وسلم -].
2-قال محمد تقي مصباح اليزدي ص331:[ الإمام الذي يمتلك خصائص نبي الإسلام ص كلها عدا النبوة والرسالة].
3-قال محسن الخرازي في (بداية المعارف الالهية) جزء1 ص11: [كما انه (أي الامام) يتصف بصفات النبي ايضاً لكونه خليفة له، فان كان النبي معصوماً فهو ايضاً معصوم…. وهكذا فالامام يقوم مقام النبي في جميع صفاته عدا كونه نبياً] ويقول ايضاً جزء2 ص40: [فكل ما كان النبي معصوماً عنه كذلك يكون الامام معصوماً عنه]،وقال(2/44):[ أن مقتضى كون الإمام قائماً مقام النبي في جميع شؤونه إلا تلقي الوحي، هو تخلقه بأخلاقه واتصافه بصفاته، إذ بدون ذلك لا يتم الإستخلاف والنيابة ومعه لا يتم اللطف، وهو نقض للغرض، ومخالف لمقتضى عنايته الأولى ورحيميته ] .
4- محمد رضا المظفر في (عقائد الامامية) ص104: [ونعتقد ان الامام كالنبي يجب ان يكون معصوماً].
5-قال عالمكم وأبرز أعلام المذهب علي بن موسى ين جعفر بن طاووس في كتاب (الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف) ص10 [وان القائم مقامه على صفات نبيه في العصمة، وكلما يجب له يجب للنائب من صفات الكمال] .
فأنتم توجبون أن يتصف الإمام بصفات النبي فكيف تقول لم نشركهم بالصفات.
الحادي عشر: تصريح علمائكم بأهلية الأئمة لمنصب النبوة لولا عقيدة ختم النبوة
فقد صرح علماء الشيعة بأن أئمتكم مستحقون لمنصب النبوة مؤهلون له والعقل يجوز نبوتهم إلا أن الشرع الذي صرح بختم النبوة منعهم من إطلاق اسم النبي عليهم، فممن صرح بذلك:(75/139)
1- المفيد في (اوائل المقالات) ص49-50 باب (القول في الفرق بين الرسل والانبياء): [وانما منع الشرع من تسمية أئمتنا بالنبوة دون ان يكون العقل مانعاً من ذلك] أي لولا الشرع لأطلقوا على أئمتهم لفظة النبي لان العقل يجوزه.
2- قال هبة الدين الشهرستاني في(أوائل المقالات)ص178:[وما يدريك أن لو كانت النبوة باقية مستمرة لكانت النبوة في هؤلاء متسلسلة فما قصروا عنها إلا لمانع في الحكمة الالهية العامة لا لقصور في استعداد هؤلاء خاصة ، والله أعلم بحقائق الامور.
3-قال السيد أمير محمد كاظم القزويني في كتابه(الشيعة في عقائدهم وأحكامهم) ص73 حول استحقاق الأئمة للنبوة والمانع منه هو ختم النبوة:[ولا يرد عليه بأنه إذا كانت مرتبة الإمامة فوق مرتبة النبوة كان افتراق الإمامة عنها منافياً لهذا القول لأنه مردود باستحقاق المرتبة العالية وهي الإمامة متفرع على استحقاق المرتبة التي هي دونها أي النبوة وهذا الاستحقاق ثابت في الأئمة من البيت النبوي - صلى الله عليه وسلم - وإنما كان المانع عنها هو مرتبة ختم النبوة الثابتة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -] .
الثاني عشر:تصريح فيلسوفكم الشيرازي بأن الإمامة هي نبوة باطنية وأنهما حقيقة واحدة
فقد اعترف صدر الدين الشيرازي في كتابه(الحجة) بأن الإمامة نبوة باطنية وهي متفقة في حقيقتها مع النبوة، فمن أقواله:
1- صرح بأن الإمامة هي باطن النبوة فقال ص133:[ لكن النبوة ختمت بالنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - أي نبوة الرسالة والتشريع، وبقيت الإمامة التي هي باطن النبوة إلى يوم القيامة]، وقال ص97:[فإن هذه الأحوال السنية ... مما يقع فيه الاشتراك بين الأنبياء والرسل والمحدثين من هذه الأمة، بل أن الأرض ما خلت عن النبوة الباطنية إلا نبوة التشريع وإطلاق الإسم].(75/140)
2- قال ص51:[ فيجب أن لا تنقطع الإمامة التي هي والنبوة حقيقة واحدة بالذات متغايرة بالإعتبار عن ذريته، بل لا بد أن لا ينقطع معنى النبوة وما يجري مجراه عن وجه الأرض أبداً كما توضح سابقاً].
الثالث عشر: آخر قاصمة للظهر صرح بها المجلسي بأن عقولهم لم تستطع الوقوف على فرق مقنع بين النبي والإمام
فمسكين مجلسيُّكُم هذا رغم أنه خاتمة محدثي الشيعة وألف كتاب (بحار الأنوار) والذي طبع مؤخراً فبلغت مجلداته (110) مجلد لتتصور سعة علمه واطلاعه على المذهب بمروياته ونصوص علمائه، بعد أن أجهد نفسه ليجد فرقاً حقيقياً مقنعاً- وليس فرقاً لفظياً أو شكلياً – بين النبي وإمامهم المعصوم عجز عن ذلك لأن أوصافهم متطابقة تماماً – كما نقلنا قدراً منها آنفاً – فبعد أن غاص في بحار روايات الشيعة ونصوص علمائهم والتي بلغت (110) أبحر- أي بعدد مجلدات كتابه – والجهد المضني الذي بذله كتب لنا تقريره النهائي واعترافه الخطير الذي يعد بمثابة كلمة الفصل وصفعة قوية لكل من يزعم وجود فرق حقيقي بين النبي وإمام الشيعة، بأن عقولهم لم تصل إلى فرق بيِّن ظاهر بين النبي والإمام(1)
__________
(1) والذي يدل على هذه الحقيقة- بعدم وجود فرق حقيقي بين النبي وإمام الشيعة- بالإضافة لما تقدم هو أن شيخهم الكليني الملقب عندهم بثقة الإسلام لما حاول أن ينفي عنهم النبوة لم يجد دليلاً قوياً ومقنعاً يدعم به نفي النبوة عنهم بعدما أثبتوا له كل صفات الأنبياء بل تزيد، مما جعله ينفي عنهم النبوة بكل برود وسلبية لعدم قناعته بهذا النفي ويتجلى هذا البرود من خلال عنوان الباب الذي ساقه لنفي النبوة عنهم حيث عنونه بقوله(باب في ان الائمة بمن يشبهون ممن مضى وكراهية القول فيهم بالنبوة)، فانظر إلى هذا التساهل والبرود في التعبير تجاه من يدعي النبوة في الأئمة وهو كراهية قول ذلك فيهم، إذ المفروض أن يكون العنوان (كفر أو لعن من يقول ذلك فيهم) وليس الكراهة بما يثبت عدم قناعته بوجود فرق مقنع ولذا لمَّح به من خلال العنوان- على العكس من المجلسي الذي صرح بذلك-
وبقي هنا سؤال نذكر القراء به متعلق بقول الكليني بكراهية القول فيهم بالنبوة والسؤال هو:
ماذا يقصد الكليني بهذه الكراهة بقوله(وكراهية القول فيهم بالنبوة) فهل هي كراهة لتنزيه مرتبة النبوة من ان يرتقي إليها الإمام، أم هي لتنزيه مرتبة الامام من ان تنحدر من شموخها وعليائها ورفعتها فتهبط لكي تساوي مرتبة النبي التي هي أدنى بكثير من مرتبة الإمام؟!!!
وقد بينا أن جواب هذا السؤال هو أن هذه الكراهة لتنزيه مرتبة الإمام من أن تهبط لمرتبة النبوة فراجعه في هذا الفصل.(75/141)
واستغرب أيضاً لعدم وجود جهة وعلة مقنعة لعدم اتصافهم بالنبوة إلا جهة واحدة وهي أن الشرع قال لا أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيين،فقال:[ وبالجملة لا بد لنا من الاذعان بعدم كونهم عليهم السلام أنبياء وبأنهم أشرف وأفضل من غير نبينا ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من الانبياء والاوصياء ولا نعرف جهة لعدم اتصافهم بالنبوة إلا رعاية جلالة خاتم الانبياء ، ولا يصل عقولنا إلى فرق بيِّن بين النبوة والامامة ، وما دلت عليه الاخبار فقد عرفته(1)، والله تعالى يعلم حقائق أحوالهم صلوات الله عليهم أجمعين](2).
وهكذا أكملت ثلاثة عشر وجهاً أبطلت فيها محاولتك للتفريق بين النبي والإمام بفارق الوحي، وكل واحد من هذه الوجوه كافٍ لوحده على أن يجعل محاولة التفريق هباءاً منثوراً، فكيف لو اجتمعت جميعها، وبنقضي لمحاولتك أكون قد وصلت إلى نهاية المناظرة والحوار والتي سأخرج منها بثلاث نتائج تمثل خلاصة الحوار وهي:
النتيجة الأولى
لا يمكنك الرد على أدلتي وتفنيدها لأنها نفس الأدلة العقلية التي استدل بها علماؤك ليثبتوا صحة معتقدكم في الإمامة، فأنتم بين أمرين أحلاهما مر، فاختاروا إما أن تنقادوا لدعوتنا نحن القاديانيون بمقتضى ما انتهى إليه الحوار والمناظرة، أو أن تتخلوا عن أدلتكم العقلية التي ساقها علماؤكم وأساطينكم وعندها وجب عليكم اعتناق عقيدة أخرى غير عقيدتكم التي ظهر ضعفها وهشاشتها.
النتيجة الثانية
__________
(1) فقال عن الأخبار التي ذكرت الفرق بين النبي والإمام قبل هذا الكلام بقليل:[ بيان : استنباط الفرق بين النبي والامام من تلك الاخبار لا يخلو من إشكال وكذا الجمع بينها مشكل جدا].
(2) بحار الأنوار للمجلسي ج26ص82، وكرر نفس الكلام بنصه في كتابه(مرآة العقول) الذي شرح به كتاب الكافي للكليني وذلك في ج2ص290.(75/142)
تبين لك ولجميع المسلمين مدى التطابق التام بين عقيدتنا في النبوة وعقيدتكم في الإمامة فهما يخرجان من مشكاة واحدة ويمثلان وجهين لعملة واحدة، فقد تطابقت نظريتينا تمام المطابقة من حيث الأدلة لأنها نفس الأدلة العقلية، ومن حيث صفات المرشد الإلهي- نبينا وإمامكم المعصوم – لأنها نفس الصفات وقد تجلى هذا بوضوح من خلال عجزك عن إيجاد فرق حقيقي بينهما من خلال المناظرة، وحقيقة التطابق هذه خافية على كثير من المسلمين إلا أن الحوار الذي دار بيننا قد أظهرها بكل وضوح ليعلم الجميع حقيقة معتقدكم في الإمامة لأن ظاهرها برئ وأما باطنها فقد وقفت على ما فيه من أنها تدعوا إلى وجوب استمرار النبوة ولكن تحت غطاء الإمامة أي فقط رفعتم لفظ النبي ووضعتم بدلاً عنه لفظة الإمام وما عدا هذا الخلاف اللفظي فلا يوجد فرق يذكر.
النتيجة الثالثة
ظهر بصورة قطعية وبالنصوص الصريحة أنكم معاشر الشيعة قد تنقصتم وحططتم من قدر مرتبة النبوة وشرفها، لأنكم نزهتم الإمام من أن يهبط وينحدر من رفعة مرتبة الإمامة وشموخها وعليائها إلى مرتبة النبوة الأدنى، وهذا ما ترفعنا عنه نحن ولم نجرؤ عليه..
الخاتمة
وفي ختام هذه الدراسة أتمنى أن أكون قد وفِّقت لبيان الخطر الذي تخفيه نظرية الإمام المعصوم لدى الشيعة على أصل النبوة وخاتميته بنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - رزقنا الله شفاعته،لأن حقيقتها تدور بين احتمالين لا ثالث لهما:
الاحتمال الأول:
أن واضعها كان غرضه الأول هو القول باستمرار النبوة ولكنه بخبث وخفاء غلَّفها بلفظ الإمام المعصوم لتنطلي على الجهلة وتلقى القبول بين الناس، وليسلم من هجمة علماء المسلمين عليه بدعوى أنه لم يصرح باستمرار النبوة،بما يجعلها في مصاف العقائد الهدامة التي تهدف للقضاء على الإسلام عن طريق التشكيك بعقائده وأصوله ومسلماته، فاتحاً الباب على مصراعيه لمن يستطيع أن يغرف من هذا الأصل بخفاء ..
الاحتمال الثاني:(75/143)
أن واضعها لم يكن غرضه القول باستمرار النبوة،بل هي مجرد نظرية استحسنها بعقله فاعتقدها ثم أخذ يسوق لها من الأدلة ما يثبت به صحتها، فغرضه كان منصبّاً على إثباتها والدفاع عنها، وهذا الاندفاع جعله لا يتنبَّه ولا يتدبر عواقبها والنتائج الخطيرة التي ستفرزها والتي من أبرزها وأخطرها هي تهديد عقيدة ختم النبوة لأنها ستكون سلاحاً يستخدمه مدعو استمرار النبوة وجسراً يعبرون عليه لنشر باطلهم بين المسلمين كما تبين في هذه الدراسة، وهذا سيجعله في مصاف الفرق الهدامة أيضاً التي تهدف للقضاء على الإسلام عن طريق التشكيك بعقائده وأصوله ومسلماته(1)
__________
(1) ومن الطريف أن أنقل ما قاله آيتهم العظمى جعفر سبحاني في كتابه (المذاهب الإسلامية) الذي يدعي فيه التطابق بين دعوة القاديانية والبابية البهائية من وجهين الأول أن كلاً منهما تهدفان إلى إنكار ختم الرسالة، والثاني أن كلاً منهما مدعومتان من قبل الاستعمار فقال ص367-368:[ وبما أن الدعوة القاديانية كانت بمقربة من الدعوة البابية والبهائية، وكلتا الدعوتين تهدفان إلى إنكار ختم الرسالة والنبوة وتأويل قوله سبحانه(وخاتم النبيين) بزينة النبيين، يبعث الاطمئنان على أن الديانتين أو المسلكين كانا مؤيدين من قبل الاستعمار، فالبابية وليدة الاستعمار الروسي، والقاديانية وليدة حماية الاستعمار الانجليزي]، فما هو يا ترى موقف الامريكان واليهود من فرقة الشيعة الامامية وخصوصاً في العراق بعد احتلالهم لهذا البلد المسلم أليس هو التطابق مع موقف الانكليز والروس من القاديانية والبابية؟!!! وخير جواب عن غفلته عن التطابق بينهم وبين القاديانية –الذي بينته هذه الدراسة- هو قول نبينا فيما يرويه ابن حبان في صحيحه(31/73):[ عن أبى هريرة قال? قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه وينسى الجذع في عينه]، ويعلق ابن منظور في (لسان العرب)(15/174) على الحديث بقوله:[ ضربه مثلا لمن يرى الصغير من عيوب الناس ويعيرهم به وفيه من العيوب ما نسبته إليه كنسبة الجذع إلى القذاة]. – يحتاج إعادة صياغة فقط ضروري.(75/144)
.
فعلى كلا الاحتمالين هي خطر حقيقي على الإسلام وأهله، وأسأل الله تعالى أن يتنبه المسلمون للخطر الكامن فيها فيحذرها من لا يعتقدها ويتأملها الذي يعتقدها لعله يقلل من اندفاعه في الدفاع عنها ويتدبرها من جديد بعد وقوفه على هذا الخطر الكامن فيها بتهديدها لركن النبوة وخاتميته.
وأخيراً أسأل الله تعالى أن يتقبل مني هذه الدراسة التي دافعت فيها وذِدْتُ بها عن شرف النبوة وخاتميتها المقدسة بنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - رزقنا الله تعالى شفاعته وحشرنا معه برحمة أرحم الراحمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
مصادر الدراسة
1. الاختصاص- الشيخ المفيد-الناشر جماعة المدرسين في الحوزة العلمية.
2. الإرشاد للشيخ المفيد –مؤسسة الأعلمي للمطبوعات–الطبعة الثالثة 1979.
3.أصول العقائد في الإسلام -السيد مجتبى اللاري–مركز نشر الثقافة الإسلامية في العالم – قم – الطبعة السادسة 1424هـ.
4.الأصول من الكافي تأليف ثقة الإسلام أبى جعفر محمد بن يعقوب بن اسحاق الكليني الرازي - صححه وعلق عليه على اكبر الغفاري - الناشر دار الكتب الإسلامية مرتضى آخوندى تهران- بازار سلطاني- الطبعة الثالثة (1388).
5.الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد شيخ الطائفة الفقيه الاكبر أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي 385 - 460 منشورات مكتبة جامع چهلستون - طهران
6.الألفين في إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام العلامة الحلي جمال الدين الحسن بن يوسف المطهرمكتبة الألفين الكويت – الطبعة الأولى 1405 ه - 1985 م مكتبة الألفين : بنيد القار – الكويت
7.الإمامة- الشيخ محمد حسن آل ياسين -منشورات المكتب العالمي-بيروت
8.الأنوار الإلهية في المسائل العقائدية- آية الله العظمى الميرزا جواد التبريزي- دار الصديقة الشهيدة- الطبعة الثانية 1382هـ-إيران – قم.(75/145)
9.الأنوار الجلالية-المقداد السيوري-الطبعة الأولى 1420هـ- مؤسسة الطبع التابعة للآستانة الرضوية المقدسة
10.الأنوار النعمانية - السيد نعمة الجزائري - مطبعة شركت بنجاب - تبريز – ايران.
11.أوائل المقالات تأليف الامام الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان ابن المعلم ابي عبد الله، العكبري، البغدادي (336 - 413 ه) دار المفيد طباعة - نشر - بيروت. لبنان الطبعة الثانية 1414 هجرية - 1993 ميلادية.
12.بحار الانوار الجامعة لدرر أخبار الائمة الاطهار تأليف العلم العلامة الحجة فخر الامة المولى الشيخ محمد باقر المجلسي - مؤسسة الوفاء بيروت - لبنان - الطبعة الثانية المصححة 1403 ه - 1983 م.
13. بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية-محسن الخرازي-مؤسسة النشر الإسلامي-الطبعة الحادية عشرة
14. بداية المعرفة في علم الكلام-الشيخ حسن مكي العاملي-دار المغرب -بغداد
16.التبيان في تفسير القرآن –محمد بن الحسن الطوسي المتوفي سنة 460هـ -مطبعة مكتب الإعلام الإسلامي- الطبعة الأولى 1409هـ
17.تفسير القران العظيم الامام الحافظ عماد الدين ، أبو الفداء اسماعيل بن كثير القرشى الدمشقي المتوفى سنة 774 ه دار المعرفة بيروت - لبنان 1992 م - 1412 هـ.
17.تلخيص الشافي للطوسي – مطبعة الآداب في النجف – الطبعة الثاني 1963.
18.تنزيه الانبياء تصنيف ابى القاسم على بن الحسين الموسوي المعروف بالشريف المرتضى " المتوفى سنة 436 ه " دار الاضواء الطبعة الثانية 1409 ه. - 1989 م.
19.توضيح نهج البلاغة- للسيد محمد الحسيني الشيرازي- طهران- دار تراث الشيعة
20.الحكومة الإسلامية- الخميني- تعليق محمد أحمد الخطيب- دارعمان للنشر- الطبعة الأولى 1988م.
21.دراسة عامة في الإمامة-للعلامة الشيخ إبراهيم الأميني-مؤسسة أنصاريان 1996م
22. دروس في العقائد الإسلامية-مكارم الشيرازي-مدرسة الإمام علي بن أبي طالب 1419هـ(75/146)
23. دروس في العقيدة الإسلامية-محمد تقي مصباح اليزدي
24.رسائل الشريف المرتضى * تأليف: الشريف المرتضى * تقديم: السيد أحمد الحسيني * إعداد: السيد مهدي الرجائي * نشر: دار القرآن الكريم - قم * طبع: مطبعة سيد الشهداء - قم * التاريخ: 1405 ه .
25.الرسائل العشر - شيخ الطائفة الطوسي - تحقيق واعظ زاده الخراساني - الناشر جامعة المدرسين - قم 1404هـ.
26.رسائل المحقق الكركي - المجموعة الأولى * المؤلف: المحقق الثاني الشيخ علي بن الحسين الكركي * تحقيق: الشيخ محمد الحسون * الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي قم * الطبع: مطبعة الخيام قم * الطبعة: الأولى * التاريخ: 1409 ه ق.
27.رسالة في مسائل الخلاف للسيد حسن بن سيد احمد الاسكندري- مخطوطة
سلسلة أصول الدين-عبدالحسين دستغيب-مؤسسة دار الكتاب الجزائري-الطبعة الثانية1425هـ
28.الشافي في الإمامة - الشريف المرتضى قدس سره - الناشر : مؤسسة الصادق - طهران * الطبعة : الثانية تاريخ النشر : 1410 ه . ق
29.الشافي في شرح أصول الكافي- عبدالحسين المظفر – مطبعة الغري الحديثة- النجف
30.شرح نهج البلاغة- السيد علي عباس الموسوي- بيروت- دار الرسول- الطبعة الأولى 1418هـ
31.الشيعة في عقائدهم وأحكامهم-أمير محمد الكاظمي القزويني-الطبعة الأولى-الكويت
32.صراط النجاة استفتاءات لآية الله العظمى الخوئي (قدس سره) مع تعليقة وملحق لاية الله العظمى التبريزي (دام ظله الوارف) الطبعة: الاولى في الجمهورية الإسلامية الايرانية جمادي الاول 1416 ه .
33.صورتان متضادتان لابي الحسن الندوي – طبعة سنة 1985.
34.الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف تأليف العالم العابد الزاهد رضي الدين أبي القاسم علي بن موسى ابن طاوس الحلي المتوفى سنة 664 ه - مطبعة الخيام - قم 1399 ه
35.العصمة – الدكتور عبد الهادي الحسفي – دار المرتضى للطباعة والنشر – الطبعة الاولى 1997.(75/147)
36.عقائد الامامية – محمد رضا المظفر – دار الزهراء للطباعة والنشر – بيروت لبنان – الطبعة الثالثة.
37.عيون أخبار الرضا للشيخ الاقدم والمحدث الاكبر أبي جعفر الصدوق محمد بن على بن الحسين بن بابويه القمى قده المتوفى سنه 381 صححه وقدم له وعلق عليه العلامة الشيخ حسين الاعلمي الجزء الاول منشورات مؤسسة الاعلمي للمطبوعات بيروت - لبنان - الطبعة الاولى 1404هـ.
38.الفصول المهمة في أصول الائمة - محمد بن الحسن الحر العاملي تحقيق واشراف : محمد بن محمد الحسين القائيني الناشر : لمؤسسة معارف إسلامي امام رضا ( ع ) تاريخ النشر : الاولى - 1418 ه . ق . ( 1376ه . ش)
39.الفصول المهمة في تأليف الأمة المؤلف: العلامة السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي الناشر: قسم الإعلام الخارجي المؤسسة البعثة الطبعة: الأولى.
40.الفوائد البهية في شرح عقائد الإمامية-للعلامة الشيخ محمد جميل حمود-دار الفقه للطباعة والنشر-الطبعة الأولى 1425هـ
41.القادياني والقاديانية لابي الحسن الندوي – الدار السعودية للنشر – الطبعة الثالثة 1967.
42.القاديانية والاستعمار الانكليزي – عبد الله سلوم السامرائي – دار الرشيد للنشر 1981.
43.كتاب الحجة-صدر الدين الشيرازي-مؤسسة التاريخ العربي-الطبعة الأولى 2004م
44.كشف الأسرار- الخميني- دار عمان – الطبعة الثالثة 1988م.
45.كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد * مؤلف : علامة المحقق الخواجه نصير الدين طوسي * ناشر : انتشارات شكورى ، پاساژ قدس ، * الطبعة الرابعة1373هـ
46.كمال الدين وتمام النعمة المؤلف : الشيخ الجليل الاقدم الصدوق الناشر : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة - ايران التاريخ : محرم الحرام 1405
47.المجموعة الكاملة لمؤلفات محمد باقر الصدر- المجلد 11- دار التعارف للمطبوعات- بيروت – لبنان- سنة الطبع 1990م.
48.مختصر الصواعق المرسلة لابن القيم – دار الندوة الجديدة 1984.(75/148)
49.مرآة العقول-محمد باقر المجلسي-دار الكتب الإسلامية-طهران-بازار سلطاني
50.المذاهب الإسلامية- جعفر سبحاني – مؤسسة الصادق-الطبعة الأولى1423هـ.
51.المراجعات - السيد عبدالحسين شرف الدين - تحقيق حسين الراضي - الناشر الجمعية الإسلامية - الطبعة الثانية 1982م.
52.المسألة القاديانية لابي الاعلى المودودي.
53.المسلك في أصول الدين وتليه الرسالة الماتعية كلاهما تأليف نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن بن سعيد المحقق الحلي (ره ) 602 - 676 ه تحقيق رضا الأستادي الناشر : مجمع البحوث الإسلامية ، إيران - مشهد الطبعة : الأولى 1414 ق - 1373 ش
54.المصباح(الشرح الكبير)- ميثم البحراني- طهران – الطبعة الثانية 1404هـ
55.مفاهيم القرآن-جعفر سبحاني-مؤسسة الإمام الصادق-الطبعة الرابعة 1413هـ
56. الملل والنحل-جعفر سبحاني-الطبعة الثانية 1408هـ-مركز مديريت حوزة علمية-قم
57.منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة- الميرزا حبيب الله الهاشمي الخوئي- طهران – المكتبة الإسلامية- الطبعة الرابعة 1405هـ
58.موقف الامة الإسلامية من القاديانية لنخبة من علماء باكستان – مجلس تحفظ ختم النبوة.
59.النبوة والأنبياء في ضوء القرآن-أبو الحسن الندوي-مكتبة وهبة-الطبعة الثانية 1965م
60.النكت الاعتقادية- الشيخ المفيد-الطبعة الثانية 1993م-دار المفيد-بيروت
61.نور البراهين في أخبار السادة الطاهرين تأليف المحدث السيد نعمة الله الموسوي الجزائري تحقيق السيد الرجائي ـ طبع ونشر مؤسسة النشر الإسلامي ـ الطبعة الاولى التاريخ 1417 ه . ق .
62.وسائل الشيعة - الحر العاملي - الطبعة الإسلامية - تحقيق الشيخ عبد الرحيم الرباني الشيرازي - الناشر دار احياء التراث العربي – بيروت.
63.وسائل الشيعة - الحر العاملي - تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت لأحياء التراث - الطبعة الثانية 1404هـ، المطبعة قم مهر.(75/149)
64.الشيعة بين الحقائق والأوهام-السيد محسن الأمين العاملي-الغدير للطباعة والنشر-الطبعة الأولى 2001م.
65.شكوى القرآن- الشيخ محمد اليعقوبي- مركز الإمام المهدي للدراسات والتوزيع- سنة الطبع 2003م.
66.الإمامة وأهل البيت- السيد محمد باقر الحكيم- المركز الإسلامي المعاصر- الطبعة الاولى 2003م.
77. حق اليقين في معرفة أصول الدين – السيد عبدالله شبر- مؤسسة أنوار الهدى- الطبعة الثالثة 2005هـ(75/150)
أوجز الخطاب في بيان موقف الشيعة من الأصحاب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة على من لا نبي بعده محمد وعلى آله وصحبه .
وبعد
فإن الله تبارك وتعالى قد اختار نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم واختار له أصحابا وأصهارا مدحهم في كتابه الكريم في مواضع عديدة وأثنى عليهم وأرشد إلى فضلهم وبين أنهم خير الأمم رضوان الله تعالى عنهم.
وقد مدحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشاد بهم وأخبر بفضلهم ونص على أنهم خير قرون الأمة في قوله صلى الله عليه وسلم :"خير أمتي قرني"(1)وأوجب علينا محبتهم ونهانا عن بغضهم أو سبهم أو إيذائهم بأي نوع من أنواع الأذى فقال صلى الله عليه وسلم :"الله الله في أصحابي لاتتخذوهم غرضا بعدي (2) فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن ابغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله تبارك وتعالى ومن آذى الله فقد يوشك أن يأخذه(3).
__________
(1) صحيح البخاري واللفظ له 5/63 ك فضائل الصحابة الباب الأول منه وصحيح مسلم 4/ 1964 ك فضائل الصحابة باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم"
(2) والغرض هو الهدف الذي يرمى إليه ومراده عليه السلام من قوله نهى الناس عن التكلم في أصحابه أو الوقيعة فيهم فشرف صحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم توجب على الناس احترامهم وتوقيرهم والسكوت عما شجر بينهم
(3) أخرجه الترمذي في جامعه 5/ 358 ك المناقب باب من سب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقال هذا حديث حسن غريب وأحمد في مسنده 4/ 87،88 و 5/ 54-55 وابن حبان في صحيحه موارد الظمآن للهيثمي ص 568-569 ك المناقب ، باب فضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم والمقدسي في النهي عن سب الأصحاب 2/ب –3أ(76/1)
فإياك إياك يا محب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تبغض أصحابه فلئن أبغضتهم لقد دخلت في قوله :"ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم"فتكون مبغضا لرسولك صلى الله عليه وسلم فيا خسارتك ويا سوء عاقبتك إن كنت تبغض نبيك محمدا صلى الله عليه وسلم بل عليك يا من أحببت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحب من أحب حبيبك ومن أمرك بحبه فلقد كان صلى الله عليه وسلم لا يحب إلا طيبا ولا يأمر إلا بحب الطيبين صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين .
ولتعلم يا عبد الله أن سب صحابة نبيك صلى الله عليه وسلم أعظم جرما من بغضهم فأدنى أحوال الساب أن يكون مبغضا فلتحذر من ذلك ولتتأمل قول نبيك صلى الله عليه وسلم :"لا تسبوا أصحابي"(1)فستجد فيه النهي الواضح منه - عليه السلام - عن سب أصحابه رضوان الله تعالى عنهم عن سب أصحابه رضوان الله تعالى عنهم (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) (2).
ولقد اقتدى المسلمون الصادقون في إسلامهم برسولهم محمد صلى الله عليه وسلم فأحبوا صحابته ووقروهم وأجمعوا على سمو منزلتهم ورفعة شأنهم وعدالتهم وعدوا كل واحد من الصحابة عدلا إماما فاضلا فرض على المسلمين توقيره ومحبته والاستغفار له والاعتقاد بأن تمرة يتصدق بها أفضل من صدقة أحدهم دهره كله وحكموا على ساب الصحابة بالكفر إذا اشتمل سبه لهم على إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة أو اصطدم مع نص صريح (3)
__________
(1) صحيح البخاري 5/72 ك فضائل الصحابة باب منه وصحيح مسلم واللفظ له 4/ 1967- 1968 ك فضائل الصحابة باب تحريم سب الصحابة - رضي الله عنهم -
(2) سورة النور الآية 63
(3) أنظر المصادر الآتية : الشفاء في حقوق المصطفى للقاضي عياض 2/ 286. والصارم المسلول لابن تيمية ص 565 – 566 ، 586 – 587 . وبغية المرتاد له ص 343 –344 والمنتقى من منهاج الاعتدال للذهبي ص 536 –537 وتذكرة الحفاظ له 2/ 294 . ورسالة في الرد على الرافضة للتميمي ص8(76/2)
ومن أمثلة ذلك :
حكموا بكفر من قال بكفر الصحابة جميعا وارتدادهم إلا نفرا يسيرا لأنه قد عارض النصوص الصريحة التي أخبر الله تعالى بها برضاه عن الصحابة والتي أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فضلهم وأشاد بهم وبين مكانتهم إذ حال من عارض هذه النصوص كحال من كذب بها.
حكموا بكفر من كفر الشيخين أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما لأنه قد رد النصوص الكثيرة التي أجمعت على أنهما من أفضل المؤمنين ومن أهل عليين.
حكموا بكفر من نسب الصديقة الطاهرة عائشة إلى الفاحشة أو أنكر براءتها مما رماها به رأس المنافقين فهذا يقطع بكفره لأنه طعن في المبرأة من فوق سبع سماوات وكذب النص الصريح الذي حكم ببراءتها وخالف الله تعالى في قوله:"يعظكم الله ان تعودوا لمثله أبدا إن كنتم صادقين"(1)
وقد أجمع الناس على فضل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يخالف في ذلك إلا الشيعة الرافضة الذين أشرعوا سهامهم في وجه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فعمدوا إلى تشويه صورتهم المرضية وتسويد صحائفهم البيضاء النقية واتهامهم بالنفاق والخيانة والكذب وتكفيرهم بما هو صراحة بما فيهم أبو بكر وعمر وعثمان وبقية العشرة الذين بشرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة ومات وهو راض عنهم وغيرهم من سادات الصحابة وخيارهم رضي الله عنهم أجمعين.
وقد صدق عليهم قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (2) فضلت اليهود والنصارى على الرافضة بخصلتين : سئلت اليهود : من خير أهل ملتكم ؟ قالوا : أصحاب موسى . وسئلت النصارى : من خير ملتكم ؟ قالوا : حواري عيسى . وسئلت الرافضة : من شر ملتكم؟ قالوا : أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم . أمروا بالاستغفار لهم فسبوهم.... " (3).
__________
(1) سورة النور جزء من الآية 17
(2) وبعض هذا القول ثابت عن الإمام الجليل الفاضل الفقيه عامر بن شراحيل الشعبي رحمه الله
(3) منهاج السنة النبوية لابن تيمية 1 / 27(76/3)
فالشيعة لم يتبعوا في صنيعهم هذا كتاب الله ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما كان قدوتهم في ذلك: ابن السوداء عبدالله بن سبأ اليهودي الذي يعد أول من أحدث الطعن في الصحابة رضوان الله عليهم وكفرهم وأول من أظهر البراءة منهم باعتراف الشيعة أنفسهم" (1).
فابن سبأ اليهودي باعتراف الشيعة (2) هو أول من وضع نواة الرفض المشتمل على تكفير الصحابة وسبهم وأرسى قواعده وعنه أخذ الشيعة هذا المعتقد الباطل وغيره من المعتقدات الفاسدة التي خالفت كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ولم يكتف الشيعة باعتناق مذهب الرفض المشتمل على سب الصحابة فحسب بل عملوا على نشره والدعوة إليه سالكين في سبيل ذلك مختلف الطرق آخذين بشتى الوسائل والسبل في محاولة منهم لاستدراج الكثير من المسلمين الغافلين إلى هذا المذهب الفاسد تحت أغطية كثيرة منها إدعاؤهم حب أهل البيت وزعمهم أن الصحابة دفعوهم عن حقهم وغصبوهم إياه وتواطأوا على ظلمهم وغير تلك من المزاعم التي تعد عند أرباب العقول إفكا غير مقبول .
ولا ريب أن أهل بيت نبينا الطيبين الطاهرين بريئون كل البراءة من كل ما ألصقه بهم الشيعة وما نسبوه إليهم من معتقدات وبخاصة معتقد الرفض فهم يحبون الصحابة ويجلونهم ويحترمونهم وينزلونهم المنزلة التي يستحقونها .
__________
(1) أنظر المصادر الشيعية الآتية : مقالات الفرق لمحمد بن سعد القمي ص21 وفرق الشيعة للنوبختي ص 44 واختيار معرفة الرجال للطوسي ص 108-109 وتنقيح المقال للمامفاني 2/ 184 وغيرها من المصادر
(2) لاحظ الحاشية السابقة(76/4)
وفي هذا الزمان وبعد قيام دولة الرافضة ازداد خطر الشيعة واستفحل ضررهم وتفاقم شرهم في غفلة من أهل السنة وعدم انتباه منهم لهذه الموجه الفكرية الشرسة التي تحاول اصطياد العديد من أهل السنة وجرهم إلى معتقد الرفض ومحاولة غرس بغض الصحابة في قلوبهم كل ذلك بشباك يلقونها عليهم محملة بشتى أنواع الشبه التي لا يصمد جاهل إن لم يعصمه الله في وجهها.
وقد ازداد هذا الخطر رسوخا بجهل الكثير من أهل السنة بمعتقدات الشيعة وظنهم أن ما بيننا وما بين الشيعة من خلاف كالذي بين أتباع المذاهب الفقهية أي أنه خلاف في الفروع .
لذا أردت أن أوضح لإخواني المسلمين معتقدا من معتقدات الشيعة الكثيرة التي خالفوا فيها أهل السنة أشد المخالفة ألا وهو اعتقادهم كفر الصحابة - رضي الله عنهم - وارتدادهم وقولهم بوجوب سبهم وبغضهم وذلك كي يكونوا على حذر من شبهاتهم محترزين عن التكلم في أصحاب نبيهم أو سبهم أو الوقيعة فيهم وبذلك يتضح الصبح لدى العينين وتتجلى الحقائق لذوي العقول فيتنبه الغافلون من غفلتهم ليتعرفوا على معتقد الشيعة في أفضل جيل عرفته البشرية ألا وهو جيل الصحابة وفي أفضل الناس بعد الأنبياء والمرسلين ألا وهم صحابة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته أجمعين والتابعين ومن تبعهم إلى يوم الدين .
ولله در القائل :
لاتركنن إلى الروافض إنهم
لعنوا كما بغضوا صحابة أحمد
حب الصحابة والقرابة سنة
احذر عقاب الله وارج ثوابه
شتموا الصحابة دونما برهان
وودادهم فرض على الإنسان
ألقى بها ربي إذا أحياني
حتى تكون كمن له قلبان(76/5)
ومن هنا جاء الكتاب مبينا بإيجاز معتقد الشيعة في الصحابة من كتب القوم أنفسهم بلا واسطة وفي هذا إقامة الحجة عليهم وإلزام لهم بما هو مسطور في كتبهم التي امتدحوها ومدحوا مصنفيها وشهدوا لمن سطر ما فيها من معتقدات بالاستقامة وحسن المعتقد وقد جاء هذا الكتاب مقسما إلى مجالس تلقي الضوء على معتقد الشيعة الإثني عشرية في الصحابة بإيجاز .
المجلس الأول
دعوى الشيعة الإثني عشرية ارتداد الصحابة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا يرتاب مسلم صادق في إسلامة في سمو منزلة الصحابة وفضلهم ورفعة شأنهم قوم اختصهم الله تبارك وتعالى لصحبة أفضل رسله محمد صلى الله عليه وسلم فصدقوه وآزروه ونصروه واتبعوا النور الذي جاء به فتلقوه عذبا زلالا وسائغا فراتا من مشكاة النبوة وأخلصوا دينهم لله وبذلوا فيه سبيله المهج والأرواح والغالي والنفيس والأموال والأولاد فشادوا بنيانه وأكملوا صرحه وفتحوا البلاد وهدوا العباد فكانوا بذلك أهلا لرضوان الله ومحبته ورحمته وجنته فكانوا خير أمة أخرجت للناس وخير القرون.
ثم الشيعة الإثنا عشرية بعدما تبين لهم فضل أولئك الصحب الأبرار والخيرة الأطهار يزعمون أن هؤلاء الكرام البررة رضي الله تعالى عنهم قد ارتدوا جميعا على أدبارهم القهقرى إلا نفرا يسيرا منهم رجحوا أنهم ثلاثة : وهم سلمان وأبو ذر والمقداد استثنوهم من عداد من ارتد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال التستري -من كبار علمائهم- :"كما جاء موسى للهداية وهدى خلقا كثيرا من بني إسرائيل وغيرهم فارتدوا في أيام حياته ولم يبق فيهم أحد على إيمانه سوى هارون(ع) كذلك جاء محمد صلى الله عليه وسلم وهدى خلقا كثيرا لكنهم بعد وفاته ارتدوا على أعقابهم".(1)
__________
(1) إحقاق الحق للتستري ص 316(76/6)
ولئن سألت الشيعة أدلة جلية ألجأتهم إلى هذا القول لرأيتهم قد افتروا أقوالا ونسبوها –زورا وبهتانا- إلى من يدعون أنهم أئمة لهم أمثال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ومحمد بن علي الباقر وجعفر بن محمد الصادق وموسى بن جعفر الكاظم وغيرهم .
فمن الأقوال التي نسبوها إلى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - :"أن الناس كلهم ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم غيرأربعة"(1) زادوا عمار بن ياسر - رضي الله عنه - علىالثلاثة السابقين-.
ومن الأقوال التي نسبوها إلى محمد بن علي الباقر رحمه الله:"كان الناس أهل ردة بعد النبي إلا ثلاثة" (2)، و"ارتد الناس إلا ثلاثة نفر"(3).
وقد وصف الشيعة أسانيد هذه الروايات أنها معتبرة (4).
وهناك روايات أخرى مكذوبة ملأ الشيعة بها كتبهم ونسبوها –كذبا وبهتانا- إلى عدد من أئمتهم (5).
ولا ريب أن هؤلاء الأئمة الطيبين بريئون من ذلك وما نسبه إليهم الشيعة هو محض إفك مفترى والحق أنه قد كذب على أئمة أهل بيت نبينا صلى الله عليه وسلم أكثر مما كذب على غيرهم حتى شكا الأئمة –وعلى رأسهم جعفر الصادق- من ذلك .
__________
(1) أنظر السقيفة لسليم بن قيس ص 92 والأنوار النعمانية للجزائري 1/81
(2) روضة الكافي للكليني ص 115 وتفسير العياشي 1/199واختيار معرفة الرجال ص 6-8-11 ، وانظر علم اليقين للكاشاني 1 / 743-744 ، وتفسير الصافي له 1/148-305، وقرة العيون له ص 426، والبرهان للبحراني 1/ 319، وبحار الأنوار للمجلسي 6/749، وحياة القلوب له 2/837، والدرجات الرفيعة للشيرازي ص 223، وحق اليقين لعبدالله شبر 1/ 218-219
(3) المصادر السابقة نفسها
(4) أنظر تفسير الصافي للكاشاني 1/148، وقرة العيون له ص 426، وحق اليقين لشبر 1/ 218
(5) راجع في ذلك كتابي : موقف الشيعة الإثني عشرية من الصحابة رضي الله عنهم(76/7)
وقد بين الإمام جعفر بن محمد الصادق رحمه الله-إمام الشيعة السادس- ذلك بقوله :"إنا أهل بيت صادقون لا نخلو من كذاب يكذب علينا ويسقط صدقنا –بكذبه علينا- عند الناس"(1).
أضف إلى ذلك معارضة هذه المزاعم-ما زعمه الشيعة من ارتداد الصحابة- لما أخبر الله به تبارك وتعالى من أنه رضي عن الصحابة في غيرما موضع من كتابه الكريم وأمر بالاستغفار لهم والمؤمن المطيع المتبع لا يصنع كصنيع الشيعة مع الصحابة أمروا بالاستغفار لهم فسبوهم بل يستغفر لهم ويترضى عنهم ويعتقد أن ما نحن فيه من نعمة فهو من جهودهم - رضي الله عنهم - وجهادهم ونتائج أعمالهم الطيبة المباركة وثمرة لما قدموه من مال وولد في سبيل نصر دين الله ونشره وإعلاء كلمة الله حتى لا يعبد أحد سواه .
والله تبارك وتعالى أخبر أنه رضي عن الصحابة الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة بقوله:"لقد رضي الله عن المؤمنين إذا يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا"(2).
__________
(1) اختيار معرفة الرجال للطوسي ص 108 وتنقيح المقال للمامقاني 2/184، ومعجم رجال الحديث للخوئي 1/202
(2) سورة الفتح الآية 18(76/8)
وكانت عدتهم - رضي الله عنهم - ألفا وثلاثمائة باعتراف الشيعة أنفسهم (1) ولم يرتد منهم أحد فكيف يجوز الشيعة أن يرضى الله عز وجل عن أقوام ويحمدهم وهو يعلم أنهم سيرتدون على أعقابهم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ بل وكيف يزعمون بعد هذا الإخبار أن الصحابة ارتدوا إلا نفرا يسيرا؟ إلا أن يقولوا : إن الله لم يعلم ذلك حتى وقع فإن قالوها فقد عرضوا أنفسهم للعنة أحد الأئمة –المعصومين عندهم- جعفر الصادق الذي لعن من قال : إن الله لا يعلم الشيء حتى يكون(2) ودعا عليه بالخزي فقال :"من قال هذا أخزاه الله"(3).
والآية عامة في الرضا عن المبايعين تحت الشجرة تشمل جميع المبايعين فـ(إذ) في قوله (إذ يبايعونك) ظرف وسواء أكانت ظرفا محضا أم كانت ظرفا فيها معنى التعليل فإنها تدل على تعلق الرضا بجميع المبايعين فعلم أنهم جميعا من المرضي عنهم .
وخلاصة القول : أن دعوى الشيعة ارتداد الصحابة أمر قائم على الهوى وليس لديهم دليل نقلي صحيح ولا عقلي صريح يسوغ لهم الإقدام على مثل هذا الادعاء الخطير .
اللهم اعصمنا بالتقوى واحفظ علينا حبنا لصحابة نبيك صلى الله عليه وسلم كما ترضى يا رب العالمين .
المجلس الثاني
دعوى الشيعة الإثني عشرية نفاق أكثر الصحابة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم
لم يكتف الشيعة الإثني عشرية بنسبة الصحابة - رضي الله عنهم - إلى الإرتداد بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بل زعموا أن أكثرهم أظهروا الإسلام و أضمروا الكفر في حياته عليه السلام .
__________
(1) انظر مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب المازندراني 2/22، والبرهان للبحراني 4/ 196-197
(2) أسنده إليه الكشي الشيعي في كتابه معرفة الرجال، (اختيار معرفة الرجال للطوسي ص 151)
(3) أسنده الكليني في كتابه الكافي . (الأصول من الكافي للكليني 1/148(76/9)
قال التستري –من علماء الشيعة- عن الصحابة :"إنهم لم يسلموا بل استسلم الكثير رغبة في جاه رسول الله .... إنهم داموا مجبولين على توشح النفاق وترشح الشقاق"(1).
والمتأمل لهذا القول يسخر من سفاهة هذا الشيعي وسوء رأيه إذ أي مال أو منصب أو شيء من حطام الدنيا كان لديه - عليه السلام - وقومه قد رموه من قوس واحدة وتآمروا على قتله وقتل من معه من صحابته وأذاقوهم من العذاب ألوانا وأنزلوا بهم من الكربات ما الله به عليم مما لا يصبر عليه صناديد الرجال وهم ثابتون مقيمون على إسلامهم قابضون على دينهم ولو تركوه صلى الله عليه وسلم وتركوا دينه لأكرمهم المشركون وأعطوهم حتى يعطوهم من حطام الدنيا ولكن نظرتهم لم تكن إلى هذه الفانية بل كانت نظرة عميقة إلى ما وراء هذه الحياة مما أعد الله لهم فلا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .
وكان الواحد منهم يلقى في رمضاء مكة في الأيام الشديدة الحر وتوضع عليه الصخور والأحجار الكبيرة حتى يرجع عن دينه فلا يزيده هذا إلا ثباتا على أمر الله ومضيا على الحق ولسان حاله يقول لعتاة المشركين وجبابرتهم :"اقض ما أنت قاض إنما تقض هذه الحياة الدنيا" ولو قال لهم كلمة واحدة أحسوا منها أنه مستعد لترك دينه لأغدقوا عليه وأعطوه ولكنه الإيمان إذا لامس بشاشة القلوب يلتحم به التحاما لا يمكن فكه إلا أن يشاء الله .
فقل لي بربك يا مسلم : هل هذه من صفات المنافقين وهل هؤلاء الأبرار منافقون كما زعم الشيعة؟!.
__________
(1) إحقاق الحق للتستري ص3(76/10)
وقد أكد حسن الشيرازي –وهو من الشيعة المعاصرين- نفاق أكثر الصحابة وتساءل عن سبب قبول النبي صلى الله عليه وسلم للمنافقين في صفوف المؤمنين؟ ثم أجاب نفسه بقوله :"إنه لم يكن من صالح النبي صلى الله عليه وآله وسلم منذ فجر الإسلام أن يقبل المخلصين فقط ويرفض المنافقين وإنما كان عليه أن يكدس جميع خامات الجاهليه ليسيج بها الإسلام عن القوى الموضعية والعالمية التي تظاهرت ضده فكان يهتف :"قولوا لا إله إلا الله تفلحوا".... إلى أن قال : - ولم يكن للنبي أن يرفضهم وإلا لبقي هو وعلي وسلمان وأبو ذر والعدد القليل من الصفوة المنتجيين"(1).
ثم استرسل حسن الشيرازي في حديثه عن الصحابة فقال :"غير أنهم تكاثروا مع الأيام وعلى إثر كثرتهم استطاع رؤوس النفاق أن يتسللوا إلى المراكز القيادية فخبطوا في الإسلام خبطا ذريعا كاد أن يفارق واقعه لولا أن تداركه بطله العظيم علي بن أبي طالب - عليه السلام - .."(2).
ومراده برؤوس النفاق : أبو بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - فهم الذين عناهم الشيعي بقوله :"استطاع رؤوس النفاق..".
وهذه المزاعم التي فيها طعن واضح برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لم يكن يهتم بالكيف بل كان جل اهتمامه منصبا على الكم –على حد زعم هذا الشيعي- فكان على حد ما زعم يجمع الناس دون اهتمام منه بسلامة عقيدتهم وصدق رغبتهم في الدخول في الإسلام ليقاتل بهم القوى الموضعية والعالمية وكان هذا الشيعي لا يدرك أن المنافقين من أشد القوى الموضعية خطرا على الدين وعلى أتباعه المسلمين المتربصين بهم الدوائر . وكأنه لا يعلم أيضا أن المنافقين ممن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بجهادهم في قوله تعالى :"يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم"(3).
__________
(1) الشعائر الحسينية لحسن الشيرازي ص 8-9
(2) المصدر نفسه ص 10
(3) سورة براءة ، جزء من الآية 73(76/11)
وقال المامقاني –من الشيعة- :"إن من المعلوم بالضرورة بنص الآيات الكريمة وجهود الفساق و المنافقين في الصحابة بل كثرتهم فيهم وعروض الفسق بل الارتداد لجمع منهم في حياته ولآخرين بعد وفاته.."(1).
وقول المامقاني بوجود المنافقين في صفوف الصحابة صحيح لكن زعمه كثرتهم من الكذب إذ لو كانوا كثيرين كما زعم هو وأسلافه لأحاطوا برسول الله وصحابته وقضوا عليهم وأقاموا دولة حال ظهور الإسلام دون قيامها ولكنهم كانوا قلة حقيرة وشرذمة قليلة لم يكن لهم حول ولا طول وقوة عقيدة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقفت حاجزا منيعا بينهم وبين مخططاتهم وسورا عاليا منعهم من تحقيق مآربهم لذلك لذلك لم تصدر منهم إلا أقوال يسيرة دلت على أفئدتهم وما يعتمل في نفوسهم من حقد دفين نحو الإسلام ورسوله وأصحابه .
وهناك أقوال أخرى كثيرة صدرت عن الشيعة تحاول إلصاق تهمة النفاق بصحابة أطهار أبعد ما يكونون عن الاتصاف بها (2).
ولست أدري كيف تتفق هذه الأقوال مع ما ذكره الشيعة في كتبهم . ونسبوه إلى أئمتهم من مدح للصحابة رضوان الله عليهم وثناء عليهم ووصف لهم بصفات لا يتصف بها المنافقون منها :
قول علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - مخاطبا من كان في جيشه يحكي لهم عن إخوانه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم :"فقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وآله فما أرى أحدا يشبهه منكم لقد كانوا يصبحون شعثا غبرا وقد باتوا سجدا وقياما ويراوحون بين جباههم وخدودهم ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم كأن بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم وإذا ذكر الله هملت أعينهم حتى تبل جيوبهم مادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف خوفا من العقاب ورجاء للثواب"(3).
__________
(1) تنقيح المقال للمامقاني 1/213
(2) انظر على سبيل المثال لا الحصر : تفسير القمي 2/186، والبرهان للبحراني 3/299، وتفسير الصافي للكاشاني 2/342، وقرة العيون له ص 416-420
(3) ذكره الشريف الرضي في نهج البلاغة ص 143(76/12)
فهل هذه صفات المنافقين الذين وصفهم الله تبارك وتعالى بقلة الذكر لله وتكاسلهم في أداء الصلاة وخداعهم لله ورسوله وللمؤمنين بقوله :"إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا"(1)؟ اللهم لا .
وتأمل كذلك قول جعفر الصادق –رحمه الله- فيهم :"كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله اثني عشر ألفا ثمانية آلاف من المدينة وألفان من مكة وألفان من الطلقاء ولم ير فيهم قدري ولا حروري ولا معتزلي ولا صاحب رأي كانوا يبكون الليل والنهار ويقولون اقبض أرواحنا من قبل أن نأكل خبز الخمير"(2).
فهل هذه صفات المنافقين ؟؟!! اللهم لا.
ولكن الشيعة أعرضوا عن أقوال أئمتهم واتبعوا أهواءهم وما تمليه عليهم معتقداتهم الفاسدة ويبدلوا قولا غير الذي قيل لهم .
وخلاصة القول : أن الصحابة رضوان الله تعالى عنهم كانوا من أبعد الناس عن الإتصاف بصفة النفاق بل كانوا يخافون النفاق فيفرون منه إلى أقوالهم وأفعالهم وقد كانوا - رضي الله عنهم - مدركين أن الدخول في النفاق يسلبهم اسم الإسلام ولقب الصحبة الشريف الذي يحملونه .
المجلس الثالث
إنكار الشيعة الإثني عشرية لعدالة الصحابة - رضي الله عنهم -
__________
(1) سورة النساء الآية 142
(2) أسنده إليه الصدوق في كتابه الخصال 2/639-640(76/13)
لا يشك مسلم في أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم أمناء هذه الأمة وحملة الشريعة ونقلتها إلى الأمناء من بعدهم لا يحتاج واحد منهم إلى توثيق أو تعديل وكيف وقد أثنى عليهم ربهم وإلههم جل وعلا ثناء يقطع لهم بالعدالة والوثاقة في آيات كثيرة من كتابه الكريم مثل قوله تعالى :"كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله"(1) وقوله جل وعلا :"وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس"(2) والوسط العدل والصحابة أول من يدخل في شمول الخطاب أضف إلى ذلك الكثير من الآيات التي أثنى الله تعالى من خلالها على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين فضلهم وأخبره برضاه عنهم وكذلك إثبات الخيرية لهم من رسولهم صلى الله عليه وسلم ونهيه عن سبهم ومعلوم أن إنكار عدالتهم سب لهم ونشره لفضائلهم ومناقبهم كل ذلك مما يستلزم العدالة لهم دون توقف .
قال محمد بن أحمد الحنبلي – الشهير بابن النجار- :"إن من أثنى الله سبحانه وتعالى عليه بهذا الثناء كيف لا يكون عدلا؟ فإذا كان التعديل يثبت بقول اثنين من الناس فكيف لا تثبت العدالة بهذا الثناء العظيم من الله سبحانه وتعالى ومن رسوله صلى الله عليه وسلم"(3).
__________
(1) آل عمران الآية 110
(2) البقرة الآية 143
(3) شرح الكوكب المنير لابن النجار 2/475(76/14)
وقال الخطيب البغدادي رحمه الله –بعدما ذكر جملة من فضائل الصحابة - رضي الله عنهم -- :"كلها مطابقة لما ورد في نص القرآن وجميع ذلك يقتضي طهارة الصحابة والقطع على تعديلهم ونزاهتهم فلا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله تعالى لهم المطلع على بواطنهم إلى تعديل أحد من الخلق له.... على أنه لو لم يرد من الله عز وجل ورسوله فيهم شيء مما كرناه لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد والنصرة وبذل المهج والأموال وقتل الآباء والأولاد والمناصحة في الدين وفوة الإيمان واليقين القطع على عدالتهم والاعتقاد لنزاهتهم وأنهم أفضل من جميع المعدلين والمزكين الذين يجيئون من بعدهم أبد الآبدين وهو مذهب كافة العلماء"(1).
فالحكم بتعديل الصحابة - رضي الله عنهم - مبني على تعديل الله تعالى وتعديل رسوله صلى الله عليه وسلم لهم ولسنا نحتاج بعد تعديل الله تعالى وتعديل رسوله صلى الله عليه وسلم لهم إلى تعديل أحد أيا كان .
ولكن الشيعة الإثني عشرية رغم هذا البيان الواضح من الله تعالى ومن رسوله صلى الله عليه وسلم أنكروا عدالة الصحابة جملة وتفصيلا وزعموا أن حكم الصحابة من حيث العدالة كحكم غيرهم ليس لهم مزية على غيرهم –فهم على حد زعمهم- قوم من الناس لهم ما للناس وعليهم ما على الناس.
قال المجلسي –شيخ الدولة الصفوية ومرجع الشيعة المعاصرين- في معرض حديثه عن عدالة الصحابة بعد أن ذكر قول أهل السنة فيها:"وذهبت الإمامية إلى أنهم –أي الصحابة- كسائر الناس من أن فيهم العادل وفيهم المنافق والفاسق الضال بل كان أكثرهم كذلك" (2) أي كان أكثر الصحابة منافقا وفاسقا وضالا –على حد قوله-.
__________
(1) الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي ص 48-49
(2) بحار الأنوار للمجلسي 8/8 ونقله عنه المعلق على كتاب الإيضاح لابن شاذان ص 49 وعلى كتاب أمالي المفيد ص 38(76/15)
وقال الشيرازي –من الشيعة- :"حكم الصحابة عندنا في العدالة حكم غيرهم ولا يتحتم الحكم بالإيمان والعدالة بمجرد الصحبة ولا يحصل بها النجاة من عقاب النار وغضب الجبار إلا أن يكون مع يقين الإيمان وخلوص الجنان فمن علمنا عدالته وإيمانه وحفظه وصية رسول الله في أهل بيته وأنه مات على ذلك كسلمان وأبي ذر وعمار : واليناه وتقربنا إلى الله بحبه ومن علمائنا أنه انقلب على عقبه وأظهر العداوة لأهل البيت -ع- عاديناه لله تعالى وتبرأنا إلى الله منه"(1).
وقال التستري الشيعي :"الصحابي كغيره لا يثبت إيمانه إلا بحجة"(2).
وقال في موضع آخر :"ليس كل صحابي عدلا مقبولا"(3).
وقد تكلم الكاشاني –من مفسري الشيعة- في مقدمة كتابه عن أخذ الناس من تفاسير الصحابة لآيات القرآن فقال :"إن هؤلاء الناس لم يكن لهم معرفة حقيقة بأحوالهم –يعني بأحوال الصحابة- لما تقرر عنهم أن الصحابة كلهم عدول ولم يكن لأحد منهم عن الحق عدول ولم يعلموا أن أكثرهم كانوا يبطنون النفاق ويجترئون على الله ويفترون على رسول الله في عزة وشقاق"(4).
وبين الزنجاني –من الشيعة المعاصرين-موقف الشيعة من عدالة الصحابة فقال:"قول الشيعة في الصحابة أنهم كغيرهم من الرجال فيهم العدول من الرجال والفساق..."(5).
ونقل المامقاني –من علماء الرجال عند الشيعة- إجماع الإمامية على ذلك فقال :"قد اتفق أصحابنا الإمامية على أن صحبة النبي بنفسها وبمجردها لا تستلزم عدالة المتصف بها ولا حسن حاله وأن حال الصحابي حال من لم يدرك الصحبة في توقف قبول خبره على ثبوت عدالته أو وثاقته أو حسن حاله ومدحه المعتد به مع إيمانه"(6).
__________
(1) الدرجات الرفيعة للشيرازي ص11
(2) الصوارم المهرقة للتستري ص 6
(3) المصدر نفسه ص9
(4) تفسير الصافي للكاشاني 1/4
(5) عقائد الإمامية الإثني عشرية للزنجاني 3/85
(6) تنقيح المقال للمامقاني 1/213(76/16)
وممن نقل إجماع الشيعة الإمامية علىإنكار عدالة الصحابة : محمد جواد مغنية –وهو من الشيعة المعاصرين- حيث قال :"قال الإمامية : إن الصحابة كغيرهم فيهم الطيب والخبيث والعادل والفاسق"(1).
إلى غير ذلك من الأقوال الكثيرة التي ذكرها الشيعة منكرين من خلالها عدالة الصحابة - رضي الله عنهم - .
وخلاصة القول : أن الشيعة الإثني عشرية مجمعون على إنكار عدالة الصحابة ولم يخالف منهم أحد في ذلك .
ولا شك أن إنكار الشيعة لعدالة الصحابة تعد مخالفة لما ورد في الكتاب والسنة من أدلة تثبت العدالة التي أنكروها وقد تقدم ذكر بعضها.
ومنها قوله عليه الصلاة والسلام :"خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"(2).فقد أثبت الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لصحابته الخيرية المطلقة والأفضلية على سائر أمته التي هي خير الأمم فدل على أن الصحابة - رضي الله عنهم - خيار من خيار.
والحق أن إنكار الشيعة لعدالة الصحابة –إضافة إلى كونه يعد مخالفا لكتاب الله وسنة رسوله - عليه السلام -- جد خطير يفضي بهم إلى رد ما رواه الصحابة وما نقلوه من الدين جملة وتفصيلا وبالتالي إبطال الكتاب والسنة ومن يقرأ كتبهم يجد هذا واضحا .
وهذا الذي حدا بعلماء أهل السنة إلى التشدد في قبول رواية المبتدعين وخاصة الذين يطعنون في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
__________
(1) الشيعة في الميزان لمغنية ص 82
(2) صحيح البخاري –واللفظ له- 5/63 ك فضائل الصحابة الباب الأول منه وصحيح مسلم 4 / 1964 ك فضائل الصحابة باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم.(76/17)
قال الإمام أبو زرعة الرازي رحمه الله:"إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا حق والقرآن حق وإنما أدى إلنيا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة والجرح بهم أولى وهم زنادقة"(1).
وقال يحيى بن معين رحمه الله في تليد بن سليمان المحاربي الكوفي:"كذاب كان يشتم عثمان وكل من شتم عثمان أو طلحة أو أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دجال لا يكتب عنه وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين"(2).
وقال أبو أحمد الحاكم الكرابيسي (ت378هـ) في يونس بن خباب الأسيدي مولاهم أبو حمزة الكوفي وكان يشتم عثمان - رضي الله عنه - :"تركه يحيى (3) وعبدالرحمن(4) وأحسنا في ذلك لأنه كان يشتم عثمان ومن سب أحدا من الصحابة فهو أهل أن لا يروى عنه"(5).
__________
(1) أسنده إليه الخطيب البغدادي في "الكفاية في علم الرواية" ص 97 وانظر الإصابة لابن حجر 1/11
(2) أسنده إليه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 7 / 138، وانظر : التاريخ لابن معين-رواية الدوري- 2/66، وتهذيب التهذيب لابن حجر 1/509
(3) ابن معين
(4) ابن مهدي
(5) تهذيب التهذيب لابن حجر 11/438(76/18)
والحق أن الإنسان يعجب حين يجد الشيعة يجعلون لمن نظر إلى الإمام الثاني عشر –عندهم(1)- نظرة واحدة مرتبة أعلى من مرتبة العدالة بينما يجدهم يمنعون مرتبة العدالة عن الصحابة الذين رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصروه وبذلوا أنفسهم وأموالهم وأرخصوا أرواحهم في سبيل نصرة دعوة الله وإعلاء كلمته رجاء لما عند الله وطمعا في جنته : قال المامقاني –وهو من كبار علماء الجرح والتعديل عند الشيعة- في معرض كلامه على الأمور التي تعرف بها عدالة الرجل من شيعتهم :"ومنها تشرف الرجل برؤية الحجة المنتظر- عجل الله تعالى فرجه وجعلنا من كل مكروه فداه- بعد غيبته (2) فإنا نستشهد بذلك على كونه في مرتبة أعلى من مرتبة العدالة"(3)
ضرورة أنه لا يحصل تلك القابلية إلا بتصفية النفس وتخلية القلب من كل رذيلة وعراء الفكر من كل قبيح وإلى هذا المعنى أشار مولانا العسكري (ع) بقوله لمن أراد الحجة –روحي فداه- : لولا كرامتك على الله لما أريتك ولدي هذا ..."(4).
وهذا يدل -والعياذ بالله- على أن عقولهم معكوسة وقلوبهم منكوسة .
المجلس الرابع
موقف الشيعة الإثني عشرية من الخليفة الراشد أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه
ولكني أحب بكل قلبي
رسول الله والصديق حبا
وأعلم أن ذاك من الصواب
به أرجو غدا حسن الثواب
__________
(1) مع انه لم يخلق ، فالحسن العسكري كان عقيما ولم ينجب
(2) يقصد الغيبة الصغرى إذ له غيبتان على حد زعمهم غيبة صغرى أمكن رؤيته فيها وغيبة كبرى لم يره احد فيها
(3) تأمل :"في مرتبة أعلى من مرتبة العدالة"، بينما يمنعون مرتبة العدالة عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم
(4) تنقيح المقال للمامقاني 1/211(76/19)
والله إن المرء ليستشعر نقصه ويعجز عن البداية وعن بلوغ النهاية مع بعد الغاية إذا أراد أن يكتب عن سيرة رجل لم تحمل الغبراء ولم تظل السماء بعد الأنبياء والمرسلين رجلا أفضل منه رجل جمع الله فيه الفضائل كلها والمزايا الخلقية جميعها فكان خيرا كله .
ذاكم هو الصديق أبو بكر أول الصحابة إسلاما وأخصهم برسول الله صلى الله عليه وسلم وأفضلهم على الإطلاق .
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كذبه الناس ولم يتردد في قبول دعوته إلى الإسلام حين تردد وأبى الأدنون وواسى رسول الله صلى الله عليه وسلمبنفسه وماله حتى قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم :"إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدق وواساني بنفسه وماله" (1).
أسلم على يديه صفوة الأصحاب وأعتق بماله الكثير من الرقاب وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم صديقا واتخذه أخا في الله صديقا وانتقل إلى جوار ربه وهو عنه راض فرضي الله تعالى عن أبي بكر وأرضاه .
ولكن الشيعة الإثني عشرية لم يرقبوا في أبي بكر صدق صحيته وفضله وقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فرموه بكل شين ونقيصة واتهموه في إسلامه وأخلاقه وعرضه وأمانته وسلقوه بألسنة حداد أشحة على الخير .
وليس هذا القول افتراء على الشيعة فكتبهم هي الشاهد على صدق هذه الدعوى وعدم كذبها .
وسأقتصر على ذكر بعض هذه المطاعن ليكون المسلم على بينة من أمر هذه الطائفة التي لم يسلم منها خيار عباد الله تعالى (2).
فمنها :
أولا : طعن الشيعة في صدق إيمان أبي بكر - رضي الله عنه - :
__________
(1) صحيح البخاري 5/67-68 ك المناقب، باب فضل أبي بكر
(2) المطاعن التي وجهها الشيعة إلى الصديق رضي الله تعالى عنه كثيرة جدا وهذا الذي ذكرته غيض من فيض مما في كتبهم(76/20)
يطعن الشيعة في صدق إيمان أبي بكر - رضي الله عنه - ويصفونه بأنه رجل سوء (1) أمضى أكثر عمره مقيما على الكفر خادما للأوثان (2) عابدا للأصنام (3) حتى شاب قرنه وابيض فؤاده(4).
ولم يكتفوا بهذا بل زعموا أن إيمانه كان كإيمان اليهود والنصارى لأنه لم يتابع محمدا صلى الله عليه وسلم لاعتقاده انه نبي بل لاعتقاده أنه ملك (5) لهذا لم يكن إسلامه صادقا فقد استمر على عبادة الأصنام حتى إنه –على حد قولهم- "كان يصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وآله والصنم معلق في عنقه يسجد له"(6) وكان يفطر متعمدا في نهار رمضان ويشرب الخمر ويهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم (7).
قال الطوسي الشيعي :"إن من الناس من شك في إيمانه لأن في الأمة من قال : إنه لم يكن عارفا بالله تعالى قط"(8).
وأما ابن طاوس الشيعي فقد جزم بأن أبابكر مشكوك في هدايته (9).
وجزم المجلسي بعدم إيمانه (10).
__________
(1) كما ذكر ذلك الجزائري الشيعي في الأنوار النعمانية 4/60
(2) ذكر ذلك البياضي الشيعي في الصراط المستقيم 3/155 والكاشاني الشيعي في علم اليقين 2/707
(3) ذكر ذلك الكركي الشيعي في"نفحات اللاهوت في لعن الجبت والطاغوت" ق 3أ
(4) ذكر ذلك الكاشاني الشيعي في علم اليقين 2/707-708 والفود : معظم شعر الرأس فيما يلي الأذن، وفود الرأس : حانباه (انظر لسان العرب لابن منظور 3/340
(5) كما ذكر ذلك حيدر الآملي-الشيعي- في كتابه الكشكول ص 104
(6) نفحات اللاهوت للكركي ق 3أ والأنوار النعمانية للجزائري 1/53
(7) البرهان للبحراني 1/500
(8) تلخيص الشافي للطوسي ص 407
(9) الطرائف لابن طاوس ص 32
(10) مرآة العقول –شرح الروضة- للمجلسي 3/429-430(76/21)
أما باطنه - رضي الله عنه - فقد زعموا أنهم اطلعوا عليه وتبين لهم من خلال هذا الاطلاع أنه كافر (1) حتى إنهم حرفوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :"إن أبا بكر لم يسؤني قط" بما يوافق مزاعمهم الباطلة فقالوا :"هذه صيغة ماض وهي تستلزم أن كفر أبي بكر لم يسؤه عليه السلام"(2).
وهذه المزاعم التي قالها الشيعة كلها كاذبة ولا تمت إلى الحقيقة بصلة وليس لهم دليل عليها إلا ما يعتمل في صدورهم من حقد على الصديق - رضي الله عنه - وإخوانه الصحابة قالصديق - رضي الله عنه - صحب رسول الله صلى الله عليه وسلممؤمنا به من مبعثه إلى أن مات .
وقد أجمع المسلمون على أن الصديق - رضي الله عنه - أول من صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمن به من الرجال (3) وعليا أول من آمن من الصبيان وخديجة أول من آمنت من النساء وزيد بن حارثة أول من أسلم من الموالي(4).
وقد سئل الحبر ابن عباس رضي الله عنهما :"من أول من آمن؟ فقال : أبو بكر الصديق أما سمعت قول حسان :
إذا تذكرت شجوا من اخي ثقة
خير البرية أوفاها وأعدلها
والتالي الثاني المحمود مشهده
فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا
بعد النبي وأولاها بما حملا
وأول الناس منهم صدق الرسلا(5)
__________
(1) ذكر ذلك الكوفي الشيعي في كتابه الاستغاثة في بدع الثلاثة ص 20
(2) ذكر ذلك البياضي الشيعي في الصراط المستقيم 3/149
(3) فضائل الصحابة للإمام أحمد 1/223-227 وتاريخ دمشق لابن عساكر ، 9/529 ، 538-543 والروض الأنيق لابن زنجويه ق 3/ب – 8/ب ، 86/ب والسيرة النبوية لابن كثير 1/435
(4) السيرة النبوية لابن هشام 1/240-250 والسيرة النبوية لاين كثير 1/428-427
(5) فضائل الصحابة للإمام احمد 1/ 142 وتاريخ دمشق لابن عساكر 9/540 والسيرة النبوية لابن كثير 1/435 وانظر أيضا المستدرك للحاكم 3/64 ودر السحابة للشوكاني ص 151 فهو مروي عن الإمام الشعبي أيضا .(76/22)
وحين عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام عليه لم يتردد في قبوله ولم يتلعثم بل أقبل عليه بكل جوارحه وقد أخبر عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله :"وما عرضت الإسلام علىأحد إلا كانت له كبوة إلا أبا بكر فإنه لم يتلعثم"(1) .
بينما يروي الشيعة في قصة إسلام علي - رضي الله عنه - أنه تلعثم وتردد وطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمهله وقال له :"إن هذا الدين مخالف دين أبي وأنا أنظر فيه" (2) -على حد زعم الشيعة أنفسهم-.
أما ادعاء الشيعة أن أبا بكر - رضي الله عنه - لم يكن مؤمنا حقيقة وأنه عاش مشكوكا في هدايته فكذب بإجماع المسلمين ولا يوجد دليل واحد في أي كتاب من كتبهم يؤيد هذه المزاعم الباطلة ولو كانت التهم تلقى جزافا لأمكن لمبغضي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أن يدعو فيه ما ادعى الشيعة في الصديق - رضي الله عنه - ولكن حاشاه وحاشا الصديق من أن ينسب إليهم ذلك بل هما والصحابة الكرام من سادات أولياء الله وأفضل الناس بعد أنبياء الله ورسله ...
ومما يشهد لكذب دعوى الشيعة عدم صدق إيمان الصديق - رضي الله عنه - ما تواتر عن اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم وشدة لصوقه به وما روي في شدة حب رسول الله صلى الله عليه وسلم له ولم يكن عليه الصلاة والسلام يحب إلا طيبا- :
فقد أخرج البخاري وغيره من حديث عمرو بن العاص - رضي الله عنه - أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم :"أي الناس أحب إليك؟ قال : عائشة ، فقال من الرجال ؟ قال : أبوها"(3).
__________
(1) مسند أحمد 2/253-366 وسنن ابن ماجة 1/49 وسيرة ابن هشام 1/252 وتاريخ دمشق لابن عساكر 9/ 543 وانظر السيرة النبوية لابن كثير 1/433 ودر السحابة للشوكاني ص 142
(2) سعد السعود لابن طاووس ص 216
(3) صحيح البخاري 5/68 ك المناقب باب "لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا"(76/23)
أما قبل الهجرة وقبل أن يتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها فقد كان الصحابة - رضي الله عنهم - يعلمون أن الصديق أبا بكر - رضي الله عنه - أحب خلق الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه "لما توفيت خديجة رضي الله عنها قالت خولة بنت حكيم بن أمية الأوقص امرأة عثمان ابن مظعون - رضي الله عنه - -وذلك بمكة- : أي رسول الله ألا تتزوج ؟ فقال : ومن ؟ قالت : إن شئت بكرا وإن شئت ثيبا . فقال صلى الله عليه وسلم : ومن البكر ومن الثيب؟ قالت : أما البكر فابنة أحب خلق الله إليك عائشة بنت أبي بكر الصديق ..."(1).
وقال الفاروق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - :"كان أبو بكر سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم "(2).
فإذا كان الشيعة لا يتورعون عن توجيه أمثال هذه التهم إلى سيد الصحابة وأفضلهم وأقدمهم إسلاما وأحبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن باب اولى أن لا يتورعون عن اتهام من دونه من فضلاء الصحابة بشتى انواع التهم .
فاحذر يا عبدالله أن تغتر بأقوالهم أو يقع في قلبك شيء من بهتانهم فإنها والله كذب كلها ليس من دليل عليها أملتها عليهم عقيدتهم في الصديق - رضي الله عنه - وما يعتمل في قلوبهم من حقد عليه وعلى إخوانه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين اصطفاهم الله واختصهم من بين الناس كلهم لصحبة أفضل رسله وخير أنبيائه فإن أبغضت أبا بكر لقد أبغضت أحب الناس إلى قلب نبيك ورسولك صلى الله عليه وسلم ولو كنت تحب نبيك صلى الله عليه وسلم لأحببت من يحبه إذ علامة المحبة أن تحب ما أحب حبيبك صلى الله عليه وسلم .
ومن المطاعن :
__________
(1) أخرجه أحمد والحاكم وقال هذا صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي (مسند أحمد 6/210 والمستدرك للحاكم 2/167
(2) أخرجه الحاكم وقال صحيح على شرطهما ولم يخرجاه ووافقه الذهبي . (المستدرك للحاكم 3/66)(76/24)
ثانيا : زعم الشيعة أن أبا بكر يعتقد أن رسول الله ساحرا وليس رسولا :
يزعم الشيعة أنا أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - كان يعتقد أن رسول الله محمدا صلى الله عليه وسلم ساحر وليس رسولا نبيا فقد روى الصفار والقمي والمفيد –من الشيعة- بأسنيدهم الشيعية عن خالد بن نجيح (1) قال : قلت لأبي عبدالله جعفر الصادق : جعلت فداك ! سمى رسول الله صلى الله عليه وآله أبا بكر: الصديق ؟ قال : نعم . قال : فكيف ؟ قال حين كان معه في الغار قال رسول الله صلى الله عليه وآله إني لأرى سفينة جعفر بن أبي طالب تضطرب في البحر ضالة . قال : يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ! وإنك لتراها ؟ قال : نعم . قال : فتقدر أن ترينيها ؟ قال : أدنو مني . قال : فدنى منه فمسح على عينيه ثم قال انظر فنظر أبو بكر فرأى السفينة وهي تضظرب في البحر ثم نظر إلى قصور المدينة فقال في نفسه الآن صدقت أنك ساحر، فقال : رسول الله صلى الله عليه وآله :الصديق أنت (2).
ونسب الشيعة إلى أبي جعفر الباقر زورا وبهتانا أيضا نحوا من هذه الحكاية (3).
وزعم سليم بن قيس من الشيعة في كتابه السقيفة أنه سمع نحوا من هذه القصة من علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - (4).
فهذا هو إذن السبب الذي لأجله لقب النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق كما يزعم الشيعة.
__________
(1) شيعي ، حسن المامقاني –من علماء الشيعة- حديثه (تنقيح المقال للمامقاني 1/393)
(2) بصائر الدرجات الكبرى للصفار ص 444 وتفسير القمي ط حجرية ص 157 ط حديثة 1/290 والاختصاص للمفيد ص 19 وانظر مختصر بصائر الدرجات للحلي ص 29
(3) بصائر الدرجات الكبرى للصفار ص 444 وروضة الكافي للكليني ط حجرية ص 338 ط حديثة 218 وانظر تفسير الصافي للكاشاني 1/702 والبرهان للحراني 2 /125 – 126 ومرآة العقول –شرح الروضة- للمجلسي 4 /338
(4) السقيفة لسليم بن قيس ص 224 - 225(76/25)
والحق أن المرء ليعجب من سخافة عقول هؤلاء وسوء فهمهم وسهولة اختراعهم للقصص الباطلة دعما لمعتقدهم على الرغم مما فيها من تناقضات مكانية وزمانية يلحظها من أول وهلة من له أدنى إلمام بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحياة أصحابه رضوان الله عليهم أضف إلى ذلك تفاهة هذه القصص وتهافتها مع ما فيها من عجمة تدل على أصل واضعها والكلام مع الشيعة في هذا الإفك الذي نسبوه إلى أئمة أطهار بريئين منه ومنهم ذو وجهين :
أحدهما : يبين جهل الشيعة وتجاهلهم للسبب الحقيقي الذي لأجله لقب أبو بكر - رضي الله عنه - بالصديق والآخر يبين تفاهة ما استدلوا به وتهافته وتناقضه .
فلا تسلم للشيعة دعواهم أن سبب تلقيب أبا بكر بالصديق هو هذا الذي زعموه فالصديق إنما سمي بذلك لكونه سارع إلى تصديق النبي صلى الله عليه وسلم وسبق غيره في ذلك .
قال الحافظ ابن حجر : لقب بالصديق لسبقه إلى تصديق النبي صلى الله عليه وسلم وقيل : كان ابتداء تسميته بذلك صبيحة الإسراء (1).
ويشمل بقول الحافظ ابن حجر ما رواه الإمام البخاري بسنده عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - وفيه يخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدق ففي هذا الحديث الشريف إشارة إلى أن الصديق - رضي الله عنه - سبق الصحابة جميعا إلى تصديق النبي صلى الله عليه وسلم .
__________
(1) فتح الباري 7/9 وقد قال ابن الأثير وابن زنجويه نحوا من قوله .(مال الطالب لابن الأثير ص 274 والروض الأنيق لابن زنجويه ق 29أ(76/26)
وكذلك ما أخرج الحاكم في مستدركه وقال صحيح الإسناد من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى أصبح يتحدث الناس بذلك فارتد ناس ممن كانوا آمنوا به وصدقوه وسعوا في ذلك إلى أبي بكر فقالوا هل لك إلى صاحبك يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس قال : أو قال ذلك ؟ قالوا : نعم . قال : لإن كان قال ذلك لقد صدق . قال أتصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح ؟ قال : نعم ، إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك ، أصدقه في خبر السماء في غدوة أو روحة . فلذلك سمي أبو بكر بالصديق (1).
والرسول صلى الله عليه وسلم قد لقب أبا بكر بالصديق في مواضع كثيرة وذكر أن معنى الصديق الذي يصدق ويصدق ولا يزال يصدق ويتحرى الصدق فقد أخرج الشيخان واللفظ لمسلم من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وما يزال الرجل يصدق ويتحرا الصدق حتى يكتب عند الله صديقا (2).
وأبو بكر الصديق - رضي الله عنه - ليست فضيلته في مجرد تحري الصدق بل لأنه علم ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم جملة وتفصيلا وصدق ذلك تصديقا كاملا وما زعمه الشيعة من أن الصديق - رضي الله عنه - إنما لقب بذلك لأنه أضمر –وهو في الغار- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ساحر باطل لأدلة كثيرة منها:
__________
(1) المستدرك للحاكم 3/ 62-وصححه- وانظر در السحابة للشوكاني ص 150
(2) صحيح البخاري 8/46 ك الأدب ، باب قول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) وصحيح مسلم 4/2013 ك البر باب قبح الكذب وحسن الصدق(76/27)
إن تعريف الصديق لغة : الدائم التصديق الذي يصدق قوله بالعمل ويوافق باطنه ظاهره والذي يكثر صدقه ويغلب عليه فهو للمبالغة في الصدق(1) .
وقد تقدم تعريفه الشرعي في حديث ابن مسعود المرفوع وهو الذي بصدق ويصدق ويتحرى الصدق .
والشيعة قد زعموا أن أبا بكر أضمر في نفسه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ساحر ، واستدلوا بما زعموه على عدم صدق إيمانه ، وعلى مخالفة باطنه لظاهره .والرسول صلى الله عليه وسلم قد اطلع على خبايا نفسه –بزعمهم- فكافأه على ذلك بمنحه هذا اللقب العظيم الذي لا يمنح إلا لمن أكثر من الصدق وعرف به ..
فكيف جرى هذا والكاذب لا يكون صديقا كما رووا في كتبهم ، فقد روى صاحب كتاب "الأشعثيات" بسنده إلى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ، يرفعه :"الكذاب لا يكون صديقا ولا شهيدا"(2).
إن الهجرة إلى الحبشة كانت قبل هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ببضع سنين كما ذكر ذلك المؤرخون (3) فكيف رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم سفينة جعفر بن أبي طالب تعوم في البحر وأراها أبا بكر ، بالرغم من الفاصل الزمني الكبير بين الواقعتين ، إذ الهجرة إلى الحبشة حدثت قبل هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بعدة سنوات –كما أسلفنا-.
إن في سبب تلقيب أبي بكر في الصديق في الروايات الصحيحة المستفيضة عند أهل السنة ما يدمغ هذا الاحتجاج الكاذب ويبطله .وقد تقدم بعض هذه الروايات الصحيحة .
وبهذا الرد الموجز يتبين أن الصديق - رضي الله عنه - إنما حاز هذا اللقب الشريف لأنه صدق رسول اللهصلى الله عليه وسلم في كل ما أخبر تصديقا كاملا في العلم والقصد والقول والعمل .
__________
(1) راجع الصحاح للجوهري 4/1506 والمحكم المحيط الأعظم لابن سيده 6/118 ومنال الطالب لابن الأثير ص 274
(2) الأشعثيات للأشعث الكوفي ص 80
(3) السيرة النبوية لابن هشام 1/321 والسيرة النبوية لابن كثير 2/3-9(76/28)
وهذان المطعنان اللذان ذكرتهما قليل من كثير من المطاعن التي وجهها الشيعة إلى أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - ، وهما غيض من فيض مما في كتبهم من المفتريات الموجهة إلى خير الناس بعد الأنبياء والمرسلين .
المجلس الخامس
موقف الشيعة الإثني عشرية من الفاروق أبي حفص عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - :
في الجاهلية والإسلام هيبته
في طي شدته أسرار رحمته
وبين جنبيه في أوفى صرامته
إن الذي برأ الفاروق نزهه
فذاك خلق من الفردوس طينته
لا الكبر يسكنها لا الظلم يصحبها
تثني الخطوب فلا تعلو عواديها
للعالمين ولكن ليس يعشيها
فؤاد والدة ترعى ذراريها
عن النقائص والأغراض تنزيها
الله أودع فيها ما ينقيها
لا الحقد يعرفها لا الحرص يغويها (1)
ذاكم هو الفاروق ، عمر بن الخطاب بن نفيل العدوي أفضل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الصديق أبي بكر - رضي الله عنه - .
أسلم فكان إسلامه عزا للمسلمين ، وفتحا مبينا لهم ، فأعلنوا شعائر دينهم بعدما كانوا يخفونها ، وفرق الله بإسلامه بين الحق والباطل ولقبه الرسول صلى الله عليه وسلم يوم إذن بـ(الفاروق) (2).
كان قويا في دينه ، شديدا في الحق ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، ثاقب الرأي ، حاد الذكاء ، نير البصيرة ، جعل الله الحق على لسانه وقلبه .
تولى الخلافة بعد الصديق - رضي الله عنه - ، فكانت ولايته فتحا للإسلام ، ونصرا مؤزرا ، إذ تهاوت في أيامه عروش كسرى وقيصر ، وقضى على أعظم دولتين في ذلك الزمان .
__________
(1) من قصيدة طويلة للشاعر حافظ إبراهيم في الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه .
(2) طبقات ابن سعد 3/270(76/29)
وقد بلغ عدل عمر - رضي الله عنه - الآفاق وأصبح مضرب المثل ، فأحبه القاصي والداني ، وودوا لو مد الله في عمره من أعمارهم ، حتى تدوم ولايته ، ويدوم ما يتفيؤونه في ضلالها من الأمن والعدل ، وعز الإسلام ونصر المسلمين، إلا أن يد الغدر والحقد امتدت إليه لتضع حدا لحياة هذا العملاق العظيم، فقد قام المجوسي الخبيث أبو لؤلؤة بطعنه بخنجر له رأسان ، نصابه في وسطه، كان قد شحذه وأشبعه بالسم، ثم غدر بعمر - رضي الله عنه - وهو يصلي صلاة الفجر ، فطعنه في كتفه وخاصرته لينتقم لدولة المجوس التي أزالها ، ولنارهم التي أطفأها ، كان أمر الله قدرا مقدورا .
فرضي الله عن عمر ، لقد كان إسلامه عزا ، وخلافته فتحا ، ووفاته فجيعة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم .
ولا يزال المسلمون يذكرونه على مر العصور ، وتتابع الأزمان ، ويتحدثون عن فضائله ومناقبه ، ويشيدون بعدله الذي صار مضرب المثل . إلا الشيعة الإثني عشرية فإنهم رغم فضل عمر - رضي الله عنه - وسابقته وقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد سلقوه بألسنة حداد ، ورموه بكل شين ونقيصة ، ووجهوا إليه شتى المطاعن . وسأقتصر على بيان بعضها .
فمنها :
أولا : زعم الشيعة أن عمر - رضي الله عنه - مصاب بداء دواؤه ماء الرجال :(76/30)
يزعم الشيعة أن أمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه - كان مصابا بداء في دبره لا يهدأ إلا بماء الرجال (1).
ولم يكتف الشيعة بهذا التلميح، بل تعدوه إلى تصريح ، إذ صرحت بعض رواياتهم أن عمر - رضي الله عنه - كان ممن ينكح في دبره :
فقد روى العياشي -الشيعي- أن من تسمى بـ(أمير المؤمنين) فهو ممن يؤتى في دبره(2).
ومعلوم أن الفاروق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - هو أول من تسمى بـ(أمير المؤمنين) (3).
__________
(1) أنظر الأنوار النعمانية للجزائري 1/63 ومثل هذا الكلام مذكور في كتاب آخر من كتب الشيعة المعاصرين يعرف بكتاب "الزهراء في السنة والتاريخ والأدب" لمحمد كاظم الكفائي طبع الجزء الأول منه عام 1369هـ وأراد المؤلف إلحاقه بأحد عشر جزءا فخرج الجزء الثاني من الطبع عام 1371هـ في 408 صفحات ولم يتمكن المؤلف من إخراج الأجزاء الباقية وقد عد آغا بزرك الطهراني الشيعي المعاصر هذا الكتاب من كتب الشيعة وذكره ضمن مصنفه : الذريعة إلى تصانيف الشيعة 12/67 وقد رأى هذا الكلام الخبيث في هذا الكتاب الأستاذ البشير الإبراهيمي شيخ علماء الجزائر، عند زيارته الأولى للعراق (أنظر الخطوط العريضة لمحب الدبن الخطيب ص 7 وسراب في إيران لأحمد الأفغاني ص 25
(2) نقله عنه الجزائري في الأنوار النعمانية 1/63
(3) الاستيعاب لابن عبدالبر 2/466 - 467(76/31)
وهذا الإفك وجهه الشيعة إلى من أحب الإمام الأول –المعصوم عندهم-، علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أن يلقى الله بمثل عمله (1)، وزوجه ابنته أم كلثوم(2) . فهل يحب الإمام المعصوم عندهم أن يلقى الله بمثل عمل من يؤتى في دبره؟ وكيف زوج الإمام المعصوم عندهم ابنته لمن يؤتى في دبره –على حد زعمهم- ؟. سؤال أترك الإجابة عليه أنفسهم .
ومن المطاعن :
ثانيا : زعم الشيعة نفاق وكفر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - :
يزعم الشيعة أن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان كافرا يبطن الكفر ويظهر الإسلام(3).
ويزعمون أن كفره مساويا لكفر إبليس إن لم يكن أشد منه (4).
ولا يكتفي الشيعة بمجرد القول بكفر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بل يلعنون كل من يشك في كفره ، ويزعمون أنه لا يشك في كفره عاقل :
قال المجلسي –شيخ الدولة الصفوية ومرجع الشيعة المعاصرين- :"لا مجال لعاقل أن يشك في كفر عمر. فلعنة الله ورسوله عليه ، وعلى كل من اعتبره مسلما ، وعلى كل من يكف عن لعنه "(5).
__________
(1) صحيح البخاري 5/77 ك المناقب باب مناقب عمر
(2) هذا الزواج ذكره الشيعة أنفسهم في مصنفاتهم (أنظر على سبيل المثال : الفروع من الكافي للكليني 6/115 والأشعثيات للأشعث الكوفي ص 109 والشافي للمرتضى ص 216 . وأوائل المقالات للمفيد ص 200 – 202 ، وبحار الأنوار للمجلسي 9/621- 625 ومصائب النواصب للتستري ص 169
(3) أنظر الصراط المستقيم للبياضي ض 3/129 ونفحات اللاهوت للكركي ق 49/ب – 52/أ وإحقاق الحق للتستري ص 284 وعقائد الإمامية للزنجاني 3/27
(4) أنظر : تفسير العياشي 2/ 223-224 والبرهان للبحراني 2/310 وبحار الأنوار للمجلسي 8/220
(5) جلاء العيون للمجلسي ص 45(76/32)
ومن العجب أن هذه التهم يوجهها الشيعة جزافا إلى من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإيمان، بله الإيمان بالغيب في قوله لأصحابه ، وليس عمر بينهم :"بينما راع في غنمه، عدا عليه الذئب، فأخذ منها شاه، فطلبه الراعي، فألتفت إليه الذئب، فقال : من لها يوم السبع، يوم ليس لها راع غيري؟ وبينما رجل يسوق بقرة قد حمل عليها، فالتفتت إليه فكلمته فقالت : إني لم أخلق لهذا ولكني خلقت للحرث"، فلما سمع الصحابه منه ذلك، قالوا : سبحان الله . فقال النبي صلى الله عليه وسلم :"فإني أؤمن بذلك، وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما"(1).
قد أثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر صلابة دينه في قوله :"بينما أنا نائم، رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قمص ، منها ما يبلغ الثدي ومنها ما يبلغ دون ذلك ومر علي عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره".
فقال له الصحابة - رضي الله عنهم - : ما أولت يا رسول الله ؟ قال صلى الله عليه وسلم : "الدين" (2).
وذكر عليه الصلاة والسلام أن الشيطان يهرب من عمر - رضي الله عنه - إذا رآه في طريق (3)، وما ذاك إلا بسبب قوة دينه وشدة يقينه - رضي الله عنه -.
فإذا كان أفضل الصحابة بعد أبي بكر ، ومن وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقوة في الدين كافرا عند الشيعة ، فماذا يقولون فيمن هو دونه في الفضل والدين وقوة الإيمان واليقين؟!.
ومن المطاعن :
ثالثا : فرح الشيعة وابتهاجهم باستشهاد عمر - رضي الله عنه - ، واعتبارهم يوم مقتله يوم عيد لهم:
__________
(1) رواه البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه 5/78 ك فضائل الصحابة باب مناقب عمر ومسلم في صحيحه 4/1857 – 1858 ك فضائل الصحابة باب : من فضائل أبي بكر الصديق
(2) صحيح اليخاري 5/79 ك فضائل الصحابة باب مناقب عمر
(3) صحيح البخاري 4/256 ك بدىء الخلق باب صفة إبليس(76/33)
الشيعة الإثنا عشرية يفرحون ويبتهجون بمقتل عمر - رضي الله عنه - ، ويعتبرون يوم مقتله عيدا من أكبر الأعياد ، ويعتبرون قاتله أبو لؤلؤة المحوسي الخبيث مسلما من أفضل المسلمين :
فقد روى محمد بن رستم الطبري -الشيعي- بسنده إلى الحسن بن الحسن السامري أنه قال :"كنت أنا ويحيى بن أحمد بن جريج البغدادي، فقصدنا أحمد بن إسحاق البغدادي(1)-وهو صاحب الإمام العسكري - عليه السلام -- بمدينة قم، فقرعنا عليه الباب، وخرجت إلينا من داره صبية عراقية ، فسألناها عنه ، فقالت : هو مشغول وعياله ، فإنه يوم عيد فقلنا : سبحان الله !!! الأعياد عندنا أربعة : عيد الفطر، وعيد النحر، والغدير، والجمعة ؟ قالت : روى سيدي أحمد بن إسحاق عن سيده العسكري، عن أبيه علي بن محمد عليهما السلام أن هذا يوم عيد، وهو خيار الأعياد عند أهل البيت وعند مواليهم ...-إلى أن ذكر خروج أحمد بن إسحاق إليهم، وروايته عن العسكري عن أبيه أن حذيفة بن اليمان دخل في يوم التاسع من ربيع الأول على رسول الله صلى الله عليه وآله ، فذكر له - عليه السلام - بعض فضائل هذا اليوم، ومثالب من يقتل فيه-. قال حذيفة : قلت يا رسول الله ! في أمتك وأصحابك من يهتك هذا الحرم ؟ قال صلى الله عليه وآله : جبت من المنافقين يظلم أهل بيتي، ويستعمل في أمتي الربا، ويدعوهم إلى نفسه، ويتطاول على الأمة من بعدي ، فيستجلب أموال الله من غير حله، وينفقها في غير طاعة ، ويحمل على كتفه درة الخزي ، ويضل الناس على سبيل الله، ويحرف كتابهم، ويغير سنتي ...-إلى أن قال :- ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله، فدهل بيت أم سلمة، فرجعت عنه أنا غير شاك في أمر الشيخ الثاني –يقصد عمر(2)
__________
(1) عده الكشي الشيعي من ثقات أصحاب الحسن العسكري –الإمام الحادي عشر عند الشيعة- أنظر اختيار معرفة الرجال للطوسي ص 557-558
(2) وكنوا عنه بالثاني : لأ،ه ثاني الغاصبين للخلافة من علي –على حد زعمهم- راجع المصادر الشيعية التالية : دلائل الإمامة لابن رستم الطبري ص 257-258 والصراط المستقيم للبياضي 2/26 وتفسير الصافي للكاشاني 2/570 والبرهان للبحراني 4/187 ومقدمة البرهان لأبي الحسن العاملي ص 171-249-260-270-341(76/34)
- ، حتى رأيته بعد رسول الله قد فتح الشر وأعاد الكفر والارتداد عن الدين وحرف القرآن... واستجاب الله دعاء مولاتي –فاطمة- على ذلك المنافق وأجر قتله على يد قاتله...-إلى أن ذكر دخوله على علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - يهنئه بمقتل عمر - رضي الله عنه - ، وإخبار علي له عن هذا العيد أن له أثنين وسبعين اسما، منها يوم تنفيس الكربة ويوم الثارات ويوم ندمة الظالم، ويوم فرح الشيعة ...إلخ-"(1).
ويترحم الشيعة الإثنا عشرية على أبي لؤلؤة المجوسي الخبيث ، ويعدونه رجلا مسلما من أفاضل المسلمين، ويذكرون أنه إنما قتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه انتقاما لظلم أصابه منه، وإهانة ألحقها به (2).
ويصف الشيعة قاتل عمر بالشجاعة ، ويلقبونه بـ(بابا شجاع الدين) (3).
__________
(1) نقله عن ابن رستم كل من : البياضي في الصراط المستقيم 3/29 -مختصرا- والمجلسي في بحار الأنوار 20/330 ونعمة الله الجزائري في الأنوار النعمانية 1/108-111 وصاحب كتاب "عقد الدرر في بقر بطن عمر" ق 1-3 والنوري الطبرسي في فصل الخطاب ص 219 ومحمد صادق الطبطبائي في مجالس الموحدين ص 691 ومحمد رضا الحكيمي في شرح الخطبة الشقشقية ص 220 – 222 وكل هؤلاء الشيعة أوردوا القصة مطولة
(2) عقد الدرر في بقر بطن عمر ق 2-3-4
(3) الكنى والألقاب لعباس القمي 1/147(76/35)
ويظهر الشيعة الإثنا عشرية فرحتهم وابتهاجهم باستشهاد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : فإضافة لاعتبارهم يوم مقتله من أكبر الأعياد، نجدهم ينشدون الأناشيد فرحا وابتهاجا بما جرى له على يد قاتله المجوسي : فقد عقد صاحب كتاب "عقد الدرر في بقر بطن عمر"فصلا وضع له ألوانا قال فيه :"الفصل الرابع في وصف حال سرور هذا اليوم على التعيين، وهو من تمام فرح الشيعة المخلصين ، -ثم ذكر الأناشيد التي تقال في هذا اليوم ووصفها بقوله :- وهي كليمات رآقة، ولفيظات شائقة هو أنه لما طلع الإقبال من مطالع الآمال ، وهب نسيم الوصال بالاتصال بالغدو والآصال، بمقتل من لا يؤمن بالله واليوم الاخر: عمر بن الخطاب الفاجر الذي فتن العباد، ونتج في الأرض الفساد، إلى يوم الحشر والتناد، ملأت اقداح الأفراح، بالرحيق راح الأرواح، ممزوجة بسحيق تحقيق السرور وبماء رفيق توفيق الحبور..."(1).
ثم عقب على هذه الكلمات بذكر الأشعار الطوال التي قيلت ابتهاجا بمقتل عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه (2).
وهذا المعتقد الشيعي في عمر - رضي الله عنه - يشم منه رائحة الشعوبية الحاقدة ، والانتصار للمجوسية أعداء الإسلام :
فمن ما لا شك فيه أن أبا لؤلؤة المجوسي كان كافرا ، وأن قتله لأمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه - إنما كان ثأرا لدينه ووطنه، فعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كان سببا في إطفاء نار المجوس وإزالة ملكهم.
فاندفع أبو لؤلؤة المجوسي بحقده الشخصي –إن قلنا إنه لم يكن مدفوعا من أحد- فقتل عمر، وقتل معه بضعة عشر صحابيا . وعلى هذا فانتصار الشيعة له إنما يعد انتصارا للكفار :
__________
(1) عقد الدرر في بقر بطن عمر ق 6
(2) المصدر السابق نفسه ق 6-11(76/36)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حاكيا عن الشيعة:" ولهذا تجد الشيعة ينتصرون لأبي لؤلؤة الكافر المجوسي، ومنهم من يقول : اللهم ارض عن أبي لؤلؤة واحشرني معه. ومنهم من يقول في بعض ما يفعله من محاربتهم : واثارات أبي لؤلؤة كما يفعلون في الصورة التي يقدرون فيها صورة عمر من الجبس وغيره، وأبو لؤلؤة كافر باتفاق أهل الإسلام كان مجوسيا من عباد النيران،... فقتل عمر بغضا في الإسلام وأهله ، وحيا للمجوس ، وانتقاما للكفار لما فعل بهم عمر حين فتح بلادهم ، وقتل رؤساءهم ، وقسم أموالهم "(1).
وليست تقتصر مطاعن الشيعة على ما ذكر، بل ما ذكرته يعد غيضا من فيض مما في كتب الشيعة من المطاعن المفتراة المواجهة إلى أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أبي بكر وابنته (2).
المجلس السادس
موقف الشيعة الإثني عشرية من الشيخين معا ، أبي بكر الصديق وعمر الفاروق رضي الله عنهما :
ثلاثة برزوا بسبقهم
عاشوا بلا فرقة حياتهم
فليس من مسلم له بصر
نضرهم ربهم إذا نشروا
واجتمعوا في الممات إذا قبروا
ينكر من فضلهم إذا ذكروا
أتدرون من هؤلاء الثلاثة الذين عناهم حسان بن ثابت - رضي الله عنه - بقوله :"ثلاثة برزوا"؟
إنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصاحباه ، وصفياه، وخليلاه، ووزيراه من أهل الدنيا، أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما.
وقد تقدمت نماذج من المطاعن التي وجهها الشيعة إلى هذين الصاحبين الجليلين كل منها على حده. وللشيعة مطاعن أخرى مشتركة وجهوها إلى الشيخين معا ، وسأقتصر على بعض منهما :
فمن هذه المطاعن :
أولا : زعم الشيعة الإثني عشرية وجوب لعن الشيخين رضي الله عنهما والبراءة منهما:
يوجب الشيعة الإثنا عشرية لعن الشيخين ، أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما ، ويزعمون أن بعض أئمتهم قد لعنهما :
__________
(1) منهاج السنة النبوية لابن تيمية 6/370-371
(2) صحيح البخاري 5/329 ك المغازي باب غزوة ذات السلاسل(76/37)
فقد نسبوا إلى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - -زورا وبهتانا- أنه لما قام إليه أحد الناس ، وطلب منه أن يبايعه على ما عمل أبو بكر وعمر ، قال :"فمد يده ، وقال له : اصفق ، لعن الله الإثنين"(1).
وزعم سليم بن قيس –من الشيعة- أن عليا كان يلعن الشيخين دائما (2).
وذكر بعض الشيعة أن الإمام جعفر الصادق رحمه الله كان يلعنهما رضي الله تعالى عنهما في دبر كل مكتوبة(3).
وقد أنشأ الشيعة أدعية عديدة في لعن الشيخين رضي الله تعالى عنهما ، ذكروها في كتبهم ، ووضعوا في فضلها أحاديث كثيرة، ترغيبا لشيعتهم في قراءتها ، والإكثار من ترديدها والدعاء بها .
وسأذكر منها :
الدعاء المسمى بـ"دعاء صنمي قريش" :
هذا الدعاء اعتبره الشيعة من الأدعية الخاصة في لعن الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، وابنتيهما عائشة وحفصة زوجتي رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والشيعة قد زعموا أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - -وحاشاه مما نسبه إليه الشبعة- كان يقنت في صلاة الوتر بهذا الدعاء(4) . ونسبوا إليه –زورا وبهتانا- أنه قال عنه :"إن الداعي به كالرامي مع النبي صلى الله عليه وآله في بدر وحنين بألف ألف سهم"، ونسبوا إليه كذلك قوله عنه :"إنه من غوامض الأسرار و كرائم الأذكار"(5).
وقد زعم الشيعة أنه –حاشاه عما نسبوا إليه- كان يواضب عليه في ليله ونهاره وأوقات أسحاره(6).
ونسبوا إلى بعض أئمتهم –زورا وبهتانا أيضا- في قضل هذا الدعاء :
__________
(1) رواه الصفار في بصائر الدرجات الكبرى ص 412 والمفيد في الاختصاص ص ص312
(2) السقيفة لسليم بن قيس
(3) نفحات اللاهوت للكركي ق 6/أ 74/ب
(4) البلد الأمين للكفعمي ص511 والمصباح له ص511 ونفحات اللاهوت للكركي ق74/ب وعلم اليقين للكاشاني 2/701 وفصل الخطاب للنوري الطبرسي ص 221 - 222
(5) المصادر السابقة نفسها
(6) المصادر السابقة نفسها(76/38)
أن من قرأه مرة واحدة "كتب الله له سبعين ألف حسنة، ومحى عنه سبعين ألف سيئة، ورفع له سبعين ألف درجة، ويقضى له سبعون ألف ألف حاجة"(1) وأن من يلعن أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما في الصباح لم يكتب عليه ذنب حتى يمسي، ومن لعنهما في المساء لم يكتب عليه ذنب حتى يصبح (2).
واهتم الشيعة بهذا الدعاء اهتماما كبيرا، واعتبروه من الأدعية المشروعة (3)، وعمدوا إلى شرحه، فبلغت شروحه أكثر من عشر شروح(4) .
قد ذكر مصنفوا الشيعة هذا الدعاء ، -بعضه، أو كله- في مصنفاتهم، فممن ذكره كله : الكفعمي (5)، والكاشاني (6)، والنوري الطبرسي(7) ، وأسد الله الطهراني الحائري (8)، وسيد مرتضى حسين(9)، ومنظور بن حسين وغيرهم(10).
وممن ذكر مقتطفات من هذا الدعاء أو أشار إليه من مصنفي الشيعة :
__________
(1) ضياء الصالحين ص 513
(2) ضياء الصالحين ص 513
(3) الذريعة لآغا بزرك الطهراني 8/192
(4) راجع المصادر الشيعية التالية : البلد الأمين للكفعمي ص 511 والمصباح له ص 551 ونفحات اللاهوت للكركي ق 74/ب وعلم اليقين للكاشاني 2/701 وفصل الخطاب للنوري الطبرسي ص 221-222 والذريعة إلى تصانيف الشيعة لآغا بزرك الطهراني 8/192 وأمل الآمال للحر العاملي 2/32
(5) في البلد الأمين ص 511-514 وفي المصباح الجنة الواقية ص 548- 557
(6) في علم اليقين 2/701-703
(7) في فصل الخطاب ص 9-10
(8) في مفتاح الجنان ص 113-114
(9) في صحيفة علوية ص 200-202
(10) في تحفة العوام مقبول ص 213-214(76/39)
الكركي في "نفحات اللاهوت في لعن الجبت والطاغوت"(1)، والكاشاني في "قرة العيون"(2)، والداماد الحسيني في "شرعة التسمية في زمن الغيبة"(3)، والمجلسي في "مرآة العقول"(4)، والتستري في "إحقاق الحق"(5)، وأبو الحسن العاملي في مقدمته على تفسير البرهان(6)، والحائري في "إلزام الناصب"(7)، والنوري الطبرسي في "فصل الخطاب"(8)، وعبدالله شبر في "حق اليقين"(9)، وغيرهم .
وقد سمى الشيعة هذا الدعاء بـ"دعاء صنمي قريش" كما تقدم ، لأن أوله :"اللهم صل على محمد وعلى آله محمد، والعن صنمي قريش وجبتيهما وطاغوتيهما وإفكيهما، وابنتيهما...إلخ".
__________
(1) ق 6/أ 74/ب
(2) ص426
(3) ق 26/أ
(4) 4/356
(5) ص 58 ، 133-134
(6) ص 113-174 – 226-250-290-294-313-339
(7) 2/95
(8) 221-222
(9) 1/219(76/40)
ومرادهم -بصنمي قريش- : أبو بكر وعمر –رضي الله تعالى عنهما وعامل بعدله من يبغضهما- كما صرح الشيعة بذلك في العديد من مصنفاتهم، منهم : الكفعمي في شرحه لهذا الدعاء(1)، والكركي في نفحات اللاهوت (2)، والمجلسي(3)، والداماد الحسيني(4)، والتستري في إحقاق الحق(5)، والحائري في إلزام الناصب(6)، والنوري الطبرسي في فصل الخطاب(7).
وبعض الشيعة لم يصرحوا بأن المراد بهما أبو بكر وعمر، -وهذا من باب التقية التي يتعاملون بها مع أهل السنة- واكتفوا بالإشارة إلى ألقابهما، بحيث يدرك الشيعي الذي يعرف ألقابها أنهما المرادان بهذا الدعاء، فالكاشاني: ذكر أن المراد بهما: فرعون وهامان، فقال :"أرذل المخلوقات صنما قريش عليهما لعائن الله.. وهما فرعون وهامان"(8). وفرعون وهامان من الألقاب التي يطلقها الشيعة على الشيخين رضي الله تعالى عنهما كما سيأتي .
__________
(1) المصباح للكفعمي ح ص 552-554
(2) وكتابه نفحات اللاهوت في لعن الجبت والطاغوت ، صنفه خصيصا في لعن الشيخين الجليلين صاحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما اللذان عناهما بقوله: الجبت والطاغوت ، وقد ذكر في هذا الكتاب أن عليا رضي الله عنه وحاشاه مما ينسبه إليه الشيعة –كان يقنت في الوتر يلعن صنمي قريش ، ثم قال : يريد بهما أبا بكر وعمر وقد ورد استحباب الدعاء على أعداء الله في الوتر ، نفحات اللاهوت للكركي ق 74/ب
(3) في مرآة العقول 4/356
(4) الذي أشار إلى دعاء صنمي قريش ، وقال : إن المراد بـ(صنمي قريش) الرجلان المدفونان مع رسول الله –شرعة التسمية في زمن الغيبة ق 26/أ-
(5) ص 133-134
(6) 2/95 ومما قاله :"صنما قريش هما : أبو بكر وعمر.... غصبا الخلافة بعد رسول الله ...."
(7) ص 9-10 وقال نحوا من قول الحائري
(8) قرة العيون للكاشاني ص 432-433(76/41)
وأشار أبو الحسن العاملي إلى أن المراد بهما : فلان وفلان، أو الجبت والطاغوت(1)، وكلهما من الألقاب التي يطلقها الشيعة على الشيخين .
والدعاء الذي وسمه الشيعة بـ"دعاء صنمي قريش" مليئ باللعن والسب، والشتم، والدعاء بالويل والنار على الشيخين رضي الله عنهما(2)، وهو مليء أيضا بالافتراءات المكذوبة، والإفك الواضح، والبهتان المبين، والإتهامات الباطلة الموجهه لأفضل الناس بعد النبيين ، الشيخين الجليلين أبي بكر وعمر، مثل : دعواهم أنهما أنكرا الوحي، وحرفا القرآن، وخالفا الشرع، وعطلا الأحكام، وخربا البلاد، وأفسدا العباد، وأخرب بيت النبوة، و...، و...، إلى آخر هذا الهذيان الكاذب، والإفك المفترى.الذي لا يسعفه برهان، ولا تؤيده حجة، ولا دليل. وهو يكشف بوضوح عما بعتمل في صدور الشيعة من حقد دفين، وبغض شديد، وكراهية شنيعة لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل ولأفضلهم على الإطلاق : الذين أمرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم أن نقتدي بهما بعد موته.
أما عن عقيدة الشيعة في البراءة من الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما :
فإن البراءة منهما ومن عثمان ومعاوية - رضي الله عنهم - تعد من ضروريات مذهبهم، فمن لم يتبرأ منهم فليس من مذهب الشيعة في شيء.
قال المجلسي –مرجع الشيعة المعاصرين-:"ومن ضروريات دين الإمامية البراءة من أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية ... (3).
__________
(1) مقدمة البرهان للعاملي ص 133
(2) وقد ختموا هذا الدعاء بقولهم :"ثم قل أربع مرات : اللهم عذبهم عذابا يستغيث منه أهل النار.."
(3) الاعتقادات للمجلسي ق 17(76/42)
بل والبراءة منهم تعتبر عند الشيعة من أسباب ذهاب الأسقام وشفاء الأبدان(1) ومن تبرأ منهم ومات في ليلته دخل الجنة روى الكليني في كتابه الكافي –الذي يعد أحد الأصول الأربعة المعتبرة عند الشيعة- بسنده عن أحدهما(2)- قال : من قال : اللهم إني أشهدك وأشهد ملائكتك المقربين وحملة عرشك المصطفين أنك أنت الله لا إله إلا أنت الرحمن الرحيم وأن محمدا عبدك ورسولك وأن فلان إمامي ووليي(3) وأنا أباه رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي والحسن والحسين وفلانا وفلانا –حتى ينتهي إليه(4)- أوليائي على ذلك أحيا عليه وأموت وعليه أبعث يوم القيامة وأبرأ من فلان وفلان وفلان فإن مات من ليلته دخل الجنة"(5).
وفلان وفلان وفلان هم أبو بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - .
وليس الشيعة وحدهم الذين يلعنون الشيخين الجليلين أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما ويتبرأون منهما بل هناك خلق آخر –على حد زعم الشيعة- خلقهم الله للعن الشيخين والتبرئ منهما فقط .
فقد نسب الشيعة زورا وبهتانا إلى جعفر الصادق رحمه الله أنه قال :"إن من وراء عين شمسكم هذه أربعين عين شمس فيها خلق كثير وإن من وراء قمركم أربعين قمرا فيها خلق كثير لا يدرون أن الله خلق آدم أم لم يخلقه ألهموا إلهاما لعنة فلان وفلان.
__________
(1) إلزام الناصب للحائري 2/9
(2) مصطلح يستعمله الشيعة ويريدون به أحد الإمامين جعفر الصادق أو أباه الباقر
(3) ويسمى إمام زمانه
(4) أي : إلى إمام زمانه
(5) الأصول من الكافي للكليني 2/389(76/43)
وفي رواية الكليني صاحب الكافي : لم يعصوا الله طرفة عين يبرأون من فلان وفلان(1)
وقد علق المجلسي على هذه الرواية بقوله من فلان وفلان أي من أبي بكر وعمر(2).
وخلاصة القول : أن الشيعة الإثني عشرية مجمعون على لعن الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما والتبرئ منهما بل ويوجبون ذلك كما تقدم آنفا.
ولا ريب في مخالفة هذه الأقوال لما يعتقده أئمتهم في الشيخين رضي الله عنهما خصوصا وفي الصحابة عموما وستأتي بعض أقوالهم في ذلك ولا شك أن ما نسبوه إلى بعض أئمتهم من لعن الشيخين رضي الله عنهما وغيرهما من الصحابة والتبرئ منهم مكذوب على أولئك الأئمة وقد ورد عنهم ما يخالف ذلك :
فهذا أمير المؤمنين علي رضي الله تعالى عنه ينهى بعض من كان في جيشه عن سب معاوية رضي الله عنه –مع كونه دون الشيخين في الفضل باعتراف الشيعة أنفسهم- ويقول لهم : ما نسبه إليه الشيعة في كتبهم كرهت لكم أن تكونوا شتامين لعانين(3) فما كرهه لهم يكرهه لنفسه وهو الذي يعمل بما يقول وهو المعصوم –في نظرهم-.
وليس الأمر قاصرا على مجرد الكراهة بل إن أمير المؤمنين عليا - رضي الله عنه - أمر بقتل من يلعن الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما .
__________
(1) رواه الصفار والكليني بسنديهما بصائر الدرجات الكبرى للصفار ص510-513 والروضة من الكافي للكليني ص 347 وانظر الخرايج والجرايح للراوندي ص 127 ومختصر بصائر الدرجات لحسن الحلي ص 12 . وقرة العيون للكاشاني ص 433 والبرهان للبحراني 1/48، 4/216 ومرآة العقول –شرح الروضة- للمجلسي 4/347 ، وقد أورد رجب البرسي هذه الرواية وزاد على الشيخين عثمان بن عفان.أنظر : مشارق الأنوار لرجب البرسي ص 42
(2) مرآة العقول –شرح الروضة- للمجلسي 4 /347
(3) أنظر المصادر الشيعية التالية : وقعة صفين لنصر بن مزاحم ص 102 ، والأخبار الطوال للدينوري ص 1965 وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 11/92 والدرجات الرفيعة للشيرازي ص 424(76/44)
فقد روى أحمد و الطبراني(1) بسند حسن عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه قال :"يأتي قوم بعدنا ينتحلون شيعتنا وليسوا بشيعتنا لهم نبز (2) وآية ذلك أنهم يشتمون أبا بكر وعمر فإذا لقيتموهم فاقتلوهم فإنهم مشركون"(3).
ولما بلغه رضي الله عنه أن بعض الناس يتناولون الشيخين رضي الله تعالى عنهما بالسب توعد من تكلم فيهم بسوء بحد المفتري ، ثمانين جلدة ، فقد روى الشيخ محمد بن عبدالواحد المقدسي بسنده أن أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه بلغه أن نفرا من الناس يتناولون أبا بكر وعمر ، فقال: لعن الله من أضمر لهما إلا الحسن الجميل ، ثم صعد المنبر وخطب الناس خطبة بليغة جاء فيها :"ما بال أقوام يذكرون سيدي قريش، وأبوي المسلمين؟ أنا مما قالوا بريء وعلى ما قالوا معاقب ألا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لا يحبهما إلا مؤمن تقي ولا يبغضهما إلا فاجر ردي".
ثم ذكر كلاما طويلا أخبر فيه عن فضلهما ، وعن وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو راض عنهما وعن رضا الناس ببيعتهما ، وعن سيرتهما الحميدة في خلافتهما ثم ختم كلامه رضي الله تعالى عنه بقوله :"ألا فمن أحبني فليحبهما ومن لم يحبهما فقد أبغضني، وأنا بريء منه ، ولو كنت تقدمت إليكم في أمرهما لعاقبت على هذا أشد العقوبة ولكن لا ينبغي أن أعاقب قبل التقدم ، ألا فمن أتيت به يقول هذا بعد اليوم ، فإن عليه ما على المفتري ، الا وخير هذه الأمة بعد نبيها : أبو بكر وعمر ، ولو شئت لسميت الثالث ، وأستغفر الله لي ولكم"(4)
__________
(1) قال الهيثمي : رواه الطبراني وإسناده حسن . مجمع الزوائد للهيثمي 11/22
(2) النبز بالتحريك : اللقب . الصحاح للجوهري . ويريد بذلك تلقيبهم بـ(الرافضة
(3) فضائل الصحابة لأحمد 1/441
(4) كتاب النهي عن سب الأصحاب وما ورد فيه من الإثم والعقاب ق 4/ب-6/أ(76/45)
فما أحوج الشيعة إلى تأمل هذا الكلام العظيم من هذا الإمام الكريم، إنه لم يكتف بالنهي عن سبهما وبغضهما بل جعل حبهما رضي الله تعالى عنهما من علامات حبه رضي الله تعالى عنه وجعل بغضهما من علامات بغضه بل وفضلهما على نفسه الكريمة ، بجعلهما خير الناس بعد رسول الله ومصطفاه صلى الله عليه وسلم .
وتفضيله لهما على نفسه رضي الله عنه بالتواتر مستفيض عنه من الوجوه الكثيرة أنه قال على منبر الكوفة ، واسمع من حضر : خير الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر (1).
وروى الإمام البخاري في صحيحه عن محمد بن الحنفية –وهو ابن علي رضي الله عنه من زوجته الحنفية- قال : قلت لأبي : أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : أبو بكر ، قلت : ثم من ؟ قال : ثم عمر (2).
وعندما أظهر ابن سبأ الطعن في أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما ، أمر علي بقتله ، ثم شفع فيه بعض الناس، فعدل عن قتله ونفاه إلى المدائن –كما اعترف احد الشيعة بذلك-(3).
فرضي الله عن أمير المؤمنين وجزاه ربه خيرا عن وضعه الحق في نصابه ومعرفته الفضل لأهله ، فإنما يعرف الفضل لأهل الفضل ذوو الفضل .
__________
(1) راجع منهاج السنة النبوية 1/11-12
(2) صحيح البخاري 5/7 ك فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم باب حدثنا الحميدي ومحمد بن عبدالله..
(3) فرق الشيعة للنوبختي ص 44(76/46)
وعلى معتقده في الشيخين كان معتقد شيعة الأوائل ، فإنهم لم ينازعوا في تفضيل أبي بكر وعمر عليه رضي الله عنهم أجمعين ، وهذا ما اعترف به علماء الشيعة الأكابر ، فقد ذكر أبو القاسم البلخي أن سائلا سأل شريك بن عبدالله بن أبي نمر –من كبار أصحاب علي رضي الله عنه- فقال له : أيهما أفضل : أبو بكر أو علي ؟ فقال له شريك : أبو بكر ، فقال السائل : أتقول هذا وأنت من الشيعة ؟ فقال : نعم ، إنما الشيعي من قال مثل هذا والله لقد رقى علي هذه الأعواد –يريد أعواد منبر مسجده في الكوفة- فقال: ألا إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر . أفكنا نرد قوله ؟ أكنا نكذبه؟ والله ما كان كذابا(1)!!
أما الإمام علي بن محمد ، أبو جعفر الباقر : فقد نهى عن اللعن والسب مطلقا وأخبر الله تعالى يبغض ذلك، فقال :"إن الله يبغض اللعان السباب الطعان الفحاش المتفحش"، وهذا ما اعترف به أحد الشيعة (2) فهل يفعل الإمام المعصوم -عندهم- ما يبغضه الله؟.
وقد أخبر عن نفسه –رحمه الله- أنه يتولى الشيخين أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ، وأخبر أيضا أنه لم يكن أحد من أهل البيت يسبهما .
فعندما سأله جابر الجعفي عن الشيخين رضي الله تعالى عنهما :"أكان منكم أهل البيت أحد يسب أبا بكر وعمر؟ قال : لا، وأنا أحبهما وأتولاهما وأستغفر لهما"(3).
__________
(1) قال ابن تيمية في منهاج السنة 1/13-14 : ذكر هذا أبو القاسم البخلي في النقض على ابن الراوندي اعتراضه على الجاحظ، وقد نقله عته القاضي عبدالجبار الهمداني في كتابه "تثبيت دلائل النبوة 1/549
(2) وهو اليعقوبي في تاريخه 2/321
(3) طبقات ابن سعد 5/236(76/47)
أما الأمام جعفر الصادق رحمه الله –إمام القوم السادس- فلم يكن يتولاهما فحسب ، بل كان يأمر أتباعه بتوليتهما أيضا : فقد روى الكليتي –في كتاب الكافي الذي هو عند الشيعة بمنزلة صحيح البخاري عند أهل السنة- بسنده عن الصادق أنه قال لامرأة من الشيعة سألته عن أبي بكر وعمر ، أتتولاهما وتحبهما؟ : "توليهما" قالت : فأقول لربي إذا لقيته إنك أمرتني بولايتهما ؟ قال : نعم (1).
وأخبر زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أصحابه أنه لم يسمع أحدا من آبائه يتبرأ من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، كما نقل ذلك عن الشيعة (2)
وآباؤه –رضوان الله عليهم- الذين لم يسمع أحدا منهم يتبرأ من الشيخين هم : زين العابدين ، وعلى بن الحسين ، وأبوه الحسين بن علي، وجده علي بن أبي طالب.
أفلا يسع الشيعة ما وسع أئمتهم من تولي الشيخين والترضي عنهما ، وعدم التبرئ منهما ، ولعنهما؟!.
ولم يكتف زيد بن علي رضي الله عنهما بقوله هذا ، بل وافقه بفعله وذلك حين جاءه فوم ممن ينتحلون التشيع ومودة آل البيت ، وطلبوه منه أن يتبرأ من الشيخين ، أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، حتى يبايعوه –وذلك حينما خرج على الأمويين- ، فقال لهم كلمته الرائعة التي ألجمت أفواههم، وبينت لهم معنى التشيع الحق:"أنا أتبرأ ممن يتبرأ منهما"(3) ، "والبراءة من أبي بكر وعمر براءة من علي"(4) ، فقالوا له :"إذن نرفضك"(5).
__________
(1) الروضة من الكافي للكليني ص 101
(2) الانتقاضات الشيعية لهاشم الحسيني ص 497
(3) مرآة الجنان لليافعي ص 257
(4) الأنساب للبلاذري 3/241
(5) مرآة الجنان لليافعي ص 257 وانظر المصادر الشيعية : مروج الذهب للمسعودي 3/220 وروضات الجنات للخوانساري 1/324(76/48)
فهذه أقوال من يزعم الشيعة أنهم أئمة لهم ، وهذه حالهم، ويتولون أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما، بل وسائر الصحابة ، ويترحمون عليهم ، ولا يتبرؤون منهم، بل ويأمرون الناس بتوليهم ومحبتهم ، ويحذرونهم من بغضهم وسبهم . فكيف يدعي من يزعم الانتساب إليهم والبراءة من الشيخين والصحابة واجبة؟!.
سؤال أترك الإجابة عليه للشيعة أنفسهم.
ثانيا : زعم الشيعة أن الشيخين أبا بكر وعمر رضي الله عنهما يرجعان
إلى الدنيا قبل يوم القيامة للإقتصاص منهما وإنزال أشد العقوبة بهما:
بعتقد الشيعة الإثنا عشرية أنا أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما يرجعان إلى الدنيا قبل يوم القيامة للإقتصاص منهما على يد قائم أهل البيت –مهدي الشيعة المنتظر- ويزعمون أن القرآن الكريم دل على رجعتهما وأخبر عنهما أنهما يذوقان شتى ألوان العذاب في الرجعة .. فقد استدلوا بقوله تعالى حاكيا عن قوم موسى - عليه السلام - وما وقع عليهم من فرعون وجنوده (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون)(1)
فزعموا أن المراد بـ (فرعون وهامان) في هذه الآية أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما وحاشاهما مما بهتهما به الشيعة –يحيهم القائم قبل يوم القيامة ليشفي صدور شيعته منهما-.
__________
(1) سورة القصص الأيتان 5-6(76/49)
فقد أسند محمد بن الحسن الشيباني في كتابه كشف نهج الحق إلى محمد بن علي الباقر وجعفر بن محمد الصادق رحمها الله وحاشاهما مما نسبه إليهما الشيعة –قولهما في تفسير هذه الآية –(إن فرعون وهامان هاهنا شخصان من جبابرة قريش(1) يحيهما الله تعالى عند قيام القائم من آل محمد - عليه السلام - في آخر الزمان فينتقم منهما بما أسلفا(2).
وقد صرح جمع من علماء الشيعة أن المراد بفرعون وهامان في هذه الآية : أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما وزعموا أن قائمهم يحييهما ويصلبهما على جذع نخله ويقتلهما كل يوم ألف قتله جزاء بما قدما ظلم أهل البيت والاعتداء عليهم –على حد زعمهم-).
__________
(1) وضع الجزائري والحائري وشبر –من الشيعة-: أبا بكر وعمر بدل :"شخصان من جبابرة قريش" ، وعزو هذا القول إلى الصادق فقط."الأنوار النعمانية للجزائري2/89"وإلزام الناصب للحائري 2/366-274، وحق اليقين لشبر 2/10 –25-28
(2) نقله عنه البحراني في البرهان 3/220 وانظر الإيقاظ من الهجعة للحر العاملي ص 256-342 والأنوار النعمانية للجزائري 2/89، وإلزام الناصب للحائري 1/81-82، 2/266- 274-338 وحق اليقين لشبر 2/10 –25-28(76/50)
وممن صرح أن المراد بفرعون وهامان أبو بكر وعمر –رضي الله تعالى عنهما- وعامل بعدله من يبغضهما- .. البياضي(1) وحسن بن سليمان الحلي(2) والطبسي النجفي(3) والبحراني(4) والجزائري(5) وأحمد الأحسائي(6) وعلي الحائري(7) وعبدالله شبر (8) وغيرهم(9) .
وعلق المجلسي على رواية الكليني المسنده إلى جعفر الصادق وفيها القول المنسوب كذبا إلى أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - .. (وقد قتل الله الجبابرة على أفضل أحوالهم ... وأمات هامان وأهلك فرعون(10) بقوله : وأمات هامان أي عمر وأهلك فرعون أي أبا بكر ويحتمل العكس ويدل على أن المراد هذان الأشقيان)(11).
وبنحو قوله قال أبو الحسن العاملي(12) . وكنى الكاشاني عنهما بـ صنمي قريش (13).
__________
(1) في الصراط المستقيم
(2) في مختصر بصائر الدرجات ص 191
(3) في الشيعة والرجعة ص 139
(4) في البرهان 3/220
(5) في الأنوارالنعمانية 2/89
(6) في الرجعة ص 191
(7) في إلزام الناصب 2/266-274-337-338
(8) في حق اليقين 2/10 – 25-28
(9) ويلاحظ أن هؤلاء المذكورين كلهم من متأخريالشيعة ، ما بعد القرن التاسع الهجري ، إلى وقتنا الحاضر ، وقد نقل لاحقهم عن سابقهم ، وتواطؤوا فيما بينهم على ذلك ، ويجوز التواطؤ على الكذب -عقلا- إذا كان المتواطئون ينقلون ما يقوي مذهبهم ، وقد تبين لك أخي يا محب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحب أصحابه أن بغض الصحابة وسبهم من قواعد الشيعة وعقائدهم الأساسية فلا تغتر بتواطؤهم على نقل هذه الرواية الخبيثة ، ونسبتها إلى أئمتهم الطاهرين المبرئين مما يزعمه الشيعة ، إذ الشيعة قوم بهت ، دينهم الكذب
(10) الروضة من الكافي للكليني ص 277
(11) مرآة العقول –شرح الروضة- للمجلسي 4/277
(12) مقدمة البرهان للعاملي ص 263-341
(13) قرة العيون للكاشاني ص 432-433(76/51)
أما دعوى الشيعة إحياء قائمهم لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما وصلبهما فالمزاعم المفتراه والأكاذيب الملفقة عليها كثيرة في كتبهم وهم لا يتورعون عن الكذب على الله عز وجل الذي يقول سبحانه ..(ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا)(1) وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال في الحديث الصحيح المتواتر :"من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار"(2).
فتراهم يزعمون كذبا أن الله تعالى قد أخبر نبيه بذلك ليلة الإسراء:
فقد أسند الصدوق إلى جعفر الصادق –زورا وبهتانا- قصة الإسراء والمعراج وفيها زعموا رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لأنوار الأئمة الإثنا عشر وفي وسطهما محمد بن الحسن قائم الشيعة وسؤال ربه عنهم .. يا رب ومن هؤلاء؟ قال : الأئمة وهذا القائم الذي يحلل حلالي ويحرم حرامي وبه انتقم من أعدائي وهو راحة لأوليائي ؟ وهو الذي يشفي قلوب شيعتك من الظالمين والجاحدين والكافرين فيخرج اللات والعزى طريين فيحرقهما ، فلفتنة الناس يومئذ بهما أشد من فنتة العجل والسامري"(3).
__________
(1) سورة الأنعام الآية 21-93، وسورة هود الآية 18 وسورة العنكبوت الآية 68
(2) ذكر الزبيدي في "لقط اللآلئ المتناثرة في الأحاديث المتواترة" ص 261- 282 أن تسعة وتسعين صحابيا رووا هذا الحديث منهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي ا لله عنه الذي أخرج له هذا الحديث البخاري ومسلم وغيرهما
(3) إكمال الدين للصدوق ص 246 وانظر مقدمة البرهان لأبي الحسن العاملي ص 249(76/52)
والمراد بـ(اللات والعزى) عند الشيعة : أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما ، ويشهد لذلك تعليق أحد علماء الشيعة السيد الداماد الحسيني -الشيعي- على رواية إخراج القائم للات والعزى بقوله :"تنبيه : لا يخفين على بصيرتك أن اللات والعزى هما صنما قريش اللذان دعا عليهم أمير المؤمنين - عليه السلام - في دعائه المشهور ودفنا في بيت رسول الله وفي حريم قبره ودون إذن منه ولا أهل بيته المطهرين القائمين بأمره صلى الله عليه وآله وسلم "(1).
__________
(1) شرعة التسمية في زمن الغيبة للداماد الحسيني ق26/أ(76/53)
ويزعم الشيعة –كذبا أن عليا رضي الله عنه سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر به عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: فقد أسند ابن رستم الطبري إلى أبي الطفيل عامر بن واثلة(1) أنه قال –وحاشاه أن يكون قال هذا الكذب المبين- :"رأيت أمير المؤمنين وهو في بعض أزقة المدينة يمشي وحده فسلمت عليه واتبعته جتى انتهى إلى دار الثاني(2) فاستأذن فأذن له فدخل فدخلت معه فسلم على الثاني عمر –وهو يومئذ خليفة فجلس فحين استقرت به الأرض قال له : من علمك الجهالة يا مغرور؟ أما والله لو ركبت القفر ولبست الشعر لكان خيرا لك من المجلس الذي جلسته ...- إلى أن قال : والله لكأني بك وبصاحبك-أبي بكر- قد أخرجتما طريين حتى تصلبا بالبيداء..- إلى أن قال له عمر .._ يا أبا الحسن إني لأعلم انك ما تقول إلا حقا فأسألك بالله أن رسول الله سماني وسمى صاحبي؟ فقال له : والله إن رسول الله سماك وسمى صاحبك ....إلخ "(3).
__________
(1) صحابي مات سنة نيف ومائة . راجع الاستيعاب لابن عبدالبر 4/115-118 . والإصابة لابن حجر 4/113
(2) عند الأحسائي "عمر" بدل –الثاني- الرجعة ص 130-133 ويقصدون بالثاني : أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ، لأنه الثاني في الخلافة بعد الصديق رضي الله تعالى عنهما
(3) دلائل الإمامة لابن رستم الطبري ص 257-258 وانظر حلية الأبرار لهاشم البحراني 5/598-606 والرجعة للأحسائي ص 130-133 وانظر من كتب النصيرية : الهداية الكبرى للحسين بن حمدان الخضيبي ص 162-164(76/54)
وكتب الشيعة مملؤة بأخبار نسبوها –زورا وبهتانا- إلى عدد من الأئمة تدل على أنهم –أعني الشيعة- بعتقدون أن الشيخين أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما يخرجان من قبريهما ويصلبان قبل يوم القيامة وبعذبان أشد العذاب .. فالروايات المنسوبة -كذبا- إلى أبي جعفر الباقر : زعموا أنها رواها عنه عدد من رواة الشيعة أمثال أبي بصير(1) والمفضل بن عمر(2) وسلام بن المستنير(3) وعبد الأعلى الحلبي(4) وغيرهم . وكل هذه الروايات المكذوبة المفتراه تدور حول معنى واحد هو إخراج الشيخين رضي الله نعالى عنهما من قبريهما غضيان طريين وصلبهما وافتتان الناس بهما .
والرويات المنسوبة –زورا وبهتانا- إلى أبي عبدالله الصادق زعموا أنها رواها عنه عدد من رواة الشيعة أمثال ابي الجارود (5).
__________
(1) سعد السعود لابن طاووس ص 116 وانظر من كتب النصيرية : اللفت الشريف-رواية المفضل بن عمر الجعفي ص 164
(2) انظر مختصر بصائر الدرجات للحلي ص 189.والإيقاظ من الهجعة للحر العاملي ص 286-288. ومقدمة البرهان لأبي الحسن العاملي ص 361. وإلزام الناصب للحائري 1/81-82
(3) إكمال الدين للصدوق ص 626
(4) تفسير العياشي 2/57-58.والبرهان للبحراني 2/81-83 وبحار الأنوار للمجلسي 13/188-189
(5) أنظر دلائل الإمامة لابن رستم الطبري ص 242. والرجعة لأحمد الأحسائي ص 128-129(76/55)
والمفضل بن عمر(1) وبشير النبال(2) وإسحاق بن عمار وغيرهم .
وكلها تدور حول نفس المعنى الذي دارت عليه الروايات السابقة .
أما محمد بن علي الجواد المعروف بأبي جعفر الثاني : فقد روى عنه قصة صلب القائم للشيخين رضي الله عنهما –على حد زعم الشيعة- عبدالعظيم بن عبدالله الحسني(3) .
وعن محمد بن الحسن العسكري –وهو قائم الشيعة الذي يصلب الشيخين كما يزعمون وهو لم يولد أصلا لعقم الحسن العسكري زعم الشيعة أنه رواها علي بن أبي إبراهيم بن مهزيار. وهي قصة طويلة مفتراه ذكروا فيها قول محمد بن الحسن المهدي المزعوم- :"... وأجيء إلى يثرب فأهدم الحجر وأخرج من بها وهما طريان فآمر بهما تجاه البقيع وآمر بخشبتين فيصلبان عليهما فتورقان من تحتهما فيفتتن الناس بهما أشد من الفتنة الأولى ...إلخ"(4).
__________
(1) أنظر إكمال الدين للصدوق ص 392 وعيون أخبار الرضا له 1/58 وحلية الأبرار لهاشم البحراني 2/652-676. وبحار الأنوار للمجلسي 52/379 ،53/1-38 وحق اليقين له -فارسي- ص 527 والأنوار التعمانية للجزائري 2/85 ومقدمة البرهان للعاملي ص 360-362 والرجعة للأحسائي ص 182-200 وحق اليقين لشبر 2/23 وإلزام الناصب للحائري 2/262-337. وبيان غيبة حضرة إمام موعود لمحمد كرئلائي ق48/ق55. والشيعة والرجعة للطبسي ص 139. ودوائر المعارف الشيعية لمحمد حسن الأعلمي 1/350-351.
(2) أسنده إليه المفضل بن شاذان في كتاب الرجعة كما ذكر ذلك المجلسي في بحار الأنوار 52/386
(3) إكمال الدين للصدوق ص 361 . وإعلام الورى للفضل الطبرسي ص 409 والاحتجاج لأحمد الطبرسي ص 446. والإيقاظ من الهجعة للحر العاملي ص 269 والبرهان للبحراني 1/165 وبحار الأنوار للمجلسي 52/283 والرجعة للأحسائي ص 128-129
(4) مختصر بصائر الدرجات للحلي ص 176-177.والإيقاظ من الهجعة للحر العاملي ص 286(76/56)
وهذا المعتقد الخبيث المخالف لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين يعرف عن الشيعة بالرجعة ويزعمون أنها –أي الرجعة المزعومة- حشر للأبدان والأرواح تشبه حشر القيامة (1).
والرجعة من عقائد الشيعة الأساسية وقد استدلوا عليها بنحو مائة آية من كتاب الله أولوها بما لا يسعفه برهان ولا تقويه حجة .
ولا إمام عند الشيعة لمن لم يعتقد بالرجعة وليس من الشيعة في شيء من ينكرها-كما نسبوا ذلك إلى أئمتهم-(2).
وهي خاصة بمن كان مؤمنا خالصا أو منافقا خالصا فلا يرجع إلى من علت درجته في الإيمان أو بلغ الغاية في الكفر والنفاق .
ومعلوم أن الشيخين الجليلين أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما ليس ممن محضن الإيمان –عند الشيعة- فهما إذا من الفريق الآخر بدليل :
إجماع الشيعة على أنهما يرجعان ويذوقون شتى أنواع العذاب على يد القائم-الذي بعث نقمه(3) من صلبها(4) وضربهما بسياط من نار(5) وقتلهما في كل يوم ألف قتلة(6) وحرقهما(7) ونسفهما في اليم نسفا كما فعل موسى عليه السلام بالعجل(8) بل وقتل كل من أحبهما(9) على حد زعم الشيعة الذين أوردوا كل هذه المفتريات في كتبهم-.
__________
(1) حق اليقين لشبر 2/13
(2) راجع الاعتقادات للمجلسي ق 23-ب
(3) أسنده الكليني إلى الصادق : الروضة من الكافي ص 347
(4) البرهان للبحراني 2/407 ومقدمة البرهان للعاملي ص 361 والإيقاظ من الهجعة للحر العاملي ص 269، وإلزام الناصب للحائري 2/167
(5) الرجعة للأحسائي ص214
(6) الإيقاظ من الهجعة للحر العاملي ص 287
(7) الإيقاظ للحر العاملي ص 269 والرجعة للأحسائي ص 129
(8) مقدمة البرهان لأبي الحسن العاملي ص 239
(9) إلزام الناصب للحائري 1/146. والرجعة للأحسائي ص187(76/57)
والمتصفح لكتاب الأدعية عند الشيعة يجدها مليئة بدعاء القائم كي يخرج وينتقم من أعداء آل البيت وفي مقدمتهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وحاشا أبا بكر وعمر(1) أن يكون في قلبيهما بغض لآل بيت رسولهم صلى الله عليه وسلم وكثيرا ما يكون دعاءه شعرا ولك كقول قائلهم (2):
يا حجة الله يا خير الأنام ويا
أرجو من الله ربي أن يبلغني
ينبشان كما قال النبي لنا
ويشهران بلا ريب ولا شبه
ويصلبان على جذعين من خشب
هناك تشفى قلوب طال ما ملئت
نور الظلام ويا ابن الأنجم الزهر
أرى اللعينين رؤيا العين بالنظر
من بعد دفنها في سائر الحفر
على رؤوس الملا من سائر البشر
ويحرقان بلا شك ولا نكر
هما وتصبح بعد الهم بالبشر
__________
(1) راجع المصباح للكفعمي ص 34-305-495. ومفتاح الجنان لعباس القمي ص 589
(2) وهو صاحب عقد الدرر في شرح بقر بطن عمر ق11(76/58)
ولا يقتصر زمن صلب الشيخين رضي الله تعالى عنهما على وقت الرجعة عند الشيعة –بل تراهم يزعمون أن أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما يصلبان في كل عام أيضا فقد روى الصفار والمفيد بسنديهما المسلسلين بالكذابين عن عيسى بن عبدالله بن أبي طاهر العلوي(1) يروي عن أبيه عن جده "أنه كان مع أبي جعفر محمد بن علي الباقر(2) بمنى وهو يرمي الجمرات وأن أبا جعفر - عليه السلام - رمى الجمرات قال : فاستتمها ثم بقي في يده بعد خمس حصيات فرمى اثنتين وثلاثة في ناحية فقال له جدي : جعلت فداك لقد رأيتك صنعت شيئا ما صنعه أحد قط . رأيتك رميت الجمرات ثم رميت بخمسة بعد ذلك ثلاثة في ناحية و اثنتين في ناحية ؟ قال : نعم إنه إذا كان كل موسم أخرج الفاسقين الغاصبين ثم يفرق بينهما هاهنا لا يراهما إلا إمام عادل فرميت الأول –أبا بكر- اثنتين والآخر -عمر- ثلاثة لأن الآخر أخبث من الأول"(3).
وهكذا لا يتورع الشيعة عن توجيه مثل هذا الاتهامات إلا اللذين هما أفضل الناس بعد الأنبياء والمرسلين أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما وزيري رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرف مكانتهما ومنزلتهما عنده وقد شهد لهما أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بذلك :
__________
(1) وهو شيعي يبغض والشيخين والصحابة قال عنه المامقاني –من علماء الشيعة-:حسن . تنقيح المقال
(2) رحمه الله وحاشاه أن يكون قال شيئا من هذا الإفك
(3) بصائر الدرجات الكبرى للصفار ص 306-307. والاختصاص للمفيد ص 277 . وانظر : مختصر بصائر الدرجات للحلي ص 111. وبحار الأنوار للمجلسي 8/214(76/59)
فعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال :"وضع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على سريره فتكنفه الناس يدعون ويصلون قبل أن يرفع وأنا فيهم فلم يرعني إلا رجل آخذ منكبي فإذا علي بن أبي طالب فترحم على عمر وقال ما خلفت أحد أحب إلي أن ألقى الله بمصل عمله منك. وأيم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك وحسبت أني كنت كثيرا أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ذهبت أنا وأبو بكر وعمر ودخلت أنا وأبو بكر وعمر وخرجت أنا وأبو بكر وعمر وإني كنت أظن أن يجعلك الله معهما"(1).
ولا ريب أن عقيدة الرجعة التي يعتقدها الشيعة مخالفة لنصوص الكتاب والسنة تمام المخالفة :
فهناك آيات كثيرة تبطل هذه العقيدة تماما منها قوله تعالى :"حتى جاء أحدهم الموت قال ربي ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن وارائهم برزخ إلى يوم يبعثون"(2) فالبقاء في البرزخ إلى يوم البعث الذي هو يوم القيامة بالاتفاق.
وهذه الاية قطعت كل أمل في الرجعة إلى الدنيا سواء أكانت للعمل الصالح أم لغيره .
وقد بين الرب تبارك وتعالى فيها استحالة الرجوع إلى الدنيا وعلل هذه الاستحالة بوجود برزخ لا يمكن لأخد أن يتجاوزه حجز بين الموت والبعث وبين الدنيا والآخرة(3).
أضف إلى ذلك وجود الأحاديث النبوية الكثيرة المصرحة بعدم الرجعة إلى الدنيا قبل يوم البعث ولا يتسع المقام لإيرادها .
ولكن لما كانت النصوص القرآنية والنبوية غير ذات أثر أو اعتبار عند الشيعة ناسب أن أسوق لهما بعض أقوال من يعتقدون إمامته في إبطال عقيدة الرجعة ليتبن بذلك كذب ما نسبوه إلى هؤلاء الأئمة الأبرار من أباطيل وترهات :
__________
(1) صحيح البخاري 5/77. وصحيح مسلم 4/1859. وكلاهما في ك فضائل الصحابة ، باب فضل عمر
(2) سورة المؤمنون 99-100
(3) تفسير ابن كثير 3/256 وفتح القدير للشوكاني 3/499(76/60)
فمنهم : أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - الذي أخبر في عدة مواطن باستحالة رجوع من مات إلى الدنيا . من ذلك القول الذي نسبه إليه الشيعة في كتاب تهج البلاغة :"فبادروا العمل ، وخافوا بغتة الأجل ، فإنه لا يرجى من رجعة العمر ما يرجى من رجعة الرزق"(1).
وكذا القول الذي نسبوه إليه أيضا: "ما بينكم وبين الجنة إلا الموت أن ينزل بكم"(2).
ومنهم : الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما الذي رد على من نقل إليه مزاعم القائلين بالرجعة علي - رضي الله عنه - إلى الدنيا فقال :"كذب أولئك الكاذبون لو علمنا ذلك ما تزوج نساؤه ولا قسمن ميراثه"(3).
ومنهم : زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب إمام الشيعة الرابع الذي قال :"جاءني رجل من أهل البصرة فقال : ما جئت حاجا ولا معتمرا . قال : قلت : ما جاء بك ؟ قال : أسألك متى يبعث علي ؟ قال : يبعث يوم القيامة وهمة نفسه"(4).
ومنهم : محمد بن علي بن الحسين إمام الشيعة الخامس الذي نص صراحة على أن أهل البيت - عليه السلام - مبرؤون من اعتقاد الرجعة ، لم يقل أحد منهم بها ، فقد أخرج ابن سعد بسنده عن زهير بن جابر قال :"قلت لمحمد بن علي : أكان منكم أهل البيت أحد يقر بالرجعة؟ قال : لا . قلت : أكان منكم أهل البيت أحد يسب أبا بكر وعمر؟ قال : لا ، فأحبهما ، وتولاهما و استغفر لهما"(5).
__________
(1) نهج البلاغة 1/226
(2) نهج البلاغة 1/110
(3) مسند الإمام أحمد 1/148 وصحح إسناده أحمد شاكر في طبعة أخرى بتعليقه 1/312 . وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 10/22 رواه عبدالله وإسناده جيد
(4) السنة لابن أبي عاصم 2/482 وصحح الألباني إسناده
(5) طبقات ابن سعد 5/321(76/61)
ومنهم : أبو عبدالله جعفر بن محمد الصادق ، إمام القوم السادس الذي رد على من يزعم رجعة محمد بن الحنفية –وهو ابن علي بن أبي طالب من زوجته الحنفية، فقال :"حدثني أبي أنه كان فيمن عاده في مرضه ، وفيمن أغمضه وفيمن أدخله في حفرته. وتزوج نساؤه، وقسم ميراثه"(1).
وهذا القول شيب بقول الحسن بن علي رضي الله عنهما عن أبيه مكذبا من زعم رجعته :"لو علمنا ذلك ما تزوج نساؤه ولا قسمنا ميراثه"(2).
ومنهم : علي بن موسى بن جعفر ، الملقب بـ(الرضا) إمام الشيعة الثامن الذي رد على من قال بغيبة أبيه –موسى الكاظم- ورجعته .
بقوله الذي نسبه الشيعة إليه :"بلى والله لقد مات وقسمت أمواله ونكحت جواريه"(3).
وغير هذه من الأقوال الكثير التي صدرت عن أولئك الأئمة الذين كذب عليهم الشيعة وهم عن كذبهم غافلون .
وبعد : فهذه أقوال من يزعم من الشيعة أنهم أئمة لهم ، وقد نسب أكثرها إلى هؤلاء الأئمة : الشيعة أنفسهم ، فكيف ينسبون إليهم ما يؤكد عقيدة الرجعة تارة ، ثم ينسبون إليهم ما يبطلها أخرى ؟!.سؤال أترك الإجابة عليه للشيعة أنفسهم إن كان عندهم على هذا التناقض البين جواب .
ثالثا : زعم الشيعة الإثني عشرية أن الشيخين الجليلين أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما يخلدان في النار يوم القيامة ، ويعذبان فيها أشد العذاب :
لا تقتصر مزاعم الشيعة الإثني عشرية على التصريح بكفر الشيخين رضي الله تعالى عنهما وتعذيب قائم الشيعة لهما في الدنيا قبل يوم القيامة بل يزعمون كذلك أن الشيخين رضي الله تعالى عنهما مخلدان في جهنم يوم القيامة يعذبان فيها عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين حتى ولا إبليس اللعين .
__________
(1) إكمال الدين للصدوق -الشيعي- ص 34-35
(2) تقدم
(3) إكمال الدين للصدوق ص 36-37 وعيون أخبار الرضا له أيضا 1/106(76/62)
فقد نسبوا في كتبهم –زورا وكذبا- إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن إبليس اللعين أخيره أنه لما أهبط بخطيئته إلى السماء الرابعة نادى : (إلهي وسيدي ما أحسبك خلقت خلقا هو أشقى مني؟ فأوحى الله تبارك وتعالى :بلى قد خلقت من هو أشقى منك فانطلق إلى (مالك) يريكه ، فانطلقت إلى مالك ، فقلت : السلام يقرأ عليك السلام ويقول : أرني من هو أشقى مني ، فانطلق بي مالك إلى النار فرفع الطبق الأعلى ، فخرجت نار سوداء ظننت أنها أكلتني وأكلت مالكا، فقال لها : اهدئي، فهدأت ثم انطلق بي إلى الطبق الثاني فخرجت نار سوداء هي أشد من تلك سوادا وأشد حمى فقال لها : اخمدي فخمدت ، إلى أن انطلق بي إلى الطبق السابع وكل نار تخرج من طبق هي أشد من الأولى فخرجت نار ظننت أنها أكلتني وأكلت مالكا وجميع ما خلقه الله عز وجل فوضعت يدي على عيني وقلت : مرها يا مالك أن تخمد وإلا خمدت فقال : إنك لن تخمد إلى الوقت المعلوم فأمرها فخمدت فرأيت رجلين في أعناقهما سلاسل النيران معلقين بها إلى فوق وعلى رؤوسهم قوم معهم مقامع النيران يقمعونهما بها ، فقلت : يا مالك من هذان؟ فقال : أو ما قرأت على ساق العرش ؟ -وكنت قبل قد قرأته قبل أن يخلق الله الدنيا بألفي عام- لا إله إلا الله محمد رسول الله ، وأيدته ونصرته بعلي فقال : هذان من أعداء أولئك وظالميهم)(1).
وعلق المجلسي –شيخ الدولة الصفوية ، ومرجع الشيعة المعاصرين على هذه الرواية بقوله : (إنهما اللذان ظلماه أي أبي بكر وعمر)(2)
وهه الرواية فيها –مع اتثطاعها وضعف رواتها- إزراء وانتقاص لإمامهم المعصوم حيث جعلوا شيخه ابليس اللعين .
