بعد مائة عام انهزمت المملكة الجنوبية حوالي عام 600ق.م. عندها ترك لحي وعائلته أورشليم مستقرين في القارة الأمريكية فكان منهم النافيون وكذلك اللامانيون الذي يعتبرون من سلالة لحي. وقد هدمت أورشليم عام 586 ق.م.
سبطا إسرائيل اللذان بقيا أُخِذا أسيرين، كما أعيد بناء أورشليم بعد المسيح، إلا أن الجنود الرومانيين قد خربوها مرة ثانية.
يصرحون بأن في هذا الزمان قد وعد الرب بأنه سيجمع بني إسرائيل ليتعلموا الإنجيل(*)، كما أن موسى النبي قد نزل على يوسف سميث عام 1836م وأعطاه سلطة جمع بيت إسرائيل في هيكل كيرتلاند.
بيت إسرائيل الآن في طريقه إلى الجمع إذ أن آلافاً من الناس ينضمون إلى الكنيسة(*) سنوياً من الإسرائيليين الذي ينتمون إلى عائلة إبراهيم ويعقوب إما بعلاقة الدم أو بعلاقة التبني حسب ادعاءاتهم.
سيجمع سبطا افرايم ومنسي في أرض أمريكا، وسيعود سبط يهوذا إلى أورشليم كما أن الأسباط العشرة المفقودة ستتسلم البركات التي وعدت بها من سبط افرايم في أمريكا.
الإسرائيليون المشتتون في كل دولة يدعون للتجمع في حظيرة المسيح(*) في أوتاد صهيون.
هذا التجمع الحرفي لإسرائيل لن يتم حتى المجيء الثاني للمخلص كما يزعمون.
ستكون هناك عاصمتان في العالم: الأولى في أورشليم والثانية في أمريكا لأن من صهيون تخرج الشريعة، ومن أورشليم تخرج كلمة الرب.
الجذور الفكرية والعقائدية:
لليهود دور في نشوء هذه الطائفة تعزيزاً للانشقاق داخل الكنائس المسيحية بغية السيطرة عليها.
كتاب المورمون يشبه التلمود في كل شيء ويحاكيه وكأنه نسخة طبق الأصل عنه.
إن إسرائيل قد جندت كل إمكاناتها لخدمة هذه الطائفة عاملة على استمرارية العون والمساندة النصرانية لها.
يعملون على ربط صهيون أو القدس الجديدة بالأرض الأمريكية المقدسة – حسب وصايا الرب – انتظاراً لعودة المسيح(*) الذي سيعود ليملك الأرض ويملأها جنات خالدات.(68/67)
يقولون عن فلسطين في كتاب المورمون في الإصحاح العاشر الفقرة 31: "فاستيقظي وانتفضي من الثرى يا أورشليم، نعم… والبسي حللك الجميلة يا ابنة صهيون، ووسعي حدودك إلى الأبد، لكي لا تعودي مغلوبة ولكي تتحقق عهود الأب(*) الأزلية التي قطعها معك، يا بيت إسرائيل".
يقولون في الإصحاح الرابع عشر فقرة 6 مخاطبين المورمون: "لا تعطوا القدس للكلاب ولا تطرحوا دوركم قدام الخنازير لئلا تدوسها بأرجلها وتلتفت لتمزقكم".
نلاحظ تعانق الفكر الصليبي مع الفكر الصهيوني في نظرتهم إلى فلسطين، إنهم يقولون ذلك منذ عام 1825م يوم كانت فلسطين ما تزال جزءً من أرض الإسلام.
الانتشار ومواقع النفوذ:
آمن بفكرة المورمون كثير من النصارى، وكان دعاتها من الشباب المتحمس، وقد بلغ عدد أفرادها أكثر من خمسة ملايين نسمة، ثمانون بالمائة منهم في الولايات المتحدة الأمريكية ويتمركزون في ولاية يوتاه حيث أن 68% من سكان هذه الولاية منهم، و62% من سكان مقاطعة البحيرات المالحة مسجلون كأعضاء في هذه الكنيسة(*) ومركزهم الرئيسي في ولاية يوتاه الأمريكية.
انتشروا في الولايات المتحدة الأمريكية، وأمريكا الجنوبية، وكندا، وأوروبا، كما أن لهم في معظم أنحاء العالم فروعاً ومكاتب ومراكز لنشر أفكارهم ومعتقداتهم.
أنهم يوزعون كتبهم مجاناً، ودعوتهم تأتي خدمة لمصلحة إسرائيل وتأكيداً لأهدافها المرسومة. ولهم 175 إرسالية تنصيرية، كما أنهم يملكون:
شبكة تلفزيونية، وإحدى عشرة محطة إذاعية.
ويملكون مجلة شهرية بالأسبانية، وصحيفة يومية واحدة.
ويملكون مركزاً متطوراً جداً للمعلومات في مدينة سولت ليك في ولاية يوتاه الأمريكية.
ويتضح مما سبق:(68/68)
أن المورمون طائفة نصرانية جديدة نسبياً، انشقت عن النصرانية، وتدعو إلى التمسك بالكتب اليهودية وكتاب المورمون وكتاب المبادئ والعهود وغيرها ويدعون إلى الإيمان بالمسيح الذي جاء – في نظرهم – لينقذ اليهود من الاضطهاد، والإيمان بأن المبادئ والمراسم الأربعة للإنجيل(*) هي: الإيمان بالرب يسوع المسيح(*) كما يقولون، والتوبة والعماد(*) بالتغطيس لغفران الخطايا ووضع الأيدي لموهبة الروح القدس(*). ويصل شركهم مداه عندما يقولون إنهم يعتقدون إن الله تعالى هو على شكل إنسان له لحم وعظام وبداخل جسده الملموس روح أزلية، كما أن البشر عندهم هم أبناء وبنات الله، ومن هنا يجب حذر المسلمين من أفكارهم.
مراجع للتوسع:
هناك نشرات توزعها كنيسة يسوع المسيح لقديسي الأيام الأخيرة بمدينة سولت ليك بولاية يوتاه في الولايات المتحدة الأمريكية ومنها:
(a) The Church of Jesus Christ of Latter-day Saints
· ومن نشراتهم باللغة العربية ما يلي:
- مبادئ الإنجيل.
- دليل الشعبة.
- دليل القائد الكهنوتي.
- كلمة الحكمة.
- شهادة يوسف سميث.
- دليل العائلة.
- ماذا عن المورمون – طبع الولايات المتحدة.
- مقال عن المورمون في مجلة الأمة عدد 22 شوال 1402هـ/ آب 1982م.
- مقال في الموسوعة البريطانية عن المورمون.
- ولهم كذلك نشرات باللغة الإنجليزية هي:
- Succession in the Presidency.
- W.H.Y. Famillies?
- A Family home evening program suggested by the Church of Jesus Christ of latter-day saints.
- The Mormons and the Jewish people.
- The Lord’s Day.
- What the Mormons think of Christ.
- A Word of Wisdom, Mark E. Perersen.
- Baptism. How and by Whom administered?
شهود يَهْوَه
التعريف:(68/69)
هي منظمة عالمية دينية وسياسية، تقوم على سرية التنظيم(*) وعلنية الفكرة، ظهرت في أمريكا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وكما تدعي أنها مسيحية(*)، والواقع يؤكد أنها واقعة تحت سيطرة اليهود وتعمل لحسابهم، وهي تعرف باسم (جمعية العالم الجديد) إلى جانب (شهود يهوه) الذي عرفت به ابتداء من سنة 1931م وقد اعترف بها رسمياً في أمريكا قبل ظهورها بهذا الاسم وذلك سنة 1884م.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
أسسها سنة 1874م الراهب(*) تشارلز راسل 1862 – 1916م وكانت تعرف آنذاك باسم مذهب(*) الراسلية أو الراسليين نسبة إلى مؤسسها كما عرفت باسم الدارسون الجدد للإنجيل(*). وعرفت بعد ذلك باسم جمعية(*) برج المراقبة والتوراة(*) والكراريس Watch Tower Bible and Tract Society ثم استقر الأمر أخيراً وعرفت باسم يهوه(*) نسبة إلى يَهْوَه إله بني إسرائيل على ما تردد توراتهم، (راجع سفر الخروج6: 2–4) "وكلم الله موسى قال له أنا الرب. أنا الذي تجليت لإبراهيم وإسحاق ويعقوب إلهاً قادراً على كل شيء وأما اسمي يهوه فلم أعلنه لهم".
ثم خلفه في رئاسة المنظمة فرانكلين رذرفورد 1869 – 1942م الذي ألف سنة 1917م كتاب سقوط بابل ويرمز ببابل لكل الأنظمة الموجودة في العالم.
ثم جاء نارثان هرمر كنور 1905م وفي عهده أصبحت المنظمة دولة داخل الدولة كما يقال.
الأفكار والمعتقدات:
إشاعة الفوضى الخلقية والتحلل من جميع الفضائل الإنسانية التي حثت عليها التعاليم الدينية.
يؤمنون بيهوه(*) إلهاً(*) لهم وبعيسى رئيساً لمملكة الله.
يؤمنون بالكتاب المقدس للنصارى ولكنهم يفسرونه حسب مصالحهم.
الطاعة العمياء لرؤسائهم.
يستغلون اسم المسيح(*) والكتاب المقدس للوصول إلى هدفهم وهو: إقامة دولة دينية دنيوية للسيطرة على العالم.
تهيئة النفوس لإقامة الدولة اليهودية الكبرى.
نفي الحساب والعقاب في الآخرة فلا إثم على من يقترف ذنباً أو معصية في دنياه.(68/70)
لا يؤمنون بالآخرة ولا بجهنم ويعتقدون بأن الجنة ستكون في الدنيا في مملكتهم.
يعتقدون بقرب قيام حرب تحريرية يقودها عيسى وهم جنوده يزيحون بها جميع حكام الأرض.
يقتطفون من الكتاب المقدس الأجزاء التي تحبب إسرائيل واليهود إلى الناس ويقومون بنشرها.
لا يؤمنون بالروح وبخلودها ولهم معابد خاصة بهم يسمونها القاعة الملكية أو بيت الرب.
الأخوة الإنسانية مقتصرة عليهم دون سواهم من البشر.
يعادون النظم الوضعية ويدعون إلى التمرد، ويعادون الأديان(*) إلا اليهودية، وجميع رؤسائهم يهود.
إشاعة الفوضى العالمية بتحريض الشعوب على التمرد على حكوماتهم وشق عصا الطاعة عليها ومقاطعة جميع النشاطات الرسمية في الدولة ويبررون ذلك بما جاء في كتابهم الأخضر "ليكن الله صادقاً بأنهم سفراء الله في ملكوته المقدس، ومن ثمَّ فهم يتمتعون بحصانة تعفيهم من الخضوع للحكومات المدنية أياً كانت مقوماتها".
يعترفون بقداسة الكتب التي تعترف بها اليهودية وتقدسها وهي 19 كتاباً.
يقولون بالتثليث(*) ويفسرونه بـ (يهوه(*)، الابن(*)، الروح القدس(*)).
يمر العضو فيها بمراحل معقدة ويخضع الالتحاق بها إلى شروط قاسية، وتنتظم عضوية جمعية شهود يهوه ثلاث مراتب:
أعضاء الرجاء السماوي: وهم أعضاء الإدارة العليا ويرأسهم العبد العظيم أو الحكيم ويعرف مقره ببيت "إيل" أي بيت الله.
صف جلعاد أو الرجاء الأرضي: ويشمل من الأعضاء الرواد والمعاونين ونظار المناطق، وهؤلاء هم أعضاء الإدارة التنفيذية.
المبشرون: ويعرف أعضاؤها بالخدم، وتضم هذه المرتبة الشهود وهم الأعضاء المكلفون بتوزيع مطبوعات الجمعية ورسائلها.
شعاراتهم ورموزهم:
تبني المينورا وهي الشمعدان السباعي الذي هو رمز اليهود الديني والوطني.
تبني النجمة السداسية وهي رمز لليهود كذلك.
تبني اسم يهوه(*) ويكتبونه بالعبرية وهو "الإله(*)" عند اليهود.
من كتب المنظمة:(68/71)
تنطق باسمهم مجلة كانت تصدر تحت اسم برج مراقبة صهيون ثم عدلوها إلى: برج المراقبة لإخفاء كلمة صهيون.
هذا الخبر الجيد عن المملكة (المقصود مملكتهم المأمولة).
الأساس في الإيمان بعالم جديد.
لقد اقترب علاج الأمم.
العيش بأمل نظام عادل جديد.
الجذور الفكرية والعقائدية:
يمكن اعتبارهم فرقة مسيحية(*) منفردة بفهم خاص إلا أنهم واقعون تحت سيطرة اليهود بشكل واضح ويتبنون العقائد اليهودية في الجملة ويعملون لأهداف اليهود.
تأثروا بأفكار الفلاسفة القدامى واليونانيين منهم بخاصة.
لهم علاقة وطيدة بإسرائيل وبالمنظمات اليهودية العالمية كالماسونية.
لهم علاقة تعاون مع المنظمات التبشيرية والمنظمات الشيوعية والاشتراكية الدولية.
لهم علاقة كبيرة مع أهل النفوذ من اليونانيين والأرمن.
الانتشار ومواقع النفوذ:
لا تكاد تخلو دولة في العالم من نشاط لهذه المنظمة السرية الخطرة.
مركزهم الرئيسي في أمريكا – حي بروكلين بنيويورك: 124 Columbia Heights.
(i) Brooklyn 1. New York - USA
وصل عدد البلدان التي يزاولون فيها نشاطهم سنة 1955م إلى 158 دولة وكان عددهم آنذاك 632929 عضواً وعدد دعاتهم 1814 داعية فكم يكون إذن عددهم الآن؟ وقد فطنت بعض الدول إلى خطورتهم فمنعت نشاطهم وتعقبتهم ومن هذه الدول: سنغافورة، لبنان، ساحل العاج، الفلبين، العراق، النرويج، الكاميرون، الصين، تركيا، سويسرا، رومانيا، هولندا.. وما يزالون ينشطون في هذه الدول بطريقتهم الخاصة السرية. أما في إفريقيا والدول الإسلامية فغالباً ما يكون نشاطهم بالتعاون مع المنظمات التبشيرية.
طريقتهم في العمل:(68/72)
يرون أنه ثبت بالدليل أن عدداً كبيراً من الناس لا يحضرون إلى المعابد، وأن أكثر من نصف الناس في بعض البلدان لا ينتمون إلى طائفة من الطوائف الدينية، وأن ملايين من المنتمين إلى الطوائف الدينية لا يحضرون عبادتهم ولا يريدون أن يستمعوا إلى رجال الدين. فعملت شهود يهوه على أن تخفي نفسها تحت أستار أنها فرقة مسيحية(*) تطوف بالبيوت والمقاهي والأندية العامة والطرقات، حاملة الكتب والمنشورات، تعرض فيها تعاليمها بحماسة مدعية أنها حاملة رسالة دين(*) جديد يجمع تحت لوائه أهل الأديان(*) كافة، تتظاهر بعدم معاداة أحد أو أية طائفة من الطوائف. كما عملت على عدم الاحتفاظ بأسماء أعضائها واكتفت فقط بحفظ ناشري مطبوعاتها ونشراتها وعملت – أيضاً – على عدم الإعلان عمن يساعدها بالأموال في أداء مهامها.
يصدرون آلاف الكتب والنشرات والصحف ويوزعونها مجاناً مما يدل على قوة رصيدهم المالي.
لهم مدارس خاصة بهم ومزارع ودور صحافة ودور نشر.. ولكل منها إدارة خاصة بها.
لهم مكاتب للترجمة والتأليف ولجان دينية عليا لتفسير الكتاب المقدس وفق مصلحتهم.
لهم تعاون كبير مع المنظمات المماثلة التي تعمل لصالح اليهود.
تستفيد هذه المنظمة من أعضائها في أعمال الاستخبارات والجاسوسية والدعاية.
ويتضح مما سبق:
إن منظمة شهود يهوه تدعي المسيحية(*) وتوالي اليهودية وتعادي الإسلام وهي من المنظمات المشبوهة التي يلزم وقف نشاطاتها في أي بلد إسلامي – إن وجد - وعدم السماح بتداول مطبوعاتها ومجلاتها تحت أي مسمى كان ويكفي أن علاقتهم وطيدة بإسرائيل وأن روابطهم وثيقة بعملاء التنصير.
----------------------------
مراجع للتوسع:
- شهود يهوه، د. محمد حرب.
- كتابان باللغة التركية: الأستاذ حكمت تانيو وهما:
- Yehora Sahitleri.
- Tharih Boyunca Turkler ve Yahudiler.
- الماسونية العالمية في ميزان الإسلام، عبد الله سمك، كلية أصول الدين بالقاهرة 1407هـ/1987م.(68/73)
- شهود يهوه في الميزان، جبرائيل فرح البوس.
- الصهيونية بين الدين والسياسة، عبد السميع الهراوي.
- لهذا أكره إسرائيل، أمين سامي الغمراوي.
- اليهودية العالمية وحربها المستمرة على المسيحية، إيليا أبو الروس.
- نظرة حول المؤامرات الدولية اليهودية، د. سعيد محمد أحمد بانجة.
- الماسونية في العراء، د. محمد علي الزعبي.
- شهود يهوه. التطرف المسيحي في مصر، أبو إسلام أحمد عبد الله.
الأبوس ديي
التعريف:
الأبوس ديي منظمة (*) سرية دينية لا رهبانية نصرانية كاثوليكية معاصرة، تسعى إلى سيادة التعاليم الإنجيلية والعودة إلى النصرانية الأولى كما هي موجودة في الإنجيل(*) المتداول. وذلك وفق ضوابط تنظيمية دقيقة محكمة مع الاستفادة الكاملة من معطيات العصر الحديث، وتتلمس طريقها من خلال السيطرة على النواحي السياسية والاقتصادية والتربوية. واسمها يجمع بين اسمي جمعية(*) الصليب المقدس، ومنظمة العمل الإلهي معاً. وتختلف عن الهيئات الأخرى في عدم ارتداء زيٍّ خاص بها، وسرية النذر وعدم وجود حياة جماعية مشتركة بشكل إجباري، ومصادر دخلها تعتبر سراً من الأسرار.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
* أسس هذه المنظمة القس خوسيه ماريا أسكريفا JOSE MArIA ESCrIVA في أسبانيا وذلك في 2 أكتوبر 1928م وهو يزعم أنه قد اختير لهذه المهمة بوحي(*) إلهي وذلك كي يضفي على هذا التأسيس هالة من التقديس.
* في عام 1930م تم تأسيس الفرع النسائي للمنظمة على نفس نمط الفرع الرجالي تنظيماً وانتشاراً.
* وجدت أفكار أسكريفا أرضاً خصبة في إسبانيا تحت حكم الجنرال فرانكو وبخاصة عقب الانتهاء من الحرب الأهلية فيها.
* للمنظمة أعضاء وصلوا إلى الوزارة في كل من أسبانيا وإيطاليا ويشكلون ثقلاً مهمَّا في كلا البلدين.
* لهم الآن ثلاثون نائباً على الأقل في البرلمان(*) الأسباني ينتمون إلى المنظمة ويتحركون بإيحاءاتها.(68/74)
* هناك أساقفة(*) وقساوسة(*) منتمون سراً للمنظمة ويعملون بين مختلف الطبقات الاجتماعية الأسبانية وفي صفوف الجيش.
* ولهم رئاسة قسم الدراسات اللاهوتية في روما وهو فرع من جامعة نافارا الأسبانية.
· الهيكل التنظيمي :
- المجلس العام: ويتألف من الرئيس والسكرتير العام والنائب العام وشخصيات من أربع عشرة دولة، وهو الذي يتخذ القرارات الحاسمة باعتباره أعلى سلطة في المنظمة بجميع فروعها في العالم وبأقسامها الثلاثة: القساوسة والمدنيين والفرع النسائي.
- القساوسة: وهي أعلى درجة يطمح العضو فيها ويرتقي إليها العضو النظامي، وحتى عندما يتحول العضو النظامي إلى قسيس(*) فإنه لا يتخلى عن عمله المهني ويصبح في هذه الحال طبيباً قسيساً أو محامياً قسيساً.. الخ.
- العضو النظامي وهي أعلى درجة في التنظيم.
- الناذر نفسه (القربان) ويقوم بنذر نفسه للمنظمة ويكرس حياته لها.
- العضو غير النظامي.
- المتعاون، علاقته كنصير أو مؤيد.
- اعترفت الكنيسة(*) الأسبانية بهذا الهيكل التنظيمي للأبوس ديي اعترافاً شبه رسمي مما دعم مكانتها وزاد في انتشارها.
- لقي المؤسس اهتماماً من الفاتيكان(*) مما جعله يقرر الانتقال من أسبانيا إلى روما والإقامة هناك بشكل نهائي جاعلاً منها المقر الرئيسي للمنظمة.
- ظل اسكريفا رئيساً لهذه المنظمة طيلة حياته إلى أن توفي عام 1975م.
- يقوم تنظيم نسائي على يد أخوات الأعضاء البارزين في الحركة.
الأفكار والمعتقدات :
* أفكار دينية وتنظيمية :
أهداف المنظمة(*) دينية صرفة، فهي تعمل من أجل إعلاء النصرانية وفق العقائد الكاثوليكية، عن طريق التربية والسياسة والاقتصاد.
- يتضمن نشاط المنظمة جهود رجال الدين، ومن غير رجال الدين، كما يشمل الرجال والنساء، ويعطي عناية خاصة للشباب.
- يحرض التنظيم(*) على أن يكون أعضاؤه قدوة حسنة، كما يحرص على السرية والكتمان.(68/75)
- يهدف التنظيم فيما يعلنون إلى تربية جادة صارمة لأعضائه، تقوم على الجدية، والعفة وحسن الخلق، بل والتقشف أيضاً، فكأنه يريد أن يحيي فيهم روح الأوائل.
- يقوم التنظيم على ضوابط دقيقة في الانتساب، ثم في التعامل بين الأعضاء في مرحلة ما بعد الانتساب، وحتى في حالات الاستقالة أو الفصل، وتوزع الأمور توزيعاً موضوعياً يعطي المرء حق التظلم والاعتراض.
- التنظيم عمل متكامل يهدف إلى المواءمة بين النواحي الروحية الدينية وبين الاستفادة من كل ما تقدمه الحضارة الحديثة من أدوات تنظيمية دقيقة ذات أهداف ومناهج وضوابط وموارد مالية.
* لقد نشأت هذه المنظمة في الأصل لتكون لصيقة بنظام الجنرال فرانكو، وكان لتأييده لها أثر مهم في زيادة نفوذها وانتشارها.
* يمكن أن توصف المنظمة بأنها (مافيا دينية كاثوليكية) بوحي من أهدافها وحسب مصلحتها للسيطرة السياسية والاقتصادية في أسبانيا بخاصة وفي مختلف دول العالم بعامة. وقد شكلت المنظمة إمبراطورية اقتصادية صناعية تماثل أرقى وأحدث صور الإمبراطوريات الصناعية الاقتصادية المتعددة الجنسيات الموجودة في العالم. وهي متغلغلة في جميع الأوساط والطبقات.
* تحاول المنظمة الوقوف بكل حزم أمام تيار المنظمات اليسارية والليبرالية والماسونية.
* إذا أظهر المرشح رغبة للانضمام فإن عليه أن يخضع (لإرادة الرب)، وإرادة الرب عندهم هي أن يدخل المرء في هذه المنظمة، وبعد ستة أشهر تقريباً من العيش داخل المنظمة وروحانيتها يقبل المرشح بشكل رسمي.
* بعد ستة أعوام من الانضمام تقام حفلة (الإخلاص والوفاء) لتأكيد عضوية المتقدم بشكلٍ نهائي حيث يعطي خاتماً عليه قطعة من الحجر الكريم يفرض عليه حمله طوال حياته.
* كثير من أعضاء المنظمة(*) يجعلون من الحمار شعاراً لهم ويقولون أن المسيح قد دخل القدس وهو راكب على ظهر حمار، ومن صلوات اسكريفا قوله مخاطباً ربه: (أنا حمارك الجربان).(68/76)
* تتركز النواحي الروحية للحركة فيما يلي:
- تقبل الأرض عند الاستيقاظ.
- الحمام والحلاقة خلال نصف ساعة على الأكثر.
- نصف ساعة للصلاة الفردية، وبعد ذلك قداس جماعي لمدة عشر دقائق.
- بعد الغداء زيارة مكان القربان المقدس، وبعد ذلك ثلاث ساعات من الصمت الأصغر.
- (العصرونية) وهو وقت مخصص للنشاط الجماعي بسبب وجود بعض المدعوين (المرشحين) حيث تختلق مناقشات في موضوع ديني ما أو حادثة دينية معينة.
نصف ساعة للصلاة.
- نهاية اليوم وتقرأ فيه الصلوات ثم يجري فحص عام للنشاطات الروحية أو المالية التي جرت فيه، ويبدأ بعد الصمت الأكبر الذي يمنع فيه الكلام خلال كل الوقت الباقي حتى اليوم التالي.
- قبل النوم يرسم الأعضاء إشارة الصليب بأيديهم على جسمهم، ويرشون الماء المقدس على الفراش ثم يقومون بصلاة قصيرة وينامون.
* في الثاني من شباط سنة 1947م قام الفاتيكان(*) بمنح الأبوس ديي درجة (هيئة دينية لا رهبانية) أي هيئة دينية للعمل ضمن ومن خلال المجتمع المدني.
· المؤلفات :
- ألف اسكريفا كتيباً صغيراً عام 1934م سماه اعتبارات روحية لكن الكتاب اختفى فجأة ليحل محله كتاب الطريق الذي يعد إنجيل المنظمة، وقد ظهرت طبعته الأولى عام 1939م، ويحتوي على 999 حكمة ومقسم إلى أربعين باباً و136 موضوعاً.
- لاسكريفا أطروحة دكتوراه، وله كتب صغيرة حول صلاتهم.
- من كتب المنظمة القيمة الإلهية للإنسان تأليف خوسي أورتيغا، يتكلم فيه عن الإنسان الكاثوليكي الصليبي. وكتاب روحانية العلمانيين تأليف خوان باركيستا توريو.
الجذور الفكرية والعقائدية:
* هذه المنظمة(*) نصرانية كاثوليكية تدعو إلى العودة إلى النصرانية الأولى مستفيدة من معطيات العصر الحديث.
* توجهها ديني سياسي اقتصادي تربوي .(68/77)
* تؤمن المنظمة بكل معطيات النصرانية من تثليث(*) وأب(*) وابن(*) وروح القدس(*) والعذراء والصليب(*) والفداء والقرابين والخطيئة وأكل لحم الخنزير وما إلى ذلك مما يعتقده النصارى بعامة.
الانتشار ومواقع النفوذ:
- لا يوجد في العالم بلد نصراني إلا وللمنظمة وجود فيه، فقد اتسع وجود المنظمة ليشمل أكثر من خمسين دولة في العالم تغلغلت من خلالها في جميع الجوانب الفكرية والثقافية والسياسية والمالية.
* تتركز قوتها في المناطق التالية: أسبانيا وفيها ثقلها الأساسي، إيطاليا حيث يقوم المركز الرئيسي والدولي في روما بشارع فيرلا برورو Virla Bruro ومهمته الإدارة والتنظيم(*)، الفلبين في شرق آسيا، المكسيك وفنزويلا في أمريكا اللاتينية، وقد دخلت الحياة العامة في كولومبيا والبيرو وتشيلي، وأخيراً في الأرجنتين ولكن بنسب متفاوتة، وكينيا في إفريقيا.
- يصل عدد أعضاء المنظمة في العالم اليوم إلى حوالي 72000 نسمة من 78 جنسية نصفهم في أسبانيا. وتملك المنظمة أكثر من 700 مدرسة ابتدائية وإعدادية وثانوية ومعهد وبيت للطلبة ومركز ثقافي منتشرة في العالم منها 497 جامعة ومدرسة عليا.
- يملكون 52 محطة إذاعة، 12 شركة توزيع وإنتاج سينمائي و 694 مطبوعة دورية و38 وكالة أنباء و13 بنكاً وشركات ومصانع وعقارات كثيرة.
- وصلت المنظمة إلى السيطرة شبه الكاملة على المجلس الأعلى للأبحاث العلمية في أسبانيا.
في أسبانيا وحدها تملك المنظمة 21 بيتاً من بيوت الطلبة تديرها بشكل مباشر.
ويتضح مما سبق:(68/78)
أن الأبوس ديي منظمة(*) سرية دينية نصرانية هدفها إعلاء المسيحية(*) الكاثوليكية عن طريق الإفادة من كل المعطيات الحديثة للتربية والسياسة والاقتصاد، ومن خلال أعضاء يجب أن يكونوا قدوة حسنة ويحرصون على السرية والكتمان، بغية تحقيق السيطرة الدينية والسياسية في أسبانيا وغيرها من الدول التي انتشرت فيها. وللمنظمة هيكل تنظيمي، يسهر كله على تحقيق النواحي الروحية للمنظمة التي يتخذ كثير من أعضائها الحمار شعاراً لهم، وبحسبانها مافيا دينية كاثوليكية فإنها تعتبر أنها هي وحدها على الحق وأن كل ما عداها على باطل.
----------------------------
مراجع للتوسع :
- الكتب والمؤلفات التي تصدرها المنظمة.
- منظمة الأبوس ديي: النشأة، التنظيم، التطور تقرير في ملفات الندوة العالمية للشباب الإسلامي.
- دستور هيئة الأبوس ديي، تقرير في ملفات الندوة العالمية للشباب الإسلامي.
المونية (حركة صن مون التوحيدية)
التعريف:
المونية: حركة(*) مشبوهة تدعو إلى توحيد الأديان(*) وصهرها في بوتقة واحدة بهدف إلغاء الفوارق الدينية بين الناس لينصهروا جميعاً في بوتقة (صن مون) الكوري الذي ظهر بنبوة جديدة في هذا العصر الحديث.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
* مؤسس هذه النحلة هو القس(*) الثري صن مون المولود في كوريا عام 1920 الذي ادّعى بأنه على اتصال بالمسيح عليه الصلاة والسلام منذ عام 1936م وأنه منذ بلوغه السادسة والعشرين من عمره بدأ يدرس حياة الأنبياء(*) والقادة الروحيين من مثل موسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم ، ومن مثل بوذا(*) وكرشنا(*)، ويطلع على تعاليم الأديان (*) السماوية والوضعية كاليهودية والنصرانية والإسلام وكذلك البوذية والهندوسية.
- في عام 1973م انتقل إلى الولايات المتحدة وعقد صلات عدة مع كبار الشخصيات هناك.(68/79)
- أُلقي القبض عليه وأودع السجن الفيدرالي بكنكتيكت لمدة سنة ونصف السنة بسبب تهربه من دفع الضرائب، وقد استطاع أتباعه تصوير سجنه على أنه اضطهاد في سبيل المعتقد الديني الذي يحمله.