__________
(1) نسبه المفيد إلى جعفر الصادق يرويه عن أبيه عن علي . وفيه انقطاع كبير بين محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وعلي بن أبي طالب أضف إلى ذلك ما تسلسل به الرواة الكذابين ."الاختصاص للمفيد ص 108-109 وانظر حق اليقين للمجلسي ص 509-510
(2) حق اليقين للمجلسي ص 510(76/63)
وأسند أيضا الصفار الشيعي إلى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - -زورا وبهتانا- أنه سأل من حضر مجلسه : إن كانوا رأوا ما يرى ؟ ثم أخبرهم أنه رأى أبا بكر وعمر كل واحد على ترعة من ترع النار يقولان له : يا أبا الحسن استغفر لنا ، فلا يكلمهما وإنما يقول : لا غفر الله لهما (1)
ونسب الشيعة أيضا -كذبا- إلى بعض أئمتهم أنهم أخبروا عن الشيخين رضي الله تعالى عنهما أنهما يوضعان يوم القيامة في تابوتين من نار قد أحكم الرتاج عليهما في أحد أودية جهنم :
فقد أسند الصدوق والشعيري إلى اسحاق بن عمار الصيرفي – أحد رواة الشيعة – يروي عن موسى بن جعفر الكاظم خبرا طويلا ، ملخصه : (أن موسى الكاظم أخبره أن في النار واديا يقال له : سقر ، لو تنفس لأحرق ما على وجه الأرض وفي ذلك الوادي جبل وفي الجبل شعب وفي الشعب قليب وفي القليب حية (يتعوذ جميع أهل ذلك القليب من خبث هذه الحية ونتنها وقذرها وما أعد الله في أنيابها من السم لأهلها وإن في جوف تلك الحية لسبعة صناديق فيها خمسة من الأمم السالفةواثنان من هذه الأمة . قال : قلت : جعلت فداك ومن الخمسة؟ ومن الإثنان؟ قال : وأما الخمسة : فقابيل الذي قتل هابيل ، ونمرود الذي حاج إبراهيم في ربه فقال أنا أحيي وأميت وفرعون الذي قال أنا ربكم الأعلى وبهوذا الذي هود اليهود وبولس الذي نصر النصارى ومن هذه الأمة أعرابيان)(2)
وقد ذكر المجلسي أن المراد بالأعرابيين : أبو بكر وعمر (3)
__________
(1) بصائر الدرجات الكبرى ص 441
(2) الخصال للصدوق 2/398-399 وعقاب الأعمال له ص 483-487-488 وجامع الأخبار للشعيري ص 143-144 . وانظر البرهان للبحراني 4/527-528 وحق اليقين للمجلسي ص 502 . وحق اليقين لعبدالله شبر 2/171-172
(3) حق اليقين للمجلسي ص 502 وجلاء العيون له ص 160(76/64)
وهذه الأقوال المكذوبة التي نسبها الشيعة زورا وبهتانا إلى بعض الأئمة تخالف ال0-سنة الصحيحة التي أفادت أن الشيخين رضي الله عنهما لا يدخلان النار وأنهما من أهل الجنة بله الدرجات العالية الرفيعة فيها .
فلقد أخبر عليه الصلاة والسلام (لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة)(1)
ومعلوم أم الشيخين رضي الله تعالى عنهما ممن بايع تحتها .
وبشر عليه السلام الشيخين رضي الله عنهما بالجنة بشارة عامة شاركهم فيها عدد من الصحابة : مثل حديث الحائط (2) وغيره من الأحاديث الكثيرة الصحيحة .
وبشرهما بشارة خاصة بهما ، مثل قوله عنهما : "إن هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا التبيين والمرسلين"(3) ومثل قوله :"إن أهل الدرجات العلا يراهم من هو أسفل منهم كما ترى الكواكب في أفق السماء، وأبو بكر وعمر فيهما وأنعما"(4).
والأحاديث في ذلك كثيرة جدا ولا يتسع المقام لذكرها وكلها تدل دلالة قطعية على أن الشيخين رضي الله تعالى عنهما من أهل الجنة بل ومن أهل الدرجات العلا فيها وهي بمجموعها تبلغ حد التواتر المعنوي وهي من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة .
__________
(1) رواه مسلم في صحيحه 4/1942، ك فضائل الصحابة
(2) صحيح البخاري 5/72-74 ك فضائل الصحابة
(3) صحيح الجامع الصغير 2/75 والسلسة الصحيحة للألباني 2/492
(4) قال الهيثمي "أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة ورجاله رجال الصحيح إلا سلمة بن قتيبة وهو ثقة. مجمع الزوائد للهيثمي 9/54(76/65)
وفي هذه الأحاديث الكثيرة الدالة على فضل الشيخين رضي الله عنهما وما تقدم من أقوال أئمة أهل البيت في حبهما رضي الله عنهما وتوليهما والترضي عنهما إقامة للحجة على هؤلاء المبغضين لهما وبيان لمحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحبي صحابته ومحبي أهل بيته أن لا يغتروا بقول الشيعة في الشيخين الجليلين رضي الله تعالى عنهما لئلا يقعوا في بغض رسول الله صلى الله عليه وسلمدون شعور منهم إذ من المعلوم أن مبغض أبي بكر وعمر مبغض لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاء أو أبى إذ هما حبيباه وصفياه من أهل الدنيا ووزيراه وضجيعاه وقد تقدم قوله –بأبي هو وأمي- فيهما بقية أصحابه رضوان الله تعالى عنهم أجمعين :"فمن أحبهم فبحبي أحبيهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم".
فإياك إياك يا محب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقع في قلبك بغض لواحد منهم سيما سيدا المسلمين وحبيبا رسول رب العالمين.
اللهم يا إله الأولين والاخرين، ويا رب كل شيء ومليكه احفظ علينا حبنا لرسولك وحبيبك محمد صلى الله عليه وسلم ولأصحابه الأخيار البررة الأطهار كما ترضى يارب العالمين . آمين ،آمين، آمين .
المجلس السابع
موقف الشيعة الإثني عشرية من الخليفة الشهيد ذي النورين : عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه
عثمان بن عفان من الرعيل الأول من الصحابة ، ومن أفضلهم بعد الصديق والفاروق.
زوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنتيه الواحدة تلو الأخرى، فنال بذلك شرف مصاهرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرف بـ"ذي النورين" بسبب ذلك.
كان حييا شديد الحياء ، رفيع التهذيب عالي التربية ، لين العريكة ، سمح النفس ، دمث العشرة ، لطيف الطبع، كثير الإحسان والحلم، من أحكم قريش عقلا وأفضلهم رأيا.
ولقد أحبه قومه بسبب أخلاقه الفاضلة وسيرته الحميدة وسلوكه المثلى ، حتى صار حبهم له مضرب المثل ، فقد كانت المرأة منهم ترقص ولدها قائلة له :
أحبك والرحمن ... ... ... حب قريش لعثمان(76/66)
أسلم فكان من أتقى الناس وأورع الناس وأجود الناس وأسخى الناي وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد وأبلى البلاء الحسن.
تولى الخلافة بعد أبي بكر وعمر فسار بالناس بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه وتأسى بهم فأجمعت الأمة عليه.
ونتيجة اتساع رقعة الفتوحات في عهده ودخول طوائف شتى وأجناس مختلفة في حظيرة الدولة الإسلامية جمعت بين صفوفها حثالة من الحاقدين على الأمة بدأ أعداء الإسلام الداخليون يحيكون المؤامرات ضد المسلمين، وقد تولى كير هذه المؤامرات اليهودي عبدالله بن سبأ الذي أخذ يؤلب الناس على عثمان بن عفان زاعما أنه غير سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه فجمع حوله ثلة من الغوغاء من مطايا الشياطين فوافوا المدينة النبوية وقتلوا الخليفة الراشد والصحابة ينظرون ولكن لا يستطيعون له شيئا بسبب قسمه عليهم أن يكفوا أيديهم وأن لا يريقوا في سبيله قطرة دم . فبكت قلوبهم قبل عيونهم وحزنوا عليه حزن من قتل وحيدها بين يديها وهي تنظر إليه .
ولا يزال المسلمون كلهم منذ ذلك الحين يبكون على تتابع الأسام وتوالي الشهور ذلك الخليفة المظلوم الصابر الذي آثر أن يفدي المسلمين بنفسه ويعصم دماءهم بدمه ويترضون عنه ويترحمون عليه ويشهدون بمآثره وفضائله ومناقبه فرضي الله عن عثمان وأرضاه.
إلا الشيعة فإنهم رغم ذلك كله تراهم يسلقومه بألسنة حداد ويوجهون إليه العديد من المطاعن دون أن يرقبوا قربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وشدة اختصاصه به .
ومن المطاعن التس وجهوها إليه :
أولا : طعنهم في أخلاقه رضي الله عنه :
حسن خلق عثمان رضي الله عنه من الأمور التي تضافرت الأدلة على إثباته فبلغت بمجموعها حد التواتر المعنوي حتى أنه لو أنكر إنسان حسن خلقه وسيرته الحميدة ومآثره النبيلة لقام الناس كلهم عليه وأشاروا بسباباتهم إليه : إن هذا القائل من الكاذبين .(76/67)
ولست أدري كيف يستحل الشيعة الكذب ويأتون بما يناقض ما تواتر لفظا أو معنى مما يجعل من يقرأ ما كتبوه يصمهم بالكذب إلا أن يقولوا أن ذلك من التقية فلا أظن أن التقية تسوغ لهم معارضة الأمور المتواترة .
لذلك نجدهم قد وجهوا العديد من المطاعن إلى أخلاق الحيي الكريم عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه ووصفوه بأنه زان مخنق يلعب به همه بطنه وفرجه ... إلخ .
فقد أطلقوا عليه اسم (نعثل) وذكروا أنه من أسماء ذكور الضباع وزعموا أن أنهم إنما أطلقوا عليه هذا الاسم لأوجه الشبه بينه وبين ذكر الضباع ، فذكر الضباع –كما زعموا- "إذا صاد صيدا قاربه -جامعه- ثم أكله" وعثمان رضي الله عنه –وحاشاه أن يوصف بما رماه به الشيعة من الإفك- "أتى بامرأة لتحد، فقاربها -جامعها- ثم أمر برجمها" –على حد زعم الشيعة-(1) .
وليس الأمر قاصرا عند الشيعة على اتهام عثمان رضي الله عنه بالزنا ، بل تعدوه إلى زعمهم أنه كان ممن يلعب به وأنه كان مخنثا ..." (2).
وقد نسبوا إلى علي رضي الله عنه –زورا وبهتانا- أنه قال عن عثمان : همه بطنه وفرجه:
فقد روى الكليني بسنده –في كتاب الكافي أحد أصولهم المعتبرة- عن علي بن أبي طالب أنه قال في إحدى خطبه :"سبق الرجلان، وقام الثالث كالغراب همته بطنه وفرجه، ويا ويحه لو قص جناحاه وقطع رأسه لكان خيرا له"(3).
وذكر المجلسي في شرحها أن المراد بالثالث : عثمان بن عفان، وأن اللذين سبقاها هما أبو بكر وعمر (4).
وزعم الشيعة أيضا أن عثمان بن عفان رضي الله عنه لم يكن يبالي أحلالا أكل أم حراما.
__________
(1) الصراط المستقيم للبياضي 3/30 وانظر إحقاق الحق للتستري ص 306
(2) الصراط المستقيم للبياضي 3/30 وانظر إحقاق الحق للتستري ص 306
(3) الروضة من الكافي للكليني ص 277-279 وانظر الجمل للمفيد ص 62. والطرائف لابن طاووس ص 417
(4) مرآة العقول شرح الروضة للمجلسي 4/278-279(76/68)
فقد أسند الكليني أيضا -كذبا- إلى جعفر الصادق أنه قال :"إن ولي عثمان لا يبالي أحلالا أكل أو حراما، لأن صاحبه كان كذلك"(1).
ومرادهم بصاحبه : عثمان بن عفان رضي الله عنه .
وهذه المطاعن التي وجهها الشيعة إلى أخلاق عثمان رضي الله عنه إنما وجههوها إلى من أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه أن الملائكة تستحي منه (2).
وإلى من أخبر عن نفسه أمام جمع كبير من الناس –كان يمكنهم أن يردوا عليه لو كان كاذبا- بأنه ما زنى قط في جاهلية ولا إسلام (3).
ثم الشيعة بعد هذا يزعمون أنه كان زانيا ومخنثا ويلعب به و .. ، و.. إلخ ما أوردوه من الأكاذيب .
أما ما نسبوه إلى علي ، زاعمين أنه قال عن عثمان :"همته بطنه وفرجه" فكذب كله والثابت عنه رضي الله عنه مدح عثمان والثناء عليه فقد قال عنه مرة :"إنه كان خيرنا وأوصلنا"(4) وقال عنه أخرى :"هو من الذين آمنوا ثم اتقوا ثم أمنوا ثم اتقوا ."(5).
وأقواله في مدح عثمان والثناء عليه كثيرة جدا وكلها تفند ما نسبه الشيعة إليه من قوله عن عثمان :"همه بطنه وفرجه" ، وتشهد بكذب الشيعة وافتراءاتهم على من يزعمون أنه إمام لهم .
ويرد ذلك ايضا ما ورد في سيرته رضي الله عنه في إمارته فقد ذكر عته أنه رضي الله تعالى عنه أنه كان يطعم الناس طعام الإمارة ويأكل هو الخل والزيت (6).
فهل يكون متهما ببطنه من كان طعامه الخل والزيت؟.
__________
(1) الروضة من الكافي للكليني ص 333
(2) صحيح مسلم 4/1866-1867 ك فضائل الصحابة باب من فضائل عثمان رضي الله عنه
(3) مسند أحمد 1/61-62-65 فضائل الصحابة له 1/464-465-466-495-496-508 وطبقات ابن سعد 3/67 وتاريخ المدينة لابن شبه 2/358
(4) فضائل الصحابة لأحمد 1/468
(5) نفس المصدر 1/474. وقد صححه محقق الكتاب
(6) ذكره المحب الطبري في الرياض النضرة وقال –خرجه صاحب الصفوة والملائي والفضائلي.-الرياض النضره 2/44-(76/69)
ثانيا : زعم الشيعة الإثني عشرية أن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه كان منافقا كافرا . وقولهم بوجوب لعنه والبراءة منه :
يزعم الشيعة أن عثمان رضي الله عنه كان منافقا يظهر الإسلام ويبطن النفاق .
قال نعمة الله الجزائري -الشيعي- :"إن عثمان كان في زمن النبي صلى الله عليه وآله ممن أظهر الإسلام وأبطن النفاق"(1).
وقال الكركي :"إن من لم يجد في قلبه عداوة لعثمان ولم يستحل عرضه ولم يعتقد كفره فهو عدو لله ورسوله ، كافر بما أنزل الله "(2).
إذا : ليس الأمر قاصرا على تكفير عثمان رضي الله عنه بل تكفير كل من لم يبغضه ويكفره ويشتمه ويخوض في عرضه ويعنونكم أنتم أيها المسلمون.
ولم يكتف الشيعة بالحكم على عثمان رضي الله عنه بالكفر بل أوجبوا لعنه والبراءة منه (3)، ومن يتصفح كتبهم يجد العجب العجاب .
ولا ريب أن هذا الصنيع يعد مخالفة صريحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقد توعد الله من يخالف أمره بالفتنة في الدنيا والعذاب الشديد في الآخرة قال تعالى : (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم)(4).
فالرسول صلى الله عليه وسلم بشر عثمان رضي الله تعالى عنه بالجنة (5) وزوجه ابنته رقية (6) فلما توفيت زوجه ابنته الأخرى أم كلثوم (7) فلما ماتت أم كلثوم وحزن عليها عثمان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"لو كانت عندي ثالثة زوجتها عثمان"(8).
__________
(1) الأنوار النعمانية للجزائري 1/81
(2) نفحات اللاهوت للكركي ق57/أ
(3) المصباح للكفعمي ص37. وعلم اليقين للكاشاني 2/768 والفصول المهمة للحر العاملي ص 170 ومفاتيح الجنان لعباس القمي ص212
(4) سورة النور 63
(5) صحيح البخاري 4/64 ك الوصايا باب إذا وقف أرضا
(6) صحيح البخاري 5/83 ك فضائل الصحابة باب مناقب عثمان بن عفان رضي الله عنه
(7) الذرية الطاهرة النبوية للجولابي ص59
(8) طبقات ابن سعد 3/56(76/70)
ومعلوم أن المنافق والكافر لا يدخل الجنة بل هي محرمة عليه فكيف يتفق حكم الشيعة على عثمان بالكفر والنفاق مع بشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم له بالجنة؟!
ثم كيف يزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان ابنتيه الواحدة تلو الأخرى وهو كافر منافق –كما زعم الشيعة-؟!.
فدل هذا على أن دعوى الشيعة قد خالفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بشر عثمان بالجنة ، وزوجه ابنتيه الواحدة تلو الأخرى لما عرف عنه من دين وخلق وفضل ، ومات عليه السلام وهو عنه راض(1).
ثالثا : زعم الشيعة الإثني عشرية أن عثمان رضي الله تعالى عنه قتل زوجته : ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
يزعم الشيعة الإثنا عشرية أن عثمان رضي الله تعالى عنه قتل رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويستدلون على هذه الفرية بآيات زعموا كذبا أنها نزلت فيه ، والايات هي : قوله تعالى :"أيحسب أن لايقدر عليه أحد يقول أهلكت مالا لبدا أيحسب أن لم يره أحد ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين وهديناه النجدين"(2).
فقد روى القمي بسنده عن أبي جعفر الباقر –رحمه الله وحاشاه ان يكون صدر عنه شيء من هذا البهتان المبين- في تفسير هذه الآيات أنه قال :"قوله تعالى :"أيحسب أن لن يقدر عليه أحد" قال : يعني عثمان في قتله ابنة النبي صلى الله عليه وآله . "يقول أهلكت مالا لبدا" يعني الذي جهز به النبي من جيش العسرة "أيحسب أن لم يره أحد" قال : فساد كان في نفسه "ألم نجعل له عينين" يعني رسول الله : يعني رسول الله صلى الله عليه وآله . "ولسانا" يعني أمير المؤمنين (ع). "وشفتين" : يعني الحسن والحسين عليهما السلام."وهديناه النجدين" : إلى ولا يتهما..."(3).
__________
(1) صحيح البخاري 2/213 ك الجنائز باب ما جاء في قبر عمر رضي الله عنه
(2) سورة البلد 5-10
(3) تفسير القمي 2/423 وانظر تفسير الصافي للكاشاني 2/819 والبرهان للبحراني 4/463 ومقدمة البرهان لأبي الحسن العاملي ص74(76/71)
وأسند الكليني –في كتابه الكافي أحد المصادر الشيعية المعتبرة عند الشيعة- إلى أبي بصير قال :"قلت لأبي عبدالله (ع) : أيقلت من ضغطة القبر أحد؟ قال : نعوذ بالله منها، وما أقل من يفلت من ضغطة القبر، إن رقية لما قتلها عثمان وقف رسول الهل صلى الله عليه وآله على قبرها فرفع رأسه إلى السماء فدمعت عيناه ، وقال للناس: إني ذكرت هذه وما لقيت فرققت لها واستوهبتها من ضغطة القبر فوهبها لي"(1).
أما كيف قتلها –على حد كذبهم وافترائهم- : فقد زعم البياضي الشيعي أنه ضربها حتى ماتت (2).
ويزعم الشيعة أن رقية كانت خائفة من عثمان وكانت تدعو الله أن ينجيها منه ومن عمله.
فقد روى شرف الدين النجفي بسنده أن أبا عبدالله جعفر بن محمد بن علي الصادق قال في تفسير قوله تعالى :"وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين"(3) أنه قال : "هذا مثل ضربه الله لرقية بنت رسول الله التي تزوجها عثمان بن عفان . قال : "ونجني من فرعون وعمله" : يعني من الثالث ، عثمان"(4).
__________
(1) الفروع من الكافي للكليني –ط حجرية- 2/222 . وانظر : حق اليقين لعبدالله شبر 2/83
(2) الصراط المستقيم للبياضي 3/34
(3) سورة التحريم 11
(4) نقله عنه البحراني في البرهان 4/358 وقد وردت روايات أخرى أيضا ذكرت صراحة أن المراد بالثالث عند الشيعة : عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه وقد أطلقوا عليه هذا اللقب لأنه ثالث الغاصبين بزعمهم. راجع تفسير القمي –ط حجرية-ص266 –ط حديثة- 2/107 وتفسير الصافي للكاشاني 2/173، 820 والبرهان للبحراني 3/133 ، 140-141 ، 4/463-464(76/72)
وقال هاشم معروف الحسني –وهو من الشيعة المعاصرين-:"وتشير المرويات الكثيرة(1) أن عثمان بن عفان لم يحسن صحبتها ولم يراع رسول الله فيها فتزوج عليها أكثر من امرأة وماتت على أثر ضربات قاسية منه أدت إلى كسر أضلاعها..."(2)
فالشيعة إذا سلفهم وخلفهم على أن عثمان رضي الله عنه قتل رقية.
ولا ريب أن مزاعم الشيعة هذه مزاعم باطلة تردها الأدلة الكثيرة :
– منها : ما عرف عنه رضي الله عنه من شدة وصدق حيائه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"أرحم أمتي أبو بكر وأشدها في دين الله عمر وأصدقها حياء عثمان.."(3).
وقد تقدم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفه بالحياء وأخبر أن الملائكة تستحي منه (4).
والحياء كله خير (5) كما قال الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام وهو لا يأتي إلى بخير(6) وهو من الإيمان(7) ما كان في شيء إلا زانه (8) وهو –أي الحياء- خلق يبعث على ترك القبيح (9) وقد أخبر صلى الله عليه وسلم "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى : إذا لم تستح فاصنع ما شئت"(10)
فإذا فقد الإنسان الحياء فلا رادع يردعه عن عن فعل الفواحش وارتكاب المنهيات وإذا من الله عليه بالاتصاف بهذه الصفة الحميدة فقد أعطاه خيرا كثيرا .
__________
(1) يقصد المرويات الكثيرة المتضافرة على الكذب عند الشيعة
(2) سيرة الأئمة الإثني عشرية لهاشم الحسيني1/67
(3) أخرجه أحمد –بسند صحيح- ، وابن ماجه وغيرهما "سنن ابن ماجة 1/55 ، المقدمة ، باب فضائل الصحابة ، ومسند أحمد 1/74 ، 3/184-281 وفضائل الصحابة له 1/494
(4) والحديث في صحيح مسلم 4/1866-1867 ك فضائل الصحابة باب من فضائل عثمان بن عفان رضي الله عنه
(5) صحيح مسلم 1/64 ك الإيمان باب بيان عدد من شعب الإيمان
(6) صحيح البخاري 8/53 ك الأدب باب الحياء
(7) صحيح البخاري 8/53 ك الأدب باب الحياء
(8) جامع الترمذي -وحسنه- 4/346 ك البر
(9) فتح الباري لابن حجر 10/522
(10) صحيح البخاري 8/54 ك الأدب باب الحياء(76/73)
– والدليل الثاني : هو ما أخرجه أحمد والحاكم والدولابي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رقية رضي الله عنها قالت :"خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندي آنفا ، فرجلت رأسه فقال : كيف تجدين أبا عبدالله، بعني عثمان؟ قالت : قلت : كخير الرجال ، قال : أكرميه، فإنه من أشبه أصحابي بي خلقا"(1).
وورد في رواية أخرى أن أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم هي التي قالت هذه المقالة (2).
فأين هذا من مزاعم الشيعة أن عثمان قتلها، وأنها كانت تدعو ربها جل وعلا أن ينجيها منه وغير ذلك من الافتراءات الواضحات.
فهذا الحديث ذكر فيه ثناء رقية رضي الله عنها على خلق عثمان وأنه عندها من خير الرجال وقد وافقها أبوها صلى الله عليه وسلم وضم إلى المزية التي ذكرتها مزية أخرى ، هي تشابه أخلاق عثمان رضي الله عنه مع أخلاقه عليه الصلاة والسلام.
فمن طعن في أخلاق عثمان رضي الله تعالى عنه فقد طعن بمن أشبهه عثمان في خلقه في المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى –فداه روحي ودمي-صلى الله عليه وسلم.
والدليل الثالث : هو تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان ابنته الأخرى ، أم كلثوم رضي الله عنها بعد موت أختها رقية رضي الله عنها وصلى على أبيها وآله وسلم.
وبعض الشيعة يعترفون بهذا ، أمثال الفضل بن الحسن الطبرسي الذي قال :"عثمان تزوج أم كلثوم بعد موت زوجه رقية"(3).
وأشار الكفعمي وعباس القمي إلى ذلك (4).
فإذا كان قد قتل واحدة من بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف زوجه من الأخرى؟!
__________
(1) وقد صحح محقق كتاب فضائل الصحابة إسناد الروايتين اللتين أوردهما الإمام أحمد ."فضائل الصحابة لأحمد 1/510 ، 514 والمستدرك للحاكم 4/48 والذرية الطاهرة النبوية للدولابي ص 55-56
(2) الذرية الطاهرة للدولابي ص51
(3) إعلام الورى للفضل بن الحين الطبرسي ص148
(4) المصباح للكفعمي 37 ومفتاح الجنان لعباس القمي 212(76/74)
بل كيف قال لما ماتت الثانية :"لو كن عشرا لزوجتهن عثمان وما زوجته إلا بوحي السماء"(1).
وأسوق إليك فيما يلي –أخي القارئ- هذه الواقعة التي ذكرها علماء الرجال عند أهل السنة في كتبهم والتي تدلك على ان هذه المزاعم التي اختلقها الشيعة في عثمان رضي الله عنه –وحالها كحال بقية المطاعن التي ألصقوها بخيار عباد الله ، صحابة نبيك محمد عليه وعلى آله وأصحابه الصلاة والسلام- إنما هي من بنات أفكارهم وما تمليه عليهم معتقداتهم التي جبلت في قلوبهم فأشربتها ، وأنتجت بغضا لأفضل جيل عرفته البشرية.وحالها كحال بيت العنكبوت :
قال العقيلي ، وابن عدي بسنديهما عن عباد بن عباد أن يونس بن خباب الأسيدي –وكان رافضيا- قال له :"إن عثمان قتل بنتي النبي صلى الله عليه وسلم " فقال له عباد: "قتل واحدة فلم أنكحه الأخرى؟!"(2).
فبهت الرافضي ولم يجد جوابا.
وقد زعم بعض الشيعة أن التي قتلها عثمان كانت أم كلثوم ، فلم يزوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدها، قال نعمة الله الجزائري :"وأما أم كلثوم فتزوج عثمان بها أيضا بعد أختها رقية وتوفيت عنده ، وذلك أنه ضربها ضربا مبرحا فماتت منه"(3).
ولكن هذا القول غير مسلم عند الشيعة أنفسهم لمعارضته ما روي عن أئمتهم من أن التي قتلها عثمان هي رقية وليست أم كلثوم.
وقد تقدم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو كن عشرا لزوجتهن عثمان".
__________
(1) قال الهيثمي : رواه الطبراني في حديث طويل وفيه عبدالرحمن بن أبي الزناد وهو لين وبقية رجاله ثقات وذكر الهيثمي حديثا آخر هو قوله صلى الله عليه وسلم :"ما زوجت أم كلثوم من عثمان إلا بوحي من السماء" وقال –أي الهيثمي- :"وإسناده حسن لما تقدمه من الشواهد" مجمع الزوائد للهيثمي 9/83
(2) الضعفاء للعقيلي 4/458 والكامل لابن عدي 7/2629 وانظر ميزان الاعتدال للذهبي 4/479
(3) الأنوار النعمانية للجزائري 1/367(76/75)
وهذا يبطل ما زعموه من أنه عليه السلام امتنع عن تزويجه بعد ما قتل ابنته.
– وأما الدليل الرابع : فكون القصة لم ترد في أي كتاب من كتب أهل السنة، ولم يذكرها إلا الشيعة، .............. ولو كانت قد وقعت على حد زعم الشيعة لتناقلها رواة التاريخ والسير سيما وأنها قد وقعت في حياته صلى الله عليه وسلم وأمام سمعه وبصره ثم هو بعد ذلك تغافل عنها-كما يفهم من إيراد الشيعة لها- ولم يقم حد القتل على القاتل، وهو الذي لا يتوقف في إمضاء الحدود ولا يخاف في الله لومة لائم وهو القائل عليه الصلاة والسلام لما سرقت المخزومية ، وشفع فيها من شفع :"لو كانت فاطمة لقطعت يدها"(1).
– أما الايات التي استدل بها الشيعة على هذه المزاعم فقد نحوا في تفسيرها منحى التأويل الباطني الذي لا يعقله عندهم إلا الملك المقرب أو النبي المرسل ، أو العبد الذي امتحن الله قلبه للإيمان- كما هو مسطور في كتبهم (2) مع أن القرآن الكريم أنزل بلغة العرب وبها يفهم ، قال تعالى : "إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون"(3) ولكن تفسير الشيعة الباطني أبعد شيء عن عقول الرجال كما اعترفوا هم أنفسهم بذلك ، ونسبوه إلى أئمتهم(4).
والمنحى الباطني الدي نحوه في تأويل هذه الآيات واضح لمن تأمله ، فقد قالوا في خبر الله تعالى عن جنس الإنسان :"ألم نجعل له عينين، ولسانا وشفتين ، وهديناه النجدين" : إن العينين هما رسول الله واللسان علي بن أبي طالب والشفتين الحسن والحسين والنجدين ولا يتهما.
وهذا أبعد شيء عن عقول الرجال كما أقروا بذلك في كتبهم ولم ينزل القرآن الكريم بمثل هذه التأويلات الباطنية .
__________
(1) صحيح البخاري –ط سلفية- 3/28 ك فضائل الصحابة باب ذكر أسامة بن زيد
(2) راجع كتبهم التالية : بصائر الدرجات الكبرى للصفار ص 41-42 ومعاني الأخبار للصدوق ص 188-189 والأمالي له ص 4 وتفسير فرات الكوفي ص 161-162
(3) سورة يوسف 2
(4) الميزان في تفسير القرآن للطباطبائي 3/73(76/76)
ولم يقل أحد من المفسرين عن هذه الآيات أنها نزلت في عثمان رضي الله عنه كما زعم الشيعة(1).
وبهذا يتبين لك أخي المسلم ، يا محب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحب أهل بيته عليهم السلام ، ومحب صحابته عليهم الرضوان من الله الرضوان أن ما يورده الشيعة من اتهامات موجهة إلى خيار الصحابة وساداتهم إنما تمليه عليهم عقيدتهم المبنية على بغض الصحابة ، وسبهم والقول بوجوب لعنهم والبراءة منهم.
المجلس الثامن
موقف الشيعة الإثني عشرية من بقية الصحابة العشرة المبشرين بالجنة
فيا سائلي عن خيار العباد
خيار العباد جميعا قريش
وخير ذوي الهجرة السابقون
علي وعثمان ثم الزبير
وشيخان قد جاورا أحمدا
فمن كان بعدهما فاخرا
وعامر من فهر ثم ابن زيد
صادفت ذا العلم والخبره
وخير قريش ذوو الهجرة
ثمانية وحدهم نصره
وطلحة واثنان من زهره
وجاور قبراهما قبره
فلا تذكروا عندهم فخره
فقد أصبحوا يا أخي عشره
بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة من أفاضل أصحابة بالجنة ، بأنهم سيدخلونها بقوله :"عشرة في الجنة: أبو بكر في الجنة ، معمر في الجنة ، وعثمان في الجنة ، وعلي في الجنة وطلحة في الجنة والزبير في الجنة وعبدالرحمن بن عوف في الجنة ، وسعد في الجنة وسعيد في الجنة وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة"(2).
__________
(1) راجع : جامع البيان للطبري 30/198-199 وتفسير ابن كثير 4/512-513، وفتح القدير للشوكاني 5/443-444
(2) الحديث مروي من عدد من الصحابة منهم ، سعيد بن زيد وقد أخرج حديثه أبو داود والترمذي – وقال : حسن صحيح ، وأخرجه أحمد في مسنده وصححه أحمد شاكر رحمه الله "سنن أبي داود 5/37-40 ك السنة وجامع الترمذي 5/651 ك المناقب(76/77)
وقد أنكرالشيعة هذا الحديث – رغم ثبوته وصحته- ونسبوه إلى الوضع (1) . ولم يكتفوا بذلك ، بل زعموا أن هؤلاء العشرة المبشرين بالجنة -عدا علي- كانوا من المنافقين وفعلوا أفعالهم .
وقد تقدمت بعض الاتهامات التي وجههوها إلى الخالفاء الراشدين المهددين الثلاثة ، أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهم .
وسأقتصر هنا على بيان نماذج يسيرة من أقوالهم في بقية العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين .
وهم عدا الخلفاء الربعة الراشدين : طلحة بن عبيد الله ، والزبير بن العوام ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبدالرحمن بن عوف ، وأبو عبيدة عامر بن الجراح ، وسعيد بن زيد رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين .
أولا : موقف الشيعة الإثني عشرية من طلحة بن عبيد الله ، والزبير بن العوام رضي الله تعالى عنهما :
طلحة بن عبيدالله التيمي القرشي ، والزبير بن العوام الأسدي القرشي من الرعيل الأول من الصحابة ، ومن العشرة المبشرين بالحنة .
بل هما جارا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها كما أخبر عنهما بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه :
فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : "سمعت إذني من في رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول : طلحة والزبير جاراي في الجنة"(2)
أسلما قديما ، ونصرا رسول الله صلى الله عليه وسلم باللسان والسنان ، وكلاهما شهدا المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبليا فيها البلاء الحسن ، وكل واحد منهما اختص بمناقب لم يختص بها غيره من الصحابة :
__________
(1) كفاية الأثر للخزاز ص 115 والاقتصاد للطوسي ص 364
(2) أخرجه الحاكم في مستدركه 3/364 وقال صحيح الإسناد(76/78)
فمما اختص به الزبير أنه كان أول من سل سيفا في سبيل الله (1)، وأنه حواري النبي صلى الله عليه وسلم (2) .
ومما اختص به طلحة : أنه وقى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد بيده حتى شلت (3) ، وبرك لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد على ظهره حين انتهى إلى صخرة لم يستطع أن يصعدها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ذاك : "أوجب طلحة"(4) ، أي فعل ما أوجب له الجنة .واستبسل في الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ووقاه بنفسه ، وحال بينه وبين سهام المشركين حتى أثخنته الجراح ، وكان أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه إذا ذكر يوم أحد قال : ذلك كله يوم طلحة (5).
ومناقبهما رضي الله تعالى عنهما كثيرة ، ولا يتسع المقام لذكرها .
والشيعة كدأبهم مخع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سيما سادتهم وكبارهم يحاولن طمس فضائلهم ، وإلصاق النقائص بهم ، وتوجيه المطاعن إليهم ، وهكذا فعلوا مع طلحة والزبير رضي الله تعالى عنهما .
وسأقتصر على نماذج يسيرة توضح موقف الشيعة منهما بإيجاز :
– زعم الشيعة أن طلحة والزبير رضي الله عنهما كانا إمامين من أئمة الكفر :
__________
(1) فضائل الصحابة للإمام أحمد 2/735. والاستيعاب لابن عبدالبر 1/581 والمستدرك للحاكم 3/360-361. وانظر در السحابة للشوكاني ص 241
(2) سنن الترمذي 5/646 ك المناقب باب مناقب الزبير وقال هذا حديث حسن صحيح. وفضائل الصحابة لأحمد 2/737 –738 وطبقات ابن سعد 105-106. والمعجم الكبير للطبراني 1/78. والمستدرك للحاكم 3/367 وقال صحيح ووافقه الذهبي
(3) صحيح البخاري 5/94 ك فضائل الصحابة باب ذكر طلحة
(4) جامع الترمذي 5/643 –644 ك المناقب باب مناقب طلحة- وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح غريب. والمستدرك للحاكم 3/374 ومسند أحمد 1/165. وفضائل الصحابة له 2/744. وطبقات ابن سعد 3/218
(5) الرياض النضرة للمحب الطبري 2/252(76/79)
يزعم الشيعة أن طلحة والزبير رضي الله عنهما كانا إمامين من أئمة الكفر ، عاشا كافرين ، وماتا كذلك .
وقد استدلوا على أنهما كانا كذلك بما نسبوه –كذبا- إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه ، زاعمين أنه قال : "ألا إن أئمة الكفر في الإسلام خمسة : طلحة والزبير ومعاوية ، وعمرو بن العاص ، وأبو موسى الأشعري"(1) .
ولم يكتف الشيعة بهذه المزاعم المكذوبة ، بل ذكر علماؤهم صراحة –ورموا بالتقية وراء ظهورهم- أن طلحة والزبير رضي الله تعالى عنهما –وحاشاهما مما نسبه الشيعة إليهما- عاشا كافرين وماتا كافرين :
قال المفيد – وهو من كبار علمائهم- : "إن القوم ، طلحة والزبير وأشكالهما مضوا مصرين على أعمالهم غير نادمين عليها ، ولا تائبين منها"(2).
وقال محمد علي الحسني –وهو من الشيعة المعاصرين- :"إن الزبير باع دينه بدنياه ، واستباح كل شيء في سبيل أطماعه وشهواته ، ولم يكن لكلمة رسول الله أي عنده من قيمة..." (3).
وزعم الشيعة -كذبا- أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال للزبير :"أنا أشهد أني سمعت من رسول الله أنك من أهل النار"(4).
إلى آخر ما أورده الشيعة في ذلك من المطاعن ، مخالفين بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أخبر عن طلحة و الزبير أنهما في الجنة (5) ، بل وجاراه فيها (6).
وهما رضي الله تعالى عنهما بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهما بذلك :
__________
(1) الشافي في الإمامة للمرتضى ص 287 . وتلخيص الشافي للطوسي ص 462
(2) الجمل المفيد ص 225
(3) في ظلال التشيع لمحمد علي الحسني ص 112 -113
(4) إحقاق الحق للتستري ص 297
(5) تقدم تخريجه قبل صفحتين
(6) تقدم تخريجه قبل صفحتين(76/80)
فقد روى مسلم في صحيحه بسنده عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير ، فتحركت الصخرة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اهدأ ، فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد"(1).
فالصديق أبو بكر والشهداء عمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين .
وموت طلحة والزبير شهيدين يدل على أنهما من أهل الجنة بل له الدرجات العالية الرفيعة فيها ، فالله تبارك وتعالى قد أخبر أن الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين في أعلى درحات الجنة ، فقال جل وعلا :"ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا"(2).
وطلحة والزبير رضي الله عنهما قد عاشا حميدين وماتا شهيدين ولم يذكر عنهما أنهما خالفا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر من الأمور ، بل لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهما راض ، فرضي الله عنهما وأرضاهما ، وعامل بعدله من يبغضهما أو يضمر لهما غير الحسن الجميل .
– زعم الشيعة أن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أنه كان ابن زنا –حاشاه من ذلك- :
يزعم الشيعة أن طلحة رضي الله عنه كان ولد زنا.
وقد نسبوا إلى هشام بن محمد بن السائب الكلبي قوله عن أم طلحة ، الصعبة بنت الحضرمي (أنها كانت لها راية (3) بمكة وأنها استبضعت بأبي سفيان فوقع عليها ابو سفيان وتزوجت عبيدالله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم –والد طلحة- فجاءت بطلحة بن عبيد الله لستة أشهر ، فاختصم أبو سفيان وعبيد الله في طلحة فجعلا أمره إلى صعبة فألحلقته بعبيد الله ، فقيل لها : كيف تركت أبا سفيان، فقالت : يد عبيد الله طلقه ويد أبي سفيان تربة.-ثم قال الكلبي-
__________
(1) صحيح مسلم 4/1880 ك الفضائل باب من فضائل طلحة
(2) سورة النساء 69
(3) كناية عن من كانت تسافح في الجاهلية(76/81)
فصدقونا قومنا أنسابكم
لعبيد الله أنتم معشري
وأقيمونا على الأمر الجلي
أم أبي سفيان ذاك الأموي(1)
ولا ريب أن هذه المزاعم الكلبية فرية بلا مرية ، وإفك بلا شك والشيعة لم يفتروا هذه الفرية على طلحة وحده ، بل تعداه إلى أكثر الصحابة وزعموا أنهم كانوا أبناء زنا –حاشاهم من ذلك- .
ونسبتهم هذه الفرية إلى هشام الكلبي لا تبرؤهم منها :
فالكلبي شيعي باتفاق علماء الرجال عند الشيعة الذين قالوا عنه : "كان مختصا بمذهبنا"(2) وهو عند علماء أهل السنة : رافضي متروك ، ليس بالثقة ، ولا يقبل بقوله . قال الإمام أحمد : ما ظننت أن أحدا يحدث عنه (3).
لذا لا يحتج بقوله ، ولا بقول من نقلوا قوله ، ولا كرامة .
ثانيا : موقف الشعة الإثني عشرية من سعد بن أبي وقاص الزهري رضي الله تعالى عنه :
سعد بن أبي وقاص الزهري رضي الله عنه أحد العشرة المبشرين بالحنة وأحد الستة أصحاب الشورى الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راض عنهم .
فداه رسول الله صلى الله عليه وسلم -بأبي هو وأمي- بالأبوين، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال:"ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه لأحد غير سعد بن مالك فإنه جعل يقول له يوم أحد : ارم فداك أبي وأمي"(4).
وأخرج الإمامان البخاري ومسلم من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال :"جمع لي النبي صلى الله عليه وسلم أبويه يوم أحد"(5).
__________
(1) الطرائف لابن طاووس ص 495 وإحقاق الحق للتستري ص 296. والأنوار النعمانية للجزائري 1/65-66.
(2) الفهرست للنجاشي ص 306-307. ورجال الحلي ص 179
(3) ميزان الاعتدال للذهبي 4/304 وديوان الضعفاء ص 419
(4) صحيح مسلم 4/1876 ك الفضائل باب من فضائل سعد
(5) صحيح البخاري 5/94 ك المناقب باب مناقب سعد وصحيح مسلم 4/1876 ك الفضائل باب فضائل سعد(76/82)
وهو خال النبي صلى الله عليه وسلم كما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم قثد ؤوى النرمذي وحسنه من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال :"أقبل سعد ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم هذا خالي فليرني امرؤ خاله"(1).
وعقب الترمذي على هذا الحديث بقوله :"وكان سعد بن أبي وقاص من بني زهرة ، وكانت أم النبي صلى الله عليه وسلم من بني زهرة فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : هذا خالي"(2).
وقد وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاح ، ودعا له (3).
وفيه نزل قول الله تعالى (4):"ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه"(5) فلا يحتاج بعد تزكية ربه إلى تزكية من أحد .
وضائلة رضي الله تعالى عنه كثيرة جدا ولا يتسع المحل لذكرها.
بيد أن الشيعة وجهوا إليه المطاعن العديدة كدأبهم مع كبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأذكر نماذج منها :
– زعمهم أنه قارون هذه الأمة :
قال أبو الحسن العامري : سعد بن أبي وقاص قارون هذه الأمة . وهذا ظاهر من جهة ارتداده وتكبره عن مبايعة أمير المؤمنين ( ع ) ... .)) (6).
وهذا من المزاعم الباطلة ومن أدل الدلائل على بطلانه ما فيه من تناقض إذ أن سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ بايع علياً ولم يمتنع عن بيعته كما زعموا بل قد جاء في كتبهم وعلى لسان علي ما يبطل ذلك وهو علي قول لسعد ومن اعتزل القتال معه في الفتنة : كيف تخرجون من القتال معي وقد بايعتموني ؟! (7).
__________
(1) سنن الترمذي 5/649 ك المناقب باب مناقب سعد وانظر فضائل الصحابة لأحمد 2/751 والمستدرك للحاكم 3/498 وصححه ووافقه الذهبي
(2) سنن الترمذي 5/649
(3) صحيح مسلم 4/1875 ك الفضائل باب فضائل سعد
(4) الأنعام 52
(5) صحيح مسلم 4/1878 ك الفضائل باب فضائل سعد
(6) مقدمة البرهان لأبي الحسن العاملي ص 280
(7) السقيفة لسليم بن قيس ص 211. والجمل المفيد ص 45-46 والأمالي للطوسي 2/327(76/83)
وقوله لهم : ألستم على بيعتي ؟ قالوا : بلى . (1) وغير ذلك .
فهم قد بايعوه وبقوا على بيعته باعتراف الشيعة أنفسهم كما تبين من الأقوال التي ساقوها ونسبوها إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ فكيف تتفق فريتهم عن سعد وتعليلها بالامتناع عن بيعة علي مع إقرار علي ـ رضي الله عنه ـ ببيعته وثباته عليها في كتب الشيعة أنفسهم .
– زعمهم أن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ أخبر سعداً ـ رضي الله عنه ـ أن على كل شعرة من لحيته شيطاناً جالساً .
أسند الملقب بالصدوق وهو من علماء الشيعة إلى الأصبغ بن نباتة (2) قوله بينا أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ يخطب الناس وهو يقول : سلوني قبل أن تفقدوني فوالله لا تسألوني عن شيء يكون إلا نبأتكم به . فقام إليه سعد بن أبي وقاص فقال : يا أمير المؤمنين : أخبرني كم في رأسي ولحيتي من شعرة ؟ فقال له : أما والله لقد سألتني عن مسألة حدثني خليل رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ أنك ستسألني عنها وما في رأسك ولحيتك من شعرة إلا وفي أصلها شيطان جالس وإن في بيتك لسخلاً يقتل ابني وعمر بن سعد يومئذ يدرج بين يديه (3)
وعند التستري إن في شعرك ملكاً يلعنك وعلى كل طاقة من شعر لحيتك شيطاناً جالساً ...إلخ (4)
__________
(1) المصادر السابقة نفسها
(2) قال عنه الكشي الشيعي كان من خاصة أمير المؤمنين علي (ع)."اختيار معرفة الرجال للطوسي ص 5 –98-103
(3) الأمالي للصدوق ص 133
(4) إحقاق الحق للتستري ص 205(76/84)
وهذه القصة واحدة من القصص الكثيرة المكذوبة على أمير المؤمنين علي ـ رضي الله عنه ـ وآفاتها أصبغ بن نباتة وهو كذاب متروك الحديث يقول بالرجعة .قال عنه أبو بكر بن عياش : كذاب . وقال ابن معين : ليس بثقة . وفي قول آخر : ليس بشيء . وقال النسائي وابن حبان : متروك . وزاد ابن حبان : فُتِن بحب علي فأتى بالطامات فاستحق من أجلها الترك . وقال ابن عدي : بيّن الضعف . وقال أبو حاتم : لين الحديث . وقال العقيلي : كان يقول بالرجعة . وقال الدار قطني والساجي : منكر الحديث (1) وهذه القصة إضافة من إلى نكارتها فإنها تعارض ما ثبت من محبة علي ـ رضي الله عنه ـ لسعد وإشادته بفضائله ومآثره فعلي ـ رضي الله عنه ـ قد روى فضائل لسعد تقدم بعضها منها إخباره أن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فدى سعداً بأبيه وأمه يوم أحد وغيرها من الفضائل .
ولو كان سمع من رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ما يناقضها على حد زعم الشيعة ما رواها ولا غرر الناس به .
أضف إلى هذا ما في هذه القصة من تناقض مكاني فهذه المقالة إنما قالها علي ـ رضي الله عنه ـ وهو على منبر الكوفة –كما زعم الشيعة- وسعد رضي الله عنه كان قد اعتزل في المدينة ولم يلتق بعلي رضي الله تعالى عنه في الكوفة .
__________
(1) الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 2/319 –320 وميزان الاعتدال للذهبي 1/271 وتهذيب التهذيب لابن حجر 1/362-363 وتقريب التهذيب له ص176(76/85)
أما تمسكهم بكون عمر بن سعد شارك في قتل الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهما وإيراد هذا المطعن في حق أبيه رضي الله عنه فأي ذنب كان لسعد في هذا ، وما حصل إنما حصل بعد موته رضي الله عنه ولو علم أن ابنه سيشارك في قتل ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم لتمنى أنه مات قبل أن يتزوج أو يكون له ولد ، ولتمنى لو انشقت الأرض وابتلعته وولده ولتمنى أن لو كان نسيا منسيا لما عرف عنه من حبه للنبي صلى الله عليه وسلم وآل بيته فلا ذنب لسعد ولا مسوغ للشيعة للطعن فيه والله سبحانه وتعالى يقول :"ولا تزر وازرة وزر أخرى"(1).
ثالثا : موقف الشيعة الإثني عشرية من عبدالرحمن بن عوف الزهري رضي الله عنه:
عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه أحد العشرة المبشرين بالجنة وأخد السنة أصحاب الشورى الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض .
والشيعة كدأبهم مع كبار أصحاب رسول الله وخيارهم يوجهون إليهم المطاعن المفتراة ويسلقونهم بألسنة حداد.
وقد خصوا عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه ببعض مطاعنهم وافتروا عليه كما افتروا على غيره من الصحابة مالله يعلم أنه منه بريء وعباده المؤمنون يعلمون.
وسأذكر مثالا واحدا من كتبهم بين مدى الحقد الذي يعتمل في نفوسعم تجاه هذا الصحابي الجليل .
وهو : ما ادعوه من أن له بابا من أبواب النار يدخل منه مع فرعون وهامان :
فقد أسند الملقب الصدوق -كذبا- إلى جعفر الصادق أنه قال :"إن للنار سبعة أبواب بتب يدخل منه فرعون وفرعون وهامان وقارون .."(2).
وقد تقدم أن مرادهم بفرعون وهامان : أبو بكر وعمر رضي الله عنهما .
أما الكراد بـ(قارون) : فقد ذكر الكاشاني أن "عبدالرحمن بن عوف قارون هذه الأمة"(3).
__________
(1) سورة فاطر 18
(2) الخصال للصدوق 2/361-362 وانظر حق اليقين لعبدالله شبر 2/169
(3) علم اليقين للكاشاني 2/732(76/86)
وهذا الزعم من الشيعة –وهو قوله أن لعبدالرحمن رضي الله عنه بابا من أبواب النار يدخل منه- يعارض الحديث الصحيح الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي أخبر فيه عليه الصلاة والسلام أن عبدالرحمن بن عوف في الجنة (1).
ويعارض أيضا ما ذكر في بعض كتب الشيعة من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو لعبدالرحمن ويقول :"اللهم اسق عبدالرحمن من سليل الجنة"(2).
مستدلا بهذا الحديث على إثبات مادة لغوية . وقد عقب على هذا الحديث بقوله :"والسليل هو صافي شرابها ... إلخ"(3).
ولو علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن عبدالرحمن بن عوف يدخل من باب من أبواب جهنم مع فرعون وهامان –كما زعم الشيعة- لما دعا الله له أن يسقيه من صافي شراب الجنة ، وأخبر أنه سيدخلها فهو عليه السلام لا ينطق عن الهوى ، إن هو غلا وحي يوحى .
رابعا : موقف الشيعة الإثني عشرية من أبي عبيدة : عامر بن الجراح القرشي الفهري رضي الله تعالى عنه :
أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه من الرعيل الأول من الصحابة ، أسلم قديما ، وشهد المشاهد كلها مع رسول اللهصلى الله عليه وسلم ، وبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة ، وتوفي وهو عنه راض .
وفضائله رضي الله عنه كثيرة ، ولا يتسع المقام لذكرها ، ويكفيه فخرا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقبه بـ" أمين هذه الأمة" :
فقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أنس بن مالك الأنصاري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن لكل أمة أمينا ، وإن أميننا أيتها الأمة أبو عبيدة بن الجراح "(4).
__________
(1) هو حديث العشرة المبشرين بالجنة تقدم تخريجه
(2) إكمال الدين للصدوق ص 243
(3) إكمال الدين للصدوق ص 243
(4) صحيح البخاري 5/100 ك المناقب باب مناقب أبي عبيدة وصحيح مسلم 4/1881 ك الفضائل باب فضائل أبي عبيدة(76/87)
ولكن الشيعة لم يعترفوا بفضلة ، ولم يراعوا حق صحبته ، بل أشرعوا سهامهم في وجهه ، كما فعلوا مع إخوانه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ووجهوا إليه العديد من المطاعن والتهم ، سأقتصر على ذكر أحدها :
وهو : زعمهم أن تلقيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي عبيدة ب( أمين هذه الأمة ) مطعن ،لامدح فيه :
وذكروا في سبب إطلاق هذا اللقب عليه من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قصة مكذوبة ، ملخصها :
أن جماعة من الصحابة تآمروا فيما بينهم إن مات رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يعطوا الخلافة لبني هاشم أبدا –يريدون بذلك حرمان علي وذريته منها على مزاعم الشيعة- وكتبوا في ذلك صحيفة ودفنوها في جوف الكعبة وكان كاتب هذه الصحيفة هو أبو عبيدة بن الجراح ، وهو الذي ذهب بها إلى مكة ودفنها في جوف الكعبة ، فأطلع الله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على حد زعم الشيعة – على مؤامراتهم ، فقال لأبي عبيدة : أنت أمين قوم من هذه الأمة على باطلهم (1).
وتوجيه هذا القول – على حد زعمهم- أن المتآمرين ائتمنوه على الصحيفة ، وأودعوها عنده ، وأرسلوها إلى مكة نائبا عنهم كي يتولا دفنها في جوف الكعبة ، لذا سمي -على حد زعم الشيعة- أمين قوم من هذه الأمة على باطلهم ، وليس أمين الأمة بأسرها ، قال ذلك من الشيعة كل من : البيضاي ، الكاشاني ، البحراني ، التستري ، الجزائري، الشيرازي،(2).
__________
(1) الملاحظ أن لفظ الحديث الذي أوردوه مخالف تمام المخالفة للفظه الصحيح " وإن أميننا أيتها الأمة أبو عبيدة بن الجراح
(2) أنظر الصراط المستقيم للبياضي 1/296، 3/154 وعلم اليقين للكاشاني 2/658 وتفسير الصافي له 2/570 والبرهان للبحراني 4/187 والصوارم المهرقة للتستري ص 77-78 والأنوار النعمانية للجزائري 4/340 – 343 والدرجات الرفيعة للشيرازي ص 302-303(76/88)
ولم يكتف الشيعة بهذا ، بل وصفوا أبو عبيدة بأنه من أعداء آل محمد(1) ، وأحد المعينين لأبي بكر الصديق رضي الله عنه ، على اغتصاب الخلافة من علي بن أبي طالب رضي الله عنه –على حد زعم الشيعة- (2).
واستشهد على صحتها كلام المستشرق الصليبي –البلجيكي المولد، الفرنسي الجنسية ، هنري لامنس حيث يقول :"إن الحزب القرشي الذي يرأسه أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح لم يكن وليد مفاجأة وارتجال ، وإنما كان وليد مؤامرة سرية مجرمة حيكت أصولها ورتبت أطرافها بإحكام وإتقان وإنما أبطال هذه المؤامرة أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح ومن أعضاء هذا الحزب عائشة وحفصة ...إلخ"(3).
مناقشة هذه المزاعم :
لا ريب أن ادعاء الشيعة أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي عبيدة :"أمين هذه الأمة طعن فيه : زعم باطل لا تساعدهم عليه اللغة ، ولا المناسبة ولا واقع الحال :
– فالأمين لغة هو الثقة الرضي . وإضافته إلى الأمة تدل على أنه مرضي من الأمة جميعها ثقة عنهم .
وهذا لا يتماشى مع قصة الصحيفة التي افتروها ، فإنها أفادت أنه ثقة عند جماعة قليلين هم المتواطئون على كتابة الصحيفة – على حد زعم الشيعة-
وقد تنبه الشيعة إلى هذا التناقض البين ، فعمدوا إلى تغيير لفظ الحديث الصحيح ليوافق أهواءهم ومعتقداتهم في الصحابة فوضعوا بدل "أمين هذه الأمة" : "أمين قوم من هذه الأمة على باطلهم".
وهذا كذب متعمد على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي توعد بالنار من كذب عليه متعمدا ، وفي قوله في الحديث المتواتر الذي تقدم معنا : "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار".
__________
(1) الكشكول لحيدر الآملي ص160
(2) السقيفة لسليم بن قيس ص 76
(3) سيرة الأئمة الإثني عشر لهاشم الحسيني ص 281 وانظر كتاب المستشرق لامنس الذي نقل عنه هاشم الحسيني –الشيعي المعاصر- وهو بعنوان "الحكام الثلاثة : أبو بكر وعمر وأبو عبيدة" منوعات الكلية الشرقية 4، 1910(76/89)
– ثم إن المناسبة التي لأجلها قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذا الحديث ، ولقب بسببها أبا عبيدة بهذا اللقب تبطل دعواهم ، فقد روى مسلم في صحيحه من حديث أنس رضي الله تعالى عنه :"أن أهل اليمن قدموا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا ابعث معنا رجلا يعلمنا السنة و الإسلام قال : فأخذ بيد أبي عبيدة فقال : "هذا أمين هذه الأمة"(1).
ولا يصح أن يرسل معهم ليعلمهم أمور الدين من هو عنده غير أمين ، وهو الناصح لأمته صلى الله عليه وآله وسلم الحريص عليها .
وكذا أخرج البخاري ومسلم أيضا في حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال : "جاء أهل نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا : يا رسول الله ! ابعث إلينا رجلا أمينا . فقال صلى الله عليه وآله وسلم : لأبعثن إليكم رجلا أمينا، حق أمين ، حق أمين". قال : فاستشرف لها الناس . قال : فبعث إبا عبيدة بن الجراح"(2).
ويعني بالناس في قوله : (فاستشرف لها الناس) : أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم تطلعوا إلى الولاية ورغبوا فيها حرصا على تحصيل الصفة المذكورة ، وهي الأمانة ، لا على الولاية من حيث هي (3) ، حتى إن عمر رضي الله تعالى عنه –مع فضله وتقدمه على غيره- قال : ما أحببت الإمارة قط حبي إياه يومئذ رجاء أن أكون صاحبها"(4).
ولقد عرف الصحابة لأبي عبيدة هذا الفضل :
__________
(1) صحيح مسلم 4/1881 ك الفضائل باب فضائل أبي عبيدة
(2) صحيح البخاري 5/100 ك المناقب باب مناقب أبي عبيدة وصحيح مسلم 4/1882 ك الفضائل باب مناقب أبي عبيدة
(3) فتح البارس لابن حجر 7/93-94
(4) المصدر نفسه ، وانظر : الرياض النظرة في مناقب العشرة للمحب الطبري 2/347(76/90)
فقد روى أحمد بسنده إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : "لو أدركت أبا عبيدة بن الجراح فاستخلفته وما شاورت فيه ، فإن سئلت عنه ، قلت : استخلفت أمين الله وأمين رسوله"(1).
وفي رواية : "لو استخلفت أبا عبيدة بن الجراح فسألني عنه ربي : ما حملك على ذلك؟ لقلت : سمعت نبيك وهو يقول : إنه أمين هذه الأمة"(2).
أما استشهاد هاشم الحسيني –الشيعي المعاصر- كلام المستشرق لامنس على إثبات هذه الدعوى فهو استشهاد باطل ، فما كان لعداء الإسلام أن يكونوا شهداء على المسلمين .
ولا ريب أن المستشرقين اعتمدوا على مصادر الشيعة اعتمادا كبيرا في إلقاء الشبه والتشكيك في الدين ومن ثم إعطاء الفكرة المشوهه والمحرفة عن الفكر الإسلامي الأصيل.
خامسا : موقف الشيعة الإثني عشرية من سعيد بن زيد رضي الله تعالى عنه :
سعيد بن زيد بن نفيل العدوي القرشي من الرعيل الأول من الصحابة . ابن عم عمر بن الخطاب وصهره ، أسلم قديما قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دار الأرقم ، وشهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وشهد له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالجنة ، وتوفي وهو عنه راض (3).
كان مجاب الدعوة ، وقصته مع أروى بنت أويس في ذلك مشهورة :
وهي ما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث عروة بن الزبير قال : إن أروى بنت أويس ادعت على سعيد بن زيد أنه أخذ شيئا من أرضها .
__________
(1) فضائل الصحابة لأحمد 2/742-743 وانظر مسند أحمد 1/18 والمستدرك للحاكم 3/268
(2) فضائل الصحابة لأحمد 2/742-743 وانظر مسند أحمد 1/18 والمستدرك للحاكم 3/
(3) الاستيعاب لابن عبدالبر 2/2 والإصابة لابن حجر 2/46(76/91)
فخاصمته إلى مروان بن الحكم . فقال سعيد : أنا كنت آخذ من أرضها شيئا بعد الذي سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قال : وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من أخذ شبرا من الأرض ظلما طوق إلى سبع أراضين . فقال له مروان : لا أسألك بينة بعد هذا . فقال : اللهم إن كانت كاذبة فأعم بصرها واقتلها في أرضها ، قال : فما ماتت حتى ذهب بصرها وكانت تقول أصابتني دعوة سعيد بن زيد . ثم بينا هي تمشي في أرضها إذ وقعت في حفرة فماتت"(1).
والشيعة قد وجهوا إليه العديد من المطاعن :
فزعموا أنه من شر الأولين والآخرين (2) ، وأنه قارون هذه الأمة(3).
وزعموا أنه من أعداء آل محمد (4) .
وزعموا أنه كان يضع الحديث على رسول الله عليه السلام(5)، إلى غير ذلك من المزاعم الكثيرة والمطاعن المفتراة .
وزعم الشيعة أن سعيدا كان يضع الحديث كزعمهم كذب غيره من الصحابة المكثرين للرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وإنما يزعمون هذا لإبطال الكتاب والسنة الذين نقلهما إلينا الصحابة رضي الله عنهم .
قال أبو زرعة الرازي رحمه الله :"إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق ، ولك أن رسول الله حق ، والقرآن حق ، وما جاء به حق، وإنما أدى ذلك كله إلينا الصحابة . وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة ، والجرح بهم أولى ، وهم زنادقة"(6).
__________
(1) صحيح مسلم 3/1230-1231 ك المساقاة باب تحريم الظلم
(2) الخصال للصدوق 2/457-،460
(3) الخصال للصدوق 2/457-،460
(4) الكشكول لحيدر الآملي ص 160
(5) الطرائف لابن طاوس 523
(6) الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي ص 49(76/92)
وهذا يتضح أن موقف الشيعة من العشرة المبشرين بالجنة واحد ، من حيث إنكارهم أن يكونوا من أهل الجنة ، ومن حيث القول بكفرهم ونسبتهم إلى الإرتداد –كباقي الصحابة- ، وإنكار عاداتهم ، وتوجيه المطاعن المفتراة إليهم –وغير ذلك .
المجلس التاسع
موقف الشيعة الإثني عشرية من الصديقة بنت الصديق عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنها وعن أبيها
حصان رزان ما تزن بريبة
حليلة خير الناس دينا ومنصبا
مهذبة قد طيب الله خيمها
وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
نبي الهدى والمكرمات الفواضل
وطهرها من كل شين وباطل
لا يخفى على المسلم فضل أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهن وما خصهن الله به من نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيوتهن ، وما تمتعن به من منزلة سامية عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فهن من أحب الناس إليه صلى الله عليه وسلم .
وأعزهن عنده عنده وأعرفهن بمطارح أنظاره ، وأسرعهن إلى التعلق بأسباب رضاه في كل ما تقر به عينه صلى الله عليه وسلم .
ولا ريب أن الصديقة بنت الصديق ، والحبيبة بنت الحبيب ، والطاهرة العفيفة المبرأة من فوق سبع سماوات ، عائشة رضي الله عنها أولاهن بهذه النعمة وأحظاهن بهذه الغنيمة وأخصهن من هذه الرحمة العميمة :
فقد حازت قصب السبق إلى قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين سائر أزواجه ، فهي الحبيبة المدللة ، ابنت حبيبه وصديقه ولم يتزوج بكرا غيرها ، ولم ينزل عليه الوحي في فراش امرأة سواها ، كما نص على ذلك صلوات الله وسلامه بقوله لزوجه أم سلمة رضي الله عنها :"يا أم سلمة لا تؤاخذيني في عائشة فإنه والله ما نزل علي الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها"(1).
__________
(1) صحيح البخاري 5/107 ك فضائل الصحابة باب فضائل عائشة(76/93)
وكان لعائشة رضي الله عنها شرف خدمة النبي صلى الله عليه وسلم وتمريضه في أيام حياته الأخيرة ، فما أن نزل مرضه الأخير الذي مات فيه حتى أخذ يسأل : أين أنا غدا ؟ أين أنا غدا ؟ يريد أن يكون في بيت عائشة (1)، ثم استأذن أزواجه أن يكون في بيتها ، فأذن له ، فبقي عندها ترعاه وتخدمه ، وتسهر عليه في مرضه إلى أن قبضه الله إليه وإن رأسه لفي حجرها بين سحرها ونحرها ، وحاقنتها وذاقنتها (2) ، وريقة قد خالط ريقها (3) ، فكان موته في بيت أحب الناس إليه ، كما ثبت عنه في الصحيح لما سأل : أي الناس أحب إليك؟ قال : "عائشة"(4).
وقبض وهو راض عنها ، وقبر في بيتها ، فرضي الله عن عائشة وأرضاها .
فهي حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقرب الناس إلى قلبه وأحبهم إليه .
والمؤمن يحب ما يحب الله ورسوله .
__________
(1) صحيح البخاري 5/107 ك فضائل الصحابة باب فضائل عائشة
(2) كناية عن أن رأسه عليه السلام كان مسندا إلى صدرها
(3) صحيح البخاري 6/31-36 ك المغازي باب ما جاء في وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وبعض الشيعة يعترف أن ريقه صلى الله عليه وآله وسلم خالط ريقها قبل وفاته ، فقد أسند الأشعث في كتابه إلى الحسين بن علي رضي الله عنهما أن أبا ذر أخبره أن رسول الله قبل أن يموت دعا بالسواك فأرسله إلى عائشة فقال : لتلينه لي بريقك ففعلت ثم أتي به فجعل يستاك به ويقول بذلك : ريقي بريقك يا حميراء ثم شخص يحرك شفتيه كالمخاطب ثم مات "الأشعثيات ص 212" وهذا يدل بمفهومه –لما تقدم من رغبته في أن يكون في بيتها ، تشرف عليه وترعاه ومن إقباله عليها عند موته ومخالطة ريقه الشريف لريقها على موتهصلى الله عليه وسلم وهو راض عنها
(4) صحيح البخاري 5/68 ك الفضائل باب فضائل أبي بكر(76/94)
فهل يحب أم المؤمنين عائشة ويحترمونها، وينزلونها المنزلة التي أنزل الله وأنزلها رسوله عليه السلام؟ المنزلة التي تستحقها لكونها زوجه سيد ولد آدم وخير الأولين والآخرين ولكونها أحب الناس وأقربهم إلى قلب هذا الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم ؟
والجواب : أن الشيعة يبغضون عائشة رضي الله عنها أشد البغض :
ويتجلى ذلك في سبها وإيذائها ونسبتها على ما برأها الله منه ، وطمس فضائلها وتوجيه العديد من المطاعن إليها .
وليس الأمر تحاملا على الشيعة أو تجنيا عليهم ، فكتبهم هي الشاهد على صدق هذه الدعوى .
والمطاعن التي وجهها الشيعة إلى عائشة رضي الله عنها كثيرة ، وسأقتصر على نماذج منها .
فمنها : أولا : ادعاء الشيعة كفرها وعدم إيمانها ، وزعمهم أنها من أهل النار :
أسند العياشي –وهو من علماء الشيعة- إلى جعفر الصادق – زورا وبهتانا- والقول في تفسير قوله تعالى :"ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا.." (1) ، قال :"التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا: عائشة هي نكثت إيمانها"(2).
__________
(1) سورة النحل 92
(2) تفسير العياشي 2/269 وانظر البرهان للبحراني 2/383 وبحار الأنوار للمجلسي 7/454(76/95)
وتبدو النزعة الباطنية في هذا التفسير جلية ، فالشيعة قد نحوا منحى التأويل الباطني بتحريفهم معنى نقض الغزل إلى نقض الإيمان وزعمهم أن التي نقضت غزلها أي إيمانهم على حد قولهم هي عائشة رضي الله عنها ، بينما إجماع المفسرين على عكس ذلك فإنهم أجمعوا على أن المرأة التي نقضت غزلها امرأة خرقاء في أهل الجاهلية تسمى : ريطة ، كانت تغزل هي وجوار لها من الغداة إلى الظهر ، ثم تأمرهن فينقضن ما غزلن. وكانت معروفة عنهم ، فضربها الله مثلا لهم ألا يتشبهوا بها فينقضوا العهود من بعد توكيدها فشبه نقض العهود بنقض الغزل . ولم يقل أحد منهم إن المرأة المعنية بهذه الآية هي الصديقة عائشة رضي الله عنها ، ولم يؤول واحد منهم نقض الغزل بنقض الإيمان ، ولم يشبهه به (1).
وزعم الشيعة أيضا أن لعائشة رضي الله عنها بابا من أبواب النار تدخل منه :
فقد أسند العياشي إلى جعفر الصادق –رحمه الله ، وحاشاه مما نسبه الشيعة إليه- أنه قال : في تفسير قوله تعالى حكاية عن النار :"لها سبعة أبواب"(2) : "يؤتى بجهنم لها سبعة أبواب .... والباب السادس لعسكر ... إلخ" (3).
وعسكر كناية عن عائشة رضي الله عنها ، كما زعم ذلك المجلسي (4) .
ووجه الكناية عن اسمها بعسكر ، كونها كانت تركب جملا –في موقعة الجمل- يقال له : عسكر . كما ذكر ذلك المجلسي أيضا .
ولم يكتف الشيعة بذلك ، بل لقبوا عائشة في كتبهم بـ(أم الشرور) (5)، وبـ(الشيطانة) (6).
__________
(1) أنظر تفسير ابن كثير 2/583-584 وفتح القدير للشوكاني 3/190 وروح المعاني للألوسي 14/221-222
(2) سورة الحجر 44
(3) تفسير العياشي 2/243 وانظر البرهان للبحراني 2/345 وبحار الأنوار للمجلسي 4/378، 8/220
(4) بحار الأنوار للمجلسي 4/378، 8/220
(5) الصراط المستقيم للبياضي 3/161
(6) المصدر نفسه 3/135(76/96)
وزعموا أنها كانت تكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) ، وأن لقبها (حميراء) والألقاب التي يبغضها الله تعالى (2).
فعائشة رضي الله عنها إذن كافرة عند الشيعة ، وليست من أهل الإيمان ، وهي عندهم من أهل النار.
ومعلوم أن الشيعة يوجهون هذه المطاعن المفتراة المجردة عن الدليل إلى أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان لا يحب إلا طيبا ، والكافر خبيث ولا يحب ، فكيف تتفق مزاعم الشيعة مع ما تواتر –تواترا معنويا- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حبه لعائشة الصديقة رضي الله عنها ؟!.
أخرج أحمد وأبو حاتم وغيرهما بأسانيدهم إلى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه دخل على عائشة وهي تموت ، فقال لها : "كنت أحب نساء رسسول الله صلى الله عليه وسلم إليه ، ولم يكن يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا طيبا"(3).
وسمع عمار بن ياسر رضي الله عنهما رجلا ينال من عائشة رضي الله عنها ، فزجره ووبخه وقال له :"اغرب مقبوحا منبوحا، أتؤذي حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم "(4).
وقد تقدم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل : من أحب الناس إليك ؟ فقال : عائشة (5).
ثم الشيعة بعد هذا كله يزعمون أنها كانت كافرة حاشاها بل هي من أفضل المؤمنين من عباد الله الصالحين .
وقد فضلها رسول الله صلى الله عليه وسلمعلى سائر النساء بقوله :"فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام"(6).
__________
(1) الخصال للصدوق 1/190
(2) الأصول من الكافي للكليني 1/247
(3) راجع السمط الثمين في مناقب أمهات المؤمنين للمحب الطبري ص 30
(4) جامع الترمذي 5/707 ك المناقب باب فضل عائشة رضي الله عنها وقال الترمذي : هذا حديث حسن
(5) صحيح البخاري 5/68 ك الفضائل باب فضائل أبي بكر
(6) أخرجه البخاري 6/340 ك الأنبياء باب قول الله تعالى :"وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين(76/97)
ويتناقض ما زعمه الشيعة عن عائشة بكونها من أهل النار مع ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من بشارته لها بالجنة بقوله :"لقد رأيت عائشة في الجنة لأني أنظر إلى بياض كفيها ليهون ذلك علي عند موتي"(1).
ويتناقض أيضا مع ما ثبت عن أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه ، من قوله عنها رضي الله عنها :"إنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة"(2).
ثم الشيعة بعد هذه الأدلة الواضحة الصريحة قد خالفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخالفوا من زعموا أنه إمام لهم –علي بن أبي طالب رضي الله عنه- وزعموا أن عائشة رضي الله عنها أنها كافرة ، وأنها من أهل النار ، حاشاها من ذلك .
بل هي مؤمنة طاهرة ، من أهل الفردوس الأعلى في الجنة مع زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ثانيا : الشيعة الإثنا عشرية ينسبون الصديقة بنت الصديق المبرأة من فوق سبع سموات إلى الفاحشة :
لما رمى رأس النفاق عبدالله بن أبي بن سلول الصديقة الطاهرة عائشة رضي الله عنها بما برأها الله منه ، غضب الله جل وعلا لانتهاك حرمة نبيه فنفى التهمة عن الصديقة، وأنزل تبرئتها من فوق سبع سموات آيات حوت الوعيد الشديد في الدنيا، والتوعد بالعذاب العظيم في الآخرة.
__________
(1) مسند أحمد 6/138 وفضائل الصحابة له 2/871 وطبقات ابن سعد 8/65 وانظر السمط الثمين للمحب الطبري ص 29
(2) تاريخ الطبري 5/225(76/98)
ولو فتشت في آيات القرآن ، وتأملت الآيات التي أوعد الله العصاة لما رأيته غلظ في عقوبة شيء تغليظه في عقوبة من رمي الصديقة عائشة رضي الله عنها بالإفك ، فالآيات والقوارع مشحونة بالوعيد الشديد ، والزجر العنيف ، واستعظام ما جاء به رأس النفاق ومن رددوا قوله من الإفك ، واستفضاع ما أقدموا عليه من التلقي بالألسنة والقول بالأفواه ، يحسبونه هينا وهو عند الله عظيم، فجعل القَذَفَةَ ملعونين في الدنيا والآخرة ، وتوعدهم بالعذاب الشديد في الآخرة وأخبر أن ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم ستشهد عليهم بإفكهم وبهتانهم ، وهذا ليس ظلما لهم ، بل هو جزاؤهم الحق الذي هم أهله بسبب خوضهم في عرض نبيه ، وتكلمهم على زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم تنبيها لهم على علو منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنافة محلة صلوات الله وسلامه علبه.
وقد انتهى ذلك الإفك بجلد الخائضين فيه ، وتوبتهم ، واعتذارهم إلى نبيهم وزوجه الطاهرة العفيفة .
وبعد ذلك بقرون أحدث الشيعة إفكا آخر اتهموا به العفيفة الطاهرة في عرضها مرة أخرى ، ولم يحاسبهم أحد إلا الله فإنه مطلع عليهم وهو يدافع عن رسوله وحبيبه ، ويذب عن عرض خليلة صلى الله عليه وسلم .
فقد زعم الشيعة أن قوله تعالى :"ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين قخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين"(1) مثل ضربه الله لعائشة وحفصة رضي الله عنهما.
وقد فسر بعضهم بالخيانة بارتكاب الفاخشة –والعياذ بالله تعالى-:
__________
(1) سورة التحريم 10(76/99)
قال القمي في تفسير هذه الآية :"والله ما عنى بقوله : (فخانتاهما) إلا الفاحشة(1)، وليقيمن الحد على (عائشة) (2) فيما أتت في طريق (البصرة) (3) وكان (طلحة) (4) يحبها، فلما أرادت أن تخرج إلى (البصرة) (5) قال لها فلان : لا يحل لك أن تخرجي من غير محرم فزوجت نفسها من (طلحة) (6).. (7).
ووجه إقامة الحد عليها –على حد زعم الشيعة- : كونها زوجت نفسها من آخر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مع حرمة ذلك ، فالله تعالى قد حرم نكاح أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من بعده أبدا .
فمن هي التي ارتكبت الفاحشة وتزوجت من طلحة من بين زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي في طريقها إلى البصرة –كما زعم الشيعة-؟.
المثل مضروب لعائشة وحفصة معا –على حد زعم الشيعة المتقدم- .
وحفصة لم تخرج إلى البصرة والتي خرجت هي عائشة رضي الله عنها بإجماع الشيعة فهي إذن التي يقام عليها الحد –كما زعم الشيعة- لتزويجها نفسها من طلحة مع حرمة ذلك عليها.
ولا بد أن يقام هذا الحد عند رجعة الأئمة وأعدائهم ، حسب معتقد الشيعة الباطل في ذلك .
ومما يؤكد أن الشيعة الذين لم يذكروا اسم (عائشة) صراحة، عنوا بـ(فلانة) عائشة رضي الله عنها –مع أن الاخرين ذكروا اسمها صريحا كما تقدم- :
__________
(1) وليس هذا القول بدعا من القمي فقد سبقه إليه الكليني –شيخ الاسلام عند الشيعة ، ومرجعهم- ونسبه إلى أبي جعفر الباقر ، راجع البرهان للبحراني 4/357-358
(2) عند القمي فلانة بدل عائشة وهذا من باب التقية وقد صرح غيره باسمها فكشف ما حظرت التقية كشفه بزعمهم
(3) في الطبعة الحديثة (....)
(4) في نسخة أخرى فلان بدل طلحة وهو من التقية كما أسلفنا
(5) في الطبعة الحديثة (....)
(6) في نسخة أخرى فلان بدل طلحة
(7) تفسير القمي ط حجرية ص 341 ط حديثة 2/377 وانظر البرهان للبحراني 4/358 وتفسير عبدالله شبر ص 338 وقد ساقاها موضحة كما أثبتها في المتن(76/100)
ما رواه الشيعة في كتبهم من المزاعم المكذوبة التي جاء فيها : أنه "لم نزل قول الله تعالى :"النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم" (1)، وحرم الله نساء النبي صلى الله عليه وآله على المسلمين غضب طلحة، فقال : يحرم محمد علينا نساءه ويتزوج هو بنسائنا ، لئن أمات الله محمدا لنركضن بين خلاخيل نسائه كما ركض بين خلاخيل نسائنا – وفي رواية أخرى ذكروها : لأتزوجن عائشة (2)، - وفي رواية ثالثة – (وكان طلحة يريد عائشة) (3) ، فأنزل الله تعالى : "وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلك كان عند الله عظيما"(4).
ولم يكتف الشيعة بهذا ، بل نسبوا إليه أقوالا في غاية الخسة والبذائة ، وقد ترددت في ذكرها ، وهممت أن لا أكتبها ، لولا ما ألزمت به نفسي من إعطاء صورة واضحة مختصرة عن نظرة الشيعة إلى الصحاية رضي الله تعالى عنهم ، لذا فإني أذكر بعضها، وأعرض عن بعضها الآخر :
فلقد ذكر رجب البرسي –وهو من علمائهم- أن عائشة جمعت أربعين دينارا من خيانة وفرقتها على مبغضي علي ) (5).
__________
(1) سورة الأحزاب 6
(2) تفسير القمي ط حجرية ص 290 ط حديثة 2/195-196 ومؤتمر علماء بغداد لمقاتل بن عطية ص 38 . والشافي للمرتضى ص 258. والطرائف لابن طاوس ص 492-493 . والصراط المستقيم للبياضي 3/23-35 ومنار الهدى لعلي البحراني ص 452 . ونفحات اللاهوت للكركي ق 36/ب وتفسير الصافي للكاشاني 2/363. والبرهان للبحراني 3/333 – 334. وإحقاق الحق للتستري ص 260-261. وفصل الخطاب للنوري الطبرسي ص 58. وعقائد الإمامية للزنجاني 3/56 وسيرة الإئمة الإثنا عشر لهاشم الحسيني 1/381 والشيعة والحاكمون لمحمد جواد مغنية ص 36
(3) الطرائف لابن طاووس ص 492-493 ونفحات اللاهوت للكركي ق 36/ب وفصل الخطاب للنوري الطبرسي ص 58
(4) سورة الأحزاب 53
(5) مشارق أنوار اليقين لرجب البرسي ص 86(76/101)
وذكر أحمد بن علي الطبرسي –وهو من علمائهم أيضا- أن عائشة "زينت يوما جارية كانت ، وقالت : لعلنا نصطاد شابا من شباب قريش بأن يكون مشغوفا بها"(1).
فقاتلهم الله كيف حفظوا النبي صلى الله عليه وسلم في زوجته وأحب الناس إليه ، لقد رموها بأشد مما رماها به رأس المنافقين وأتباعه من زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
مناقشة هذه المفتريات :
لا يشك عاقل أن هذه المزاعم الشيعية من البهتان المبين والإفك المفترى ، فالله سبحانه وتعالى لم يضرب امرأة نوح وامرأة لوط مثلا لعائشة وحفصة رضي الله عنهما ، بل هو مثل مضروب للذين كفروا مطلقا ، كما قال الله تعالى في رأس الآية :"ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط" (2) ، والشيعة لما كانوا يحقدون على عائشة وحفصة رضي الله عنهما ، ويعتقدون كفرهما قصروا المثل الضروب عليهما وخصوا بهما .
ولم يقل أحد من مفسري أهل السنة أن الخيانة من امرأة نوح وامرأة لوط هي الوقوع في الفاحشة ، وإنما أولوها بأنها الخيانة في الدين (3) ، وقد أولها بعض الشيعة بذلك (4).
وفي ذلك يقول حبر هذه الأمة : عبد الله بن عباس رضي الله عنهما :"ما زنتا أما خيانة امرأة نوح فكانت تخبر أنه مجنون ، وأما خيانة امرأة لوط فكانت تدل قومها على أضيافه". وتبعه على ذلك جميع المفسرين (5).
__________
(1) احتجاج الطبرسي ص 82
(2) سورة التحريم 10
(3) راجع : جامع البيان للطبري 28/169-171 وتفسير بن كثير 4/393. وفتح القدير للشوكاني 5/255-256
(4) كالبياضي في الصراط المستقيم 3/165 –166. والكاشاني في تفسير الصافي 2/720
(5) راجع : جامع البيان للطبري 28/ 169 – 171. وتفسير بن كثير 4/393 وفتح القدير للشوكاني 5/255 – 256. وغيرها من تفاسير أهل السنة فكلها أجمعت على ذلك(76/102)
والقصة التي افتراها الشيعة لا شك في كذبها ، وقد وقع واضعها في أخطاء تدل على كذبها ، منها : ادعاؤه أن عائشة خرجت دون محرم ، ولما أخبرت أن لا يجوز أنها خرجت بغير محرم زوجت نفسها من طلحة –على حد زعمهم- .
ودعوى أنها خرجت بغير محرم يبطلها ما أجمع عليه أهل السنة وجمهور الشيعة من أن ابن أختها عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما كان معها وفي عسكرها ، وما رواه الشيعة من أنه –أي ابن أختها- عبدالله هو الذي حرضها على المسير إلى البصرة وحرض أباها على محاربة علي رضي الله عنه ، وعندما عزم أبوه على الاقلاع عن حربه لما التقيا في البصرة أخذ يلح عليه حتى عاد إلى حربه وهذه كلها مزاعم ذكرها الشيعة في كتبهم (1).
فكيف يقال أنها خرجت من غير محرم ، وعبدالله بن الزبير ابن أختها هو محرمها؟.
لاشك أن قول الله تعالى :"إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا".
وقوله جل وعلا :"والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا"(2) .
منطبق على من قذفها ، لأن في قذفها من حيث كونها زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم إيذاء لله ورسوله صلى الله عليه وسلم وقذفها من حيث كونها مؤمنة غافلة إيذاء لها ، ولمن اهتموا بها رضي الله عنهما .
وينبغي أن يعلم أن سب عائشة رضي الله عنها بما برأها الله منه يعتبر مروقا من الدين –حسبما تقرر في القواعد الشرعية- وسابها كافر ، وعلى هذا إجماع علماء المسلمين، مستدلين بقوله تعالى :"يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين"(3)، وبغيرها من آيات الكتاب الحكيم .
__________
(1) الاختصاص للمفيد ص 119 . وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2/ 167-170 ، 4/ 480 ، 482- 483. وأحاديث أم المؤمنين عائشة لمرتضى العسكري 1/227-268 -269
(2) سورة الأحزاب 57-58
(3) سورة النور 17(76/103)
قال القاضي أبو يعلى : "من قذف عائشة رصي الله عنها بما برأها الله منه كفر بلا خلاف"(1).
و "روى عن محمد بن زيد بن علي بن الحسين أخي الحسن بن زيد أنه لما قدم عليه رجل من العراق فذكر عائشة بسوء، فقام إليه بعمود فضرب به دماغه فقتله، فقيل له : هذا من شيعتنا ومن بني الآباء ! فقال : هذا سمى جدي (2)قرنان، ومن سمى جدي قرنان استحق القتل"(3).
وروي عن أخيه الحسن بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب :"أنه كان بحضرته رجلا فذكر عائشة بذكر قبيح من الفاحشة ، فقال : يا غلام اضرب عنقه ، فقال له العلويون : هذا رجل من شيعتنا ، فقال : معاذ الله ، هذا رجل طعن على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وقال الله تعالى : (الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات..)الآية(4)، فإن كانت عائشة خبيثة فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم خبيث ، فهو كافر فاضربوا عنقه . فاضربوا عنقه ، وأنا حاضر -على حد قول الراوي-."(5).
وقال شيخ الاسلام ابن تيمية ومن رمى عائشة رضي الله عنها بما برأها الله منه فقد مرق من الدين.. "(6).
وقال ابن حجر الهيتمي بعد ما ذكر حديث الإفك :"علم من حديث الإفك أن من نسب عائشة المشار إليه أن من نسب عائشة إلى الزنا كان كافرا، وقد صرح بذلك أئمتنا وغيرهم لأن في ذلك تكذيب النصوص القرآنية ، ومكذبها كافر بإجماع المسلمين، وبه يعلم القطع بكفر كثيرين من غلاة الروافض، لأنهم ينسبونها إلى ذلك قاتلهم الله أنى يؤفكون"(7).
__________
(1) نقله عنه ابن تيمية في الصارم المسلول ص571
(2) يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم
(3) ذكرها ابن تيمية في الصارم المسلول ص 566 - 567
(4) سورة النور 26
(5) ذكرها ابن تيمية في الصارم المسلول ص 566
(6) الصارم المسلول ص 568
(7) الصواعق المحرقة لابن حجر الهيثمي 101(76/104)
وقال الشيخ محمد بن سليمان التميمي حاكيا عن عائشة رضي الله عنها :"والحاصل أن قذفها كيفما كان يوجب تكذيب الله تعالى في إخباره عن تبرئتها عما يقول القاذف فيها"(1).
ويقول في موضع آخر :"ومن كذب الله فقد كفر"(2).
ونقل قول بعض أهل البيت في ذلك :"وأما قذفها الآن فهو كفر وارتداد، ولا يكفي فيه الجلد، لأنه تكذيب لسبع عشرة آية في كتاب الله كما مر، فيقتل ردة ...ومن يقذف الطاهرة الطيبة أم المؤمنين زوجة رسول رب العالمين صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة كما صح ذلك عنه فهو من ضرب عبدالله بن أبي بن سلول رأس المنافقين.." (3).
وأقوال علماء المسلمين كثيرة في هذا الباب وكلها متضافرة في كفر من رمى الصديقة بها برأها الله منه ، أو نسبها إلى الفاحشة -عياذا بالله- متبعين لكتاب ربهم الذي قرر أن الطيبين للطيبات والخبيثين للخبيثات وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم التي دلت دلالة قطعية على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الصديقة الطيبة عائشة حبا لم يساو بها فيه أحدا من الناس ، وكان صلى الله عليه وسلم لا يحب إلا طيبا .
ثالثا : مطاعن مشتركة وجهها الشيعة إلى عائشة بنت أبي بكر ، وحفصة بنت عمر رضي الله عنهم :
وجه الشيعة إلى عائشة و حفصة رضي الله عنهما العديد من المطاعن ، أكتفي بذكر بعضها . فمنها :
_ التبرؤ منهما ولعنهما :
ذكر الكركي و المجلسي – وهو من كبار علماء الشيعة – أن جعفر الصادق – رحمة الله ، وحاشاه من ذلك –كان يعلن في دبر كل مكتوبة أربعة من الرجال و أربعة من النساء : التيمي و العدوي – أبا بكر و عمر – وعثمان و معاوية يسميهم ، وعائشة و حفصة و هندا وأم الحكم أخت معاوية (4).
__________
(1) رسالة في الرد على الرافضة لمحمد التميمي ص 24-25
(2) المصدر نفسه
(3) المصدر نفسه
(4) نفحات اللاهوت في لعن الجبت والطاغوت للكركي ق 74/ب وعين الحياة للمجلسي ص 599(76/105)
هذا في لعنهما ، أما التبرؤ منهما : فقد نقل ابن بابويه القمي –الملقب بالصدوق- والمجلسي إجماع الشيعة على ذلك ، فقالا -واللفظ للمجلسي- : "وعقيدتنا في التبرئ : أننا نتبرأ من الأصنام (1) الأربعة : ابي بكر وعمر وعثمان ومعاوية، ومن النساء الأربع : عائشة وحفصة وهند وأم الحكم، ومن جميع أتباعهم وأشياعهم ، وأنهم شر خلق الله على وجه الأرض(2)، وأنه لا يتم الإيمان بالله ورسوله والأئمة إلا بعد التبرئ من أعدائهم"(3).
فهم أذا يلعنون أبا بكر وعمر وعثمان ومعاوية رضي الله عنهم ويتبرأون منهم ولا يكتفون بذلك ، بل ويلعنون ابنة ابي بكر ، عائشة ، وابنة عمر ، حفصة ، ويتبرأون منهما ، ويزعمون أنهم وأتباعهم وأشياعهم –يعنون أهل السنة- شر خلق الله على وجه الأرض.
ويعلم كل مسلم أنا أبا بكر وعمر وعثمان خير خلق الله على وجه الأرض بعد الأنبياء والمرسلين، وأن ابنتي أبي بكر وعمر وعائشة وحفصة من خير خلق الله ، وزوجتا خير خلق الله ، وسيد ولد آدم وإمام الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم ، وأن معاوية رضي الله عنه صحابي من الصحابة الذين هم من خير خلق عز وجل . وأن أهل السنة القائمين بكتاب الله العاملين بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم السائرين على منهج صحابة رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم من خير خلق الله فكيف نجعل المسلمين كالمجرمين، بل وكيف نجعل المتقين كالفجار؟!.
– دعوى الشيعة أن عائشة وحفصة رضي الله عنهما سقتا السم لرسول الله صلى الله عليه وسلم :
يدعي الشيعة الإثنا عشرية أن عائشة وحفصة تآمرتا مع أبويهما على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأذاعتا سره وهتكتا ستره ، وسقتاه السم ، فكان ذلك سبب موته صلى الله عليه وسلم -على حد مزاعمهم الكاذبة- .
__________
(1) وضع الملقب بالصدوق (الأوثان) موضع "الأصنام"
(2) زاد الملقب بالصدوق : ونعتقد فيهم أنهم أعداء الله ورسوله
(3) الهداية للصدوق ق110/أ وحق اليقين للمجلسي ص 519(76/106)
والقصة الممكذوبة التي ذكر فيها الشيعة تآمر أبي بكر وعمر وعائشة وحفصة على وضع السم لرسول الله صلى الله عليه وسلم يزعمون –بالرغم من كذبها- أنها ثابتة ، واستدلةا على إثباتها بآية من القرآن الكريم حملوها ما لا تحتمل من المعاني لتوافق أهواؤهم ومعتقداتهم في الصحابة رضي الله عنهم ، وهذه الآية هي قوله تعالى :"وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ..." الآية (1).
فقد أسند العياشي –بسنده المسلسل بالكاذبين- إلى أبي عبد الله جعفر الصادق –رحمه الله وحاشاه مما نسبه الشيعة إليه- أنه قال :"تدرون مات النبي صلى الله عليه وآله أو قتل ؟ إن الله يقول : (أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) فسم قبل الموت ، إنهما سقتاه (2) قبل الموت، فقلنا : إنهما وأبويهما شر من خلق الله"(3).
ووصف المجلسي –شيخ الدولة الصفوية، ومرجع الشيعة المعاصرين- سند هذه الرواية المكذوبة بأنه معتبر ، وعلق عليها بقول :"إن العياشي روى بسند معتبر عن الصادق(ع) أن عائشة و حفصة لعنة الله عليهما وعلى أبويهما قتلتا رسول الله بالسم دبرتاه"(4).
__________
(1) سورة آل عمران 114
(2) زاد الكاشاني : "يعني المرأتين لعنهما الله وأبويهما" تفسير الصافي 1/305
(3) تفسير العياشي 1/200 وانظر تفسير الصافي للكاشاني 1/305 والبرهان للبحراني 1/320 وبحار الأنوار للمجلسي 6/504، 8/6
(4) حياة القلوب للمجلسي 2/700(76/107)
وقد نقل هذه الحادثة المكذوبة عدد كبير من مصنفي الشيعة ، وذكروا اسم عائشة و حفصة وأبويهما صراحة ، وزعموا أنهم وضعوا السم لرسول الله صلى الله عليه وسلم فمات بسببه (1).
وهذه القصة من القصص الباطلة التي افتراها الشيعة ، وألصقوها بخيار الصحابة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة ، ومات راضيا عنهم –كما تقدم ذلك كله- ولم يقل بها أحد من أهل السنة ، ولا غيرهم ،عدا الشيعة الذين يريدون إظهار خيار الصحابة –بما يلصقونه بهم من مفتريات كاذبة- بمظهر الخائنين لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم .
ومن العجيب حقا أنهم يلقون التهم جزافا مجردة عن الدليل ، مخالفة للنقل المتواتر الصحيح.
ومن عرف حال أبي بكر وعمر وخصالهما ، وفضائلهما وشدة قربهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم واختصاصهما به ويقول بملء فيه : هذا بهتان مبين .
وعائشة و حفصة رضي الله عنهما قد ثبت علو درجاتهما ، وأنهما زوجتا نبينا صلى الله عليه وسلم في الجنة ، فقد كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، والصحابي الجليل عمار بن ياسر رضي الله عنهما يحلفان بالله أن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ، زوجة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الدنيا والآخرة (2).
__________
(1) راجع تفسير القمي ط حجرية ص 340 ، ط حديثة 2/375 – 376. وانظر الصراط المستقيم للبياضي 3/168- 169 . وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2/457 . وإحقاق الحق للتستري ص 308 وتفسير الصافي للكاشاني 2/716-717. والبرهان للبحراني 1/320 ، 4/352- 353 والأنوار النعمانية للجزائري 4/336-337
(2) أخرجه الحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي . المستدرك 4/6 وانظر : تاريخ الطبري 5/225(76/108)
وكذا أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة ، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه، فيما رواه عنه خادمه أنس بن مالك رضي الله عنه : إن جبريل عليه السلام أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما طلق حفصة وقال له :"إن الله يقرئك السلام، ويقول : إنها لزوجتك في الدنيا والآخرة ، فراجعها"(1).
فعائشة وحفصة رضي الله عنهما من أحب أزواج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليه ، وأبواهما من أحب الناس إليه عليه السلام ، ومن أقربهم إلى قلبه صلى الله عليه وسلم .
ومن له أدنى إلمام بسيرة هؤلاء الصحابة الأخيار يجد نفسه عند قراءة ما بهتهم به الشيعة ، يقول : سبحانك هذا بهتان مبين .
المجلس العاشر
ذكر نماذج من المطاعن التي وجهها الشيعة الإثنا عشرية إلى بعض الصحابة الاخرين
موقف الشيعة الإثني عشرية من الصحابة متشابهة من حيث نسبتهم جميعا إلى الارتداد إلا ثلاثة ، وذمهم ، ولعنهم ، والتبرؤ منهم ، وإيراد المطاعن المفتراة وتوجيهها إليهم .
ولا يكاد يخلو كتاب من كتب الشيعة من التعرض للصحابة بالذمة والشتم.
ولكثرة المطاعن التي وجهها الشيعة إلى الصحابة الاخرين ، أردت أن أقتصر على ذكر نماذج من تلك المطاعن يدرك القارئ عند قراءتها منزلة الصحابة رضي الله عنهم عند الشيعة الإثني عشرية ، فيدين الشيعة من فيها .
__________
(1) أخرجه ابن سعد والبزار والطبري في الأوسط والكبير والحاكم وصححه – وابن عساكر في الأربعين وحسنه- وذكره ابن عبدالبر والمحب الطبري وابن حجر وغيرهم . أنظر طبقات ابن سعد 8/84 والاستيعاب لابن عبدالبر 4/269. وحلية الأولياء لأبي نعيم 2/50 والمستدرك للحاكم 4/15 . والأربعين في مناقب أمهات المؤمنين لابن عساكر ص 91. والسمط الثمين في مناقب أمهات المؤمنين للمحب الطبري ص 68. ومجمع الزوائد للهيثمي 9/244. ودر السحابة للشوكاني ص 323.وغيرها(76/109)
وفيما يلي أورد نماذج من أقوالهم في معاوية بن أبي سفيان ، وعمرو بن العاص ، وخالد بن الوليد رضي الله عن الصحابة أجمعين .
أولا : ذكر نماذج من المطاعن التي وجهها الشيعة الإثنا عشرية إلى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما :
طعنهم في صدق إسلامه ، وزعمهم أنه كان كافرا منافقا وأنه يخلد في النار يوم القيامة :
يدعي الشيعة أن معاوية رضي الله عنه (لم يزل في الإشراك وعبادة الأصنام إلى أن أسلم بعد ظهور النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمدة طويلة)(1)، وكان تظاهره بالإسلام (قبل موت النبي بخمسة أشهر) (2) ، (ولم يسلم إلا خوفا من السيف) (3)، لذلك (لم يكن مسلما إلا بالاسم) (4)، (إذ أنه بقي على جاهليته الأولى) (5)، ولم يمت (حتى علق الصليب في عنقه) (6)، -كما زعم الشيعة ذلك كله-.
__________
(1) منهاج الكرامة للحلي ص 116
(2) منهاج الكرامة للحلي ص 114 و إحقاق الحق للتستري ص 266. وعقائد الإمامية الإثني عشرية للزنجاني 3/61
(3) نفحات اللاهوت للكركي ق14/ب-15/أ – 26/أ
(4) في ظلال التشيع لمحمد علي الحسني ص 286
(5) مقدمة مرآة العقول لمرتضى العسكري 1/38
(6) الصراط المستقيم للبياضي 3/50(76/110)
ويزعمون أيضا كان شرا من إبليس (1) ، وأن (زندقته أشهر من كفر إبليس) (2) ، وأنه كان رأسا من رؤوس الضلالة(3) ، (إماما من أئمة الكفر) (4)، (فرعون هذه الأمة) (5)، طليقا ، منافقا ، معاندا لله ولرسوله وللمؤمنين(6) ، من أعداء آل محمد ، وخاصة علي بن أبي طالب منهم(7) .
ويزعم الشيعة أيضا أن معاوية رضي الله عنه مات كافرا ، لذلك فإنه يخلد في النار يوم القيامة.
واستدلوا على خلوده في النار بما أسندوه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، -زورا وبهتانا- ، فزعموا –وكذبوا عليهم متعمدين- أنه قال : "إن الله عز وجل عرض علي في المنام مني القيامة وأهوالها، والجنة ونعيمها، والنار وما فيها وعذابها ، فاطلعت في النار إذا أنا بمعاوية وعمرو بن العاص قائمبن في جمر جهنم يرضخ رؤوسهما الزبانية بحجارة من جمر جهنم، يقولان لهما : هلا آمنتما بولاية علي بن أبي طالب عليه السلام.." (8).
وأسند المفيد -كذبا- إلى جعفر الصادق أنه قال : "معاوية وعمرو بن العاص لا يطمعان في الخلاص من العذاب"(9).
__________
(1) منهاج الكرامة للحلي ص 116
(2) تنقيح المقال للمامقاني 3/222
(3) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 20/15
(4) الشافي للمرتضى ص 287. وتلخيص الشافي للطوسي ص 462
(5) الإيضاح للفصل بين شاذان ص 43 والخصال للصدوق 2/457-460 والملاحم لابن طاووس ص 90 . وسعد السعود له ص 133. والصراط المستقيم للبياضي 3/50 والكشكول لحيدر الآملي ص 200 وتفسير الصافي للكاشاني 2/740. ومقدمة البرهان لأبي الحسن العاملي ص 263 – 341 وأصل الشيعة وأصولها لكاشف الغطاء ص 45-47
(6) المصباح للكفعمي ص 552. والشيعة والحاكمون لمحمد جواد مغنية ص 39 وأبو طالب مؤمن قريش للخنيزي ص 51
(7) الجمل للمفيد ص 49 ومنهاج الكرامة للحلي ص 116 والكشكول للآملي 160 والشيعة في الميزان لمغنية ص255
(8) نقله البحراني في البرهان 4/477-478
(9) الاختصاص للمفيد ص 344(76/111)
ومعاوية رضي الله عنه في معتقد الشيعة يعذب في النار منذ مات ، وقد كذبوا على عدد من أئمتهم فنسبوا إليهم -كذبا- أنهم رأوه –أي معاوية – مغلولا في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا في واد في أودية جهنم .
فقد كذبوا على أبي جعفر الباقر، وزعموا أنه قال :"كنت خلف أبي ، وهو على بغلته ، فنفرت بغلته ، فإذا هو شيخ في عنقه سلسلة ، ورجل يتبعه فقال : يا علي بن الحسين اسقني؟ فقال الرجل : لا تسقه ، لا سقاه الله . -وكان الشيخ معاوية-"(1).
وزعم الشيعة أن نفس الواقعة جصلت مع أبي عبدالله جعفر الصادق ومع أبيه محمد الباقر(2).
وذكروا في الرواية التي نسبوها للباقر أن معاوية سأله أن يستغفر له ، فقال له الباقر ثلاث مرات : "لا غفر الله لك"(3).
ولأن معاوية رضي الله عنه ممن محض الكفر محضا –عند الشيعة- فإنه يرجع إلى الدنيا قبل يوم القيامة ، وينتقم منه أشد الانتقام -على حد زعم الشيعة- (4).
مناقشة هذه المزاعم:
لا شك أن زعم الشيعة تأخر إسلام معاوية رضي الله تعالى عنه ، إلى ما قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر لا يصح . بل الثابت أنه أسلم في عام الفتح في السنة الثامنة الهجرية ، أي قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بنحو من ثلاث سنين.
__________
(1) بصائر الدرجات الكبرى للصفار ص 304-307 والاختصاص للمفيد ص 275-277 وانظر : الخرايج والجرايح للراوندي ق 134. ومختصر بصائر الدرحات للحلي ص 111 . وتفسير الصافي للكاشاني 2/491 ، 740. والإيقاظ من الهجعة للحر العاملي ص 203-204 وحق اليقين لشبر 2/89
(2) المصادر الشيعية السابقة نفسها
(3) نفس المصادر
(4) مختصر بصائر الدرجات للحلي ص 29 والإيقاظ من الهجعة للحر العاملي ص 363 -364(76/112)
وعلى هذا القول جمهور علماء المغازي والسير(1)، وذلك بعضهم أنه أسلم قبل ذلك (2).
وقد أسند ابن سعد إلى معاوية رضي الله عنه أنه أخبر عن وقت إسلامه بقوله : "لقد أسلمت قبل عمرة القضية، ولكني كنت أخاف أن أخرج إلى المدينة لأن أمي كانت تقول لي : إن خرجت قطعنا عنك القوت. ولقد دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة في عمرة القضاء وإني لمصدق به، ثم لما دخل عام الفتح أظهرت إسلامي فجئته ، فرحب بي"(3).
وقد ذكر البياضي -وهو من الشيعة- أن معاوية أظهر إسلامه في عام الفتح، فقال : "قد صح من التاريخ أنه أظهر الإسلام سنة ثمانية من الهجرة"(4).
فهذا شاهد منهم ينقل أنه قد صح إظهار معاوية لإسلامه في السنة الثامنة –عام الفتح- وقوله حجة على من زعم تأخر ذلك .
وأقل أحوال معاوية أن يكون من الطلقاء أو المؤلفة قلوبهم ، وكونه منهم لا يقدح به لأن أكثر الطلقاء المؤلفة قلوبهم حين إسلامهم ، "وكان الرجل منهم يسلم أول النهار رغبة منه في الدنيا، فلا يجيء آخر النهار والإسلام أحب إليه مما طلعت عليه الشمس"(5).
__________
(1) أنظر : الاستيعاب لابن عبدالبر 3/395 ومنهاج السنة النبوية لابن تيمية 4/428-429 ، 436 ، 439. والبداية والنهاية لابن كثير 8/ 118 والإصابة لابن حجر العسقلاني 3/433. وتطهير الجنان لابن حجر الهيثمي ص8-11
(2) المصادر السابقة نفسها
(3) نقله الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية 8/118 والحافظ ابن حجر في الإصابة 3/433
(4) الصراط المستقيم للبياضي 3/46
(5) منهاج السنة النبوية 4/384(76/113)
ومعاوية رضي الله عنه ممن حسن إسلامه ولذلك استعمله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على كتابة الوحي وهذا أمر مجمع عليه عند أهل السنة (1).
وقد أثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ودعا له بقوله :"اللهم اجعله هاديا مهديا، واهد به"(2)، وقوله :"اللهم علم معاوية الكتاب والحساب، وقه العذاب"(3).
فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعا ربه أن يهدي معاوية ويهدي به ، وأن يقيه العذاب ، والشيعة مع ذلك يزعمون أن معاوية رضي الله عنه كان كافرا، وأنه يخلد في النار ذونما دليل صحيح ، وإنما اتباعا لأهوائهم وما تزينه لهم أنفسهم.
وما نسبوه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من إخباره عن معاوية أنه بخلد في النار، كذب متعمد عليه الصلاة والسلام ، ومن كذب عليه صلى الله عليه وسلم متعمدا فليتبوأ مقعده من النار-كما أخبر بذلك- فصلوات ربي وسلامه عليه- وفي الحديث المتواتر.
__________
(1) راجع في ذلك : تاريخ الطبري 6/179. وتاريخ الخليفة 1/77 والوزراء والكتاب للجهشياري ص 12 وتجارب الأمم لابن مسكوبة 1/291 والكامل في التاريخ لابن الأثير 4/385 والبداية والنهاية لابن كثير 5/350. وكتاب النبي صلى الله عليه وسلم للأعظمي ص 103-105
(2) أخرجه الترمذي وقال هذا حديث حسن غريب . جامع الترمذي 5/687 ك المناقب باب مناقب معاوية
(3) روى الحديث بأسانيد متعددة يعضد بعضها البعض وتصل بالحديث إلى درجة الحسن لغيره-كما ذكر ذلك محقق كتاب فضائل الصحابة-."أنظر : فضائل الصحابة لأحمد 2/913-915. ومسند أحمد 4/127 . وتاريخ الفسوي 2/345. والاستيعاب لابن عبدالبر 3/401"(76/114)
والحق أنه لم تكن ثم عداوة بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبين معاوية رضي الله عنه ، فمعاوية كان صغيرا حين أسلم ، ولم يحضر معركة ضد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يحاربه في أي موقعة ، ولكن الشيعة نقلوا عداوة أمه وابيه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليه، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد عفا عن أمه وأبيه، وهما ممن قد حسن إسلامه، وتابا توبة نصوحا ، والتوبة تجب ما قبلها .
(2) – زعم الشيعة وجوب بغض معاوية ولعنه والتبرؤ منه :
قل أن يخلو كتاب في كتب الشيعة ذكر فيه معاوية رضي الله عنه من لعنه رضي الله عنه والتبرؤ منه (1).
قال ابن أبي الحديد :"علي إذا برئ من احد من الناس برأنا منه كائنا من كان وقد برء من المغيرة وعمرو بن العاص، ومعاوية"(2).
وقال المجلسي :"من ضروريات دين الإمامية : البراءة من معاوية"(3).
وكتب الأدعية عندهم من الشواهد على ذلك ، وخاصة ما يقرأ من الأدعية عند زيادة الأئمة ، سيما الحسين منهم ، فعلى سبيل المثال : ذكر الكفعمي دعاء يقرأوه الشيعة عند زيارتهم الحسين في يوم مقتله -يوم عاشوراء- هو :
"اللهم إن هذا يوم تبركت به بنو أمية ، وابن آكلة الأكباد(4)، اللعين ابن اللعين على لسانك ولسان نبيك في كل موطن وموقف وقف فيه نبيك. اللهم العن أبا سفيان ومعاوية ، ويزيد بن معاوية ، ومروان ، وآل مروان ..." (5).
وحكم لعن معاوية عند الشيعة كحكم لعن باقي الصحابة هو : الوجوب .
ولا شك أن سب معاوية رضي الله عنه ، وغيره من الصحابة يعد من الموبقات .
__________
(1) انظر مثلا : الاختصاص للمفيد ص 131 . والمصباح للكفعمي ص 484 – 485 . وكشف الغمة للأربلي 1/563 . ونفحات اللاهوت للكركي ق 26 /ب والرجعة للأحسائي ص 195
(2) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 20/35
(3) الاعتقادات للمجسلي ق 17
(4) مراده من آكلة الأكباد : هند بنت عتبة ، أم معاوية ، لأنها لاكت كبد حمزة يوم أحد.
(5) المصباح للكفعمي ص 484(76/115)
وقد نقل عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله أنه ذكر عنده أن قوما يشتمون معاوية ، فقال : "ما لهم ولمعاوية؟ نسأل الله العافية"، ثم قال : إذا رأيت أحد يذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسوء فاتهمه على الإسلام"(1).
وقد نص رضي الله عنه على وجوب تعزير من يسبه واستتابته حتى يرجع بالجلد ، وإن لم ينته حبس حتى يموت أو يراجع . وقال : ما أراه على الإسلام ، وقال : "واتهمه على الإسلام ، وقال : أجبن عن قتله".
وبنحو قوله قال الإمام اسحاق بن راهويه رحمه الله (2).
وقال إبراهيم بن ميسرة (3) : ما رأيت عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه ضرب إنسانا قط إلا رجلا شتم معاوية فضربه أسواطا"(الاستيعاب لابن عبدالبر 3/403 والصارم المسلول لابن تيمية ص 569).
فشتم معاوية رضي الله عنه ، وغيره من الصحابة رضوان الله عليهم لا يجوز ، وهو من الموبقات كما نص على ذلك سلف هذه الأمة فكيف بمن ينسبه إلى الكفر والزندقة -عياذا بالله تعالى- وقد تقدم من أقوال الشيعة في ذلك ، هناك أشد من ذلك أيضا مما يندة له الجبين ، نسأل الله العافية .
أما تمسك الشيعة بما وقع بين أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ، وبين معاوية فلا ريب أن خصم معاوية أعني أمير المؤمنين خصم كريم ومن درس سيرته لمس ذلك بوضوح ، وهذا ما أكده الحافظ أبو زرعة الرازي رحمه الله لمن ادعى أنه يبغض معاوية :
__________
(1) الصارم المسلول لابن تيمية ص568
(2) الصارم المسلول لابن تيمية ص568
(3) الطائفي نزيل مكة . روى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه نحوا من ستين حديثا أو أكثر . قال فيه سفيان الثوري : -لم تر عيناك والله مثله- "كان من أوثق الناس وأصدقهم" وقد أجمع العلماء على ثقته وعدله وضبطه . "الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 2/133 وتقريب التهذيب لابن حجر 1/172"(76/116)
فقد روى الحافظ بن عساكر رحمه الله في كتابه "تاريخ دمشق" ، في ترجمة معاوية رضي الله عنه أن رجلا قال لأبي زرعة الرازي : "إني أبغض معاوية. فقال له أبو زرعة : ولم ؟ قال : لأنه قاتل عليا . فقال له أبو زرعة : ويحك !! إن رب معاوية رب رحيم، وخصم معاوية خصم كريم، فأيش دخولك أنت بينهما رضي الله عنهما".
ثانياً : ذكر نماذج من المطاعن التي وجهها الشيعة إلى عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ :
ومنها :
طعنهم في نسبه : زعم الشيعة أن عمرو بن العاص ابن زنا (1)
وذكروا أن أمهم من أصحاب الرايات في الجاهلية وأنه قد وقع عليها خمسة نفر فأتت بعمرو بن العاص على حد قول بعضهم (2) وفي ذلك يقول محمد جواد مغنية ـ وهو من الشيعة المعاصرين ـ : النابغة أمر عمرو بن العاص كانت بغياً فوقع عليها أبو لهب وأمية بن خلف وهشام بن المغيرة وأبو سفيان بن الحرب والعاص بن وائل فأتت بعمرو وادعاه الأربعة فقالت أمه : هو من العاص . ولما قيل لها : لماذا اخترت العاص ؟ قالت : كان ينفق علي وعلى أولادي أكثر منهم ، وكان عمرو أشبه بأبي سفيان (3)
ولم ينف الشيعة الآخرن هذه الفرية بل أكدوها إلا أنهم زعموا أنه قد وقع عليها ستة نفر لا خمسة فولدت عمراً(4)
__________
(1) الإيضاح للفضل بن شاذان ص 43
(2) الشيعة والحاكمون لمحمد جواد مغنية ص53 . وانظر عقائد الإمامية للزنجاني 3/66
(3) الشيعة والحاكمون لمحمد جواد مغنية ص53
(4) الدرجات الرفيعة للشيرازي ص 160(76/117)
قال من سمى نفسه عبد الواحد الأنصاري ـ وهو من الشيعة المعاصرين ـ عن عمرو بن العاص : لم يشك أحد من المؤرخين في أنه ولد سفاح ، اشترك في إخراجه من أعماق أمه ستة نفر : أبو سفيان ، وأمية بن خلف , العاص بن وائل ، وهشام بن المغيرة وأبو لهب وخلف الجمحي ، وادعاه كلهم فحكموا أمه فحكمت فيه للعاص بن وائل فكان ينفق عليها كثيراً ، وهيهات أن ينجب ابن الزنا . وقد ورث هذا المجرم ـ يقصد عمرو بن العاص ـ من آبائه الستة أخس الصفات وأرذل السمات ؛ فقد ورث من أبي سفيان الغدر والتهتك ، ومن أبي لهب الكفر والإلحاد ، ومن العاص لله ولرسوله ومن شابه أباه فما ظلم (1)
وهذه الافتراءات من الشيعة ليس لهم على إثباتها دليل وهي مجرد إفك محض ، وفرية بينة حملهم عليها حقد عظيم على الصحابة عموماً ، وعلى سادتهم وكبارهم خصوصاً ، وقد لحق عمرو من حقدهم وبغضهم من لحق غيره من كبار الصحابة ، وهو قد مات وانقطع عمله ، ولكن الله لم يشأ أن يقطع عنه الثواب
وهذه التهمة التي يريد الشيعة جزافاً يحاولون إلصاقها بأكثر الصحابة بل قل ما ذكروا صحابياً إلا حاولوا وصمه بهذه الفرية (2) وإذا لم تستح فاصنع ما شئت
نماذج من أقوال الشيعة في عمرو بن العاص :
أطلق الشيعة الإثنا عشرية سيما المعاصرين منهم مجموعة من الألقاب على عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه تحمل في طياتها حقدا يعتمل في صدورهم وسما ينفثونه على هذا الصحابي الجليل .
__________
(1) أضواء على خطوط محب الدين للأنصاري ص 81
(2) من أراد الاطلاع على ذلك فليراجع كتابي : موقف الشيعة الإثني عشرية من الصحابة رضي الله عنهم(76/118)
ومن الأقوال الخبيثة التي أطلقوها عليه على سبيل الاتهام له :"العاصي ابن العاصي (1)ابن العاهرة"(2)"الماكر"(3)"الخبيث" (4) "المنافق" (5) "ممن اشتهر نفاقهم ، وظهر شكهم في الدين وارتيابهم" (6) "المجرم" (7) "من شر الأولين والآخرين" (8) "يرفض الآخرة ويطلب الدنيا" (9) "من الذين عادوا النبي وآذوه وكادوا له وكذبوه"(10) إلى آخر ما أوردوه في ذلك من أقوال كثيرة مكذوبة.
__________
(1) أطلق عليه هذا اللقب : محمد جواد مغنية وهو من الشيعة المعاصرين في كتابه الشيعة والحاكمون ص 39
(2) وصفه بهذه الصفة محمد علي الحسني وهو من الشيعة المعاصرين في كتابه ظلال التشيع ص 188
(3) سماه بهذا الاسم محمد علي الحسني وهو من الشيعة المعاصرين في كتابه في ظلال التشيع ص 212
(4) سماه بهذا الاسم إبراهيم الموسوي الزنجاني وهو من الشيعة المعاصرين في كتابه : عقائد الإمامية الإثني عشرية 3/111
(5) وصفه بهذه الصفة الكفعمي في كتابه المصباح ص 552
(6) قال ذلك المرتضى في كتابه : الشافي في الإمامة ص 240
(7) أطلق عليه ذلك من سمى نفسه بالأنصاري وهو منالشيعة المعاصرين في كتابه : أضواء على خطوط محب الدين العريضة ص 112
(8) وصفه بهذا الوصف الملقب بالصدوق في كتابه : الخصال 2/457
(9) وصفه بهذه الصفة محمد علي الحسني وهو من الشيعة المعاصرين في كتابه : في ظلال التشيع ص 132
(10) اتهمه بذلك محمد جواد مغنية وهو من الشيعة المعاصرين في كتابه : الشيعة والحاكمون ص53(76/119)
والقارئ المنصف المتجرد يلاحظ أن هذه الأقوال مجردة عن الدليل ، فالشيعة لم ينسبوها لأحد ، حتى ولا لأئمتهم ، كما جرت العادة عندهم في نسبة الأقوال المكذوبة إليهم، ويرجع السبب في ذلك إلى صدور هذه الأقوال عن أناس معاصرين لم يجدوا في الكتب السابقة أقوالاً مكذوبة منسوبة إلى الأئمة تطعن في بعض الصحابة فاقتضت الضرورة أن يدلوا بدلوهم مقلدين سلفهم ومن سبقهم من علمائهم الوضاعين فيخترعوا ما يرونه مناسباً من قصص ملفقة أو تهم مزورة ثم يطلقونها جزافاً على الصحابة بمجموعهم أو بأعيانهم كما حدث في اتهام الصحابة في أنهم أبناء زنى وفي غير ذلك من الاتهامات .
وهذا يرشد القارئ اللبيب إلى أن أمثال هذه المطاعن قد صدرت عن هوى وأغراض شخصية ومن هنا احترز أئمة الجرح التعديل في الرواية عن المبتدعة سيما إذا رووا ما يقوي بدعتهم .
والشيعة ـ وخاصة المعاصرون منهم ـ والذي في طعنوا في عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ إنما وجهوا هذه المطاعن إلى من فرح رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بإسلامه عندما أسلم وأخبر بصدق إسلامه وأثنى عليه بعد ذلك ووصفه بالصلاح :
فقد روى الترمذي وأحمد وغيرهما بأسانيدهم عن عقبة بن عامر قال : سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : (( أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص )) (1)
وهذا القول من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يدل على أن عمراً ـ رضي الله تعالى عنه ـ لما جاء مسلماً جاء مصدقاً بقلبه ولسانه ، راغباً في العمل الصالح ، طامعاً في المغفرة من ربه .
__________
(1) قال محقق فضائل الصحابة اسناده صحيح . أنظر جامع الترمذي 5/687- مناقب الصحابة باب ومنمناقب عمرو بن العاص. وفضائل الصحابة لأحمد 2/912 وأسد الغابة لابن الأثير 4/117(76/120)
وقد طلب منه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يأتيه ذات يوم فلما جاءه قال له : (( يا عمرو : إني أريد أن أبعثك وجهاً فيسلمك الله ويغنمك أرغب لك من المال رغبة صالحة . قال : قلت : يا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إني لم أسلم رغبة في المال وإنما أسلمت رغبة في الجهاد والكينونة معك . قال : يا عمرو! نعماً بالمال الصالح للمرء الصالح )) (1).
وهذا الحديث يدل على إيثار عمرو لما عند الله وعند رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويبين أنه ـ رضي الله عنه ـ لم يسلم رغبة في حطام الدنيا الفانية وإنما رغبة في الثواب والأجر من الله ، وطمعاً في مرضاة الله ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو يرد على من زعم من الشيعة أن عمراً كان طالباً للدنيا رافضاً للآخرة .
ولقد أثنى عليه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعلى أهل بيته فقال فيه : (( إن عمرو بن العاص من صالح قريش )) (2)
وفيه وفي ابنه عبد الله وفي أم ولده عبد الله قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( نعم أهل البيت عبد الله وأبو عبد الله وأم عبد الله )) (3)
فرحم الله الصحابي الجليل عمرو بن العاص ورضي الله عنه وعامل بعدله شانئيه ومبغضيه .
ثالثاً : الشيعة يقولون عن خالد بن الوليد ـ رضي الله عنه ـ : إنه سيف الشيطان المشلول :
__________
(1) أخرجه أحم دفي المسند 3/202 وفي الفضائل 2/912 – وقال محققه إسناده صحيح. والحاكم في المستدرك 2/2 وقال صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي
(2) أخرجه الترمذي في جامعه 5/688 ك المناقب باب ومن مناقب عمرو.وأحمد في المسند 1/161ةوفي فضائل الصحابة 2/911-912-913 وانظر : مجمع الزوائد للهيثمي 9/354
(3) أخرجه الترمذي في جامعه 5/688 ك المناقب باب ومن مناقب عمرو.وأحمد في المسند 1/161ةوفي فضائل الصحابة 2/911-912-913 وانظر : مجمع الزوائد للهيثمي 9/354(76/121)
ينكر الشيعة أن يكون رسو ل الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد وصف خالداً ـ رضي الله عنه ـ بأنه سيف من سيوف الله ، ويزعمون أن هذه التسمية أتته نم قبل أهل السنة ، ويقولون : لو أن أهل السنة أنصفوا لسموه سيف الشيطان المشلول :
فهذا مقاتل بن عطية ، وهو من علمائهم يقول عن خالد : (( إنه سيف الشيطان المشلول )) ويزعم أن أهل السنة لقلة إنصافهم سموه بسيف الله المسلول ، ثم يذكر سبب تسميتهم له بذلك فيقول : (( حيث أنه كان عدواً لعلي بن أبي طالب ... سماه بعض السنة بسيف الله )) (1)
وبنحو قول مقاتل هذا قال الحلي (2) ـ وهو من علما ء الشيعة أيضاً ـ
ويرد عليهم بما يلي :
إن تسمية خالد بن الوليد ـ رضي الله عنه ـ بـ (( سيف الله )) لم تأت من قبل أهل السنة ، وأول من سماه بذلك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
__________
(1) مؤتمر علماء بغداد لمقاتل بن عطية ص 60
(2) منهاج الكرامة للحلي ص 115(76/122)
وكان بدء تسمية الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ له بذلك في غزوة مؤتة في السنة الثامنة من الهجرة (1) فقد روى البخاري وغيره بأسانيدهم عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال : (( إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نعى زيداً ، وجعفراً ، وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم ، فقال : أخذ الراية زيد فأصيب ، ثم أخذ جعفر فأصيب ، ثم أخذ بن رواحة فأصيب . ـ وعيناه ـ صلى الله عليه وسلم ـ تذرفان ـ حتى أخذ ها سيف من سيوف الله عليهم )) وفي رواية : ـ (( حتى أخذها سيف من سوف الله ؛ خالد ... )) (2)
__________
(1) مؤتة قرية بأرض الشام بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها بعثا سنة ثمان من الهجرة –مغازي عروة بن الزبيرص 204. ومراصد الاطلاع للبغدادي 3/1330-
(2) صحيح البخاري 5/103 ك فضائل الصحابة باب مناقب خالد بن الوليد و 5/294 ك المغازي – باب غزوة مؤتة . ومسند أحمد 3/113 –117-118، 5/299 –300-301 . والحديث مروي أيضا عن أبي قتادة الأنصاري وعن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب . –أنظر : مسند أحمد ط الحلبي- 5/299 و 300-301 –و ط المعارف – 3/192-194 وانظر : البداية والنهاية لابن كثير 4/251-252 مجمع الزوائد للهيثمي 9/349(76/123)
ولقد كرر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إطلاق هذه التسمية على خالد بن الوليد ـ رضي الله عنه ـ في غير ما موضع . فمن ذلك : قوله ـ عليه السلام ـ : (( نعم عبد الله ، وأخذوا العشيرة خالد بن الوليد ، وسيف من سيوف الله سله الله على الكفار والمنافقين )) (1) ولما بلغه ـ صلوات ربي وسلامه عليه ـ أن أحد الصحابة تكلم في خالد ، قا ل ـ صلى الله عليه وسلم ـ : لا تؤذوا خالداً ، فإنه سيف من سيوف الله صبه الله على الكفار )) (2).
وهذا الحديث حجة على الشيعة الذين يطعنون على خالد ، ويسبونه ، ويؤذونه بشتى أنواع الأذى .
فأهل السنة لم يسموا خالداً بـ (( سيف الله )) ابتداءً ، بل أول من سماه بذلك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومن ثم أطلق أهل السنة هذا اللقب على سيف الله اقتداءً برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ
__________
(1) الحديث مروي عن أبي بكر الصديق وأبي عبيدة بن الجراح وأبي هريرة رضي الله عنهم . فحديث أبي بكر أخرجه أحمد في المسند 1/8 . وفي فضائل الصحابة 2/ 815 –816 وقال المحقق : إسناده حسن والطبراني في المعجم الكبير 4/120 . وابن سعد في الطبقات 7/418. والحاكم في المستدرك 3/298. وانظر : الاستيعاب لابن عبدالبر1/408 والإصابة لابن حجر 1/474 . ومجمع الزوائد للهيثمي 9/348 . در السحابة للشوكاني ص 433 . وحديث أبي عبيدة أخرجه أحمد في مسنده 4/90 بإسناد قال عنه الشوكاني : رجاله رجال الصحيح . وانظر : مجمع الزوائد للهيثمي 9/348. ودر السحابة للشوكاني ص 433 – 434. وحديث أبي هريرة أخرجه الترمذي في جامعه وقال : حسن غريب 5/687 ك المناقب باب من مناقب خالد
(2) فضائل الصحابة لأحمد 2/815 – 817. وطبقات ابن سعد 7/395.والمعجم الكبير للطبراني 4/121 . والمستدرك للحاكم 3/298. وانظر : مجمع الزوائد للهيثمي 9/349. ودر السحابة للشوكاني ص 434(76/124)
وهناك مطاعن أخرى كثير مكذوبة نسجها الشيعة على منوال هذه المطاعن ووجهوها إلى عدد كبير من صحابة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الأخيار ، لكن التزامي الإيجاز في هذا الكتاب حال دون إيراد تلك المطاعن .
وخلاصة ما تقدم :
أن الشيعة الإثني عشرية سلفهم وخلفهم على عقيدة واحدة في الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ من حيث القول بكفرهم ، وارتدادهم بعد وفاة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومن حيث توجيه المطاعن المفتراة إلى ساداتهم وخيارهم :
فقد قالوا بكفر الشيخين : أبي بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ وكفر عثمان ، وكفر بقية العشرة المبشرين بالجنة ـ عدا علي ـ
ولم يكتفوا بهذا ، بل نسبوا الصديقة بن الصديق عائشة إلى الفاحشة ، وأنكروا أن تكون آيات البراءة قد نزلت في شأنها .
واتهموا بقية الصحابة ، وطعنوا في صدق إيمانهم ، واستطالوا على أعراضهم ، وزعموا أن بعضهم من أبناء الزنا ، ومن يطالع كتبهم ، ويطلع على ما كتبوه في ذلك يجد العجب العجاب .
ولا ريب أن أئمة أهل البيت الطيبين الطاهرين بريؤون كل البراءة من كل ما ألصقه بهم الشيعة الإثنا عشرية من أكاذيب وترهات زعموا أنها صدرت منهم في حق صحابة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهم يحبون الصحابة ويحترمونهم وينزلونهم المنزلة التي أنزلهم الله تعالى إياها ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
وينبغي على الشيعة علمائهم وعوامهم ـ إن كانوا يحبون أهل البيت ـ أن يحبوا صحابة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذين كان يحبهم النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ويحبهم أهل بيته الطيبون الطاهرون ـ رحمه الله ورضي عنهم أجمعين ـ فإنما تعلم المحبة بالاتباع .
قال الشاعر :
لو كان حبُك صادقاً لأطعته إن المحب لمن أحب مطيع(76/125)
وفي الختام : أنقل إلى كل شيعي غرر به ، وهو في باطنه محب لأهل بيت نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ نصيحة صادقة خاطب الإمام الشوكاني ـ رحمه الله ـ من خلالها العقول ، بعد ما نقل إجماع أهل البيت من اثني عشر طريقاً على تحريم سب الصحابة ـ رضي الله تعالى عنهم ـ وتحريم التكفير والتفسيق لأحد منهم ، يقول فيها ـ رحمه الله ـ : (( فيا من أفسد دينه بذم خير القرون ، وفعل بنفسه ما لا يفعله المجنون ! إن قلت : اقتديت في سبهم بالكتاب العزيز . كذبت في هذه الدعوى ؛ من كان له في معرفة القرآن أدنى تبريز ، إنه مصرح لأن اله ـ جل جلاله ـ قد رضي عنهم ، ومشحون بمناقبهم ، ومحاسن أفعالهم ومرشد إلى الدعاء لهم ، وإن قلت : اقتديت بسنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ المطهرة قام في وجه دعواك الباطلة ما في كتب السنة الصحيحة من مؤلفات أهل البيت وغيرهم من النصوص المصرحة بالنهي عن سبهم وعن أذية رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بذلك وأنهم خير القرون ، وأنهم من أهل الجنة ، وأن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مات وهو راض عنهم وما في طي تلك الدفاتر الحديثية من ذكر مناقبهم الجمة كجهادهم بين يدي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبيعهم نفوسهم وأموالهم من الله ومفارقتهم الأهل والأوطان والأحباب والأخدان طلباً للدين وفراراً من مساكنة الجاحدين وكم يعد العاد من هذه المناقب التي لا تتسع له إلا مجلدات . ومن نظر في كتب السير والحديث عرف من ذلك ما لا يحيط به الحصر وإن قلت أيها الساب لخير هذه الأمة من الأصحاب : إنك اقتديت بأئمة أهل البيت في هذه القضية الفظيعة ، فقد حكينا لك في هذه الرسالة إجماعهم على خلاف ما أنت عليه من تلك الطرق ... (1) إلى آخر ما قال ـ رحمه الله ـ في ذلك المصنف القيم .
__________
(1) إرشاد الغبي إلى مذهب أهل البيت في صحب النبي صلى الله عليه وسلم ق 4 /ب(76/126)
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه إنه جواد كريم وصلى الله وسلم وبارك عل سيدنا محمد وعلى آله وصحبة أفضل الصلاة وأتم التسليم ، والحمد لله رب العالمين ...
27 ذو القعدة 1410 هـ
موقع فيصل نور(76/127)
آيات يحتج بها الشيعة
إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه
· ما معنى قول النبي ( ( لا تحزن إن الله معنا(؟ أليس أبو بكر داخلا فيها؟ أليس أبو بكر كان يخاف على نفسه؟
· إن النبي كما أنه لم يخلف على فراشه جبناء فإنه لم يصطحب جبناء وإلا كان ذلك طعنا فيه. أليس النبي عندكم يعلم الغيب؟
· ليس كل من يحزن يكون جبانا.
· قالت الملائكة لسيدنا لوط (لا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ 33). فهل كان سيدنا لوط جبانا؟
· وقال جبريل لمريم (فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا 24).
· وقال تعالى للمؤمنين (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (آل عمران139). هل معنى ذلك ولا تكونوا جبناء؟
· لفظ (مع) تتعدد معانيه بحسب سياق النص.
· (وهو معكم أينما كنتم) تفيد العلم أم النصر والتأييد؟
· (واعلموا أن الله مع المتقين) تفيد العلم أم النصر والتأييد؟
· (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ) هل هذه المعية معية علم أم معية نصر وتأييد؟
· فإذا كانت المعية معية النصر لا معية العلم ولا المصاحبة ثبت الثناء على أبي بكر. ولا يخالف في كون المعية هنا معية التأييد إلا جاهل أو مكابر جبار عنيد.
· وإذا لم نجد السكينة على أبي بكر في هذه الآية فإننا نجدها فيه وفي غيره في آيات أخر تثبت السكينة على كل أصحابه وليس فقط في أبي بكر.(77/1)
· قال تعالى ( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً( (الفتح:18).
· وقال تعالى ( إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً( (الفتح:26).
· وقال تعالى ( ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ 26 ثُمَّ يَتُوبُ اللّهُ مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَن يَشَاء وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ 27(.
· وقد كان أبو بكر مع رسول الله ( ليس فقط في هجرته وإنما في غزواته وفي بيعة الشجرة.
أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم
هل يتناقض القرآن؟ كيف يفهم من هذا ارتدادهم وهو الذي أثنى عليهم مهاجرين وأنصارا؟ كيف يمكن الله للمنقلبين أن يتملكوا المنصب الإلهي ويحرم منه من وعدهم بالتمكين؟
فهل عندكم من مخرج سوى القول بالبداء؟
الآية لا تفيد تحقق الارتداد. فقد قال تعالى (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين(. فلماذا أخذتم القرآن عنهم وهم مرتدون محرفون للنصوص؟ وهل عندكم بدائل عنهم؟
الله يستهزئ بهم
كل صفات الله وأفعاله خير حتى استهزاؤه بالمستهزئين ومكره بالماكرين وخديعته للمخادعين. وأما فعل العبد ذلك فهو شر.
فتختص الصفة بما تليق بالله ويختص بالعبد ما يليق به.
فنثبت هذه الصفات وإلا يلزم من ذلك تكذيب الله وعدم التسليم له بما وصف به نفسه.(77/2)
إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية
قال رسول الله ( أنت يا علي وشيعتك (تفسير الطبري12/657).
فيه أبو الجارود: زياد بن المنذر الكوفي : قال عنه الحافظ ابن حجر » رافضي كذبه يحيى بن معين« (التقريب 2101) وفيه عيسى بن فرقد وهو الذي يروي عن الكذابين والمتروكين مثل جابر الجعفي (جامع الجرح والتعديل 1/122) الرافضي الذي كان يؤمن أن عليا هو دابة الأرض وأنه لم يمت وإنما هو في السحاب وسوف يرجع وحكيم بن جبير (جامع الجرح والتعديل1/190). كما حكاه عن عيسى ابن ابي حاتم في (الجرح والتعديل 6/284).
أن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما
زاغت ومالت عن الحق في حب ما كرهه النبي ( من اجتناب جاريته واجتناب العسل.. وكان عليه السلام يحب العسل والنساء.. أي إن تتوبا كان خيرا لكما إذ قد صغت قلوبكما (القرطبي18/124) وهذا الزيغ متعلق بالغيرة لا غير.
وهذا زيغ في هذه المسألة ليس زيغا عن الاسلام إلى الكفر.
والرسول لم يطلقهما بعدما علم ذلك منهما بل أقر زواجهما منه، وحاشاه أن يقر ببقائهما ولا يطلقهما إن كان الأمر يستحق ما ينفخ فيه الرافضة. لأنه يلزم من هذا الطعن بالنبوة وأن الرسول لم يطلق من تستحق الطلاق.
ولم يمنع الحق عمر أن يقول «هما عائشة وحفصة» وذلك عندما سئل عن معنى هذه الآية.
وإذا كانت عائشة وحفصة قد اتفقنا على مظاهرة كل منهما الأخرى فإن صالح المؤمنين هما أبو بكر وعمر فقد ظاهر أبو بكر وعمر رسول الله ( ضد ابنتيهما بتوبيخ كل منهما ابنته على ذلك. وقد وردت الروايات في شرح الآية (وصالح المؤمنين) أي أبو بكر وعمر (تفسير الطبري).
وعائشة من أهل البيت ومع ذلك ليست معصومة. كما أن عليا خطب من لا يجوز أن يخطب مما أدى إلى غضب النبي (.
إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم
رويتم عن الرسول ( أنه قال « إن الحرب خدعة» (منتهى المطلب2/913 للحلي منهاج الصالحين/373 للخوئي).(77/3)
وأن عمروا قال لعلي رضي الله عنه « خدعتني! فقال له علي «الحرب خدعة» (منتهى المطلب2/913 تذكرة الفقهاء للحلي1/414 و9/83).
انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا
الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون.
يسميها الشيعة «آية الوِلاية» بكسر الواو وهو خطأ والصحيح بفتح الواو. وسياق الآية يناسب هذا التنبيه لأن السياق متعلق بمودة المؤمنين ومؤازرتهم لا بموضوع الإمامة.
ما زلنا نطالب بنص جلي واضح يليق بما تعتبرونه أصلا من أصول الدين أهم من الصلاة والصيام. ولا يقوم الدين إلا به ولا يقبل العمل إلا معه. وهيهات أن تجدوا.
· أما الرواية التي تحكي أن عليا أدى الزكاة وهو راكع. فهيئة مثيرة للتعجب أن يعطي المزكي زكاته وهو راكع ولم لا يعطيها وهو ساجد!!!
· قال ابن كثير: رواه ابن مردويه من حديث علي بن ابي طالب رضي الله عنه وعمار بن ياسر وليس يصح منها شيء بالكلية، لضعف أسانيدها وجهالة رجالها" (تفسير ابن كثير 3/130).
· والذي زعم أنها نزلت في علي هو الثعلبي وهو الملقب بحاطب الليل لأنه لا يميز الصحيح من الضعيف وأكثر رواياته عن الكلبي عن أبي صالح وهو عند أهل العلم من أوهى ما يروى في التفسير.
· قال ابن حجر العسقلاني " رواه الطبراني في الأوسط في ترجمة محمد بن علي الصائغ، وعند ابن مردويه من حديث عمار بن ياسر قال: وقف بعلي سائل وهو واقف في صلاته… الحديث. وفي إسناده خالد بن يزيد العمر وهو متروك، ورواه الثعلبي من حديث أبي ذر مطولا وإسناده ساقط" (الكافي الشافي في تخريج أحاديث الكشاف لابن حجر العسقلاني، هامش الكشاف 1/649).
· فلا يمكن أن يبنى ركن الإمامة على هذه الآثار الضعيفة.
سبب نزول الآية(77/4)
· الآية نزلت في عبادة بن الصامت حين تبرأ من حلفه السابق مع اليهود لما أعلن اليهود الحرب عليه. فقد روى ابن جرير أنها نزلت في عبادة بن الصامت لما حاربت بنو قينقاع رسول الله ( فمشى إليهم عبادة إلى رسول الله ( وكان أحد بني عوف بن الخزرج فخلصهم إلى رسول الله ( وتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حلفهم وقال: أتولى الله ورسوله والمؤمنين وأبرأ من حلف الكفار وولايتهم« (تفسير الطبري 6/288 وتفسير ابن كثير 2/71).
· قلت: وفيه السائب بن محمد الكلبي والضحاك عن ابن عباس. لم يصح فإن الضحاك لم يثبت لقياه ابن عباس.
الأدلة العقلية على بطلان الاحتجاج بالآية
· هل عند الشيعة رواية عن علي تتضمن احتجاج علي بهذا لآية على تقديم إمامته على غيره؟ أو أنه احتج عليهم بيوم الغدير؟
· سياق الكلام في الآية متعلق بالنهي عن موالاة الكفار وقد سبق هذه الآية قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء( لا بموضوع من الأولى بالإمامة بعد الرسول (.
· الواو ليست واو الحال إذ لو كان كذلك كان لا يسوغ أن يتولى إلا من أعطى الزكاة في حال الركوع. فلا يتولى علي سائر الصحابة والقرابة.
· قال رسول الله ( » إن في الصلاة لشغلا« فكيف يكون أداء الزكاة داخل الصلاة؟ وبالتحديد عند حالة الركوع؟ ولم لا يكون أداؤها في حال القيام أو السجود أو عند التشهد مثلا؟
· قوله (والذين) صيغة جمع وعلي واحد.
· وعلي لا زكاة عليه وقد كان فقيرا باعتراف الشيعة.
· أن أكثر العلماء على أن إخراج الخاتم في الزكاة لا يجزئ.(77/5)
· أن في الصلاة شغل عن الأعمال الخارجة. أليس من الغريب أن لا يصبر علي على أداء الزكاة حتى يخرج من صلاته؟ أم أن الشرع أوجب أن تؤدى الزكاة على هذا النحو؟
الولي هو القريب والمحب والنصير
· إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون.
· يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان. ومن يتولهم منكم فأولئك هم الخاسرون.
· يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء. بعضهم أولياء بعض. ومن يتولهم منكم فإنه منهم. والنهي لم يكن عن مبايعتهم. وإنما كان النهي في السياق عن محبتهم ومودتهم.
· والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض (التوبة).
· لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين.
· وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين.
· ومن يتولهم منكم فإنه منهم. وليس المعنى أن نبايعهم على السمع والطاعة فإن هذا معروف ضرورة. وإنما على مطلق المحبة والمودة والاقتراب منهم.
· (يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا). وهذا في النصرة لا في الإمامة.
· ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم.
· بل الله مولاكم وهو خير الناصرين.
· فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين.
إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت.
قال رسول الله ( » اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا«
قال الهيثمي » فيه محمد بن مصعب: وهو ضعيف الحديث سيء الحفظ« (مجمع الزوائد9/167).
وقال ( نزلت هذه الآية (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس) في علي وفاطمة(77/6)
قال الهيثمي » رواه البزار وفيه بكير بن يحيى بن زبان وهو ضعيف« (مجمع الزوائد9/167).
أهل بيت الرجل زوجته قال تعالى لزوجة ابراهيم
(رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت) (فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا قال امكثوا) (فراغ الى أهل فجاء بعجل سمين) (فأسر بأهلك بقطع من الليل).
قال النبي صلى الله عليه وسلم قولوا (اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته) (بخاري رقم 6360 كتاب 80 باب33). مسلم (1/306) أحمد (5/374).
وكان إذا دخل بيت عائشة قال » السلام عليكم أهل البيت). (بخاري 4793).
أينما تولوا فثم وجه الله
وجه الله عند الرافضة هم الأئمة: قال المجلسي « عن داود بن كثير قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام : أنتم الصلاة في كتاب الله عزوجل وأنتم الزكاة وأنتم الحج؟ فقال: يا داود نحن الصلاة في كتاب الله عزوجل، ونحن الزكاة ونحن الصيام ونحن الحج ونحن الشهر الحرام ونحن البلد الحرام ونحن كعبة الله ونحن قبلة الله ونحن وجه الله قال الله تعالى ( فأينما تولوا فثم وجه الله( (بحار الأنوار42/303 و108/341 تفسير كنز الدقائق1/221 تفسير القرآن للخميني2/469 اقتصر على (نحن الصلاة).
().
تأويلهم للآية يتناقض مع النص الذي في الكافي: عن المفضل قال: " سألت أبا الحسن عن شيء من الصفة فقال: لا تجاوزوا ما في القرآن" (الكافي 1/79 كتاب: التوحيد- باب: النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه تعالى).
عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن
فأعينوني بقوة أجعل لكم ردما
هذا من باب ما يتعاون الناس فيه فيما يقدرون عليه. وليس فيه جواز استغاثة الحي بالميت.
فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم
إذا كان علي هو نفس رسول الله فهل كان دخول علي على فاطمة هو دخول رسول الله؟
أذا كان علي هو نفس الرسول لزم أن يكون علي نبيا.
وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين((77/7)
ما المراد بالاحتجاج علينا بهذه الآية؟ وهل ننكر أن تكون فاطمة والحسن والحسين من أهل البيت النبوي؟ أم أننا ننكر فضلهم؟
أما الاحتجاج بالآية لإثبات أن الإمامة لا تكون إلا لعلي والحسن والحسين؟ فعلي هو الذي تخلى عنها. والحسن سلمها لمعاوية. والحسين لم يتمكن منها.
ما معنى ونساءنا ونساءكم؟
لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم.
فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم.
ولا تقتلوا أنفسكم إنه كان بكم رحيما.
قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى
· زعموا أن النبي ( سئل عن الآية » من هؤلاء الذين أمرك الله بمودتهم؟ فقال: علي وفاطمة وابناهما« وهذا الحديث ساقط الاسناد كما قال الحافط ابن حجر (فتح الباري 8/564). وقال ابن كثير » هذا إسناد ضعيف فيه متهم لا يعرف عن شيعي محترق وهو حسين الأشقر« .
· ومعلوم أن الآية مكية بالاتفاق. (تفسير البغوي 4/119) وعلي تزوج فاطمة بعد غزوة بدر. وولد الحسن في الثانية من الهجرة. فكيف تنزل الآية بمودة من لم يخلق بعد؟ أهكذا خاطب الله قريشا أن تود من لم يكن قد خلق بعد؟
· واذا كانت هذه الآية نصا على الإمامة فلماذا لم يطالب الشيعة بأن تكون فاطمة إمامة؟ ولماذا لم يطالبوا بأن يكون الأربعة: علي وفاطمة والسبطان أئمة في عهد النبي(؟
· روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن هذه الآية: فقال سعيد بن جبير: قربى آل محمد. فقال ابن عباس: عجلت. إن النبي ( لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة فقال: إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة« (البخاري رقم 4818).(77/8)
· قال ابن تيمية » إنه قال: لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى. ولم يقل إلا المودة للقربى ولا المودة لذوي القربى، فلو أراد المودة لذوي القربى لقال: (المودة لذوي القربى) كما قال: ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذوي القربى( وهكذا في غير موضع. فجميع ما في القرآن من التوصية بحقوق ذوي قربى النبي ( وذوي قرب الانسان إنما قيل فيها ذوي القربى، ولم يقل في القربى. فلما ذكر هنا المصدر دون الإسم دل على أنه لم يرد ذوي القربى« (منهاج السنة4/28).
لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ
مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ.
( وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً 74 إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا( (الاسراء74-75).
من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا
· القرض لا يكون للحاجة فقط. وهذا ما أكده الكليني في رواياته. (الكافي1/537). والذي أكد أن القرض معناه صلة الإمام. يعني قرض الله يعني قرض الإمام. فعاد الضمير كالعادة على الإمام. فما عند الرافضة من تفسير هذه الآية شر مما ظنوه شرا. فقد قالوا « سئل أبو عبد الله عن هذه الآية فقال: نزلت في صلة الإمام. قال: درهم يوصل إلى الإمام أفضل من ألف درهم في غيره في سبيل الله» (الكافي1/538 مجمع الفائدة 4/182 للمحقق الأردبيلي).
·
· القرض هنا هو أن يسلف العمل الصالح بإعطاء الدرهم للفقير فيودع عمله الصالح عند الله فيضاعفه الله له يوم القيامة. ونوع الإسلاف هو العمل الصالح وليس قرض الله الدرهم والدينار. وعملة الحسنة أعظم من عملة الدينار.(77/9)
· جاء في نهج البلاغة « جعل تقديم العمل الصالح بمنزلة القرض والثواب عليه بمنزلة قضاء الدين،إظهارا لتحقق الجزاء على جنس العمل» (نهج البلاغة159).
· والآية مسوقة للحث على الصدقة على الفقير. والسياق يرفع اللبس والإشكال. كقول الله في الحديث القدسي: « ابن آدم إستطعمتك فلم تطعمني. فيقول: وكيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ فيقول: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه؟ أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي» (مسلم2569).
· ولم يتوهم عامة المسلمين ما يورده الزنادقة للمساومة على التأويلات الباطلة.
· إذا كانت هذه الآية لا تليق بالله فافتحوا القرآن الذي جمعه لكم علي لعلكم لا تجدون فيه هذه الآية.
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ
فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) (الأحزاب:23).
ليس في هذه الآية ذم للبعض الآخر بأنهم لم يصدقوا ما عاهدوا الله عليه. وهي للجنس لا للتبعيض.
ولو فرضنا هناك تبعيضا. فقد جاء وصف المؤمنين عاما وليس معنى الآية (من الصحابة رجال).
لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار
هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس.. المتكبر
واذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فأتمهن
· إبراهيم أوتي النبوة والإمامة فلماذا بقي الإمام أفضل من إبراهيم. ومن كان نبيا وإماما فهو خير ممن أوتي إمامة من غير نبوة.
· قال إني جاعلك للناس إماما. قال ومن ذريتي. قال لا ينال عهدي الظالمين.(77/10)
· كذب من زعم أن هذه الآية دليل على المرتبة الخاصة بأهل البيت. قال تعالى (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ( (الفرقان:74) فهذا دعاء يدعو به كل مؤمن من عباد الرحمن. ولهذا ادعى الزنادقة أنها لم تنزل هكذا. فرووا عن أبي عبد الله أنه قال:« إنما نزلت هكذا: (والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعل لنا من المتقين إماما( (تفسير القمي1/36).
· إن كانت الآية دليلا على إمامة المسلمين السياسية فإن إبراهيم يكن إماما.
· وإن كانت دليلا على إمامة العلم بطل استدلالكم بالآية فإن الخلاف بيننا وبينكم ليس على إمامة العلم.
· وإن كانت دليلا على العصمة فيبطله قول إبراهيم (والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين(. فإذا كانت الآية تدل على العصمة فهل كان يعلم إبراهيم ذلك؟ فإمامة الهدى ليست خاصة بمعصومين فقد جعلها الله لبني اسرائيل (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون( وجعلها عامة لكل مستضعف فقال (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ( (القصص:5) وأنتم تستخرجون من هذه الآية مرتبة لا تليق إلا بطينة خاصة من البشر وهي طينة المعصومين.(77/11)
· وإن كانت دليلا على القدوة فقد قال تعالى (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ( (الممتحنة:4). وهل تقبلون أن يكون علي قدوة لكم وقد بايع من لا يستحق البيعة عندكم. فإن زعمتم أنه كان مجبرا أبطله تفسيركم لقوله تعالى (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ( (النور:55). الله لا يخلف وعده. فكيف نال عهده أبا بكر وعمر وعثمان وهم عندكم ظالمون؟ ثم يبايعهم علي مهنئا لهم على غصبهما للامامة التي أمر الله أن يبلغ رسوله بشأنها.(77/12)
· الإمامة هي أن يكون الإمام قدوة. وأين هذه القدوة الحسنة في بيعة علي المعصوم لأبي بكر وعمر وعثمان وبيعة الحسن والحسين المعصومين لمعاوية الكافر عندكم. قارن ذلك بإبراهيم وقومه من الكفار (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ( (الممتحنة:4).
· أمر الله جميع عباد الرحمن أن يتطلعوا لمرتبة الإمامة: مرتبة الهدى والعلم والقدوة فقال (والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما(. ولهذا الآية الرافضة أنها محرفة وأنها لم تنزل هكذا، وإنما (واجعل لنا من المتقين إماما).
· الآية لا علاقة لها بالامامة المختلف عليها عادة بين السنة والشيعة. وإنما هي أمامة العلم والهدى والقدوة كما قال تعالى (أولئك الذين هداهم الله فبهداهم اقتده(.
· هل خان الحسن عهد الله ومكن منه الظالمين حين سلم الخلافة الى معاوية وبايعه؟
· النبي إمام هدى يدعو الى حكم وإمام قائد ينفذ حكم الله ويسود قومه. فإما أن يكون إمام هدى من غير قيادة. وإما أن يمكنه الله من كلا الامامتين: هذا سليمان آتاه الله الإمامتين.
· علي خالف المشيئة الإلهية التي قضت بأن لا ينال عهده الظالمين فمكن للظالمين وبايعهم.
· الحسن مكن للظالمين أن ينالهم العهد مناقضا بذلك القرآن. فأمكن معاوية مع أن الله وعد أن لا ينالها ظالم.(77/13)
· ومن الأنبياء من أوتي ملكا لم يؤتاه أحد من بعده كنبي الله سليمان. فهو أوتي ملكا عظيما. قارن هذا بهذا الملك العظيم المهدي المختبىء في السرداب أو السائح في البلاد.
واستعينوا بالصبر والصلاة
عن الصادق قال « إذا نزلت بالرجل النائبة والشدة فليصم، فإن الله يقول واستعينوا بالصبر والصلاة» (كشف الغطاء 2/324 لجعفر كاشف الغطاء).
قال الطبرسي « أي في حوائجكم إلى الله بالجمع بين الصبر والصلاة» (تفسير جوامع الجامع1/100 لأبي على الطبرسي).
وفي زبدة البيان « بأن تصلوا صابرين على تكليف الصلاة» (زبدة البيان ص128 للمحقق الأردبيلي).
وقد فسروا الصبر بالصيام حيث جاء وصف رمضان بأنه شهر الصبر (مدارك الأحكام6/9 للسيد محمد العاملي ذخيرة المعاد 3/494 للسبزواري كشف الغطاء2/324 لجعفر كاشف الغطاء غنائم الأيام).
وعن أبي عبد الله « كان علي عليه السلام إذا هاله أمر فزع إلى الصلاة. ثم تلا هذه الآية» (الذكرى للشهيد الأول ص256).
وإن من شيعته لإبراهيم
ألم يكن عليا من شيعة أبي بكر وعمر وعثمان؟
هل تعني هذه الآية أن مذهب التشيع كان معروفا وله وجود في عهد إبراهيم؟
( وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ( (الروم:32).
( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ( (الأنعام:159).
وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا
هذه الآية حجة على مذهب الإمامية الذين يفضلون الإمام على النبي.
هؤلاء أئمة من بني إسرائيل ليسوا بأنبياء. مع أن الامامية يفضلون الإمام على النبي.
وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما
يبطل احتجاج الشيعة هذه الآيات:
( فاجتنبوا الرجس من الأوثان(.(77/14)
مُؤْمِنِينَ( (الانفال64).
( فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ( (البقرة185).
ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم
هم عند ربهم أحياء لا عندنا. لو كانوا عندنا أحياء لكلمونا وكلمناهم. ولخرجوا من قبورهم.
قال تعالى ( ولو سمعوا ما استجابوا لكم( فحتى لو كانوا أحياء لا يسمعوننا كما قال تعالى.
وحتى لو كانوا شهداء فإنهم لا يصيرون بذلك شهادء علينا. فإن عيسى قال ( فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد(.
وورث سليمان داود.. وقوله يرثني ويرث من آل يعقوب
قبل كل شيء الله آتى سليمان ملكا عظيما. فهل الملك مسبة. لما تطعنون في ملك بني أمية وترضون ملك سليمان.
الآية ما قبل هذه بينت أن الله آتى سلمين وداود علما. قال تعالى ( وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ 15(.
فالارث ليس إرث المال بدليل أن لداود أبناء كثيرين. وفي حصر الارث بالعلم والنبوة مدح لسليمان لأن الله يختص لميراث النبوة والعلم من يشاء. أما ميراث المال فشرع الله أن تكون للإخوة بالتساوي لا لواحد منهم دون الآخر. ولذلك قال النبي للذي نحل ابنه أرضا دون إخوته الآخرين: أكل ولدك نحلت مثله؟ قال لا. قال: أشهد على ذلك أحدا غيري.
وينزه القرآن عن أن يتضمن أخبارا لا فائدة فيها كأن يحكي خبر إرث الأبناء أموال آبائهم. فإن مثل هذا الخبر مما لا فائدة منه.
وكذلك زكريا كان نجارا ولم يترك مالا.
وقول النبي (ما تركناه فهو صدقة للمسلمين) يبطل كل ادعاء بالإرث المادي.
كل من عليها فان ويبقى وجه ربك
قبل أن نذكر لكم معنى الآية نود أن لا يفوتكم أن تفسير الآية عند الشيعة هم الأئمة فإنهم وجه الله.
· قال الصدوق « أي التوجه إلى الله» (من لا يحضره الفقيه1/334).(77/15)
· لكن المحقق خالفه فقال بأن معنى وجه الله أي أنبياؤه وحججه» ثم تناقض الصدوق وقال بأن معناه النظر إلى الأنبياء والأئمة (عيون أخبار الرضى2/106 الاحتجاج للطبرسي2/190 بحار الأنوار4/3 و31 نور البراهين1/300 مسند الرضا لعزيز الله العطاردي1/19).
· وفي مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب « نحن وجه الله ونحن الآيات ونحن حدود الله» (مناقب آل أبي طالب3/63 مستدرك سفينة البحار10/253).
· وعند المجلسي أيضا « نحن وجه الله» (بحار الأنوار24/192-196 تفسير القمي2/345).
· وعند المجلسي « ويبقى وجه ربك» أي وجه علي (بحار الأنوار39/88).
· وعند المجلسي « وجه الله أي دينه» (بحار الأنوار4/5).
· وعند المجلسي المتناقض « وجه الله» أي ذاته. (بحار الأنوار4/6).
· وعند المجلسي « ويبقى وجه ربك» أي ربك الظاهر بالأدلة ظهور الإنسان بوجهه» (6/323 87/232).
· وعند المجلسي « ويبقى وجه ربك» أي فثم التوجه إلى الله (بحار الأنوار83/206).
· وعند المازندراني وجه الله أي عنايته وقيوميته (شرح أصول الكافي3/125).
·
·
· وروى في مستدرك الوسائل حديث « الدنيا ملعونة ملعون من طلبها وأحبها» (مستدرك الوسائل12/38 مستدرك سفينة البحار3/355). مما يؤكد أنه فهم منها التوجه إلى الله بالعمل وعدم طلب الدنيا بعمل الآخرة. وهذا ما نقوله نحن.
· وعند الشيخ إبراهيم الأنصاري « إن الله سبحانه وتعالى هو الوجود المطلق بلا قيد... فجميع الكون هو وجه الله ومظهره» وهذا عنده معنى قوله تعالى ( كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام» (أولياء الله ص 1).
معناها عندنا(77/16)
( بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن( (البقرة112).
( وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ( (النساء:125).
( وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ( (الأنعام:52).
( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ( (الكهف:28).
( وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ( (القصص:88).
( وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ( (لقمان:22).
( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ) (الزخرف:17).
( أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ( (الملك:22).
هل للوجه معنى واحدا أم معنيين؟
معنى الوجه القصد والتوجه عند الشيعة. فقد قال علماؤكم أن الوجه على معنيين: الوجه المركب الذي فيه عينان.. والوجه بمعنى أول كل شيء وصدره كما قال تعالى ( وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ( (آل عمران:72).. والوجه القصد بالفعل من ذلك قوله تعالى ( ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله( وقال الفرزدق:
وأسلمت وجهي حين شدت ركائبي ... إلى آل مروان بنات المكارم
أي جعلت قصدي وإرادتي لهم. وأنشد الفراء يقول:
... ... أستغفر الله ذنبا لهم محصيه ... ... رب العباد إليه الوجه والعمل(77/17)
ومنه قولهم في الصلاة: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض. أي قصدت قصدي بصلاتي وعملي. ومنه قوله تعالى ( فأقم وجهك للدين القيم( .. والوجه الذهاب والجهة والناحية. (الأمالي3/46-47).
وفسر قوله تعالى ( كل شيء هالك إلا وجهه( بمعنى أن كل فعل يتقرب به إلى غيره فهو هالك» (الأمالي3/50).
وجمع الطبرسي بين الآيتين (كل شئ هالك إلا وجهه( وقوله تعالى ( ويبقى وجه ربك( أثناء تعليقه على حديث « الدنيا ملعونة ملعون ما فيها» (مكارم الأخلاق453).
إذن فالوجه يأتي بمعنى القصد والتوجه
ومعنى الآية ما أريد به وجهه كما قال تعالى (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه). أي وجهة دعائهم إلى الله أي الإخلاص في دعائهم لله فقط. لا كما يفعل الشيعة بدعائهم يريدون وجه المخلوقات بدعائهم.
العلماء فسروه بمعنى ما كان وجه العمل فيه إلى الله. مثل الآية الأخرى: كل شيء هالك إلا وجهه.
وقد قال لبيد الشاعر:
ألا كل ما خلا الله باطل
لكن تفسير الشيعة فيه تصريح بأن عليا هو الله. فقالوا ( ويبقى وجه ربك(
وابتغوا إليه الوسيلة
قال مفسرو الشيعة أي ابتغوا « السبب الذي يقربكم إليه سبحانه من فعل الخيرات والأعمال الصالحة» (تقريب القرآن6/83).
وقال أبو علي الطبرسي « أي أطلبوا إليه القربة بالطاعات» واحتج بقول النبي ( « سلوا الله لي الوسيلة» (تفسير مجمع البيان3/327).
وفي البحار « أي ما تتوسلون به إلى ثوابه والزلفى منه من فعل الطاعات وترك المعاصي» (بحار الأنوار67/271 تفسير الصافي2/33).
وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه (فصلت42).
1 - ما الذي جعلنا نقول إن القرآن ليس له يد. أننا نظرنا إليه فحكمنا عليه بأنه ليس له يد. ولكن من منكم نظر إلى الله فحكم على الله بنفي اليد أو إثباتها؟ فكيف قدمتم النفي على الإثبات؟ هل عندكم من علم بهذا النفي؟(77/18)
2 – كيف علمتم أن صفات سميع بصير يجب إثباتها وعدم تأويلهما؟
3 – لا يجوز لكم تأويل السمع والبصر بالعلم. فإن الله قال: إني معكما أسمع وأرى. ويا ويل من نفى عن الله الرؤية وأولها بالعلم. أسأل الله أن يصيبه بالعمى في الدنيا ويذيقهما نار جهنم في الآخرة.
2 - ليس كل كتاب بمعنى المجلد ذو الدفتين.
قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى (الأحقاف30) وهم قد سمعوا آيات واكتاب لا يُسمع.
وأنزلنا إليك الكتاب () أي آيات الله. فهل أنزل الله كتابا أم آيات؟
وهذا كتاب أنزلناه () أي آيات منزلة وليس بمعنى مجلدا ذا دفتين.
وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم () وليس معنى الكتاب هنا هو المجلد ذو الدفتين.
يتلو عليهم آياته ويعلمهم الكتاب والحكمة () ولم يكن معهم كتاب بل كانت آيات مكتوبة على الصحائف والرقاع والجلد وأكثره محفوظ في الصدور.
وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا (آل عمران145).
ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس (الأنعام7).
2 – قد يقول قائل وهل للكتاب يدان؟
هذا مما تعارف عليه العرب في عرف التخاطب أن ما بين االيدين هو الشيء المتقدم. المقصود به ما تقدمه قبله قال ابن منظور في لسان العرب «لا أَي أَن الكتب التي تقدّمته لا تبطله ولا يأْتي بعده كتاب يبطله».
والقرينة الأخرى ورود لفظ الخلف بعد ذلك.
تأملوا هذه الآيات:
· ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين (الأعراف17)
· وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون (9).
· فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود (13) إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم ألا تعبدوا إلا الله (فصلت14).
· له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله (الرعد11).(77/19)
· واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه (الأحقاف21).
· قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين (البقرة97).
· نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل (آل عمران3).
· وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه (يونس37).
· يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم (الحجرات1). أي لا تسرعوا في الأشياء قبله.
وفي البخاري أن النبي ( كانت توضع له سترة ثم يمر الناس بعد ذلك من بين يديه. قال الشارح: من بين يديه أي من قدام.
وفي مسلم أن النبي ( كان يقول: إني والله لأبصر من ورائي كما أبصر من بين يدي.
وفي مسلم أيضا أن النبي ( كان يقول في دعاء ذهابه إلى الصلاة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اللهم! اجعل لي في قلبي نورا، وفي لساني نورا، وفي سمعي نورا، وفي بصري نورا، ومن فوقي نورا، ومن تحتي نورا، وعن يميني نورا، وعن شمالي نورا، ومن بين يدي نورا، ومن خلفي نورا.
وكفى الله المؤمنين القتال بعلي
فيه الفضل بن القاسم قال الحافظ الذهبي في ميزان الاعتدال « لا أعرفه». وفيه عباد بن يعقوب شيعي صدوق (ميزان الاعتدال4/45).
وقرن في بيوتكن
من يكمل الآية يعرف المعنى وهو عدم الخروج بتبرج أهل الجاهلية الأولى.
هل يفهم من الآية عدم الخروج من المنزل لشراء حاجة أو صلاة في مسجد
يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك
يحتج الرافضة بهذه الآية كثيرا على أنها نص على إمامة علي. ولكنهم في نفس الوقت يوصون بكتمان دينهم بل ويروون عن علي أنه كتم القرآن الذي جمعه حتى يخرج به الإمام المنتظر. فهل بلغ علي ذلك القرآن الذي جمعه؟(77/20)
عن سالم بن سلمة قال: قرأ رجل على أبي عبد الله وأنا أستمع حروفا من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس. فقال أبو عبد الله: كف عن هذه القراءة . إقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم، فإذا قام القائم قرأ كتاب الله عز وجل على حده. وأخرج المصحف الذي كتبه علي. وقال: أخرجه علي إلى الناس حسن فرغ منه وكتبه فقال لهم: هذا كتاب الله عز وجل كما أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم. وقد جمعته من اللوحين. فقالوا: هوذا عندنا مصحف جماع فيه القرآن لا حاجة لنا فيه. فقال: أما والله ما ترونه بعد يومكم هذا أبدا. إنما كان علي أن أخبركم حين جمعته لتقرؤوه" (الكافي 2/463 كتاب فضل القرآن بدون باب).
الآية تتعارض مع مبدأ الكتمان عند الشيعة. ونستعرض لكم هذه الروايات:
قال أبو عبد الله: " يا سليمان إنكم على دين من كتمه أعزه الله ومن أذاعه أذله الله " ( الكافي 2/176 كتاب الإيمان والكفر باب الكتمان ).
- عن أبي جعفر قال: دخلنا عليه جماعة، فقلنا يا ابن رسول الله إنا نريد العراق فأوصنا، فقال أبو جعفر عليه السلام: لا تبثوا سرنا ولا تذيعوا أمرنا" ( الكافي 2/176 كتاب الإيمان والكفر باب الكتمان).
- يقول أبي جعفر: " أحب أصحابي إلي أكتمهم لحديثنا " (الكافي 2/177 كتاب الإيمان والكفر باب الكتمان ).
- قال أبو عبد الله "من أذاع علينا حديثنا سلبه الله الإيمان" ( الكافي 2/275 كتاب الإيمان والكفر باب الإذاعة).
- عن أبي عبدالله "ما قتلنا من أذاع حديثنا قتل خطأ ولكن قتلنا قتل عمد " (الكافي 2/275 كتاب الإيمان والكفر باب الإذاعة).(77/21)
- قال أبو عبدالله: " يا معلى اكتم أمرنا ولا تذعه، فإنه من كتم أمرنا ولم يذعه أعزه الله، من أذاع أمرنا ولم يكتمه أذله الله به في الدنيا ونزع النور من بين عينيه في الآخرة وجعل ظلمة تقوده إلى النار، إن التقية من ديني ودين آبائي ولا دين لمن لا تقية له، إن المذيع لأمرنا كالجاحد له " ( الكافي 2/177 كتاب الإيمان والكفر باب الكتمان ).
- قال أبو جعفر: " ولاية الله أسرها إلى جبرئيل عليه السلام وأسرها جبرئيل إلى حمد صلى الله عليه وسلم وأسرها محمد إلى علي عليه السلام وأسرها علي إلى من شاء الله، ثم أنتم تذيعون ذلك " ( الكافي 2/178 كتاب الإيمان والكفر باب الكتمان ).
موقع فيصل نور(77/22)
آية التطهير
وعلاقتها ب " عصمة الأئمة "
(إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)
الدكتور
عبدالهادي الحسيني
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
كتاب الله عز و جل هو مصدر الهداية كما أخبر عنه سبحانه فقال (الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ( (1) وقال : (قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَىَ) (2)، فحصر الهداية فيه وتعجب ممن يطلب الهدى و الإيمان من غيره فقال : (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ) (3) فمن اتخذ مصدراً آخر يرجع إليه ويهتدي به فهو كما قال أمير المؤمنين علي - رضي الله عنهم - في سياق وصفه للقرآن:" ومن ابتغ الهدى في غيره أضله الله " . لهذا وغيره فلا بد أن تكون أدلتنا لا سيما في أصول العقيدة التي هي أساس الدين آيات قرآنية ولابد – مع ذلك – أن تكون هذه الآيات واضحة الدلالة على المعنى المُراد ، بينة ومفصلة لا مجملة ، وقطعية محكمة لا مشتبهة . وعقيدة كـ"عصمة الأئمة " لا شك في أنها تدخل في الأصول . وقد سيقت لإثباتها بعض من آيات التنزيل المجملة كان أقواها وأشهرها على الألسن ما عرف بآية التطهير وهي آخر قوله تعالى : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (4).
ونحن – بعون الله وتوفيقه – قمنا – في هذه الرسالة – بمناقشة علمية هادئة لما يقال عن علاقة هذه الآية بعقيدة عصمة الأئمة ومدى دلالتها على العصمة .
__________
(1) البقرة : 1-2 .
(2) الأنعام : 71 .
(3) الجاثية : 6 .
(4) الأحزاب : 33 .(78/1)
والله تعال أسأل أن يرد هذه الأمة إلى كتابها ومصدر هدايتها وعزتها وفلاحها إنه أكرم مسؤول وأعظم مأمول .
المؤلف 1419هـ - 1998م
آية التطهير :
(آية التطهير ) وهي قوله تعالى : (...إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (1)، أقوى ما احتجوا به من آيات القرآن ، ويلاحظ أنها ليست آية كاملة وإنما هي تتمة الآية التي أولها خطاب لأمهات المؤمنين – رضي الله عنهن – بقوله : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ…)(2) ، ولذلك فتسميتها بـ " آية التطهير " تدليس لأنها ليست بآية وإنما هي جزء منها .
وعلى كل حال فقد قالوا : إن التطهير وإذهاب الرجس معناه العصمة من الخطأ والسهو والذنب " فأهل البيت " معصومون من ذلك كله ، ومقصودهم " بأهل البيت " أشخاصاً معينين أولهم سيدنا علي ثم فاطمة والحسن والحسين – رضي الله عنهم – وليس جميع أهل البيت .
مناقشة هذا التفسير :
إن الاحتجاج بهذه الآية على " العصمة " مردود من حيث الدليل ومن حيث الدلالة :
1 – عدم صلاحية الدليل ( آية التطهير ) للاستدلال على ( العصمة ) .
__________
(1) الأحزاب : 33 .
(2) الأحزاب :33 .(78/2)
إن قضايا الاعتقاد الكبرى ومهمات الدين وأساسياته العظمى لابد لإثباتها من الأدلة القرآنية الصريحة القطعية الدلالة على المعنى المطلوب كدلالة قوله تعالى : (اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) (1) على التوحيد ، ودلالة (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ) (2) ، على نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - ودلالة قوله تعالى : (أَقِيمُواْ الصَّلاةَ) (3) ، على فرضية الصلاة ومشروعيتها و لا يصح أن تؤسس هذه الأمور المهمة على الأدلة الظنية المشتبهة وإلا تطرق الشك إلى أساس الدين لقيامه على الظنيَّات و ابتنائه على المتشابهات المحتملات وذلك منهي عنه بصريح قوله تعالى : (هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ) (4) ، فاشترط الله – جل وعلا – لإقامة دينه الآيات المحكمات الواضحات التي لا اشتباه فيها و لا احتمال كالآيات التي استشهدنا بها على التوحيد والنبوة والصلاة وهي "أم الكتاب " ومرجعه وأصله المعتمد الذي يرد إليه ما تشابه وتطرق إليه الظن والاحتمال .
أما من اعتمد على الآيات المتشابهات المحتملات فهو من الزائغين الذين (فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ) (5).
... وقال تعالى أيضاً : (وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ) (6) ، فالدليل الظني لا يصح الاعتماد عليه لأنه لا يفيد العلم وإذن لا بد أن يكون الدليل قطعياً في دلالته ، فيسقط الاستدلال بكل الأدلة الظنية المشتبهة ، ولذلك قال الأصوليون :
__________
(1) البقرة : 255 .
(2) الفتح : 29 .
(3) الأنعام : 72 .
(4) آل عمران :7
(5) آل عمران : 7 .
(6) النجم : 7(78/3)
... " الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال " .
... إن "عصمة الأئمة " من ضروريات الاعتقاد عند الإمامية لأنها الأساس الذي يقوم عليه أصل عقيدة " الإمامية " فإذا انهار الأساس " العصمة " انهدم ما بني عليه " الإمامة " ولذلك شددوا في الإيمان بها والنكير على من جحدها حتى كفروه وأخرجوه من الملة !! .
... فقد روى الكليني أن أبا عبدالله "ع" قال : " ما جاء به علي آخذ به وما نهى عنه انتهي عنه … المتعقب عليه في شيء من أحكامه كالمتعقب على الله وعلى رسوله ، والراد عليه في صغيرة أو كبيرة على حد الشرك بالله " (1) .
... وقال ابن بابويه القمي : " من نفى العصمة في شيء من أحوالهم فقد جهلهم ومن جهلهم فهو كافر " (2) .
وهذا يستلزم تكفير أكثر من مليار مسلم لا يدين بهذه العقيدة وتكفير حكامهم وأولهم الخلفاء الراشدون فما دون بلا استثناء فضلاً عن أجيال المسلمين المتعاقبة عل اختلاف أزمنتهم وأمكنتهم وما ينتج عن ذلك من مفاسد لا يمكن إحصاؤها قد يكون أهونها حرمة مناكحتهم وأكل ذبائحهم وعلى هذه العقيدة بُنيت الفتاوى التي تبيح أموال المسلمين ودماءهم وجواز أو وجوب مقاتلتهم والخروج عليهم !!.
وعقيدة بهذه المنزلة والخطورة لابد أن تكون أدلتها صريحة قطعية في دلالتها ، محكمة لا يتطرق إليها الشك أو الاحتمال بأي حال من الأحوال وإلا صار الدين لعباً لكل لاعب ، وأساسياته عرضة لكل متلاعب وهذه الآية : "آية التطهير"ليست صريحة في الدلالة على عصمة أحد ، فضلاً عن عصمة أشخاص معينين محددين ، والقول بدلالتها على "العصمة" ظن واشتباه فبطل الاستدلال بها على ذلك ، لأن الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال .
... وهذا يكفي في رد الحجة وإسقاط هذه العقيدة استدلالاً بالآية الكريمة ، لأن الدليل من الأساس فقد صلاحيته للاستدلال على المراد .
__________
(1) أصول الكافي 1/196 .
(2) اتعقادات الصدوق ص108 .(78/4)
... ولكن من باب الاستطراد النافع لإخراج آخر شبهة من نفس المقابل الذي يريد الحق للحق بالحق لا بأس من مناقشة دلالة الدليل (الآية) بالتفصيل .
2- عدم دلالة النص "الآية"على "العصمة" .
وذلك يتبين من وجوه كثيرة منها :
أولاً: افتقاره إلى السند اللغوي :
فهذا تفسير لا ينهض من الأساس لأنه ساقط لغوياً والقرآن نزل بلغة العرب فإذا كانت هذه الألفاظ "التطهير" و"إذهاب الرجس"تعني"العصمة" في هذه اللغة فيمكن حمل النص على ما يقولون .
ولكن … إذا كانت هذه الألفاظ لا تعني ذلك في اللغة التي نزل بها القرآن فماذا يكون الجواب ؟! والدليل على ما أقول ما يلي :
لا علاقة للرجس بالخطأ في لغة القرآن .
فلا يعرف من لغة القرآن – التي هي لباب لغة العرب – إطلاق لفظ "الرجس" على الخطأ في الاجتهاد . فإن "الرجس" القذر والنتن وأمثالهما .
يقول الراغب الأصفهاني في "مفردات ألفاظ القرآن"مادة "رجس" :
الرجس : الشي القذر يقال : رجل رجس ورجال أرجاس قال تعالى : (رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) (1) … والرجس من جهة الشرع الخمر والميسر… وجعل الكافرين رجساً من حيث أن الشرك بالعقل أقبح الأشياء قال تعالى: (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ) (2) وقوله تعالى : (وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ) (3) ، قيل : الرجس النتن ، وقيل : العذاب ، وذلك كقوله : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) (4) وقال : (أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) (5) أ.هـ .
__________
(1) المائدة : 90 .
(2) التوبة : 125 .
(3) يونس : 100 .
(4) التوبة : 28 .
(5) الأنعام : 145 .(78/5)
قلت : ولذلك لم يختلف الفقهاء في نجاسة الخمر وإنما اختلفوا في كون النجاسة هل هي معنوية أم حسية ؟ لأنها وصفت بالآية بالرجس وما ذلك إلا لأنهم فهموا من وصف الله تعالى لها وللأنصاب والأزلام والميسر بلفظ "الرجس" إنه القذر والنتن والنجاسة ومن قال بنجاستها المعنوية قال هي كقوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ)(1) والخطاء في الاجتهاد لا يمكن أن يوصف بأنه قذر أو نجاسة أو نتن لذلك فهو ليس برجس .
فمن قال : إن الآية نص في التنزيه من الخطأ فقد جاء بما لا يعرف من لغة العرب . وإذن فالآية تنهض حجة على العصمة من الخطأ ، بل سقط الاحتجاج بها كلياً لأن العصمة لا تتجزأ فإذا لم يكن من وصف بالعصمة معصوماً من الخطأ فهو ليس معصوماً من الذنب لأنهما متلازمان .
" التطهير " و " إذهاب الرجس " لا يعني العصمة من الذنب والدليل الواضح على هذا وروده في غير "أهل البيت " .
كما في قوله تعالى : (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (102) خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا) (2).
وهؤلاء القوم ارتكبوا المعاصي ، فلو كان " التطهير " يعني العصمة من الذنب لما أطلق على هؤلاء المذنبين الذين "اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً" وقد وصف هؤلاء بالتزكية إضافة إلى التطهير " تطهيرهم وتزكيهم " والتزكية أعلى وقد وصف بها هؤلاء المذنبون ومع ذلك لم يكونوا معصومين ولم يوصف بها أولئك الذين يُقال عنهم " أئمة معصومون " ، وإنما اكتفى بلفظ " التطهير " فقط ، وهو أقل منزلة من حيث المعنى فكيف صاروا به – وهو أقل – معصومين ؟ !.
__________
(1) التوبة :28 .
(2) التوبه : 102-103 .(78/6)
وقال تعالى : (فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ) (1) ، ولم تكن ابنتا لوط معصومتين مع أنهما من الآل الذين وصفوا "بالتطهير" وأرادوا إخراجهم ، فتطهير آل النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - أو أهله كتطهير آل لوط عليه السلام .
وقال جل وعلا عن رواد مسجد قباء من الصحابة الأطهار: (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ)(2) ، ولم يكن هؤلاء معصومين من الذنوب بالاتفاق .
وقال بعد أن نهى عن إتيان النساء في المحيض : (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)(3) .
وقال عن أهل بدر وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً : (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ) (4) .
والرجز والرجس متقاربان و"يطهركم" في الآيتين واحد ولم يكن هؤلاء معصومين من الذنوب .
وقال مخاطباً المسلمين جميعاً : (مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (5) .
وقال عن المنافقين واليهود : (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ) (6) .
وليس معنى اللفظ "أولئك الذين لم يرد الله أن يعصمهم من الذنوب" ولا يستقيم تفسير اللفظ "بالعصمة" إلا إذا كان المعنى كذلك ، وأيضاً فإن مفهوم لفظ الآية يستلزم أن يكون غيرهم من المؤمنين معصومين من الذنوب ولم يقل أحد بذلك .
فالآية إذاً لا دليل فيها على "العصمة" بمعنييها ولله الحمد .
لفظ "الأهل" لغة :
__________
(1) النمل : 56 .
(2) التوبة :108 .
(3) البقرة :222 .
(4) الأنفال :11 .
(5) المائدة : 6 .
(6) المائدة : 41 .(78/7)
لفظ "الأهل" في أصل الوضع اللغوي يعني زوجة الرجل ، ومن يجمعه وإياهم مسكن واحد وليس الأقارب بالنسب إلا على سبيل المجاز وإليك الدليل:
"فأهل" الشيء عموماً : أصحابه الملازمون له كما قال تعالى : (إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ) (1)، فأهل النار أصحابها وسكانها الملازمون لها كما قال تعالى : (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ)(2).
و"أهل الكتاب" و"أهل الذكر" أصحابه وحملته "وأهل المدينة" و"أهل القرى" أصحابها وساكنوها المقيمون فيها الملازمون لها كما قال تعالى : (وَجَاء أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ)(3) ، (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ) (4) ، وكذلك "أهل البلد" كما قال تعالى : (رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ) (5) .
وكذلك كل لفظ أضيف إلى كلمة "أهل" كما في قوله تعالى (فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ)(6) .
(يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا) (7) ، (وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ) (8). (حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا) (9) . فأهل السفينة ركابها الذين تجمعهم .
أهل البيت :
__________
(1) ص : 64 .
(2) الحشر : 20 .
(3) الحجر : 76 .
(4) الأعراف : 96 .
(5) البقرة : 126 .
(6) طه : 40 .
(7) الأحزاب : 13 .
(8) البقر ة : 217 .
(9) الكهف : 71 .(78/8)
وأهل البيت سكانه الذين يجمعهم ذلك البيت كما قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا) (1) ، وقالت أخت موسى – عليه السلام – لفرعون : (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ) (2).
أهل الرجل :
يقول الراغب الأصفهاني : أهل الرجل في الأصل من يجمعه وإياهم مسكن واحد ، ثم تُجُوَّزَ به فقيل أهل بيت الرجل لمن يجمعه وإياهم نسب .أ.هـ.
فأهل الرجل أو أهل بيته في الأصل من يجمعه وإياهم مسكن واحد وبهذا جاءت النصوص القرآنية كما في قوله تعالى : (قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ) (3) ، وقال إخوة يوسف – عليه السلام : (وَنَمِيرُ أَهْلَنَا)(4) ، (مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ) (5) ، وقال يوسف – عليه السلام : (وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ) (6) ، وكانوا أباه وزوجة أبيه وإخوته كما أخبر عنهم الرب جل وعلا بقوله : (فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ (99) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً) (7) ، فأنت ترى كل هذه الشواهد القرآنية لم يدخل في لفظ "الأهل" فيها غير سكان بيت الرجل الذي يجمعهم وإياه ذلك البيت ، ولم يدخل الأقارب فيه قط .
الزوجة من (أهل بيت) الرجل بل هي أول عضو فيه :
__________
(1) النور : 27 .
(2) القصص : 12 .
(3) هود : 40 .
(4) يوسف : 65 .
(5) يوسف : 88 .
(6) يوسف : 93 .
(7) يوسف : 99 – 100 .(78/9)
فأهل الرجل زوجته بدليل اللغة والشرع والعرف والعقل ولا دليل آخر مع هذه الأربعة .
دليل اللغة :
يقول الراغب الأصفهاني : وعبر (بأهل الرجل) عن امرأته … و(تأهل) إذا تزوج ومنه قيل : أهلك الله في الجنة : أي زوجك فيها وجعل لك فيها أهلا يجمعك وإياهم .أ.هـ.
وفي (مختار الصحاح) يقول الرازي : (أهل ) الرجل تزوج وبابه دخل وجلس و(تاهل) مثله أ.هـ. فهذا دليل اللغة .
دليل الشرع :
تأمل هذه الآيات :
(فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ) (1) ولم يكن معه ساعتها غير زوجه .
(قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً) (2) وهذا قول سارة زوجة إبراهيم عليه السلام فبماذا أجابتها الملائكة ؟ وتحت أي وصف إدخلتها ؟ (قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ )(3)فلولا كونها من أهل بيت إبراهيم عليه السلام لما رحمها الله بهذه المعجزة ولا بارك عليها فحملت بإسحاق عليه السلام ، وإذن فلا عجب .
وقالت أخت موسى عليه السلام لفرعون : (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ) (4)فمن قصدت أولاً بأهل البيت ؟ أليست أمها أول المقصودين بهذا اللفظ لأن كفالة الرضيع تتوجه أول ما تتوجه إلى المرضع وهي هنا أم موسى لذلك قال تعالى : (فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ)(5).
حتى امرأة العزيز خاطبت زوجها فقالت : (مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءاً) (6) أي زوجتك .
وهذه عدة آيات عن لوط عليه السلام و إمرأته يدخلها تحت مسمى (الأهل) في كل المواضع التي ورد فيها إنجاؤهم وإلا لما استثناها منهم .
__________
(1) القصص :29 .
(2) هود : 72.
(3) هود : 73 .
(4) القصص : 12 .
(5) القصص :14 .
(6) يوسف :25 .(78/10)
(فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ) (1) .
(قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ) (2) .
(فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ) (3) .
(فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (170) إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغَابِرِينَ) (4) .
(قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطاً قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ) (5) .
(لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ) (6) فكرر الاستثناء مع أن الآيتين متقاربتان لا تفصل بينهما إلا أية واحدة وفي سياق واحد .
(وَإِنَّ لُوطاً لَّمِنَ الْمُرْسَلِينَ (133) إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (134) إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغَابِرِينَ) (7) .
ولا شك أن هذا الإصرار على استثناء امرأة لوط في كل مرة يذكر فيها (أهله) لا داعي له لو كان العرب الذين نزل عليهم القرآن يستطيعون فهم لفظ (الأهل) مجرداً من الزوجة .
دليل العرف :
وإطلاق لفظ (الأهل) والمراد منه الزوجة أمر متعارف عليه إلى اليوم : يقول الرجل مثلا : ( جاءت معي أهلي ) يقصد زوجته والناس تفهم منه ذلك .
دليل العقل .
__________
(1) الأعراف : 83 .
(2) هود : 81 .
(3) النمل : 57 .
(4) الشعراء : 170 171 .
(5) العنكبوت : 32 .
(6) العنكبوت :33 .
(7) الصافات : 133 –135 .(78/11)
إذ كل رجل إنما يبدأ بيته بزوجته وكل عائلة تبدأ بأب وأم أو رجل وامرأة هي زوجته وهنا يصح اطلاق لفظ (الأهل) على الزوجة حتى قبل مجيء الأولاد وحتى لو لم يكن عند الرجل أب أو أم أو أخوة . فالزوجة أول شخص في البيت يطلق عليه اسم (الأهل) فهي أول أهل بيت الرجل أو أهل البيت .
ولذلك قيل للزوجة : (ربة البيت) فهي ليست أهله فحسب أو من أهل بيته وإنما هي ربة هذا البيت .
فالزوجة إذن أهل الرجل ومن أهل بيته فبأي حق تخرج أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - من بيته ويقال إنهن لسن من أهله ؟ ! أومن أهل بيته ؟ ! فموسى زوجته من أهله وإبراهيم زوجته من أهله وعمران زوجته من أهله وحتى لوط امرأته من أهله بل حتى الوزير الفاسق امرأته من أهله بل كل رجال الدنيا منذ خلقت وإلى أن تفنى زوجاتهم من أهل بيتهم . إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الطاهر المطهر زوجاته الطاهرات أمهات المؤمنين بنص القرآن لسن من أهله !!!! بأي لغة يتحدث القوم؟ !
أهل النبي - صلى الله عليه وسلم - وبيت النبي أو بيوت النبي :(78/12)
يقول الله تعالى : (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ) (1) فمن هؤلاء (الأهل) الذين غدا منهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متوجهاً للقتال . أليسوا هم الذين كان يجمعهم وإياه مسكن واحد ؟ وهم أزواجه لا غير أهل ذلك البيت الذي قال الله عنه : (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ) (2) . وبيت رسول الله له وجود مستقل كان يأوي إليه وينام فيه كذلك يأكل ويشرب ويفعل كل ما يفعله رجل في بيته وفي هذا البيت أزواجه وهن أهله لا غيرهن فأولاده الذكور قد ماتوا جميعاً والبنات بعضهن مات وبعضهن تزوج وخرجن من بيته . ولقد كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - عدة بيوت على عدد أزواجه فلكل زوجة بيت فهي بيوت كما يعبر الله عنها بصيغة الجمع ويضيف هذه البيوت التي تعددت لتعدد أزواجه مرة إليه ومرة إليهن فبيوته بيوتهن وبيوتهن بيوته على حد سواء فكيف يكون بيت لشخص ومع ذلك فهذا الشخص ليس من أهل ذلك البيت ؟ ! فبيوت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أهلها هذه الأزواج وبيوت النبي - صلى الله عليه وسلم - لم تكن غير بيوت أزواجه فهن أهل بيته بلا شك كما قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ) (3) ثم يذكر الله في الآية نفسها الأدب الواجب على المؤمنين في التعامل مع أهل البيوت (أزواجه) قائلاً : (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ) (4) ويقول مخاطباً أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - مضيفاً البيوت إليهن (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ
__________
(1) آل عمران :121 .
(2) الأنفال : 5 .
(3) الأحزاب : 53 .
(4) الأحزاب :53 .(78/13)
الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (33) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً) (1) فتأمل كيف قال الرب جل وعلا : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) ثم قال : (أَهْلَ الْبَيْتِ) ثم قال (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ) وهذا يعني أن المقصود (بأهل البيت) في الآية نفس المخاطبات في الآية نفسها والآية التي بعدها فبيت النبي - صلى الله عليه وسلم - هو نفسه بيت زوجته ولتعدد هذه البيوت أضيف إليه - صلى الله عليه وسلم - بصيغة الجمع فقيل (بيوت النبي) وهي نفسها (بيوت أزواجه) بلا فرق .
وأهل هذا البيت هم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأزواجه .
فبأي حق نخرج هذه الأزواج الطاهرات الطيبات أمهات المؤمنين من (أهل بيت) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟!
... شبهات (متشابهات) تعلقوا بها :
ضمير التذكير في الخطاب :
قالوا : لو كان المقصود بالآية أزواجه لقال الرب : (عنكن) و(يطهركن) بالتأنيث ولم يقل (عنكم) بالتذكير .
قلت سبحان الله ! حتى عوام الناس يدركون بفطرتهم أن الخطاب في لغتهم إذا جاء بصيغة التذكير شمل الذكور والإناث أما إذا جاء بصيغة التأنيث فالمقصود به الأنثى أو الإناث فقط ولذلك يقول الرجل لأولاده : كلوا أو اقرأوا إذا كانوا ذكوراً وإناثاً ولا يقول اقرأن إلا إذا كن إناثاً فقط وأحياناً حتى إذا كان المخاطبون إناثاً ليس فيهم ذكر فيبقى الخطاب بصيغة التذكير فيقول : اقرأوا ، قوموا ، اخرجوا …
__________
(1) الأحزاب : 33-34 .(78/14)
وبهذا نزل القرآن . فقوله : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) (1) يعم الرجال والنساء كقوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ) (2) ولذلك قال الله تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ) (3) واستمر الخطاب بالتذكير إلى أن قال : (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم) (4) ولازال الخطاب بالتذكير ثم أفصح بالمقصود فقال بعد قوله (منكم) (مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ)(5) وإذن فالمقصود الجميع الذكر والأنثى ثم عاد الخطاب بالتذكر (فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي) (6) .
ولما كان بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه النبي وأزواجه جاء اللفظ بصيغة التذكير ليعمهم جميعاً فلا يمكن إذاً أن تأتي الصيغة بالتأنيث وإلا لأخرج النبي من حكم الآية .
ومن العجيب أنهم يخرجون نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - من حكم الآية محتجين بكونهن إناثاً وفي الوقت نفسه يدخلون فاطمة رضي الله عنها تحت حكمها مع أنها أنثى !
حديث الكساء :
روى مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت :
__________
(1) آل عمران : 102 .
(2) البقر ة: 277 .
(3) آل عمران : 190 – 191 .
(4) آل عمران : 195 .
(5) آل عمران : 195 .
(6) آل عمران : 195 .(78/15)
خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن ابن علي فأدخله مع في المرط ثم جاء الحسين فأدخله معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله ثم قال : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (1) وفيه أن رسول الله لم يدخل زوجته أم سلمة معهم بل قال لها : أنت من أهل بيتي أنت على خير .
... ما العلاقة ؟!
ونحن لا ندري ما علاقة هذا الحديث بإخراج أمهات المؤمنين من الآية !!.
غاية ما فيه إدخال مجموعة من أقرباء النبي - صلى الله عليه وسلم - الذين لم يكونوا يساكنونه في بيته في حكم الآية ، وليس فيه قصر المعنى عليهم وحدهم أو إخراج غيرهم منه ، إذ ليس من شرط دخول هؤلاء خروج أولئك ، ورحمة الله وسعت كل شيء ، فلن تضيق بأحد من أجل أحد ، إن قول القائل مشيراً إلى أربعة من أصدقائه " إن هؤلاء هم أصدقائي " لا يعني قصر الصداقة عليهم ، ولو كان لأحدهم عشرة إخوة فأشار إلى ثلاثة منهم كانوا معه فقال معرفاً بهم : " إن هؤلاء إخوتي " لم يدل قوله بلفظ هذا على عدم وجود إخوة آخرين له إلا إذا لم يكن له في الواقع غيرهم ، فالقرينة التي تحدد معنى اللفظ سِعة وضيقاً هي واقع الأمر ذاته ، أما اللفظ لغة فلا ينفي ولا يثبت ، و"أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - " في الواقع كثيرون فبأي حجة نقتصر باللفظ على بعضهم دون بعض ؟! .
وهذا يرد في القرآن كثيراً كقوله تعالى : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) (2) ، أي ذلك الدين القيم وليس الدين القيم مقصوراً على عدة الشهور وكون أربعة منها حرماً فقط .
كذلك قول النبي : " هؤلاء أهل بيتي " أي من أهل بيتي .
__________
(1) الأحزاب : 33 .
(2) التوبه : 36 .(78/16)
وإذا كان هذا اللفظ يمنع دخول أحد من بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - مع هؤلاء الأربعة فكيف أدخلوا تسعة آخرين معهم لم يكونوا موجودين أصلاً عندما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله ودعاء دعاءه ؟!.
فإن قالوا : لوجود أدلة على ذلك قلنا : الأدلة كلها تدل على أن أزواجه هن خصوص أهل بيته مع أن الأدلة التي احتجوا بها لإدخال أولئك التسعة ليس فيها دليل واحد من القرآن وإنما هي روايات صاغوها وأحاديث وضعوها ليس إلا .
... لنا لا علينا :
ونحن زيادة على ذلك نقول : لو تمعنت في الأمر قليلاً لو جدت الحديث حجة لنا لا علينا ، إذ هو قرينة واضحة على أن المقصود بالآية أزواجه فلو كانت نازلة بخصوص أصحاب الكساء لما كان لدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم معنى فما الداعي له والأمر محسوم من الأساس بدون دعائه ؟! وإذن دعاء النبي طلب من الله أن يشمل بكرامته من دعا لهم شفقة منه أن لا يكون حكم الآية عاماً لأنه نزل في معرض الخطاب لأزواجه ، ولو كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقطع بدخولهم في حكمها أو كان مطمئناً إلى ذلك لما دعا لهم .
... مجيء اللفظ بصيغة العموم والمراد به الخصوص
أن مجيء اللفظ عاماً في صيغته والمراد به خصوص معناه معروف في لغة العرب إذا احتفت به قرائن توجب أو ترجح حمله على ذلك .
والقرينة إما حالية أو لفظية ، فالحالية كما في قوله تعالى : (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً ) (1) فلفظ " أرض " و"أهلها" عام ، والمراد به أرض مصر وأهلها وهو خاص . والقرينة ما نقطع به تاريخياً أن فرعون لم يحكم عموم الأرض .
__________
(1) القصص :4 .(78/17)
وقال تعالى عن الريح التي أرسلها على عاد : (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا) (1) فلفظ "كل شيء" عام لكن القرينة اللفظية التي بعده وهي قوله : (فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ) صرفت المعنى إلى الخصوص فلم يعم المساكن.
كذلك لفظ "أهل البيت" في الآية فهو وإن كان عاماً في صيغته فقد احتفت به قرائن منها المعنى الحقيقي "لأهل البيت" وهو الزوجة وسياق الآيات وسبب النزول … إلخ . جعلته يبدو للسامع خاصاً بأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم تكن من قرينة تجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يطمئن ويقطع بأن المراد به العموم ، لذلك دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحاب الكساء ،، وهكذا صار دعاؤه - صلى الله عليه وسلم - قرينة لنا على أمرين :
الأول أن أزواجه أول المقصودين بالآية .
الثاني : شمول اللفظ لبقية أهل بيته ، ولولا دعاؤه لما كنا نستطيع القطع بالأمر الثاني فتأمل .
أما قصر الآية على أهل الكساء دون أزواج النبي فباطل لوجوه منها :
المعني اللغوي لأهل بيت الرجل وهو أزواجه ومن يساكنه في بيته ولم يكن في بيته عند نزول الآية من أهله غير أزواجه .
المعنى الحقيقي للأهل هو الزوجة . وأما تعديه إلى الأقارب فمجاز . وقد مرَّ بنا قول الراغب الأصفهاني :" أهل الرجل في الأصل من يجمعه وإياهم مسكن واحد ثم تجوز به فقيل : أهل بيت الرجل لمن يجمعه وإياهم نسب " وحمل اللفظ على معناه المجازي دون الحقيقي لا يكون إلا بعد اجتماع أمرين :
مانع .
قرينة .
مانع يمنع حمله على حقيقته وقرينة تصرفه إلى مجازه ولا مانع من حمل الآية على حقيقة معناها "الزوجة" بل ولا قرينة ساعة نزول الآية ترجح عموم المعنى فضلاً عن قصره على مجازه .
__________
(1) الأحقاف :25 .(78/18)
سبب النزول : فإن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - سبب نزول الآية والسبب داخل في الحكم دخولاً أولياً ولذلك لما أرادت أم سلمة – كما ورد في بعض الروايات – أن تدخل مع أهل الكساء قائلة : ألست من أهل بيتك ؟! أجابها النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أنت من أهل بيتي " و"أنت على خير" ، أي أنت مشمولة بالخير فلا داعي لدخولك معهم ، إذ أنت السبب في نزول الآية وهو معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - في لفظ آخر:" أنت إلى خير أنت من أزواج النبي" ، وهذا يعني أن أصحاب الكساء لو كانوا مشمولين من الأساس بحكم الآية لما دعا لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - .
سياق الآيات : فالسياق يأبى أن يدخل كلام أجنبي فيما بين كلامين مسوقين لغرض واحد في كلام العقلاء – وإلا كان ركيكاً ساقطاً يجب أن ينزه عنه كلام الرب جل وعلا ، فما علاقة عصمة أشخاص معينين بالكلام عن أمور تخص أشخاصاً آخرين ليدخل فيما بين أجزائه ؟! .
بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - هو المقصود بالآية لا بيت غيره : وبيت النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يشغله وقت نزول الآية أزواجه وله وجود مستقل عن بيت علي – رضي الله عنه – ولا يمكن أن يخطر ببال النبي أو غيره أن قوله تعالى "أهل البيت" يعني به بيت علي وإنما هو بيت النبي فمن قال إن معنى " أهل البيت " خصوص أصحاب الكساء فإن ذلك يستلزم أن الآية نزلت خاصة بأهل بيت علي دون بيت النبي ، وكأن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه الآية هو علي بلا فرق فلو رفعنا النبي ووضعنا مكانه علياً لما تغير المعنى ، وكذلك ألغينا أن يكون للنبي - صلى الله عليه وسلم - بيت خاص به دون غيره يمكن أن يكون محلاً لتنزل الرحمات وحلول البركات !! وهذا لا يقول به مسلم بل ولا عاقل .(78/19)
لهذه الأمور وغيرها لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - مطمئناً إلى أن الآية عامة المعنى في الجميع فدعا دعاءه المعروف لأصحاب الكساء رضي الله عنهم ، وبذلك جزمنا نحن بعموم الآية ولولا حديث الكساء لما قطعنا بذلك ، وإنما يظل العموم ظنياً لا أكثر .
الخلاصة :
وهكذا سقط السند اللغوي لإمكانية تفسير الآية "بالعصمة" فضلاً عن عصمة أشخاص بعينهم فسقط الاحتجاج بالآية على ذلك من الأساس .
ثانياً : إلزامهم بعصمة أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أمهات المؤمنين رضي الله عنهن :(78/20)
فالآية تشمل أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بدليل الشرع واللغة والعرف والعقل وسبب النزول السياق وغيرها من الأدلة التي قدمناه آنفاً ولا يحتاج الأمر إلى أكثر من قراءة الآيات في المصحف الشريف في سورة الأحزاب من الآيات (28-34) : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً (28) وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (29) يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (30) وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً (31) يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (33) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً) (1) .
__________
(1) الأحزاب : 28-34 .(78/21)
بل سورة الأحزاب كلها في ذكر أمهات المؤمنين : ففي الآية السادسة منها يقول تعالى : (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) ، ثم تعود السورة بعد جولة تمهيدية لتذكرهن في الآية (28) إلى الآية (40) ثم في الآية (50)- إلى الآية (62) تصريحاً أو تلميحاً ثم في الآية (69) وهي تنهى عن أذى النبي - صلى الله عليه وسلم - في أزواجه مع أن عدد آياتها (73) ثلاث وسبعون ! فلو كانت الآية نصاً في العصمة لاستلزم ذلك عصمة أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ولما كان ذلك منفياً بالاتفاق فلا دلالة في الآية إذن على عصمة أحد .
ثالثاً : إلزامهم بعصمة (آل البيت) جميعاً :
لفظ "أهل البيت" عام يشمل أهل بيت النبي جميعهم ومنهم آل جعفر وآل عباس وآل عقيل ومنهم بناته الأربع ، أليس بناته من أهل بيته ؟ ! ومنهم أبناؤه أليس أبناؤه من أهل بيته ؟ ! إن هؤلاء جميعاً من " أهل البيت " فكيف يخصص النص بأهل بيت علي وحده والآية نص في أهل بيت النبي ؟ ! وقد مر بنا تهافت القول بدلالة حديث الكساء على التخصيص ، ثم إن أولاد علي رضي الله عنه كثيرون وقد أعقبوا ومنهم محمد وعمر فلِمَ اقتصرت العصمة على اثنين منهم فقط ؟ ! ثم إن الحسن رضي الله عنه عنده ذرية فلم يكن أحد منهم معصوماً مع أنهم من أهل البيت ، وأبوهم الحسن أفضل من الحسين رضي الله عنه وأكبر ؟! ثم لماذا اقتصرت العصمة على واحد من أولاد الحسين ، ثم تسلسلت في الواحد بعد الواحد من ذريته مع أن الكل ينتسبون إلى أهل البيت الذين نزلت الآية فيهم – كما يقولون .
إن هذه الآية إما نص في العصمة " فأهل البيت " جميعاً معصومون وإلا فلا دلالة على العصمة لا سيما وحديث الكساء فيه الدعاء لعدد مخصوص هم علي وفاطمة والحسن والحسين وليس فيه الدعاء لغيرهم من ذريتهم ممن لم يأتوا بعد .(78/22)
إنهم يقولون : إن قول النبي مشيراً إلى هؤلاء الأربعة " إن هؤلاء هم أهل بيتي " يعني قصر الآية عليهم وإخراج البقية منها ، ونحن نقول مجاراة لهم : ابقوا على قولكم هذا واصمدوا عليه إلى الأخير ولا تدخلوا معهم أحداً من أهل بيت النبي وسترون النتيجة في غير صالحكم !! إذن كيف تستطيعون نقل " العصمة " إلى الخامس فما دون ؟! وما الذي أدخل هؤلاء وأخرج غيرهم ؟! وماهذه الازدواجية والانتقائية ؟! أليس لها من ضابط أو مقياس ؟ !
رابعاً : الإرادة الشرعية والإرادة القدرية :
ومن الأدلة على عدم دلالة الآية على العصمة أن "الإرادة" التي جاءت فيها شرعة لا قدرية وإليك البيان :
وردت "الإرادة" الإلهية في نصوص الشرع على ضربين :
الضرب الأول : الإدارة القدرية الكونية :(78/23)
وهي المشيئة التي لابد من وقوع وتحقق ما تعلق بها من مراد الله ، ولا تلازم بين هذه الإرادة ومحبة الله وأمره الشرعي، فقد يريد الله ويشاء وقوع شيء يكرهه لحكمة يعلمها وبأسباب من خلقه أنفسهم كوقوع الزنا والكذب والكفر والله تعالى لا يحب ذلك ولا يأمر به شرعاً وإنما نهى عنه لكنه يقع بإذنه ومشيئته يقول تعالى : (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ) (1) ، ويقول تعالى عن هذه الإرادة : (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (2)، (وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ) (3) ، (وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ) (4) ، فالله أراد غوايتهم مع أنه لم يأمر بها ولم يحبها فإنه كما أخبر عن نفسه : (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ) (5) ، لكن ما كل ماأراده الله وأحبه وأمر به شرعاً يقع ولاكل ما كرهه ونهى عنه لايقع وهنا يأتي دور الضرب الثاني من الأرادة وهي :
الإرادة الشرعية :
__________
(1) الأنعام :112 .
(2) يس :82 .
(3) الرعد :11 .
(4) هود : 34 .
(5) النحل : 90 .(78/24)
وهي بمعنى المحبة والقصد والأمر الشرعي الذي قد يقع وقد يتخلف مقتضاه كما في قوله تعالى (يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (1)، وهذه الإرادة يتوقف وقوع مقتضاها ومرادها على العبد فقد يقع إذا قام العبد بأسبابه الجالبة ، وقد لا يقع إذا قصر فيها فيقع ما يكرهه الله و لا يريده أي لا يحبه ولا يأمر به ، ويحب الله شيئاً ويأمر به فلا يقع ، فالله تعالى يحب اليسر لكل خلقه وأراده وأمر به ، ويكره العسر لهم كما في الآية السابقة وكما في قوله : (يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ)(2) ، لكنه لا يتحقق في حق كثير من الناس الذين يشددون على أنفسهم ويثقلون عليها مع أنهم داخلون تحت خطابه تعالى : (يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) وقوله : (يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ) ، والله تعالى أراد من عباده جميعهم الطاعة بمعنى أمرهم بها واحب أن يفعلوها لكن محبوب الله ومراده هذا وأمره لم ينفذه أكثرهم ! في حين أنه لم يرد أشياء وكرهها لكنه واقعة رغم أن الله لم يردها : يقول سبحانه : (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ) (3)، فوقع مرادهم وهو أخذ الفداء من الأسرى دون مراد الله وهو القتل .
... ويقول أيضاً : (وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) (4)، ويقول : (مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ)(5) ، فالحرج واقع للبعض رغم أن الله ما يريده ، والتطهير لا يتحقق للكل رغم أن الله يريده لهم جميعاً ، فالآية خطاب لجميع الأمة وهي تشبه تماماً (آية التطهير) إذ اللفظ نفسه يتكرر في الآيتين وهو في الإرادة الشرعية التي تتوقف على استجابة المخاطب وليس في الإرادة الكونية القدرية التي لابد من وقوعها .
__________
(1) البقرة : 185 .
(2) النساء : 28 .
(3) الأنفال : 67 .
(4) النساء : 27 .
(5) المائدة : 6 .(78/25)
... وحتى يمكن حمل الآية على "العصمة" لابد أن تكون الإرادة فيها قدرية كونية من الله إذ العصمة التي أثبتوها إنما هي بجعل من الله لا بتكلف من العبد ، ولا دليل على ذلك أبداً ، فبالإضافة إلى كون اللفظ أصلاً في الإرادة الشرعية لوجود ما يشبهه وهو ليس في الإرادة القدرية ، فهناك قرائن تدل على أن الإرادة شرعية لاقدرية منها :
حديث الكساء :
إذ لو كانت إرادة الله قدرية لابد من وقوعها لما دعا لهم إذ هم أغنياء عن دعائه - صلى الله عليه وسلم - لكون الله تعالى شاء "عصمتهم" وقدرها حتماً فلا حاجة له .
وأيضاً فلو كانت الآية في "العصمة" وهم معصومون من الأصل فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلم ذلك ، فعلام يطلب لهم شيئاً حاصلاً من الأساس أي كما يقال : تحصيل حاصل ، وتحصيل الحاصل لغو ينبغي أن ننزه عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأيضاً يقال : هل عصمتهم قبل دعاء النبي أم بعده ؟ فإن كانت حصلت بدعائه أي بعده فهم غير معصومين من قبل ، وغير المعصوم كيف ينقلب معصوماً ؟ وإن كانت حاصلة بدون دعائه "أي قبله" فعلام دعا ؟! .
سياق الكلام :(78/26)
فالكلام الذي جاء في سياقه النص "إنما يريد …" توجيه وأمر ونهي إذ يبدأ بقوله : (إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً (28) وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (29) يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ) - إلى قوله – (وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً) – إلى قوله – (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ) – إلى قوله – (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) ، ثم قال معللاً هذه التوجيهات والأوامر والنواهي – (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) – ثم يستمر بقوله – (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ…) وإذن فالمخاطب يحتمل في حقه الطاعة والمعصية فيحذره الله من المعصية ويحثه على الطاعة فالإرادة هنا شرعية بمعنى أن الله يأمر بما أراده وأحبه فاحرص أيها المخاطب على تحقيق إرادة الله في تطهير هذا البيت الذي تنتسب إليه وإذهاب الرجس عنه وإلا إما أن تخرج من هذا البيت بالطلاق (فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً) وحين ذلك فمهما عملت فعملك لا ينسب إلى هذا الذي يحب الله أن يرفع من شأنه . وإما أن تضاعف لك العقوبة ضعفين إذا ارتكبت ما يخدش سمعة هذا البيت الطاهر وذلك من أجل أن يبقى المخاطب – أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - – حذراً يقظاً على الدوام تحقيقاً لإرادة الله ، وهذا المعنى لا يستقيم إذا كانت المشيئة أو الإرادة(78/27)
كونية حتمية ، ولذلك جمع الله بين النهي عن المخالفة والأمر بالطاعة وإرادته الثمرة الناتجة عن ذلك وهي التطهير في آية واحدة فقال : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) فمن حمل الإرادة على الإرادة الكونية القدرية فكما قال تعالى : (إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) ، والعقيدة مبناها على القطع والإحكام لا على الظن والاشتباه ، و لا يتحصل إمكان أو احتمال تفسير الآية "بالعصمة" إلا بعد القطع بأن الإرادة فيها كونية لاشرعية والقطع غير مقطوع به بل ولا ما هو أدنى منه الذي هو الظن الراجح الذي لا يصلح حجة في أمور العقيدة بالاتفاق .
... وهكذا يتبين أن القول "بالعصمة" بدلالة الآية إنما هو احتمال في احتمال فسقط بها الاستدلال .
... المعنى المقصود من الآية(78/28)
ولعل سائلاً يسأل ما المعنى الذي ترمي إليه الآية فنقول : هو أمر الله جل وعلا وإرشاده لأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يترفعن عن كل ما من شأنه أن لا يتناسب وسمعة بيت النبي وكونهن ينتمين إلى هذا البيت الذي هو بيت أعظم النبيين وخاتمهم وأطهرهم ، فعليهن أن يدركن خطر هذا الانتماء والمنزلة التي وضعهن الله فيها وأي نقاوة يريدها الله لهن ويحب أن يتصفن بها ، ولذلك نهاهن أن يطالبن رسوله بما تطالب به النساء الأخريات أزواجهن من الزينة والنفقة ، وبين "إن من يأت منهن بمعصية ظاهرة القبح يضاعف عقابها ، فإن المعصية من رفيع الشأن أشد قبحاً فناسب أن يضاعف جزاؤها" . والجملة الشرطية لا تقتضي وقوع الشرط كما تقول لولدك إن رسبت ضربتك والقصد تحذيره حتى لا يرسب ، ولذلك خاطب الله رسوله قائلاً : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (1)، وهو - صلى الله عليه وسلم - لم يشرك ولم يحبط عمله . وقال له أيضاً : (فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ) (2) ، وهو - صلى الله عليه وسلم - لم يشك ولم يسأل .
__________
(1) الزمر :65 .
(2) يونس : 94 .(78/29)
فكذلك قوله لأمهات المؤمنين رضي الله عنهن : (يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ) ، فلم تأت واحدة منهن بفاحشة ولم يضاعف لها العذاب ، بل العكس حصل – كما سأوضحه – والنهي لا يستلزم وقوع المنهي عنه كما قال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً) (1)، وذلك في مطلع السورة التي خاطب الله بها أزواج نبيه بقوله : (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ) وقوله – (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) ورسوله الله - صلى الله عليه وسلم - لم يطع الكافرين والمنافقين وأزواجه لم يخضعن بالقول ولم يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى ، بل أقمن الصلاة وآتين الزكاة واتقين الله وأطعنه ورسوله وقمن بتنفيذ هذه الموعظة خير قيام واخترن الله ورسوله والدار الآخرة والعيش مع رسول الله على خشونته وخلو بيته من كل ما يمكن أن يجذب امرأة ويغريها بالبقاء فيه ، ولقد كان اختيارهن الله ورسوله والدار الآخرة على الدنيا وزينتها صادقاً حقيقياً مقبولاً عند الله الذي لا تخفى عليه خافية والدليل على ذلك أن الله قبل هذا الاختيار بأن كافأهن بجملة أمور منها :
حرمة الزواج عليهن .
حرمة تطليق واحدة منهن ليتزوج غيرها .
وذلك بقوله في الآية (52) من السورة نفسها : (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ) وهذا تحريم للزواج عليهن – (وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ ) وهذا تحريم لتطليق أي واحدة منهن .
__________
(1) الأحزاب : 1 .(78/30)
ومنها اختيارهن أمهات للمؤمنين (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) (1)، وتحريم زواجهن من غير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته ليبقين زوجات أبديات لهذا الرسول الكريم لا في الدنيا فقط ، وإنما في الآخرة أيضاً ، وذلك بقوله : (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً) (2).
وكل هذه التوجيهات والتحذيرات والوصايا من أجل ماذا ؟ من أجل أن الله يريد لهذا البيت أن يكون طاهراً بعيداً عن كل ما يقدح في طهارته ورفعته . فقوله تعالى : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ، تعليل لما تقدم وروده في السياق من الأوامر والنواهي كما قال في الآية (53) من السورة : (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ) لماذا ؟ قال (ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ) فعلل الأمر بالسؤال من وراء حجاب بالتطهير لقلوب السائلين وقلوبهن وإذن هذا التطهير مراد من قبل الرب وهو علة الأمر ، فكذلك التطهير الأمر مراد من الرب وهو علة الأوامر والنواهي الأولي .
__________
(1) الأحزاب : 6 .
(2) الأحزاب : 53 .(78/31)
ولذلك يختل السياق ومعناه لو حذفنا هذه العلة وهي قوله تعالى : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ، من الآيات لأنها هي الغاية منها وهي روح الموضوع كله ومداره الذي يدور عليه وقوله تعالى بعد ذلك : (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً) ، إشارة إلى أنهن – وقد خصصن بنزول الوحي في بيوتهن دون سائر الناس – أحق بهذه الذكرى من سواهن فعليهن أن يرتقين إلى المستوى المطلوب من أمثالهن ويعملن بما ينزل في بيوتهن من القرآن والسنة ويبلغن ذلك ، فالآية إذن وما قبلها وما بعدها – باختصار – إنما سيقت من أجل تعليم أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أمهات المؤمنين وتربيتهن كي يرتقين إلى المنزلة السامية اللائقة بمقام هذا النبي الكريم الذي أراد الله تعالى طهارة بيته الشريف وإذهاب الرجس عنه .
... فما دخل "عصمة الأئمة" في الموضوع ؟!
... وكيف حشرت هذه القضية التي لا علاقة لها به من قريب ولا من بعيد ؟! (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) .
الخلاصة
إن آية التطهير ، وما قبلها وما بعدها إنما سيقت من أجل تعليم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وتربيتهن كي يرتقين إلى المنزلة السامية اللائقة بمقام هذا النبي الكريم الذي أراد الله تعالى طهارة بيته الشريف ، وإذهاب الرجس عنه ، فما دخل عصمة الأئمة في الموضوع ؟ وكيف حشرت هذه القضية التي لا علاقة لها به من قريب ولا من بعيد ؟ ولماذا يحمل النص مالا يحتمل ؟!
المصادر
القرآن الكريم .
مفردات ألفاظ القرآن الكريم – الراغب الأصفهاني .
مختار الصحاح – الرازي .
أصول الكافي – للكليني .
اعتقادات الصدوق – ابن بابويه القمي .
المحتويات(78/32)
المقدمة .........................................................
آية التطهير......................................................
مناقشة هذا التفسير...............................................
عدم صلاحية الدليل"آية التطهير" للاستدلال على "العصمة"............
عدم دلالة النص "الآية" على "العصمة" ......................
أولاً :افتقاره إلى السند اللغوي ....................................
1-لا علاقة للرجس بالخطأ في لغة القرآن .........................
2-"التطهير" و"إذهاب الرجس" لا يعني العصمة من الذنب ..........
3-لفظ "الأهل" لغة ..............................................
أهل البيت........................................................
أهل الرجل.......................................................
الزوجة من "أهل بيت الرجل" بل هي أول عضو فيه......................
1-دليل اللغة.....................................................
2-دليل الشرع...................................................
3-دليل العرف...................................................
4-دليل العقل....................................................
أهل النبي - صلى الله عليه وسلم - وبيت النبي أو بيوت النبي...........................
شبهات "متشابهات" تعلقوا بها......................................
ضمير التذكير في الخطاب.................................
حديث الكساء...............................................
ما العلاقة ؟!....................................................
لنا لا علينا........................... ...........................
مجيء اللفظ بصيغة العموم والمراد به الخصوص .................
ثانياً:إلزامهم بعصمة أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أمهات المؤمنين رضي الله عنهن....(78/33)
ثالثاً:إلزامهم بعصمة "أهل البيت" جميعاً ...........................
رابعاً: الإرادة الشرعية والإرادة القدرية ...........................
المعنى المقصود من الآية ........................................
رجاء … ودعاء
رجاء : أخي المسلم … أختي المسلمة : تنح عن مذهبك وأي تعصب لرأيك ، وأجب عن هذه الأسئلة ، ففي هذا الكتاب مناقشة علمية هادئة لآية التطهير ، ومدى علاقتها بعصمة الأئمة وهو يخاطب كل من يريد الحق للحق بالحق .
أليست الزوجة من أهل بيت الرجل لغة وشرعاً وعرفاً وعقلاً ؟ ألم يدل القرآن الكريم على أن زوجة موسى عليه السلام من أهله ، وزوجة إبراهيم عليه السلام من أهله ، وزوجة عمران من أهله ؟… بل كل رجال الدنيا منذ خلقت وإلى أن تفنى تكون زوجاتهم من أهل بيتهم ، فبأي حق تخرج زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - أمهات المؤمنين من أهل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ويقال إنهن لسن من أهل بيته ؟
هل لحديث الكساء علاقة بإخراج أمهات المؤمنين من الآية ؟ إن غاية ما فيه إدخال مجموعة من أقرباء النبي - صلى الله عليه وسلم - الذين لم يكونوا يساكنونه في بيته في حكم الآية ، وليس فيه قصر المعنى عليهم وحدهم وإخراج غيرهم منه .
هل في آية التطهير دلالة على عصمة أحد ؟ ولو دلت على ذلك لكان أمهات المؤمنين أولى بذلك من غيرهن بدليل الشرع واللغة والعرف والعقل وسبب النزول والسياق .
الاعتقاد بعصمة الأئمة من ضروريات الاعتقاد – عند الإمامية – وعليه يقوم أساس مذهبهم فكيف صح أن يبنى على دليل محتمل ، فمثل هذا لابد أن يقام على أدلة صريحة قطعية في دلالتها محكمة ، وآية التطهير ليست صريحة في الدلالة على عصمة أحد .
لماذا يفرق بين الأئمة، فالحسن - رضي الله عنهم - من أهل البيت فلماذا لم يكن أبناؤه معصومين ؟(78/34)
لم اقتصرت العصمة على واحد من أولاد الحسين - رضي الله عنهم - ، ثم تسلسلت في الواحد بعد الواحد من ذريته ، مع أن الكل من جميع ذريتهم ينتسبون إلى أهل البيت الذين نزلت فيهم الآية كما يقولون ؟
ودعاء: بأن يهديني الله وإياك إلى ما اختلف فيه من الحق بإذنه … وأن يجمعنا في مستقر رحمته مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - وآل بيته الأطهار وصحبه الأخيار .(78/35)
آية التطهير وعلاقتها بعصمة الائمة
الدكتور عبدالهادي الحسيني
المقدمة
كتاب الله عز وجل هومصدر الهداية كما أخبرعنه سبحانه فقال:{ الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } وقال:{ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى }فحصر الهداية فيه وتعجب ممن يطلب الهدى والإيمان من غيره فقال :{ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ } فمن اتخذ مصدراً آخريرجع اليه ويهتدي به فهو كما قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه في سياق وصفه للقرآن: ((ومن ابتغى الهدى في غيره أضلهُ الله)) .لهذا وغيره فلابد أن تكون أدلتنالاسيما في أصول العقيدة التي هي أساس الدين آيات قرآنية ولابد- مع ذلك- أن تكون هذه الآيات واضحة الدلالة على المعنى المُراد,بيِّّّنة ومفصلة لامجملة , وقطعية محكمة لامشتبهة. وعقيدة ك((عصمة الأئمة))لاشك في أنها تدخل في الأصول. وقد سيقت لإثباتها بعض من آيات التنزيل المجملة كان أقواها وأشهرهاعلى الألسن ما عرف بآية التطهير وهي آخر قوله تعالى:{ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} (1) .
ونحن- بعون الله وتوفيقه- قمنا- في هذه الرسالة- بمناقشة علمية هادئة لما يقال عن علاقة هذه الآية بعقيدة عصمة الأئمة ومدى دلالتهاعلى العصمة .والله تعالى أسأل أن يرد هذه الأمة إلى كتابها ومصدر هدايتها وعزتها وفلاحها إنه أكرم مسؤول وأعظم مأمول .
المؤلف م1419 م -1998 هـ
(1)الأحزاب :33 .
أية التطهير:(79/1)
(آية التطهير) وهي قوله تعالى :{ ... إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } أقوى ما احتجوا به من آيات القرآن, ويلاحظ أنها ليست آية وإنما هي تتمة الآية التي أولها خطاب لأمهات المؤمنين – رضي الله عنهن- بقوله :{و َقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ... }, ولذلك فتسميتها ب((آية التطهير)) تدليس لأنها ليست بآية وإنماهي جزء منها .
وعلى كل حال فقد قالوا:إن التطهير وإذهاب الرجس معناه العصمة من الخطأ والسهو والذنب((فأهل البيت)) معصومون من ذلك كله, ومقصودهم ((بأهل البيت)) أشخاصاً معينين أولهم سيدنا علي ثم فاطمة والحسن والحسين - رضي الله عنهم- وليس جميع أهل البيت .
مناقشة هذا التفسير:
إن الاحتجاج بهذه الآية على (عصمة) مردودمن حيث الدليل ومن حيث الدلالة :
1- عدم صلاحية الدليل (آية التطهير) للاستدلال على (العصمة) .
إن قضايا الاعتقاد الكبرى ومهمات الدين وأساسياته العظمى لابد لإثباتها من الأدلة القرآنية الصريحة القطعية الدلالة على المعنى المطلوب كدلالة قوله تعالى:{ اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } على التوحيد , ودلالة{ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ } على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ودلالة قوله تعالى:{أقيموا الصلاة}, على فرضية الصلاة ومشروعيتها ولايصح ان تؤسس هذه الأمور المهمة على الأدلة الظنية المشتبهة وإلاتطرق الشك إلى أساس الدين لقيامه على الظنيات وابتنائه على المتشابهات المحتملات وذلك منهي عنه بصريح قوله تعالى:{ هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ(79/2)
فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ }(1) , ال عمران:7 فاشترط الله- جل وعلا- لإقامة دينه الآيات المحكمات الواضحات التي لااشتباه فيها ولااحتمال كالآيات التي استشهدنا بها على التوحيد والنبوة والصلاة وهي((أم الكتاب))
ومرجعه وأصله المعتمد الذي يرد إليه ما تشابه وتطرق إليه الظن والاحتمال .
أما من اعتمد على الآيات المتشابهات المحتملات فهو من الزائغين الذين{فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة} .
وقال تعالى أيضاً :{ وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا } (2 ) ,النجم:28 فالدليل الظني لايصح الاعتماد عليه لأنه لايفيد العلم وإذن لابد ان يكون الدليل قطعياً في دلالته ,فيسقط الاستدلال بكل الأدلة الظنية المشتبهة , ولذلك قال الأصوليون :
((الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال )) .
إن ((عصمة الأئمة )) من ضروريات الاعتقاد عند الإمامية لأنها الأساس الذى يقوم عليه أصل عقيدة ((الإمامة )) فإذا انها ر الأساس ((العصمة)) انهدم ما بني عليه((الإمامة)) ولذلك شددوا في الإيمان بها والنكير على من جحدها حتى كفروه وأخرجوه من الملة !! .
فقد روى الكليني أن أباعبدالله ((ع)) قال: ((ما جاء به علي آخذ به ومانهى عنه انتهي عنه... المتعقب عليه في شئ من أحكامه كالمتعقب على الله وعلى رسوله ,والراد عليه في صغيرة أو كبيرة على حد الشرك بالله))(1) اصول الكافي 1/ 196
وقال ابن بابويه القمي: ((من نفى عنهم العصمة في شئ من أحوالهم فقد جهلهم ومن جهلهم فهوكافر))(2)اعتقادات الصدوق ص 108 .
وهذا يستلزم تكفير أكثر من مليار مسلم لايدين بهذه العقيدة وتكفير حكامهم وأولهم الخلفاء الراشدون فما دون بلا استثناء فضلاً عن أجيال المسلمين المتعاقبة على اختلاف أزمنتهم وأمكنتهم وما ينتج عن ذلك من مفاسد لايمكن إحصاؤها قد يكون أهونها حرمة مناكحتهم وأكل ذبائحهم(79/3)
وعلى هذه العقيدة بنيت الفتاوى التي تبيح أموال المسلمين ودماءهم وجواز أو وجوب مقاتلتهم و الخروج عليهم !! .
وعقيدة بهذه المنزلة والخطورة لابد أن تكون أدلتها صريحة قطعية في دلالتها , محكمة لايتطرق إليها الشك أو الاحتمال بأي حال من الأحوال وإلاصار الدين لعباً لكل لاعب, وأساسياته عرضة لكل متلاعب وهذه الآية : ((آية التطهير))
ليست صريحة في الدلالة على عصمة أحد, فضلاًعن عصمة أشخاص معينين محددين , والقول بدلالتها على ((العصمة)) ظن واشتباه فبطل الاستدلال بها على ذلك ,لأن الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال .
وهذا يكفي في رد هذه الحجة وإسقاط هذه العقيدة استدلالاً بالآية الكريمة ,لأن الدليل من الأساس فقد صلاحيته للاستدلال على المراد .
ولكن من باب الاستطراد النافع لإخراج آخر شبهة من نفس المقابل الذي يريد الحق بالحق لابأس من مناقشة دلالة الدليل (الآية) بالتفصيل .
2-عدم دلالة النص ((الآية)) على((العصمة)) .
وذلك يتبين من وجوه كثيرة منها :
أولاً:افتقاره إلى السند اللغوي :
فهذا التفسير لاينهض من الأساس لأنه ساقط لغوياً والقرآن نزل بلغة العرب فإذا كانت هذه الألفاظ ((التطهير)) و((إذهاب الرجس)) تعني ((العصمة)) في هذه اللغة فيمكن حمل النص على ما يقولون .
ولكن...إذا كانت هذه الألفاظ تعني ذلك في اللغة التي نزل بها القرآن فماذا يكون الجواب ؟ والدليل على ما أقول ما يلي :
1- لاعلاقة للرجس بالخطأ في لغة القرآن .
فلا يعرف من لغة القرآن- التي هي لباب لغة العرب- إطلاق لفظ ((الرجس)) على الخطأ في الاجتهاد .فإن((الرجس)) القذر والنتن وأمثالهما .
يقول الراغب الأصفهاني في ((مفردات ألفاظ القرآن)) مادة((رجس)) :
الرجس: الشي القذر يقال :رجل رجس ورجال أرجاس قال تعالى:{ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ }...والرجس من جهة الشرع الخمر والميسر...وجعل الكافرين رجساً من حيث أن الشرك بالعقل أقبح الأشياء(79/4)
قال تعالى : { وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ} وقوله تعالى :{ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ },قيل الرجس النتن , وقيل العذاب وذلك كقوله :{ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } وقوله تعالى:{ أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ } أ.هـ
قلت :ولذلك لم يختلف الفقهاء في نجاسة الخمر وإنما اختلفوا في كون النجاسة هل هي معنوية أم حسية ؟لأنها وصفت بالآية بالرجس وما ذاك إلالأنهم فهموا من وصف الله تعالى لها وللأنصاب والأزلام والميسر بلفظ ((الرجس)) إنه القذر والنتن والنجاسة ومن قال بنجاستها المعنوية قال هي كقوله تعالى :{ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } (1) التوبة :28. والخطأ في الاجتهاد لايمكن أن يوصف بأنه قذرأو نجاسة أونتن لذلك فهو ليس برجس .
فمن قال : إن الآية نص في التنزيه من الخطأ فقد جاء بما لايعرف من لغة العرب . وإذن فالآية لاتنهض حجة على العصمة من الخطأ ,بل سقط الاحتجاج بها كلياً لأن العصمة لاتتجزأ فإذا لم يكن من وصف بالعصمة معصوماًمن الخطأ فهو ليس معصوماً من الذنب لأنهما متلازمان .
2- ((التطهير)) و((إذهاب الرجس)) لايعني العصمة من الذنب والدليل الواضح على هذا وروده في غير ((اهل البيت)).
كما في قوله تعالى :{ وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ .102. خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا }(2)التوبة :102-103 .
وهؤلاء قوم ارتكبوا المعاصي , فلو كان ((التطهير)) يعني العصمة من الذنب لما أطلق على هؤلاء المذنبين الذين ((اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً)) وقد وصف هؤلاء بالتزكية إضافة إلى التطهير ((تطهرهم وتزكيهم)) والتزكية أعلى وقد وصف بها هؤلاء المذنبون ومع ذلك لم(79/5)
يكونوا معصومين ولم يوصف بها أولئك الذين يُقال عنهم ((أئمة معصومون)) ,وإنما اكتفى بلفظ ((التطهير )) فقط ,وهو أقل منزلة من حيث المعنى فكيف صاروا به – وهوأقل – معصومون ؟ ! .
وقال تعالى { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} النمل :56.,ولم تكون ابنتا لوط معصومتين مع أنهما من الآل الذين وصفوا ((بالتطهير)) وأرادوا إخراجهم , فتطهير آل النبي محمد صلى الله عليه وسلم أو أهله هو كتطهير آل لوط عليه السلام .
وقال جل وعلا عن رواد مسجد قباء من الصحابة الأطهار :{ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} ( 2)التوبة:.108 .ولم يكن هؤلأء معصومين من الذنوب بالاتفاق .
وقال بعد أن نهى عن إتيان النساء في المحيض :{ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ }(3) ا لبقرة :222.
وقال عن أهل بدر وهم ثلاثمائة وثلاثة عشررجلاً :{ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ }(4)الأنفال:11 .
والرجز والرجس متقاربان و((يطهركم))في الآيتين واحد ولم يكن هؤلاء معصومين من الذنوب .
وقال مخاطباً المسلمين جميعاً :{ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (1) المائدة :6.
وقال عن المنافقين واليهود: { أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ}(2)المائدة:41.
وليس معنى اللفظ((أولئك الذين لم يرد الله أن يعصمهم من الذنوب ))ولا يستقيم تفسير اللفظ ((بالعصمة))إلاإذا كان المعنى كذلك,وأيضاً فإن مفهوم لفظ الآية يستلزم أن يكون غيرهم من المؤمنين(79/6)
معصومين من الذنوب ولم يقل أحد بذلك .
فالآية إذاً لادليل فيهاعلى ((العصمة)) بمعنييها ولله الحمد .
3- لفظ ((الأهل)) لغة :
لفظ ((الأهل)) في أصل الوضع اللغوي يعني زوجة الرجل , ومن يجمعه وإياهم مسكن واحد وليس الأقارب بالنسب إلاعلى سبيل المجاز واليك الدليل :
((فأهل)) الشئ عموماً : أصحابه الملازمون له كما قال تعالى :{ إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ }(3) ص:64. فأهل النار أصحابهاوسكانها الملازموم لها كما قال تعالى :{ لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ}(4)الحشر:20 .
و((أهل الكتاب )) و((أهل الذكر )) أصحابه وحملته ((وأهل المدينة)) و((أهل القرى)) أصحابها وساكنوها المقيمون فيها الملازمون لها كما قال تعالى { وَجَاء أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ } (1) الحجر :67. , { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ} (2)الأعراف :96 . , وكذلك((أهل البلد)) كما قال تعالى :{ رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ}(3)البقرة :126 .
وكذلك كل لفظ أضيف إلى كلمة ((أهل )) كما في قوله تعالى :{ فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ}(4) طه :40 .
{ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا}(5)الأحزاب :13 ,{ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ}(6)البقرة :217 . { حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا} (7)الكهف: 71 . فأهل السفينة ركابها الذين تجمعهم .
أهل البيت :
وأهل أى بيت سكانه الذين يجمعهم ذلك البيت كما قال تعالى :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا}(8)النور :27 .وقالت أخت موسى – عليه السلام – لفرعون :{ أَهْلِ(79/7)
بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُون }(9).القصص :12 .
أهل الرجل :
يقول الراغب الأصفهاني :أهل الرجل في الأصل من يجمعه وإياهم مسكن واحد ,ثم تُجُوزبه فقيل أهل بيت الرجل لمن يجمعه وإياهم نسب .أ .هـ .
فأهل الرجل أوأهل بيته في الأصل من يجمعه وإياهم مسكن واحد وبهذا جاء ت النصوص القرآنية كما في قوله تعالى :{ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ }(1)هود: 40 . ,وقال إخوة يوسف- عليه السلام :{ وَنَمِيرُ أَهْلَنَا} (2)يوسف:65
{ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ}(3)يوسف :88. وقال يوسف- عليه السلام :{ وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ}(4) يوسف :93 . وكانوا أباه وزوجة أبيه وإخوته كما أخبر عنهم الرب جل وعلا بقوله :{ فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ 99 وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا}(5) يوسف 99- 100 .
فأنت ترى كل هذه الشواهد القرآنية لم يدخل في لفظ ((الأهل )) فيها غير سكان بيت الرجل الذي يجمعهم وإياه ذلك البيت , ولم يدخل الأقارب فيه قط
الزوجة من (أهل بيت) الرجل بل هي أول عضوفيه :
فأهل الرجل زوجته بدليل اللغة والشرع والعرف والعقل ولادليل آخر مع هذه الأربعة :
1- دليل اللغة :
يقول الراغب الاصفهاني : وعبر (بأهل الرجل ) عن امرأته ... و(تأهل) إذاتزوج ومنه قيل : أهلك الله في الجنة : أي زوجك فيها وجعل لك فيها أهلا يجمعك وإياهم .أ . هـ .
وفي (مختار الصحاح) يقول الرازي : (أهل ) الرجل تزوج وبابه دخل وجلس و(تأهل) مثله أ . هـ . فهذا دليل اللغة .
2- دليل الشرع :
تأمل هذه الآيات :
-{(79/8)
فَلَمَّا قَضَى مُوسَىالْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ}(1)القصص : 29 . ولم يكن معه ساعتها غير زوجه
-{ قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا } وهذا قول سارة زوجة إبراهيم عليه السلام فبما ذا أجابتها الملائكة ؟ وتحت أى وصف أدخلتها ؟ { قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ} (2) هود:72-73
فلولا كونها من أهل بيت إبراهيم عليه السلام لما رحمها الله بهذ المعجزة ولابارك عليها فحملت بإسحق عليه السلام , وإذن فلا عجب .
- وقالت أخت موسى عليه السلام لفرعون : { هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ}(3) القصص : 12 . فمن قصدت أولاًبأهل البيت ؟ أليست أمها أول المقصودين بهذا اللفظ لأن كفالة الرضيع تتوجه أول ما تتوجه إلى المرضع وهي هنا أم موسى لذلك قال تعالى:{ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ} (4) القصص :13
- حتى امرأة العزيز خطبت زوجها فقالت :{ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا}(5)يوسف :25
أي بزوجتك .
-وهذه عدة آيات عن لوط عليه السلام وامرأته يدخلها الله تحت مسمى (الاهل) في كل المواضيع التي ورد فيها إنجاؤهم وإلالما استثناها منهم .
-{ فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ}(1) الاعراف:83 .
-{ قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ}(2)هود :81 .
- { فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ} (3) النمل : 57 .
- { فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ 170 إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ} (4) الشعراء : 170 – 171(79/9)
.
- { قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ }(5) العنكبوت :32 .
- { لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ }(6) العنكبوت:33
فكرر الاستثناء مع أن الآيتين متقاربتان لا تنفصل بينهما إلاآية واحدة وفي سياق واحد .
-{ وَإِنَّ لُوطًا لَّمِنَ الْمُرْسَلِينَ. إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ . إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ} (7) الصافات : 133 -135 .
ولا شك أن هذا الإصرار على استثناء امرأة لوط في كل مرة يذكر فيها (أهله) لاداعي له لو كان العرب الذين نزل عليهم القرآن يستطيعون فيهم لفظ (الأهل) مجرداُ من الزوجة .
3- دليل العرف .
وإطلاق لفظ (الأهل ) والمراد منه الزوجة أمر متعارف عليه إلى اليوم : يقول الرجل مثلاً : (جاءت معي أهلى) يقصد زوجته والناس تفهم منه ذلك .
4- دليل العقل :
إذ كل رجل إنما يبدأ بيته بزوجته وكل عائلة تبدأ بأب وأم أورجل وامرأة هي زوجته وهنا يصح اطلاق لفظ (الأهل) على الزوجة حتى قبل مجيء الأولاد وحتى لو لم يكن عند الرجل أب أو أم أو أخوة . فالزوجة أول شخص في البيت يطلق عليه اسم (الأهل) فهي أول أهل بيت الرجل أو أهل البيت . ولذلك قيل للزوجة : (ربة البيت) فهي ليست أهله فحسب أو من أهل بيته وإنما هي ربة هذا البيت .
فالزوجة إذن أهل الرجل ومن أهل بيته فبأي حق تخرج أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من بيته ويقال إنهن لسن من أهله ؟ ! فموسى زوجته من أهله وإبراهيم زوجته من أهله وعمران زوجته من أهله وحتى لوط امرأته من أهله بل حتى الوزير الفاسق امرأته من أهله بل كل رجال الدنيا منذ خلقت وإلى أن تفنى زوجاتهم من أهل بيتهم . إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم الطاهر المطهر زوجاته الطاهرات أمهات المؤمنين بنص القرآن لسن من(79/10)
أهله !!!! بأي لغة يتحدث القوم ؟ !
أهل النبي صلى الله عليه وسلم وبيت أوبيوت النبي .
يقول الله تعالى :{ وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّىءُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَال}(1) آل عمران:121. فمن هؤلاء (الأهل) الذين غدا منهم رسول الله صلى الله عليه وسلام متوجهاً للقتال .أليسوا هم الذين كان يجمعهم وإياه مسكن واحد؟ وهم أزواجه لاغيرأهل ذلك البيت الذي قال الله عنه :{ كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} (2)الأ نفال: 5 . وبيت رسول الله له وجود مستقل كان يأوي إليه وينام فيه كذلك يأكل ويشرب ويفعل كل ما يفعله رجل في بيته وفي هذا البيت أزواجه وهن أهله لاغيرهن فأولاده الذكور قد ماتوا جميعاً والبنات بعضهن مات وبعضهن تزوج وخرج من بيته . ولقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم عدة بيوت على عدد أزواجه فلكل زوجة بيت فهي بيوت كما يعبر الله عنها بصيغة الجمع ويضيف هذه البيوت التي تعددت لتعدد أزواجه مرة إليه ومرة إليهن فبيوته بيوتهن وبيوتهن بيوته على حد سواء فكيف يكون بيت لشخص ومع ذلك فهذا الشخص ليس من أهل ذلك البيت ؟ ! فبيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أهلها هذه الأزواج وبيوت النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن غير بيوت أزواجه فهن أهل بيته بلا شك كما قال تعالى :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ}(3)الأحزاب :53 . ثم يذكر الله في الآية نفسها الأدب الواجب على المؤمنين في التعامل مع أهل هذه البيوت (أزواجه) قائلاً : (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ} (4) الأحزاب :53 . ويقول مخاطباً أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مضيفاً البيوت إليهن { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ(79/11)
الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا . وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} (1)الأحزاب:33-34 . فتأمل كيف قال الرب جل وعلا :{ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ } ثم قال : { أَهْلَ الْبَيْتِ} ثم قال : { وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ } وهذا يعني أن المقصود (بأهل البيت ) في الآية نفس المخاطبات في الآية نفسها والآية التي بعدها فبيت النبي صلى الله عليه وسلم هو نفسه بيت زوجته ولتعدد هذه البيوت أضيفت إليه صلى الله عليه وسلم بصيغة الجمع فقيل (بيوت النبي ) وهي نفسها (بيوت أزواجه) بلا فرق . وأهل هذا البيت هم النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه . فبأي حق نخرج هذه الأزواج الطاهرات الطيبات أمهات المؤمنين من (أهل بيت) رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ !
شبهات (متشابهات ) تعلقوا بها :
1-ضمير التذكير في الخطاب :
قالوا : لو كان المقصود بالآية أزواجه لقال الرب : (عنكن) و(يطهركن) بالتأنيث ولم يقل (عنكم ) بالتذكير .
قلت : سبحان الله ! حتى عوام الناس يدركون بفطرتهم أن الخطاب في لغتهم إذا جاء بصيغة التذكير شمل الذكور والإناث أما إذا جاء بضيغة التأنيث فالمقصود به الأنثى أو الإناث فقط ولذلك يقول الرجل لأولاده : كلوا أو اقرأوا إذا كانوا ذكوراً وإناثاً ولا يقول اقرأن إلا إذا كن إناثاً فقط وأحياناً حتى إذا كان المخاطبون إناثاً ليس فيهم ذكر فيبقى الخطاب بصيغة التذكير فيقول : اقرأوا ,قوموا ,اخرجوا...
وبهذا نزل القرآن . فقوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } يعم الرجال والنساء كقوله : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ(79/12)
الصَّالِحَاتِ }ولذلك قال الله تعالى : {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ} واستمر الخطاب بالتذكير إلى أن قال :{ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم } ولازال الخطاب بالتذكير ثم أصبح بالمقصود فقال بعد قوله (منكم){ مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ} وإذن فالمقصود الجميع الذكر والأنثى ثم عاد الخطاب بالتذكير { فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي } (1)آل عمران :190-195 .
ولما كان بيت النبي صلى الله عليه وسلم فيه النبي وأ زواجه جاء اللفظ بصيغة التذكير ليعمهم جميعاً فلا يمكن إذاً أن تأتي الصيغة بالتأنيث وإلا لأخراج النبي من حكم الآية .
ومن العجيب أنهم يخرجون نساء النبي صلى الله عليه وسلم من حكم الآية محتجين بكونهن إناثاً وفي الوقت نفسه يدخلون فاطمة رضي الله عنها تحت حكمها مع أنها انثى !
2-حديث الكساء :
روى مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت :
خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن ابن علي فأدخله معه في المرط ثم جاء الحسن فأدخله معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله ثم قال : { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } وفيه أن رسول الله لم يدخل زوجته أم سلمة معهم بل قال لها : أنت من أهل بيتي أنت على خير .
ما العلاقة ؟ !
ونحن لاندري ما علاقة هذا الحديث بإخراج أمهات المؤمنين من الآية !! .
غاية ما فيه إدخال مجموعة من أقرباء النبي صلى الله عليه وسلم الذين لم يكونوا يساكنونه في بيته في حكم الآية , وليس فيه قصر المعبى عليهم وحدهم أو إخراج غيرهم منه , إذ ليس من شرط دخول هؤلاء خروج أولئك ,(79/13)
ورحمة الله وسعت كل شيء ,فلن تضيق بأحد من أجل أحد ,إن قول القائل مشيراً إلى أربعة من أصدقائه ((إن هؤلاء هم أصدقائي)) لايعني قصر الصداقة عليهم , ولو كان لأحدهم عشرة إخوة فأشار إلى ثلاثة منهم كانوا معه فقال معرفاً بهم : ((إن هؤلاء إخوتي )) لم يدل قوله بلفظه هذا على عدم وجود إخوة آخرين له إلا إذا لم يكن له في الواقع غيرهم , فالقرينة التي تحدد معنى اللفظ سعة وضيقاً هي واقع الأمر ذاته , أما اللفظ لغة فلا ينفي ولا يثبت ,و ((أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم))
في الواقع كثيرون فبأي حجة نقتصر باللفظ على بعضهم دون بعض ؟ ! .
وهذا يرد في القرآن كثيراً كقوله تعالى : { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}(1)التوبة :36 , أي ذلك من الذين القيم وليس الدين القيم مقصوراً على عدة الشهور وكون أربعة منها حرماً فقط .
كذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : ((هؤلاء أهل بيتي ))أي من أهل بيتي .
وإذا كان هذا اللفظ يمنع دخول أحد من بيت النبي صلى الله عليه وسلم مع هؤلاء الأربعة فكيف أدخلوا تسعة آخرين معهم لم يكونوا موجودين أصلاً عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم قوله ودعا دعاءه ؟ ! .
فإن قالوا :لوجود أدلة على ذلك قلنا : الأدلة كلها تدل على أن أزواجه هن خصوص أهل بيته مع أن الأدلة التي احتجوا بها لإدخال أولئك التسعة ليس فيها دليل واحد من القرآن وإنما هي روايات صاغوها وأحاديث وضعوها ليس إلا .
لنا لا علينا :
ونحن زيادة على ذلك نقول : لو تمعنت في الأمر قليلاً لو جدت الحديث حجة لنا لا علينا , إذ هو قرينة واضحة على أن المقصود بالآية أزواجه فلو كانت نازلة بخصوص أصحاب الكساء لما كان لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لهم معنى فما الداعي له والأمر محسوم من الأساس بدون دعائه ؟ ! وإذن دعاء(79/14)
النبي طلب من الله أن يشمل بكرامته من دعالهم شفقة منه أن لايكون حكم الآية عاماً لأنه نزل في معرض الخطاب لأزواجه ,ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم يقطع بدخولهم في حكمها أو كان مطمئناً إلى ذلك لما دعا لهم .
مجيء اللفظ بصيغة العموم والمراد به الخصوص
أن مجيء اللفظ عاماً في صيغته والمراد به خصوص معناه معروف في لغة العرب إذا احتفت به قرائن توجب أو ترجح حمله على ذلك .
والقراينة إما حالية أو لفظية , فالحليه كما في قوله تعالى :{ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا}(1)القصص :4 . فلفظ ((أرض)) و((أهلها)) عام , والمراد به أرض مصر وأهلها وهو خاص . والقرينة ما نقطع به تاريخياً أن فرعون لم يحكم عموم الأرض .
وقال تعالى عن الريح التي أرسلها على عاد :{ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا}(2) الأحقاف :25 . فلفظ ((كل شيء) عام لكن القرينة اللفظية التي بعده وهي قوله : { فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ } صرفت المعنى إلى الخصوص فلم يعم المساكن
كذلك لفظ ((أهل البيت)) في الآية فهو وإن كان عاماً في صيغته فقد احتفت به قرائن منها المعنى الحقيقى ((لأهل البيت)) وهو الزوجة وسياق الآيات وسبب النزول ...إلخ . جعلته يبدو للسامع خاصاً بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ولم تكن من قرينة تجعل النبي صلى الله عليه وسلم يطمئن ويقطع بأن المراد به العموم , لذلك دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحاب الكساء , وهكذا صار دعاؤه صلى الله عليه وسلم قرينه لنا على أمرين :
الأول أن أزواجه أول المقصودين بالآية .
الثاني : شمول اللفظ لبقية أهل بيته ,ولولا دعاؤه لما كنا نستطيع القطع بالأمر الثاني فتأمل .
أما قصر الآية على أهل الكساء دون أزواج النبي فباطل لوجوه منها :
1-المعني اللغوي لأهل بيت الرجل وهو أزواجه ومن يساكنه في بيته ولم يكن في بيته عند نزول الآية من أهله غير أزواجه(79/15)
.
2-المعنى الحقيقي للأهل هو الزوجة . وأما تعديه إلى الأقارب فمجاز .
وقد مر بنا قول الراغب الأصفهاني : ((أهل الرجل في الأصل من يجمعه وإياهم مسكن واحد ثم تجوزبه فقيل : أهل بيت الرجل لمن يجمعه وإياهم نسب )) وحمل اللفظ على معناه المجازي دون الحقيقي لايكون إلا بعد اجتماع أمرين :
1-مانع .
2-قرينة .
مانع يمنع حملة على حقيقته وقرينة تصرفه إلى مجازه ولامانع من حمل الآية على حقيقة معناها ((الزوجة )) بل ولاقرينة ساعة نزول الآية ترجح عموم المعنى فضلاً عن قصره على مجازه .
3-سبب النزول :فإن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم سبب نزول الآية والسبب داخل في الحكم دخولاً أولذلك لما أرادت أم سلمة – كما ورد في بعض الروايات – أن تدخل مع أهل الكساء قائلة : ألست من بيتك ؟ ! أجابها النبي صلى الله عليه وسلم : ((أنت من أهل بيتي )) و((أنت على خير )) أي أنت مشمولة بالخير فلا داعي لدخولك معهم , إذ أنت السبب في نزول الآية وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم في لفظ آخر : ((أنت إلى خير أنت من أزواج النبي )) , وهذا يعني أن أصحاب الكساء لو كانوا مشمولين من الأساس بحكم الآية لما دعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم .
4- سياق الآيات : فالسياق يأبى أن يدخل كلام أجنبي فيما بين كلامين مسوقين لغرض واحد في كلام العقلاء- وإلاكان ركيكاً ساقطاً يجب أن ينزه عنه كلام الرب جل وعلا , فما علاقة عصمة أشخاص معينين بالكلام عن أمور تخص أشخاصاً آخرين ليدخل فيها بين أجزائه ؟ ! .
5-بيت النبي صلى الله عليه وسلم هوالمقصود بالآية لابيت غيره : وبيت النبي صلى الله عليه وسلم كان يشغله وقت نزول الآية أزواجه وله وجود مستقل عن بيت علي- رضي الله عنه – ولايمكن ان يخطر ببال النبي أو غيره أن قوله تعالى ((أهل البيت )) خصوص أصحاب الكساء فإن ذلك يستلزم أن الآية نزلت خاصة بأهل بيت علي دون بيت النبي ,وكأن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية هو علي بلا(79/16)
فرق فلو رفعنا النبي ووضعناه مكانه علياً لما تغير المعنى , وكذلك ألغينا أن يكون للنبي صلى الله عليه وسلم بيت خاص به دون غيره يمكن أن يكون محلاًلتنزل الرحمات وحلول البركات !! وهذا لايقول به مسلم بل ولا عاقل.
لهذه الأمور وغيرها لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم مطمئناً إلى أن الآية عامة المعنى في الجميع فدعا دعاءه المعروف لأصحاب الكساء رضي الله عنهم , وبذلك جزمنا نحن بعموم الآية ولولا حديث الكساء لما قطعنا بذلك , وإنما يظل العموم ظنياً لا أكثر .
الخلاصة :
وهكذا سقط السند اللغوي لإمكانية تفسير الآية ((بالعصمة )) فضلاً عن عصمة أشخاص بعينهم فسقط الاحتجاج بالآية على ذلك من الأساس .
ثانياً : إلزامهم بعصمة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين رضي الله عنهن :
فالآية تشمل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بدليل الشرع واللغة والعرف والعقل وسبب النزول والسياق وغيرها من الأدلة التي قدمناها آنفاً ولا يحتاج الأمر إلى أكثر من قراءة الآيات في المصحف الشريف في سورة الأحزاب من الآيات (28- 34): { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا 28 وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا 29 يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا 30 وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا 31 يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ(79/17)
الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا 32 وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا 33 وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا }(1) الأحزاب : 28 – 34 .
بل سورة الأحزاب كلها في ذكر أمهات المؤمنين : ففي الآية السادسة منها يقول تعالى : { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} ,ثم تعود السورة بعد جولة تمهيدية لتذكرهن في الآية (28) إلى الآية (40) ثم في الآية (50) –إلى الآية (62) تصريحاً أو تلميحاً ثم في الآية (69) وهي تنهى عن أذى النبي صلى الله عليه وسلم في أزواجه مع أن عددآياتها (73) ثلاث وسبعون ! فلو كانت الآية نصاً في العصمة لاستلزم ذلك عصمة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ولما كان ذلك منفياً بالاتفاق فلا دلالة في الآية إذن على عصمة أحد .
ثالثاً: إلزامهم بعصمة (آل البيت ) جميعاً :
لفظ ((أهل البيت)) عام يشمل أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم جميعهم ومنهم آل جعفر وآل العباس وآل عقيل ومنهم بناته الأربع , أليس بناته من أهل بيته ؟ ! ومنهم أبناؤه أليس أبناؤه من أهل بيته ؟ ! إن هؤلاء جميعاً من ((أهل البيت )) فكيف يخصص النص بأهل بيت علي وحده والآية نص في أهل بيت النبي ؟! وقد مر بنا تهافت القول بدلالة حديث الكساء على التخصيص , ثم إن أولاد علي رضي الله عنه كثيرون وقد أعقبوا ومنهم محمد وعمر فلم اقتصرت العصمة على اثنين منهم فقط ؟! ثم إن الحسن رضي الله عنه عنده ذرية فلم يكن أحد منهم معصوماً مع أنهم من أهل البيت , وأبوهم الحسن أفضل من الحسين رضي(79/18)
الله عنه وأكبر ؟! ثم لماذا اقتصرت العصمة على واحد من أولاد الحسين , ثم تسلسلت في الواحد بعد الواحد من ذريته مع أن الكل ينتسبون إلى أهل البيت الذين نزلت الآية فيهم – كما يقولون .
إن هذه الآية إما نص في العصمة ((فأهل البيت)) جميعاً معصومون وإلا فلا دلالة فيها على العصمة لا سيما وحديث الكساء فيه الدعاء لعدد مخصوص هم علي وفاطمة والحسن والحسين وليس فيه الدعاء لغيرهم من ذريتهم ممن لم يأتوا بعد .
إنهم يقولون :إن قول النبي صلى الله عليه وسلم مشيراً إلى هؤلاء الأربعة ((إن هؤلاء هم أهل بيتي )) يعني قصر الآية عليهم وإخراج البقية منها , ونحن نقول مجاراة لهم : ابقوا على قولكم هذا واصمدوا عليه إلى الأخير ولاتدخلوا معهم أحداً من أهل بيت النبي وسترون النتيجة في غير صالحكم !! إذن كيف يستطيعون نقل ((العصمة)) إلى الخامس فما دون ؟! وما الذي أدخل هؤلاء وأخرج غيرهم ؟ ! وما هذه الازدواجية والانتقائية ؟ ! أليس لها من ضابط أو مقياس ؟ !
رابعاً : الإرادة الشرعية والإرادة القدرية :
ومن الأدلة على عدم دلالة الآية على العصمة أن((الإرادة )) التي جاءت فيها شرعة لاقدرية وإليك البيان :
وردت ((الإرادة )) الإلهية في نصوص الشرع على ضربين :
الضرب الأول : الإرادة القدرية الكونية :
وهي المشيئة التي لابد من وقوع وتحقق ما تعلق بها من مراد الله , ولا تلازم بين هذه الإرادة ومحبة الله وأمره الشرعي , فقد يريد الله ويشاء وقوع شيء يكرهه لحكمة يعلمها وبأسباب من خلقه أنفسهم كوقوع الزنا والكذب والكفر والله تعالى لا يحب ذلك ولايأمر به شرعاً وإنما نهى عنه لكنه يقع بإذنه ومشيئته يقول تعالى : { وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} (1)الأنعام : 112 . , ويقول تعالى عن هذه الإرادة :{ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}(2) يس:82 . ,
{ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ(79/19)
لَهُ}(3)الرعد :11 . , { وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ} (4) هود :34 , فالله أراد غوايتهم مع أنه لم يأمر بها ولم يحبها فإنه كما أخبر عن نفسه : { يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ} (5) النحل :90 , لكن ما كل ما أراده الله وأحبه وأمر به شرعاً يقع ولاكل ما كرهه ونهى عنه لايقع وهنا يأتي دور الضرب الثاني من الأرادة وهي :
الإرادة الشرعية :
وهي بمعنى المحبة والقصد والأمر الشرعي الذي قد يقع وقد يتخلف مقتضاه كما في قوله تعالى : { يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ }(6) البقرة : 185 , وهذه الإرادة يتوقف وقوع مقتضاها ومرادها على العبد فقد يقع إذا قام العبد بأسبابه الجالبة , وقد لايقع إذا قصر فيها فيقع ما يكرهه الله ولا يريده أي لايحبه ولايأمر به , ويحب الله شيئاً ويأمر به فلا يقع , فالله تعالى يحب اليسر لكل خلقه وأراده وأمر به , ويكره العسر لهم كما في الآية السابقة وكما في قوله :{ يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ }(7) النساء :28 . , لكنه لايتحقق في حق كثير من الناس الذين يشددون على أنفسهم ويثقلون عليها مع أنهم داخلون تحت خطابه تعالى :{ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} وقوله : { يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ }, والله تعالى أراد من عباده جميعهم الطاعة بمعنى أمرهم بها وأحب أن يفعلوها لكن محبوب الله ومراده هذا وأمره لم ينفذه أكثرهم ! في حين أنه لم يرد أشياء وكرهها لكنها واقعة رغم أن الله لم يردها : يقول سبحانه : { تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ}(الانفال 67 )
فوقع مرادهم وهو أخذ الفداء من الأسرى دون مراد الله وهو القتل
ويقول أيضاً { وَاللّهُ يُرِيدُ(79/20)
أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ } النساء 27
ويقول { مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ } المائدة 6
فالخرج واقع للبعض رغم أن الله ما يريده والتطهير لا يتحقق للكل رغم أن الله يريده لهم جميعاً فالاية خطاب لجميع الأمة وهي تشبه تماماً (اية التطهير) إذ اللفظ نفسة يتكرر في الايتين وهو في الإرادة الشرعية التى تتوقف على استجابة المخاطب وليس في الإرادة الكونية القدرية التى لابد من وقوعها
وحتى يمكن حمل الايه على العصمه لابد أن تكون الإرادة فيها قدرية كونيه من الله إذ العصمه التى اثبتوها إنما هي بجعل من الله لا بتكلف من العبد ولادليل على ذلك على ذلك أبداً فبالإضافة الى كون اللفظ أصلا في الإرادة الشرعية لوجود ما يشبهه وهو ليس في الإرادة القدرية فهناك قرائن تدل على أن الإرادة شرعية لاقدرية منها :
1-حديث الكساء
إذ لو كانت إرادة الله قدرية لابد من وقوعها لما دعا لهم إذ هم أغنياء عن دعائه صلى الله عليه وسلم لكون الله تعالى شاء (( عصمتهم )) وقدرها حتماً فلا حاجة له وأيضاً فلو كانت الاية في العصمه وهو معصومون من الأصل فرسول الله صلى الله وسلم يعلم ذلك فعلام يطلب لهم شيئاً حاصلاً من الأساس أي كما قال تحصيل حاصل وتحصيل الحاصل لغو ينبغي أن ننزه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأيضاً يقال : هل عصمتهم قبل دعاء النبي أم بعدة ؟ فإن كانت حصلت بدعائه أي بعده فهم غير معصومين من قبل وغير المعصوم كيف ينقلب معصوماً ؟؟ وإن كانت حاصلة بدون دعائه أي قبله فعلام دعا ؟؟!
2-سياق الكلام
فالكلام الذي جاء في سياق النص (( إنما يريد ...)) توجيه وأمرونهي يبدأ بقوله { إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا 28 وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ(79/21)
أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا 29 يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ } الى قولة تعالى { وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا } الى قولة { فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ } الى قوله تعالى { َقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } ثم قال معللاً هذه التوجيهات والاوامر والنواهي { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ } ثم يستمر بقوله { وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ...} وإذن المخاطب يحتمل في حقه الطاعة والمعصية فيحذره الله من المعصية ويحثه على الطاعة فالإرادة هنا شرعيه بمعنى أن الله يأمر بما أرادة وأحبه فاحرص أيها المخاطب على تحقيق إرادة الله في تطهير هذا البيت الذي تنتسب اليه وإذهاب الرجس عنه والا إما أن تخرج من هذا البيت بالطلاق { فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا }وحين ذلك فمهما عملت فعملك لاينسب إلى هذا البيت الذي يحب الله أن يرفع من شأنه .وإما أن تضاعف لك العقوبة ضعفين إذا ارتكبت ما يخدش سمعة هذا البيت الطاهر وذلك من أجل أن يبقى المخاطب – أزواج النبي صلى الله عليه سلم –حذراً يقظاً على الدوام تحقيقاً لإرادة الله , وهذا المعنى لايستقيم إذا كانت المشيئة أو الإرادة كونية حتمية ,ولذلك جمع الله بين النهي عن المخالفة والأمر بالطاعة وإرادته الثمرة الناتجة عن ذلك وهي التطهير في آية واحدة فقال : { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ(79/22)
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } فمن حمل الإرادة على الإرادة الكوبية القدرية فكما قال تعالى : { إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} و العقيدة مبناها على القطع والإحكام لاعلى الظن والاشتباه , ولايتحصل إمكان أو احتمال تفسير الآية ((بالعصمة)) بدلالة الآإنما هو احتمال في احتمال فسقط بها الاستدلال .
المعنى المقصود من الآية
ولعل سائلاً يسأل ما المعنى الذي ترمي إلية الآية فنقول :هو أمر الله جل وعلا وإرشاده لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يترفعن عن كل ما من شأنه أن لايتناسب وسمعة بيت النبي وكونهن بنتمين إلى هذا البيت الذي هو بيت أعظم النبيين وخاتمهم وأطهرهم ,فعليهن أن يدركن خطر هذا الانتماء والمنزلة التي وضععهن الله فيها وأي طهر وأي نقاوة يريدها الله لهن ويحب أن يتصفن بها ,ولذلك نهاهن أن يطالبن رسوله بما تطالب به النساء الأخريات أزواجهن من الزينة والنفقة ,وبين ((إن من يأت منهن بمعصية ظاهرة القبح يضاعف عقابها , فإن المعصية من رفيع الشأن أشد قبحاً فناسب أن يضاعف جزاؤها)) . والجملة الشرطية لاتقتضي وقوع الشرط كما تقول لولدك إن رسبت ضربتك والقصد تحذيره حتى لايرسب , ولذلك خاطب الله رسوله قائلاً : { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ }(1)الزمر:65 . وهو صلى الله عليه وسلم لم يشرك ولم يحبط عمله . وقال له أيصاً : { فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ}(2)يوبس :94. وهو صلى الله عليه وسلم لم يشك ولم يسأل .
فكذلك قوله لأمهات المؤمنين رضي الله عنهن: { يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ} ,فلم تأت واحدة منهن بفاحشة(79/23)
ولم يضاعف لها العذاب , بل العكس حصل – كما سأوضحه – والنهي لايستلزم وقوع المنهي عنه كما قال تعالى :{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا}(3) الأحزاب : 1 . ,وذلك في مطلع السورة التي خاطب الله بها أزواج نبيه بقوله :{ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} – وقوله – { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يطع الكافرين والمنافقين وأزواجه لم يخضعن بالقول ولم يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى , بل أقمن الصلاة وآتين الزكاة واتقين الله وأطعنه ورسوله وقمن بتنفيذ هذه الموعظة خير قيام واخترن الله ورسوله والدار الآخرة والعيش مع رسول الله على خشونته وخلوبيته من كل ما يمكن أن يجذب امرأة ويغريها بالبقاء فيه ,ولقد كان اختيارهن الله ورسوله والدار الآخرة على الدنيا وزينتها صادقاً حقيقياًمقبولاً عند الله الذي لاتخفى عليه خافيه والدليل على ذلك أن الله قبل هذا الاختيار بأن كافأهن بجملة أمور منها :
-حرمة الزواج عليهن .
-حرمة تطليق واحدة منهن ليتزوج غيرها .
-وذلك بقوله في الأية(52) من السورة نفسها :{ لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ} , وهذا تحريم للزواج عليهن – { وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} وهذا تحريم لتطليق أي واحدة منهن .
-ومنها اختيارهن أمهات للمؤمنين { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ }(1) الأحزاب : 6 . , وتحريم زواجهن من غير رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته ليبقين زوجات أبديات لهذا الرسول الكريم لافي الدنيا فقط , وإنما في الآخرة أيضاً , وذلك بقوله : { وَمَا كَانَ لَكُمْ(79/24)
أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا}(2)الأحزاب :53 .
وكل هذه التوجيهات والتحذيرات والوصايا من أجل ماذا ؟ من أجل أن الله يريد لهذا البيت أن يكون طاهراً بعيداً عن كل ما يقدح في طهارته ورفعيه . فقوله تعالى :{ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } , تعليل لما تقدم وروده في السياق من الأوامر والنواهي كما قال في الآية (53) من السورة :{ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ} لماذا ؟قال { ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} فعلل الأمر بالسؤال من وراء حجاب بالتطهير لقلوب السائلين وقلوبهن وإذن هذا التطهير مراد من قبل الرب وهو علة الأمر, فكذلك التطهير الأول مراد من الرب وهو علة الأوامر والنواهي الأولى .
ولذلك يختل السياق ومعناه لو حذفنا هذه العلة وهي قوله تعالى :{ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}, من الآيات لأنها هي الغاية منها وهي روح الموضوع كله ومداره الذي يدور عليه وقوله تعالى بعد ذلك :{ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} , إشارة إلى أنهن – وقد خصصن بنزول الوحي في بيوتهن دون سائر الناس – أحق بهذه الذكرى من سواهن فعليهن أن يرتقين إلى المستوى المطلوب من أمثالهن ويعملن بما ينزل في بيوتهن من القرآن والسنة ويبلغن ذلك ,فالآية إذن وما قبلها وما بعدها – باختصار – إنما سيقت من أجل تعليم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين وتربيتهن كي يرتقين إلى المنزلة السامية اللائقة بمقام هذا النبي الكريم الذي أراد الله تعالى طهارة بيته الشريف وإذهاب الرجس عنه(79/25)
.
فما دخل ((عصمة الأئمة )) في الموصوع ؟ !
وكيف حشرت هذه القضية التي لا علاقة لها به من قريب ولامن بعيد ؟ !
{ ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنامن لدنك رحمة إنك أنت الوهاب }
الخلاصة
إن آية التطهير , وما قبلها وما بعدها إنما سيقت من أجل تعليم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وتربيتهن كي يرتقين إلى المنزلة السامية اللائقة بمقام هذا النبي الكريم الذي أراد الله تعالى طهارة بيته الشريف , وإذهاب الرجس عنه , فما دخل عصمة الأئمة في الموضوع ؟ وكيف حشرت هذه القضية التي لا علاقة لها به من قريب ولا من بعيد ؟ ولماذا يحمل النص والا يتحمل ؟ !
المصادر
•القرآن الكريم .
•مفردات ألفاظ القرآن الكريم – الراغب الأصفهاني .
•مختار الصحاح – الرازي .
•أصول الكافي – للكليني .
•اعتقادات الصدوق – ابن بابويه القمي .
المحتويات
•المقدمة .................................................. ...............................3
•آية التطهير .................................................. ..........................4
•مناقشة هذا التفسير........................................... ........................4
•1 - عدم صلاحية الدليل ((آية التطهير)) للاستدلال على ((العصمة))...4
•عدم دلالة النص ((آلاية )) على العصمة.........................................7
•أولاً : افتقاره إلى السند اللغوي............................................ ..........7
•لاعلاقة للرجس بالخطأ في لغة القرآن...........................................7
•((التطهير)) و((إذهاب الرجس )) لايعني العصمة من الذنب...............8
•لفظ (( الأهل )) لغة .................................................. .............10
•أهل البيت .................................................. .........................11
•أهل الرجل(79/26)
.................................................. .......................11
•الزوجة من ((أهل بيت الرجل )) بل هي أول عضو فيه..................12
•دليل اللغة .................................................. .........................12
•دليل الشرع............................................. ............................13
•دليل العرف .................................................. .....................15
•دليل العقل .................................................. ........................15
•أهل النبي صلى الله عليه وسلم وبيت النبي أو بيوت النبي ................16
•شبهات ((متشابهات )) تعلقوا بها ..............................................17
•ضمير التذكير في الخطاب .................................................. .....17
•حديث الكساء .................................................. .....................19
•ما العلاقة ؟!................................................ ..........................19
•لنا لاعلينا .................................................. ..........................20
•مجيء اللفظ بصيغة العموم والمراد به الخصوص ..........................21
•ثانياً : إلزامهم بعصمة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين رضي الله عنهن .................................................. ...................24
•ثالثاً : إلزامهم بعصمة ((أهل البيت )) جميعاً .................................25
•رابعاً : الإدارة الشرعية والإرادة القدرية ......................................26
•المعنى المقصود من الآية .................................................. ......30(79/27)
بداية النهاية
الوضع العام قبل سقوط الشاه .
تغيير السياسة الامريكية في ايران .
الخطأ المميت .
التخبط في معالجة الازمة .
موقف الدول الكبرى من نظام الشاه .
محادثات الخميني مع الامريكان .
وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً (16)
بداية النهاية
لقد آن للشاه ان يرحل . فقد اراد شعب ايران هذا الرحيل . والصراع مع الشاه له تاريخ طويل يمتد عمره إلى 25 عاما أي منذ سقوط الحكم الوطني الذي كان يرأسه الدكتور مصدق رحمه الله والذي اطاحت به المخابرات الامريكية ليعود الشاه إلى ايران بعد ان هرب إلى اوربا وليستبد بالسلطة كملك طائش جبار يفعل ما يشاء ويحكم مايريد .
والثورات الشعبية اذا غلت فلن تستطيع قوة الاستبداد ان تقف في وجهها، انها كالسيل الجارف تدمر كل شيء يعترض طريقها .
والثورة الايرانية عندما وصلت إلى مرحلة الغليان لم يستطع الشاه وجيشه ومخابراته وملايين الدولارات من الاسلحة الحديثة ان تعترض طريقها فدمرت الرطب واليابس واطاحت بعرش كان عمره الفين وخمسمائة عاما ، وجيش كان قوامه اربعمائة الف جندي مدجج باحدث انواع الاسلحة ومخابرات كانت من اقوى المخابرات في الشرق الاوسط.
ان نجاح الثورة الايرانية لها اسباب كثيرة منها داخلية ومنها خارجية وعندما تكاتفت هذه الاسباب كلها كانت نتيجتها المحتومة ثورة ومحنة ودم وعرق ودموع .
كان الوضع العام في ايران وفي اواخر ايام الشاه نموذجا من تناقضات صارخة تنذر بالشر المستطير .
فالحريات السياسة كانت مفقودة .
الارهاب بلغ اشده في ظل السافاك حيث التعذيب البشع وقتل السجناء في سجونها ورمى المناوئين السياسين احياء في بحيرة ساوة .
الثورات المحلية كانت تخمد بالنار والحديد .
الوضع الاقتصادي كان ينذر بالكارثة .(80/1)
ايرادات النفط كانت تنفق في شراء الاسلحة من امريكا واوربا والاسراف في نفقات الدولة والبلاط .
التدخل الامريكي في ايران بلغ إلى مرحلة الوصاية والقيمومة فكان هناك خمسين الف مستشار امريكي يتقاضون 4 الاف مليون دولار سنويا من ميزانية الدولة اضافة إلى قانون الحصانة الامريكية .
رجالات الدولة العليا اللهم الا القليل منهم كانت مجموعة من الاوغاد لايهمهم سوى ارضاء الشاه والانصياع لاوامره مهما كانت نوعها وشكلها .
القصص المثيرة من تلاعب الشاه واركان دولته باموال الشعب واستغلال النفوذ ونهب اموال الشعب بالبلايين كانت حديث كل فرد من افراد الشعب الايراني في مجالسه ونواديه .
ومع ان ظاهر البلد كان يوحي بوضع اقتصادي زاهر الا ان ثمانين بالمائة من افراد الشعب كان يعيش في حالة اقتصادية بائسة ، فالثروة كانت متكدسة في يد مجموعة من الناس لها صلة قريبة بالبلاط او بالمتنفذين من افراد الدولة او البلاط . اما الاكثرية من ابناء الشعب ولا سيما الذين كانوا يسكنون القرى والمدن الصغيرة كانوا في وضع بائس وحزين يتلخص في السطور التالية :
سبعون بالمائة من مجموع الشعب الايراني لايقرأ ولا يكتب ولم تكن وسائل التعليم متوفرة لديه .
ثمانون بالمائة من مجموع الشعب الايراني كانوا ولايزالون تنقصهم الخدمات الطبية .
خمس وثمانون بالمائة من القرى والمدن الصغيرة كانت ولاتزال بحاجة إلى طرق المواصلات المعبدة واسالة الماء والكهرباء والبيوت الحديثة .
بلغ عدد العاطلين عن العمل في عهد الشاه الذي كان يدفع 4الاف مليون دولار سنويا إلى المشاورين الامريكان مليون ونصف مليون عاطل يتسكعون في الشوارع والازقة او يهاجرون إلى الخليج للحصول على لقمة العيش .(80/2)
وهكذا كان الشعب الايراني في ظاهره من اثرى شعوب المنطقة حيث كانت ايرادات بتروله تتجاوز اربعين بليون دولار في العام . وفي واقعه شعبا مسكينا لا يحصل على اقل القوت الآ بشق الانفس والجهد المرير ، وكان الشاه بعيدا كل البعد عن مأساة شعبه وبلاده وفي الوقت نفسه يتخبط في الحديث ويهذي في الارقام حيث كان يعلن للعالم بصوت جهوري تردده اجهزة اعلامه :
ان ايران ستصبح رابع قوة في العالم في عام 1980.
ان الدخل القومي في ايران سيتجاوز الدخل القومي الياباني في عام 1980 .
ان ايران كانت وستبقى جزيرة الامان والاستقرار في المنطقة .
ان ايران اصبحت دولة نموذجية تقتدي بها دول العالم.
وقد سمعه العالم وهو يخاطب مؤسس الامبراطورية الفارسية بقوله : " وها انت يا كورش الكبير ويا ملك الملوك نم آمنا هادئا قرير العين فانا احرس هذا الشعب وهذه البلاد " .
حقا لقد حرس محمد رضا بهلوي شعبه وبلاده وتاجه وعرشه ، ثم نام قرير العين على شاطىء النيل الخالد بعيدا عن تراب وطنه الاف الاميال.
وهكذا تعيش الملوك المسكينة في اوهامها حتى تدق الساعة التي لا فرار منها ولا ينفع الندم .(80/3)
كان استمرار هذا الوضع الشاذ كله يتوقف على عاملين اساسيين ، بطش السافاك بالمناوئين واخماد التظاهرات الشعبية التي تقوم هنا وهناك بسلاح الجيش وكان من الواضح جدا ان السافاك والجيش كلاهما كانا مدعمين بالمستشارين الامريكان وان التخطيط الحاكم في كلتا الادارتين تخطيط امريكي اعد له من القوة والقدرة ما لايستطيع دحرها شعب اعزل من السلاح وحدثت المفاجأة التي مهدت للثورة في ايران فقد فوجئ العالم برئيس امريكي من الحزب الديمقراطي اسمه جيمي كارتر وصل إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة الامريكية ، وها هو يتحدث عن حقوق الانسان ويعد الشعب الامريكي بأن سياسة حكومته هي الوقوف بجانب الشعوب المضطهدة التي يمارس عليها الطغيان من قبل حكامها المستبدين وانه لا يناصر حاكما ظالما مهما كانت الصداقة التي تربطه بالولايات المتحدة الامريكية . واذا كان كارتر صادقا في مواعيده امام الشعب الامريكي والعالم فلاب وان على رأس قائمة هؤلاء الطغاة كان اسم شاه ايران الذي تربطه بامريكا تسعمائة معاهدة وميثاق وصفقات اسلحة وعتاد وخبراء ومستشارين . وفوجئ الشاه نفسه بكارتر كما فوجئ غيره من ساسة العالم ، وكانت الصدمة قوية عليه ، فقد كان الحزب الجمهوري ورؤسائه هم الذين يناصرون الشاه وسياسته على مر السنوات وعلى عكس الحزب الديمقراطي الذي كانت ذكريات فوز رئيسه جون ف كندي وموقفه العدائي من الشاه لم تزل عالقة في ذهنه ، ولا بد ان ادارة كارتر كانت على علم بالملايين من الدولارات التي صرفتها السفارة الايرانية في واشنطن بامر الشاه في الحملة الانتخابية التي خاضها جيرارد فورد من الحزب الجمهوري . ولابد ان مضاضة هذا التدخل الايراني في الحملة الانتخابية كانت قد اقلقت مضجع الرئيس الجديد .(80/4)
وصحيح ان اعتبارات المصالح الامريكية هي فوق كل شيء لدى أي مسؤول امريكي يتصدر سدة الحكم في البيت الابيض الا انه لم يكن بوسع كارتر ان ينسى مواعيده امام الشعب الامريكي والعالم ويساند الشاه كما كان يساند سلفه من قبل ولو في ظاهر الاحوال ، فصدرت النصائح تلو النصائح من الرئيس الجديد إلى الشاه صديق امريكا القديم والحميم باعطاء الحرية المناسبة لشعب ايران كما ان الصحف الامريكية بدأت بكشف الحقائق المؤلمة عن التدخل الامريكي في عهد جيرار فورد في اسقاط حكومة اليندي في تشيلي واسناد حكومة العسكر فيها وكان لابد للرئيس الجديد الديمقراطي ان لايساند حكما مشابها لشيلي في ايران ، وعرف الشاه طبعا الموقف الامريكي الجديد وعرف الشعب الايراني ايضا ان القوة القاهرة التي تساند الشاه غيرت موقفها من الاستبداد الحاكم في ايران .
الا ان الخطأ المميت الذي ارتكبه الشاه هو انه انصاع للنصيحة الامريكية واعلن الانفتاح السياسي حسب الظروف والزمان ، وهكذا ثبت ان شأنه شأن كل مستبد يعلق حياته السياسية وسياسة بلاده ومصالح شعبه بسياسة اجنبية لابد له من الانصياع المطلق لما تأمره وتريده تلك السياسة .
لقد تحرك الشعب يريد الخلاص من حاكمه الذي وقع اسير الاجانب وبطش به ما شاء إلى البطش سبيلا وها هو اليوم يعلن اللين والعطف نحو شعبه لانه امر به فلا بد للشعب من استغلال هذه اللحظة الحاسمة قبل ان يحدث تغير مفاجئ يجعل الليلة هذه شبيهة بالبارحة تلك .
اضافة إلى هذا فقد كان الشعب الايراني يعرف جيدا نفسية الشاه الذي لعب ادوارا مماثلة طيلة 30 عاما من حكمه ، وكانت الحكمة التي يكررها هي : اذا هبت العاصفة فعليك ان تنحني برأسك حتى تزول ولا جعلتك كالعصف المأكول : وانحنى الشاه برأسه مرات ومرات وبخضوع وخشوع لعواصف هبت في ايران ، وعندما زالت العواصف تلك رفع الشاه رأسه من جديد وهو يقول متبجحا للشعب ( لمن الملك اليوم ) .(80/5)
ومن اهم العواصف السياسية التي كادت تقضي على الملكية في ايران لولا الحكمة المتبعة من قبل الشاه هي حكومة قوام السلطنة والدكتور مصدق والجنزال زاهدي والدكتور علي اميني ، فهذه الشخصيات الاربع استلموا الحكم في ظروف سياسية عصيبة للغاية والزموا الشاه العمل بالدستور الذي ينص على عدم تدخله في شئون البلاد ، وكان الشاه يصل إلى قاب قوسين او ادنى من السقوط في عهد كل من هذه الحكومات الاربع ، الا انه كان يجد المخرج المناسب في اللحظة المناسبة فينقض على خصومه كالاسد الهصور ليعلن نفسه الامر والناهي المطلق من جديد وليستبد بالبلاد ما شاء إلى الاستبداد سبيلا .
لقد كانت الفئات السياسية المناهضة للشاه تعلم جيدا ان الفرصة مواتية لها وعليها ان لا تعطي الفرصة للشاه للمرة الخامسة ان يفلت من يدها ، واذا كان الشاه بدأ بالتنازل امام مطالب الشعب فلابد وان الرضوخ سيستمر كلما ازداد الشعب في المطالبة بحقوقه المغتصبة واتحدت الفئات السياسية كلها على العدو المشترك . وربما ان الشعب هو شعب مسلم يتغلب عليه روح الايمان فكان لابد من استغلال هذه الروحية لا سيما والعداء قد استحكم بين الشاه وكثير من رجال الدين وكان على رأس قائمة المناوئين الخميني الذي كان يعيش في العراق بعيدا من بطش الشاه وفي مأمن من سافاكه . فارتأب الفئات السياسية ان تتخذ من هذا الشيخ العجوز الذي بلغ الثمانين قائدا للنضال .(80/6)
وكان يخيل للناس كافة ان اختيار الخميني قائدا للثورة يعطي تماسكا للشعب الايراني في نضاله ويجتمع تحت لوائه من كل صنف ونوع ، فلم يفكر احدا قط ان الثورة اذا نجحت فان مرشدها يخون ثقة الشعب به ويرتكب خيانة منكرة عظيمة تتجاوز حدود التصور ، فيحتكر السلطة لنفسه ولزمرته ويرتكب في سبيل السلطة من الاثام ما تقشعر من سماعها الابدان ، بل كان التصور السائد ان الرجل يقود الثورة وهو غير طامع في الحكم راغب عنه ولذلك لم تجد الفئات السياسية خيرا من الخميني للعمل على جمع الفئات السياسية المختلفة الاهواء تحت راية الثورة التي يقودها ، وقد اقسم ايمانا مغلظة امام العالم انه لا هو ولا زمرته يطمعون في أي شيء من مكاسب الثورة ، بل لايريدون لانفسهم جزاء ولاشكورا وانهم سيعتزلون السياسة عندما تنجح الثورة ويعودون إلى مدارسهم الدينية في مدينة قم ، يقرأون ويؤلفون ويدرسون ، والحرية المطلقة تكون للشعب في اختيار النظام يريده ويحبذه .
لقد افردنا لهذه الخدعة الكبرى فصلا خاصا نلقي الاضواء على الاسباب التي ادت إلى اختيار الخميني مرشدا للثورة ومن ثم سطوه على الثورة الايرانية بالنار والحديد . اما الان فنعود إلى بيان الاسباب التي ادت إلى انهيار النظام الشاهنشاهي ليكون القاريء الكريم على بينة من امر الثورة الاسلامية في ايران وليكون على علم باخطر مراحلها في اخطر مرحلة من تاريخ النظام الشاهنشاهي المقبور .(80/7)
لقد بدأ الشاه بالتنازل امام مطالب الشعب واقال عباس هويدا رئيس وزرائه المزمن الذي حكم البلد 14 عاما ارضاء للشعب ثم اقال الجنرال نصيري رئيس السافاك وعينه سفيرا في باكستان ، وشكل حكومة جديدة يرأسها اموزكار المعروف بعمالته لامريكا وتعثر اموزكار في مهمته بسبب الاضرابات المستمرة التي شلت المصالح العامة فاستقال بعد شهرين ليخلفه شريف امامي الذي استقال بعد فترة وجيزة ليستلم الحكم الجنرال ازهاري ، ولم يكن نصيب ازهاري في الحكم اكثر من سلفيه فاستمرت الاضرابات واشتدت المواجهة بين الشعب والحكومة ، واراد الشاه ان يرضي الشعب فأمر باعتقال عباس هويدا رئيس وزرائه المفضل متهما اياه بالفساد والاستغلال واعيد جنرال نصيري إلى طهران ليعتقل مع هويدا بنفس التهمة وحملا مسئولية خراب البلاد ودمارها .
وحصلت مواجهة دموية بين الشعب والجيش في تبريز استعمل الجيش فيها سلاح الجو ، أي الطائرات السمتية لضرب المتظاهرين فقتل رهط كبير ، وهاج الشعب وماج عندما علم بأنباء تلك المجزرة الرهيبة فاستمرت الاضرابات وامتنع الموظفون عن الذهاب إلى دوائرهم حتى ان طلاب المدارس الثانوية والمتوسطة بدأوا يقرأون اناشيد حماسية ضد الشاه في صفوف المدارس فأمرت الدولة بتعطيل المدارس الثانوية والمتوسطة ، اما الجامعات فكانت تغلي وفي مواجهة مستمرة مع الجيش والسافاك وحصل ارتباك في اجهزة الدولة وفي الجيش كان اخرها يوم الجمعة الاسود الذي اطلق الجيش النار على المتظاهرين في طهران في ساحة (جاله) .. فاستشهد في تلك المواجهة عدد غفير من ضمنه نساء حوامل كن يتقدمن التظاهرات وزاد الطين بلة هذه المجزرة المنكرة فاستقال ازهاري وظهر الشاه على شاشة التلفزيون يقول لشعبه : ( لقد سمعت ندائكم وها انا معتذر اليكم ، سأفعل ما تأمرون وها انا امد يدي إلى رجال الدين العظام ليساعدونني في حل مشاكل البلاد ) .(80/8)
لقد كان هذا الخطاب انتحارا للشاه وايذانا بنهاية نظامه ، فقد ظهر بمظهر الضعيف المسكين الذي يستجدي العطف من اعدائه الذين عبر عنهم في خطاب جماهيري بالكلاب النابحة التي لا تستطيع رؤية القمر المنير . ان هذه الاهانة الموجهة إلى رجال الدين والخميني بالذات كانت قد صدرت من الشاه قبل ثلاثة اشهر فقط من خطاب الاعتذار ولم يزل صداه عالق في الاذان ، وكان الشاه في الحقيقة قد ضيع اللبن في الصيف فلم يجد الاعتذار خيرا بل زاد في سخط الساخطين واتحاد المناوئين وعرف الشعب ان مليكه بدأ يستجدي العون من اعدائه ومن ينتظر من العدو خيرا ومرحمة فقد حانت ساعته فأجهز الشعب على ملكه من كل صوب وحدب .(80/9)
وبدأ الشاه يتخبط في اتخاذ القرارات ، فطلب من الدكتور شاهبور بختيار عضور الجبهة الوطنية تشكيل حكومة تخلف حكومة الازهاري ، الذي استقال تحت وطأة الهياج العام والاضرابات المستمرة . وكان للدكتور بختيار سجل حافل بالنضال وقضى سنوات في سجن الشاه وكان الشاه الاب رضا بهلوي قد قتل والده في السجن خشية نفوذه وسلطانه . وقبل الدكتور بختيار تشكيل الحكومة فطردته الجبهة الوطنية من عضويتها لانه خالف رأي الحزب الذي ينتمي اليه ، وكانت الجبهة الوطنية قد طلبت من بختيار عدم التعاون مع الشاه ، ومع ان بختيار ابلغ الجبهة انه قبل المسؤولية بشرطين : اولها حل السافاك والثاني مغادرة الشاه لايران لفترة طويلة يحل محله مجلس الوصاية على العرش وبذلك يكون مطلق اليدين في اتخاذ القرارات ، الا ان الجبهة اصرت على رفضها في أي نوع من التعاون بين احد اعضائها البارزين والشاه ، استلم بختيار السلطة وشكل دولة مدنية اعتبرها الشعب اوهن من بيت العنكبوت ، فلا الاضرابات توقفت ولا اجهزة الدولة تعاونت معه ، بل ازداد الوضع السياسي من سيء إلى اسوأ . وبدأ كبار رجال الدولة واعضاء الاسرة المالكة يغادرون ايران حاملين حقائبهم المليئة بالاموال التي نهبوها من الشعب ، وفي خلال ستة اشهر تجاوزت رؤوس الاموال التي خرجت من ايران عن طريق البنك المركزي واودعت في النبوك الاجنبية باسم الساسة القدامى واسرة الشاه الفا مليون دولارا .
واخيرا غادر الشاه وملكته ايران بصورة مهينة ، وعند سلم الطائرة رأى المودعون دموع الشاه تسيل على وجنتيه وكأنه يودع وداعه الاخير مع وطنه وامته . وعندما عرف الشعب مغادرة الشاه خرج إلى الشوارع عن بكرة ابيه يهلهل ويصفق واهازيج الافراح والابتهاج ملأت الخافقين .(80/10)
غادر الشاه طهران إلى المغرب بدعوة من الملك الحسن وترك المغرب بعد ايام إلى جزر الباهاما في البحر الكارائيبي ينتظر القضاء والقدر وفي قلبه بصيص امل للعودة إلى البلاد . كانت امال الشاه معلقة على ثلاثة عوامل :
تغير السياسة الامريكية نحوه .
حكمة بختيار في معالجة الازمة العارمة .
قادة الجيش الذين بقوا اوفياء معه إلى الساعة الاخيرة .
وفي اقل من شهر واحد خابت امال الشاه كلها ، فلا الامريكان غيروا سياستهم ولا بختيار بقى سيد الموقف والجيش استطاع التحرك ، بل الذي اصبح سيد الموقف هو الشعب وحده وهكذا استجابت الاقدار لارادة الشعب الذي لم يخرج من محنته الكبرى الا بعد اللتيا والتي ليبتلي بالطامة العظمى ، فكان شأنه كالمستجير من الرمضاء بالنار .
اما تفاصيل الاسباب التي ادت إلى الانهيار التام للملكية وخيبة امال الشاه في العوامل الثلاثة التي كان يعول عليها فانها تتلخص :(80/11)
السياسة الامريكية والتي كانت السبب الرئيسي في ما لحق بالشاه من هزيمة منكرة فانها وان لم تقصد في بادئ الامر تغيير الشاه كما تدل الشواهد والاثار التي ظهرت ابان الثورة الايرانية وبعدها الا انها كانت تسعى تعديل السياسة القمعية التي كان يمارسها الشاه كدليل ساطع لالتزام الرئيس الامريكي الجديد بوعوده امام شعبه والعالم ، ومن هنا نرى الرئيس الجديد للولايات المتحدة قبل دعوة الشاه لزيارة ايران وتبادل نخب الصداقة معه وعبر عن ايران (بجزيرة الاستقرار) في ظل النظام القائم فيها ، ولا اعتقد ان تلك السفرة كانت سفرة اعتباطية عابرة بل خطط لها كل التخطيط ، فالشاه كان يعتبر عاملا من عوامل السياسة الامريكية في المنطقة ، واذا ما اضطر الرئيس الامريكي تحت وطأة الرأي العام بأن يسحب بساط القوة من تحت قدميه فهذا الامر لايعني انه اراد تقويض النظام والتعاون مع الخصوم للثورة ضده ، ولذلك كان العالم يسمع تصريحات مشجعة لنظام الشاه في المؤتمرات الصحفية التي كان المسئولون الامريكان يعقدونها في البيت الابيض بما فيها الناطق الرسمي باسم الرئيس ، ولم يكن معقولا ان يسقط نظام الشاه اذا كانت السياسة الامريكية تسانده بهذه السهولة وبين عشية وضحاها فخمسن الف مستشار امريكي الذين كانوا يعملون في الجيش والسافاك والأجهزة الاخرى كانت لهم من القوة والقدرة على تحريك الجيش والسافاك بكل ثقليهما لاخماد الثورة . ولكن كما اعترف الشاه في مذكراته ان الامريكان لم يعلموا شيئا لانقاذه عن طريق مستشاريهم عندما عرفوا ان ورقته خاسرة ، بل كانوا يرغبون في مغادرته البلاد كما قال له الجنرال هايزر معون رئيس حلف ناتو والذي وصل إلى ايران بغير علم منه واتصل بالمعارضة بدون علمه ايضا ، وعندما زاره في قصره لم يبحث معه تطورات الازمة بل كان يسأله بصورة مكررة متى تغادر ايران ؟ ويظهر من اعترافات زمرة الخميني بوضوح ان الامريكان غيروا سياستهم في دعم الشاه(80/12)
في الشهور الاخيرة قبل سقوط النظام وبدأوا بالاتصال مع الخميني وزمرته ، فهل كان هذا لانهم علموا بان الشاه مصاب بالسرطان ولايعيش طويلا ، واذا مات فليس هناك من يخلفه بقوته وجدارته ولا سيما فان ولي عهده لم يبلغ سن الرشد وزوجته الملكة لايحسب لها حساب فالبحث اذن عن نظام قوي صديق كانت تمليه السياسة الامريكية ، وهنا لابد من ذكر الدور الكبير الذي لعبه الخميني وجماعته مع الامريكان موحيا لهم ان السياسة التي سيتبعونها في حالة نجاحهم ستكون موالية لهم وهنا نأخذ بعين الاعتبار ان اهتمام السياسة الامريكية قبل كل شيء ينصب على عدم انتصار الشيوعية في منطقة الشرق الاوسط ولاسيما في مثل ايران التى تحظى بموقع استراتيجي هام فزوال الشاه الحليف المريض اذا كان يخلفه نظام ديني ارتجاعي متزمت يقضي على الشيوعية بسيف الاسلام فانه يعتبر حليفا طبيعيا لهم ، فدحر الشيوعية والقضاء عليها قضاء تاما باسم الدين وواجب الايمان كما يعرفه العالم انما هو في ضمن التخطيط الاساسي للسياسة الامريكية في هذه المنطقة الحساسة من العالم والمليئة بسبعين في المائة من احتياطي النفط العالمي الذي تتوقف عليه الحضارة في امريكا واوروبا . ومع اننا لاندري بالضبط المذكرات التي دارت بين الامريكان وزمرة الخميني الا اننا ندري انه التحق بالخميني في النجف وقبل ان يغادرها بيوم واحد صديقه ومستشاره الدكتور ابراهيم يزدي الامريكي الجنسية وكان هذا الشخص في رفقة الخميني في باريس ومن اقرب المقربين اليه ، وكاد اليزدي يسبب مشكلة سياسية للخميني عندما منعته الكويت الدخول إلى اراضيها ووافق العراق على عودته ماعدا اليزدي الذي كان يحمل الجواز الامريكي ، واصر الخميني على اصطحاب اليزدي معه واصرت الحكومة العراقية على عدم الوافقة لأن الرجل امريكي وغادر العراق ولايحق له الدخول مرة اخرى الا بعد الحصول على الموافقات الرسمية التي تقتضيها الحالة الموجودة اثر قطع(80/13)
العلاقات الدبلوماسية بين العراق وامريكا ، واخيرا دخل الخميني الاراضي العراقية وترك اليزدي في الحدود، وعندما وصل إلى بغداد قدم التماسا إلى السلطات العليا يطلب منح اليزدي اذن الدخول إلى العراق لاربع وعشرين ساعة فقط شريطة ان يغادرها بصحبته واستجابت السلطات العليا لرجاء الخميني والتحق اليزدي بالخميني في بغداد ، واليزدي هذا عين في اول دولة شكلت بعد نجاح الثورة برئاسة بازركان نائبا لرئس الوزراء في شئون الثورة ومتابعتها ووزيرا للخارجية فيما بعد .(80/14)
ووجود شخص امريكي في قلب النظام كان تعبيرا بليغا عن التعاون الحميم بين الثورة وامريكا ، ناهيك عن المحادثات التي دارت رحاها في باريس بين الخميني ورمزي كلارك وزير العدل الامريكم السابق وهكذا المحادثات التي دارت بين زمرة الخميني في طهران مع الامريكان كما اعترف بازركان وبهشتي ورفسنجاني وغيرهم من اركان الزمرة الحاكمة واعترفوا في الصحف والاذاعة والتلفزيون انهم اجروا تلك الاتصالات بالامريكان بعلم الخميني وامره ، ولم يكن اليزدي هو الامريكي الوحيد في الدولة بل كان كلا من امير انتظام وزير الدولة والناطق الرسمي باسمها ودكتر جمران وزير الدفاع على شاكلة اليزدي يحملان الجنسية الامريكية وكان من الشائع ان اليزدي وزميليه عميلان مأجوران معروفان للمخابرات المركزية الامريكية . ومع ان نشوة الانتصار حجبت عن الشعب تلك الجسور الممتدة بين الخميني والامريكان ، وكان يسمع من الخميني في خطبه اليومية ، ان الامريكان كانوا وراء كل مالاقاه الشعب الايراني من المحنة والبلاء على يد الشاه وهم السبب الحقيقي لما لاقته ايران في ربع قرن من الذلة والهوان ، الا ان العيون الساهرة بدأت تراقب هذا التناقض في القول والعمل وظهرت على صفحات بعض الجرائد اسئلة حول وجود هؤلاء الامريكان في حكومة بازركان ثم اسئلة اخرى تسأل البازركان والخميني معا عن السبب في عدم الغاء المعاهدات العسكرية وصفقات الاسلحة بالاف الملايين وعن الاتفاقيات التجارية التي ابرمت بين نظام الشاه والحكومة الامريكية طالما ان الثورة الايرانية كانت في حقيقتها ضد السياسة الامريكية في ايران ، كان جواب بازركان ان حجم هذه المعاهدات تتجاوز الاف الملايين وانها تتجاوز 900معاهدة عسكرية وتجارية وصفقات الاسلحة وان الغاء هذه المعاهدات يحتاج إلى دراسة وافية تستغرق شهورا بل سنوات ولايمكن ان نلغي المعاهدات من جانب واحد لما يترتب على ذلك من خسارات مالية عظيمة ، واذا كان الشعب قد(80/15)
اقتنع بهذه الاجوبة الركيكة الا انه لم يسمع جوابا مقنعا عن سبب وجود الوزراء الذين يحملون الجنسية الامريكية في قلب الدولة الخمينية وبقيت العلاقات مع الامريكان على احسن مايرام إلى ان حدثت ازمة الرهائن وبذلك حدث تغير مفاجيء في ظاهرة السياسة الايرانية نحو الامريكان وقد نفرد فصلا خاصا لتلك المهزلة التي اضحكت العالم وابكته .
وهنا نصل إلى بيت القصيد في شرح العلاقات الثنائية بين الخميني والامريكان إلى ماقبل ازمة الرهائن ، ومن انها كانت علائق حسنة ووثيقة لا يستوجب التفريط بها لحماية الشاه الذي فقد كل قواعده الشعبية في ايران . وبما ان السياسات العالمية الكبرى لاتصل إلى احد في البلاد التي يحكمونها بصلة القربى ، بل انها تنبع من مصالحها الهامة التي تسعى لاجلها فلذلك كانت التضحية بالشاه في سبيل الخميني امرا معقولا اذا ما استمر الخميني على نهج الشاه في تنفيذ المخطط العام الذي كانت ترسمه له وهكذا ضحى الامريكان بالشاه وهم على امل صديق حميم قوي جديد .(80/16)
اما حكمة بختيار في معالجة الازمة السياسية ذهبت ايضا ادارج الرياح ، فان شاهبور بختيار الوطني الذي قضى شطرا كبيرا من حياته في معارضة الشاه وفي سجونه كان قد فقد في نظر الشعب تلك الوطنية بعد ان صافح الشاه واخذ على عاتقه حماية التاج ، والازمة السياسية التي كانت تعد العدة للثورة تجاوزت حدود الاشخاص والافراد ولم يكن بمقدور شخص واحد ان يوقف زحفها مهما كانت وطنيته ونضاله المشرف . وعندما عين الدكتور بختيار رئيسا للوزراء كنت انا في بغداد واتصلت هاتفيا بالسيد ابو الحسن بني صدر وقلت له في حديث دام قرابة ساعة ، الوطنية تفرض عليكم حماية هذا الرجل ان الوطنية تفرض عليكم وعلى الخميني ان تجدوا حلا وسطا لمساندته فباستطاعته ان يجد حلا فيه الخلاص من الملكية ومنع البلاد ومؤسساتها من الانهيار الكامل ، ولم يجد كلامي اذنا صاغية في وقته فسافرت إلى باريس وانا في طريقي إلى امريكا وكان الخميني انذاك فيها والشاه في المغرب في السفرة التي لم يعد منها ابدا إلى بلاده فاتصل بي احد اقرباء بختيار يطلب مني ان اقوم بدور الوفاق بين بختيار والخميني ، وارسل بختيار ابن عمه عباس قلي بختيار والذي كان وزير العمل في حكومته إلى باريس ، وحاولت ان اصلح بين الرجلين ودامت المحادثات ثلاثة ايام ، ومع ان الدكتور بختيار كان يعد باعلان الجمهورية شريطة ان يمهله الخميني ثلاثة اشهر ، الا ان الخميني كان لايراه صادقا في مواعيده ثم كان يقول ما دام اننا وصلنا إلى ابواب الانتصار فلماذا ننتظر ثلاثة اشهر اخرى . وفي اخر لقاء مع الخميني سألته بصراحة ، اذا اعلن بختيار الجمهورية يوم غد فماذا يكون موقفك منه ؟ هل تؤيده ؟ ام تقف ضده ، وبدا الاحراج على وجه الرجل .
وقال : انه لن يفعل هذا . فسألته من جديد : اذا فعل فكرر الخميني كلامه مرة اخرى فكررت عليه القول ، سنفرض انه فعل ، ماذا يكون موقفك ؟ طأطأ الخميني رأسه .(80/17)
ثم قال بعد برهة انه لن يفعل وسكت وانتهت المحادثات وخرجت من عند الرجل مقتنعا انه لايسمح لاحد ان يلعب دورا بارزا في الثورة بل يريد ان يحتكر كل دور لنفسه ، وفي صباح اليوم التالي ،
قلت للسيد عباس قلي انا لااجد في المحادثات هذه نجاحا وتقدما وساطلب من السيد ابو الحسن بني صدر ان يتابع الوساطة فهو صديق الرجلين وغادرت باريس إلى الولايات المتحدة الامريكية ، وبعد يومين اتصلت بالسيد بني صدر هاتفيا وسألته عن سير المحادثات ،
فقال : ان المهمة فشلت وانه سيترك باريس مع الخميني بعد يومين إلى طهران وسألته وعلى متن طائرة واحدة ؟ اجاب نعم ثم اضاف قد تسقط الطائرة ونستريح جميعا ،
فقلت : والعالم بأسره ،
قال : أي والله .