- يحتل حالياً منصب الرئيس للمجلس العالمي للأديان.
- زار ألمانيا، لكن سلطات بون أعلنت أنه شخص غير مرغوب فيه.
- يحاول أن يكون قريباً من الأحداث المهمة إذ كان له ولطائفته دور مهم في الوقوف إلى جانب الرئيس ريتشارد نيكسون في فضيحة ووترجيت، كما أنهم كانوا نشيطين في حماية برنامج الرئيس ريغان وسياسته في أمريكا الوسطى.
* شانج هوان كواك: يشغل منصب مساعد رئيس المجلس العالمي للأديان(*)، وهو أكبر معاوني مون، وقد أعلن في بيانه الذي ألقاه في المؤتمر المنعقد بتركيا سنة 1985م عن نبوة(*) مون وأنه يتلقى الوحي(*) revelation من السماء .
* اليهودي فرانك كوفمان: يقيم في نيويورك، ويتبع مون، ويعمل في مؤسسته، وقد ناشد علماء المسلمين في مؤتمر تركيا "أن يتفهموا موقف الأديان الأخرى مثل اليهودية والبوذية والهندوكية".
* دكتور يوسف كلارك: قس(*) كاثوليكي من مساعدي مون، وهو عضو مجلس إدارة المجلس العالمي للأديان، كان ممثل المجلس في مؤتمر تركيا.
* كوزا: رئيس مكتب مون في هندوراس ويعمل بهمة على نشر الحركة(*) في أمريكا اللاتينية.
* موسى دست: رئيس كنيسة(*) مون بالولايات المتحدة الأمريكية.
الأفكار والمعتقدات:
* يزعم أنه على اتصال بالمسيح(*) وأنه يتلقى الوحي من السماء مدعياً نبوة جديدة.
* شعاره وهدفه المعلن هو السعي من أجل توحيد الأديان(*) على اختلاف أنواعها.
* يقول للنصارى بأن الإله(*) قد رمى بالمسيحية(*) جانباً وأبدلها برسالة جديدة هي رسالة توحيد الأديان الداعي إليها.(68/80)
* من القانون الأساسي لحركة مون: "إن الهدف الرئيسي هو العمل من أجل توحيد العالم تحت راية إله واحد بحيث تضمحل من هذا العالم كل الحواجز والعوائق الكنسية والسياسية والوطنية والقومية والاجتماعية".
* يقولون في كتابهم المبدأ المقدس: "إن رسالة آدم الأساسية أن يخلق الأسرة الكاملة في الأرض، وهذه المهمة لم تتحقق نتيجة لعمل الشيطان الذي كان نشيطاً في مهمته منذ بداية الخلق، وعيسى قد خلق آدم، وفشل في أمر الزواج، وترك مبدأ تكوين الأسرة الكاملة، وفشله ليس كاملاً فقد أحيا الجانب الروحي للإنسان، وقد ظل جسد الإنسان مستعبداً للشيطان، هذا أيضاً يجب تجديده، وهذا يستلزم آدماً ثالثاً بالاتحاد مع زجة مثالية يمكن تحقيق هذا الهدف لإنجاب الإنسان الكامل".
* إنهم يقومون بدراسة رسومات بيانية يزعمون أنها "تبين أن التاريخ والأحداث متكررة ومقدرة سلفاً ووفقاً لهذه الجداول البيانية، ويقولون: إن هناك أمثلة متكررة من البشر قد اختيروا ليصيروا آباء كاملين، لكن الشيطان قد اعترض سبيلهم فلم ينجحوا، وقد وجدت هذه الأسر المثالية على مر التاريخ الإنساني في فترات متقطعة على مدى أربعمائة عام سلفت".
* يتم اقتناص الشخص ليصبح عضواً في حركتهم عن طريق دعوته أولاً إلى وجبة طعام ثم دعوة للاشتراك في رحلة نهاية الأسبوع.
* يمنع الأفراد الجدد من تحدث بعضهم لبعض وعليهم الانتظار حتى اللقاء الآخر في نهاية الأسبوع.
يمضي المدعو عدة أسابيع مع معلمه، وقد يجعلونه بعد ذلك في مسكن واحد مع أعضاء جدد آخرين ليلقنوهم جميعاً العقيدة الجديدة مع التركيز على تقديس وتمجيد شخصية مون والتأكيد على ضرورة التنكر لعقيدة أهاليهم ومجتمعاتهم.
* يقول مون في كتابه التوجيهي أقوال الأب الروحي: "إن عملية البعد عن العائلة والأصدقاء لا يتم بالصدفة إذ لابد أن تتمرس على حياتك الجديدة ومن بعدها يمكنك أن تتنكر لعائلتك وأصدقائك وجيرانك".(68/81)
إذا ما حاول العضو الفرار منهم فسيكون ذلك صعباً لعدة أمور:
1- لأنه يكون قد انفصل عن عائلته فلا يستطيع العودة إليها بعد أن ناصبها العداء بسبب معتقده الجديد الذي يخالف معتقدها.
2- لأنه يكون قد غُسِلَ دماغُه وصار أداة طيعة في أيديهم يحركونه كيفما يريدون بعد أن سيطروا عليه روحياً وخدعوه بالوعود السماوية الكاذبة.
3- لأن أفراد عصابة مون سيتابعونه ويطاردونه حتى يعود إلى حظيرتهم من جديد.
4- إذا ما استسلم العضو الجديد لهم فإنهم يسخرونه لبيع الورود والشموع ليكون مصيدة لجذب الأعضاء الجدد فضلاً عن الإيراد المالي الذي يحققه لميزانية الحركة.
* نظم مون عملية زواج جماعية في ميدان ماديسون جاردن بنيويورك قام خلالها بتزويج 2075 شاباً وفتاة على الرغم من أن المجلس القومي الكنسي في أمريكا كان قد أصدر بياناً يعلن فيه عدم الاعتراف بكنيسة مون.
* يؤكد مون محاربته للشيوعية ويركز هجومه عليها كما أنه يرسل البعثات لمناهضتها في أماكن عديدة من العالم.
* لقد عقد مون عدداً من المؤتمرات سعياً وراء تحقيق أهدافه، ومنها:
- مؤتمر توحيد اليهود في سويسرا.
- مؤتمر اتحاد العالم المسيحي في إيطاليا.
- مؤتمر البوذيين في اليابان.
- مؤتمر الهندوكية في سيريلانكا.
- مؤتمر اتحاد العالم الإسلامي: الذي تم عقده في تركيا قرب اسطنبول وذلك في الفترة من 19 – 22 سبتمبر 1985م، وقد تعاونت معهم كلية الإلهيات بجامعة مرمرة بهدف إنجاح المؤتمر.
- لديهم خطة لعقد مؤتمرات أخرى م سنة 1989 – 1993م.
- كان أتباع مون المشاركون في المؤتمر بتركيا يصورون الخلافات بين الأديان(*) على أنها لا تعدو أن تكون شبيهة بتلك الخلافات الفقهية الموجودة بين المذاهب(*) الإسلامية ذاتها، وهذا محض افتراء، إذ إن الخلاف بين الأديان خلاف عقائدي قبل كل شيء، في حين أن الخلاف بين المذاهب الفقهية ليس أكثر من خلاف داخلي اجتهادي في الفروع دون الأصول.(68/82)
- قال اليهودي كوفمان في الجلسة الختامية لهذا المؤتمر: "إن الأمر يحتاج إلى أن نبذل المزيد من الجهد حتى نفهم بعضنا، فإننا قد ننتسب إلى شيء واحد وعقيدة واحدة، ورغم ذلك نختلف، ومن أجل أن نلتقي لابد لنا من أن نتفهم غيرنا من خلال نظرته"!!
* تذكر جريدة المسلمون في عددها 36 أن المجلس العالمي للأديان الذي يترأسه صن مون إنما يعمل تحت رقابة المؤسسة العالمية المتحدة للأديان IrF وهي واحدة من الوكالات الدينية الإنسانية التابعة للكنيسة الموحدة التي هي إحدى الحركات الدينية الجديدة التي أسسها صن مون في كوريا.
- وتذكر الجريدة بأن أهداف المجلس العالمي للأديان حسبما تورده مذكرة المجلس ذاته هي:
1- المناداة بوحدة الإنسانية.
2- منح الاحترام الواجب للتراث الإنساني المختلف.
3- دعوة الناس من كل الأديان إلى نوع من الوحدة الروحانية واحترام خصوصيات كل دين(*).
4- تشجيع الفهم المتبادل والتعاون بين ومع المعتقدات الدينية في العالم.
5- معاونة هؤلاء المتطلعين إلى إيجاد تناسق وانسجام بين الأديان والمساعدة في التعاون بين المنظمات الدينية.
6- توسيع استخدام وجهات النظر الدينية في حل المشكلات الإنسانية العامة.
7- الدفاع عن حقوق الإنسان بما في ذلك حق حرية المعتقدات الدينية وممارستها.
8- التأييد العلمي للطموحات الفردية الخاصة بالمعتقدات الدينية عن طريق وضع برامج من شأنها تخفيف المعاناة وتحسين حال البشرية.
الجذور الفكرية والعقائدية:
* إن اليهود – باعتبارهم أقلية مفسدة – يسعون دائماً لبث دعاوى إذابة الفروق بين العقائد مما يمهد الطريق لهم ليتغلغلوا داخل شعوب الأرض ويكونوا هم المستفيدين في النهاية على حساب الأديان الأخرى جميعاً.
* إن هذه الحركة(*) تدور في فلك الحركات المسخرة لخدمة الصهيونية العالمية إذ أن التشابه بين هذه الحركات يدل على أنها ذات أصل واحد وتعمل لهدف مشترك واحد.(68/83)
* إن الثراء الفاحش الذي يتحرك فوقه صن مون ليشير إلى الجهة التي تموله وتقف وراءه لتستفيد من عمله ودعوته في تفتيت الأديان(*) وتحطيم الأخلاق(*).
الانتشار ومواقع النفوذ:
* تتمتع هذه الحركة بوجود ضخم في جنوب ووسط أمريكا إذ أن لهم علاقات قوية مع كبار السياسيين في تشيلي وأرجواي والأرجنتين وهندوراس وبوليفيا.
* في أيرلندا لهم مركز وكنيسة(*) أسمها الكنيسة التوحيدية، وتجدر الإشارة إلى أن لأيرلندا دوراً كبيراً في دعم أمثال هذه الحركات.
* لهم استثمارات في جنوب كوريا، وقد سمحت لهم حكومة سيول بإقامة كنيسة لهم خارج العاصمة.
- إنهم متغلغلون في الجناح الأيمن للحزب (*) الجمهوري بالولايات المتحدة كما يشكلون الجناح الأيمن للدكتاتورية في أمريكا الجنوبية.
- يمتلك زعيمهم عدة عقارات في العالم وشركات ومطاعم وأراض ومحلات لبيع المجوهرات وشركة للنشر تسمى Paragon House كما أسس جريدة الواشنطن تايمز التي يوزع منها 75 ألف نسخة في اليابان ونيويورك وأرجواي وقبرص ولديه فندق نيويوركر New Yorker في مانهاتن.
ويتضح مما سبق :
إن المونية حركة(*) مشبوهة، تدعو إلى القضاء على كل الأديان(*)، وابتداع دين جديد، ينصهر في بوتقة المتنبي الكوري صن مون، ويجذب الشباب إليه، مغرياً إياهم بالانحراف والانفصال عن أسرهم، والغرق في بحور الملذات، خدمة لأهداف الصهيونية العالمية.
----------------------------
مراجع للتوسع :
- جريدة المسلمون الأسبوعية، العدد 35-21 محرم 1406هـ/ 5 أكتوبر 1985م – وكذلك أعداد 36، 37، 38.
- جريدة الواشنطن بوست تاريخ 28/8/1983م.
- باللغة الإنكليزية
- Carol Cultrer: Are religions Cults Dangerous? The Mercier Press, Dublin and Cork, 1984.
- باللغة الفرنسية :
- Gibert Picard: L’enfer des Sectes, Editions le carrousel – Fn Paris, 1984.
- باللغة الأسبانية(68/84)
- Pepe redriguez: Esclavos De un Mesias. Barcelona. 1984.
- ولدى مراسلتهم على عنوانهم بالولايات المتحدة الأمريكية:
- Council For The World’s religions JAF BoX 2347, New York. 10116. U.S.A.
- فإنهم يرسلون كتباً ونشرات تعبر عن آرائهم نذكر منها:
- Council For the World’s religions.
International religious Foundations, INC
Interoduction to The Principle, An Islamic Pespective
وهو كتاب عنوانه (المقدمة للمبدأ ) مكتوب باللغة العربية لكن محتواه باللغة الإنجليزية.
فلسفات ولدت في كنف الحضارة الغربية ومتأثرة بالنصرانية
1-التنصير
2-العلمانية
3-الاستشراق
4-التغريب
التنصير
التعريف:
التنصير حركة(*) دينية سياسية استعمارية(*) بدأت بالظهور إثر فشل الحروب الصليبية بغية نشر النصرانية بين الأمم المختلفة في دول العالم الثالث بعامة وبين المسلمين بخاصة بهدف إحكام السيطرة على هذه الشعوب.
ويساعدهم في ذلك ثلاثة عوامل:
- انتشار الفقر والجهل والمرض في معظم بلدان العالم الإسلامي.
- النفوذ الغربي في كثير من بلدان المسلمين.
- ضعف بعض حكام المسلمين الذين يسكتون عنهم أو ييسرون لهم السبل رغباً ورهباً أو نفاقاً لهم.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
· ريمون لول: أول نصراني تولَّى التبشير بعد فشل الحروب الصليبية في مهمتها إذ إنه قد تعلم اللغة العربية بكل مشقة وأخذ يجول في بلاد الشام مناقشاً علماء المسلمين.
· منذ القرن الخامس عشر وأثناء الاكتشافات البرتغالية دخل المبشرون الكاثوليك إلى إفريقيا، وبعد ذلك بكثير أخذت ترد الإرساليات التبشيرية البروتستانتية إنجليزية وألمانية وفرنسية.
· بيتر هلينغ: احتك بمسلمي سواحل إفريقيا منذ وقت مبكر.
· البارون دوبيتز: حرك ضمائر النصارى منذ عام 1664م إلى تأسيس كلية تكون قاعدة لتعليم التبشير المسيحي.(68/85)
· المستر كاري: فاق أسلافه في مهنة التبشير، وقد ظهر إبّان القرن الثامن عشر وبداية التاسع عشر.
· كان للمبشر هنري مارتن ت 1812م يد طولى في إرسال المبشرين إلى بلاد آسيا الغربية، وقد ترجم التوراة(*) إلى الهندية والفارسية والأرمنية.
· في عام 1795م تأسست جمعية لندن التبشيرية وتبعتها أخريات في اسكوتلانده ونيويورك.
· في سنة 1819م اتفقت جمعية الكنيسة(*) البروتستانتية مع النصارى في مصر وكونت هناك إرسالية عهد إليها نشر الإنجيل(*) في إفريقيا.
· دافيد ليفنستون 1813 – 1873م: رحالة بريطاني، اخترق أواسط إفريقيا، وقد كان مبشراً قبل أن يكون مستكشفاً.
· في سنة 1849م أخذت ترد إرساليات التبشير إلى بلاد الشام، وقد قامت بتقسيم المناطق بينها.
· وفي سنة 1855م تأسست جمعية الشبان المسيحية(*) من الإنجليز والأمريكان، وقد انحصرت مهمتها في إدخال ملكوت المسيح(*) بين الشبان كما يزعمون.
· في سنة 1895م تأسست جمعية اتحاد الطلبة المسيحيين في العالم، وهي تهتم بدراسة أحوال التلاميذ في كل البلاد مع العمل على بث روح المحبة بينهم (المحبة تعني التبشير بالنصرانية).
· صموئيل زويمر Zweimer: رئيس إرسالية التبشير العربية في البحرين ورئيس جمعيات التنصير في الشرق الأوسط، كان يتولى إدارة مجلة العالم الإسلامي الإنجليزية التي أنشأها سنة 1911م وما تزال تصدر إلى الآن من هارتيفورد. دخل البحرين عام 1890م، ومنذ عام 1894م قدمت له الكنيسة الإصلاحية الأمريكية دعمها الكامل. وأبرز مظاهر عمل البعثة التي أسسها زويمر كان في حقل التطبيب في منطقة الخليج وتبعاً لذلك فقد افتتحت مستوصفات لها في البحرين والكويت ومسقط وعمان. ويعد زويمر من أكبر أعمدة التنصير في العصر الحديث، وقد أُسس معهداً باسمه في أمريكا لأبحاث تنصير المسلمين.(68/86)
· كنيث كراج K.Cragg : خلف صموئيل زويمر على رئاسة مجلة العالم الإسلامي، وقام بالتدريس في الجامعة الأمريكية بالقاهرة لفترة من الوقت وهو رئيس قسم اللاهوت المسيحي في هارتيفورد بأمريكا، وهو معهد للمبشرين، ومن كتبه دعوة المئذنة صدر عام 1956م.
· لويس ماسينيون: قام على رعاية التبشير والتنصير في مصر، وهو عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة، كما أنه مستشار وزارة المستعمرات الفرنسية في شؤون شمال إفريقيا.
· دانيال بلس: يقول: "إن كلية روبرت في اسطانبول (الجامعة الأمريكة حالياً) كلية مسيحية(*) غير مستترة لا في تعليمها ولا في الجو الذي تهيئه لطلابها لأن الذي أنشأها مبشر، ولاتزال إلى اليوم لا يتولى رئاستها إلا مبشر.
· الأب (*) شانتور: رَأَسَ الكلية اليسوعية في بيروت زمناً طويلاً أيام الانتداب الفرنسي.
· مستر نبروز: ترأس جامعة بيروت الأمريكية عام 1948م يقول: "لقد أدى البرهان إلى أن التعليم أثمن وسيلة استغلها المبشرون الأمريكيون في سعيهم لتنصير سوريا ولبنان".
· دون هك كري: كان أكبر شخصية في مؤتمر لوزان التبشيري عام 1974م، وهو بروتستانتي، عمل مبشراً في الباكستان لمدة عشرين سنة، وهو أحد طلبة مدرسة فلر للتبشير العالمي. وبعد مؤتمر كولورادو التبشيري عام 1978م أصبح مديراً لمعهد صموئيل زيمر الذي يضم إلى جانبه داراً للنشر ولإصدار الدراسات المختصة بقضايا تنصير المسلمين ومقرها في كاليفورنيا، وهو يقوم بإعداد دورات تدريبية لإعداد المبشرين وتأهيلهم.(68/87)
· يرى بابا الفاتيكان(*) بعد سقوط الشيوعية أن من مصلحة الكنيسة(*) ومصلحة رجال السياسة توجيه عموم الشعب المسيحي نحو خصم جديد يخيفه به وتجنده ضده، والإسلام هو الذي يمكن أن يقوم بهذا الدور في المقام الأول. ويقوم البابا بمغادرة مقره بمعدل أربع رحلات دولية لكسب الصراع مع الأيديولوجيات(*) العالمية وعلى رأسها الإسلام. وتوجد بلايين الدولارات تحت تصرفه للإنفاق منها على إرسال المنصرين وإجراء البحوث وعقد المؤتمرات والتخطيط لتنصير أبناء العالم الثالث وتنظيم وتنفيذ ومتابعة النشاط التنصيري في كل أنحاء العالم وتقويم نتائجه أولاً بأول.
الأفكار والمعتقدات:
أفكارهم:
- محاربة الوحدة الإسلامية: يقول القس سيمون: "إن الوحدة الإسلامية تجمع آمال الشعوب الإسلامية وتساعد على التخلص من السيطرة الأوروبية، والتبشير عامل مهم في كسر شوكة هذه الحركة، من أجل ذل يجب أن نحول بالتبشير اتجاه المسلمين عن الوحدة الإسلامية".
- يقول لورنس براون Lawrance Brawn : "إذا اتحد المسلمون في امبراطورية عربية أمكن أن يصبحوا لعنة على العالم وخطراً أو أمكن أن يصبحوا أيضاً نعمة له، أما إذا بقوا متفرقين فإنهم يظلون حينئذ بلا وزن ولا تأثير".
- يقول مستر بلس: "إن الدين(*) الإسلامي هو العقبة القائمة في طريق تقدم التبشير بالنصرانية في إفريقيا".
- لقد دأب المنصرون على بث الأكاذيب والأباطيل بين أتباعهم ليمنعوهم من دخول الإسلام وليشوهوا جمال هذا الدين.
- انتشار الإسلام بالسيف: يقول المبشر نلسون: "وأخضع سيف الإسلام شعوب إفريقيا وآسيا شعباً بعد شعب".
- يقول هنري جسب : Henry Jesups المبشر الأمريكي: "المسلمون لا يفهمون الأديان ولا يقدرونها قدرها، إنهم لصوص وقتلة ومتأخرون، وإن التبشير سيعمل على تمدينهم".
- لطفي ليفونيان وهو أرمني ألف بضعة كتب للنيل من الإسلام يقول: "إن تاريخ الإسلام كان سلسلة مخيفة من سفك الدماء والحروب والمذابح".(68/88)
- أديسون Addison الذي يقول عن محمد r : "محمد لم يستطع فهم النصرانية ولذلك لم يكن في خياله إلا صورة مشوهة بنى عليها دينه الذي جاء به العرب".
- المبشر نلسن يزعم بأن الإسلام مقلد، وأن أحسن ما فيه إنما هو مأخوذ من النصرانية وسائر مافيه أخذ من الوثنية كما هو أو مع شيء من التبديل.
- المبشر ف.ج هاربر يقول: "إن محمداً كان في الحقيقة عابد أصنام ذلك لأن إدراكه لله في الواقع كاريكاتور".
- المبشر جسب يقول: "إن الإسلام مبني على الأحاديث أكثر مما ه مبني على القرآن، ولكننا إذا حذفنا الأحاديث الكاذبة لم يبق من الإسلام شيء".
- ويقول كذلك: "الإسلام ناقص والمرأة في مستعبدة".
- المبشر جون تاكلي يقول: "يجب أن نُريَ هؤلاء الناس أن الصحيح في القرآن ليس جديداً، وأن الجديد فيه ليس صحيحاً".
- أما القس صموئيل زويمر فيقول في كتابه العالم الإسلامي اليوم:
" يجب إقناع المسلمين بأن النصارى ليسوا أعداء لهم".
" يجب نشر الكتاب المقدس بلغات المسلمين لأنه أهم عمل مسيحي".
"تبشير المسلمين يجب أن يكون بواسطة رسول من أنفسهم ومن بين صفوفهم لأن الشجرة يجب أن يقطعها أحد أعضائها".
"ينبغي للمبشرين أن لا يقنطوا إذا رأوا نتيجة تبشيرهم للمسلمين ضعيفة إذ أن من المحقق أن المسلمين قد نما في قلوبهم الميل الشديد إلى علوم الأوروبيين وتحرير النساء".
- وقال صموئيل زويمر كذلك في مؤتمر القدس التنصيري عام 1935م:
"… لكن مهمة التبشير التي ندبتكم لها الدول المسيحية في البلاد الإسلامية ليست في إدخال المسلمين في المسيحية(*) فإن في هذا هداية لهم وتكريماً، وإنما مهمتكم هي أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقاً لا صلة له بالله وبالتالي لا صلة له بالأخلاق(*) التي تعتمد عليها الأمم في حياتها".(68/89)
"… إنكم أعددتم نَشْئاً لا يعرف الصلة بالله ولا يريد أن يعرفها، وأخرجتم المسلم من الإسلام ولم تدخلوه في المسيحية، وبالتالي فقد جاء النشء طبقاً لما أراده الاستعمار لا يهتم بعظائم الأمور ويحب الراحة والكسل، فإذا تعلم فللشهرة وإذا تبوأ أسمى المراكز ففي سبيل الشهرة يجود بكل شيء".
- وقد كتب أحد المبشرين في بداية هذا القرن الميلادي يقول: "سيظل الإسلام صخرة عاتية تتحطم عليها كل محاولات التبشير ما دام للمسلمين هذه الدعائم الأربع: القرآن والأزهر واجتماع الجمعة الأسبوعي ومؤتمر الحج السنوي العام".
· مؤتمراتهم:
لقد كان لهم وما يزال الكثير من المؤتمرات الإقليمية والعالمية ومن ذلك:
- مؤتمر القاهرة عام 1324هـ/ 1906م وقد دعا إليه زويمر بهدف عقد مؤتمر يجمع الإرساليات التبشيرية البروتستانتية للتفكير في مسألة نشر الإنجيل بين المسلمين، وقد بلغ عدد المؤتمرين 62 شخصاً بين رجال ونساء، وكان زويمر رئيساً لهم.
- المؤتمر التبشيري العالمي في أدنبرة باسكوتلندة عام 1328هـ/ 1910م، وقد حضره مندوبون عن 159 جمعية تبشيرية في العالم.
- مؤتمر التبشير في لكهنؤ بالهند عام 1339هـ/ 1911م حضره صموئيل زويمر، وبعد انفضاض المؤتمر وزعت على الأعضاء رقاع مكتوب على أحد وجهيها "تذكار لكهنؤ سنة 1911م" وعلى الوجه الآخر "اللهم يا من يسجد له العالم الإسلامي خمس مرات في اليوم بخشوع أنظر بشفقة إلى الشعوب الإسلامية وألهمها الخلاص بيسوع المسيح".
- مؤتمرات التبشير في القدس:
1- في عام 1343هـ/ 1924م.
2- في عام 1928م مؤتمر تبشيري دولي.
3- في عام 1354هـ/1935م وقد كان يضم 1200 مندوب .
4- في عام 1380هـ/ 1961م.
- مؤتمر الكنائس البروتستانتية عام 1974م في لوزان بسويسرا.(68/90)
- وأخطر المؤتمرات مؤتمر كولورادو في 15 أكتوبر 1978م تحت اسم (مؤتمر أمريكا الشمالية لتنصير المسلمين) حضره (150) مشتركاً يمثلون أنشط العناصر التنصيرية في العالم، استمر لمدة أسبوعين بشكل مغلق وقدمت فيه بحوث حول التبليغ الشامل للإنجيل(*). وتقديمه للمسلمين والكنائس(*) الديناميكية في المجتمع المسلم وتجسيد المسيح(*) وتحبيبه إلى قلب المسلم ومحاولات نصرانية جديدة لتنصير المسلمين وتحليل مقاومة واستجابة المسلم واستخدام الغذاء والصحة كعنصرين في تنصير المسلمين وتنشيط دور الكنائس المحلية في تنصير العالم الإسلامي.
وقد انتهى المؤتمر بوضع استراتيجية بقيت سرية لخطورتها مع وضع ميزانية لهذه الخطة مقدارها 1000 مليون دولار، وقد تم جمع هذا المبلغ فعلاً وتم إيداعه في أحد البنوك الأمريكية الكبرى.
- المؤتمر العالمي للتنصير الذي عقد في السويد في شهر أكتوبر 1981م تحت إشراف المجلس الفيدرالي اللوثراني الذي نوقشت فيه نتائج مؤتمري لوزان وكولورادو وخرج بدراسة مستفيضة عن التنصير لما وراء البحار بهدف التركيز على دول العالم الثالث.
- ومن مؤتمراتهم كذلك:
1- مؤتمر استانبول.
2- مؤتمر حلوان بمصر.
3- مؤتمر لبنان التبشيري.
4- مؤتمر لبنان بغداد التبشيري.
5- مؤتمر قسنطينة التبشيري في الجزائر وذلك قبل الاستقلال.
6- مؤتمر شيكاغو.
- مؤتمر مدارس التبشيري في بلاد الهند، وكان ينعقد هذا المؤتمر كل عشر سنوات.
- مؤتمر بلتيمور بالولايات المتحدة الأمريكية 1942م وهو مؤتمر خطير جداً، وقد حضره من اليهود بن غوريون.
- بعد الحرب العالمية الثانية اتخذت النصرانية نظاماً جديداً إذ ينعقد مؤتمر للكنائس(*) مرة كل ست أو سبع سنوات متنقلاً من بلد إلى آخر.
1- مؤتمر امستردام 1948م – هولندا.
2- مؤتمر ايفانستون 1954م – أمريكا.
3- مؤتمر نيودلهي 1961م – الهند.
4- مؤتمر أوفتالا 1967م – أوفتالا بأوروبا.(68/91)
5- مؤتمر جاكرتا 1975م – أندونيسيا، وقد اشترك فيه 3000 مبشر نصراني.
- عقد المؤتمر السادس لمجلس الكنائس العالمي في يوليو سنة 1980م في كاليفورنيا بالولايات المتحدة وقد حث المؤتمر على ضرورة زيادة البعثات التنصيرية بين مسلمي الشرق الأوسط خاصة في دول الخليج العربي.
· أشهر المراكز والمعاهد التنصيرية:
- معهد صموئيل زويمر في ولاية كاليفورنيا، فقد تم إنشاؤه بناء على توصية من قرارات مؤتمر كولورادو.
- المركز العالمي للأبحاث والتبشير في كاليفورنيا الذي قام بتقديم الأشخاص اللازمين للإعداد لمؤتمر كولورادو مع تهيئة عوامل نجاح هذا المؤتمر.
- الجامعة الأمريكية في بيروت (الكلية السورية الإنجيلية سابقاً) أنشئت عام 1865م.
- الجامعة الأمريكية في القاهرة أنشئت لتكون قريبة من الأزهر ومنافسة له.
- الكلية الفرنسية في لاهور.
- جمعية التبشير الكنسية الإنجليزية وهي أهم جمعية بروتستانتية وقد مضى على إنشائها قرابة قرنين من الزمان.
- إرساليات التبشير الأمريكية، أهمها الجمعية التبشيرية الأمريكية والتي يرجع عهدها إلى سنة 1810م.
- جمعية إرساليات التبشير الألمانية الشرقية، أسسها القسيس(*) لبسيوس سنة 1895م. وقد بدأ عملها فعلاً سنة 1900م.
- أسس الإنجليز في سنة 1809م الجمعية اللندنية لنشر النصرانية بين اليهود وبدأ عملها بأن ساقت اليهود المتفرقين في شتات الأرض إلى أرض فلسطين.
· بعض الكتب ووسائل الدعاية التنصيرية:
- جمعت موضوعات مؤتمر القاهرة 1906م في كتاب كبير اسمه وسائل التبشير بالنصرانية بين المسلمين.
- صنف زويمر كتاباً جمع فيه بعض التقارير عن التبشير أسماه العالم الإسلامي اليوم تحدث فيه عن الوسائل المؤدية للاحتكاك بالشعوب غير المسيحية(*) وجلبها إلى حظيرة المسيح(*) مع بيان الخطط التي يجب على المبشر إتباعها.