لم تستطع حكومة بختيار مواجهة التيار الحاد الذي كان يعصف بحكومته ، فالتيار كان اقوى منه ولم يكن بختيار هو المقصود بالامر بل كان المقصود هو النظام الذي اصبح بختيار جزءا منه ، وسقط النظام وسقط معه بختيار ، وهكذا فقد الشاه ثاني امل في العودة وبقي الامل الثالث وهو الجيش وقادة الشاه الاوفياء وهذا الامر لم يكن اكثر من (سَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً) وتفصيل فشل الجيش في مواجهة الثورة العارمة التي شلت كل مرافق الدولة بما فيها الجيش نفسه يتخلص فيما يلي :(80/18)
اولا ان اكثرية قواد الجيش الذين نصبهم الشاه في مناصب مرموقة من مرافق القوات العامة لم يشترط فيهم الكفاءة العسكرية بل كان الشرط الاول والاخير هو الوفاء للشاه واطاعته اطاعة عمياء ، وبما ان الجيش يتبع قادته في مواجهة الازمات الحادة فان القوات العسكرية لم تستطع حسم المواجهات المتتالية مع الشعب عسكريا سواء بسبب عدم كفائتهم او بسبب ضعف الشاه في اتخاذ القرارات الحاسمة او لعدم وجود ضوء اخضر من الامريكان الذين كانوا يسيطرون على مرافق الجيش المختلفة والهامة بمستشارين عسكريين وسياسيين كما ان من الضروري ان لا يغرب عن بالنا ان الجيش الايراني جيش مسلم ومتأثر بالمبادئ الاسلامية ومع وفائه المطلق للشاه الا ان وفائه لدينه يجب ان يؤخذ بعين الاعتبار وقد اخذت الثورة طابعا دينيا في اخر ايامها حيث انضمت إلى الثورة اكثر الشخصيات الدينية الهامة ذات النفوذ في قلوب الشعب ، وانضمام كثير من هؤلاء إلى الثورة كان اضطرارا وخوفا من الرأي العام والشارع الذي انضم إلى الرأي العام بدأ يتحكم في الوضع السياسي السائد في البلاد ، كما ان كثيرا من رجال الدين الذين التحقوا بالثورة كانوا من انصار الشاه او من معارضي الخميني ولكنهم عندما علموا ان القطار المليء بالغنائم سيفوتهم اذا بقوا محايدين او مناصرين للشاه ، انضموا إلى الثورة شأنهم شأن كل مستغل للظروف السانحة التي تعصف بالرطب واليأبس .(80/19)
اذا كان من الطبيعي ان يتأثر الجنود والضباط الصغار وهم الكثرة البالغة في الجيش بالعاصفة الشعبية المطلية بطلاء الدين ولاسيما ان الجنود كانوا من الشعب فلابد وانهم يتأثرون بالثورات التي تأخذ الطابع الشعبي العام فقد تحصل مواجهة بين الجيش والشعب ولكن لفترة محدودة ولمرة او مرتين ، اما المواجهة التي انتهت إلى انهيار الجيش الايراني امام الشعب فقد استمرت ستة اشهر وكانت تحصل المواجهة كل يوم وفي كل ناحية من ايران المترامية الاطراف وفي صورة كر وفر انتهت في آخر المطاف إلى تضعيف معنويات الجيش وعدم الولاء لقوادهم الذين كانوا هم بدورهم لايدرون حقيقة السياسة التي يجب عليهم اتباعها . وقد انتهت معنويات الجيش الايراني بمغادرة الشاه أي القائد الاعلى للقوات المسلحة إلى خارج ايران بتلك الصورة المشينة ولا شك ان جيشا كجيش ايران الذي تعود ان يظهر وجهه الحقيقي تحت راية ملوكه قد ينتهي وينهار اذا ما هرب إلى خارج البلاد قائده الاعلى وامبراطوره الذي كان يرى فيه مجد ايران القديم والحديث معا . وهكذا انهار بين عشية وضحاها جيش كان قوامه 400الف جندي مدجج بالسلاح ومعدات عسكرية ارضية وجوية كانت تقدر بثلاثين بليون دولار وخبرات عسكرية ومستشارين اجانب كانت تكلف الشعب اربع الاف مليون دولار سنويا من قوته ودمه ، ليعلم العالم ان ارادة الشعب تنبع من ارادة الله واذا اراد الله شيئا هيأ اسبابه .(80/20)
بدعة الاحتفال بالمولد النبوي
من كتاب البدع الحولية
إعداد
عبد الله بن عبد العزيز بن أحمد التويجري
بدعة الاحتفال بالمولد النبوي : ويشمل على ستة مباحث :
المبحث الأول : أول من أحدث هذه البدعة .
المبحث الثاني : حالة المجتمع في ذلك العصر .
المبحث الثالث : بعض الشبه التي عرضت للقائلين بهذه البدعة والجواب عنها .
المبحث الرابع : طريقة إحياء المولد .
المبحث الخامس : حقيقة محبته صلى الله عليه وسلم .
المبحث السادس : موقف أهل السنة من هذه البدعة .
للحصول على كتاب البدع الحولية
http://saaid.net/book/index.php
المبحث الأول
أول من أحدث هذه البدعة
مضت القرون المفضلة الأولى ، والثاني والثالث ، ولم تسجل لنا كتب التاريخ أن أحداً من الصحابة ، أو التابعين ، أو تابعيهم ومن جاء بعدهم- مع شدة محبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم ، كونهم أعلم الناس بالسنة ، وأحرص الناس على متبعة شرعه صلى الله عليه وسلم احتفل بمولد النبي صلى الله عليه وسلم .(81/1)
وأول من أحدث هذه البدعة هم بني عبيد القداح(1) الذين يسمون أنفسهم بالفاطميين ، وينتسبون إلى ولد علي أبي طالب- رضي الله عنه-،وهم في الحقيقة من المؤسسين لدعوة الباطنية ، فجدهم هو ابن ديصان المعروف بالقداح، وكان مولى لجعفر بن محمد الصادق، وكان من الأهواز(2)وأحد مؤسسي مذهب الباطنية، وذلك بالعراق،ثم رحل إلى المغرب،وانتسب في تلك الناحية إلى عقيل بن أبي طالب، وزعم أنه من نسله ، فلما دخل في دعوته قوم من غلاة الرافضة،ادعى أنه من ولد محمد بن إسماعيل بن جعفر بن جعفر الصادق ، فقبلوا ذلك منه، مع أن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق مات ولم يعقب ذرية(3)، وممن تبعه: حمدان قرمط، وإليه تنسب القرامطة(4)، ثم لما تمادت بهم الأيام ، ظهر المعروف منهم بسعيد بن الحسين بن أحمد بن عبد الله بن ميمون بن ديصان القداح،فغيَّر اسمه ونسبه وقال لأتباعه:أنا عبيد الله بن الحسن بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق فظهرت فتنته بالمغرب(5) .
قال البغدادي : ( وأولاده اليوم مستولون على أعمال مصر )ا.هـ(6) .
وقال ابن خلِّكان : ( وأهل العلم بالأنساب من المحققين ينكرون دعواه في النسب ) ا.هـ(7) .
__________
(1) - سمي القداح : لأنه كان كحَّالا يقدح العيون إذا نزل فيها الماء . يراجع : وفيات الأعيان (3/118) ، والبداية والنهاية (11/202) ، ولسان العرب (2/556) مادة (قدح).
(2) - الأهواز : سبع كور بين البصرة وفارس ، وسوق الأهواز من مدنها والتي فتحها أبو موسى الأشعري سنة 17هـ ، قيل عن أهلها : أنهم أبخل الناس وأحمقهم وهي كثيرة الحمى . يراجع : معجم البلدان (1/384- 386) .
(3) - يراجع : فضائح الباطنية ص( 16) .
(4) - فرقة من فرق الباطنية . وقد تقدم الكلام عن الباطنية
(5) - يراجع : الفرق بين الفرق ص(266، 267) ، وبيان مذهب الباطنية وبطلانه ص(20 ، 21) .
(6) - يراجع : الفرق بين الفرق ص(267)
(7) - يراجع : وفيات الأعيان (3/117، 118) .(81/2)
وفي سنة 402هـ كتب جماعة من العلماء والقضاء ، والأشراف والعدول والصالحين والفقهاء والمحدثين ، محاضر تتضمن الطعن والقدح في نسب الفاطميين – العبيديين – وشهدوا أن الحاكم بمصر هو : منصور بن نزار الملقب بـ(( الحاكم ))- حكم الله عليه بالبوار والخزي والدمار- ابن معد بن إسماعيل بن عبد الله بن سعيد- لا أسعده الله -،فإنَّهُ لما صار إلى بلاد المغرب تسمى بعبيد الله ، وتلقب بالمهدي ، وأن من تقدم من سلفه أدعياء خوارج ، لا نسب لهم في ولد علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- ولا يعلمون أحداً من أهل بيوتات على بن أبي طالب-رضي الله عنه- توقف عن إطلاق القول في أنهم خوارج كذبه ، وقد كان هذا الإنكار لباطلهم شائعاً في الحرمين ، وفي أول أمرهم بالمغرب ، منتشراً انتشاراً يمنع أن يدلس أمرهم على أحد ، أو يذهب وهم إلى تصديقهم فيما ادَّعوه ، وأن هذا الحاكم بمصر- هو وسلفه-كفار فساق فجار ، ملحدون زنادقة ، معطلون ، وللإسلام جاحدون ، ولمذهب المجوسية والوثنية معتقدون ، قد عطَّلُوا الحدود ، وأباحوا الفروج ، وأحلوا الخمر ، وسفكوا الدماء ، وسَبُّوا الأنبياء ، ولعنوا السلف، وادَّعُوا الربوبية،وكتب في سنة اثنتين وأربعمائة للهجرة ، وقد كتب خطه في المحضر خلق كثير(1) ا.هـ.
__________
(1) - منهم :
من العلويين : المرتضى ، والرضى ، وابن الأزرق الموسوي ، وأبو طاهر بن أبي الطيب ، ومحمد بن محمد بن عمرو بن أبي يعلى .
ومن القضاء: أبو محمد بن الأكفاني ، وأبو القاسم الجزري ، وأبو العباس بن الشيورى .
ومن الفقهاء : أبو حامد الإسفراييني ، وأبو محمد بن الكسفلي ، وأبو الحسن القدوري ، وأبو عبد الله الصميري ، وأبو عبد الله البيضاوي ، وأبو علي بن حكمان .
ومن الشهود : أبو القاسم التنوخي . يراجع : البداية والنهاية (11/386-387) .(81/3)
وقد صنَّف القاضي الباقلاني كتاباً في الردِّ على هؤلاء وسماه :(كشف الأسرار وهتك الأستار).بيَّن فيه فضائحهم وقبائحهم، وقال فيهم : هم قوم يظهرون الرفض ، ويبطنون الكفر المحض(1) .
وقد سُئِل شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- عنهم ، فأجاب :( بأنهم من أفسق الناس ، ومن أكفر الناس، وأن من شهد لهم بالإيمان والتقوى ، أو بصحة النسب ، فقد شهد لهم بما لا يعلم ، وقد قال تعالى : { وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ......}(2) . وقال تعالى : {.....إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }(3) .
وهؤلاء القوم يشهد عليهم علماء الأمة ، وأئمتها ، وجماهيرها ، أنهم كانوا منافقين زنادقة ، يظهرون الإسلام ، ويبطنون الكفر ، فالشاهد لهم بالإيمان ، شاهد لهم بما لا يعلمه ؛ إذ ليس معه شيء يدلّ على إيمانهم ، مثل ما مع منازعيه ما يدل على نفاقهم وزندقتهم .
وكذلك النسب : قد علم أن جمهور الأمة تطعن في نسبهم ، ويذكرون أنهم من أولاد المجوس أو اليهود ، هذا مشهور من شهادة علماء الطوائف من الحنفية ، والمالكية ، والشافعية ، والحنابلة ، وأهل الحديث ، وأهل الكلام ، وعلماء النسب ، والعامة ، وغيرهم . وهذا أمر قد ذكره عامة المصنفين لأخبار الناس وأيامهم ، حتى بعض من قد يتوقف في أمرهم ؛ كابن الأثير الموصلي في تاريخه ونحوه ، فإنَّه ذكر ما كتبه علماء المسلمين بخطوطهم في القدح في نسبهم .
__________
(1) - يراجع : البداية والنهاية (11/387) .
(2) - سورة الاسراء: الآية36.
(3) - سورة الزخرف: الآية86.(81/4)
وأما جمهور المصنفين من المتقدمين والمتأخرين ، حتى القاضي ابن خلكان في تاريخه ، فإنهم ذكروا بطلان نسبهم ، وكذلك ابن الجوزية ، وأبو شامة ،وغيرهم من أهل العلم بذلك.حتى صنَّف العلماء في كشف أسرارهم، وهتك أستارهم؛كالقاضي أبي بكر الباقلاني في كتابه المشهور في كشف أسرارهم وهتك أستارهم،وذكر أنهم من ذرية المجوس، وذكر من مذاهبهم ما بيَّن فيه أن مذاهبهم شر من مذاهب اليهود والنصارى، بل ومن مذاهب الغالية الذين يدَّ إلهية عليّ أو نبوته، فهم أكفر من هؤلاء، وكذلك ذكر القاضي أبو يعلى في كتابه (المعتمد) فصلاً طويلاً في شرح زندقتهم وكفرهم ، وكذلك ذكر أبو حامد الغزالي- رحمه الله- في كتابه الذي سمَّاه ( فضائل المستظهرية ، وفضائح الباطنية ) قال : ( ظاهر مذهبهم الرفض ، وباطنه الكفر المحض )(1) .
وكذلك القاضي عبد الجبار بن أحمد ، وأمثاله من المعتزلة المتشيعة الذين لا يفضلون على عليِّ غيره ، بل يفسِّقون من قاتله ولم يتب من قتاله . يجعلون هؤلاء من أكابر المنافقين الزنادقة ، فهذه مقالة المعتزلة في حقهم ، فكيف تكون مقالة أهل السنة والجماعة ؟!! ، والرافضة الإمامية ، مع أنهم أجمل الخلق ، وأنهم ليس لهم عقل ولا نقل ، ولا دين صحيح ، ولا دنيا منصورة – يعلمون أن مقالة هؤلاء الزنادقة المنافقين ويعلمون أن مقالة هؤلاء الباطنية شرّ من مقالة الغالية الذين يعتقدون إلهية على – رضي الله عنه - .
وأما القدح في نسبهم فهو مأثور عن جماهير علماء الأمة من علماء الطوائف .
__________
(1) - يراجع : فضائح الباطنية ص (37) .(81/5)
وهؤلاء -بنو عبيد القدح-ما زالت علماء الأمة المأمونون علماً وديناً يقدحون في نسبهم ودينهم، لا يذمونهم بالرفض والتشيع ،فإن لهم في هذا شركاء كثيرين ،بل يجعلونهم من القرامطة الباطنية،الذين منهم الإسماعيلية والنصيرية ، وأمثالهم من الكفار المنافقين الذين كانوا يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، والذين أخذوا بعض قول المجوس وبعض قول الفلاسفة. فمن شهد لهم بصحة نسب أو إيمان، فأقل ما في شهاداته أنه شاهد بلا علم، قاف ما ليس له به علم ، وذلك حرام باتفاق الأمة، بل ما ظهر عنهم من الزندقة والنفاق ، ومعاداة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم : دليل على بطلان نسبهم الفاطمي ، فإن من يكون من أقارب النبي صلى الله عليه وسلم القائمين بالخلافة في أمته ، لا تكون معاداته لدينه كمعادة هؤلاء ، فلم يعرف في بني هاشم ، ولا بني أمية : من كان خليفة وهو معاد لدين الإسلام ، فضلاً عن أن يكون معادياً كمعاداة هؤلاء، بل أولاد الملوك الذين لا دين لهم آدم، الذي بعثه الله بالهدى ودين الحق كيف دينه هذه المعاداة ؟!. ولهذا نجد جميع المأمونين على دين الإسلام باطناً وظاهراً معادين لهؤلاء، إلا من هو زنديق عدو لله ورسوله ، أو جاهل لا يعرف ما بعث به رسوله ، وهذا مما يدل على كفرهم، وكذبهم في نسبهم .ا.هـ(1).
فأوّل من قال بهذه البدعة الاحتفال بالمولد النبوي – هم الباطنية الذين أرادوا أن يُغيِّروا على الناس دينهم ، وأن يجعلوا فيه ما ليس منه ؛ لإبعادهم عمَّا هو من دينهم ، فإشغال الناس بالبدع طريق سهل لإماتة السنة والبُعْد عن شريعة الله السمحة ، وسنته صلى الله عليه وسلم المطهرة .
وكان دخول العبيديين مصر سنة 362هـ ، في الخامس من رمضان(2) ، وكان ذلك بداية حكمهم لها .
__________
(1) - يُراجع : مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (35/ 120-132) .
(2) - يراجع : البداية والنهاية (11/306) .(81/6)
وقيل : يوم الثلاثاء لسبع خلون من شهر رمضان سنة 362هـ(1)، فبدعة الاحتفال بالموالد عموماً ،ومولد النبي صلى الله عليه وسلم خصوصاً ، إنَّما ظهرت في عهد العبيديين ، ولم يسبقهم أحدٌ إلى ذلك .
قال المقريزي : (ذكر الأيام التي كان الخلفاء الفاطميون يتخذونها أعياداً ومواسم تتسع بها أحوال الرعية ، وتكثر نعمهم .
وكان للخلفاء الفاطميين في طول السنة أعياد ومواسم وهي :
موسم رأس السنة ، وموسم أول العام ، ويوم عاشوراء ، ومولد النبي صلى الله عليه وسلم ، ومولد علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – ومولد الحسن ، ومولد الحسين عليهما السلام ، ومولد فاطمة الزهراء عليها السلام ، ومولد الخليفة الحاضر ، وليلة أول رجب ، وليلة نصفه ، وليلة أول شعبان ، وليلة نصفه ، وموسم ليلة رمضان ، وغرة رمضان ، وسماط رمضان ، وليلة الختم ، وموسم عيد الفطر ، وموسم عيد النحر ، وعيد الغدير ،وكسوة الشتاء ، وكسوة الصيف ، وموسم فتح الخليج ، ويوم النوروز ، ويوم الغطاس ، ويوم الميلاد ، وخميس العدس ، وأيام الركوبات ).ا.هـ(2) .
ثم تكلم عن كل موسم ، ومراسم الاحتفال فيه .
__________
(1) - يراجع : اتعاظ الحنفا (1/134) .
(2) - يراجع الخطط المقريزية (1/490) .(81/7)
فهذه شهادة ظاهرة واضحة من المقريزي- وهو من المثبتين انتسابهم إلى ولد علي بن أبي طالب-رضي الله عنه- ومن المدافعين عنهم - أن العبيديين هم سبب البلاء على المسلمين ، وهم الذين فتحوا باب الاحتفالات البدعية على مصراعيه ، حتى أنهم كانوا يحتفلوا بأعياد المجوس والمسيحيين كالنوروز ،والغطاس، والميلاد، وخميس العدس، وهذا من الأدلة على بعدهم عن الإسلام، ومحاربتهم له ، وإن لم يجهروا بذلك ويظهروه . ودليل أيضاً على أن إحياءهم للموالد الستة المذكورة-ومنها المولد النبوي-، ليس محبة له صلى الله عليه وسلم وآله كما يزعمون ، وكما يظهرون للعامة والسذَّج من الناس ، وإنما قصدهم بذلك نشر خصائص مذهبهم الإسماعيلي الباطني ، وعقائدهم الفاسدة بين الناس ، وإبعادهم عن الدين الصحيح ، والعقيدة السليمة بابتداعهم هذه الاحتفالات ، وأمر الناس بإحيائها ، وتشجيعهم على ذلك ، وبذل الأموال الطائلة في سبيل ذلك .
فخلاصة ما سبق أن أول من احتفل بالمولد النبوي هم بنو عبيد القداح ( الفاطميون ) ، ويدلُّ على ذلك : ما ذكره المقريزي في خططه – وسبق وذكرته – وما ذكره القلقشندي في صبح الأعشى(1) .
وقد رجع هذا وأخذ به جماعة من العلماء المتأخرين(2) وصرَّحُوا به .
__________
(1) - يراجع : صبح الأعشى (3/498، 499) .
(2) - منهم : محمد بخيت المطيعي في كتابه أحسن الكلام ص(44) ، وعلي محفوظ في كتابه الإبداع ص(251) ، وحسن السندوبي في كتابه تاريخ الاحتفال بالمولد النبوي ص (62) ، وعلي الجندي في كتابه نفح الأزهار ص(185، 186) ، وإسماعيل الأنصاري في كتابه القول الفصل ص (64) ، وغيرهم من المؤلفين في هذا المجال .(81/8)
وأمَّا ما ذكره أبو شامة في كتابه ( الباعث على إنكار البدع والحوادث ): من ثنائه على الاحتفال بالمولد النبوي ، وأنه من أحسن ما ابتدع في زمانه(1)، وأن أول من احتفل بذلك بالموصل(2)، والشيخ عمر بن محمد الملا أحد الصالحين المشهورين ، وبه اقتدى في ذلك صاحب إربل(3): فلا يدلُّ على أن أول من احتفل بالمولد النبوي ، هو صاحب إربل ؛ لأمرين :
أحدهما : أن أبا شامة – رحمه الله – قيَّد هذه الأولوية بقوله : (أول من فعل ذلك بالموصل)(4). فكلامه يدلُّ على أن أول من احتفل بالمولد النبوي في الموصل هو صاحب إربل اقتداءً بالشيخ عمر بن محمد الملا ، وليس فيه دلالة على أن أول من احتفل بالمولد النبوي على الإطلاق هو صاحب إربل .
__________
(1) - ما ذكره أبو شامة هو وغيره من الاستحسان للاحتفال بالمولد النبوي خطأ واضح ، مخالف لما عليه المحققون من علماء هذه الأمة ، ويعتبر من زلات العلماء وأخطائهم ، عفا الله عنا وعنه .
(2) - هي المدينة المشهورة ، ومحط الركبان ، وهي باب العراق ، ومفتاح خرسان وسميت بالوصل ؛لأنها وصلت بين الجزيرة والعراق ، أو بين دجلة والفرات ،وتقع على نهر دجلة ، وأول من عظمها من الخلفاء : مروان بن محمد بن مروان آخر خلفاء بني أمية ، وصفها العلماء بصحة الهواء ، وعذوبة . يراجع : معجم البلدان (5/223-225).
(3) - إربل : - بالكسر ثم السكون ثم ياء مكسورة -: من الربل أو الريبال ، وهو نوع من أنواع النبات ، وهي قلعة حصينة ، ومدينة كبيرة ، على تل عال من التراب وهي من أعمال الموصل ، وبينهما مسيرة يومين ، وقد قام بعمارتها الأمير كوكبوري ، فأقام بها وقامت بمقامه بها – وهو المراد بقول أبي شامة : صاحب إربل – وأكثر أهلها من الأكراد . وتقع في شمال العراق شرقي مدينة الموصل . يراجع : معجم البلدان (5/127-139).
(4) - يراجع : الباعث الحثيث ص(21) .(81/9)
ولكن السيوطي-رحمه الله- أطلق ذلك في كتابه (حُسن المقصد في عمل المولد )- الذي ضمنه كتابه الحاوي- فقال :(وأوَّلُ من أحدث فعل ذلك- الاحتفال بالمولد النبوي- صاحب إربل الملك المظفر أبو سعيد كوكبرى بن زين الدين علي بن بكتكين ، أحد الملوك الأمجاد ).ا.هـ(1) .
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ :( وهذه البدعة- الاحتفال بالمولد- أول من أحدثها أبو سعيد كوكبوري في القرن السادس الهجري ) .ا.هـ(2) .
وقال الشيخ حمود التويجري : ( إن الاحتفال بالمولد بدعة في الإسلام أحدثها سلطان إربل في آخر القرن السادس من الهجرة ، أو في أول القرن السابع ) .ا.هـ(3) .
فإذا عرفنا ذلك، فلا شكَّ أن العبيديين هم أول من احتفل بالمولد النبوي، حسب ما ورد في كتب التاريخ والسير؛ لأنَّ العبيديين دخلوا مصر وأسسوا ملكهم في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري ، واستمرت دولتهم القرن الخامس، ونصف القرن السادس الهجري .
فقد دخل المعز معد بن إسماعيل القاهرة في سنة 362هـ(4) في رمضان ، وكان ذلك بداية حكمهم في مصر(5) . وقيل : في سنة 363هـ(6).
وكان آخر خليفة فيهم هو العاضد ، توفي سنة 567هـ(7).
__________
(1) - يراجع : الحاوي (1/189) الكتاب رقم (24) .
(2) - يراجع : فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم (3/59) .
(3) - يراجع : الرد القوي ص(89) .
(4) - يراجع : البداية والنهاية (11/306) ،واتعاظ الحنفا (1/134) .
(5) - أما أول من حكم منهم : فهو المهدي عبيد الله ، وكان ذلك سنة 296هـ وبنى المهدية وذلك في المغرب ، ثم جاء بعده ابنه القائم محمد ثم ابنه المنصور إسماعيل ثم ابنه المعز معد وهو أول من دخل منهم ديار مصر وأول من ملكها منهم .
يراجع : البداية والنهاية (11/283) .
(6) - يراجع : أخبار ملوك بني عبيد ص (88) .
(7) - يراجع : البداية والنهاية (11/280) ،واتعاظ الحنفا (1/324، 332) .(81/10)
وأما مظفر الدين صاحب إربل ، فلولادته كانت في سنة 549هـ . وتوفي سنة 630هـ(1) .
فهذا دليلٌ قاطعٌ على العبيديين سبقوا صاحب إربل – الملك المظفر – بالاحتفال بالمولد النبوي .
فصاحب إربل ليس أول من احتفل بالمولد النبوي ، وإنما سبقه إلى ذلك العبيديون بحوالي قرنين من الزمان ، وهذا لا يمنع أن يكون صاحب إربل هو أول من احتفل بالمولد النبوي في الموصل ؛ لأنَّ احتفالات العبيديين كانت في دولتهم – وهي في مصر كما ذُكِرَ في كتب التاريخ - ، والله أعلم .
المبحث الثاني
حالة المجتمع في ذلك العصر
كانت سياسة العبيديين موجهة إلى غاية واحد، هي العمل بكل جدِّ وإخلاص لحمل الناس على اعتناق مذهبهم، وجعله سائداُ في كافة أنحاء الديار المصرية ، وغيرها من البلاد التي كانوا يحكمونها ، والمجاورة لهم .
فقد كان عبد العزيز يعطف على النصارى واليهود ، كما كان أبوه – المعز معد أبو تميم – قبله ، ولكن العزيز كان أكثر عطفاً على النصارى ، لِما كان بينه وبينهم من صلة النسب(2) .
ورفع العزيز عيسى بن نسطورس إلى كرسي الوزارة ، كما عيَّن منشأ اليهود ، والياً على الشام ، فأظهر ابن نسطورس ومنشأ محاباة جليَّة لبني ملتهم ، فعينوهم في مناصب الدولة بعد أن أقصوا المسلمين عنها ، فقدم المسلمون الاحتجاجات على تلك المحاباة التي أظهرها الخليفة لغير المسلمين وبلغ من حال هؤلاء الساخطين أن كتبت امرأة إلى العزيز : بالذي أعز اليهود بمنشأ، والنصارى بعيسى بن نسطورس ، وأذل المسلمين بك ألا كشفت ظلامتي(3) .
__________
(1) - يراجع : وفيات الأعيان (4/120) .
(2) - فقد تزوج بنصرانية واستعمل أخويها على بعض الكنائس . يراجع الدولة الفاطمية ص(202) .
(3) - يراجع : البداية والنهاية (11/358) ،والمنتظم (7/190) ،واتعاظ الحنفا (1/297) .(81/11)
فأمر بالقبض على ابن نسطورس، وكتب إلى الشام بالقبض على منشأ وغيره من الموظفين اليهود، وأمر برد الدواوين والأعمال إلى الكتاب المسلمين ، وعيَّن القضاة للإشراف على أعمالهم في جميع أنحاء الدولة، لكن الأمير ست الملك ابنة الخليفة شفعت لابن نسطورس فردّ العزيز الوزارة إليه ثانية،وشرط عليه استخدام المسلمين في الحكومة .
ولقد تقلد أهل الكتاب أرقى المناصب وأعلاها في عهد العزيز (365-376) ، وشغلوا في عهد المستنصر (427-487) ، ومن جاء بعده من الخلفاء ، معظم المناصب المالية في الدولة ، بل تقلَّدُوا الوزارة أيضاً .
ولم تقتصر هذه المعاملة على ما تقدم، فقد ولع بعض الخلفاء العبيديين: كالحافظ مثلاً(524-544هـ)بزيارة أديرة(1) النصارى، وكان الآمر ( 495- 524هـ ) يعطي الرهبان(2) في بعض الأديرة عشرة آلف درهم كلما خرج للصيد ، بل قد ازدادت موارد الكنائس(3) المصرية زيادة عظيمة في عهد العبيديين(4) .
فقد كان العبيديون يعاملون النصارى معاملة تنطوي على العطف والرعاية والمحاباة، فإذا كان هذا موقفهم من اليهود والنصارى فما موقفهم من أهل السنة ؟!
__________
(1) - أديرة : جمع دير ، وهوخان النصارى ، وبيت يتعبد فيه الرهبان ، ويكون في الصحاري ورؤوس الجبال ، وإذا كان داخل المصر فهو كنيسة أو بيعة . يراجع : لسان العرب (4/300، 301) مادة ( دير ) ، ومعجم البلدان (2/495) .
(2) - الراهب : المتعبد في الصومعة ، وأحد رهبان النصارى ، وكانوا يترهبون بالتخلي عن أشغال الدنيا ، وترك ملاذها ، والزهد فيها .يراجع :لسان العرب (4/437، 438).
(3) - الكنائس : جمع كنيسة ، والكنيسة متعبد اليهود أو النصارى أو الكفار . يراجع : القاموس المحيط (2/256) باب السين فصل الكاف .
(4) - يراجع : تاريخ الدولة الفاطمية ص (202-216) .(81/12)
لقد عمل العبيديون على لعن الخلفاء الثلاثة- أبي بكر ، وعمر ، وعثمان -رضي الله عنهم أجمعين- وغيرهم من الصحابة ؛ إذ عدّوهم أعداءً لعلي -رضي الله عنه-، وتفشت فضائل علي وأولاده من بهده على السكة(1) وعلى جدران المساجد، وكان الخطباء يلعنون الصحابة على كافة منابر مصر .
وقد ألزم العبيديون جميع الموظفين المصريين أن يعتنقوا المذهب العبيدي الباطني ، كما حتم على القضاة أن يصدروا أحكامهم وفق قوانين هذا المذهب .
بل إن الحصول على مناصب الدولة مشروط بالتحول إلى المذهب الشيعي ، مما دفع بعض الذميين(2) إلى اعتناق الإسلام ، واتخاذ التشيع مذهباً لهم(3) .
وكان من عدائهم للسنة وأهلها: أن أمر العزيز بقطع صلاة التراويح من جميع البلاد المصرية، وذلك سنة 372هـ. وكذلك في سنة 393هـ قبض على ثلاثة عشر رجلاً، وضربوا وشهروا على الجمال، وحبسوا ثلاثة أيام، من أجل أنهم صلُّوا صلاة الضحى.
وفي سنة 381هـ ضرب رجل بمصر ، وطيف به المدينة من أجل أنه وجد عنده كتاب الموطأ للإمام مالك بن أنس -رحمه الله-.
__________
(1) - السكة : حديدة منقوشة ، يضرب عليها الدراهم ، وتطلق ويُراد بها الدينار والدرهم المضروبين ، سمي كل واحد منهما سكة ؛ لأنه طبع بالحديدة المعلمة له . يراجع : القاموس المحيط (3/316) فصل السين ، باب الكاف ، ولسان العرب (10/440، 441) مادة (سكك) .
(2) - الذميين : نسبة إلى الذمَّة والذمام : وهما بمعنى العهد والأمان والضمان والحركة والحق ، وسمي أهل الذمة لدخولهم في عهد المسلمين وأمانهم ، وهم أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، وكذلك المجوس ؛ لأن لهم شبهة كتاب . يراجع : النهاية في غريب الحديث والأثر (2/168) ، والإفصاح لابن هبيرة (2/292) .
(3) - يراجع : تاريخ الدولة الفاطمية ص(218) .(81/13)
وفي سنة 395هـ في شهر صفر كتب على سائر المساجد ، وعلى الجامع العتيق(1)بمصر ،من ظاهره وباطنه، ومن جميع جوانبه ، وعلى أبواب الحوانيت ، والحجر ، وعلى المقابر ، سبّ السلف ولعنهم ، ونقش ذلك ، ولون بالأصباغ والذهب ، وعمل ذلك على أبواب الدور ، والقياسر(2)وأكره الناس على ذلك(3) .
فكان لعن السنيين تفيض به ألسنة الناس من على المنابر في كافة أنحاء مصر طوال الحكم العبيدي تقريباً ، حتى أن العاضد – آخر الخلفاء العبيديين – كان شديد التشيع ، متغالياً في سبّ الصحابة- رضوان الله عليهم- وإذا رأى سنياً استحل دمه(4).
وأشد من ذلك كله أن الحاكم العبيدي قد ادَّعى الألوهية ، فأمر الناس أن يقوموا على أقدامهم صفوفاً إذا ذكر الخطيب على المنبر اسمه ،إعظاماً لذكره ،واحتراماً لاسمه،وقد فُعِل ذلك في سائر ممالكه ،حتى في الحرمين الشريفين ، وكان قد أمر أهل مصر على الخصوص إذا قاموا عند ذكره خروا سجداً له ، حتى أنه ليسجد بسجودهم من في الأسواق من الرعاع وغيرهم ، ممن كان لا يصلي الجمعة ، وكانوا يتركون السجود لله في يوم الجمعة وغيره ، ويسجدون للحاكم ، حتى أن قوماً من الجهال إذا رأوه يقولون له : يا واحدنا يا واحدنا، يا محيي يا مميت .
__________
(1) - ويقع بمدينة فسطاط مصر ، ويقال له : تاج الجوامع ، وجامع عمرو بن العاص ، وهو أول مسجد أسس بديار مصر في الملة الإسلامية بعد الفتح . يراجع : الخطط المقريزي (2/246) .
(2) - القياسر : هي كالخان العظيم تغلق عليها أبواب حديد ، وتطيف بها دكاكين وبيوت بعضها على بعض ، وهي في الواقع مجموعة من المباني العامة على هيئة رواق ، وبها حوانيت ، ومصانع ، ومخازن ، وأحياناً مساكن . يراجع : تاريخ الدولة الفاطمية ص(620) .وقد ذكرها المقريزي في الخطط بشيء من التفصيل في (2/86-91) .
(3) - يراجع : الخطط المقريزي (2/341) .
(4) - يراجع : وفيات الأعيان (3/110) .(81/14)
وأمر السودان أن يحرقوا مصر وينهبوا ما فيها من الأموال ، والمتاع ، والحريم ، فامتثلوا لأمره ، وسبوا النساء ، وفعلوا فيهن الفاحشة ، والمنكرات ، وأحرقوا ثلث مصر ، ونهبوا نصفها(1).
فما تقدَّم يعطي فكرة موجزة عن حالة المجتمع في عهد العبيديين ، الذي هم أول من ابتدع الاحتفال بالموالد ، وسبق وذكرت أن احتفالاتهم تلك ليست نابعة من محبة للرسول صلى الله عليه وسلم وآله؛لأنَّ من بدر منه ما سبق ذكره آنفاً- وإن ادَّعى محبته- صلى الله عليه وسلم ومحبة آله ،فليس صادقاً ولا يعقل أن يصدر منه ذلك.
وإنما كان هدفهم الوحيد هو بلوغ أغراضهم السياسية، ونشر مذهبهم الإسماعيلي الباطني، واستمالة عامة الناس بإقامة الاحتفالات التي تتجلى فيها مظاهر الكرم ، والهدايا النفسية من النقود ، والجوائز للشعراء ، وكتَّاب القصر ، والعلماء ، وكذلك الإحسان للفقراء ، وإقامة الولائم . وكل هذه الأمور جديرة بأن تستميل كثيراً من الناس إلى اعتناق مذهبهم .
وبما أن نفقاتهم تلك على الاحتفالات والولائم كان القصد منها محاربة دين الله ورسوله ، وإبعاد الناس عن العقيدة الصحيحة ، والمنهج السليم ، فقد ابتلاهم الله بالجوع ونقص الأموال والثمرات . فالبرغم من رخاء مصر ، وعظم ثرائها ،والأموال التي كانت تفيض بها خزائن العبيديين ، والتي كانوا ينفقونها على ملذاتهم ، وقصورهم ، وبطانتهم الفاسدة ، واحتفالاتهم وموالدهم البدعية ، فقد حصل لأهل مصر من المجاعة ما تحدثت به كتب التاريخ ، ومن ذلك ما ذكره ابن الجوزي في ( المنتظم) فقال في حوادث سنة 462هـ - وهي من سني خلافة المستنصر -:
__________
(1) - يراجع : البداية والنهاية ( 12/ 10، 11) ، والمنتظم (7/298) .(81/15)
( وفي ذي القعدة ورد من مصر والشام عدد كثير من رجال ونساء ، هاربين من الجرف(1) والغلاء ، وأخبروا أن مصر لم يبق بها كبير أحد من الجوع والموت ، وأن الناس أكل بعضهم بعضاً ، وظُهِرَ على رجل قد ذبح عدة من الصبيان والنساء وطبخ لحومهم وباعها ، وحفر حفيرة دفن فيها رؤوسهم وأطرافهم ، فقتل . وأكلت البهائم فلم يبق إلا ثلاثة أفراس لصاحب مصر – المستنصر -بعد ألوف من الكراع ، وماتت الفيلة ، وبيع الكلاب بخمسة دنانير ، وأوقية(2) زيت بقيراط(3)، واللوز والسكر بوزن الدراهم ، والبضة بعشرة قراريط ، والراوية من الماء بدينار لغسل الثياب ، وخرج وزير صاحب مصر إلى السلطان ، فنزل عن بغلته وما معه إلا غلام واحد لعدم ما يطعم الغلمان ، فدخل ، وشُغِل الركابي(4)عن البلغة لضعف قوته فأخذها ثلاثة أنفس ومضوا بها فذبحوها وأكلوها ، فأنهى ذلك إلى صاحب مصر فتقدم بقتلهم وصلبهم ، فصُلِبُوا ، فلما كان من الغد وجدت عظامهم مرمية تحت خشبهم وقد أكلهم الناس، وباع رجل داراً بمصر كان ابتاعها بتسعمائة ديناراً فاشترى بها دون الكارة(5) من
__________
(1) - الجرف : الأخذ الكثير ، وجرفت الشيء أجرفه أي : ذهبت به كله أو جله وقد جرفه الدهر أي : اجتاح ماله وأفقره . يراجع : لسان العرب (9/25، 26) .
(2) - الأوقية:زنة سبعة مثاقيل ، وزنة أربعين درهماً ، أو نصف سدس الرطل . يراجع : النهاية (5/217) ، باب الواو مع القاف . يراجع : لسان العرب(15/404)مادة (وقى).
(3) - القيراط :جزء من أجزاء الدنيا ،وهو نصف عشره في أكثر البلاد . وأهل الشام يجعلونه جزءاً من أربعة وعشرين.يراجع :النهاية (4/42)،يراجع :لسان العرب(7/375).
(4) - الركابي : نسبة إلى الركاب ، والركاب : هو ما يركب من دابة . يراجع : لسان العرب(1/430) مادة (ركب).
(5) - الكارة : هي من الثياب ما يجمع ويشد ، وهي مقدار أو معلوم من الطعام يحمله الرجل على ظهره . يراجع : الإفصاح في فقه اللغة (2/722) .(81/16)
الدقيق).ا.هـ(1).
فخلاصة الكلام : أن العبيديين لما دخلوا مصر وأرادوا نشر مذهبهم الباطني ، متخذين التشيع ستاراً يحجب أنظار الناس عن حقيقة دعوتهم، استعملوا في سبيل ذلك شتى الوسائل:فأغروا العامة ورعاع الناس بالهدايا والولائم والاحتفالات كأداة من أدوات نشر مذهبهم ، وبالمقابل استعملوا القتل والسجن والأذى لمن عارضهم من أهل السنة المدركين لحقيقة دعوتهم. فعامة الناس كانوا متطلعين إلى هذه الاحتفالات البدعية لحاجتهم لما يُنْفق فيها من الأموال، ولرغبتهم في ترويح أنفسهم، والاستجابة لهواها.والخوف من السلطان ومن يعلم بدعية هذه الاحتفالات وغيرها من المحدثات لا يستطيع الإنكار لما ينتظره من القمع والتعذيب .
فكان مناخاً مناسباً لانتشار البدع ، وتعويد الناس عليها ، وتعليقهم بها ، لما يعلموا من وراء ذلك من الترغيب والترهيب من السلطان الظالم .
بالإضافة إلى أنهم كانوا يشعرون في قرارة أنفسهم -والله أعلم- بأنهم أدعياء على النسب الشريف ، فظنُّوا- وتحقق ظنهم – أن إقامة الموالد للنبي صلى الله عليه وسلم وآله تثبت للناس صحة نسبهم وانتسابهم إلى آل البيت ، فابتدعوا تلك الموالد وأنفقوا عليها الأموال الطائلة ، والله أعلم .
المبحث الثالث
بعض الشبه التي عرضت للقائلين بهذه البدعة
والجواب عنها .
__________
(1) - يراجع : المنتظم (8/257، 258) . يراجع كذلك : وفيات الأعيان (5/230) ترجمة المستنصر ، البداية والنهاية (12/107) ، واتعاظ الحنفا (1/279، 296- 299) .(81/17)
لما أحدثت بدعة الاحتفال بالمولد النبوي في عهد العبيديين ، وفشت وانتشرت بين الناس لوجود الفراغ الروحي والبدني معاً ، وترك المسلمون الجهاد وتأصلت هذه البدعة في النفوس، وأصبحت جزءاً من عقيدة كثير من أهل الجهل ، لم يجد بعض أهل العلم كالسيوطي -رحمه الله– بُدا من محاربة تبريرها بالبحث عن شبه يمكن أن يُستشهد بها على جواز بدعة المولد هذه ، وذلك إرضاء للعامة والخاصة أيضاً من جهة ، وتبريراً لرضى العلماء بها ، وسكوتهم عن إنكارها لخوفهم من الحكام والعوام من جهة أخرى .
ومن هذه الشبه :
1- الشبهة الأولى :
قال اليسوطي- رحمه الله - :(وقد استخرج له- أي المولد -إمام الحفاظ أبو الفضل أحمد بن حجر- العسقلاني- أصلاً من السنة ، واستخرجت له أنا أصلاً ثانياً .... فقد سُئل شيخ الإسلام حافظ العصر أبو الفضل أحمد بن حجر – العسقلاني – عن عمل المولد ، فأجاب بما نصه :(81/18)
( أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة ، ولكنها مع ذلك قد اشتملت على محاسن وضدها ، فمن تحرى في عملها المحاسن ، وتجنب ضدها كان بدعة حسنة وإلا فلا . قال : وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت وهو :ما ثبت في الصحيحين من أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء ، فسألهم فقالوا : هو يوم أغرق الله فيه فرعون ، ونجَّى موسى ، فنحن نصومه شكراً لله تعالى(1) ،فُيستفاد منه فعل الشكر لله على ما منَّ به في يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نقمة، ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة والشكر لله يحصل بأنواع العبادة كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة ، وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي نبي الرحمة- عليه السلام - في ذلك اليوم .
وعلى هذا ، فينبغي أن يُتحرى اليوم بعينه حتى يطابق قصة موسى - عليه السلام-في يوم عاشوراء ، ومن لم يلاحظ ذلك لا يبالي بعمل المولد في أي يوم من الشهر، بل توسع قومٌ فنقلوه إلى يوم من السنة وفيه ما فيه، فهذا ما يتعلق بأصل عمله...).ا.هـ(2) .
الجواب عن هذه الشبهة : من وجوه :
الوجه الأول :
أن ابن حجر-رحمه الله- صرح في بداية جوابه أن أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح، من القرون الثلاثة، وهذا كافٍ في ذمِّ الاحتفال بالمولد ؛ إذا لو كان خيراً لسبق إليه الصحابة والتابعون ، وأئمة العلم والهدى من بعدهم .
الوجه الثاني :
__________
(1) - رواه البخاري في صحيحه المطبوع مع فتح الباري (4/244) كتاب الصوم ، حديث رقم (2004) . ورواه مسلم في صحيحه (2/796) كتاب الصيام ، حديث رقم (1130) (128) وفيه : (( فصامه موسى شكراً لله )) بدلاً من : (( فنحن نصومه شكراً لله تعالى )) .
(2) - يراجع : الحاوي (1/196) كتاب رقم (24) .(81/19)
أن تخريج ابن حجر في فتواه عمل المولد على حديث صوم عاشوراء ، لا يمكن الجمع بينه وبين جزمه أول تلك الفتوى بأن ذلك العمل بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة ، فإن عدم عمل السلف الصالح بالنص على الوجه الذي يفهمه منه من بعدهم، يمنع اعتبار ذلك الفهم صحيحاً؛ إذا لو كان صحيحاً لم يعزب عن فهم السلف الصالح،ويفهمه من بعدهم.
كما يمنع اعتبار ذلك النص دليلاً عليه ؛ إذا لو كان دليلاً عليه لعمل به السلف الصالح ، فاستنباط ابن حجر الاحتفال بالمولد النبوي من حديث صوم يوم عاشوراء ،مخالف لما أجمع عليه السلف ، من ناحية فهمه، ومن ناحية العمل به ، وما خالف إجماعهم فهو خطأ ؛ لأنهم لا يجتمعون إلا على هدى .
وقد بسط الشاطبي – رحمه الله – الكلام على تقرير هذه القاعدة في كتابه الموافقات في أصول الأحكام(1).
الوجه الثالث :
أن تخريج بدعة المولد على صيام يوم عاشوراء ، إنما هو من التكلُّف المردود ؛ لأنَّ العبادات مبناها على الشرع والاتباع ، لا على الرأي والاستحسان والابتداع(2) .
الوجه الرابع :
أن صيام يوم عاشوراء قد فعله النبي صلى الله عليه وسلم ، ورغب فيه ، بخلاف الاحتفال بمولده ، واتخاذه عيداً ، فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله ، ولم يرغّب فيه ، ولو كان في ذلك شيء من الفضل لبين ذلك لأمته لأنَّهُ صلى الله عليه وسلم لا خير إلا وقد دلَّهم عليه ، ورغَّبهم فيه، ولا شر إلا وقد نهاهم عنه وحذَّرهم منه، والبدع من الشر الذي نهاهم عنه، وحذرهم منه.
__________
(1) - يراجع : الموافقات (3/41-44) ، المسألة الثانية عشرة من كتاب : الأدلة الشرعية .
(2) - يراجع : الرد القوي ص(32) .(81/20)
قال صلى الله عليه وسلم : (( وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة))(1) .
قال صلى الله عليه وسلم : (( أما بعد : فإن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة))(2) . (3) .
2- الشبهة الثانية :
قال السيوطي – رحمه الله – بعد ذكره تخريج ابن حجر عمل المولد على صوم يوم عاشوراء : وقد ظهر لي تخريجه على أصل آخر وهو : ما أخرجه البيهقي عن أنس – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعد النبوة(4). مع أنه قد ورد أن جده عبد المطلب عق عنه في سابع ولادته ، والعقيقة لا تعاد مرة ثانية ، فُيحمل ذلك على أن الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم إظهار للشكر على إيجاد الله إياه رحمة للعالمين وتشريعاً لأمته ، كما كان يصلي على نفسه ،لذلك فيستحب لنا أيضاً إظهار الشكر بمولده بالاجتماع، وإطعام الطعام ، ونحو ذلك من وجوه القربات ، وإظهار المسرات(5) .
الجواب عن هذه الشبهة :
أن هذا الحديث لم يثبت عند أهل العلم :
__________
(1) - رواه ابن ماجه في سننه مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم (1/18)، المقدمة . وفي سنده عبيد بن ميمون المدني ، قال ابن حجر : مستور . تقريب التهذيب (1/545).
(2) - رواه أحمد في مسنده (3/310)ورواه مسلم في صحيحه (2/592) كتاب الجمعة ، حديث (867). ورواه النسائي في سننه (3/188،189) كتاب صلاة العيدين ، باب كيف الخطبة . ورواه ابن ماجه في سننه (1/17) المقدمة ، حديث (45) .
(3) - يراجع : الرد القوي ص(32) .
(4) - رواه البيهقي في سننه (9/300) كتاب الضحايا ، وقال : قال عبد الرزاق : إنما تركوا عبد الله بن محرر لحال هذا الحديث ، وروي من وجه آخر عن أنس وليس بشيء .
(5) - يراجع : الحاوي (1/196) كتاب رقم (24) .(81/21)
أ-فقد قال عبد الرزاق في مصنفه:أنبأنا عبد الله بن محرر عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم عقَّ عن نفسه بعد النبوة(1)
قال ابن قيم الجوزية بعد إيراده هذا الحديث وعزوه إلى عبد الرزاق في مصنفه قال عبد الرزاق : ( إنَّما تركوا ابن محرر لهذا الحديث )(2) .
ب- وذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري : أن هذا الحديث لا يثبت ، ونسبه للبزار ، وقال : قال البزار : تفرد به عبد الله – محرر – وهو ضعيف(3).
جـ - قال النووي في المجموع شرح المهذب: وأما الحديث الذي ذكره في عق النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه فرواه البيهقي بإسناده عن عبد الله بن محرر- بالحاء المهملة ، والراء المكررة - ، عن قتادة ، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعد النبوة . وهذا حديث باطل ، وعبد الله بن محرر ضعيف متفق على ضعفه ، وقال الحفاظ : متروك . والله أعلم(4) .
د- قال الذهبي في ميزان الاعتدال- بعد أن ذكر ترجمة عبد الله بن المحرر ،وكلام الحفاظ فيه ،وأنه متروك، وليس بثقة – ومن بلاياه – عبد الله بن المحرر – روى عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعدما بُعِث(5).
3- الشبهة الثالثة :
قال السيوطي: ثم رأيت إمام القرَّاء الحافظ شمس الدين ابن الجزري قال في كتابه المسمى (عرف التعريف بالمولد الشريف)ما نصه:
__________
(1) - رواه عبد الرزاق في مصنفه (4/329) حديث رقم (7960) .
(2) - يراجع : تحفة المودود ص(88) . ودكره ابن حجر في فتح الباري (9/595) .
(3) - يراجع : فتح الباري (9/595) .
(4) - يراجع : المجموع شرح المهذب (8/431، 432) .
(5) - يراجع : ميزان الاعتدال (2/500) ترجمة رقم ( 4591) .(81/22)
( قد رؤي أبو لهب بعد موته في النوم ، فقيل له ما حالك ؟ فقال : في النار،إلا أنه يخفف عني كل ليلة اثنين، وأمص بين أصبعي ماء بقدر هذا- وأشار لرأس أصبعه-وأن ذلك بإعتاقي لثويبة ،عندما بشرتني بولادة النبي صلى الله عليه وسلم وبإرضاعها له .فإذا كان أبو لهب الكافر ، الذي نزل القرآن بذمه جوزي في النار بفرحة ليلة مولد النبي صلى الله عليه وسلم به ،فما حال المسلم الموحد من أمة النبي صلى الله عليه وسلم يسر بمولده ، ويبذل ما تصل إليه قدرته في محبته صلى الله عليه وسلم لعمري إنما يكون جزاؤه من الله الكريم أن يدخله بفضله جنات النعيم ) .ا.هـ(1) .
الرد على هذه الشبهة :
__________
(1) - يراجع : الحاوي (1/196، 197) .(81/23)
أن هذا الخبر رواه البخاري مرسلاً في باب :{وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ }(1)، و(( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب))(2) من صحيحة،بعد أن ذكر الحديث بسنده عن عروة بن الزبير، أن زينب بنت أبي سلمة أخبرته أن أم حبيبة بنت أبي سفيان أخبرتها أنها قالت : يا رسول الله ! انكح أختي بنت أبي سفيان ،فقال : (( أو تحبين ذلك ؟)) .فقلت : نعم ، لست لك بِمُخلية ، وأحب من شاركني في خير أختي . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن ذلك لا يحل لي )) . قلت : فإنا نُحدَّث أنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة . قال : (( بنت أم سلمة ؟ )) . قلت : نعم . فقال : (( لو أنها لم تكن ربيبتي(3) في حجري ما حلَّت لي ، إنها لابنة أخي من الرضاعة ، أرضعتني وأبا سلمة ثويبة ، فلا تعرضن على بناتكن ولا أخواتكنّ ))(4) .
__________
(1) - سورة النساء: الآية23.
(2) - رواه البخاري في صحيحه المطبوع مع فتح الباري (5/253) كتاب الشهادات ، حديث رقم (2645) ، واللفظ له . ورواه مسلم في صحيحه (2/1071) كتاب الرضاع ، حديث رقم (1447) .
(3) - الربيبة : بنت الزوجة من غير زوجها الذي معها . يراجع : النهاية (2/180) باب الراء مع الباء .
(4) - رواه البخاري في صحيحه المطبوع مع فتح الباري (9/140) كتاب النكاح ، حديث رقم (5101) ، واللفظ له . ورواه مسلم في صحيحه (2/1072) كتاب الرضاع ، حديث رقم (1449) .(81/24)
قال عروة : وثويبة مولاة لأبي لهب ، وكان أبو لهب أعتقها فأرضعت النبي صلى الله عليه وسلم فلما مات أبو لهب أريه بعض أهله بشر حيبة(1) ، قال له : ماذا لقيت ؟ قال : أبو لهب : لم ألق بعدكم ، غير أني سقيت في هذه بعتاقتي ثويبة(2).
قال الحافظ ابن حجر : وفي الحديث دلالة على أن الكافر قد ينفعه العمل الصالح في الآخرة ، لكنه مخالف لظاهر القرآن ، قال تعالى : { وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً}(3).
وأجيب عن هذا من وجوه منها :
أن الخبر مرسل أرسله عروة ولم يذكر من حدثهُ به – كما تقدم - .
وعلى تقدير أن يكون موصلاً ، فالذي في الخبر رؤيا منام فلا حجة فيه ، ولعلَّ الذي رآها لم يكن إذ ذاك أسلم بعد فلا يحتج به(4).
أن ما ورد في مرسل عروة هذا من إعتاق أبي لهب ثويبة كان قبل إرضاعها النبي صلى الله عليه وسلم، وما ذكره ابن الجزري من أنه أعتقها عندما بشرته بولادة النبي صلى الله عليه وسلم(5): يخالف ما عند أهل السير من أن إعتاق أبي لهب إياها كان بعد ذلك الإرضاع بدهر طويل .
__________
(1) - الحيية – بكسر الحاء المهملة وفتح الباء - ، أي : بشر حال ، والحيبة والحوبة : الهم والحزن . يراجع : النهاية (1/466) باب الحاء مع الياء . وقال ابن منظور : أي بحال سوء ، وقيل : إذا بات بشدة ، وحال سيئة لا يقال إلا في الشر . يراجع : لسان العرب (1/339) مادة (حوب ).
(2) - رواه البخاري في صحيحه المطبوع مع فتح الباري (9/140) كتاب النكاح ، حديث رقم (5101).
(3) - سورة الفرقان:23 .
(4) - يراجع : فتح الباري (9/145) .
(5) - وهذا وجه الاستشهاد عند القائلين ببدعة الاحتفال بالمولد النبوي ، وأن ما حصل لأبي لهب كان بسبب فرحه بولادة النبي صلى الله عليه وسلم وإعتاقه لثويبة بشرته بولادة النبي صلى الله عليه وسلم بسبب هذا الفرح . وهذا باطل حقيقة ومعنى .(81/25)
قال ابن سعد : ( وأخبرنا محمد بن عمر – الواقدي – عن غير واحد من أهل العلم ، وقالوا : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلها وهو بمكة، وكانت خديجة تكرمها ، وهي يومئذٍ مملوكة، وطلبت إلى أبي لهب أن تبتاعها منه لتعتقها، فأبي أبو لهب، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، أعتقها أبو لهب ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث إليها بصلة وكسوة ، حتى جاءه خبرها أنها قد تُوفيت سنة سبع مرجعة من خيبر )(1) .
وقال الحافظ ابن عبد البر في ترجمة النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن ذكره إرضاع ثويبة للرسول صلى الله عليه وسلم : ( وأعتقها أبو لهب بعدما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة )(2) ا.هـ .
وقال ابن الجوزي : ( وكانت ثويبة تدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما تزوج خديجة فيكرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتكرمها خديجة ، وهي يومئذٍ أمة ، ثم أعتقها أبو لهب )(3) ا.هـ .
أنه لم يثبت من طريق صحيح أن أبا لهب فرح بولادة النبي صلى الله عليه وسلم ولا أن ثويبة بشرته بولاته ، ولا أنه أعتق ثويبة من أجل البشارة بولادة النبي صلى الله عليه وسلم وتقدم ذلك – فكل هذا لم يثبت ، ومن ادّعى ثبوت شيء من ذلك ، فعليه إقامة الدليل على ما ادَّعاه ، ولن يجد إلى الدليل الصحيح سبيلاً(4) .,
الشبهة الرابعة :
__________
(1) -يراجع : الطبقات (1/108، 109) .
(2) - يراجع : الاستيعاب (1/12) .
(3) - يراجع : الوفا بأحوال المصطفى (1/178، 179) .
(4) - يراجع : الرد القوي ص(57) .(81/26)
ومن الشبه التي استند إليها القائلون بالاحتفال بالمولد النبوي: ما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي قتادة الذي جاء فيه: وسئل عن صوم الاثنين ؟ . قال :(( ذاك يوم ولدت فيه ، ويوم بعثت )) أو (( أنزل عليه فيه ))(1). فقالوا : هذا دليل أنه صلى الله عليه وسلم كان يعظم يوم مولده ، وكان يعبر عن هذا التعظيم بالصوم ، وهذا في معنى الاحتفال به(2) .
الجواب عن هذه الشبهة :
أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يصم يوم ولادته ، وهو اليوم الثاني عشر من ربيع الأول – إن صح أنه كذلك - ، وإنما صام يوم الاثنين الذي يتكرر مجيئه في كل شهر أربع مرات ، وبناء على هذا فتخصيص يوم الثاني عشر من ربيع الأول ، بعمل ما دون يوم الاثنين من كل أسبوع ، يعتبر استدراكاً على الشارع ، وتصحيحاً لعلمه ، وما أقبح هذا إن كان !!!- والعياذ بالله -(3) .
__________
(1) - رواه الإمام أحمد في مسنده (5/297) . ورواه مسلم في صحيحه (2/819، 820) كتاب الصيام ، حديث رقم (1162) (197، 198) . ورواه ابن خزيمة في صحيحة (3/298، 299) حديث رقم (2117) .
(2) - يراجع : المدخل لابن الحاج (2/2، 3) ، وحوار مع المالكي ص(47) ، والرد القوي ص (61) .
(3) - يراجع : الإنصاف للجزائري ص (44) .(81/27)
أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يخص يوم الاثنين بالصيام ، بل كان يتحرى صيام الاثنين والخميس(1)، وقال صلى الله عليه وسلم : (( تُعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس ، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم ))(2).
فالاستدلال بصوم يوم الاثنين على جواز الاحتفال ببدعة المولد في غاية التكلف والبعد(3) .
إذا كان المراد من إقامة المولد هو شكر الله تعالى على نعمة ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم فيه ، فإن المعقول والمنقول يحتم أن يكون الشكر من نوع ما شكر الرسول صلى الله عليه وسلم ربه به ، وهو الصوم وعليه فلنصم كما صام ، غير أن أرباب الموالد لا يصومونه ؛ لأنَّ الصيام فيه مقاومة لشهوات النفس بحرمانها من لذة الطعام والشراب ، وهم يريدون ذلك-الطعام والشراب- فتعارض الغرضان،فآثارون ما يحبون على ما يحب الله،وهذا بعينه أعظم الزلل عند أهل البصرة(4).
__________
(1) - رواه الإمام أحمد في مسنده (6/80) . ورواه الترمذي في سننه (2/124) أبواب الصوم ، حديث رقم (742) ، وقال : حديث حسن غريب من هذا الوجه . ورواه النسائي في سننه (4/152، 153، 202، 203) كتاب الصيام ، باب (36) ، وباب (70) . ورواه ابن ماجه في سننه (1/553) كتاب الصيام ، حديث رقم (1739) .
(2) - رواه الإمام أحمد في مسنده (5/201) . ورواه أبو داود في سننه (2 /814)كتاب الصوم ، حديث ( 2436) . ورواه الترمذي في سننه (2/124) أبواب الصوم ، حديث رقم (744) ، وقال : حديث حسن غريب. ورواه النسائي في سننه (4/201، 202) كتاب الصيام .
(3) - يراجع : الرد القوي ص(62) .
(4) - يراجع : الإنصاف ص(44)(81/28)
أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يضف إلى الصيام احتفالاً كاحتفال أرباب الموالد ، من تجمعات ومدائح وأنغام وطعام وشراب ، أفلا يكفي الأمة ما كفى نبيها ويسعها ما وسعه ؟ وهل يقدر عاقل أن يقول : لا . وإذن فلم الافتيات على الشارع ، والتقدم بالزيادة عليه ، والله سبحانه وتعالى يقول : {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}(1) .
ويقول تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(2) ، وقال صلى الله عليه وسلم : ((إياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلاله))(3).
وقال صلى الله عليه وسلم : (( إن الله حد حدوداً فلا تعتدوها، وفرض لكم فرائض فلا تضيعوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها ، وترك أشياء في غير نسيان ولكن رحمة لكم فاقبلوها ولا تبحثوا عنها ))(4) .
5- الشبهة الخامسة :
__________
(1) - سورة الحشر: الآية7.
(2) - سورة الحجرات:1.
(3) - رواه ابن ماجه في سننه مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم (1/18) المقدمة . وفي سنده عبيده بن ميمون الدني ، قال ابن حجر : مستور . تقريب التهذيب (1/545) .
(4) - رواه البيهقي في سننه (10/12، 13) كتاب الضحايا . مرة موقوفاً ، ومرة مرفوعاً . وذكره النووي في الأربعين وقال : ( حديث حسن رواه الدار قطني وغيره . وقال ابن رجب : وله علتان : إحدهما : أن مكحولاً لم يصح له السماع عن أبي ثعلبة . والثانية : أنه اختلف في رفعه ووقفه على أبي ثعلبة الخشني ) ا.هـ .
يراجع : جامع العلوم والحكم ص (242) الحديث رقم (30) .(81/29)
ومن الشبه التي استند إليها القائلون بالاحتفال بالمولد النبوي قولهم :إن الفرح به صلى الله عليه وسلم مطلوب بأمر القرآن، من قوله تعالى :{ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا}(1). فالله أمرنا أن نفرح بالرحمة والنبي صلى الله عليه وسلم أعظم الرحمة ، قال تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ }(2).(3).
الجواب عن هذه الشبهة :
أن الاستدلال بهذه الآية على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي ، من قبيل حمل كلام الله تعالى على ما لم يحمله عليه السلف الصالح، والدعاء إلى العمل به على غير الوجه الذي مضوا عليه، في العمل به ، وهذا أمرٌ لا يليق؛ لما بينه الشاطبي في كتابه (الأدلة الشرعية من الموافقات ) وهو أن الوجه الذي يثبت عن السلف الصالح العمل بالنص عليه ، لا يقبل ممن بعدهم دعوى دلالة النص عليه . قال: إذ لو كان دليلاً عليه لم يعزب عن فهم الصحابة والتابعين ثم يفهمه هؤلاء، فعمل الأولين كيف كان مصادقاً لمقتضى هذا المفهوم، ومعارضاً له ، ولو كان ترك العمل(4)، فما عمل به المتأخرين من هذا القسم مخالف لإجماع الأولين وكل من خالف الإجماع فهو مخطئ ، وأمة محمد صلى الله عليه وسلم لا تجتمع على ضلالة، فما كانوا عليه من فعل أو ترك فهو السنَّة والأمر المعتبر، وهو الهدى ، وليس ثم إلا صواب أو خطأ ، فكل من خالف السلف الأولين فهو على خطأ، وهذا كاف... وكثير ما تجد أهل البدع والضلالة يستدلُّون بالكتاب والسنة يحملونها مذاهبهم ، ويغبرون بمشتبهاتهما في وجوه العامة ، ويظنون أنهم على شيء ، ولذلك أمثلة كثيرة :
__________
(1) -سورة يونس: الآية58.
(2) - سورة الانبياء:107.
(3) - يراجع : القول الفصل ص(32، 33) .
(4) - أي : ولو كان عملهم ترك العمل بمعنى الكف عنه .(81/30)
منها : استدلال التناسخية(1) على صحة ما زعموا بقوله تعالى:{ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ}(2) .
__________
(1) - التناسخية : فرقة من الفرق الخارجية عن فرق الإسلام ، وهم القائلون بتناسخ الأرواح في الأجساد ، والانتقال من شخص إلى شخص ، وما يلقى من الراحة والتعب فمرتب على ما أسلفه قبل وهو في بدن آخر ، جزاء على ذلك ، وأجازوا أن ينقل روح الإنسان إلى كلب ، وروح الكلب إلى إنسان ، وأن أرواح الصديقين تسري في عمود الصبح إلى النور الذي فوق الفلك في سرور دائم ، وأرواح أهل الضلال ترد إلى السفل ، فتتناسخ في أجسام الحيوانات . وهم جملة من القدرية ، وجملة من الرافضة الغالية . كالبيانية والجناحية والخطابية والراوندية ، وأول من قال بها في دولة الإسلام السبابية من الرافضة ، لدعواهم أن علياً صار إلهاً حين حلَّ روح الإله فيه . وزعمت البيانية أن روح الإله دارت في الأنبياء ثم في الأئمة إلى أن صارت في بيان بن سمعان . يراجع الكلام عنهم في : الفرق بين الفِرق ص(253- 259) .
(2) - سورة الانفطار:8.(81/31)
واستدلال كل من اخترع بدعة ،أو استحسن محدثة لم تكن في السلف الصالح ،بأن السلف اخترعوا أشياء لم تكن في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم : ككتب المصحف ، وتصنيف الكتب ، وتدوين الدواوين ، وتضمين الصناع ، وسائر ما ذكره الأصوليون في أصل المصالح المرسلة ، فخلطوا وغلطوا، واتبعوا ما تشابه من الشريعة ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويلها ، وهو كله خطأ على الدين ، واتباع لسبيل الملحدين، فإن هؤلاء الذين أدركوا هذه المدارك، وعبروا على هذه المسالك ، إما أن يكونوا قد أدركوا من فهم الشريعة ما لم يفهمه الأولون أو حادوا عن فهمها، وهذا الأخير هو الصواب؛ إذ المتقدمون من السلف الصالح كانوا على الصراط المستقيم ، ولم يفهموا من الأدلة المذكورة وما أشبهها إلا ما كانوا عليه ، وهذه المحدثات لم تكن فيهم ، ولا عملوا بها ، فدل على أن تلك الأدلة لم تتضمن هذه المعاني المخترعة بحال ، وصار عملهم بخلاف ذلك دليلاً إجماعياً على أن هؤلاء في استدلالاهم وعملهم مخطئون ومخالفون للسنة ...... الخ(1) .
أن كبار المفسرين قد فسَّرُوا هذه الآية الكريمة ، ولم يكن في تفسيرهم أن المقصود بالرحمة في هذه الآية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما المقصود بالفضل والرحمة المفروح بهما ، ما عنته الآية السابقة لهذه الآية ، وهو قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}(2).
__________
(1) - يراجع : الموافقات (3/41-44) .
(2) - سورة يونس ، الآيتان:57 ،58.(81/32)
قال ابن جرير في تفسيره :(القول في تأويل قوله تعالى :{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} قال أبو جعفر :يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : (( قُلْ)) يا محمد لهؤلاء المكذبين بك، وبما أنزل إليك من عند ربك . ((بِفَضْلِ اللَّهِ)) أيها الناس الذي تفضل به عليكم وهو الإسلام ، فبينه لكم ، ودعاكم إليه . ((وَبِرَحْمَتِهِ)) التي رحمكم بها فأنزلها إليكم فعلَّمكم ما لم تكونوا تعلمون من كتابه ، فبصركم بها معالم دينكم وذلك القرآن (( فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ))يقول: فإن الإسلام الذي دعاهم إليه، والقرآن الذي أنزله عليهم، خير مما يجمعون من حطام الدنيا وكنوزها )(1).ا.هـ.
وقال القرطبي – رحمه الله – في (( الجامع لأحكام القرآن )) : قوله تعالي :{ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا}. قال أبو سعيد الخدري وابن عباس – رضي الله عنهم - : فضل الله القرآن ، ورحمته الإسلام . وعنهما أيضاً : فضل الله القرآن ، ورحمته أن جعلكم من أهله .
وعن الحسن ، والضحاك ، ومجاهد ، وقتادة : فضل الله الإيمان،ورحمته القرآن - على العكس من القول الأول )(2) ا.هـ .
__________
(1) - يراجع : تفسير ابن جرير الطبري (15/105) .
(2) - يراجع : الجامع لأحكام القرآن (8/353) .(81/33)
وقال ابن كثير – رحمه الله – في تفسير : (يقول الله تعالى ممتناً على خلقه بما أنزله من القرآن العظيم ، على رسوله الكريم : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} ، أي : زاجر عن الفواحش .{وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ}أي:من الشبه والشكوك، وهو إزالة ما فيها من رجس ودنس .{ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ} أي : يحصل به الهداية والرحمة من الله تعالى ، وإنما ذلك للمؤمنين به والمصدِّقين الموقنين بما فيه ، كقوله تعالى{ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً}(1)، قوله تعالى{.. قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ..... }(2)، قوله تعالى{ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}(3)، أي : بهذا الذي جاءهم من الله من الهدى ودين الحق ، فليفرحوا فإنَّهُ أولى ما يفرحون به )(4)ا.هـ .
وقال ابن قيم الجوزية في تفسير يقوله تعالى{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}:(وقد دارت أقوال السلف ، على أن فضل الله ورحمته : الإسلام والسنة)(5) ا.هـ .
وقال ابن عبد الهادي في الصارم المنكي في الرد على السبكي:(...ولا يجوز إحداث تأويل في آية، أو في سنة لم يكن على عهد السلف ولا عرفوه ، ولا بيَّنُوه للأمة ،فإن هذا يتضمن أنهم جهلوا الحق في هذا، وضلوا عنه ، واهتدى إليه هذا المعترض المستأخر فكيف إذا كان التأويل يخالف تأويلهم ويناقضه ؟ .....)(6)ا.هـ .
__________
(1) - سورة الاسراء:82.
(2) -سورة فصلت: الآية44.
(3) - سورة يونس ، الآيتان:57 ،58.
(4) - يراجع : تفسير ابن كثير (2/420، 421) .
(5) - يراجع : اجتماع الجيوش الإسلامية ص(6) .
(6) - يراجع : الصارم المكني ص(427) .(81/34)
والشبه التي استند إليها القائلون بالاحتفال بالمولد النبوي كثيرة ، وليس هذا مجال حصرها ؛ لأن استقصاءها والإحاطة بها ، تحتاج إلى مؤلف منفرد خاص بها ، والقصد هنا هو الإشارة والتنبيه إلى بعض هذه الشبه، وقد ذكرت بشكل موجز ردود العلماء على هذه الشُّبه ، وأنه ليس في أي واحدة منها دليل على جواز الاحتفال بالمولد النبوي .ولكن القائلين بهذه البدعة أرادوا إضفاء الصبغة الشرعية على هذا الأمر المبتدع ، فاستشهدوا بهذه الأدلة، وفسَّرُوها بما يوافق هواهم ، وعقيدتهم الفاسدة، فكانوا كما قال تعالى : {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ}(1) - والله أعلم -.
المبحث الرابع
طريقة إحياء المولد
قال المقريزي في (( الخطط )) يصف جلوس الخليفة في الموالد الستة :
(( فإذا كان اليوم الثاني عشر من ربيع الأول ، تقدَّم – الخليفة – بأن يعمل في دار الفطرة(2): عشرون قناطراً من السكر اليابس حلواء يابسة من طرائفها ، وتعبأ في ثلاثمائة صينية من النحاس ، وهو مولد النبي صلى الله عليه وسلم ، فتفرق تلك الصواني في أرباب الرسوم من أرباب الرتب ، وكل صينية في قوارة(3)
__________
(1) - سورة الجاثية:23.
(2) - تقع خارج القصر ، بناها العزيز بالله ، وقرر فيها ما يعمل ، مما يحمل إلى الناس في العيد ، وهي قبالة باب الديلم من القصر ، الذي يدخل منه إلى المشهد الحسيني .
يراجع : الخطط المقريزي (1/425) .
(3) - القوارة : مشتقة من قوارة الأديم والقرطاس ، وهو ما قورت من وسطه ورميت ما حواليه ، كقوارة الجيب إذا قورته وقرته ، وكل شيء قطعت من وسطه خرقاً مستديراً فقد قورته .
يراجع : لسان العرب (5/123) مادة ( قور ) .(81/35)
، من أول النهار إلى ظهره ، فأول أرباب الرسوم قاضي القضاة، ثم داعي الدعاة ، ويدخل في ذلك القراء بالحضرة والخطباء ، والمتصدرون بالجوامع ، وقومة المشاهد ........
فإذا صلَّى الخليفة،ركب قاضي القضاة،والشهود بأجمعهم إلى الجامع الأزهر(1)، ومعهم أرباب تفرقة الصواني، فيجلسون مقدار قراءة الختمة الكريمة ، ثم يستدعى قاضي القضاة ومن معه ، وقد كنست الطريق ، ورشت بالماء رشاً خفيفاً، وفرش تحت المنظرة(2)
__________
(1) - هو أول مسجد أسس بالقاهرة ، والذي أنشأه القائد جوهر الصقلي مولى المعز لدين الله ، لما اختط القاهرة ، وشرع في بنائه سنة 359هـ وكمل بناؤه سنة 361هـ .
يراجع : الخطط المقريزي (2/273) .
(2) - المنظرة : موضع في رأس جبل فيه رقيب ينظر العدو ، والمنظرة المرقبة . يراجع : لسان العرب (5/217) مادة (نظر ) .
والمراد بها هنا : هي الأماكن التي كان يشرف منها الخلفاء العبيديون على الاحتفال ببعض الأعياد . يراجع : تاريخ الدولة الفاطمية ص(634) .(81/36)
الرمل الأصفر ، فيقربون من المنظرة ويترجلون قبل الوصل إليها بخطوات ، فيجتمعون تحت المنظرة دون الساعة الزمانية بسمت وتشوف لانتظار الخليفة، فتفتح إحدى الطاقات(1)،فيظهر منها وجهه-الخليفة-وما عليه من المنديل وعلى رأسه عدة من الأستاذين(2) المحنكين، وغيرهم من الخواص ، ويفتح بعض الأستاذين طاقة ويخرج منها رأسه ويده اليمنى في كمه ويشير به قائلاً : أمير المؤمنين يرد عليكم السلام . فيسلم بقاضي القضاة أولاً بنعوته ، وبصاحب الباب بعده كذلك،وبالجماعة الباقية جملة جملة من غير تعيين أحد،فيستفتح قراء الحضرة بالقراءة، ويكونون قياماً في الصدر، وجوههم للحاضرين ، وظهورهم إلى حائط المنظرة، فيقدم خطيب الجامع الأنور(3)
__________
(1) - الطاقات : جمع طاق ، وهو ما عطف من الأبنية ، هو الذي يعقد بالآجر . يراجع : لسان العرب (10/232، 233).
(2) - هم الخدم والطواشية ، ومنهم أرباب الوظائف المختصون بشئون الخليفة واحتياجاته ، وأعظمهم مكانه الأستاذون المحنكون الذين يديرون عمائمهم على أحناكهم ، وهم أقرب الخدام إلى الخليفة ، ومنهم من يحمل رسائل الخليفة إلى الوزير ، ومن يشرف على إعداد مجلسه ....... الخ . يراجع : صبح الأعشى (3/477) .
(3) - ويقع خارج باب الفتوح – أحد أبواب القاهرة - ، وأول من أسسه العزيز بالله ، وخطب فيه وصلى بالناس الجمعة ، ثم أكمله ابنه الحاكم بأمر الله ، وكان تأسيسه سنة380هـ ، وانتهى بناؤه على يد الحاكم سنة 403هـ .
يراجع : الخطط المقريزي (2/277) .(81/37)
المعروف بجامع الحاكم ، فيخطب كما يخطب فوق المنبر،إلى أن يصل إلى ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فيقول : وإن هذا يوم مولده إلى ما من الله به على ملَّة الإسلام من رسالته ،ثم يختم كلامه بالدعاء للخليفة ، ثم يؤخر ، ويقدم خطيب الجامع الأزهر، فيخطب كذلك ، ثم خطيب الجامع الأقمر(1) فيخطب كذلك ، والقراء في خلال خطابة الخطباء ، يقرأون !!! .
فإذا انتهت خطابة ، أخرج الأستاذ رأسه ويده في كمه من طاقته ،وردّ على الجماعة السلام ،ثم تغلق الطاقتان فتنفض الناس، ويجري أمر الموالد الخمسة الباقية على هذا النظام ، إلى حين فراغها على عدتها من غير زيادة ولا نقص ))(2)ا.هـ .
وقال ابن خلكان في وصف احتفال مظفر الدين أبو سعيد كوكبوري صاحب إربل بالمولد النبوي :
__________
(1) - بناه الآمر سنة 519هـ بواسطة وزيره المأمون بن البطائحي ، وكان مكانه دكاكين علافين ، وأول جمعة أقيمت فيه سنة 799هـ بعد أن جدده الأمير أريلبغا أحد المماليك الظاهرية . يراجع : الخطط المقريزي (2/290) .
(2) - يراجع : الخطط المقريزي (1/433) .(81/38)
(( وأما احتفاله بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنَّ الوصف يقصر عن الإحاطة به ،لكن نذكر طرفاً منه: وهو أن أهل البلاد كانوا قد سمعوا بحسن اعتقاده فيه ، فكان في كل سنة يصل إليه من البلاد القريبة من إربل(1)خلق كثير من الفقهاء والصوفية(2) والوعاظ والقراء والشعراء ، ولا يزالون يتواصلون من المحرم إلى أوائل شهر ربيع الأول ، ويتقدم مظفر الدين بنصب قباب من الخشب، كل قبة أربع أو خمس طبقات ،ويعمل مقدار عشرين قبة أو أكثر، منها قبة له ، والباقي للأمراء وأعيان دولته لكل واحد قبة، فإذا كان أول صفر زيَّنُوا تلك القباب بأنواع الزينة الفاخرة المستجملة، وقعد في كل قبة جوق(3)من المغاني، وجوق من أرباب الخيال، ومن أصحاب الملاهي ، ولم يتركوا طبقة من تلك الطباق في كل قبة حتى رتبُوا فيها جوقاً ، وتبطل معايش الناس في تلك المدة ، وما يبقى لهم شغل إلا التفرج والدوران عليهم .....، فكان مظفر الدين ينزل كل يوم بعد صلاة العصر ، ويقف عليها قبة قبة إلى آخرها ، ويسمع غناءهم ، ويتفرج على خيالاتهم، وما يفعلونه في القباب، ويبيت في الخانقاه(4)، ويعمل السماع(5)
__________
(1) - مثل بغداد والموصل والجزيرة وسنجار ونصيبين ، وبلاد العجم وغيرها من النواحي .
(2) - الصوفية: التصوف : طريقة كان ابتداؤها الزهد الكلي ، ثم ترخص المنتسبون إليها بالسماع والرقص ، وهم بين الكفر والبدع ، وتشعبت بهم الطرق حتى فسدت عقائدهم حتى قالوا بالحلول والاتحاد . يراجع : تلبيس إبليس ص(161-169) .
(3) - الجوق : الجماعة من الناس ، وقال ابن سيده : أحسبه دخيلاً . يراجع : لسان العرب (10/37) مادة (جوق) .
(4) - الخناقاه : رباط الصوفية . معرب مولد استعمله المتأخرون . يراجع : شفاء الغليل فيما في كلام العرب من الدخيل ص(113) .
(5) - السماع : ما يتخذه بعض الناس طريقاً ، يجتمع عليه أهل الديانات لصلاح القلوب ، والتشويق إلى المحبوب ، والتخويف من المرهوب ، والتخزين على فوات المطلوب ، فتستنزل به الرحمة ، وتستجلب به النعمة ، وتحرك به مواجيد أهل الإيمان وتستجلي به مشاهد أهل العرفان ، حتى يقول بعضهم : إنه أفضل لبعض الناس أو للخاصة من سماع القرآن من عدة وجوه ، حتى يجعلونه قوتاً للقلوب ، وغذاء للأرواح ، وحادياً للنفوس ، يحدوها إلي السير إلى الله ، ويحثها على الإقبال عليه .
والسماع : أمر محدث حدث في أواخر المائة الثانية ، فأنكره الأئمة ومنهم الشافعي وأحمد ولم يحضره الصالحون كابن أدهم والفضيل ، وقال الشافعي : أنه من إحداث الزنادقة كابن الراوندي ، والفرابي ، وابن سينا ، والمتخذين للسماع هم الصوفية .
يراجع : : مجموعة فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (11/562- 571) ، وتلبيس إبليس ص(242-250) ، ومجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية (1/47- 48) .(81/39)
، ويركب عقيب صلاة الصبح يتصيد ، ثم يرجع إلى القلعة(1) قبل الظهر. هكذا يعمل كل يوم إلى ليلة المولد.وكان يعمله سنة في ثامن الشهر، والسنة في الثاني عشر؛ لأجل الاختلاف الذي فيه ،فإذا كان قبل المولد بيومين أخرج من الإبل والبقر والغنم شيئاً كثيراً زائداً على الوصف، وزفها بجميع ما عنده من الطبول والمغاني والملاهي، حتى يأتي بها إلى الميدان،ثم يشرعون في نحرها، وينصبون القدور ، ويطبخون الألوان المختلفة ، فإذا كانت ليلة المولد عمل السماعات بعد أن يصلي المغرب في القلعة ، ثم ينزل وبين يديه الشموع المشتعلة شيء كثير ، وفي جملتها شمعتان أو أربع -أشك في ذلك- من الشموع الموكبية(2) ، التي تحمل كل واحدة منها على بغل ، ومن ورائها رجل يسندها ،وهي مربوطة على ظهر البغل ، حتى ينتهي إلى الخانقاه . فإذا كان صبيحة يوم المولد أنزل الخلع من القلعة إلى الخانقاه على أيدي الصوفية على يد كل واحد منهم بقجة(3)، وهم متتابعون ، كل واحد وراء الآخر ، فينزل من ذلك شيء كثير لا أتحقق عدده ، ثم ينزل إلى الخانقاه ، وتجتمع الأعيان والرؤساء ، وطائفة كبيرة من بياض الناس ، وينصب كرسي للوعَّاظ ، وقد نصب لمظفر الدين برج خشب له شبابيك إلى الموضع الذي في غاية الاتساع ، ويجتمع فيه الجند ، ويعرضهم ذلك النهار ، وهو تارة ينظر إلى عرض الجند وتارة إلى الناس والوعاظ ، ولا يزال كذلك حتى يفرغ الجند من عرضهم ، فعند يقدم السماط في الميدان للصعاليك ، ويكون سماطاً عاماً فيه من الطعام والخير شيء كثير لا يحد ولا يوصف ، ويمد سماطاً ثانياً في
__________
(1) - وهي قلعة إربل المشهورة .
(2) - نسبة إلى الموكب ، والموكب : جماعة من الناس ركباناً ومشاة ، وكذلك القوم الركوب على الإبل للزينة ، وكذلك جماعة الفرسان . يراجع : لسان العرب (1/802) مادة (وكب) .
(3) - بقبجة : من المولد . وهي ظرف من القماش المعروف . . يراجع : شفاء الغليل فيما في كلام العرب من الدخيل ص(79) .(81/40)
الخانقاه للناس المجتمعين عند الكرسي ، وفي مدة العرض ، ووعظ الوعاظ يطلب واحداً واحداً من الأعيان والرؤساء ، والوافدين لأجل هذا الموسم ، من الفقهاء والوعاظ والقراء والشعراء، ويخلع على كل واحد ، ثم يعود إلى مكانه فإذا تكامل ذلك كله ، حضروا السماط وحملوا منه لمن يقع التعيين على الحمل إلى داره ، ولا يزالون على ذلك إلى العصر أو بعدها ، ثم يبيت تلك الليلة هناك ، ويعمل السماعات إلى بكرة ...... هكذا يعمل في كل سنة ، وقد لخصت صورة الحال، فإن الاستقصاء يطول ، فإذا فرغوا من هذا الموسم ،تجهز كل إنسان للعودة إلى بلده فيدفع لكل شخص شيئاً من النفقة ))(1) ا.هـ .
وقال ابن كثير في ترجمة المظفر كوكبوري : (قال السبط : حكى بعض من حضر سماط المظفر في بعض الموالد ، كان يمد ذلك السماط خمسة آلاف رأس مشوي ، وعشرة آلاف دجاجة ، ومائة ألف زبدية ، وثلاثين ألف صحن حلوى ، قال : وكان يحضر عنده في المولد أعيان العلماء والصوفية فيخلع عليهم،ويطلق لهم، ويعمل للصوفية سماعاً من الظهر إلى الفجر ويرقص بنفسه معهم، وكان يصرف على المولد في كل سنة ثلاثمائة ألف دينار ، وكانت له دار ضيافة للوافدين من أي جهة على أي صفة ، فكان يصرف على هذه الدار في كل سنة مائة ألف دينار )(2) ا.هـ .
__________
(1) - يراجع : وفيات الأعيان (4/117-119) . وكان من ولع الملك المظفر بعمل المولد أن صنف له أبو الخطاب بن دحية مجلداً في المولد النبوي سماه : كتاب التنوير في مولد البشير النذير ، فأجازه على ذلك بألف دينار .
يراجع : وفيات الأعيان (3/449، 450) .
(2) - يراجع : البداية والنهاية (13/131) ، والحاوي للسيوطي (1/189، 190) .(81/41)
وقال السندوبي في وصف الاحتفال بالمولد النبوي في القاهرة(1) سنة 1250هـ- في هذا العهد كان العالم الإنجليزي (ادوارد وليم لين ) يزور القاهرة فشاهد الاحتفال بالمولد النبوي -، فوصفه وصفاً شيقاً ......
(( قال- وليم لين- (( في أول ربيع الأول والشهر الثالث من شهور السنة الهجرية ، يبدأ الاستعداد للاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ، وأكبر ساحات هذا الاحتفال شأناً : الجزء الجنوبي الغربي المعروف ببركة الأزبكية ، وفي هذه الساحة أقيمت صيوانات(2) كثيرة للدراويش(3)، وفيها يجتمعون كل ليلة للقيام بحلقات الذكر ما دام الاحتفال بالمولد ، وبين هذه الصيوانات ينصب صاري(4) يثبت بالحبال ويعلق فيه من القناديل اثنا عشر أو أكثر ، وحول هذا الصاري تقوم حلقة الذكر ، وهي تتكون عادة من نحو خمسين أو ستين درويشاً .
__________
(1) - هي المدينة الكبيرة التي أحدثها جوهر الصقلي غلام المعز – الخليفة العبيدي – وذلك فور دخوله مصر سنة 358هـ ، وقد فصل ابن تغزي بردي الكلام عنها في بنائها وصفتها وحاراتها وأسواقها فليراجع في كتابه (( النجوم الزاهرة )) (4/34- 54) . وكذلك المقريزي في الخطط والآثار (1/359-380) . وهي الآن عاصمة مصر . ويزيد سكانها عن ثمانية ملايين نسمة . تقع على نهر النيل .
(2) - لم أعثر معنى لهذه الكلمة في المعاجم اللغوية المشهورة ، ولعلها من الدخيل . والذي يتبادر إلى الذهن – والله أعلم – أن الصيوانات جمع صيوان : والصيوان هو الخيمة الكبيرة من الصوف أو القماش ، والتي تستعمل عادة في المناسبات وتضرب عادة خارج المنازل .
(3) - لم أعثر معنى لهذه الكلمة على معنى في الكتب التي اطلعت عليها . ولعل المراد بهم – والله أعلم – عوام الصوفية .
(4) - صاري السفينة :الخشبة المتعرضة في وسطها . وهو دقل السفينة الذي ينصب في وسطها قائماً ، ويكون عليه الشراع . يراجع : لسان العرب (14/460) مادة (صرى) .(81/42)
وفي اليوم الثاني من الشهر ينتهون من إقامة معالم الاحتفال ومعداته – في العادة – ثم يشرعون في اليوم التالي في مظاهر الاحتفال ليلاً ونهاراً إلى الليلة الثانية عشرة من الشهر ، وهي ليلة المولد الكبرى .... ففي النهار يتسلى الناس في الساحة الكبرى بالاستماع إلى الشعراء ، والتفرج على الحواة(1) ونحوه .
أما الغواني فقد أكرهتهن الحكومة من عهد قريب على التوبة وترك مهنتهن من رقص ونحوه ، فلا أثر لهن في احتفال هذه السنة ، وكن في الموالد السابقة من أكثر العالمين في الاحتفال اجتذاباً للمتفرجين !!!.....
أما في الليل فتضاء الشوارع المحيطة بساحة المولد، بقناديل كثيرة، تعلق غالباً في فوانيس من الخشب، ومن دكاكين المأكولات ، ونصبات الحلوى ما يبيت مفتوحاً طوال الليل ، وكذلك القهاري التي قد يكون في بعضها ، وفي غيرها من الأماكن : شعراء ومحدثون ، ينصت إليهم كل من أراد من المارة .
أما في الليلتين الأخيرتين فيكون المولد أكثر زحاماً وأسباب التفرج والمسليات أعظم منها في الليالي السابقة(2) .
__________
(1) - الحواة : جمع حاوي ، وهو الذي يرقي الحيات ويجمعها ، والرجل يقوم بأعمال غريبة (مولد ) والجمع حواة .
يراجع : المعجم الوسيط (1/209) مادة (حوى) .
(2) - يراجع : تاريخ الاحتفال بالمولد النبوي ص(174- 177) .(81/43)
ثم وصف المؤلف الإنجليزي – ادوارد وليم لين – مجلساً كاملاً من مجالس الذكر التي تعمل في الموالد وغيرها فقال : وفي ليلة المولد الكبرى ذهبت إلى الساحة الرئيسة ، فرأيت ذكراً قوامه ستين درويشاً ، حول صاري ، وكان ضوء كافياً لإنارة الساحة ، وكان الدرويش حول الصاري من طوائف مختلفة وكانوا يقولون : [يا الله] ثم يرفعون رؤوسهم ، ويصفقون جميعاً بأيديهم أمام وجوههم ، وكان داخل حلقة الذكر خلق كثير قد جلسوا على الأرض ، ولبث الذكيرة يذكرون على هذا النحو مقدار نصف ساعة، ثم انقسموا جماعات، كل جماعة من خمسة أو ستة، ولكنهم بقوا يكونون حلقة واسعة، ثم أمسك أفراد كل جماعة بعضهم ببعض كل منهم ، ما عدا الأول قد وضع ذراعه اليمنى على ظهر من يليه يساراً ، ويده على الكتف اليسرى – كتف من يليه – ثم اتجهوا إلى النظارة-المتفرجين-خارج الحلقة ، وأخذوا يذكرون (الله) بصوت أجش عميق ، وهم في هذه الحالة يتقدمون إلى الأمام خطوة ، ثم إلى الوراء خطوة ، مع تحرك كل منهم قليلاً إلى اليسار فكانت الحلقة كلها تدور ولكن ببطء شديد ، وكان كل منهم يمد يده اليمنى نحو النظارة خارج الحلقة مشيراً بالتحية ، وهؤلاء أو أغلبهم كانوا يردون السلام على الذكيرة ، وأحياناً كان بعضهم يقبل اليد الممتدة إليه إذا قابلت وجهه متى كانوا قريبين منهم.......، ومن الوائد المتبعة عندهم أن يسكت من في الصواوين من الذكيرة ، متى كان الذكر حول الصاري ))(1) ا.هـ .
وقال السندوبي – أيضاً – في كتابه (( تاريخ الاحتفال بالمولد النبوي )) :
__________
(1) - يراجع : تاريخ الاحتفال بالمولد النبوي ص(188- 189) .(81/44)
(( ومن الليالي الغر التي لا أنساها ما حييت، ليلة الثاني عشر من ربيع الأول سنة 1364هـ الموافق 24فبراير سنة 1945م(1) والتي تُعدُّ بحق مثالاً لما يجب أن يكون عليه الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف في كل عام : فقد شهدت في ساحة المولد(2) معالم الزينة التي تأخذ بالألباب،ومظاهر الاحتفال التي بدت في شكل فخم، ونظام جليل هناك ،وفي هذا الميدان المترامي الأطراف ، أُقيم السرادق(3) الملكي البديع ، وقد تجلَّى في زخارفه وماس(4)في أستاره ومطارفه(5)، وفرش بالطنافس(6) الثمينة،وصفت في رحابه الأرائك(7)
__________
(1) -أي : في عهد الملك فاروق الأول – آخر ملوك مصر - .
(2) - ذكر السندوبي أنها تقع بصحراء قايتباي – المعروف عند العامة بصحراء الخفير - .
(3) - السرادق : ما أحاط بالبناء ، وقيل : كل ما أحاط بشيء نحو الشقة في المضرب ، أو الحائط المشتمل على الشيء ، وهو كل ما أحاط بشيء من حائط أو مضرب أو خباء .
يراجع : لسان العرب (10/157) مادة (سردق) . والمراد به هنا – والله أعلم - : المخيم الكبير .
(4) - ماس : الميس التبختر ، وماس يميس ميساناً : يراجع واختال .
يراجع : لسان العرب (6/244) مادة (ميس) .
(5) - المطارف : جمع مطرف ، وهي أردية من خز مربعة لها أعلام ، وقيل : المطرف من الثياب : ما جعل في طرفيه أعلام . يراجع : لسان العرب (9/220) مادة (طرف) .
(6) - الطنافس : جمع طنفسة : وهي البساط الذي له خَمْلٌ رقيق . يراجع : لسان العرب (6/127) مادة (طنفس) .
(7) - الأرائك : جمع أريكة : وهي سرير منجد في قبة أو بيت . وقيل : كل ما اتكئ عليه من سرير أو فراش أو منصة .
يراجع : لسان العرب (10/389، 390) مادة (أرك) .(81/45)
المحلاة بالذهب،وانتثرت في جنباته النمارق(1) الموصوفة، واسترسلت في ساحته الكلل(2)الحريرية، ورفعت على سواريه الأعلام الملكية، وعلقت في مداخله المصابيح الباهرة الأنوار ،وفي سماواته الثريات الآخذة بالأبصار ....، كما فُرشت أرض الميدان بالرمل الأصفر والأحمر ، ووقف على أبوابه رجال الحرس الملكي في ملابسهم المزركشة...ووفد على هذه السرادق وزراء الدولة، وشيخ الأزهر ،وطوائف العلماء!!، ووكلاء الوزارات، وكبار الموظفين، وكبراء الأمة، وأعيان الناس، من ذوي المراتب والألقاب، وجميع هؤلاء قد وقف في جلال ووقار، انتظاراً لتشريف حضرة الملك المعظم ، أو من ينتدب للإنابة عنه في حضور الاحتفال.
وقبيل الظهر بساعة بينما هذا الجمع الحاشد في الانتظار .... وصل الركب الملكي الفخم ، وقد أقبل جلالته بوجهه المشرق على هذه الجموع ، مشيراً بيده الكريمة إشارة التحية والسلام ، واستقبله بعد ذلك كبار الشخصيات الموجودة في السرادق.....، وعندما وصلت المركبة الملكية قبالة السرادق الملكي العظيم، سمعت طلقات المدافع تدوي تحية الملك ، وتعالت أصوات قوات الجيش هاتفة بحياته ، ثم أخذت الموسيقى تصدح بأنغامها الشجية بالسلام الملكي ...... ، وبعد الانتهاء من عرض الجيش تقدمت بين يدي الملك مشايخ الطرق الصوفية برجالها ومريديها ،حاملين لأعلامهم وشاراتهم ،وكل شيخ يمر بين يديه يقف هنيهة لقراءة الفاتحة ، وتلاوة بعض الأدعية المأثورة بطريقتهم المعروفة في القراءة والدعاء ،ثم يهتفون جميعاً بحياة الفاروق ثلاثاً.
__________
(1) - النمارق : هي الوسائد ، ومنها ما يفرش تحت الراكب على الراحلة . يراجع : لسان العرب (10/361) مادة (نمرق) .
(2) - الكلل : جمع كلة ، وهي الستر الرقيق يضرب على القبور ، وقيل : هي ما خيط من الستور فصار كالبيت ، وقيل : هي ستر رقيق يخاط كالبيت يتوقى فيه من البعوض . يراجع : لسان العرب (11/595) مادة (كلل) .(81/46)
ولما انتهى مرور أصحاب الطرق ، عاد الملك إلى السرادق الملكي ، حيث قدمت صنوف الحلوى ، وأنواع المرطبات ، فتناول منها جميع الحاضرين وبعد فترة قصيرة بارح جلالته السرادق الملكي قاصداً تشريف سرادق السادة البكرية(1)، وما إن أشرف عليه حتى نهض شيخ مشايخ الطرق الصوفية(2) ، وحوله جماعة من كبار المشايخ لاستقبال جلالته بما يليق بمقامه الكريم ، ثم ألقيت قصة المولد الشريف ، وما إن وصل القارئ إلى ذكر مولده صلى الله عليه وسلم حتى نهض الملك واقفاً إجلالاً وإعظاماً لهذه الذكرى الكريمة وبوقوفه وقف الجمع الحاشد في كمال الخشوع والإكرام ، وعند الانتهاء من إلقاء القصة والدعاء للملك ، بدأ القرَّاء في تلاوة ما يتيسر من القرآن الكريم ، بترتيل حسن ، وتنغيم مطرب جميل!!! وجميع القراء من مشهوري المجودين، ومذكوري الملحنين !!، وأصحاب الأصوات الشجية ، والأنغام العذبة الندية ، ثم تقدم الخدم والفراشون بصواني الحلوى ، وأكواب المرطبات إلى بين يدي الملك ليتناول منها ما يشاء ، كما أديرت بعد ذلك على سائر الحاضرين فتناول كل أحد منهم ما لذَّ وطاب ،وفي أثناء إلقاء القصة الشريفة لم تنقطع المدافع عن دويها المطلق بنظام محكم ، وترتيب بديع ، كما أخذ المذيع بالراديو في ترديد القصة من أبواقه لإسماع الجمهور ، وبعد ذلك نهض الملك وقرأ الفاتحة ، وشاركه في قراءتها جميع الحاضرين))(3) ا.هـ .
وقال السندوبي – أيضاً – في معرض كلامه عن المولد سنة 1366هـ :
__________
(1) - وكان لبيت السادة البكرية في إحياء المولد النبوي الشأن العظيم والقدح المعلى ، والعناية الفائقة منذ دهر . قاله السندوبي في تاريخ الاحتفال بالمولد النبوي ص(190) .
(2) - وهو في ذلك الوقت أحمد مراد البكري . يراجع : تاريخ الاحتفال بالمولد النبوي ص(190) .
(3) - يراجع : تاريخ الاحتفال بالمولد النبوي ص(196- 200) .(81/47)
((وفي صبيحة يوم اثنا عشر من ربيع الأول عطلت أعمال الحكومة في وزاراتها ودواوينها ومصالحها، كما عطلت الأعمال في الدوائر المالية والتجارية احتفالاً بذكرى المولد النبوي الشريف على جاري العادة ))(1) ا.هـ.
فما تقدم من النصوص التي وصفت طريقه إحياء المولد النبوي في عصور مختلفة ، يؤكد لنا أن هذه الاحتفالات ليست إلا تلبية لشهوات ورغبات النفوس المريضة من الناس، ومراسم هذه الاحتفالات من الأكل والشرب وإنشاد القصائد،واختلاط النساء بالرجال، وأعمال اللهو وما يؤول على القائمين على هذه الاحتفالات من الأموال، والعطايا والهدايا، خير شاهد على ما ذكرت.
فليس القصد كما يدعُون تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم والفرح بذكرى مولده ، وإحياء ذكره ، وإثبات محبتهم له صلى الله عليه وسلم بتلك الاحتفالات المبتدعة .
وكون هذه الاحتفالات أمر محدث مبتدع فهذا كاف في ذمِّها ، والتحذير منها، لاسيما وأن من ابتدعها إنما ابتدعها بسوء نية، كما تقدم بيان ذلك(2).
وربَّما شذَّ عن هذه القاعدة أناس فعلوا ذلك عن حسن نية ولكن حسن النية لا يبيح الابتداع في الدين ، فمن قبلنا من الملل كانوا يبتدعون قي دينهم أموراً بقصد التعظيم وحسن النية ،حتى صارت أديانهم غير ما جاءت به رسلهم ، ولو تساهل سلفنا الصالح كما تساهلوا ،وكما تساهل الخلف الذين اتبعوا سننهم شبراً بشبراً وذراعاً بذراع ،لضاع أصل ديننا ، لاسيما وأن هذه الاحتفالات لا تخلو من الشرك الأكبر وهو التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم والاستغاثة به ، ودعاؤه ، واللجوء إليه ، ومن المعلوم أن الشرك الأكبر مُخْرِجٌ من الملة .
__________
(1) - يراجع : تاريخ الاحتفال بالمولد النبوي ص(212) .
(2) - في المبحث الأول من الفصل الثالث في هذا الكتاب .(81/48)
ولكن الله تكفل بحفظ هذا الدين ، وجعل السلف الصالح من تبع نهجهم وآثارهم سبب هذا الدين . ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم الحقيقة والصادقة هي طاعته فيما أمر ، وترك ما نهى عنه وزجر ، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع ، وتعظيمه يكون بالصلاة عليه ، والالتزام بسنته ، والعمل بها ، والذبِّ عنها ، كما سنوضح ذلك في المبحث التالي – إن شاء الله – والله أعلم .
المبحث الخامس
حقيقة محبته صلى الله عليه وسلم
اختلف الناس في تفسير محبة الله ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم وكثرت عباراتهم في ذلك وليست تراجع في الحقيقة إلى اختلاف مقال ، ولكنها اختلاف أحوال :
فقال سفيان : ( المحبة اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم كأنه التفت إلى قوله تعالى :{ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(1).
وقال بعضهم : محبة الرسول صلى الله عليه وسلم اعتقاد نصرته ، والذب عن سنته ، والانقياد لها ، وهيبة مخالفته .
وقال بعضهم : المحبة دوام الذكر للمحبوب .
وقال آخر : إيثار المحبوب .
وقال بعضهم : المحبة : مواطأة القلب لمراد الرب ، يحب ما أحب ويكره ما كره .
وقال آخر : المحبة : ميل القلب إلى موافق له(2) .
وأكثر العبارات المتقدمة إشارة إلى ثمرات المحبة دون حقيقتها .
__________
(1) - سورة آل عمران:31.
(2) - يراجع : شرح الشفا (2/578،579) .(81/49)
وحقيقة المحبة: الميل إلى ما يوافق الإنسان، وتكون موافقته له إما لاستلذاذه بإدراكه ،كحب الصور الجميلة، والأصوات الحسنة، والأطعمة والأشربة اللذيذة وأشباهها ، مما كل طبع مائل إليها لموافقتها له ، أو لاستلذاذه بإدراكه بحاسة عقله وقلبه معاني باطنة شريفة ، كمحبة الصالحين والعلماء وأهل المعروف ، والمأثور عنهم السير الجميلة والأفعال الحسنة ، فإن طبع الإنسان مائل إلى الشغف بأمثال هؤلاء حتى يبلغ التعصب بقوم ، والتشيع من أمة في آخرين ، ما يؤدي إلى الجلاء عن الأوطان ، وهتك الحرم ، واخترام(1) النفوس .
أو يكون حبه إياه لموافقته له من جهة إحسانه له ، وإنعامه عليه ،وقد جبلت النفوس على حب من أحسن إليها .
فإذا تقرر هذا : نظرت هذه الأسباب كلها في حقه صلى الله عليه وسلم فعلمت أنه صلى الله عليه وسلم جامع لهذه المعاني الثلاثة الموجبة للمحبة: أما جمال الصورة ، والظاهر ، وكمال الأخلاق ، والباطن فهو أعلى الناس فيها قدراً، وأكملهم محاسن وفضلاً(2) .
وأما إحسانه وإنعامه على أمته ، فقد ذكره الله في كتابه العزيز في مواطن عدَّة ، والتي وصفه الله-سبحانه وتعالى- بأمور ، منها:
رأفته بأمته ، ورحمته لهم ، وهدايته إياهم ، وشفقته عليهم ، واستنقاذهم به من النار ، وأنه بالمؤمنين رؤوف رحيم ، ورحمة للعالمين ، ومبشراً ونذيراً ، وداعياً إلى الله بإذنه ،وسراجاً منيراً ويتلوا عليهم آياته، ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب والحكمة، ويهديهم إلى صراط مستقيم .
فأي إحسان أجل قدراً ، وأعظم خطراً ، من إحسانه إلى جميع المؤمنين ؟
__________
(1) - اخرمته المنية : أي أخذته ، واخترم فلان : مات وذهب . وخرمته الخوارم : إذا مات . يراجع : لسان العرب (12/172) مادة (خرم) .
(2) - يراجع : الشفا (2/ 79-109) .(81/50)
وأي إفضال أعم منفعة ، وأكثر فائدة من إنعامه – بعد الله – سبحانه وتعالى – على كافة المسلمين ؛ إذ كان ذريعتهم(1) إلى الهداية ، ومنقذهم من العماية(2)، وداعيهم إلى الفلاح ، ووسيلتهم إلى ربهم ، وشفيعهم والمتكلم عنهم والشاهد لهم ، فقد استبان لك أنه صلى الله عليه وسلم مستوجب للمحبة الحقيقية شرعاً ؛ لما ورد في ذلك من النصوص ، كقوله تعالى :{ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ }(3).
وقوله صلى الله عليه وسلم : (( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين))(4) .
وقوله صلى الله عليه وسلم:(( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما...)) الحديث(5)
__________
(1) - الذريعة : الوسيلة ، والجمع : الذرائع . يراجع : لسان العرب (8/96) مادة (ذرع) .
(2) - العماية : الضلال ، وهي فعالة من العمى ، وعماية الجاهلية : جهالتها . يراجع : لسان العرب (15/97، 98) مادة (عمي) .
(3) - سورة التوبة:24.
(4) - - رواه البخاري في صحيحه المطبوع مع فتح الباري (1/ 58) كتاب الإيمان ، حديث رقم (15) .ورواه مسلم في صحيحه المطبوع مع شرح النووي (1/ 67) كتاب الإيمان ، حديث رقم (44) .
(5) - - رواه البخاري في صحيحه المطبوع مع فتح الباري (1/ 60) كتاب الإيمان ، حديث رقم (16) .ورواه مسلم في صحيحه المطبوع مع شرح النووي (1/ 66) كتاب الإيمان ، حديث رقم (43) .(81/51)
وقوله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب – رضي الله عنه- لما قال له عمر : يا رسول الله ! ، لأنت أحبّ إليَّ من كل شيء إلا من نفسي ، فقال صلى الله عليه وسلم: (( لا ، والذي نفسي بيده ، حتى أكون أحب إليك من نفسك )) . فقال عمر : فإنه الآن والله لأنت أحبّ إليَّ من نفسي . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( الآن يا عمر ))(1).
وكذلك هو مستوجب للمحبة الحقيقية عادة وجبلة بما ذكرناه آنفاً لإفاضته الإحسان ، وعمومه الإجمال ، فإذا كان الإنسان يحب من منحه في دنياه مرة أو مرتين معروفاً ، أو استنقذه من هلكة أو مضرة- مدة التأذي قليل منقطع - فمن كان سبباً لمنحه ما لا يبيد من النعيم ، وسبباً لوقايته مما لا يفنى من عذاب الجحيم أولى بالحب(2).
وقال ابن بطال والقاضي عياض وغيرهما – رحمه الله عليهم - :( المحبة ثلاثة أقسام: محبة إجلال وإعظام كمحبة الوالد ومحبة شفقة ورحمة كمحبة الولد ، ومحبة مشاكلة(3) واستحسان كمحبة سائر الناس ، فجمع صلى الله عليه وسلم أصناف المحبة في محبته ، قال ابن بطال – رحمه الله - : ومعنى الحديث(4) أن من استكمل الإيمان علم أن حق النبي صلى الله عليه وسلم آكد عليه من حق أبيه وابنه والناس أجمعين ؛ لأن به صلى الله عليه وسلم استنقذنا من النار ، وهدينا من الضلال(5) .
فالصادق في حب النبي صلى الله عليه وسلم من تظهر علامة ذلك عليه ، ومن علامات حبه صلى الله عليه وسلم :
__________
(1) - رواه البخاري في صحيحه المطبوع مع فتح الباري (11/ 523) كتاب الإيمانوالنذور، حديث رقم (6632) .
(2) - يراجع : الشفا للقاضي عياض (2/578-581) .
(3) - المشاكلة : الموافقة ، والشاكلة : الطريقة والمذهب . يراجع : لسان العرب (11/357).
(4) - وقوله صلى الله عليه وسلم : (( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين))
(5) -يراجع : شرح النووي على صحيح مسلم (2/16،17) .(81/52)
الاقتداء به صلى الله عليه وسلم ، واستعمال سنته ، واتباع أقواله وأفعاله ، وامتثال أوامره ، واجتناب نواهيه ، والتأدب بآدابه ، في عسره ويسره ، ومنشطه ومكرهه ، وشاهد هذا قوله تعالى :{ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(1).
إيثار ما شرعه عليه الصلاة والسلام ، وحض عليه ، على هوى نفسه ، وموافقة شهواته ، قال تعالى :{ وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ... }(2) .
كثرة الذكر له صلى الله عليه وسلم فمن أحب شيئاً أكثر من ذكره ، قال تعالى :{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}(3).
ومن علامات محبته صلى الله عليه وسلم :محبة من أحب النبي- عليه والسلام- من آل بيته وصحابته من المهاجرين والأنصار ، وعداوة من عاداهم ، وبغض من أبغضهم ،فمن أحب شيئاً أحب من يحبه. قال صلى الله عليه وسلم:((الله الله في أصحابي ، لا تتخذوهم غرضاً(4)
__________
(1) - سورة آل عمران:31.
(2) - سورة الحشر: الآية9.
(3) - سورة الأحزاب:56.
(4) - الغرض : شدة النزاع نحو الشيء ، أو الهدف : أي لا تتخذوا أصحابي هدفاً ترموهم بقبيح الكلام كما يرمى الهدف بالسهم .
يراجع : النهاية ( 3/360) مادة (غرض ) . وتحفة الأحوذي (10/365) أبواب المناقب .(81/53)
بعدي ، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ، ومن آذاهم فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه)) (1).
وقال صلى الله عليه وسلم:(( آية الإيمان حب الأنصار ، وآية النفاق بُغض الأنصار))(2).
وقال – عليه الصلاة والسلام - : (( الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن ، ولا يبغضهم إلا منافق ، فمن أحبهم أحبه الله ، ومن أبغضهم أبغضه الله ))(3).
ومن علامات محبته صلى الله عليه وسلم : بُغض من أبغض الله ورسوله ومعاداة من عاداه، ومجانبة من خالف سنته ، وابتداع في دينه ، واستثقاله كل أمر يخالف شريعته ، قال تعالى :{ لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}(4).
ومنها : أن يحب القرآن الذي أُنزل عليه صلى الله عليه وسلم ويحب سنته ويقف عند خدودها ، قال سهل بن عبد الله : ( علامة حب الله حب القرآن ، وعلامة حب القرآن حب النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلامة حب النبي صلى الله عليه وسلم حب السنة ، وعلامة حب السنة حب الآخرة ، وعلامة حب الآخرة بُغض الدنيا ، وعلامة بُغض الدنيا ألاَّ يدَّخر منها إلا زاداً وبلغة إلى الآخرة)(5).
__________
(1) - رواه الإمام أحمد في مسنده (5/54، 55) ، ورواه الترمذي في سننه (5/358) أبواب المناقب ،حديث رقم (3954) ، وقال : هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه .
(2) - رواه البخاري في صحيحه المطبوع مع فتح الباري(7/ 113)كتاب مناقب الأنصار،حديث رقم (3784).ورواه مسلم في صحيحه(1/ 85)كتاب الإيمان،حديث رقم(74).
(3) - رواه البخاري في صحيحه المطبوع مع فتح الباري(7/ 113)كتاب مناقب الأنصار،حديث رقم (3783).ورواه مسلم في صحيحه(1/ 85)كتاب الإيمان،حديث رقم(75).
(4) -سورة المجادلة: الآية22.
(5) -يراجع : الشفا (2/571-577) .(81/54)
وإذا استعرضنا هذه العلامات ، وجدنا أن الذين ابتدعوا الاحتفال بالمولد النبوي ، لم تظهر عليهم أي علامة من هذه العلامات ، ولم يتَّصفوا بإحداها ، بل كانوا يتصفون بضدها . فلم يقتدوا به صلى الله عليه وسلم في القول والفعل ، ولم يمتثلوا أمره بلزوم السنة ، ونهيه عن الإحداث في الدين ، بل اطرحوا سنته جانباً ، وقدموا ما تهوى أنفسهم وما يشتهونه على ما أمر الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم ، واشتغلوا بالمعاصي والملذات عن ذكره صلى الله عليه وسلم ، وسبُّوا صحابته وأنصاره- بل كفَّرُوهم - ، وجاهروا بذلك ، وقرَّبُوا أعداء الله ورسوله ، وأظهروا لهم المودة ، وولوهم أمور المسلمين(1)، فهل يبقى أدنى شك في كذبهم فيما يزعمون من أن إقامتهم للمولد النبوي لأجل محبتهم له صلى الله عليه وسلم، وتعظيم ذكراه؟؟!!؛لأن المحبة الصادقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنما تكون بطاعته فيما أمر ، والابتعاد عمَّا نهى عنه والانقياد للشرع الذي جاء به ، فلا يعبد الله إلا بما شرع ، وكذلك الإكثار من الصلاة والسلام عليه ، والتمسك بسنته ، والعمل بها ، والاقتداء به صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله ، وتقديم قوله على كل قول ، فإنَّهُ لا أحد من الأمة معصوم من الخطأ إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم . فيجب أن يؤخذ قوله كله ولا يُردّ منه شيء ، وأمور الدين إنَّما العمدة فيها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا مكان للاعتماد على الهوى والاستحسان من غير دليل شرعي .
__________
(1) - يراجع : المبحث الأول والثاني من هذا الفصل في هذا الكتاب(81/55)
قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}(1)، والله أعلم
المبحث السادس
موقف أهل السنة من هذه البدعة
اتفق العلماء من السلف الصالح-رحمهم الله- على أن الاحتفال بالمولد النبوي وغيره من المواسم غير الشرعية ، أمر محدث مبتدع في الدين ، ولم يؤثر ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عن أصحابة ، ولا عن التابعين وتابعيهم ، ولا علماء الأمة المشهورين ؛ كالأئمة الأربعة ونحوهم .
وسنذكر فيما يلي بعض أقوال السلف الصالح في هذا الشأن ، ملحقين بها أقوال بعض المتأخرين من علماء الأمة :
*قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( وأما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول ، التي يقال إنها المولد ، أو بعض ليالي رجب ، أو ثامن عشر ذي الحجة ، أو أول جمعة من رجب ، أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار ، فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف ، ولم يفعلوها ، والله سبحانه وتعالى أعلم )(2) ا.هـ .
* وقال – أيضاً – في (( اقتضاء الصراط المستقيم )) : (( فصل . ومن المنكرات في هذا الباب : سائر الأعياد والمواسم المبتدعة ، فإنها من المنكرات المكروهات سواء بلغت الكراهة التحريم، أو لم تبلغه؛ وذلك أن أعياد أهل الكتاب والأعاجم نهي عنها؛ لسببين:
أحدهما : أن فيها مشابهة الكفار .
والثاني : أنها من البدع . فما أحدث من المواسم و الأعياد هو منكر ، وإن لم يكن فيها مشابهة لأهل الكتاب ؛ لوجهين :
__________
(1) - سورة النساء:59.
(2) - يراجع : مجموعة الفتاوى (25/298) .(81/56)
أحدهما : أن ذلك داخل في مسمى البدع والمحدثات ، فيدخل فيما رواه مسلم في صحيحه عن جابر – رضي الله عنهما – قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ خطب احمرت عيناه ، وعلا صوته ، واشتد غضبه ، حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم ، ويقول : (( بُعثت أنا والساعة كهاتين – ويقرن بين أصبعيه : السبابة والوسطى – ويقول : (( أما بعد ،فإن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة ))(1) وفي رواية للنسائي : ((وكل بدعة ضلالة في النار))(2)
وفيما رواه مسلم – أيضاً – في الصحيح عن عائشة – رضي الله عنها – عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ))(3). وفي لفظ في الصحيحين :(( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ))(4).
__________
(1) - رواه مسلم في صحيحه (2/592) كتاب الجمعة ،حديث (867) ، ولفظه : (( خير الحديث كتاب الله .......)) ورواه ابن ماجه (1/17) المقدمة ، حديث رقم (45) ، ولفظه : (( خير الأمور كتاب الله .......))
(2) - رواه النسائي في سننه (3/188،189) كتاب صلاة العيدين ، باب كيف الخطبة .
(3) - ورواه مسلم في صحيحه (3/1343، 1344) كتاب الأقضية ، حديث رقم ( 1718).
(4) - رواه البخاري في صحيحه المطبوع مع فتح الباري(5/301)كتاب الصلح ،حديث رقم(2697).ورواه مسلم في صحيحه(3/1343)كتاب الأقضية ،حديث رقم ( 1718).(81/57)
وفي الحديث الصحيح الذي رواه أهل السنن عن العرباض بن سارية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( إنه من يعش منكم فسير اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ،تمسكوا بها، وعضُّو عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ))(1) .
وهذه قاعدة قد دلت عليها السنة والإجماع ، مع ما في كتاب الله من الدلالة عليها أيضاً . قال الله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ...}(2). فمن ندب إلى شيء يتقرب به إلى الله أو أوجبه بقوله أو بفعله ، من غير أن يشرعه الله ، فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله ، ومن اتبعه في ذلك فقد اتخذ شريكاً لله ، شرع من الدين ما لم يأذن به الله (3).........
إلى أن قال-والكلام في ذم البدع لما كان مقرراً في غير هذا الموضوع لم نطل النفس في تقريره،بل نذكر بعض أعيان هذه المواسم:
فصل : قد تقدم أن العيد يكون اسماً لنفس المكان ، ولنفس الزمان ، ولنفس الاجتماع ، وهذه الثلاثة قد أحدث منها أشياً :
أما الزمان فثلاثة أنواع ، ويدخل فيها بعض أعياد المكان والأفعال :
__________
(1) - رواه الإمام أحمد في مسنده (4/127) .ورواه أبو داود في سننه (5/13- 15) كتاب السنة والحديث رقم (4607)، ورواه الترمذي في سننه (4/ 149-150). أبواب العلم ،حديث رقم (2816) وقال حديث حسن صحيح ، ورواه ابن ماجه في سننه (1/ 15، 16 ) ، المقدمة حديث رقم (42) . ورواه الحاكم في المستدرك (1/95،96) كتاب العلم ، وقال حديث صحيح ليس له علَّة ، ووافقه الذهبي.
(2) - سورة الشورى: الآية21.
(3) - يراجع : اقتضاء الصراط المستقيم (2/578 ،579) .(81/58)
أحدها : يوم لم تعظمه الشريعة الإسلامية أصلاُ ، ولم يكن له ذكر في السلف ولا جرى فيه ما يوجب تعظيمه ، مثل : أول خميس من رجب ، وليلة تلك الجمعة التي تسمى الرغائب(1).
النوع الثاني : ما جرى فيه حادثة كما كان يجري في غيره ،من غير أن يوجب ذلك جعله موسماً، ولا كان السلف يعظمونه: كثامن عشر ذي الحجة(2) الذي خطب النبي صلى الله عليه وسلم فيه بغدير خم(3)مراجعة من حجة الوداع ..... وكذلك ما يحدثه بعض الناس: إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى-عليه السلام-،وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم، والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد(4)
__________
(1) - سيأتي الكلام عن بدعة صلاة الرغائب من هذا الكتاب .
(2) - سيأتي الكلام عن بدعة عيد غدير خم من هذا الكتاب .
(3) - غدير خم : يقع بين مكة والمدينة بالجحفة ، سيأتي الكلام عنها من هذا الكتاب .
(4) - قال الشيخ محمد حامد الفقي في تعليقه على اقتضاء الصراط المستقيم لشيخ الإسلام ابن تيمية : (كيف يكون لهم ثواب على هذا ؟ وهم مخالفون لهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولهدي أصحابه ، فإن قيل : لأنهم اجتهدوا فأخطأوا ، فنقول :أي اجتهاد في هذا ؟ وهل تركت نصوص العبادات مجالاً للاجتهاد ؟والأمر فيه واضح كل الوضوح، وما هو إلا غلبة الجاهلية وتحكم الأهواء ، حملت الناس على الإعراض عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى دين اليهود والنصارى والوثنيين ..... وهل تكون محبة وتعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإعراض عن هديه وكرهه وكراهية ما جاء به من الحق لصلاح الناس من عند ربه ، والمسارعة إلى الوثنية واليهودية والنصرانية ؟ ومن هم أولئك الذين أحيوا تلك لأعياد الوثنية ؟ .
هل هم أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد ...... أو غيرهم من أئمة الهدى – رضي الله عنهم- ؟ حتى يعتذر لهم ولأخطائهم . كلا . بل ما أحدث هذه الأعياد الشركية إلا العبيديون الذين أجمعت الأمة على زندقتهم وأنهم كانوا أكفر من اليهود والنصارى ، وأنهم كانوا وبالاً على المسلمين ، وعلى أيديهم وبدسائسهم ، ومانفثوا في الأمة من سموم الصوفية الخبيثة انحرف المسلمون عن الصراط المستقيم ، وكلام شيخ الإسلام نفسه يدل على خلاف مل يقول من إثابتهم ...... إلخ . فليراجع.
يراجع : تعليق على اقتضاء الصراط المستقيم لشيخ الإسلام ابن تيمية ص(294، 295) .
وكذلك يراجع : الرد القوي للشيخ حمود التويجري ص(149-153) ، والقول الفصل ص(38، 101 ،104) ، ولعل سبق قلم من الشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - ، لاسيما وأنه لا أحد يستطيع إنكار جهود الشيخ في قمع البدع والتحذير منها ومحاربتها باللسان والقلم والسيف ، وأنه من المبرزين في هذا المجال ، والله أعلم .(81/59)
لا على البدع – من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيداً مع اختلاف الناس في مولده ، فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضي له ، وعدم المانع فيه لو كان خيراً ، ولو كان خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف - رضي الله عنهم- أحق به منا ،فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيماً له منا ،وهم على الخير أحرص،وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته،وطاعته واتباع أمره، وإحياء سنته باطناً وظاهراً ، ونشر ما بعث به ، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان ، فإن هذه طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار،والذين اتبعوهم بإحسان،وأكثر هؤلاء الذين تجدهم حرَّاصاً على أمثال هذه البدع-مع ما لهم فيها من حُسن القصد والاجتهاد الذي يرجى لهم بهما المثوبة(1)- تجدهم فاترين في أمر الرسول صلى الله عليه وسلم عما أُمروا بالنشاط فيه ، وإنما هم بمنزلة من يزخرف المسجد ولا يصلي فيه ،أو يصلي فيه قليلاً ،وبمنزلة من يتخذ المسابيح والسجادات المزخرفة، وأمثال هذه الزخارف الظاهرة التي لم تُشرع ،ويصحبها من الرياء والكِبْر ،والاشتغال عن المشروع ما يفسد حال صاحبها))(2)ا.هـ .
وقال الشاطبي في((الاعتصام)) بعد أن عرف البدعة بأنها :طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه : (وقوله في الحد : [ تضاهي الشرعية ] ، يعني : أنها : أنها تشابه الطريقة الشرعية ، من غير أن تكون في الحقيقة كذلك ، بل هي مضادة لها من أوجه متعددة ، منها: وضع الحدود كالناذر للصيام قائماً لا يقعد ، ضاحياً لا يستظلّ والاختصاص في الانقطاع للعبادة ، والاقتصاد من المأكل والملبس على صنف من غير علَّة .
__________
(1) - يراجع تعليق الشيخ حمود التويجري في الرد القوي ص(149) .
(2) - يراجع : اقتضاء الصراط المستقيم (2/612 ،616) .(81/60)
ومنها : التزام الكيفيات والهيئات المعينة ، كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد ، واتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيداً ، وما أشبه ذلك ...... إلخ )(1)ا.هـ .
وقال ابن الحاج في (( المدخل )) : ( فصل في المولد : ومن جملة ما أحدثوه من البدع ، مع اعتقادهم أن ذلك من أكبر العبادات ، وأظهر الشعائر ما يفعلونه في شهر ربيع الأول من المولد ، وقد احتوى على بدع ومحرمات جملة .
فمن ذلك : استعمالهم المغاني ، ومعهم آلات الطرب من الطار المصرصر(2) والشبابة(3) وغيرهم ذلك ، مما جعلوه آلة السماع ...... ، فانظر – رحمنا الله وإياك – إلى مخالفة السنة المطهرة ما أشنعها وأقبحها ، وكيف تجر إلى المحرمات ، ألا ترى أنهم لما خالفوا السنة المطرة ، وفعلوا المولد ، لم يقتصروا على فعله ، بل زادوا عليه ما تقدم ذكره من الأباطيل المتعددة ، فالسعيد السعيد من شدَّ يده على امتثال الكتاب والسنة والطريق الموصلة إلى ذلك ، وهي اتباع السلف الماضين – رضوان الله عليهم أجمعين - ؛ لأنهم أعلم بالسنة منَّا ، إذ هم أعرف بالمقال ، وأفقه بالحال .......)ا.هـ(4) .
وقال الشيخ تاج الدين عمر بن علي اللخمي المشهور بالفاكهاني – بعد حمد الله والثناء عليه بما هو أهل له ، والصلاة والسلام على نبيا محمد عبد الله ورسوله وآله وصحبه أجمعين : ( أما بعد ، فإنه تكرر سؤال جماعة من المباركين عن الاجتماع الذي يعمله بعض الناس في شهر ربيع الأول ويسمونه المولد ، هل له أصل في الشرع ؟ أو هو بدعة وحدث في الدين ؟ وقصدوا الجواب عن ذلك مبيناً ، والإيضاح عنه معيناً ، فقلت وبالله التوفيق :
__________
(1) - يراجع : الاعتصام (1/39) .
(2) - الطار المصرصر : أي المشدود . يراجع : لسان العرب (4/450-455) .
(3) - الشبابة – بالتشديد : قصبة الزمر المعروفة . (مولد ) . يراجع : شفاء الغليل لما في كلام العرب من الدخيل ص(156) .
(4) - يراجع : المدخل (2/2-10) .(81/61)
لا أعلم لهذا المولد أصلاً في الكتاب ولا سنة ، ولا ينقل(1) عمله عن أحد من علماء الأمة ، الذين هم القدوة في الدين ، المتمسكون بآثار المتقدمين ، بل هو بدعة أحدثها البطالون(2)، وشهوة نفس اعتنى بها الأكَّالُون ، بدليل أنا إذا أدرنا عليه الأحكام الخمسة قلنا : إما أن يكون واجباً ، أو مندوباً ، مباحاً ، أو مكروهاً ، أو محرماً ، وليس بواجب إجماعاً ، ولا مندوباً ؛ لأنَّ حقيقة المندوب ما طلبه الشرع من غير ذم على تركه ، وهذا لم يأذن فيه الشرع ، ولا فعله الصحابة ولا التابعون ولا العلماء المتدينون فيما علمت ، وهذا جوابي عنه بين يدي الله تعالى إن عنه سئلت ، ولا جائز أن يكون مباحاً ؛ لأن الابتداع في الدين ليس مباحاً بإجماع المسلمين ، فلم يبق إلا أن يكون مكروهاً أو حراماً وحينئذٍ يكون الكلام فيه في فصلين والتفرقة بين حالين :
* أحدهما : أن يعمله رجل من عين ماله لأهله وأصحابه وعياله ،لا يجاوزون في ذلك الاجتماع على أكل الطعام ،ولا يقترفون شيئاً من الآثام ،وهذا الذي وصنفاه بأنه بدعة مكروهة وشناعة ؛ إذا لم يفعله أحد من متقدمي أهل الطاعة ، الذي هم فقهاء الإسلام ، وعلماء الأنام ، سُرُج الأزمنة، وزين الأمكنة.
__________
(1) - هكذا وردت في كتاب الحاوي (1/190) . لعل صحة العبارة – والله أعلم - : (ولم ينقل ) .
(2) - البطالون : جمع بطال ، ورجل بطال : ورجل بطال : ذو باطل ، وباطل بين البطول . والتبطل : فعل البطالة : وهواتباع اللهو والجهالة . يراجع لسان العرب (11/56) مادة (بطل ) .(81/62)
* والثاني : أن تدخله الجناية ، وتقوى به العناية ، حتى يعطي أحدهم الشيء ونفسه تتبعه ، وقلبه يؤلمه ويوجعه ، لما يجد من ألم الحيف ، وقد قال العلماء : أخذ المال بالحياء كأخذ بالسيف . لاسيما إذا انضاف إلى ذلك شيء من الغناء ، مع البطون الملأى، بآلات الباطل من الدفوف والشبابات ، واجتماع الرجال مع الشباب المرد ، والنساء الفاتنات ، إما مختلطات بهم أو مشرفات ، والرقص بالتثني والانعطاف ، والاستغراق في اللهو ونسيان يوم المخالف ، وكذلك النساء إذا اجتمعن على انفرادهنَّ رافعات أصواتهم بالتهنيك(1)والتطريب في الإنشاد ، والخروج في التلاوة والذكر عن المشروع والأمر المعتاد ، غافلات عن قوله تعالى :{ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ}(2).
__________
(1) - هكذا وردت في الأصل ، وربما في الكلمة تصحيف أو خطأ مطبعي ، ولعل المراد : التنهيك من النهك : وهو المبالغة في الشيء . يراجع : لسان العرب (10/500، 501) مادة (نهك ) – والله أعلم .
(2) - سورة الفجر:14.(81/63)
وهذا الذي لا يختلف في تحريمه اثنان ، ولا يستحسنه ذوو المروءة الفتيان ، وإنما يحلو ذلك لنفوس موتى القلوب ، وغير المستقلين من الآثام والذنوب ، وأزيدك أنهم يرونه من العبادات ، لا من الأمور المنكرات المحرمات ، فإنَّا لله وإنا إليه راجعون . (( بدأ الإسلام غريباً وسيعود كما بدأ ...))(1). هذا مع أن الشهر الذي ولِدَ فيه صلى الله عليه وسلم- وهو ربيع الأول- هو بعينه الشهر الذي تُوفي فيه، فليس الفرح فيه بأولى من الحزن فيه ،وهذا ما علينا أن نقول ومن الله تعالى نرجو حُسن القبول ) ا.هـ(2) .
__________
(1) - هذا حديث رواه الإمام أحمد في مسنده(1/398) .ورواه مسلم في صحيحه(1/130) كتاب الإيمان ،حديث رقم (145) . ورواه الترمذي في سننه (4/129) أبواب الإيمان ، حديث رقم (2764) ، وقال : وهذا حديث حسن غريب صحيح . ورواه ابن ماجه في سننه (2/1320) كتاب الفتن ، حديث رقم (3988) .
(2) - يراجع : الحاوي للسيوطي (1/190-192 ) .(81/64)
وقال محمد عبد السلام خضر الشقيري في كتابه (( السنن والمبتدعات )) : ( في شهر ربيع الأول وبدعة المولد فيه : لا يختص هذا الشهر بصلاة ولا ذكر ولا عبادة ولا نفقة ولا صدقة ، ولا هو موسم من مواسم الإسلام كالجمع والأعياد التي رسمها لنا الشارع – صلوات الله وتسليماته عليه ، وعلى سائر إخوانه من الأنبياء والمرسلين -، ففي هذا الشهر ولِد صلى الله عليه وسلم ، وفيه تُوفي ، فلماذا يفرحون بميلاده ولا يحزنون لوفاته ؟! فاتخاذ مولده موسماً ، والاحتفال به بدعة منكرة ، وضلالة لم يرد بها شرع ولا عقل ، ولو كان في هذا خير فكيف يغفل عنه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي – رضوان الله عليهم - ، وسائر الصحابة والتابعين وتابعيهم ، والأئمة وأتباعهم ؟ لا شك أن ما أحدثه المتصوفون الأكَّالون البطَّالُون أصحاب البدع ، وتبع الناس بعضهم بعضاً فيه إلا من عصمه الله ، ووفقه لفهم حقائق الإسلام ، ثم أي فائدة تعود ، وأي ثواب في هذه الأمور الباهظة، التي تعلق بها هذه التعاليق ، وتنصب بها هذه السرادقات ، وتضرب بها الصواريخ ؟ وأي رضا لله في اجتماع الرقاصين والرقاصات والطبالين والزمَّارين ، واللصوص والنشالين ، والحاوي والقرادتي(1)، وأي خير في اجتماع ذوي العمائم الحمراء والخضراء والصفراء والسوداء، أهل الإلحاد في أسماء الله، والشخير والنخير والصفير بالغابة ، والدقّ بالبازات والكاسات ، والشهيق والنعيق [ بأح أح يا ابن المرة ، أم أم ،أن أن، سابينها يا رسول الله ، يا صاحب الفرح المدا آد يا عم يا عم اللّع اللْع ](2)
__________
(1) - لأن اجتماع هؤلاء يعتبر من مراسم الاحتفال بالموالد عموماً ، فعلى ماذا يدل اجتماع هؤلاء العصاة وربما الكفرة ؟؟. يراجع :تاريخ الحبرتي(1/304)ترجمة عبد الوهاب العفيفي المتوفى سنة 1172هـ . ذكر فيها ما يفعلونه في مولده ، وهو مشابه لما ذكره الشقيري في كتابه مما يدل على أن ذلك أمر متفق عليه عند المتخلفين بالموالد منذ دهر طويل .
(2) - لعل هذه العبارات الغريبة مما يردده هؤلاء الصوفية في موالدهم ، وبعض مفرداتها واضح المعنى ، وبعضها غريب .(81/65)
كالقرود ، ما فائدة هذا كله ؟! فائدته سخرية الإفرنج بنا وبديننا ، وأخذ صور هذه الجماعات لأهل أوروبا ،فيفهمون أن محمداً صلى الله عليه وسلم – حاشاه حاشاه – كان كذلك هو وأصحابه ، فإنا للهِ وإنا إليه راجعون .
ثم هو خراب ودمار ، فوق ما فيه الناس من فقر وجوع وجهل وأمراض ، فلماذا لا ننفق هذه الأموال الطائلة في تأسيس
مصانع يعمل فيها الألوف من العاطلين ؟أو لماذا لا ننفق هذه النفقات الباهظة في إيجاد آلات حربية نقاوم بها أعداء الإسلام
والأوطان ؟ وكيف سكت العلماء على هذا البلاء والشر ، بل وأقروه ؟ ولماذا سكتت الحكومة الإسلامية على هذه المخازي
وهذه النفقات التي ترفع البلاد إلى أعلى عليين ؟ فإما أن يزيلوا هذا المنكر وإما وصمتهم بالجهالة )ا. هـ(1) .
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ في جواب على سؤال عن حكم الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ، وهل فعله أحد من أصحابه أو التابعين وغيرهم من السلف الصالح :
( لا شك أن الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم من البدع المحدثة في الدين ، بعد أن انتشر الجهل في العالم الإسلامي ، وصار للتضليل والإضلال ، والوهم والإيهام مجال عميت فيه البصائر ، وقوي فيه سلطان التقليد الأعمى ، وأصبح الناس في الغالب لا يرجعون إلى ما قام الدليل على مشروعيته ، وإنما يرجعون إلى ما قاله فلان وارتضاه علان ، فلم يكن لهذه البدعة المنكرة أثر يذكر لدى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا لدى التابعين ، وتابعيهم ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، تمسكوا بها ، وعضُّو عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ))(2)
__________
(1) -يراجع : السنن والمبتدعات ص (143) .
(2) - رواه الإمام أحمد في مسنده (4/126، 127) .
ورواه أبو داود في سننه المطبوع مع شرحه عون المعبود (12/358- 360) كتاب الفتن ، واللفظ له .
ورواه الترمذي في سننه المطبوع مع شرحه تحفة الأحوذي (7/ 438-442). وقال هذا حديث حسن صحيح ، باب الأخذ بالسنة واجتناب البدعة .
ورواه ابن ماجه في سننه (1/ 15، 16 ) ، المقدمة .(81/66)
. وقال – عليه السلام – أيضاً- : ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ))(1). وفي رواية : (( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ))(2).
وإذا كان مقصدهم من الاحتفال بالمولد النبوي تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإحياء ذكره، فلا شك أن تعزيره(3) وتوقيره يحصل بغير هذه الموالد المنكرة، وما يصاحبها من مفاسد وفواحش ومنكرات، قال الله تعالى:{وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ }(4). فذكره مرفوع في الأذان والإقامة ، والخطب والصلوات ، وفي التشهد والصلاة عليه في الدعاء وعند ذكره ، فلقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( البخيل من ذُكرت عنده فلم يصل علي ))(5).
وتعظيمه يحصل بطاعته فيما أمر ، وتصديقه فيما أخبر ، واجتناب ما نهى عنه وزجر ، وألاَّ يُعبد الله إلا بما شرع .
__________
(1) - رواه البخاري في صحيحه المطبوع مع فتح الباري (5/301) كتاب الصلح ، حديث رقم (2697). ورواه مسلم في صحيحه (3/1343) كتاب الأقضية ، حديث رقم ( 1718).
(2) - ورواه مسلم في صحيحه (3/1343، 1344) كتاب الأقضية ، حديث رقم ( 1718).
(3) - كلمة التعزير مأخوذة من قوله تعالى : { )لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} (الفتح:9) . وقوله تعالى :{ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(لأعراف: من الآية157)
(4) - سورة الشرح:4.
(5) - رواه الإمام أحمد في مسنده (1/201) . ورواه الترمذي في سننه (5/211) أبواب الدعوات ، حديث رقم (3614) ، وقال : هذا حديث حسن غريب صحيح .(81/67)
فهو أجل من أن تكون ذكراه سنوية فقط ، ولو كان هذه الاحتفالات خيراً نحضاً ، أو راجحاً لكان السلف الصالح – رضي الله عنهم – أحق بها منا ، فإنهم كانوا أشدّ منا محبة وتعظيماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم على الخير أحرص ، ولكن قد لا يتجاوز أمر أصحاب هذه الموالد ما ذكره بعض أهل العلم : من أن الناس إذا اعترتهم عوامل الضعف والتخاذل والوهن ، راحوا يعظمون أئمتهم بالاحتفالات الدورية،دون ترسم مسالكهم المستقيمة؛لأن تعظيمهم هذا لا مشقة على فيه النفس الضعيفة، ولا شك أن التعظيم الحقيقي هو طاعة المعظم ، والنصح له ، والقيام بالأعمال التي يقوم بها أمره ، ويعتز بها دينه، إن كان رسولاً، وملكه إن كان ملكاً .
وقد كان السلف الصالح أشد ممن بعدهم تعظيماً للنبي صلى الله عليه وسلم ، ثم للخلفاء الراشدين من بعده ، وناهيك ببذل أموالهم وأنفسهم في هذا السبيل ،إلا أن تعظيمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاءه الراشدين ، لم يكن كتعظيم أهل هذه القرون المتأخرة ، ممن ضاعت منهم طريقة السلف الصالح في الاهتداء والاقتداء ،وسلكوا طريق الغواية والضلال في مظاهر التعظيم الأجوف ،ولا ريب أن الرسول صلى الله عليه وسلم أحقّ الخلق بكل تعظيم يناسبهم ، إلاَّ أنه ليس من تعظيمه أن نبتدع في دينه بزيادة أو نقص ،أو تبديل أو تغيير لأجل تعظيمه به ، كما أنه ليس من تعظيمه- عليه الصلاة والسلام - أن نصرف له شيئاً مما لا يصلح لغير الله من أنواع التعظيم والعبادة ........
والخلاصة : أن الاحتفال بالمولد من البدع المنكرة ، وقد كتبنا فيها رسالة مستقلَّة فيها مزيد تفصيل ...والله ولي التوفيق )ا.هـ(1)
__________
(1) - يراجع : فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن لإبراهيم (3/54-56) . وللشيخ – رحمه الله – ورسائل كثيرة في إنكار بدعة المولد ، بعضها مطول ، وبعضها مختصر ، فلتراجع في الجزء الثالث من الفتاوى .
وممن كتب أيضاً في إنكار بدعة المولد الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد – رحمه الله – وذلك في رسالة لطيفة ، وكذلك الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز – رحمه الله – وذلك من خلال الصحف والمجلات ، وله رسائل مطبوعة في هذا الموضوع ....... إلى غير هؤلاء من العلماء الذين لا يتسع المجال لذكر كتاباتهم التي جاءت على شكل ردود على القائلين بشرعية الاحتفال بالمولد النبوي .(81/68)
.
فمن خلال هذه الشواهد من آثار السلف الصالح ، ومن على نهجهم ، يتبين لنا أنهم اتفقوا على أن الاحتفال بالمولد النبوي بدعة محدثة ، لم تؤثر على الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا عن أحد من أصحابه- رضوان الله عليهم - ، ولا عن التابعين وتابعيهم ومن تبعهم من الأئمة الأعلام من سلفنا الصالح- رحمة الله عليهم .
والبدعة مهما عمل الناس بها ، ومهما مرَّت عليها الأزمنة والعصور ، ومهما عمل بها أو رضي بها من يدَّعي العلم ، لا يمكن أن تكون في يوم من الأيام سنَّة يؤجر على فعلها .
والذين يحتفلون بهذه الموالد قد آثروا أقوال علماء الغواية والجهالة على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وإن استشهدوا بهما فهم يؤولون معانيهما على ما يوافق شهواتهم وهوى أنفسهم ، ويدلُّ على ذلك تعصبهم لأقوال مشايخهم الذي ضلُّوا وأضلُّوا ،ولو كانوا يبحثون عن الحق ،لسألوا أهل العلم واستفسروا منهم ، وفحصوا الأدلة والبراهين ، وإذا اتضح لهم الطريق المستقيم اتبعوه ، ولكن المكابرة سلاح الجاهل يطعن به نفسه .(81/69)
وصدق الله العظيم القائل في محكم كتابه : {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ* وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ* أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ}(1).
__________
(1) - سورة النور والآيات :47- 52 .(81/70)
والقائل سبحانه وتعالى :{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً *وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً * فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً *أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً * وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً* فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً }(1) .
والقائل – أيضاً -في محكم كتابه : { وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً}(2).
وهل قام الذين يحتفلون بالموالد بكل تعاليم الإسلام كبيرها وصغيرها من الأركان والفروض والواجبات والسنن ،حتى يبحثوا عن بدعة حسنة- كما يزعمون- رغبة في زيادة الأجر والثواب من الله؟! الله أكبر!!!.
__________
(1) - سورة النساء الآيات :60- 65 .