- تاريخ التبشير: للمبشر أدوين بلس البروتستانتي.(68/92)
- كتاب المستر فاردنر: ركز فيه حديثه عن إفريقيا وسبل نشر النصرانية فيها وعوائق ذلك ومعالجاته.
- مجلة إرساليات التبشير البروتستانتية التي تصدر في مدينة بال بسويسرا والتي تحدثت عن مؤتمر أدنبره سنة 1910م.
- مجلة الشرق المسيحي الألمانية تصدرها جمعية التبشير الألمانية منذ سنة 1910م.
- دائرة المعارف الإسلامية التي صدرت بعدة لغات حية.
- موجز دائرة المعارف الإسلامية.
- طبع الإنجيل(*) بشكل أنيق وبأعداد هائلة وتوزيعه مجاناً وإرساله بالبريد لمن يطلبه وأحياناً لمن لا يطلبه أيضاً.
- توزيع أشرطة الفيديو والكاسيت المسجل عليها ما يصرف المسلم عن دينه واستخدام الموجات الإذاعية والتليفزيونية التي تبث سمومها وتصل إلى المسلمين في مخادعهم وتعتمد على التمثيليات والبرامج الترفيهية والثقافية والرياضية من أجل خدمة أهدافهم الخبيثة.
· وسائل أخرى لها تأثير واسع:
- من هذه الوسائل :
1- تقديم الخدمات الطبية بهدف استغلال هذه المهنة في التنصير:
1. بول هاريسون له كتاب الطبيب في بلاد العرب يقول: "لقد وُجدنا نحن في بلاد العرب لنجعل رجالها ونساءها نصارى".
2. س.أ. موريسون محرر في مجلة العالم الإسلامي يقول: "وحينئذٍ تكون الفرصة سانحة حتى يبشر هذا الطبيب بين أكبر عدد ممكن من المسلمين في القرى الكثيرة في طول مصر وعرضها".
3. المبشرة ايد هاريس تقول: "يجب على الطبيب أن ينتهز الفرصة ليصل إلى أذان المسلمين وقلوبهم".
4. المستر هاربر يقول بوجوب الإكثار من الإرساليات الطبية لأن رجالها يحتكون دائماً بالجمهور ويكون لهم تأثير على المسلمين أكثر مما للمبشرين الآخرين (مؤتمر القاهرة 1906م).
5. من المبشرين الأطباء : آن أساوودج، فورست، كار نيليوسي فانديك، جورج بوست، وتشالرز كلهون، ماري أوي، الدكتور طومسون.
2- التعليم :
1. إنهم يضعون كل ثقلهم في استغلال التعليم وتوجيهه بما يخدم أهدافهم التنصيرية.(68/93)
2. إنشاء المدارس والكليات والجامعات والمعاهد العليا وكذلك إنشاء دور للحضانة ورياض للأطفال واستقبال الطلبة في المراحل الإبتدائية والمتوسطة والثانوية.
3. لقد وزعوا خلال مائة وخمسين عاماً ما يزيد عن ألف مليون نسخة من نسخ العهد القديم والجديد مترجمة إلى 1130 لغة عدا النشرات والمجلات التي تبلغ قيمتها بما يقدر بـ 7000 مليون دولار.
4. الاستشراق والتنصير يتعاونان تعليمياً في خدمة أهدافهما المشتركة.
3- الأعمال الإجتماعية:
1. إيجاد بيوت للطلبة من الذكور والإناث.
2. إيجاد الأندية.
3. الاهتمام بدور الضيافة والملاجىء للكبار ودور لليتامى واللقطاء.
4. الاعتناء بالأعمال الترفيهية وحشد المتطوعين لأمثال هذه الأعمال.
5. إنشاء المكتبات التبشيرية واستغلال الصحافة بشكل واسع.
6. إنشاء مخيمات الكشافة التي تستغل أفضل استغلال في التنصير.
7. زيارة المسجونين والمرضى في المستشفيات وتقديم الهدايا والخدمات لهم.
8. تكلمت المس ولسون ومس هلداي في مؤتمر القاهرة 1906م عن دور المرأة كمبشرة لتقوم بنشر ذلك بين نساء المسلمين المسلمات.
4- النسل :
في اجتماع البابا(*) شنودة في 5/3/1973م مع القساوسة(*) والأثرياء في الكنيسة(*) المرقسية بالإسكندرية طرحوا بعض المقررات وقد كان منها تحريم تحديد النسل أو تنظيمه بين شعب الكنيسة وتشجيع الإكثار من النسل بوضع الحوافز والمساعدات المادية والمعنوية مع تشجيع الزواج المبكر بين النصارى. وبالمقابل تحديد النسل وتنظيمه بين المسلمين خاصة علماً بأن أكثر من 65% من الأطباء وبعض القائمين على الخدمات الصحية هم من شعب الكنيسة.
5- الفتن والحروب :
1. يعملون على تشجيع الحروب والفتن وذلك لإضعاف الشعوب الإسلامية.(68/94)
2. إثارة الاضطرابات المختلفة بإذكاء نار العداوة والبغضاء وإيقاظ روح القوميات الإقليمية الطائفية الضيقة كالفرعونية في مصر والفينيقية في الشام وفلسطين ولبنان، والآشورية في العراق والبربرية في شمال إفريقيا واستغلال جميع ذلك في التنصير.
3. يقول زويمر في مؤتمر التبشير في لكهنؤ بالهند 1911م: "إن الانقسام السياسي الحاضر في العالم الإسلامي دليل بالغ على عمل يد الله في التاريخ واستثارة للديانة(*) المسيحية(*) كي تقوم بعملها".
6- الإمكانات:
أ - في أندونيسيا يسيطرون على وسائل الإعلام، ولديهم إذاعات تبشيرية وصحف قومية، وإحصائية 1975م تكشف بأن فيها 8919 كنيسة لطائفة البروتستانت و3897 قسيساً و8504 مبشرين متفرغين، ولطائفة الكاثوليك 7250 كنيسة(*) و2630 قسيساً (*) و5393 مبشراً متفرغاً وقد وضعوا خطة للانتهاء من تنصيرها في عام 2000 ميلادية.
ب - في بنجلاديش إرساليات تبشيرية كثيرة لتنصير المسلمين هناك.
ت - في كينيا: يعدون لتنصيرها تماماً في عام 2000 ميلادية أيضاً.
ث - إن التنصير يلقي بثقله في ماليزيا ودول الخليج وإفريقيا.
ج - ذكر في مؤتمر عدم الإنحياز في كوالالمبور بأن هناك حوالي 2500 محطة إذاعية بـ 64 لغة قومية تشن هجوماً صريحاً وضارياً ضد الإسلام.
ح - مجموع الإرساليات الموجودة في 38 بلداً إفريقياً يبلغ 111.000 إرسالية بعضها يملك طائرات تنقل الأطباء والأدوية والممرضات لعلاج المرضى في الغابات وأحراش الجبال.
خ - يوجد الآن في العالم ما يربو على 220 ألف مبشر منهم 138.000 كاثوليكي والباقي 82.000 بروتستانتي، وفي إفريقيا وحدها 119.000 مبشر ومبشرة ينفقون بليوني دولار سنوياً.
د - يستخدمون سفناً معدة إعداداً خاصاً يسمح بإقامة الحفلات على ظهرها للاستعانة بها في توزيع المطبوعات الكنسية وإقامة الحفلات التي تستغل لأهدافهم الخاصة في التنصير ويعلنون عنها باسم إقامة معرض عائم للكتاب.(68/95)
ذ - يقوم مجلس الكنائس العالمي والفاتيكان(*) وهيئات أخرى بالإشراف والتوجيه والدعم المالي لكافة الأنشطة التنصيرية وتتوفر مصادر تمويل ثابتة من مختلف الحكومات والمؤسسات في الدول الغربية وعن طريق المشروعات الاقتصادية والأراضي الزراعية والأرصدة في البنوك والشركات التابعة لهذه الحركات التنصيرية مباشرة وحملات جمع التبرعات التي يقوم بها القساوسة(*) من حين لآخر. وتوجد هيئات ومراكز للبحوث والتخطيط يعمل بها نخبة ممتازة من الباحثين المؤهلين ومن أهم هذه المراكز:
1- مركز البحوث التابع للفاتيكان.
2- مركز البحوث التابع لمجلس الكنائس(*) العالمي.
3- حركة الدراسات المسيحية(*) في كاليفورنيا.
4- مركز البحث في كولورادو.
5- المركز المسيحي في نيروبي (كينيا وقد أنشىء في عام 1401هـ).
6- مركز المعلومات المسيحي في نيجيريا.
7- المركز المسيحي الدراسي في روالبندي (باكستان) وقد تأسس سنة 1966م ويعتبر من أكبر المراكز في آسيا.
الجذور الفكرية والعقائدية:
· يبلغ عدد المبشرين في أنحاء العالم ما يزيد على 220 ألف منهم 138000 كاثوليكي والباقي وعددهم 62000 من البروتستانت.
· لقد بدأ التنصير وتوسع إثر الانهزامات التي مني بها الصليبيون طوال قرنين من الزمان 1099 – 1254م أنفقوهما في محاولة الاستيلاء على بيت المقدس وانتزاعه من أيدي المسلمين.
· الأب اليسوعي ميبز يقول: "إن الحروب الصليبية الهادئة التي بدأها مبشرونا في القرن السابع عشر لا تزال مستمرة إلى أيامنا، إن الرهبان(*) الفرنسيين والراهبات الفرنسيات لايزالون كثيرين في الشرق".
· يرى المستشرق الألماني بيكر Becker بأن "هناك عداء من النصرانية ضد الإسلام بسبب أن الإسلام عندما انتشر في العصور الوسطى أقام سدّاً منيعاً في وجه انتشار النصرانية، ثم إن الإسلام قد امتد إلى البلاد التي كانت خاضعة لصولجانها".(68/96)
· التنصير في أساسه يهدف إلى تمكين الغرب النصراني من البلاد الإسلامية وهو مقدمة أساسية للاستعمار(*) وسبب مباشر لتوهين قوة المسلمين وإضعافها.
الانتشار ومواقع النفوذ:
· لقد انتشر التنصير وامتد إلى كل دول العالم الثالث.
· إنه يتلقى الدعم الدولي الهائل من أوروبا وأمريكا ومن مختلف الكنائس(*) والهيئات والجامعات والمؤسسات العالمية.
· إنه يلقي بثقله بشكل كثيف حول العالم الإسلامي عن طريق فتح المدارس الأجنبية وتصدير البعوث والإرساليات التبشيرية وتشجيع انتشار المجلات الخليعة والكتب العابثة والبرامج التلفزيونية الفاسدة والسخرية من علماء الدين والترويج لفكرة تحديد النسل والعمل على إفساد المرأة المسلمة ومحاربة اللغة العربية وتشجيع النعرات القومية.
· إنه يتمركز في أندونيسيا وماليزيا وبنجلاديش والباكستان وفي إفريقيا بعامة.
· يزداد تيار التنصير نتيجة لسياسة التساهل من قبل الحكام في بعض البلدان الإسلامية فبعضهم يحضر القداس بنفسه وبعضهم يتبرع بماله لبناء الكنائس(*) وبعضهم يتغافل عن دخول المسيحيين(*) بصورة غير مشروعة. والمطلوب اتخاذ سياسة حازمة لإيقاف تيار التنصير قبل فوات الأوان.
ويتضح مما سبق:
أن التنصير حركة سياسية استعمارية تستهدف نشر النصرانية بين الأمم المختلفة في دول العالم الثالث عامة وبين المسلمين على وجه الخصوص. ويستغل زعماؤها انتشار الجهل والفقر والمرض للتغلغل بين شعوب تلك الأمم متوسلين بوسائل الإعلام التقليدية من كتب ومطبوعات وإذاعة وتلفاز وأشرطة سمعية ومرئية فضلاً عن المخيمات والتعليم والطب إلى جانب الأنشطة الاجتماعية الإنسانية والإغاثية الموجهة لمنكوبي الفتن والحروب وغفلة وتساهل حكام بعض الدول الإسلامية. وتعتمد تلك الحركة في تحقيق أهدافها على تشويه صورة الإسلام وكتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم مسخرين إمكاناتهم الضخمة لتحقيق مآربهم.
----------------------------(68/97)
مراجع للتوسع :
- الفكر الإسلامي الحديث، د. محمد البهي – ط8 – مكتبة وهبة بالقاهرة – 1395هـ/1975م.
- التبشير والاستعمار، المستشار محمد عزت إسماعيل الطهاوي – المطابع الأميرية بالقاهرة – 1397هـ/ 1977م.
- التبشير والاستعمار، د. مصطفى الخالدي ود. عمر فروخ – ط5 – 1973م.
- الغارة على العالم الإسلامي، أ.ل. شاتليه، ترجمة محب الدين الخطيب ومساعد اليافي – ط3 – المطبعة السلفية – 1385هـ.
- معاول الهدم والتدمير في النصرانية والتبشير، إبراهيم سليمان الجبهان – ط4- عالم الكتب – الرياض – 1981م.
- أضواء على الاستشراق، د. محمد عبد الفتاح عليان – ط1 – دار البحوث العلمية 1400هـ/ 1980م.
- قادة الغرب يقولون، جلال العالم –ط2 – 1395هـ/ 1975م.
- مجلة البلاغ، العدد 484 في 14/2/1979م.
- دائرة المعارف الإسلامية ، The Encyclopaedia of Islam.
- دائرة معارف الدين والأخلاق، Encyclopaedia of religion and Ethics 11 – Focus on Christian – Muslim relations.
- التبشير بالنصرانية خطر مغلف، ندوة عقدتها جريدة الرياض السعودية ونشرت بتاريخ 13 ربيع الأول سنة 1403هـ الموافق 28 ديسمبر 1982م العدد 5312.
- مجلة الأمة القطرية، عدد شوال 1401هـ.
- التنصير في الخليج ، معالي عبد الحميد حمودة.
- مذكرة عن التنصير، رابطة العالم الإسلامي.
- التنصير: خطة تنصير العالم الإسلامي، وهي ترجمة لبحوث مؤتمر كلورادو عام 1978م صدر بالإنجليزية بعنوان : The Gospel And Islam.
العلمانية
التعريف:(68/98)
العلمانية SECULArISM وترجمتها الصحيحة: اللادينية أو الدنيوية، وهي دعوة إلى إقامة الحياة على العلم الوضعي والعقل(*) ومراعاة المصلحة بعيداً عن الدين(*). وتعني في جانبها السياسي بالذات اللادينية في الحكم، وهي اصطلاح لا صلة له بكلمة العلم SCIENCE وقد ظهرت في أوروبا منذ القرن السابع عشر وانتقلت إلى الشرق في بداية القرن التاسع عشر وانتقلت بشكل أساسي إلى مصر وتركيا وإيران ولبنان وسوريا ثم تونس ولحقتها العراق في نهاية القرن التاسع عشر. أما بقية الدول العربية فقد انتقلت إليها في القرن العشرين، وقد اختيرت كلمة علمانية لأنها أقل إثارة من كلمة لا دينية.
ومدلول العلمانية المتفق عليه يعني عزل الدين عن الدولة وحياة المجتمع وإبقاءه حبيساً في ضمير الفرد لا يتجاوز العلاقة الخاصة بينه وبين ربه فإن سمح له بالتعبير عن نفسه ففي الشعائر التعبدية والمراسم المتعلقة بالزواج والوفاة ونحوهما.
تتفق العلمانية مع الديانة النصرانية في فصل الدين عن الدولة حيث لقيصر سلطة الدولة ولله سلطة الكنيسة (*). وهذا واضح فيما يُنسب إلى السيد المسيح(*) من قوله: "إعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله". أما الإسلام فلا يعرف هذه الثنائية والمسلم كله لله وحياته كلها لله {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [سورة الأنعام : آية: 162].
التأسيس وأبرز الشخصيات :
· انتشرت هذه الدعوة في أوروبا وعمت أقطار العالم بحكم النفوذ الغربي والتغلغل الشيوعي. وقد أدت ظروف كثيرة قبل الثورة (*) الفرنسية سنة 1789م وبعدها إلى انتشارها الواسع وتبلور منهجها(*) وأفكارها وقد تطورت الأحداث وفق الترتيب التالي:
- تحول رجال الدين إلى طواغيت (*) ومحترفين سياسيين ومستبدين تحت ستار الإكليروس(*) والرهبانية(*) والعشاء الرباني(*) وبيع صكوك الغفران.(68/99)
- وقوف الكنيسة (*) ضد العلم وهيمنتها على الفكر وتشكيلها لمحاكم التفتيش واتهام العلماء بالهرطقة، مثل:
1- كوبرنيكوس: نشر سنة 1543م كتاب حركات الأجرام السماوية وقد حرمت الكنيسة هذا الكتاب.
2- جرادانو: صنع التلسكوب فعُذب عذاباً شديداً وعمره سبعون سنة وتوفي سنة 1642م.
3- سبينوزا: صاحب مدرسة النقد التاريخي وقد كان مصيره الموت مسلولاً.
4- جون لوك طالب بإخضاع الوحي(*) للعقل(*) عند التعارض.
ظهور مبدأ العقل والطبيعة(*): فقد أخذ العلمانيون يدعون إلى تحرر العقل وإضفاء صفات الإله(*) على الطبيعة.
- الثورة(*) الفرنسية: نتيجة لهذا الصراع بين الكنيسة(*) من جهة وبين الحركة الجديدة من جهة أخرى، كانت ولادة الحكومة الفرنسية سنة 1789م وهي أول حكومة لا دينية تحكم باسم الشعب. وهناك من يرى أن الماسون استغلوا أخطاء الكنيسة والحكومة الفرنسية وركبوا موجة الثورة لتحقيق ما يمكن تحقيقه من أهدافهم.
- جان جاك روسو سنة 1778م له كتاب العقد الاجتماعي الذي يعد إنجيل الثورة، مونتسكيو له روح القوانين، سبينوزا (يهودي) يعتبر رائد العلمانية باعتبارها منهجاً(*) للحياة والسلوك وله رسالة في اللاهوت(*) والسياسة، فولتير صاحب القانون الطبيعي كانت له الدين(*) في حدود العقل وحده سنة 1804م، وليم جودين 1793م له العدالة السياسية ودعوته فيه دعوة علمانية صريحة.
- ميرابو الذي يعد خطيب وزعيم وفيلسوف الثورة الفرنسية.
- سارت الجموع الغوغائية لهدم الباستيل وشعارها الخبز ثم تحول شعارها إلى (الحرية(*) والمساواة والإخاء) وهو شعار ماسوني و"لتسقط الرجعية" وهي كلمة ملتوية تعني الدين وقد تغلغل اليهود بهذا الشعار لكسر الحواجز بينهم وبين أجهزة الدولة وإذابة الفوارق الدينية وتحولت الثورة(*) من ثورة على مظالم رجال الدين إلى ثورة على الدين نفسه.(68/100)
- نظرية التطور: ظهر كتاب أصل الأنواع سنة 1859م لتشارلز دارون الذي يركز على قانون الانتقاء الطبيعي وبقاء الأنسب وقد جعلت الجد الحقيقي للإنسان جرثومة صغيرة عاشت في مستنقع راكد قبل ملايين السنين، والقرد مرحلة من مراحل التطور التي كان الإنسان آخرها. وهذه النظرية أدت إلى انهيار العقيدة الدينية ونشر الإلحاد(*) وقد استغل اليهود هذه النظرية بدهاء وخبث.
- ظهور نيتشة: وفلسفته التي تزعم بأن الإله(*) قد مات وأن الإنسان الأعلى (السوبر مان) ينبغي أن يحل محله.
- دور كايم (اليهودي) : جمع بين حيوانية الإنسان وماديته بنظرية العقل الجمعي.
- فرويد (اليهودي) : اعتمد الدافع الجنسي مفسراً لكل الظواهر. والإنسان في نظره حيوان جنسي.
- كارل ماركس (اليهودي): صاحب التفسير المادي للتاريخ(*) الذي يؤمن بالتطور الحتمي(*) وهو داعية الشيوعية ومؤسسها الأول الذي اعتبر الدين أفيون الشعوب.
- جان بول سارتر: في الوجودية وكولن ولسون في اللامنتمي : يدعوان إلى الوجودية والإلحاد.
- الاتجاهات العلمانية في العالم العربي والإسلامي نذكر نماذج منها:
1- في مصر: دخلت العلمانية مصر مع حملة نابليون بونابرت. وقد أشار إليها الجبرتي في تاريخه – الجزء المخصص للحملة الفرنسية على مصر وأحداثها – بعبارات تدور حول معنى العلمانية وإن لم تذكر اللفظة صراحة. أما أول من استخدم هذا المصطلح العلمانية فهو نصراني يُدعى إلياس بقطر في معجم عربي فرنسي من تأليفه سنة 1827م. وأدخل الخديوي إسماعيل القانون الفرنسي سنة 1883م، وكان هذا الخديوي مفتوناً بالغرب، وكان أمله أن يجعل من مصر قطعة من أوروبا.
2- الهند: حتى سنة 1791م كانت الأحكام وفق الشريعة الإسلامية(*) ثم بدأ التدرج من هذا التاريخ لإلغاء الشريعة بتدبير الإنجليز وانتهت تماماً في أواسط القرن التاسع عشر.
3- الجزائر: إلغاء الشريعة الإسلامية(*) عقب الاحتلال الفرنسي سنة 1830م.(68/101)
4- تونس : أدخل القانون الفرنسي فيها سنة 1906م.
5- المغرب : أدخل القانون الفرنسي فيها سنة 1913م.
6- تركيا: لبست ثوب العلمانية عقب إلغاء الخلافة(*) واستقرار الأمور تحت سيطرة مصطفى كمال أتاتورك، وإن كانت قد وجدت هناك إرهاصات ومقدمات سابقة.
7- العراق والشام: ألغيت الشريعة أيام إلغاء الخلافة العثمانية وتم تثبيت أقدام الإنجليز والفرنسيين فيهما.
8- معظم أفريقيا: فيها حكومات نصرانية امتلكت السلطة بعد رحيل الاستعمار(*).
9- أندونيسيا ومعظم بلاد جنوب شرقي آسيا: دول علمانية.
10- انتشار الأحزاب(*) العلمانية والنزعات القومية: حزب البعث، الحزب القومي السوري، النزعة الفرعونية، النزعة الطورانية(*)، القومية العربية.
11- من أشهر دعاة العلمانية في العالم العربي والإسلامي: أحمد لطفي السيد، إسماعيل مظهر، قاسم أمين، طه حسين، عبدالعزيز فهمي، ميشيل عفلق، أنطون سعادة، سوكارنو، سوهارتو، نهرو ، مصطفى كمال أتاتورك، جمال عبد الناصر، أنور السادات صاحب شعار "لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين"، د. فؤاد زكريا. د. فرج فودة وقد اغتيل بالقاهرة مؤخراً، وغيرهم.
الأفكار والمعتقدات :
· بعض العلمانيين ينكرون وجود الله أصلاً.
- وبعضهم يؤمنون بوجود الله لكنهم يعتقدون بعدم وجود أية علاقة بين الله وبين حياة الإنسان.
· الحياة تقوم على أساس العلم المطلق وتحت سلطان العقل(*) والتجريب.
· إقامة حاجز سميك بين عالمي الروح والمادة(*)، والقيم الروحية لديهم قيم سلبية.
- فصل الدين(*) عن السياسة وإقامة الحياة على أساس مادي.
- تطبيق مبدأ النفعية Pragmatism على كل شيء في الحياة.
- اعتماد مبدأ الميكيافيلية في فلسفة الحكم والسياسة والأخلاق(*).
- نشر الإباحية والفوضى الأخلاقية وتهديم كيان الأسرة باعتبارها النواة الأولى في البنية الإجتماعية.(68/102)
- أما معتقدات العلمانية في العالم الإسلامي والعربي التي انتشرت بفضل الاستعمار(*) والتبشير فهي:
- الطعن في حقيقة الإسلام والقرآن والنبوة(*).
- الزعم بأن الإسلام استنفذ أغراضه وهو عبارة عن طقوس وشعائر روحية.
- الزعم بأن الفقه (*) الإسلامي مأخوذ عن القانون الروماني.
- الزعم بأن الإسلام لا يتلاءم مع الحضارة ويدعو إلى التخلف.
- الدعوة إلى تحرير المرأة وفق الأسلوب الغربي.
- تشويه الحضارة الإسلامية وتضخيم حجم الحركات(*) الهدامة في التاريخ الإسلامي والزعم بأنها حركات إصلاح.
- إحياء الحضارات القديمة.
- اقتباس الأنظمة والمناهج اللادينية عن الغرب ومحاكاته فيها.
- تربية الأجيال تربية لا دينية.
· إذا كان هناك عذر ما لوجود العلمانية في الغرب فليس هناك أي عذر لوجودها في بلاد المسلمين لأن النصراني إذا حكمه قانون مدني وضعي(*) لا ينزعج كثيراً ولا قليلاً لأنه لا يعطل قانوناً فرضه عليه دينه وليس في دينه ما يعتبر منهجاً للحياة، أما مع المسلم فالأمر مختلف حيث يوجب عليه إيمانه الاحتكام إلى شرع الله. ومن ناحية أخرى فإنه إذا انفصلت الدولة عن الدين بقى الدين النصراني قائماً في ظل سلطته القوية الفتية المتمكنة وبقيت جيوشها من الرهبان(*) والراهبات والمبشرين والمبشرات تعمل في مجالاتها المختلفة دون أن يكون للدولة عليهم سلطان بخلاف ما لو فعلت ذلك دولة إسلامية فإن النتيجة أن يبقى الدين(*) بغير سلطان يؤيده ولا قوة تسنده حيث لا بابوية له ولا كهنوت(*) ولا أكليروس(*)، وصدق الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه حين قال: "إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن".
الجذور الفكرية والعقائدية:
· العداء المطلق للكنيسة(*) أولاً، وللدين ثانياً أيًّا كان، سواء وقف إلى جانب العلم أم عاداه.
· لليهود دور بارز في ترسيخ العلمانية من أجل إزالة الحاجز الديني الذي يقف أمام اليهود حائلاً بينهم وبين أمم الأرض.(68/103)
· يقول ألفرد هوايت هيو: "ما من مسألة ناقض العلم فيها الدين إلا وكان الصواب بجانب العلم والخطأ حليف الدين" وهذا القول إن صح بين العلم واللاهوت(*) في أوروبا فهو قول مردود ولا يصح بحال فيما يخص الإسلام حيث لا تعارض إطلاقاً بين الإسلام وبين حقائق العلم، ولم يقم بينهما أي صراع كما حدث في النصرانية. وقد نقل عن أحد الصحابة قوله عن الإسلام: "ما أمر بشيء، فقال العقل(*): ليته نهى عنه، ولانهى عن شيء، فقال العقل: ليته أمر به". وهذا القول تصدقه الحقائق العلمية والموضوعية وقد أذعن لذلك صفوة من علماء الغرب وأفصحوا عن إعجابهم وتصديقهم لتلك الحقيقة في مئات النصوص الصادرة عنهم.
- تعميم نظرية (العداء بين العلم من جهة والدين من جهة) لتشمل الدين الإسلامي على الرغم من أن الدين الإسلامي لم يقف موقف الكنيسة ضد الحياة والعلم بل كان الإسلام سباقاً إلى تطبيق المنهج(*) التجريبي ونشر العلوم.
· إنكار الآخرة وعدم العمل لها واليقين بأن الحياة الدنيا هي المجال الوحيد للمتع والملذات.
· لماذا يرفض الإسلام العلمانية:
- لأنها تغفل طبيعة الإنسان البشرية باعتباره مكوناً من جسم وروح فتهتم بمطالب جسمه ولاتلقي اعتباراً لأشواق روحه.
- لأنها نبتت في البيئة الغربية وفقاً لظروفها التاريخية والاجتماعية والسياسية وتعتبر فكراً غريباً في بيئتنا الشرقية.
- لأنها تفصل الدين(*) عن الدولة فتفتح المجال للفردية والطبقية والعنصرية والمذهبية والقومية والحزبية والطائفية.
- لأنها تفسح المجال لانتشار الإلحاد(*) وعدم الإنتماء والاغتراب والتفسخ والفساد والانحلال.
- لأنها تجعلنا نفكر بعقلية الغرب، فلا ندين العلاقات الحرة بين الجنسين وندوس على أخلاقيات المجتمع ونفتح الأبواب على مصراعيها للممارسات الدنيئة، وتبيح التعامل بالربا وتعلي من قدر الفن للفن، ويسعى كل إنسان لإسعاد نفسه ولو على حساب غيره.(68/104)
- لأنها تنقل إلينا أمراض المجتمع الغربي من إنكار الحساب في اليوم الآخر ومن ثم تسعى لأن يعيش الإنسان حياة متقلبة منطلقة من قيد الوازع الديني، مهيجة للغرائز الدنيوية كالطمع والمنفعة وتنازع البقاء ويصبح صوت الضمير عدماً.
- مع ظهور العلمانية يتم تكريس التعليم لدراسة ظواهر الحياة الخاضعة للتجريب والمشاهدة وتُهمل أمور الغيب من إيمان بالله والبعث والثواب والعقاب، وينشأ بذلك مجتمع غايته متاع الحياة وكل لهو رخيص.
الانتشار ومواقع النفوذ :
· بدأت العلمانية في أوروبا وصار لها وجود سياسي مع ميلاد الثورة(*) الفرنسية سنة 1789م. وقد عمت أوروبا في القرن التاسع عشر وانتقلت لتشمل معظم دول العالم في السياسة والحكم في القرن العشرين بتأثير الاستعمار(*) والتبشر.
يتضح مما سبق:
· أن العلمانية دعوة إلى إقامة الحياة على أسس العلم الوضعي والعقل(*) بعيداً عن الدين الذي يتم فصله عن الدولة وحياة المجتمع وحبسه في ضمير الفرد ولا يصرح بالتعبير عنه إلاَّ في أضيق الحدود. وعلى ذلك فإن الذي يؤمن بالعلمانية بديلاً عن الدين ولا يقبل تحكيم الشرعية الإسلامية(*) في كل جوانب الحياة ولا يحرم ما حرم الله يعتبر مرتداً ولا ينتمي إلى الإسلام. والواجب إقامة الحجة عليه واستتابته حتى يدخل في حظيرة الإسلام وإلا جرت عليه أحكام المرتدين المارقين في الحياة وبعد الوفاة.
----------------------------
مراجع للتوسع :
- جاهلية القرن العشرين، محمد قطب.
- المستقبل لهذا الدين، سيد قطب.
- تهافت العلمانية، عماد الدين خليل.
- الإسلام والحضارة الغربية، محمد محمد حسين.
- العلمانية، سفر بن عبد الرحمن الحوالي.
- تاريخ الجمعيات السرية والحركات الهدامة، محمد عبدالله عنان.
- الإسلام ومشكلات الحضارة، سيد قطب.
- الغارة على العالم الإسلامي، ترجمة محب الدين الخطيب ومساعد اليافي.
- الفكر الإسلامي في مواجهة الأفكار الغربية، محمد المبارك.(68/105)
- الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي، محمد البهي.
- الإسلام والعلمانية وجهاً لوجه، د. يوسف القرضاوي.
- العلمانية: النشأة والأثر في الشرق والغرب، زكريا فايد.
- وجوب تحكيم الشريعة الإسلامية للخروج من دائرة الكفر الاعتقادي، د. محمد شتا أبو سعد، القاهرة، 1413هـ.
- جذور العلمانية، د. السيد أحمد فرج دار الوفاء المنصورة 1990م.
- علماني وعلمانية، د. السيد أحمد فرج – بحث ضمن المعجمية الدولية بتونس 1986م.
الاستشراق
التعريف:
الاستشراق Orientalism تعبير يدل على الاتجاه نحو الشرق، ويطلق على كل من يبحث في أمور الشرقيين وثقافتهم وتاريخهم. ويقصد به ذلك التيار الفكري الذي يتمثل في إجراء الدراسات المختلفة عن الشرق الإسلامي، والتي تشمل حضارته وأديانه وآدابه ولغاته وثقافته. ولقد أسهم هذا التيار في صياغة التصورات الغربية عن الشرق عامة وعن العالم الإسلامي بصورة خاصة، معبراً عن الخلفية الفكرية للصراع الحضاري بينهما.
التأسيس وأبرز الشخصيات :
البدايات :
- من الصعب تحديد بداية للاستشراق، إذ أن بعض المؤرخين يعودون به إلى أيام الدولة الإسلامية في الأندلس، في حين يعود به آخرون إلى أيام الصليبيين، بينما يرجعه كثيرون إلى أيام الدولة الأموية في القرن الثاني الهجري. وأنه نشط في الشام بواسطة الراهب(*) يوحنا الدمشقي John of Damascus في كتابين الأول: حياة محمد. والثاني: حوار بين مسيحي ومسلم. وكان هدفه إرشاد النصار في جدل(*) المسلمين. وأيًّا كان الأمر فإن حركة الاستشراق قد انطلقت بباعث ديني يستهدف خدمة الاستعمار(*) وتسهيل عمله ونشر المسيحية(*).
- وقد بدأ الاستشراق اللاهوتي بشكل رسمي حين صدور قرار مجمع فيينا الكنسي عام 1312م وذلك بإنشاء عدد من كراسي اللغة العربية في عدد من الجامعات الأوروبية.(68/106)
- لم يظهر مفهوم الاستشراق Orientalism في أوروبا إلا مع نهاية القرن الثامن عشر، فقد ظهر أولاً في إنجلترا عام 1779م، وفي فرنسا عام 1799م كما أدرج في قاموس الأكاديمية الفرنسية عام 1838م.
- هربر دي أورلياك (938 – 1003م) Herbert de Oraliac من الرهبانية(*) البندكتية، قصد الأندلس، وقرأ على أساتذتها ثم انتخب – بعد عودته – حبراً أعظم باسم سلفستر الثاني 999 – 1003م فكان بذلك أول بابا(*) فرنسي.
- في عام 1130م قام رئيس أساقفة(*) طليطلة بترجمة بعض الكتب العلمية العربية.
- جيرار دي كريمونا 1114 – 1187م Gerard de Gremona إيطالي، قصد طليطلة وترجم ما لا يقل عن 87 مصنفاً في الفلسفة(*) والطب والفلك وضرب الرمل.
- بطرس المكرم 1094 – 1156م Prerre le venerable فرنسي من الرهبانية البندكتية، رئيس دير كلوني، قام بتشكيل جماعة من المترجمين للحصول على معرفة موضوعية عن الإسلام. وقد كان هو ذاته وراء أول ترجمة لمعاني القرآن الكريم إلى اللغة اللاتينية 1143م التي قام بها الإنجليزي روبرت أوف كيتون robert of Ketton.
- يوحنا الإشبيلي: يهودي متنصر Juan de Sevilla ظهر في منتصف القرن الثاني عشر وعني بعلم التنجيم(*)، نقل إلى العربية أربعة كتب لأبي معشر البلخي 1133م وقد كان ذلك بمعاونة إدلر أوف باث.
- روجر بيكون 1214 – 1294م roger Bacon إنجليزي، تلقى علومه في أكسفورد وباريس حيث نال الدكتوراه في اللاهوت(*)، ترجم عن العربية كتاب مرآة الكيمياء نورمبرج 1521م.(68/107)
- رايموند لول 1235 – 1314م قضى تسع سنوات 1266 – 1275م في تعلم العربية ودراسة القرآن وقصد بابا روما وطالبه بإنشاء جامعات تدّرس العربية لتخريج مستشرقين قادرين على محاربة الإسلام. ووافقه البابا. وفي مؤتمر فينا سنة 1312م تم إنشاء كراسٍ للغة العربية في خمس جامعات أوربية هي: باريسُ، اكسفورد، وبولونيا بإيطاليا، وسلمنكا بأسبانيا، بالإضافة إلى جامعة البابوية في روما.
- قام المستشرقون بدراسات متعددة عن الإسلام واللغة العربية والمجتمعات المسلمة. ووظفوا خلفياتهم الثقافية وتدريبهم البحثي لدراسة الحضارة الإسلامية والتعرف على خباياها لتحقيق أغراض الغرب الاستعمارية والتنصيرية.
وقد اهتم عدد من المستشرقين اهتماماً حقيقيًّا بالحضارة الإسلامية وحاول أن يتعامل معها بموضوعية. وقد نجح عدد قليل منهم في هذا المجال. ولكن حتى هؤلاء الذين حاولوا أن ينصفوا الإسلام وكتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم لم يستطيعوا أن ينفكوا من تأثير ثقافاتهم وعقائدهم فصدر منهم ما لا يقبله المسلم من المغالطات والتحريفات؛ ولهذا يخطئ من يظنهم منصفين . ( انظر للتوضيح : رسالة " الانحرافات العقدية والعلمية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجري " لعلي بخيت الزهراني .
· مستشرقون يُزعم أنهم منصفون:
- هادريان ريلاند ت1718م Hardrian roland أستاذ اللغات الشرقية في جامعة أوترشت بهولندا، له كتاب الديانة المحمدية في جزأين باللغة اللاتينية 1705م، لكن الكنيسة(*) في أوروبا وضعت كتابه في قائمة الكتب المحرم تداولها.
- يوهان ج. رايسكه 1716 – 1774م J.J.reiske وهو مستشرق ألماني جدير بالذكر، اتهم بالزندقة (*) لموقفه الإيجابي من الإسلام، عاش بائساً ومات مسلولاً، وإليه يرجع الفضل في إيجاد مكان بارز للدراسات العربية بألمانيا.(68/108)
- سلفستر دي ساسي: 1838م Silvestre de Sacy اهتم بالأدب والنحو مبتعدا ًعن الخوض في الدراسات الإسلامية، وإليه يرجع الفضل في جعل باريس مركزاً للدراسات العربية، وكان ممن اتصل به رفاعة الطهطاوي.
- توماس أرنولد 1864-1930م إنجليزي، له الدعوة إلى الإسلام الذي نقل إلى التركية والأردية والعربية.
- غوستاف لوبون: مستشرق وفيلسوف مادي(*)، لا يؤمن بالأديان(*) مطلقاً، جاءت أبحاثه وكتبه الكثيرة متسمة بإنصاف الحضارة الإسلامية مما دفع الغربيين إلى إهماله وعدم تقديره.
- زيجريد هونكه: اتسمت كتابتها بالإنصاف وذلك بإبرازها تأثير الحضارة العربية على الغرب في مؤلفها الشهير شمس العرب تسطع على الغرب.
- ومنهم: جاك بيرك، أنا ماري شمل، وكارلايل، ورينيه جينو، والدكتور جرينيه، وجوته الألماني.
- أ.ج. أربري A.J. Arberry، من كتبه الإسلام اليوم صدر 1943م، وله التصوف صدر 1950م، وترجمة معاني القرآن الكريم.
· مستشرقون متعصبون:
- جولدزيهر Goldizher 1850-1920م مجري يهودي، من كتبه تاريخ مذاهب التفسير الإسلامي. والعقيدة والشريعة. ولقد أصبح زعيم الإسلاميات في أوروبا بلا منازع.
- جون ماينارد Maynard J. أمريكي، متعصب، من محرري مجلة الدراسات الإسلامية.
- ص م. زويمر S.M. Zweimer مستشرق مبشر، مؤسس مجلة العالم الإسلامي الأمريكية، له كتاب الإسلام تحد لعقيدة صدر 1908م، وله كتاب الإسلام عبارة عن مجموعة مقالات قدمت للمؤتمر التبشيري الثاني سنة 1911م في لكهنئو بالهند.
- غ. فون. غرونباوم G. Von Grunbaum ألماني يهودي، درَّس في جامعات أمريكا، له كتاب الأعياد المحمدية 1951م ودراسات في تاريخ الثقافة الإسلامية 1954م.
- أ.ج. فينسينك A.J. Wensink عدو للإسلام، له كتاب عقيدة الإسلام 1932م. وهو ناشر المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي في لغته الأولى.
- كينيث كراج K. Gragg أمريكي، متعصب، له كتاب دعوة المئذنة 1956م.(68/109)
- لوي ماسينيون L.Massignon فرنسي، مبشر، مستشار في وزارة المستعمرات الفرنسية لشؤون شمال أفريقيا، له كتاب الحلاج الصوفي شهيد الإسلام 1922م.
- د.ب. ماكدونالد D.B. Macdonald أمريكي، متعصب، مبشر، له كتاب تطور علم الكلام(*) والفقه والنظرية الدستورية 1930م. وله الموقف الديني والحياة في الإسلام 1908م.
- مايلز جرين M. Green سكرتير تحرير مجلة الشرق الأوسط.
- د.س. مرجليوث D.S. Margoliouth 1885 – 1940م إنجليزي، متعصب، من مدرسته طه حسين وأحمد أمين، وله كتاب التطورات المبكرة في الإسلام صدر 1913م. وله محمد ومطلع الإسلام صدر 1905م وله الجامعة الإسلامية صدر 1912م.
- بارون كارادي فو Baron Carra de Voux فرنسي، متعصب، من كبار محرري دائرة المعارف الإسلامية.
- هـ.أ.ر. جب H.A.r. Gibb 1895 – 1965م إنجليزي، من كتبه المذهب(*) المحمدي 1947م والإتجاهات الحديثة في الإسلام 1947م.
- ر.أ. نيكولسون r.A. Nicholson إنجليزي، ينكر أن يكون الإسلام ديناً روحيًّا وينعته بالمادية وعدم السمو الإنساني، وله كتاب متصوفو الإسلام 1910م وله التاريخ الأدبي للعرب 1930م.
- هنري لامنس اليسوعي 1872 – 1937م H.Lammans فرنسي ، متعصب، له كتاب الإسلام وله كتاب الطائف، من محرري دائرة المعارف الإسلامية.
- جوزيف شاخت J. Schacht ألماني ، متعصب ضد الإسلام، له كتاب أصول الفقه الإسلامي.
- بلاشير: كان يعمل في وزارة الخارجية الفرنسية كخبير في شؤون العرب والمسلمين.
- ألفرد جيوم A. Geom إنجليزي، متعصب ضد الإسلام من كتبه الإسلام.
الأفكار والمعتقدات:
أهداف الاستشراق:
الهدف الديني :
كان هذا الهدف وراء نشأة الاستشراق، وقد صاحبه خلال مراحله الطويلة، وهو يتمثل في:(68/110)
1- التشكيك في صحة رسالة النبي(*)صلى الله عليه وسلم، والزعم بأن الحديث النبوي إنما هو من عمل المسلمين خلال القرون الثلاثة الأولى. والهدف الخبيث من وراء ذلك هو محاربة السُّنة بهدف إسقاطها حتى يفقد المسلمون الصورة التطبيقية الحقيقية لأحكام الإسلام ولحياة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وبذلك يفقد الإسلام أكبر عناصر قوته.
2- التشكيك في صحة القرآن والطعن فيه، حتى ينصرف المسلمون عن الالتقاء على هدف واحد يجمعهم ويكون مصدر قوتهم وتأى بهم اللهجات القومية عن الوحي باعتباره المصدر الأساسي لهذا الدين (تنزيل من حكيم حميد).
3- التقليل من قيمة الفقه الإسلامي واعتباره مستمداً من الفقه الروماني.
4- النيل من اللغة العربية واستبعاد قدرتها على مسايرة ركب التطور وتكريس دراسة اللهجات لتحل محل العربية الفصحى.
5- إرجاع الإسلام إلى مصادر يهودية ونصرانية بدلاً من إرجاع التشابه بين الإسلام وهاتين الديانتين إلى وحدة المصدر.
6- العمل على تنصير المسلمين.
7- الاعتماد على الأحاديث الضعيفة والأخبار الموضوعة في سبيل تدعيم آرائهم وبناء نظرياتهم.
8- لقد كان الهدف الاستراتيجي الديني من حملة التشويه ضد الإسلام هو حماية أوروبا من قبول الإسلام بعد أن عجزت عن القضاء عليه من خلال الحرب الصليبية.
- الهدف التجاري :
لقد كانت المؤسسات والشركات الكبرى، والملوك كذلك، يدفعون المال الوفير للباحثين، من أجل معرفة البلاد الإسلامية وكتابة تقارير عنها، وقد كان ذلك جليًّا في عصر ما قبل الاستعمار(*) الغربي للعالم الإسلامي في القرنين التاسع عشر والعشرين.
- الهدف السياسي يهدف إلى:
1- إضعاف روح الإخاء بين المسلمين والعمل على فرقتهم لإحكام السيطرة عليهم.
2- العناية باللهجات العامية ودراسة العادات السائدة لتمزيق وحدة المجتمعات المسلمة.(68/111)
3- كانوا يوجهون موظفيهم في هذه المستعمرات إلى تعلم لغات تلك البلاد ودراسة آدابها ودينها ليعرفوا كيف يسوسونها ويحكمونها.
4- في كثير من الأحيان كان المستشرقون ملحقين بأجهزة الاستخبارات لسبر غور حالة المسلمين وتقديم النصائح لما ينبغي أن يفعلوه لمقاومة حركات البعث الإسلامي.
الهدف العلمي الخالص :
- بعضهم اتجه إلى البحث والتمحيص لمعرفة الحقيقة خالصة، وقد وصل بعض هؤلاء إلى الإسلام ودخل فيه، نذكر منهم:
1- توماس أرنولد الذي أنصف المسلمين في كتابة الدعوة إلى الإسلام.
2- المستشرق الفرنسي رينيه فقد أسلم وعاش في الجزائر وله كتاب أشعة خاصة بنور الإسلام مات في فرنسا لكنه دفن في الجزائر.
· أهم المؤلفات :
- تاريخ الأدب العربي: كارل بروكلمان ت1956م.
- دائرة المعارف الإسلامية: ظهرت الطبعة الأولى بالإنجليزية والفرنسية والألمانية وقد صدرت في الفترة 1913-1938م. غير أن الطبعة الجديدة قد ظهرت بالإنجليزية والفرنسية فقط من عام 1945م وحتى عام 1977م.
- المعجم المفهرس لألفاظ الحديث الشريف والذي يشمل الكتب الستة المشهورة بالإضافة إلى مسند الدارمي وموطأ مالك ومسند أحمد بن حنبل وقد وضع في سبعة مجلدات نشرت ابتداءً من عام 1936م.
- لقد بلغ ما ألفوه عن الشرق في قرن ونصف قرن (منذ أوائل القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين) ستين ألف كتاب.
· المؤتمرات والجمعيات:
- عقد أول مؤتمر دولي للمستشرقين في باريس سنة 1873م.
- تتابعت المؤتمرات بعد ذلك حتى بلغت أكثر من ثلاثين مؤتمراً دوليًّا، فضلاً عن الندوات واللقاءات الإقليمية الكثيرة الخاصة بكل دولة من الدول كمؤتمر المستشرقين الألمان الذي عقد في مدينة درسدن بألمانيا عام 1849م، وما تزال تنعقد مثل هذه المؤتمرات باستمرار حتى الآن.(68/112)
- يحضر هذه المؤتمرات مئات من العلماء المستشرقين، حيث حضر مؤتمر أكسفورد تسعمائة 900 عالم من خمس وعشرين دولة وثمانين جامعة وتسع وستين جمعية علمية.
- هناك العديد من الجمعيات الاستشراقية كالجمعية الآسيوية في باريس تأسست عام 1822م، والجمعية الملكية الآسيوية في بريطانيا وأيرلندا عام 1823م، والجمعية الشرقية الأمريكية عام 1842م والجمعية الشرقية الألمانية عام 1845م.
· المجلات الاستشراقية:
للمستشرقين اليوم من المجلات والدوريات عدد هائل يزيد على ثلاثمائة مجلة متنوعة وبمختلف اللغات نذكر منها على سبيل المثال:
1- مجلة العالم الإسلامي The Muslim World أنشأها صمويل زويمر ت1952م في بريطانيا سنة 1911م وقد كان زويمر هذا رئيس المبشرين في الشرق الأوسط.
2- مجلة عالم الإسلام Mir Islama ظهرت في بطرسبرج عام 1912م لكنها لم تعمر طويلاً.
3- مجلة ينابيع الشرق أصدرها هامر برجشتال في فيينا من 1809 إلى 1818م.
4- مجلة : الإسلام ظهرت في باريس عام 1895م ثم خلفتها عام 1906م مجلة العالم الإسلامي التي صدرت عن البعثة العلمية الفرنسية في المغرب وقد تحولت بعد ذلك إلى مجلة الدراسات الإسلامية.
5- في عام 1910م ظهرت مجلة الإسلام Der Islam .
· الاستشراق في خدمة الاستعمار(*):
كارل هنيريش بيكر Kar Heinrich Beeker ت 1933م مؤسس مجلة الإسلام الألمانية، قام بدراسات تخدم الأهداف الاستعمارية في أفريقيا.
- بارتولد Barthold ت 1930م مؤسس مجلة عالم الإسلام الروسية، قام ببحوث تخدم مصالح السيادة الروسية في آسيا الوسطى.
- الهولندي سنوك هرجرونجه Snouck Hurgonje, G. 1857-1936م قدم إلى مكة عام 1884م تحت اسم عبد الغفار، ومكث مدة نصف عام، وعاد ليكتب تقارير تخدم الاستعمار في المشرق الإسلامي. وقد سبق له أن أقام في جاوه مدة 17 سنة وقد صدرت الصور التي أخذها لمكة والأماكن المقدسة في كتاب بمناسبة مرور مائة سنة على تصويرها.(68/113)
معهد اللغات الشرقية بباريس المؤسس عام 1885م كانت مهمته الحصول على معلومات عن البلدان الشرقية وبلدان الشرق الأقصى مما يشكل أرضية تسهل عملية الاستعمار في تلك المناطق.
- وهكذا نرى أن مثل هؤلاء المستشرقين جزء من مخطط كبير هو المخطط الصهيوني الصليبي لمحاربة الإسلام، ولا نستطيع أن نفهمهم على حقيقتهم إلا عندما نراهم في إطار ذلك المخطط الذي يهدف إلى تخريج أجيال لا تعرف الإسلام أو لا تعرف من الإسلام إلا الشبهات، وقد تم انتقاء أفراد من هذه الأجيال لتتبوأ أعلى المناصب ومراكز القيادة والتوجيه لتستمر في خدمة الاستعمار(*).
· آراء استشراقية خطرة:
- جورج سيل G.Sale زعم في مقدمة ترجمته لمعاني القرآن 1736م، أن القرآن إنما هو من اختراع محمد ومن تأليفه وأن ذلك أمر لا يقبل الجدل(*).
- ريتشارد بل richard Bell يزعم بأن النبي(*) محمد r قد استمد القرآن من مصادر يهودية ومن العهد القديم (*) بشكل خاص، وكذلك من مصادر نصرانية.
- دوزي ت1883م: يزعم أن القرآن الكريم ذو ذوق رديء للغاية ولا جديد فيه إلا القليل، كما يزعم أن فيه إطناباً بالغاً ومملاً إلى حد بعيد.
- جاء في تقرير وزير المستعمرات البريطاني أو مسبي غو لرئيس حكومته بتاريخ 9 يناير 1938م: "أن الحرب علمتنا أن الوحدة الإسلامية هي الخطر الأعظم الذي ينبغي على الإمبراطورية أن تحذره وتحاربه، وليس الإمبراطورية وحدها بل فرنسا أيضاً، ولفرحتنا فقد ذهبت الخلافة(*) وأتمنى أن تكون إلى غير رجعة".
- يقول شيلدون آموس: "إن الشرع المحمدي ليس إلا القانون الروماني للإمبراطورية الشرقية معدلاً وفق الأحوال السياسية في الممتلكات العربية، ويقول كذلك: "إن القانون المحمدي ليس سوى قانون جستنيان في لباس عربي".
- قال رينان الفرنسي: "إن الفلسفة العربية هي الفلسفة اليونانية مكتوبة بأحرف عربية".(68/114)
- أما لويس ماسينيون فقد كان زعيم الحركة الرامية إلى الكتابة في العامية وبالحرف اللاتيني.
ولكن:
- مما لا شك فيه أن للمستشرقين فضلاً كبيراً في إخراج الكثير من كتب التراث ونشرها محققة مفهرسة مبوبة.
- ولا شك أن الكثير منهم يملكون منهجية علمية تعينهم على البحث.
- ولا ريب في أن لدى بعضهم صبراً ودأباً وجلداً في التحقيق والتمحيص وتتبع المسائل.
- وما على المسلم إلا أن يلتقط الخير من مؤلفاتهم متنبهاً إلى مواطن الدس والتحريف ليتجنبها أو ليكشفها أو ليرد عليها لأن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها، خاصة وأن الفكر الاستشراقي المعاصر قد بدأ يغير من أساليبه وقسماته من أجل المحافظة على الصداقة والتعاون بين العالم الغربي والعالم الإسلامي وإقامة حوار بين المسيحية(*) والإسلام، ومحاولة تغيير النظرة السطحية الغربية إلى المسلمين، وربما كمحاولة لاستقطاب القوى الإسلامية وتوظيفها لخدمة أهدافهم فلنكن حذرين.
الجذور الفكرية والعقائدية:
· لقد كان الاستشراق وليد الاحتكاك بين الشرق الإسلامي والغرب النصراني أيام الصليبيين، وعن طريق السفارات والرحلات. ويلاحظ دائماً أن هناك تقارباً وتعاوناً بين الثالوث المدمر: التنصير والاستشراق والاستعمار(*)، والمستعمرون يساندون المستشرقين والمنصرين لأنهم يستفيدون منهم كثيراً في خططهم الاستعمارية.
· كان الدافع الأساسي هو الجانب اللاهوتي(*) النصراني بغية تحطيم الإسلام من داخله بالدس والكيد والتشويه، ولكن الاستشراق بعد ذلك وفي الآونة الأخيرة بدأ يتحلل من هذا القيد نوعاً ما ليتوجه توجهاً أقرب إلى الروح العلمية.
الانتشار ومواقع النفوذ:
· الغرب هو المسرح الذي يتحرك فوق أرضه المستشرقون، فمنهم الألمان ومنهم البريطانيون والفرنسيون والهولنديون والمجريون، وظهر بعضهم في إيطاليا وفي أسبانيا، وقد علا نجم الاستشراق في أمريكا وصارت له فيها مراكز كثيرة.(68/115)
· لم تبخل الحكومات، ولا الهيئات ولا الشركات ولا المؤسسات ولا الكنائس في يوم من الأيام في دعم حركة الاستشراق ومدّها بما تحتاجه من مال، وتأييد وإفساح الطريق أمامها في الجامعات حتى بلغ عدد هؤلاء المستشرقين آلافاً كثيرة.
· لقد كانت حركة الاستشراق مُسخَّرة في خدمة الاستعمار، وفي خدمة التنصير وأخيراً في خدمة اليهودية والصهيونية التي يهمها إضعاف الشرق الإسلامي وإحكام السيطرة عليه بشكل مباشر أو غير مباشر.
· استطاع المستشرقون أن يتسللوا إلى المجامع العلمية وقد عُيِّن عدد كبير منهم أعضاء في هذه المجامع في سوريا ومصر، كما استطاعوا أن يؤثروا على الدراسات العربية والإسلامية في العالم الإسلامي من خلال تلاميذهم ومؤلفاتهم.
ويتضح مما سبق:
· أن الاستشراق تيار فكري، يتجه صوب الشرق، لدراسة حضارته وأديانه وثقافته ولغته وآدابه، من خلال أفكار اتسم معظمها بالتعصب، والرغبة في خدمة الاستعمار، وتنصير المسلمين، وجعلهم مسخاً مشوهاً للثقافة الغربية، وذلك ببث الدونية فيهم، وبيان أن دينهم مزيج من اليهودية والنصرانية، وشريعتهم هي القوانين الرومانية مكتوبة بأحرف عربية، والنيل من لغتهم، وتشويه عقيدتهم وقيمهم، ولكن بعضهم رأى نور الحقيقة فأسلم وخدم العقيدة الإسلامية، وأثَّرَ في مُحْدثيهم، فبدأت كتاباتهم تجنح نحو العلمية، وتنحو نحو العمق بدلاً من السطحية، وربما صدر ذلك عن رغبة من بعضهم في استقطاب القوى الإسلامية وتوظيفها لخدمة أهدافهم الاستشراقية، وهذا يقتضي الحذر عند التعامل مع الفكر الاستشراقي الذي يتدثر الآن بدثار الموضوعية.
----------------------------
مراجع للتوسع :
- الاستتشراق، إدوارد سعيد- ترجمة كمال أبو ديب- مؤسسة الأبحاث العربية – بيروت 1981م.
- المستشرقون، نجيب العقيقي – دار المعارف – القاهرة – 1981م.
- الاستشراق والمستشرقون، د. مصطفى السباعي – ط2- المكتب الإسلامي – 1979م.(68/116)
- السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، د. مصطفى السباعي – بيروت 1978م.
- إنتاج المستشرقين، مالك بن نبي.
- أوروبا والإسلام، هشام جعيط – ترجمة طلال عتريسي – دار الحقيقة – بيروت – 1980م.
- الثقافة الغربية في رعاية الشرق الأوسط، د. جورج سارطون – ترجمة د. عمر فروخ – ط1- مكتبة المعارف – بيروت – 1952م.
- الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري، د. محمود حمدي زقزوق – ط1 – كتاب الأمة 1404هـ.
- الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي، محمد البهي – دار الفكر – بيروت 1973م.
- المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية، د. عبد الكريم زيدان – مؤسسة الرسالة – بيروت – 1981م.
- الإٍسلام في الفكر الغربي، محمود حمدي زقزوق – دار القلم – الكويت 1981م.
- الدراسات الإسلامية بالعربية في الجامعات الألمانية، رودي بارت – ترجمة د. مصطفى ماهر – القاهرة 1967م.
- أضواء على الاستشراق، د. محمد عبد الفتاح عليان – ط1 – دار البحوث العلمية – الكويت 1980م.
- المستشرقون والإسلام، محاضرة للأستاذ محمد قطب.
- المستشرقون والموضوعية، د. أحمد غراب.
المراجع الأجنبية :
- rudi Parel: Der Koran Uebersetzung Stuttgart 1980.
- C.E. Bosworth: Orientalism and Orientalists (in Arab Islamic Bibliography) 1977 Great Britain.
H.A. Flacher – Bernicol: Die Islamische revolution Stuttgart 1981.
-Johann Fueck: Die Arabischon Studien in Europa Leipzig 1955.
-Custar Pfonn Mueller: Handbuch der Islami Leteratur Berlin 1933.
- M. rodinson, Mohammed: Frank Furt 1975.
التغريب
التعريف:
التغريب هو تيار فكري كبير ذو أبعاد سياسية واجتماعية وثقافية وفنية، يرمي إلى صبْغ حياة الأمم بعامة، والمسلمين بخاصة، بالأسلوب الغربي، وذلك بهدف إلغاء شخصيتهم المستقلة وخصائصهم المتفردة وجعلهم أسرى التبعية الكاملة للحضارة الغربية.(68/117)
التأسيس وأبرز الشخصيات:
· بدأ المشرقيون في العالم الإسلامي مع نهاية القرن الثامن عشر ومطلع التاسع عشر بتحديث جيوشهم وتعزيزها عن طريق إرسال بعثات إلى البلاد الأوروبية أو باستقدام الخبراء الغربيين للتدريس والتخطيط للنهضة الحديثة، وذلك لمواجهة تطلع الغربيين إلى بسط نفوذهم الاستعماري إثر بدء عهد النهضة الأوروبية.
· لما قضى السلطان محمود الثاني على الإنكشارية العثمانية سنة 1826م أمر باتخاذ الزيِّ الأوروبي الذي فرضه على العسكريين والمدنيين على حد سواء.
· أصدر السلطان العثماني عبد المجيد منشوراً 1255هـ/ 1839م يسمح فيه لغير المسلمين بأن يلتحقوا بالخدمة العسكرية.
· استقدم السلطان سليم الثالث المهندسين من السويد وفرنسا والمجر وانجلترا وذلك لإنشاء المدارس الحربية والبحرية.
· قام محمد علي والي مصر، والذي تولى سنة 1805م، ببناء جيش على النظام الأوروبي، كما عمد إلى ابتعاث خريجي الأزهر من أجل التخصص في أوروبا.
· أنشأ أحمد باشا باي الأول في تونس جيشاً نظامياً، وافتتح مدرسة للعلوم الحربية فيها ضباط وأساتذة فرنسيون وإيطاليون وإنجليز.
· افتتحت أسرة القاجار التي حكمت إيران كلية للعلوم والفنون على أساس غربي سنة 1852م.
· منذ عام 1860م بدأت حركة التغريب عملها في لبنان عن طريق الإرساليات، ومنها امتدت إلى مصر في ظل الخديوي إسماعيل الذي كان هدفه أن يجعل مصر قطعة من أوروبا.
· التقى الخديوي إسماعيل في باريس مع السلطان العثماني عبد العزيز 1284هـ/1867م حينما لبَّيا دعوة الإمبراطور نابليون الثالث لحضور المعرض الفرنسي العام، وقد كانا يسيران في تيار الحضارة الغربية.