(2) - سورة النساء:115.(81/71)
نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق إلى صراطه المستقيم ، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه إنه ولي ذلك والقادر عليه ، والله أعلم .(81/72)
بدعة المولد
للعلامة محمد ناصر الدين الألباني
إن الحمد لله نحمده ونستعينة ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون }
{ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تتساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا}
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما}
أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشر الامر محدثاتها ، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.(82/1)
وبعد فقد بدا لي أن أجعل كلمتي في هذه الليلة بديل الدرس النظامي حول موضوع احتفال كثير المسلمين بالمولد النبوي وليس ذلك مني كل قياما بواجب التذكير وتقديم النصح لعامة المسلمين فإنه واجب من الواجبات كما هو معلوم عند الجميع، جرى عرف المسلمين من بعد القرون الثلاثة المشهود لها بالخيرية على الاحتفال بولادة النبي صلى الله عليه وسلم وبدأ الاحتفال بطريقة وانتهى اليوم إلى طريقة وليس يهمني في هذه الكلمة الناحية التاريخية من المولد وما جرى عليه من تطورات إنما المهم من كلمتي هذه أن نعرف موقفنا الشرعي من هذه الاحتفالات قديمها وحديثها فنحن معشر أهل السنة لا نحتفل احتفال الناس هؤلاء بولادة الرسول صلى الله عليه وسلم ولكننا نحتفل احتفالاً من نوع آخر ومن البدهي أنني لا أريد الدندنة حول احتفالنا نحن معشر أهل السنة وإنما ستكون كلمتي هذه حول احتفال الآخرين لأبين أن هذا الاحتفال وإن كان يأخذ بقلوب جماهير المسلمين لأنهم يستسلمون لعواطفهم التي لا تعرف قيداً شرعياً مطلقا وإنما هي عواطف جانحة فنحن نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء بالدين كاملا وافيا تاما والدين هو كل شئ يتدين به المسلم وأن يتقرب به إلى الله عز وجل ليس ثمة دين إلا هذا، الدين هو كل ما يتدين به ويتقرب به المسلم إلى الله عز وجل ولا يمكن أن يكون شئ ما من الدين في شئ ما إلا إذا جاء به نبينا صلوات الله وسلامه عليه أما ما أحدثه الناس بعد وفاته صلى الله عليه وسلم فلا سيما بعد القرون الثلاثة المشهود لها بالخيرية فهي لاشك ولا ريب من محدثات الأمور وقد علمتم جميعا حكم هذه المحدثات من افتتاحية دروسنا كلها حيث نقول فيها كما سمعتم آنفا "خير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار" ونحن وإياهم مجمعون على أن هذا الاحتفال أمر حادث لم يكن ليس فقط في عهده صلى الله عليه وسلم بل ولا في عهد(82/2)
القرون الثلاثة كما ذكرنا آنفا ومن البدهي أن النبي صلى الله عليه وسلم في حياته لم يكن ليحتفل بولادته ذلك لأن الاحتفال بولادة إنسان ما إنما هي طريقة نصرانية مسيحية لا يعرفه الإسلام مطلقا في القرون المذكورة آنفا فمن باب أولى ألا يعرف ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأن عيسى نفسه الذي يحتفل بميلاده المدعون إتباعه عيسى نفسه لم يحتفل بولادته مع أنها ولادة خارقة للعادة وإنما الاحتفال بولادة عيسى عليه السلام هو من البدع التي ابتدعها النصارى في دينهم وهي كما قال عز وجل { ابتدعوها ما كتبناها عليهم} ربنا عز وجل هذه البدع التي اتخذها النصارى ومنها الاحتفال بميلاد عيسى ما شرعها الله عز وجل وإنما هم ابتدعوها من عند أنفسهم فلذلك إذا كان عيسى لم يحتفل بميلاده ومحمد صلى الله عليه وسلم أيضا كذلك لم يحتفل بميلاده والله عز وجل يقول {وبهداهم اقتده} فهذا من جملة الإقتداء نبينا بعيسى عليه الصلاة والسلام وهو نبينا أيضا ولكن نبوته نسخت ورفعت بنبوة خاتم الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهما ولذلك فعيسى حينما ينزل في آخر الزمان كما جاء في الأحاديث الصحيحة المتواترة إنما يحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم فإذاً محمد صلى الله عليه وسلم لم يحتفل بميلاده وهنا يقول بعض المبتلين بالاحتفال غير المشروع الذي نحن في صدد الكلام عليه يقولون محمد صلى الله عليه وسلم ما راح يحتفل بولادته طيب سنقول لم يحتفل بولادته عليه السلام بعد وفاته أحب الخلق من الرجال إليه وأحب الخلق من النساء إليه ذا لكما أبو بكر وابنته عائشة رضي الله عنهما ما احتفلا بولادة الرسول صلى الله عليه وسلم كذلك الصحابة جميعا كذلك التابعون كذلك أتباعهم وهكذا إذا لا يصح لإنسان يخشى الله ويقف عند حدود الله ويتعظ بقول الله عز وجل، {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا} فلا يقولن أحد الناس الرسول ما احتفل لأنه(82/3)
هذا يتعلق بشخصه لأنه يأتي بالجواب لا أحد من أصحابه جميعا أحتفل به عليه السلام فمن الذي أحدث هذا الاحتفال من بعد هؤلاء الرجال الذين هم أفضل الرجال ولا أفضل من بعدهم أبدا ولن تلد النساء أمثالهم إطلاقا من هؤلاء الذين يستطيعون بعد مضي هذه السنين الطويلة ثلاثمائة سنة يمضون لا يحتفلون هذا الاحتفال أو ذاك وإنما احتفالهم من النوع الذي سأشير إليه إشارة سريعة كما فعلت آنفا فهذا يكفي المسلم أن يعرف أن القضية ليست قضية عاطفة جانحة لا تعرف الحدود المشروعة وإنما هو الاتباع والاستسلام لحكم الله عز وجل ومن ذلك { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } فرسول الله ما احتفل إذا نحن لا نحتفل إن قالوا ما احتفل لشخصه نقول ما احتفل أصحابه أيضا بشخصه من بعده فأين تذهبون؟ كل الطرق مسدودة أمام الحجة البينة الواضحة التي لا تفسح مجالاً مطلقا للقول بحسن هذه البدعة وإن مما يبشر بالخير أن بعض الخطباء والوعاظ بدأوا يضطرون ليعترفوا بهذه الحقيقة وهي أن الاحتفال هذا بالمولد بدعة وليس من السنة ولكن يعودهم ويحتاجون إلى شئ من الشجاعة العلمية التي تتطلب الوقوف أمام عواطف الناس الذين عاشوا هذه القرون الطويلة وهم يحتفلون فهؤلاء كأنهم يجبنون أو يضعفون أن يصدعوا بالحق الذي اقتنعوا به ولذلك لا تجد يروق ولا أريد أن أقول يسدد ويقارب فيقول صحيح أن هذا الاحتفال ليس من السنة ما احتفل الرسول ولا الصحابة ولا السلف الصالح ولكن الناس اعتادوا أن يحتفلوا ويبدو أن الخلاف فقري، هكذا يبرر القضية ويقول الخلاف شكلي لكن الحقيقة أنهم انتبهوا أخيرا إلى أن هذا المولد خرج عن موضوع الاحتفال بولادة الرسول صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحيان حيث يتطرف الخطباء أمورا ليس لها علاقة بالاحتفال بولادة الرسول صلى الله عليه وسلم أريد ألا أطيل في هذا ولكني أذكر لأمر هام جدا طالما غفل عنه جماهير المسلمين حتى بعض إخواننا الذين يمشون معنا على(82/4)
الصراط المستقيم وعلى الابتعاد من التعبد إلى الله عز وجل بأي بدعة، قد يخفى عليهم أن أي بدعة يتعبد المسلم بها ربه عز وجل هي ليست من صغائر الأمور ومن هنا نعتقد أن تقسيم البدعة إلى محرمة وإلى مكروهة يعني كراهه تنزيهيه هذا التقسيم لا أصل له في الشريعة الإسلامية كيف وهو مصادم مصادمة جلية للحديث الذي تسمعونه دائما وأبدأ (كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) فليس هناك بدعة لا يستحق صاحبها النار ولو صح ذلك التقسيم لكان الجواب ليس كل بدعة يستحق صاحبها دخول النار لم؟ لأن ذاك التقسيم يجعل بدعة محرمة فهي التي تؤهل صاحبها النار وبدعة مكروهة تنزيها لا تؤهل صاحبها للنار وإنما الأولى تركها والإعراض عنها والسر وهنا الشاهد من إشارتي السابقة التي لا ينتبه لها الكثير، والسر في أن كل بدعة كما قال عليه الصلاة والسلام بحق ضلالة هو أنه من باب التشريع في الشرع الذي ليس له حق التشريع إلا رب العالمين تبارك وتعالى فإذا انتبهتم لهذه النقطة عرفتم حينذاك لماذا أطلق عليه الصلاة والسلام على كلأ بدعة أنها في النار أي صاحبها ذلك لأن المبتدع حينما يشرع شيئا من نفسه فكأنه جعل نفسه شريكا مع ربه تبارك وتعالى والله عز وجل يأمرنا أن نوحده في عبادته وفي تشريعه فيقول مثلاً في كتابه { ولا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون) أندادا في كل شئ من ذلك في التشريع ومن هنا يظهر معشر الشباب المسلم الواعي المثقف الذي انفتح له الطريق إلى التعرف على الإسلام الصحيح من المفتاح لا إله إلا الله وهذا التوحيد الذي يستلزم كما بين ذلك بعض العلماء قديما وشرحوا ذلك شرحا بينا ثم تبعهم بعض الكتاب المعاصرين أن هذا التوحيد يستلزم إفراد الله عز وجل بالتشريع يستلزم ألا يشرع أحد مع الله عز وجل أمرا ما سواء كان صغيرا أم كبيرا جليلا أم حقيراً لأن القضية ليست بالنظر إلى الحكم هو صغير أم كبير وإنما إلى الدافع إلى هذا التشريع فإن كان هذا التشريع صدر من الله(82/5)
تقربنا به إلى الله وإن كان صدر من غير الله عز وجل نبذناه وشرعته نبذ النواة ولم يجز للمسلم أن يتقرب إلى الله عز وجل بشيء من ذلك وأولى وأولى ألا يجوز للذي شرع ذلك أن يشرعه وأن يستمر على ذلك وأن يستحسنه، هذا النوع من إفراد الله عز وجل بالتشريع هو الذي اصطلح عليه اليوم بعض الكتاب الإسلاميين بتسمية بأن ألحا كمية لله عز وجل وحده لكن مع الأسف الشديد أخذ شبابنا هذه الكلمة كلمة ليست مبينة مفصلة لا تشتمل كل شرعة أو كل أمر أدخل في الإسلام وليس من الإسلام في شئ أن هذا الذي أدخل قد شارك الله عز وجل في هذه الخصوصية ولم يوحد الله عز وجل في تشريعه، ذلك لأن السبب فيما أعتقد في عدم وضوح هذا المعنى الواسع لجملة أن ألحا كمية لله عز وجل هو أن الذين كتبوا حول هذا الموضوع أقولها مع الأسف الشديد ما كتبوا ذلك إلا وهم قد نبهوا بالضغوط الكافرة التي ترد بهذه التشريعات وهذه القوانين من بلاد الكفر وبلاد الضلال ولذلك فهم حينما دعوا المسلمين وحاضروا وكتبوا دائما وأبدا حول هذه الكلمة الحقة وهي أن ألحا كمية لله عز وجل وحده كان كلامهم دائما ينصب ويدور حول رفض هذه القوانين الأجنبية التي ترد إلينا من بلاد الكفر كما قلنا لأن ذلك إدخال في الشرع ما لم يشرعه الله عز وجل هذا كلام حق لاشك ولا ريب ولكن قصدي أن ألفت نظركم أن هذه القاعدة الهامة وهي أن ألحا كمية لله عز وجل لا تنحصر فقط برفض هذه القوانين التي ترد إلينا من بلاد الكفر بل تشمل هذه الجملة هذه الكلمة الحق كل شئ دخل في الإسلام سواء كان وافدا إلينا أو نابعا منا مادام أنه ليس من الإسلام في شئ، هذه النقطة بالذات هي التي يجب أن نتنبه لها وأن لا نتحمس فقط لجانب هو هذه القوانين الأجنبية فقط وكفرها واضح جدا نتنبه لهذا فقط بينما دخل الكفر في المسلمين منذ قرون طويلة وعديدة جدا والناس في غفلة من هذه الحقيقة فضلاً عن هذه المسائل التي يعتبرونها طفيفة لذلك فهذا الاحتفال(82/6)
يكفي أن تعرفوا أنه محدث ليس من الإسلام في شئ ولكن يجب أن تتذكروا مع ذلك أن الإصرار على استحسان هذه البدعة مع إجمال جميل كما ذكرت آنفا أنها محدثة فالإصرار على ذلك أخشى ما أخشاه أن يدخل المصر على ذلك في جملة { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله} وأنتم تعلمون أن هذه الآية لما نزلت وتلاها النبي صلى الله عليه وسلم كان في المجلس عدي بن حاتم الطائي وكان من العرب القليلين الذين قرأوا وكتبوا وبالتالي تنصروا فكان نصرانيا فلما نزلت هذه الآية لم يتبين له المقصد منها فقال يا رسول الله كيف يعني ربنا يقول عنا نحن النصارى سابقا (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) ما اتخذناهم أحبارنا أربابا من دون الله عز وجل كأنه فهم أنهم اعتقدوا بأحبارهم ورهبانهم أنهم يخلقون مع الله يرزقون مع الله وإلى غير ذلك من الصفات التي تفرد الله بها عز وجل دون سائر الخلق فبين له الرسول عليه السلام بأن هذا المعنى الذي خطر في بالك ليس هو المقصود بهذه الآية وإن كان هو معنى حق يعني لا يجوز للمسلم أن يعتقد أن إنسانا ما يخلق ويرزق لكن المعنى هنا أدق من ذلك فقال له (ألستم كنتم إذا حرموا لكم حلالاً حرمتموه؟ وإذا حللوا لكم حراما حللتموه؟ قال أما هذا فقد كان فقال عليه السلام، فذاك اتخاذكم إياهم أربابا من دون الله " لذلك فالأمر خطير جدا استحسان بدعة المستحسن وهو يعلم أنه لم يكن من عمل السلف الصالح ولو كان خيرا لسبقونا إليه، قد حشر نفسه في زمرة الأحبار والرهبان الذين اتخذوا أربابا من دون الله عز وجل والذين أيضا يقلدونهم فهم الذين نزل في صددهم هذه الآية أو في أمثالهم { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله } غرضي من هذا أنه لا يجوز للمسلم كما نسمع دائما وكما سمعنا قريبا معليش الخلاف شكلي، الخلاف جذري وعميق جدا لأننا نحن ننظر إلى أن هذه البدعة وغيرها داخلة أولاً في عموم الحديث السابق "كل بدعة ضلالة وكل(82/7)
ضلالة في النار" وثانيا ننظر إلى أن موضوع البدعة مربوط بالتشريع الذي لم يأذن به الله عز وجل كما قال تعالى { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله } وهذا يقال كله إذا وقف الأمر فقط عند ما يسمى بالاحتفال، بولادته عليه السلام بمعنى قراءة قصة المولد أما إذا انضم إلى هذه القراءة أشياء وأشياء كثيرة جدا منها أنهم يقرءون من قصته عليه الصلاة والسلام قصة المولد أولا مالا يصح نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم وثانيا يذكرون من صفاته عليه السلام فيما يتعلق بولادته ما يشترك معه عامة البشر بينما لو كان هناك يجب الاحتفال أو يجوز على الأقل بالرسول صلى الله عليه وسلم كان الواجب أن تذكر مناقبه عليه الصلاة والسلام وأخلاقه وجهاده في سبيل الله وقلبه لجزيرة العرب من الإشراك بالله عز وجل إلى التوحيد من الأخلاق الجاهلية الطالحة الفاسدة إلى الأخلاق الإسلامية كان هذا هو الواجب أن يفعله لكنهم جروا على نمط من قراءة الموارد لا سيما إلى عهد قريب عبارة عن أناشيد وعبارة عن كلمات مسجعة ويقال في ذلك من جملة ما يقال مثلا مما بقى في ذاكرتي والعهد القديم "حملت به أمة تسعة أشهر قمرية" ما الفائدة من ذكر هذا الخبر؟ وكل إنسان منا تحمل به أمه تسعة أشهر قمرية، القصد هل أفضل البشر وسيد البشر عليه الصلاة والسلام يذكر منه هذه الخصلة التي يشترك فيها حتى الكافر إذا خرج القصد من المولد خرج عن هدفه بمثل هذا الكلام الساقط الواهي، بعضهم مثلا يذكرون بأنه ولد مختونا مشروع وهذا من الأحاديث الضعيفة والموضوعة فهكذا يمدح الرسول عليه السلام؟ يعني نقول أن الاحتفال في أصله لو كان ليس فيه مخالفة سوى أنه محدث لكفى وجوبا الابتعاد عنه للأمرين السابقين لأنه محدث ولأنه تشريع والله عز رجل لا يرضى من إنسان أن يشرع للخلق ما يشاء فكيف وقد انضم إلى المولد على مر السنين أشياء وأشياء مما ذكرنا ومما يطول الحديث فيما لو استعرضنا الكلام(82/8)
على ذلك فحسب المسلم إذا التذكير هنا والنصيحة أن يعلم أن أي شئ لم يكن في عهد الرسول عليه السلام وفي عهد السلف الصالح فمهما زخرفه الناس ومهما زينوه ومهما قالوا هذا في حب الرسول وأكثرهم كاذبون فلا يحبون الرسول إلا باللفظ وإلا بالغناء والتطريب ونحو ذلك مهما زخرفوا هذه البدع فعلينا نحن أن نظل متمسكين بما عليه سلفنا الصالح رضي الله عنهم أجمعين وتذكروا معنا بأن من طبيعة الإنسان المغالاة في تقدير الشخص الذي يحبه لاسيما إذا كان هذا الشخص لا مثل له في الدنيا كلها ألا وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن طبيعة الناس الغلو في تعظيم هذا الإنسان إلا الناس الذين يأتمرون بأوامر الله عز وجل ولا يعتدون فهم يتذكرون دائما وأبدا مثل قوله تبارك وتعالى { وتلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه } فإذا كان الله عز وجل قد اتخذ محمدا صلى الله عليه وسلم نبيا فهو قبل ذلك جعله بشرا سويا لم يجعله ملكا خلق من نور مثلاكما يزعمون وإنما هو بشر وهو نفسه تأكيداً للقرآن الكريم { قل إنما أنا بشر مثلكم يوحي... الخ الآية} هو نفسه أكد ذلك في غير ما مناسبة فقال "إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني " وقال لهم مرة "لا ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله فيها وإنما ضعوني حيث وضعني ربي عز وجل عبداً رسولاً" لذلك في الحديث الصحيح في البخاري ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله " هذا الحديث تفسير للحديث السابق "لا ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله بها " فهو يقول لا تمدحوني كما فعلت النصارى في عيسى بن مريم كأن قائلا يقول كيف نقول يا رسول الله كيف نمدحك؟ قال "إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله " ونحن حينما نقول في رسولنا صلى الله عليه وسلم عبد الله ورسوله فقد رفعناه ووضعناه في المرتبة التي وضعه الله عز وجل(82/9)
فيها لن ننزل به عنها ولم نصعد به فوقها هذا الذي يريده رسول الله صلى الله عليه وسلم متا ثم نجد النبي صلوات الله وسلامه عليه يطبق هذه القواعد ويجعلها حياة يمشي عليها أصحابه صلوات الله وسلامه معه فقد ذكرت لكم غير ما مرة قصة معاوية بن جبل رضي الله عنه حينما جاء إلى الشام وهي يومئذ من بلاد الروم بلاد النصارى يعبدون القسيسين والرهبان بقى في الشام ما بقى لتجارة فيما يبدو ولما عاد إلى المدينة فكان لما وقع بصره على النبي صلى الله عليه وسلم هم ليسجد لمن؟ لسيد الناس فقال له عليه الصلاة والسلام "مه يا معاذ- شو هذا- قال يا رسول الله إني أتيت الشام فرأيت النصارى يسجدون لقسيسيهم وعظمائهم فرأيتك أنت أحق بالسجود منهم فقال عليه الصلاة والسلام "لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها " وهذا الحديث جاء في مناسبات كثيرة لا أريد أن أستطرد إليها وحسبنا هنا أن نلفت النظر إلى ما أراد معاذ بن جبل أن يفعل من السجود للنبي صلى الله عليه وسلم ما الذي دفعه على هذا السجود ؟ هل هو بغضه للرسول عليه السلام؟ بطبيعة الحال لا إنما هو العكس تماما هو حبه للنبي صلى الله عليه وسلم الذي أنقذه من النار لولا، هنا يقال الواسطة لا تنكر لولا الرسول عليه السلام أرسله الله إلى الناس هداية لجميع العالم لكان الناس اليوم يعيشون في الجاهلية السابقة وأضعاف مضاعفة عليها فلذلك ليس غريبا أبداً لاسيما والتشريع بعد لم يكن قد كمل وتم ليس غريبا أبدا أن يهم معاذ بن جبل بالسجود للنبي صلى الله عليه وسلم كإظهار لتبجيله واحترامه وتعظيمه لكن النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان قرر في عقولهم وطبعهم على ذلك يريد أن يثبت عمليا بأنه بشر وأن هذا السجود لا يصلح إلا لرب البشر ويقول لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها، في بعض روايات الحديث "ولكن لا يصلح السجود إلا لله عز وجل "(82/10)
إذا نحن لو استسلمنا لعواطفنا لسجدنا لنبينا صلى الله عليه وسلم سواء كان حياً أو ميتا لماذا؟ تعظيما له لأن القصد تعظيمه وليس القصد عبادته عليه السلام ولكن إذا كنا صادقين في حبه عليه الصلاة والسلام فيجب أن تأتمر بأمره وأن ننتهي بنهيه وألا نضرب بالأمر والنهي عرض الحائط بزعم أنه نحن نفعل ذلك حباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم كيف هذا؟ هذا أولاً عكس للنص القرآني ثم عكس للمنطق العقلي السليم ربنا عز وجل يقول (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) فإذا اتباع الرسول عليه السلام هو الدليل الحق الصادق الذي لا دليل سواه على أن هذا المتبع للرسول عليه السلام هو المحب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ومن هنا قال الشاعر قوله المشهور:
تعصى الإله وأنت تظهر حبه هذا لعمرك في القياس بديع
لو كان حبك صادقاً لاطعته إن المحب لمن يحب مطيع(82/11)
هناك مثال دون هذا ومع ذلك فرسول الله صلى الله عليه وسلم ربى أصحابه عليه ذلك أن الناس في الجاهلية كانوا يعيشون على عادات جاهلية وزيادة أخرى عادات فارسية أعجمية ومن ذلك أنه يقوم بعضهم لبعض كما نحن نفعل اليوم تماما لأننا لا نتبع الرسول عليه السلام ولا نصدق أنفسنا بأعمالنا أننا نحبه عليه الصلاة والسلام وإنما بأقوالنا فقط ذلك أن الناس كان يقوم بعضهم لبعض أما الرسول صلى الله عليه وسلم فقد كان أصحابه معه كما لو كان فرداً منهم لا أحد يظهر له من ذلك التبجيل الوثني الفارسي الأعجمي شيئا إطلاقا وهذا نفهمه صراحة من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال "ما كان شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم و كانوا لا يقومون لما يعلمون من كراهيته لذلك " أنظروا هذا الصحابي الجليل الذي تفضل الله عليه فأولاه خدمة نبيه عشرة سنين أنس بن مالك كيف يجمع في هذا الحديث بين الحقيقة الواقعة بينه عليه السلام وبين أصحابه من حبهم إياه وبين هذا الذي يدندن حوله أن هذا الحب يجب أن يقيد بالإتباع وأن لا ينصاع وأن لا يخضع صاحبه من هوى وحبك الشيء يعمي ويصم فهو يقول حقا ما كان شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه حقيقة لا جدال فيها لكنه يعطف على ذلك فيقول وكانوا لا يقومون لما يعلمون من كراهيته لذلك إذا لماذا كان أصحاب الرسول عليه السلام لا يقومون له؟ إتباعا له تحقيقا للآية السابقة (إن كنتم تحبون الله فاتبعوني ) فاتباع الرسول هو دليل حب الله حبا صحيحاً ما استسلموا لعواطفهم كما وقع من الخلف الطالح نحن نقرأ في بعض الرسائل التي ألفت حول هذا المولد الذي نحن في صدد بيان أنه محدث جرت مناقشات كثيرة مع الأسف والأمر كالصبح أبلج واضح جداً فناس ألفوا في بيان ما نحن في صدده أن هذا ليس من عمل السلف الصالح وليس عبادة وليس طاعة وناس تحمسوا واستسلموا لعواطفهم وأخذوا يتكلمون كلاماً لا يقوله إلا إنسان ممكن أن يقال في(82/12)
مثله إن الله عز وجل إذا أخذ ما وهب أسقط ما أوجب لماذا؟ لأن في المولد حتى الطريقة القديمة ما أدري الآن لعلهم نسخوها أو عدلوها كانوا يجلسون على الأرض فكانوا إذا جاء القارئ لقصة ولادة الرسول عليه السلام ووضع أمه إياه قاموا جميعاً قياماً وكانوا يبطشون بالإنسان إذا لم يتحرك وظل جالساً فجرت مناقشات حول هذا الموضوع فألف بعضهم رسالة فقال هذا الإنسان الأحمق قال لو استطعت أن أقوم لولادة الرسول عليه السلام على برأسي لفعلت، هذا يدري ما يقول الحق ما قال الشاعر:
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم(82/13)
ترى إذا عملنا مقابلة بين هذا الإنسان الأحمق وبين صحابة الرسول الكرام حسبنا واحد منهم مش الصحابة حتى ما نظلمهم ترى من الذي يحترم ويوقر الرسول عليه السلام أكثر أذاك الصحابي الذي إذا دخل الرسول عليه السلام لا يقوم له أم هذا الخلف الأحمق يقول لو تمكنت لقمت على رأسي؟ هذا كلام إنسان مثل ما قلنا آنفاً يعني هايم ما يدري ما يخرج من فمه وإلا إذا كان يتذكر سيرة الرسول عليه السلام وأخلاقه وتواضعه وأمره للناس بأنه ما يرفعوه إلى آخر ما ذكرنا آنفاً كما تجرأ أن يقول هذه الكلمة لاسيما وهو يقول ذلك بعد وفاته عليه السلام حيث الشيطان يتخذ طريقا واسعا جدا لإضلال الناس وإشكال الناس لنبيهم بعد وفاته أكثر منه في حياته عليه السلام لأن النبي صلى الله عليه وسلم وهو حي يرى فينصح ويذكر ولمعلم وهو سيد المعلمين فلا يستطيع الشيطان أن يتقرب إلى أحد بمثل هذا التعظيم الذي هو من باب الشرك أما بعد وفاته عليه السلام فهنا ممكن أن الشيطان يتوغل إلى قلوب الناس وإخراجهم عن الطريق الذي تركهم الرسول صلوات الله وسلامه عليه فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم في حياته ما يقوم له أحد وهو أحق الناس بالقيام لو كان سائغاً فنحن نعلم من هذا الحديث حديث أنس أن الصحابة كانوا يحبون الرسول عليه السلام حبا حقيقياً وأنهم لو تركوا لأنفسهم لقاموا له دائما وأبداً ولكنهم هم المجاهدون حقاً تركوا أهواءهم إتباعاً للرسول عليه السلام ورجاء مغفرة الله عز وجل ليحفظوا بحب الله عز رجل لهم فيغفر الله لهم هكذا يكون الإسلام فالإسلام هو الاستسلام هذه الحقيقة هي التي يجب دائما نستحضرها وأن نبتعد دائماً وأبداً عن العواطف التي تفق الناس كثيراً وكثيراً جداً فتخرجهم عن سواء السبيل لم يبق الآن من تعظيم الرسول عليه السلام في المجتمعات الإسلامية إلا قضايا شكلية أما التعظيم من حق كما ذكرنا وهو إتباعه فهذا أصبح محصوراً و محدوداً في أشخاص قليلين جداً وماذا(82/14)
يقول الإنسان في الاحتفالات اليوم رفع الصوت والتطريب وغناء لو رفع صوته هذا المغني واضطرب وحرك رأسه ونحو ذلك أمام الرسول صلى الله عليه وسلم لكان ذلك لا أقول هل هو الكفر وإنما هو إهانة للرسول عليه السلام لكان ذلك لا أقول هل هو الكفر وإنما هو إهانة للرسول عليه السلام وليس تعظيما له وليس حبا له لأنه حينما ترونه يرفع صوته ويمد ويطلع وينزل في أساليب موسيقية ما أعرفها وهو يقول يفعل ذلك حبا في رسول الله أنه كذاب ليس هذا هو الحب، الحب في اتباعه ولذلك الآن تجد الناس فريقين فريق يقنعون لا ثبات أنهم محبون للرسول عليه السلام على النص على الصمت وهو العمل في أنفسهم في أزواجهم في ذرياتهم وناس آخرون يدعون هذا المجال فارغا في بيوتهم في أزواجهم في بناتهم في أولادهم لا يعلمونهم السنة ولا يربونهم عليها كيف وفاقد الشيء لا يعطيه؟ وإنما لم يبق عندهم إلا هذه المظاهر إلا الاحتفال بولادة الرسول عليه السلام ثم جاء الظغث على إبالة كما يقال فصار عندنا أعياد واحتفالات كثيرة كما جاء الاحتفال بسيد البشر تقليداً للنصارى كذلك جرينا نحن حتى في احتفالنا بمواليد أولادنا أيضاً على طريقة النصارى وإن تعجب فعجب من بعض هؤلاء المنحرفين عن الجادة يقولون النصارى يحتفلوا بعيساهم بنبيهم نحن ما نحتفل بميلاد نبينا عليه الصلاة والسلام؟ أقول هذا يذكرنا بما حينما كان في طريق في سفر فمروا بشجرة حنخمة للمشركين كانوا يعلقون عليها اسلحتهم فقالوا كلمة بريئة جداً ولكنها في مشابهة لفظية قالوا "يا رسول الله أجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط قال عليه السلام الله أكبر هذه السنن لقد قلتم كما قال قوم موسى لموسى أجعل لنا إلها لما لهم آلهة" قد يستغرب الإنسان كيف الرسول عليه السلام يقتبس من هذه الآية حجة على هؤلاء الذين ما قالوا أجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة وإنما قالوا اجعل لنا شجرة نعلق عليها أسلحتنا كما لهم شجرة فقال له هذه السنن – يعني(82/15)
بدأتهم تسلكون سنن من قبلكم كما في الأحاديث الصحيحة- قلتم كما قال قوم موسى لموسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة فكيف بمن يقول اليوم صراحة النصارى يحتفلوا بعيساهم نحن ما نحتفل بنبينا عليه السلام؟ الله أكبر هذه السنن وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال "لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعا بذراع حتى دخلوا جحر ضب لدخلتموه قالوا يا رسول الله اليهود والنصارى هم قال فمن الناس؟ " أخيرا أقول إن الشيطان قاعد للإنسان في المرصاد فهو دائماً وأبداً يجتهد لصرف المسلمين عن دينهم ولا يصرفهم معلنا"(82/16)
براءة أهل السنة من
تحريف الآيات
تأليف
محمد مال الله
المقدمة
الحمد لله ربه العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله الطاهرين وأصحابه الغر الميامين ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين واللعنة الدائمة على منتقصيهم وشاتميهم إلى يوم الدين.
وبعد:
دأب المستشرقون وأفراخهم من الباطنيين والسبأيين على إثارة بعض الشبهات حول أهل السنة ومعتقداتهم، ومن تلك الشبهات دعوى أن أهل السنة لديهم من الروايات الشيء الكثير التي تنص على تحريف القرآن الكريم، وللأسف فإن بعض طلبة العلم تنطلي عليهم تلك الأكاذيب والشبهات، ووقع البعض في حيرة من أمره، إذ كيف يتسنى لعلماء الإسلام وطلبة العلم الباحثين اتهام بعض الفرق الباطنية ويؤلفون المؤلفات في ذلك وهم لديهم ما يعيبون على الغير، وما يعي أولئك هداهم الله تعالى ووفقهم إلى طريق الحق والصواب أن تلك الشبهات مجرد سراب إذا هي خضعت للنقد العلمي الصحيح، والحمد لله تعالى فقد كفانا علماؤنا السابقون مؤنة لذلك ولكن تقاعس بعض طلبة العلم المعاصرين عن البحث والتنقيب في مصادرنا جعلهم يستسلمون لتلك الشبهات، ولما كثر التساؤل حول هذا الموضوع ووردتني أسئلة كثيرة حوله استخرت الله تعالى في تبييض بعض الصفحات التي أسأل الله تعالى الكريم أن ينفع بها قارئها وأن يجعل ثواب ذلك في ميزان حسناتي يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، ولا أزعم أنني قمت ما عجز عنه الآخرون، ولكن تقاعس بعض أهل العلم والمعرفة وتهاونهم في رد تلك الشبهات جعل بعض طلبة العلم الذين لم يرتقوا درجة في سلّم المعرفة أمثال كاتب هذه السطور أن يحاول بعض الشيء في رد تلك الشبهات ولا أزعم أنني من طلبة العلم ولا من أهله ولكنني أردت بذلك وجه الله تعالى وأن أنال الشرف في الدفاع عن كتاب الله تعالى وتبرئة أهل الإسلام مما ألصقه بعض خصومهم ممن ليس لهم دراية بالإسلام، وهذه الرسالة التي بين يديك أخي(83/1)
القارئ مستلة من كتابي "براءة أهل السنة من شبهة القول بتحريف القرآن" رأيت إفرادها في رسالة صغيرة عندما اقترح عليّ بعض طلبة العلم بذلك فاستحسنت الفكرة رغبة في إيصال مضمونها إلى أكبر عدد ممكن من المسلمين ليعلموا علم اليقين براءة أهل السنة من الوقوع مما وقع فيه المخالفون والباطنيون.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
أبو عبد الرحمن
محمد مال الله
18/ ربيع الثاني 1422هـ
رغبة من بعض الباطنيين في درء حقيقة تحريف الآيات القرآنية الكريمة المبثوثة في مراجعهم المعتمدة قاموا بجمع الروايات الشاذة أو القراءات المختلفة والمنسوخة تلاوة عند أهل السنة وعدّوا ذلك تحريفاً، لذا نجد القزويني مؤلف كتاب "شبهة القول بتحريف القرآن عن أهل السنة" ص90-100 وتحت عنوان "جملة من الآيات والسور التي وقع فيها التحريف عند أهل السنة" ذكر عدة نماذج من ذلك، ونحن نذكر بعض تلك النماذج ثم نجيب عليها، وتجد الرد المفصّل في كتابنا "براءة أهل السنة من شبهة القول بتحريف القرآن" المبحث الثاني، والغريب أن ما يستنكره القزويني مذكور في مراجع ومصادر طائفته ولتدليسه على القراء لم يذكر ذلك.
سورة الليل
قال القزويني ص90: سورة الليل: "والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى" (صحيح البخاري ج6 ص561) وفي القرآن {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنثَى}.
والجواب: نذكر الرواية بتمامها ثم نذكر تعليق ابن حجر رحمه الله، لعل وعسى القزويني يُثيب إلى رشده وينتهي عن التدليس والكذب، وليعلم علم اليقين أن أباطيله حبلها قصير.(83/2)
حدثنا قبيصة بن عقبة حدثنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال: دخلت في نفر من أصحاب عبد الله(1) الشام، فسمع بنا أبو الدرداء فأتانا، فقال: أفيكم من يقرأ؟ فقلنا: نعم. قال: فأيكم أقرأ؟ فأشاروا إليّ. فقال: اقرأ، فقرأت {والليل إذا يغشى، والنهار إذا تجلى، والذكر والأثنى}، قال: أنت سمعتها من فم صاخبك؟ قلت: نعم. قال: وأنا سمعتها من فم النبي صلّى الله عليه وسلّم، وهؤلاء يأبون علينا(2).
حدثنا عمر حدثني أبي حدثنا الأعمش عن إبراهيم قال: قدم أصحاب عبد الله على أبي الدرداء، فطلبهم فوجدهم. فقال: أيكم يقرأ على قراءة عبد الله؟ قال: كلنا، قال: فأيكم أحفظ؟ وأشاروا إلى علقمة، قال: كيف سمعته يقرأ {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}، قال: علقمة: {والذكر والأنثى}. قال: أشهد أني سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقرأ هكذا، وهؤلاء يريدونني على أن أقرأ {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنثَى} والله لا أتابعهم(3).
قال ابن حجر رحمه الله تعالى (الفتح 8/707): "وفي هذا بيان واضح أن قراءة ابن مسعود كانت كذلك، والذي وقع في غير هذا الطريق أنه قرأ {والذي خلق الذكر والأنثى} كذا في كثير من كتب القراءات الشاذة، وهذه الرواية لم يذكرها أبو عبيد إلا عن طريق الحسن البصري... ثم هذه القراءة لم تنقل إلا عمن ذُكر هنا، ومن عداهم قرؤوا {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنثَى} وعليها استقر الأمر مع قوة إسناد ذلك إلى أبي الدرداء ومن ذكر معه، ولعل هذا مما نسخت تلاوته ولم يبلغ النسخ أبا الدرداء ومن ذكر معه، والعجيب من نقل الحفاظ من الكوفيين هذه القراءة عن علقمة وعن ابن مسعود وإليهما تنتهي القراءة بالكوفة، ثم لم يقرأ بها أحد منهم، وكذا أهل الشام حملوا القراءة عن أبي الدرداء ولم يقرأ أحد منهم بهذا، فهذا مما يقوّي أن التلاوة بها نُسخت".
__________
(1) يقصد عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
(2) فتح الباري 8/706.
(3) فتح الباري 8/707.(83/3)
ونذكر للقزويني بعض التحريفات التي زعم قومه أنها موجودة في سورة الليل من واقع مراجع طائفته لعل وعسى أن يراجع نفسه، وليعلم أن ما يُعيبه ويفتريه على أهل السنة موجود عند علمائه، مع الفرق الشاسع بين الفريقين "ومن كان بيته من زجاج فلا يرم الناس بحجر":
1 – عن جابر عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله تعالى: {والليل إذا يغشى} قال: دولة إبليس إلى يوم القيامة وهو يوم قيام القائم.
{والنهار إذا تجلّى} وهو القائم إذا قام.
وقوله: {فأمّا من أعطى واتقى}: أعطى نفسه الحقّ واتقّى الباطل.
{فسنيسره لليسرى}: أي الجنة.
{وأما من بخل واستغنى}: يعني بنفسه عن الحق.
{وكذّب بالحسنى} بولاية علي بن أبي طالب عليه السلام والأئمة من بعده.
{فسنيسره للعسرى}: يعني النار.
وأما قوله: {وإنّ علياً للهدى} يعني أن علياً هو الهدى.
{وإنّ له الآخرة والأولى. فأنذرتكم ناراً تلظّى}.
قال: هو القائم إذا قام بالغضب فيقتل من ألف تسعمائة وتسعة وتسعين..
{لا يصلاها إلا الأشقى}. قال: هو عدو آل محمد صلّى الله عليه وسلّم.
{وسيجنبها الأتقى}. قال: ذاك أمير المؤمنين وشيعته(1).
2 – عن سماعة بن مهران قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: {والليل إذا يغشى. والنهار إذا تجلّى. الله خالق الزوجين الذكر والأنثى. ولعلي الآخرة والأولى}.
3 – عن فيض بن مختار عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قرأ: {إن علياً للهدى، وإنّ له الآخرة والأولى}. وذلك حين سئل عن القرآن(2).
قال: فيه الأعاجيب، فيه: {وكفى الله المؤمنين القتال بعلي}، وفيه: {إنَّ علياً للهدى. وإن له الآخرة والأولى}(3).
__________
(1) بحار الأنوار 24/398.
(2) بحار الأنوار 24/398.
(3) بحار الأنوار 24/398.(83/4)
4 – عن يونس بن ظبيان قال: قرأ أبو عبد الله (ع): {والليل إذا يغشى. والنهار إذا تجلّى. الله خالق الزوجين الذكر والأنثى. ولعلي الآخرة والأولى}(1).
5 – عن أيمن بن محرز عن سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: نزلت هذه الآية هكذا والله :{الله خالق الزوجين الذكر والأنثى. ولعلي الآخرة والأولى}(2).
عن سنان بن سنان قال: قلت لأبي عبد الله (ع): {والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلّى وخلق الذكر والأنثى}(3).
وبعد هذا هل يملك القزويني أو أحد من علماء طائفته الشجاعة الأدبية الطعن في تلك المرويات.
آية الرضا
يقول القزويني ص90: آية الرضا: "بلغو قومنا فقد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه" (صحيح البخاري 5/107) وهذه الآية ليس لها وجود في القرآن فهي ساقطة منه.
الجواب: إن القزويني كاذب مدلّس حيث لم يذكر الرواية التي رواها البخاري بتمامها، لأن ذلك سوف يكشف كذبه وتزويره، ولم أعجب لصنيع القزويني فهو يدين بدين تسعة أعشاره كذب ونفاق.
وأذكر للقارئ الرواية بتمامها كما ذكرها البخاري رحمه الله تعالى وبعد ذلك يمكن للقارئ الكريم أن يحكم هل هذه الرواية يمكن تصنيفها في التحريف أم أن القزويني لما أعياه الإثبات لجأ إلى بتر النصوص ليؤيد دعواه المتهالكة.
__________
(1) بحار الأنوار 24/399، تأويل الآيات الطاهرة 808، تفسير البرهان 4/471، فصل الخطاب 321.
(2) بحار الأنوار 24/399، تأويل الآيات الطاهرة 808.
(3) فصل الخطاب 321.(83/5)
روى الإمام البخاري في صحيحه ج3 ص204: عن إسحاق عن أنس رضي الله عنه قال بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم أقواماً من بني سليم إلى بني عامر في سبعين فلما قدموا قال لهم خالي أتقدمكم فإن أمنوني حتى أبلغهم عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وإلا كنتم مني قريباً فتقدم فأمنوه فبينما يحدثهم عن النبي صلّى الله عليه وسلّم إذ أومئوا إلى رجل فطعنه فأنفذه فقال الله أكبر فزت ورب الكعبة ثم مالوا على بقية أصحابه فقتلوهم إلا رجلاً أعرج صعد الجبل قال همام فرآه آخر معه فأخبر جبريل عليه السلام النبي صلّى الله عليه وسلّم أنهم قد لقوا ربهم فرضي عنهم وأرضاهم فكنا نقرأ أن بلغوا قومنا أن قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا ثم نسخ بعد فدعا عليهم أربعين صباحاً على رعل وذكوان وبني لحيان وبني عصية الذين عصوا الله ورسوله صلّى الله عليه.
وروى أيضاً ج4 ص35: عن قتادة عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أتاه رعل وذكوان وعصية وبنو لحيان فزعموا أنهم قد أسلموا واستمدوه على قومهم فأمدهم النبي صلّى الله عليه وسلّم بسبعين من الأنصار قال أنس كنا نسميهم القراء يحطبون بالنهار ويصلون بالليل فانطلقوا بهم حتى بلغوا بئر معونة غدروا بهم وقتلوهم فقنت شهراً يدعو على رعل وذكوان وبني لحيان قال قتادة وحدثنا أنس أنهم قرءوا بهم قرآناً "بلغوا قومنا بأنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا" ثم رفع ذلك.
وروى الإمام مسلم في صحيحه ج2 ص135: إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس ابن مالك قال دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الذين قتلوا أصحاب بئر معونة ثلاثين صباحاً يدعو على رعل وذكوان ولحيان وعصية عصت الله ورسوله قال أنس أنزل الله عز وجل في الذين قتلوا ببئر معونة قرآناً قرأناه حتى نسخ بعد "أن بلغوا قومنا أن قد لقينا ربنا فرضي عنا".(83/6)
وقال المجلسي في "بحار الأنوار" ج20 ص147-149: قال الطبرسي قيل: نزلت في شهداء بئر معونة، وكان سبب ذلك ما رواه محمد بن إسحاق بن يسار بإسناده عن أنس وغيره... قال: فأنزل الله في شهداء بئر معونة قرآناً "بلغوا عنا قومنا بأنا قد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه" ثم نسخت ورفعت بعد ما قرأناها وأنزل الله "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله" الآية.
فهل القزويني أعلم من الطبرسي والمجلسي؟ لا أظن أن القزويني يستطيع قول ذلك، فإذا كان علمان من أعلام دينه يذهبان إلى نسخ التلاوة فلماذا لا يسع القزويني التسليم بهذا، أم إن القضية قضية عناد وسب وشتم.
آية الرغبة
يقول القزويني ص90: آية الرغبة: "أن لا ترغبوا عن آبائكم" (صحيح البخاري 8/586) وهذه الآية لا وجود لها في القرآن.
الجواب: رواية البخاري: عن الزهري عن عبيد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال عمر... ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله أن لا ترغبوا عن آبائكم.
قال ابن حجر في الفتح 12/131: قوله "ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله" أي مما نسخت تلاوته.
آية الرجم
يقول القزويني ص90: آية الرجم "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجوهما البتة" (مستدرك الحاكم 2/415) وهي ساقطة عند أهل السنة.
الجواب: إن هذه الآية منسوخة التلاوة ثابتة الحكم. ويبدو أن القزويني قليل الاطلاع على مصادر دينه دائم التهجم على أهل السنة، ولو تريث قليلاً وراجع مصادره الشيعية لعلم أن ما يُعيبه على أهل السنة موجود في مصادره. وأذكر للقزويني بعض الروايات من مصادره التي يثق بها لئلا يتسرع في الحكم على الآخرين دون روية.
1 – عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد الله (ع) في حديث قال: إذا قال الرجل لامرأته: لم أجدك عذراء، وليس له بينة.
قال: يجلد ويخلّى بينه وبين امرأته.(83/7)
قال: كانت آية الرجم في القرآن "الشيخ والشيخة فارجموهما البتة بما قضيا الشهوة" (تهذيب الأحكام للطوسي 8/195، الاستبصار له أيضاً 3/377، وسائل الشيعة للحر العاملي 15/610).
2 – عن يونس بن عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله (ع): الرجم في القرآن قول الله عز وجل: "إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة فإنهما قضيا الشهوة" (تهذيب الأحكام 10/3، تفسير نور الثقلين 3/569، الكافي 7/177، وقال محقّق الكافي: وقيل: إنها منسوخ التلاوة).
3 – عن أبي جعفر (ع) أنه قال: كانت آية الرجم في القرآن: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة فإنهما قضيا الشهوة" (دعائم الإسلام للقاضي النعمان 2/449، مستدرك الوسائل 18/39).
4 – هشام بن سالم عن سليمان بن خالد قال: قلت لأبي عبد الله (ع) في القرآن؟ قال: نعم. قلت: كيف؟ قال: "الشيخ والشيخة فارجموهما البتة فإنهما قضيا الشهوة" (من لا يحضره الفقيه للصدوق (!!!) 4/26. وقال محقّق الكتاب: السند صحيح وروى نحوه الكليني والشيخ أيضاً في الصحيح عن عبد الله بن سنان عنه (ع) وقيل: إنها منسوخة التلاوة ثابتة الحكم، والظاهر أنه سقط جملة "إذا زنيا" بعد قوله "الشيخة".
5 – عن إسماعيل بن خالد قال: قلت لأبي عبد الله (ع): في القرآن رجم؟
قال: نعم، "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة فإنهما قضيا الشهوة" (علل الشرائع للصدوق (!!!) 2/540، فقه القرآن للراوندي 2/392).(83/8)
ويقول الطوسي في كتابه "التبيان في تفسير القرآن ج1 ص13: "لا يخلو النسخ في القرآن من أقسام ثلاثة: أحدها – نسخ حكمه دون لفظه – كآية العدة في المتوفى عنها زوجها المتضمنة للسنة في الحكم منسوخ والتلاوة باقية وآية النجوى وآية وجوب ثبات الواحد للعشرة فإن الحكم مرتفع، والتلاوة باقية وهذا يبطل قول من منع جواز النسخ في القرآن لأن الموجود بخلافه. والثاني – ما نسخ لفظه دون حكمه، كآية الرجم فإن وجوب الرجم على المحصنة لا خلاف فيه، والآية التي كانت متضمنة له منسوخة بلا خلاف وهي قوله: (والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة، فإنهما قضيا الشهوة جزاء بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم). الثالث: ما نسخ لفظه وحكمه، وذلك نحو ما رواه المخالفون من عائشة: أنه كان فيما أنزل الله أن عشر رضعات تحرمن، ونسخ ذلك بخمس عشرة فنسخت التلاوة والحكم.
وقال قطب الدين الرواندي الهالك سنة 573هـ في كتابه "فقه القرآن" 1/204-205 مستعرضاً أنواع النسخ:
والثاني: كآية الرجم، فقد روي أنها كانت منزّلة "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة فإنهما قضيا الشهوة جزاء بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم" فرفع لفظها وبقي حكمها.
ويقول الكلبايكاني "فرفع لفظها وبقي حكمها.
ويقول الكلبايكاني في "در المنضود" الأول ج9 ص283:(83/9)
رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الرجم في القرآن قول الله عز وجل: إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة فإنهما قضيا الشهوة. وفي رواية سليمان بن خالد قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: في القرآن رجم؟ قال: نعم. قلت: كيف؟ قال: الشيخ والشيخ فارجموهما البتة فإنها قضيا الشهوة. فمقتضى الأخيرتين هو وجوب الرجم فقط بخلاف الروايات المتقدمة عليهما فإنها صريحة في الجمع بين الجلد والرجم. ولا يخفى أن روايتي عبد الله بن سنان وسليمان بن خالد ظاهرتان في وقوع التحريف في القرآن الكريم، ولكن الأقوى والمستظهر عندنا عدم تحريف فيه حتى بالنقيصة(1)
__________
(1) هذا كذب وتدليس وتقية، وقد نص على التحريف جمعٌ كبير من القوم، ونحن نذكر نماذج فقط من القائلين بذلك:
الكليني في الكافي حيث ذكر الكثير من روايات التحريف والآيات المحرّفة على حد زعمه دون أن يعلّق عليها.
القمي في تفسيره 1/10.
أبو القاسم الكوفي في كتابه "الاستغاثة في بدع الثلاثة" ص25.
المفيد في كتابه "أوائل المقالات" ص13، وكتابه المسائل السروية 81-82.
الأردبيلي في كتابه "حديقة الشيعة" 118-119.
علي أصغر في كتابه "عقائد الشيعة" ص27.
الطبرسي في كتابه "الاحتجاج" 1/222.
الكاشاني في "تفسير الصافي" 1/32 (الطبعة القديمة). وكتابه "هداية الطالبين" ص368.
المجلسي في "تذكرة الأئمة" ص49 و"حياة القلوب" 2/681، وفي كتابه "بحار الأنوار" العشرات بل المئات من روايات التحريف وذكر الآيات المحرفة على حد زعم الشيعة.
نعمة الله الجزائري "الأنوار النعمانية" 2/257.
أبو الحسن العاملي في المقدمة الثانية لتفسير مرآة الأنوار 36، وطبعت كمقدمة لتفسير البرهان للبحراني.
الخراساني في كتابه "بيان السعادة في مقامات العبادة" 1/12.
علي اليزدي الحائري في كتابه "إلزام الناصب" 1/2، 477/259 و266.
حسين الدورآبادي في كتابه "الشموس الساطعة" ص425.
محمد كاظم الخراساني في "كفاية الأصول" 284-285.
ميرزا حبيب الله الخوئي في كتابه "منهاج البراعة" 2/119-121.
عدنان البحراني في كتابه "مشارق الشموس الدرية" ص125 و135.
ميرزا محمد الأصفهاني في كتابه "مكايل المكارم في فوائد الدعاء للقائم" 1/58-62، 204، 218، 233.
المازندراني في كتابه "نور الأبصار" ص426، 428، 439، 442، وفي كتابه "الكوكب الدري" 2/56.
علي البهبهاني في كتابه "مصباح الهداية" ص246 و277.
أحمد المستنبط في كتابه "القطرة في مناقب النبي والعترة" 1/112 و234-235 و2/379.
ابن شاذان في "الفضائل" 151.
مرتضى الأنصاري في "فرائد الأصول" 1/66.
يوسف البحراني في "الدرر النجفية" 294-296.
الحر العاملي في "الفوائد الطوسية" 483.
حسين الدرازي في "الأنوار الوضية" 27.
ميرزا حسن الإحقاقي في "الدر بين السائل والمجيب" 94.
عبد الحسين (!!!) دستغيب في "أجوبة الشبهات" 132.
محمد راض الحكيمي في "القرآن خواصه وثوابه" 242.
علي الكوراني في "عصر الظهور" 88.
محمد باقر الأبطحي في "جامع الأخبار" 267 و280-281.
محمد حسن الأعلمي في "دائرة المعارف" ج14 ص313-315.
محمد الغروي في "المختار منم كلمات الإمام المهدي" 2/342.
جواد الشهرودي في "الإمام المهدي وظهوره" 191-192 و255. وأيضاً في كتابه "المراقبات من دعاء المهدي" 175.
محمد تقي المدرسي في "النبي وأهل بيته" 1/161-162.
محمد علي دخيل في "الإمام المهدي" 205.
عز الدين بحر العلوم في "أنيس الداعي والزائر" 104.
أحمد الجزائري في "قلائد الدرر" 1/21.
داود المير صابري في "الآيات الباهرة" 124، 291، 374.
محمد علي أسبر في "الإمام علي في القرآن والسنة" 1/112، 141، 153، 154، 215، 365.
عز الله العطاردي في "مسند الإمام الرضا" 1/522، 586.
بشير المحمدي في "مسند زرارة بن أعين" 102.
أبو طالب التريزي في "من هو المهدي" 520.
الخميني "شرح دعاء السحر" 70-71.(83/10)
، خصوصاً وأن هذه العبارة المذكورة فيهم بعنوان القرآن لا تلائم آيات الكريمة التي قد آنسنا بها. هذا مع الأصل في هذا الكلام عمر بن الخطاب. وكيف كان فهذه الروايات تدل على وجوب الرجم في الشيخ والشيخة مطلقاً وإن لم يكونا محصنين غاية الأمر دلالة أكثرها على ضم الجلد أيضاً. وأما الثاني فهي رواية محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في الشيخ والشيخة أن يجلدا مائة وقضى للمحصن الرجم وقضى في البكر والبكرة إذا زنيا جلد مائة ونفي سنة في غير مصرهما وهما اللذان قد أملكا ولم يدخل بها.
وهنا قد اقتصر على ذكر خصوص الجلد على ما هو الحال في سائر الزناة. ويمكن الجمع بينهما بأخذ المتيقن من الروايات بأن يقال: القدر المسلم من رجم الشيخ والشيخة لو كان هناك رجم عليهما كما هو صريح الروايات المتقدمة هو المحصن منهما، كما أن المتيقن من نفي الرجم عنهما لو نفي ذلك عنهما كما هو ظاهر رواية ابن قيس هو غير المحصن منهما فيجمع بين القسمين من الأخبار بأن الشيخ والشيخة إذا زنيا فإن كانا محصنين فإن عليهما الرجم، أو الرجم والجلد، وأما إذا كانا غير محصنين فعليهما الجلد فقط. لكن لا يخفى أن الجمع كذلك ليس جمعاً عرفياً.
ولذا قال الشيخ الحر العاملي في الوسائل بعد ذكر خبر محمد بن قيس: أقول: خص الشيخ والشيخة بما إذا لم يكونا محصنين لما مضى ويأتي. أقول: يمكن أن يقرر المطلب بأنه لما كان رجم الشيخ والشيخة مع الإحصان أمراً مفروغاً عنه فإنه قد قام الإجماع على ذلك، فلابد من كون المراد من قضاء أمير المؤمنين بالجلد فيهما على ما هو صريح رواية ابن قيس قضائه عندما لم يكونا محصنين فلا تنافى ما دل على الرجم. وهذا الجمع عرفي لأنه من باب حمل العام على الخاص، والنتيجة أن الشيخ والشيخة يجلدان إلا إذا كانا محصنين فإنه يجب رجمهما.(83/11)
ويمكن أن يقرر بأن المحصن يرجم بإجماع المسلمين سواء كان شيخاً أو شيخة أو شاباً أو شابة وعلى هذا فرواية محمد بن قيس الدالة بظاهرها على جلد الشيخة والشيخ خلاف الإجماع فلذا تخصص بسبب الإجماع، بغير المحصن، فهما يجلدان إذا كانا غير محصنين وبعبارة أخرى يجلدان إلا إذا كانا محصنين فإنه يجب رجمهما.
لكن التخصيص لا يخلو عن كلام وذلك لأن تقديم الخاص على العام إنما يكون من باب ظهور الخاص الأقوى أي أظهريته من العام بلحاظ خصوص الخاص ونفس العام، وأما إذا حصل التقييد من الخارج فهذا لا ينافي ظهور العام ولا يفيد في تخصيصه لأن ظهور العام بعد محفوظ بحاله ولا يحصل خلل فيه فلا يصح أن يقال إن ما دل على رجم الشيخ والشيخة مطلقاً محصنين يخصص ويقيد بسبب الإجماع القائم على رجم الشيخ المحصن بما إذا كان محصنين فيقيد العام الدال على جلدهما بما إذا كانا غير محصنين، وعلى الجملة فالقول بأن الشيخ والشيخة المحصنين حكمهما الرجم علماً منا بذلك من الخارج بالإجماع مثلاً لا ينفع في تخصيص العموم. نعم يمكن الجمع بينهما بأن يقال: إن لرواية محمد بن قيس دلالتين دلالة إثباتية ودلالة سلبية أما الأولى فدلالتها على وجوب الجلد، ولا تعارض بينهما وبين روايات الرجم وأما الأخرى فهي دلالتها على نفي الرجم، ومن هذه الجهة يحصل التعارض بينهما إلا أن الرواية ليست بحجة من هذه الجهة والحيث، لأنه يؤول إلى مخالفة الإجماع في بعض الفروع وهو ما إذا كانا محصنين فإن الإجماع قائم على وجوب الرجم هناك.
بعد هذا كله، فما رأي القزويني في علماء دينه الذين ذكروا آية الرجم، هل يستطيع اتهامهم بما اتهم به أهل السنة، أم أنه لا يتجاسر على ذلك.
وحكم الرجم معمول به عند القوم كما هو ثابت ومعمول به عند المسلمين، وليراجع القزويني المصادر التالية ليعلم أن هذا حكم ثابت عند قومه قبل أن يتهكم على أهل السنة ويتهمهم بالتحريف النابع من إنكاره نسخ التلاوة دون الحكم.(83/12)
فقه الرضا: 275، 309.
المقنع: 438، 439.
الهداية: 75.
المقنعة: 540، 775، 776، 784.
الانتصار: 272، 274، 516، 521، 522.
كافي الحلبي: 405، 407، 408.
المراسم العلوية: 256.
النهاية: 332، 333، 521، 522، 690، 691، 692، 693، 696، 697، 700، 701، 702، 703، 704، 706، 707، 708، 720.
الخلاف ج1: 294، 350، ج3: 175، 179، 180، 182، 189، 190، 325، 326، 341.
المبسوط ج3: 3، ج4: 269، ج7: 249، ج8: 2، 3، 4، 5، 6، 45.
المهذب ج2: 307، 308، 51، 521، 522، 526، 527، 528، 530، 531، 532، 533، 561.
الوسيلة: 222، 337، 409، 411، 412، 413، 438.
غنية النزوع: 422، 423، 426، 432.
السرائر ج1: 108، ج2: 137، 701، ج3: 431، 437، 438، 439، 440، 441، 442، 444، 445، 446، 450، 451، 452، 453، 455، 456، 457، 458، 463، 463، 465، 468، 478، 480.
شرائع الإسلام ج3: 656، ج4: 920، 932، 933، 934، 935، 936، 937، 938، 940، 943، 945.
المعتبر ج1: 347.
المختصر النافع: 10: 212، 213، 214، 215، 280.
الرسائل التسع: 158، 170.
الجامع للشرايع: 542، 547، 549، 550،551، 553، 554، 556، 589.
كشف الرموز ج2: 275، 526، 541، 542، 544، 545، 546، 547 .
قواعد الأحكام ج2: 238، 244، 251، 252، 253، 254، 255، 256، 268 .
مختلف الشيعة ج1 : 325 .
منتهى المطلب ج2 : 183، 256 .
تذكرة الفقهاء ج1: 379 .
إرشاد الأذهان ج2: 66، 159، 170، 171، 172، 173، 207 .
تحرير الأحكام ج2: 69، 118، 212، 216، 218، 219، 220، 221، 222، 224، 225 .
نهاية الأحكام ج1: 96، ج2: 238 .
تبصرة المتعلمين: 244 .
إيضاح الفوائد ج1: 45، ج4: 83، 431، 453، 471، 473، 474، 478، 479، 480، 481، 483، 484، 486، 488، 489، 515، 530 .
الدروس ج2: 136، ج3: 131 .
الذكرى: 42 .
اللمعة الدمشقية: 235، 237 .(83/13)
المهذب البارع ج3: 562، ج4: 14، 25، 540، 544، 545، 546، 547، 575، ج5: 6، 15، 16، 17، 20، 24، 25، 26، 27، 28، 30، 31، 37، 38، 39، 40، 46، 53، 55، 58، 83، 97 .
جامع المقاصد ج1: 271، 366 .
شرح اللمعة ج9: 26، 51، 70، 71، 72، 74، 79، 80، 85، 86، 95، 97، 101، 102، 103، 104، 105، 137، 138، 139، 140، 141، 144، 145، 149، 152، 154، 159، 162، 163، 323، 324، 327، 329 .
مسالك الإفهام ج3: 106، ج10: 32، 244، 463 ج13: 477، 503، ج14: 247، 248، 249، 328، 332، 333، 336، 337، 339، 347، 350، 351، 352، 353، 362، 364، 368، 377، 382، 385، 386، 392، 393، 397، 406، 418، 420، 421، 470، 471، 484، ج15: 48 .
رسائل الشهيد الثاني ج1: 307 .
مجمع الفائدة ج8: 293، ج12: 418، 419، 420، 421، 422، 426، 448، 493، 496، ج13: 11، 12، 13، 15، 19، 20، 21، 22، 26، 27، 28، 30، 34، 36، 39، 52، 53، 54، 55، 56، 57، 58، 59، 60، 62، 63، 64، 65، 66، 68، 70، 71، 74، 76، 84، 85، 87، 90، 91، 92، 104، 105، 108، 114، 116، 121، 123، 125، 205، 263، 267، 271، 357، 401 .
التحفة السنية: 28، 29، 202، 322 .
مشارق الشموس ج1: 160 .
كشف اللثام ج2: 7 .
الحدائق الناضرة ج3: 429، 430، ج19: 387، 475، ج23: 586، ج24: 353، ج25: 14، 15، 527 .
جواهر الكلام ج3: 38، ج21: 390، ج29: 246، 251، 282، 425، 431، ج32: 334، ج33: 188، ج34: 298، ج40: 232، 233، 264، ج41: 155، 156، 157، 262، 269، 271، 273، 277، 278، 279، 286، 289، 291، 292، 293، 296، 297، 298، 299، 300، 311، 317، 318، 319، 320، 321، 322، 330، 332، 337، 340، 346، 351، 355، 361، 364، 368، 380، 381، 389، 396، 397، 469، 540، 587، ج42: 179 .
مصباح الفقيه ج2: 369 .
حاشية المكاسب ج2: الرجم ص13 .
المسائل الفقهية: 66 .
مستمسك العروة ج4: 104، ج14: 118، 229، 230 .(83/14)
جامع المدارك ج4: 577، ج5: 13، ج6: 130، 133، 160، 172، ج7: 4، 7، 11، 12، 17، 18، 19، 21، 22، 23، 25، 27، 28، 29، 30، 31، 33، 34، 37، 38، 40، 45، 47، 53، 59، 71، 72، 76، 77، 83، 84، 96 .
مباني تكملة المنهاج – الأول ج42: 118، 119، 120، 168، 169، 172، 174، 175، 176، 178، 179، 190، 191، 195، 196، 197، 198، 202، 203، 205، 207، 208، 209، 210، 212، 214، 215، 219، 220، 222، 231، 232، 235، 236، 237، 238، 249، 339 .
در المنضود – الأول ج9: 33، 35، 40، 45، 64، 65، 67، 69، 74، 77، 79، 80، 84، 85، 86، 88، 90، 93، 94، 97، 100، 101، 102، 103، 104، 105، 106، 107، 108، 110، 112، 113، 114، 123، 127، 128، 130، 131، 132، 146، 151، 166، 167، 168، 169، 171، 172، 173، 174، 175، 176، 185، 186، 187، 188، 189، 190، 192، 193، 196، 197، 198، 199، 236، 245، 246، 250، 251، 253، 254، 255، 259، 260، 272، 274، 277، 278، 279، 280، 281، 282، 283، 284، 285، 286، 287، 288، 289، 290، 291، 292، 293، 294، 295، 296، 297، 298، 304، 306، 330، 332، 334، 343، 357، 358، 359، 366، 367، 368، 369، 383، 386، 389، 392، 395، 399، 401، 402، 403، 404، 408، 409، 410، 411، 412، 413، 416، 420، 421، 422، 423، 431، 432، 433، 438، 439، 440، 446، 447، 450، 452، 461، 463، 470، 472، 473، 491.
در المنضود – الثاني ج10: 16، 19، 22، 29، 33 ،55، 56، 58، 82، 83، 85، 102، 152، 394، 395، 419.
فقه الصادق ج9: 19، 272، ج14: 388، ج15: 369، ج19: 22، ج20: 95، ج21: 40، 285، ج22: 484، ج23: 343، ج25: 265، 310، 380، 392، 394، 395، 396، 397، 400، 401، 402، 405، 410، 412، 413، 414، 415،416، 4118، 427، 429، 433، 436، 438، 447، 448، 451، 456، 457، 487، 498.(83/15)
وقد وقفت على مقال قيم لفضيلة الشيخ حمد بن إبراهيم العثمان بعنوان "أسانيد آية الرجم" المنشور في مجلة "الحكمة" العدد السابع جمادى الثاني 1416هـ ص235-242 أحببنا ذكره لتتضح الصورة أمام القراء الكرام.
يقول حفظه الله تعالى ووفقه: "فقد كان الشيخ الفاضل العلامة محمد بن صالح العثيمين(1) يشرح كتاب "زاد المستنقع" في الفقه الحنبلي - كتاب الحدود منه - وتكلم فضيلته عن الرجم في حق الزاني المحصن، وذكر حفظه الله أن هذا الحكم ثابت بالسنة لفظاً وحكماً، وأنه ثابت بالقرآن حكماً وأن لفظه منسوخ، وذكر حفظه الله ما تناقله الفقهاء والمفسرون من أن الآية المنسوخة في الرجم هي: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم). والشيخ - حفظه الله - بصير ناقد للنصوص لا يقبلها إلا بعد تدبّر وتمحيص، وأورد الشيخ - حفظه الله - إشكالاً على الآية المذكورة وقال: "إن حكم الرجم مناط بالإحصان، وليس بالشيخوخة كما في الآية المذكورة، فالشاب المحصن يرجم، والشيخ غير المحصن لا يرجم وإن بلغ من العمر عتياً. وهذا مما لا يفيده ظاهر الآية".
ووقع في قلبي - لما ذكر الشيخ العلامة كلامه حول الآية المذكورة - أن أجمع الأسانيد المذكورة للآية، ويسّر الله ذلك بعد زمن، ولله الحمد والمنة.
__________
(1) الشيخ العلامة ابن عثيمين من أشهر علماء هذا العصر، توفي رحمه الله يوم الأربعاء 15 شوال 1421هـ، وقد كان يتميز رحمه الله تعالى بسعة الاطلاع وسعة الصدر حتى مع من يخالفه، وكان فقده خسارة عظيمة ونسأل الله تعالى أن يغفر له ويجزيه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء وأن يجعل قبره روضة من رياض الجنة. ومن كلامه الذي وضعته قاعدة لي في طلب العلم، قوله رحمه الله تعالى وغفر له: "الذي يخالفني بدليل أحبّ إليّ ممن يوافقني بلا دليل". (المؤلف).(83/16)
قال النسائي رحمه الله في السنن الكبرى (4/273): أخبرنا محمد بن منصور المكي قال: ثنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال: سمعت عمر(1) يقول: "لقد خشيت أن يطول بالناس زمن حتى يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، ألا وإن الرجم حق على من زنى إذا أُحصن وكانت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف، وقد قرأناها: (والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة) وقد رجم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورحمنا بعده".
ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (رقم 8725)، ومن طريقه ابن ماجه في السنن (2553) وأصل الحديث مخرّج في الصحيحين بأطول من هذا اللفظ، أما التنصيص على آية الرجم هي (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة)، فهي من إفراد سفيان بن عيينة عن الزهري، وقد خالف سفيان ثمانية من أصحاب الزهري في روايتهم عنه عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه سمع عمر رضي الله عنه يقول: الحديث، وهؤلاء الثمانية هم:
1 – صالح بن كيسان، كما في صحيح البخاري (رقم 6830).
2 – يونس عبد الأعلى، كما في صحيح مسلم (رقم 1691)، وسنن النسائي الكبرى (رقم 7158-4/247).
3 – هشيم، كما في مسند الإمام أحمد (1/29) وسنن أبي داود (رقم 4418).
4 – معمر، كما في مصنف عبد الرزاق (رقم 13329)، ومسند الحميدي (1/15-16)، وأحمد في مسنده (1/47) والترمذي في جامعه (رقم 1432).
__________
(1) روى هذا الطريق البخاري أيضاً في صحيحه (رقم 6829) من دون ذكر لفظة: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة)، وكأنها لم تصح عنده من هذا الطريق، وقد غفل الإسماعيلي عن هذا الإعلال الدقيق، وأورد اللفظة التي أعرض عنها البخاري في مستخرجه على الصحيح من نفس الطريق. وقد أشار إلى هذا الحافظ ابن حجر رحمه الله في "الفتح" (12/143).(83/17)
5 – مالك، كما في موطئه (ص823) والشافعي في "الأم" (5/154) وأحمد في المسند (1/40)، والدارمي في مسنده (2/179) والنسائي في السنن الكبرى (رقم 7158-4/274).
6 – عبد الله بن أبي بكر بن حزم، كما في السنن الكبرى للنسائي (رقم 7159-4/274) بإسناد صحيح إليه.
7 – عقيل، كما في السنن الكبرى للنسائي (7160-4/274).
8 – سعد بن إبراهيم(1)، كما في مسند أحمد (1/50) وسنن النسائي الكبرى (7151-4/272) بإسناد صحيح إليه.
وبهذا يتبين أن الآية (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة) غير محفوظ في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه المذكور بالطريق السابق.
__________
(1) سعد هو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، ثقة، رواه بنفس الإسناد الذي ساقه أصحاب الزهري في رواية داود الطيالسي عن شعبة عنه كما في "السنن الكبرى" للنسائي (4/272-رقم 7153)، ورواه بإدخال عبد ا لرحمن بن عوف بين عبد الله ابن عباس وعمر بن الخطاب رضي الله عنهم في رواية كل من:
غندر عن شعبة عنه، كما في مسند أحمد (1/50) وسنن النسائي (4/273).
حجاج بن محمد عن شعبة عنه، كما في مسند أحمد (1/50) وسنن النسائي الكبرى (4/273).
عبد الرحمن بن غزوان، كما في سنن النسائي الكبرى (4/272).
أبو داود الطيالسي في رواية أيضاً، كما في سنن النسائي الكبرى (4/272).
فكما ترى المحفوظ عن سعد بن إبراهيم إدخال عبد الرحمن بن عوف بين ابن عباس وعمر رضي الله عنهم، والمحفوظ عن أصحاب الزهري عدم إدخال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، وليس هذا بقادح في رواية سعد بن إبراهيم، إذ عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه هو الذي حدّث عبد الله بن عباس بحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنهم، كما هو صريح في صحيح البخاري (رقم 6830)، وأصحاب الزهري أسقطوا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه تجوزاً.(83/18)
قال أبو عبد الرحمن النسائي رحمه الله في سننه الكبرى (2/273): لا أعلم أحداً ذكر في هذا الحديث (الشيخ والشيخة فارجموهما البتة) غير سفيان، وينبغي أنه وهم، والله أعلم. اهـ.
والذي يدل أيضاً على أن سفيان بن عيينة لم يحفظه هو ما صرّح به، كما في مسند الحميدي (1/16)، فقال: "سمعته من الزهري بطوله، فحفظت منه أشياء، وهذا مما لم أحفظ منها يومئذ". اهـ.
وقال الإمام مالك رحمه الله في "الموطأ" (ص824) عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه سمعه(1) يقول: لما صدر عمر بن الخطاب رضي الله عنه من منى أناخ بالأبطح، ثم كوم كومة بعلجاء، ثم طرح عليها رداءه واستلقى، ثم مدّ يديه إلى السماء فقال: اللهم كبرت سني، وضعفت قوتي، وانتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مضيّع ولا مفرّط. ثم قدم المدينة فخطب الناس، فقال: أيها الناس، قد سنّت لكم السنن، وفُرضت لكم الفرائض، وتُركتم على الواضحة إلا أن تضلوا بالناس يميناً وشمالاً، وضرب بإحدى يديه على الأخرى ثم قال: إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم، أن يقول قائل لا نجد حدّين في كتاب الله، فقد رجم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورجمنا. والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس: زاد عمر بن الخطاب في كتاب الله تعالى لكتبتها: (الشيخ والشيخة إذا زنيا(2) فارجموهما البتة) فإنا قد قرأناها".
رجاله ثقات، ويحيى بن سعد هو الأنصاري، وقد اختلف في سماع سعيد بن المسيب من عمر رضي الله عنه، وقد ذكرت كلام أهل العلم في ذلك في دراستي لكتاب عمرو بن حزم رضي الله عنه (13-15).
__________
(1) المراد أن يحيى بن سعيد هو الذي سمع سعيد بن المسيب يقول: لما صدر عمر...، كما هو واضح أيضاً في رواية محمد بن الحسن (ص241).
(2) لفظة (إذا زنيا) سقطت من النسخة المطبوعة للموطأ رواية يحيى بن يحيى الليثي، وهي مثبتة في النسخة المطبوعة رواية محمد بن الحسن (ص241).(83/19)
وقد خالف يحيى بن سعيد الأنصاري داود بن أبي هند، فرواه عن سعيد ابن المسيب عن عمر رضي الله عنه، ولم يذكر قوله (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة) كما في مسند مسدد(1) و"الحلية" لأبي نعيم (3/95). والله أعلم.
وقال النسائي في "السنن الكبرى" (4/270): أخبرنا أحمد بن عمرو بن السرح، أخبرنا الليث بن سعد عن سعيد بن أبي هلال، عن مروان بن عثمان، عن أبي أمامة بن سهل أن خالته أخبرته قالت: "لقد أقرأنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم آية الرجم: (الشيخ والشيخة فارجموهما البتة بما قضيا من لذة)".
وقال النسائي في "السنن الكبرى" أيضاً (4/271) أخبرنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، ثنا ابن مريم قال: إن الليث قال: حدثني خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال به.
وهذا إسناد ضعيف آفته مروان بن عثمان الذي ضعفه أبو حاتم، وقال عنه النسائي: ومَنْ مروان بن عثمان حتى يصدق على الله عز وجل. اهـ. ثم هذه الآية تخالف في اللفظ ما رواه الثقات الحفّاظ.
وقال النسائي في السنن الكبرى (4/271-رقم 7148): أخبرنا إسماعيل بن مسعود الحجدري، قال: ثنا خالد بن الحارث، قال: ثنا ابن عون عن محمد، قال: نُبّئت عن ابن أخي كثير بن الصلت قال: كنا عند مروان وفينا زيد بن ثابت، فقال زيد: كنا نقرأ (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة)، فقال مروان: لا تجعله في المصحف، قال: ألا ترى أن الشابين الثيبين يرجمان، وذكرنا ذلك وفينا عمر فقال: أنا أشفيك، قلنا: وكيف ذلك؟ قال: أذهب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إن شاء الله، فأذكر كذا كذا، فإذا ذكر آية الرجم فأقول: يا رسول الله أكتبني آية الرجم، قال: فأتاه فذكر آية الرجم، فقال: يا رسول الله أكتبني آية الرجم، قال: (لا أستطيع).
إسناده ضعيف، لجهالة عين من نبّأ محمد عن كثير بن الصلت.
__________
(1) انظر "تهذيب التهذيب" (4/88).(83/20)
وقال الإمام أحمد في المسند (5/132): ثنا خلف بن هشام، ثنا حماد بن زيد، عن عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش، عن أُبي بن كعب قال: كانت سورة الأحزاب توازي سورة البقرة، فكان فيها: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة).
إسناده حسن ورجاله معروفون مشهورون، قال ابن حزم في "المحلى" (11/235): "هذا إسناده صحيح كالشمس لا مغمز فيه" اهـ وقال ابن كثير في تفسيره (3/465): "وهذا إسناد حسن". اهـ.
وتابع حماد بن زيد في روايته عن عاصم به كلّ من:
1 – منصور بن المعتمر، كما في "السنن الكبرى" للنسائي (4/271)، وصحيح ابن حبان (2/415).
2 – وحماد بن سلمة كما في صحيح ابن حبان (6/302) ومستدرك الحاكم (2/415).
3 – وسفيان الثوري كما في "المحلى" (11/234).
4 – وابن فضالة كما في مسند الطيالسي (ص73).
قال ابن حزم في "المحلى" (11/235): "فهذا سفيان الثوري، ومنصور شهدا على عاصم ما كذبا، فهما الثقتان الإمامان البدران، وما كذب عاصم على زر، ولا كذب زر على أبي" اهـ.
وقال الإمام أحمد في "المسند" (5/183): ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة عن قتادة عن يونس بن جبير،عن كثير بن الصلت قال: كان ابن العاص وزيد بن ثابت يكتبان المصحف، فمروا على هذه الآية، فقال زيد: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة)، فقال عمر: لما أُنزلت هذه أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: أكتبنيها، قال شعبة: فكأنه كره ذلك.
فقال عمر: ألا ترى أن الشيخ إذا لم يحصن جلد، وأن الشاب إذا زنى وقد أحصن رجم.
ورواه كل من: الدرامي (2/179)، أخبرنا محمد بن يزيد الرفاعي، ثنا العقدي، ثنا شعبة به.
والنسائي في الكبرى (4/270)، أخبرنا محمد بن المثنى، حدثنا محمد به.
وإسناده حسن، وابن العاص هو سعيد، وقتادة أحد الثلاثة الذين كفانا شعبة تدليسهم، على أنه قد صرّح بالتحديث من يونس بن جبير، كما في "السنن الكبرى" للبيهقي (8/211).(83/21)
قال ابن حزم في "المحلى" (1/425): "شيخ: جمع الشيخ شيوخ وأشيخ وشيخة وشيخان ومشيخة ومشايخ ومشيوخاء، والمرأة شيخة".
قال أبو عبيد: "كأنها شيخة رقوب".
"وقد شاخ الرجل يشيخ شيخاً بالتحريك، جاء على أصله، وشيخوخة وأصل الياء متحركة سكنت، لأنه ليس في الكلام فعول".
ثم قال: "وشيّخ تشييخاً، أي شاخ، وشيّخته: دعوته شيخاً للتبجيل.
وتصغير الشيخ شُييخ وشييخ أيضاً بالكسر، ولا يُقال شويخ". اهـ.
وقال ابن فارس في "معجم مقاييس اللغة" (3/234): شيخ الشين والياء والخاء كلمة واحدة، وهي الشيخ، تقول: هو شيخ، وهو معروف بين الشيخوخة والشيخ والتشييخ.
وقد قالوا أيضاً كلمة، قالوا: شيّخت عليه" اهـ.
والجواب الأمثل والله أعلم، عن الإشكال المذكور هو أن نقول: إن قوله (الشيخ والشيخة) عام أُريد به الخاص، وهو المحصن من الشيوخ، وإلى هذا أشار جماعة من السلف، قال الإمام مالك – رحمه الله – في الموطأ (ص824): قوله: "الشيخ والشيخة" يعني الثيّب والثيّبة". اهـ.
ولهذا كان يورد بعض الصحابة والتابعين لفظة (الشيخ) في مقابل الشاب المحصن مشيرين بذلك إلى مراد الآية، وهو المحصن من الشيوخ، قال أبو محمد بن حزم في "المحلى" (11/234): "عن أبي ذر قال: الشيخان يجلدان ويرجمان والثيبان يرجمان، والبكران يجلدان وينفيان. وعن أُبي بن كعب قال: يجلدون ويرجمون يجلدون ولا يرجمون، وفسّره قتادة قال: الشيخ المحصن يجلد ويرجم إذا زنى، والشاب المحصن يرجم إذا زنى، والشاب إذا لم يحصن جلد. وعن مسروق قال: البكران يجلدان وينفيان، والثيبان يرجمان ولا يجلدان والشيخان يجلدان ويرجمان". اهـ.(83/22)
أما الشاب المحصن، فالرجم ثابت في حقه إذا زنى بدلالة نصوص أخرى غير الآية المنسوخة لفظاً الثابتة حكماً. كما في حديث عبادة بن الصامت الذي رواه مسلم في صحيحه (رقم 1690). وفي حديث المرأة التي زنا بها العسيف، فرجمها النبي صلّى الله عليه وسلّم لأنها كانت محصنة كما في صحيح البخاري (رقم 6827) ومسلم (رقم 1697).
وفي رجم ماعز بن مالك وهو شاب، كما في صحيح البخاري (رقم 6815) وصحيح مسلم (رقم 1318)، وفي رجم الغامدية فهي شابة، وليست شيخة، بدليل أنها كانت حُبلى من الزاني، كما في صحيح مسلم (رقم 1695-23)، والله أعلم، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
آية لو كان لابن آدم واديان
يقول القزويني ص91: آية لو كان لابن آدم واديان "لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب" (صحيح مسلم 2/726) سقطت من القرآن.
الجواب: هذه قراءة أُبي بن كعب رضي الله عنه، ولم تثبت عند باقي الصحابة، لذا فإننا نجد عمر بن الخطاب رضي الله عنه راجع في ذلك أُبيّاً رضي الله عنه إن كان ذلك قرآناً يستوجب إثباتاً تلك الآية أم إن ذلك من المنسوخ، وفي ذلك يذكر لنا عمر بن شبّه النميري في "تاريخ المدينة المنورة" ج2 ص706:(83/23)
حدثنا عثمان بن موسى قال، حدثنا عبد الوارث بن سعيد، عن أبي قبيصة، عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال، قال ابن عباس رضي الله عنه، قلت لعمر رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين إن أبياً يزعم أنكم تركتم آية من كتاب الله لم تكتبوها. قال: أما والله لأسألن أبياً فإن أنكر لتنكرني. فلما أصبح غدا على أبي، فقال له ابن عباس رضي الله عنهما أُبيّاً تريد؟ قال: نعم، فانطلق معه فدخلا على أبي فقال: إن هذا يزعم أنك تزعم أنا تركنا آية من كتاب الله لم نكتبها. فقال: إني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول (لو أن لابن آدم ملء وادٍ ذهباً ابتغى إليه مثله، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، والله يتوب على من تاب) قال عمر رضي الله عنه: أفتكتبها؟ قال: لا آمرك، قال أفتدعها؟ قال: لا أنهاك، قال: كان إثباتك أولى من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أم قرآن منزل؟!
وقال أيضاً 2/712: حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى قال: حدثنا هشام – يعني ابن حسان – عن محمد بن سيرين: أن عمر رضي الله عنه سمع كثير بن الصلت يقرأ: "لو كان لابن آدم واديين من مال لتمنى وادياً ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب". فقال عمر رضي الله عنه: من يعلم ذاك؟ والله لتأتين بمن يعلم ذاك أو لأفعلن كذا وكذا. قال: أُبيّ بن كعب. فانطلق إلى أبيّ فقال: ما يقول هذا؟ قال: ما يقول؟ قال: فقرأ عليه. فقال: صدق قد كان هذا فيما يُقرأ. قال: أكتبها في المصحف؟ قال: لا أنهاك. قال: أتركها؟ قال: لا آمرك.
وقال الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه 7/175: وقال لنا أبو الوليد حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس عن أُبي قال كنا نرى هذا من القرآن حتى نزلت ألهاكم التكاثر.(83/24)
وعن أنس بن مالك، عن أبي بن كعب، قال: كنا نرى أن هذا الحديث من القرآن: لو أن لابن آدم واديين من مال، لتمنى وادياً ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ثم يتوب الله على من تاب حتى نزلت هذه السورة: ألهاكم التكاثر إلى آخرها. (تفسير الطبري 30/363).
عن جريج قال سمعت عطاء يقول سمعت ابن عباس يقول سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لو أن لابن آدم مثل واد مالاً لأحب أن له إليه مثله ولا يملأ عين ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب. قال ابن عباس فلا أدري من القرآن هو أم لا. (صحيح البخاري 7/175، صحيح مسلم 3/99).
وعن قتادة عن أنس قال كنت أسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلا أدري أشيء أُنزل عليه أم شيء يقوله وهو يقول لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى إليهما ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب (صحيح مسلم 3/99، مسند أحمد 3/176، سنن الدارمي 2/318).
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ج10 ص234: مسروق قال قلت لعائشة هل كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول شيئاً إذا دخل البيت قالت كان إذا دخل البيت تمثل لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً ولا يملأ فمه إلا التراب وما جعلنا المال إلا لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ويتوب الله على من تاب. رواه أحمد وأبو يعلى إلا أنه قال إنما جعلنا المال لتقضى به الصلاة وتؤتى به الزكاة قالت: فكنا نرى أنه مما نسخ.
وعن زيد بن أرقم قال لقد كنا نقرأ على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لو كان لابن آدم واديان من ذهب وفضة لابتغى إليهما آخر ولا يملأ بطن ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب (مسند الإمام أحمد 4/368).(83/25)
فأُبيّ رضي الله عنه يقر بنسخها وكذلك بعض الصحابة الذين ذكرناهم والقزويني يزعم أن ذلك تحريفاً، أيهما نُصدّق: صحابياً تربّى في مدرسة النبي صلّى الله عليه وسلّم أم إنسان تربّى في مدرسة ابن سبأ ورضع من ثدي الباطنية ونشأ عدواً لأصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم؟ ثم إن هذه الرواية مذكورة في مصادر طائفة القزويني فلم ينكرها أحد، فلماذا أهل السنة وحدهم يُعاب عليهم ويُترك سواهم إلا أن يكون الحقد والكراهية ميزان ذلك.
ذكر الصدوق (!!!) في كتابه "من لا يحضره الفقيه" ج4 ص418 والحر العاملي في كتابه "الجواهر السنية" ص343: عن سعد عن أحمد بن عيسى عن الحسن بن علي بن فضال عن ميسر قال: قال الصادق (ع): إن فيما نزل به الوحي من السماء لو أن لابن آدم واديين يسيلان ذهباً وفضة لابتغى إليهم ثالثاً.
آية المتعة
يقول القزويني ص91: آية المتعة: "فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمّى فآتوهن أجورهن فريضة" (مستدرك الحاكم 2/305) وفي القرآن لا توجد زيادة "إلى أجل مسمى".
والجواب: هذه قراءة أُبيّ وابن عباس رضي الله عنهما وابن جبير وهي قراءة كما قال الإمام الطبري في تفسيره 8/170: "بخلاف ما جاءت به مصاحف المسلمين، وغير جائز لأحد أن يلحق في كتاب الله شيئاً لم يأت به الخبر القاطع".
وانظر "النسخ في القرآن الكريم" للدكتور مصطفى زيد ص698-699 للاستزادة حول هذه القراءة. ولمعرفة حقيقة المتعة وأركانها وصيغتها ومكانتها عند الشيعة يمكن الرجوع إلى كتابنا "الشيعة والمتعة".
والعجيب أن ما يزعمه القزويني من أن هذه القراءة هي تحريف عند أهل السنة هي موجودة عند قومه ولكن بصورة أوسع وأشمل بغية تثبيت مسألة فقهية يدندن حولها قومه ويعتبرونها من الأساسيات التي لا ينبغي الإنسان الخروج من الدنيا دون أن يفعلها، بينما حرمها أهل السنة حتى الذين يقرؤون أمثال هذه القراءة، وإليك نماذج من الروايات المبثوثة في كتب القوم على سبيل المثال لا الحصر:(83/26)
1 – علي بن إبراهيم عن الصادق (ع) أنه قال: {فما استمعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة} فهذه الآية دليل على المتعة(1).
2 – عن أبي عمير عمن ذكره (!!!) عن أبي عبيد الله (ع) قال: إنما نزلت: {فما استمعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة}(2).
3 – عن أبي نصير قال: سمعت أبا جعفر (ع) يقول: قال علي (ع): لولا ما سبقني به ابن الخطاب ما زنى إلا شقي. قال: ثم قرأ هذه الآية: {فما استمعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة}. قال: يقول: إذا انقطع الأجل فيما بينكما استحللتها بأجل آخر(3).
4 – عن أبي بصير عن أبي جعفر (ع) قال: كان يقرأ: {فما استمتعتم به منهم إلى أجل مسمى فآتوهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة}. قال (ع): هو أن يزوجها إلى أجل يحدث شيء بعد الأجل(4).
5 - عن عبد السلام عن أبي عبد الله (ع) قال: قلت له: ما القول في المتعة؟ قال: قول الله تعالى: {فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة إلى أجل مسمى ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة}. قال: قلت: جعلت فداك أهي من الأربع؟ قال: ليست من الأربع إنما هي إجارة. فقلت: أرأيت إن أراد أن يزداد أو تزداد قبل انقضاء الأجل الذي أجّل. قال: لا بأس أن يكون ذلك برضاء منه ومنها بالأجل والوقت. وقال: سيزيدها بعد ما يمضي(5).
__________
(1) تفسير البرهان 1/306، فصل الخطاب 247.
(2) فصل الخطاب 247، تفسير الصافي 1/438، تفسير نور الثقلين 1/467.
(3) فصل الخطاب 248، تفسير البرهان 1/360.
(4) تفسير العياشي 1/234، تفسير البرهان 1/361، فصل الخطاب 248، مستدرك الوسائل 14/448.
(5) فصل الخطاب 248، تفسير البرهان 1/361.(83/27)
6 – سعد بن عبد الله القمي في كتاب (ناسخ القرآن) قال: وقرأ أبو جعفر وأبو عبد الله (ع): {فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن}(1).
سورة العصر
يقول القزويني ص91: سورة العصر: "والعصر ونوائب الدهر، إن الإنسان لفي خسر وإنه لفيه إلى آخر الدهر" (منتخب كنز العمال 2/60)، وفي القرآن لا توجد عبارة "ونوائب الدهر" ولا عبارة "وإنه لفيه إلى آخر الدهر".
الجواب: لم يتجاسر القزويني على ذكر إسناد هذه القراءة، ربما يتساءل القراء الكرام عن سبب ذلك، السبب يعرفه القزويني تمام المعرفة، لكنه لا يملك الشجاعة في ذلك، حيث إن هذه القراءة هي قراءة علي رضي الله عنه، واتهام علي رضي الله عنه بالتحريف كبيرة من الكبائر عنده وعند قومه أما بقية الصحابة فلا ضير في ذلك. وحاشا أمير المؤمنين علي رضي الله عنه أن يعتقد بالتحريف ولكن هذه قراءة قرأها، وإذا كانت هي الأصل فلماذا لم يُثبتها في القرآن في عهده، ولقد ابتلي أهل البيت رضوان الله عليهم بقوم انتحلوا مودتهم فكانوا وبالاً عليهم، وإليك سند الرواية التي يخجل منها القزويني:
عن عمرو ذي مر قال: سمعت علياً يقرأ "والعصر ونوائب الدهر، إن الإنسان لفي خسر وإنه فيه إلى آخر الدهر" (المستدرك للحاكم 2/534، كنز العمال 2/601، وانظر: تفسير الطبري 30/372، تفسير القرطبي 20/180، تفسير فتح القدير 5/492، تفسير الدر المنثور 6/392).
ونضع بين يدي القزويني بضعة روايات من طريق قومه، لنرى من يقول بالتحريف: هل أهل السنة أم قومه وطائفته:
1 – علي بن إبراهيم قال: قرأ أبو عبد الله (ع): {والعصر إن الإنسان لفي خسر} وإنه فيه: {إلى آخر الدهر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وائتمروا بالتقوى وائتمروا بالصبر}(2).
2 – السياري عن خلف بن حماد عن الحسين عن أبي عبد الله (ع) مثله(3).
__________
(1) فصل الخطاب 249، تفسير البرهان 1/373، مستدرك الوسائل 14/448.
(2) فصل الخطاب 325.
(3) فصل الخطاب 326.(83/28)
3 – عن ربعي عن أبي جعفر (ع) مثله(1).
4 – عن أبان بن تغلب عن أبي إبراهيم موسى بن جعفر (ع) عن أمير المؤمنين (ع) كان يقرأ: {والعصر ونوائب الدهر}(2).
آية المحافظة على الصلوات
قال القزويني ص92: آية المحافظة على الصلوات: "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين" (صحيح مسلم 1/437)، وفي القرآن لا توجد كلمتي "وصلاة العصر".
الجواب: رغم وجود روايتين في صحيح حول هذا الموضوع إلا أن القزويني بتدليسه لم يذكر رواية البراء بن عازب رضي الله عنه واكتفى برواية أم المؤمنين وحبيبة رسول رب العالمين وعدوة الباطنيين رضي الله عنها.
فأما الرواية التي ذكرها القزويني عن عائشة رضي الله عنها فهي قراءة منسوخة بشهادة أم المؤمنين رضي الله عنها: عن عبد الملك بن عبد الرحمن عن أمه أم حميد بنت عبد الرحمن: سألت عائشة رضي الله عنها عن قول الله عز وجل "الصلاة الوسطى"، فقالت: كنا نقرؤها على الحرف الأول على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين" (شرح معاني الآثار للطحاوي 1/172).
وروى مسلم في صحيحه (2/112): شقيق بن عقبة عن البراء بن عازب نزلت هذه الآية {حافظوا على الصلوات وصلاة العصر} فقرأناها ما شاء الله، ثم نسخها الله فنزلت {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى}. فقال رجل كان جالساً عن شقيق له: هي إذن صلاة العصر؟ فقال البراء: أخبرتك كيف نزلت وكيف نسخها الله والله أعلم.
وهذه الرواية تغافل عنها القزويني وذكر رواية أم المؤمنين رضي الله عنه معتقداً أنها تخدم غاية وكذبه.
وما يُعيبه على أهل السنة موجود ومتواتر عند طائفته وقومه وإليك الدليل:
__________
(1) فصل الخطاب 326.
(2) فصل الخطاب 326.(83/29)
1 – عن ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) أنه قرأ: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين}(1).
عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال: قلت له: الصلاة الوسطى.
فقال (ع): {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين} والوسطى هي صلاة الظهر.
قال: وكذلك يقرأها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم(2).
3 – عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال: كتبت امرأة الحسن (ع) مصحفاً، فقال الحسن (ع) للكاتب لما بلغ هذه الآية: {حافظوا على الصلوات والصلاة والوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين}(3).
4 – عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر}(4).
5 – عن الباقر والصادق (ع) إن الصلاة الوسطى صلاة الظهر وإن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان قرأ {حافظوا على الصلوات والصلاة والوسطى وصلاة العصر}(5).
6 – عن زرارة قال: سألت أبا جعفر (ع) عما فرض الله من الصلاة. فقال: خمس صلوات في الليل والنهار. فقلت: هل سماهن وبيّنهن في كتابه؟ قال: نعم. قال الله تعالى إلى أن قال وفي بعض القراءات {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين}(6).
__________
(1) تفسير القمي 1/79، تفسير نور الثقلين 1/237، تفسير كنز الدقائق 1/570، فصل الخطاب 235.
(2) تفسير البرهان 1/231، تفسير العياشي 1/127، تفسير الصافي 1/268، تفسير كنز الدقائق 1/570، بحار الأنوار 85/288، فصل الخطاب 235.
(3) تفسير البرهان 1/231، فصل الخطاب 235.
(4) فصل الخطاب 235.
(5) فصل الخطاب 235.
(6) من لا يحضره الفقيه 1/196، علل الشرائع 2/355.(83/30)
وقال النوري معلقاً على هذه الرواية (فصل الخطاب 235): والظاهر أن السؤال لما كان عما فرض الله من الصلوات اليومية بقرينة الاقتصار في الجواب على ذكرها، فلابد وأن يكون غرض زرارة معرفة استخراج ذلك من القرآن للاحتجاج مع العامة (أهل السنة) وغيرهم. لأنه من الجهل بها ويشهد لذلك قوله (عما فرض) الظاهر عما فرضه في كتابه على ما يظهر من أخبار كثيرة وحينئذ فقوله (هل سماهن وبيّنهن) أي على التفصيل والبيان الظاهر لا مطلقاً ولو إجمالاً لمعلومية الجواب الأول، فظهر أن الاستشهاد لبيان ذكر صلاة العصر في القرآن ببعض القراءات المعتبرة (ع) والمتحد مع قراءاتهم (ع) بقرينة عدم ذكرها فيه في موضع آخر وإلا أشار إليه (ع) ولما مضى ويأتي من الأخبار مع ما تقدم من وحدة ما نزل.. الخ.
7 – عن محمد بن جمهور يرويه عنهم (ع) {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين} قال: راغبين(1).
8 – سعد بن عبد الله القمي في كتاب "ناسخ القرآن ومنسوخه" قال: وكان يقرأ (أي الصادق) {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر}(2).
آية ولاية النبي صلّى الله عليه وسلّم
قال القزويني ص92: آية ولاية النبي صلّى الله عليه وسلّم: "النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم" (منتخب كنز العمال 2/43) ولا توجد في القرآن عبارة "وهو أب لهم".
الجواب: هذه هي قراءة أُبيّ رضي الله عنه وقد انفرد بها وأثبتها في مصحفه. وهي قراءة منسوخة. فقد أخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه قال: كان في الحرف الأول "النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم". وأخرج ابن جرير عن الحسن قال: في القراءة الأولى "النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم" (الدر المنثور 5/183).
__________
(1) فصل الخطاب 235.
(2) فصل الخطاب 236.(83/31)
والغريب بل المستهجن أن يُعيب القزويني ورود مثل هذه الرواية عند أهل السنة – مع التغافل عن أقوال أهل العلم من أهل السنة حولها – وينسى أن مصادر قومه مثقلة بأمثال هذه المرويات وإليك بعضها:
1 – علي بن إبراهيم في قوله تعالى: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم} قال: نزلت {وهو أب لهم وأزواجه أمهاتهم} فجعل الله المؤمنين أولاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجعل رسول الله أباهم لمن لم يقدر أن صون نفسه وليس على نفسه ولاية فجعل الله تبارك وتعالى لنبيه صلّى الله عليه وسلّم الولاية على المؤمنين من أنفسهم(1).
2 – عن أبي الصامت عن أبي عبد الله (ع) قال: أكبر الكبائر سبع.. إلى أن قال: وأما عقوق الوالدين فإن الله عز وجل قال في كتابه: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم} فعقوه في ذريته(2).
3 – عن الميداني عن أبي عبد الله (ع) في قوله عز وجل: {وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم}(3).
4 – الصفار عن علي بن إبراهيم بن هاشم عن القاسم بن الربيع عن محمد بن سنان عن صباح عن المفضل مثله(4).
5 – سعد بن عبد الله القمي في كتاب (ناسخ القرآن) قال: وقرأ الصادق (ع): {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم}(5).
آية الفراش
يقول القزويني ص94: آية الفراش: "الولد للفراش وللعاهر الحجر" (تفسير الدر المنثور 1/199) وهي غير موجودة في القرآن.
الجواب: إن هذه الآية منسوخة تلاوة وثابتة حُكماً، وحديث "الولد للفراش" ثابت عند أهل السنة روي من طريق بضعة وعشرين صحابياً وحكمه ثابت عند أهل السنة، انظر:
صحيح البخاري ج3: 5، 39، 91، ج5: 96، ج8: 9، 12، 22، 116.
صحيح مسلم ج4: 171.
__________
(1) تفسير القمي 2/175.
(2) بحار الأنوار 36/14، فصل الخطاب 295.
(3) بحار الأنوار 22/200 و431، فصل الخطاب 295.
(4) فصل الخطاب 296.
(5) فصل الخطاب 2/216، فصل الخطاب 296.(83/32)
سنن ابن ماجه ج1: 646، 647، ج2: 905.
سنن أبي داود ج1: 507، 508.
سنن الترمذي ج2: 313.
سنن النسائي ج6: 180، 181.
مسند أحمد ج1: 25، 59، 65، 69، 104، ج2: 179، 207، 39، 280، 386، 475، ج4: 186، 187، 238، 239.
مسند أحمد ج5: 326، ج6: 37، 129، 200، 226، 237، 247.
سنن الدارمي ج2: 152، 389.
المستدرك 3: 631.
السنن الكبرى ج6: 86، ج7: 157، 402، 403، 412، ج10: 150، 266.
شرح النووي على مسلم ج10: 37، 39.
مجمع الزوائد ج3: 80، ج4: 204، ج5: 13، 14، 15، ج6: 178، ج7: 251.
مقدمة فتح الباري: 162.
فتح الباري في شرح البخاري ج5:119، ج8: 19، ج9: 241، ج12: 26، 28، 29، 30، 31، 32، 33، 45، 113.
شرح سنن النسائي ج6: 180.
حاشية السندي على النسائي ج6: 180.
تحفة الأحوذي في شرح الترمذي ج4: 269، 270، ج: 259.
عون المعبود ج6: 240، 261، 263، ج10: 310.
مسند ابن المبارك: 134.
جزء سفيان بن عيينة: 87.
مسند أبي داود الطيالسي: 15، 154، 169، 204.
مصنف عبد الرزاق ج3: 321، 322، ج4: 149، ج7: 99، 102، 135، 218، 219، 442، 444، ج9: 48، ج10: 290.
مسند الحميدي ج1: 117، ج2: 465.
المصنف لابن أبي شيبة ج3: 465، 464، ج7: 3، 5، 380.
مسند ابن راهويه ج2: 217، 219.
السنن الكبرى للنسائي ج3: 378، 379.
مسند أبي يعلى ج7: 39.
المنتقى من السنن: 182.
شرح معاني الآثار ج3: 104، 105، 14، 115.
صحيح ابن حبان ج9: 413.
المعجم الأوسط ج5: 380.
المعجم الكبير ج8: 135، ج10: 242، ج11: 14، ج17: 34، 35، 36، ج22: 83.
مسند الشاميين ج1: 235، 360/ 361، ج4: 192.
سنن الدارقطني ج2: 124، ج3: 217، ج4: 156، 157.
مسند الشهاب ج1: 190.
نصب الراية ج3: 479، 481، 482، 483، ج5: 14، ج6: 499.
موارد الظمآن: 325، 415.
اللمع في أسباب الحديث: 156، 157.
الجامع الصغير ج2: 723.
كنزل العمال ج5: 292، 293، 845، 871، ج6: 107، 190، 196، 198، 199، 200، 208، ج11: 732، ج15: 210، ج16: 614.(83/33)
كشف الخفاء ج2: 339.
نظم المتناثر من الحديث المتواتر: 162.
إرواء الغليل ج7: 190.
المغني ج6: 397، ج7: 130، ج9: 13، 37، 45، 58، 547، ج12: 489، 490.
الشرح الكبير ج5: 289، ج6: 404، ج7: 36، 200، ج9: 31، 50، 61، 68، 69، 71، 540.
كشاف القناع ج5: 75، 462، 63، 465، 473، 476، 480، ج6: 31، 138.
المحلى ج9: 302، 479، 491، ج10: 321، ج11: 229، 257، 280.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد ج2: 95، 290، 291، 292.
سبل السلام ج3: 143، 196، 207، 212، 213، ج4: 138، 146.
نيل الأوطار ج5: 194، ج6: 157، 362، ج7: 76، 81.
وأيضاً ثابت عند القوم، فإذا كان الأمر كما يزعم القزويني وغيره من بني جلدته فلماذا استعاروه من أهل السنة، انظر المصادر التالية:
مسائل علي بن جعفر: 110.
الكافي ج5: 491، ج7: 163.
دعائم الإسلام ج2: 512، 523.
من لا يحضره الفقيه ج3: 451، ج4: 380.
الخصال: 213.
المجازات النبوية: 140.
الاستبصار ج3: 368، ج4: 183، 185.
تهذيب الأحكام ج8: 168، 169، 183، 208، ج9: 344، 346.
وسائل الشيعة ج14: 565، 568، 569، 570، 583، ج15: 120، 214، 220، 604، ج17: 564، 566، 568.
مستدرك الوسائل ج15: 33، 38، 187، ج17: 215.
الإيضاح: 248، 550.
شرح الأخبار ج1: 228، ج2: 154، 172.
الاحتجاج ج2: 20.
الطرائف: 501 .
كشف الغمة ج2: 45.
عوالي اللئالي ج1: 393، ج2: 132، 275، 338.
الفصول المهمة في أصول الأئمة ج2: 491.
بحار الأنوار ج8: 110، ج10: 252، ج33: 211، ج44: 115، 213، ج101: 61، 63، 64، ج110: 402.
فقه الرضا: 262.
المقنع: 401.
رسائل المرتضى ج1: 288، ج3: 124 .
الخلاف ج2: 378، ج3: 41.
المبسوط ج5: 210.
جواهر الفقه: 261.
المهذب ج2: 166.
غنية النزوع: 330.
السرائر ج2: 659، ج3: 276، 285، 465.
شرائع الإسلام ج2: 564، ج3: 653.
إيضاح الفوائد ج3: 260، 261، 337، 355، 364، ص455، ج4: 248، 495.
جامع المقاصد ج9: 353.
شرح اللمعة ج5: 276، 439، ج6: 425.(83/34)
مسالك الأفهام ج8: 379، 381، 382، 383، 386، 387، 391، ج8: 346، ج10: 220، 221، 222، ج13: 239، ج14: 420.
مجمع الفائدة ج13: 125.
نهاية المرام ج1: 270، 433، 435، 437، 441، 443، 444، ج2: 224.
كفاية الأحكام: 191.
التحفة السنية: 295.
الحدائق الناضرة ج12: 418، ج19: 446، ج23: 313، 505، ج24: 171، 330، ج25: 12، 13، 14، 17، 19، 23، 24، 27، 29، 30.
جواهر الكلام ج24: 201، ج29: 115، 261، 262، ج30: 159، ج31: 223، 229، 231، 232، 234، 236، 239، 240، 249، ج32: 216، 217، 264، 379، ج34: 14، 17، 22، 36، 41، 44، 45، 48، ج39: 274، 275، ج40: 516، 517.
بلغة الفقيه ج4: 214.
تكملة العروة الوثقى ج4: 93، 197، 198.
مستمسك العروة ج9: 312، ج14: 227، 259.
سورة الفاتحة
قال القزويني ص96: سورة الفاتحة: "صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين" (الدر المنثور 1/41)، وهي ليست في القرآن.
والجواب: هذه قراءة منسوخة، وإن كتب ومصادر القوم مليئة بهذه القراءة، فإن كان يُعيب على وجود هذه القراءة المنسوخة فهي عند قومه ليست بمنسوخة، وهل يجرؤ على اتهام قومه بالتحريف.
نقص من ص63 إلى 76
المصادر الإسلامية
الإتقان في علوم القرآن، جلال الدين عبد الرحمن السيوطي.
الإقناع للحجاوي.
الأم للشافعي.
بدائع الصنائع للكاشاني.
بداية المجتهد لابن رشد.
البرهان في علوم القرآن، بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي.
تأريخ القرآن، إبراهيم الأبياري.
تاريخ المدينة المنورة، عمر بن شبّه النميري.
تحفة الفقهاء للسمرقندي.
تفسير الطبري.
تفسير ابن كثير.
تفسير فتح القدير.
تفسير روح المعاني للألوسي.
تلخيص الحبير لابن حجر العسقلاني.
الجامع الصغير للسيوطي.
جمع الجوامع للسيوطي.
الجمع الصوتي الأول للقرآن، لبيب السعيد.
الرسالة للشافعي.
روضة الطالبين للنووي.
سبل السلام للصنعاني.
سنن أبي داود.
سنن البيهقي.
سنن الدارقطني.
سنن الدارمي.
سنن ابن ماجه.(83/35)
سنن النسائي.
الشيعة والتحريف القرآن، محمد مال الله.
صحيح البخاري.
صحيح مسلم.
صفوة الصفة لابن الجوزي.
عبد الله بن مسعود عميد حملة القرآن وكبير فقهاء المسلمين، عبد الستار الشيخ.
فتح الباري لابن حجر.
فتح العزيز للرافعي.
القراءات القرآنية وأثرها في الدراسات النحوية، د. عبد العال سالم مكرم.
كشف القناع للبهوتي.
منتخب مسند عبد بن حميد.
كنز العمال للهندي.
المبسوط للسرخسي.
مجمع الزوائد للهيثمي.
مختصر المزني.
المجموع للنووي.
المحلى لابن حزم.
المستدرك للحاكم النيسابوري.
المدونة الكبرى للإمام مالك.
مسند ابن الجعد.
مسند ابن راهويه.
مسند سعد بن أبي وقاص للدروقي.
مسند أبي داود الطيالسي.
مسند أحمد.
مسند أبي عوانة.
مسند أبي يعلى.
مسند الحميدي.
مصنف ابن أبي شيبة.
المغني لابن قدامة.
مغني المحتاج للشربيني.
المقنع في معرفة مرسوم مصاحف أهل الأمصار لأبي عمرو الداني.
منهاج السنة لابن تيمية.
الموطأ للإمام مالك.
النسخ في القرآن الكريم، د. مصطفى زيد.
نيل الأوطار للشوكاني.
وغير ذلك من المراجع المذكورة في الحواشي.
المصادر الشيعية
أحاديث أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها)، مرتضى العسكري.
الاحتجاج، الطبرسي.
أحكام الخلل في الصلاة، مرتضى الأنصاري.
إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان، الحسن بن يوسف بن المطهر.
إرشاد السائل، اللكبايكاني.
إشارة السبق، علي بن الحسن الحلبي.
الإثنا عشرية، بهاء الدين العاملي.
الاستبصار فيما اختلف من أخبار، محمد بن الحسن الطوسي.
الاستغاثة في بدع الثلاثة، أبو القاسم الكوفي.
الاقتصاد، الطوسي.
الأقطاب الفقهية على مذهب الإمامية، لابن أبي جمهور الأحسائي.
الألفية والنقلية، محمد بن مكي العاملي.
الأمالي، الصدوق.
الإمامة والتبصرة، ابن بابويه القمي.
الانتصار، المرتضى.
الألفية والنقلية، الشهيد الأول.
الأقطاب الفقهية، ابن أبي الجمهور.
الأنوار النعمانية، نعمة الله الجزائري.(83/36)
الأنوار الوضية في العقائد الرضوية، حسين العصفور.
أسئلة وأجوبة، اليزدي.
أنوار الأصول، ناصر مكارم الشيرازي.
أوائل المقالات، المفيد محمد بن محمد بن النعمان.
الإيضاح، الفضل بن شاذان.
إيضاح الفوائد في شرح إشكالات القواعد، محمد بن الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي.
بحار الأنوار، محمد باقر المجلسي.
بصائر الدرجات، محمد بن الحسن بن فروخ الصفار.
بلغة الفقيه، محمد بحر العلوم.
البيان، محمد بن جمال الدين مكي العاملي.
البيان في تفسير القرآن، لأبي القاسم الخوئي.
تأويل الآيات الطاهرة، شرف الدين الحسيني.
التبيان في تفسير القرآن، محمد بن الحسن الطوسي.
تبصرة المتعلمين في أحكام الدين، الحسن بن يوسف المطهر.
تحفة العقول، ابن شعبة الحراني.
تحرير الأحكام، الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر.
تذكرة الفقهاء، الحلي.
تفسير البرهان، هاشم البحراني.
تفسير الصافي، الكاشاني.
تفسير العياشي.
تفسير القمي.
تفسير الميزان، الطباطبائي.
التقية، مرتضى الأنصاري.
التقية، الخميني.
التقية في فقه أهل البيت، مسلم الدواري.
التوحيد، الصدوق.
تصحيح اعتقادات الإمامية، المفيد محمد بن محمد بن النعمان.
التوحيد، المفضل بن عمر الجعفي.
تهذيب الأحكام في شرح المقنعة، محمد بن الحسن الطوسي.
ثواب الأعمال، الصدوق.
جامع المدارك شرح المختصر النافع، أحمد الخوانساري.
جامع المقاصد في شرح القواعد، علي بن الحسين الكركي.
الجامع العباسي، بهاء العاملي.
الجامع للشرائع، يحيى بن سعيد الحلي.
الجواهر السنية في الأحاديث القدسية، الحر العاملي.
جواهر الفقه، القاضي ابن البراج.
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، محمد حسن النجفي.
الحبل المتين، بهاء الدين العاملي.
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، يوسف البحراني.
الحاشية على القوانين، مرتضى الأنصاري.
حاشية المكاسب، اليزدي.
حاشية المكاسب، محمد كاظم الأخوند الخراساني.
حاشية المكاسب، النائيني.(83/37)
حاشية المكاسب، الأصفهاني.
حصر الاجتهاد، آغا برزك الطهراني.
الحكومة الإسلامية، الخميني.
الخراجيات، المحقق الكركي.
خصائص الأمة، الرضي.
الخصال، الصدوق.
الخلاف، الطوسي.
الخلل في الصلاة، الخميني.
الخمس، مرتضى الحائري.
الدر المنضود في صيغ النيات والإيقاعات والعقود، زين الدين أبو القاسم علي بن محمد بن الفقعاني.
الدر المنضود، الكلبايكاني.
الدرر النجفية، يوسف البحراني.
الدروس الشرعية، محمد بن مكي العاملي.
دعائم الإسلام، أبي حنيفة النعمان بن محمد بن منصور المغربي.
دلائل الإمامة، محمد بن جرير بن رستم الطبري الشيعي.
دليل الناسك، محسن الحكيم.
ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد، محمد باقر السبزواري.
الذكرى، الشهيد الأول.
الرسائل التسع، الحلي.
الرسائل السعدية، الحلي.
الرسائل العشر، ابن فهد الحلي.
الرسائل العشر، الطوسي.
رسائل الشهيد الثاني، زين الدين علي الجبعي العاملي.
رسائل المرتضى.
رسائل الكركي، علي بن الحسن الكركي.
رسائل فقهية، مرتضى الأنصاري.
رسائل حول خبر مارية، المفيد محمد بن النعمان.
روض الجنان شرح إرشاد الأذهان، زين الدين الجبعي العاملي.
الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، زين الدين الجبعي العاملي.
روضة الواعظين، محمد بن الفتال النيسابوري.
رياض المسائل في بيان أحكام الشرع بالدلائل، علي الطباطبائي.
زبدة البيان، أحمد بن محمد الأردبيلي.
السرائر، محمد بن إدريس الحلي.
السقيفة وفدك، لأبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري.
شبهة القول بتحريف القرآن عند أهل السنة، د. علاء الدين القزويني.
الشموس شرح الدروس، حسين بن جمال الدين محمد الخوانساري.
شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام، الحلي.
شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار، القاضي النعمان بن محمد التميمي المغربي.
شرح العروة الوثقى، محمد باقر الصدر.
صراط النجاة، جواد التبريزي.
صلاة الجمعة، محمد مقيم اليزدي.
صيانة القرآن من التحريف، محمد هادي معرفة.(83/38)
العقد الحسيني، حسين البهائي.
علل الشرائع، محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي.
عوائد الأيام، النراقي.
العروة الوثقى، محمد كاظم الطباطبائي اليزدي.
عيون أخبار الرضى، الصدوق.
غنائم الأيام في مسائل الحلال والحرام، أبو القاسم القمي.
غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع، حمزة بن علي بن زهرة الحلبي.
الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان، أحمد الأردبيلي.
فتاوى ابن جنيد، الاشتهاري.
فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب الأرباب، النوري.
فقه ابن أبي عقيل العماني، مركز المعجم الفقهي.
فقه الرضا، علي بن بابويه.
فقه الصادق، محمد صادق الروحاني.
الفصول العشرة في الغيبة، المفيد محمد بن النعمان.
الفصول المختارة، محمد بن محمد بن النعمان المفيد.
الفصول المهمة في أصول الأئمة، محمد بن الحسن الحر العاملي.
قرب الإسناد، عبد الله الحميري.
القضاء والشهادات، مرتضى الأنصاري.
قواعد الأحكام، الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر.
الكافي، الكليني.
كافي الحلبي، أبو الصلاح الحلبي.
كامل الزيارات، جعفر بن محمد بن قولويه القمي.
كتاب الأربعين، سليمان الماحوزي البحراني.
كتاب الإجارة، الخوئي.
كتاب الاجتهاد والتقليد، الخوئي.
كتاب البيع، الخميني.
كتاب التمحيص، محمد بن همام الإسكافي.
كتاب الحج، الخوئي.
كتاب الحج، الكبايكاني.
كتاب الخمس، مرتضى الأنصاري.
كتاب الخمس، الخوئي.
كتاب الزكاة، مرتضى الأنصاري.
كتاب الزكاة، الخوئي.
كتاب الزهد، الحسين بن سعيد الكوفي الأهوازي.
كتاب الشهادات، الكلبايكاني.
كتاب الطهارة، مرتضى الأنصاري.
كتاب الطهارة، الخميني.
كتاب الطهارة، الخوئي.
كتاب الطهارة، الكلبايكاني.
كتاب الصلاة، مرتضى الأنصاري.
كتاب الصلاة، الخوئي.
كتاب الصلاة، تقريرات النائيني للكاظمي.
كتاب الصوم، مرتضى الأنصاري.
كتاب الصوم، الخوئي.
كتاب القضاء، الأشتياني.
كتاب القضاء، الكلبايكاني.
كتاب المساقاة، الخوئي.
كتاب المضاربة، الخوئي.(83/39)
كتاب المكاسب، مرتضى الأنصاري.
كتاب النكاح، مرتضى الأنصاري.
كتاب النكاح، الخوئي.
كتاب الغيبة، ابن أبي زينب محمد بن إبراهيم النعماني.
كشف الرموز شرح المختصر النافع، زين الدين أبي علي الحسن بن أبي طالب المعروف بالآبي.
كشف الغطاء عن مبهمات شريعة الغراء، جعفر المدعو بكاشف الغطاء.
كشف اللثام، الفاضل الهندي.
كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر، علي بن محمد بن علي الخزاز القمي الرازي.
كفاية الأحكام، محمد باقر السبزواري.
كمال الدين وتمام النعمة، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي.
اللمعة الدمشقية، الشهيد الأول.
اللوامع النورانية في أسماء علي وأهل بيته القرآنية، هاشم البحراني.
مائة منقبة من مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والأئمة من ولده من طريق العامة، محمد بن أحمد بن علي بن الحسن القمي المعروف بابن شاذان.
مباني تكملة المنهاج، أبو القاسم الخوئي.
المبسوط في فقه الإمامية، محمد بن الحسن بن علي الطوسي.
مثير الأحزان، ابن نما الحلي.
المجازات النبوية، الرضي.
مجمع الفائدة والبرهان، الأردبيلي.
المحاسن، أحمد بن محمد بن خالد البرقي.
محصل المطالب في تعليقات المكاسب، صادق الطهوري.
المختصر النافع في فقه الإمامية، جعفر الحلي.
مختصر الأحكام، محمد رضا الموسوي الكلبايكاني.
مختصر الأحكام، الكلبايكاني.
مختصر بصائر الدرجات، حسن بن سليمان الحلي.
مختلف الشيعة، الحسن بن يوسف بن المطهر.
مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام، محمد بن علي العاملي.
مدينة المعاجز، هاشم بن سليمان البحراني.
المراسم العلوية، حمزة بن عبد العزيز الديلمي.
مزار الشهيد الأول، محمد بن مكي العاملي.
مزار المشهدي، محمد بن المشهدي.
المسائل الصاغانية، المفيد.
المسائل المستحدثة، محمد صادق الروحاني.
المسح على الرجلين، المفيد محمد بن محمد النعمان.
مستمسك العروة الوثقى، محسن الحكيم.(83/40)
المسائل الطوسية، المفيد محمد بن محمد بن النعمان، إيران.
المسائل الفقهية، عبد الحسين شرف الدين.
مسائل علي بن جعفر ومستدركاتها.
مسالك الإفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام، زين الدين بن علي العاملي.
مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، حسين النوري الطبرسي.
المسترشد في إمامة أمير المؤمنين، محمد بن جرير بن رستم الطبري الشيعي.
مستند الشيعة في أحكام الشريعة، أحمد بن محمد مهدي النراقي.
مستمسك العروة الوثقى، محسن الطباطبائي الحكيم.
مسند الإمام الرضا، تحقيق: عزيز الله العطاردي.
مسند الرضا، داود بن سليمان بن يوسف الغازي.
مشارق الشموس الدرية في أحقية الطائفة الإخبارية، عدنان البحراني.
مشارق الشموس، الخوانساري.
مشرق الشمسين، بهاء الدين العاملي.
مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، علي الطبرسي.
مصباح الشريعة، جعفر الصادق.
مصباح الفقاهة، أبو القاسم الموسوي الخوئي.
مصباح الفقيه، محمد بحر العلوم.
مصباح المتهجد، محمد بن الحسن الطوسي.
مصباح المنهاج، محمد سعيد الطباطبائي الحكيم.
المعتبر في الشرح المختصر، الحلي.
معدن الجواهر ورياضة الخواطر، محمد بن علي الكراجكي.
معاني الأخبار، الصدوق.
مصباح المنهاج، محمد سعيد الحكيم.
معجم أحاديث المهدي.
معجم رجال الحديث، الخوئي.
مفتاح الفلاح، بهاء الدين العاملي.
مقتضب الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر، أحمد بن عبيد الله بن عياش الجوهري.
مقتل الحسين، لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف.
المقنع، محمد بن علي بن بابويه.
المقنع في الغيبة، المرتضى.
المقنعة، المفيد.
المكاسب المحرمة، مرتضى الأنصاري.
المكاسب المحرمة، الخميني.
منار الهدى في النص على إمامة الأئمة الاثني عشر، علي البحراني.
مناسك الحج، الكلبايكاني.
مناسك الحج، علي السيستاني.
مناقب آل أبي طالب، ابن شهر أشوب.
مناقب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، محمد بن سلميان الكوفي.
منتهى المطالب في تحقيق المذهب، الحلي.(83/41)
من لا يحضره الفقيه، الصدوق.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، ميرزا حبيب الله الخوئي.
منهاج الصالحين، محمد الحسيني الروحاني.
منهاج الصالحين، علي السيستاني.
منهاج الفقاهة، محمد صادق الروحاني.
منتهى الطلب، الحلي.
منهاج الصالحين وتكملته، الخوئي.
المهذب، عبد العزيز بن البراج الطرابلسي.
المهذب البارع في شرح المختصر النافع، أحمد بن محمد بن فهد الحلي.
موسوعة الإمام الجواد.
الناصريات، المرتضى.
نتائج الأفكار، الكلبايكاني.
نخبة الأزهار، تقريرات الإصفاني للسبحاني.
نوادر الأشعري، أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي.
نوادر المعجزات في مناقب الأئمة الهداة، محمد بن جرير بن رستم الطبري.
النهاية، الطوسي.
نهاية الإحكام في معرفة الأحكام، الحلي.
نهاية المرام، محمد العاملي.
الهداية، الصدوق.
الهداية، الكلبايكاني.
هداية العباد، الكلبايكاني.
هداية العباد، لطف الله الصافي.
الهداية الكبرى، الحسين بن حمدان الخصيبي.
الوافي، الفيض الكاشاني.
وسائل الشيعة، الحر العاملي.
الوسيلة إلى نيل الفضيلة، أبي جعفر الطوسي المعروف بابن حمزة.
وغيرها من المصادر المذكورة في حواشي الكتاب.
انتهى الكتاب ولله الحمد.(83/42)
براءة أهل السنة من
شبهة القول بتحريف القرآن
تأليف
محمد مال الله
مقدمة الكتاب
الحمد لله ربه العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله الطاهرين الطيبين وأصحابه الغر الميامين ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
دفع إليّ بعض طلبة العلم كتاباً من تأليف المسمّي نفسه "الدكتور علاء الدين أمير القزويني" وهو بعنوان "شبهة القول بتحريف القرآن عند أهل السنة"، فقرأت الكتاب فوجدته يصلح للأميين الذين لا علم لهم ولا دراية بالفكر الشيعي، وقد سلك مؤلفه مسلك الكذب والتدليس فيما يطرح من قضايا هي أشد وضوحاً من الشمس في رابعة النهار، ولكن ما الذي يرجوه البصير من المصاب في عينيه فهو لا يميز بين النور والظلام، وللأسف فإن القزويني حاول إيهام القراء بأن أهل السنة يعتقدون بتحريف القرآن بأن أورد في كتابه ما لا يعقله، وحسب أن أباطيله سوف تنطلي ويُبعد عن أبناء دينه تهمة مسألة تحريف القرآن، ولكن أنّى له ذلك ودون ذلك خرط القتاد، ويلاحظ القارئ لكتاب القزويني بأنه صبّ جمّ غضبه وحقده على فضيلة الشيخ الدكتور ناصر القفاري حفظه الله ورعاه واتهمه بالكذب والتدليس والافتراء على الشيعة، وذلك أن القزويني اطلّع على كتاب الدكتور القفاري "مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة" وغاظه ما وجد فيه من حقائق وثوابت لا يستطيع إنكارها أي شيعي، وبدل أن يلجأ القزويني إلى الأسلوب العلمي والموضوعي في المناقشة اتخذ السب والشتم وهذا أسلوب العاجز الذي يعجز عن مواجهة الحجة بالحجة.(84/1)
وهذا الكتاب الذي بين يديك أخي القارئ محاولة متواضعة في الذب عن أهل السنة وكشف أكاذيب وتدليس الشيعة فيما ينسبونه إلى أهل السنة من تهمة التحريف بآياته الكريمة خدمة لاعتقادهم ودينهم. وكان الباعث أيضاً على تسطير هذه الصفحات أن بعض طلبة العلم مخدعون بما يطرحه الشيعة من شبهات حول أهل السنة ومحاولتهم الحطّ من مصادر ومراجع أهل السنة مثل الصحيحين وغيرهما.
ولم أشأ الرد على كتاب القزويني بحذافيره بل انتقيت بعض المباحث رغبة في الاختصار في تسويد صفحات الكتاب وحفاظاً على وقت القارئ الكريم في قراءة ما لا ينفع، وأرجو من الله سبحانه وتعالى أن يدّخر أجر ذلك في ميزان حسناتي يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
أبو عبد الرحمن
محمد مال الله
1/ربيع الثاني/1422ه
المبحث الأول
علماء الشيعة وتحريف القرآن
يقول القزويني ص25: "من الشبه التي أثارها أهل السنة، وشنّعوا بها على الشيعة، قولهم: بأن الشيعية يقولون بتحريف القرآن، ومن أجل ذلك رموهم بالكفر والزندقة والإلحاد.
يقول الدكتور ناصر بن عبد الله القفاري في كتابه الذي أسماه "مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة" وهذا الكتاب كغيره من الكتب التي ليس فيها إلا القذف والسب... وهذا نص عبارته: "لقد نسبت كتب أهل السنة إلى مذهب الشيعة تلك المقالة الشنيعة في الزندقة والإلحاد، وهي قولهم بتحريف القرآن، ورأينا أهل السنة لم يظلموهم، وأن هذا الطعن في كتاب الله متواتر في كتبهم، وهو مذهب لطائفة من علمائهم بل نقل بعضهم اتفاقهم على هذه المقالة، فماذا يرى دعاة التقريب في هذه المقالة التي تقطع صلتهم بالإسلام والمسلمين وهم يحاولون اللقاء مع المسلمين".(84/2)
ويقول ص27: "إن ظاهرة القول بتحريف القرآن، ونسبة ذلك إلى الشيعة ظاهرة قديمة، وليست من مبتدعات الدكتور ناصر بن عبد الله القفاري، فقد سبقه في ذلك أساتذته في التلفيق والتهم الباطلة ممن يريد تشويه عقيدة الشيعة من غير دليل ولا برهان، سوى المفتريات والأكاذيب".
ويقول ص133: "وأما ما يزعمه بعض المعاندين من أن الشيعة تذهب إلى القول بتحريف القرآن، فهو زعم باطل، لا دليل عليه سوى المفتريات والأكاذيب وتحريف الكلم عن مواضعه، ونسبة ذلك إلى الشيعة من الظلم الفاحش".
ونحن بدورنا نتساءل: هل الدكتور القفاري ظلم الشيعة بمقولته تلك أم أنه - حفظه الله ورعاه - أورد في كتابه من الأدلة ما يؤيد ذلك؟ وهل نسبة القول إلى الشيعة بتحريف القرآن مجرد افتراء وتلفيق وتدليس؟ وهل القصد من ذلك تشويه وتسفيه عقائد الشيعة ومجرد التشفّي من الشيعة؟ أم إن من نتيجة البحث العلمي النزيه في مصادر الشيعة قديمها وحديثها تُثبت بما لا مجال للشك فيه أن هذه حقيقة يحاول الشيعة كتمانها ووأدها خوفاً من وصمة العار التي تلحق بهم إن هم جاهروا بها؟
وسوف نحاول في هذا المبحث إثبات صحة اعتقاد علماء الشيعة بتحريف القرآن والذين يحظون بالتعظيم والتبجيل عند الشيعة ومن المصادر الموثوقة عندهم، وهذا في اعتقادي قمة الإنصاف، لئلا يتهمنا الشيعة بأننا نستقي تلك الأقوال من مصادر مخالفيهم ومبغضيهم. وبعد ذلك نرجو من القزويني أن يقول برأيه صراحة دون الحاجة إلى اللجوء إلى التقية: هل من يقول صراحة بتحريف القرآن مسلم أم كافر؟ وهل يمكن أن تكون شخصيته ومؤلفاته موضوع تقديس وتعظيم وتبجيل؟(84/3)
لقد ذهب أكثر علماء الشيعة أمثال الكليني صاحب الكافي، والقمي صاحب التفسير، والمفيد، والطبرسي صاحب الاحتجاج، والمجلسي، وغيرهم من علماء الشيعة – وسيأتي ذكر الباقي منهم – إلى القول بتحريف القرآن، وأنه أُسقط من القرآن الكريم كلمات بل آيات، حتى إن بعض علمائهم المتأخرين ويلقبونه بخاتمة المحدّثين النوري الطبرسي صنّف كتاباً أسماه "فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب"، أورد فيه كلام علماء الشيعة القائلين بالتحريف، غير أن بعض علماء الشيعة أمثال الطوسي صاحب التبيان، والمرتضى الذي هو ثاني اثنين شاركاً في تأليف "نهج البلاغة" المنسوب زوراً وبهتاناً إلى علي رضي الله عنه، والطبرسي صاحب مجمع البيان، والبعض منهم في العصر الحاضر أنكروا التحريف.
ربما يظن القارئ المسلم أن ذلك الإنكار صادر عن عقيدة، بل إن الواقع إنما صدر منهم ذلك لأجل التقية التي يحتمون بها لاسيما المسلمين.
وفي ذلك نقل النوري عن الجزائري صاحب "الأنوار النعمانية" قوله: إن الأصحاب قد أطبقوا على صحة الأخبار المستفيضة بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع تحريف القرآن.
وقال الجزائري أيضاً: إن الأخبار الدالة على ذلك تزيد على ألفي حديث وادّعى استفاضتها جماعة كالمفيد والمحقّق الدامادا والعلامة المجلسي وغيرهم، بل الشيخ(1) أيضاً صرّح في التبيان بكثرتها، بل ادّعى تواترها جماعة(2).
ويعترف عدنان البحراني في كتابه "مشارق الشموس" ص126 بأن أخبار التحريفات من المسلمات عند الشيعة بل إجماعهم على ذلك وكونه من ضروريات مذهبهم وبه تظافرت أخبارهم.
ويقول ص127: "والحاصل فالأخبار من طريق أهل البيت أيضاً كثيرة إن لم تكن متواترة على أن القرآن الذي بين أيدينا ليس هو بالقرآن بتمامه كما أُ،زل على محمد (ص) بل هو خلاف ما أنزل الله ومنه ما هو محرّف ومُغيّر وأنه قد حُذف منه أشياء كثيرة".
__________
(1) أبو جعفر الطوسي.
(2) فصل الخطاب للنوري ص277.(84/4)
وأما إنكار المرتضى للتحريف فيرد عليه أحد علماء الشيعة الهنود في كتابه "ضربة حيدرية" 2/81 بقوله: فإن الحق أحق بأن الاتباع، ولم يكن السيد علم الهدى معصوماً حتى يجب أن يُطاع، فلو ثبت أنه يقول بعدم النقيضة مطلقاً لم يلزمنا اتباعه ولا خير فيه.
ربما يتبجح القزويني وغيره من الشيعة ويقولون: إن الشيعة ليس لديهم قرآناً غير الذي يتداوله المسلمون ويقرأونه وهذا من الأدلة الواضحة على اعتقاد الشيعة بصحة القرآن وعدم القول بتحريفه، أدع الإجابة على هذا الكلام الغريب والغير منطقي لأحد علماء الشيعة الذين لهم مكانة عظيمة في نفوس الشيعة قديمهم وحديثهم، ألا وهو شيخهم "المفيد" الذي يقول في كتابه "المسائل السروية" ص81-82:
إنهم(1) أمروا بقراءة ما بين الدفتين، وأن لا يتعداه إلى زيادة فيه ولا نقصان منه حتى يقوم القائم عليه السلام فيقرأ للناس القرآن على ما أنزله الله تعالى وجمعه أمير المؤمنين عليه السلام. وإنما نهونا عليهم السلام عن قراءة ما وردت به الأخبار تزيد على الثابت في المصحف لأنها لم تأت على التواتر، وإنما جاء بها الآحاد، وقد يغلط الواحد فيما ينقله. ولأنه متى قرأ الإنسان بما خالف بين الدفتين غرر بنفسه وعرض نفسه للهلاك. فنهونا عليهم السلام عن قراءة القرآن بخلاف ما ثبت بين الدفتين لما ذكرناه.
ويقول أيضاً نعمة الله الجزائري في "الأنوار النعمانية" 2/363: قد روي في الأخبار أنهم عليهم السلام أمروا شيعتهم بقراءة هذا الموجود من القرآن في الصلاة وغيرهما والعمل بأحكامه حتى يظهر مولانا صاحب الزمان فيرتفع هذا من القرآن من أيدي الناس إلى السماء ويُخرج القرآن الذي ألّفه أمير المؤمنين عليه السلام فيقرأ ويعمل بأحكامه.
__________
(1) أي الأئمة المعصومين عند الشيعة.(84/5)
ويقول المجلسي: ولأنه متى قرأ الإنسان بما يخالف ما بين الدفتين غرّر بنفسه مع أهل الخلاف(1) وأغرى به الجبارين وعرّض نفسه للهلاك، فمنعونا عليهم السلام عن قراءة القرآن بخلاف ما ثبت بين الدفتين لما ذكرناه(2).
ويقول حسن العصفور البحراني في كتابه "الفتاوى الحسينية في العلوم المحمدية" ص156: ويجب أن يقرأ بأحد القراءات المُدّعى تواترها المقبولة عندهم ولا يجوز أن يقرأ بغيرها وإن كان هي القراءة المُنزّلة الأصلية الثابتة عن أهل الذكر عليهم السلام لأن الزمان زمان هدنة وتقية ولهذا أتى الأمر منهم عليهم السلام بالقراءة كما يقرأ الناس حتى يأتيكم من يُعلّمكم.
وإن للشيعة مصحفاً آخر يسمّى "مصحف فاطمة"، ربما يكابر القزويني - كعادته - فليراجع المصادر التالية، وهي كلها مراجع شيعية ليس بينها مرجعاً إسلامياً واحداً:
بصائر الدرجات: 173، 174، 176، 177، 179، 180، 181، 190.
الإمامة والتبصرة: 12.
الكافي ج1: 239، 240، 241، ج8: 58.
من لا يحضره الفقيه ج4: 319.
الخصال: 528.
معاني الأخبار: 103.
روضة الواعظين: 211.
خاتمة المستدرك ج23: 315.
الإيضاح: 461، 462.
شرح الأخبار ج1: 241.
الإرشاد ج2: 186.
إعلام الورى بأعلام الهدى ج1: 536.
الاحتجاج ج2: 134.
الخرائج والجرائح ج2: 894.
مناقب آل أبي طالب ج3: 374.
كشف الغمة ج2: 384.
الصراط المستقيم ج1: 105.
تأويل الآيات ج1: 102، 374، ج2: 723، 724.
المحتضر: 114.
الفصول المهمة في أصول الأئمة ج1: 506، 509.
مدينة المعاجز ج2: 267، ج5: 329، 330.
ينابيع المعاجز: 127، 129، 130، 131، 132، 195.
بحار الأنوار ج22: 546، ج26: 18، 38، 39، 40، 41، 43، 44، 45، 46، 47، 48، 156، ج35: 35، ج37: 176، ج43: 79، 80، 195، ج47: 32، 65، 271، 272، ج108: 360، ج109: 67.
شرح زيارة الجامعة ج1: 82.
مصباح الهداية: 225.
__________
(1) أي أهل السنة.
(2) انظر: مرآة العقول 3/31، بحار الأنوار ج92 ص65 وكلاهما للمجلسي.(84/6)
مسند الإمام الرضا ج1: 102.
معجم أحاديث الإمام المهدي ج3: 388.
ولا أظن أن القزويني يجهل أن في عقيدة الشيعة قصة شهيرة تسمّى "الجزيرة الخضراء" وهي جزيرة خاصة بمهدي الشيعة وأبنائه، اخترعها أحد رواة الشيعة وهو علي بن فاضل المازندراني، وهي قصة طويلة جداً سمجة ركيكة، وقد رأى هذا الراوي أحد أبناء مهدي الشيعة والمسمّى شمس الدين محمد، وقد ورد في هذه القصة أن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين قد أجمعوا على تحريف القرآن وأسقطوا منه الآيات الدالة على فضل آل البيت رضوان الله عليهم، وحذفوا فضائح المهاجرين والأنصار.
وربما يكابر القزويني ويقول أن هذا من الأساطير، فأقول له: إن هذه الرواية مذكورة في أكثر من أربعين مصدر من مصادر الشيعة، ولكي لا ندع مجالاً للإنكار أذكر تلك المصادر:
محمد باقر المجلسي في كتابه بحار الأنوار 52/159.
محمد مكي الملقّب عند الشيعة بالشهيد الأول في الأمالي بإسناده عن علي بن فاضل.
محمد كاظم الهزارجريبي في كتاب المناقب.
النوري الطبرسي في كتابه جنّة المأوى ص181.
الكركي والملقّب عند الشيعة بالمحقق الثاني في كتابه ترجمة الجزيرة الخضراء.
شمس الدين محمد بن أمير أسد الله التستري في كتابه رسالة الغيبة وإثبات وجود صاحب الزمان.
نور الله المرعشي في كتابه مجالس المؤمنين.
مير لوحي في كتابه المهتدي في المهدي.
ميرزا محمد رضا في كتابه تفسير الأئمة لهداية الأمة.
الحر العاملي في كتابه إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات.
هاشم البحراني في كتابه تبصرة الولي في من رأى القائم المهدي.
نعمة الله الجزائري في رياض الأبرار في مناقب الأئمة الأطهار.
محمد هاشم الهروي في كتابه إرشاد الجهلة المصرّين على إنكار الغيبة والرجعة.
عبد الله بن الميرزا عيسى بيك في كتابه رياض العلماء وحياض الفضلاء.
أبو الحسن الفتوني العاملي في كتابه ضياء العالمين.
عبد الله بن نور الله البحراني في كتابه عوالم العلوم والمعارف.(84/7)
شبر بن محمد الحويزي في كتابه رسالة الجزيرة الخضراء.
الوحيد البهبهاني في كتابه الحاشية على مدارك الأحكام، وقد استشهد بهذه القصة على أدلة وجوب صلاة الجمعة في زمن الغيبة.
محمد عبد النبي (!!!) النيسابوري في كتابه الكتاب المبين والنهج المستبين.
أسد الله الكاظمي في كتابه مقابيس الأنوار ونفائس الأسرار.
عبد الله شبر في كتابه جلاء العيون.
أسد الله الجيلاني الإصفهاني في كتابه الإمام الثاني عشر المهدي.
مير محمد عباس الموسوي اللكنهوي في كتابه نسيم الصبا في قصة الجزيرة الخضراء.
إسماعيل النوري الطبرستاني في كتابه كفاية الموحدين في عقائد الدين.
علي بن زين العابدين في كتابه إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب.
مصطفى الحيدري الكاظمي في كتابه بشارة الإسلام في ظهور صاحب الزمان.
محمد تقي الموسوي الإصفهاني في كتابه مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم.
علي أكبر النهاوندي في كتابه العبقري الحسان في تواريخ صاحب الزمان.
بحر العلوم في كتابه تحفة العالم في شرح خطبة العالم.
الفيض الكاشاني في كتابه النوادر في جمع الحديث.
يوسف البحراني في كتابه أنيس المسافر وجليس الخواطر ويسمّى الكشكول أيضاً.
هاشم البحراني في كتابه حلبة الأبرار في أحوال محمد صلّى الله عليه وسلّم وآله الأطهار.
محسن العصفور في كتابه ظاهرة الغيبة ودعوى السفارة، وهو معاصر.
محمد صالح البحراني في كتابه حصائل الفكر في أحوال الإمام المنتظر.
الخوانساري في روضات الجنان في ترجمة المرتضى.
محمد ميرزا التكابني في كتابه قصص العلماء في ترجمة وأحوال جعفر بن يحيى بن الحسن.
محمد تقي المامقاني في كتابه صحيفة الأبرار.
محمد هادي الطهراني في كتابه محجة العلماء 140.
بحر العلوم في الفوائد الرجالية 3/136.
محمد الغروي في كتابه المختار من كلمات المهدي 2/116 و447.
عبد الله عبد الهادي في كتابه المهدي وأطباق النور 55، 56، 102.
الأردبيلي في كتابه حديقة الشيعة 729.(84/8)
زين الدين النباطي في كتابه الصراط المستقيم لمستحقي التقديم 2/264-266.
أسد الله التستري في كتابه كشف القناع 231.
محمد رضا الحكيمي في كتابه حياة أُولي النهى الإمام المهدي 512.
حسن الأبطحي في كتابه المصلح الغيبي وكتابه الكمالات الروحية.
ياسين الموسوي في هامش النجم الثاقب للنوري الطبرسي 2/172.
ونتحف القزويني ببعض أسماء علماء الشيعة وكتبهم الذين يقولون بالتحريف لئلا يطول بنا المقام، ومن أراد الاستزادة فعليه بمراجعة كتابنا "الشيعة وتحريف القرآن" حيث ذكرنا أقوالهم بالتفصيل.
الكليني في الكافي حيث ذكر الكثير من روايات التحريف والآيات المحرّفة على حد زعمه دون أن يعلّق عليها.
القمي في تفسيره 1/10.
أبو القاسم الكوفي في كتابه "الاستغاثة في البدع الثلاثة" ص25.
المفيد في كتابه "أوائل المقالات" ص13، وكتابه المسائل السروية 81-82.
الأردبيلي في كتابه "حديقة الشيعة" 118-119.
علي أصغر في كتابه "عقائد الشيعة" ص27.
الطبرسي في كتابه "الاحتجاج" 1/222.
الكاشاني في "تفسير الصافي" 1/32 (الطبعة القديمة). وكتابه "هداية الطالبين" ص368.
المجلسي في "تذكرة الأئمة" ص49 و"حياة القلوب" 2/681، وفي كتابه "بحار الأنوار" العشرات بل المئات من روايات التحريف وذكر الآيات المحرّفة على حد زعم الشيعة.
نعمة الله الجزائري "الأنوار النعمانية" 2/257.
أبو الحسن العاملي في المقدمة الثانية لتفسير مرآة الأنوار 36، وطبعت كمقدمة لتفسير البرهان للبحراني.
الخراساني في كتابه "بيان السعادة في مقامات العبادة" 1/12.
علي اليزدي الحائري في كتابه "إلزام الناصب" 1/2، 477/259 و266.
حسين الدوردآبادي في كتابه "الشموس الساطعة" ص425.
محمد كاظم الخراساني في "كفاية الأصول" 284-285.
ميرزا حبيب الله الخوئي في كتابه "منهاج البراعة" 2/119-121.
عدنان البحراني في كتابه "مشارق الشموس الدرية" ص125 و135.(84/9)
ميرزا محمد الإصفهاني في كتابه "مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم" 1/58-62، 204، 218، 233.
المازندراني في كتابه "نور الأبصار" ص426، 428، 439، 442، وفي كتابه "الكوكب الدري" 2/56.
علي البهبهاني في كتابه "مصباح الهداية" ص246، 277.
أحمد المستنبط في كتابه "القطرة في مناقب النبي والعترة" 1/112 و234-235 و2/379.
ابن شاذان في "الفضائل" 151.
مرتضى الأنصاري في "فرائد الأصول" 1/66.
يوسف البحراني في "الدرر النجفية" 294-296.
الحر العاملي في "الفوائد الطوسية" 483.
حسين الدرازي في "الأنوار الوضية" 27.
ميرزا حسن الإحقافي في "الدين بين السائل والمجيب" 944.
عبد الحسين (!!!) دستغيب في "أجوبة الشبهات" 132.
محمد رضا الحكيمي في "القرآن خواصه وثوابه" 242.
علي الكوراني في "عصر الظهور" 88.
محمد باقر الأبطحي في "جامع الأخبار" 267 و280-281.
محمد حسين الأعلمي في "دائرة المعارف" ج14 ص313-315.
محمد الغروي في "المختار من كلمات الإمام المهدي" 2/342.
جواد الشاهرودي في "الإمام المهدي وظهوره" 191-192 و255. وأيضاً في كتابه "المراقبات من دعاء المهدي" 175.
محمد تقي المدرسي في "النبي وأهل بيته" 1/161-162.
محمد علي دخيل في "الإمام المهدي" 205.
عز الدين بحر العلوم في "أنيس الداعي والزائر" 104.
أحمد الجزائري في "قلائد الدرر" 1/21.
داود المي صابري في "الآيات الباهرة" 124، 291، 374.
محمد علي أسبر في "الإمام علي في القرآن والسنة" 1/112، 141، 153، 154، 215، 365.
عز الله العطاردي في "مسند الإمام الرضا" 1/522، 586.
بشير المحمدي في "مسند زرارة بن أعين" 102.
أبو طالب التبريزي في "من هو المهدي" 520.
الخميني "شرح دعاء السحر" 70-71.
المبحث الثاني
براءة أهل السنة من تحريف الآيات(84/10)
رغبة من بعض الباطنيين في درء حقيقة تحريف الآيات القرآنية الكريمة المبثوثة في مراجعهم المعتمدة قاموا بجمع الروايات الشاذة أو القراءات المختلفة والمنسوخة تلاوة عند أهل السنة وعدّوا ذلك تحريفاً، لذا نجد القزويني مؤلف كتاب "شبهة القول بتحريف القرآن عن أهل السنة" ص90-100 وتحت عنوان "جملة من الآيات والسور التي وقع فيها التحريف عند أهل السنة" ذكر عدة نماذج من ذلك، والحقيقة أن القزويني لم يأت بجديد بل اجترّ ما ذكره الخوئي في كتابه "البيان في تفسير القرآن" ص202-206 وما ذكره محمد هادي معرفة في كتابه "صيانة القرآن من التحريف" 125-156، ومحمد هادي معرفة كذاب مدّلس فيما ذكره واقتفى أثره القزويني دون أن يتأكد من أكاذيب محمد هادي معرفة، ونحن نذكر ثم نجيب عليها رغبة في اختصار صفحات الكتاب. والغريب أن ما يستنكره القزويني مذكور في مراجع ومصادر طائفته ولتدليسه على القراء لم يذكر ذلك.
سورة الليل
قال القزويني ص90: سورة الليل: "والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى" (صحيح البخاري ج6 ص561) وفي القرآن {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنثَى}.
والجواب: نذكر الرواية بتمامها ثم نذكر تعليق ابن حجر رحمه الله، لعل وعسى القزويني يُثيب إلى رشده وينتهي عن التدليس والكذب، وليعلم علم اليقين أن أباطيله حبلها قصير.
حدثنا قبيصة بن عقبة حدثنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال: دخلت في نفر من أصحاب عبد الله(1) الشام، فسمع بنا أبو الدرداء فأتانا، فقال: أفيكم من يقرأ؟ فقلنا: نعم. قال: فأيكم أقرأ؟ فأشاروا إليّ. فقال: اقرأ، فقرأت {والليل إذا يغشى، والنهار إذا تجلى، والذكر والأثنى}، قال: أنت سمعتها من فم صاخبك؟ قلت: نعم. قال: وأنا سمعتها من فم النبي صلّى الله عليه وسلّم، وهؤلاء يأبون علينا(2).
__________
(1) يقصد عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
(2) فتح الباري 8/706.(84/11)
حدثنا عمر حدثني أبي حدثنا الأعمش عن إبراهيم قال: قدم أصحاب عبد الله على أبي الدرداء، فطلبهم فوجدهم. فقال: أيكم يقرأ على قراءة عبد الله؟ قال: كلنا، قال: فأيكم أحفظ؟ وأشاروا إلى علقمة، قال: كيف سمعته يقرأ {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}، قال: علقمة: {والذكر والأنثى}. قال: أشهد أني سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقرأ هكذا، وهؤلاء يريدونني على أن أقرأ {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنثَى} والله لا أتابعهم(1).
قال ابن حجر رحمه الله تعالى (الفتح 8/707): "وفي هذا بيان واضح أن قراءة ابن مسعود كانت كذلك، والذي وقع في غير هذا الطريق أنه قرأ {والذي خلق الذكر والأنثى} كذا في كثير من كتب القراءات الشاذة، وهذه الرواية لم يذكرها أبو عبيد إلا عن طريق الحسن البصري... ثم هذه القراءة لم تنقل إلا عمن ذُكر هنا، ومن عداهم قرؤوا {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنثَى} وعليها استقر الأمر مع قوة إسناد ذلك إلى أبي الدرداء ومن ذكر معه، ولعل هذا مما نسخت تلاوته ولم يبلغ النسخ أبا الدرداء ومن ذكر معه، والعجيب من نقل الحفاظ من الكوفيين هذه القراءة عن علقمة وعن ابن مسعود وإليهما تنتهي القراءة بالكوفة، ثم لم يقرأ بها أحد منهم، وكذا أهل الشام حملوا القراءة عن أبي الدرداء ولم يقرأ أحد منهم بهذا، فهذا مما يقوّي أن التلاوة بها نُسخت".
ونذكر للقزويني بعض التحريفات التي زعم قومه أنها موجودة في سورة الليل من واقع مراجع طائفته لعل وعسى أن يراجع نفسه، وليعلم أن ما يُعيبه ويفتريه على أهل السنة موجود عند علمائه، مع الفرق الشاسع بين الفريقين "ومن كان بيته من زجاج فلا يرم الناس بحجر":
1 – عن جابر عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله تعالى: {والليل إذا يغشى} قال: دولة إبليس إلى يوم القيامة وهو يوم قيام القائم.
{والنهار إذا تجلّى} وهو القائم إذا قام.
__________
(1) فتح الباري 8/707.(84/12)
وقوله: {فأمّا من أعطى واتقى}: أعطى نفسه الحقّ واتقّى الباطل.
{فسنيسره لليسرى}: أي الجنة.
{وأما من بخل واستغنى}: يعني بنفسه عن الحق.
{وكذّب بالحسنى} بولاية علي بن أبي طالب عليه السلام والأئمة من بعده.
{فسنيسره للعسرى}: يعني النار.
وأما قوله: {وإنّ علياً للهدى} يعني أن علياً هو الهدى.
{وإنّ له الآخرة والأولى. فأنذرتكم ناراً تلظّى}.
قال: هو القائم إذا قام بالغضب فيقتل من ألف تسعمائة وتسعة وتسعين..
{لا يصلاها إلا الأشقى}. قال: هو عدو آل محمد صلّى الله عليه وسلّم.
{وسيجنبها الأتقى}. قال: ذاك أمير المؤمنين وشيعته(1).
2 – عن سماعة بن مهران قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: {والليل إذا يغشى. والنهار إذا تجلّى. الله خالق الزوجين الذكر والأنثى. ولعلي الآخرة والأولى}.
3 – عن فيض بن مختار عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قرأ: {إن علياً للهدى، وإنّ له الآخرة والأولى}. وذلك حين سئل عن القرآن(2).
قال: فيه الأعاجيب، فيه: {وكفى الله المؤمنين القتال بعلي}، وفيه: {إنَّ علياً للهدى. وإن له الآخرة والأولى}(3).
4 – عن يونس بن ظبيان قال: قرأ أبو عبد الله (ع): {والليل إذا يغشى. والنهار إذا تجلّى. الله خالق الزوجين الذكر والأنثى. ولعلي الآخرة والأولى}(4).
5 – عن أيمن بن محرز عن سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: نزلت هذه الآية هكذا والله :{الله خالق الزوجين الذكر والأنثى. ولعلي الآخرة والأولى}(5).
عن سنان بن سنان قال: قلت لأبي عبد الله (ع): {والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلّى وخلق الذكر والأنثى}(6).
__________
(1) بحار الأنوار 24/398.
(2) بحار الأنوار 24/398.
(3) بحار الأنوار 24/398.
(4) بحار الأنوار 24/399، تأويل الآيات الطاهرة 808، تفسير البرهان 4/471، فصل الخطاب 321.
(5) بحار الأنوار 24/399، تأويل الآيات الطاهرة 808.
(6) فصل الخطاب 321.(84/13)
وبعد هذا هل يملك القزويني أو أحد من علماء طائفته الشجاعة الأدبية الطعن في تلك المرويات.
آية الرضا
يقول القزويني ص90: آية الرضا: "بلغو قومنا فقد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه" (صحيح البخاري 5/107) وهذه الآية ليس لها وجود في القرآن فهي ساقطة منه.
الجواب: إن القزويني كاذب مدلّس حيث لم يذكر الرواية التي رواها البخاري بتمامها، لأن ذلك سوف يكشف كذبه وتزويره، ولم أعجب لصنيع القزويني فهو يدين بدين تسعة أعشاره كذب ونفاق.
وأذكر للقارئ الرواية بتمامها كما ذكرها البخاري رحمه الله تعالى وبعد ذلك يمكن للقارئ الكريم أن يحكم هل هذه الرواية يمكن تصنيفها في التحريف أم أن القزويني لما أعياه الإثبات لجأ إلى بتر النصوص ليؤيد دعواه المتهالكة.
روى الإمام البخاري في صحيحه ج3 ص204: عن إسحاق عن أنس رضي الله عنه قال بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم أقواماً من بني سليم إلى بني عامر في سبعين فلما قدموا قال لهم خالي أتقدمكم فإن أمنوني حتى أبلغهم عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وإلا كنتم مني قريباً فتقدم فأمنوه فبينما يحدثهم عن النبي صلّى الله عليه وسلّم إذ أومئوا إلى رجل فطعنه فأنفذه فقال الله أكبر فزت ورب الكعبة ثم مالوا على بقية أصحابه فقتلوهم إلا رجلاً أعرج صعد الجبل قال همام فرآه آخر معه فأخبر جبريل عليه السلام النبي صلّى الله عليه وسلّم أنهم قد لقوا ربهم فرضي عنهم وأرضاهم فكنا نقرأ أن بلغوا قومنا أن قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا ثم نسخ بعد فدعا عليهم أربعين صباحاً على رعل وذكوان وبني لحيان وبني عصية الذين عصوا الله ورسوله صلّى الله عليه.(84/14)
وروى أيضاً ج4 ص35: عن قتادة عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أتاه رعل وذكوان وعصية وبنو لحيان فزعموا أنهم قد أسلموا واستمدوه على قومهم فأمدهم النبي صلّى الله عليه وسلّم بسبعين من الأنصار قال أنس كنا نسميهم القراء يحطبون بالنهار ويصلون بالليل فانطلقوا بهم حتى بلغوا بئر معونة غدروا بهم وقتلوهم فقنت شهراً يدعو على رعل وذكوان وبني لحيان قال قتادة وحدثنا أنس أنهم قرءوا بهم قرآناً "بلغوا قومنا بأنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا" ثم رفع ذلك.
وروى الإمام مسلم في صحيحه ج2 ص135: إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس ابن مالك قال دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الذين قتلوا أصحاب بئر معونة ثلاثين صباحاً يدعو على رعل وذكوان ولحيان وعصية عصت الله ورسوله قال أنس أنزل الله عز وجل في الذين قتلوا ببئر معونة قرآناً قرأناه حتى نسخ بعد "أن بلغوا قومنا أن قد لقينا ربنا فرضي عنا".
وقال المجلسي في "بحار الأنوار" ج20 ص147-149: قال الطبرسي قيل: نزلت في شهداء بئر معونة، وكان سبب ذلك ما رواه محمد بن إسحاق بن يسار بإسناده عن أنس وغيره... قال: فأنزل الله في شهداء بئر معونة قرآناً "بلغوا عنا قومنا بأنا قد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه" ثم نسخت ورفعت بعد ما قرأناها وأنزل الله "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله" الآية.
فهل القزويني أعلم من الطبرسي والمجلسي؟ لا أظن أن القزويني يستطيع قول ذلك، فإذا كان علمان من أعلام دينه يذهبان إلى نسخ التلاوة فلماذا لا يسع القزويني التسليم بهذا، أم إن القضية قضية عناد وسب وشتم.
آية الرغبة
يقول القزويني ص90: آية الرغبة: "أن لا ترغبوا عن آبائكم" (صحيح البخاري 8/586) وهذه الآية لا وجود لها في القرآن.
الجواب: رواية البخاري: عن الزهري عن عبيد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال عمر... ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله أن لا ترغبوا عن آبائكم.(84/15)
قال ابن حجر في الفتح 12/131: قوله "ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله" أي مما نسخت تلاوته.
آية الرجم
يقول القزويني ص90: آية الرجم "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجوهما البتة" (مستدرك الحاكم 2/415) وهي ساقطة عند أهل السنة.
الجواب: إن هذه الآية منسوخة التلاوة ثابتة الحكم. ويبدو أن القزويني قليل الاطلاع على مصادر دينه دائم التهجم على أهل السنة، ولو تريث قليلاً وراجع مصادره الشيعية لعلم أن ما يُعيبه على أهل السنة موجود في مصادره. وأذكر للقزويني بعض الروايات من مصادره التي يثق بها لئلا يتسرع في الحكم على الآخرين دون روية.
1 – عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد الله (ع) في حديث قال: إذا قال الرجل لامرأته: لم أجدك عذراء، وليس له بينة.
قال: يجلد ويخلّى بينه وبين امرأته.
قال: كانت آية الرجم في القرآن "الشيخ والشيخة فارجموهما البتة بما قضيا الشهوة"(1).
2 – عن يونس بن عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله (ع): الرجم في القرآن قول الله عز وجل: "إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة فإنهما قضيا الشهوة"(2).
3 – عن أبي جعفر (ع) أنه قال: كانت آية الرجم في القرآن: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة فإنهما قضيا الشهوة"(3).
__________
(1) تهذيب الأحكام للطوسي 8/195، الاستبصار له أيضاً 3/377، وسائل الشيعة للحر العاملي 15/610.
(2) تهذيب الأحكام 10/3، تفسير نور الثقلين 3/569، الكافي 7/177، وقال محقّق الكافي: وقيل: إنها منسوخ التلاوة.
(3) دعائم الإسلام للقاضي النعمان 2/449، مستدرك الوسائل للنوري 18/39.(84/16)
4 – هشام بن سالم عن سليمان بن خالد قال: قلت لأبي عبد الله (ع) في القرآن؟ قال: نعم. قلت: كيف؟ قال: "الشيخ والشيخة فارجموهما البتة فإنهما قضيا الشهوة"(1).
5 – عن إسماعيل بن خالد قال: قلت لأبي عبد الله (ع): في القرآن رجم؟ قال: نعم، "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة فإنهما قضيا الشهوة"(2).
ويقول الطوسي في كتابه "التبيان في تفسير القرآن ج1 ص13:
"لا يخلو النسخ في القرآن من أقسام ثلاثة: أحدها – نسخ حكمه دون لفظه – كآية العدة في المتوفى عنها زوجها المتضمنة للسنة في الحكم منسوخ والتلاوة باقية وآية النجوى وآية وجوب ثبات الواحد للعشرة فإن الحكم مرتفع، والتلاوة باقية وهذا يبطل قول من منع جواز النسخ في القرآن لأن الموجود بخلافه. والثاني – ما نسخ لفظه دون حكمه، كآية الرجم فإن وجوب الرجم على المحصنة لا خلاف فيه، والآية التي كانت متضمنة له منسوخة بلا خلاف وهي قوله: (والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة، فإنهما قضيا الشهوة جزاء بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم). الثالث: ما نسخ لفظه وحكمه، وذلك نحو ما رواه المخالفون من عائشة: أنه كان فيما أنزل الله أن عشر رضعات تحرمن، ونسخ ذلك بخمس عشرة فنسخت التلاوة والحكم.
وقال قطب الدين الرواندي الهالك سنة 573هـ في كتابه "فقه القرآن" 1/204-205 مستعرضاً أنواع النسخ:
والثاني: كآية الرجم، فقد روي أنها كانت منزّلة "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة فإنهما قضيا الشهوة جزاء بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم" فرفع لفظها وبقي حكمها.
__________
(1) من لا يحضره الفقيه للصدوق (!!!) 4/26. وقال محقّق الكتاب: السند صحيح وروى نحوه الكليني والشيخ أيضاً في الصحيح عن عبد الله بن سنان عنه (ع) وقيل: إنها منسوخة التلاوة ثابتة الحكم، والظاهر أنه سقط جملة "إذا زنيا" بعد قوله "الشيخة".