· ابتعث كل من رفاعة الطهطاوي إلى باريس وأقام فيها خمس سنوات 1826 – 1831م وكذلك ابتعث خير الدين التونسي إليها وأقام فيها أربع سنوات 1852 – 1856م وقد عاد كل منهما محملاً بأفكار تدعو إلى تنظيم المجتمع على أساس علماني عقلاني.(68/118)
· منذ 1830م بدأ المبتعثون العائدون من أوروبا بترجمة كتب فولتير وروسو ومونتسكيو في محاولة منهم لنشر الفكر الأوروبي الذي ثار ضد الدين(*) الذي ظهر في القرن الثامن عشر (على النحو الذي فصلنا، في مادة العلمانية).
· أنشأ كرومر كلية فيكتوريا بالإسكندرية لتربية جيل من أبناء الحكام والزعماء والوجهاء في محيط إنجليزي ليكونوا أداة المستقبل في نقل ونشر الحضارة الغربية.
- قال اللورد لويد (المندوب السامي البريطاني في مصر) حينما افتتح هذه الكلية سنة 1936م: "كل هؤلاء لن يمضي عليهم وقت طويل حتى يتشبعوا بوجهة النظر البريطانية بفضل العشرة الوثيقة بين المعلمين والتلاميذ".
· كان نصارى الشام من أول من اتصل بالبعثات التبشيرية وبالإرساليات ومن المسارعين بتلقي الثقافة الفرنسية والإنجليزية، كما كانوا يشجعون العلمانية التحررية وذلك لعدم إحساسهم بالولاء تجاه الدولة العثمانية، فبالغوا من اظهار إعجابهم بالغرب ودعوا إلى الاقتداء به وتتبع طريقه، وقد ظهر ذلك جلياً في الصحف التي أسسوها وعملوا فيها.
· كان ناصيف اليازجي 1800 – 1871م وابنه إبراهيم اليازجي 1847-1906م على صلة وثيقة بالإرساليات الأمريكية الإنجيلية.
· أسس بطرس البستاني 1819 – 1883م في عام 1863م مدرسة لتدريس اللغة العربية والعلوم الحديثة فكان بذلك أول نصراني يدعو إلى العروبة والوطنية إذ كان شعاره "حب الوطن من الإيمان"، كما أصدر صحيفة الجنان سنة 1870م التي استمرت ستة عشرة سنة. وقد تولى منصب الترجمة في قنصلية أمريكا ببيروت مشاركاً في الترجمة البروتستانتية للتوراة(*) مع الأمريكيَيْن سميث وفانديك.
· أنشأ جورجي زيدان 1861 – 1914م مجلة الهلال في مصر وذلك في سنة 1892م، وقد كان على صلة بالمبعوثين الأمريكان، كما كانت له سلسلة من القصص التاريخية التي حشاها بالافتراءات على الإسلام والمسلمين.(68/119)
· أسس سليم تقلا صحيفة الأهرام في مصر وقد سبق له أن تلقى علومه في مدرسة عربية بلبنان والتي أنشأها المبشر الأمريكي فانديك.
· أصدر سليم النقاش صحيفة المقتطف التي عاشت ثمانية أعوام في لبنان انتقلت بعدها إلى مصر في سنة 1884م.
· تجوَّل جمال الدين الأفغاني 1838-1897م كثيراً في العالم الإسلامي شرقاً وغرباً، وقد أدخل نظام الجمعيات السرية في العصر الحديث إلى مصر، كما يقال بأنه انضم إلى المحافل الماسونية، وكان على صلة بالمستر بلنت البريطاني.
· كان الشيخ محمد عبده 1849-1905م من أبرز تلاميذ الأفغاني، وشريكه في إنشاء مجلة العروة الوثقى، وكانت له صداقة مع اللورد كرومر والمستر بلنت، ولقد كانت مدرسته – ومنها رشيد رضا – تدعو إلى مهاجمة التقاليد، كما ظهرت لهم فتاوى تعتمد على أقصى ما تسمح به النصوص من تأويل(*) بغية إظهار الإسلام بمظهر المتقبل لحضارة الغرب، كما دعا الشيخ محمد عبده إلى إدخال العلوم العصرية إلى الأزهر لتطويره وتحديثه.
· كان المستشرق مستر بلنت: يطوف هو وزوجته مرتدياً الزي العربي، داعياً إلى القومية العربية وإلى إنشاء خلافة عربية بغية تحطيم الرابطة الإسلامية.
· قاد قاسم أمين 1865 – 1908م وهو تلميذ محمد عبده، الدعوة إلى تحرير المرأة وتمكينها من العمل في الوظائف والأعمال العامة. وقد كتب تحرير المرأة – 1899م والمرأة الجديدة 1900م.
· كان سعد زغلول: الذي صار وزيراً للمعارف سنة 1906م شديد التأثر بآراء محمد عبده، وقد نفذ فكرة كرومر القديمة والداعية إلى إنشاء مدرسة للقضاء الشرعي بقصد تطوير الفكر الإسلامي من خلال مؤسسة غير أزهرية منافسة له.(68/120)
· كان أحمد لطفي السيد 1872 – 1963م: من أكبر مؤسسي حزب(*) الأحرار الدستوريين الذين انشقوا عن سعد زغلول سياسياً، وكان يدعو إلى الإقليمية الضيقة وهو صاحب العبارة المشهورة التي أطلقها عام 1907م وهي "مصر للمصريين". وقد تولى شؤون الجامعة المصرية منذ تسلمتها الحكومة المصرية عام 1916م وحتى 1941م تقريباً.
· وكان طه حسين 1889- 1973م من أبرز دعاة التغريب في العالم الإسلامي، حيث تلقى علومه على يد المستشرق دور كايم وقد نشر أخطر آرائه في كتابيه الشعر الجاهلي ومستقبل الثقافة في مصر.
- يقول في كتابه الشعر الجاهلي ص 26: "للتوراة(*) أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل وللقرآن أن يحدثنا أيضاً، ولكن ورود هذين الأسمين في التوراة والقرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي".
- ويقول بعد ذلك: "وقد كانت قريش مستعدة كل الاستعداد لقبول هذه الأسطورة في القرن السابع للمسيح(*)". كما أنه ينفي فيه نسب النبي (*) r إلى أشراف قريش.
- لقد بدأ طه حسين محاضرة له في اللغة والأدب بحمد الله والصلاة على نبيه ثم قال: "سيضحك مني بعض الحاضرين إذا سمعني أبدأ هذه المحاضرة بحمد الله والصلاة على نبيه لأن ذلك يخالف عادة العصر". (مجلة الهلال، عدد أكتوبر ونوفمبر 1911م).
· ازدهرت حركة التغريب بعد سيطرة الاتحاديين عام 1908م على الحكم في الدولة العثمانية وسقوط السلطان عبد الحميد.
· وفي سنة 1924م ألغت حكومة مصطفى كمال أتاتورك الخلافة(*) العثمانية مما مهد لانضمام تركيا إلى الركب العلماني الحديث، وفرض عليها التغريب بأقصى صورة وأعنفها.(68/121)
· علي عبدالرزاق: نشر سنة 1925م كتابه الإسلام وأصول الحكم الذي ترجم إلى الإنجليزية والأردية. يحاول فيه المؤلف أن يقنع القارىء بأن الإسلام دين(*) فقط وليس ديناً ودولة. وقد ضرب سميث مثلاً به عندما أشار إلى أن التحررية العلمانية والعالمية لا تروج في العالم الإسلامي إلا إذا فسرت تفسيراً إسلامياً مقبولاً، وقد حوكم الكتاب والمؤلف من قبل هيئة العلماء بالأزهر في 12/8/1925م وصدرت ضده إدانة أخرجته من زمرة العلماء. وكان يشرف على مجلة الرابطة الشرقية، كما أقام حفل تكريم لأرنست رينان في الجامعة المصرية بمناسبة مرور مائة سنة على وفاة هذا المستشرق الذي لم يدخر وسعاً في مهاجمة العرب والمسلمين.
· وكان محمود عزمي من أكبر دعاة الفرعونية في مصر، درس على أستاذه دور كايم الذي كان يقول له: "إذا ذكرت الاقتصاد فلا تذكر الشريعة(*)، وإذا ذكرت الشريعة فلا تذكر الاقتصاد".
· وسبق أن قدم منصور فهمي 1886-1959م: أول أطروحة للدكتوراه على أستاذه ليفي بريل مهاجماً نظام الزواج في الإسلام التي موضوعها حالة المرأة في التقاليد الإسلامية وتطوراتها. وفي هذه الرسالة يقول: "محمد يشرع لجميع الناس ويستثني نفسه" ويقول: "إلا أنه أعفى نفسه من المهر والشهود"، لكنه انتقد بعد ذلك حركة(*) التغريب في سنة 1915م وجاهر بآرائه في الأخطاء التي حملها طه حسين ومدرسته.
· ويعتبر إسماعيل مظهر من أئمة مدرسة التغريب لكنه لم يلبث أن تحول عنها إبان عصر النهضة الحديثة.
· وكان زكي مبارك في مقدمة تلاميذ طه حسين. درس على أيدي المستشرقين، وسبق له أن قدم أطروحة للدكتوراه في الغزالي والمأمون مهاجماً الغزالي هجوماً عنيفاً، لكنه رجع عن ذلك فيما بعد وكتب مقاله المعروف إليك أعتذر أيها الغزالي.(68/122)
· ويعتبر محمد حسين هيكل 1888 – 1956م رئيس تحرير جريدة السياسة في الفترة الأولى من حياته من أبرز المستغربين، وقد أنكر الإسراء بالروح والجسد معاً انطلاقاً من نظرة عقلانية حياة محمد. لكنه عدل عن ذلك وكتب معبراً عن توجهه الجديد في مقدمة كتابه في منزل الوحي.
· وكان الشيخ أمين الخولي وهو من مدرسي مادتي التفسير والبلاغة بالجامعة المصرية، يروج لأفكار طه حسين في الدعوة إلى دراسة القرآن دراسة فنية بغض النظر عن مكانته الدينية، وقد استمر في ذلك حتى كشفه الشيخ محمود شلتوت سنة 1947م.
· وقاد شلبي شميل 1860 – 1917م الدعوة إلى العلمانية ومهاجمة قيم الأديان(*) والأخلاق(*).
الأفكار والمعتقدات:
· أفكار تغريبية:
- المستشرق الإنجليزي جب ألف كتاب إلى أين يتجه الإسلام الذي يقول فيه: "من أهم مظاهر سياسة التغريب في العالم الإسلامي تنمية الاهتمام ببعث الحضارات القديمة". وقد أعلن في بحثه هذا صراحة أن هدفه معرفة" إلى أي مدى وصلت حركة تغريب الشرق وما هي العوامل التي تحول دون تحقيق هذا التغريب".
- عندما دخل اللورد اللنبي القدس عام 1918م أعلن قائلاً: "الآن انتهت الحروب الصليبية".
- يقول لورنس براون: "إن الخطر الحقيقي كامن في نظام الإسلام وفي قدرته على التوسع والإخضاع وفي حيويته. إنه الجدار الوحيد في وجه الاستعمار(*) الغربي". ولهذا فلابد من الدعوة إلى أن يطبع العالم الإسلامي بطابع الغرب الحضاري.
- تشجيع فكرة إيجاد فكر إسلامي متطور يبرر الأنماط الغربية ومحو الطابع المميز للشخصية الإسلامية بغية إيجاد علائق مستقرة بين الغرب وبين العالم الإسلامي خدمة لمصالحه.
- الدعوة إلى الوطنية ودراسة التاريخ القديم والدعوة إلى الحرية(*) باعتبارها أساس نهضة الأمة مع عرض النظم الاقتصادية الغربية عرضاً مصحوباً بالإعجاب، وتكرار الكلام حول تعدد الزوجات في الإسلام وتحديد الطلاق واختلاط الجنسين.(68/123)
- نشر فكرة العالمية والإنسانية التي يزعم أصحابها بأن ذلك هو السبيل إلى جمع الناس على مذهب(*) واحد تزول معه الخلافات الدينية والعنصرية لإحلال السلام في العالم، ولتصبح الأرض وطناً واحداً يدين بدين(*) واحد ويتكلم بلغة واحدة وثقافة مشتركة، بغية تذويب الفكر الإسلامي واحتوائه في بوتقة الأقوياء المسيطرين أصحاب النفوذ العالمي.
- إن نشر الفكر القومي كان خطوة على طريق التغريب في القرن التاسع عشر وقد انتقل من أوروبا إلى العرب والإيرانيين والترك والأندونيسيين والهنود، بغية تمزيق الكتل الكبيرة إلى كيانات جزئية تقوم على رابط جغرافي يجمع أناساً ينتمون إلى أصول عرقية مشتركة.
- تنمية الاهتمام ببعث الحضارات القديمة، يقول المستشرق جب: "وقد كان من أهم مظاهر سياسية التغريب في العالم الإسلامي تنمية الاهتمام ببعث الحضارات القديمة التي ازدهرت في البلاد المختلفة التي يشغلها المسلمون الآن… وقد تكون أهميته محصورة الآن في تقوية شعور العداء لأوروبا ولكن من الممكن أن يلعب في المستقبل دوراً مهماً في تقوية القوميات المحلية وتدعيم مقوماتها".
- عرض روكفلر الصهيوني المتعصب تبرعه بعشرة ملايين دولار لإنشاء متحف للآثار الفرعونية في مصر وملحق به معهد لتخريج المتخصصين في هذا الفن.
- إن كلاً من الاستعمار، (*) والاستشراق، والشيوعية، والماسونية وفروعها، والصهيونية، ودعاة التوفيق بين الأديان" وحدة الأديان(*)"، قد تآزروا جميعاً في دعم حركة(*) التغريب وتأييدها بهدف تطويق العالم الإسلامي وتطويعه ليكون أداة لينة بأيديهم.(68/124)
- نشر المذاهب الهدامة كالفرويدية، والداروينية، والماركسية، والقول بتطور الأخلاق(*) (ليفي بريل) وبتطور المجتمع (دور كايم) والتركيز على الفكر الوجودي والعلماني، والتحرري، والدراسات عن التصوف الإسلامي، والدعوة إلى القومية والأقليمية والوطنية، والفصل بين الدين والمجتمع، وحملة الانتقاص من الدين، ومهاجمة القرآن والنبوة(*) والوحي(*) والتاريخ الإسلامي، والتشكيك في القيم الإسلامية، والدعوة إلى التخلي عن الأصالة والتميز، والتخويف من الموت أو الفقر وذلك لإقعاد المسلمين عن فكرة الجهاد،(*) وإشاعة فكرة أن سبب تأخر العرب والمسلمين إنما هو الإسلام.
- اعتبار القرآن فيضاً من العقل الباطن مع الإشادة بعبقرية النبي(*) محمد r وألمعيته وصفاء ذهنه ووصف ذلك بالإشراق(*) الروحي تمهيداً لإزالة صفة النبوة عنه.
· مؤتمرات تغريبية:
- عقد مؤتمر في بلتيمور عام 1942م وهو يدعو إلى دراسة وابتعاث الحركات السرية في الإسلام.
- في عام 1947م عقد في جامعة برنستون بأمريكا مؤتمر لدراسة (الشؤون الثقافية والاجتماعية في الشرق الأدنى) وقد ترجمت بحوث هذا المؤتمر إلى العربية تحت رقم 116 من مشروع الألف كتاب في مصر. شارك فيه كويلر يونغ وحبيب كوراني وعبد الحق أديوار ولويس توماس.
- عقد مؤتمر (الثقافة الإسلامية والحياة المعاصرة) في صيف عام 1953م في جامعة برنستون وشارك فيه كبار المفكرين من مثل ميل بروز، وهارولد سميث، وروفائيل باتاي، وهارولد ألن، وجون كرسويل، والشيخ مصطفى الزرقا، وكنت كراج، واشتياق حسين، وفضل الرحمن الهندي.
- وفي عام 1955م عقد في لاهور بالباكستان مؤتمر ثالث لكنه فشل وظهرت خطتهم بمحاولتهم إشراك باحثين من المسلمين والمستشرقين في توجيه الدراسات الإسلامية.(68/125)
- انعقد مؤتمر للتأليف بين الإسلام والمسيحية(*) في بيروت 1953م، ثم في الاسكندرية 1954م وتتالت بعد ذلك اللقاءات والمؤتمرات في روما وغيرها من البلدان لنفس الغرض.
- في سبتمبر 1994م عقد بالقاهرة مؤتمر السكان والتنمية بهدف نشر أفكار التحلل الجنسي "الغربية" بين المسلمين – من إتاحة للاتصالات غير المشروعة بين المراهقين والإجهاض والزواج الحر والسفاح والتدريب على موانع الحمل، وقد أصدرت هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية فتوى بضرورة مقاطعته والحذر من توصياته وأهدافه.
· كتب تغريبية خطرة:
- الإسلام في العصر الحديث لمؤلفه ولفرد كانتول سميث مدير معهد الدراسات الإسلامية وأستاذ الدين المقارن في جامعة ماكجيل بكندا، حصل على الدكتوراه من جامعة برنستون سنة 1948م تحت إشراف المستشرق هـ. أ.ر. جب الذي تتلمذ عليه في جامعة كمبريدج وهذا الكتاب يدعو إلى التحررية Liberalism والعلمانية Secularism وإلى فصل الدين(*) عن الدولة.
- نشر هـ.أ.ر. جب كتابه إلى أين يتجه الإسلام؟ Whither Islam? الذي نشر بلبنان سنة 1932م كان قد ألفه مع جماعة من المستشرقين، وهو يبحث في أسباب تعثر عملية التغريب في العالم الإسلامي ووسائل تقدمها وتطورها.
- إن بروتوكولات حكماء صهيون(*) التي ظهرت في العالم كله عام 1902م ظلت ممنوعة من الدخول إلى الشرق الأوسط والعالم الإسلامي حتى عام 1952م تقريباً أي إلى ما بعد قيام إسرائيل في قلب الأمة العربية والإسلامية. ولا شك بأن منعها كان خدمة لحركة التغريب عموماً.
- تصوير بعض الشخصيات الإسلامية في صور من الابتذال والعهر والمزاجية كما في كتب جورجي زيدان، وكذلك تلك الكتب التي تضيف الأساطير القديمة إلى التاريخ الإسلامي علىهامش السيرة لطه حسين والكتب التي تعتمد على المصادر غير الموثوقة مثل محمد رسول الحرية للشرقاوي وكتبه عن الخلفاء الراشدين والأئمة التسعة.
· الجذور الفكرية والعقائدية:(68/126)
· لقد ارتدت الحملة الصليبية مهزومة بعد حطين، وفتح العثمانيون عاصمة الدولة البيزنطية ومقر كنيستهم(*) عام 1453م واتخذوها عاصمة لهم وغيروا اسمها إلى اسلامبول أي دار الإسلام، كما أن جيوش العثمانيين قد وصلت أوروبا وهددت فيينا سنة 1529م وقد ظل هذا التهديد قائماً حتى سنة 1683م. وسبق ذلك كله سقوط الأندلس وجعلها مقراً للخلافة(*) الأموية، كل ذلك كان مدعاة للتفكير بالتغريب، والتبشير فرع منه، ليكون السلاح الذي يحطم العالم الإسلامي من داخله.
· إن التغريب هجمة نصرانية، صهيونية، استعمارية،(*) في آن واحد، التقت على هدف مشترك بينها وهو طبع العالم الإسلامي بالطابع الغربي تمهيداً لمحو الطابع المميز للشخصية الإسلامية.
· الانتشار ومواقع النفوذ:
· لقد استطاعت حركة(*) التغريب أن تتغلغل في كل بلاد العالم الإسلامي، وإلى كل البلاد المشرقية على أمل بسط بصمات الحضارة الغربية المادية(*) الحديثة على هذه البلاد وربطها بالغرب فكراً وسلوكاً.
· لقد تفاوت تأثير حركة التغريب إذ أنه قد ظهر بوضوح في مصر، وبلاد الشام، وتركيا، وأندونيسيا والمغرب العربي، وتتدرج بعد ذلك في البلاد الإسلامية الأقل فالأقل، ولم يخل بلد إسلامي أو مشرقي من آثار وبصمات هذه الحركة.
ويتضح مما سبق:(68/127)
أن التغريب تيار مشبوه يهدف إلى نقض عرى الإسلام والتحلل من التزاماته وقيمه واستقلاليته، والدعوة إلى التبعية للغرب في كل توجهاته وممارساته. ومن واجب قادة الفكر الإسلامي كشف مخططاته والوقوف بصلابة أمام سمومه ومفترياته، التي تبثها الآن، شخصيات مسلمة، وصحافة ذات باع طويل في محاولات التغريب، وأجهزة وثيقة الصلة بالصهيونية العالمية والماسونية الدولية. وقد استطاع هذا التيار استقطاب كثير من المفكرين العرب، فمسخوا هويتهم، وحاولوا قطع صلتهم بدينهم، والذهاب بولائهم وانتمائهم لأمتهم الإسلامية، من خلال موالاة الغرب والزهو بكل ما هو غربي، وهي أمور ذات خطر عظيم على الشباب المسلم.
مراجع للتوسع :
- حصوننا مهددة من داخلها، د. محمد محمد حسين – مؤسسة الرسالة – بيروت – ط 7 – 1402هـ/ 1982م.
- العالم الإسلامي والمكائد الدولية خلال القرن الرابع عشر الهجري، فتحي يكن- مؤسسة الرسالة – بيروت – ط2- 1403هـ/1983م.
- الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر، د. محمد محمد حسين – دار الإرشاد – بيروت – طبعة عام 1389هـ/1970م.
- الإسلام والحضارة الغربية ، د. محمد محمد حسين – مؤسسة الرسالة – بيروت 54 – 1402هـ/ 1982م.
- شبهات التغريب في غزو الفكر الإسلامي، أنور الجندي- المكتب الإسلامي – بيروت – طبعة عام 1398هـ/ 1978م.
- يقظة الفكر العربي، أنور الجندي – مطبعة زهران – القاهرة – 1972م.
- تحرير المرأة، قاسم أمين – ط2 – مطبعة روز اليوسف – 1941م.
- زعماء الإصلاح في العصر الحديث، أحمد أمين – ط1 – نشر مكتبة النهضة المصرية – 1948م.
- تاريخ الدعوة إلى العامية وآثارها في مصر، الدكتورة نفوسة زكريا – دار الثقافة بالإسكندرية – 1393هـ/ 1964م.
- حاضر العالم الإسلامي، لوثروب ستودارد – ترجمة عجاج نويهض وتعليق شكيب أرسلان – مصر 1343هـ/ 1925م.(68/128)
- الغارة على العالم الإسلامي، أ.ل. شاتليه – ترجمة مساعد اليافي ومحب الدين الخطيب – مصر 1350هـ.
- مستقبل الثقافة في مصر، طه حسين – مصر – 1944م.
- اليوم والغد، سلامة موسى – مصر – 1927م.
- إلى أين يتجه الإسلام، هـ.أ.ر. جب – ط لبنان – 1932م.
المراجع الأجنبية :
- Islam in Modern History W.C.Smith, Princeton University Press New Jersy 1957.
- Whither Islam? : H.A.r. Gibb. London 1932.
- Arabic Thought in the Liberal Age: A. Hourani, Oxford 1962.
- Egypt Since Cromer: Lord Loyd, London 1933.
- Modern Egypt The Earl of Cromer: London 1911.
- Great Britain Egypt (F.W. Polson Newmen 1928).
- reports by His Majesty’s Agent and Consul General on the Finances.
- Administration and Condition of Egypt and the Sudan.
الأديان الشرقية
1-مقدمة الأديان الشرقية
2-الصابئة المندائيون
3-الهندوسية
4-الشنتوية
5-الطاوية
6-الجينية
7-الكونفوشيوسية
8-البوذية
9-السيخية
10-المهاريشية
الأديان الشرقية
مقدمة عامة :
تتشابه الأديان الشرقية في عدد من الخصائص التي تجمعها مع الديانات العالمية الأخرى، إلا أنها تتجاذبها نزعتان مختلفتان تمام الاختلاف، فيما يتعلق بالألة(*)، وهاتان النزعتان هما نزعتا الوحدانية وتعدد الآلهة.
فقلما نجد دولة من الدول أو شعباً من شعوب الديانات الشرقية، لا تتمثل إلهاً لكل قوى الطبيعة النافعة والضارة يستنصرونه في الشدائد ويلجأون إليه في الملمات، ويتضرعون إليه ليبارك لهم في ذرياتهم وأموالهم، ولم يصل هؤلاء إلى عبادة هذه الظواهر دفعة واحدة وإنما مروا بمراحل انتهت بهم إلىعبادتها، ولقد كثر الآلهة عندهم، لاسيما عند الهندوس، كثرة كبيرة وكانوا يسمون إلههم بكل اسم حسن ويصفونه بكل صفة كاملة ويخاطبونه باسم "رب الأرباب" أو "إله الآلهة" توقيراً وتعظيماً وإجلالاً.(68/129)
وفي القرن التاسع قبل الميلاد، استطاع بعض كهنة(*) تلك الدول، اختصار الآلهة، فقد جمعوا الآلهة في إله واحد، وقالوا إنه هو الذي أخرج العالم من ذاته.
ثم ظهرت حركات عقلية آمنت بالتناسخ(*)، وظهرت حركات أخرى آمنت بالإله أساساً لفلسفة الدين(*)، وعندما فتح محمود الغزنوي الهند، وأخضعها للحكم الإسلامي، قدَّم أروع الأمثلة على سماحة الدين الإسلامي عندما ترك الحرية(*) للهنود فيما يعبدون، وانتشر الإسلام في الهند ومنها انتقل إلى دول شرقية أخرى تركت لها حرية العبادة كذلك، ولكن الناس كانت تجد في عقيدة التوحيد ملاذها فاندفعت إليها عن حرب ورضا.
ومن أهم أهداف هذه الموسوعة، وضع يد القارىء على كثير من الحقائق المتعلقة بالأديان الشرقية، وقد يمكن القول أن كثيراً من هذه الديانات ربما بدأت كديانات توحيد سماوية، إعمالاً لقوله تعالى: {وإن من أمة إلا خلا فيها نذير} [فاطر:24]. ولكن التحريف لحق هذه الأديان ، كما لحق غيرها، ودليل ذلك أن فكرة التوحيد كان لها وجود بشكل أو بآخر في هذه الديانات، كما أن بعض كتب هذه الأديان(*) انطوت على إشارات إلى نبوة(*) الرسول(*) صلى الله عليه وسلم ، ومبعثه، ولذا فإن هذه الموسوعة عندما تشير إلى حقائق هذه الأديان في الوقت الحاضر، فإنها لا تنفي عن أصل نشأتها إمكانية أن تكون ديانات توحيد قبل أن يلحقها التحريف وتتطرق إليها الوثنية(*).
وأيًّا ما كان الأمر، فقد عالجت هذه الموسوعة أهم الأديان الشرقية المعاصرة، كما هي لا كما كانت، وهي:
(1) الصابئة المندائيون:
وتعد من أقدم الديانات التي تعتقد بأن الخالق واحد وهي بهذا الوصف تعتبر من الديانات السماوية ويعتبر أتباعها أتباع دين كتابي.
(2) الهندوسية :(68/130)
وتسمى أيضاً البرهمية(*) وهي ديانة وثنية يعتنقها معظم أهل الهند، وليس في الهندوسية دعوة إلى التوحيد، بل إنهم يقولون بأن لكل طبيعة نافعة أو ضارة إليها(*) يعبد، ثم قالوا بوجود آلهة ثلاثة من عبد أحدها فقد عبدها جميعاً وهي براهما(*) وفشنو(*) وسيفا(*).
(3) الشنتوية:
وهي ديانة ظهرت في اليابان منذ وقت طويل وقد بدأت بعبادة الأرواح ثم قوى الطبيعة ثم عبادة الإمبراطور مؤخراً حيث يعتبرونه من نسل الآلهة.
(4)الطاوية :
وهي إحدى أكبر الديانات الصينية القديمة التي تستلزم العودة إلى الحياة الطبيعية مع ضرورة الإيمان بوحدة الوجود إذ الخالق والمخلوق شيء واحد.
(5) الجينية:
وهي ديانة منشقة عن الهندوسية وتدعو إلى التحرر من كل قيود الحياة، والعيش بعيداً عن الشعور بالقيم كالعيب والإثم والخير والشر.
(6) الكونفوشيوسية:
وهي ديانة أهل الصين وتدعو إلى إحياء الطقوس والعادات والتقاليد الدينية التي ورثها الصينيون عن أجدادهم، مع إضافة بعض آراء الحكيم كونفوشيوس إليها وهي تقوم على عبادة الإله(*) الأعظم وعبادة أرواح الآباء والأجداد وتقديس الملائكة.
(7) البوذية :
وهي الديانة التي ظهرت في الهند بعد البراهمية (الهندوسية) في القرن الخامس قبل الميلاد، وهي تدعو إلى التصوف والخشونة ونبذ الترف والمناداة بالتسامح، ويعتقد البوذيون أن بوذا(*) هو ابن الإله عندهم وأنه مخلِّص البشرية من مآسيها.
(8) السيخية:
وهي ديانة السيخ الذين هم جماعة دينية هندية تدعو إلى دين جديد تزعم فيه شيئاً من الديانتين الإسلامية والهندوسية تحت شعار (لا هندوس ولا مسلمين).
(9) المهاريشية:
وهي نحلة هندوسية دهرية ملحدة(*) انتقلت إلى أمريكا وأوروبا داعية إلى طقوس كهنوتية بغية تحصيل السعادة الروحية.
الصابئة المندائيون
التعريف :(68/131)
الصابئة المندائية هي طائفة الصابئة الوحيدة الباقية إلى اليوم والتي تعتبر يحيى عليه السلام نبيًّا لها، يقدّس أصحابها الكواكب والنجوم ويعظمونها، ويعتبر الاتجاه نحو نجم القطب الشمالي وكذلك التعميد(*) في المياه الجارية من أهم معالم هذه الديانة التي يجيز أغلب فقهاء المسلمين أخذ الجزية من معتنقيها أسوة بالكتابيين من اليهود والنصارى.
ولقد حقق شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الرد على المنطقيين ط6 (ص454 وما بعدها) حقيقة الصابئة كما وردت في القرآن الكريم فقال ما حاصله:
إن الصابئة نوعان: صابئة حنفاء وصابئة مشركون.
أما الصابئة الحنفاء فهم بمنزلة من كان متبعاً لشريعة التوراة(*) والإنجيل(*) قبل النسخ والتحريف(*) والتبديل من اليهود والنصارى. وهؤلاء حمدهم الله وأثنى عليهم. والثابت أن الصابئين قوم ليس لهم شريعة مأخوذة عن نبي(*)، وهم قوم من المجوس(*) واليهود والنصارى ليس لهم دين(*)، ولكنهم عرفوا الله وحده، ولم يحدثوا كفراً، وهم متمسكون "بالإسلام المشترك" وهو عبادة الله وحده وإيجاب الصدق والعدل وتحريم الفواحش والظلم ونحو ذلك مما اتفقت الرسل على إيجابه وتحريمه وهم يقولون "لا إله إلا الله" فقط وليس لهم كتاب ولا نبي. والصحيح أنهم كانوا موجودين قبل إبراهيم عليه الصلاة والسلام بأرض اليمن.
وأما الصابئة المشركون فههم قوم يعبدون الملائكة ويقرؤون الزبور ويصلون، فهم يعبدون الروحانيات العلوية.
وعلى ذلك فمن دان من الصابئة بدين أهل الكتاب فهو من أهل الكتاب، ومن لم يدن بدين أهل الكتاب فهو مشرك ومثالهم من يعبد الكواكب. كمن كانوا بأرض حران عندما أدركهم الإسلام وهؤلاء لا يحل أكل ذبائحهم ولا نكاح نسائهم وإن أظهروا الإيمان بالنبيين(*) وقد أفتى أبو سعيد الاصطخري بأن لا تقبل الجزية منهم، ونازعه في ذلك جماعة من الفقهاء.
التأسيس وأبرز الشخصيات :(68/132)
· يدّعى الصابئة المندائيون بأن دينهم(*) يرجع إلى عهد آدم عليه السلام.
· ينتسبون إلى سام بن نوح عليه السلام، فهم ساميون.
· يزعمون أن يحيى عليه السلام هو نبيهم الذي أرسل إليهم.
· كانوا يقيمون في القدس، وبعد الميلاد طردوا من فلسطين فهاجروا إلى مدينة حران فتأثروا هناك بمن حولهم وتأثروا بعبدة الكواكب والنجوم من الصابئة الحرانيين.
- ومن حران هاجروا إلى موطنهم الحالي في جنوبي العراق وإيران وما يزالون فيه، حيث يعرفون بصابئة البطائح.
· منهم الكنزبرا الشيخ عبد الله بن الشيخ سام الذي كان مقيماً في بغداد سنة 1969م وهو الرئيس الروحي لهم، وقد كان في عام 1954م يسكن في دار واقعة بجوار السفارة البريطانية في الكرخ ببغداد.
الأفكار والمعتقدات :
· كتبهم:
- لديهم عدد من الكتب المقدسة مكتوبة بلغة سامية قريبة من السريانية وهي:
1- الكنزاربّا: أي الكتاب العظيم ويعتقدون بأنه صحف آدم عليه السلام، فيه موضوعات كثيرة عن نظام تكوين العالم وحساب الخليقة وأدعية وقصص، وتوجد في خزانة المتحف العراقي نسخة كاملة منه. طبع في كوبنهاجن سنة 1815م، وطبع في لايبزيغ سنة 1867م.
2- دراشة إديهيا: أي تعاليم يحيى، وفيه تعاليم وحياة النبي(*) يحيى عليه السلام.
3- الفلستا: أي كتاب عقد الزواج، ويتعلق بالاحتفالات والنكاح الشرعي والخطبة.
4- سدرة إدنشاماثا: يدور حول التعميد(*) والدفن والحداد، وانتقال الروح من الجسد إلى الأرض ومن ثمّ إلى عالم الأنوار، وفي خزانة المتحف العراقي نسخة حديثة منه مكتوبة باللغة المندائية.
5- كتاب الديونان: فيه قصص وسير بعض الروحانيين مع صور لهم.
6- كتاب إسفر ملواشه: أي سفر البروج لمعرفة حوادث السنة المقبلة عن طريق علم الفلك والتنجيم(*).
7- كتاب النباتي: أي الأناشيد والأذكار الدينية، وتوجد نسخة منه في المتحف العراقي.(68/133)
8- كتاب قماها ذهيقل زيوا: ويتألف من 200 سطر وهو عبارة عن حجاب يعتقدون بأن من يحمله لا يؤثر فيه سلاح أو نار.
9- تفسير بغره: يختص في علم تشريح جسم الإنسان وتركيبه والأطعمة المناسبة لكل طقس مما يجوز لأبناء الطائفة تناوله.
10- كتاب ترسسر ألف شياله: أي كتاب الأثنى عشر ألف سؤال.
11- ديوان طقوس التطهير: وهو كتاب يبين طرق التعميد(*) بأنواعه على شكل ديوان.
12- كتاب كداواكدفيانا: أي كتاب العوذ.
· طبقات رجال الدين :
يشترط في رجل الدين أن يكون سليم الجسم، صحيح الحواس، متزوجاً منجباً، غير مختون، وله كلمة نافذة في شؤون الطائفة كحالات الولادة والتسمية والتعميد والزواج والصلاة والذبح والجنازة، ورتبهم على النحو التالي:
1- الحلالي: ويسمى "الشماس"(*) يسير في الجنازات، ويقيم سنن الذبح للعامة، ولايتزوج إلا بكراً، فإذا تزوج ثيباً سقطت مرتبته ومنع من وظيفته إلا إذا تعمد هو وزوجته 360مرة في ماء النهر الجاري.
2- الترميدة: إذا فقه الحلالي الكتابين المقدَّسين سدره إنشماثا والنياني أي كتابَيْ التعميد والأذكار فإنه يتعمد بالارتماس في الماء الموجود في المندي ويبقى بعدها سبعة أيام مستيقظاً لا تغمض له عين حتى لا يحتلم، ويترقى بعدها هذا الحلالي إلى ترميدة، وتنحصر وظيفته في العقد على البنات الأبكار.
3- الأبيسق: الترميدة الذي يختص في العقد على الأرامل يتحول إلى أبيسق ولا ينتقل من مرتبته هذه.
4- الكنزبرا: الترميدة الفاضل الذي لم يعقد على الثيبات مطلقاً يمكنه أن ينتقل إلى كنزبرا وذلك إذا حفظ كتاب الكنزاربّا فيصبح حينئذٍ مفسراً له، ويجوز له ما لا يجوز لغيره، فلو قتل واحداً من أفراد الطائفة لا يقتص منه لأنه وكيل الرئيس الإلهي عليها.
5- الريش أمه: أي رئيس الأمة، وصاحب الكلمة النافذة فيها ولا يوجد بين صابئة اليوم من بلغ هذه الدرجة لأنها تحتاج إلى علم وفير وقدرة فائقة.(68/134)
6- الربّاني: وفق هذه الديانة لم يصل إلى هذه الدرجة إلا يحيي بن زكريا عليهما السلام كما أنه لا يجوز أن يوجد شخصان من هذه الدرجة في وقت واحد. والرباني يرتفع ليسكن في عالم الأنوار وينزل ليبلغ طائفته تعاليم الدين ثم يرتفع كرة أخرى إلى عالمه الرباني النوراني.
· الإِله(*):
- يعتقدون من حيث المبدأ – بوجود الإِله الخالق الواحد الأزلي الذي لاتناله الحواس ولايفضي إليه مخلوق.
- ولكنهم يجعلون بعد هذا الإله 360 شخصاً خلقوا ليفعلوا أفعال الإله، وهؤلاء الأشخاص ليسوا بآلهة ولا ملائكة، يعملون كل شيء من رعد وبرق ومطر وشمس وليل ونهار… وهؤلاء يعرفون الغيب، ولكل منهم مملكته في عالم الأنوار.
- هؤلاء الأشخاص الـ 360 ليسوا مخلوقين كبقية الكائنات الحية، ولكن الله ناداهم بأسمائهم فخلقوا وتزوجوا بنساء من صنفهم، ويتناسلون بأن يلفظ أحدهم كلمة فتحمل أمرأته فوراً وتلد واحداً منهم.
- يعتقدون بأن الكواكب مسكن للملائكة، ولذلك يعظمونها ويقدسونها.
· المندي:
- هو معبد الصابئة، وفيه كتبهم المقدسة، ويجري فيه تعميد(*) رجال الدين، يقام على الضفاف اليمنى من الأنهر الجارية، له باب واحد يقابل الجنوب بحيث يستقبل الداخل إليه نجم القطب الشمالي، لابدَّ من وجود قناة فيه متصلة بماء النهر، ولا يجوز دخوله من قبل النساء، ولا بدّ من وجود علم يحيى فوقه في ساعات العمل.
· الصلاة:
- تؤدى ثلاث مرات في اليوم: قبيل الشروق، وعند الزوال، وقبيل الغروب، وتستحبّ أن تكون جماعة في أيام الآحاد والأعياد، فيها وقوف وركوع وجلوس على الأرض من غير سجود، وهي تستغرق ساعة وربع الساعة تقريباً.
- يتوجه المصلي خلالها إلى الجدي بلباسه الطاهر، حافي القدمي، يتلو سبع قراءات يمجد فيها الرب مستمداً منه العون طالباً منه تيسير اتصاله بعالم الأنوار.
· الصوم :
- صابئة اليوم يحرمون الصوم لأنه من باب تحريم ما أحل الله.(68/135)
- وقد كان الصوم عند الصابئة على نوعين: الصوم الكبير: ويشمل الصوم عن كبائر الذنوب والأخلاق(*) الرديئة ، والصوم الصغير الذي يمتنعون فيه عن أكل اللحوم المباحة لهم لمدة 32 يوماً متفرقة على طول أيام السنة.
- ابن النديم المتوفى سنة 385هـ في فهرسته، وابن العبري المتوفى سنة 685هـ في تاريخ مختصر الدول ينصان على أن الصيام كان مفروضاً عليهم لمدة ثلاثين يوماً من كل سنة.
· الطهارة:
- الطهارة مفروضة على الذكر والأنثى سواء بلا تمييز.
- تكون الطهارة في الماء الحي غير المنقطع عن مجراه الطبيعي.
- الجنابة تحتاج إلى طهارة وذلك بالارتماس في الماء ثلاث دفعات مع استحضار نية الاغتسال من غير قراءة لأنها لا تجوز على جنب.
- عقب الارتماس في الماء يجب الوضوء، وهو واجب لكل صلاة، حيث يتوضأ الشخص وهو متجه إلى نجم القطب، فيؤديه على هيئة تشبه وضوء المسلمين مصحوباً بأدعية خاصة.
- مفسدات الوضوء: البول، الغائط، الريح، لمس الحائض والنفساء.
· التعميد(*) وأنواعه:
- يعتبر التعميد من أبرز معالم هذه الديانة ولا يكون إلا في الماء الحي، ولا تتم الطقوس إلا بالارتماس في الماء سواء أكان الوقت صيفاً أم شتاءً، وقد أجاز لهم رجال دينهم مؤخراً الاغتسال في الحمامات وأجازوا لهم كذلك ماء العيون النابعة لتحقيق الطهارة.
- يجب أن يتم التعميد(*) على أيدي رجال الدين.
- يكون العماد في حالات الولادة، والزواج، وعماد الجماعة، وعماد الأعياد وهي على النحو التالي:
1- الولادة: يعمد المولود بعد 45 يوماً ليصبح طاهراً من دنس الولادة حيث يُدخل هذا الوليد في الماء الجاري إلى ركبتيه مع الإتجاه جهة نجم القطب، ويوضع في يده خاتم أخضر من الآس.(68/136)
2- عماد الزواج: يتمّ في يوم الأحد وبحضور ترميدة وكنزبرا، يتم بثلاث دفعات في الماء مع قراءة من كتاب الفلستا وبلباس خاص، ثم يشربان من قنينة ملئت بماء أُخذ من النهر يسمى (ممبوهة) ثم يطعمان (البهثة) ويدهن جبينهما بدهن السمسم، ويكون ذلك لكلا العروسين لكل واحد منهما على حدة، بعد ذلك لا يُلمسان لمدة سبعة أيام حيث يكونان نجسين وبعد الأيام السبعة من الزواج يعمدان من جديد، وتعمد معهما كافة القدور والأواني التي أكلا فيها أو شربا منها.
3- عماد الجماعة: يكون في كل عيد (بنجة) من كل سنة كبيسة لمدة خمسة أيام ويشمل أبناء الطائفة كافة رجالاً ونساءً كباراً وصغاراً، وذلك بالارتماس في الماء الجاري ثلاث دفعات قبل تناول الطعام في كل يوم من الأيام الخمسة. والمقصود منه هو التكفير عن الخطايا والذنوب المرتكبة في بحر السنة الماضية، كما يجوز التعميد في أيام البنجة ليلاً ونهاراً على حين أن التعميد في سائر المواسم لا يجوز إلا نهاراً وفي أيام الآحاد فقط.
4- عماد الأعياد: وهي:
أ - العيد الكبير: عيد ملك الأنوار حيث يعتكفون في بيوتهم 36 ساعة متتالية لا تغمض لهم عين خشية أن يتطرق الشيطان إليهم لأن الاحتلام يفسد فرحتهم، وبعد الاعتكاف مباشرة يرتسمون، ومدة العيد أربعة أيام، تنحر فيه الخراف ويذبح فيه الدجاج ولا يقومون خلاله بأي عمل دنيوي.
ب - العيد الصغير: يوم واحد شرعاً، وقد يمتد لثلاثة أيام من أجل التزاور، ويكون بعد العيد الكبير بمائة وثمانية عشر يوماً.
ت - عيد البنجة: سبق الحديث عنه، وهو خمسة أيام تكبس بها السنة، ويأتي بعد العيد الصغير بأربعة أشهر.
ث - عيد يحيى: يوم واحد من أقدس الأيام، يأتي بعد عيد البنجة بستين يوماً وفيه كانت ولادة النبي يحيى عليه السلام الذي يعتبرونه نبيًّا(*) خاصاً بهم، والذي جاء ليعيد إلى دين آدم صفاءه بعد أن دخله الانحراف بسبب تقادم الزمان.
· تعميد المحتضر ودفنه:(68/137)
ج - عندما يحتضر الصابيء يجب أن يؤخذ – وقبل زهوق روحه – إلى الماء الجاري ليتمّ تعميده.
ح - من مات من دون عماد نجس ويحرم لمسه.
خ - أثناء العماد يغسلونه متجهاً إلى نجم القطب الشمالي، ثم يعيدونه إلى بيته ويجلسونه في فراشه بحيث يواجه نجم القطب أيضاً حتى يوافيه الأجل.
د - بعد ثلاث ساعات من موته يغسل ويكفن ويدفن حيث يموت إذ لا يجوز نقله مطلقاً من بلد إلى بلد آخر.
ذ - من مات غيلة أو فجأة، فإنه لا يغسل ولا يلمس، ويقوم الكنزبرا بواجب العماد عنه.
ر - يدفن الصابيء بحيث يكون مستلقياً على ظهره ووجهه ورجلاه متجهة نحو الجدي حتى إذا بعث واجه الكوكب الثابت بالذات.
ز - يضعون في فم الميت قليلاً من تراب أول حفرة تحفر لقبره فيها.
س - يحرم على أهل الميت الندب والبكاء والعويل، والموت عندهم مدعاة للسرور، ويوم المأتم من أكثر الأيام فرحاً حسب وصية يحيى لزوجته.
ش - لا يوجد لديهم خلود في الجحيم، بل عندما يموت الإنسان إما أن ينتقل إلى الجنة أو المطهر حيث يعذب بدرجات متفاوتة حتى يطهر فتنتقل روحه بعدها إلى الملأ الأعلى، فالروح خالدة والجسد فان.
· أفكار ومعتقدات أخرى:
- البكارة: تقوم والدة الكنزبرا أو زوجته بفحص كل فتاة عذراء بعد تعميدها وقبل تسليمها لعريسها وذلك بغية التأكد من سلامة بكارتها.
- الخطيئة: إذا وقعت الفتاة أو المرأة في جريمة الزنى فإنها لا تقتل، بل تهجر، وبإمكانها أن تكفر عن خطيئتها بالارتماس في الماء الجاري.
- الطلاق: لا يعترف دينهم بالطلاق إلا إذا كانت هناك انحرافات أخلاقية خطيرة فيتمّ التفريق عن طريق الكنزبرا.
- السنة المندائية: 360 يوماً، في 12 شهراً، وفي كل شهر ثلاثون يوماً مع خمسة أيام كبيسة يقام فيها عيد البنجة.
- يعتقدون بصحة التاريخ الهجري ويستعملونه، وذلك بسبب اختلاطهم بالمسلمين، ولأن ظهور النبي(*) محمد صلى الله عليه وسلم كان مذكوراً في الكتب المقدسة الموجودة لديهم.(68/138)
- يعظمون يوم الأحد كالنصارى ويقدسونه ولا يعملون فيه أي شيء على الإطلاق.
- ينفرون من اللون الأزرق النيلي ولا يلامسونه مطلقاً.
- ليس للرجل غير المتزوج من جنة لا في الدنيا ولا في الآخرة.
- يتنبئون بحوادث المستقبل عن طريق التأمل في السماء والنجوم وبعض الحسابات الفلكية.
- لكل مناسبة دينية ألبسة خاصة بها، ولكل مرتبة دينية لباس خاص بها يميزها عن غيرها.
- إذا توفي شخص دون أن ينجب أولاداً فإنه يمرّ بالمطهر ليعود بعد إقامته في العالم الآخر إلى عالم الأنوار ثم يعود إلى حالته البدنية مرة أخرى حيث تتلبس روحه في جسم روحاني فيتزوج وينجب أطفالاً.
- يؤمنون بالتناسخ(*) ويعتقدون بتطبيقاته في بعض جوانب عقيدتهم.
- للرجل أن يتزوج ما يشاء من النساء على قدر ما تسمح له به ظروفه.
- يرفضون شرب الدواء، ولا يعترضون على الدهون والحقن الجلدية.
- الشباب والشابات يأتون إلى الكهان(*) ليخبروهم عن اليوم السعيد الذي يمكنهم أن يتزوجوا فيه، وكذلك يخبرون السائلين عن الوقت المناسب للتجارة أو السفر، وذلك عن طريق علم النجوم.
- لا تؤكل الذبيحة إلا أن تذبح بيدي رجال الدين وبحضور الشهود، ويقوم الذابح – بعد أن يتوضأ – بغمسها في الماء الجاري ثلاث مرات ثم يقرأ عليها أذكاراً دينية خاصة ثم يذبحها مستقبلاً الشمال، ويستنزف دمها حتى آخر قطرة، ويحرم الذبح بعد غروب الشمس أو قبل شروقها إلا في عيد البنجة.
- تنص عقيدتهم على أن يكون الميراث محصوراً في الابن الأكبر، لكنهم لمجاورتهم المسلمين فقد أخذوا بقانون المواريث الإسلامي.
· الجذور الفكرية والعقائدية:
· تأثر الصابئة بكثير من الديانات والمعتقدات التي احتكوا بها.
· أشهر فرق الصابئة قديماً أربعة هي: أصحاب الروحانيات، وأصحاب الهياكل، وأصحاب الأشخاص، والحلولية.(68/139)
· لقد ورد ذكرهم في القرآن مقترناً باليهود والنصارى والمجوس والمشركين (انظر الآيات62/ البقرة - 69/ المائدة، 17/الحج)، ولهم أحكام خاصة بهم من حيث جواز أخذ الجزية منهم أو عدمها أسوة بالكتابيين من اليهود والنصارى.
· عرف منهم الصابئة الحرانيون الذين انقرضوا والذين تختلف معتقداتهم بعض الشيء عن الصابئة المندائيين الحاليين.
· لم يبق من الصابئة اليوم إلا صابئة البطائح المنتشرون على ضفاف الأنهر الكبيرة في جنوب العراق وإيران.
· تأثروا باليهودية، وبالمسيحية(*)، وبالمجوسية(*) لمجاورتهم لهم.
· تأثروا بالحرانيين الذين ساكنوهم في حران عقب طردهم من فلسطين فنقلوا عنهم عبادة الكواكب والنجوم أو على الأقل تقديس هذه الكواكب وتعظيمها وتأثروا بهم في إتقان علم الفلك وحسابات النجوم.
· تأثروا بالأفلاطونية الحديثة التي استقرت فلسفتها في سوريا مثل الاعتقاد بالفيض(*) الروحي على العالم المادي.
· تأثروا بالفلسفة(*) الدينية التي ظهرت أيام إبراهيم الخليل - عليه السلام - فقد كان الناس حينها يعتقدون بقدرة الكواكب والنجوم على التأثير في حياة الناس.
· تأثروا بالفلسفة(*) اليونانية التي استقلت عن الدين(*)، ويلاحظ أثر هذه الفلسفة اليونانية في كتبهم.
· لدى الصابئة قسط وافر من الوثنية(*) القديمة يتجلى في تعظيم الكواكب والنجوم على صورة من الصور.
· الانتشار ومواقع النفوذ:
· الصابئة المندائيون الحاليون ينتشرون على الضفاف السفلى من نهري دجلة والفرات، ويسكنون في منطقة الأهوار وشط العرب، ويكثرون في مدن العمارة والناصرية والبصرة وقلعة صالح والحلفاية والزكية وسوق الشيوخ والقرنة وهي موضع اقتران دجلة بالفرات، وهم موزعون على عدد من الألوية مثل لواء بغداد، والحلة، والديوانية والكوت وكركوك والموصل. كما يوجد أعداد مختلفة منهم في ناصرية المنتفق والشرش ونهر صالح والجبابيش والسليمانية.(68/140)
· كذلك ينتشرون في إيران، وتحديداً على ضفاف نهر الكارون والدز ويسكنون في مدن إيران الساحلية، كالمحمرة، وناصرية الأهواز وششتر ودزبول.
· تهدمت معابدهم في العراق، ولم يبق لهم إلا معبدان في قلعة صالح، وقد بنوا معبداً مندياً بجوار المصافي في بغداد، وذلك لكثرة الصابئين النازحين إلى هناك من أجل العمل.
· يعمل معظمهم في صياغة معدن الفضة لتزيين الحلي والأواني والساعات وتكاد هذه الصناعة تنحصر فيهم لأنهم يحرصون على حفظ أسرارهما كما يجيدون صناعة القوارب الخشبية والحدادة وصناعة الخناجر.
· مهاراتهم في صياغة الفضة دفعتهم إلى الرحيل للعمل في بيروت ودمشق والإسكندرية ووصل بعضهم إلى إيطاليا وفرنسا وأمريكا.
· ليس لديهم أي طموح سياسي، وهم يتقربون إلى أصحاب الديانات الأخرى بنقاط التشابه الموجودة بينهم وبين الآخرين.
ويتضح مما سبق:
إن الصابئة من أقدم الديانات(*) التي تعتقد بأن الخالق واحد وقد جاء ذكر الصابئين في القرآن باعتبار أنهم أتباع دين كتابي. وقد اختلف الفقهاء حول مدى جواز أخذ الجزية منهم، إن كانوا أحدثوا في دينهم ما ليس منه. وقد أصبحت هذه الطائفة كأنها طائفة وثنية تشبه صابئة حران الذين وصفهم شيخ الإسلام ابن تيمية، وعموماً فالإسلام قد جب ما قبله ولم يعد لأي دين(*) من الديانات السابقة مكان بعده.
---------------------------
مراجع للتوسع :
- الصابئة المندائيون، الليدي دراوور – مطبعة الإرشاد – بغداد – 1969م.
- مندائي أو الصابئة الأقدمون، عبد الحميد عبادة – طبع في بغداد – 1927م.
-الصابئة في حاضرهم وماضيهم، عبد الرزاق الحسني – طبعة لبنان – 1970م.
-الكنزاربّا، وهو كتاب الصابئة الكبير ومنه نسخة في خزانة المتحف العراقي.
- الفهرست، ابن النديم – طبع في القاهرة – 1348هـ.
- المختصر في أخبار البشر، تأليف أبي الفداء – طبع في القاهرة – 1325هـ.
- الملل والنحل، للشهرستاني – طبعة لبنان – 1975م.(68/141)
- معجم البلدان ، لياقوت الحموي – طبع في القاهر – 1906م.
- مقالة لأنستاس الكرملي، مجلة المشرق – بيروت – 1901م.
- مقالة لزويمر، مجلة المقتطف – القاهرة – 1897م.
- مقالة لإبراهيم اليازجي، مجلة البيان – القاهرة – 1897م.
- الموجز في تاريخ الصابئة المندائين العرب البائدة، لعبد الفتاح الزهيري، مطبعة الأركان ببغداد 1403هـ.
- الصلاة المندائية وبعض الطقوس الدينية، لرافد الشيخ عبد الله نجم – بغداد 1988م.
- اعتقادات فرق المسلمين والمشركين، فخر الدين الرازي – القاهرة – 1356هـ.
-إبراهيم أبو الأنبياء، عباس محمود العقاد – دار الكتاب العربي – بيروت – لبنان – صفحة 139-148 طبعة عام 1386هـ/1967م.
المراجع الأجنبية :
- Handbook of Classical and Modern Mandai, Berlin 1965.
- Mandaean Bibliography, Oxford University Press, 1933.
- Die Mandaer: ihre relligion und ihre Geschichte Muller: Amsterdam 1916.
- Frankfort Dr. Henri Archeology and the Sumerian Problem, Chicago Studies in Ancient Oriental Civilization. No. 4 (Univ. of Chicago Press, 1932).
- J.B. Tavernier, Les Six Voyaojes, Paris 1713.
- M.N. Siouffi, Etudes Sur la religion des Soubbas, Paris 1880.
- E.S. Drower, The Mandaeans of Iraq and Iran, London 1937.
- H. Pognon, Inscriptions Mandaites des Coupes de Khouberir, Paris 1898.
الهندوسية
التعريف :
الهندوسية ويطلق عليها أيضاً البرهمية(*) ديانة(*) وثنية(*) يعتنقها معظم أهل الهند، وهي مجموعة من العقائد والعادات والتقاليد التي تشكلت عبر مسيرة طويلة من القرن الخامس عشر قبل الميلاد إلى وقتنا الحاضر. إنها ديانة تضم القيم الروحية والخلقية إلى جانب المبادىء القانونية والتنظيمية متخذة عدة آلهة بحسب الأعمال المتعلقة بها، فلكل منطقة إله(*)، ولكل عمل أو ظاهرة إله.(68/142)
التأسيس وأبرز الشخصيات:
· لا يوجد للديانة الهندوسية مؤسس معين، ولا يعرف لمعظم كتبها مؤلفون معينون، فقد تمّ تشكُّل الديانة وكذلك الكتب عبر مراحل طويلة من الزمن.
· الآريُّون الغزاة الذين قدموا إلى الهند في القرن الخامس عشر قبل الميلاد هم المؤسسون الأوائل للديانة الهندوسية.
- ديانة الفاتحين الجديدة لم تمح الديانة القديمة للهنود، بل مازجتها وتأثرت كل منهما بالأخرى.
- في القرن الثامن قبل الميلاد تطورت الهندوسية على أيدي الكهنة(*) البراهمة الذين يزعمون أن في طبائعهم عنصراً إلهيًّا.
- ثم تطورت مرة أخرى في القرن الثالث قبل الميلاد عن طريق قوانين منوشاستر(*).
الأفكار والمعتقدات :
نستطيع فهم الهندوسية من خلال كتبها، ونظرتها إلى الإله، ومعتقداتها وطبقاتها إلى جانب بعض القضايا الفكرية والعقائدية الأخرى.
· كتبها :
للهندوسية عدد هائل من الكتب عسيرة الفهم غريبة اللغة وقد أُلّفت كتب كثيرة لشرحها وأخرى لاختصار تلك الشروح، وكلها مقدسة وأهمها:
1- الفيدا veda : وهي كلمة سنسكريتية معناها الحكمة والمعرفة، وتصور حياة الآريين، ومدارج الارتقاء للحياة العقلية من السذاجة إلى الشعور الفلسفي، وفيه أدعية تنتهي بالشك والارتياب كما أن فيه تأليهاً يرتقي إلى وحدة الوجود، وهي تتألف من أربعة كتب هي:
1- رج فيدا أو راجا فندا (أي الفيدا الملكية) وترجع إلى 3000 سنة قبل الميلاد، فيها ذكر لإله(*) الآلهة(إنذار) ثم لإله النار (أغني) ثم الإله (فارونا) ثم الإله سوريه (إله الشمس).
2- يجور فيدا Yajur veda يتلوها الرهبان(*) عند تقديم القرابين.
3- سم فيدا Sama veda: ينشدون أناشيده أثناء إقامة الصلوات والأدعية.
4- أثروا فيدا Atharva veda: عبارة عن مقالات من الرقي (*) والتمائم (*) لدفع السحر والتوهم والخرافة والأساطير والشياطين. وكل واحد من هذه الفيدات يشتمل على أربعة أجزاء هي:-(68/143)
i- سَمْهِتا: تمثل مذهب(*) الفطرة، وأدعيته كان يقدمها سكان الهند الأقدمون لآلهتهم قبل زحف الآريين.
ii- البراهمن: يقدمها البراهمة للمقيمين في بلادهم مبينة أنواع القرابين.
iii-آرانياك: وهي الصلوات والأدعية التي يتقدم بها الشيوخ أثناء إقامتهم في الكهوف والمغاور وبين الأحراش والغابات.
iv- آبا نيشادات: وهي الأسرار والمشاهدات النفسية للعرفاء من الصوفية.
2- قوانين منو: وضعت في القرن الثالث قبل الميلاد في العصر الويدي الثاني، عصر انتصار الهندوسية على الإلحاد(*) الذي تمثل في (الجينية والبوذية). وهذه القوانين عبارة عن شرح للويدات بين معالم الهندوسية ومبادئها وأسسها.
1- كتب أخرى:
أ - مها بهارتا: ملحمة هندية تشبه الإلياذة(*) والأوديسة(*) عند اليونان ومؤلفها (وياس) ابن العارف (بوسرا) الذي وضعها سنة 950 ق.م وهي تصف حرباً بين أمراء من الأسر المالكة، وقد اشتركت الآلهة في هذه الحرب.
ب - كيتا: تصف حرباً بين أمراء من أسرة ملكية واحدة، وينسب إلى كرشنا(*) فيها نظرات فلسفية واجتماعية.
ت - يوجا(*) وأسستها: تحتوي على أربعة وستين ألف بيت، ألفت إبتداء من القرن السادس عبر مرحلة طويلة على أيدي مجموعة من الناس، فيها أمور فلسفية ولاهوتية.
ث - رامايانا: يعتني هذا الكتاب بالأفكار السياسية والدستورية وفيه خطب لملك أسمه (راما).
· نظرة الهندوسية إلى الآلهة:
- التوحيد: لا يوجد توحيد بالمعنى الدقيق، لكنهم إذا أقبلوا على إله(*) من الآلهة أقبلوا عليه بكل جوارحهم حتى تختفي عن أعينهم كل الآلهة الأخرى، وعندها يخاطبونه برب الأرباب أو إله(*) الآلهة.
- التعدد: يقولون بأن لكل طبيعة نافعة أو ضارة إلهاً يُعبد: كالماء والهواء والأنهار والجبال.. وهي آلهة كثيرة يتقربون إليها بالعبادة والقرابين.