(2) علل الشرائع للصدوق (!!!) 2/540، فقه القرآن للراوندي 2/392).(84/17)
ويقول الكلبايكاني في "در المنضود" الأول ج9 ص283: رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الرجم في القرآن قول الله عز وجل: إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة فإنهما قضيا الشهوة. وفي رواية سليمان بن خالد قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: في القرآن رجم؟ قال: نعم. قلت: كيف؟ قال: الشيخ والشيخ فارجموهما البتة فإنها قضيا الشهوة. فمقتضى الأخيرتين هو وجوب الرجم فقط بخلاف الروايات المتقدمة عليهما فإنها صريحة في الجمع بين الجلد والرجم. ولا يخفى أن روايتي عبد الله بن سنان وسليمان بن خالد ظاهرتان في وقوع التحريف في القرآن الكريم، ولكن الأقوى والمستظهر عندنا عدم تحريف فيه حتى بالنقيصة(1)، خصوصاً وأن هذه العبارة المذكورة فيهم بعنوان القرآن لا تلائم آيات الكريمة التي قد آنسنا بها. هذا مع الأصل في هذا الكلام عمر بن الخطاب. وكيف كان فهذه الروايات تدل على وجوب الرجم في الشيخ والشيخة مطلقاً وإن لم يكونا محصنين غاية الأمر دلالة أكثرها على ضم الجلد أيضاً. وأما الثاني فهي رواية محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في الشيخ والشيخة أن يجلدا مائة وقضى للمحصن الرجم وقضى في البكر والبكرة إذا زنيا جلد مائة ونفي سنة في غير مصرهما وهما اللذان قد أملكا ولم يدخل بها. وهنا قد اقتصر على ذكر خصوص الجلد على ما هو الحال في سائر الزناة. ويمكن الجمع بينهما بأخذ المتيقن من الروايات بأن يقال: القدر المسلم من رجم الشيخ والشيخة لو كان هناك رجم عليهما كما هو صريح الروايات المتقدمة هو المحصن منهما، كما أن المتيقن من نفي الرجم عنهما لو نفي ذلك عنهما كما هو ظاهر رواية ابن قيس هو غير المحصن منهما فيجمع بين القسمين من الأخبار بأن الشيخ والشيخة إذا زنيا فإن كانا محصنين فإن عليهما الرجم، أو
__________
(1) هذا كذب وتدليس وتقية، وللتأكد من ذلك راجع المبحث الأول من هذا الكتاب.(84/18)
الرجم والجلد، وأما إذا كانا غير محصنين فعليهما الجلد فقط. لكن لا يخفى أن الجمع كذلك ليس جمعاً عرفياً. ولذا قال الشيخ الحر العاملي في الوسائل بعد ذكر خبر محمد بن قيس: أقول: خص الشيخ والشيخة بما إذا لم يكونا محصنين لما مضى ويأتي. أقول: يمكن أن يقرر المطلب بأنه لما كان رجم الشيخ والشيخة مع الإحصان أمراً مفروغاً عنه فإنه قد قام الإجماع على ذلك، فلابد من كون المراد من قضاء أمير المؤمنين بالجلد فيهما على ما هو صريح رواية ابن قيس قضائه عندما لم يكونا محصنين فلا تنافى ما دل على الرجم. وهذا الجمع عرفي لأنه من باب حمل العام على الخاص، والنتيجة أن الشيخ والشيخة يجلدان إلا إذا كانا محصنين فإنه يجب رجمهما. ويمكن أن يقرر بأن المحصن يرجم بإجماع المسلمين سواء كان شيخاً أو شيخة أو شاباً أو شابة وعلى هذا فرواية محمد بن قيس الدالة بظاهرها على جلد الشيخة والشيخ خلاف الإجماع فلذا تخصص بسبب الإجماع، بغير المحصن، فهما يجلدان إذا كانا غير محصنين وبعبارة أخرى يجلدان إلا إذا كانا محصنين فإنه يجب رجمهما. لكن التخصيص لا يخلو عن كلام وذلك لأن تقديم الخاص على العام إنما يكون من باب ظهور الخاص الأقوى أي أظهريته من العام بلحاظ خصوص الخاص ونفس العام، وأما إذا حصل التقييد من الخارج فهذا لا ينافي ظهور العام ولا يفيد في تخصيصه لأن ظهور العام بعد محفوظ بحاله ولا يحصل خلل فيه فلا يصح أن يقال إن ما دل على رجم الشيخ والشيخة مطلقاً محصنين يخصص ويقيد بسبب الإجماع القائم على رجم الشيخ المحصن بما إذا كان محصنين فيقيد العام الدال على جلدهما بما إذا كانا غير محصنين، وعلى الجملة فالقول بأن الشيخ والشيخة المحصنين حكمهما الرجم علماً منا بذلك من الخارج بالإجماع مثلاً لا ينفع في تخصيص العموم. نعم يمكن الجمع بينهما بأن يقال: إن لرواية محمد بن قيس دلالتين دلالة إثباتية ودلالة سلبية أما الأولى فدلالتها على وجوب الجلد، ولا(84/19)
تعارض بينهما وبين روايات الرجم وأما الأخرى فهي دلالتها على نفي الرجم، ومن هذه الجهة يحصل التعارض بينهما إلا أن الرواية ليست بحجة من هذه الجهة والحيث، لأنه يؤول إلى مخالفة الإجماع في بعض الفروع وهو ما إذا كانا محصنين فإن الإجماع قائم على وجوب الرجم هناك.
بعد هذا كله، فما رأي القزويني في علماء دينه الذين ذكروا آية الرجم، هل يستطيع اتهامهم بما اتهم به أهل السنة، أم أنه لا يتجاسر على ذلك. وحكم الرجم معمول به عند القوم كما هو ثابت ومعمول به عند المسلمين، وليراجع القزويني المصادر التالية ليعلم أن هذا حكم ثابت عند قومه قبل أن يتهكم على أهل السنة ويتهمهم بالتحريف النابع من إنكاره نسخ التلاوة دون الحكم.
فقه الرضا: 275، 309.
المقنع: 438، 439.
الهداية: 75.
المقنعة: 540، 775، 776، 784.
الانتصار: 272، 274، 516، 521، 522.
كافي الحلبي: 405، 407، 408.
المراسم العلوية: 256.
النهاية: 332، 333، 521، 522، 690، 691، 692، 693، 696، 697، 700، 701، 702، 703، 704، 706، 707، 708، 720.
الخلاف ج1: 294، 350، ج3: 175، 179، 180، 182، 189، 190، 325، 326، 341.
المبسوط ج3: 3، ج4: 269، ج7: 249، ج8: 2، 3، 4، 5، 6، 45.
المهذب ج2: 307، 308، 51، 521، 522، 526، 527، 528، 530، 531، 532، 533، 561.
الوسيلة: 222، 337، 409، 411، 412، 413، 438.
غنية النزوع: 422، 423، 426، 432.
السرائر ج1: 108، ج2: 137، 701، ج3: 431، 437، 438، 439، 440، 441، 442، 444، 445، 446، 450، 451، 452، 453، 455، 456، 457، 458، 463، 463، 465، 468، 478، 480.
شرائع الإسلام ج3: 656، ج4: 920، 932، 933، 934، 935، 936، 937، 938، 940، 943، 945.
المعتبر ج1: 347.
المختصر النافع: 10: 212، 213، 214، 215، 280.
الرسائل التسع: 158، 170.
الجامع للشرايع: 542، 547، 549، 550،551، 553، 554، 556، 589.
كشف الرموز ج2: 275، 526، 541، 542، 544، 545، 546، 547 .(84/20)
قواعد الأحكام ج2: 238، 244، 251، 252، 253، 254، 255، 256، 268 .
مختلف الشيعة ج1 : 325 .
منتهى المطلب ج2 : 183، 256 .
تذكرة الفقهاء ج1: 379 .
إرشاد الأذهان ج2: 66، 159، 170، 171، 172، 173، 207 .
تحرير الأحكام ج2: 69، 118، 212، 216، 218، 219، 220، 221، 222، 224، 225 .
نهاية الأحكام ج1: 96، ج2: 238 .
تبصرة المتعلمين: 244 .
إيضاح الفوائد ج1: 45، ج4: 83، 431، 453، 471، 473، 474، 478، 479، 480، 481، 483، 484، 486، 488، 489، 515، 530 .
الدروس ج2: 136، ج3: 131 .
الذكرى: 42 .
اللمعة الدمشقية: 235، 237 .
المهذب البارع ج3: 562، ج4: 14، 25، 540، 544، 545، 546، 547، 575، ج5: 6، 15، 16، 17، 20، 24، 25، 26، 27، 28، 30، 31، 37، 38، 39، 40، 46، 53، 55، 58، 83، 97 .
جامع المقاصد ج1: 271، 366 .
شرح اللمعة ج9: 26، 51، 70، 71، 72، 74، 79، 80، 85، 86، 95، 97، 101، 102، 103، 104، 105، 137، 138، 139، 140، 141، 144، 145، 149، 152، 154، 159، 162، 163، 323، 324، 327، 329 .
مسالك الإفهام ج3: 106، ج10: 32، 244، 463 ج13: 477، 503، ج14: 247، 248، 249، 328، 332، 333، 336، 337، 339، 347، 350، 351، 352، 353، 362، 364، 368، 377، 382، 385، 386، 392، 393، 397، 406، 418، 420، 421، 470، 471، 484، ج15: 48 .
رسائل الشهيد الثاني ج1: 307 .
مجمع الفائدة ج8: 293، ج12: 418، 419، 420، 421، 422، 426، 448، 493، 496، ج13: 11، 12، 13، 15، 19، 20، 21، 22، 26، 27، 28، 30، 34، 36، 39، 52، 53، 54، 55، 56، 57، 58، 59، 60، 62، 63، 64، 65، 66، 68، 70، 71، 74، 76، 84، 85، 87، 90، 91، 92، 104، 105، 108، 114، 116، 121، 123، 125، 205، 263، 267، 271، 357، 401 .
التحفة السنية: 28، 29، 202، 322 .
مشارق الشموس ج1: 160 .
كشف اللثام ج2: 7 .
الحدائق الناضرة ج3: 429، 430، ج19: 387، 475، ج23: 586، ج24: 353، ج25: 14، 15، 527 .(84/21)
جواهر الكلام ج3: 38، ج21: 390، ج29: 246، 251، 282، 425، 431، ج32: 334، ج33: 188، ج34: 298، ج40: 232، 233، 264، ج41: 155، 156، 157، 262، 269، 271، 273، 277، 278، 279، 286، 289، 291، 292، 293، 296، 297، 298، 299، 300، 311، 317، 318، 319، 320، 321، 322، 330، 332، 337، 340، 346، 351، 355، 361، 364، 368، 380، 381، 389، 396، 397، 469، 540، 587، ج42: 179 .
مصباح الفقيه ج2: 369 .
حاشية المكاسب ج2: الرجم ص13 .
المسائل الفقهية: 66 .
مستمسك العروة ج4: 104، ج14: 118، 229، 230 .
جامع المدارك ج4: 577، ج5: 13، ج6: 130، 133، 160، 172، ج7: 4، 7، 11، 12، 17، 18، 19، 21، 22، 23، 25، 27، 28، 29، 30، 31، 33، 34، 37، 38، 40، 45، 47، 53، 59، 71، 72، 76، 77، 83، 84، 96 .
مباني تكملة المنهاج – الأول ج42: 118، 119، 120، 168، 169، 172، 174، 175، 176، 178، 179، 190، 191، 195، 196، 197، 198، 202، 203، 205، 207، 208، 209، 210، 212، 214، 215، 219، 220، 222، 231، 232، 235، 236، 237، 238، 249، 339 .(84/22)
در المنضود – الأول ج9: 33، 35، 40، 45، 64، 65، 67، 69، 74، 77، 79، 80، 84، 85، 86، 88، 90، 93، 94، 97، 100، 101، 102، 103، 104، 105، 106، 107، 108، 110، 112، 113، 114، 123، 127، 128، 130، 131، 132، 146، 151، 166، 167، 168، 169، 171، 172، 173، 174، 175، 176، 185، 186، 187، 188، 189، 190، 192، 193، 196، 197، 198، 199، 236، 245، 246، 250، 251، 253، 254، 255، 259، 260، 272، 274، 277، 278، 279، 280، 281، 282، 283، 284، 285، 286، 287، 288، 289، 290، 291، 292، 293، 294، 295، 296، 297، 298، 304، 306، 330، 332، 334، 343، 357، 358، 359، 366، 367، 368، 369، 383، 386، 389، 392، 395، 399، 401، 402، 403، 404، 408، 409، 410، 411، 412، 413، 416، 420، 421، 422، 423، 431، 432، 433، 438، 439، 440، 446، 447، 450، 452، 461، 463، 470، 472، 473، 491.
در المنضود – الثاني ج10: 16، 19، 22، 29، 33 ،55، 56، 58، 82، 83، 85، 102، 152، 394، 395، 419.
فقه الصادق ج9: 19، 272، ج14: 388، ج15: 369، ج19: 22، ج20: 95، ج21: 40، 285، ج22: 484، ج23: 343، ج25: 265، 310، 380، 392، 394، 395، 396، 397، 400، 401، 402، 405، 410، 412، 413، 414، 415،416، 4118، 427، 429، 433، 436، 438، 447، 448، 451، 456، 457، 487، 498.
وقد وقفت على مقال قيم لفضيلة الشيخ حمد بن إبراهيم العثمان بعنوان "أسانيد آية الرجم" المنشور في مجلة "الحكمة" العدد السابع جمادى الثاني 1416هـ ص235-242 أحببنا ذكره لتتضح الصورة أمام القراء الكرام.(84/23)
يقول حفظه الله تعالى ووفقه: "فقد كان الشيخ الفاضل العلامة محمد بن صالح العثيمين(1) يشرح كتاب "زاد المستنقع" في الفقه الحنبلي - كتاب الحدود منه - وتكلم فضيلته عن الرجم في حق الزاني المحصن، وذكر حفظه الله أن هذا الحكم ثابت بالسنة لفظاً وحكماً، وأنه ثابت بالقرآن حكماً وأن لفظه منسوخ، وذكر حفظه الله ما تناقله الفقهاء والمفسرون من أن الآية المنسوخة في الرجم هي: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم). والشيخ - حفظه الله - بصير ناقد للنصوص لا يقبلها إلا بعد تدبّر وتمحيص، وأورد الشيخ - حفظه الله - إشكالاً على الآية المذكورة وقال: "إن حكم الرجم مناط بالإحصان، وليس بالشيخوخة كما في الآية المذكورة، فالشاب المحصن يرجم، والشيخ غير المحصن لا يرجم وإن بلغ من العمر عتياً. وهذا مما لا يفيده ظاهر الآية".
ووقع في قلبي - لما ذكر الشيخ العلامة كلامه حول الآية المذكورة - أن أجمع الأسانيد المذكورة للآية، ويسّر الله ذلك بعد زمن، ولله الحمد والمنة.
__________
(1) الشيخ العلامة ابن عثيمين من أشهر علماء هذا العصر، توفي رحمه الله يوم الأربعاء 15 شوال 1421هـ، وقد كان يتميز رحمه الله تعالى بسعة الاطلاع وسعة الصدر حتى مع من يخالفه، وكان فقده خسارة عظيمة ونسأل الله تعالى أن يغفر له ويجزيه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء وأن يجعل قبره روضة من رياض الجنة. ومن كلامه الذي وضعته قاعدة لي في طلب العلم، قوله رحمه الله تعالى وغفر له: "الذي يخالفني بدليل أحبّ إليّ ممن يوافقني بلا دليل". (المؤلف).(84/24)
قال النسائي رحمه الله في السنن الكبرى (4/273): أخبرنا محمد بن منصور المكي قال: ثنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال: سمعت عمر(1) يقول: "لقد خشيت أن يطول بالناس زمن حتى يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، ألا وإن الرجم حق على من زنى إذا أُحصن وكانت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف، وقد قرأناها: (والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة) وقد رجم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورحمنا بعده".
ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (رقم 8725)، ومن طريقه ابن ماجه في السنن (2553) وأصل الحديث مخرّج في الصحيحين بأطول من هذا اللفظ، أما التنصيص على آية الرجم هي (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة)، فهي من إفراد سفيان بن عيينة عن الزهري، وقد خالف سفيان ثمانية من أصحاب الزهري في روايتهم عنه عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه سمع عمر رضي الله عنه يقول: الحديث، وهؤلاء الثمانية هم:
1 – صالح بن كيسان، كما في صحيح البخاري (رقم 6830).
2 – يونس عبد الأعلى، كما في صحيح مسلم (رقم 1691)، وسنن النسائي الكبرى (رقم 7158-4/247).
3 – هشيم، كما في مسند الإمام أحمد (1/29) وسنن أبي داود (رقم 4418).
4 – معمر، كما في مصنف عبد الرزاق (رقم 13329)، ومسند الحميدي (1/15-16)، وأحمد في مسنده (1/47) والترمذي في جامعه (رقم 1432).
__________
(1) روى هذا الطريق البخاري أيضاً في صحيحه (رقم 6829) من دون ذكر لفظة: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة)، وكأنها لم تصح عنده من هذا الطريق، وقد غفل الإسماعيلي عن هذا الإعلال الدقيق، وأورد اللفظة التي أعرض عنها البخاري في مستخرجه على الصحيح من نفس الطريق. وقد أشار إلى هذا الحافظ ابن حجر رحمه الله في "الفتح" (12/143).(84/25)
5 – مالك، كما في موطئه (ص823) والشافعي في "الأم" (5/154) وأحمد في المسند (1/40)، والدارمي في مسنده (2/179) والنسائي في السنن الكبرى (رقم 7158-4/274).
6 – عبد الله بن أبي بكر بن حزم، كما في السنن الكبرى للنسائي (رقم 7159-4/274) بإسناد صحيح إليه.
7 – عقيل، كما في السنن الكبرى للنسائي (7160-4/274).
8 – سعد بن إبراهيم(1)، كما في مسند أحمد (1/50) وسنن النسائي الكبرى (7151-4/272) بإسناد صحيح إليه.
وبهذا يتبين أن الآية (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة) غير محفوظ في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه المذكور بالطريق السابق.
__________
(1) سعد هو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، ثقة، رواه بنفس الإسناد الذي ساقه أصحاب الزهري في رواية داود الطيالسي عن شعبة عنه كما في "السنن الكبرى" للنسائي (4/272-رقم 7153)، ورواه بإدخال عبد ا لرحمن بن عوف بين عبد الله ابن عباس وعمر بن الخطاب رضي الله عنهم في رواية كل من:
غندر عن شعبة عنه، كما في مسند أحمد (1/50) وسنن النسائي (4/273).
حجاج بن محمد عن شعبة عنه، كما في مسند أحمد (1/50) وسنن النسائي الكبرى (4/273).
عبد الرحمن بن غزوان، كما في سنن النسائي الكبرى (4/272).
أبو داود الطيالسي في رواية أيضاً، كما في سنن النسائي الكبرى (4/272).
فكما ترى المحفوظ عن سعد بن إبراهيم إدخال عبد الرحمن بن عوف بين ابن عباس وعمر رضي الله عنهم، والمحفوظ عن أصحاب الزهري عدم إدخال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، وليس هذا بقادح في رواية سعد بن إبراهيم، إذ عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه هو الذي حدّث عبد الله بن عباس بحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنهم، كما هو صريح في صحيح البخاري (رقم 6830)، وأصحاب الزهري أسقطوا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه تجوزاً.(84/26)
قال أبو عبد الرحمن النسائي رحمه الله في سننه الكبرى (2/273): لا أعلم أحداً ذكر في هذا الحديث (الشيخ والشيخة فارجموهما البتة) غير سفيان، وينبغي أنه وهم، والله أعلم. اهـ.
والذي يدل أيضاً على أن سفيان بن عيينة لم يحفظه هو ما صرّح به، كما في مسند الحميدي (1/16)، فقال: "سمعته من الزهري بطوله، فحفظت منه أشياء، وهذا مما لم أحفظ منها يومئذ". اهـ.
وقال الإمام مالك رحمه الله في "الموطأ" (ص824) عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه سمعه(1) يقول: لما صدر عمر بن الخطاب رضي الله عنه من منى أناخ بالأبطح، ثم كوم كومة بعلجاء، ثم طرح عليها رداءه واستلقى، ثم مدّ يديه إلى السماء فقال: اللهم كبرت سني، وضعفت قوتي، وانتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مضيّع ولا مفرّط. ثم قدم المدينة فخطب الناس، فقال: أيها الناس، قد سنّت لكم السنن، وفُرضت لكم الفرائض، وتُركتم على الواضحة إلا أن تضلوا بالناس يميناً وشمالاً، وضرب بإحدى يديه على الأخرى ثم قال: إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم، أن يقول قائل لا نجد حدّين في كتاب الله، فقد رجم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورجمنا. والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس: زاد عمر بن الخطاب في كتاب الله تعالى لكتبتها: (الشيخ والشيخة إذا زنيا(2) فارجموهما البتة) فإنا قد قرأناها".
رجاله ثقات، ويحيى بن سعد هو الأنصاري، وقد اختلف في سماع سعيد بن المسيب من عمر رضي الله عنه، وقد ذكرت كلام أهل العلم في ذلك في دراستي لكتاب عمرو بن حزم رضي الله عنه (13-15).
__________
(1) المراد أن يحيى بن سعيد هو الذي سمع سعيد بن المسيب يقول: لما صدر عمر...، كما هو واضح أيضاً في رواية محمد بن الحسن (ص241).
(2) لفظة (إذا زنيا) سقطت من النسخة المطبوعة للموطأ رواية يحيى بن يحيى الليثي، وهي مثبتة في النسخة المطبوعة رواية محمد بن الحسن (ص241).(84/27)
وقد خالف يحيى بن سعيد الأنصاري داود بن أبي هند، فرواه عن سعيد ابن المسيب عن عمر رضي الله عنه، ولم يذكر قوله (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة) كما في مسند مسدد(1) و"الحلية" لأبي نعيم (3/95). والله أعلم.
وقال النسائي في "السنن الكبرى" (4/270): أخبرنا أحمد بن عمرو بن السرح، أخبرنا الليث بن سعد عن سعيد بن أبي هلال، عن مروان بن عثمان، عن أبي أمامة بن سهل أن خالته أخبرته قالت: "لقد أقرأنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم آية الرجم: (الشيخ والشيخة فارجموهما البتة بما قضيا من اللذة)".
وقال النسائي في "السنن الكبرى" أيضاً (4/271) أخبرنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، ثنا ابن مريم قال: إن الليث قال: حدثني خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال به.
وهذا إسناد ضعيف آفته مروان بن عثمان الذي ضعفه أبو حاتم، وقال عنه النسائي: ومَنْ مروان بن عثمان حتى يصدق على الله عز وجل. اهـ. ثم هذه الآية تخالف في اللفظ ما رواه الثقات الحفّاظ.
وقال النسائي في السنن الكبرى (4/271-رقم 7148): أخبرنا إسماعيل بن مسعود الحجدري، قال: ثنا خالد بن الحارث، قال: ثنا ابن عون عن محمد، قال: نُبّئت عن ابن أخي كثير بن الصلت قال: كنا عند مروان وفينا زيد بن ثابت، فقال زيد: كنا نقرأ (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة)، فقال مروان: لا تجعله في المصحف، قال: ألا ترى أن الشابين الثيبين يرجمان، وذكرنا ذلك وفينا عمر فقال: أنا أشفيك، قلنا: وكيف ذلك؟ قال: أذهب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إن شاء الله، فأذكر كذا كذا، فإذا ذكر آية الرجم فأقول: يا رسول الله أكتبني آية الرجم، قال: فأتاه فذكر آية الرجم، فقال: يا رسول الله أكتبني آية الرجم، قال: (لا أستطيع). إسناده ضعيف، لجهالة عين من نبّأ محمد عن كثير بن الصلت.
__________
(1) انظر "تهذيب التهذيب" (4/88).(84/28)
وقال الإمام أحمد في المسند (5/132): ثنا خلف بن هشام، ثنا حماد بن زيد، عن عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش، عن أُبي بن كعب قال: كانت سورة الأحزاب توازي سورة البقرة، فكان فيها: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة).
إسناده حسن ورجاله معروفون مشهورون، قال ابن حزم في "المحلى" (11/235): "هذا إسناده صحيح كالشمس لا مغمز فيه" اهـ وقال ابن كثير في تفسيره (3/465): "وهذا إسناد حسن". اهـ.
وتابع حماد بن زيد في روايته عن عاصم به كلّ من:
1 – منصور بن المعتمر، كما في "السنن الكبرى" للنسائي (4/271)، وصحيح ابن حبان (2/415).
2 – وحماد بن سلمة كما في صحيح ابن حبان (6/302) ومستدرك الحاكم (2/415).
3 – وسفيان الثوري كما في "المحلى" (11/234).
4 – وابن فضالة كما في مسند الطيالسي (ص73).
قال ابن حزم في "المحلى" (11/235): "فهذا سفيان الثوري، ومنصور شهدا على عاصم ما كذبا، فهما الثقتان الإمامان البدران، وما كذب عاصم على زر، ولا كذب زر على أبي" اهـ.
وقال الإمام أحمد في "المسند" (5/183): ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة عن قتادة عن يونس بن جبير،عن كثير بن الصلت قال: كان ابن العاص وزيد بن ثابت يكتبان المصحف، فمروا على هذه الآية، فقال زيد: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة)، فقال عمر: لما أُنزلت هذه أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: أكتبنيها، قال شعبة: فكأنه كره ذلك.
فقال عمر: ألا ترى أن الشيخ إذا لم يحصن جلد، وأن الشاب إذا زنى وقد أحصن رجم.
ورواه كل من: الدرامي (2/179)، أخبرنا محمد بن يزيد الرفاعي، ثنا العقدي، ثنا شعبة به.
والنسائي في الكبرى (4/270)، أخبرنا محمد بن المثنى، حدثنا محمد به.
وإسناده حسن، وابن العاص هو سعيد، وقتادة أحد الثلاثة الذين كفانا شعبة تدليسهم، على أنه قد صرّح بالتحديث من يونس بن جبير، كما في "السنن الكبرى" للبيهقي (8/211).(84/29)
قال ابن حزم في "المحلى" (1/425): "شيخ: جمع الشيخ شيوخ وأشيخ وشيخة وشيخان ومشيخة ومشايخ ومشيوخاء، والمرأة شيخة".
قال أبو عبيد: "كأنها شيخة رقوب".
"وقد شاخ الرجل يشيخ شيخاً بالتحريك، جاء على أصله، وشيخوخة وأصل الياء متحركة سكنت، لأنه ليس في الكلام فعول".
ثم قال: "وشيّخ تشييخاً، أي شاخ، وشيّخته: دعوته شيخاً للتبجيل.
وتصغير الشيخ شُييخٌ وشييخٌ أيضاً بالكسر، ولا يُقال شويخ". اهـ.
وقال ابن فارس في "معجم مقاييس اللغة" (3/234): شيخ الشين والياء والخاء كلمة واحدة، وهي الشيخ، تقول: هو شيخ، وهو معروف بين الشيخوخة والشيخ والتشييخ.
وقد قالوا أيضاً كلمة، قالوا: شيّخت عليه" اهـ.
والجواب الأمثل والله أعلم، عن الإشكال المذكور هو أن نقول: إن قوله (الشيخ والشيخة) عام أُريد به الخاص، وهو المحصن من الشيوخ، وإلى هذا أشار جماعة من السلف، قال الإمام مالك – رحمه الله – في الموطأ (ص824): قوله: "الشيخ والشيخة" يعني الثيّب والثيّبة". اهـ.
ولهذا كان يورد بعض الصحابة والتابعين لفظة (الشيخ) في مقابل الشاب المحصن مشيرين بذلك إلى مراد الآية، وهو المحصن من الشيوخ، قال أبو محمد بن حزم في "المحلى" (11/234): "عن أبي ذر قال: الشيخان يجلدان ويرجمان والثيبان يرجمان، والبكران يجلدان وينفيان. وعن أُبي بن كعب قال: يجلدون ويرجمون يجلدون ولا يرجمون، وفسّره قتادة قال: الشيخ المحصن يجلد ويرجم إذا زنى، والشاب المحصن يرجم إذا زنى، والشاب إذا لم يحصن جلد. وعن مسروق قال: البكران يجلدان وينفيان، والثيبان يرجمان ولا يجلدان والشيخان يجلدان ويرجمان". اهـ.(84/30)
أما الشاب المحصن، فالرجم ثابت في حقه إذا زنى بدلالة نصوص أخرى غير الآية المنسوخة لفظاً الثابتة حكماً. كما في حديث عبادة بن الصامت الذي رواه مسلم في صحيحه (رقم 1690). وفي حديث المرأة التي زنا بها العسيف، فرجمها النبي صلّى الله عليه وسلّم لأنها كانت محصنة كما في صحيح البخاري (رقم 6827) ومسلم (رقم 1697).
وفي رجم ماعز بن مالك وهو شاب، كما في صحيح البخاري (رقم 6815) وصحيح مسلم (رقم 1318)، وفي رجم الغامدية فهي شابة، وليست شيخة، بدليل أنها كانت حُبلى من الزاني، كما في صحيح مسلم (رقم 1695-23)، والله أعلم، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
آية لو كان لابن آدم واديان
يقول القزويني ص91: آية لو كان لابن آدم واديان "لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب" (صحيح مسلم 2/726) سقطت من القرآن.
الجواب: هذه قراءة أُبي بن كعب رضي الله عنه، ولم تثبت عند باقي الصحابة، لذا فإننا نجد عمر بن الخطاب رضي الله عنه راجع في ذلك أُبيّاً رضي الله عنه إن كان ذلك قرآناً يستوجب إثباتاً تلك الآية أم إن ذلك من المنسوخ، وفي ذلك يذكر لنا عمر بن شبّه النميري في "تاريخ المدينة المنورة" ج2 ص706:(84/31)
حدثنا عثمان بن موسى قال، حدثنا عبد الوارث بن سعيد، عن أبي قبيصة، عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال، قال ابن عباس رضي الله عنه، قلت لعمر رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين إن أبياً يزعم أنكم تركتم آية من كتاب الله لم تكتبوها. قال: أما والله لأسألن أبياً فإن أنكر لتنكرني. فلما أصبح غدا على أبي، فقال له ابن عباس رضي الله عنهما أُبيّاً تريد؟ قال: نعم، فانطلق معه فدخلا على أبي فقال: إن هذا يزعم أنك تزعم أنا تركنا آية من كتاب الله لم نكتبها. فقال: إني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول (لو أن لابن آدم ملء وادٍ ذهباً ابتغى إليه مثله، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، والله يتوب على من تاب) قال عمر رضي الله عنه: أفتكتبها؟ قال: لا آمرك، قال أفتدعها؟ قال: لا أنهاك، قال: كان إثباتك أولى من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أم قرآن منزل؟!
وقال أيضاً 2/712: حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى قال: حدثنا هشام – يعني ابن حسان – عن محمد بن سيرين: أن عمر رضي الله عنه سمع كثير بن الصلت يقرأ: "لو كان لابن آدم واديين من مال لتمنى وادياً ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب". فقال عمر رضي الله عنه: من يعلم ذاك؟ والله لتأتين بمن يعلم ذاك أو لأفعلن كذا وكذا. قال: أُبيّ بن كعب. فانطلق إلى أبيّ فقال: ما يقول هذا؟ قال: ما يقول؟ قال: فقرأ عليه. فقال: صدق قد كان هذا فيما يُقرأ. قال: أكتبها في المصحف؟ قال: لا أنهاك. قال: أتركها؟ قال: لا آمرك.
وقال الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه 7/175: وقال لنا أبو الوليد حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس عن أُبي قال كنا نرى هذا من القرآن حتى نزلت ألهاكم التكاثر.(84/32)
وعن أنس بن مالك، عن أبي بن كعب، قال: كنا نرى أن هذا الحديث من القرآن: لو أن لابن آدم واديين من مال، لتمنى وادياً ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ثم يتوب الله على من تاب حتى نزلت هذه السورة: ألهاكم التكاثر إلى آخرها. (تفسير الطبري 30/363).
عن جريج قال سمعت عطاء يقول سمعت ابن عباس يقول سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لو أن لابن آدم مثل واد مالاً لأحب أن له إليه مثله ولا يملأ عين ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب. قال ابن عباس فلا أدري من القرآن هو أم لا. (صحيح البخاري 7/175، صحيح مسلم 3/99).
وعن قتادة عن أنس قال كنت أسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلا أدري أشيء أُنزل عليه أم شيء يقوله وهو يقول لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى إليهما ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب (صحيح مسلم 3/99، مسند أحمد 3/176، سنن الدارمي 2/318).
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ج10 ص234: مسروق قال قلت لعائشة هل كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول شيئاً إذا دخل البيت قالت كان إذا دخل البيت تمثل لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً ولا يملأ فمه إلا التراب وما جعلنا المال إلا لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ويتوب الله على من تاب. رواه أحمد وأبو يعلى إلا أنه قال إنما جعلنا المال لتقضى به الصلاة وتؤتى به الزكاة قالت: فكنا نرى أنه مما نسخ.
وعن زيد بن أرقم قال لقد كنا نقرأ على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لو كان لابن آدم واديان من ذهب وفضة لابتغى إليهما آخر ولا يملأ بطن ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب (مسند الإمام أحمد 4/368).(84/33)
فأُبيّ رضي الله عنه يقر بنسخها وكذلك بعض الصحابة الذين ذكرناهم والقزويني يزعم أن ذلك تحريفاً، أيهما نُصدّق: صحابياً تربّى في مدرسة النبي صلّى الله عليه وسلّم أم إنسان تربّى في مدرسة ابن سبأ ورضع من ثدي الباطنية ونشأ عدواً لأصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم؟ ثم إن هذه الرواية مذكورة في مصادر طائفة القزويني فلم ينكرها أحد، فلماذا أهل السنة وحدهم يُعاب عليهم ويُترك سواهم إلا أن يكون الحقد والكراهية ميزان ذلك.
ذكر الصدوق (!!!) في كتابه "من لا يحضره الفقيه" ج4 ص418 والحر العاملي في كتابه "الجواهر السنية" ص343: عن سعد عن أحمد بن عيسى عن الحسن بن علي بن فضال عن ميسر قال: قال الصادق (ع): إن فيما نزل به الوحي من السماء لو أن لابن آدم واديين يسيلان ذهباً وفضة لابتغى إليهم ثالثاً.
آية المتعة
يقول القزويني ص91: آية المتعة: "فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمّى فآتوهن أجورهن فريضة" (مستدرك الحاكم 2/305) وفي القرآن لا توجد زيادة "إلى أجل مسمى".
والجواب: هذه قراءة أُبيّ وابن عباس رضي الله عنهما وابن جبير وهي قراءة كما قال الإمام الطبري في تفسيره 8/170: "بخلاف ما جاءت به مصاحف المسلمين، وغير جائز لأحد أن يلحق في كتاب الله شيئاً لم يأت به الخبر القاطع".
وانظر "النسخ في القرآن الكريم" للدكتور مصطفى زيد ص698-699 للاستزادة حول هذه القراءة. ولمعرفة حقيقة المتعة وأركانها وصيغتها ومكانتها عند الشيعة يمكن الرجوع إلى كتابنا "الشيعة والمتعة".
والعجيب أن ما يزعمه القزويني من أن هذه القراءة هي تحريف عند أهل السنة هي موجودة عند قومه ولكن بصورة أوسع وأشمل بغية تثبيت مسألة فقهية يدندن حولها قومه ويعتبرونها من الأساسيات التي لا ينبغي الإنسان الخروج من الدنيا دون أن يفعلها، بينما حرمها أهل السنة حتى الذين يقرؤون أمثال هذه القراءة، وإليك نماذج من الروايات المبثوثة في كتب القوم على سبيل المثال لا الحصر:(84/34)
1 – علي بن إبراهيم عن الصادق (ع) أنه قال: {فما استمعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة} فهذه الآية دليل على المتعة(1).
2 – عن أبي عمير عمن ذكره (!!!) عن أبي عبيد الله (ع) قال: إنما نزلت: {فما استمعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة}(2).
3 – عن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر (ع) يقول: قال علي (ع): لولا ما سبقني به ابن الخطاب ما زنى إلا شقي. قال: ثم قرأ هذه الآية: {فما استمعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة}. قال: يقول: إذا انقطع الأجل فيما بينكما استحللتها بأجل آخر(3).
4 – عن أبي بصير عن أبي جعفر (ع) قال: كان يقرأ: {فما استمتعتم به منهم إلى أجل مسمى فآتوهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة}. قال (ع): هو أن يزوجها إلى أجل يحدث شيء بعد الأجل(4).
5 - عن عبد السلام عن أبي عبد الله (ع) قال: قلت له: ما القول في المتعة؟ قال: قول الله تعالى: {فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة إلى أجل مسمى ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة}. قال: قلت: جعلت فداك أهي من الأربع؟ قال: ليست من الأربع إنما هي إجارة. فقلت: أرأيت إن أراد أن يزداد أو تزداد قبل انقضاء الأجل الذي أجّل. قال: لا بأس أن يكون ذلك برضاء منه ومنها بالأجل والوقت. وقال: سيزيدها بعد ما يمضي(5).
__________
(1) تفسير البرهان 1/306، فصل الخطاب 247.
(2) فصل الخطاب 247، تفسير الصافي 1/438، تفسير نور الثقلين 1/467.
(3) فصل الخطاب 248، تفسير البرهان 1/360.
(4) تفسير العياشي 1/234، تفسير البرهان 1/361، فصل الخطاب 248، مستدرك الوسائل 14/448.
(5) فصل الخطاب 248، تفسير البرهان 1/361.(84/35)
6 – سعد بن عبد الله القمي في كتاب (ناسخ القرآن) قال: وقرأ أبو جعفر وأبو عبد الله (ع): {فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن}(1).
سورة العصر
يقول القزويني ص91: سورة العصر: "والعصر ونوائب الدهر، إن الإنسان لفي خسر وإنه لفيه إلى آخر الدهر" (منتخب كنز العمال 2/60)، وفي القرآن لا توجد عبارة "ونوائب الدهر" ولا عبارة "وإنه لفيه إلى آخر الدهر".
الجواب: لم يتجاسر القزويني على ذكر إسناد هذه القراءة، ربما يتساءل القراء الكرام عن سبب ذلك، السبب يعرفه القزويني تمام المعرفة، لكنه لا يملك الشجاعة في ذلك، حيث إن هذه القراءة هي قراءة علي رضي الله عنه، واتهام علي رضي الله عنه بالتحريف كبيرة من الكبائر عنده وعند قومه أما بقية الصحابة فلا ضير في ذلك. وحاشا أمير المؤمنين علي رضي الله عنه أن يعتقد بالتحريف ولكن هذه قراءة قرأها، وإذا كانت هي الأصل فلماذا لم يُثبتها في القرآن في عهده، ولقد ابتلي أهل البيت رضوان الله عليهم بقوم انتحلوا مودتهم فكانوا وبالاً عليهم، وإليك سند الرواية التي يخجل منها القزويني:
عن عمرو ذي مر قال: سمعت علياً يقرأ "والعصر ونوائب الدهر، إن الإنسان لفي خسر وإنه فيه إلى آخر الدهر" (المستدرك للحاكم 2/534، كنز العمال 2/601، وانظر: تفسير الطبري 30/372، تفسير القرطبي 20/180، تفسير فتح القدير 5/492، تفسير الدر المنثور 6/392).
ونضع بين يدي القزويني بضعة روايات من طريق قومه، لنرى من يقول بالتحريف: هل أهل السنة أم قومه وطائفته:
1 – علي بن إبراهيم قال: قرأ أبو عبد الله (ع): {والعصر إن الإنسان لفي خسر} وإنه فيه: {إلى آخر الدهر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وائتمروا بالتقوى وائتمروا بالصبر}(2).
2 – السياري عن خلف بن حماد عن الحسين عن أبي عبد الله (ع) مثله(3).
__________
(1) فصل الخطاب 249، تفسير البرهان 1/373، مستدرك الوسائل 14/448.
(2) فصل الخطاب 325.
(3) فصل الخطاب 326.(84/36)
3 – عن ربعي عن أبي جعفر (ع) مثله(1).
4 – عن أبان بن تغلب عن أبي إبراهيم موسى بن جعفر (ع) عن أمير المؤمنين (ع) كان يقرأ: {والعصر ونوائب الدهر}(2).
آية المحافظة على الصلوات
قال القزويني ص92: آية المحافظة على الصلوات: "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين" (صحيح مسلم 1/437)، وفي القرآن لا توجد كلمتي "وصلاة العصر".
الجواب: رغم وجود روايتين في صحيح حول هذا الموضوع إلا أن القزويني بتدليسه لم يذكر رواية البراء بن عازب رضي الله عنه واكتفى برواية أم المؤمنين وحبيبة رسول رب العالمين وعدوة الباطنيين رضي الله عنها.
فأما الرواية التي ذكرها القزويني عن عائشة رضي الله عنها فهي قراءة منسوخة بشهادة أم المؤمنين رضي الله عنها: عن عبد الملك بن عبد الرحمن عن أمه أم حميد بنت عبد الرحمن: سألت عائشة رضي الله عنها عن قول الله عز وجل "الصلاة الوسطى"، فقالت: كنا نقرؤها على الحرف الأول على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين" (شرح معاني الآثار للطحاوي 1/172).
وروى مسلم في صحيحه (2/112): شقيق بن عقبة عن البراء بن عازب نزلت هذه الآية {حافظوا على الصلوات وصلاة العصر} فقرأناها ما شاء الله، ثم نسخها الله فنزلت {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى}. فقال رجل كان جالساً عن شقيق له: هي إذن صلاة العصر؟ فقال البراء: أخبرتك كيف نزلت وكيف نسخها الله والله أعلم.
وهذه الرواية تغافل عنها القزويني وذكر رواية أم المؤمنين رضي الله عنه معتقداً أنها تخدم غاية وكذبه.
وما يُعيبه على أهل السنة موجود ومتواتر عند طائفته وقومه وإليك الدليل:
__________
(1) فصل الخطاب 326.
(2) فصل الخطاب 326.(84/37)
1 – عن ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) أنه قرأ: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين}(1).
عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال: قلت له: الصلاة الوسطى.
فقال (ع): {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين} والوسطى هي صلاة الظهر.
قال: وكذلك يقرأها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم(2).
3 – عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال: كتبت امرأة الحسن (ع) مصحفاً، فقال الحسن (ع) للكاتب لما بلغ هذه الآية: {حافظوا على الصلوات والصلاة والوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين}(3).
4 – عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر}(4).
5 – عن الباقر والصادق (ع) إن الصلاة الوسطى صلاة الظهر وإن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان قرأ {حافظوا على الصلوات والصلاة والوسطى وصلاة العصر}(5).
6 – عن زرارة قال: سألت أبا جعفر (ع) عما فرض الله من الصلاة. فقال: خمس صلوات في الليل والنهار. فقلت: هل سماهن وبيّنهن في كتابه؟ قال: نعم. قال الله تعالى إلى أن قال وفي بعض القراءات {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين}(6).
__________
(1) تفسير القمي 1/79، تفسير نور الثقلين 1/237، تفسير كنز الدقائق 1/570، فصل الخطاب 235.
(2) تفسير البرهان 1/231، تفسير العياشي 1/127، تفسير الصافي 1/268، تفسير كنز الدقائق 1/570، بحار الأنوار 85/288، فصل الخطاب 235.
(3) تفسير البرهان 1/231، فصل الخطاب 235.
(4) فصل الخطاب 235.
(5) فصل الخطاب 235.
(6) من لا يحضره الفقيه 1/196، علل الشرائع 2/355.(84/38)
وقال النوري معلقاً على هذه الرواية (فصل الخطاب 235): والظاهر أن السؤال لما كان عما فرض الله من الصلوات اليومية بقرينة الاقتصار في الجواب على ذكرها، فلابد وأن يكون غرض زرارة معرفة استخراج ذلك من القرآن للاحتجاج مع العامة (أهل السنة) وغيرهم. لأنه من الجهل بها ويشهد لذلك قوله (عما فرض) الظاهر عما فرضه في كتابه على ما يظهر من أخبار كثيرة وحينئذ فقوله (هل سماهن وبيّنهن) أي على التفصيل والبيان الظاهر لا مطلقاً ولو إجمالاً لمعلومية الجواب الأول، فظهر أن الاستشهاد لبيان ذكر صلاة العصر في القرآن ببعض القراءات المعتبرة (ع) والمتحد مع قراءاتهم (ع) بقرينة عدم ذكرها فيه في موضع آخر وإلا أشار إليه (ع) ولما مضى ويأتي من الأخبار مع ما تقدم من وحدة ما نزل.. الخ.
7 – عن محمد بن جمهور يرويه عنهم (ع) {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين} قال: راغبين(1).
8 – سعد بن عبد الله القمي في كتاب "ناسخ القرآن ومنسوخه" قال: وكان يقرأ (أي الصادق) {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر}(2).
آية ولاية النبي صلّى الله عليه وسلّم
قال القزويني ص92: آية ولاية النبي صلّى الله عليه وسلّم: "النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم" (منتخب كنز العمال 2/43) ولا توجد في القرآن عبارة "وهو أب لهم".
الجواب: هذه هي قراءة أُبيّ رضي الله عنه وقد انفرد بها وأثبتها في مصحفه. وهي قراءة منسوخة. فقد أخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه قال: كان في الحرف الأول "النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم". وأخرج ابن جرير عن الحسن قال: في القراءة الأولى "النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم" (الدر المنثور 5/183).
__________
(1) فصل الخطاب 235.
(2) فصل الخطاب 236.(84/39)
والغريب بل المستهجن أن يُعيب القزويني ورود مثل هذه الرواية عند أهل السنة – مع التغافل عن أقوال أهل العلم من أهل السنة حولها – وينسى أن مصادر قومه مثقلة بأمثال هذه المرويات وإليك بعضها:
1 – علي بن إبراهيم في قوله تعالى: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم} قال: نزلت {وهو أب لهم وأزواجه أمهاتهم} فجعل الله المؤمنين أولاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجعل رسول الله أباهم لمن لم يقدر أن صون نفسه وليس على نفسه ولاية فجعل الله تبارك وتعالى لنبيه صلّى الله عليه وسلّم الولاية على المؤمنين من أنفسهم(1).
2 – عن أبي الصامت عن أبي عبد الله (ع) قال: أكبر الكبائر سبع.. إلى أن قال: وأما عقوق الوالدين فإن الله عز وجل قال في كتابه: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم} فعقوه في ذريته(2).
3 – عن الميداني عن أبي عبد الله (ع) في قوله عز وجل: {وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم}(3).
4 – الصفار عن علي بن إبراهيم بن هاشم عن القاسم بن الربيع عن محمد بن سنان عن صباح عن المفضل مثله(4).
5 – سعد بن عبد الله القمي في كتاب (ناسخ القرآن) قال: وقرأ الصادق (ع): {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم}(5).
آية الرضاع
15- يقول القزويني ص92: آية الرضاع: عن عائشة أنها قالت: "كان فيما أُنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهن فيما يُقرأ من القرآن" (صحيح مسلم 2/1075).
الجواب: إن هذه القراءة منسوخة تلاوة كما تنص هذه الرواية صراحة، لكن القزويني أبى الانصياع حتى فيما ينقله وذلك مبعثه حقده تجاه أهل السنة.
__________
(1) تفسير القمي 2/175.
(2) بحار الأنوار 36/14، فصل الخطاب 295.
(3) بحار الأنوار 22/200 و431، فصل الخطاب 295.
(4) فصل الخطاب 296.
(5) فصل الخطاب 2/216، فصل الخطاب 296.(84/40)
قال النووي في شرحه على مسلم ج10 ص29: النسخ بخمس رضعات تأخر إنزاله جداً حتى أنه (ص) توفي وبعض الناس يقرأ خمس رضعات ويجعلها قرآناً متلواً لكونه لم يبلغه النسخ لقرب عهده فلما بلغهم النسخ بعد ذلك رجعوا عن ذلك وأجمعوا على أن هذا لا يتلى. والنسخ ثلاثة أنواع: أحدها: ما نسخ حكمه وتلاوته كعشر رضعات. والثاني: ما نسخت تلاوته دون حكمه كخمس رضعات وكالشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما. والثالث: ما نسخ حكمه وبقيت تلاوته وهذا هو الأكثر ومنه قوله تعالى {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِم}. الآية، والله أعلم.
وقال السيوطي في الإتقان 2/28: وقد تكلموا في قولها "وهن مما يقرأ من القرآن" فإن ظاهر بقاء التلاوة وليس كذلك، وأجيب بأن المراد قارب الوفاة، أو أن التلاوة نسخت أيضاً ولم يبلغ ذلك كل الناس إلا بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فتوفي وبعض الناس يقرؤها، وقال أبو موسى الأشعري: نزلت ثم رفع، وقال مكي: هذا المثال فيه المسنوخ غير متلو، والناسخ غير متلو، ولا أعلم له نظيراً.(84/41)
وباعتراف علماء دين القزويني أن تلك القراءة منسوخة إلا أنه يُصر بأن ذلك تحريفاً وفي ذلك يقول المرتضى في كتابه "الذريعة في أصول الشيعة" ج1 ص428-429: فصل في جواز نسخ الحكم دون التلاوة ونسخ التلاوة دونه: اعلم أن الحكم والتلاوة عبادتان يتبعان المصلحة، فجائز دخول النسخ فيهما معاً، وفي كل واحدة دون الأخرى، بحسب ما تقتضيه المصلحة. ومثال نسخ الحكم دون التلاوة ونسخ الاعتداد بالحول، وتقديم الصدقة أمام المناجاة. ومثال نسخ التلاوة دون الحكم غير مقطوع به، لأنه من جهة خبر الآحاد، وهو ما روى أن من جملة (والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة) فنسخت تلاوة ذلك. ومثال نسخ الحكم والتلاوة معاً موجود – أيضاً – في أخبار الآحاد، وهو ما روي عن عائشة أنها قالت: (كان فيما أنزل الله – سبحانه – "عشر رضعات يحرمن" فنسخ بخمس، وأن ذلك كان يتلى).
ويقول الطريحي في كتابه "مجمع البحرين" ج4: ص303: وقد ينسخ من الكتاب التلاوة لا الحكم كآية الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله، فإن حكمها باق وهو الرجم إذا كانا محصنين، وبالعكس كآية الصدقة والثبات وهما معاً كما في الخبر المروي عن عائشة أنه كان في القرآن عشر رضعات.
ورغم زعم القزويني أن "عشر رضعات" من التحريف إلا أن قومه في أحكامهم الفقهية في الرضاعة يحرمون النكاح من الرضاع عشر رضعات متواليات لا يفصل بينهن برضاع امرأة أخرى، انظر المصادر التالية:
المقنعة: 502، 503.
المراسم العلوية: 151.
الخلاف ج3: 68.
الوسيلة: 301.
غنية النزوع: 336.
السرائر ج2: 520.
كشف الرموز ج2: 122.
إيضاح الفوائد ج3: 47.
المهذب البارع ج3: 241.
جواهر الكلام ج29:286، 299.
بلغة الفقيه ج3: 165، 166، 190.
فقه ابن أبي عقيل العماني: 465.
سورة الفلق والناس(84/42)
يقول القزويني ص93: سورة الفلق والناس: قال السيوطي "أخرج أحمد والبزار والطبراني وابن مردويه من طرق صحيحة عن ابن عباس وابن مسعود أنه – أي ابن مسعود – كان يحك المعوذتين من المصحف ويقول: "لا تخلطوا القرآن بما ليس منه، أي إنهما ليستا من كتاب الله.." (الدر المنثور 6/714).
الجواب: قرأت لكثير من الكذابين والمدلسين ولكني وجدتهم أقزاماً لما قرأت للقزويني، ومن كذب القزويني وتدليسه أنه لم يُكمل قول السيوطي وجعل موضع ما يدحض فريته نقط، وأذكر ما أورده السيوطي بتمامه فيما يتعلق بعدم موافقة الصحابة لقول ابن مسعود رضي الله عنه ثم أذكر كلام بعض العلماء فيما يتصل بدحض الفرية التي أوردها القزويني.
يقول السيوطي في الدر المنثور ج6 ص416 وما بعدها:
أخرج أحمد والبزار والطبراني وابن مردويه من طرق صحيحة عن ابن عباس وابن مسعود أنه كان يحك المعوذتين من المصحف ويقول لا تخلطوا القرآن بما ليس منه أنهما ليستا من كتاب الله إنما أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يتعوذ بهما وكان ابن مسعود لا يقرأ بهما. قال البزار لم يتابع ابن مسعود أحد من الصحابة وقد صح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قرأ بهما في الصلاة وأثبتتا في المصحف.
أخرج أحمد والبخاري والنسائي وابن الضريس وابن الأنباري وابن حبان وابن مردويه عن زر بن حبيش قال أتيت المدينة فلقيت أبي بن كعب فقلت يا أبا المنذر إني رأيت ابن مسعود لا يكتب المعوذتين في مصحفه. فقال أما والذي بعث محمداً بالحق قد سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عنهما وما سألني عنهما أحد منذ سألته غيرك. قال قيل لي فقلت فقولوا فنحن نقول كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وأخرج مسدد وابن مردويه عن حنظلة السدوسي قال قلت لعكرمة إني أصلي بقوم فأقرأ بقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس فقال اقرأ بهما فإنهما من القرآن.(84/43)
وأخرج أحمد وابن الضريس بسند صحيح عن أبي العلاء يزيد بن عبد الله بن الشخير قال قال رجل كنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر والناس يعتقبون وفي الظهر قلة فجاءت نزلة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونزلتي فلحقني فضب منكبي فقال قل أعوذ برب الفلق فقلت أعوذ برب الفلق فقرأها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقرأتها معه ثم قال قل أعوذ برب الناس فقرأها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقرأتها معه قال إذا أنت صليت فاقرأ بهما.
أخرج مسلم والترمذي عن النسائي وابن الضريس وابن الأنباري في المصاحف وابن مردويه عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنزلت على الليلة آيات لم أر مثلهن قط قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس.
أخرج ابن الضريس وابن الأنباري والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن عقبة بن عامر قال بينا أنا أسير مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيما بين الجحفة والأبواء إذ غشينا ريح وظلمة شديدة فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتعوذ بأعوذ برب الفلق وأعوذ برب الناس ويقول يا عقبة تعوذ بهما فما تعوذ متعوذ بمثلهما قال وسمعته يؤمنا بهما في الصلاة.
أخرج ابن سعد والنسائي والبغوي والبيهقي عن ابن حابس الجهني أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال له يا أبا حابس ألا أخبرك بأفضل ما تعوذ به المتعوذون قال بلى يا رسول الله قال قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس هما المعوذتان.
أخرج الترمذي وحسنه والنسائي وابن مردويه والبيهقي عن أبي سعيد الخدري قال كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتعوذ من عين الجان ومن عين الإنس فلما نزلت سورة المعوذتين أخذ بهما وترك ما سوى ذلك.
أخرج ابن مردويه عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اقرؤوا بالمعوذات في دبر كل صلاة.(84/44)
أخرج ابن أبي شيبة وابن مردويه عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما سأل سائل ولا استعاذ مستعيذ بمثلهما يعني المعوذتين.
أخرج ابن مردويه عن عقبة بن عامر قال قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يا عقبة اقرأ بقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس فأنك لن تقرأ أبلغ منهما.
أخرج ابن مردويه عن أم سلمة قالت قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أحب السور إلى الله قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس.
أخرج ابن مردويه عن معاذ بن جبل قال كنت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر فصلى الغداة فقرأ فيها بالمعوذتين ثم قال يا معاذ هل سمعت قلت نعم قال ما قرأ الناس بمثلهن.
أخرج الأنباري وابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال أخذ منكبي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال اقرأ قلت ما أقرأ بأبي أنت وأمي قال قل أعوذ برب الفلق ثم قال اقرأ قلت بأبي أنت وأمي ما أقرأ قال قل أعوذ برب الناس ولن تقرأ بمثلهما.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن الضريس عن عقبة بن عامر الجهني قال كنت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر فلما طلع الفجر أذن وأقام ثم أقامني عن يمينه ثم قرأ بالمعوذتين فلما انصرف قال كيف رأيت قال قد رأيت يا رسول الله قال فاقرأ بهما كلما نمت وكلما قمت.
أخرج ابن الأنباري عن قتادة قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعقبة بن عامر اقرأ بقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس فإنهما من أحب القرآن إلى الله.
أخرج الحاكم عن عقبة بن عامر قال كنت أقود برسول الله صلّى الله عليه وسلّم راحلته في السفر فقال يا عقبة ألا أعلمك خير السورتين قرئتا قلت بلى قال قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس فلما نزل صلى بهما صلاة الغداة ثم قال له كيف ترى يا عقبة.(84/45)
أخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال أهدى النجاشي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بغلة شهباء فكان فيها صعوبة فقال للزبير اركبها وذللها فكأن الزبير اتقى فقال له اركبها واقرأ القرآن قال ما أقرأ قال اقرأ قل أعوذ برب الفلق فوالذي نفسي بيده ما قمت تصلي بمثلها.
أخرج محمد بن نصر عن أبي ضمرة عن أبيه عن جده أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يقرأ في الركعة الثانية التي يوتر بها بقل هو الله أحد والمعوذتين.
وقال الإمام الزركشي في "البرهان في علوم القرآن" ج2 ص127: والمعوذتان من القرآن واستفاضتهما كاستفاضة جميع القرآن، وأما ما روي عن ابن مسعود. قال القاضي أبو بكر: فلم يصح عنه أنهما ليسا من القرآن، ولا حُفظ عنه أنه حكّهما وأسقطهما من مصحفه لعللٍ وتأويلات.
قال القاضي: ولا يجوز أن يضاف إلى عبد الله أو إلى أُبي بن كعب، أو زيد أو عثمان أو علي، أو واحد من ولده أو عترته جحد آية أو حرف من كتاب الله وتغييره أو قراءته على خلاف الوجه المرسوم في مصحف الجماعة بأخبار الآحاد، وأن ذلك لا يحلّ، ولا يُسمح، بل لا تصلح إضافته إلى أدنى المؤمنين، فضلاً عن إضافته إلى رجل من الصحابة، وإن كلام القنوت المروي عن أُبي بن كعب أثبته في مصحفه لم تقم حجة بأنه قرآن منزل، بل هو ضرب من الدعاء، وأنه لو كان قرآناً لنُقل نقل القرآن، وحصل العلم بصحته، وأنه يمكن أن يكون منه كلاماً كان قرآناً منزلاً ثم نُسخ وأبيح الدعاء به وخلط بكلام ليس بقرآن، ولم يصح ذلك عنه، وإنما روي عنه أنه أثبته في مصحفه، وقد ثبت في مصحفه ما ليس بقراءة من دعاء وتأويل.
وقال النووي في شرح "المهذب": أجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة من القرآن، وأن من جحد منها شيئاً كفر، وما نُقل عن ابن مسعود باطل، وليس بصحيح.
وقال ابن حزم في أول كتابه "المحلى": هذا كذب على ابن مسعود موضوع، وإنما صح عن قراءة عاصم عن زرّ بن حبيش عنه، وفيها المعوذتان والفاتحة.(84/46)
وقال القاضي أبي بكر بن الطيب في كتاب "التقريب": لم يُنكر عبد الله بن مسعود كون المعوذتين والفاتحة من القرآن، وإنما أنكر إثباتهما في المصحف وإثبات الحمد، لأنه كانت السنة عنده ألا يثبت إلا ما أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بإثباته وكتبه، ولم نجده كتب ذلك ولا سمع أمره به.
وهذا تأويل منه، وليس جحداً لكونهما قرآناً.
وفي صحيح ابن حبان عن زر: قلنا لأبيّ بن كعب: إن ابن مسعود لا يكتب في مصحفه المعوذتين، فقال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: قال لي جبريل: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} فقلتها، وقال لي: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} فقلتها، فنحن نقول ما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وقال القرطبي في تفسيره 20/251: وزعم ابن مسعود أنهما دعاء تعوذ به، وليستا من القرآن، خالف به الإجماع من الصحابة وأهل البيت. قال ابن قتيبة: لم يكتب عبد الله بن مسعود في مصحفه المعوذتين، لأنه كان يسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعوذ الحسن والحسين – رضي الله عنهما – بهما، فقدر أنهما بمنزلة: أعيذكما بكلمات التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة. قال أبو بكر الأنباري: وهذا مردود على ابن قتيبة، لأن المعوذتين من كلام رب العالمين، المعجز لجميع المخلوقين، و"أعيذكما بكلمات الله التامة" من قول البشر بين. وكلام الخالق الذي هو آية لمحمد صلّى الله عليه وسلّم خاتم النبيين، وحجة له باقية على جميع الكافرين، لا يلتبس بكلام الآدميين، على مثل عبد الله بن مسعود الفصيح اللسان، العالم باللغة، العارف بأجناس الكلام، وأفانين القول.(84/47)
وقال أيضاً ج16 ص298: فحذار من الوقوع في أحد منهم(1)، كما فعل من طعن في الدين فقال: إن المعوذتين ليستا من القرآن، وما صح حديث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في تثبيتهما ودخولهما في جملة التنزيل إلا عن عقبة بن عامر، وعقبة بن عامر ضعيف لم يوافقه غيره عليها، فروايته مطروحة. وهذا رد لما ذكرناه من الكتاب والسنة، وإبطال لما نقلته لنا الصحابة من الملة. فإن عقبة بن عامر بن عيسى الجهني ممن روى لنا الشريعة في الصحيحين البخاري ومسلم وغيرهما، فهو ممن مدحهم الله ووصفهم وأثنى عليهم ووعدهم مغفرة وأجراً عظيماً. فمن نسبه أو واحداً من الصحابة إلى كذب فهو خارج عن الشريعة، مبطل للقرآن طاعن على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ومتى ألحق واحد منهم تكذيباً فقد سب، لأنه لا عار ولا عيب بعد الكفر بالله أعظم من الكذب، وقد لعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من سب أصحابه، فالمكذّب لأصغرهم – ولا صغير فيهم – داخل في لعنة الله التي شهد بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وألزمها كل من سب واحداً من أصحابه أو طعن عليه.
__________
(1) أي الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.(84/48)
وقال ابن حزم في الأحكام 4/527: ذكر ذاكر الرواية الثابتة بقراءات منكرة صححت عن طائفة من الصحابة رضي الله عنهم، مثل ما روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ}. ومثل ما صح عن عمر رضي الله عنه، من قراءة: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}، ومن أن ابن مسعود رضي الله عنه لم يعد المعوذتين من القرآن، وأن أبياً رضي الله عنه كان يعد القنوت من القرآن ونحو هذا. قلنا: كل ذلك موقوف على من روى عنه شيء ليس منه عن النبي (ص) البتة، ونحن لا ننكر على من دون رسول الله (ص) الخطأ، فقد هتفا، ولا حجة فيما روي عن أحد دونه عليه السلام، ولم يكلفنا الله تعالى الطاعة له ولا أمرنا بالعمل به، ولا تكفل بحفظه، فالخطأ فيه واقع فيما يكون من الصاحب فمن دون ممن روى عن الصاحب والتابع، ولا معارضة لنا بشيء من ذلك، وبالله تعالى التوفيق.
ويقول الأستاذ عبد الستار الشيخ في كتابه القيم "عبد الله بن مسعود" ص137 وما بعدها: لاشك أن عبد الله بن مسعود لا ينكر قرآنية المعوذتين، لتوافر القرائن النقلية والعقلية على ذلك، وأما عن حكها من المصحف، فلعل إشكالاً أو وهماً طرأ على الراوي بأنه كان يحك "التعوذ" بدلاً من "المعوذتين" فنقل ذلك وحمله الرواة إلينا.
والأدلة النقلية والعقلية التي تدل على أن ابن مسعود لم يكن ينكر المعوذتين كثيرة، ولا يمكن ردّها بحال، ومن ذلك:
أ – أن ابن مسعود كان أشد الناس ملازمة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حلّه وترحاله، وليله ونهاره، وصلاته بالمسجد، وقيامه الليل، والسورتان مدنيتان، ومن سنّة النبي صلّى الله عليه وسلّم قراءتهما في الوتر، وعبد الله صحبه في قيام الليل، ولابد أنه سمعه يقرؤهما في تلك النافلة، وفي غيرها من المناسبات.
ب – وأن ابن مسعود شهد العرضة الأخيرة للقرآن الكريم وفيها هاتان السورتان.(84/49)
ج – أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم الصحابة ومن بعدهم أن يأخذوا القرآن عن عبد الله، وهولا ينطق عن الهوى، ولا يمكن أن يجري الله على لسانه ما يكون من نتيجته إلا الحق والخير، فهل من المعقول أن ينطق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بكلام يحث فيه الناس أن يأخذوا القرآن من رجل يُنكر المعوذتين؟
د – إن القرآن العظيم جمع في عهد الصديق ومنه هاتان السورتان بلا خلاف، والجمع تمّ على مرأى الصحابة وخاصة قرّائهم، ومن عيونهم عبد الله، ولو كان في نفسه شيء عن تلكما السورتان لباح به، ولناظرته الصحابة، فقد تناظروا بأقل من هذا، ولو حدث مثل ذلك لذاع وانتشر.
هـ – ثم إن عمر رضي الله عنه قد أقام للناس أبيّ بن كعب يصلي بهم التروايح، وابن مسعود لابدّ وأنه اقتدى به، فهو قد ذهب للكوفة سنة إحدى وعشرين للهجرة، وأبيّ يحفظ المعوذتين ومن السنة قراءتهما في الوتر، وهذا يقتضي سماع ابن مسعود لهما منه، ولو كان عنده إشكال حولهما لظهر.
و – أضف إلى ذلك أن عمر أرسل ابن مسعود.
ط – وقد ثبت بالأسانيد الصحاح أن قراءة عاصم وقراءة حمزة وقراءة الكسائي وقراءة خلف كلها تنتهي إلى ابن مسعود، وفي هذه القراءات المعوذتان والفاتحة جزء من القرآن وداخل فيه، فنسبة إنكار كونها من القرآن إليه غلط فاحش.
ربما يكابر القزويني في قبول ما تم ذكره، فأذكر له من مصادره ما يؤيد ذلك.
ذكر الحويزي في تفسيره "نور الثقلين" 5/719 والكاشاني في "تفسير الصافي" 5/396: عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنه سئل عن المعوذتين أهما من القرآن؟ فقال: نعم هما من القرآن، فقال الرجل: ليستا من القرآن في قراءة ابن مسعود ولا في مصحفه؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام: اخطأ ابن مسعود أو قال: كذب ابن مسعود هما من القرآن قال الرجل: فأقرأ بهما يا ابن رسول الله في المكتوبة؟ قال: نعم.(84/50)
وقال الطباطبائي في "تفسير الميزان" ج12 ص125: عن ابن مسعود أنه لم يكتب في مصحفه المعوذتين وكان يقول أنهما عوذتان نزل بهما جبريل على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ليعوذ بهما الحسنين عليهما السلام وقد رده سائر الصحابة وتواترت النصوص من أئمة أهل البيت عليهم السلام على أنهما سورتان من القرآن.
وقال أيضاً ج20 ص394: تفسير القمي بإسناده عن أبي بكر الحضرمي قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام إن ابن مسعود كان يمحو المعوذتين من المصحف. فقال: كان أُبي يقول: إنما فعل ذلك ابن مسعود برأيه وهو من القرآن. أقول وفي هذا المعنى روايات كثيرة من طرق الفريقين على أن هناك تواتراً قطعياً من عامة المنتحلين بالإسلام على كونهما من القرآن، وقد استشكل بعض المنكرين لإعجاز القرآن أنه لو كان معجزاً في بلاغته لم يختلف في كون السورتين من القرآن مثل ابن مسعود، وأُجيب بأن التواتر القطعي كافٍ في ذلك على أنه لم ينقل عن أحد أنه قال بعدم نزولهما على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أو قال بعدم كونهما معجزتين في بلاغتهما بل قال بعدم كونهما جزء من القرآن وهو محجوج بالتواتر.
سورة الحفد وسورة الخلع
يقول القزويني ص93: صورة الحفد وسورة الخلع: "اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك الخير كله ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك، ونخشى عذابك، إن عذابك بالكافرين ملحق" (تفسير الدر المنثور 6/722).
يقول الأستاذ لبيب السعدي في كتابه "الجمع الصوتي" ص432: ومن الروايات المرفوضة ما قيل من أن مصحف ابن مسعود تضمّن سورتين، بنصّ دعاء القنوت، هما "الحفد" و"الخلع" وأنه قرأ بهما حتى في الصلاة: فقد أخرج الطبراني عن أبي إسحاق، قال: أمّنا أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن خراسان، فقرأ بهاتين السورتين: إنا نستعينك ونستغفرك.(84/51)
وأخرج البيهقي وأبو داود – في المراسيل – عن خالد بن أبي عمران أن جبريل نزل بذلك (يقصد: إنا نستعينك ونستغفرك) على النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو في الصلاة، مع قوله {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} الآية، لما قنت يدعو على مضر.
ربما كان الرد على هذا كله هو ما ردّ به الباقلاني أيضاً، عند كلامه عن أمور تتصل بالإعجاز، حيث قال ما نصه – بعد تعديل بسيط –:
1 – أنه لا يجوز أن يخفى على العرب القرآن من غيره، وهم الذين نزل فيهم وبلغتهم.
2 – ثم إن عدد السور – عندهم – محفوظ مضبوط، فالزيادة أو النقصان فيه مكشوفٌ لافت.
3 – وربما كان ابن مسعود قد كتب القنوت في مصحفه، لا لأنه قرآن، وإنما ليكون الكلُّ محفوظاً في مجموعة واحدة.
4 – والرواية المردود عليها مروية بخبر الواحد، فلا يمكن التعويل عليها، أو الكون(1) إلى مثلها.
5 – ويجوز أن يكون ابن مسعود كتب على ظهر مصحفه دعاء القنوت لئلا ينساه، كما يكتب الواحد منا بعض الأدعية على ظهر مصحفه.
6 – ولو كان الأمر أمر حروف معدودة يقع فيها الغلط أو النسيان لجاز أن يكون شيئاً عادياً يقع مثله للحفّاظ، أما أن يكون الغلط في سورتين فهو ما لا يمكن تجويزه لأنه غير طبيعي.
آية الفراش
يقول القزويني ص94: آية الفراش: "الولد للفراش وللعاهر الحجر" (تفسير الدر المنثور 1/199) وهي غير موجودة في القرآن.
الجواب: إن هذه الآية منسوخة تلاوة وثابتة حُكماً، وحديث "الولد للفراش" ثابت عند أهل السنة روي من طريق بضعة وعشرين صحابياً وحكمه ثابت عند أهل السنة، انظر:
صحيح البخاري ج3: 5، 39، 91، ج5: 96، ج8: 9، 12، 22، 116.
صحيح مسلم ج4: 171.
سنن ابن ماجه ج1: 646، 647، ج2: 905.
سنن أبي داود ج1: 507، 508.
سنن الترمذي ج2: 313.
سنن النسائي ج6: 180، 181.
__________
(1) كذا بالنص، ولعل ذلك خطأ مطبعي، والصواب: الركون. والله تعالى أعلم.(84/52)
مسند أحمد ج1: 25، 59، 65، 69، 104، ج2: 179، 207، 39، 280، 386، 475، ج4: 186، 187، 238، 239.
مسند أحمد ج5: 326، ج6: 37، 129، 200، 226، 237، 247.
سنن الدارمي ج2: 152، 389.
المستدرك 3: 631.
السنن الكبرى ج6: 86، ج7: 157، 402، 403، 412، ج10: 150، 266.
شرح النووي على مسلم ج10: 37، 39.
مجمع الزوائد ج3: 80، ج4: 204، ج5: 13، 14، 15، ج6: 178، ج7: 251.
مقدمة فتح الباري: 162.
فتح الباري في شرح البخاري ج5:119، ج8: 19، ج9: 241، ج12: 26، 28، 29، 30، 31، 32، 33، 45، 113.
شرح سنن النسائي ج6: 180.
حاشية السندي على النسائي ج6: 180.
تحفة الأحوذي في شرح الترمذي ج4: 269، 270، ج: 259.
عون المعبود ج6: 240، 261، 263، ج10: 310.
مسند ابن المبارك: 134.
جزء سفيان بن عيينة: 87.
مسند أبي داود الطيالسي: 15، 154، 169، 204.
مصنف عبد الرزاق ج3: 321، 322، ج4: 149، ج7: 99، 102، 135، 218، 219، 442، 444، ج9: 48، ج10: 290.
مسند الحميدي ج1: 117، ج2: 465.
المصنف لابن أبي شيبة ج3: 465، 464، ج7: 3، 5، 380.
مسند ابن راهويه ج2: 217، 219.
السنن الكبرى للنسائي ج3: 378، 379.
مسند أبي يعلى ج7: 39.
المنتقى من السنن: 182.
شرح معاني الآثار ج3: 104، 105، 14، 115.
صحيح ابن حبان ج9: 413.
المعجم الأوسط ج5: 380.
المعجم الكبير ج8: 135، ج10: 242، ج11: 14، ج17: 34، 35، 36، ج22: 83.
مسند الشاميين ج1: 235، 360/ 361، ج4: 192.
سنن الدارقطني ج2: 124، ج3: 217، ج4: 156، 157.
مسند الشهاب ج1: 190.
نصب الراية ج3: 479، 481، 482، 483، ج5: 14، ج6: 499.
موارد الظمآن: 325، 415.
اللمع في أسباب الحديث: 156، 157.
الجامع الصغير ج2: 723.
كنزل العمال ج5: 292، 293، 845، 871، ج6: 107، 190، 196، 198، 199، 200، 208، ج11: 732، ج15: 210، ج16: 614.
كشف الخفاء ج2: 339.
نظم المتناثر من الحديث المتواتر: 162.
إرواء الغليل ج7: 190.(84/53)
المغني ج6: 397، ج7: 130، ج9: 13، 37، 45، 58، 547، ج12: 489، 490.
الشرح الكبير ج5: 289، ج6: 404، ج7: 36، 200، ج9: 31، 50، 61، 68، 69، 71، 540.
كشاف القناع ج5: 75، 462، 63، 465، 473، 476، 480، ج6: 31، 138.
المحلى ج9: 302، 479، 491، ج10: 321، ج11: 229، 257، 280.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد ج2: 95، 290، 291، 292.
سبل السلام ج3: 143، 196، 207، 212، 213، ج4: 138، 146.
نيل الأوطار ج5: 194، ج6: 157، 362، ج7: 76، 81.
وأيضاً ثابت عند القوم، فإذا كان الأمر كما يزعم القزويني وغيره من بني جلدته فلماذا استعاروه من أهل السنة، انظر المصادر التالية:
مسائل علي بن جعفر: 110.
الكافي ج5: 491، ج7: 163.
دعائم الإسلام ج2: 512، 523.
من لا يحضره الفقيه ج3: 451، ج4: 380.
الخصال: 213.
المجازات النبوية: 140.
الاستبصار ج3: 368، ج4: 183، 185.
تهذيب الأحكام ج8: 168، 169، 183، 208، ج9: 344، 346.
وسائل الشيعة ج14: 565، 568، 569، 570، 583، ج15: 120، 214، 220، 604، ج17: 564، 566، 568.
مستدرك الوسائل ج15: 33، 38، 187، ج17: 215.
الإيضاح: 248، 550.
شرح الأخبار ج1: 228، ج2: 154، 172.
الاحتجاج ج2: 20.
الطرائف: 501 .
كشف الغمة ج2: 45.
عوالي اللئالي ج1: 393، ج2: 132، 275، 338.
الفصول المهمة في أصول الأئمة ج2: 491.
بحار الأنوار ج8: 110، ج10: 252، ج33: 211، ج44: 115، 213، ج101: 61، 63، 64، ج110: 402.
فقه الرضا: 262.
المقنع: 401.
رسائل المرتضى ج1: 288، ج3: 124 .
الخلاف ج2: 378، ج3: 41.
المبسوط ج5: 210.
جواهر الفقه: 261.
المهذب ج2: 166.
غنية النزوع: 330.
السرائر ج2: 659، ج3: 276، 285، 465.
شرائع الإسلام ج2: 564، ج3: 653.
إيضاح الفوائد ج3: 260، 261، 337، 355، 364، ص455، ج4: 248، 495.
جامع المقاصد ج9: 353.
شرح اللمعة ج5: 276، 439، ج6: 425.(84/54)
مسالك الأفهام ج8: 379، 381، 382، 383، 386، 387، 391، ج8: 346، ج10: 220، 221، 222، ج13: 239، ج14: 420.
مجمع الفائدة ج13: 125.
نهاية المرام ج1: 270، 433، 435، 437، 441، 443، 444، ج2: 224.
كفاية الأحكام: 191.
التحفة السنية: 295.
الحدائق الناضرة ج12: 418، ج19: 446، ج23: 313، 505، ج24: 171، 330، ج25: 12، 13، 14، 17، 19، 23، 24، 27، 29، 30.
جواهر الكلام ج24: 201، ج29: 115، 261، 262، ج30: 159، ج31: 223، 229، 231، 232، 234، 236، 239، 240، 249، ج32: 216، 217، 264، 379، ج34: 14، 17، 22، 36، 41، 44، 45، 48، ج39: 274، 275، ج40: 516، 517.
بلغة الفقيه ج4: 214.
تكملة العروة الوثقى ج4: 93، 197، 198.
مستمسك العروة ج9: 312، ج14: 227، 259.
لحن في القرآن
يقول القزويني ص96: لحن في القرآن: عن عروة قال: سألت عائشة عن لحن القرآن "إن الذين آمنوا والذين هادوا والصائبون" "والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة" "وإن هذان لساحران"، فقالت: يا ابن أختي هذا عمل الكتّاب أخطأوا في الكتابة (تفسير الدر المنثور 2/435).(84/55)
الجواب: قال الإمام الداني في كتابه "المقنع" ص118-119: تأويله ظاهر، وذلك أن عروة لم يسأل عائشة فيه عن حروف الرسم التي تزاد فيها لمعنى وتنقص منه لآخر تأكيداً للبيان وطلباً للخفة، وإنما سألها عن حروف من القراءة المختلفة الألفاظ المحتملة الوجوه على اختلاف اللغات التي أذِن الله عز وجل لنبيه عليه السلام ولأمته في القراءة بها واللزوم على ما شاءت منها تيسيراً لها وتوسعة عليها، وما هذا سبيله وتلك حاله فعن اللحن والخطأ والوهم والزلل بمعزل لفشوّه في اللغة ووضوحه في قياس العربية، وإذا كان الأمر في ذلك كذلك فليس ما قصدته فيه بداخل في معنى المرسوم، ولا هو من سببه في شيء. وإنما سمّى عروة ذلك لحناً، وأطلقت عائشة على مرسومه كذلك الخطأ على جهة الاتساع في الأخبار وطريق المجاز في العبارة مخالفاً لمذهبهما وخارجاً عن اختيارهما وكان الأوجه والأولى عندهما والأكثر والأفشى لديهما لا على وجه الحقيقة والتحصيل والقطع بما بينّاه قبل من جواز ذلك وفشوّه في اللغة واستعمال مثله في قياس العربية مع انعقاد الإجماع على تلاوته كذلك دون ما ذهبا إليه إلا ما كان من شذوذ أبي عمرو بن العلاء في "أن هذين" خاصة هذا الذي يُحمل عليه هذا الخبر ويتأول فيه دون أن يقطع به على أن أم المؤمنين رضي الله عنها مع عظيم محلها وجليل قدرها واتساع علمها ومعرفتها بلغة قومها لحنت الصحابة وخطّات الكتابة وموضعهم من الفصاحة والعلم باللغة وموضعهم الذي لا يُجهل ولا يُنكر، هذا لا يسوغ ولا يجوز. وقد تأوّل بعض علمائنا قول أم المؤمنين "أخطئوا في الكتاب" أي أخطئوا في اختيار الأولى من الأحرف السبعة بجمع الناس عليه، لا إن الذين كتبوا من ذلك خطأ لا يجوز لأن ما لا يجوز مردود بإجماع، وإن طالت مدة وقوعه وعظم قدر موقعه، وتأوّل اللحن أنه القراءة واللغة، كقول عمر رضي الله عنه "أُبيّ أقرأنا وإنّا لندع بعض لحنه" أي قراءته ولغته فهذا بيّن. وبالله التوفيق.(84/56)
ويقل الأستاذ لبيب السعيد في كتابه "الجمع الصوتي" ص418 وما بعدها:
أ – راوي هذا أبو معاوية الضرير الذي شهد علماء الحديث أن في أقواله أحاديث مضطربة، وأنه "ربما دلّس"(1) وأنه "كان مرجئاً خبيثاً"(2).
وهذا – مع ما سنذكره الآن من وجوه توهين هذه الرواية – يدعونا – علمياً – إلى رفضها فضلاً عن أن نعوّل عليها.
ب – وتخطئة رسم المصحف في قوله {والمقيمين الصلوة} نقضها العلماء من قديم. وقد يكفي – في هذا الشأن – نقل ما ذكره أبو حيان الأندلسي المفسّر، قال: "وذكر عن عائشة – رضي الله عنها -، وعن أبان بن عثمان، أن كتبها بالياء من خطأ كاتب المصحف.
ولا يصح هذا عنهما، لأنهما عربيان فصيحان، وقطع النعوت أشهر في لسان العرب، وهو باب واسع ذكر عليه شواهد سيبويه وغيره، وعلى القطع خرّج سيبويه ذلك.
قال الزمخشري: لا يُلتفت إلى ما زعموا من وقوعه لحناً في خطّ المحصف. وربما التفت إليه من ينظر في "الكتاب" – يريد سيبويه(3) -، ولم يعرف مذاهب العرب، ومالهم في النَّصب على الاختصاص من الافتتان، وخفي عليه أن السابقين الأولين الذين مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل، كانوا أبعد همّة في الغيرة على الإسلام، من أن يتركوا في كتاب الله ثُلمةً يسدّها من بعدهم، وخرقاً يرفوه من يلحق بهم(4).
ثم إنه لا يصعب تخريج النصب الذي يقرأ به الجمهور على المدح والتقدير، أي: أمدح، وأقدّر المقيمين للصلاة(5).
يقول ابن جنّي في "المحتسب": والقطع – لكونه بتقدير الجملة – أبلغُ من الاتباع لكونه مفرداً(6).
وقالت الخورنق:
__________
(1) انظر: كتاب العلل ومعرفة الرجال لأحمد بن حنبل ج1 ص241. وانظر: ابن حجر العسقلاني: تهذيب التهذيب ج9 ص138 و139.
(2) نفس المرجع.
(3) طبع هذا الكتاب في باريس سنة 1885، بتصحيح هريونغ ورتبرغ.
(4) البحر المحيط ج3 ص395 و396.
(5) انظر: السيوطي: الإتقان ج1 ص184.
(6) انظر: حمزة فتح الله: المواهب الفتحية ج2 ص82.(84/57)
لا يبعدنّ قومي الذين هم
سُمُّ العُداة وآفة الجُزُر
النازلون بكل معترك
والطيبين معاقد الأزُر
فنصبت "الطيبين" على المدح، فكأنها قالت: أعني: الطيبين(1).
ج – أما قراءة: {والصبئون} بالواو، فكيف يُنسب إلى عائشة أنها خطّأتها، مع أنه لم يُنقل عنها أنها خطّأت من يقرأ بها؟ ولم يُنقل أنها كانت تقرأ بالياء دون الواو؟(2).
على أن النحويين يرون أن {الصبئون} رُفع على الابتداء وخبره محذوف، والنية به التأخير عما في حيّز {إن}، من اسمها وخبرها، كأنه قيل: إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى حكمهم كذا.. والصابئون كذلك(3). وقد أورد سيبويه شاهداً له: قول بشر بن أبي حازم:
وإلا فاعلموا أنّا وأنتم
بغاة ما بقينا في شقاق(4)
كأنه قال: بغاة ما بقينا وأنتم(5).
د – وأما عبارة "إن هذان لساحران": ففيه أوجه ذكرها صاحب "الإتقان"(6) وغيره(7):
(أحدها) أنه جائز، على لغة من يُجري المثنّى بالألف، في أحواله الثلاث، وهي لغة مشهورة لكنانة، وقيل: لغة بلحارث بن كعب، ويقولون: مررت برجلان، وقبضت درهمان، وجلست بين يداه. ومنه قول الشاعر:
واهاً لسلمى ثم واهاً واهاً
يا ليت عيناها لنا وفاها
وموضع الخلخال من رجلاها
بثمن يرضي به أباها
إن أباها وأبا أباها
قد بلغا من المجد غايتاها
ومنه قول الشاعر الآخر:
تزوّد منا بين أذناه ضربةٌ
دعته إلى هافي التراب عقيم
(الثاني) أن اسم "إن" ضمير الشأن محذوفاً، والجملة – مبتدأٌ وخبرٌ – خبرُ "إن".
__________
(1) انظر: أبو البركات الأنباري: الإنصاف في مسائل الخلاف ص276.
(2) انظر: محمد عبد العظيم الزرقاني: مناهل العرفان ص188.
(3) انظر: الزمخشري: الكشاف ج1 ص354.
(4) الكتاب ج1 ص290.
(5) انظر: عبد الفتاح إسماعيل شلبي: رسم المصحف والاحتجاج به في القراءات ص110.
(6) ج1 ص184.
(7) انظر مثلاً: ابن مطرف الكتاني: القرطين ج2 ص10 و11.(84/58)
(الثالث) أن اسم "إن" ضمير الشأن محذوفاً، إلا أن "ساحران" خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: لهما ساحران.
(الرابع) أن "إن" – هنا – بمعنى نعم.
(الخامس) أن "ها" ضمير اسم إن و"إن.. لساحران" مبتدأ وخبر(1).
(السادس) أن الإتيان بالألف هو لمناسبة "ساحران يريدان"، كما نوّن "سلاسلاً" لمناسبة "أغلالاً"(2) ومن "سبأ" بمناسبة "نبأ"(3).
(هـ) وأبو عمرو الداني يستبعد على عائشة – في عظيم محلها، وجليل قدرها، واتساع علمها، ومعرفتها بلغة قومه –" أن تلحّن الصحابة، وتخطّئ الكتبة، وموضعهم من الفصاحة والعلم باللغة موضعهم الذي لا يُجهل ولا يُنكر(4). ويقول: "وهذا مالا يسوغ ولا يجوز"(5).
ونحن نطمئن لهذا الرأي.
سورة الفاتحة
قال القزويني ص96: سورة الفاتحة: "صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالين" (الدر المنثور 1/41)، وهي ليست في القرآن.
الجواب: هذه قراءة منسوخة، وإن كتب ومصادر قومه مليئة بهذه القراءة، فإن كان يُعيب على وجود هذه القراءة المنسوخة فهي عند قومه ليست بمنسوخة، وهل يجرؤ على اتهام قومه بالتحريف.
1 – عن حريز عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: {اهدنا الصراط المستقيم صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالين}.
قال: المغضوب عليهم النُصّاب والضالين الذين لا يعرفون الإمام(6).
2 – عن ابن أُذينة عن أبي عبد الله في قوله: {غير المغضوب عليهم وغير الضالين}.
قال: المغضوب عليهم: النصّاب. والضالين: الشكّاك الذين لا يعرفون الإمام(7).
__________
(1) هذا الوجه مردود لأن "إن" منفصلة، و"ها" متصلة في الرسم.
(2) اللفظان من الآية 4 في سورة الإنسان.
(3) اللفظان من الآية 22 في سورة النمل.
(4) المقنع ص119.
(5) نفس المرجع.
(6) تفسير القمي 1/29، بحار الأنوار 24/30، تفسير نور الثقلين 1/23، تفسير البرهان 1/47، فصل الخطاب 229.
(7) بحار الأنوار 24/20، تفسير البرهان 1/47.(84/59)
3 – عن داود بن فرقد ومعلى بن خنيس أنهما سمعا أبا عبد الله عليه السلام يقول: {صراط من أنعمت عليهم}(1).
4 – عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمعته يقرأ: {صراط من أنعمت عليهم}(2).
5 – عن فضيل عن أبي جعفر عليه السلام أنه كان يقرأ: {صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالين}(3).
6 – عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل {ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم}.
قال: فاتحة الكتاب يُثنّي فيها القول. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إن الله منّ عليّ بفاتحة الكتاب من كنز الجنة فيها: بسم الله الرحمن الرحيم الآية التي يقول فيها: {وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولّوا الأدبار نفوراً}.
و{الحمد لله رب العالمين}: دعوى أهل الجنة حين شكروا الله حسن الثواب.
و{مالك يوم الدين} قال جبرائيل: ما قالها مسلم قط إلا صدّقه الله وأهل سماواته.
و{إياك نستعين} أفضل ما طلب به العباد حوائجهم.
{اهدنا الصراط المستقيم} صراط الأنبياء وهم الذين أنعم الله عليهم.
{غير المغضوب عليهم} اليهود. {وغير الضالين} النصارى(4).
7 – عن ابن أبي عمير رفعه في قوله: {غير المغضوب عليهم وغير الضالين}. وهكذا نزلت.
قال: المغضوب عليهمم فلان وفلان وفلان(5) والنصاب والضالين الشكاك الذين لا يعرفون الإمام(6).
8 – عن فضل بن يسار وزرارة عن أحدهما (ع) في قوله {غير المغضوب عليهم}.
قال: النصارى. {وغير الضالين} قال: اليهود(7).
__________
(1) فصل الخطاب 229.
(2) فصل الخطاب 229.
(3) فصل الخطاب 229.
(4) تفسير العياشي 1/22، تفسير البرهان 1/42، بحار الأنوار 18/19 و59/336، فصل الخطاب 229.
(5) أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ولعنة الله على كل من ينتقصهم.
(6) فصل الخطاب 230.
(7) فصل الخطاب 230.(84/60)
9 – سعد بن عبد الله القمي في باب تحريف الآيات من كتاب ناسخ القرآن قال: وقرأ رجل على أبي عبد الله (ع) سورة الحمد على ما في المصحف.
فرد عليه فقال: اقرأ: {صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليم وغير الضالين}(1)...
وبعد أن ذكرنا الروايات السابقة هل يمكن أن يكون الخوئي صادقاً حينما يقول في كتابه "البيان في تفسير القرآن" ص484: والمعروف أيضاً قراءة "الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين" ونسب إلى علي (ع) وإلى عمر قراءة "مَنْ أنعمت عليهم وغير الضالين" أما قراءة علي فلم تثبت، بل الثابت عدمها، فلو كانت قراءته هي ذلك، لشاع خبرها بين شيعته، ولأقرّها الأئمة من بعده، مع أنها لم تنقل حتى بخبر رجل واحد يعتمد عليه.
فإذا كان زعيم الحوزة العلمية عندهم يكذب هذا الكذب الصريح فإننا لا نستكثر على أتباعه ومن هم على شاكلته الكذب والتدليس.
آية في سورة الحجرات
يقول القزويني ص97: آية في سورة الحجرات: "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتثبتوا" (تفسير الطبري 11/383). والذي في القرآن {فَتَبَيَّنُواْ}.
الجواب: إن القزويني ألِف الكذب والتدليس واتخذه ديناً ومعتقداً، ونقله عن الطبري مبتور، وهو نقل ما يؤكد زعمه وكذبه، ولماذا لم ينقل كلام الطبري بتمامه؟ هل خشي الفضيحة وكشف سوءته؟ وأنقل للقراء الكرام تتمة كلام الطبري، حيث يقول 26/160: واختلفت القراء في قراءة قوله {فَتَبَيَّنُواْ} فقرأ ذلك عامة قراء أهل المدينة "فثبتوا" بالثاء، وذكر أنها في مصحف عبد الله منقوطة بالثاء، وقرأ ذلك بعض القراء "فتبينوا" بالباء، بمعنى أمهلوا حتى تعرفوا صحته ولا تعجلوا بقبوله، وكذلك معنى "فتثبتوا". والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
وبما أن القزويني من قوم لا يرون ولا يعتقدون بالقراءات فهو يزعم بأن ذلك تحريفاً.
آية في سورة الحج
__________
(1) فصل الخطاب 230.(84/61)
قال القزويني ص97-98: آية في سورة الحج "وما أرسلنا قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث" (تفسير الدر المنثور 4/661) وزيادة "ولا محدث" لا توجد في القرآن، فهي ساقطة.
الجواب: هذه القراءة منسوخة، والقزويني تجاهل هذه الرواية التي ذكرها السيوطي في الدر المنثور 4/366: وأخرج ابن أبي حاتم عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: قال: إن مما أنزل الله: "وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث" فنسخت محدث.
وإن ما يُعيبه القزويني موجود عند قومه، من ذلك:
1 - عن حريز عن أبي عبد الله (ع): {وما أرسلنا قبلك من رسول ولا نبي ولا محدّث}(1).
2 – عن زرارة قال: سألت أبا جعفر (ع) عن قول الله عز وجل: {وكان رسولاً نبياً}. قلت: ما هو الرسول من النبي؟
قال: هو الذي يرى في منامه ويسمع الصوت ويعاين، ثم تلا: {وما أرسلنا من قبلك ولا نبي ولا محدّث}(2).
3 – عن الحارث البصري قال: أتانا الحكم بن عيينة قال: إن علي بن الحسين (ع) قال: إن علم عليّ (ع) كله في آية واحدة.
قال: فخرج حمران بن أعين فوجد علي بن الحسين (ع) قد قُبض. فقال لأبي جعفر (ع) إن الحكم بن عيينة حدثنا عن علي بن الحسين (ع) قال: إن علم علي (ع) كله في آية واحدة.
قال أبو جعفر: وما تدري ما هو؟
قال: قلت: لا.
قال: هو قول الله تبارك وتعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدّث}(3).
4 – عن بريد عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع) في قوله تعالى: {وما أرسلنا ولا نبي ولا محدّث}(4).
5 – عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت أبا جعفر (ع) يقول: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدّث}(5).
6 – عن سليم بن قيس الشامي أنه سمع علياً (ع) يقول: إني وأوصيائي من ولدي مهديون كلنا محدثون.. إلى أن قال سليم الشامي: سألت محمد بن أبي قلت: كان علي (ع) محدّثاً؟
قال: نعم.
__________
(1) فصل الخطاب 286.
(2) فصل الخطاب 286.
(3) فصل الخطاب 286.
(4) فصل الخطاب 287.
(5) فصل الخطاب 287.(84/62)
قلت: وهل يحدّث الملائكة إلا الأنبياء؟
قال: أما تقرأ: {وما أرسلنا من رسول ولا نبي ولا محدّث}(1).
7 – عن إبراهيم بن محمد مثله(2).
8 – عن الحكم بن عيينة قال: دخلت على علي بن الحسين (ع) يوماً فقال لي: يا حكم هل تدري ما الآية التي كان علي بن أبي طالب (ع) يعرف بها صاحب قتله، ويعلم بها الأمور العظام التي كان يحدّث بها الناس؟
قال الحكم: فقلت في نفسي قد وقفت على علم من علم علي بن الحسين (ع) أعلم بذلك تلك الأمور العظام.
قال: فقلت: لا، والله لا أعلم به، أخبرني بها يا ابن رسول الله؟
قال: هو والله: {وما أرسلنا من قبلك ولا نبي ولا محدّث}.
فقلت: وكان علي (ع) محدّثاً؟
قال: نعم، وكل إمام منا أهل البيت فهو محدّث(3).
9 – الكليني عن محمد بن يحيى العطار عن أحمد مثله وزاد بعد قوله ولا محدّث وكان علي بن أبي طالب (ع) محدّثاً فقال له رجل يقال له عبد الله بن زيد كان أخا علي بن الحسين (ع) لأمه: سبحان الله محدّثاً (كأنه ينكر) فأقبل علينا أبو جعفر (ع) فقال: أما والله إن ابن أمك بعد قد كان يعرف ذلك. قال: فلما قال ذلك سكت الرجل فقال: هي التي هلك فيها أبو الخطاب فلم يدر ما تأويل المحدّث والنبي(4).
10 – عن الحارث بن المغيرة قال: قال حمران بن أعين أن الحكم بن عيينة يروي عن علي بن الحسين (ع) في آية نسأله فلا يخبرنا.
قال حمران: سألت أبا جعفر (ع).
فقال: إن علياً (ع) كان بمنزلة صاحب سليمان وصاحب موسى ولم يكن نبياً ولا رسولاً. ثم قال: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدّث}.
قال: فعجب أبو جعفر (ع) (5).
11 – عن أبي عبد الله (ع) أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أصابته خصاصة، فجاء إلى رجل من الأنصار فقال له: هل عندكم طعام؟
فقال: نعم يا رسول الله.
__________
(1) فصل الخطاب 287.
(2) فصل الخطاب 287.
(3) فصل الخطاب 287.
(4) فصل الخطاب 287.
(5) فصل الخطاب 287.(84/63)
فذبح له عناقاً وشوّاها، فلما دنى منها تمنّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يكون معه علي وفاطمة والحسن والحسين (ع)، فجاء أبو بكر وعمر ثم جاء علي فأنزل الله عليه: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدّث}.
ثم قال أبو عبد الله (ع): هكذا نزلت(1).
المبحث الثالث
المصحف الموعود
يقول القزويني ص140: "من الشبهات التي ألصقها البعض بالشيعة، أنهم يعتقدون بوجود مصحف للإمام علي يختلف عن المصحف الذي جمعه الخليفة عثمان بن عفان، وهذا المصحف موجود عند الإمام المهدي، وهذا ما يدّعيه "القفاري" ومن لفّ لفّه في التدليس والتلفيق والافتراء والكذب".
الذي يقرأ الكلام السابق يتعجب من جرأة القزويني على إنكار ما هو حقيقة مؤكدة في الفكر الشيعي، ونتساءل هل حقيقة أن فضيلة الشيخ الدكتور ناصر القفاري سلك مسلك المدلسين والملفقين والمفترين، أم أن لديه من الأدلة والإثباتات مما جعله يؤكد هذه الحقيقة، وهل حقاً أن كل من قال بهذا فهو مدلّس وكذاب وملفّق على حد زعم القزويني، أم أن القزويني يحاول إنكار ذلك من باب التدليس والكذب الصريح على القراء الذين ابتلوا بقراءة كتابه، وهل فعلاً القزويني ينتهج الأسلوب العلمي الموضوعي في دفاعه عن التشيع كما يزعم في كتابه، أم يظن أن أهل السنة على غير اطلاع على مصادر وتراث الشيعة.
__________
(1) تأويل الآيات الطاهرة 348، تفسير نور الثقلين 3/615، تفسير البرهان 3/98، بحار الأنوار 17/85، تفسير العسكري 275.(84/64)
يقول الطبرسي في كتاب الاحتجاج ج1 ص225: عن أبي ذر الغفاري أنه قال: لما توفي رسول الله صلّى الله عليه وآله جمع علي عليه السلام القرآن وجاء به إلى المهاجرين والأنصار وعرضه عليهم لما قد أوصاه رسول الله صلّى الله عليه وآله، فلما فتحه أبو بكر خرج في أول صفحة فتحها فضائح القوم، فوثب عمر وقال: يا علي اردده فلا حاجة لنا فيه، فأخذه عليه السلام وانصرف. ثم أحضروا زيد بن ثابت – وكان قارئاً للقرآن – فقال له عمر: إن علياً جاء بالقرآن وفيه فضائح وفيه فضائح المهاجرين والأنصار، وقد رأينا أن نؤلف القرآن ونسقط منه ما كان فيه فضيحة وهتك للمهاجرين والأنصار، فأجابه زيد إلى ذلك، ثم قال: إذا فرغت من القرآن على ما سألتم وأظهر عليّ القرآن الذي ألفه أليس قد بطل كل ما عملتم؟ قال عمر: فما الحيلة؟ قال زيد: أنتم أعلم بالحيلة، فقال عمر: فما الحيلة دون أن نقتله ونستريح منه، فدبر في قتله على يد خالد بن الوليد فلم يقدر على ذلك. فلما استخلف عمر سئل علياً عليه السلام أن يدفع إليهم القرآن فيحرفوه فيما بينهم، فقال: يا أبا الحسن إن جئت بالقرآن الذي كنت قد جئت به إلى أبي بكر حتى نجتمع عليه، فقال عليه السلام: هيهات ليس إلى ذلك سبيل، إنما جئت به إلى أبي بكر لتقوم الحجة عليكم، ولا تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين، أو تقولوا ما جئتنا به إن القرآن الذي عندي لا يمسه إلا المطهرون والأوصياء من ولدي، قال عمر: فهل لإظهاره وقت معلوم. فقال عليه السلام: نعم إذا قام القائم من ولدي، يظهره ويجمل الناس عليه، فتجري السنة به.(84/65)
ذكر هذه الرواية: الفيض الكاشاني في المقدمة السادسة من تفسيره الصافي 1/43-44، المجلسي في بحار الأنوار 92/42، محمد باقر الأبطحي في جامع الأخبار والآثار 1/44-45، الإصفهاني في مكيال المكارم 1/59-60، الحويزي في تفسيره نور الثقلين 5/226، العاملي في مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار 38، البحراني في الدرر النجفية 298، حبيب الله الخوئي في منهاج البراعة 2/208، عدنان البحراني في مشارق الشموس الدرية 138 وغيرهم من علماء الشيعة.
ومن أراد الاستزادة فعليه بمراجعة: الإرشاد للمفيد 365، الأنوار النعمانية للجزائري 2/360، يوم الخلاص لكامل سليمان ص271-272، تاريخ ما بعد الظهور للصدر 638.
ولا يقتصر عمل مهديهم على إخراج القرآن كما أنزل، بل من مهماته التي أسندوها إليه إخراج الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما من قبريهما وصلبهما على شجرة ثم يحرقهما، ولكي تتضح الصورة نذكر ما ذكره الحسين بن حمدان الخصيبي – الهداية الكبرى ص400-304:
المفضل: يا سيدي إلى أين يسير المهدي؟
قال: إلى مدينة جده رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فإذا وردها كان له فيها مقام عجيب يظهر سرور المؤمنين وحزن الكافرين.
قال المفضل: يا سيدي ما هو ذلك؟
قال: يرد قبر جده رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ويقول: يا معاشر الخلائق هذا قبر جدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؟
فيقولون: نعم يا مهدي آل محمد.
فيقول: من معه في القبر؟
فيقولون: ضجيعاه وصاحباه أبو بكر وعمر.
فيقول وهو أعلم بهم من الخلق جميعاً: ومن أبو بكر وعمر وكيف دفنا من دون كل الخلق مع جدي رسول الله؟ فعسى المدفون غيرهما؟
فيقولون: يا مهدي آل محمد ما هاهنا غيرهما وإنما دفنا لأنهما خليفتاه وأبوا زوجتيه.
فيقول للخلق بعد ثلاثة أيام: أخرجوهما.
فيخرجا غضين طريين لم تتغير خلقتهما ولم تشحب ألوانهما.
فيقول: هل فيكم رجل يعرفهما؟
فيقولون: نعرفهما بالصفة ونشبههم لأن ليس هنا غيرهم.(84/66)
فيقول: هل فيكم أحد يقول غير هذا ويشك فيه؟
فيقولون: لا.
فيؤخر إخراجهما ثلاثة أيام، ثم ينشر الخبر في الناس، فيفتتن من والاهما بذلك الحديث.
ويجتمع الناس ويحضر المهدي ويكشف الجدار عن القبرين. ويقول للنقباء: ابحثوا عنهما وانبشوهما.
فيبحثون بأيديهم إلى أن يصلوا إليهما فيخرجاهما. قال: كهيئتهما في الدنيا فتكشف عنهما أكفانهما. ويأمر برفعهما على دوحة يابسة ناخرة ويصلبان عليها فتحيى الشجرة، وتنبع وتورق، ويطول فرعها.
فيقول المرتابون من أهل شيعتهما: هذا والله الشرف العظيم الباذخ حقاً، ولقد فزنا بمحبتهما، ويخسر من أخفى في نفسه مقياس حبة من محبتيهما فيضرونهما ويرونهما ويفتتون بهما.
وينادي منادي المهدي: كل من أحب صاحبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وضجيعيه فلينفرد.
فيجتاز الخلق حزبين موال لهما، ومتبرئ منهما.
فيعرض المهدي عليهم البراءة منهما. فيقولون: يا مهدي آل محمد نحن لا نتبرأ منهما، ولم نعلم أن لهما عند الله وعندك هذه المنزلة، وهذا الذي قد بدا لنا من فضلهما، نتبرأ الساعة منهما وقد رأينا منهما ما رأينا في هذا الوقت من طراوتها وغضاضتهما، وحياة هذه الشجرة بهما، بلى والله نتبرأ منك لنبشك لهما وصلبك إياهما.
فيأمر ريحاً سوداء فتهب عليهم، فتجعلهم كأعجاز نخل خاوية، ثم يأمر بإنزالهما، فينزلان إليه، فيحييان ويأمر الخلائق بالاجتماع.(84/67)
ثم يقص عليهم قصص أفعالهما في كل كور ودور حتى يقص عليهم قتل هابيل وبن آدم وجمع النار لإبراهيم وطرح يوسف في الجب وحبس يونس ببطن الحوت وقتل يحى وصلب عيسى وحرق جرجيس ودانيال وضرب سلمان الفارسي وإشعال النار على باب أمير المؤمنين وسم الحسن وضرب الصديقة فاطمة بسوط قنفذ ورفسه في بطنها وإسقاطها محسناً وقتل الحسن وذبح أطفاله وبني عمه وأنصاره وسبي ذراري رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وإهراء دماء آل الرسو ودم كل مؤمن ومؤمنة ونكاح كل فرج حرام وأكل كل سحت وفاحشة وإثم وظلم وجور من عهد آدم إلى وقت قائمنا كله يعده عليهم ويلزمهم إياه فيعترفان به ثم يأمر بهما فيقتص منهما في ذلك الوقت بمظالم من حضر ثم يصلبهما على الشجرة ويأمر ناراً تخرج من الأرض تحرقهما ثم يأمر ريحاً تنسفهما في اليم نسفاً.
قال المفضل: يا سيدي وذلك هو آخر عذابهم.
قال:هيهات يا مفضل والله ليردان ويحضر السيد محمد الأكبر رسول الله والصديق الأعظم أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والأئمة إمام بعد إمام وكل من محض الإيمان محضاً ومحض الكفر محضاً وليقتصن منهم بجميع المظالم حتى إنهما ليقتلان كل يوم ألف قتلة ويردان إلى ما شاء الله من عذابهما ثم يسير المهدي إلى الكوفة وينزل ما بينها وبين النجف وعدد أصحابه في ذلك اليوم ستة وأربعون ألفاً من الملائكة وستة آلاف من الجن والنقباء ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً.
وللاطلاع على المزيد من أسطورة صلب وحرق الشيخين رضي الله عنهما، انظر: تفسير نور الثقلين ج3 ص119 ج5 ص159، مدينة المعاجز ج2 ص243، معجم أحاديث الإمام المهدي ج5 ص39، كمال الدين وتمام النعمة للصدوق (!!!) ص377، مختصر بصائر الدرجات ص186، "الرجعة" للإحسائي ص128-129، بحار الأنوار ج52 ص379، مدينة المعاجز ج2 ص243، إعلام الورى بأعلام الهدى ج2 ص242، موسوعة الإمام الجواد ج1 ص568، خاتمة المستدرك ج23 ص67.
المبحث الرابع
نماذج من الآيات المحرّفة عند الشيعة(84/68)
قال القزويني ص119: يقول "القفاري" في ص10: لقد نسبت كتب أهل السنة إلى مذهب الشيعة تلك المقالة الشنيعة في الزندقة والإلحاد في قولهم بتحريف القرآن. ورأينا أهل السنة لم يظلموهم.. هذا ما رمى به الشيعة، وليته ذكر الآيات والسور التي وقع فيها التحريف.
والجواب: نيابة عن فضيلة الشيخ الدكتور ناصر القفاري يتطوع كاتب هذه السطور وهو أقلّ طلبة العلم شأناً وعلماً أن يحقّق رجاء وأُمنية القزويني ويُتحفه بنماذج من الآيات المحرّفة عند الشيعة، ونرجو منه ومن كافة علماء الشيعة نقد تلك الروايات، ليتمكنوا من القول بصوت عالٍ إن الشيعة لا تعتقد بتحريف القرآن. ونصيحة للدكتور القزويني أن يتأكد من دينه قبل أن يظهر أمام تلاميذه وأبناء جلدته بمظهر الجاهل الذي يلقي الكلام على عواهنه دون بصيرة أو ذرة من الحياء، وللأسف فإن أسلوب القزويني بإنكار ما هو معلوم وثابت عند الشيعة مما يُشكل وصمة عار ونقيصة في الفكر الشيعي إنما هو تقليد ومحاكاة لعلماء الشيعة الذين يحسبون أن من خالفهم غير مطّلع على خفايا وأسرار مذهبهم الذين يخجلون من إظهاره وإعلانه على الملأ. وهذه النماذج مجرد فتح شهية للقزويني ولدينا المزيد من ذلك.
سورة الفاتحة
1 – عن حريز عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: {اهدنا الصراط المستقيم صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالين}.
قال: المغضوب عليهم النُصّاب والضالين الذين لا يعرفون الإمام.
تفسير القمي 1/29، بحار الأنوار 24/30، تفسير نور الثقلين 1/23، تفسير البرهان 1/47، فصل الخطاب 229.
2 – عن ابن أُذينة عن أبي عبد الله في قوله: {غير المغضوب عليهم وغير الضالين}.
قال: المغضوب عليهم: النصّاب. والضالين: الشكّاك الذين لا يعرفون الإمام.
بحار الأنوار 24/20، تفسير البرهان 1/47.
3 – عن داود بن فرقد ومعلى بن خنيس أنهما سمعا أبا عبد الله عليه السلام يقول: {صراط من أنعمت عليهم}.
(فصل الخطاب 229).(84/69)
4 – عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمعته يقرأ: {صراط من أنعمت عليهم}.
(فصل الخطاب 229).
5 – عن فضيل عن أبي جعفر عليه السلام أنه كان يقرأ: {صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالين}(1).
6 – عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل {ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم}.
قال: فاتحة الكتاب يُثنّي فيها القول. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إن الله منّ عليّ بفاتحة الكتاب من كنز الجنة فيها: بسمل الله الرحمن الرحيم الآية التي يقول فيها: {وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولّوا على أدبارهم نفوراً}.
و{الحمد لله رب العالمين}: دعوى أهل الجنة حين شكروا الله حسن الثواب.
و{مالك يوم الدين} قال جبرائيل: ما قالها مسلم قط إلا صدّقه الله وأهل سماواته.
و{إياك نستعين} أفضل ما طلب به العباد حوائجهم.
{اهدنا الصراط المستقيم} صراط الأنبياء وهم الذين أنعم الله عليهم.
{غير المغضوب عليهم} اليهود. {وغير الضالين} النصارى(2).
7 – عن ابن أبي عمير رفعه في قوله: {غير المغضوب عليهم وغير الضالين}. وهكذا نزلت.
قال: المغضوب عليهم فلان وفلان وفلان(3) والنصاب والضالين الشكاك الذين لا يعرفون الإمام(4).
8 – عن فضل بن يسار وزرارة عن أحدهما (ع) في قوله {غير المغضوب عليهم}.
قال: النصارى. {وغير الضالين} قال: اليهود(5).
9 – سعد بن عبد الله القمي في باب تحريف الآيات من كتاب ناسخ القرآن قال: وقرأ رجل على أبي عبد الله (ع) سورة الحمد على ما في المصحف.
__________
(1) فصل الخطاب 229.
(2) تفسير العياشي 1/22، تفسير البرهان 1/42، بحار الأنوار 18/19 و59/336، فصل الخطاب 229.
(3) أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ولعنة الله على كل من ينتقصهم.
(4) فصل الخطاب 230.
(5) فصل الخطاب 230.(84/70)
فرد عليه فقال: اقرأ: {صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالين}(1)..
سورة البقرة
10 – عن جابر عن أبي جعفر (ع) قال: نزل جبرائيل بهذه الآية على محمد صلّى الله عليه وسلّم هكذا: {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا في علي فأتوا بسورة من مثله}(2).
وقال النوري (فصل الخطاب 230) تعليقاً على هذه الرواية المكذوبة: قال الطبرسي في (شرح الكافي) بعد نقل الخبر: دل ظاهراً على أن قول تعالى في علي (ع) كان في نظم القرآن وإن نبأ كونهم في ريب مما نزّله الله على محمد صلّى الله عليه وسلّم في علي (ع) كونهم في ريب النبوة، ومن كون القرآن من عند الله تعالى ثم ولذلك خاطبهم على سبيل التعجيز بقوله {فأتوا بسورة من مثله} ليعلموا أن القرآن من قبله تعالى وأن محمداً صلّى الله عليه وسلّم نبيه وأن كلما جاء به في حق علي (ع) من قبله تعالى.
__________
(1) فصل الخطاب 230.
(2) الكافي 1/417، بحار الأنوار 23/373 و35/57، تفسير نور الثقلين 1/233، تفسير كنز الدقائق 1/192، تفسير البرهان 1/70، تأويل الآيات الطاهرة 42-43، المناقب لابن شهر آشوب 2/301.(84/71)
11 – عن المعلى بن خنيس عن أبي عبد الله (ع): إن هذا المثل ضربه لأمير المؤمنين (ع) فالبعوضة أمير المؤمنين (ع) وما فوقها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم(1) والدليل على ذلك قوله: {فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم} يعني أمير المؤمنين كما أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الميثاق عليهم له {وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلاً يُضلّ به كثيرا ويهدي به كثيراً} فردّ الله عليهم فقال: {وما يُضلّ به إلا الفاسقين الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه في علي ويقطعون ما أمر الله به أن يُصل} يعني من صلة أمير المؤمنين (ع) والأئمة (ع)(2).
12 – عن محمد بن الفضل عن أبي حمزة عن أبي جعفر (ع) قال: نزل جبرائيل بهذه الآية على محمد صلّى الله عليه وسلّم هكذا: {فبدل الذين ظلموا آل محمد حقهم قولاً غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا آل محمد حقهم رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون}.
الكافي 1/423، تفسير البرهان 1/104، بحار الأنوار 24/224، تفسير العياشي 1/45، تأويل الآيات الطاهرة 63، فصلا الخطاب 230، إثبات الهداة 2/278.
13 – عن زيد الشحام عن أبي جعفر (ع) قال: نزل جبرائيل بهذه الآية: {فبدّل الذين ظلموا آل محمد حقهم غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا آل محمد حقهم رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون}(3).
__________
(1) هذا سوء أدب ووقاحة في حق سيد الخلق وصهر الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وهل يمكن لمسلم بأن يتفوه بهذه الوقاحة؟ وهل بلغ الضلال بالشيعة إلى هذا الحد الذي لا يرضى به من كان في قلبه ذرة إيمان؟
(2) تفسير القمي 1/34-35.
(3) تفسير القمي 1/48، تفسير العياشي 1/45، تفسير البرهان 1/104، فصل الخطاب 231.(84/72)
14 – سعد بن عبد الله القمي في كتاب ناسخ القرآن. قال: وقال أبو جعفر (ع): نزل جبرائيل بهذه الآية هكذا: {وقال الظالمون آل محمد حقهم غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا آل محمد رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون}(1).
15 – عن جابر قال أبو جعفر (ع) نزلت هذه الآية على محمد صلّى الله عليه وسلّم هكذا والله: {وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم في علي} يعني بني أمية {قالوا نؤمن بما أنزل علينا} يعني في قلوبهم بما أنزل الله عليه {ويكفرون بما وراءه} بما أنزل الله في علي {وهو الحق مصدقاً لما معهم} يعني علياً(2).
16 – عن جابر عن أبي جعفر (ع) قال: نزل جبرائيل بهذه الآية على محمد صلّى الله عليه وسلّم هكذا: {بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله في علي بغياً}.
الكافي 1/417، تأويل الآيات الطاهرة 76، بحار الأنوار 23/372 و36/98، تفسير البرهان 1/129، تفسير نور الثقلين 1/86، اللوامع النورانية 22، تفسير العياشي 1/50، تفسير فرات الكوفي 60.
17 – عن عمر بن يزيد قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن قول الله عز وجل {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها}.
فقال: كذبوا ما هكذا هي، إذا كان ينسى وينسخها أو يأت بمثلها لم ينسخها.
قلت: هكذا قال الله.
قال: ليس هكذا الله تبارك وتعالى.
قلت: فكيف؟
قال: ليس فيها ألف ولا واو. قال: {ما ننسخ من آية أو ننسخها نأت بخير منها مثلها} يقول: ما نميت من إمام أو ننسه ذكره نأت بخير منه من صلبه مثله.
(تفسير نور الثقلين 1/115-116، تفسير البرهان 1/140، بحار الأنوار 23/208، تفسير العياشي 1/56).
__________
(1) فصل الخطاب 231.
(2) تفسير نور الثقلين 1/102، تفسير البرهان 1/130، بحار الأنوار 36/98، تفسير العياشي 1/51، تفسير فرات الكوفي 234، اللوامع النورانية 23، مناقب ابن شهر آشوب 2/302.(84/73)
18 – القمي في تفسيره: وأما قوله {أو مثلها} فهي زيادة، إنما نزلت {نأت بخير مثلها}(1).
19 – عن جابر عن أبي جعفر قال: أما قوله: {أفكلما جاءكم محمد بما لا تهوى أنفسكم بموالاة علي استكبرتم ففريقاً من آل محمد كذّبتم وفريقاً تقتلون}. (الكافي 1/418، تأويل الآيات الطاهرة 76، بحار الأنوار 23/374 و24/307، تفسير البرهان 1/125، تفسير نور الثقلين 1/83 و99، تفسير العياشي 1/49، اللوامع النورانية 21، تفسير الصافي 1/158، فصل الخطاب 233).
20 – عن ابن عمير عمن ذكره (!!!) عن أبي عبد الله (ع): {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى في علي}. (تفسير البرهان 1/170، اللوامع النورانية 33).
21 – عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) في قوله عز وجل {واتبعوا ما تتلوا الشياطين بولاية الشياطين على ملك سليمان}. (بحار الأنوار 89/58، تفسير نور الثقلين 1/207، تفسير البرهان 1/209، تفسير كنز الدقائق 1/389، فصل الخطاب 233).
22 – عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع): {سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة فمنهم من آمن ومنهم من جحد ومنهم من أقرّ ومنهم من بدّل ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب}. (الكافي 8/290، تفسير الآصفي 1/101، تفسير نور الثقلين 1/207-208، تفسير الصافي 1/244، تفسير البرهان 1/209، فصل الخطاب 234).
23 – عن ابن أبي عمير عمن ذكره عن أبي عبد الله (ع) في قول الله عز وجل {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى في علي من بعد ما بيناه للناس أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون}(2).
__________
(1) تفسير القمي 1/58، فصل الخطاب 233.
(2) تفسير نور الثقلين 1/148، فصل الخطاب 234.(84/74)
24 – عن أبي إسحاق عن أمير المؤمنين (ع): {وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل بظلمه وسوء سريرته والله لا يحب الفساد}(1).
25 – عن الحسن بن فضال قال: سألت الرضا (ع) إلى أن قال: وسألته عن قول الله عز وجل {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة}.
قال: يقول: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم بالملائكة في ظلل من الغمام} هكذا نزلت. (تفسير نور الثقلين 1/207، بحار الأنوار 3/319 و53/43، معاني الأخبار 13، التوحيد للصدوق (!!!) 163، تفسير البرهان 1/208، تفسير الآصفي 1/101، تفسير الصافي 1/242، تفسير كنز الدقائق 1/506).
26 – عن أبي بكر بن محمد قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقرأ: {وزلزلوا ثم زلزلوا حتى يقول الرسول}(2).
27 – عن أبي العباس عن أبي عبد الله (ع) في قوله عز وجل {وزلزلوا ثم زلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا متى نصر الله}(3).
28 – عن ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) أنه قرأ: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين}(4).
29 – عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال: قلت له: الصلاة الوسطى.
فقال (ع): {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين} والوسطى هي صلاة الظهر.
قال: وكذلك يقرأها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم(5).
__________
(1) الكافي 8/189، تفسير الآصفي 1/99، تفسير العياشي 1/101، تفسير نور الثقلين 1/204، تفسير كنز الدقائق /498، تفسير البرهان 1/205، بحار الأنوار 89/57، فصل الخطاب 234.
(2) الكافي 8/290، بحار الأنوار 89/58 و79/286، تفسير نور الثقلين 1/209.
(3) فصل الخطاب 344.
(4) تفسير القمي 1/79، تفسير نور الثقلين 1/237/ تفسير كنز الدقائق 1/570، فصل الخطاب 235.
(5) تفسير البرهان 1/231، تفسير العياشي 1/127، تفسير الصافي 1/268، تفسير كنز الدقائق 1/570، بحار الأنوار 85/288، فصل الخطاب 235.(84/75)
30 – عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال: كتبت امرأة الحسن (ع) مصحفاً، فقال الحسن (ع) للكاتب لما بلغ هذه الآية: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين}(1).
31 – عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر}(2).
32 – عن الباقر والصادق (ع) أن الصلاة الوسطى هي صلاة الظهر وأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان قرأ {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر}(3).
33 – عن زرارة قال: سألت أبا جعفر (ع) عما فرض الله من الصلاة. فقال: خمس صلوات في الليل والنهار. فقلت: هل سماهن وبينهن في كتابه؟ قال: نعم.
قال الله تعالى إلى أن قال وفي بعض القراءات {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين}(4).
وقال النوري معلقاً على هذه الرواية (فصل الخطاب 235): والظاهر أن السؤال لما كان عما فرض الله من الصلوات اليومية بقرينة الاقتصار في الجواب على ذكرها، فلابد وأن يكون غرض زرارة معرفة استخراج ذلك من القرآن للاحتجاج مع العامة (أهل السنة) وغيرهم. لأنه من الجهل بها ويشهد لذلك قوله (عما فرض) الظاهر عما فرضه في كتابه على ما يظهر من أخبار كثيرة وحينئذ قوله (هل سماهن وبينهن) أي على التفصيل والبيان الظاهر لا مطلقاً ولو إجمالاً لمعلومية الجواب الأول، فظهر أن الاستشهاد لبيان ذكر صلاة العصر في القرآن ببعض القراءات المعتبرة (ع) والمتحد مع قراءاتهم (ع) بقرينة عدم ذكرها فيه في موضع آخر وإلا أشار إليه (ع) ولما مضى ويأتي من الأخبار مع ما تقدم من وحدة ما نزل.. الخ).
__________
(1) تفسير البرهان 1/231، فصل الخطاب 235.
(2) فصل الخطاب 235.
(3) فصل الخطاب 235.
(4) من لا يحضره الفقيه 1/196، علل الشرائع 2/355.(84/76)
34 – عن محمد بن جمهور يرويه عنهم (ع) {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين} قال: راغبين(1).
35 – سعد بن عبد الله القميي في كتاب "ناسخ القرآن ومنسوخه" قال: وكان يقرأ (أي الصادق) {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر}(2).
36 – عن عمرو بن جابر في قوله تعالى {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج مخرجات}(3).
37 – عن أبي جرير القمي عن أبي الحسن (ع) {له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}(4).
38 – عن الحسين بن خالد أنه قرأ أبو الحسن الرضا (ع) {الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم}... {يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون والحمد لله رب العالمين}.
تفسير القمي 1/84-85، تفسير الصافي 1/282، تفسير الآصفي 2/755 تفسير نور الثقلين 1/261، فصل الخطاب 338، مستدرك الوسائل 6/117.
39 – عن إسماعيل بن عباد عن أبي عبد الله (ع) {ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء} وآخرها {العلي العظيم والحمد لله رب العالمين} وآيتين بعدها(5).
40 – عن حمران بن أعين عن أبي جعفر (ع) {والذين كفروا أوليائهم الطواغيت}(6).
__________
(1) فصل الخطاب 235.
(2) فصل الخطاب 236.
(3) فصل الخطاب 236.
(4) الكافي 8/290، بحار الأنوار 89/57، منهاج البراعة 2/216، فصل الخطاب 238.
(5) الكافي 8/290، بحار الأنوار 89/57-58، فصل الخطاب 238.
(6) الكافي 8/289، تفسير كنز الدقائق 1/617، بحار الأنوار 89/57، فصل الخطاب 238.(84/77)
41 – ابن شهر آشوب في المناقب قال: وجدت في كتاب الله المنزل عن الباقر (ع) {والذين كفروا بولاية علي بن أبي طالب أولياؤهم الطاغوت}. قال: نزل جبرائيل بهذه الآية هكذا(1).
42 – أحمد بن علي القمي في "كتاب العروس" عن الصادق (ع) قال: كان علي بن الحسين (ع) يحلف مجتهداً إن من قرأها أي آية الكرسي قبل زوال الشمس سبعين مرة فوافق تكملة السبعين زوالها غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فإن مات في عامه ذلك مات مغفوراً غير محاسب {الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى عالم الغيب والشهادة فلا يظهر على غيبه أحداً من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم} إلى قوله {هم فيها خالدون}(2).
43 – عن إسماعيل بن عباد البصري عمن ذكره عن أبي عبد الله (ع) قال في آية الكرسي {له ما في السماوات وما في الأرض وما تحت الثرى عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم بديع السماوات والأرض ذو الجلال والإكرام رب العالمين}(3).
44 – عن ابن سنان التيمي عن أبي الحسن الرضا (ع) {له ما في السماوات والأرض وما تحت الثرى عالم الغيب والشهادة}(4).
45 – عن يونس عن أبي عبد الله (ع) {له ما في السماوات وما في الأرض عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم من ذا الذي يشفع عنده}(5).
46 – عن جابر بن راشد عن أبي عبد الله (ع) قال (ع) في آية الكرسي: {عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم}(6).
47 – عن عمر بن يحيى التستري وحماد بن عثمان عن أبي عبد الله (ع) قال: رأيت في بيت له عند السقف مكتوباً حول البيت آية الكرسي وفيها {له ما في السماوات وما في الأرض عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم}.
__________
(1) فصل الخطاب 238.
(2) فصل الخطاب 237، بحار الأنوار 86/356 و89/428، مستدرك الوسائل 6/130.
(3) فصل الخطاب 238.
(4) فصل الخطاب 238.
(5) فصل الخطاب 238.
(6) فصل الخطاب 238.(84/78)
فقلت له: جعلت فداك في هذا الكتاب شيء لا أعرفه وليس هكذا نقرؤها؟
قال (ع): هكذا فاقرأها فإنهما كما أُنزلت(1).
48 – عن حمزة عن إسماعيل عن رجل (!!!) عن أبي عبد الله (ع) {وما يحيطون من علمه شيء إلا بما شاء} وآخرها {وهو العلي العظيم والحمد لله رب العالمين} وآيتين بعدها(2).
49 – السياري مرسلاً عن أبي الحسن (ع) في قوله عز وجل {والذي يأكلون الربا لا يقومون يوم القيامة إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس}(3).
50 – عن عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله (ع) {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصيته لأزواجه إلى الحول غير إخراج مخرجات}(4).
51 – النعماني في تفسيره عن أمير المؤمنين (ع) في جملة الآيات المحرّفة. وقوله تعالى {وجعلناكم أئمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً} ومعنى {وسطاً} بين الرسول وبين الناس فحرفوها وجعلوها {أمة}(5).
52 – السياري عن إسحاق بن إسماعيل عن أبي عبد الله (ع) قال: {فما جزاء من يفعل ذلك منكم ومن غيركم إلا خزي في الحياة الدنيا}(6).
53 – سعد بن عبد الله القمي في كتاب (ناسخ القرآن) في باب الآيات المحرّفة قال: وقوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس} وهو {أئمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس}(7).
سورة آل عمران
54 – علي بن إبراهيم القمي في تفسيره قال: إنه روي في الخبر المأثور أنه نزل: {إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران وآل محمد على العالمين}. فأسقطوا آل محمد منه(8).
__________
(1) فصل الخطاب 239.
(2) فصل الخطاب 239.
(3) فصل الخطاب 240.
(4) فصل الخطاب 240.
(5) فصل الخطاب 240.
(6) فصل الخطاب 240.
(7) فصل الخطاب 240.
(8) تفسير القمي 1/100، تفسير نور الثقلين 1/330، اللوامع النورانية 46، تأويل الآيات الطاهرة 1/205، فصل الخطاب.(84/79)
55 – عن حمران قال: سمعت أبا جعفر (ع) يقرأ هذه الآية: {إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل محمداً على العالمين}. قلت: ليس نقرأ هكذا؟ فقال: أُدخل حرف مكان حرف(1).
56 – قال العالم (ع): نزل: {وآل إبراهيم وآل عمران وآل محمد} فأسقطوا آل محمد من الكتاب(2).
57 – عن إبراهيم بن عبد الصمد قال: سمعت جعفر بن محمد (ع) يقرأ: {إن الله آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران وآل محمد على العالمين}. قال: هكذا أُنزلت(3).
58 – عن أيوب قال: سمعني أبو عبد الله (ع) وأنا أقرأ {إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم}. قال: هو {آل إبراهيم وآل محمد على العالمين} فوضعوا اسماً مكان اسم(4).
59 – عن هشام بن سالم قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن قول الله {اصطفى آدم ونوحاً}. فقال: هو {آل إبراهيم وآل محمد على العالمين} فوضعوا اسماً مكان اسم(5).
__________
(1) تفسير فرات الكوفي 78، تفسير الصافي 1/329، بحار الأنوار 89/56، فصل الخطاب 240.
(2) بحار الأنوار 23/222، تفسير الصافي 1/329.
(3) أمالي الطوسي 306، بحار الأنوار 23/222، 227، 291، 361، اللوامع النورانية 46.
(4) بحار الأنوار 23/225، تفسير العياشي 1/168، اللوامع النورانية 46، تفسير كنز الدقائق 2/62، فصل الخطاب 240.
(5) تفسير نور الثقلين 1/328، تفسير العياشي 1/170، فصل الخطاب 240، بحار الأنوار 23/225.(84/80)
60 – عن أبي عمرو الزبيري عن أبي عبد الله (ع): قال: قلت له: ما الحجة في كتاب الله أن آل محمد هم أهل بيته؟ قال: قول الله تبارك وتعالى {إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران وآل محمد} هكذا نزلت على العالمين. {ذرية بعضها من بعض والله سميع وعليم} ولا تكون الذرية من القوم إلا نسلهم من أصلابهم. وقال {اعملوا آل داود شكراً وقليل من عبادي الشكور وآل عمران وآل محمد}(1).
61 – الطوسي في (التبيان) قال: وفي قراءة أهل البيت (ع) {وآل محمد على العالمين}(2).
62 – الطوسي في أماليه... عن إبراهيم بن عبد الصمد قال: سمعت جعفر بن محمد (ع) يقرأ {إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران وآل محمد على العالمين}. قال: هكذا نزلت(3).
63 – السياري عن محمد بن سنان عن أبي خالد القماط عن حمران بن أعين قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقرأ {إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران وآل محمد على العالمين}. ثم قال: هكذا والله نزلت(4).
64 – عن أيوب الحر قال: سمعني وأنا أقرأ {إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين}. فقال (ع): {آل محمد} كان فيها فمحوها وتركوا ما سواها(5).
65 – الطبرسي في مجمع البيان قال: وفي قراءة أهل البيت (ع) {وآل محمد على العالمين}(6).
66 – محمد بن الحسن الشيباني في (نهج البيان) وروي في قراءة أهل البيت (ع) {وآل محمد على العالمين}(7).
__________
(1) تفسير نور الثقلين 1/331، اللوامع النورانية 46، فصل الخطاب 240-241، الحدائق الناضرة للبحراني 12/402، تفسير الصافي 1/330، جواهر الكلام 16/98، تفسير العياشي 1/247.
(2) فصل الخطاب 241، التبيان 1/441، مجمع البيان للطبرسي 2/278، تفسير الصافي 1/329، تفسير جامع الجوامع 1/279، تفسير كنز الدقائق 2/62.
(3) فصل الخطاب 241.
(4) فصل الخطاب 241.
(5) فصل الخطاب 241.
(6) فصل الخطاب 241، بحار الأنوار 11/11.
(7) فصل الخطاب 241.(84/81)
67- القمي في تفسيره إنه نزل {يا مريم اقنتي لربك واركعي واسجدي مع الساجدين}(1).
68 – عن الحكم بن عيينة عن أبي جعفر (ع) في قوله تعالى {يا مريم اقنتي لربك واسجدي شكراً لله واركعي مع الراكعين}(2).
69 – السياري عن محمد بن جمهور عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) في قول الله جل ذكره: {إني رافعك إليّ ومتوفيك} هكذا نزلت(3).
70 – محمد بن الحسن الشيباني في (نهج البيان) قال: وروي في أخبارنا عن أئمتنا (ع) {إني رافعك إليّ ومتوفيك بعد نزولك على عهد القائم من آل محمد}(4).
__________
(1) تفسير القمي 1/102، فصل الخطاب 241.
(2) فصل الخطاب 241، تفسير العياشي 1/173، تفسير كنز الدقائق 2/83.
(3) فصل الخطاب 241.
(4) فصل الخطاب 241.(84/82)
71 – عن حبيب السجستاني قال: سألت أبا جعفر (ع) عن قول الله تبارك وتعالى {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه} فكيف يؤمن موسى وعيسى (ع) وينصره ولم يدركه؟ وكيف يؤمن عيسى بمحمد صلّى الله عليه وسلّم ولم يدركه؟ فقال: يا حبيب إن القرآن قد طُرح منه آي كثيرة ولم يزد فيه إلا حروف أخطأت به الكتبة وتوهمتها الرجال وهذا وهم فاقرأها {وإذ أخذ الله ميثاق أمم النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول الله مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه} هكذا أنزله الله يا حبيب، فوالله ما وفّت أمة من الأمم التي كانت قبل موسى بما أخذ عليها من الميثاق لكل نبي بعثه الله بعد نبيها، ولقد كذبت الأمة التي جاءها موسى ولم يؤمنوا به ولا نصروه إلا القليل منهم. ولقد كذبت أمة عيسى بمحمد صلّى الله عليه وسلّم ولم يؤمنوا به ولا نصروه بما جاءها إلا القليل منهم، ولقد جحدت هذه الأمة بما أخذ عليها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الميثاق لعلي بن أبي طالب (ع) يوم إقامة الناس ونصب لهم ودعاهم إلى ولايته وطاعته في حياته وأشهدهم بذلك على أنفسهم، فأي ميثاق أوكد من قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في علي بن أبي طالب (ع) فوالله ما وفوا به بل جحدوا وكذبوا(1).
71 – ابن طاووس في (سعد السعود) عن كتاب عتيق لبعض القدماء جمع فيه قراءة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والأئمة (ع)... عن يونس بن ظبيان عن أبي عبد الله (ع) {لن تنالوا البر حتى تنفقوا ما تحبون} بميم واحدة(2).
72 – السياري عن يونس بن ظبيان عن أبي عبد الله (ع) في قوله عز وجل {لن تنالوا البر حتى تنفقوا ما تحبون} هكذا فاقرأها(3).
__________
(1) تفسير العياشي 1/180، تفسير البرهان 1/295، فصل الخطاب 242.
(2) فصل الخطاب 243.
(3) تفسير العياشي 1/184، الكافي 8/183، بحار الأنوار 89/57، تفسير البرهان 1/297، فصل الخطاب 243.(84/83)
73 – عن فيض بن أبي شيبة قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: وتلا هذه الآية {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة} إلى آخر الآية.
قال: {لتؤمنن برسول الله ولتنصرن أمير المؤمنين}.
قلت: {ولتنصرن أمير المؤمنين}؟!!
قال: نعم من آدم فهلم جراً، ولا يبعث الله نبياً ولا رسولا إلا ردّ إلى الدنيا حتى يقاتل بين يدي أمير المؤمنين(1).
74 – روي عن أبي عبد الله (ع) {وأنتم مسلّمون} بالتشديد، ومعناها مستسلمون لما أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم به منقادون له(2).
75 – عن الباقر (ع) في قراءة علي (ع) وهو التنزيل الذي نزل به جبرائيل (ع) على محمد صلّى الله عليه وسلّم {ولا تموتن إلا وأنتم مسلّمون لرسول الله والإمام بعده}(3).
76 – عن الحسين بن خالد قال: قال أبو الحسن الأول: كيف تقرأ هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته إلا وأنتم مسلمون}.
ماذا؟
قلت: {مسلمون}.
فقال: سبحان الله، يوقع عليهم اسم الإيمان فيسميهم مؤمنين ثم يسألهم الإسلام والإيمان فوق الإسلام.
قلت: هكذا يُقرأ في قراءة زيد.
قال: إنما هي قراءة علي (ع) وهي التنزيل الذي نزل به جبرائيل على محمد صلّى الله عليه وسلّم {إلا وأنتم مسلّمون لرسول الله ثم الإمام من بعده}(4).
77 – الطوسي في (التبيان) وروي عن أبي عبد الله (ع) {وأنتم مسلّمون} بالتشديد ومعناه إلا وأنتم مستسلمون لما أتى به النبي صلّى الله عليه وسلّم ومنقادون له(5).
__________
(1) تفسير نور الثقلين 1/358-359، فصل الخطاب 243.
(2) تفسير نور الثقلين 1/376، فصل الخطاب 243.
(3) تفسير نور الثقلين 1/377، فصل الخطاب 243.
(4) فصل الخطاب 243، تفسير العياشي 1/193، تفسير البرهان 1/305، تفسير الصافي 1/285.
(5) فصل الخطاب 243.(84/84)
78 – عن محمد بن سليمان عن أبيه عن أبي عبد الله (ع): {وكنتم على شفا حرفة من النار فأنقذكم منها بمحمد}(1).
79 – روي عن أبي عبد الله (ع) أنه قال: {ولتكن منكم أئمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون}(2).
80 – عن بريد عن أبي جعفر (ع) في قوله: {اصبروا} يعني بذلك عن المعاصي. {وصابروا} يعني التقية. {ورابطوا} يعني على الأئمة.
ثم قال: أتدري ما معنى البدوا ما لبدنا، فإذا تحركوا فتحركوا {واتقوا الله ما لبد ربكم لعلكم تفلحون}.
قال: قلت: جعلت فداك: إنما نقرؤها: {واتقوا الله}.
قال: أنتم تقرؤونها كذا، ونحن نقرؤها كذا(3).
81 – عن حماد بن عيسى عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (ع) قال: في قراءة علي (ع): {كنتم خير أئمة أخرجت للناس}. قال: هم آل محمد صلّى الله عليه وسلّم(4).
82 – الطبرسي يروي عن أبي عبد الله (ع) {ولتكن منكم أئمة}(5).
83 – عن ابن سنان قال: قرأت عند أبي عبد الله (ع) {كنتم خير أمة أخرجت للناس}.
فقال أبو عبد الله (ع): {خير أمة} وهم يقتلون أمير المؤمنين والحسن والحسين ابني علي.
فقال القارئ: جعلت فداك كيف نزلت؟
__________
(1) تفسير العياشي 1/149، الكافي 8/183، بحار الأنوار 24/54 و89/57، تفسير نور الثقلين 1/378-389، فصل الخطاب 243، تفسير كنز الدقائق 2/188.
(2) تأويل الآيات الطاهرة 1/118-119، مجمع البيان 2/448، بحار الأنوار 24/123، تفسير البرهان 1/308، فصل الخطاب 244.
(3) تفسير العياشي 1/213-214، تفسير البرهان 1/335، بحار الأنوار 24/218، فصل الخطاب 244.
(4) تفسير العياشي 1/195، فصل الخطاب 244، بحار الأنوار 24/153.
(5) فصل الخطاب 244.(84/85)
قال: نزلت: {كنتم خير أئمة أخرجت للناس}. ألا ترى مدح الله لهم في قوله: {تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله}(1).
84 – عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال: إنما أُنزلت هذه الآية على محمد صلّى الله عليه وسلّم في الأوصياء خاصة: {أنتم خير أئمة أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر}.
هكذا والله نزل بها جبرائيل (ع). وما عنى بها إلا محمداً وأوصياءه صلوات الله عليهم(2).
85 – قرأ الباقر (ع): {أنتم خير أمة أخرجت للناس} بالألف إلى آخر الآية. نزل بها جبرائيل وما عنى بها إلا محمداً صلّى الله عليه وسلّم وعلياً والأوصياء من ولده (ع) (3).
86 – العياشي عن حمد بن عيسى عن بعض أصحابه قال: في قراءة علي (ع): {كنتم خير أئمة أخرجت للناس} قال: هم آل محمد(4).
87 – عن أبي بصير عنه (ع) أنه قال: إنما نزلت هذه الآية على محمد صلّى الله عليه وسلّم في الأوصياء خاصة فقال تعالى {أنتم خير أئمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر} هكذا والله نزل بها جبرائيل وما عنى بها إلا محمد أو أوصياؤه(5).
__________
(1) تفسير القمي 1/110، اللوامع النورانية 61، تأويل الآيات الطاهرة 1/121-122، مشارق الشموس الدرية للبحراني 127، بحار الأنوار 24/154، تفسير البرهان 1/308، نور الثقلين 1/317، فصل الخطاب 244.
(2) تفسير العياشي 1/195، تفسير الصافي، بحار الأنوار 24/153، فصل الخطاب 244.
(3) مناقب آل أبي طالب 3/170، تفسير الصافي 1/371، بحار الأنوار 24/155، فصل الخطاب 244.
(4) تفسير العياشي 1/195، فصل الخطاب 244.
(5) فصل الخطاب 244، تفسير الآصفي 1/167، تفسير العياشي 1/195، تفسير البرهان 1/309، إثبات الهداة 3/46.(84/86)
88 – ابن شهر آشوب في مناقبه عن الباقر (ع): {أنتم خير أمة} بالألف نزل بها جبرائيل وما عنى بها إلا محمد صلّى الله عليه وسلّم أو علياً والأوصياء من ولده(1).
89 – النعماني في تفسيره عن ابن عقدة... عن جابر عن الصادق عن أمير المؤمنين أنه قال: وأما ما حرّف من كتاب الله فقوله {كنتم خير أئمة} فحرّفت إلى {خير أمة}(2).
90 – السياري عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير قال: قلت {كنتم خير أمة أخرجت للناس}. فقال: لا أدري، إنما أنزلت هذه الآية على محمد صلّى الله عليه وسلّم وفي أوصياءه خاصة. فقال: {أنتم خير أئمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر}. ثم قال: نزل بها جبرائيل على محمد صلّى الله عليه وسلّم هكذا، فما عنى بها إلا محمد وأوصياؤه(3).
91 – علي بن إبراهيم في تفسيره: قوله تعالى: {ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة}. قال أبو عبد الله {ولقد نصركم الله ببدر وأنتم ضعفاء}(4).
92 – الطبرسي: وروى عن بعض الصادقين (ع) أنه قرأ {وأنتم ضعفاء}. وقال: لا يجوز وصفهم بأنهم أذلة وفيهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم(5).
93 – السياري عن ربعي عن أبي عبد الله (ع) في قوله عز وجل: {لقد نصركم الله ببدر وأنتم ضعفاء}(6).
94 – عن أبي بصير قال: قرأت عند أبي عبد الله (ع) {ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة}. فقال: مه، ليس هكذا أنزلها الله. إنما نزلت {وأنتم قليل}(7).
__________
(1) فصل الخطاب 244، تفسير العياشي 1/195، تفسير كنز الدقائق 2/200، تفسير الصافي 1/371، مناقب آل شهر آشوب 3/170.
(2) فصل الخطاب 244.
(3) فصل الخطاب 244.
(4) تفسير نور الثقلين 1/387، فصل الخطاب 245.
(5) فصل الخطاب 245.
(6) فصل الخطاب 245.
(7) تفسير العياشي 1/196، تفسير نور الثقلين 1/387، فصل الخطاب 245، بحار الأنوار 19/283، تفسير البرهان 1/310.(84/87)
95 – عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال: سأله أبي عن هذه الآية {لقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة}. قال: ليس هكذا أنزل الله، ما أذل الله رسوله قط، إنما نزلت {وأنتم قليل}(1).
96 – عن حريز عن أبي عبد الله (ع) أنه قرأ {ولقد نصركم الله ببدر وأنتم ضعفاء} وما كانوا أذلة ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيهم(2).
97 - عن الجرمي عن أبي جعفر (ع) أنه قرأ {ليس لك من الأمر شيء أن يتوب عليهم وتعذبهم فإنهم ظالمون}(3).
98 – عن محمد بن جمهور عن بعض أصحابنا قال: تلوت بين يدي أبي عبد الله (ع) هذه الآية {ليس لك من الأمر شيء}. فقال: بلى وشيء وهل الأمر كله إلا له صلّى الله عليه وسلّم، ولكنها نزلت {ليس لك من الأمر إن تبت عليهم أو تعذبهم فإنهم ظالمون} وكيف لا يكون من الأمر شيء والله عز وجل يقول {ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} وقال الله عز وجل: {من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً إن عليك إلا البلاغ}(4).
99 – النعماني عن أمير المؤمنين: وقال سبحانه في سورة آل عمران {ليس لك من الأمر أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون لآل محمد} فحذفوا آل محمد(5).
100 – عن حماد بن عيسى عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (ع): {ويتخذ منكم شهيداً}(6).
101 – عن ابن عمير عمن ذكره عن أبي عبد الله (ع) في قول الله عز وجل: {سيطوقون ما بخلوا به من الزكاة يوم القيامة}(7).
__________
(1) فصل الخطاب 245، بحار الأنوار 19/284، تفسير العياشي 1/196، تفسير البرهان 1/310.
(2) فصل الخطاب 245، بحار الأنوار 19/283، تفسير العياشي 1/196، تفسير البرهان 1/310.
(3) فصل الخطاب 246.
(4) فصل الخطاب 246.
(5) فصل الخطاب 246.
(6) فصل الخطاب 246.
(7) تفسير العياشي 1/210، تفسير البرهان 1/329، فصل الخطاب 246.(84/88)
102 – عن محمد بن يونس عن بعض أصحابنا (!!!) قال: قال لي أبو جعفر (ع): {كل نفس ذائقة الموت ومنشورة} نزل بها على محمد صلّى الله عليه وسلّم، إنه ليس من أحد من هذه الأمة إلا سيُنشر، فأما المؤمنون فيُنشرون إلى قرة عين، وأما الفجّار فيُنشرون إلى خزي الله إياهم(1).
103 – عن جابر بن يزيد عن أبي جعفر (ع) قال: ليس من مؤمن إلا وله قتلة وموتة أنه من قتل نشر ومن مات نشر حتى يقتل. ثم تلوت على أبي جعفر (ع) هذه الآية: {كل نفس ذائقة الموت}. فقال هو (ع): {ومنشورة}(2).
104 – عن جابر عن أبي عبد الله (ع) قال: {كل نفس ذائقة الموت ومنشورة}(3).
سورة النساء
105 – علي بن إبراهيم عن الصادق (ع) أنه قال: {فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمّى فآتوهن أجورهن فريضة} فهذه الآية دليل على المتعة(4).
106 – عن أبي عمير عمن ذكره (!!!) عن أبي عبيد الله (ع) قال: إنما نزلت: {فما استمعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة}(5).
107 – عن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر (ع) يقول: قال علي (ع): لولا ما سبقني به ابن الخطاب ما زنى إلا شقي. قال: ثم قرأ هذه الآية: {فما استمعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة}. قال: يقول: إذا انقطع الأجل فيما بينكما استحللتها بأجل آخر(6).
108 – عن أبي بصير عن أبي جعفر (ع) قال: كان يقرأ: {فما استمتعتم به منهم إلى أجل مسمى فآتوهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة}. قال (ع): هو أن يزوجها إلى أجل يحدث شيء بعد الأجل(7).
__________
(1) فصل الخطاب 247.
(2) فصل الخطاب 247.
(4) فصل الخطاب 247، تفسير البرهان 1/306.
(5) فصل الخطاب 247، تفسير الصافي 1/438، تفسير نور الثقلين 1/467.
(6) فصل الخطاب 248، تفسير البرهان 1/360.
(7) فصل الخطاب 248، مستدرك الوسائل 14/448، تفسير العياشي 1/234، تفسير البرهان 1/361.(84/89)
109 - عن عبد السلام عن أبي عبد الله (ع) قال: قلت له: ما القول في المتعة؟ قال: قول الله تعالى: {فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة إلى أجل مسمى ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة}. قال: قلت: جعلت فداك أهي من الأربع؟ قال: ليست من الأربع إنما هي إجارة. فقلت: أرأيت إن أراد أن يزداد أو تزداد قبل انقضاء الأجل الذي أجّل. قال: لا بأس أن يكون ذلك برضاء منه ومنها بالأجل والوقت. وقال: سيزيدها بعد ما يمضي(1).
110 – سعد بن عبد الله القمي في كتاب (ناسخ القرآن) قال: وقرأ أبو جعفر وأبو عبد الله (ع): {فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن}(2).
111 – السياري... عن جابر عن أبي عبد الله (ع) قال: نزل جبرائيل بهذه الآية على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هكذا: {يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا في علي مصدقاً لما معكم}(3).
112 – عن عمرو بن شمر عن جابر قال: قال أبو جعفر (ع): نزلت هذه الآية على محمد صلّى الله عليه وسلّم هكذا: {يا أيها الذين أتوا الكتاب آمنوا بما أنزلت في علي مصدقاً لما معكم من قبل أن نطمس وجوهاً فنردها على أدبارها أو نلعنهم - إلى مفعولاً}(4).
113 – عن منخل عن أبي عبد الله (ع) قال: نزل جبرائيل (ع) على محمد صلّى الله عليه وسلّم بهذه الآية هكذا: {يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزّلنا في علي نوراً مبيناً}(5).
__________
(1) فصل الخطاب 248، تفسير البرهان 1/361.
(2) فصل الخطاب 249، تفسير البرهان 1/373، مستدرك الوسائل 14/448.
(3) فصل الخطاب 249، تفسير البرهان 1/374، تفسير فرات الكوفي 105.
(4) فصل الخطاب 249، بحار الأنوار 9/193، تفسير كنز الدقائق 2/472.
(5) الكافي 1/417.(84/90)
114 – السياري... عن داود الرقي قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله، فقد آتينا آل إبراهيم وآل عمران وآل محمد الكتاب والحكمة وآتيناهم مُلكاً عظيماً} ثم قال: نحن والله الذين ذكرهم الله عز وجل في كتابه ونحن والله المحسودون. ثلاثاً(1).
115 – عن داود بن فرقد قال: سمعت أبا عبد الله (ع) وعنده إسماعيل ابنه يقول: {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله} الآية.
قال: فقال: الملك العظيم افترض الطاعة.
قال: {فمنهم من آمن به ومنهم من صدّ عنه}.
قال: فقلت: استغفر الله.
فقال لي إسماعيل: لِم يا داود؟
قلت: لأني كثيراً قرأتها: {ومنهم من يؤمن به ومنهم من صدّ عنه}.
قال: فقال أبو عبد الله (ع): إنما هو "فمن" هؤلاء ولد إبراهيم من آمن بهذا ومنهم من صدّ عنه(2).
116 – عن حريز عن أبي عبد الله عليه السلام قال: نزلت {فإن تنازعتم في شيء فارجعوه إلى الله وإلى رسوله وإلى أولي الأمر منكم}(3).
117 – عن بريد عن معاوية قال: كنت أبي جعفر عليه السلام فسألته عن قول الله تعالى: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}. قال فكان جوابه أن قال: {ألم تر إلى الذين أُوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت} فلان وفلان(4).
__________
(1) فصل الخطاب 250، منهاج البراعة 2/216.
(2) تفسير البرهان 1/378.
(3) فصل الخطاب 250، تفسير البرهان 1/383، تفسير القمي 1/141.
(4) أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ولعنة الله على كل من يبغضهما.(84/91)
إلى أن قال (ع): ثم قال للناس: {يا أيها الذين آمنوا (فجمع المؤمنين إلى يوم القيامة) أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم (إيانا عني خاصة) فإن خفتم تنازعاً في الأمر فارجعوه إلى الله وإلى الرسول وأولي الأمر منكم}. هكذا نزلت. وكيف يأمرهم بطاعة أولي الأمر ويرخّص لهم في منازعتهم، إنما قيل ذلك للمأمورين الذين قيل لهم {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}(1).
118 – عن العجلي عن أبي جعفر عليه السلام مثله سواء وزاده في آخره تفسير بعض الآيات(2).
119 – عن محمد بن مسلم قال: قال أبو جعفر عليه السلام: {فإن تنازعتم في شيء فارجعوه إلى الله وإلى الرسول وإلى أولي الأمر منكم}(3).