التثليث(*): في القرن التاسع قبل الميلاد جمع الكهنة الآلهة في إله واحد أخرج العالم من ذاته وهو الذي أسموه:(68/144)
1- براهما(*): من حيث هو موجود.
2- فشنو(*): من حيث هو حافظ.
3- سيفا(*): من حيث هو مهلك.
فمن يعبد أحد الآلهة الثلاثة فقد عبدها جميعاً أو عبد الواحد الأعلى ولا يوجد أي فارق بينها. وهم بذلك قد فتحوا الباب أمام النصارى للقول بالتثليث.
- يلتقي الهندوس على تقديس البقرة وأنواع من الزواحف كالأفاعي وأنواع من الحيوان كالقردة ولكن تتمتع البقرة من بينها جميعاً بقداسة تعلو على أي قداسة ولها تماثيل في المعابد والمنازل والميادين ولها حق الانتقال إلى أي مكان ولا يجوز للهندوكي أن يمسها بأذى أو بذبحها وإذا ماتت دفنت بطقوس دينية.
- يعتقد الهندوس بأن آلهتهم قد حلت كذلك في إنسان اسمه كرشنا وقد التقى فيه الإله(*) بالإنسان أو حل اللاهوت(*) في الناسوت(*)، وهم يتحدثون عن كرشنا كما يتحدث النصارى عن المسيح، وقد عقد الشيخ محمد أبو زهرة – رحمه الله – مقارنة بينهما مظهراً التشابه العجيب، بل التطابق، وعلق في أخر المقارنة قائلاً: "وعلى المسيحيين(*) أن يبحثوا عن أصل دينهم".
· الطبقات في المجتمع الهندوسي:
- منذ أن وصل الآريون إلى الهند شكَّلوا طبقات ما تزال قائمة إلى الآن، ولا طريق لإزالتها لأنها تقسيمات أبدية من خلق الله (كما يعتقدون).
- وردت الطبقات في قوانين منو على النحو التالي:
1- البراهمة: وهم الذين خلقهم الإله(*) براهما من فمه: منهم المعلم والكاهن(*)، والقاضي، ولهم يلجأ الجميع في حالات الزواج والوفاة، ولا يجوز تقديم القرابين إلا في حضرتهم.
2- الكاشتر: وهم الذين خلقهم الإله من ذراعيه: يتعلمون ويقدمون القرابين ويحملون السلاح للدفاع.
3- الويش: وهم الذين خلقهم الإله من فخذه: يزرعون ويتاجرون ويجمعون المال، وينفقون على المعاهد الدينية.(68/145)
4- الشودر: وهم الذين خلقهم الإله من رجليه، وهم مع الزنوج الأصليين يشكلون طبقة المنبوذين، وعملهم مقصور على خدمة الطوائف الثلاث السابقة الشريفة ويمتهنون المهن الحقيرة والقذرة.
- يلتقي الجميع على الخضوع لهذا النظام الطبقي بدافع ديني.
- يجوز للرجل أن يتزوج من طبقة أعلى من طبقته ويجوز أن يتزوج من طبقة أدنى على أن لا تكون الزوجة من طبقة الشودر الرابعة ولا يجوز للرجل من طبقة الشودر أن يتزوج من طبقة أعلى من طبقته بحال من الأحوال.
- البراهمة هم صفوة الخلق، وقد ألحقوا بالآلهة، ولهم أن يأخذوا من أموال عبيدهم "شودر" ما يشاؤون.
- البرهمي الذي يكتب الكتاب المقدس هو رجل مغفور له ولو أباد العوالم الثلاثة بذنوبه.
- لايجوز للملك – مهما اشتدت الظروف – أن يأخذ جباية أو إتاوة من البرهمي.
- إن استحق البرهمي القتل لم يجز للحاكم إلا أن يحلق رأسه ، أما غيره فيقتل.
- البرهمي الذي هو في العاشرة من عمره يفوق الشودري الذي ناهز المائة كما يفوق الوالد ولده.
- لا يصحُّ لبرهمي أن يموت جوعاً في بلاده.
- المنبوذون أحط من البهائم وأذل من الكلاب بحسب قانون منو(*).
- من سعادة المنبوذين أن يخدموا البراهمة وليس لهم أجر أو ثواب.
- إذا مدّ أحد المنبوذين إلى برهمي يداً أو عصاً ليبطش به قطعت يده، وإذا رفسه فُدِعت رجله.
- إذا هَمَّ أحد من المنبوذين بمجالسة برهمي فعلى الملك أن يكوي استه وينفيه من البلاد.
- إذا ادّعى أحد المنبوذين أنه يعلِّم برهمياً فإنه يسقى زيتاً مغليًّا.
- كفارة قتل الكلب والقطة والضفدعة والوزغ والغراب والبومة ورجل من الطبقة المنبوذة سواء.
- ظهر مؤخراً بعض التحسن البسيط في أحوال المنبوذين خوفاً من استغلال أوضاعهم ودخولهم في أديان أخرى لا سيما النصرانية التي تغزوهم أو الشيوعية التي تدعوهم من خلال فكرة صراع الطبقات.
- ولكن كثيراً من المنبوذين وجدوا العزة والمساواة في الإسلام فاعتنقوه.
معتقداتهم:(68/146)
- تظهر معتقداتهم في الكارما، وتناسخ الأرواح(*)، والانطلاق، ووحدة الوجود:
1- الكارما: قانون الجزاء أي أن نظام الكون إلهي قائم على العدل المحض، هذا العدل الذي سيقع لا محالة إما في الحياة الحاضرة أو في الحياة القادمة، وجزاء حياةٍ يكون في حياة أخرى، والأرض هي دار الابتلاء كما أنها دار الجزاء والثواب.
2- تناسخ الأرواح(*): إذا مات الإنسان يفنى منه الجسد وتنطلق منه الروح لتتقمص وتحل في جسد آخر بحسب ما قدم من عمل في حياته الأولى، وتبدأ الروح في ذلك دورة جديدة.
3- الانطلاق: صالح الأعمال وفاسدها ينتج عنه حياة جديدة متكررة لتثاب فيها الروح أو لتعاقب على حسب ما قدمت في الدورة السابقة.
- من لم يرغب في شيء ولن يرغب في شيء وتحرر من رق الأهواء، واطمأنت نفسه، فإنه لا يعاد إلى حواسه بل تنطلق روحه لتتحد بالبراهما.
- يؤخذ على هذا المبدأ أنه جعل التصوف والسلبية أفضل من صالح الأعمال لأن ذلك طريق للاتحاد بالبراهما.
4- وحدة الوجود: التجريد الفلسفي ارتقى بالهنادكة إلى أن الإنسان يستطيع خلق الأفكار والأنظمة والمؤسسات كما يستطيع المحافظة عليها أو تدميرها، وبهذا يتحد الإنسان مع الآلهة(*) وتصير النفس هي عين القوة الخالقة.
أ - الروح كالآلهة أزلية سرمدية، مستمرة، غير مخلوقة.
ب - العلاقة بين الإنسان وبين الآلهة كالعلاقة بين شرارة النار والنار ذاتها، وكالعلاقة بين البذرة وبين الشجرة.
ت - هذا الكون كله ليس إلا ظهوراً للوجود الحقيقي، والروح الإنسانية جزء من الروح العليا.
· أفكار ومعتقدات أخرى :
- الأجساد تحرق بعد الموت لأن ذلك يسمح بأن تتجه الروح إلى أعلى وبشكل عمودي لتصل إلى الملكوت الأعلى في أقرب زمن، كما أن الاحتراق هو تخليص للروح من غلاف الجسم تخليصاً تاماً.
- عندما تتخلص الروح وتصعد، يكون أمامها ثلاثة عوالم:
1- إما العالم الأعلى: عالم الملائكة.
2- وإما عالم الناس: مقر الآدميين بالحلول.(68/147)
3- وإما عالم جهنم: وهذا لمرتكبي الخطايا والذنوب.
- ليس هناك جهنم واحدة، بل لكل أصحاب ذنب جهنم خاصة بهم.
- البعث في العالم الآخر إنما هو للأرواح لا للأجساد.
- يترقى البرهمي في أربع درجات:
1- التلميذ وهو صغير.
2- رب الأسرة.
3- الناسك ويقوم بالعبادة في الغابات إذا تقدم به السن.
4- الفقير : الذي يخرج من حكم الجسد وتتحكم فيه الروح ويقترب من الآلهة.
- المرأة التي يموت عنها زوجها لا تتزوج بعده، بل تعيش في شقاء دائم، وتكون موضعاً للإهانات والتجريح، وتكون في مرتبة أقل من مرتبة الخادم.
- قد تحرق المرأة نفسها إثر وفاة زوجها تفادياً للعذاب المتوقع الذي ستعيش فيه، وقد حرم القانون هذا الإجراء في الهند الحديثة.
- الديانة الهندية تجيز عقد القران للأطفال وهم يَحْبُون، ويحدث أن يموت الولد فتشب البنت أرملة ابتداء، ولكن القانون الهندي الحديث حرم ذلك ومنع عقد القران إلا في سن الشباب.
- ليس للفرد أهمية إلا إذا كان عضواً في جماعة، وتكون هذه الجماعة عضواً في جماعة أكبر، ذلك لأن العناية للجماعة لا للفرد.
- يلاحظ هبوط المستوى الاقتصادي لمعتنقي الهندوسية لأن بعض الطبقات لا تعمل؛ ذلك لأن العمل لا يليق بمكانتها السامية كطبقة البراهمة مثلاً.
- نظام الطبقات يعطل مبدأ تكافؤ الفرص.
- رفضت الهندوسية حركة الإصلاح الداخلي المتمثلة في الإسلام وقاومتها محتفظة بتعليماتها ومعتقداتها.
- حاول الزعيم الهندي (غاندي) تقليص الحدة بين الطبقات وبين المنبوذين ولكن محاولاته ذهبت أدراج الرياح، بل كان هو ذاته ضحية لهذه المحاولة.
- حاولت جماعة (السيخ) إنشاء دين(*) موحد من الهندوسية والإسلام لكنهم فشلوا إذ سرعان ما انغلقوا على أنفسهم وصاروا طبقات متميزة يرفضون التزاوج مع غيرهم.
الجذور الفكرية والعقائدية:
· في القرن الخامس عشر قبل الميلاد كان هناك سكان الهند الأصليين من الزنوج الذين كانت لهم أفكار ومعتقدات بدائية.(68/148)
· جاء الغزاة الآريون مارّين في طريقهم بالإيرانيين فتأثرت معتقداتهم بالبلاد التي مروا بها، ولما استقروا في الهند حصل تمازج بين المعتقدات تولدت عنه الهندوسية كدين فيه أفكار بدائية من عبادة الطبيعة والأجداد والبقر بشكل خاص.
· وفي القرن الثامن قبل الميلاد تطورت الهندوسية عندما وُضع مذهب البرهمية وقالوا بعبادة براهما(*).
· عصفت بالديانة(*) الهندية حركتان قويتان هما الجينية والبوذية.
· ظهرت قوانين منو(*) فأعادت إليها القوة وذلك في القرن الثاني والثالث قبل الميلاد.
· انتقلت فكرة التثليث(*) من الفكر الهندي إلى الفكر النصراني بعد رفع المسيح عليه السلام.
· انتقل فكر التناسخ(*) والحلول(*) ووحدة الوجود (*) إلى بعض المسلمين الذين ضلُّوا فظهرت هذه العقائد عند بعض المتصوفة، وكذلك ظهرت عند الإسماعيلية وعند الفرق الضالة كالأحمدية.
الانتشار ومواقع النفوذ :
كانت الديانة الهندوسية، تحكم شبه القارة الهندية وتنتشر فيها على اختلاف في التركيز، ولكن البون الشاسع بين المسلمين والهندوس في نظرتيهما إلى الكون والحياة وإلى البقرة التي يعبدها الهندوس ويذبحها المسلمون ويأكلون لحمها؛ كان ذلك سبباً في حدوث التقسيم حيث أُعلن عن قيام دولة الباكستان بجزأيها الشرقي والغربي والتي معظمها من المسلمين، وبقاء دولة هندية معظم سكانها هندوس والمسلمون فيها أقلية كبيرة.
ويتضح مما سبق :(68/149)
أن الديانة الهندوسية مزيج من الفلسفة(*) الهندية والديانتين اليهودية(*) والمسيحية كما أنها عقيدة محدودة الأتباع. ويعتقد الهندوس أنها جاءت عن طريق الوحي(*)، ولو صح هذا فلا بد أنه قد حصل لها الكثير من التحريف والتبديل حتى أصبحت أسلوباً في الحياة أكثر مما هي عقيدة واضحة المعالم. وتشمل من العقائد ما يهبط إلى عبادة الأشجار والأحجار والقرود والأبقار.. إلى غير ذلك من أنواع الوثنية(*) التي تتنافى مع أبسط قواعد التوحيد. كما أن التقسيم الطبقي فيها يتعارض مع كرامة الإنسان ويجعلها بعيدة عن الوحي الرباني.
مراجع للتوسع :
- أديان الهند الكبرى، دكتور أحمد شلبي – ط6- مكتبة النهضة – المصرية – 1981م.
- محاضرات في مقارنات الأديان، الشيخ محمد أبو زهرة – مطبعة يوسف – مصر.
- حقائق عن الهند، منشورات قلم الاستعلامات الهندي.
- حضارة الهند، غوستاف لوبون.
- أديان العالم الكبرى، لخصه عن الإنجليزية حبيب سعد.
- الله، عباس محمود العقاد.
- تاريخ الإسلام في الهند ، عبد المنعم النمر.
- فلسفة الهند القديمة، محمد عبد السلام.
المراجع الأجنبية :
- Weech and rylands: Peoples and religions of India.
- Hinduism Ed. By Lewis renan.
- Wells. A Short History of the World.
الشنتوية
التعريف :
الشنتوية ديانة وضعية اجتماعية ظهرت في اليابان منذ قرون طويلة، ولا زالت الدين(*) الأصيل فيها، وقد بدأت بعبادة الأرواح، ثم قوى الطبيعة.. ثم تطور احترام الأجداد والزعماء والأبطال إلى عبادة الإمبراطور الميكادو الذي يعد من نسل الآلهة، كما يزعمون.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
· لا تنتسب الشنتوية إلى شخص معين كما نجد ذلك في البوذية، مثلاً، بل هي دين اجتماعي مر بأدوار كما رأينا في التعريف.
الأفكار والمعتقدات:(68/150)
· تشيع في الشنتوية الحالية عبادة الطبيعة وقواها المنتجة، وهي من خصائص الأديان الفطرية الأولى، لذلك فإن الناس يعظمون الشمس وكذلك الأرز – الغذاء الرئيسي لهم- والذي تكثر معابده في الأقاليم الزراعية.
· وفي الشنتوية يوقر الناس الأجداد والأسلاف من الزعماء والأبطال والملوك.. وهناك فرق بين عبادة الأسلاف في الصين وبين توقير اليابانيين واحترامهم لأجحدادهم.
· يطلق الشنتويون لفظ كامي على كل إله(*) أو شيء يسمو فوق الإنسان كالسماء أو السلطان.
· تطورت فكرة احترام الأجداد إلى عبادتهم، وانحصرت هذه العبادة والتأليه في الإمبراطور الميكادو الخالد في نظرهم، المنزه عن العيوب والنقائص، والسمو به إلى درجة لا يشاركه فيها سواه. وقد جاء في منشور صدر عن وزارة المعارف اليابانية عام 1937م "إن أرضنا بلد إلهية يحكمها الإمبراطور وهو إله(*)". ولا ندري كيف يجتمع هذا السخف مع التقدم العلمي في اليابان الحديثة.
· الإمبراطور والدولة هما كل شيء، ولا قيمة للفرد في الديانة(*) الشنتوية لذلك تعد التضحية به شرف عظيم له.
· يعد الاهتمام بالنظافة أمراً مقدساً، ويكره أتباع الشنتوية كل شيء يدنس الجسد أو الثوب.
الجذور الفكرية والعقائدية (تطور الشنتوية وصلتها بالبوذية):
· تطورت الشنتوية من احترام وتوقير الأسلاف من زعماء القبائل أو الأبطال إلى عبادتهم. وكان رجال قبيلة يماتو أشد الناس إحياء لتوقير السلف من القبائل، وهم الذين صاروا سادة اليابان فيما بعد، وكان زعيمهم المعروف بالميكادو مركز دينهم وعبادتهم. ثم زعموا أن الشمس تمتُّ إليهم بصلة القربى، ومنها تحدد الميكادو فحسبوه ممثل الشمس وآلهة السماء على الأرض.(68/151)
· وكانت عبادة أسلاف القبائل الذائعة في اليابان قبل إخضاع أسرة يماتو لها خير ممهد لهذه العقيدة الجديدة، وفعل رجال يماتو الكثير لتبسيطها وتقريبها إلى أذهان العامة بأن أدخلوا عليها آلهة(*) صغرى هم زعماء القبائل التي دانت بالطاعة والولاء لحكم الأسرة الغالبة، وكان لهذا الجمع بين الآراء السياسية والدينية أثره الكبير في وجود توقير يكاد يبلغ حد العبادة لشخص الإمبراطور.
· وفي منتصف القرن السادس الميلادي هاجر إلى اليابان بعض الكهنة(*) البوذيين من كوريا والصين، وكان لهم أثر عميق في البلاط الملكي، فقد حاولوا أن ينشروا البوذية في اليابان ولكنهم أخفقوا إخفاقاً عظيماً وذلك لتمسك الشعب الياباني بالشنتوية.
· وفي القرن الثامن الميلادي استطاع راهب بوذي أن يؤثر في الشنتوية على اعتبار أن آلهتها مظاهر مجسدة لبوذا(*).
· وفي العصر الحديث حينما استيقظ الشعور القومي في اليابان، وبلغ ذروته في ثورة 1868م نفر الشعب من كل ما هو أجنبي، ومنه البوذية فأزيلت تماثيل بوذا(*) من المعابد، وأوقف الكهنة البوذيون عن ممارسة وظائفهم وعادت الشنتوية ديناً قومياً. وكانت الحكومة اليابانية تعمل على توطيد الشنتوية في البلاد للاحتفاظ بعبادة الإمبراطور الميكادو.
· بعد انهزام اليابان في الحرب العالمية الثانية 1939 – 1945م عملت السياسة الأمريكية على إبطال عبادة الإمبراطور، وحاولت القضاء على الوطنية الفائقة التي تغرسها الشنتوية في النفس اليابانية، التي أفرزت أثناء الحرب العالمية الفرق الانتحارية التي أنهكت الأسطول الأمريكي.
· ومن الملاحظ أن البوذية دخلت اليابان ولم تخرج منه، إلا أن البوذية اليابانية تختلف عن البوذية الهندية والصينية في كثير من التعاليم.(68/152)
· ولكن التسامح سائد بين البوذية اليابانية والشنتوية، ولهذا نرى الناس في اليابان ينتقلون من هيكل بوذي إلى معبد شنتوي دون حرج، والعقائد التي يعتنقها الفرد الياباني العادي مزيج من الشنتوية والكونفشيوسية والبوذية.
الانتشار ومواقع النفوذ:
الشنتوية منتشرة في اليابان فقط.
ويتضح مما سبق:
أن الشنتوية ديانة وضعية اجتماعية ظهرت في اليابان منذ قرون طويلة، ولا زالت الدين(*) الأصيل فيها، وقد بدأت بعبادة الأرواح وقوى الطبيعة وانتهت بعبادة الإمبراطور الذي يعتبرونه من نسل الآلهة(*) كما يزعمون، هناك تسامح في اليابان بين البوذية اليابانية وبين الشنتوية وقد أصبحت عقيدة الفرد العادي الآن مزيجاً من الشنتوية والكونفوشيوسية والبوذية.
مراجع للتوسع :
- الملل والنحل، للشهرستاني – بتحقيق محمد سيد كيلاني (طبعة مزيدة من المحقق).
- محاضرات في مقارنات الأديان: الأديان القديمة، محمد أبو زهرة – مطبعة يوسف – مصر.
- أديان العالم الكبرى، لخصه عن الإنجليزية حبيب سعد.
- الديانات والعقائد في مختلف العصور، أحمد عبد الغفور عطار – مكة المكرمة – 1401هـ – 1981م.
- Encyclopedia Britannica 1968.
- Berey: religions of the World.
الطاوية
التعريف :
الطاوية إحدى أكبر الديانات(*) الصينية القديمة التي ما تزال حية إلى اليوم إذ ترجع إلى القرن السادس قبل الميلاد، تقوم في جوهر فكرتها على العودة إلى الحياة الطبيعية والوقوف موقفاً سلبياً من الحضارة والمدنية. كان لها دور هام في تطوير علم الكيمياء منذ آلاف السنين وذلك من خلال مسيرتها في البحث في إكسير الحياة ومعرفة سر الخلود.
التأسيس وأبرز الشخصيات:(68/153)
· يعتقد بأن لوتس Laotse الذي كان ميلاده عام 507 ق.م هو صاحب مذهب الطاوية التي تُرجع بعض معتقداتها إلى زمن سحيق. وقد وضع كتابه طاو – تي – تشينغ Tao – te – ching أي كتاب طريق القوة. وقد التقى به كونفوشيوس فأخذ عنه أشياء وخالفه في أشياء أخرى.
· بقيت الطاوية خلال أكثر من ألفي سنة تؤثر في الفكر الصيني وفي التغيرات التاريخية الصينية.
· ظهر شوانغ تسو الذي يرجع إلى القرن الرابع والثالث قبل الميلاد زاعماً بأن لوتس كان أحد المعلمين السماويين، كما قام بشرح كتاب معلمه لوتس مضيفاً إليه شيئاً من فلسفته.
· لقد نمت الطاوية المنظمة في منطقة جبال شي شوان قبل غيرها.
· في عام 142م زعم شانغ طاولينغ أنه قد جاءه الوحي(*) من الرب تعالى بأن يتحمل تبعات إصلاح الدين الطاوي، وأنه قد ارتقى وسمي المعلم السماوي. وقاد ذلك التنظيم الذي صار تبعاً لسلالته الذين عرفوا بالمعلمين السماويين.
· في القرن الثاني الميلادي انتشرت الطاوية الشعبية بفضل حركة السلم الكبير Tai-ping وقد كان للمعلمين السماويين دور كبير في نشرها.
· في عام 220م زالت أسرة هان مما أدى إلى انقسام الصينيين إلى ثلاثة أقسام الأمر الذي ترك أثره على الاختلافات الدينية الإقليمية فيما بينهم.
· عقب سقوط أسرة هان، وفي القرنين الثالث والرابع الميلاديين ظهرت الطاوية الجديدة.
· في عام 406- 477م ظهر المصلح لوهيوشنغ الذي يرجع إليه مفهوم القانون الكنسي لجميع الكتب المقدسة الطاوية.
· مؤسسو أسرتي تانغ 618 – 907م ومينغ 1368 – 1644م قد استخدموا التنبؤات الطاوية والسحر لكسب التأييد الشعبي.
· تدَّعي عائلة شانغ الحالية للمعلمين السماويين بأنها من سلالة شانغ طاو لينغ المعلم السماوي الأول الذي ظهر أيام أسرة هان.
الأفكار والمعتقدات:
الكتب :(68/154)
- كتاب لوتس المسمى طاو – تي تشينغ لم يكن ليكتب لولا رجاء حارس الممر ين شي الذي طلب من المعلم الشيخ أن يدون أفكاره. وهذا الكتاب مجموعة قطع أدبية تحيط بطبيعة طاو كما تشمل قواعد عامة وأمثلة للحاكم الذي يمتلك زمام أمر الطاو، وهو كتاب غامض في كثير من عباراته إذ أن ذلك الغموض مقصود لذاته.
- شوانغ تسو: بحث في النظرة الطاوية الفلسفية، كما أجرى مقابلة بين السماء والبشر، وبين الطبيعة والمجتمع، طالباً من الطاويين طرح كل الحيل المصطنعة، وفيه قصص عن بشر كاملين يستطيعون الطيران هم الخالدون الذين لا يتأثرون بالعناصر الطبيعية ولا يمسهم حر ولا قر، أصحاب أرواح تمتاز بحرية في تصرفها.
- كتاب هوانغ – تي – ني – تشينغ وهو من القرن الثالث قبل الميلاد، فيه تجارب على بعض المعادن والنباتات والمواد الحيوانية وذلك انطلاقاً من اهتمامهم بالمحافظة على الصحة وإطالة الحياة.
- كتاب باو – بو – تسو الذي انتهوا من تأليفه عام 317م يبحث في علوم الكيمياء القديمة وفيه محاولات لتحويل المعادن إلى ذهب وإطالة الحياة بواسطة بعض الأكاسير.
- لهم أدب فلسفي وديني سري، قسم منه يعود إلى القرن الرابع والقرن الثاني قبل الميلاد ويركز على إقناع الحكام، وقسم يبدأ منذ نهاية القرن الثاني الميلادي وهو يمثل حركات(*) دينية منظمة وينتقل من الشيخ إلى تلاميذه من أداء القسم للمحافظة على سريته.
· فكرتهم عن الإله(*):
- الإله – لديهم – ليس بصوت، ولا صورة، أبدي لا يفنى، وجوده سابق وجود غيره وهو أصل الموجودات، وروحه تجري فيها.
- إن طاو هو المطلق الكائن، وهو مراد الكون، إنه ليس منفصلاً عن الكون بل هو داخل فيه دخولاً جوهريًّا، انبثقت عنه جميع الموجودات.
- إنهم يؤمنون بوحدة الوجود(*) إذ إن الخالق والمخلوق شيء واحد لا تنفصل أجزاؤه وإلا لاقى الفناء.(68/155)
- إن نظرتهم إلى الإله قريبة جدّاً من مذهب الحلولية الذي يذهب إلى أن الخالق حالٌّ في كل الموجودات، كما أن الخالق لا يستطيع أن يتصرف أو يعمل إلا بحلوله في الأشياء.
- يؤمنون بالقانون السماوي الأعظم الذي هو أصل الحياة والنشاط والحركة لجميع الموجودات في السماء والأرض.
- يرى شونغ تسي بأن الإنسان قد جاء إلى الوجود مع الكون، فهو يحب الله ولكنه يحب المصدر الذي جاء منه الله أكثر من حبه الله، فهو تصور يدل على أنهم يعتقدون بأن هناك مبدأ قبل الله – تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً-
· الاحتفالات الدينية والطقوس الطاوية:
- هناك طقس شيو Chioo وهو أقدم الطقوس إذ هو تجديد لعلاقة الجماعة بالآلهة(*)، ولا يزال هذا الطقس موجوداً في تايوان إلى اليوم.
- هناك طقوس لتنصيب الكهنة(*)، وأخرى عند ميلاد الآلهة.
- بعض الكهنة يمارسون طقوساً معينة في مناسبات الدفن والزواج والولادة.
- من طقوسهم معالجة المريض وذلك بإدخاله إلى غرفة هادئة يقضي فيها بعض الوقت متأملاً منشغلاً بذنوبه، كما يقوم بعضهم باستعمال الوسطاء الذين يسترخون في سبات ويزعمون أنهم يقومون بنقل آراء الآلهة أو الأموات أو الأقارب.
- حرق البخور موضوع أساسي لكل عبادة طاوية فضلاً عن استعمال الخناجر والماء المسحور والموسيقى، والأقنعة والكتب المقدسة.
· أفكار طاوية أخرى:
- إنهم متصوفة، إذ إنه يجب على الطاوي أن ينظف نفسه من جميع المشاغل والشوائب ليوجد في داخله فراغاً هو في الحقيقة الامتلاء نفسه، وذلك بالوصول إلى الحقائق المجردة، ويتم ذلك عن طريق التجرد من الماديات ليصبح الإنسان روحاً خالصاً.
- أعلى مراتب التصوف هي مرحلة الوحدة التامة بين الفرد والقانون الأعظم وذلك بحصول اندماج بين المتصوف والذات العليا لتصيرا شخصية واحدة.
- إذا ارتقى الإنسان إلى المعرفة الحقة عندها يستطيع أن يصل إلى الحالة الأثيرية حيث لا موت ولا حياة.(68/156)
- إن الطاوية تتجه اتجاهاً سلبياً – على عكس الكونفوشيوسية – ذلك لأن الفضيلة لديهم تكمن في عدم العمل والاقتصاد على التأمل داعين إلى الحياة على الجبال المقدسة وقرب الجزر النائية.
- إنهم يهاجمون الشرائع والقوانين والعلم وما إلى ذلك من مظاهر المدنية التي عملت على إفساد فطرة الإنسان الذي ولد خَيِّراً. إن مثلهم الأعلى في ذلك هو في العودة إلى النظام الطبيعي المتميز بنقاء الفطرة وسلامتها.
- اهتم الطاويون بطول العمر، ويعتبر التقدم في السن دليلاً على القداسة حتى صار من أهداف التصوف الطاوي السعي لإطالة العمر والخلود، وقد ذهب بعضهم إلى ادعاء إمكانية إطالة العمر مئات السنين. وأفضل الخالدين – في نظرهم – هم الذين يصعدون إلى السماء في وضح النهار، هذا الخلود الذي من الممكن أن يتم بواسطة تدريبات ورياضات خاصة جسدية وروحية كما يزعمون.
- هذا الاهتمام في البحث عن إكسير الحياة كان عاملاً مهمًّا في تقدم الطب والكيمياء على أيديهم فضلاً عن السحر والشعوذة والدجل مما أدى إلى ثراء الكهنة ثراءً فاحشاً.
- إنهم يؤكدون حرصهم على التعاليم الأخلاقية وعلى ضرورة المشاركة في الاحتفالات الجماعية الموسمية.
- ليس لديهم بعث ولا حساب، إنما يكافأ المحسن بالصحة وبطول العمر بينما يجازى المسيىء بالمرض وبالموت المبكر.
الجذور الفكرية والعقائدية:
· المفاهيم الطاوية ترجع إلى زمن سحيق لكنها تبلورت على يد مؤسسها لوتس.
· هناك عوامل تأثر وتأثير بين الطاوية والكنفوشيوسية والبوذية بسبب توطن هذه الديانات(*) في منطقة واحدة متجاورة، حيث يمكن ملاحظة فكرة التصوف التي يعبر عنها بأساليب مختلفة ولكن في مضمون واحد.
· الطاوية أقرب إلى الكنفوشيوسية منها إلى البوذية.
· أخذ الطاويون عن البوذيين بناء الأديرة وتقرير الرهبنة(*) والعزوبية.(68/157)
· يذكر دوان في كتابه خرافات التوراة(*) وما يماثلها في الديانات الأخرى (ص172)، بأن في الطاوية تثليث(*)، فطاو هو العقل(*) الأزلي الأول، انبثق من واحد، ومن هذا انبثق ثالث كان مصدر كل شيء.