120 – السياري... عن بريد بن معاوية العجلي عن أبي جعفر عليه السلام قال: تلى: {يا أيها الذين آمنوا (فجمع المؤمنين إلى يوم القيامة) أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم (إيانا خاصة) فإن خفتم تنازعاً فارجعوه إلى الله وإلى الرسول وأولي الأمر منكم} كذا نزلت(4).
121 – السياري... عن عامر بن سعيد الجهني عن أبي جعفر عليه السلام قال: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم من آل محمد} هكذا جبرائيل(5).
__________
(1) فصل الخطاب 250، تفسير الصافي 1/465، تفسير الآصفي 1/218، تفسير الميزان 4/411، بحار الأنوار 23/289، تأويل الآيات 1/135، تفسير البرهان 1/384.
(2) فصل الخطاب 250.
(3) فصل الخطاب 250.
(4) فصل الخطاب 250.
(5) فصل الخطاب 250، تفسير البرهان 1/386.(84/92)
122 – عن بريد العجلي قال: سألت أبا جعفر (ع) عن قول الله عزّ ذكره: {إن الله يأمر وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل}. قال: إيانا عني أن يؤدي الأول إلى الإمام الذي بعده الكتب والعلم والسلام. وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل الذي في أيدكم. ثم قال للناس: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} إياك عني خاصة، أمر جميع المؤمنين إلى يوم القيامة بطاعتنا. {فإن خفتم تنازعاً في أمر فردّوه إلى الله وإلى الرسول وإلى أولي الأمر منكم}. كذا نزلت، وكيف يأمرهم الله عز وجل بطاعة ولاة الأمر ويرخّص في منازعتهم، إنما ذلك للمأمورين الذين قيل لهم أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم(1).
123 – سعد بن عبد الله القمي في كتاب (ناسخ القرآن) مما رواه عن مشايخه قال: كان أي الصادق يقرأ: {فإن تنازعتم من في شيء فارجعوه إلى الله وإلى رسوله وأولي الأمر منكم}(2).
124 – سليم بن قيس الهلالي في حديث طويل عن علي (ع) في ذكر اختلاف الأخبار وأقسام رواية إلى أن قال: فقلت: يا نبي الله ومن شركائي؟
قال: الذين قرنهم الله بنفسه وبي الذين قال في حقهم: {فإن تنازعتم التنازع في شيء فارجعوه إلى الله وإلى الرسول وأولي الأمر منكم}(3).
125 – عن أبي الحسن الأول (ع) في قول الله عز وجل: {أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنه فقد سبقت عليهم كلمة الشقاء وسبق لهم العذاب وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغاً}(4).
__________
(1) الكافي 1/276، فصل الخطاب 250.
(2) فصل الخطاب 251.
(3) فصل الخطاب 251.
(4) فصل الخطاب 252.(84/93)
وقال النوري تعليقاً على هذه الرواية: قال المجلسي في (مرآة العقول) ظاهر الخبر أن هاتين الفقرتين كانتا داخلتين في الآية، ويحتمل أن يكون عليه السلام أوردها للتفسير، أي إنما أمر الله تعالى بالإعراض عنهم لسبق كلمة الشقاء عليهم، أي علمه تعالى بشقائهم وسبق تقدير العذاب لعلمه بأنهم يصيرون أشقياء بسوء اختيارهم. قلت (النوري) ما احتمله في غاية البعد عن ظاهر السياق مع أنهما ليستا تفسيراً للموجود وكشفاً لمعناه وذكر علّة الإعراض فيهما لا يجعلهما تفسيراً له بل يجعلهما مربوطاً به، ثم قال وتركه أي قوله تعالى وعظهم الخبر، إما من النساخ أو لظهوره أو لعدمه في مصحفهم (ع)، قلت: الأول بعيد لأن العياشي والسياري أيضاً أورداه كذلك، وكذا الثاني لم يحتج إلى ذكر تمام الآية(1).
126 – السياري عن محمد بن علي عن أبي جناده مثله، إلا أن فيه عن أبي الحسن الأول عن أبيه (ع) (2).
127 – العياشي مثله(3).
128 – السياري... عن عبد السلام بن المثنّى قال: قال أبو عبد الله (ع): {يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول وظلموا آل محمد حقهم أن تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثاً}(4).
129 – عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك يا علي فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً، فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك يا علي فيما شجر بينهم "يعني فيما تعاهدوا وتعاقدوا عليه بينهم من خلافك وغصبك" ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت عليهم يا محمد على لسانك من ولايته ويسلّموا تسليماً لعلي}(5).
__________
(1) فصل الخطاب 252.
(2) فصل الخطاب 252.
(3) فصل الخطاب 252.
(4) فصل الخطاب 252.
(5) تفسير القمي 1/142، فصل الخطاب 252، تفسير الصافي 1/467، تفسير الآصفي 1/220، تفسير كنز الدقائق 2/513، منهاج البراعة 2/217، تأويل الآيات 1/132، تفسير 1/389.(84/94)
130 – عن البطائني عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) في هذه الآية: {ثم لا يجدون في أنفسهم حرجاً مما قضيت في أمر الولاية ويسلموا لله الطاعة تسليماً}(1).
131 – السياري... عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) في قوله عز وجل: {لا يجدون في أنفسهم حرجاً مما قضيت من أمر الوالي ويسلموا لله تسليماً}(2).
132 – عن جابر عن أبي جعفر (ع): {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضى محمد وآل محمد ويسلموا تسليماً}(3).
133 – عن عبد الله بن يحيى الكاهلي عن أبي عبد الله (ع) قال: سمعته يقول: والله لو أن قوماً عبدوا الله وحده لا شريك له وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وحجوا البيت وصاموا شهر رمضان ثم لم يُسلّموا لكانوا مشركين فعليهم بالتسليم، ولو أن قوماً عبدوا الله وأقاموا الصلاة وأتوا الزكاة وحجوا البيت وصاموا شهر رمضان ثم قالوا لشيء صنعه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم صنع كذا وكذا، ووجدوا ذلك في أنفسهم لكانوا بذلك مشركين، ثم قرأ: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا مما قضى محمد وآل محمد} إلى قوله {ويسلموا تسليماً}(4).
134 – السياري... عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال: {حتى يحكموا محمد وآل محمد ولا يجدوا في أنفسهم حرجاً} الآية(5).
135 – عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال: {ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم وسلموا للإمام تسليماً واخرجوا من دياركم رضاً له ما فعلوه إلا قليلاً. ولو أن أهل الخلاف فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثيبتاً}(6).
__________
(1) فصل الخطاب 252.
(2) فصل الخطاب 252.
(3) فصل الخطاب 252.
(4) فصل الخطاب 252.
(5) فصل الخطاب 253.
(6) فصل الخطاب 253، تفسير الآصفي 1/220، تفسير نور الثقلين 1/313، بحار الأنوار 23/302، تفسير البرهان 1/319.(84/95)
136 – السياري عن علي بن أسباط مثله(1).
137 – العياشي عن أبي بصير عنه (ع) مثله سواء إلا أنه ليس فيه كلمة وسلموا بعد أنفسكم(2).
138 – عن جابر عن أبي جعفر (ع): {ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به في عليّ لكان خيراً لهم}(3).
139 – عن يوسف بن بكار عن أبيه عن جعفر (ع): {ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به في علي لكان خيراً لهم}(4).
140 – عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (ع) في قوله جل وعلا: {ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فأنا قضيتها}(5).
141 – عن يونس عن الرضا (ع) في قوله تعالى: {وإن تلووا أو تعرضوا عما أُمرتم به فإن الله كان بما تعملون خبيراً}(6).
142 – عن زرارة وحمران عن أبي جعفر (ع) عن أبي عبد الله (ع) قال: {إني أوحيت إليك كما أوحيت إلى نوح والنبيين من بعده} فجمع له كل وحي(7).
143 – عن محمد الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال الله عز وجل: {إني أوحيت إليك كما أوحيت إلى نوح والنبيين من بعده}(8).
__________
(1) فصل الخطاب 253، تفسير البرهان 1/392.
(2) فصل الخطاب 253.
(3) الكافي 1/417 و424، فصل الخطاب 253، تأويل الآيات الطاهرة 1/136، تفسير الصافي 1/468، تفسير كنز الدقائق 2/519، تفسير البرهان 1/391..
(4) تفسير البرهان 1/391.
(5) فصل الخطاب 253.
(6) فصل الخطاب 253.
(7) فصل الخطاب 254.
(8) فصل الخطاب 254.(84/96)
144 – عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت أبا جعفر (ع) يقول: {لكن الله يشهد بما أنزل إليك في علي أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيداً}. قال: وسمعته يقول: نزل جبرائيل بهذه الآية هكذا: {إن الذين كفروا وظلموا آل محمد حقهم لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقاً} إلى قوله: {يسيراً}. ثم قال: {يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم في ولاية علي فآمنوا خيراً لكم فإن تكفروا بولايته فإن لله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله عليماً حكيماً}(1).
145 – عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال: إنما نزلت: {لكن الله يشهد بما أنزل إليك في علي أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيداً}(2).
146 – سعد بن عبد الله القمي في (كتاب ناسخ القرآن) مثله(3).
147 – عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت أبا جعفر (ع).. مثله(4).
148 – السياري... عن أبي حمزة الثمالي قال: قال أبو جعفر (ع) نزل جبرائيل بهذه الآية على محمد صلّى الله عليه وسلّم: {لكن الله يشهد بما أنزل إليك في علي أنزله بعلمه}(5).
149 – عن أبي حمزة عن أبي جعفر (ع) قال: نزل جبرائيل بهذه الآية هكذا: {إن الذين ظلموا آل محمد حقهم لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقاً إلا طريق جهنم}(6).
150 – العياشي عن أبي حمزة مثله(7).
__________
(1) بحار الأنوار 24/224 و35/57، و36/99، الكافي 1/424، تأويل الآيات الطاهرة 143، مشارق الشموس الدرية 128، تفسير البرهان 1/428، تفسير الصافي 1/50.
(2) تفسير القمي 1/159، فصل الخطاب 254، منهاج البراعة 2/217.
(3) فصل الخطاب 254، مشارق الشموس الدرية 128.
(4) فصل الخطاب 254.
(5) فصل الخطاب 254.
(6) فصل الخطاب 254.
(7) فصل الخطاب 254، تفسير البرهان 1/428.(84/97)
151 – سعد بن عبد الله القمي قال: قرأ أبو جعفر (ع) هذه الآية وقال: هكذا نزل بها جبرائيل على محمد صلّى الله عليه وسلّم: {إن الذين كفروا وظلموا آل محمد حقهم} إلى قوله {يسيراً}(1).
152 – السياري... عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (ع) قال: نزلت هذه الآية هكذا وذكر (ع) مثله(2).
153 – عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله (ع) في قول الله عز وجل: {إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم}(3).
154 – عن أبي حمزة عن أبي جعفر (ع) قال: نزل جبرائيل بهذه الآية هكذا: {يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم في ولاية علي فآمنوا خيراً لكم وإن تكفروا بولايته فإن لله ما في السماوات والأرض}(4).
155 – السياري... عن أبي حمزة مثله(5).
156 – عن جابر عن أبي عبد الله (ع): {يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم في علي نوراً مبيناً}(6).
157 – عن محمد بن الفضيل عن أبي جعفر (ع) قال: نزل جبرائيل بهذه الآية هكذا: {إن الذين ظلموا آل محمد حقهم لم يكن الله ليغفر لهم}(7).
158 – علي بن إبراهيم قال: وقرأ أبو عبد الله (ع): {إن الذين كفروا وظلموا آل محمد لم يكن الله ليغفر لهم}(8).
سورة المائدة
159 – عن ابن أبي عمير عن أبي جعفر الثاني (ع) في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود التي عقدت عليكم لأمير المؤمنين}(9).
160 – السياري قال: حدثني أبو عمرو الأصفهابي عن أبي جعفر (ع) في قول الله عز وجلك {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود التي عقدت عليكم لعلي بن أبي طالب}(10).
__________
(1) فصل الخطاب 254.
(2) فصل الخطاب 254.
(3) فصل الخطاب 254.
(4) فصل الخطاب 255.
(5) فصل الخطاب 255.
(6) فصل الخطاب 256.
(7) تفسير البرهان 1/428.
(8) تفسير البرهان 1/428.
(9) فصل الخطاب 256.
(10) فصل الخطاب 256.(84/98)
161 – عن عروة التميمي قال سألت أبا عبد الله (ع) عن قوله تعالى: {فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق} فقلت هكذا ومسحت من ظهر كفي إلى المرافق. فقال: ليس هكذا تنزيلها إنما هي: {فاغسلوا وجوهكم وأيديكم من المرافق} ثم أمر يده من مرفقه إلى أصابعه(1).
162 – عن علي بن رباب عن جعفر بن محمد الباقر عن آبائه (ع) إن التنزيل في مصحف أمير المؤمنين (ع): {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم من المرافق}(2).
163 – عن غالب بن الهذيل قال: سألت أبا جعفر (ع) عن قول الله عز وجل: {فامسحوا برؤوسكم وأجلكم إلى الكعبين} على الخفض هي أم على النصب؟ قال: بل هي على الخفض(3).
164 – العياشي عن غالب بن الهذيل عنه (ع) مثله، إلا أن فيه السؤال الرافع بدل النصب ويحمل على سهو النساخ(4).
165 – دعائم الإسلام للقاضي النعمان قوله تعالى: {وأرجلكم إلى الكعبين} بالكسر قراءة أهل البيت (ع) وكذلك قال أبو جعفر (ع) (5).
166 – علي بن إبراهيم القمي في أول تفسيره: وأما هو محرّف منه فهو... إلى أن قال: وقوله تعالى: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك ربك في علي} كذا نزلت(6).
167 – عن ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال: لما أمر الله تعالى نبيه أن يُنصّب أمير المؤمنين (ع) للناس في قوله تعالى: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك في علي} أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يبلغ فيه... الخبر(7).
__________
(1) فصل الخطاب 256، تفسير البرهان 1/451.
(2) فصل الخطاب 256.
(3) فصل الخطاب 256.
(4) فصل الخطاب 256.
(5) فصل الخطاب 256.
(6) فصل الخطاب 257، مشارق الشموس الدرية 1280.
(7) فصل الخطاب 257.(84/99)
168 – عن زيد الشحام قال: دخل قتادة بن دعامة على أبي جعفر (ع) وسأله عن قوله عز وجل: {ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقاً من المؤمنين}. فقال: لما أمر الله نبيه بنصب أمير المؤمنين للناس وهو قوله تعالى: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك في علي وإن لم تفعل فما بلغت رسالته} الخبر(1).
169 – الطبرسي في الاحتجاج... عن علقمة بن محمد الحضرمي عن أبي جعفر محمد بن علي (ع) أنه قال: حج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من المدينة وقد بلغ جميع الشرائع قومه غير الحج والولاية.. إلى أن قال: فلما بلغ غدير خم قبل الجحفة بثلاثة أميال أتاه جبريل على خمس ساعات من النهار بالزجر والانتهار والعصمة من الناس فقال: يا محمد إن الله عز وجل يقرئك السلام ويقول: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك في علي}... إلى أن قال بعد كلام طويل ثم تلا (ع): {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك في علي} وهو حبر طويل(2).
170 – رضي الدين بن طاووس في (كشف اليقين) عن كتاب محمد بن أبي الثلج مرسلاً(!!!) عن الصادق (ع) قال: أنزل الله عز وجل على نبيه بكرع الغيم: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك في علي وإن لم تفعل} الآية(3).
171 – الرسالة الموضحة تأليف المظفر بن جعفر بن حسين عن حمدان المعافي عن علي بن موسى الرضا عن أبيه عن جده جعفر (ع) قال: يوم غدير خم يوم عظيم شريف.. إلى أن قال: ثم أنزل الله تبارك وتعالى وعيداً وتهديداً: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك في علي} الخبر(4).
__________
(1) فصل الخطاب 257، غاية المرام لهاشم البحراني 381.
(2) الاحتجاج 1/70 و73، فصل الخطاب 258، روضة الواعظين 90.
(3) فصل الخطاب 258.
(4) فصل الخطاب 258، منهاج البراعة 2/215.(84/100)
172 – عن عيسى بن عبد الله عن أبيه عن جده في قوله تعالى: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك في علي فإن لم تفعل عذبتك عذاباً أليماً} فطرح عدوي اسم علي
(ع) (1).
173 – السياري عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه (!!!) عن أبي عبد الله (ع) في قول الله جل ذكره: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك في علي فإن لم تفعل فما بلغت رسالته}(2).
174 – عن ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال: لما أمر نبيه أن ينصب أمير المؤمنين (ع) للناس في قوله تعالى: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك في علي} الخبر(3).
175 – السياري عن محمد بن علي عن أبي جميلة عن زيد عن أبي عبد الله (ع) في قوله عز وجل: {يحكم به ذوي عدل} يعني به الإمام (ع) (4).
176 – الطبرسي: قرأ محمد بن علي الباقر وجعفر بن محمد الصادق (ع): {يحكم به ذوي عدل}(5).
177 – عن زرارة قال: سألت أبا جعفر (ع) عن قول الله: {يحكم به ذوا عدل منكم}.
قال العدل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والإمام من بعده، ثم قال: وهذا مما أخطأت به الكُتّاب(6).
178 – عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن رجل (!!!) عن أبي جعفر (ع): {لا تسألوا عن أشياء لم تبد لكم إن تبد لكم تسؤكم}(7).
__________
(1) فصل الخطاب 258.
(2) فصل الخطاب 258.
(3) فصل الخطاب 258، روضة الواعظين 92.
(4) فصل الخطاب 259.
(5) فصل الخطاب 259.
(6) فصل الخطاب 259.
(7) فصل الخطاب 259.(84/101)
179 – الفتال المعروف بابن الفارسي في "روضة الواعظين" عن أبي جعفر الباقر (ع) قال: حج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد بلّغ جميع الشرائع لقومه ما خلا الحج والولاية.. إلى أن قال: فلما بلغ غدير خم أتاه جبريل على خمس ساعات من النهار بالزجر والانتهار والعصمة من الناس، فقال: يا محمد إن الله عز وجل يقرئك السلام ويقول لك: {يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك في علي وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس}(1).
سورة الأنعام
180 – عن غيابة الأسدي قال: قرأ رجل عند أمير المؤمنين (ع): {فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون}. فقال:بلى والله لقد كذبوه أشد التكذيب ولكنها مخففة لا يكذبونك لا يأتون بباطل يكذبون به حقك(2).
181 – القمي: وقوله: {قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون} فإنها قرأت على أبي عبد الله (ع) فقال: بلى والله لقد كذّبوه أشد التكذيب وإنما نزل {لا يأتونك} أي لا يأتون بحق يُبطلون حقك(3).
182 – عن عمران بن هيثم عن أبي عبد الله (ع) قال رجل عند أمير المؤمنين (ع) وذكر مثله(4).
183 – عن علي بن أبي حمزة عن أبي عبد الله (ع) في قوله تعالى: {والله ربنا ما كنّا مشركين بولاية علي}(5).
184 – السياري عن محمد بن علي عن ابن أسباط عن ابن أبي حمزة عن أبي بصير مثله(6).
185 – عن محمد بن مروان قال: تلا أبو عبد الله (ع): {وتمت كلمة ربك الحسنى صدقاً وعدلاً لا مُبدّل لكلماته}. فقلت: جعلت فداك إنما نقرؤها: {وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً}.
فقال (ع): إن فيها الحسنى(7).
__________
(1) تفسير البرهان 1/436-438.
(2) فصل الخطاب 260.
(3) تفسير القمي 1/196.
(4) فصل الخطاب 260.
(5) فصل الخطاب 260.
(6) فصل الخطاب 260.
(7) فصل الخطاب 261.(84/102)
186 – عن أبي بصير عن أبي جعفر (ع) في قوله تعالى: {يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها}. فقال (ع): نزلت {واكتسبت في إيمانها خيراً}(1).
187 – السياري عن أخيه عن أبيه عن معلى بن عثمان عن أبي عبد الله (ع): {أو اكتسبت في إيمانها}(2).
188 – القمي: ثم حكى الله عز وجل ما يلقى أعداء آل محمد (ع) عند الموت فقال: {ولو ترى الظالمون آل محمد حقهم في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم اخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون}(3).
189 – سعد بن عبد الله الأشعري في كتاب (ناسخ القرآن ومنسوخه) أنه قرأ الباقر أو الصادق (ع): {يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو اكتسبت في إيمانها خيراً}(4).
190 – عن الصادق (ع) قال: كان علي (ع) يقرأ: {فارقوا دينهم} قال: فارق والله القوم(5).
سورة الأعراف
191 – عن أبي بصير قال: تلا أبو عبد الله (ع): {وإذا قلبت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا عائذاً بك أن تجعلنا مع القوم الظالمين}(6).
192 – عن أبي الربيع القزاز عن جابر عن أبي جعفر (ع) في قوله عز وجل: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم ومحمد رسولي وعلي أمير المؤمنين}(7).
193 – عن البرقي عن بعض أصحابه مثله إلا أنه قال: {وعلي وصيّه} تنزيل؟
قال: بلى(8).
194 – عن الخرساني معنعناً عن أبي جعفر (ع) قال: قلت له: يا ابن رسول الله متى سُمّي أمر المؤمنين؟
__________
(1) فصل الخطاب 261.
(2) فصل الخطاب 261.
(3) تفسير القمي 1/211، منهاج البراعة 2/217.
(4) فصل الخطاب 261-262.
(5) فصل الخطاب 262.
(6) فصل الخطاب 262.
(7) الكافي 1/412، فصل الخطاب 262.
(8) فصل الخطاب 262.(84/103)
فقال:إن الله تبارك وتعالى حيث أخذ ميثاق ذرية ولد آدم وذلك فيما أنزل الله على محمد صلّى الله عليه وسلّم كما قرأناه: {وإذ أخذ الله من بني آدم ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم وأن محمداً عبدي ورسولي وأن علياً أمير المؤمنين} فسماه الله أمير المؤمنين حيث أخذ ميثاق ذرية بني آدم(1).
195 – عن علي بن عتاب معنعناً عن أبي جعفر (ع) قال: لو أن الجهال من هذه الأمة يعرفون متى سُمّي أمير المؤمنين (ع) لم ينكروا أن الله تبارك وتعالى حين أخذ ميثاق ذرية آدم وذلك فيما أنزل الله على محمد صلّى الله عليه وسلّم في كتابه فنزل به جبرائيل كما قرأناه. يا جابر: ألم تسمع الله يقول: {وإذ أخذ الله من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم وأن محمداً رسولي وأن علياً أمير المؤمنين} فوالله لسمّاه أمير المؤمنين في الأظلّة حيث أخذ ميثاق ذرية آدم(2).
196 – عن جعفر بن محمد الفزازي معنعناً عن أبي جعفر (ع) قال: لو أن الجهال من هذه الأمة يعلمون متى سُمّي أمير المؤمنين لم ينكروا ولايته وطاعته.
قال: فسألته: متى سُمّي أمير المؤمنين؟
قال: حيث أخذ الله ميثاق ذرية آدم، هكذا نزل به جبرائيل على محمد صلّى الله عليه وسلّم: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم أن محمداً عبدي ورسولي وأن علياً أمير المؤمنين قالوا بلى}. ثم قال أبو جعفر (ع): والله لقد سمّاه باسم ما سُمّي به أحد قبله(3).
197 – عن جابر عن الجعفي قال: قلت: متى سُمّي علي (ع) أمير المؤمنين؟
قال: قالي لي: أو ما تقرأ القرآن؟
قال: قلت: بلى.
قال: فاقرأ.
قلت: وما أقرأ؟
قال: اقرأ: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم ومحمد رسولي وعلي أمير المؤمنين}. فثم سمّاه يا جابر أمير المؤمنين(4).
__________
(1) فصل الخطاب 263.
(2) فصل الخطاب 263.
(3) فصل الخطاب 263.
(4) فصل الخطاب 263.(84/104)
198 – السياري... عن حميد بن جابر العبدي عن أمير المؤمنين (ع) قال: تلا: {من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق الحلال قل هي للذين آمنوا}(1).
199 – عن جابر قال: قال لي أبو جعفر (ع): يا جابر لو يعلم الجُهّال متى سُمّي أمير المؤمنين علي لم ينكروا حقه؟
قال: قلت: جعلت فداك متى سمّي؟
فقال لي: قوله: {وإذ أخذ ربك من بني آدم} إلى {ألست بربكم وأن محمداً نبيكم وإن علياً أمير المؤمنين}.
قال: ثم قال لي: يا جابر: هكذا والله جاء بها محمد صلّى الله عليه وسلّم(2).
سورة الأنفال
200 – السياري... عن الثمالي عن أبي جعفر (ع) قال سألته عن قول الله عز وجل: {يسألونك عن الأنفال}.
فقال (ع): قل: {يسألونك الأنفال}(3).
201 – عن أبي عبد الله الواسطي عن أبي عبد الله (ع): {يسألونك عن الأنفال}. قال (ع): إنما هي: {يسألونك الأنفال}(4).
202 – عن أبي بصير قال: قلت لأبي جعفر (ع): {يسألونك عن الأنفال}. قال (ع): إنما هي: {يسألونك الأنفال}. قالوا يا رسول الله أعطنا من الأنفال فإنها لك خاصة فأنزل الله عز وجل: {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله ورسوله}(5).
__________
(1) فصل الخطاب 264.
(2) تفسير العياشي 2/41، بحار الأنوار 9/256، إثبات الهداة 3/545، تفسير البرهان 2/5.
(3) فصل الخطاب 265.
(4) فصل الخطاب 265.
(5) فصل الخطاب 265.(84/105)
203 – النعماني في تفسيره... عن أمير المؤمنين (ع) في كلام له (ع) في كيفية الخُمس - إلى قال - ثم إن للقائم بأمور المسلمين بعد ذلك الأنفال التي كانت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال الله تعالى: {يسألونك الأنفال} فحرّفوها وقالوا: {يسألونك عن الأنفال} وإنما سألوا عن الأنفال ليأخذوها لأنفسهم فأجابهم الله تعالى بما تقدم ذكره والدليل على ذلك قوله تعالى: {فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين} أي فالزموا الطاعة في أن لا تطلبوا ما لا تستحقونه(1).
204 – سعد بن عبد الله القمي في كتاب (ناسخ القرآن) عن مشائخه أن الصدق (ع) قرأ: {يسألونك الأنفال}(2).
205 – السياري... عن عبد الرحيم عن أبي جعفر (ع) في قول الله عز وجل: {واتقوا فتنة لتصيبن الذين ظلموا منكم خاصة}(3).
206 – السياري عن بكار عن أبيه عن حسان عن أبي جعفر (ع) هكذا نزلت هذه الآية: {يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا آماناتكم في آل محمد وأنتم تعلمون}(4).
سورة التوبة
207 – عن عبد الله بن محمد الحجال قال: كنت عند أبي الحسن الثاني ومعي الحسن بن جهم، فقال له الحسن إنهم يحتجون علينا بقول الله تبارك وتعالى: {ثاني اثنين إذ هما في الغار}.
قال: وما لهم في ذلك، فوالله لقد قال الله: {فأنزل الله سكينته على رسوله} وما ذكره بخير(5).
قال: قلت له: جعلت فداك وهكذا تقرؤونها؟
قال: هكذا قراءتها(6).
__________
(1) فصل الخطاب 265.
(2) فصل الخطاب 265.
(3) فصل الخطاب 266.
(4) فصل الخطاب 266.
(5) لأبي الثناء الألوسي كلام نفيس حول هذه الآية الكريمة رداً على الرافضة الذين حاولوا انتقاص الصدّيق رضوان الله عليه، في تفسيره "روح المعاني" ج10 ص100 وما بعدها.
(6) تفسير العياشي 2/89، فصل الخطاب 266، بحار الأنوار 19/80، تفسير البرهان 2/128.(84/106)
208 – عن زرارة قال أبو جعفر (ع): {فأنزل الله سكينته على رسوله} ألا ترى أن السكنية إنما نزلت على رسوله.
{وجعل كلمة الذين كفروا هي السفلى}.
قال: هو الكلام الذي تكلم به عتيق(1).
209 – عن ابن فضّال عن الرضا (ع): {فأنزل الله سكينته على رسوله وأيدّه بجنود لم تروها}.
قال: هكذا نقرؤها وهكذا تنزيلها(2).
210 – السياري عن حماد عن حريز عن أبي عبد الله (ع) قال: قال أبو جعفر (ع): {فأنزل الله سكينته على رسوله}.
فقلت له: {عليه}.
فقال: {على رسوله}. ألا ترى أن السكينة نزلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم(3).
211 – السياري... عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال: {ويلك} من كتاب الله(4).
212 – عن مثالب بن شهر آشوب عنهم (ع) أن الآية المذكور هكذا: {ويلك لا تحزن}(5).
213 – علي بن إبراهيم في قوله تعالى: {لقد تاب الله بالنبي على المهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة}. قال الصادق (ع): هكذا نزلت(6).
214 – الطبرسي في الاحتجاج في حديث طويل وفيه أن الصادق (ع) قرأ: {لقد تاب الله بالنبي على المهاجرين}(7).
215 – عن أبان بن تغلب قلت له: يا ابن رسول الله العامة(8) لا تقرأ كما عندك؟
قال: وكيف تقرأ يا أبان؟
قال: قلت: إنها تقرأ: {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار}.
فقال: ويلهم أي ذنب كان لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى تاب منه، إنما تاب الله به على أمته(9).
__________
(1) تفسير العياشي 2/89، فصل الخطاب 266، بحار الأنوار 19/80.
(2) فصل الخطاب 266.
(3) فصل الخطاب 266.
(4) فصل الخطاب 267.
(5) فصل الخطاب 267.
(6) تفسير القمي 1/297، فصل الخطاب 267، تفسير الصافي 2/383، نهج الإيمان 580، بحار الأنوار 21/218 و22/323.
(7) فصل الخطاب 267.
(8) يقصد أهل السنة.
(9) فصل الخطاب 267.(84/107)
216 – الطبرسي وروي أيضاً عن الرضا علي بن موسى الرضا (ع) أنه قرأ: {لقد تاب الله بالنبي على المهاجرين والأنصار}(1).
217 – سعد بن عبد الله القمي روي عن أبي الحسن الرضا (ع) أنه قال لرجل: كيف تقرأ: {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار}؟
قال: فقال: نقرؤها هكذا.
قال: ليس هكذا قال الله إنما قال: {لقد تاب الله بالنبي على المهاجرين والأنصار}(2).
218 – عن الحسين بن مياح عمن أخبره (!!!) قال: قرأ رجل عند أبي عبد الله (ع): {قل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون}.
فقال: ليس هكذا هي، إنما هي: {المأمونون}. ونحن المأمونون(3).
219 – علي بن إبراهيم قال: نزلت: {يا أيها النبي جاهد الكفار بالمنافقين}. لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يجاهد المنافقين بالسيف(4).
220 – الطبرسي وروي في قراءة أهل البيت (ع): {جاهد الكفار بالمنافقين}. قالوا (ع) لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يكن يقاتل المنافقين وإنما كان يتألفهم، لأن المنافقين لا يُظهرون الكفر وعِلم الله تعالى بكفرهم لا يُبيح قتلهم إذا كانوا يُظهرون الإيمان(5).
221 – محمد بن الحسن الشيباني في (نهج البيان) وفي قراءة أهل البيت (ع): {جاهد الكفار بالمنافقين} يعني من قتل الفريقين كان فتح(6).
222 – السياري.. عن جابر عن أبي عبد الله (ع) أنه قرأ: {وآخرون يرجون لأمر الله إما أن يُعذبهم وإما يتوب عليهم}(7).
223 – عن أبي بصير عن أبي جعفر (ع) قال: تلوت: {التائبون العابدون}.
فقال: لا، اقرأ: {التائبين العابدين} إلى آخرها. فسأل عن العلّة في ذلك.
__________
(1) فصل الخطاب 267.
(2) فصل الخطاب 267.
(3) الكافي 1/424، فصل الخطاب 267.
(4) تفسير القمي 2/377، فصل الخطاب 268، تفسير الصافي 1/358، تفسير الآصفي 1/479، تفسير نور الثقلين 2/242.
(5) فصل الخطاب 268، التبيان 5/50.
(6) فصل الخطاب 268.
(7) فصل الخطاب 268.(84/108)
فقال (ع): اشترى من المؤمنين التائبين العابدين(1).
224 – عن أبي بصير قال: سألت أبا جعفر (ع) عن قول الله عز وجل: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون} إلى آخر الآية.
فقال (ع): ذلك في الميثاق.
ثم قرأت: {التائبون العابدون}.
فقال أبو جعفر (ع): لا تقرأ هكذا ولكن اقرأ: {التائبين العابدين} إلى آخر الآية.
ثم قال: إذا رأيت هؤلاء فعند ذلك هؤلاء الذين اشترى منهم أنفسهم وأموالهم يعني الرجعة(2).
225 – عن فيض المختار قال: قال لي أبو عبد الله (ع) كيف تقرأ هذه الآية في التوبة؟ {وعلى الثلاثة الذين خُلّفوا}.
قال: قلت: خُلّفوا.
قال: لو خلّفوا لكانوا في حال طاعة.
وزاد المختار عنه (ع): لو كانوا {خلّفوا} ما كان عليهم من سبيل ولكنهم {خالفوا} عثمان وصاحباه(3) أما والله ما سمعوا صوت حافر ولا قعقعة سلاح إلا قالوا أُتينا فسلط الله عليهم الخوف حتى أصبحوا(4).
226 – علي بن إبراهيم قال: قال العالم (ع): إنما نزل (وعلى الثلاثة الذين خالفوا} ولو خُلّفوا لم يكن لهم عيب(5).
227 – عن عمر بن يزيد قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: {وعلى الثلاثة الذين خالفوا}.
ثم قال: والله لو كانوا خُلّفوا ما كان عليهم من سبيل(6).
228 – عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال: هكذا أنزل الله: {جاءكم رسول من أنفسنا عزيزٌ عليه ما عنتنا حريص علينا بالمؤمنين رؤوف رحيم}(7).
سورة يونس
__________
(1) الكافي 8/378، بحار الأنوار 89/59، فصل الخطاب 268.
(2) تفسير العياشي، فصل الخطاب 268، مختصر بصائر الدرجات 21.
(3) أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.
(4) تفسير العياشي 2/115، الكافي 8/377، بحار الأنوار 89/58، فصل الخطاب 269، تفسير البرهان 2/169.
(5) تفسير القمي 1/297، فصل الخطاب 269، بحار الأنوار 21/220.
(6) فصل الخطاب 269.
(7) الكافي 8/378، بحار الأنوار 89/59، فصل الخطاب 269.(84/109)
229 – السياري عن سهل بن زياد رفعه إلى أبي عبد الله (ع): {قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أنذرتكم به}(1).
230 – عن أبي حمزة الثمالي قال: سألت أبا جعفر (ع) عن قول الله تعالى: {ائت بقرآن غير هذا أو بدّله}.
فقال أبو جعفر (ع): ذلك قول أعداء الله(2) لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم من خلفه، وهم يرون أن الله لا يسمع قولهم لو أنه جعل إماماً غير علي أو بدّله مكانه، فقال الله رداً عليهم: {قل ما يكون أن أبدّله من تلقاء نفسي} يعني أمير المؤمنين (ع) {إن أتبع ما يوحى إليّ من ربي في علي} فذلك قوله: {ائت بقرآن غير هذا أو بدّله}(3).
231 – القمي في تفسيره: {ولو أن لكل نفس ظلمت آل محمد حقهم ما في الأرض جميعاً لافتدت به} يعني في الرجعة(4).
سورة هود
232 – عن عمار بن سويد قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول في هذه الآية: {فلعلك تارك بعض ما يُوحى إليك وضائق به صدرك} إلى قوله {أو جاء معه ملك.
قال: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما قال لعلي (ع): إني سألت ربي أن يوالي بيني وبينك، ففعل. وسألت ربي أن يؤاخي بيني وبينك ففعل، وسألت ربي أن يجعلك وصيي ففعل. فقال رجلان من قريش: والله لصاع تمر في شنّ بال أحب إلينا مما سأل محمد ربه. فهلاّ سأله مُلكاً يعضده على عدوه أو كنزاً يستيعن به على فاقته؟ والله ما دعاه إلى باطل إلا أجابه له. فأنزل الله عليه: {فلعلك تارك بعض ما يُوحى إليك وضائق به صدرك.
قال: ودعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأمير المؤمنين في آخر صلاته رافعاً بها صوته يسمع الناس يقول: اللهم هب لعلي المودّة في صدور المؤمنين، والهيبة والعظمة في صدور المنافقين.
__________
(1) فصل الخطاب 270.
(2) يقصد الصحابة رضوان الله عليهم ولعنة الله على كل من يبغضهم أو ينتقصهم.
(3) بحار الأنوار 36/139 نقلاً عن تفسير فرات الكوفي 62.
(4) تفسير القمي، الأيقاظ من الهجعة لحر العاملي 252.(84/110)
فأنزل الله: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً. فإنما يسرناه بلسانك لتُبشّر به المتقين وتُنذر به قوماً لُدّاً} بني أمية.
فقال رمع(1): والله صاع من تمر في شنّ بال أحبّ إليّ مما سأل محمد ربه، أفلا سأله مُلكاً يعضده؟ أو كنزاً يستظهر به على فاقته؟
فأنزل الله فيه عشر آيات من هود أولها: {فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك} إلى {أم يقولون افتراه ولاية علي قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات إلى: {فإن لم يستجيبوا لكم في ولاية علي فاعلموا أنما أُنزل بعلم الله وأن لا إله إلا الله هو فهل أنتم مُسلّمون لعلي ولايته. من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها} يعني فلاناً وفلاناً(2) {يوّف إليهم أعمالهم فيها. أفمن كان على بينة من ربه} رسول الله صلّى الله عليه وسلّم {ويتلوه شاهد منه} أمير المؤمنين (ع) {ومن قبله كتاب موسى إماماً ورحمة}.
قال: كان ولاية علي (ع) في كتاب موسى.
{أولئك يؤمنون به ومن يكفر من الأحزاب فالنار موعده فلا تكُ في مرية منه} في ولاية علي(3).
233 – عن أبي حمزة عن أبي جعفر (ع) وعلي بن الحسين (ع): {إلا الذين صبروا على ما صنعتم به من بعد نبيهم وعملوا الصالحات}(4).
__________
(1) عمر رضي الله عنه وأرضاه ولعن الله من يبغضه أو ينتقصه من الأولين والآخرين. ويقول المجلسي أخزاه الله تعالى ولا رحم فيه مغرز إبرة (بحار الأنوار 36/101): رمع كناية عن عمر لأنه مقلوبة.
(2) أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.
(3) تفسير العياشي 2/142، بحار الأنوار 36/100-101، تفسير البرهان 2/210.
(4) فصل الخطاب 270.(84/111)
234 – النعماني في تفسيره عن أمير المؤمنين (ع) في عداد الآيات المحرّفة قوله تعالى: {أفمن كان على بينة من ربه} يعني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم {ويتلوه شاهد منه وصيّه إماماً ورحمة ومن قبله كتاب موسى أولئك يؤمنون} فحرّفوها وقالوا: {أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماماً ورحمة} فقدّموا حرفاً على حرف فذهب معنى الآية(1).
235 – عن أبي بصير والفضيل عن أبي جعفر (ع) قال: إنما نزلت: {أفمن كان على بينة من ربه} يعني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم {ويتلوه شاهد منه إماماً ورحمة ومن قبله كتاب موسى أولئك يؤمنون به} فقدّموا وأخرّوا في التأليف(2).
236 – عن الصادق (ع) مرسلاً: إنما أُنزل: {أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه إماماً ورحمة ومن قبله كتاب موسى}(3).
237 – السياري... عن أبي يعقوب عن أبي عبد الله (ع) في قول الله جل ذكره من قائل: {أفمن كان على بينة ويتلوه شاهد منه إماماً ورحمة}.
قال أبو عبد الله (ع): فوضع هذه الحرف بين حرفين {ومن قبله كتاب موسى} وإنما هي {شاهد منه إماماً ورحمة ومن قبله كتاب موسى}(4).
238 – الشيباني في (نهج البيان) في أمثلة المُقدّم والمؤخر وكقوله تعالى: {ومن قبله كتاب موسى إماماً ورحمة} فقدّموا حرفاً بحرف في التأليف(5).
239 – سعد بن عبد الله القمي في كتاب ناسخ القرآن في باب تحريف الآيات قال: ومنه في سورة هود (ع): {أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماماً ورحمة}.
قال أبو عبد الله (ع): لا والله ما هكذا أنزلها الله إنما هو: {أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه إماماً ورحمة ومن قبله كتاب موسى}(6).
__________
(1) فصل الخطاب 270.
(2) فصل الخطاب 270.
(3) فصل الخطاب 270.
(4) فصل الخطاب 270.
(5) فصل الخطاب 270.
(6) فصل الخطاب 270.(84/112)
240 – عن علي بن أبي حمزة عن أبي عبد الله (ع) في قوله عز وجل: {إنّا رُسُل لن يصلوا إليك فاسر بأهلك بقطع من الليل مظلماً}.
ثم قال أبو عبد الله (ع) وهكذا قراءة أمير المؤمنين(ع) (1).
سورة الرعد
241 - شمس الدين محمد بن بديع الرضوي في (حبل متين) عن تفسير كازر والمولى فتح الله في سياق الآيات المحرفة.. وفي سورة الرعد: إنما نزلت: {أنت منذر لعباد وعلي لكل قوم هاد}(2).
242 – عن حمران بن أعين قال: قال لي أبو جعفر (ع) وقد قرأت (له معقبات من بين يديه ومن خلفه}.
قال: وأنتم قوم عرب أيكون المعقبات من بين يديه؟
قلت: كيف نقرؤها؟
قال: {له معقبات من خلفه ورقيب من بين يديه يحفظونه بأمر الله}(3).
243 – علي بن إبراهيم في قوله تعالى {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله} فإنها قرأت عند أبي عبد الله (ع) فقال لقاريها: ألستم عرباً؟ فكيف يكون المعقبات من بين يديه وإنما العقب من خلفه.
فقال الرجل: جعلت فداك كيف هذا؟
فقال: إنما نزلت: {له معقبات من خلفه ورقيب بين يديه يحفظونه بأمر الله} ومن ذا الذي يقدر أن يحفظ الشيء من أمر الله وهم الملائكة الموكلون بالناس(4).
244 – عن بريد العجلي قال: سمعني أبو عبد الله (ع) وأنا أقرأ: {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله}.
فقال: مه، وكيف يكون المعقبات من بين يديه إنما يكون المعقبات {من خلفه يحفظونه بأمر الله}(5).
245 – السياري عن القاسم بن عروة عن بكير بن حمران قال: تلا رجل {له معقبات من بين يديه ومن خلفه}.
__________
(1) تفسير العياشي 2/158، فصل الخطاب 271، تفسير البرهان 2/211.
(2) فصل الخطاب 273، منهاج البراعة 2/215.
(3) مناقب ابن شهر آشوب 4/197، بحار الأنوار 89/54.
(4) فصل الخطاب 274، مشارق الشموس الدرية 128، تفسير القمي 1/10، تفسير البرهان 2/283.
(5) فصل الخطاب 274، تفسير العياشي 2/205، بحار الأنوار 89/54.(84/113)
فقال: أنتم قوم عرب كيف يكون المعقبات من بين يديه - كذا - {يحفظونه بأمر الله}(1).
246 – علي بن إبراهيم: وفي رواية أبي الجارود عن جعفر (ع) {يحفظونه من أمر الله} يقول: {بأمر الله}(2).
247 – عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (ع) في قوله تعالى {يحفظونه من أمر الله}. قال: {بأمر الله}(3).
سورة إبراهيم
248 – عن حسين بن هارون شيخ من أصحاب أبي جعفر عن أبي جعفر (ع) قال: سمعته يقرأ هذه الآية: {وايتكم من كل ما سألتموه}. قال: ثم قال أبو جعفر (ع): الثوب والشيء لم يسأله إياه أعطاك(4).
249 – السياري...ع، أبي هارون المكفوف قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: {وايتكم من كل ما سألتموه}(5).
250 – علي بن إبراهيم: وأما قوله {رب اغفر لي ولوالدي}. قال: إنما نزلت: {ولولدي إسماعيل وإسحاق}(6).
251 – السياري... عن حريز عن أحدهما عليهما السلام كان يقرأ: {رب اغفر لي ولولديّ} يعني إسحاق ويعقوب(7).
252 – عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام مثله. وقال: هذا الحسن والحسين(8).
253 – عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام حججت أُناساً من المرجئة وكانوا يذكرون إسماعيل وإسحاق وأذكر الحسن والحسين عليهما السلام. فقال: أما إذ قلت ذاك، لقد قال إبراهيم: {رب اغفر لي ولولديّ}. وإن هذين لإبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم(9).
254 – سعد بن عبد الله القمي (ناسخ القرآن) مما رواه عن مشايخه عن الصادق (ع) قال: وقرأ هذه الآية: {رب اغفر لي ولولديّ} يعني إسماعيل وإسحاق(10).
__________
(1) فصل الخطاب 274.
(2) فصل الخطاب 274.
(3) فصل الخطاب 274.
(4) فصل الخطاب 274.
(5) فصل الخطاب 274.
(6) فصل الخطاب 275.
(7) فصل الخطاب 275، تفسير البرهان 2/321.
(8) فصل الخطاب 275.
(9) فصل الخطاب 275.
(10) فصل الخطاب 275، تفسير العياشي 2/234.(84/114)
255 – السياري... عن السندي عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل: {إنك تعلم ما نُخفي وما نُعلن وما يخفى على الله شأن شيء في الأرض ولا في السماء}(1).
256 – العياشي عن السندي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقرأ: {ربنا إنك تعلم} وذكر مثله(2).
257 – السياري... عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل: {فاستجبتم لي وعدلهم أن تولى فلا تلوموني ولوموا أنفسكم}(3).
258 – السياري بالإسناد السابق: {قد تبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال لكن لا تعقلون}(4).
سورة الحجر
259 – عن عبد الله بن مسكان عن كامل التمار قال: قال لي أبو عبد الله (ع): يا كامل أتدري ما قول الله عز وجل: {قد أفلح المؤمنون} إلى أن قال وزاد في غيره أنه (ع) في قول الله عز وجل: {ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلَّمين} بفتح مثقلة هكذا قرأها(5).
260 – عن أبي حمزة الثمالي عن أبي عبد الله (ع) وقال: سأله عن قول الله عز وجل: {هذا صراط عليّ مستقيم} قال: والله علي عليه السلام هو الميزان والصراط المستقيم(6).
261 – عن سلام المستنير الجعفي قال: دخلت على أبي جعفر (ع) فقلت: جعلني الله فداك إني أكره أن أشق عليك، فإن أذنت لي أن أسألك سألتك.
فقال: سلني عما شئت.
قال: فقلت: أسألك عن القرآن؟
قال: نعم.
قال: ما قول الله عز وجل في كتابه {هذا صراط عليّ مستقيم}.
قال: صراط علي بن أبي طالب (ع).
فقلت: صراط علي(7)؟
فقال: صراط علي بن أبي طالب (ع) (8).
__________
(1) فصل الخطاب 275.
(2) فصل الخطاب 275.
(3) فصل الخطاب 275.
(4) فصل الخطاب 275.
(5) فصل الخطاب 275.
(6) فصل الخطاب 276.
(7) استنكر هذا الراوي أن يكون الصراط المقصود به علي رضي الله عنه، ولكن إمامه المعصوم أكدّ له بأن القراءة الصحيحة التي يتوارثها الأئمة المعصومين كما فسّرها له.
(8) تفسير فرات الكوفي 2/225.(84/115)
262 – السياري... عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (ع): {وإن هذا صراط عليّ مستقيم}(1).
263 – عن أبي جميلة عن أبي عبد الله وأبي جعفر عن أبيه (ع) عن قوله: {هذا صراط عليّ مستقيم} قال: هو أمير المؤمنين عليه السلام(2).
264 – عن محمد بن الحسن بن إبراهيم معنعناً عن أبي جعفر (ع) عن أبي برزة قال: بينما نحن عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ قال: وأشار بيده إلى علي بن أبي طالب: {وأنّ هذا صراطي مستقيماً فاتّبعوه ولا تتبعوا السبل} إلى آخر الآية.
فقال رجل: أليس إنما يعني: الله فضّل هذا الصراط على ما سواه؟
فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: هذا جفاءك يا فلان، أما قولك: فضّل الإسلام على ما سواه فكذلك. وأما قول الله: {هذا صراطي مستقيماً} فإنّي قلت لربّي مقبلاً عن غزوة تبوك الأولى اللهم إني جعلت علياً بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي. فصدّق كلامي، وأنجز وعدي، وأذكر علياً كما ذكرت هارون، فإنّك قد ذكرت اسمه في القرآن، فقرأ آية – فأنزل تصديق قوله (وهذا صراط علي مستقيم} وهو هذا جالس عندي، فاقبلوا نصيحته، واسمعوا قوله، فإنه من يسبني سبّه الله، ومن سبّ علياً فقد سبني(3).
265 – عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (ع) قال: تلا هذه الآية هكذا: {هذا صراط عليّ مستقيم}(4).
266 – قال حسان: سألت أبا جعفر (ع) عن قول الله: {ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم}.
__________
(1) فصل الخطاب 276، الكافي 424، تأويل الآيات الطاهرة 248، تفسير البرهان 2/344، بحار الأنوار 24/17 و23.
(2) فصل الخطاب 277.
(3) بحار الأنوار 24/14-15، تفسير فرات الكوفي 137.
(4) الكافي 1/424، كنز الفوائد 124، بحار الأنوار 24/118.(84/116)
قال: ليس هكذا تنزيلها، إنما هي: {ولقد آتيناك سبع مثاني} نحن هم {والقرآن العظيم} ولد الولد(1).
سورة الإسراء
267 – على بن إبراهيم في قوله (وما جعلنا الرؤية} الآية. قال: نزلت لما رأى النبي صلّى الله عليه وسلّم في نومه كأن قروداً تصعد منبره فساءه ذلك وغمّه غمّاً شديداً فأنزل الله: {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة لهم ليعمهوا فيها والشجرة الملعونة في القرآن} كذا نزلت وهم بنو أمية(2).
268 – السياري عن حماد بن عيسى عن الحسين بن المختار عمن ذكره (!!!) قال: سمعت أبا جعفر (ع) يقرأ: {وما جعلنا الرؤية التي أريناك إلا فتنة لهم ليعمهوا فيها}(3).
269 – عن أبي حمزة عن أبي جعفر (ع) أنه قرأ: {ليعمهوا فيها}(4).
270 – عن حفص الأعور عن محمد بن مسلم قال: دخل سلام الجعفي على أبي جعفر (ع) فقال: حدثني خيثمة عن قول الله عز وجل: {وما جعلنا الرؤية التي أريناك إلا فتنة لهم ليعمهوا فيها}. فقال: صدق خيثمة(5).
271 – عن حريز عمن سمع (!!!) عن أبي جعفر (ع): {وما جعلنا الرؤية التي أريناك إلا فتنة لهم ليعمهوا فيها} يعين بني أمية(6).
272 – عن أبي حمزة عن أبي جعفر (ع): {وإن كادوا ليفتنوك عن الذي أوحينا إليك في علي}(7).
__________
(1) بحار الأنوار 24/117، تفسير البرهان 2/354، مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم 1/60.
(2) تفسير القمي 2/21، تفسير الآصفي 1/687، فصل الخطاب 280، تفسير الصافي 3/200.
(3) فصل الخطاب 280، تفسير البرهان 2/434.
(4) فصل الخطاب 280.
(5) فصل الخطاب 280.
(6) فصل الخطاب 280.
(7) فصل الخطاب 280.(84/117)
273 – عن عبد الله بن عثمان البجلي عن رجل (!!!) أن النبي صلّى الله عليه وسلّم اجتمع عنده رؤوسهما فتكلموا في علي (ع) وكان من النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يلين لهما في بعض القول فأنزل الله: {لقد كدت لتركن إليهم شيئاً قليلاً إذا لأذقناك ضعف الحياة والممات ثم لا تجد لك علينا نصيراً ثم لا تجد بعدك مثل علي ولياً}(1).
274 – عن محمد بن أبي حمزة رفعه إلى أبي جعفر (ع) قال: نزل جبرائيل على محمد صلّى الله عليه وسلّم بهذه الآية هكذا: {ولا يزيد الظالمين آل محمد حقهم إلا خساراً}(2).
275 – سعد بن عبد الله في الكتاب المذكور قال: قال أبو جعفر (ع) نزلت هذه الآية هكذا: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة ولا يزيد الظالمين آل محمد حقهم}(3).
276 – عن ابن فضيل عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد ظالمي آل محمد حقهم إلا خساراً}(4).
277 – عن عيسى بن داود عن أبي الحسن موسى عن أبيه (ع) قال: نزلت هذه الآية: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة ولا يزيد الظالمين لآل محمد إلا خساراً}(5).
278 – عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة عن أبي جعفر (ع) قال: نزل جبرائيل بهذه الآية هكذا: {فأبى أكثر الناس بولاية علي إلا كفوراً}.
قال: نزل جبرائيل بهذه الآية هكذا: {وقل الحق من ربكم في ولاية علي فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنّا أعتدنا للظالمين آل محمد ناراً}(6).
__________
(1) فصل الخطاب 280.
(2) تفسير العياشي 2/315، فصل الخطاب 281، تفسير البرهان 2/442.
(3) فصل الخطاب 281.
(4) كنز الفوائد 140، بحار الأنوار 24/225، فصل الخطاب 281، تأويل الآيات الطاهرة 290، تفسير البرهان 2/443.
(5) كنز الفوائد 140، بحار الأنوار 24/226، فصل الخطاب 281، تأويل الآيات الطاهرة 290، تفسير البرهان 2/443.
(6) الكافي 1/425، تفسير الصافي 3/216.(84/118)
279 – عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام إنه قال: {فأبى أكثر الناس بولاية علي إلا كفوراً}(1).
280 – سعد بن عبد الله القمي في الكتاب المذكور عن أبي جعفر (ع) قال: نزل جبرائيل على محمد صلّى الله عليه وسلّم: {فأبى أكثر الناس بولاية علي إلا كفوراً}(2).
281 – عن أبي حمزة عن أبي جعفر (ع) قال: نزل جبرائيل بهذه الآية هكذا: {فأبى أكثر الناس بولاية علي إلا كفوراً}(3).
سورة الكهف
282 – عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال: نزل جبرائيل بهذه الآية هكذا: {وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنّا أعتدنا للظالمين آل محمد حقهم ناراً}(4).
283 – تفسير القمي: {لقد جئناكم بالحق} يعني ولاية أمير المؤمنين (ع) {ولكن أكثركم للحق كارهون} والدليل على أن الحق ولاية أمير المؤمنين (ع) قوله: {وقل الحق من ربكم} يعني ولاية علي (ع) {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنّا أعتدنا للظالمين آل محمد حقهم ناراً}. ثم ذكر على أثرهم هذا خبرهم، وما تعاهدوا عليه في الكعبة أن لا يردّوا الأمر في أهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: {أم أبرموا أمراً فإنّا مبرمون} إلى قوله: {لديهم يكتبون}(5).
284 – علي بن إبراهيم في قوله تعالى: {وقل الحق من ربكم} الآية.
__________
(1) كنز الفوائد 140، بحار الأنوار 23/381، فصل الخطاب 281، مناقب آل طالب 2/301.
(2) فصل الخطاب 281، تفسير البرهان 2/443.
(3) فصل الخطاب 280، تفسير العياشي 2/317، تفسير البرهان 2/445، بحار الأنوار 36/105.
(4) الكافي 1/425، تفسير العياشي 2/326، بحار الأنوار 23/379 و24/221، فصل الخطاب 282، تفسير البرهان 2/465، تأويل الآيات الطاهرة 293.
(5) بحار الأنوار 36/83.(84/119)
فقال أبو عبد الله عليه السلام: نزلت هذه الآية هكذا: {وقل الحق من ربكم} يعني ولاية علي {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنّا أعتدنا للظالمين آل محمد حقهم ناراً أحاط بهم سرادقها}(1).
285 – عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قوله تعالى: {وقل الحق من ربكم فمن شاء فيؤمن ومن شاء فيكفر إنّا أعتدنا لظالمي آل محمد حقهم ناراً أحاط بهم سرادقها}(2).
286 – عن ربعي عن أبي عبد الله (ع): {وقل الحق من ربكم في ولاية أمير المؤمنين فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنّا أعتدنا للظالمين آل محمد حقهم ناراً}(3).
287 – عن عيسى بن داود عن أبي الحسن موسى بن جعفر عن أبيه (ع) في قوله تعالى: {قل الحق من ربكم في ولاية علي فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}.
قال: وقرأ إلى قوله: {أحسن عملاً}.
ثم قال: قيل للنبي صلّى الله عليه وسلّم اصدع بما تؤمر في امرأة علي (ع): {فإنه الحق من ربك فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} فجعل تركه معصية وكفراً ثم قرأ: {إنا أعتدنا للظالمين آل محمد حقهم ناراً أحاط بهم سرادقها}(4).
288 – سعد بن عبد الله القمي في كتاب (ناسخ القرآن) في عداد الآيات المحرّفة قال: قال أبو جعفر (ع) ونزل جبرائيل بهذه الآية هكذا: {وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنّا أعتدنا للظالمين آل محمد حقهم ناراً أحاط بهم سرادقها}(5).
__________
(1) تفسير القمي 2/35، بحار الأنوار 24/222، تأويل الآيات الطاهرة 293.
(2) كنز الفوائد 141، بحار الأنوار 24/226، فصل الخطاب 282، تفسير العياشي 2/326، تفسير البرهان 2/466.
(3) فصل الخطاب 282.
(4) فصل الخطاب 282.
(5) فصل الخطاب 282.(84/120)
289 – علي بن إبراهيم القمي قال: فحدثني علي بن بلال عن يونس في رواية طويلة فيها: فقال له الخضر: {هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً أما السفينة} التي فعلت بها ما فعلت فإنها كانت لقوم {مساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم} أي وراء السفينة {ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصباً} كذا نزلت، وإذا كانت السفينة معيوبة لم يأخذ منها شيئاً. {وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين} و{طبع كافراً} كذا نزلت(1).
290 – عن حريز عن أبي عبد الله (ع) أنه كان يقرأ: {وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصباً}(2).
291 – عن عبد الله بن زرارة قال: قال لي أبو عبد الله (ع) اقرأ مني على والدك السلام وقل له إنما أُعيبك دفاعاً مني عنك(3) إلى أن قال: فأحببت أن أعيبك ليحمدوا أمرك في الدين بعيبك ونقصك ويكون بذلك منا دافع شرهم عنك لقول الله عز وجل: {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصباً} هذا التنزيل من عند الله صالحة(4).
292 – عن حريز عمن ذكره (!!!) عن أحدهما (ع) أنه قرأ: {وكان أبواه مؤمنين وطبع كافراً}(5).
__________
(1) تفسير القمي 2/39، تفسير الصافي 3/256، تفسير نور الثقلين 3/283.
(2) فصل الخطاب 282، تفسير العياشي 2/335، قصص الأنبياء للجزائري 331.
(3) هذا اعتذار الصادق رحمه الله تعالى - كما تزعم هذه الرواية - لزرارة بن أعين عن الروايات التي ذمّه فيها، وإن هذه الروايات - على حد زعم الشيعة - إنما كانت عن تقية، وهي في الحقيقة دفاع عن زرارة لئلا يعتقد المخالفون لدين الشيعة أن زرارة منهم، لذا تبرأ منه ليظن المسلمون أن زرارة ليس رافضياً، فما أعجبه من دين!! والأعجب استشهاد الإمام المعصوم بالآية الكريمة.
(4) فصل الخطاب 283.
(5) فصل الخطاب 283.(84/121)
293 – عن ربعي عن أبي عبد الله (ع) قال: {كان أبواه مؤمنين وطبع كافراً}(1).
294 – عن زرارة عن أبي جعفر (ع) في قوله عز وجل: {ما فعلته يا موسى} قال: هكذا في قراءة أمير المؤمنين (ع)(2).
295 – عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباته عن أمير المؤمنين (ع) في قوله عز وجل: {أما من ظلم نفسه ولم يؤمن بربه فيعذبه بعذاب الدنيا في مرجعه فيعذبه عذاباً نكراً} وفي قوله عز وجل: {ثم اتبع ذو القرنين الشمس سبباً}(3).
296 – عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع): {هل أتبعك على أن تعلمن فما علمت رشداً}(4).
سورة طه
قال علي بن إبراهيم في قوله: {إن الساعة آتية أكاد أخفيها} قال: {من نفسي} هكذا نزلت.
قيل: كيف يُخفيها من نفسه؟
قال: جعلها من غير وقت(5).
عن ابن عمير عن غير واحد (!!!) عن أبي جعفر (ع) أنه قرأ: {إن الساعة آتية أكاد أخفيها من نفسي}.
قال: أراد أن لا يجعل لها وقتاً(6).
عن موسى بن جعفر عن أبيه (ع) في قوله تعالى: {وقد خاب من حمل ظلماً لآل محمد} هكذا نزلت(7).
عن عيسى بن داود عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال: سمعت أبي عليه السلام يقول ورجل يسأله عن قول الله عز وجل: {يومئذٍ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولاً}.
قال: لا ينال شفاعة محمد صلّى الله عليه وسلّم يوم القيامة إلا من أذن له بطاعة آل محمد ورضي له قولاً وعملاً فيهم فحيي على مودتهم ومات عليها فرضي الله قوله وعمله فيهم.
ثم قال: {وعنّت الوجوه للحيّ القيوم وقد خاب من حمل ظلماً لآل محمد} كذا نزلت.
__________
(1) فصل الخطاب 283، قصص الأنبياء لنعمة الله الجزائري 331.
(2) فصل الخطاب 283.
(3) فصل الخطاب 283.
(4) فصل الخطاب 283.
(5) تفسير القمي 2/60، تفسير الصافي 3/303، تفسير نور الثقلين 3/375.
(6) فصل الخطاب 284، اللوامع النورانية 213، تفسير البرهان 3/45.
(7) كنز الفوائد 159، بحار الأنوار 24/222، فصل الخطاب 284.(84/122)
ثم قال: {ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلماً ولا هضماً}.
قال: مؤمن بمحبة آل محمد مبغض لعدوهم(1).
عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله: {ولقد عهدنا إلى آدم من قبل كلمات في محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ذريتهم فنسي} هكذا والله أُنزلت على محمد صلّى الله عليه وسلّم(2).
سورة الحج
السياري... عن زيد بن أسامة قال: رأيت أبا عبد الله (ع) قرأ: {ليحضروا منافع لهم}(3).
عن أبي بصير (ع): {وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم في الدنيا والآخرة}(4).
عن أبي حمزة عن أبي عبد الله (ع): {هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا بولاية علي قطعت لهم ثياب من نار}(5).
عن حريز عن أبي عبد الله (ع): {وما أرسلنا قبلك من رسول ولا نبي ولا محدّث}(6).
306 - عن زرارة قال: سألت أبا جعفر (ع) عن قول الله عز وجل: {وكان رسولاً نبياً}. قلت: ما هو الرسول من النبي؟
قال: هو الذي يرى في منامه ويسمع الصوت ويعاين، ثم تلا: {وما أرسلنا من قبلك ولا نبي ولا محدّث}(7).
307 - عن الحارث البصري قال: أتانا الحكم بن عيينة قال: إن علي بن الحسين (ع) قال: إن علم عليّ (ع) كله في آية واحدة.
قال: فخرج حمران بن أعين فوجد علي بن الحسين (ع) قد قُبض. فقال لأبي جعفر (ع) إن الحكم بن عيينة حدثنا عن علي بن الحسين (ع) قال: إن علم علي (ع) كله في آية واحدة.
قال أبو جعفر: وما تدري ما هو؟
قال: قلت: لا.
__________
(1) كنز الفوائد 159، بحار الأنوار 24/258، تأويل الآيات الطاهرة 318.
(2) الأصول من الكافي 1/316، منهاج البراعة 2/216، بحار الأنوار 11/195 و24/351، فصل الخطاب 285، المناقب لابن شهر آشوب 3/102، بصائر الدرجات 71، اللوامع النورانية 213، تفسير البرهان 3/45.
(3) فصل الخطاب 286.
(4) فصل الخطاب 286.
(5) فصل الخطاب 286.
(6) فصل الخطاب 286.
(7) فصل الخطاب 286.(84/123)
قال: هو قول الله تبارك وتعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدّث}(1).
308 – عن زرارة قال: سألت أبا جعفر (ع) عن قول الله تبارك وتعالى: {وكان رسولاً نبياً} إلى أن قال: ثم تلا (ع): {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدّث}(2).
309 - عن بريد عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع) في قوله تعالى: {وما أرسلنا ولا نبي ولا محدّث}(3).
310 - عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت أبا جعفر (ع) يقول: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدّث}(4).
311 - عن سليم بن قيس الشامي أنه سمع علياً (ع) يقول: إني وأوصيائي من ولدي مهديون كلنا محدثون.. إلى أن قال سليم الشامي: سألت محمد بن أبي قلت: كان علي (ع) محدّثاً؟
قال: نعم.
قلت: وهل يحدّث الملائكة إلا الأنبياء؟
قال: أما تقرأ: {وما أرسلنا من رسول ولا نبي ولا محدّث}(5).
312 - عن إبراهيم بن محمد مثله(6).
313 - عن الحكم بن عيينة قال: دخلت على علي بن الحسين (ع) يوماً فقال لي: يا حكم هل تدري ما الآية التي كان علي بن أبي طالب (ع) يعرف بها صاحب قتله، ويعلم بها الأمور العظام التي كان يحدّث بها الناس؟
قال الحكم: فقلت في نفسي قد وقفت على علم من علم علي بن الحسين (ع) أعلم بذلك تلك الأمور العظام.
قال: فقلت: لا، والله لا أعلم به، أخبرني بها يا ابن رسول الله؟
قال: هو والله: {وما أرسلنا من قبلك ولا نبي ولا محدّث}.
فقلت: وكان علي (ع) محدّثاً؟
قال: نعم، وكل إمام منا أهل البيت فهو محدّث(7).
__________
(1) فصل الخطاب 286، اللوامع النورانية 233.
(2) فصل الخطاب 286.
(3) فصل الخطاب 287.
(4) فصل الخطاب 287.
(5) فصل الخطاب 287.
(6) فصل الخطاب 287.
(7) فصل الخطاب 287.(84/124)
314 - الكليني عن محمد بن يحيى العطار عن أحمد مثله وزاد بعد قوله ولا محدّث وكان علي بن أبي طالب (ع) محدّثاً فقال له رجل يقال له عبد الله بن زيد كان أخا علي بن الحسين (ع) لأمه: سبحان الله محدّثاً (كأنه ينكر) فأقبل علينا أبو جعفر (ع) فقال: أما والله إن ابن أمك بعد قد كان يعرف ذلك. قال: فلما قال ذلك سكت الرجل فقال: هي التي هلك فيها أبو الخطاب فلم يدر ما تأويل المحدّث والنبي(1).
315 - عن الحارث بن المغيرة قال: قال حمران بن أعين أن الحكم بن عيينة يروي عن علي بن الحسين (ع) في آية نسأله فلا يخبرنا.
قال حمران: سألت أبا جعفر (ع).
فقال: إن علياً (ع) كان بمنزلة صاحب سليمان وصاحب موسى ولم يكن نبياً ولا رسولاً. ثم قال: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدّث}.
قال: فعجب أبو جعفر (ع) (2).
316 - عن أبي عبد الله (ع) أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أصابته خصاصة، فجاء إلى رجل من الأنصار فقال له: هل عندكم طعام؟
فقال: نعم يا رسول الله.
فذبح له عناقاً وشوّاها، فلما دنى منها تمنّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يكون معه علي وفاطمة والحسن والحسين (ع)، فجاء أبو بكر وعمر ثم جاء علي فأنزل الله عليه: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدّث}.
ثم قال أبو عبد الله (ع): هكذا نزلت(3).
سورة النور
319 – السياري عن حماد عن حريز قرأ أبو عبد الله (ع): {وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً بالمتعة حتى يغنيهم الله من فضله} هكذا التنزيل(4).
320 – عن الفضيل بن يسار قال: قلت لأبي عبد الله الصادق (ع): {الله نور السماوات والأرض}.
قال: كذلك الله عز وجل.
قال: قلت: {مثل نوره}.
قال لي: محمد صلّى الله عليه وسلّم.
قلت: {كمشكاة}.
__________
(1) فصل الخطاب 287.
(2) فصل الخطاب 287.
(3) تأويل الآيات الطاهرة 348، تفسير نور الثقلين 3/615، تفسير البرهان 3/98، بحار الأنوار 17/85، تفسير العسكري 275.
(4) فصل الخطاب 291.(84/125)
قال: صدر محمد صلّى الله عليه وسلّم.
قلت: {فيها مصباح}.
قال: فيه نور العلم، يعني النبوة.
قلت: {المصباح في زجاجة}.
قال: علم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صدر إلى قلب علي (ع).
قلت: {كأنها}.
قال: لأي شيء تقرأ: كأنها.
قلت: فكيف جعلت فداك؟
قال: {كأنه كوكب دري}.
قلت: {يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية}.
قال: ذاك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) لا يهودي ولا نصراني.
قلت: {يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسه نار}.
قال: يكاد العلم يخرج من فم العالم من آل محمد صلّى الله عليه وسلّم من قبل أن ينطق به.
قلت: {نور على نور}.
قال: الإمام على أثر الإمام(1).
سورة الفرقان
321 – عن محمد بن الفضيل عن الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام أنه قرأ {وقال الظالمون لآل محمد إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً} يعنون محمداً صلّى الله عليه وسلّم، فقال الله عز وجل لرسوله: {انظر كيف ضربوا لك الأمثال فلا يستطيعون إلى ولاية علي سبيلاً} وعلي هو السبيل(2).
322 – عن أبي حمزة عن أبي جعفر (ع) قال: نزل جبرائيل بهذه الآية هكذا: {فأبى أكثر الناس بولاية علي إلا كفوراً}(3).
323 – عن جابر بن يزيد الجعفي قال: قال أبو جعفر (ع) نزل جبرائيل (ع) على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بهذه الآية هكذا: {وقال الظالمون لآل محمد حقهم إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً انظر كيف ضربوا لك الأمثال فلا يستطيعون سبيلاً} قال: إلى ولاية علي وعلي (ع) هو السبيل(4).
__________
(1) بحار الأنوار 23/306.
(2) كنز الفوائد 189، بحار الأنوار 24/24، فصل الخطاب 291، تأويل الآيات الطاهرة 371، تفسير البرهان 3/156.
(3) فصل الخطاب 292.
(4) تفسير القمي 2/111، فصل الخطاب 291.(84/126)
324 – عن جعفر بن محمد الطيار عن أبي الخطاب عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: والله ما كنّى الله في كتابه حتى قال: {يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً}. وإنما هي في مصحف علي عليه السلام: {يا ويلتا ليتني لم أتخذ الثاني خليلاً} وسيظهر يوماً(1).
325 – عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) أنه قال نزل جبرائيل بهذه الآية على محمد صلّى الله عليه وسلّم وإنها لفي مصحف علي بن أبي طالب (ع): {يا ليتني لم أتخذ زفر خليلاً}(2).
326 – عن أبي الخطاب عن أبي عبد الله (ع) أنه قال: ما كنّى الله في كتابه حتى قال: {يا طويلتي ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً} وإنما هي في مصحف علي (ع): {يا ويلتي لم أتخذ زفر خليلاً} وسيظهر يوماً(3).
327 – علي بن إبراهيم قال: قال أبو جعفر (ع) يقول: {يا ليتني اتخذت مع الرسول علياً ولياً}(4).
328 – الطبرسي في قوله تعالى {يمشون على الأرض هوناً} أي بالسكينة والوقار والطاعة غير أشرين ولا مرحين ولا متكبرين ولا مفسدين، وقال أبو عبد الله (ع): هو الرجل الذي يمشي بسجيته التي جُبل عليها لا يتكلّف ولا يتبختر. وقيل معناه: حلماء علماء لا يجهلون وإن جهل عليهم، {والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين} بأن نراهم يطيعون الله تعالى تقرّ بهم أعيننا في الدنيا بالصلاح، وفي الآخرة بالجنة، {واجعلنا للمتقين إماماً} أي اجعلنا ممن يقتدي بنا المتقون. وفي قراءة أهل البيت (ع): {واجعل لنا من المتقين إماماً}(5).
__________
(1) كنز جامع الفوائد 191، 192، تأويل الآيات الطاهرة 374، تفسير البرهان 3/162، بحار الأنوار 24/19، وقال محقّق البحار في الحاشية: يعني سيظهر ذاك المصحف يوماً، أي في أيام ظهور المهدي.
(2) فصل الخطاب 292.
(3) فصل الخطاب 292.
(4) فصل الخطاب 292.
(5) مجمع البيان للطبرسي 7/179-181، بحار الأنوار 24/132 و134 و298.(84/127)
329 – عن جعفر بن إبراهيم عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: قرئ عند أبي عبد الله عليه السلام: {والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً}.
فقال: لقد سألوا الله عظيماً أن يجعلهم للمتقين أئمة.
فقيل له: كيف هذا يا ابن رسول الله؟
قال: إنما أنزل الله: {والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعل لنا من المتقين إماماً}(1).
330 – عن أبي أيوب الخراز عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: {واجعلنا للمتقين إماماً}.
قال: لقد سألت ربك عظيماً، إنما هي {واجعل لنا من المتقين إماماً}. وإيّانا عنى بذلك(2).
سورة الشعراء
331 – على بن إبراهيم القمي قال: ثم ذكر آل محمد صلّى الله عليه وسلّم وشيعتهم المهتدين فقال: {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعد ما ظلموا} ثم ذكر أعدائهم ومن ظلمهم فقال: {وسيعلم الذين ظلموا آل محمد حقهم أي منقلبين ينقلبون} هكذا والله نزلت(3).
332 – السياري عن البرقي عن بعض أصحاب (!!!) عن أبي عبد الله (ع) في قوله جل ثناؤه: {وسيعلم الذين ظلموا آل محمد أي منقلب يقلبون}(4).
333 – الطبرسي في (الجوامع) عن الصادق أنه قرأ: {وسيعلم ظلموا آل محمد حقهم أي منقلب ينقلبون}(5).
سورة الأحزاب
__________
(1) تفسير القمي 1/10 و2/117، بحار الأنوار 24/134، فصل الخطاب 293.
(2) كنز الفوائد 214، مشارق الشموس الدرية 127، بحار الأنوار 24/135، تأويل الآيات الطاهرة 384، تفسير البرهان 3/177.
(3) تفسير القمي 2/125، مشارق الشموس الدرية 128، منهاج البراعة 2/215.
(4) فصل الخطاب 294.
(5) فصل الخطاب 294.(84/128)
334 - علي بن إبراهيم في قوله تعالى: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم} قال: نزلت {وهو أب لهم وأزواجه أمهاتهم} فجعل الله المؤمنين أولاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجعل رسول الله أباهم لمن لم يقدر أن صون نفسه وليس على نفسه ولاية فجعل الله تبارك وتعالى لنبيه صلّى الله عليه وسلّم الولاية على المؤمنين من أنفسهم(1).
335 - عن أبي الصامت عن أبي عبد الله (ع) قال: أكبر الكبائر سبع.. إلى أن قال: وأما عقوق الوالدين فإن الله عز وجل قال في كتابه: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم} فعقوه في ذريته(2).
336 - عن الميداني عن أبي عبد الله (ع) في قوله عز وجل: {وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم}(3).
بحار الأنوار 22/200 و431، فصل الخطاب 295.
337 - الصفار عن علي بن إبراهيم بن هاشم عن القاسم بن الربيع عن محمد بن سنان عن صباح عن المفضل مثله.
فصل الخطاب 296.
338 - سعد بن عبد الله القمي في كتاب (ناسخ القرآن) قال: وقرأ الصادق (ع): {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم}.
فصل الخطاب 2/216، فصل الخطاب 296.
339 – علي بن إبراهيم في قوله تعالى: {ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا وكفى الله المؤمنين القتال بعلي بن أبي طالب وكان الله قوياً عزيزاً}.
فصل الخطاب 296.
340 – السياري عن جعفر بن محمد عن المدائني عن أبي عبد الله (ع) في قوله تعالى: {وكفى الله المؤمنين القتال بعلي بن أبي طالب}.
فصل الخطاب 296.
341 – عن يونس عن أبي حمزة عن فيض المختار قال: سئل أبو عبد الله (ع) عن القرآن، فقال: فيه الأعاجيب من قوله عز وجل: {وكفى الله المؤمنين القتال بعلي بن أبي طالب}.
فصل الخطاب 296.
__________
(1) تفسير القمي 2/175.
(2) بحار الأنوار 36/14، فصل الخطاب 295.
(3) بحار الأنوار 22/200 و431، فصل الخطاب 295.(84/129)
342 – عن فيض بن مختار عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قرأ: {إن علياً للهدى. وإن له الآخرة والأولى}. وذلك حين سئل عن القرآن.
قال: فيه الأعاجيب.
فيه: {وكفى الله المؤمنين القتال بعلي}.
وفيه: {إن علياً للهدى. وإن له الآخرة والأولى}.
بحار الأنوار 24/398.
343 – عن محمد بن مروان رفعه إليهم صلوات الله عليهم في قول الله عز وجل: {وما كان لكم أن تؤذوا رسول في علي والأئمة كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا}.
الكافي 1/414، تفسير القمي، تفسير البرهان 3/337 و339، تأويل الآيات الطاهرة 468، بحار الأنوار 13/12، 23/302، فصل الخطاب 296، مناقب ابن شهر آشوب 3/13.
344 عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: {ومن يطع لله ورسوله في ولاية علي والأئمة من بعده فقد فاز فوزاً عظيماً}.
تأويل الآيات الطاهرة 469، الكافي 1/414، تفسير البرهان 3/340، بحار الأنوار 23/301 و303.
345 – عن محمد بن مروان رفعه إليه (ع) (!!!) فقال: {يا أيها الذين آمنوا لا تؤذوا رسول الله في علي والأئمة كما آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا}.
تفسير القمي 2/197، الكافي 1/412، بحار الأنوار 23/302.
346 – عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) في قوله: {ومن يطع الله ورسوله في ولاية علي والأئمة من بعده فقد فاز فوزاً عظيماً} هكذا نزلت والله.
تفسير القمي 1/54-55، فصل الخطاب 296، تفسير الصافي 4/206، تفسير نور الثقلين 4/309، بحار الأنوار 23/301.
سورة سبأ(84/130)
347 – علي بن إبراهيم القمي: لما أوحى الله إلى سليمان إنك ميت أمر الشياطين أن يتخذوا له بيتاً من قوارير ووضعوه في لجّة البحر، ودخله سليمان (ع) فاتكأ على عصا هو كان يقرأ الزبور، والشياطين حوله ينظرون إليه ولا يجسرون أن يبرحوا. فينا هو كذلك إذ حان منه التفاته فإذا هو برجل معه في القبة، ففزع منه سليمان. فقال له: من أنت؟ فقال له: أن الذي لا أقبل الرشى ولا أهاب الملوك. فقبضه وهو متكأ على عصاه سنة. والجن يعملون له ولا يعلمون بموته، حتى بعث الله الأرضة فأكلت منسأته {فلما خر على وجهه تبينت الإنس أن لو كانوا (أي الجن) يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين} هكذا نزلت هذه الآية(1).
أقول: هذه الرواية طعنٌ صريح في نبي الله سليمان عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، حيث صوّرت هذه الرواية الموضوعة نبي الله سليمان عليه السلام بصورة الإنسان الخائف من لقاء الله تعالى، ولماذا يخاف سليمان عليه السلام من الموت؟ هل عصى الله تعالى ويخشى عذابه أم رغبته في الاستمتاع بهذه الحياة وبهرجها وزينتها والمُلك الذي آتاه الله تعالى، ونعتقد ويعتقد كل مسلم أن سليمان عليه السلام جعل المُلك وسيلة وأداة لتحكيم شرع الله تعالى ولم يتخذ المُلك وسيلة لإشباع شهواته ونزواته، ولا أدري ما الفرق بين عقيدة الرافضة في هذا النبي الكريم وبين عقيدة اليهود الذين تطاولوا على هذا النبي عليه السلام، ولكن العجب يزول حينما نعلم علم اليقين بعد – البحث والتمحيص – أن التشيع هو الابن البار لليهودية ومن شابه أباه فما ظلم، والأنبياء عليهم السلام من أشد الخلق فرحاً واستبشاراً بهذا اللقاء الذي يُريحهم من عناء هذه الدنيا الزائلة، والمؤمن يعلم علم اليقين أنه لا مفر من الموت ولو كان في بروج مشيّدة وأينما كان فلابد أن الموت مُدركه ولكن أنّى للرافضة أن يعقلوا هذا.
__________
(1) تفسير القمي 2/199-200، التبيان في تفسير القرآن 8/384، فصل الخطاب 297.(84/131)
348 – علي بن موسى الرضا عليه السلام، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد عليه السلام قال: إن سليمان بن داود عليه السلام قال ذات يوم لأصحابه: إن الله تبارك وتعالى قد وهب لي مُلكاً لا ينبغي لأحد من بعدي، سخر لي الريح والجن والطير والوحوش، وعلمني منطق الطير، وآتاني من كل شيء، ومع جميع ما أوتيت من الملك ما تم لي سرور يوم إلى الليل، وقد أحببت أن أدخل قصري في غد فأصعد أعلاه وأنظر إلى ممالكي فلا تأذنوا لأحد علي لئلا يرد علي ما ينغص علي يومي. قالوا: نعم، فلما كان من الغد أخذ عصاه بيده وصعد إلى أعلى موضع من قصره، ووقف متكئاً على عصاه ينظر إلى ممالكه مسروراً بما أوتي فرحاً بما أعطي إذ نظر إلى شاب حسن الوجه واللباس قد خرج عليه من بعض زوايا قصره، فلما بصر به سليمان عليه السلام قال له: من أدخلك إلى هذا القصر وقد أردت أن أخلو فيه اليوم؟ فبإذن من دخلت؟ فقال الشاب: أدخلني هذا القصر ربه وبإذنه دخلت، فقال: ربه أحق به مني، فمن أنت؟ قال: أنا ملك الموت، قال: وفيما جئت؟ قال: جئت لأقبض روحك، قال: امض لما أمرت به فهذا يوم سروري، وأبى الله عز وجل أن يكون لي سرور دون لقائه، فقبض ملك الموت روحه وهو متكئ على عصاه، فبقي سليمان عليه السلام متكئاً على عصاه وهو ميت ما شاء الله والناس ينظرون إليه وهم يقدرون أنه حي فافتتنوا فيه واختلفوا فمنهم من قال: إن سليمان عليه السلام قد بقي متكئاً على عصاه هذه الأيام الكثيرة ولم يتعب ولم ينم ولم يأكل ولم يشرب، إنه لربنا الذي يجب علينا أن نعبده، وقال قوم: إن سليمان عليه السلام ساحر وإنه يرينا أنه واقف متكئ على عصاه، يسحر أعيننا وليس كذلك، فقال المؤمنون: إن سليمان عز وجل هو عبد الله ونبيه يدبر الله أمره بما شاء، فلما اختلفوا بعث الله عز وجل أرضة فدبت في عصاه، فلما أكلت جوفها انكسرت العصا وخر سليمان عليه السلام من قصره على وجهه، فشكرت الجن الأرضة صنيعها، فلأجل ذلك(84/132)
لا توجد الأرضة في مكان إلا وعندها ماء وطين، وذلك قول الله عز وجل: "فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته" يعني عصاه "فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين" ثم قال الصادق عليه السلام: والله ما نزلت هذه الآية هكذا، وإنما نزلت: "فلما خر تبينت الإنس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في ا لعذاب المهين"(1).
349 – عن ابن أبي عمير مثله إلى قوله: وهي العصا {فلما خر تبينت الإنس أن لو كان الجن يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين} فالجن تشكر الأرضة بما عملت بعصا سليمان، قال: فلا تكاد تراها في مكان إلا وعندها ماء وطين، فلما هلك سليمان عليه السلام وضع إبليس السحر وكتبه في كتاب، ثم طواه وكتب على ظهره: هذا ما وضع آصف بن برخيا للملك سليمان بن داود من ذخائر كنوز العلم، من أراد كذا وكذا فليفعل كذا وكذا، ثم دفنه تحت السرير، ثم استشاره لهم فقرؤوه فقال الكافرون: ما كان سليمان يغلبنا إلا بهذا، وقال المؤمنون: بل هو عبد الله ونبيه، فقال جل ذكره: {واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر}(2).
350 – عن موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد (ع): والله ما نزلت هذه الآية هكذا وإنما نزلت: {فلما خر تبينت الإنس أن الجن لو كانوا} الآية(3).
351 – السياري... عن حريز عن أبي عبد الله وأبي جعفر (ع) في قوله عز وجل: {فلما خر تبينت الإنس أن الجن لو كانوا} الآية(4).
352 – سعد بن عبد الله القمي في كتاب (ناسخ القرآن) قال: وقرأ رجل على أبي عبد الله (ع): {فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين}.
فقال أبو عبد الله (ع): الجن يعلمون الغيب!! إنهم لا يعلمون الغيب.
__________
(1) بحار الأنوار 14/136-137.
(2) بحار الأنوار 14/138.
(3) فصل الخطاب 297.
(4) فصل الخطاب 297.(84/133)
فقال الرجل: فكيف هي؟
فقال: إنما أنزل الله: {فلما خر تبينت الإنس أن لو كان الجن يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين}(1).
سورة يس
353 – عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) في قول الله عز وجل: {يقولون متى هذا الوعد يا محمد إن كنتم صادقين}(2).
354 – وبالإسناد: {وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم من ولاية الطواغيت فلا تتبعوهم لعلكم ترحمون}(3).
355 – السياري بالإسناد: {اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون في الحياة الدنيا}(4).
سورة ص
356 – عن أبي خالد عن أبي عبد الله (ع): {عطاؤنا فأمسك أو أعط بغير حساب}(5).
357 – عن عبد الرحمن القصير قال: سمعت أبا جعفر (ع) يقرأ: {هذا عطاؤنا فأمسك أو أعط بغير حساب}(6).
358 – عن عبد الله بن سليمان عن أبي عبد الله (ع) في حديث قال (ع) في آخره: {هذا عطاؤنا فأمسك أو أعطه بغير حساب} وهكذا في قراءة علي (ع)(7).
359 – عن عيسى بن هشام عن سليمان عنه (ع) مثله(8).
360 – عن أبي عبيدة الحارثي عن أبي عبد الله (ع) قوله تعالى: {هذا عطاؤنا فامنن أو أعطه بغير حساب}.
قلت: {أو أعطه}؟
قال: نعم(9).
361 – عن سدير عن أبي عبد الله (ع) قال: {هو بناء عظيم في صدور الذين أوتوا العلم أنتم عنه معرضون}(10).
سورة غافر
365 – عن زيد بن الحسين قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن قول الله عز وجل: {ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين}. فأجابهم الله تعالى: {ذلك بأنه إذا دُعي الله وحده وأهل الولاية} فقال: كفرتم.. (11).
__________
(1) فصل الخطاب 297.
(2) فصل الخطاب 298.
(3) فصل الخطاب 298.
(4) فصل الخطاب 298.
(5) فصل الخطاب 300.
(6) فصل الخطاب 301.
(7) الكافي 1/438، فصل الخطاب 301.
(8) فصل الخطاب 301.
(9) فصل الخطاب 301.
(10) فصل الخطاب 301.
(11) تفسير البرهان 4/94، تأويل الآيات الطاهرة، فصل الخطاب 302.(84/134)
366 – عن الوليد بن صبيح عن أبي عبد الله (ع): {ذلك بأنه إذا دُعي الله وحده وأهل الولاية كفرتم}(1).
سورة فصلت
367 – عن الحسين بن علي بن أحمد العلوي قال: بلغني (!!!) عن أبي عبد الله (ع) أنه قال لداود الرقي أينال السماء؟ فوالله إن أرواحنا وأرواح النبيين لتتناول العرش كل ليلة جمعة. يا داود قرأ أبي محمد بن علي حم السجدة حتى بلغ فهم لا يسمعون.
ثم قال: نزل جبرائيل (ع) على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأن الإمام بعده علي (ع). ثم قال (ع): {حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصّلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعلمون} حتى بلغ: {فأعرض أكثرهم عن ولاية علي فهم لا يسمعون وقالوا قلوبنا في أكنّة مما تدعونا إليه وفي آذننا وقرٌ ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إنا عاملون}(2).
368 – عن جابر قال: قلت لمحمد بن علي (ع) قول الله في كتابه: {إن الذين آمنوا ثم كفروا}.
قال: هما الأول والثاني والثالث والرابع(3) وعبد الرحمن وطلحة وكانوا سبعة عشر رجلاً.
قال: لما وجّه النبي صلّى الله عليه وسلّم علي بن أبي طالب (ع) وعمار بن ياسر رحمه الله إلى مكة وفي مكة صناديدها وكانوا يسمون علياً الصبي لقول الله: {ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وهو صبي وقال إنني من المسلمين}(4).
369 – عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع): {فلنذيقن الذين كفروا بتركهم ولاية علي بن أبي طالب عذاباً شديداً في الدنيا ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون}(5).
سورة الشورى
__________
(1) الكافي 1/421، تفسير البرهان 4/94، فصل الخطاب 302، بحار الأنوار 36/144.
(2) تفسير البرهان 4/106، فصل الخطاب 302.
(3) أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية رضي الله عنهم ولعنة الله على كل من يبغضهم.
(4) تفسير البرهان 4/111، فصل الخطاب 303.
(5) الكافي 1/421، فصل الخطاب 303.(84/135)
370 – عن علي بن مهزيار عن بعض أصحابنا (!!!) عن أبي عبد الله (ع) في قول الله: {أن أقيموا الدين} قال الإمام: ولا تفرقوا فيه كناية عن أمير المؤمنين (ع) ثم قال: {كبر على المشركين ما تدعوهم إليه من ولاية علي}(1).
371 – عن محمد بن سنان عن الرضا (ع) في قول الله عز وجل: {كبر على المشركين بولاية علي ما تدعوهم إليه يا محمد من ولاية علي} هكذا في الكتاب مخطوطة(2).
372 – عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (ع) في قوله عز وجل {والملائكة حول العرش يسبحون بحمد ربهم ولا يفترون ويستغفرون لمن في الأرض من المؤمنين}.
قلت: ما هذا جعلت فداك؟
قال: هذا من القرآن كما أنزل على محمد صلّى الله عليه وسلّم بخط علي (ع).
قلت: إنا نقرأ: {ويستغفرون لمن في الأرض}.
قال: ففي الأرض من اليهود والنصارى والمجوس وعبدة الأوثان، أفترى أن حملة العرش يستغفرون لها(3).
373 – الطبرسي في (الجوامع) عن الصادق (ع): {ويستغفرون لمن في الأرض من المؤمنين}(4).
374 – علي بن إبراهيم: {ولكن يُدخل من يشاء في رحمته والظالمون لآل محمد حقهم ما لهم من ولي ولا نصير}(5).
375 – عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام أنه قرأ {وترى ظالمي آل محمد حقهم لما رأوا العذاب} وعلي هو العذاب {يقولون هل إلى مرد من سبيل}(6).
376 – علي بن إبراهيم: قوله {وترى الظالمين لآل محمد حقهم لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مرد من سبيل} أي الدنيا.
تفسير البرهان 4/129، الأيقاظ من الهجعة 258، فصل الخطاب 303.
377 – عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: {ولن ينفعكم إذ ظلمتم آل محمد حقهم أنكم في العذاب مشتركون}(7).
__________
(1) تفسير البرهان 4/120، فصل الخطاب 303.
(2) الكافي 1/418.
(3) فصل الخطاب 303.
(4) فصل الخطاب 303.
(5) فصل الخطاب 303.
(6) كنز الفوائد 287، بحار الأنوار 24/229، فصل الخطاب 303.
(7) كنز الفوائد 287، بحار الأنوار 24/230.(84/136)
378 – عن عبد الغفار الحارثي عن أبي عبد الله (ع) قال: إن الله عز وجل قال لنبيه صلّى الله عليه وسلّم: {ولقد وصيناك بما وصينا به آدم ونوحاً وإبراهيم وموسى وعيسى والنبيين من قبلك أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه من تولية علي بن أبي طالب}(1).
379 – علي بن إبراهيم: ثم قال: {ترى الظالمين لآل محمد حقهم مشفقين مما كسبوا} قال: خائفون مما ارتكبوا(2).
380 – عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (ع) قال: سمعته يقول: {ولمن انتصر بعد ظلمه} إلى أن قال: {وترى الظالمين لآل محمد حقهم لما رأوا العذاب} إلى أن قال: {خاشعين من الذل لعلي ينظرون إلى علي من طرف خفي}(3).
سورة الزخرف
381 – عن حمّاد السندي عن أبي عبد الله (ع) وقد سأله سائل عن قول الله عز وجل: {وإنّه في أمّ الكتاب لدينا لعليّ حكيم}. قال: هو أمير المؤمنين (ع).
تأويل الآيات الطاهرة 552، تفسير البرهان 4/135، بحار الأنوار 23/210.
382 – وجاء في دعاء يوم الغدير: وأشهد أنه الإمام الهادي الرشيد أمير المؤمنين الذي ذكرته في كتابك. فإنك قلت: {وإنّه في أمّ الكتاب لعليّ حكيم}.
تأويل الآيات الطاهرة 553، إقبال الأعمال 477، بحار الأنوار 98/304.
383 – عن أبي القاسم عن أبي عبد الله (ع): {لولا أن يكون الناس أمة واحدة كفاراً لجعلنا لمن يكفر بالرحمن} ثم قال: والله لو فعل الله عز وجل لفعلوا(4).
384 – عن جابر عن أبي جعفر (ع) قال: {ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم آل محمد حقهم أنكم في العذاب مشتركون}(5).
__________
(1) فصل الخطاب 303.
(2) فصل الخطاب 303.
(3) فص الخطاب 304.
(4) فصل الخطاب 304.
(5) تأويل الآيات الطاهرة 557، تفسير البرهان 4/143، بحار الأنوار 24/230، 36/153، فصل الخطاب 304.(84/137)
385 – عن محمد بن علي عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: إني لأدناهم من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حجة الوداع. فقال: لأعرفنكم ترجعون بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض، وأيم الله لئن فعلتموها لتعرفني في الكتيبة التي تضاربكم.
ثم التفت إلى خلفه أو على أو على أو على ثلاثاً فرأينا أن جبرائيل (ع) غمزه وأنزل الله عز وجل: {فإما نذهبن بك فإنّا منهم منتقمون بعلي أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون}.
ثم نزلت: {قل رب إما تريني ما يوعدون رب فلا تجعلني في القوم الظالمين وإنا على أن نرينك ما نعدهم لقادرون ادفع بالتي هي أحسن السيئة}.
ثم نزلت: {فاستمسك بالذي أوحي إليك من أمر علي بن أبي طالب إنك على صراط مستقيم وإن علياً لعلم الساعة ولسوف تسئلون عن محبة علي بن أبي طالب}(1).
386 – عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (ع) قال: نزلت هاتان الآيتان هكذا قول الله: {حتى إذا جاءنا} يعني فلاناً وفلاناً(2) يقول أحدهما لصاحبه حين يراه {يا ليت بين وبينك بُعد المشرقين فبئس القرين}.
ثم قال الله لنبيه قل لفلان وفلان وأتباعهما: {لن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم آل محمد حقهم إنكم في العذاب مشتركون}.
ثم قال الله لنبيه صلّى الله عليه وسلّم: {أفأنت تُسمع الصم أو تهدي العمي ومن كان في ضلال مبين فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون} يعني من فلان وفلان وأتباعهما.
ثم أوحى الله إلى نبيه: {فاستمسك بالذي أوحي إليك في علي إنك على صراط مستقيم}. يعني أنك على ولاية علي وعلي هو الصراط المستقيم(3).
__________
(1) الأمالي للطوسي 373، تفسير البرهان 4/144.
(2) أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.
(3) تفسير القمي 2/289، تفسير البرهان 4/145، فصل الخطاب 304.(84/138)
387 – عن إبراهيم بن علي بن جناح عن الحسن بن علي بن محمد بن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه (ع) أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نظر إلى علي (ع) وأصحابه حوله وهو مُقبل، فقال صلّى الله عليه وسلّم: أما إن فيك شبهاً من عيسى بن مريم، ولولا مخافة أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم(1) لقلت اليوم فيك مقالاً لا تمرّ بملأ من الناس إلا أخذوا من تحت قدميك التراب يبتغون البركة(2).
فغضب من كان حوله وتشاوروا فيما بينهم وقالوا: لم يرضَ محمد إلا أن جعل ابن عمه مثلاً لبني إسرائيل! فأنزل الله جل اسمه: {ولما ضرب ابن مريم مثلاً إذا قومك منه يصدون وقالوا آلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلاً بل هو قوم خصمون إن هو إلا عبدٌ أنعمنا عليه وجعلناه مثلاً لبني إسرائيل ولو نشاء لجعلنا من بني هاشم ملائكة في الأرض يخلفون}؟
__________
(1) أعتقد أن ما قالته الرافضة في علي رضي الله عنه يفوق كثيراً ما قالته النصارى في المسيح عليه السلام وكتب الرافضة خير دليل وبرهان، ولولا خشية الإطالة لذلك ذلك مدعماً بالأدلة، ولاشك أن النصارى أفضل حالاً من الرافضة لاسيما في موقفهم منم الحواريين، فهم يعدّون الحواريين أفضل سلفهم بينما ترى الرافضة أن أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شر سلف هذه الأمة، ولا ضير في ذلك فإن الرافضة لا سلف لهم إلا الكذابين والدجاجلة بينما نحن نعتز بالصدّيق والفاروق وبذي النورين وبأهل البيت وسيف الله المسلول وعمر بن العاص ومعاوية وغيرهم من سلف هذه الأمة رضوان الله عليهم أجمعين.
(2) رغم أن هذه الرواية موضوعة إلا أن بعض مضامينها ينطبق على الرافضة، والرافضة تقدّس تُربة كربلاء وترى فيها الشفاء بل يُستحب عندهم أكل التربة لأن لها مفعول سحري لا يُمكن أن يوصف، وانظر كتاب (الرافضة وتفضيل زيارة الحسين على حج بيت الله الحرام) للدكتور عبد المنعم السامرائي للاستزادة حول موضوع التربة.(84/139)
قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ليس في القرآن بني هاشم؟ قالا: مُحيت والله فيما محي(1).
سورة الجاثية
388 – عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال: قلت: {هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق}.
قال له: إن الكتاب لم ينطق ولكن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو الناطق بالكتاب، قال الله: {هذا كتابنا يُنطق عليك بالحق}.
فقلت: إنا لا نقرأها هكذا؟
قال: هكذا والله نزل بها جبرائيل على محمد ولكنه فيما حُرّف من كتاب الله(2).
سورة الأحقاف
389 – عن أحمد بن النضر عن أبي مريم عن بعض أصحابنا (!!!) رفعه إلى أبي جعفر وأبي عبد الله (ع) قالا: لما نزلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: {قل ما كنتُ بدعاً من الرسل وما أدري ما يُفعل بي ولا بكم} يعني في حروبه.
قالت قريش: فعلى ما نتبعه وهو لا يدري ما يُفعل به ولا بنا؟ فأنزل الله: {إنّا فتحنا لك فتحاً مبيناً}.
فقال: وقوله: {إن أتبع إلا ما يُوحى إليّ في علي} هكذا نزلت(3).
سورة محمد صلّى الله عليه وسلّم
390 – عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نُزّل على محمد في علي وهو الحق من ربهم كفّر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم} هكذا نزلت.
تفسير القمي 2/301، تفسير البرهان 4/180، تأويل الآيات الطاهرة 583، بحار الأنوار 36/86، فصل الخطاب 306، تفسير الصافي 5/21، تفسير الآصفي 2/1171، تفسير نور الثقلين 5/27.
__________
(1) تأويل الآيات الطاهرة 568-569، تفسير البرهان 4/151، بحار الأنوار 35/315.
(2) تفسير القمي 2/295، تفسير الصافي 5/8-9، تفسير الآصفي 2/1162، تفسير نور الثقلين ج5 ص5.
(3) تأويل الآيات الطاهرة 578، تفسير البرهان 4/172، بحار الأنوار 24/320، فصل الخطاب 305، تفسير فرات الكوفي 177.(84/140)
391 – عن أبي حمزة عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: قوله تعالى: {ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله في علي فأحبط أعمالهم}(1).
392 – عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال: نزل جبرائيل على محمد بهذه الآية هكذا: {ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله في علي (إلا أنه كشط الاسم) فأحبط أعمالهم}(2).
قال جابر: ثم قال أبو جعفر عليه السلام: نزل جبرائيل بهذه الآية على محمد صلّى الله عليه وسلّم هكذا: {ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله في علي فأحبط أعمالهم}(3).
393 – القمي: حدثني أبي عن بعض أصحابنا (!!!) عن أبي عبد الله (ع) قال: في سورة محمد آية فينا وآية في عدوّنا.
والدليل على ذلك قوله: {كذلك يضرب الله للناس أمثالهم فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب} إلى قوله: {لأنتصر منهم} فهذا السيف الذي هو مشركي العجم من الزنادقة ومن ليس معه الكتاب من عبدة النيران والكواكب.
وقوله: {فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب} للجماعة والمعنى لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم والإمام بعده.
{والذين قاتلوا في سبيل الله فلن يُضلّ أعمالهم وسيهديهم ويصلح بالهم ويُدخلهم الجنّة عرّفها لهم} أي وعدها إياهم وادّخرها لهم.
{ليبلوا بعضكم بعضاً} ثم خاطب أمير المؤمنين (ع) فقال: {يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويُثبّت أقدامكم}.
ثم قال: {والذين كفروا تعساً لهم وأضلّ أعمالهم ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله في علي فأحبط أعمالهم}(4).
__________
(1) تفسير البرهان 4/182، تأويل الآيات الطاهرة 583، بحار الأنوار 23/385، 36/158، فصل الخطاب 307.
(2) تأويل الآيات الطاهرة 584، تفسير القمي 2/302، تفسير نور الثقلين 5/31، تفسير البرهان 4/182، بحار الأنوار 36/87، فصل الخطاب 307، تفسير الآصفي 2/1172.
(3) تأويل الآيات الطاهرة 584، فصل الخطاب 307.
(4) تفسير القمي، بحار الأنوار 36/87، فصل الخطاب 307.(84/141)
394 – عن محمد الحلبي قال: قرأ أبو عبد الله عليه السلام: (فهل عسيتم إن توليتم وسلطتم وملكتم أن تفسدوا في الأرض وتقطّعوا أرحامكم}.
ثم قال: نزلت هذه الآية في بني عمنا بني العباس وبني أمية.
ثم قرأ: {أولئكم الذين لعنهم الله فأصمهم عن الدين وأعمى أبصارهم} عن الوصي.
ثم قرأ: {إن الذين ارتدوا على أدبارهم بعد ولاية علي من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سوّل لهم وأملى لهم}.
ثم قرأ: {الذين اهتدوا بولاية علي زادهم هدىً حيث عرّفهم الأئمة من بعده والقائم وآتاهم تقواهم} أي ثواب تقواهم أماناً من النار.
وقال عليه السلام: وقوله عز وجل: {فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين - وهم علي وأصحابه - والمؤمنات} وهنّ خديجة وصويحباتها.
وقال عليه السلام: وقوله عز وجل: وقوله: {والذين آمنوا بما نُزّل على محمد في علي وهو الحق من ربهم كفّر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم}.
ثم قال: {والذين كفروا بولاية علي يتمتعون بدنياهم ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوىً لهم}.
تأويل الآيات الطاهرة 585، بحار الأنوار 24/320، تفسير البرهان 4/190.
395 – عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل: {إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى} فلان وفلان(1)، ارتدوا عن الإيمان في ترك ولاية أمير المؤمنين عليه السلام.
قال: قلت: قوله تعالى: {ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزّل الله سنطيعكم في بضع الأمر}؟
__________
(1) أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ولعنة الله على كل من يبغضهم.(84/142)
قال: نزلت فيهما وفي أتباعهما وهو قول الله عز وجل الذي نزل به جبرائيل عليه السلام على محمد صلّى الله عليه وسلّم {ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزّل الله في علي سنطيعكم في بعض الأمر}. قال: دعوا بني أمية إلى ميثاقهم الذي عقدوه أن لا يُصيّروا الأمر فينا بعد النبي صلّى الله عليه وسلّم ولا يعطونا من الخمس شيئاً، وقالوا إن أعطيناهم إيّاه لم يحتاجوا إلى شيء، ولم يبالوا أن لا يكون الأمر فيهم، فقال لبني أمية {سنطيعكم في بعض الأمر} الذي دعوتمونا إليه، وهو الخمس ولا نعطيهم شيئاً. وقوله: {كرهوا ما أنزل الله} فالذي {نّزل الله} عز وجل ما افترض على خلقه من ولاية أمير المؤمنين عليه السلام، وكان معهم أبو عبيدة وكان كاتبهم، فأنزل الله عز وجل {أم أبرموا أمراً فإنّا مبرمون أم يحسبون أنّا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون}.
تأويل الآيات الطاهرة 587-588، الكافي 1/420، تفسير البرهان 4/186، بحار الأنوار 23/375، تفسير الآصفي 2/1176.
396 – عن محمد بن الفضيل قال: وقرأ أبو عبد الله عليه السلام هكذا: {فهل عسيتم إن توليتم وسلطتم وملكتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم} نزلت في بني عمنا من بني أمية وفيهم يقول الله: {أولئك الذين لعنهم الله فأصمّهم وأعمى أبصارهم أفلا يتدبرون القرآن فيقضوا ما عليهم من الحق أم على قلوبٍ أقفالها}.
تأويل الآيات الطاهرة 589، تفسير البرهان 4/189، بحار الأنوار 23/386.
سورة الذاريات
397 – عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال: قوله عز وجل: {إنما توعدون لصادق في علي} هكذا نزلت(1).
سورة الطور
398 – عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام: قال: {وإنّ للذين ظلموا آل محمد حقهم عذاباً دون ذلك}(2).
سورة النجم
__________
(1) تأويل الآيات الطاهرة 614، تفسير البرهان 4/230، بحار الأنوار 36/162.
(2) تأويل الآيات الطاهرة 620، تفسير البرهان 4/243، بحار الأنوار 24/229.(84/143)
399 – عن حبيب السجستاني قال: سألت أبا جعفر (ع) عن قوله عز وجل: {ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى}.
فقال لي: يا حبيب لا تقرأ هكذا. اقرأ: {ثم دنا فتدانا فكان قاب قوسين أو أدنى}(1).
400 – القمي: قوله: {وهو بالأفق الأعلى} يعني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثم دنا يعني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من ربه عز وجل فتدلى. قال: إنما نزلت: {ثم دنا فتدانا فكان قاب قوسين}.
قال: كان من الله كما بين مقبض القوس... (2).
سورة الحشر
407 – عن أبان بن عياش عن سليم بن قيس الهلالي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: قوله عز وجل: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله وظلم آل محمد فإن الله شديد العقاب لمن ظلمهم}(3).
سورة الصف
408 – عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال: سألته عن قول الله عز وجل: {يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم}.
قال: يريدون ليطفئوا ولاية أمير المؤمنين عليه السلام.
قلت: {والله متم نوره}.
قال: والله متم الإمامة لقوله عز وجل: {الذين آمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا} فالنور هو الإمام.
قلت: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق}.
قال: هو الذي أمر رسوله بالولاية لوصيه، والولاية هي دين الحق.
قلت: {ليظهره على الدين كله}.
قال: يظهره على جميع الأديان عند قيام القائم، قال: يقول الله {والله متم ولاية القائم ولو كره الكافرون بولاية علي}.
قلت: هذا تنزيل؟
قال: نعم، أما هذا الحرف فتنزيل، وأما غيره فتأويل.
قلت: {ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا}.
__________
(1) بحار الأنوار 3/315-316، 18/364، فصل الخطاب 309، تفسير الصافي 5/86، تفسير الآصفي 2/1221.
(2) بحار الأنوار 3/317.
(3) كنز الفوائد 336، بحار الأنوار 24/222.(84/144)
قال: إن الله تبارك وتعالى سمّى من لم يتبع رسوله في ولاية وصيه منافقين، وجعل من جحد وصيه إمامته كمن جحد محمداً وأنزل بذلك قرآناً، فقال: {يا محمد إذا جاءك المنافقون بولاية وصيك قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين بولاية علي لكاذبون. اتخذوا أيمانهم جنّة فصدوا عن سبيل الله}. والسبيل هو الوصي. {إنهم ساء ما كانوا يفعلون. ذلك بأنهم آمنوا برسالتك وكفروا بولاية وصيك فطبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون}.
قلت: ما معنى {لا يفقهون}؟
قال: يقول: لا يعقلون بنبوتك.
قلت: {وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله}.
قال: وإذا قيل: لهم ارجعوا إلى ولاية علي يستغفر لكم النبي من ذنوبكم {لوّوا رؤوسهم} قال الله: {ورأيتهم يصدون} عن ولاية علي {وهم مستكبرون} عليه. ثم عطف القول من الله بمعرفته بهم فقال: {سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين}. يقول: الظالمين لوصيك.
قلت: {أفمن يمشي مكبّاً على وجهه أهدى أمن يمشي سوياً على صراط مستقيم}.
قال: إن الله ضرب مثل من حاد عن ولاية علي كمن يمشي على وجهه لا يهتدي لأمره وجعل من تبعه سويّاً على صراط مستقيم، والصراط المستقيم أمير المؤمنين عليه السلام.
قال: قلت: {إنه لقول رسول كريم}.
قال: يعني جبرائيل عن الله في ولاية علي.
قال: قلت: {وما هو بقول شاعر قليلاً ما تؤمنون}.
قال: قالوا: إن محمداً كذاب على ربه، وما أمره الله بهذا في علي، فأنزل الله بذلك قرآناً، فقال: {إن ولاية علي تنزيل من رب العالمين. ولو تقوّل علينا محمد بعض الأقاويل. لأخذنا مه باليمين. ثم لقطعنا منه الوتين}. ثم عطف القول فقال: {وإن علياً لحسرة على الكافرين وإن ولايته لحق اليقين. فسبّح يا محمد باسم ربك العظيم}.
يقول: اشكر ربك العظيم الذي أعطاك هذا الفضل.
قلت: قوله: {ولما سمعنا الهدى آمنا به}.(84/145)
قال: الهدى الولاية آمنّا بمولانا، فمن آمن بولاية مولاه {فلا يخاف بخساً ولا رهقاً}.
قلت: تنزيل؟
قال: لا، تأويل.
قلت: قوله: {إنّي لا أملك لكم ضرّاً ولا رشداً}.
قال: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دعا الناس إلى ولاية علي فاجتمعت إليه قريش فقالوا: يا محمد أعفنا من ذلك، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: هذا إلى الله ليس إليّ، فاتّهموه وخرجوا من عنده فأنزل الله: {قل إنّي لا أملك لكم ضرّاً ولا رشداً. قل إنّي لن يجيرني من الله إن عصيته أحد ولن أجد من دونه ملتحداً. إلا بلاغاً من الله ورسالاته في علي}.
قلت: هذا تنزيل؟
قال: نعم. ثم قال توكيداً: {ومن يعص الله ورسوله في ولاية علي فإن له جهنم خالدين فيها أبداً}.
قلت: {حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصراً وأقلّ عدداً}.
قال: يعني بذلك القائم وأنصاره.
قلت: {فاصبر على ما يقولون}.
قال: يقولون فيك {واهجرهم جميلاً. وذرني يا محمد والمكذبين بوصيك أُولي النعمة ومهّلهم قليلاً}.
قلت: إن هذا تنزيل؟
قال: نعم.
قلت: {ليستيقن الذين أوتوا الكتاب}.
قال: يستيقنون أن الله ورسوله ووصيّه حق.
قلت: {ويزداد الذين آمنوا إيماناً}.
قال: يزدادون بولاية الوصي.
قلت: {ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون}.
قال: بولاية علي.
قلت: ما هذا الارتياب؟
قال: يعني بذلك أهل الكتاب والمؤمنين الذين إذا ذكر(1) الله فقال: ولا يرتابون في الولاية.
قلت: {وما هي إلا ذكرى للبشر}.
قال: نعم ولاية علي.
قلت: {إنها لإحدى الكبر}.
قال: الولاية.
قلت: {لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر}.
قال: من تقدّم إلى ولايتنا أُخّر عن سقر، ومن تأخر عنّا تقدم إلى سقر إلا أصحاب اليمين، قال هم والله شيعتنا.
قلت: {لم نكُ من المصلّين}.
قال: إنّا لم نتولّ وصي محمد صلّى الله عليه وسلّم والأوصياء من بعده ولا يصلّون عليهم.
قلت: {فما لهم عن التذكرة معرضين}.
__________
(1) كذا في النص.(84/146)
قال: عن الولاية معرضين.
قلت: {كلا إنها تذكرة}.
قال: الولاية.
قلت: قوله: {يوفون بالنذر}.
قال: يوفون لله بالنذر الذي أخذ عليهم في الميثاق من ولايتنا.
قلت: {إنّا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلاً}.
قال: {بولاية علي تنزيلاً}.
قلت: هذا تنزيل؟
قال: نعم، ذا تأويل.
قلت: {إن هذه تذكرة}.
قال: الولاية.
قلت: {يُدخل من يشاء في رحمته}.
قال: في ولايتنا. قال: {والظالمين أعد لهم عذاباً أليماً}. ألا ترى أن الله يقول: {وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}.
قلت: هذا تنزيل؟
قال: نعم.
قلت: {ويلٌ يومئذ للمكذبين}.
قال: يقول: {ويل للمكذبين يا محمد بما أوحيت إليك من ولاية علي. ألم نُهلك الأولين. ثم نتبعهم الآخرين}.
قال: الأولين الذين كذّبوا الرسل في طاعة الأوصياء. {كذلك نفعل بالمجرمين}.
قال: من أجرم إلى أن محمد صلّى الله عليه وسلّم وركب من وصيّه ما ركب.
قال: {إن المتقين}.
قال: نحن والله وشيعتنا ليس على ملّة إبراهيم غيرنا. وسائر الناس منها براء.
قلت: {يوم يقوم الروح والملائكة صفّاً لا يتكلمون} الآية.
قال: نحن والله المأذون لهم يوم القيامة والقائلون صواباً(1).
سورة الجمعة
409 – عن جابر الجعفي قال: قال أبو جعفر عليه السلام: لم سُمّي الجمعة جمعة؟
قال: قلت: تخبرني جعلني الله فداك.
فقال: يا جابر سمّى الله الجمعة جمعة لأن الله عزّ وجل جمع في ذلك اليوم الأولين والآخرين، وجميع ما خلق من الجنّ، وكل شيء خلق ربنا السماوات والأرضين والبحار والجنة والنار، وكل شيء خلق الله في الميثاق، فأخذ الميثاق منهم له بالربوبية ولمحمد صلّى الله عليه وسلّم بالنبوة ولعلّي عليه السلام بالولاية.
وفي ذلك اليوم قال الله للسماوات والأرض: {ائتيا طوعاً أو كرهاً، قالتا أتينا طائعين}، فسمّى الله ذلك اليوم للجمعة لجمعه فيه الأولين والآخرين.
__________
(1) الكافي 1/432-435، بحار الأنوار 24/336-340، تفسير الآصفي 2/1348.(84/147)
ثم قال الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا إذا نُودي للصلاة من يوم الجمعة} من يومكم هذا الذي جمعكم فيه، والصلاة أمير المؤمنين عليه السلام، يعني بالصلاة الولاية وهي الولاية الكبرى، ففي ذلك اليوم أتت الرسل والأنبياء والملائكة وكل شيء خلق الله والثقلان: الجن والإنس، والسماوات والأرضون والمؤمنون التلبية لله عز وجل {فامضوا إلى ذكر الله}. وذكر الله أمير المؤمنين.
{وذروا البيع} يعني الأول(1) {ذلكم} يعني بيعة أمير المؤمنين عليه السلام وولايته {خير لكم} من بيعة الأول وولايته.
{إن كنتم تعلمون. فإذا قُضيت الصلاة} يعني بيعة أمير المؤمنين عليه السلام.
{فانتشروا في الأرض} يعني بالأرض الأوصياء، أمر الله بطاعتهم وولايتهم كما أمر بطاعة الرسول وطاعة أمير المؤمنين كنّى الله في ذلك عن أسمائهم فسمّاهم بالأرض.
{وابتغوا فضل الله}.
قال جابر: {وابتغوا من فضل الله}.
قال: تحريف، هكذا نزلت: {وابتغوا فضل الله على الأوصياء واذكروا الله كثيراً لعلكم تفرحون}.
ثم خاطب الله عز وجل في ذلك الموقف محمداً صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا محمد {إذا رأوا} الشكّاك والجاحدون {تجارة} يعني الأول {أو لهواً} يعني الثاني(2) {انصرفوا إليها}.
قال: قلت: {انفضّوا إليها}.
قال: تحريف، هكذا نزلت: {وتركوك} مع علي {قائماً قل} يا محمد {ما عند الله} من ولاية علي والأوصياء {خيرٌ من اللهو ومن التجارة} يعني بيعة الأول والثاني {للذين اتقوا}.
قال: قلت: ليس فيها {للذين اتقوا}.
قال: بلى هكذا نزلت، وأنتم هم الذين اتقوا {والله خير الرازقين}(3).
410 – عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع): الحرف في الجمعة: {فامضوا إلى ذكر الله}(4).
__________
(1) أبو بكر رضي الله عنه ولعنة الله تعالى على كل من ينتقصه ويبغضه.
(2) عمر رضي الله عنه ولعنة الله على كل من ينتقصه ويبغضه.
(3) الاختصاص المفيد 129، بحار الأنوار 24/399-400.
(4) فصل الخطاب 312.(84/148)
411 – الطبرسي روي عن أبي عبد الله (ع) أنه قال: {انصرفوا إليها}(1).
412 – عن رجاء بن الضحاك أن الرضا (ع) كان يقرأ في سورة الجمعة: {قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة للذين اتقوا والله خير الرازقين}(2).
413 – عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (ع) قال: نزلت: {وإذا رأوا تجارة أو لهواً انصرفوا إليها وتركوك قائماً. قل ما عند الله خيرٌ من اللهو ومن التجارة للذين اتقوا والله خير الرازقين}(3).
414 – السياري... عن فضيل عن أبي عبد الله (ع) أنه كان يقرأ: {وإذا رأوا تجارة أو لهواً انصرفوا إليها}(4).
415 – عن أبي يعقوب عن أبي عبد الله (ع): {انصرفوا}. وقوله تعالى: {خير من اللهو ومن التجارة للذين اتقوا}(5).
416 – عن زيد الشحام عن أبي عبد الله (ع): قال: {انصرفوا إليها وذروا البيع والتجارة} هما(6) {وابتغوا فضل الله}(7).
417 – عن سهل بن زياد عمن أخبره (!!!) عن الرضا (ع) أنه قرأ بين يديه: {وابتغوا فضل الله}(8).
418 – عن رجاء بن أبي الضحاك في حديث طويل عن الرضا (ع) أنه كان يقرأ: {خيرٌ من اللهو ومن التجارة للذين اتقوا}(9).
419 – سعد بن عبد الله القمي في كتاب (ناسخ القرآن) أن الصادق (ع) قرأ: {إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فامضوا إلى ذكر الله}.
وفيه أنه (ع) قرأ: {قل ما عند الله خيرٌ من اللهو ومن التجارة للذين اتقوا والله خير الرازقين}(10).
سورة الملك
__________
(1) فصل الخطاب 312.
(2) عيون أخبار الرضا للصدوق (!!!) 2/183، بحار الأنوار 89/50.
(3) تفسير القمي 2/367، بحار الأنوار 89/50، فصل الخطاب 312.
(4) فصل الخطاب 312.
(5) فصل الخطاب 312.
(6) أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ولعنة الله على كل من يبغضهما.
(7) فصل الخطاب 312.
(8) فصل الخطاب 312.
(9) فصل الخطاب 312.
(10) فصل الخطاب 312.(84/149)
420 – عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: {قل أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا}؟
قال: هذه الآية مما غيّروا وحرّفوا، ما كان الله ليهلك محمدا صلّى الله عليه وسلّم – ولا كان معه من المؤمنين – وهو خير ولد آدم، ولكن قال الله عز وجل: {قل أرأيتم إن أهلككم الله جميعاً ورحمنا فمن يُجير الكافرين من عذاب أليم}(1).
421 – عن عبد الرحمن بن الأشهل قال: قيل لأبي عبد الله: {قل أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا}.
قال: ما أنزلها الله هكذا، وما كان الله ليُهلك نبيه ومن معه، ولكن أنزلها: {قل أرأيتم إن أهلككم الله ومن معكم ونجّاني ومن معي فمن يُجير الكافرين من عذاب أليم}.
ثم قال سبحانه لنبيه صلّى الله عليه وسلّم أن يقول لهم: {قل هو الرحمن آمنّا به وعليه توكلنا فستعلمون من هو في ضلال مبين}(2).
422 – عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى: {فستعلمون منهو في ضلال مبين}.
قال: {فستعلمون يا معشر المكذبين حيث أنبأتكم برسالة ربي وفي ولاية علي والأئمة من بعده فأبيتم وكذبتم فستعلمون من هو في ضلال مبين} كذا أُنزلت(3).
سورة الحاقة
423 – عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال: سألته عن قول الله عز وجل: {يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم}.
قال: يريدون ليطفئوا ولاية أمير المؤمنين عليه السلام.
قلت: {والله متم نوره}.
__________
(1) تأويل الآيات الطاهرة 707، تفسير البرهان 4/365، بحار الأنوار 92/55 و89/55، فصل الخطاب 314.
(2) تأويل الآيات الطاهرة 707، تفسير البرهان 4/365، بحار الأنوار 89/56 و92/56.
(3) تأويل الآيات الطاهرة 708، الكافي 1/421، تفسير البرهان 4/365، المناقب لابن شهر آشوب 2/301، بحار الأنوار 23/378، 35/57، فصل الخطاب 315.(84/150)
قال: والله متم الإمامة لقوله عز وجل: {الذين آمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا} فالنور هو الإمام.
قلت: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق}.
قال: هو الذي أمر رسوله بالولاية لوصيه، والولاية هي دين الحق.
قلت: {ليظهره على الدين كله}.
قال: يظهره على جميع الأديان عند قيام القائم، قال: يقول الله: {والله متم ولاية القائم ولو كره الكافرون بولاية علي}.
قلت: هذا تنزيل؟
قال: نعم، أما هذا الحرف فتنزيل، وأما غيره فتأويل.
قلت: {ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا}.
قال: إن الله تبارك وتعالى سمّى من لم يتبع رسوله في ولاية وصيه منافقين، وجعل من جحد وصيه إمامته كمن جحد محمداً وأنزل بذلك قرآناً، فقال: {يا محمد إذا جاءك المنافقون بولاية وصيك قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين بولاية علي لكاذبون. اتخذوا أيمانهم جنّة فصدوا عن سبيل الله}. والسبيل هو الوصي. {إنهم ساء ما كانوا يفعلون. ذلك بأنهم آمنوا برسالتك وكفروا بولاية وصيك فطبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون}.
قلت: ما معنى {لا يفقهون}؟
قال: يقول: لا يعقلون بنبوتك.
قلت: {وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله}.
قال: وإذا قيل لهم: ارجعوا إلى ولاية علي يستغفر لكم النبي من ذنوبكم {لوّوا رؤوسهم} قال الله: {ورأيتهم يصدون} عن ولاية علي {وهم مستكبرون} عليه. ثم عطف القول من الله بمعرفته بهم فقال: {سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين}. يقول: الظالمين لوصيك.
قلت: {أفمن يمشي مكبّاً على وجهه أهدى أمن يمشي سوياً على صراط مستقيم}.
قال: إن الله ضرب مثل من حاد عن ولاية علي كمن يمشي على وجهه لا يهتدي لأمره وجعل من تبعه سويّاً على صراط مستقيم، والصراط المستقيم أمير المؤمنين عليه السلام.
قال: قلت: {إنه لقول رسول كريم}.
قال: يعني جبرائيل عن الله في ولاية علي.(84/151)
قال: قلت: {وما هو بقول شاعر قليلاً ما تؤمنون}.
قال: قالوا: إن محمداً كذاب على ربه، وما أمره الله بهذا في علي، فأنزل الله بذلك قرآناً، فقال: {إن ولاية علي تنزيل من رب العالمين. ولو تقوّل علينا محمد بعض الأقاويل. لأخذنا مه باليمين. ثم لقطعنا منه الوتين}. ثم عطف القول فقال: {وإن علياً لحسرة على الكافرين وإن ولايته لحق اليقين. فسبّح يا محمد باسم ربك العظيم}.
يقول: اشكر ربك العظيم الذي أعطاك هذا الفضل.
قلت: قوله: {ولما سمعنا الهدى آمنا به}.
قال: الهدى الولاية آمنّا بمولانا، فمن آمن بولاية مولاه {فلا يخاف بخساً ولا رهقاً}.
قلت: تنزيل؟
قال: لا، تأويل.
قلت: قوله: {إنّي لا أملك لكم ضرّاً ولا رشداً}.
قال: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دعا الناس إلى ولاية علي فاجتمعت إليه قريش فقالوا: يا محمد أعفنا من ذلك، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: هذا إلى الله ليس إليّ، فاتّهموه وخرجوا من عنده فأنزل الله: {قل إنّي لا أملك لكم ضرّاً ولا رشداً. قل إنّي لن يجيرني من الله إن عصيته أحد ولن أجد من دونه ملتحداً. إلا بلاغاً من الله ورسالاته في علي}.
قلت: هذا تنزيل؟
قال: نعم. ثم قال توكيداً: {ومن يعص الله ورسوله في ولاية علي فإن له جهنم خالدين فيها أبداً}.
قلت: {حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصراً وأقلّ عدداً}.
قال: يعني بذلك القائم وأنصاره.
قلت: {فاصبر على ما يقولون}.
قال: يقولون فيك {واهجرهم جميلاً. وذرني يا محمد والمكذبين بوصيك أُولي النعمة ومهّلهم قليلاً}.
قلت: إن هذا تنزيل؟
قال: نعم.
قلت: {ليستيقن الذين أوتوا الكتاب}.
قال: يستيقنون أن الله ورسوله ووصيّه حق.
قلت: {ويزداد الذين آمنوا إيماناً}.
قال: يزدادون بولاية الوصي.
قلت: {ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون}.
قال: بولاية علي.
قلت: ما هذا الارتياب؟(84/152)
قال: يعني بذلك أهل الكتاب والمؤمنين الذين إذا ذكر(1) الله فقال: ولا يرتابون في الولاية.
قلت: {وما هي إلا ذكرى للبشر}.
قال: نعم ولاية علي.
قلت: {إنها لإحدى الكبر}.
قال: الولاية.
قلت: {لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر}.
قال: من تقدّم إلى ولايتنا أُخّر عن سقر، ومن تأخر عنّا تقدم إلى سقر إلا أصحاب اليمين، قال هم والله شيعتنا.
قلت: {لم نكُ من المصلّين}.
قال: إنّا لم نتولّ وصي محمد صلّى الله عليه وسلّم والأوصياء من بعده ولا يصلّون عليهم.
قلت: {فما لهم عن التذكرة معرضين}.
قال: عن الولاية معرضين.
قلت: {كلا إنها تذكرة}.
قال: الولاية.
قلت: قوله: {يوفون بالنذر}.
قال: يوفون لله بالنذر الذي أخذ عليهم في الميثاق من ولايتنا.
قلت: {إنّا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلاً}.
قال: {بولاية علي تنزيلاً}.
قلت: هذا تنزيل؟
قال: نعم، ذا تأويل.
قلت: {إن هذه تذكرة}.
قال: الولاية.
قلت: {يُدخل من يشاء في رحمته}.
قال: في ولايتنا. قال: {والظالمين أعد لهم عذاباً أليماً}. ألا ترى أن الله يقول: {وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}.
قلت: هذا تنزيل؟
قال: نعم.
قلت: {ويلٌ يومئذ للمكذبين}.
قال: يقول: {ويل للمكذبين يا محمد بما أوحيت إليك من ولاية علي. ألم نُهلك الأولين. ثم نتبعهم الآخرين}.
قال: الأولين الذين كذّبوا الرسل في طاعة الأوصياء. {كذلك نفعل بالمجرمين}.
قال: من أجرم إلى أن محمد صلّى الله عليه وسلّم وركب من وصيّه ما ركب.
قال: {إن المتقين}.
قال: نحن والله وشيعتنا ليس على ملّة إبراهيم غيرنا. وسائر الناس منها براء.
قلت: {يوم يقوم الروح والملائكة صفّاً لا يتكلمون} الآية.
سورة المعارج
__________
(1) كذا في النص.(84/153)
1 – عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام أنه تلا: {سأل سائل بعذاب واقع للكافرين بولاية علي ليس له دافع}. ثم قال: هكذا هي في مصحف فاطمة(1).
2 – عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله عز وجل: {سأل سائل بعذاب واقع للكافرين بولاية علي ليس له دافع}.
ثم قال: هكذا والله نزل بها جبرائيل على النبي صلّى الله عليه وسلّم وهكذا مُثبت في مصحف فاطمة(2).
3 - عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: بينا رسول الله ذات يوم جالساً إذا أقبل أمير المؤمنين عليه السلام فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إن فيك شبهاً من عيسى بن مريم. لولا أن يقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت فيك قولاً لا تمر بملأ من الناس إلا أخذوا التراب من تحت قدميك يلتمسون بذلك البركة.
قال: فغضب الأعرابيان والمغيرة بن شعبة وعدة من قريش فقالوا: ما رضي أن يضرب لابن عمه مثلاً إلا عيسى بن مريم.
__________
(1) تأويل الآيات الطاهرة 723، تفسير البرهان 4/382، بحار الأنوار 7/176، فصل الخطاب 315، منهاج البراعة 2/218، تفسير الآصفي 2/1349، تفسير نور الثقلين 5/411، المناقب لابن شهر آشوب 2/301.
(2) الأصول من الكافي 1/414 و422، المناقب لابن شهر آشوب 2/301، تفسير البرهان 4/382، فصل الخطاب 315، بحار الأنوار 23/378، 35/57، 37/176، تأويل الآيات الطاهرة 723-724، وقال: إن هذا التأويل يقضي بصحة هذا التأويل، لأن السائل كان من الكافرين بولاية أمير المؤمنين عليه السلام، فنزلت هذه الآية بعد كفره بها، وسؤاله إن كان حقاً أن يقع عليه العذاب عقيب سؤاله، وذلك يدل على أن ولايته وأنها من عند وأنها كذا نزلت لانتظام الكلام.(84/154)
فأنزل الله على نبيه صلّى الله عليه وسلّم فقال: {ولما ضرب بن مريم مثلاً إذا قومك يصدون، وقالوا آلهتنا خيرٌ أم هو، ما ضربوه إلا جدلاً، بل هم قوم خصمون. إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلاً لبني إسرائيل، ولو نشاء لجعلنا منكم (يعني بني هاشم) ملائكة في الأرض يخلفون}(1).
قال: فغضب الحارث بن عمرو الفهري فقال: اللهم إن هذا هو الحق من عندك أن بني هاشم يتوارثون هرقلاً بعد هرقل فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم.
فأنزل الله عليه مقالة الحارث ونزلت هذه الآية: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون}.
ثم قال له: يا أبا عمرو أما تبت وأما رحلت.
فقال: يا محمد تجعل لسائر قريش مما في يدك فقد ذهبت بنو هاشم بمكرمة العرب والعجم؟
فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم ليس ذلك لي، ذلك إلى الله تبارك وتعالى.
فقال: يا محمد قلبي مايتا (يعني على التوبة) ولكن أرحل عنك.
فدعا براحلته فركبها، فلما سار بظهر المدينة أتته جندلة فرضت هامته، ثم أتى الوحي إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: {سأل سائل بعذاب واقع للكافرين بولاية علي ليس له دافع من الله ذي المعارج}.
قلت له: جعلت فداك إنّا لا نقرأها كذلك؟
فقال: هكذا نزّل الله بها جبرائيل على محمد صلّى الله عليه وسلّم وهكذا والله ثبتت في مصحف فاطمة (ع) (2).
سورة الجن
427 – عن عيسى بن داود النجار عن موسى بن جعفر عليه السلام في قول الله عز وجل: {وأنّ المساجد لله فلا تدعو مع الله أحداً}.
__________
(1) انظر سورة الزخرف، حيث إن (من بني هاشم) من ضمن النص القرآني الذي نزل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حسب زعم الرافضة.
(2) تفسير البرهان 4/150-151، فصل الخطاب 315.(84/155)
قال: سمعت أبي عليه السلام يقول: هم الأوصياء والأئمة منّا واحداً فواحداً {فلا تدعوا إلى غيرهم فتكونوا كمن دعا مع الله أحداً} هكذا نزلت(1).
سورة المزمل
428 – عن محمد بن فضيل قلت: {فاصبر على ما يقولون}.
قال: يقولون فيك: {واهجرهم هجراً جميلاً وذرني يا محمد والمكذبين وصيّك أولي النعمة}.
قلت: إن هذا تنزيل؟
قال: نعم(2).
سورة القيامة
429 - عن حلف بن حمّاد عن الحلبي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقرأ: {بل يريد الإنسان ليفجر إمامه} أي يكذبه(3).
سورة الإنسان
430 – عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال: سألته عن قول الله عز وجل: {يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم}.
قال: يريدون ليطفئوا ولاية أمير المؤمنين عليه السلام.
قلت: {والله متم نوره}.
قال: والله متم الإمامة لقوله عز وجل: {الذين آمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا} فالنور هو الإمام.
قلت: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق}.
قال: هو الذي أمر رسوله بالولاية لوصيه، والولاية هي دين الحق.
قلت: {ليظهره على الدين كله}.
قال: يظهره على جميع الأديان عند قيام القائم، قال: يقول الله {والله متم ولاية القائم ولو كره الكافرون بولاية علي}.
قلت: هذا تنزيل؟
قال: نعم، أما هذا الحرف فتنزيل، وأما غيره فتأويل.
قلت: {ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا}.
__________
(1) تأويل الآيات الطاهرة 729، تفسير البرهان 4/395، بحار الأنوار 23/330، فصل الخطاب 316.
(2) فصل الخطاب 316.
(3) كنز الفوائد 359، بحار الأنوار 24/327، فصل الخطاب 316.(84/156)
قال: إن الله تبارك وتعالى سمّى من لم يتبع رسوله في ولاية وصيه منافقين، وجعل من جحد وصيه إمامته كمن جحد محمداً وأنزل بذلك قرآناً، فقال: {يا محمد إذا جاءك المنافقون بولاية وصيك قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين بولاية علي لكاذبون. اتخذوا أيمانهم جنّة فصدوا عن سبيل الله}. والسبيل هو الوصي. {إنهم ساء ما كانوا يفعلون. ذلك بأنهم آمنوا برسالتك وكفروا بولاية وصيك فطبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون}.
قلت: ما معنى {لا يفقهون}؟
قال: يقول: لا يعقلون بنبوتك.
قلت: {وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله}.
قال: وإذا قيل: لهم ارجعوا إلى ولاية علي يستغفر لكم النبي من ذنوبكم {لوّوا رؤوسهم} قال الله: {ورأيتهم يصدون} عن ولاية علي {وهم مستكبرون} عليه. ثم عطف القول من الله بمعرفته بهم فقال: {سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين}. يقول: الظالمين لوصيك.
قلت: {أفمن يمشي مكبّاً على وجهه أهدى أمن يمشي سوياً على صراط مستقيم}.
قال: إن الله ضرب مثل من حاد عن ولاية علي كمن يمشي على وجهه لا يهتدي لأمره وجعل من تبعه سويّاً على صراط مستقيم، والصراط المستقيم أمير المؤمنين عليه السلام.
قال: قلت: {إنه لقول رسول كريم}.
قال: يعني جبرائيل عن الله في ولاية علي.
قال: قلت: {وما هو بقول شاعر قليلاً ما تؤمنون}.
قال: قالوا: إن محمداً كذاب على ربه، وما أمره الله بهذا في علي، فأنزل الله بذلك قرآناً، فقال: {إن ولاية علي تنزيل من رب العالمين. ولو تقوّل علينا محمد بعض الأقاويل. لأخذنا مه باليمين. ثم لقطعنا منه الوتين}. ثم عطف القول فقال: {وإن علياً لحسرة على الكافرين وإن ولايته لحق اليقين. فسبّح يا محمد باسم ربك العظيم}.
يقول: اشكر ربك العظيم الذي أعطاك هذا الفضل.
قلت: قوله: {ولما سمعنا الهدى آمنا به}.(84/157)
قال: الهدى الولاية آمنّا بمولانا، فمن آمن بولاية مولاه {فلا يخاف بخساً ولا رهقاً}.
قلت: تنزيل؟
قال: لا، تأويل.
قلت: قوله: {إنّي لا أملك لكم ضرّاً ولا رشداً}.
قال: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دعا الناس إلى ولاية علي فاجتمعت إليه قريش فقالوا: يا محمد أعفنا من ذلك، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: هذا إلى الله ليس إليّ، فاتّهموه وخرجوا من عنده فأنزل الله: {قل إنّي لا أملك لكم ضرّاً ولا رشداً. قل إنّي لن يجيرني من الله إن عصيته أحد ولن أجد من دونه ملتحداً. إلا بلاغاً من الله ورسالاته في علي}.
قلت: هذا تنزيل؟
قال: نعم. ثم قال توكيداً: {ومن يعص الله ورسوله في ولاية علي فإن له جهنم خالدين فيها أبداً}.
قلت: {حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصراً وأقلّ عدداً}.
قال: يعني بذلك القائم وأنصاره.
قلت: {فاصبر على ما يقولون}.
قال: يقولون فيك {واهجرهم جميلاً. وذرني يا محمد والمكذبين بوصيك أُولي النعمة ومهّلهم قليلاً}.
قلت: إن هذا تنزيل؟
قال: نعم.
قلت: {ليستيقن الذين أوتوا الكتاب}.
قال: يستيقنون أن الله ورسوله ووصيّه حق.
قلت: {ويزداد الذين آمنوا إيماناً}.
قال: يزدادون بولاية الوصي.
قلت: {ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون}.
قال: بولاية علي.
قلت: ما هذا الارتياب؟
قال: يعني بذلك أهل الكتاب والمؤمنين الذين إذا ذكر(1) الله فقال: ولا يرتابون في الولاية.
قلت: {وما هي إلا ذكرى للبشر}.
قال: نعم ولاية علي.
قلت: {إنها لإحدى الكبر}.
قال: الولاية.
قلت: {لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر}.
قال: من تقدّم إلى ولايتنا أُخّر عن سقر، ومن تأخر عنّا تقدم إلى سقر إلا أصحاب اليمين، قال هم والله شيعتنا.
قلت: {لم نكُ من المصلّين}.
قال: إنّا لم نتولّ وصي محمد صلّى الله عليه وسلّم والأوصياء من بعده ولا يصلّون عليهم.
قلت: {فما لهم عن التذكرة معرضين}.
__________
(1) كذا في النص.(84/158)
قال: عن الولاية معرضين.
قلت: {كلا إنها تذكرة}.
قال: الولاية.
قلت: قوله: {يوفون بالنذر}.
قال: يوفون لله بالنذر الذي أخذ عليهم في الميثاق من ولايتنا.
قلت: {إنّا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلاً}.
قال: {بولاية علي تنزيلاً}.
قلت: هذا تنزيل؟
قال: نعم، ذا تأويل.
قلت: {إن هذه تذكرة}.
قال: الولاية.
قلت: {يُدخل من يشاء في رحمته}.
قال: في ولايتنا. قال: {والظالمين أعد لهم عذاباً أليماً}. ألا ترى أن الله يقول: {وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}.
قلت: هذا تنزيل؟
قال: نعم.
قلت: {ويلٌ يومئذ للمكذبين}.
قال: يقول: {ويل للمكذبين يا محمد بما أوحيت إليك من ولاية علي. ألم نُهلك الأولين. ثم نتبعهم الآخرين}.
قال: الأولين الذين كذّبوا الرسل في طاعة الأوصياء. {كذلك نفعل بالمجرمين}.
قال: من أجرم إلى أن محمد صلّى الله عليه وسلّم وركب من وصيّه ما ركب.
قال: {إن المتقين}.
قال: نحن والله وشيعتنا ليس على ملّة إبراهيم غيرنا. وسائر الناس منها براء.
قلت: {يوم يقوم الروح والملائكة صفّاً لا يتكلمون} الآية.
قال: نحن والله المأذون لهم يوم القيامة والقائلون صواباً(1).
سورة النبأ
431 – النعماني في تفسيره... عن جابر عن الصادق عن أمير المؤمنين (ع) في أمثلة الآيات المحرّفة. قال (ع): مثله في سورة عمّ: {ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابيّاً} فحرّفوها، فقالوا: {تراباً} وذلك أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يُكثر من مخاطبتي بأبي تراب(2).
432 – ابن شهر آشوب قال: رأيتني في كتاب الرد على التبديل إن في مصحف أمير المؤمنين (ع): {يا ليتني كنت ترابياً}(3).
__________
(1) الأصول من الكافي 1/432-435، بحار الأنوار 24/336-340، مناقب ابن شهر آشوب 2/292.
(2) فصل الخطاب 317.
(3) فصل الخطاب 317.(84/159)
433 – سعد بن عبد الله القمي في كتاب (ناسخ القرآن ومنسوخه} في عداد الآيات المحرّفة قال: وقوله في سورة عمّ يتساءلون: {ويقول الكافر يا ليتني كنت تراباً} إنما هو: {يا ليتني كنت تُرابياً} وذلك أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كنّى أمير المؤمنين (ع) بأبي تراب(1).
سورة التكوير
433 – أبو علي الطبرسي: روي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام: {وإذا المودّة سئلت بأي ذنب قتلت}. بفتح الميم والواو والدال(2).
سورة الفجر
434 – سعد بن عبد الله القمي: قال: سأل رجل أبا عبد الله (ع) عن قول الله عز وجل: {والفجر}.
فقال: ليس فيها الواو إنما هو {الفجر}(3).
435 – السياري... عن سدير عن أبي عبد الله (ع): {يا أيتها النفس المطمئنة إلى محمد وأهل بيته ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي غير ممنوعة}(4).
436 – عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله (ع) يستكره المؤمن على خروج نفسه.
قال: فقال: لا.. إلى أن قال: ويناديه من بطنان العرش يسمعه من بحضرته: {يا أيتها النفس المطمئنة إلى محمد ووصيه والأئمة من بعده ارجعي إلى ربك راضية بولاية علي مرضية بالثواب فادخلي في عبادي مع محمد وأهل بيته وادخلي جنتي غير مشوبة}(5).
437 – عن سدير الصيرفي قال: قلت لأبي عبد الله (ع) جعلت فداك يا ابن رسول الله هل يكره المؤمن على قبض روحه؟
قال: لا والله.. إلى أن قال: فينظر فينادي روحه مناد من قبل رب العزة فيقول: {يا أيتها النفس المطمئنة إلى محمد وأهل بيته ارجعي إلى ربك راضية بالولاية مرضية بالثواب فادخلي في عبادي (يعني محمد وأهل بيته) وادخلي جنتي}(6).
سورة الليل
__________
(1) فصل الخطاب 317.
(2) مجمع البيان 10/442، تأويل الآيات الطاهرة 765، تفسير البرهان 4/431.
(3) فصل الخطاب 320.
(4) فصل الخطاب 320.
(5) فصل الخطاب 321.
(6) فصل الخطاب 321.(84/160)
438 – عن جابر عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله تعالى: {والليل إذا يغشى} قال: دولة إبليس إلى يوم القيامة وهو يوم قيام القائم.
{والنهار إذا تجلّى} وهو القائم إذا قام.
وقوله: {فأمّا من أعطى واتقى}: أعطى نفسه الحقّ واتقّى الباطل.
{فسنيسره لليسرى}: أي الجنة.
{وأما من بخل واستغنى}: يعني بنفسه عن الحق.
{وكذّب بالحسنى} بولاية علي بن أبي طالب عليه السلام والأئمة من بعده.
{فسنيسره للعسرى}: يعني النار.
وأما قوله: {وإنّ علياً للهدى} يعني أن علياً هو الهدى.
{وإنّ له الآخرة والأولى. فأنذرتكم ناراً تلظّى}.
قال: هو القائم إذا قام بالغضب فيقتل من ألف تسعمائة وتسعة وتسعين..
{لا يصلاها إلا الأشقى}. قال: هو عدو آل محمد صلّى الله عليه وسلّم.
{وسيجنبها الأتقى}. قال: ذاك أمير المؤمنين وشيعته(1).
439 - عن سماعة بن مهران قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: {والليل إذا يغشى. والنهار إذا تجلّى. الله خالق الزوجين الذكر والأنثى. ولعلي الآخرة والأولى}.
440 - عن فيض بن مختار عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قرأ: {إن علياً للهدى، وإنّ له الآخرة والأولى}. وذلك حين سئل عن القرآن(2).
قال: فيه الأعاجيب، فيه: {وكفى الله المؤمنين القتال بعلي}، وفيه: {إنَّ علياً للهدى. وإن له الآخرة والأولى}(3).
441 - عن يونس بن ظبيان قال: قرأ أبو عبد الله (ع): {والليل إذا يغشى. والنهار إذا تجلّى. الله خالق الزوجين الذكر والأنثى. ولعلي الآخرة والأولى}(4).
__________
(1) بحار الأنوار 24/398.
(2) بحار الأنوار 24/398.
(3) بحار الأنوار 24/398، فصل الخطاب 321.
(4) بحار الأنوار 24/399، تأويل الآيات الطاهرة 808، تفسير البرهان 4/471، فصل الخطاب 321.(84/161)
442 - عن أيمن بن محرز عن سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: نزلت هذه الآية هكذا والله :{الله خالق الزوجين الذكر والأنثى. ولعلي الآخرة والأولى}(1).
443 - عن سنان بن سنان قال: قلت لأبي عبد الله (ع): {والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلّى وخلق الذكر والأنثى}(2).
سورة الشرح
444 – السياري عن بعض أصحابنا (!!!) يرفعه إلى عبد الله (ع): {فإن مع العسر يسراً إن مع العسر يسراً}. فقال (ع): {إن مع العسر يسرين} هكذا نزلت(3).
445 – عن أبي القاسم عبد الرحمن بن محمد العلوي معنعناً (!!!) عن أبي عبد الله (ع): {فإذا فرغت فانصب علياً للولاية}(4).
446 – عن محمد بن القاسم بن عبيد معنعناً عنه (ع): {فإذا فرغت فانصب علياً وإلى ربك فارغب في ذلك}(5).
447 – عن المفضل بن عمر عنه (ع): {فإذا فرغت فانصب علياً للولاية}(6).
448 – عن علي بن حسان عن عبد الرحمن عن أبي عبد الله (ع) قال: قال الله سبحانه: {ألم نشرح لك صدرك بعلي ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك فإذا فرغت من نبوتك فانصب علياً وصياً وإلى ربك فارغب في ذلك}(7).
449 – عن أبي جميلة عنه (ع) قال قوله تعالى: {فإذا فرغت فانصب} كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حاجاً فنزلت: {فإذا فرغت من حجك فانصب علياً علماً للناس}(8).
__________
(1) بحار الأنوار 24/399، تأويل الآيات الطاهرة 808.
(2) فصل الخطاب 321.
(3) فصل الخطاب 322.
(4) تفسير فرات الكوفي 573، فصل الخطاب 322.
(5) فصل الخطاب 322، بحار الأنوار 36/135.
(6) تفسير فرات الكوفي 573، فصل الخطاب 322، بحار الأنوار 36/135.
(7) تفسير القمي 2/429، تفسير فرات الكوفي 575، تفسير الصافي 5/344، تفسير نور الثقلين 5/605، اللوامع النورانية للبحراني 538، فصل الخطاب 323.
(8) فصل الخطاب 323، بحار الأنوار 36/135، اللوامع النورانية لهاشم البحراني 538، غاية المرام لهاشم البحراني 1/382.(84/162)
450 – عن المقداد بن الأسود الكندي قال: كنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو متعلق بأستار الكعبة وهو يقول: اللهم اعضدني واشدد أزري وارفع ذكري، فنزل جبرائيل وقال قرأ: {يا محمد ألم نشرح لك صدرك ووضعنا وزرك الذي أنقض ظهرك ورفعنا لك ذكرك بعلي صهرك} فقرأها النبي صلّى الله عليه وسلّم وأثبتها ابن مسعود وانتقصها عثمان(1).
سورة التين
451 – عن محمد بن الفضيل قال: قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام: أخبرني عن قول الله عز وجل: {والتين والزيتون} إلى آخر السورة.
فقال: {التين والزيتون} الحسن والحسين عليهما السلام.
قلت: {طور سينين}.
قال: ليس هو طور سينين ولكنه طور سيناء.
قال: قلت: وطور سيناء.
قال: نعم، وهو أمير المؤمنين عليه السلام.
قلت: {وهذا البلد الأمين}.
قال: هو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم آمن الناس به إذا أطاعوه.
قلت: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم}.
قال: ذلك أبو فصيل(2) حين أخذ الله ميثاقه به بالربوبية، ولمحمد صلّى الله عليه وسلّم بالنبوة، ولأوصيائه بالولاية فأقرّ وقال: نعم، ألا ترى أنه قال: {ثم رددناه أسفل سافلين} يعني الدرك الأسفل حين نكص وفعل بآل محمد ما فعل.
قال: قلت: {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات}.
قال: والله هو أمير المؤمنين عليه السلام وشيعته. {فلهم أجرٌ غير ممنون}.
قال: قلت: {فما يكذبك بعدُ بالدين}.
قال: مهلاً مهلاً لا تقل هكذا، هذا هو الكفر بالله، لا والله ما كذّب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالله طرفة عين.
قال: قلت: فكيف هي؟
__________
(1) اللوامع النورانية 538، تفسير البرهان 4/475، فصل الخطاب 323.
(2) يقول المجلسي عامله الله بما يستحق في البحار 24/107: وأما تأويل الإنسان بأبي بكر فيحتمل أن يكون سبباً لنزول الآية أو لأنه أكمل أفرادها ومصداقها في ظهور تلك الشقاوة فيه، وكونه سبباً لشقاوة غيره. انتهى كلامه لا بارك الله فيه.(84/163)
قال: {فمن يكذبك بعدُ بالدين} والدّين أمير المؤمنين عليه السلام {أليس الله بأحكم الحاكمين}(1).
452 – السياري عن ابن فضال قال: سألت أبا الحسن (ع) عن سورة التين وطور سينين.
فقال: {وطور سيناء} هكذا نزلت. وقوله تعالى: {فمن يكذبك بعد بالدين} هكذا نزلت(2).
سورة القدر
453 – عن الحسن بن عباس بن الجريش عن أبي جعفر (ع) قال: قال أبو عبد الله (ع): كان علي بن الحسين (ع) يقول: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} صدق الله أنزل الله القرآن في ليلة القدر {وما أدراك ما ليلة القدر} قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا أدري. قال الله عز وجل: {ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر}(3).
454 – جعفر بن محمد بن علي بن الحسين (ع) في صدر الصحيفة المباركة لجده (ع) بعد ذكر رؤيا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونزول جبرائيل لتسليته وتعبير منامه.
قال (ع): وأنزل الله عز وجل في ذلك: {إنا أنزلناه في ليلة القدر. وما أدراك ما ليلة القدر. ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر يملكها بنو أمية ليس فيها ليلة القدر}.
قال: فأطلع الله نبيه صلّى الله عليه وسلّم على أن بني أمية تملك سلطان هذه الأمة وملكها طول هذه الأمة(4).
455 – السياري روى بعض أصحابنا (!!!!) في {إنا أنزلناه في ليلة القدر. وما أدراك ما ليلة القدر. ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر. تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم على أوصياء محمد بكل أمر}(5).
__________
(1) كنز الفوائد 293-294، بحار الأنوار 24/105-106، تأويل الآيات الطاهرة 814-815، تفسير البرهان 4/47، فصل الخطاب 323.
(2) فصل الخطاب 323.
(3) فصل الخطاب 324.
(4) فصل الخطاب 324.
(5) فصل الخطاب 324.(84/164)
456 – القمي في تفسيره: رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في نومه كأن قردة يصعدون منبره فغمّه ذلك، فأنزل الله عز وجل: {إنا أنزلناه في ليلة القدر. وما أدراك ما ليلة القدر. ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر يملكه بنو أمية ليس فيها ليلة القدر}(1).
457 – السياري... عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع): {تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من عند ربهم على محمد وآل محمد بكل أمر}(2).
458 – عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) في قوله تعالى: {تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من عند ربهم على محمد وآل محمد بكل أمر سلام}(3).
459 – عن عبد الله بن عجلان السكوني قال: سمعت أبا جعفر (ع) يقول في خبر طويل فيه: وما بيت من بيوت الأئمة إلا وفيه معارج لملائكة لقول الله عز وجل: {تنزل الملائكة والروح فيه بإذن ربهم بكل أمر سلام}.
قال: قلت: من كل أمر.
قال: بكل أمر.
قلت: هذا التنزيل؟
قال: نعم(4).
460 – بن طاووس في (الإقبال) في أعمال يوم الغدير عن كتاب محمد بن علي الطرزي... عن أبي الحسن الليثي عن أبي عبد الله (ع) أنه قال لمن حضره من مواليه وشيعته: أتعرفون يوماً شيّد الله به الإسلام... ثم ذكر بعض فضائل الغدير وكيفية البيعة فيه والغسل والدعاء فيه.. إلى أن قال (ع) ثم تقوم وتصلي شكراً لله تعالى تقرأ في الأولى الحمد وأنا أنزلناه في ليلة القدر وقل هو الله أحد كما أنزلنا لا كما أنقصنا(5).
سورة العصر
461 – علي بن إبراهيم قال: قرأ أبو عبد الله (ع): {والعصر إن الإنسان لفي خسر} وإنه فيه: {إلى آخر الدهر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وائتمروا بالتقوى وائتمروا بالصبر}(6).
462 – السياري عن خلف بن حماد عن الحسين عن أبي عبد الله (ع) مثله(7).
__________
(1) فصل الخطاب 324.
(2) فصل الخطاب 324.
(3) فصل الخطاب 324.
(4) فصل الخطاب 325.
(5) فصل الخطاب 325.
(6) فصل الخطاب 325.
(7) فصل الخطاب 326.(84/165)
463 – عن ربعي عن أبي جعفر (ع) مثله(1).
464 – عن أبان بن تغلب عن أبي إبراهيم موسى بن جعفر (ع) عن أمير المؤمنين (ع) كان يقرأ: {والعصر ونوائب الدهر}(2).
المصادر الإسلامية
الإتقان في علوم القرآن، جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، دار المعرفة، الطبعة الرابعة 1398ه، بيروت.
الإقناع للحجاوي.
الأم للشافعي.
بدائع الصنائع للكاشاني.
بداية المجتهد لابن رشد.
البرهان في علوم القرآن، بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الجيل، بيروت 1408ه.
تأريخ القرآن، إبراهيم الأبياري.
تاريخ المدينة المنورة، عمر بن شبّه النميري، تحقيق: فهيم محمد شلتوت، دار التراث، الطبعة الأولى 1410ه، بيروت.
تحفة الفقهاء للسمرقندي.
تفسير الطبري.
تفسير ابن كثير.
تفسير فتح القدير.
تفسير روح المعاني للألوسي.
تلخيص الحبير لابن حجر العسقلاني.
الجامع الصغير للسيوطي.
جمع الجوامع للسيوطي.
الجمع الصوتي الأول للقرآن، لبيب السعيد، دار الكاتب العربي، الطبعة الأولى 1387ه، القاهرة.
الرسالة للشافعي.
روضة الطالبين للنووي.
سبل السلام للصنعاني.
سنن أبي داود.
سنن البيهقي.
سنن الدارقطني.
سنن الدارمي.
سنن ابن ماجه.
سنن النسائي.
الشيعة والتحريف القرآن، محمد مال الله.
صحيح البخاري.
صحيح مسلم.
صفوة الصفة لابن الجوزي.
عبد الله بن مسعود عميد حملة القرآن وكبير فقهاء المسلمين، عبد الستار الشيخ، دار القلم، الطبعة الأولى 1402ه، بيروت.
فتح الباري لابن حجر.
فتح العزيز للرافعي.
القراءات القرآنية وأثرها في الدراسات النحوية، د. عبد العال سالم مكرم، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة 1417ه، بيروت.
كشف القناع للبهوتي.
منتخب مسند عبد بن حميد.
كنز العمال للهندي.
المبسوط للسرخسي.
مجمع الزوائد للهيثمي.
مختصر المزني.
المجموع للنووي.
المحلى لابن حزم.
المستدرك للحاكم النيسابوري.
__________
(1) فصل الخطاب 326.
(2) فصل الخطاب 326.(84/166)
المدونة الكبرى للإمام مالك.
مسند ابن الجعد.
مسند ابن راهويه.
مسند سعد بن أبي وقاص للدروقي.
مسند أبي داود الطيالسي.
مسند أحمد.
مسند أبي عوانة.
مسند أبي يعلى.
مسند الحميدي.
مصنف ابن أبي شيبة.
المغني لابن قدامة.
مغني المحتاج للشربيني.
المقنع في معرفة مرسوم مصاحف أهل الأمصار لأبي عمرو الداني، تحقيق: محمد أحمد دهمان، دار الفكر، 1403ه، دمشق.
منهاج السنة لابن تيمية.
الموطأ للإمام مالك.
النسخ في القرآن الكريم، د. مصطفى زيد، دار الفكر، الطبعة الثانية 1393ه، بيروت.
نيل الأوطار للشوكاني.
وغير ذلك من المراجع المذكورة في الحواشي.
المصادر الشيعية
أحاديث أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها)، مرتضى العسكري.
الاحتجاج، الطبرسي.
أحكام الخلل في الصلاة، مرتضى الأنصاري، تحقيق: لجنة التحقيق، الطبعة الأولى - ربيع الأول 1413ه، قم، الأمانة العامة للمؤتمر المئوي لميلاد الأنصاري.
إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان، الحسن بن يوسف بن المطهر، تحقيق: فارس الحسون، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم، الطبعة الأولى 1410ه.
إرشاد السائل، اللكبايكاني.
إشارة السبق، علي بن الحسن الحلبي، تحقيق: إبراهيم بهادري، الطبعة الأولى 1414ه، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم.
الإثنا عشرية، بهاء الدين العاملي.
الاستبصار فيما اختلف من أخبار، محمد بن الحسن الطوسي.
الاستغاثة في بدع الثلاثة، أبو القاسم الكوفي.
الأصول الستة عشر، الناشر: دار الشبستري للمطبوعات، قم الطبعة الثانية 1405ه.
الاقتصاد، الطوسي.
الأقطاب الفقهية على مذهب الإمامية، ابن أبي جمهور الأحسائي، تحقيق: محمد الحسون، مكتبة المرعشي النجفي – قم، 1410ه، الطبعة الأولى.
الألفية والنقلية، محمد بن مكي العاملي، مركز التحقيق الإسلامي للمكتب الإعلام في الحوز العلمية قم.
الأمالي، الصدوق.
الإمامة والتبصرة، ابن بابويه القمي.
الانتصار، المرتضى.(84/167)
الألفية والنقلية، الشهيد الأول.
الأقطاب الفقهية، ابن أبي الجمهور.
الأنوار النعمانية، نعمة الله الجزائري.
الأنوار الوضية في العقائد الرضوية، حسين العصفور.
أسئلة وأجوبة، اليزدي.
أنوار الأصول، ناصر مكارم الشيرازي.
أوائل المقالات، المفيد محمد بن محمد بن النعمان، دار المفيد، الطبعة الثانية 1414ه-1993م، بيروت، لبنان.
الإيضاح، الفضل بن شاذان، تحقيق: جلال الدين الحسيني الأرموي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت، الطبعة الأولى 1402ه.
إيضاح الفوائد في شرح إشكالات القواعد، محمد بن الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي، علق عليه وأشرف على طبعه: حسين الموسوي الكرماني، طبع بأمر محمود الشاهرودي، الطبعة الأولى 1387ه، المطبعة العلمية، بقم.
بحار الأنوار، محمد باقر المجلسي، الطبعة الثانية 1403ه، مؤسسة الوفاء، بيروت.
بصائر الدرجات، محمد بن الحسن بن فروخ الصفار، مؤسسة الأعلمي - طهران، 1404ه.
بلغة الفقيه، محمد بحر العلوم، منشورات مكتبة الصادق، طهران، الطبعة الرابعة 1403ه.
البيان، محمد بن جمال الدين مكي العاملي، مجمع الذخائر الإسلامية، قم، إيران.
البيان في تفسير القرآن، لأبي القاسم الخوئي، دار الزهراء، الطبعة الرابعة 1395ه، بيروت.
تاريخ الأئمة، نشر: مكتبة المرعشي النجفي - قم، باهتمام: محمود المرعشي، طبع: مطبعة الصدر التاريخ: 1406ه.
تأويل الآيات الطاهرة، شرف الدين الحسيني.
التبيان في تفسير القرآن، محمد بن الحسن الطوسي، تحقيق وتصحيح: أحمد بن حبيب قصير العاملي، إحياء التراث العربي، بيروت.
تبصرة المتعلمين في أحكام الدين، الحسن بن يوسف المطهر، تقديم: حسين الأعلمي، انتشارات فقيه، طهران.
تحف العقول، ابن شعبة الحراني.
تحرير الأحكام، الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر، آل البيت للطباعة والنشر، إيران.
تذكرة الفقهاء، الحلي، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث - قم، الطبعة الأولى.(84/168)
تفسير البرهان، هاشم البحراني.
تفسير الصافي، الكاشاني.
تفسير العياشي.
تفسير القمي.
تفسير الميزان، الطباطبائي.
التقية، مرتضى الأنصاري، تحقيق: فارس الحسون، نشر: مؤسسة قائم آل محمد - قم، الطبعة الأولى-1412ه.
التقية، الخميني.
التقية في فقه أهل البيت، مسلم الدواري.
التوحيد، الصدوق.
تصحيح اعتقادات الإمامية، المفيد محمد بن محمد بن النعمان، تحقيق: حسين دركاهي.
التوحيد، المفضل بن عمر الجعفي، علق عليه: كاظم المظفر، الطبعة الثانية 1404ه-1984م، مؤسسة الوفاء، بيروت.
تهذيب الأحكام في شرح المقنعة، محمد بن الحسن الطوسي، حققه وعلق عليه: حسن الموسوي الخرسان، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1390ه.
ثواب الأعمال، الصدوق.
جامع المدارك شرح المختصر النافع، أحمد الخوانساري، علق عليه علي أكبر الغفاري، مكتبة الصدوق - طهران، الطبعة الثانية 1355ه.
جامع المقاصد في شرح القواعد، علي بن الحسين الكركي، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث - قم، الطبعة الأولى 1408ه.
الجامع العباسي، بهاء العاملي.
الجامع للشرائع، يحيى بن سعيد الحلي.
الجواهر السنية في الأحاديث القدسية، الحر العاملي، مكتبة المفيد، قم - إيران.
جواهر الفقه، القاضي ابن البراج، تحقيق وإعداد: إبراهيم البهادري، مؤسسة سيد الشهداء، إشراف: جعفر السبحاني، الطبعة الأولى 1411ه، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم.
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، محمد حسن النجفي.
الحبل المتين، بهاء الدين العاملي.
الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، يوسف البحراني.
الحاشية على القوانين، مرتضى الأنصاري.
حاشية المكاسب، اليزدي.
حاشية المكاسب، محمد كاظم الأخوند الخراساني، صححه وعلق عليه: مهدي شمس الدين، وزارة إرشاد الإسلامي، الطبعة الأولى 1406ه، إيران.
حاشية المكاسب، النائيني.
حاشية المكاسب، الأصفهاني.
حصر الاجتهاد، آغا برزك الطهراني.(84/169)
الحكومة الإسلامية، الخميني.
الخراجيات، المحقق الكركي.
خصائص الأمة، الرضي، تحقيق: الدكتور محمد هادي الأميني، ربيع الثاني 1406ه، الناشر: مجمع البحوث الإسلامية، إيران.
الخصال، الصدوق.
الخلاف، الطوسي.
الخلل في الصلاة، الخميني.
الخمس، مرتضى الحائري.
الدر المنضود في صيغ النيات والإيقاعات والعقود، زين الدين أبو القاسم علي بن محمد بن الفقعاني، تحقيق: محمد بركت، مكتبة مدرسة إمام العصر العلمية - شيراز، الطبعة الأولى/1418ه.
الدر المنضود، الكلبايكاني.
الدرر النجفية، يوسف البحراني.
الدروس الشرعية، محمد بن مكي العاملي، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الأولى 1412ه، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، بقم.
دعائم الإسلام، أبي حنيفة النعمان بن محمد بن منصور المغربي، تحقيق: آصف بن علي أصغر فيضي، دار المعارف، القاهرة 1383-1963.
دلائل الإمامة، محمد بن جرير بن رستم الطبري الشيعي، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية - مؤسسة البعثة - قم، الطبعة الأولى 1413ه.
دليل الناسك، محسن الحكيم.
ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد، محمد باقر السبزواري، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، إيران.
الذكرى، الشهيد الأول.
الرسائل التسع، الحلي، تحقيق: رضا الأستادي، مكتبة المرعشي بقم، الطبعة الأولى 1413ه.
الرسائل السعدية، الحلي، تحقيق: عبد الحسين (!!!) محمد علي بقال، الطبعة الأولى 1410ه، قم.
الرسائل العشر، ابن فهد الحلي، تحقيق: مهدي الرجائي، مكتبة المرعشي النجفي العامة - قم 1409ه، الطبعة الأولى.
الرسائل العشر، الطوسي.
رسائل الشهيد الثاني، زين الدين علي الجبعي العاملي، منشورات مكتبة بصيرتي، قم.
رسائل المرتضى، تقديم: أحمد الحسيني، إعداد: مهدي الرجائي، دار القرآن الكريم - قم، 1405ه.
رسائل الكركي، علي بن الحسن الكركي، تحقيق: محمد الحسون، مكتبة المرعشي النجفي، قم، الطبعة الأولى 1409ه.
رسائل فقهية، مرتضى الأنصاري.(84/170)
رسائل حول خبر مارية، المفيد محمد بن النعمان، تحقيق: مهدي الصباحي، إيران.
روض الجنان شرح إرشاد الأذهان، زين الدين الجبعي العاملي، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، إيران.
الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، زين الدين الجبعي العاملي، زين الدين الجبعي العاملي، الطبعة الثانية - 1398ه، إيران.
روضة الواعظين، محمد بن الفتال النيسابوري، تقديم: محمد مهدي الخرسان منشورات الرضي قم - إيران.
رياض المسائل في بيان أحكام الشرع بالدلائل، علي الطباطبائي، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الأولى 1412ه، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم.
زبدة البيان، أحمد بن محمد الأردبيلي، حققه وعلق عليه: محمد الباقر البهبودي، المكتبة الرضوية لإحياء الآثار الجعفرية، طهران.
السرائر، محمد بن إدريس الحلي، الطبعة الثانية 1410ه، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين - بقم.
السقيفة وفدك، لأبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري، تقديم وجمع وتحقيق: الدكتور محمد هادي الأميني، شركة الكتبي للطباعة والنشر بيروت - لبنان، الطبعة الثانية 1413ه، 1993م.
شبهة القول بتحريف القرآن عند أهل السنة، د. علاء الدين القزويني، دار المحجة البيضاء، الطبعة الأولى 1421ه، بيروت.
الشموس شرح الدروس، حسين بن جمال الدين محمد الخوانساري، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، إيران.
شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام، الحلي، تحقيق: صادق الشيرازي، انتشارات استقلال، طهران، الطبعة الثانية 1409ه.
شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار، القاضي النعمان بن محمد التميمي المغربي، تحقيق: محمد الحسيني الجلال، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم.
شرح دعاء السحر، الخميني.
شرح العروة الوثقى، محمد باقر الصدر، مطبعة الآداب - النجف، 1391ه-1971م.
صراط النجاة، جواد التبريزي.
صلاة الجمعة، محمد مقيم اليزدي.(84/171)
صيانة القرآن من التحريف، محمد هادي معرفة، دار القرآن الكريم، الطبعة الأولى 1410ه، قم، إيران.
العقد الحسيني، حسين البهائي.
علل الشرائع، محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي، منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها في النجف 1385ه.
عوائد الأيام، النراقي.
العروة الوثقى، محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت - لبنان، الطبعة الثانية 1409ه-1988م.
عيون أخبار الرضا، الصدوق.
غنائم الأيام في مسائل الحلال والحرام، أبو القاسم القمي، تحقيق: عباس تبريزيان، مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي، الطبعة الأولى 1417ه، إيران.
غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع، حمزة بن علي بن زهرة الحلبي، تحقيق: إبراهيم البهادري، إيران.
الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان، أحمد الأردبيلي، صححه وعلق عليه وأشرف على طبعه: مجتبى العراقي وآخرون، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم.
فتاوى ابن جنيد، الاشتهاري.
فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب الأرباب، النوري.
فقه ابن أبي عقيل العماني، مركز المعجم الفقهي.
فقه الرضا، علي بن بابويه.
فقه الصادق، محمد صادق الروحاني، مدرسة الإمام الصادق، الطبعة الثالثة 1412ه.
الفصول العشرة في الغيبة، المفيد محمد بن النعمان، المفيد محمد بن النعمان ابن المعلم، تحقيق: فارس الحسون.
الفصول المختارة، محمد بن محمد بن النعمان المفيد، تحقيق: علي مير شريفي، الطبعة الثانية 1414ه، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.
الفصول المهمة في أصول الأئمة، محمد بن الحسن الحر العاملي، تحقيق وإشراف: محمد بن محمد الحسين القائيني، مؤسسة معارف إسلامي إمام رضا، الطبعة الأولى-1418ه.
قرب الإسناد، عبد الله الحميري، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث - قم الطبعة الأولى-1413ه.
القضاء والشهادات، مرتضى الأنصاري.(84/172)
قواعد الأحكام، الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر، منشورات الرضى قم - إيران.
الكافي، الكليني.
كافي الحلبي، أبو الصلاح الحلبي.
كامل الزيارات، جعفر بن محمد بن قولويه القمي، تحقيق: جواد القيومي، الطبعة الأولى، مؤسسة النشر الإسلامي، 1417ه.
كتاب الأربعين، سليمان الماحوزي البحراني، تحقيق: مهدي الرجائي، الطبعة الأولى 1417ه، إيران.
كتاب الإجارة، الخوئي.
كتاب الاجتهاد والتقليد، الخوئي.
كتاب البيع، الخميني.
كتاب التمحيص، محمد بن همام الإسكافي، تحقيق ونشر: مدرسة الإمام المهدي، قم.
كتاب الحج، الخوئي.
كتاب الحج، الكبايكاني.
كتاب الخمس، مرتضى الأنصاري.
كتاب الخمس، الخوئي.
كتاب الزكاة، مرتضى الأنصاري.
كتاب الزكاة، الخوئي.
كتاب الزهد، الحسين بن سعيد الكوفي الأهوازي، تحقيق وإخراج وتنظيم: ميرزا غلام رضا عرفانيان، المطبعة التعليمية بقم، ذو الحجة الحرام 1399ه.
كتاب الشهادات، الكلبايكاني.
كتاب الطهارة، مرتضى الأنصاري، تحقيق: لجنة التحقيق، الطبعة الأولى - ربيع الأول 1415ه.
كتاب الطهارة، الخميني، أشرف على طبعه وعنى بتصحيحه هاشم الرسولي المحلاتي، قم - جابخانة مهر.
كتاب الطهارة، الخوئي.
كتاب الطهارة، الكلبايكاني.
كتاب الصلاة، مرتضى الأنصاري، الطبعة الأولى 1415ه، الأمانة العامة للمؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى الثانية المئوية لميلاد الأنصاري، إيران.
كتاب الصلاة، الخوئي.
كتاب الصلاة، تقريرات النائيني للكاظمي.
كتاب الصوم، مرتضى الأنصاري.
كتاب الصوم، الخوئي.
كتاب القضاء، الأشتياني.
كتاب القضاء، الكلبايكاني.
كتاب المساقاة، الخوئي.
كتاب المضاربة، الخوئي.
كتاب المكاسب، مرتضى الأنصاري.
كتاب النكاح، مرتضى الأنصاري، تحقيق: لجنة التحقيق، الطبعة الأولى 1415ه، قم، الأمانة العامة للمؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد الأنصاري.
كتاب النكاح، الخوئي.(84/173)
كتاب الغيبة، ابن أبي زينب محمد بن إبراهيم النعماني، تحقيق: علي أكبر الغفاري، مكتبة الصدوق، طهران.
كشف الرموز شرح المختصر النافع، زين الدين أبي علي الحسن بن أبي طالب المعروف بالآبي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم.
كشف الغطاء عن مبهمات شريعة الغراء، جعفر المدعو بكاشف الغطاء انتشارات مهدوي بازار - باغ قلندرها - باساز علوي.
كشف اللثام، الفاضل الهندي.
كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر، علي بن محمد بن علي الخزاز القمي الرازي، تحقيق: عبد اللطيف الحسيني الكوة كمرى الخوئي، انتشارات بيدار، قم، 1401ه.
كفاية الأحكام، محمد باقر السبزواري، مركز نشر أصفهان بازار مدرسة صدر المهدوي.
كمال الدين وتمام النعمة، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، صححه وعلق عليه: علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم، إيران، محرم الحرام 1405ه.
اللمعة الدمشقية، الشهيد الأول، دار الفكر، إيران - قم، الطبعة الأولى 1411ه.
اللوامع النورانية في أسماء علي وأهل بيته القرآنية، هاشم البحراني، الطبعة الأولى 1394ه، المطبعة العلمية، قم.
مائة منقبة من مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والأئمة من ولده من طريق العامة، محمد بن أحمد بن علي بن الحسن القمي المعروف بابن شاذان، مدرسة المهدي، قم.
مباني تكملة المنهاج، أبو القاسم الخوئي، الطبعة الثانية، طبع في المطبعة العلمية بقم 1396ه.
المبسوط في فقه الإمامية، محمد بن الحسن بن علي الطوسي، صححه وعلق عليه: محمد تقي الكشفي، عنيت بنشره - المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية، إيران.
مثير الأحزان، ابن نما الحلي، منشورات المكتبة الحيدرية في النجف 1369ه-1950م.
المجازات النبوية، الرضى، تحقيق وشرح الدكتور طه محمد الزيني، مكتبة بصيرتي قم - شارع إرم.
مجمع الفائدة والبرهان، الأردبيلي.(84/174)
المحاسن، أحمد بن محمد بن خالد البرقي، عني بنشره وتصحيحه والتعليق عليه: جلال الدين الحسيني، دار الكتب الإسلامية، إيران.
محصل المطالب في تعليقات المكاسب، صادق الطهوري، الطبعة الأولى 1419ه، انتشارات أنوار الهدى، إيران.
المختصر النافع في فقه الإمامية، جعفر الحلي، منشورات: قم الدراسات الإسلامية في مؤسسة البعثة، الطبعة الثالثة: طهران 1410ه.
مختصر الأحكام، محمد رضا الموسوي الكلبايكاني، دار القرآن الكريم، إيران.
مختصر الأحكام، الكلبايكاني.
مختصر بصائر الدرجات، حسن بن سليمان الحلي، الطبعة الأولى، منشورات المطبعة الحيدرية في النجف 1370ه.
مختلف الشيعة، الحسن بن يوسف بن المطهر، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلام، الطبعة الأولى 1412ه، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم.
مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام، محمد بن علي العاملي، تحقيق: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث - مشهد، الطبعة الأولى 1410ه.
مدينة المعاجز، هاشم بن سليمان البحراني، تحقيق ونشر: مؤسسة المعارف الإسلامية/ بإشراف عزة الله المولائي، الطبعة الأولى 1413ه.
المراسم العلوية، حمزة بن عبد العزيز الديلمي، تحقيق: محسن الحسين الأميني، الناشر: المعاونية الثقافية للمجمع العالمي لأهل البيت، 1414ه، قم.
مزار الشهيد الأول، محمد بن مكي العاملي، تحقيق ونشر مدرسة المهدي، قم، الطبعة الأولى 1410ه.
مزار المشهدي، محمد بن المشهدي، تحقيق: جواد القيومي الأصفهاني، الطبعة الأولى 1419ه، إيران.
المسائل الصاغانية، المفيد، تحقيق: محمد القاضي، الطبعة الأولى 1413ه، الناشر: المؤتمر العالمي لألفية المفيد، إيران.
المسائل المستحدثة، محمد صادق الروحاني، الطبعة الرابعة: 1414ه، مؤسسة دار الكتاب، قم.
المسح على الرجلين، المفيد محمد بن محمد النعمان، تحقيق: مهدي نجف، إيران.
مستمسك العروة الوثقى، محسن الحكيم.(84/175)
المسائل الطوسية، المفيد محمد بن محمد بن النعمان، إيران.
المسائل الفقهية، عبد الحسين شرف الدين.
مسائل علي بن جعفر ومستدركاتها، تحقيق: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث - قم - نشر: المؤتمر العالمي للإمام الرضا - مشهد - الطبعة الأولى - ذو القعدة 1409ه.
مسالك الإفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام، زين الدين بن علي العاملي، تحقيق ونشر: مؤسسة المعارف الإسلامية، إيران، الطبعة الأولى 1413ه.
مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، حسين النوري الطبرسي، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، الطبعة الأولى 1408ه-1987م، بيروت.
المسترشد في إمامة أمير المؤمنين، محمد بن جرير بن رستم الطبري الشيعي، تحقيق: أحمد المحمودي، الناشر: مؤسسة الثقافة الإسلامية، قم - الطبعة الأولى.
مستند الشيعة في أحكام الشريعة، أحمد بن محمد مهدي النراقي، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث - مشهد، الطبعة الأولى 1415ه.
مستمسك العروة الوثقى، محسن الطباطبائي الحكيم، الطبعة الرابعة، مكتبة المرعشي النجفي، قم - إيران 1404ه.
مسند الإمام الرضا، تحقيق: عزيز الله العطاردي، الناشر: المؤتمر العالمي للإمام الراض، 1406ه، إيران.
مسند الرضا، داود بن سليمان بن يوسف الغازي، تحقيق: محمد جواد الحسيني الجلالي، الناشر: مركز النشر التابع لمكتب العالم الإسلامي، الطبعة الأولى، 1418ه.
مشارق الشموس الدرية في أحقية الطائفة الإخبارية، عدنان البحراني/المكتبة العدنانية بالبحرين، الطبعة الأولى 1406ه.
مشارق الشموس، الخوانساري.
مشرق الشمسين، بهاء الدين العاملي.
مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، علي الطبرسي، الطبعة الثانية، منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها في النجف 1385ه-1965م.
مصادر الاستنباط بين الأصوليين والإخباريين، محمد الغراوي.
مصباح الشريعة، جعفر الصادق، مؤسسة الأعمى للمطبوعات بيروت - لبنان، الطبعة الأولى 1400ه-1980م.(84/176)
مصباح الفقاهة، أبو القاسم الموسوي الخوئي، المطبعة الحيدرية، النجف 1374ه-1954م، الطبعة الثانية، مطبعة سيد الشهداء، قم.
مصباح الفقيه، محمد بحر العلوم.
مصباح المتهجد، محمد بن الحسن الطوسي، الطبعة الأولى 1411ه-1991م، مؤسسة فقه الشريعة، بيروت - لبنان.
مصباح المنهاج، محمد سعيد الطباطبائي الحكيم، مؤسسة المنار، الطبعة الأولى 1415ه-1994م، إيران.
المعتبر في الشرح المختصر، الحلي، المحقق الحلي، مؤسسة سيد الشهداء، 1364ه.
معدن الجواهر ورياضة الخواطر، محمد بن علي الكراجكي، تحقيق: أحمد الحسيني، الطبعة الثانية، قم 1394ه.
معاني الأخبار، الصدوق.
مصباح المنهاج، محمد سعيد الحكيم.
معجم أحاديث المهدي، الهيئة العلمية في مؤسسة المعارف الإسلامية تحت إشراف علي الكوراني، مؤسسة المعارف الإسلامية، الطبعة الأولى 1411ه، قم.
معجم رجال الحديث، الخوئي.
مفتاح الفلاح، بهاء الدين العاملي.
مقتضب الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر، أحمد بن عبيد الله بن عياش الجوهري، مكتبة الطباطبائي قم، مدرسة فيضية المطبعة العلمية - قم.
مقتل الحسين، لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف، منشورات المكتبة العامة المرعشي النجفي، تعليق: حسن الغفاري، محرم الحرام 1398 المطبعة العلمية قم.
المقنع، محمد بن علي بن بابويه، التحقيق: لجنة التحقيق التابعة لمؤسسة الإمام الهادي، الناشر: مؤسسة الإمام الهادي - قم 1415ه.
المقنع في الغيبة، المرتضى، تحقيق: محمد علي الحكيم، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث - قم، الطبعة الأولى 1416ه.
المقنعة، المفيد، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الثانية 1410ه، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم.
المكاسب المحرمة، مرتضى الأنصاري، تحقيق: محمد حسين أمر الله، محمد رضا فاكر، الطبعة الأولى 1418ه، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم.(84/177)
المكاسب المحرمة، الخميني، مؤسسة إسماعيليان، الطبعة الثالثة 1410ه، إيران.
منار الهدى في النص على إمامة الأئمة الاثني عشر، علي البحراني، وحققه وعلق عليه عبد الزهراء (!!!) الخطيب، دار المنتظر، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى 1405ه.
مناسك الحج، الكلبايكاني.
مناسك الحج، علي السيستاني.
مناقب آل أبي طالب، ابن شهر أشوب، قام بطبعه محمد كاظم الكتبي صاحب المكتبة والمطبعة الحيدرية، 1376ه-1956م، المطبعة الحيدرية النجف.
مناقب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، محمد بن سلميان الكوفي، تحقيق: محمد باقر المحمودي، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية، الطبعة الأولى 1412ه إيران - قم.
منتهى المطالب في تحقيق المذهب، الحلي، التحقيق: قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلامية، الناشر: مجمع البحوث الإسلامية، إيران، مشهد، الطبعة الأولى 1412ه.
من لا يحضره الفقيه، الصدوق.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، ميرزا حبيب الله الخوئي، مؤسسة الوفاء، بيروت، الطبعة الثانية 1403ه.
منهاج الصالحين، محمد الحسيني الروحاني، مكتبة الألفين، الكويت، الطبعة الثانية 1414ه.
منهاج الصالحين، علي السيستاني.
منهاج الفقاهة، محمد صادق الروحاني، الطبعة الرابعة 1418ه، إيران.
منتهى الطلب، الحلي.
منهاج الصالحين وتكملته، الخوئي.
المهذب، عبد العزيز بن البراج الطرابلسي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم، إيران.
المهذب البارع في شرح المختصر النافع، أحمد بن محمد بن فهد الحلي، تحقيق: مجتبى العراقي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم، 1407ه.
موسوعة الإمام الجواد، اللجنة العلمية في مؤسسة ولي للدراسات الإسلامية، المشرف على تأليف الموسوعة أبي القاسم الخزعلي، الناشر: مؤسسة ولي العصر للدراسات الإسلامية، قم، الطبعة الأولى 1419ه.
الناصريات، المرتضى.
نتائج الأفكار، الكلبايكاني.
نخبة الأزهار، تقريرات الإصفاني للسبحاني.(84/178)
نوادر الأشعري، أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي، تحقيق ونشر: مؤسسة الإمام المهدي، قم، الطبعة الأولى، 1408ه.
نوادر المعجزات في مناقب الأئمة الهداة، محمد بن جرير بن رستم الطبري، تحقيق ونشر: مؤسسة الإمام المهدي - قم - برعاية: محمد باقر، الطبعة الأولى، ذو الحجة 1410ه.
النهاية، الطوسي.
نهاية الإحكام في معرفة الأحكام، الحلي، مؤسسة إسماعيليان - قم، الطبعة الثانية 1410ه.
نهاية المرام، محمد العاملي، تحقيق: مجتبى العراقي، الطبعة الأولى 1413ه، ق مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم.
الهداية، الصدوق.
الهداية، الكلبايكاني.
هداية العباد، الكلبايكاني.
هداية العباد، لطف الله الصافي.
الهداية الكبرى، الحسين بن حمدان الخصيبي، الطبعة الرابعة 1411ه-1991م، مؤسسة البلاغ، بيروت.
الوافي، الفيض الكاشاني.
وسائل الشيعة، الحر العاملي.
الوسيلة إلى نيل الفضيلة، أبي جعفر الطوسي المعروف بابن حمزة، تحقيق: محمد الحسون، مكتبة المرعشي النجفي، قم، 1408ه، الطبعة الأولى.
وغيرها من المصادر المذكورة في حواشي الكتاب.
تم الكتاب ولله الحمد.(84/179)
براءة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب (رحمه الله)
من:
تهمة غلو التكفير
تهمة الخروج على الدولة العثمانية
غلو حركة الإخوان – الخوين-
جمع وترتيب
عبدالباسط بن يوسف الغريب
عمان- الأردن
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:
(لست ولله الحمد أدعو إلى مذهب صوفي أو فقيه أو متكلم أو إمام من الأئمة الذين أعظمهم مثل ابن القيم والذهبي وابن كثير وغيرهم، بل أدعو إلى الله وحده لا شريك له، وأدعو إلى سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي أوصى بها أول أمّته وآخرهم).
[مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب - القسم الخامس "الرسائل الشخصية" ص252].
مقدمة
إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل الله فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد، فإن الدعوة السلفية – دعوة الحق والإسلام الواضح - تواجه حروبا وتشويها شديدا هذه الأيام, وذلك لأنها تقود حركة الصحوة الإسلامية اليوم.
ومن هذه التشويهات والحروب وصمها "بالوهابية" نسبة إلى الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب, والافتراء عليه وعلى دعوته وإثارة الشبهات حولها، ويقوم بهذا جهات عديدة منها:
الإعلام الصهيوني والذي يحاول أن يلصق بالدعوة السلفية تهمة الإرهاب.
القوى الشيعية وخاصة بعد تسلمهم الحكم في العراق, وبعد أن أصبح لهم قوة ومنعة.
الطرق الصوفية, والتي كسد سوقها لدى الناس بسبب ما قامت به الدعوة السلفية من كشف زيفها وعوارها للمسلمين, وكشف ما تقوم به من ترويج للخرافة والشرك والجهل.
وهم في هجومهم على الدعوة السلفية يلجئون إلى أساليب غير شريفة في تشويه صورة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ودعوته, ومن تلك الشبهات:
ادعائهم أنها دعوة خارجية.(85/1)
محاولة إظهار أن دعوة الشيخ صنعة بريطانية عن طريق اختلاق ما يسمى بمذكرات همفر.
ادعائهم غلو التكفير, وأنه هذه الدعوة المباركة تكفر من خالفها.
اتهام الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب بالخروج على الدولة العثمانية, وشق عصا الطاعة.
محاولة ربط غلو وتعنت حركة الإخوان السعودية – الخوين - (1) بدعوة الشيخ المباركة.
فقمت بتفنيد هذه الشُبه وبيان زيفها وعدم صحتها, ودللت على ذلك بالنقول الموثقة من كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، ومن أقوال العلماء وطلبة العلم في هذه المسائل, ومهدت لذلك بنبذة مختصرة عن حياة الشيخ المجدد, وآثار دعوته المباركة على نهضة المسلمين وتقدمهم, وقد استفدت من كتاب الشيخ أحمد بن حجر آل أبو طامي رحمه الله في ترجمة الشيخ الإمام, ومن كتاب الشيخ عبد العزيز بن محمد العبد اللطيف في كتابه "دعاوي المناوئين" في رد بعض هذه المفتريات, ومن غيرها من الكتب, والله أسأله أن ينفع بهذا الكتاب وأن يرزقنا الإخلاص والمتابعة في القول والعمل.
التعريف بالإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله-
هو مصلح عاش في القرن الثاني عشر الهجري دعا الناس فيه إلى إخلاص العبادة لله ونبذ الشرك والخرافات والبدع التي تعلق بها كثير من الناس.
__________
(1) طلق أهل البادية في الأردن على حركة الإخوان "الخوين" نسبة إلى التآخي بلهجة البدو الدارجة.(85/2)
قال الشيخ الدكتور وهبة الزحيلي: "ومما لا شك فيه، إنصافاً للحقيقة، لا إرضاء لأحد، وعملاً بآي القرآن العظيم: {ولا تبخسوا الناس أشياءَهم}، كان من أجرأ أصوات الحق، وأكبر دعاة الإصلاح، والبناء والجهاد لإعادة تماسك الشخصية المسلمة وإعادتها لمنهج السلف الصالح: دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في القرن الثاني عشر الهجري "الثامن عشر الميلادي"، لتجديد الحياة المسلمة، بعد ما شابها في أوساط العامة من خلافات، وأوهام، وبدع، وانحرافات، فكان ابن عبد الوهاب بحق، زعيم النهضة الدينية الإصلاحية المنتظر، الذي أظهر موازين العقيدة الشرعية الناصعة، وأبان حقيقة الوحدانية والوحدة والتوحيد الخالص لله عز وجل، وأن العبادة هي التوحيد، وحوّل الشراع رأساً على عقب، للعمل الكامل بالقرآن والسُنّة ونبذ مظاهر الترف والبدع، وتحطيم ما علق بالحياة المسلمة من أوهام والعودة إلى الحياة الصالحة الأولى(1).
فقد كانت الفترة التي عاصرها الإمام محمد بن عبد الوهاب "مطلع القرن الثاني عشر الهجري"، فترة انتكاس في الفطر، وارتكاس في العقائد؛ ذلك أن مظاهر الشرك الجلي قد ظهرت في مواطن كثيرة من بلاد الإسلام، وتمثل هذا الشرك في تحول فئام من الناس إلى عبادة الأولياء والصالحين أمواتاً وأحياءً؛ فكل ما يجب أن يصرف لله تعالى من العبادات القلبية والعملية، كان يصرفها أولئك للمقبورين بزعم أنهم كانوا صالحين، فاستغاثوا بهم في النوازل ونذروا وطافوا وتمسحوا بآثارهم ومدافنهم، بل تعدى الأمر إلى الشرك بالجمادات كالأحجار والأشجار، وقد كان في بلاد نجد من تلك الانحرافات ما قض مضجع الشيخ وأنقض ظهره، فلم ير لنفسه عذراً في السكوت على هذا الشر المنتشر في الآفاق.
__________
(1) هبة الزحيلي: "مُجدِّد الدِّينْ في القَرن الثاني عشرْ" (ص4) .(85/3)
ففي "الجبيلة" كان الناس يقصدون قبر "زيد بن الخطاب" ويدعونه لتفريج الكرب وكشف النوب، فعكف الناس على عبادتها، وصارت لعبادة تلك المقابر أعظم المنزلة في صدور الناس رغباً ورهباً، وكان في أسفل الدرعية غار كبير يزعم الجهال أن الله تعالى شقه في جبل لإنقاذ امرأة من بعض الفسقة الذين أرادوها بسوء، فكان الجهلة يرسلون إلى الغار وهو أحجار اللحم والخبز وصنوف الهدايا.
وفي شعيب "غبيرة" كان الناس يأتون من المنكر ما لا يعهد مثله عند قبور الصالحين وخاصة عند القبر الذي يزعمون أن فيه "ضرار بن الأزور"، وكانت طوائف من الخلق تأتي إلى شجرة "الطرفية" فيتبركون بها ويعلقون الخرق عليها إذا رزقوا ولداً لعله يسلم من الموت!
هذا في بلاد نجد، أما في بلاد الحجاز، فلم يكن الأمر بأقل سوءاً من هذا؛ ففي مكة كانت تعلو الاستغاثات والأدعية عند قبر "أبي طالب" وقبر "المحجوب"، وكان تعظيم هذين القبرين يفوق تعظيم الكعبة عند كثير من الجهال؛ حتى إن السارق أو المعتدي أو الغاصب إذا لجأ إلى أحد هذين القبرين لم يتعرض له أحد بما يكره، أما إن تعلق بالكعبة فإنه يسحب فيها بالأذيال؛ تفريطاً منهم بحقها.
وكذلك كانت ترتكب الشنائع الاعتقادية والأخلاقية عند قبر ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين رضي الله عنها في "سَرِف"، وكذلك عند قبر أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها في "المعلاّة".
... وفي الطائف كان قبر عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يُتخذ مزاراً يقف أمامه المكروبون مستغيثين، والخائفون متضرعين، وأصحاب الحاجة والمسألة داعين مسترزقين.
أما في المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام فقد خالف الناس سنته، واتخذوا قبره عيداً، وهو الذي برئ من ذلك وقال ((اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد))(1).
__________
(1) واه الإمام مالك في "الموطأ" (ص85).(85/4)
ولكن تلك المظاهر الوثنية التي حذر الرسول - صلى الله عليه وسلم - منها تسللت إلى جزيرة الإسلام، وأبت إلا أن تشوه نقاء التوحيد فيها، وحق على بعض أهلها قول الرسول: ((لا تقوم الساعة حتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان))(1). فتعددت البقاع التي يعصى فيها الله بتلك الموبقات.
أما في جدة، فقد بلغ الضلال والفحش غايته عند القبر المزعوم أنه لحواء عليها السلام فكانت تجبى إليه الأموال كل عام، ويأكل السدنة عنده أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله.
وإذا كانت هذه بعض مظاهر الانحراف داخل الجزيرة العربية مهد الإسلام فما بالنا بما كان خارجها من الانحرافات؟! المقصود هنا أن مظاهر الانحراف في العقيدة عمت تلك الجزيرة إلا من رحم الله. فقام الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله كأمة وحده، فدعا إلى نبذ مظاهر الشرك ونافح ودافع عن عقيدة التوحيد الخالص وجدد الله به أمر هذه الأمة((2).
نبذة مختصرة عن حياة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله
ولد الشيخ محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن على بن محمد بن أحمد بن راشد التميمي سنة (1115هجرية) الموافق سنة (1703م)، في بلدة العيينة، الواقعة شمال الرياض.
ونشأ الشيخ في حجر أبيه عبد الوهاب في تلك البلدة في زمن إمارة عبد الله بن محمد بن حمد بن مُعمَّر.
وكان سباقاً في عقله وفي جسمه، حادّ المزاج، فقد استظهر القرآن قبل بلوغه العشر، وبلغ الاحتلام قبل إتمام الاثنتي عشرة سنة.
قال أبوه: رأيته أهلاً للصلاة بالجماعة، وزوجته في ذاك العام.
درس على والده الفقه الحنبلي والتفسير والحديث. وكان في صغره، مكباً على كتب التفسير والحديث والعقائد. وكان يعتني بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم رحمهما الله، ويكثر من مطالعة كتبهما.
__________
(1) بوداود وابن ماجة وإسناده صحيح.
(2) مهذب دمعة على التوحيد" ص (108).(85/5)
ثم غادر البلاد قاصداً حج بيت الله الحرام. وبعد أدائه الفريضة أم المدينة المنورة، وقصد المسجد النبوي، وزار إمام المرسلين - صلى الله عليه وسلم -.
وكان فيما إذ ذاك من العلماء العاملين، الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن سيف من آل سيف النجدي، كان رأساً في بلدة المجمعة، فأخذ عنه الشيخ محمد بن عبد الوهاب كثيراً من العلم، وأحبه الشيخ عبد الله، وكان به حفياً، وبذل جهداً كبيراً في تثقيفه وتعليمه, وكان من عوامل توثيق الروابط بينهما وتمكين المحبة توافق أفكاره ومبدئه مع تلميذه في عقيدة التوحيد، والتألم مما عليه أهل نجد وغيرهم من عقائد باطلة، وأعمال زائفة.
ثم وصل الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن سيف حبل الشيخ محمد، بحبل المحدث الشيخ محمد حياة السندي، وعرَّفه به وبما هو عليه من عقيدة صافية، وبما تجيش به نفسه من مقت الأعمال الشائعة في كل مكان من البد ، والشرك الأكبر والأصغر، وأنه إنما خرج من نجد للرحلة في طلب العلم، وسعياً إلى الاستزادة من السلاح الديني القوي، الذي يعينه على ما هو مصمم عليه من القيام بالدعوة والجهاد في سبيل الله.
وممن أخذ عنهم الشيخ وانتفع بمصاحبته الشيخ على أفندي الداغستاني، والشيخ إسماعيل العجلوني، والشيخ عبد اللطيف العفالقي الإحسائي، والشيخ محمد العفالقي الإحسائي.
ثم توجه إلى نجد، ثم البصرة، قاصداً الشام، ليستزيد من العلوم النافعة. فأقام مدة بالبصرة، ودرس العلم فيها على جماعة من العلماء منهم: الشيخ محمد المجموعي، وقرأ الكثير من النحو واللغة والحديث، كما كتب كثيراً في تلك الإقامة من المباحث النافعة والكتب القيمة، ونشر علمه النافع وآراءه القيمة حول موضوع البدع والخرافات.(85/6)
وتوجه إلى الشام راجلاً لينهل من مناهل العلماء، ويتغذى من الثقافات الدينية، مستزيداً غير أنه قلت نفقته، فقفل راجعاً، فأتى الإحساء، فنزل بها عند الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف الشافعي، وقرأ عنده ما شاء الله أن يقرأ.
ثم توجه إلى حريملا، قرية من نجد، وذلك لأن والده الشيخ عبد الوهاب قد انتقل إليها.
ولما آب الشيخ من رحلته الطويلة وراء العلم والتحصيل، لازم أباه، واشتغل عليه في علم التفسير والحديث وغيرهما.
وعكف على كتب الشيخين: شيخ ابن تيمية، والعلامة ابن القيم رحمهما الله، فزادته تلك الكتب القيمة، علماً ونوراً وبصيرة، ونفخت فيه روح العزيمة.
ورأى الشيخ بثاقب نظره ما بنجد وما بالأقطار التي رحل إليها من العقائد الضالة، والعادات الفاسدة، فصمم على القيام بالدعوة إلى الله.
حالة نجد قبل دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب
زار الشيخ الإمام الحجاز والإحساء والبصرة والزبير، وقيل حتى فارس، لينهل من مناهل العلوم الدينية ويتفهم أصول الدين وشرائعه القويمة، ويقف على أحوال أولئك الأقوام وعقائدهم وعلومهم، بعدما شاهد في نجد - وطنه - ما شاهد من المنكرات الأثيمة والشركيات القبيحة الذميمة القاتلة لمعني الإنسانية.
وكان أيام تحصيله يقرر لسامعيه ومخالطيه ما فهمه من الدين والتوحيد، ويبين قبائح ما تأتيه العامة وأشباه العامة من أدعياء العلم.
عندما كان في المدينة المنورة يسمع الاستغاثات برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودعاءه من دون الله، فقال للشيخ محمد حياة السندي: ما تقول يا شيخ في هؤلاء؟ فأجابه على الفور: {إِنَّ هَؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}.
درس أحوال نجد وأهل البلدان التي زارها، ورأى ما هم فيه من بُعدٍ عن الدين، ولاسيما نجد.(85/7)
رأى نجداً كما يحدثنا المؤرخون السالفون لنجد، كابن بشر، وابن غنام، والآلوسي والمعاصرون كـ "حافظ وهبة" وغيره، مرتعاً للخرافات والعقائد الفاسدة التي تتنافي مع أصول الدين الصحيحة. فقد كان فيها كثير من القبور تنسب إلى بعض الصحابة يحج الناس إليها ويطلبون منها حاجاتهم، ويستغيثون بها لدفع كروبهم.
فقد كانوا في الجُبيلة، يؤمون قبر زيد بن الخطاب، ويتضرعون لديه، ويسألونه حاجاتهم، وكذلك في الدرعية، كان قبر لبعض الصحابة كما يزعمون.
وأغرب من ذلك، توسلهم في بلد المنفوحة بفحل النخل، اعتقادهم أن من تؤمّه من العوانس تتزوج، فكانت من تقصد تقول: يا فحل الفحول، أُريد زوجاً قبل الحول.
وفي الدرعية، كان غار يقصدونه، بزعم أنه كان ملجأً لإحدى بنات الأمير التي فرت هاربة من تعذيب بعض الطغاة.
وفي شعب غبيرا، قبر ضرار بن الأزور، كانوا يأتون لديه من الشرك والمنكر ما لعل مثله لا يتصور.
ورأى في الحجاز، من تقديس قبور الصحابة وأهل البيت والرسول - صلى الله عليه وسلم -، مالا يسوغ إلا مع رب الأرباب.
كما رأى في البصرة والزبير، وسمع عن العراق والشام ومصر واليمن من الوثنية الجاهلية ما لا يستسيغه العقل، ولا يقره الشرع.
كما سمع عن العيدروس في عدن, والزيلعي في اليمن الشيء الكثير.
ويصور الشيخ سليمان بن سحمان هذه الحالة في نجد بقوله: قد خلع الناس ربقة التوحيد والدين, وجدوا واجتهدوا في الاستغاثة والتعلق بغير الله تعالى من الأولياء والصالحين والأصنام والأوثان والشياطين. وكثير منهم يعتقد النفع في الأحجار والجمادات, ويتبركون بالأشجار, ويرجون منها القبول في جميع الأوقات((1).
وفي الحجاز: أصبح الدعاء عند القبور من الأمور المألوفة عند الكثير من الناس. فيما يفعل عند قبر خديجة في المعلاة, وعند قبة أبي طالب ومن استغاثة وطلب شفاعة شيء تهول له النفوس.
__________
(1) الضياء الشارق" (ص7).(85/8)
وفي اليمن يوجد قبور يتبرك بها العوام, وفي الحديدة وحضر موت ويافع.
وفي الشام توجد قبور في دمشق وحلب وأقصى الشام يتبرك بها.
وفي العراق قبر أبي حنيفة, ومعروف الكرخي, وكذلك ما يفعله الناس عند مشهد قبر على بن أبي طالب - رضي الله عنه -.
وفي النجف ومشهد قبر الحسين والكاظم في كربلاء. وهذه القبور وغيرها يأتيها الناس فيستغيثون بها ويسألونها قضاء حاجاتهم وتفريج كرباتهم((1).
ويصور الحالة التي وصل لها المسلمين إبان ظهور دعوة الشيخ، الكاتب الأمريكي "لوتروب ستودارد" بقوله: "في القرن الثامن عشر كان العالم الإسلامي قد بلغ من التضعضع أعظم مبلغ, ومن التدني والانحطاط أعمق درك, فأربد جوه وطبعت الظلمة كل صقع من أصقاعه ورجا من أرجائه وانتشر فيه فساد الأخلاق والآداب, وتلاشى ما كان باقياً من أثار التهذيب العربي، واستغرقت الأمم الإسلامية في اتباع الأهواء والشهوات وماتت الفضيلة في الناس, وساد الجهل, وانقلبت الحكومات الإسلامية إلى مطايا استبداد وفوضى واغتيال.
__________
(1) روضة الأفكار والأفهام المرتاد حال الإمام وتعدد غزوات ذوي الإسلام" (1/5-6).(85/9)
"وأما الدين فقد غشيته غاشية سوداء, فألبست الوحدانية التي علمها صاحب الرسالة الناس سجفاً من الخرافات وقشور الصوفية, دخلت المساجد من أرباب الصلوات وكثر عدد الأدعياء والجهلاء وطوائف الفقراء والمساكين يخرجون من مكان إلى مكان يحملون في أعناقهم التمائم والتعاويذ والسبحات, ويهمون الناس بالباطل والشبهات ويرغبونهم في الحج إلى قبور الأولياء, ويزينون للناس التماس الشفاعة من دفناء القبور, وغابت عن الناس فضائل القرآن؛ فصار شرب الخمر والأفيون في كل مكان، وانتشرت الرذائل وهتكت ستر الحرمات على غير خشية ولا استحياء, ونال مكة المكرمة والمدينة المنورة ما نال غيرهما من سائر مدن الإسلام, وعلى الجملة بدل المسلمون غير المسلمين، وهبطوا مهبطاً بعيد القرار، فلو عاد صاحب الرسالة إلى الأرض في ذلك العصر ورأى من كان يدعى الإسلام لغضب"((1).
ويصور لنا ابن غنام الحالة التي وصلت إليها نجد قبل دعوة الشيخ محمد بقوله: "فقد كان في بلدان نجد من ذلك أمر عظيم وهول مقيم, كان الناس يقصدون قبر زيد بن الخطاب في الجبيلة ويدعونه لتفريج الكرب, وكشف النوب, وقضاء الحاجات, وكانوا يزعمون أن في قرية في الدرعية قبور بعض الصحابة فعكفوا على عبادتها وصار أهلها أعظم في صدورهم من الله خوفاً ورهبة فتقربوا إليهم, وهم يعنون أنهم أسرع إلى تلبية حوائجهم من الله. وكان هناك شجرة تدعى شجرة الذئب يأمها النساء اللاتي يرزقن بمواليد ذكور ويعلقن عليها الخرق البالية لعل أولادهن يسلمون من الموت والحسد. وكان في الخرج رجل يدعى "تاج" نهج الناس فيه سبيل الطواغيت فانهالت عليه النذر واعتقدوا فيه النفع والضرر، وكانوا يذهبون للحج إليه أفواجا وينسجون حوله كثيراً من الأساطير والخرافات"((2).
__________
(1) حاضر العالم الإسلامي" (1/295).
(2) تاريخ نجد" (ص11).(85/10)
ويقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن في حال العصر الذي ظهر فيه الشيخ محمد بقوله: "كان أهل عصره ومصره في تلك الأزمان قد اشتدت غربة الإسلام بينهم وعفت آثار الدين لديهم, وانهدمت قواعد الملة الحنيفية, وغلب على الأكثرين ما كان عليه أهل الجاهلية, وانطمست أعلام الشريعة في ذلك الزمان, وغلب الجهل والتقليد والإعراض عن السنة والقرآن, وشبه الصغير لا يعرف من الدين إلا ما كان عليه أهل تلك البلدان, وهرم الكبير على ما تلقاه من الآباء والأجداد, و أعلام الشريعة مطموسة, ونصوص التنزيل وأصول السنة فيما بينهم مدروسة, وطريق الآباء والأسلاف مرفوعة الأعلام, وأحاديث الكهان والطواغيت مقبولة غير مردودة ولا مدفوعة قد خلعوا ربقة التوحيد والدين واجتهدوا في الاستغاثة والتعلق بغير الله من الأولياء والصالحين والأوثان والأصنام والشياطين, وعلمائهم ورؤساءهم على ذلك مقبلون, وببحر الأجاج شاربون به، قد أغشتهم العوائد والمألوفات, وحبستهم الشهوات والإيرادات عن الارتفاع إلى قلب الهدى من النصوص المحكمات والآيات البينات"((1).
بدء نهضة الشيخ في الإصلاح الديني
وبعد أن ثبت لديه وتحقق حالتهم السيئة في دينهم وأيقن أنهم قد أدخلوا في أصول الإسلام العليا ما يأباه القرآن، وما تأباه السنة المحكمة, وكان يقوي عقيدته بخطئهم وركونهم إلى البدع ما يقرؤه من الروايات القائلة بأن المسلمين لابد أن يغيروا، وأن يسلكوا مسالك الذين من قبلهم كالحديث الصحيح: ((لتتبعُن سنن من كان قبلكم)). وكحديث: ((لا تقوم الساعة حتى يعبد فئام من أمتي الأوثان)). وحديث: ((بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ)).
حينئذ صمم الشيخ أن يعالن قومه بأنهم قد ضلوا الطريق السويّ، وزاغوا عن منهج الصواب.
بداية دعوته
__________
(1) مجموعة الرسائل والمسائل النجدية" (3/381-382).(85/11)
ابتدأ الشيخ رحمه الله، دعوته لقومه في بلدة "حريملا" وبين لهم أنه لا يدعى إلا الله، ولا يذبح ولا ينذر إلا له، وأن عقيدتهم في تلك القبور والأحجار والأشجار، من الاستغاثة بها، وصرف النذور إليها، واعتقاد النفع والضر منها، ضلال وزور، وبأنهم في حالة لا ترضي، فلا بد من نبذ ذلك.
وعزز كلامه بآي من كتاب الله المجيد وأقوال الرسول وأفعاله، وسيرة أصحابه.
فوقع بينه وبين الناس نزاع وجدال، حتى مع والده العالم الجليل، لأنه كان مغتراً بأقاويل المقلدين السالكين تلك الأفعال المنكرة في قوالب حب الصالحين. فاستمر الشيخ يجاهد بلسانه وقلمه وإرشاده.
وتبعه أُناس من أهل تلك البلدة، حتى انتقل أبوه عبد الوهاب إلى جوار رب الأرباب سنة 1153هـ.
وبعد وفاة والده، جاهر قومه بالدعوة والإنكار على عقائدهم الضالة, ودعا إلى متابعة الرسول في الأقوال والأفعال.
وكان في تلك البلدة قبيلتان، وكل يدعي الزعامة، وليس هناك من يحكم الجميع، ويأخذ حق الضعيف، ويردع السفيه. وكان لإحدى القبيلتين، عبيد يأتون بكل منكر وفساد، ولا يحجمون عن التعدِّي على العباد. فصمم الشيخ على منعهم وردعهم.
ولما أحسَّ أولئك الأرقاء بما صمم عليه الشيخ، عزموا أن يفتكوا به خفية فتسوروا عليه من وراء الجدار فشعر بهم بعض الناس، فصاحوا بهم وهربوا.
عندها غادر الشيخ "حريملا" إلى "العيينة" مسقط رأسه، وموطن آبائه، وحاكمها إذ ذاك عثمان بن حمد بن معمر, فتلقاه بكل إجلال وإكرام، وبين الشيخ له دعوته الإصلاحية المباركة، القائمة على دعائم الكتاب والسنة المطهرة وشرح له معنى التوحيد، وأن أعمال الناس اليوم وعقائدهم منافية للتوحيد, وتلا عليه الآيات والأحاديث النبوية، ورجا له من الله – إن قام بنصر "لا إله إلا الله" أن ينصره الله ويعلي كلمته، وتكون له السيادة والزعامة على نجد وغيرها، وله السعادة الأبدية إن شاء الله.(85/12)
فقبل عثمان، ورحب بما قال الشيخ، فعالن الشيخ بالدعوة إلى الله، وإفراد العبادة لله، والتمسك بسنة رسول الله، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وقطع الشيخ الأشجار المعظمة هناك، وهدم قبة زيد بن الخطاب، بمساعدة عثمان الأمير. وأقام الحد على امرأة اعترفت بالزنا مراراً، بعد ما تأكد من صحة عقلها وكمال حواسها. فاشتهر أمر الشيخ، وذاع صيته في البلدان.
فبلغ خبره سليمان بن محمد بن عريعر حاكم الإحساء وبني خالد. فبعث إلى عثمان بن معمر كتاباً جاء فيه: إن المطوع الذي عندك، قد فعل ما فعل، وقال ما قال، فإذا وصلك كتابي فاقتله، فإن لم تقتله، قطعنا خراجك الذي عندنا في الإحساء.
فعظم على عثمان الأمر، وكبر عليه مخالفة ابن عريعر، وكانت النتيجة من جراء ذلك الكتاب وضعف إيمان ابن معمر أن أمر بإخراج الشيخ من بلده.
ولم يفد فيه وعظ الشيخ ونصحه، وأنه لا بد للداعي والمصلح من أن يناله الأذى، ولابد أن تكون العاقبة للمتقين.
فخرج الشيخ رحمه الله، يمشي على رجليه قد وكل به فارس يمشي من خلفه. وكان الشيخ في مشيه لا يفتر عن ذكر الله، ويردد قوله تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ}.
ونزل الشيخ بالدرعية وقت العصر سنة 1158هـ ضيفاً على عبد الرحمن بن سويلم، وابن عمه أحمد بن سويلم. وخاف ابن سويلم على نفسه من الأمير محمد بن سعود، لأنه كان يعلم حالة الناس، وأنهم لا يقبلون ما أتى به هذا العالم الجليل، ويقابلون ذلك بالأذى، ولا سيما من بيده الأمر.
ولكن الشيخ الممتليء إيماناً وثقة بالله، سكن جأشه، وأفرغ عليه من العظات وملأه رجاء وعدةً بأنه لا بد من أن يفرج الله وينصره نصراً مؤزراً.
فعلم به الخواص من أهل الدرعية، فزاروه خفية، فشرح لهم معاني التوحيد وما يدعو إليه. وكان للأمير أخوان مشاري وثنيان وزوجة كانت لبيبة عاقلة.(85/13)
فبين الأخوان – بعدما نهلا من مناهل الشيخ – لأخيهما الأمير، أن الشيخ محمداً نازل ضيفاً على ابن سويلم، وأن هذا الرجل غنيمة ساقه الله إليك، فاغتنم ما خصك الله به، ورغبوه في زيارة الشيخ، فامتثل وزار الشيخ.
فدعاه الشيخ إلى التوحيد، وأن التوحيد هو ما بعثت من أجله الرسل، وتلا عليه آيات من الذكر الحكيم، فيها البيان ببطلان عبادة غير الله ولفت نظره إلى ما عليه أهل نجد من الشرك والجهل والفرقة، والاختلاف وسفك الدماء، ونهب العباد.
عند ذلك شرح الله صدر محمد بن سعود وأحبه، واقتنع بما دعاه إليه الشيخ، وبشر الأمير الشيخ بالنصرة وبالوقوف معه على من خالفه.
وشرط الأمير على الشيخ شرطين:
الأول: أن لا يرجع الشيخ عنه إن نصرهم الله ومكنهم.
والثاني: أن لا يمنع الأمير من الخراج الذي ضربه على أهل الدرعية وقت الثمار.
فقال الشيخ: أما الأول : الدم بالدم، والهدم بالهدم.
وأما الثاني : فلعل الله يفتح عليك الفتوحات، وتنال من الغنائم ما يغنيك عن الخراج.
فبايع الأمير الشيخ على الدعوة إلى الله، والتمسك بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإقامة الشعائر الدينية.
وبعد استقراره في الدرعية، أتى إليه من كان ينتسب إليه، ومعتنقاً مبادئ دعوته، من رؤساء المعامرة وغيرهم، وأخذت الوفود تأتي من كل حدب لما علموا أن الشيخ في دار منعة.
عند ذلك، سمع عثمان بن معمر الذي أخرج الشيخ من بلده أن محمد بن سعود رحمه الله قد بايع الشيخ، وأنه ناصره وأهل الدرعية له مؤيدون، ومعه قائمون ومجاهدون.
فندم عثمان على ما سلف منه في حق الشيخ، فأتي إليه ومعه ثلة من الرجال من رؤساء البلاد وأعيانها، واعتذر، وطلب منه الرجوع.
فعلق الشيخ الأمر على رضاء الأمير محمد بن سعود، فرفض الأمير السماح ورجع عثمان خائباً.(85/14)
وشدت إلى الشيخ الرحال، وكثر الوافدون، ليرتووا من مناهله العذبة الصافية النقية من الخرافات والوثنية.
ثم أخذ يراسل رؤساء البلدان النجدية وقضاتهم، ويطلب منهم الطاعة والانقياد لله، ونبذ الشرك والعناد.
فلما اشتهر الشيخ بالدعوة وكتب الكتابات الكثيرة، وألف المؤلفات القيمة، ونشرها في الناس، وكاتبه العلماء، ظهر جماعة كثيرون من حساده، ومن مخالفيه, وهذه هي سنة الله في المصلحين والمجددين, بل وهذا حال الأنبياء والرسل مع أقوامهم؛ فنبينا محمداً - صلى الله عليه وسلم - قالوا عنه ساحر ومجنون وغير ذلك، وهكذا كانت دعوة الرسل والأنبياء كما قال ورقة بن نوفل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يا ليتني فيها جذع ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أومخرجي هم! قال: نعم. لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي))((1).
عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب
هذا بعض ما كتبه الشيخ من رسائله التي ذكر فيها عقيدته وما هو عليه. فمن تلك الرسائل، ما كتبه لأهل القصيم، قال رحمه الله بعد البسملة:
"أشهد الله ومن حضرني من الملائكة، وأُشهدكم أني أعتقد ما أعتقده أهل السنة والجماعة، من الإيمان بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، والبعث بعد الموت، والإيمان بالقدر، خيره وشره.
ومن الإيمان بالله، الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -، من غير تحريف ولا تعطيل، بل أعتقد أن الله {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}.
فلا أنفي عنه، ما وصف به نفسه، ولا أحرف الكلم عن مواضعه، ولا ألحد في أسمائه وآياته، ولا أكيف ولا أمثل صفاته بصفات خلقه، لأنه تعالى لا سمي له ولا كفء، ولا ند له، ولا يقاس بخلقه، فإنه سبحانه وتعالى أعلم بنفسه وبغيره، وأصدق قليلاً، وأحسن حديثاً.
__________
(1) لبخاري في "صحيحه" (3)، ومسلم (160).(85/15)
فنزه نفسه عما وصفه به المخالفون من أهل التكييف والتمثيل، وعما نفاه عنه النافون، من أهل التحريف والتعطيل. فقال تعالى: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
فالفرقة الناجية، وسط في باب أفعاله تعالى، بين القدرية والجبرية. وهم وسط في باب وعيد الله، بين المرجئة والوعيدية. وهم وسط في باب الإيمان والدين، بين الحرورية والمعتزلة وبين المرجئة والجهمية. وهم وسط في باب أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الروافض والخوارج.
وأعتقد أن القرآن كلام الله، منزل غير مخلوق، منه بدأ، وإليه يعود، وأنه تكلم به حقيقة، وأنزله على عبده ورسوله وأمينه على وحيه، وسفيره بينه وبين عباده نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -.
وأومن بأن الله فعال لما يريد، ولا يكون شيء إلا بإرادته، ولا يخرج عن مشيئته, وليس شيء في العالم يخرج عن تقديره، ولا يصدر إلا عن تدبيره، ولا محيد لأحد عن القدر المحدود، ولا يتجاوز ما خُط له في اللوح المسطور.
وأعتقد بكل ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - مما يكون بعد الموت. وأومن بفتنة القبر ونعيمه، وبإعادة الأرواح إلى الأجساد، فيقوم الناس لرب العالمين، حفاة، عراة، غرلاً، وتدنو منهم الشمس، وتنصب الموازين، وتوزن به أعمال العباد: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ}.
وتنشر الدواوين، فآخذ كتابه بيمينه، وآخذ كتابه بشماله.
وأومن بحوض نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - بعرصة القيامة، ماؤه أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، آنيته عدد نجوم السماء، من شرب منه شربة، لم يظمأ بعدها أبداً.(85/16)
وأومن بأن الصراط منصوب على شفير جهنم، يمر به الناس على قدر أعمالهم وأومن بشفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنه أول شافع، وأول مشفع.
ولا ينكر شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أهل البدع والضلال.
ولكنها لا تكون إلا من بعد الإذن والرضا، كما قال الله تعالى: {وَلا يَشْفَعُونَ إلا لِمَنِ ارْتَضَى}. وقال: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلا بِإِذْنِه}. وقال تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إلا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى}.
وهو لا يرضى إلا التوحيد، ولا يأذن إلا لأهله. وأما المشركون، فليس لهم في الشفاعة نصيب كما قال تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ}.
وأومن بأن الجنة والنار مخلوقتان، وأنهما اليوم موجودتان وأنهما لا يفنيان.
وأن المؤمنين يرون ربهم بأبصارهم يوم القيامة، كما يرون القمر ليلة البدر، لا يضامون في رؤيته.
وأومن بأن نبينا محمداً - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيين والمرسلين، ولا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته، ويشهد بنبوته.
وأفضل أمته أبو بكر الصديق، ثم عمر الفاروق، ثم عثمان ذو النورين، ثم علي المرتضي، ثم بقية العشرة، ثم أهل بدر، ثم أهل الشجرة - أهل بيعة الرضوان - ثم سائر الصحابة رضي الله عنهم.
وأتولى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأذكر محاسنهم، وأستغفر لهم، وأكف عن مساوئهم، وأسكت عما شجر بينهم. وأعتقد فضلهم، عملاً بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}.
وأترضى عن أمهات المؤمنين، المطهرات من كل سوء.(85/17)
وأقر بكرامات الأولياء، إلا أنهم لا يستحقون من حق الله شيئاً، ولا أشهد لأحد من المسلمين بجنة ولا نار، إلا من شهد له الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولكني أرجو للمحسن، وأخاف على المسيء.
ولا أكفر أحداً من المسلمين بذنبه، ولا أخرجه من دائرة الإسلام.
وأرى الجهاد ماضياً مع كل إمام، براً كان أو فاجراً، وصلاة الجماعة خلفهم جائزة. والجهاد ماض، منذ بعث الله محمداً - صلى الله عليه وسلم - إلى أن يقاتل آخر هذه الأمة الدجال، لا يبطله جور جائز، ولا عدل عادل.
وأرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين، برهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله.
ومن ولي الخلافة، واجتمع عليه الناس، ورضوا به، أو غلبهم بسيفه، حتى صار خليفة، وجبت طاعته، وحرم الخروج عليه.
وأرى هجر أهل البدع ومباينتهم، حتى يتوبوا، وأحكم عليهم بالظاهر، وأكل سرائرهم إلى الله. وأعتقد أن كل محدثة في الدين بدعة.
وأعتقد أن الإيمان، قول باللسان، وعمل بالأركان، واعتقاد بالجنان، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، وهو بضع وسبعون شعبة أعلاها، شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق.
وأرى وجوب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، على ما توجبه الشريعة المحمدية الطاهرة.
وجاء في بيان معتقده:
ولا يرى: ترك السنن، والأخبار النبوية، لرأي فقيه، ومذهب عالم، خالف ذلك باجتهاده، بل السنة: أجل في صدره وأعظم عنده، من أن تترك لقول أحد، كائناً من كان؛ قال عمر بن عبد العزيز: لا رأي لأحد مع سنة رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -، نعم عند الضرورة، وعدم الأهلية والمعرفة بالسنن والأخبار، وقواعد الاستنباط، والاستظهار، يصار إلى التقليد، لا مطلقاً، بل فيما يعسر ويخفى, ولا يرى إيجاب ما قاله المجتهد، إلا بدليل تقوم به الحجة، من الكتاب، والسنة؛ خلافاً لغلاة المقلدين.(85/18)
ويوالي: الأئمة الأربعة، ويرى فضلهم، وإمامتهم، وأنهم في الفضل، والفضائل، في غاية رتبة، يقصر عنها المتطاول؛ وميله إلى أقوال الإمام أحمد أكثر.
ويوالي: كافة أهل الإسلام، وعلمائهم، من أهل الحديث، والفقه، والتفسير، وأهل الزهد والعبادة؛ ويرى المنع من الانفراد عن أئمة الدين، من السلف الماضين، برأي مبتدع، أو قول مخترع، فلا يحدث في الدين ما ليس له أصل يتبع، وما ليس من أقوال أهل العلم والأثر.
ويؤمن: بما نطق به الكتاب، وصحت به الأخبار، وجاء الوعيد عليه، من تحريم دماء المسلمين، وأموالهم، وأعراضهم؛ لا يبيح من ذلك إلاّ ما أباحه الشرع، وأهدره الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن نسب إليه خلاف ذلك، فقد: كذب وافترى، وقال ما ليس له به علم، وسيجزيه اللّه ما وعد به أمثاله من المفترين((1).
مؤلفات الشيخ
ألف عدة كتب منها كتاب:
"التوحيد"، وهو غني بالشهرة عن التعريف به، و"كشف الشبهات" ، و"الثلاثة أصول"، و"مختصر السيرة النبوية".
"مختصر الإنصاف والشرح الكبير في الفقه".
"نصيحة المسلمين بأحاديث خاتم المرسلين".
"كتاب الكبائر، و"آداب المشي إلى الصلاة".
"أصول الإيمان".
"مختصر زاد المعاد".
"مختصر صحيح البخاري".
"مسائل الجاهلية".
"استنباط من القرآن" (يقع في جزأين).
"أحاديث الفتن".
وله رسائل عديدة، أكثرها في التوحيد.
أثر دعوة الشيخ الإصلاحية على العالم الإسلامي
لقد عمت الدعوة وآثارها المباركة بلاد نجد، ثم امتدت إلى الحجاز، ثم سائر بلاد الجزيرة العربية، بل تجاوزت تلك البلاد، فكان لها أثر في مختلف الأمصار، كالشام ومصر والعراق وبلاد المغرب، والهند، والكثير من الأقطار.
__________
(1) نظر كتاب: "نبذة نفيسة عن حقيقة دعوة الإمام المصلح محمد بن عبد الوهاب".(85/19)
ولا تزال - إلى وقتنا الحاضر - آثارها ونتائجها علمية كانت أو عملية ناطقة بذلك، وشاهدة بصدق هذه الدعوة ووضوحها وسلامة منهجها، وستبقى هذه الدعوة -الدعوة السلفية إن شاء الله – منصورة حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
ومن هذه الآثار:
أنها فتحت باب الاجتهاد في الفروع بعد أن ظل مغلقاً منذ سقوط بغداد في سنة 656هـ .
ضرورة القيام بواجب الجهاد، وإحياء هذه الفريضة التي أصابها الوهن، فكانت دعوة على الاستبداد والضعف والانحلال الذي آل إليه العالم الإسلامي.
الرجوع بالإسلام إلى ما كان عليه في الصدر الأول .
تخليص التوحيد بأنواعه الثلاث مما شابه من شرك , وخلط وتمويه .
طرح البدع والخرافات ((1).
ومن ثمرة هذه الدعوة المباركة كذلك الدعوة إلى توحيد المسلمين , ولم الصف الإسلامي بعد تشتته وتشرذمه ((2).
الشبهات التي أثيرت حول الشيخ الإمام
من سنة الله في الأرض أن يبتلي المصلحين والمجددين بالخصوم والأعداء والحسدة, وهذا حال الأنبياء والرسل مع أقوامهم؛ فنبينا محمداً - صلى الله عليه وسلم - قالوا عنه ساحر ومجنون وغير ذلك, وهكذا كانت دعوة الرسل والأنبياء من قبل ؛ كما قال ورقة بن نوفل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يا ليتني فيها جذعا ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أومخرجي هم! قال: نعم. لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي))((3).
وبالتالي ليس من المستغرب أن تلاقى هذه الدعوة الإصلاحية بمثل هذا العداء.
1- الشبهة الأولى – تصحيح خطأ تاريخي -:
__________
(1) نظر كتاب: "مجدد الدين في القرن الثاني عشر" للدكتور وهبة الزحيلي.
(2) نظر كتاب: "الملحوظات على الموسوعة الفلسطينية" (ص60) للأستاذ زهير الشاويش.
(3) لبخاري في "صحيحه" (3)، ومسلم (160).(85/20)
نشأت في القرن الثاني الهجري دعوة خارجية إباضية في شمال أفريقيا باسم الوهابية نسبة إلى عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم الخارجي الإباضي, الذي عطل الشرائع الإسلامية وألغى الحج, وهي فرقة متفرعة عن الوهبية نسبة إلى مؤسسها الأصلي وهو عبد الله بن وهب الراسبي, وقد وقف علماء المغرب والأندلس الذين عاصروا هذه الفرقة في وجهها وحذروا منها وبينوا أنها دعوة خارجية ضالة كما في "المعيار المعرب في فتاوى أهل المغرب" في ترجمة أحد علماء الأندلس والمغرب وهو علي بن محمد اللخمي.
وقد حاول خصوم الدعوة المباركة السلفية التصحيحية التي قامت على كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يربطوا بين هذه وبين تلك الدعوة الضالة الخارجية مع أن بينهما عشرة قرون. فالشيخ محمد بن عبدالوهاب النجدي توفي سنة 1206هجرية، و الخارجي الإباضي عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم توفي سنة 197هجرية((1).
2- الشبهة الثانية - وقفة مع مذكرات همفر-:
أكثر الشيعة "الروافض" في منتدياتهم على الإنترنت من عرض ما يسمى بمذكرات همفر - جاسوس بريطاني - حتى يبينوا أن الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله صنعة بريطانية.
و"همفر" هذا المزعوم شخصية وهمية لا وجود لها بل هي من وضع أحد مراجع الشيعة حتى ينال من شخصية الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ويحط من شأنه. وقد تبين بعد التتبع أن الذي وضع تلك المذكرات المزعومة هو الشيعي الهالك محمد الشيرازي عامله الله بما يستحق.
وممن شهد ببراءة الشيخ محمد بن عبد الوهاب, وأثبت أن همفر شخصية وهميه؛ أحد خصوم دعوة الشيخ المباركة وأحد أعداء الدعوة السلفية ألا وهو حسن بن فرحان المالكي في كتابه "قراءة نقدية لمذهب الشيخ محمد بن عبد الوهاب".
__________
(1) نظر كتاب: "تصحيح خطأ تاريخي حول الوهابية" للدكتور محمد بن عبد الرحمن الشويعر.(85/21)
قال حسن بن فرحان المالكي: أما اتهام الوهابية بأنهم صنيعة بريطانية بناء على مذكرات رجل بريطاني اشتهرت كثيراً عبر منتديات الإنترنت فهي باطلة, وكان ذلك البريطاني الذي نسبت إليه المذكرة واسمه "همفر" قد زعم فيها أنه التقى الشيخ في البصرة وأنه وجهه إلى نجد نكاية بالدولة العثمانية ..إلخ.
فهذا من البهتان الباطل المكشوف لأسباب أهمها:
الأول: أن الشيخ وأئمة آل سعود "محمد وابنه عبد العزيز" لبثوا يحاربون الرياض ودخنة ومنفوحة وتلك الأحياء القريبة من الدرعية ما يزيد على عشرين سنة، ولو كان عندهم دعم بريطاني لما لبثوا في حرب تلك المدن والأحياء القريبة إلا أياماً أو شهوراً على أبعد تقدير.
الثاني: مذكرات ذلك البريطاني المسمى "همفر" لا تصح, وقد أخبرني بعض الإخوة من الشيعة المعتدلين أن الذي وضعها هو أحد المراجع الشيعة الإمامية نكاية بالوهابية وعندي اسم ذلك الشيخ الإمامي الذي وضع تلك المذكرة على لسان همفر, وقد ذكر ما يمكن أن يدل على أن واضع تلك المذكرة هو الشيخ الشيعي((1).
وفي مجلة "الأصالة" بحث قيم لأخينا مالك بن حسين في بيان كذب وتلفيق هذه المذكرات, وقد ذكر ما يدلل على أن هذه المذكرات ملفقة, وأن همفر شخصية وهمية ومن ذلك:
أولا: بتتبع التواريخ المذكورة في المذكرات يظهر لنا أن همفر لما التقى بالشيخ رحمه الله كان عمر الشيخ الافتراضي وقتئذ عشر سنين، وهذا أمر لا يتناسب – بل يتناقض – مع ما ذكر في المذكرات (ص30) من أن همفر: تعرف على شاب كان يتردد على هذا الدكان, يعرف اللغات الثلاث التركية والفارسية والعربية, كان في زي طلبة العلوم الدينية, وكان يسمى بمحمد بن عبد الوهاب, وكان شاباً طموحاً للغاية، وإليك تفصيل ذلك بالدليل:
ذكر في المذكرات (ص13) أن وزارة المستعمرات البريطانية أوفدته إلى الآستانة "مركز الخلافة الإسلامية" سنة (1710م- 1122هـ).
__________
(1) قراءة نقدية لمذهب الشيخ محمد بن عبد الوهاب" ص (126)(85/22)
ذكر في (ص18) أنه مكث في الآستانة سنتين ثم رجع إلى لندن حسب الأوامر؛ لتقديم تقرير مفصل عن الأوضاع في عاصمة الخلافة.
ذكر في (ص22) أنه مكث في لندن ستة أشهر.
ذكر في (ص22) أنه توجه إلى البصرة وأخذت منه الرحلة ستة أشهر وفي أثناء وجوده في البصرة التقى بالشيخ رحمه الله.
يكون مجموع التواريخ الماضية هو 1713م، أي سنة 1125هـ، والشيخ رحمه الله ولد سنة 1703م- 1115هـ، فيكون عمر الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وقت لقاء (همفر) به عشر سنين، وهذا واضح جداً في بطلان هذه المذكرات جملة وتفصيلا.
ثانياً: ذكر في المذكرات (ص100) أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أظهر دعوته في سنة (1143هـ)، وهذا كذب واضح حيث إن تاريخ إعلان الشيخ رحمه الله دعوته هو نفسه التاريخ الذي توفي فيه والده وهو سنة (1153هـ)، فانظر إلى هذا التفاوت الواضح في التاريخ.
ثالثاً: إن موقف الحكومة البريطانية من دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ليس التأييد والدعم وإنما هو العداء والمحاربة كما هو معروف في التاريخ.
رابعاً: لا نجد ذكرا لهذه المذكرات في سالف الزمان رغم حرص أعداء هذه الدعوة المباركة على تشويهها ونشر كل ما يسيء إليها, وخروجها في هذا الوقت المتأخر دليل على افترائها وتلفيقها.
خامساً: همفر هذا نكرة لا يعرف؛ فأين هي المعلومات التفصيلية عنه من حيث اسمه ورتبته, وما يتعلق بوظيفته ومهمته من كتب ووثائق الحكومة البريطانية.
سادساً: إن الذي يقرأ هذه المذكرات يجزم بأن مؤلفها ليس نصرانياً لوجود كثير من العبارات التي فيها الطعن والانتقاص بالدين النصراني والإنجليز أنفسهم, وبعض العبارات التي فيها مدح الإسلام؛ من ذلك على سبيل المثال انظر: (ص 14, 15, 16, 24, 26, 48, 50, 66).
سابعاً: النسختان المطبوعتان في ترجمة هذه المذكرات لم يذكر فيهما أية معلومات عن هذه المذكرات من حيث النسخة الأصلية التي ترجمت عنها وهل هي مطبوعة أو مخطوطة وبأي لغة؟(85/23)
ثامناً: المترجم نكرة ففي النسخة (أ) لم يذكر عنه أي شيء, وفي النسخة (ب) رمز لنفسه بـ (د.م.ع.خ)!
تاسعاً : كثرة الفروق بين النسختين المترجمتين وبعضها فروق جوهرية.
عاشراً: في النسخة (ب) تاريخ الترجمة هو 25حزيران 1990، فهل مثل هذه الوثائق المهمة تبقى حبيسة, ولا ترى النور إلا بعد 199) عاماً من وفاة الشيخ رحمه الله.
الحادي عشر: اتفقت النسختان على كتابة تاريخ (2/1/1973) في نهاية المذكرات, وهذا التاريخ هل هو تاريخ كتابة هذه المذكرات من همفر كما هو ظاهر, وهذا يؤكد كذب هذه المذكرات إذ إن وفاة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله قبل هذا التاريخ بـ (179) عاماً! أم هو تاريخ افتراء واختلاق هذه المذكرات؟
ومن النقاط المهمة التي ذكرها الأخ مالك في بيان كذب هذه المذكرات:
جاء في المذكرات (ص30): "أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب كان يعرف اللغات الثلاث: التركية والفارسية والعربية". وهذا ليس بثابت, ولو كان معروفاً لنقله من ترجم للشيخ الإمام.
جاء في المذكرات (ص31): "أن الشيخ لم يكن يرى أي وزن لأتباع المذاهب الأربعة المتداولة بين أهل السنة, ويقول إنها ما أنزل الله بها من سلطان". وهذه فرية واضحة فمذهب الشيخ الإمام اتجاه المذاهب الأربعة واضح فمن ذلك قوله: نحن مقلدون للكتاب والسنة وصالح سلف الأمة, وما عليه الاعتماد من أقوال الأئمة الأربعة أبي حنيفة النعمان بن ثابت ومالك بن أنس ومحمد بن إدريس – الشافعي – وأحمد بن حنبل – رحمهم الله – ((1). ومعروف لدى العام والخاص أنه مذهبه هو المذهب الحنبلي.
__________
(1) ؤلفات الشيخ – القسم الخامس – الرسائل الشخصية (ص96).(85/24)
جاء في المذكرات (ص37-38): "أن همفر قال للشيخ بأن الجهاد ليس فرضاً.. وبعد نقاش أقنع الشيخ بذلك". وهذا أيضاً بين الكذب فمذهب الشيخ في الجهاد بينه بقوله: وأرى الجهاد ماضياً مع كل إمام براً كان أو فاجراً .. والجهاد ماض منذ بعث الله محمداً - صلى الله عليه وسلم - إلى أن يقاتل آخر هذه الأمة الدجال لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل ((1).
جاء في المذكرات (ص38): "أن همفر أقنع الشيخ الإمام بأن متعة النساء جائزة وأنه تمتع بامرأة مسيحية". وهذا الرافضي الذي اختلق هذه المذكرات لا يحسن الكذب؛ فهو يجهل أن الشيخ ألف كتاباً في الرد على الرافضة "الشيعة" ومن جملة رده عليهم الرد عليهم في هذه المسألة, ومثله قوله في المذكرات ص (54) أن الشيخ يؤمن بالتقية, ومنها كما في ص (99) أن من الخطط التي وضعت للشيخ الإمام نشر قرآن فيه التعديل – تغيير - وفي الأحاديث - زيادة ونقص - وهذا من أبين الكذب, ودليل على أن واضعها رافضي حاقد أبى الله إلا أن يفضحه.
جاء في المذكرات (ص38-42): "أن همفر بعد نقاش أقنع الشيخ بأن شرب الخمر ليس بحرام وأن الصلاة ليست فرضاً, فشرب الشيخ الخمر وتهاون في الصلاة!"((2). وهذا من أقبح الكذب والسخف.
3- الشبهة الثالثة -وقفة مع ادعاء بعض الخصوم عدم محبته للنبي - صلى الله عليه وسلم --:
__________
(1) ؤلفات الشيخ – القسم الخامس – الرسائل الشخصية (ص11).
(2) ن مجلة "الأصالة" بتصرف الأعداد (31،32،33) ففيها رد مفصل على هذه المذكرات.(85/25)
إن أعداء هذه الدعوة المباركة لما رأوا الشيخ يدعو الناس إلى عدم الغلو في جناب نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم - كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم", وعلموا مدى حب الأمة الإسلامية لرسولها - صلى الله عليه وسلم -، فأرادوا أن يوغروا قلوب المسلمين، وأن ينفروا الناس من السير في دعوة التوحيد، فاختلقوا تلك الفرية وزعموا أن الشيخ يدعو للتنقيص من النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وللجواب على هذه التهمة نقول: هذه بعض النصوص من قوله فيها التعظيم لنبينا محمداً - صلى الله عليه وسلم - وبيان عظم منزلته وفضله، فقد تحدث الشيخ الإمام عن معنى شهادة أن محمداً رسول الله فيقول: "ومعنى شهادة أن محمداً رسول الله طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع"(1).
فلا يتحقق معنى شهادة أن محمداً رسول الله إلا بتمام الإتباع وكمال الاقتداء، بهدي النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ويقول الشيخ مشيراً إلى بعض خصائص المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: "فرسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم - هو سيد الشفعاء، وصاحب المقام المحمود، وآدم فمن دونه تحت لوائه"(2).
كما يذكر الشيخ بأنه - صلى الله عليه وسلم - "أقرب الخلائق منزلة"(3)، وأنه "سيد المرسلين"(4).
وفي قصة سبب نزول سورة "تبت"، يذكر الشيخ ما فيها من فضائل الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وقوله الحق الذي لا يقدر غيره أن يقوله(5).
ويقول الشيخ ضمن كلامه عن سورة النور: "الأمر بطاعته سبحانه وطاعة رسوله وأن الهدى في طاعته، كما قال تعالى: { وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا } (6).
__________
(1) مجموعة مؤلفات الشيخ (1/190)
(2) لمرجع السابق (5/113)، بتصرف يسير.
(3) لمرجع السابق (4/339).
(4) لمرجع السابق (4/335).
(5) لمرجع السابق (4/381).
(6) مجموعة مؤلفات الشيخ" (4/279).(85/26)
كما يعرّف الشيخ الصراط المستقيم عند تفسيره لسورة الفاتحة، فيقول: "والمراد بذلك الدين الذي أنزله الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - وهو { صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِم } ، وهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وأنت دائما في كل ركعة تسأل الله أن يهديك إلى طريقهم…)(1). ويبين الشيخ في تفسير سورة الحجرات أنه "لابد من الأدب مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتعظيم حرمته"(2).
وقرر الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن مذهب جده في هذه المسألة، فيقول الشيخ عبد اللطيف: "وقد قرر رحمه الله على شهادة أن محمداً رسول الله من بيان ما تستلزمه هذه الشهادة وتستدعيه وتقتضيه من تجريد المتابعة، والقيام بالحقوق النبوية من الحب والتوقير والنصر والمتابعة والطاعة وتقديم سنّته - صلى الله عليه وسلم - على كل سنّة وقول، والوقوف معها حيث ما وقفت، والانتهاء حيث انتهت في أصول الدين وفروعه، باطنه وظاهره، كليه وجزئيه، ما ظهر به فضله وتأكد علمه ونبله(3).
وحيث أنه من الواجب متابعة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، فإن الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب يذكر بذلك فيقول: "وأما متابعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فواجب على أمته متابعته في الاعتقادات، والأقوال والأفعال. قال الله تعالى: { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ } الآية، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) رواه البخاري ومسلم، وفي رواية لمسلم: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))، فتوزن الأقوال والأفعال بأقواله وأفعاله، فما وافق منها قبل، وما خالف رد على فاعله كائناً من كان.."(4).
__________
(1) المصدر السابق (4/17).
(2) لمصدر السابق (4/349).
(3) منهاج التأسيس"، (ص41).
(4) الدرر السنية" (1/235، 236).(85/27)
ومما كتبه الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب ذاكراً هذه المفتريات ثم معقباً عليها بالدحض والرد، حين دخل مكة في محرم سنة 1218هـ:
"وأما ما يكذب علينا ستراً للحق، وتلبيساً على الخلق بأنا نضع من رتبة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - بقولنا النبي - صلى الله عليه وسلم - رمة في قبره، وعصا أحدنا أنفع له منه، وليس له شفاعة، وأن زيارته غير مندوبة، وأنه كان لا يعرف معنى لا إله إلا الله حتى أنزل عليه:{فاعلم أنه لا إله إلا الله} مع كون الآية مدنية …، وأننا ننهى عن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - …، فلا وجه لذلك فجميع هذه الخرافات وأشباهها لما استفهمنا عنها من ذكر أولاً كان جوابنا في كل مسألة من ذلك سبحانك هذا بهتان عظيم، فمن روى عنا شيئاً من ذلك أو نسبه إلينا فقد كذب علينا وافترى. ومن شاهد حالنا وحضر مجالسنا وتحقق علم قطعاً أن جميع ذلك وضعه وافتراه علينا أعداء الدين وإخوان الشياطين، تنفيراً للناس عن الإذعان بإخلاص التوحيد لله تعالى بالعبادة وترك أنواع الشرك.
والذي نعتقده أن مرتبة نبينا - صلى الله عليه وسلم - أعلى مراتب المخلوقين على الإطلاق، وأنه حي في قبره حياة برزخية أبلغ من حياة الشهداء المنصوص عليها في التنزيل، إذ هو أفضل منهم بلا ريب وأنه يسمع سلام المسلم عليه وتسن زيارته، إلا أنه لا يشد الرحال إلا لزيارة المسجد والصلاة فيه، وإذا قصد من ذلك الزيارة فلا بأس، ومن أنفق أوقاته بالاشتغال بالصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - الواردة عنه فقد فاز بسعادة الدارين وكفى همَّه وغمَّه كما جاء الحديث عنه .."(1).
__________
(1) الدرر السنية" (1/ 127، 128).(85/28)
ويذكر عبد الرحمن عميرة الدافع إلى افتراء هذه الكذبة، ثم يعقبها بالدحض: "إن الحاقدين والضالين عن طريق الحق يعلمون مدى حب الأمة الإسلامية لرسولها - صلى الله عليه وسلم -، فأرادوا بتلك الفرية الجديدة أن يوغروا قلوب المسلمين، وأن ينفروا الأتباع من السير في دعوة التوحيد، فاختلقوا هذا الضلال المبين الذي لا يقوم عليه إلا من كان أسود القلب ضال البصيرة، يبغي محاربة الله ورسوله والصد عن سبيله.
ثم يقول: الرجل الذي جاء يدعو المسلمين بالعودة إلى القرآن الذي جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - تقولوا عليه بأنه يكره الصلاة على الرسول الكريم، إنه الإفك بعينه والادعاء الذي لا يقف على قدمين. الرجل الذي يلتزم بكل ما أمر به القرآن، يقولون عليه يكره الصلاة على النبي..!
4- الشبهة الرابعة -شبهة الغلو في التكفير وأنه يكفر من خالفه-:
إن من أشد الشبهات التي أثيرت على دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - شبهة الغلو في التكفير.
وللجواب على هذه الشبهة نسوق بعض المقتطفات من كلام الشيخ الإمام من التبري من هذه التهمة وقد اتهمه بها بعض المعاصرين له.
ففي رسالته لأهل القصيم، يشير رحمه الله إلى مفتريات الخصم ابن سحيم ويبريء نفسه من فرية تكفير المسلمين وقتلهم، يقول الشيخ الإمام:
"والله يعلم أن الرجل افترى عليّ أموراً لم أقلها، ولم يأت أكثرها على بالي، فمنها قوله: أني أقول أن الناس من ستمائة سنة ليسوا على شيء، وأني أكفر من توسل بالصالحين، وأني أكفر البوصيري، وأني أكفر من حلف بغير الله .. جوابي عن هذه المسائل أن أقول سبحانك هذا بهتان عظيم(1).
ويؤكد الشيخ محمد بن عبد الوهاب بطلان تلك الفرية، ويدحضها فيقول في رسالته لحمد التويجري:
__________
(1) لمرجع السابق (5/11، 12)، وذكر ذلك - أيضاً - في رسالته لعبد الله بن سحيم مطوع المجمعة (5/62).(85/29)
"وكذلك تمويهه على الطغام بأن ابن عبد الوهاب يقول: الذي ما يدخل تحت طاعتي كافر، ونقول: سبحانك هذا بهتان عظيم، بل نشهد الله على ما يعلمه من قلوبنا بأن من عمل بالتوحيد، وتبرأ من الشرك وأهله، فهو المسلم في أي زمان وأي مكان، وإنما نكفر من أشرك بالله في إلهيته بعد ما تبيّن له الحجة على بطلان الشرك…"(1).
ويؤكد الشيخ الإمام - مرة أخرى - بطلان تلك الدعوى، وأنها دعوى كذب وبهتان، فيقول جواباً على سؤال الشريف: "وأما الكذب والبهتان، فمثل قولهم: أنا نكفر بالعموم، ونوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه، وإنا نكفر من لم يكفر ومن لم يقاتل، ومثل هذا وأضعاف أضعافه، فكل هذا من الكذب والبهتان الذي يصدون به الناس عن دين الله ورسوله.."(2).
ويبعث الشيخ رسالة لأحد علماء المدينة لدحض فرية تكفير الناس عموماً، يقول الشيخ: "فإن قال قائلهم أنهم يكفرون بالعموم فنقول: سبحانك هذا بهتان عظيم، الذي نكفر الذي يشهد أن التوحيد دين الله ودين رسوله، وأن دعوة غير الله باطلة ثم بعد هذا يكفّر أهل التوحيد(3).
ويكتب الشيخ الإمام إلى إسماعيل الجراعي صاحب اليمن تكذيباً لهذه الفرية فيقول: "وأما القول بأنّا نكفر بالعموم فذلك من بهتان الأعداء الذين يصدون به عن هذا الدين، ونقول سبحانك هذا بهتان عظيم(4).
__________
(1) لمرجع السابق (5/60).
(2) مجموعة مؤلفات الشيخ" (3/11).
(3) مجموعة مؤلفات الشيخ" (5/48).
(4) لمرجع السابق (5/100).(85/30)
ولما أرسل أحد علماء العراق وهو الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله السويدي كتاباً للشيخ الإمام يسأله عما يقوله الناس فيه من تكفير الناس إلا من تبعه، فأجابه الشيخ بجواب ذكر فيه كيد الأعداء ثم أعقبه برد فرية الخصوم: "وأجلبوا علينا بخيل الشيطان ورجله، منها: إشاعة البهتان بما يستحي العاقل أن يحكيه، فضلاً عن أن يفتريه، ومنها ما ذكرتم أني أكفر جميع الناس إلا من تبعني، وأزعم أن أنكحتهم غير صحيحة، ويا عجباً كيف يدخل هذا في عقل عاقل، هل يقول هذا مسلم أو كافر أو عارف أو مجنون"(1).
ويقول الشيخ الإمام رحمه الله: "وقولكم إننا نكفر المسلمين، كيف تفعلون كذا، كيف تفعلون كذا. فإنا لم نكفر المسلمين، بل ما كفرنا إلا المشركين"(2).
ويبعث رسالة لمحمد بن عيد أحد مطاوعة ثرمداء، يقول فيها: "وأما ما ذكره الأعداء عني أني أكفر بالظن، والموالاة، أو أكفر الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة، فهذا بهتان عظيم، يريدون به تنفير الناس عن دين الله ورسوله"(3).
وينفي الشيخ حسين بن غنام فرية تكفير المسلمين عن الشيخ الإمام، ويؤكد أن الخصوم هم الذين كفّروا الشيخ واستحلوا دمه، يقول رحمه الله في وصف الشيخ: "إنه رحمه الله لما تظاهر ذلك الأمر والشأن، في تلك الأوقات والأزمان، والناس قد أشربت منهم القلوب بمحبة المعاصي والذنوب، وتولعوا بما كانوا عليه من العصيان، وقبائح الأهواء على كل إنسان، لم يسرع لها لسان، ولم يصمم منه لب أو جنان على تكفير هؤلاء العربان، بل توقف تورعاً عن الإقدام في ذلك الميدان، حتى نهض عليه جميع العدوان، وصاحوا وباحوا بتكفيره وجماعته في جميع البلدان، ولم يثبتوا فيما جاءوا به من الإفك والبهتان، بل كان لهم على شنيع ذلك المقال إقدام وإسراع وإقبال، ولم يأمر رحمه الله بسفك دم ولا قتال على أكثر الأهواء والضلال"(4).
__________
(1) لمرجع السابق (5/36).
(2) لمرجع السابق (5/189).
(3) لمرجع السابق (5/25).
(4) روضة الأفكار"، (1/33).(85/31)
ويفند الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب تلك الفرية، فيقول: "وأما ما يكذب علينا ستراً للحق، وتلبيساً على الخلق، بأننا نكفر الناس على الإطلاق، أهل زماننا، ومن بعد الستمائة، إلا من هو على ما نحن فيه، ومن فروع ذلك أن لا نقبل بيعة أحد إلا بعد التقرر عليه بأنه كان مشركاً، وأن أبويه ماتا على الشرك بالله … فلا وجه لذلك فجميع هذه الخرافات وأشباهها لما استفهمنا عنها من ذكر أولاً، كان جوابنا في كل مسألة من ذلك {سبحانك هذا بهتان عظيم}، فمن روى عنا شيئاً من ذلك أو نسبه إلينا، فقد كذب وافترى، ومن شاهد حالنا، وحضر مجالسنا، وتحقق ما عندنا علم قطعياً أن جميع ذلك وضعه علينا وافتراه أعداء الدين وإخوان الشياطين، تنفيراً للناس عن الإذعان بإخلاص التوحيد لله تعالى بالعبادة وترك أنواع الشرك الذي نص عليه بأن الله لا يغفره، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، فإنا نعتقد أن من فعل أنواعاً من الكبائر كقتل المسلم بغير حق، والزنا، والربا وشرب الخمر، وتكرر منه ذلك، أنه لا يخرج بفعله ذلك من دائرة الإسلام ولا يخلد به في دار الانتقام، إذا مات موحداً بجميع أنواع العبادة"(1).
ويدل على براءتهم - أيضاً - من تلك الفرية ما يقوله الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في موضع آخر: "إن صاحب البردة وغيره ممن يوجد الشرك في كلامه والغلو في الدين، وماتوا لا يحكم بكفرهم، وإنما الواجب إنكار هذا الكلام، وبيان من اعتقد هذا على الظاهر فهو مشرك كافر، وأما القائل فيرد أمره إلى الله سبحانه وتعالى، ولا ينبغي التعرض للأموات، لأنه لا يعلم هل تاب أم لا.."(2).
__________
(1) الهدية السنية" (ص40).
(2) مجموعة الرسائل والمسائل" (1/47).(85/32)
كما يوضح الشيخ عبد اللطيف تورع جده – الشيخ الإمام – عن التكفير فيقول: "والشيخ محمد رحمه الله من أعظم الناس توقفاً وإحجاماً عن إطلاق الكفر، حتى أنه لم يجزم بتكفير الجاهل الذي يدعو غير الله من أهل القبور، أو غيرهم إذا لم يتيسر له من ينصحه ويبلغه الحجة التي يكفر مرتكبها"(1).
ويورد الشيخ عبد اللطيف – في إحدى رسائله - معتقد الشيخ الإمام في مسألة التكفير فيقول: "فإنه لا يكفر إلا بما أجمع المسلمون على تكفير فاعله من الشرك الأكبر، والكفر بآيات الله ورسله، أو بشيء منها بعد قيام الحجة وبلوغها المعتبر كتكفير من عبد الصالحين ودعاهم مع الله، وجعلهم أنداداً فيما يستحقه على خلقه من العبادات والإلهية"(2).
ويؤكد الشيخ عبد اللطيف أن من عرف سيرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، أدرك براءته من تلك الفرية الكاذبة فيقول – رحمه الله: "كل عاقل يعرف سيرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، يعلم أنه من أعظم الناس إجلالاً للعلم والعلماء، ومن أشد الناس نهياً عن تكفيرهم وتنقصهم وأذيتهم، بل هو ممن يدينون بتوقيرهم وإكرامهم والذب عنهم، والأمر بسلوك سبيلهم، والشيخ رحمه الله لم يكفر إلا من كفره الله ورسوله وأجمعت الأمة على كفره كمن اتخذ الآلهة والأنداد لرب العالمين"(3).
ويورد الشيخ سليمان بن سحمان الدفاع عن الشيخ الإمام، ويبرأه من هذا البهتان فيقول رحمه الله – حاكياً حال الشيخ:
__________
(1) منهاج التأسيس"، (ص65، 66).
(2) مجموعة الرسائل" (3/5).
(3) لمرجع السابق (3/449).(85/33)
"فإنه رحمه الله كان على ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وسلف الأمة وأئمتها .. فلا يكفر إلا من كفره الله ورسوله وأجمع على تكفيره الأمة، ويوالي كافة أهل الإسلام وعلمائهم .. ويؤمن بما نطق به الكتاب، وصحت به الأخبار، وجاء الوعيد عليه من تحريم دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم، ولا يبيح من ذلك إلا ما أباحه الشرع، وأهدره الرسول، ومن نسب إليه خلاف ما عليه أهل السنة والجماعة من سلف الأمة وأئمتها فقد كذب وافترى، وقال ما ليس له به علم"(1).
"وسئل الشيخ حمد بن ناصر بن معمر – رحمه الله -، فقال السائل: إنكم تكفرون بالمعاصي.
فأجاب: ليس هذا قولنا، بل هذا قول الخوارج الذين يكفرون بالذنوب، ولم نكفّر أحداً بعمل المعاصي، بل نكفّر من فعل المكفرات كالشرك بالله بأن يعبد معه غيره، فيدعوا غير الله، أو يذبح له، أو ينذر له، أو يخافه، أو يرجوه، أو يتوكل عليه، فإن هذه الأمور كلها عبادة لله بنص القرآن … إلى آخر جوابه رحمه الله"(2).
وقفات مع كتاب:
"قراءة نقدية لمذهب الشيخ محمد بن عبد الوهاب في التكفير"
قبل الحديث عن هذا الكتاب لا بد من توضيح مسألة, وهي أن من أعظم من ناصب العداء للدعوة السلفية وعلمائها هم الشيعة بأقسامها المختلفة من باطنية واثنا عشرية: الجعفرية والزيدية.
وقد وجدوا في هذا الوقت من الزمان أن العالم مستعر في محاربة الإرهاب(3), فاغتنموا الفرصة في لصق تهمة التكفير بالدعوة السلفية, واتهام أئمتها بالخارجية والتكفبر.
__________
(1) الأسنة الحداد في الرد على علوي الحداد"، (ص56، 57).
(2) "الدرر السنية"، (8/204).
(3) نظر كتاب المخالف (ص28)، فقد ذكر على أن أحداث سبتمبر من أسباب صدور الكتاب.(85/34)
وإن من عجائب الأيام أن تتهم الشيعة أهل السنة من أتباع الدعوة السلفية كالشيخ محمد بن عبد الوهاب بإكفار المسلمين وإحلال دمائهم وأموالهم، في حين أن الشيعة تعلن على رؤوس الملأ ومسامع العالمين إكفار خيار الأمة، وإكفار كبراء الصحابة، ومن تولاهم من فرق المسلمين، والذي يكفر خيار الصحابة كالصديق وعمر وعثمان وعائشة ومعاوية وغيرهم .. كيف لا يمنعه الحياء من أن يتهم أحداً بإكفار المسلمين..(1).
ومن تلك المحاولات البائسة محاولة أحد دعاة الشيعة الزيدية وهو المدعو حسن بن فرحان المالكي في كتابه "قراءة نقدية لمذهب الشيخ محمد بن عبد الوهاب في التكفير", وهو مهما يحاول أن يخفي تشيعه ويتنصل منه, فكتبه خير شاهد على ذلك, ومن الأدلة على ذلك:
أن الزيدية هي مذهبه الذي تربى عليه، فهو زيدي الأسرة والمنشأ(2).
إثارته الكلام حول الصحابة كما في (ص155)، وسبه لبعضهم، وغضه من قدر أبي بكر وعمر، وإكثاره من الخوض فيما شجر بين الصحابة, ولمزه في معاوية وخالد بن الوليد, وغيرهم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -.
تعرضه لعدالة الصحابة كما في (ص46)من كتابه " قراءة نقدية "، فالصحابة في نظره كغيرهم يجب البحث في عدالتهم، وأن ثناء الله وثناء النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يدخل فيه جميع الصحابة، بل فقط المهاجرين والأنصار بل يرى حتى هؤلاء لا دليل على تعديلهم ويجب البحث عن عدالتهم(3).
تفضيله الحسن والحسين على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما! كما في كتابه "الصحبة والصحابة" (ص183).
__________
(1) الصراع بين الإسلام والوثنية" (1|348).
(2) المالكي نسبة إلى (بني مالك) – وهي من منطقة جيزان- بالقرب من الحدود اليمنية، والذي لا يزال بعض أهلها على مذهب الزيدية, وهو يعترف أنه من أسرة زيدية، كما ذكر الشيخ ناصر الفهد في رده عليه.
(3) نظر كتابه "الصحبة والصحابة" (214- 215).(85/35)
محاولته التعذر لسبب قصره الصلاة على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وآله دون صحبه كما في (ص30)من كتابه " قراءة نقدية "، مع أن هذا الفعل هو شعار الرافضة الذين يحاول التنصل من مذهبهم.
غلوه في علي - رضي الله عنه - والوقيعة في الصحابة الذين كانوا مع معاوية - رضي الله عنه - بل وصل به الحال إلى تقرير أن لعن بعضهم ليس بالأمر المستنكر عند العلماء.
انتقاداته للكتب التي ترد على الروافض وتدافع عن الصحابة ككتاب "العواصم" لابن العربي، و "منهاج السنة" لشيخ الإسلام, ولمز أصحابها بالنصب كما في (ص86)من كتابه المذكور .
عداؤه وحقده على أهل السنة والجماعة وأئمة السلف وأئمة الدعوة السلفية.
محاولة إظهار أن شخصية ابن سبأ واضع دين التشيع والرفض أسطورة وهمية كما في (ص65)، مع أن كثيراً من المؤرخين على إثبات دور ابن سبأ في إظهار مذهب التشيع.
حاول الدفاع عن دولة الباطل "الفاطمية", ولمز دولة الأيوبيين والأمويين وزعم أنهم استخدموا الدين لمصالحهم السياسية كما في (ص72)، وأن المعركة بين الفاطميين وخصومهم من الأيوبيين, وعلى رأسهم صلاح الدين معركة صراع حول السياسة والحكم وليست صراع دين وعقيدة.
استئناسه بأقوال الروافض كـ "محمد جواد مغنية" كما في (ص136) في الطعن في الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب.
تحامله على دولة بني أمية الذي هو حال الشيعة واتهامهم بالظلم والتجبر كما في (ص19و87 و170و193و198).
وادعى أن تكفير الإمامية - الذين كفروا الصحابة وأمهات المؤمنين وكفروا أهل السنة في القديم والحديث بل وكفروا من ينتمي هو إليهم "الزيدية" سهل إذا قسناه بتكفير الحنابلة!
وإنما قدمنا التعريف به لأنه لا يقبل من ذي غمر شهادة. وهذه بعض المسائل المهمة قبل الحديث عن الكتاب:(85/36)
أولاً: أن التوحيد الذي جاءت به الرسل هو توحيد العبادة، وهذا مأخوذ من معنى "الإله"، فمعناه بإجماع أهل اللغة وعلماء التفسير والفقهاء هو المعبود، فيكون المراد بكلمة الشهادة: لا معبود بحق إلا الله، أي صرف جميع أنواع العبادات لله وحده، وإثباتها له وحده – سبحانه، ونفيها عما سواه عز وجل(1).
وقد بين الله تعالى في كتابه أن الشرك واقع في هذه الأمة, و أن كثيراً من الناس يخلطون مع إيمانهم الشرك، قال تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ}. قال طائفة من السَّلف: تسألهم من خلق السموات والأرض فيقولون الله, وهم مع ذلك يعبدون غيره، فإيمانهم هو إقرارهم بتوحيد الربوبية، وهذا الإيمان بتوحيد الربوبية لا يدخلهم في الإسلام وهم يعبدون غير الله، أي يشركون به في توحيد الألوهية.
ثانياً: أن حد الشرك "أن يصرف العبد نوعاً أو فرداً من أفراد العبادة لغير الله .. فكل اعتقاد أو قول أو عمل ثبت أنه مأمور به من الشارع، فصرفه لله وحده توحيد وإيمان وإخلاص، وصرفه لغيره شرك وكفر(2). مع بيان ما قرره أهل السنة من أن الكفر أنواع وشعب كما أن الإيمان شعب, وأن ليس كل كفر يخرج عن الملة, وأن بعض الذنوب والمعاصي التي توصف بأنها كفر تعني كفرا دون كفر كما جاءت بذلك السنة(3).
ثالثاً: أن الشرك حكم شرعي من استحقه أطلق عليه بشرط توفر الشروط وانتفاء الموانع، ومن أنواع هذا الشرك: سجود المريد للشيخ، ومن أنواعه التوبة للشيخ فإنها شرك عظيم، ومن أنواعه النذر لغير الله، والتوكل على غير الله، والعمل لغير الله والإنابة، والخضوع، والذل لغير الله، وابتغاء الرزق من عند غيره.
__________
(1) نظر : بيان ذلك في "مجموعة التوحيد النجدية"، (ص396، 398).
(2) بد الرحمن بن ناصر السعدي، "القول السديد في مقاصد التوحيد" (ص43).
(3) الدرر السنة" (1/479).(85/37)
ومن أنواعه طلب الحوائج من الموتى والاستغاثة بهم، والتوجه إليهم. وهذا أصل شرك العالم. فإن الميت فد انقطع عمله، وهو لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً فضلاً لمن استغاث به. بل الميت محتاج إلى من يدعو له كما أوصانا النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا زرنا قبور المسلمين أن نترحم عليهم ونسأل الله لهم العافية والمغفرة. فعكس المشركون هذا، وزاروهم زيارة العبادة وجعلوا قبورهم أوثاناً تعبد، فجمعوا بين الشرك بالمعبود، وتغيير دينه ومعاداة أهل التوحيد ونسبتهم إلى تنقص الأموات، وهم تنقصوا الخالق بالشرك، وأوليائه المؤمنين بذمهم ومعاداتهم. وتنقصوا من أشركوا به غاية التنقص إذ ظنوا أنهم راضون منهم بهذا.
وما نجا من شرك هذا الشرك الأكبر إلا من جرد التوحيد لله وعادى المشركين في الله وتقرب بمقتهم إلى الله ..(1) .
رابعاً: أنه لا يلزم من الحكم على القول أو الفعل أنه كفر تكفير المعين, وقد أقر الشيخ الإمام ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية: أنه من أعظم الناس نهياً عن أن ينسب معين إلى تكفير أو تفسيق أو معصية، إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافراً تارة وفاسقاً أخرى.
خامساً: أن الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب قد التزم قواعد التكفير المعتبرة عند علماء الأمة ومن ذلك:
__________
(1) ن كلام للشيخ الإمام في نقله عن ابن القيم في "مدارج السالكين" (1|344) بتصرف يسير(85/38)
أنه لا يكفر بالذنوب كما تفعل الخوارج كقوله: ولا أكفر أحدا من المسلمين بذنب ولا أخرجه من دائرة الإسلام(1). وقال في رسالته إلى عالم العراق ابن السويدي في سياق ذكر ما أشيع عن الشيخ من البهتان: ومنها ما ذكرتم أني أكفر جميع الناس إلا من تبعني وأزعم أن أنكحتهم غير صحيحة ويا عجبا كيف يدخل هذا في عقل عاقل(2).
أنه لا يكفر بالعموم قال رحمه الله: وأما القول أنا نكفر بالعموم، فذلك من بهتان الأعداء الذين يصدون به عن هذا الدين, ونقول سبحانك هذا بهتان عظيم(3).
معاملة الناس على ظواهرهم ويكل سرائرهم إلى الله كما قرر ذلك في أهل البدع(4).
لا يحكم على أحد بالكفر بمجرد الموالاة .
لا يحكم على أحد بمجرد الظن.
يعذر الجاهل بجهله.
لا يكون التكفير عنده إلا بعد إقامة الحجة والبرهان.
__________
(1) كذلك قرر ابن تيمية في كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم": أن الذبح لغير الله من الشرك الأكبر, وكذلك الألوسي. انظر: "فتح المنان" (ص418)، وقرر كذلك الصنعاني في كتابه "تطهير الاعتقاد"، أن الاستغاثة بالصالحين من الشرك الأكبر. انظر: "دعاوي المناوئين" (ص99)، وقد نقل الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب شيئا من أقوال المذاهب الأربعة في تقرير ذلك. انظر: "الدرر السنية" (2/54).
"الدرر السنة" (1/32).
(2) الدرر السنة" (1/80).
(3) الدرر السنة" (1/100).
(4) الدرر السنة" (1/33).(85/39)
قال رحمه الله: وأما ما ذكر الأعداء أني أكفر بالظن وبالموالاة أو أكفر الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة فهذا بهتان عظيم يريدون به تنفير الناس عن دين الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -(1). بل لا يكفر إلا ما أجمع المسلمون على تكفيره فقد قال رحمه الله: وأركان الإسلام خمسة أولها الشهادتان ثم الأركان الأربعة فالأربعة إذا أقر بها وتركها تهاوناً فنحن وإن قاتلناه على فعلها فلا نكفره بتركها, والعلماء اختلفوا في كفر التارك لها كسلاً من غير جحود ولا نكفر إلا ما أجمع عليه العلماء كلهم وهو الشهادتان(2).
سادساً: أن من موانع تكفير المعين عند الشيخ الإمام الجاهل والمكره والمتأول، وقد قرر الشيخ محمد بن عبد الوهاب هذا الأمر في كثير من كتبه ورسائله.
ففي رسالة بعثها لمحمد بن عيد أحد مطاوعة ثرمداء، يقول فيها: "وأما ما ذكره الأعداء عني أني أكفر بالظن، والموالاة، أو أكفر الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة، فهذا بهتان عظيم، يريدون به تنفير الناس عن دين الله ورسوله"(3).
وفي رسالته لأهل القصيم، يشير رحمه الله إلى مفتريات من اتهمه بتكفير المسلمين وقتلهم، يقول الشيخ الإمام: "والله يعلم أن الرجل افترى عليّ أموراً لم أقلها، ولم يأت أكثرها على بالي، فمنها قوله: أني أقول أن الناس من ستمائة سنة ليسوا على شيء، وأني أكفر من توسل بالصالحين، وأني أكفر البوصيري، وأني أكفر من حلف بغير الله .. جوابي عن هذه المسائل أن أقول سبحانك هذا بهتان عظيم(4). ومن مجمل ما قرره الشيخ وأقره المالكي لكنه يكابر مع ذلك:
أنه لا يحكم بالكفر على الجاهل الذي يعمل الشرك والكفر حتى تبلغه الحجة(5).
__________
(1) ؤلفات الشيخ القسم الخامس (25) انظر كتاب: "إسلامية لا وهابية" (ص250).
(2) الدرر السنية" (1/102).
(3) مجموع مؤلفات الشيخ" (5/25).
(4) الدرر السنية " (5/11، 12).
(5) لمصدر نفسه: (10/136).(85/40)
أنه لا يكفر من لم يكفر المخالفين ويقاتلهم (1).
أنه لا يكفر من لم يدخل في طاعته(2).
أنه لا يكفر من عبد الصنم الذي على قبر عبد القادر ولا من عبد الصنم الذي على قبر البدوي لجهل الذين يعبدونها(3).
أنه لا يكفر من توسل بالصالحين(4).
أنه لا يكفر البوصيري ولا ابن الفارض ولا ابن عربي مع ما عندهم من طامات(5).
وبعد هذا التقرير لعقيدة أهل السنة والجماعة من كلام الشيخ الإمام وعلماء السنة نبين ما يلي:
أن المالكي يبتر النص ولا يورده كاملاً وستأتي بعض الأمثلة على ذلك.
ما هو حد الكفر في نظره؟ قرر المالكي أن المشركين كفروا لأنهم لا يؤمنون بالبعث وكذبوا بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -, فقط, ولم يكفروا لأنهم صرفوا العبادات لغير الله من ذبح ونذر واستغاثة وسجود لغير الله, وهذا القول من أفسد الأقوال وأبطلها؛ إذ يلزم عليه أن لا يحكم بالردة على أحد حتى يجمع ما عند الكفار من نواقض، فيشرك وينكر البعث والنبوة، وهذا باطل بالإجماع، فمن آمن بالنبوة وأنكر بالبعث كفر، ولو أقر بالبعث وأنكر النبوة كفر، ولو أقر بالنبوة والبعث وأشرك في العبادة كفر، وهذا أمر ظاهر بين لمن تأمله. فذكر المالكي(ص64): عبادة الأصنام هي السجود لها والصلاة لها وطلب الحوائج منها مع الكفر بالنبوات ... وأما المسلم فلا يصلى لولي ولا نبي ويقر بأركان الإسلام وأركان الإيمان ويؤمن بالبعث. وذكر (ص39) بعد أن ساق عن الشيخ الإمام قوله أن المشركين كانوا يؤمنون بتوحيد الربوبية من خلق وإحياء وإماتة. قال المالكي: هنا أيضاً رسم صورة زاهية للمشركين ولم يذكر تكذيبهم بالبعث.
__________
(1) لمصدر نفسه: (1/104).
(2) لمصدر نفسه: (10/128).
(3) لمصدر نفسه: (1/104).
(4) لمصدر نفسه: (9/34).
(5) لمصدر نفسه: (9/34).(85/41)
أن المالكي يقلب الحقائق ويدلس فيسمي دعاء الموتى والاستغاثة بهم, والنذر لهم توسلا وتبركاً. وهذا من تزيين أهل الباطل, وربما أيضا جعلوه تشفعاً، وربما زينوا دعاء الموتى وصيّروه نداء لا دعاء، وكل ذلك يفعله أولئك لكي يزينوا للعوام ذلك الشرك بأسماء لا ينفرون منها ...انظر دعاوي المناوئين (ص334).
قال المالكي(ص54): أما المسلمون فإنهم لا يسجدون لأحد غير الله ولا يعبدون إلا الله، وقد يجهل بعضهم أو يتأول بأن الصالحين من الأحياء و الأموات يجوز التوسل بهم وطلب شفاعتهم عند الله .. وذكر (ص98): ويرى- أي الشيخ محمد بن عبد الوهاب - أن الاعتقاد في الصالحين ليس كالزنا والسرقة وإنما هو عبادة الأصنام، ويكرر هذا المعنى كثيراً مع أن كلمة الاعتقاد في الصالحين كلمة عامة يدخل فيها التوسل والتبرك .. وذكر (ص186): وإنما اجتهد الشيخ في وصف أشياء بأنها طاغوت من توسل وممارسات أغلبها خاطيء .. وعلى ذلك اتهم الشيخ الإمام رحمه الله بأنه يكفر بالتوسل والتبرك.. فذكر ص (38): معظم علماء المسلمين في عهد الشيخ محمد وفي أيامنا هذه يقولون بجواز التبرك بالصالحين والتوسل بهم فهل نحن اليوم نكفر جميع هؤلاء أم نخطئهم فقط بل ليت التخطئة بدليل وبرهان تسلم لنا ... وإن قلتم لا نحن لا نكفرهم رددتم على الشيخ محمد بن عبد الوهاب تكفيره لهم ... مع أن المالكي نقل عن الشيخ أنه لا يكفر من توسل بالصالحين (ص108)!(85/42)
أنه يأتي بالنصوص التي فيها التقرير للحكم على الفعل أو القول أنه كفر فيحملها على المعين، فمثلاً قرر الشيخ أن من دعا واستغاث وذبح لغير الله فقد وقع في الشرك، فهذه قاعدة؛ فيأتي المالكي فيقول قصد الشيخ تكفير الجم الغفير من الناس الذين يفعلون ذلك, ومثال ما ذكره (ص65): ويظهر من كلام الشيخ محمد أنه إن علم بحادثة في الحجاز أو عسير أو سدير عممها على أهل تلك الجهة كلها فيكفرهم ويقاتلهم، فهو يعتبر وجود القبر الذي يتبرك به البعض كوجود الأصنام. قلت: أما التكفير والقتال فهو كذب, وأما الشطر الثاني فقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((اللهم لا تجعل قبري وثناً يُعبد، لعن الله قوماً اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد))(1). والوثن هو الصنم كما في النهاية في غريب الحديث فتأمل.
أنكر وجود شركيات كبرى عند المسلمين كما في (ص179). قلت: صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة))(2). وذو الخلصة طاغية دوس التي كانوا يعبدون في الجاهلية. وصح كذلك أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تقوم الساعة حتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان))(3). وعن عائشة مرفوعاً: ((لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى)). فقالت عائشة: يا رسول الله، إن كنت لأظن حيث أنزل الله: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}(4)، إن ذلك تاماً قال: إنه سيكون من ذلك ما شاء الله. وتجاهل ما عند الشيعة من صرف العبادات لغير الله من السجود لقبور أئمتهم وذبح ونداء واستغاثة, ونحن ندعوه للاطلاع على بعضها في موقع "فيصل نور".
__________
(1) واه أحمد في "مسنده" (2|246).
(2) خرجه البخاري ومسلم.
(3) بوداود وابن ماجة وإسناده صحيح.
(4) سلم (2907).(85/43)
زعم المالكي(ص33): أن محمد بن عبد الوهاب قصر شرك قوم نوح على الغلو فقط. قال المالكي: فإن الله أرسل نوحا إلى قومه ليدعوهم لعبادة الله وترك الشرك فقد كانوا يعبدون هذه الأصنام وليس فعلهم مجرد "غلو في الصالحين". قلت: وهذا تفاصح من المالكي وتدليس وتمويه، فكلام الشيخ واضح بين أن الغلو في الصالحين كان سببا في وقوعهم في الشرك, ويدل على ذلك ما جاء عن ابن عباس: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام ثم حدث فيهم الشرك. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد ؛أما ود كانت لكلب بدومة الجندل, وأما سواع كانت لهذيل, وأما يغوث فكانت لمراد ثم لبني غطيف بالجوف عند سبأ, وأما يعوق فكانت لهمدان, وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع؛ أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصاباً وسموها بأسمائهم ففعلوا؛ فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت. [أخرجه البخاري]. وقال ابن حجر: بل مرجع ذلك إلى قول واحد وقصة الصالحين كانت مبتدأ عبادة قوم نوح هذه الأصنام ثم تبعهم من بعدهم على ذلك ... وأخرج الفاكهي من طريق عبيد الله بن عبيد بن عمير قال: أول ما حدثت الأصنام على عهد نوح ,وكانت الأبناء تبر الآباء فمات رجل منهم فجزع عليه فجعل لا يصبر عنه؛ فاتخذ مثالا على صورته فكلما أشتاق إليه نظره ثم مات ففعل به كما فعل حتى تتابعوا على ذلك فمات الآباء فقال الأبناء: ما أتخذ آباؤنا هذه إلا أنها كانت آلهتهم فعبدوها(1).
__________
(1) الفتح" (8|669).(85/44)
زعم المالكي أن الشيخ الإمام يثني على المشركين والمنافقين؛ فذكر (ص40): ولا يجوز أن نختار الآيات التي قد نوهم بها العوام بأن فيها ثناء على الكفار ونترك الآيات التي تذمهم وتبين كفرهم وظلمهم وتكذيبهم بالبعث .. وذكر (ص4)عن محمد بن عبد الوهاب أنه أثنى على المنافقين لهذا الغرض في مواطن كثيرة, ومنها قوله: كان المنافقون على عصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ويصلون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلوات الخمس ويحجون معه ... قلت: وهذه من تدليساته فالشيخ رحمه الله يقرر ما قرره القرآن أن المشركين كانوا يؤمنون بتوحيد الربوبية , ولم ينفعهم هذا التوحيد مع الكفر بتوحيد الألوهية فهل عندما يقرر أن المشركين يؤمنون أن الله هو الخالق المحي المميت يفهم منه أنه يثني على الكفار. وكذلك لما قرر أن المنافقين كانوا يصلون مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ويصومون ويتصدقون ويقاتلون في بعض الغزوات ولم تنفعهم هذه الأعمال. فهل إذا قرر ذلك يفهم القاريء أنه يثني على المنافقين!(85/45)
ذكر المالكي(ص48): لكن مجرد التلفظ بها – أي كلمة الشهادة - ولو كذبا وتعوذا يعصم صاحبها من التكفير والقتل بينما من يقولها من معاصري الشيخ صادقاً ومتديناً لا تعصمه من تكفير ولا قتال .. قلت: وفي قوله تدليس فإن كلمة التوحيد تعصم صاحبها بشرط أن لا ينقضها بناقض من النواقض , والدليل على ذلك حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: لما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان أبو بكر - رضي الله عنه - وكفر من كفر من العرب فقال عمر - رضي الله عنه -: كيف تقاتل الناس؟ وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله)). فقال: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة؛ فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم على منعها(1).
__________
(1) تفق عليه.(85/46)
ذكر المالكي (ص53) عند قول الشيخ محمد بن عبد الوهاب : فإن أعداء الله لهم اعترافات كثيرة يصدون بها الناس منها قولهم نحن لا نشرك بالله بل نشهد أنه لا يخلق ولا يرزق ولا ينفع ولا يضر إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عليه السلام لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً فضلاً عن عبد القادر أو غيره, ولكن أنا مذنب والصالحون لهم جاه عند الله وأطلب من الله بهم. فجوابه بما تقدم, وهو أن الذين قاتلهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقرون بما ذكرت ومقرون أن أوثانهم لا تدبر شيئاً وإنما أرادوا الجاه والشفاعة .. قال المالكي: هذا يدل على أن الشيخ يرى تكفير ووجوب قتال هؤلاء الذين يقولون القول السابق وأنه يعتبرهم مشركين شركاً أكبر .. قلت: أ- لا يفهم من كلام الشيخ ما ذكر إلا من في قلبه دغل، فهل يفهم المسلم أن الشيخ يدعو لقتال أو تكفير هؤلاء من هذا القول. ب- بين الله في كتابه أن حجة المشركين في عبادة الأصنام اتخاذهم وسائط بينهم وبين الله كما في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إلاّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}، وهي نفس حجة هؤلاء.(85/47)
نسب إلى الشيخ أنه قسم الجزيرة إلى ديار كفر وديار إسلام كما في (ص55 و59 و65). وهذه فرية قد تبرأ منها علماء هذه الدعوة كما في "الدرر السنية" (9/252). وأجاب الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين رحمه الله -وهو من كبار علماء هذه الدعوة -عن هذه الفرية لما سئل عن البلدة التي فيها شيء من مشاهد الشرك ,والشرك فيها ظاهر مع كونهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله مع عدم القيام بحقيقتها ويؤذنون ويصلون الجمعة والجماعة .. هل تسمى دار كفر أو دار إسلام ؟ فأجاب رحمه الله: فهذه المسألة يؤخذ جوابها مما ذكره الفقهاء في بلدة كل أهلها يهود أو نصارى أنهم إذا بذلوا الجزية صارت بلادهم بلاد إسلام, وتسمى دار إسلام فإذا كان أهل بلدة النصارى يقولون في المسيح أنه الله أو ابن الله أو ثالث ثلاثة أنهم إذا بذلوا الجزية سميت بلادهم بلاد إسلام؛ فبالأولى فيما أرى أن البلاد التي سألتم عنها وذكرتم حالها أولى بهذا الاسم ..(1).
نسب المالكي إلى الشيخ أنه لا يعذر الجاهل بكفره: فذكر بعد كلام للشيخ محمد بن عبد الوهاب (ص68): وكذلك لم يراع الشيخ الجهل؛ فالجهل بالشيء يمنع من إطلاق الكفر على الجاهل .. قلت: وهذا من إلزاماته الباطلة على كلام الشيخ، فإنه قد قرر رحمه الله في أكثر من موضع أن الجاهل يعذر بجهله. قال الشيخ الإمام رحمه الله: وأما ما ذكر الأعداء أني أكفر بالظن وبالموالاة أو أكفر الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة فهذا بهتان عظيم يريدون به تنفير الناس عن دين الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -(2).
__________
(1) الدرر السنية" (9/254).
(2) مؤلفات الشيخ القسم الخامس (ص25).(85/48)
ذكرالمالكي(ص78):عند قول الشيخ: إلا من أكره فلم يستثن الله إلا المكره قال المالكي:وهذا القصر فيه نظر فإن المضطر والخائف والمتأول والجاهل لا يجوز تكفيرهم، وهذا يدل على أن الشيخ لا يعول كثيراً على مسألة الأسماء والأحكام فقد أهمل أبرز موانع التكفير كالتأويل والجهل. قلت: وهذا من تدليسه فإن كلام الإمام عن إنسان نطق بكلمة الكفر عالما أنها كفر فلا يعذر في ذلك إلا المكره,ويدل عليه سبب نزول الآية ,وليس الحديث عن إنسان كفر جهلا منه أن هذا القول أو الفعل كفر، فتأمل .
ملحوظات عامة
زعم (ص109) أن الشيخ الإمام أنكر تحريق "دلائل الخيرات" (9/34و80) مع أنهم لما دخلوا مكة حرقوه (1/228). قلت: قد بتر النص فقد بين هناك أن الذي فعل ذلك هم الجهلة قال: وما اتفق لبعض البدو في إتلاف بعض كتب أهل الطائف إنما صدر منه لجهله, وقد زجر هو وغيره عن مثل ذلك.
حاول في كتابه استعداء الدولة السعودية على المناهج التعليمية وعلى المشايخ وأئمة الدعوة كما في (ص24و63و87و142و177). مثال ذلك قوله: وللأسف أن هذا التيار هو المدعوم رسمياً ربما لعدم تنبه الحكومة لحجم الغلو داخل التيار الوهابي .. انظر (ص24).(85/49)
حاول أن يبين أن أحاديث ذم المشرق إنما يراد به نجد وليس العراق لتكتمل مسيرة الطعن في الشيخ الإمام ودعوته كما في (ص43و169). قلت: ذكر شيخنا الألباني –رحمه الله- بعد أن ذكر الروايات؛ أن المقصود بنجد هي العراق كما جاء في روايات أخرى: وإنما أفضت في تخريج هذا الحديث الصحيح وذكر طرقه وبعض ألفاظه لأن بعض المبتدعة المحاربين للسنة والمنحرفين عن التوحيد يطعنون في الإمام محمد ابن عبد الوهاب مجدد دعوة التوحيد في الجزيرة العربية, ويحملون الحديث عليه باعتباره من بلاد نجد المعروفة بهذا الاسم، وجهلوا أو تجاهلوا أنها ليست هي المقصودة بهذا الحديث, وإنما هي العراق كما دل عليه أكثر طرق الحديث, وبذلك قال العلماء قديماً كالإمام الخطابي وابن حجر العسقلاني وغيرهم(1).
ولمز خالد القسري الذي كان له دور في تتبع الزنادقة والمارقين كالجعد بن درهم وغيره كما في (ص53).
وغازل الرافضة في مدحه لثورة الخميني كما في (ص61).
واتهم المشايخ والعلماء ابن باز والألباني بالتزلف للحكام (ص68).
ودافع عن الرازي ودلس على الإمام الذهبي أنه أثنى على الرازي كما في (ص93). قلت:أهمل ما ذكره الإمام الذهبي رحمه الله في كتابه "ميزان الاعتدال" (3/340) في ترجمة الرازي فقال: صاحب التصانيف رأس في الذكاء والعقليات؛ لكنه عري عن الآثار, وله تشكيكات على مسائل من دعائم الدين تورث حيرة، نسأل الله أن يثبت الإيمان في قلوبنا, وله كتاب"السر المكتوم في مخاطبة النجوم"، سحر صريح فلعله تاب من تأليفه إن شاء الله(2).
حاول المالكي أن يظهر أئمة الدعوة أنهم معارضون للتعليم والتطور العصري كما في (ص118).
ودفاع عن مسألة تقديم العقل على النقل كما في (ص20).
ودافع عن الجهمية كما في (ص21).
وطعن في أحاديث في "الصحيحين" كما في (ص35و70و190و192) مع تفرده بهذا الطعن بلا بينة.
__________
(1) السلسلة الصحيحة" (5|305).
(2) نظر كذلك "اللسان" (4/499).(85/50)
وهاجم المحدثين وعلم الحديث, وحاول التشكيك في هذا العلم المبارك وقواعده كما في (ص 182، 183، 190، 192) وهو باب للولوج في الطعن والتشكيك في السنة النبوية.
واتهم الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله بالتوسع في التكفير كما في (ص55)
وهذه بعض من التدليسات والكذبات التي ذكرها:
زعم المالكي (ص15) أن علماء ومشايخ السلفية يحكمون بالردة على من خطأ الشيخ محمد بن عبد الوهاب. وهذا كذب ظاهر عري من الصحة.
وقال (ص18) :لأن المصطلح المستحدث "العقيدة"، وهو مصطلح فضفاض غير محدد إلا من أقوال الغلاة ولذلك يحرص الغلاة على التحاكم إلى المصطلح لأنه يتيح لهم ظلم الآخرين من استحلال دماءهم والحكم عليهم بالنار.
وزعم (ص20) أن الوهابية أضافوا خصومة المذاهب الأربعة .قلت: وهذا من تدليسه، فموقف الشيخ ابن عبد الوهاب اتجاه المذاهب الأربعة واضح فمن ذلك قوله: نحن مقلدون للكتاب والسنة وصالح سلف الأمة, وما عليه الاعتماد من أقوال الأئمة الأربعة أبي حنيفة النعمان بن ثابت ومالك بن أنس ومحمد بن إدريس – الشافعي – وأحمد بن حنبل، رحمهم الله((1).
واتهم المشايخ والدعاة بالظلم كما في (ص25). قال: أما التيار – أي السلفي - فعشنا بينهم والشهادة لله أنهم من حيث الجملة يظلمون من خالفهم الرأي ويعملون على إقصائه والتشكيك فيه والاستعداء عليه ..
وزعم كذباً أن السلفية يكفرون الكوثري وأبا غدة وشلتوت وأبا زهرة والغزالي والقرضاوي والطنطاوي والبوطي ... كما في (ص52). قال في الحاشية: أقول تكفيرهم وتبديعهم لأن بعض الوهابية يكفر وبعضهم يقتصر على التبديع والنتيجة واحدة لأن المبتدع عندهم من أهل النار .. والمبتدع عندهم يستحق القتل ..
وكذب على شيخ الإسلام ابن تيمية كما في (ص96و101و160)، واتهمه بالنصب وغيرها من التهم التي يرددها غيره من الطاعنين.
__________
(1) مؤلفات الشيخ" – القسم الخامس – الرسائل الشخصية ص(96)(85/51)
وكذب عندما اتهم الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب بتكفير الأشعري وتكفير أغلب أتباع المذاهب الأربعة كما في (ص102).
حاول أن يسوغ ويدلل على صحة من زعم أن الشيخ ادعى النبوة كما في (ص138).
وكذب (ص152) حين زعم أن رجلاً من غلاة السلفية يزعم أن علياً قاتل للرياسة لا للديانة ويصرح آخر بأن جعفر الصادق ماسوني كذاب ..
وكشف عما يحمله قلبه من غل بما ذكره (ص55) الأزارقة .. وهم أشد الخوارج انفردوا عن الخوارج بأمور .. لكن من يراجع عقائد الخوارج يعلم أن أغلبهم فيهم اعتدال لا نجده في بعض الوهابية والسلفية.
اتهامه السلفية بالتجسيم كما في (ص139)، وكتب الحنابلة بالحشو والتجسيم كما في (ص199).
وأما طعونه بالشيخ الإمام ودعوته فهي كثيرة جداً، منها:
اتهامه الشيخ بتكفير المسلمين واستحلال دماءهم كما في (ص60).
اتهامه بالتقية كما في (ص137).
وطعنه به كما في (ص108و112و141و189) .
5- الشبهة الخامسة - شبهة الخروج على الدولة العثمانية-:
وللجواب على هذه الشبهة نقول: قد قرر الشيخ الإمام عقيدة أهل السنة والجماعة في وجوب طاعة السلطان والسمع والطاعة لأئمة المسلمين.
يقول الشيخ الإمام في رسالته لأهل القصيم: "وأرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برّهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله، ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به، وغلبهم بسيفه حتى صار خليفة وجبت طاعته، وحرم الخروج عليه"(1).
ويقول أيضاً: الأصل الثالث: أن من تمام الاجتماع السمع والطاعة لمن تأمّر علينا، ولو كان عبداً حبشياً فبين له هذا بياناً شائعاً كافياً بوجوه من أنواع البيان شرعاً وقدراً ثم صار هذا الأصل لا يعرف عند كثير ممن يدعي العلم، فكيف العمل به"(2).
__________
(1) مجموعة مؤلفات الشيخ" (5/11).
(2) لمرجع السابق (1/394).(85/52)
وصرح الشيخ محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن رحمه الله باعتقادهم في هذه المسألة فقال: "ونرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برّهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية"(1).
وقال الشيخ عبد الرحمن بن عبد الخالق: وأما زعمه أن محمد بن عبد الوهاب خرج على السلطان العثماني فهذا كذب واختلاق, فمعلوم لكل من قرأ شيئاً من التاريخ أن الأشراف كانوا في مكة هم نواب السلطان العثماني في الحجاز, وهؤلاء الأشراف ما كادوا يسمعون بدعوة ابن عبد الوهاب في الجزيرة حتى خافوا على أنفسهم منها .. وقد أرسل الشيخ محمد بن عبد الوهاب وفداً إلى الشريف أحمد بن سعيد شريف مكة, وكان على رأس الوفد الشيخ عبد العزيز بن عبدالله الحصين, وكان مع هذا الوفد هدايا وتحف كثيرة, وكتب الشيخ ابن عبد الوهاب مع هذا الوفد كتاباً للشريف أحمد قال فيه بالنص: "المعروض لديك أدام الله فضل نعمه عليك حضرة الشريف أحمد بن الشريف سعيد أعزه الله في الدارين, وأعز به دين جده سيد الثقلين أن الكتاب لما وصل إلى الخادم – يعني نفسه – وتأمل ما فيه من الكلام الحسن رفع يديه بالدعاء إلى الله بتأييد الشريف لما كان قصده نصر الشريعة المحمدية ومن تبعها وعداوة من خرج, وهذا هو الواجب على ولاة الأمور".
ثم يقول في ختام رسالته: "فإذا كان الله سبحانه قد أخذ ميثاق الأنبياء إن أدركوا محمداً - صلى الله عليه وسلم - على الإيمان به ونصرته فكيف بنا يا أمته؟ فلا بد من الإيمان به ولا بد من نصرته لا يكفي أحدهما عن الآخر, وأحق الناس بذلك وأولاهم أهل البيت الذي بعثه الله منهم وشرفهم على أهل الأرض به, وأحق أهل البيت بذلك من كان من ذريته - صلى الله عليه وسلم - وغير ذلك يعلم الشريف أعزه الله أن غلمانك من جملة الخدام , ثم أنتم في حفظ الله وحسن رعايته(2).
__________
(1) الهدية السنية" (ص109).
(2) نظر: :حياة محمد بن عبد الوهاب (ص322).(85/53)
فإذا كان الشيخ يجعل نفسه من جملة خدام الأشراف, فكيف يكون خارجاً على السلطان؟ ((1).
وبعد هذا التقرير الموجز الذي أبان ما كان عليه الشيخ من وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برّهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله.
فإننا نشير إلى مسألة مهمة جواباً عن تلك الشبهة، فهناك سؤال مهم وهو: هل كانت نجد موطن هذه الدعوة ومحل نشأتها تحت سيطرة دولة الخلافة العثمانية؟
يجيب الدكتور صالح العبود على هذا السؤال فيقول: "لم تشهد نجد على العموم نفوذاً للدولة العثمانية، فما امتد إليها سلطانها، ولا أتى إليها ولاة عثمانيون، ولا جابت خلال ديارها حامية تركية في الزمان، الذي سبق ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، ومما يدل على هذه الحقيقة التاريخية استقراء تقسيمات الدولة العثمانية الإدارية، فمن خلال رسالة تركية عنوانها "قوانين آل عثمان مضامين دفتر الديوان" يعني "قوانين آل عثمان في ما يتضمنه دفتر الديوان" ألفها – يمين علي أفندي – الذي كان أميناً للدفاتر الخاقاني سنة 1018هـ الموافقة 1609م، من خلال هذه الرسالة يتبين أنه منذ أوائل القرن الحادي عشر الهجري، كانت دولة آل عثمان تنقسم إلى اثنتين وثلاثون إيالة، منها أربع عشرة إيالة عربية، وبلاد نجد ليست معها ما عدا الإحساء إن اعتبرناه من نجد.."(2).
__________
(1) فصول في السياسة الشرعية" ص (78) بتصرف يسير
(2) عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأثرها في العالم الإسلامي" (1/27).(85/54)
ويقول الدكتور عبد الله العثيمين: "ومهما يكن فإن نجداً لم تشهد نفوذاً مباشراً للعثمانيين عليها قبل ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، كما أنها لم تشهد نفوذاً قوياً يفرض وجوده على سير الحوادث داخلها لأية جهة كانت، فلا نفوذ بني جبر، أو بني خالد في بعض جهاتها، ولا نفوذ الأشراف في بعض جهاتها الأخرى أحدث نوعاً من الاستقرار السياسي، فالحروب بين البلدان النجدية ظلت قائمة، والصراع بين قبائلها المختلفة استمر حاداً عنيفاً"(1).
يقول الدكتور عجيل النشمي: "إن نجداً وما جاورها لم تعرها دولة الخلافة أهمية تذكر، وربما كانت سياستها هذه تجاه بلاد نجد لسعة أراضيها، وترامي أطرافها، هذا من جانب، ولتمكن التوزيع القبلي والعشائري من جانب آخر"(2).
ويقول أمين سعيد في هذا الشأن: "ولقد حاولنا كثيراً في خلال دراستنا لتاريخ الدولتين الأموية والعباسية، وتاريخ الأيوبيين، والمماليك في مصر، ثم تاريخ العثمانيين الذين جاءوا بعدهم وورثوهم، أن نعثر على اسم وال، أو حاكم أرسله هؤلاء، أو أولئك أو أحدهم إلى نجد أو إحدى مقاطعتها الوسطى، أو الشمالية أو الغربية أو الجنوبية، فلم نقع على شيء، مما يدل على مزيد من الإهمال تحمل تبعته هذه الدول. على أن الذي استنتجناه في النهاية هو أنهم تركوا أمر مقاطعات نجد الوسطى والغربية إلى الأشراف الهاشميين حكام الحجاز الذين جروا على أن يشرفوا على قبائلها إشرافاً جزئياً(3).
ويقول أيضا: "وكان كل شيخ أو أمير في نجد مستقل استقلالاً تاماً في إدارة بلاده وما كان يعرف الترك، ولا الترك يعرفونه"(4).
__________
(1) محمد بن عبد الوهاب حياته وفكره" (ص11).
(2) مجلة المجتمع"، عدد (509)، 23 صفر 1401هـ.
(3) تاريخ الدولة السعودية"، من مطبوعات دار الملك عبد العزيز، (ص23).
(4) تاب عن الإمام محمد بن عبد الوهاب ص 179.(85/55)
ويبين حسين خزعل حال نجد زمن العصر العثماني فيقول: "ولما حلت سنة 923هـ، وظهرت الدولة العثمانية على المسرح السياسي في جزيرة العرب، وإن كانت الجزيرة العربية لن تشتمل بالحكم العثماني المركزي المباشر، بل اكتفت الدولة العثمانية بالسلطة الإسمية عليها؛ كان كل قطر من أقطار الجزيرة العربية مستقلا بذاته، ولا سيما نجد، فقد كانت العصبيات فيها قائمة على قدم وساق، لكل عشيرة دولة، ولكل حاكم من أولئك الحكام حوزته الخاصة يحكمها حكماً مطلقاً"(1).
ويقول جاكلين بيرين في ذلك: "ولكن شبه الجزيرة العربية ظلت ممتنعة على الفتح التركي بفضل صحرائها التي هلكت فيها عطشاً الجيوش التي وجهها السلطان سليمان سنة 1550م"(2).
فإذا كانت نجد - محل ظهور وانطلاق هذه الدعوة - ليست تحت سيطرة العثمانيين، فكيف ترد هذه الشبهة ويظن أن الشيخ قد خرج على دولة الخلافة ؟.
واستكمالاً لهذا المبحث نذكر بعض جواب سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله على ذلك الاعتراض، يقول الشيخ عبد العزيز: "لم يخرج الشيخ محمد بن عبد الوهاب على دولة الخلافة العثمانية - فيما أعلم وأعتقد - فلم يكن في نجد رئاسة ولا إمارة للأتراك بل كانت نجد إمارات صغيرة وقرى متناثرة، وعلى كل بلدة أو قرية - مهما صغرت - أمير مستقل… وهي إمارات بينها قتال وحروب ومشاجرات، والشيخ محمد بن عبد الوهاب لم يخرج على دولة الخلافة، وإنما خرج على أوضاع فاسدة في بلده، فجاهد في الله حق جهاده وصابر وثابر حتى امتد نور هذه الدعوة إلى البلاد الأخرى …"(3).
__________
(1) تاريخ الجزيرة العربية في عصر الشيخ محمد بن عبد الوهاب"، (ص38،39).
(2) اكتشاف جزيرة العرب"، نقله إلى العربية قدري قلعجي، دار الكتاب العربي، بيروت، ص24.
(3) ندوة تجديد الفكر الإسلامي"، ألقيت في قاعة المحاضرات بجامعة الملك سعود، 1402هـ.(85/56)
ويجيب الشيخ محمد نسيب الرفاعي رحمه الله على من ادعى أن هذه الدعوة حركة انقلابية المراد منها خلع الخليفة العثماني، وإعادة الخلافة إلى العرب، فكان مما قاله: "لم يكن ليخطر على بال الشيخ محمد بن عبد الوهاب أن ينقلب على خليفة المسلمين ولا مرّ بخاطره ذلك .. ولكن الملتفين حول الخليفة إذ ذاك من الطرقيين المتصوفة قلبوا له الأخبار، وشوهوها، ليوغروا صدر الخليفة عليهم، وحرضوه عليهم بحجة أنهم أهل حركة انقلابية على الخليفة نفسه، تقصد إرجاع الخلافة إلى العرب .. مع أن من صميم عقيدة الشيخ رحمه الله التي هي العقيدة الإسلامية الحقة أنه لا تنقض الأيدي من طاعة الخليفة القائم إلا أن يروا فيه كفراً بواحاً صراحاً، ولم ير الشيخ شيئاً من هذا حتى يدعو الناس إلى خلع الخليفة، حتى ولو كان الخليفة فاسقاً في ذاته، إن لم يصل فسقه إلى درجة الكفر البواح الصراح، فلا يجوز الانقلاب عليه، ولا الانتقاض على حكمه، وأن الشرع يخالف القيام على السلطان إلا في حالات الكفر البواح الصراح، حتى وإن الحركة – من أولها إلى آخرها – لم يكن للخليفة والخلافة أي علاقة في الدعوة ألبتة، حتى ولما استتب لهم الأمر في نجد والحجاز، أنهم انتقضوا على الخليفة، ولم يكن للخليفة ذكر قط في مراحل الدعوة.."(1).
ويقول الدكتور عجيل النشمي: "نستطيع القول باطمئنان أن كتابات الشيخ محمد بن عبد الوهاب ليس فيها تصريح بموقف عدائي ضد دولة الخلافة".
ويقول أيضاً: ولم نعثر على أي فتوى له تكفر الدولة العثمانية بل حصر افتاءاته في البوادي القريبة منه التي كان على علم بأنها على شرك"(2).
__________
(1) الشبهات التي أثيرت حول دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب" (ص9،10).
(2) مجلة المجتمع"، (عدد 506، 17 محرم 1401هـ).(85/57)
ونورد خلاصة ما كتبه النشمي في هذا الموضوع، حيث يقول: "فكانت سياسة الشيخ وموقفه تجاه الحجاز أنه لم يؤثر عنه طوال حياته تحريض أو استعداء أو دعوة لحربها، أو الاستيلاء عليها لشعوره أن ذلك الفعل قد يسفر على أنه خروج على دولة الخلافة. لم تحرك دولة الخلافة ساكناً، ولم تبدر منها أية مبادرة امتعاض، أو خلاف يذكر رغم توالي أربعة من سلاطين آل عثمان في حياة الشيخ"(1).
إذا كان ما سبق يعكس تصور الشيخ لدولة الخلافة، فكيف كانت صورة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لدى دولة الخلافة؟
يقول د. عجيل النشمي مجيباً على هذا السؤال: "لقد كانت صورة حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لدى دولة الخلافة صورة قد بلغت من التشويه والتشويش مداه، فلم تطلع دولة الخلافة إلا على الوجه المعادي لحركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، سواء عن طريق التقارير التي يرسلها ولاتها في الحجاز، أو بغداد، أو غيرهما .. أو عن طريق بعض الأفراد الذين يصلون إلى الآستانة يحملون الأخبار"(2).
"مع العلم أن التاريخ يذكر أن هؤلاء الانكليز وقفوا ضد هذه الدعوة، منذ قيامها خشية يقظة العالم الإسلامي" (3).
ويقول الاستانبولي: "والغريب المضحك والمبكي معاً أن يتهم هذا الأستاذ حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بأنها من عوامل هدم الخلافة العثمانية، مع العلم أن هذه الحركة قامت حوالي عام 1811م، والخلافة هدمت حوالي 1922م"(4).
__________
(1) مجلة المجتمع"، (عدد 510، 30 صفر 1401هـ).
(2) مجلة المجتمع"، (عدد 504، 3 محرم 1401هـ).
(3) الشيخ محمد بن الوهاب في مرآة علماء الشرق والغرب" (ص62).
(4) لمرجع السابق (ص64).(85/58)