الانتشار ومواقع النفوذ:
· في عام 1958م أُعلن أن ثلاثين ألفاً من الكهنة الطاويين لا يزالون ناشطين في مختلف أنحاء الصين. ومعلوم أن الثقافة الصينية التقليدية ما تزال الطاوية حية فيها.
· في عام 1949م هرب أخر المعلمين السماويين شانغ اين بو إلى تايوان، وفي عام 1960م انبعثت هذه الديانة من جديد وظهرت المعابد الطاوية الضخمة كمعبد شهنان قرب تايبيه والذي يضم تمثال لو يونغ ين الذي تقمصته روح إله الطاو كما يزعمون، وفي عام 1970 مات هذا المعلم السماوي ليخلفه ابنه شانغ يوان هسين.
· توجد فئات طاوية في بعض نواحي ماليزيا وبينيانغ وسنغافورة وبانكوك.
· تعتبر اليابان من أوسع البلاد علماً بالطاوية في أيامنا الحالية.
· أما تايوان فهي أهم ملجأ للطاوية في القرن العشرين بسبب الهجرة الطاوية إليها في القرنين السابع عشر والثامن عشر.
ويتضح مما سبق:
أن الطاوية ديانة(*) صينية مؤسسها الفيلسوف لوتس الذي رأى أن الخير في الزهادة والاعتزال والعفو والتسامح مع الناس وعدم مقابلة السيئة بالسيئة. ولم يثبت أنها ديانة سماوية.
----------------------------
مراجع للتوسع:
- الملل والنحل للشهرستاني وذيله، الكتاب من تأليف الشهرستاني لكن الذيل الملحق به من تأليف محمد سيد كيلاني – جـ2 – دار المعرفة – بيروت – ط2 – 1395هـ/ 1975م.
- الديانات والعقائد في مختلف العصور، أحمد عبد الغفور عطار – ط1 – مكة المكرمة – 1401هـ/1981م.
باللغة الأجنبية :
-Encyclopaedia Britannica, 1968, 17.P. 1034 – 1054.
-Doane: Bible Myths and Their Parallels in other religion. P. 172.
الجينية
التعريف :(68/158)
الجينية ديانة(*) منشقة عن الهندوسية، ظهرت في القرن السادس قبل الميلاد على يدي مؤسسها مهافيرا وما تزال إلى يومنا هذا . إنها مبنية على أساس الخوف من تكرار المولد، داعية إلى التحرر من كل قيود الحياة والعيش بعيداً عن الشعور بالقيم كالعيب والإثم والخير والشر. وهي تقوم على رياضات بدنية رهيبة وتأملات نفسية عميقة بغية إخماد شعلة الحياة في نفوس معتنقيها.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
· يعتقد الجينيون أن ديانتهم ساهم في تأسيسها 24 ترنكاراً أو جيناً، حيث يظهر كل منهم في نصف دورة زمنية بدأت منذ الأزل. وسوف تستمر إلى ما لا نهاية. كان أول هؤلاء هو ريشابها أو أديناثا. ويعتبر وجود هؤلاء الجينيات من قبيل الأساطير التي لم تثبت تاريخيًّا.
· نيميناثا أو أريشتمانيمي: هو الجيني الثاني والعشرون ويعتبرونه ابن عم كرشنا، ووصل إلى مرحلة النيرفانا(*) (الخلاص) في مدينة سوراسترا في ولاية كوجرات.
· برشفا ابن ملك فاراناس يعتبر الجيني الثالث والعشرين، وهو أول الشخصيات التاريخية. عاش في القرن الثامن قبل الميلاد.
· يعتبر مهافيرا المؤسس الحقيقي للجينية، وقد ولد عام 599 ق.م وترهبن في سن الثلاثين، وعلى يديه تبلورت معتقداته التي ما تزال قائمة إلى يومنا هذا، وقد سار بدعوته بنجاح حتى بلغ الثانية والسبعين من العمر، وتوفي عام 527 ق.م.
- ينحدر مهافيرا من أسرة من طبقة الكاشتر المختصة بشؤون السياسة والحرب.
- أبوه سدهارتها أمير مدينة في ولاية بيهار، ومهاويرا هو الابن الثاني له.
- عاش حياته الأولى في كنف والديه متمتعاً بالخدم والملذات العادية، وكان شديد التقدير والاحترام لوالديه، تزوج ورزق بابنة.
- لما توفي والده، استأذن أخاه في التخلي عن ولاية العهد والتنازل عن الملك والألقاب.
- حلق رأسه ونزع حليَّه، وخلع ملابسه الفاخرة، وبدأ مرحلة الزهد والخلوة والتبتل، وكانت سنه آنذاك ثلاثين عاماً.(68/159)
- صام يومين ونصف يوم، ونتف شعر جسده، وهام في البلاد عارياً مهتماً بالرياضات الصعبة والتأملات العميقة.
- اسمه الأصلي فردهامانا لكن أتباعه يسمونه مهافيرا ويزعمون أن هذا الاسم من اختيار الآلهة له ومعناه البطل العظيم، ويطلقون عليه كذلك جينا أي القاهرة لشهواته والمتغلب على رغباته المادية.
- يدعي أتباع هذه الطائفة بأن الجينية ترجع إلى ثلاثة وعشرين جينياً، ومهافيرا هو الجيني الرابع والعشرون.
- تلقى مهافيارا علومه على يدي بارسواناث الذي يعتبرونه الجيني الثالث والعشرين، وقد أخذ عنه مبادىء الجينية، وخالفه بعد ذلك في بعض الأمور، وزاد على هذه الطريقة شيئاً استخلصه من تجاربه وخبرته مما جعله المؤسس الحقيقي لها.
- غرق في تأملاته ورهبانيته وعرى جسده هائماً في البلاد لمدة ثلاثة عشر شهراً مداوماً على مراقبة نفسه في صمت مطبق، يعيش على الصدقات التي تقدم إليه. حصل بعدها على الدرجة الرابعة مباشرة إذ كان مزوداً بثلاثة منها أصلاً كما يقولون.
- تابع بعد ذلك رحلة عدم الإحساس حتى حصل على الدرجة الخامسة وهي كما يزعمون درجة العلم المطلق ووصوله إلى مرحلة النجاة.
- بعد سنة من الصراع والتهذيب النفسي فاز بدرجة المرشد، وبدأ بذلك مرحلة الدعوة لمعتقده، فدعا أسرته ثم عشيرته، ثم أهل مدينته، ومن ثم دعا الملوك والقواد، فوافقه كثير منهم لما في دعوته من ثورة على البراهمة(*).
- استمر بدعوته حتى بلغ الثانية والسبعين حيث توفي سنة 527 ق.م. مخلفاً وراءه خطباً وأتباعاً ومذهباً.
· أرياشاما: عاش في القرن الرابع بعد مهافيرا.
· كونداكاوندا أكياريا: تقدره فرقة الديجامبرا وكتب بعض الكتب والشروح، عاش في القرون المسيحية(*) الأولى.
· انقسمت الجينية بعده إلى عدة أقسام وصلت إلى ثمان فرق أو أكثر، أهمها الآن:(68/160)
- ديجامبرا: أي أصحاب الزيِّ السماوي العراة، وهم طبقة الخاصة الذين يميلون إلى التقشف والزهد ومعظمهم من الكهان(*) والرهبان(*) والمتنسكين الذين يتخذون من حياة مهاويرا قدوة لهم، وقد انقسموا مؤخراً إلى عدد من الفرق.
- سويتامبرا: أي أصحاب الزي الأبيض، وهم طبقة العامة المعتدلون الذين يتخذون من حياة مهاويرا الأولى في رعاية والديه نبراساً لهم حيث كان يتمتع حينها بالخدم والملذات، إذ يفعلون كل أمر فيه خير ويبتعدون عن كل أمر فيه شرّ أو إزهاق لأرواح كل ذي حياة، يلبسون الثياب، ويطبقون مبادىء الجينية العامة على أنفسهم.
· أقبل الملوك والحكام في الهند على اعتناق الجينية مما سجل انتصاراً على العصر الويدي الهندوسي الأول، ذلك أنها تدعو إلى عدم إيقاع الأذى بذي روح مطلقاً، كما توجب أن يطيع الشعب حاكمه وتقضي بذبح من يتمرد على الحاكم أو يعصي أوامره، فصار لهم نفوذ كبير في بلاط كثير من الملوك والحكام في العصور الوسطى.
- نالوا كثيراً من الاحترام والتقدير أيام الحكم الإسلامي للهند، وقد بلغ الأمر بالإمبراطور أكبر الذي حكم الهند من 1556 – 1605م أن ارتد عن الإسلام واعتنق بعض معتقدات الجينية واحتضن معلم الجينية هيراويجياً مطلقاً عليه لقب معلم الدنيا.
الأفكار والمعتقدات:
الكتب :
- نزل مهاويرا قبل موته في مدينة بنابوري في ولاية تَبْنا وألقى خمساً وخمسين خطبة، وأجاب عن ستة وثلاثين سؤالاً. فهذه الخطب وتلك الأسئلة أصبحت كتابهم المقدس.
- يضاف إلى ذلك الخطب والوصايا المنسوبة للمريدين والرهبان والنسَّاك الجينيين.
- انتقل تراثهم مشافهة، وقد حاولوا تدوينه في القرن الرابع قبل الميلاد لكنهم فشلوا في جمع كلمة الناس حول ما كتبوه، فتأجلت كتابته إلى سنة 57م.
- في القرن الخامس الميلادي اجتمع كبار الجينيين في مدينة ويلابهي حيث قاموا بتدوين التراث الجيني باللغة السنسكريتية في حين أن لغته الأصلية كانت أردها مجدى.(68/161)
- ويوجد الآن عدد من الكتب والشروح والأساطير الكثيرة يختلف الاعتراف بها من طائفة إلى أخرى.
الإله(*):
- الجينية في الأصل ثورة على البراهمة، لذا فإنهم لا يعترفون بآلهة الهندوس وبالذات الآلهة الثلاثة (برهما(*) – فشنو(*) – سيفا(*))، ومن هنا سميت حركتهم بالحركة الإلحادية(*).
- لاتعترف الجينية بالروح الأكبر أو بالخالق الأعظم لهذا الكون لكنها تعترف بوجود أرواح خالدة.
- كل روح من الأرواح الخالدة مستقلة عن الأخرى ويجري عليها التناسخ(*).
- لم يستطيعوا أن يتحرروا تحرراً كاملاً من فكرة الألوهية، فاتخذوا من مهافيرا معبوداً لهم وقرنوا به الجينيات الثلاثة والعشرين الآخرين لتكمل في أذهانهم صورة الدين(*) وليسدوا الفراغ الذي أحدثه عدم اعترافهم بالإله الأوحد.
- خلق المسالمة والمجاملة دفعهم إلى الاعتراف بآلهة الهندوس (عدا الآلهة الثلاثة) ثم أخذوا يجلّونها، لكنهم لم يصلوا بها إلى درجة تقديس البراهمة(*) لها، ودعوا كذلك إلى احترام براهمة الهندوس باعتبارهم طائفة لها مكانتها في الدين الهندوسي.
- لا توجد لديهم صلاة، ولا تقديم قرابين، ولا يعترفون بالطبقات ، بل هم ثورة عليها، إذ ليس لديهم سوى طبقتي الخاصة والعامة. ولم يجعلوا لخاصتهم من الرهبان (*) أية امتيازات مما جعل الرهبنة ذات مشقة وتضحية وتكليف ذاتي.
· من معتقداتهم الأخرى:
· الكارما:
- الكارما لديهم كائن مادي يخالط الروح ويحيط بها ولا سبيل لتحرير الروح منها إلا بشدة التقشف والحرمان من الملذات.
- يظل الإنسان يولد ويموت ما دامت الكارما متعلقة بروحه ولا تطهر نفسه حتى تتخلص من الكارما حيث تنتهي رغباته وعندها يبقى حيًّا خالداً في نعيم النجاة. وهي مرحلة النيرفانا(*) أو الخلاص التي قد تحصل في الدنيا بالتدريب والرياضة أو بالموت.
· النجاة:(68/162)
- إنها تعني الفوز بالسرور الخالد الخالي من الحزن والألم والهموم، وتعني التطهر من أدران الحيوانية المادية، إنها ترمي إلى التخلص من تكرار المولد والموت والتناسخ(*).
- طريق الوصول إلى النجاة يكون بالتمسك بالخير والابتعاد عن الشرور والذنوب والآثام، ولا يصل إليها الإنسان إلا بعد تجاوز عوائق ومتاعب الحياة البشرية بقتل عواطفه وشهواته.
- الشخص الناجي مكانه فوق الخلاء الكوني، إنها نجاة أبدية سرمدية.
· تقديس كل ذي روح:
- يقدسون كل ما فيه روح تقديساً عجيباً.
- يمسك بعض الرهبان بمكنسة ينظف بها طريقه أو مجلسه خشية أن يطأ شيئاً فيه روح.
- يضع بعضهم غشاءً على وجهه يتنفس من خلاله خوفاً من استنشاق أي كائن حي من الهوام العالقة في الهواء.
- لا يعملون في الزراعة حذراً من قتل الديدان والحشرات الصغيرة الموجودة في التربة.
- يذبحون الحيوانات، ولا يأكلون لحومها وهم نباتيون.
- لا يشتركون في معركة ولا يدخلون في قتال خوفاً من إراقة الدماء وقتل الأحياء من البشر فهم مسالمون بعيدون عن كل مظاهر العنف.
· العواف:
- يجب قهر العواطف والمشاعر جميعاً، حتى لايشعر الراهب بحب أو كره، بحزن أو سرور، بحرّ أو برد، بخوف أو حياء، بخير أو شرّ، بجوع أو عطش، فيجب أن يصل إلى درجة الخمود والجمود والذهول بحيث تقتل في نفسه جميع العواطف البشرية.
- ترى أحدهم ينتف شعر جسده دون أن يشعر بأي ألم في ذلك.
· العري:
- قمة قتل العواطف هي الوصول إلى مرحلة العري الذي يعتبر أبرز مظاهر الجينية حيث يمشي الشخص في الشوارع بدون كساء يستر جسده من غير شعور بالحرج أو الحياء أو الخجل. وهذا تطبقه فرقة ديجامبرا من الجينية.
- الرهبان(*) يعيشون عراة، وذلك نابع من فكرة نسيان العار أو الحياء مما يمكنه من اجتياز الحياة إلى مرحلة النجاة والخلود.(68/163)
- إذا تذكر الإنسان العاري الحياة والحسن والقبح فذلك يعني أنه مازال متعلقاً بالدنيا مما يحجبه عن الفوز والنجاة.
- الشعور بالحياء يتضمن تصور الإثم، وعدم الشعور بالحياء معناه عدم تصور الإثم. فمن أراد الحياة البريئة البعيدة عن الشعور بالآلام فما عليه إلا أن يعيش عارياً متخذاً من السماء والهواء كساء له.
الجذور الفكرية والعقائدية:
· الجينية ثورة على الهندوسية مستنكرة آلهتها وطبقاتها، لكنها لم تستطع أن تتحرر من طابعها العام ومن سماتها البارزة فاتخذت لنفسها آلهة(*) خاصة بها.
· الفكر الجيني يقوم أصلاً على أفكار هندوسية كالانطلاق، والكارما، والنجاة، والتناسخ وتكرار المولد، والدعوة إلى السلبية مع صبغ هذه المفاهيم بالصبغة الجينية وتطويرها لتلائم المعتقد الجيني.
· تَدَّعي الجينية بأن فلسفتها ترجع إلى الجيني الأول الذي كان حيًّا في التاريخ البعيد، وإلى جيناتها الذين تتابعوا واحداً إثر الآخر حتى كان الجيني الثالث والعشرون بارسواناث؛ والرابع والعشرون مهافيرا الذي استقرت على يديه معالم هذه الديانة التي تشكلت خلال مرحلة طويلة من الزمن.
· كان ظهورها مواكباً لظهور البوذية، وكلتاهما ثورتان داخل الفكر الهندوسي.
· يعتقد بأن النصرانية قد أخذت عن الجينية فكرة الصيام عن كل ما فيه حياة إذ إنهم يصومون عن اللحوم وعن جميع المشتقات الحيوانية لأيام معدودة ويعيشون خلال ذلك على الأطعمة النباتية.
الانتشار ومواقع النفوذ :(68/164)
لم تخرج الجينية من الهند، فمعابدهم منتشرة في كلكتا ودلوارا، ولهم معابد في كهجورا وجبل آبو، وهي تعدُّ من عجائب الدنيا زينة وزخرفة، وفي القرن الثاني قبل الميلاد نحتوا كهفهم العظيم المسمى هاتي كنبا في منطقة إدريسه ولهم كهوف أخرى منتشرة في أنحاء الهند مما يدل على براعتهم في نحت التماثيل ورسوخ قدمهم في فن معمار المعابد وزخرفتها وتزيينها بالنقوش العجيبة. يبلغ تعدادهم الحالي حوالي المليون نسمة يعملون في التجارة وإقراض البنوك، فمعظمهم من الأغنياء مما ساعدهم على نشر الكتب والتأثير على الثقافة الهندية.
ويتضح مما سبق:
أن الجينية حركة(*) عقلية متحررة مطبوعة بطابع الذهن الهندوسي العام، فمنشؤها الزهد والتقشف، وطريقتها الرياضة الشاقة، ومظهرها الرهبانية، وهم يعترفون بآلهة الهندوس، ويعيشون شبه عراة، معرضين أجسامهم لظواهر الطبيعة، وأحياناً يلجئون إلى قطع الروابط بالحياة عن طريق الانتحار، ويعتبرونه غاية لا تتاح إلا للخاصة من الرهبان.
----------------------------
مراجع للتوسع :
- حضارة الهند، غوستاف لوبون.
- مهافيرا: مؤسس الجينية، ثقافة الهند – يسدمبر 1951م.
- الفلسفة الجينية، محي الدين الألوائي.
- تاريخ الإسلام في الهند، عبد المنعم النمر.
- فلسفة الهند القديمة، مولانا محمد عبد السلام الرامبوري.
- أديان الهند الكبرى، د. أحمد شلبي – ط6 – النهضة المصرية.
- حقائق عن الهند، منشورات إدارة الاستعلامات الهندي.
- أديان العالم الكبرى، حبيب سعيد.
- المدخل إلى دراسة الأديان والمذاهب، العميد عبد الرزاق محمد أسود .
المراجع الأجنبية :
- H.G. Wells: A Short History of the World.
- Berry : religions of the World.
- History of Buddhist Thought: Edward Thomas.
- Weeche and rylamds: The Peoples and religions of India.
الكونفوشيوسية
التعريف :(68/165)
الكونفوشيوسية ديانة(*) أهل الصين، وهي ترجع إلى الفيلسوف كونفوشيوس الذي ظهر في القرن السادس قبل الميلاد داعياً إلى إحياء الطقوس والعادات والتقاليد الدينية التي ورثها الصينيون عن أجدادهم مضيفاً إليها جانباً من فلسفته وآرائه في الأخلاق والمعاملات والسلوك القويم. وهي تقوم على عبادة إله(*) السماء أو الإله الأعظم، وتقديس الملائكة، وعبادة أرواح الآباء والأجداد.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
·كونفوشيوس:
- يعتبر كونفوشيوس المؤسس الحقيقي لهذه العقيدة الصينية.
- ولد سنة 551 ق.م في مدينة تسو Tsou وهي إحدى مدن مقاطعة لو Lu.
- اسمه كونج Kung وهو اسم القبيلة التي ينتمي إليها، وفوتس Futze معناه الرئيس أو الفيلسوف، فهو بذلك رئيس كونج أو فيلسوفها.
- ينتسب إلى أسرة عريقة، فجدّه كان والياً على تلك الولاية، ووالده كان ضابطاً حربيًّا ممتازاً، وكان هو ثمرة لزواج غير شرعي، توفي والده وله من العمر ثلاث سنوات.
- عاش يتيماً، فعمل في الرعي، وتزوج في مقتبل عمره قبل العشرين، ورزق بولد وبنت، لكنه فارق زوجته بعد سنتين من الزواج لعدم استطاعتها تحمل دقته الشديدة في المأكل والملبس والمشرب.
- تلقى علومه الفلسفية على يدي أستاذه الفيلسوف لوتس Laotse صاحب النِحلة الطاوية، حيث كان يدعو إلى القناعة والتسامح المطلق، ولكن كونفوشيوس خالفه فيما بعد داعياً إلى مقابلة السيئة بمثلها وذلك إحقاقاً للعدل.
- عندما بلغ الثانية والعشرين من عمره أنشأ مدرسة لدراسة أصول الفلسفة(*)، تكاثر تلاميذه حتى بلغوا ثلاثة آلاف تلميذ، بينهم حوالي ثمانين شخصاً عليهم أمارات.(68/166)
- تنقل في عدد من الوظائف فقد عمل مستشاراً للأمراء والولاة، وعيّن قاضياً وحاكماً، ووزيراً للعمل، ووزيراً للعدل ورئيساً للوزراء في سنة 496 ق.م حيث أقدم حينها على إعدام بعض الوزراء السابقين وعدداً من رجال السياسة وأصحاب الشغب حتى صارت مقاطعة لو نموذجية في تطبيق الآراء والمبادئ الفلسفية المثالية التي ينادي بها.
- رحل بعد ذلك وتنقل بين كثير من البلدان ينصح الحكام ويرشدهم ويتصل بالناس يبث بينهم تعاليمه حاثًّا لهم على الأخلاق(*) القويمة.
- أخيراً عاد إلى مقاطعة لو فتفرغ لتدريس أصدقائه ومحبيه منكبًّا على كتب الأقدمين يلخّصها، ويرتبها، ويضمنها بعض أفكاره، وحدث أن مات وحيده الذي بلغ الخمسين من عمره، وفقد كذلك تلميذه المحبّب إليه هووي فبكى عليه بكاءً مرًّا.
- مات في سنة 479 ق.م بعد أن ترك مذهباً(*) رسميًّا وشعبيًّا استمرّ حتى منتصف القرن العشرين الحالي.
· صفاته الشخصية:
- دمث، مرح، مؤدّب، يحبّ النكتة، يتأثر لبكاء الآخرين، يبدو قاسياً وغليظاً في بعض الأحيان، طويل، دقيق في المأكل والملبس والمشرب، مولع بالقراءة والبحث والتعلم والتعليم والمعرفة والآداب.
- مغرم بالبحث عن منصب سياسي بغية تطبيق مبادئه السياسية والأخلاقية لتحقيق المدينة الفاضلة التي يدعو إليها.
- خطيب بارع، ومتكلّم مفوّه، لا يميل إلى الثرثرة، وعباراته موجزة تجري مجرى الأمثال القصيرة والحكم البليغة.
- لديه شعور ديني، يحترم الآلهة التي كانت معبودة في زمانه، ويداوم على تأدية الشعائر الدينية، يتوجه في عباداته إلى الإِله (*) الأعظم أو إله السماء، يصلي صامتاً، ويكره أن يرجو الإله النعمة أو الغفران إذ إن الصلاة لديه ليست إلا وسيلة لتنظيم سلوك الأفراد، والدّين(*) – في نظره – أداة لتحقيق التآلف بين الناس.(68/167)
- كان يغني، وينشد، ويعزف الموسيقى، وقد ترك كتاب الأغاني Book of Songs كما أنه كان مغرماً بالحفلات والطقوس، إلى جانب اهتمامه بالرماية وقيادة العربات والقراءة والرياضة (الحساب) ودراسة التاريخ.
· انقسمت الكونفوشيوسية إلى اتجاهين:
- مذهب(*) متشدد حرفي ويمثله منسيوس إذ يدعو إلى الاحتفاظ بحرفية آراء كونفوشيوس وتطبيقها بكل دقة، ومنسيوس هذا تلميذ روحي لكونفوشيوس إذ إنه لم يتلق علومه مباشرة عنه بل إنه أخذها عن حفيدة وهو Tsesze الذي قام بتأليف كتاب الانسجام المركزي Central Harmony.
- والمذهب التحليلي، ويمثله هزنتسي Hsuntse ويانجتسي Yangtse، إذ يقوم مذهبهما على أساس تحليل وتفسير آراء المعلم واستنباط الأفكار باستلهام روح النص الكونفوشيوسي.
· أما أبرز الشخصيات إضافة إلى ما سبق فهم:
- تسي كنج Tsekung ولد سنة 520م وأصبح من أعظم رجال السلك السياسي الصيني.
- تسي هسيا Tsehsia ولد سنة 507م وأصبح من كبار المتفقهين في الدين الكونفوشيوسي.
- تسينكتنز Tsengtse كان أستاذاً لحفيد كونفوشيوس، ويأتي ترتيبه الثاني بعد منسيوس من حيث الأهمية.
- تشي هزيوان Chi- Husan عاش في عصر أسرة هان 127 –200 ميلادية.
- تشو هزي Cho-Hsi 1130 – 1200 ميلادية قام بنشر الكتب الأربعة التي كانت تدرس في المدارس الأولية والابتدائية في الصين، ويعد الحجة الوحيدة.
- الفيلسوف موتزي Motze 470 – 381 ق.م أضاف فكرة جديدة وهي تشخيص إله (*) السماء بشخص عظيم يشبه الآدميين.
* في سنة 422م أقيم معبد لكونفوشيوس في Chufu حيث قبره.
* في سنة 505 م أقيم معبد آخر في العاصمة، وأصبحت كتبه تدرس في المدارس على أنها كتب مقدسة.
* في سنة 630م أمر أحد الأباطرة ببناء معابد مزودة بتماثيل لكونفوشيوس في جميع أنحاء الإمبراطورية، كما أمر بإنشاء كليات لتعليم آراء كونفوشيوس الذي أصبح رمزاً للوحدتين السياسية والدينية.
* في سنة 735م منح كونفوشيوس لقب ملك.(68/168)
في سنة 1013م منح لقب القديس الأعظم.
في سنة 1330م منح الأفراد المنحدرون من سلالته رتبة الشرف وصاروا يعدّون من طبقة النبلاء.
في سنة 1530م بدّلت التماثيل الموجودة في المعابد بصور ولوحات حتى لا تختلط الكونفوشيوسية بالوثنية.
في سنة 1905م بدأ نجم الكونفوشيوسية بالأفول، حيث أُلغي الامتحان الديني الذي كان يعتبر ضرورياً للتعيين في الوظائف.
في سنة 1910م ظهر شهاب هالي Halley في الأجواء الصينية فاعتبر ذلك استياء من الآلهة(*) على أسرة مانتشو التي بلغ الفساد في عهدها قمته مما أدى إلى ثورة(*) شعبية انتهت بتنازل الإمبراطور عن العرش سنة 1912م وتحول الصين إلى النظام الجمهوري (*) مما أدى إلى اختفاء الكونفوشيوسية من الحياة الدينية والسياسية، لكنها بقيت ماثلة في الأخلاق(*) والتقاليد الصينية.
في سنة 1928م صدر قرار بتحريم تقديم القرابين لكونفوشيوس ومنع إقامة الطقوس الدينية له.
عندما استولى اليابانيون على منشورياً عادت الصين إلى استنهاض الهمم بالعودة إلى الكونفوشيوسية وعاد الناس في عام 1930 – 1934م إلى تقديم القرابين مرة ثانية، كما أعيد تدريس الكونفوشيوسية في كل مكان لاعتقادهم بأن نكبتهم ترجع إلى إهمالهم تعاليم المعلم الأكبر، وسادت حركة إحياء جديدة بزعامة تشانج كاي شيك، وقد استمرت هذه الحركة إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية.
في عام 1949م سيطرت الشيوعية على الصين، ولكن شيئاً فشيئاً بدأت الخلافات بين الصين والاتحاد السوفيتي بالظهور مما أوجد تبايناً بين كل منهما، وبعد موت الزعيم الصيني الشيوعي الشهير ماو تسي تونج بدأ التراجع عن الشيوعية في الصين، وبدأت رياح الغرب تهب عليها.
يعتقد الباحثون بأن الروح الكونفوشيوسية ستعمل على تغيير معالم الشيوعية مما يجعلها أبعد ما تكون عن الشيوعية الروسية التي انهارت، لما للكونفوشيوسية من سيطرة روحية على الشعب الصيني.
· الأفكار والمعتقدات:
الكتب:(68/169)
هناك مجموعتان أساسيتان تمثلان الفكر الكونفوشيوسي فضلاً عن كثير من الشروح والتعليقات والتلخيصات، المجموعة الأولى تسمى الكتب الخمسة، والثانية تسمى الكتب الأربعة.
الكتب الخمسة: وهي الكتب التي قام كونفوشيوس ذاته بنقلها عن كتب الأقدمين وهي:
1- كتاب الأغاني أو الشعر: فيه 350 أغنية إلى جانب ستة تواشيح دينية تغني بمصاحبة الموسيقى.
2- كتاب التاريخ: فيه وثائق تاريخية تعود إلى التاريخ الصيني السحيق.
3-كتاب التغييرات: فيه فلسفة تطور الحوادث الإنسانية، وقد حوّله كونفوشيوس إلى كتاب علمي لدراسة السلوك الإنساني.
4- كتاب الربيع والخريف: كتاب تاريخي يؤرخ للفترة الواقعة بين 722 – 481 ق.م.
5- كتاب الطقوس: فيه وصف للطقوس الدينية الصينية القديمة مع معالجة النظام الأساسي لأسرة تشو تلك الأسرة التي لعبت دوراً هاماً في التاريخ الصيني البعيد.
الكتب الأربعة: وهي الكتب التي ألفها كونفوشيوس وأتباعه مدوِّنين فيها أقوال أستاذهم مع التفسير تارة والتعليق أخرى، إنها تمثل فلسفة كونفوشيوس ذاته وهي:
1- كتاب الأخلاق(*) والسياسة.
2- كتاب الانسجام المركزي .Central Harmony
3- كتاب المنتجات Analects ويطلق عليه اسم إنجيل كونفوشيوس.
4- كتاب منسيوس: وهو يتألف من سبعة كتب، ومن المحتمل أن يكون مؤلفها منسيوس نفسه.
· المعتقدات الأساسية :
تتمثل المعتقدات الأساسية لديهم في الإله(*) أو إله السماء، والملائكة، وأرواح الأجداد.
1- الإله:
يعتقدون بالإله الأعظم أو إله السماء ويتوجهون إليه بالعبادة، كما أن عبادته وتقديم القرابين إليه مخصوصة بالملك، أو بأمراء المقاطعات.
للأرض إله، وهو إله الأرض، ويعبده عامة الصينيين.
الشمس والقمر، والكواكب، والسحاب، والجبال.. لكل منها إله وعبادتها وتقديم القرابين إليها مخصوصة بالأمراء.
2- الملائكة : إنهم يقدسون الملائكة ويقدمون إليها القرابين.(68/170)
3- أرواح الأجداد: يقدس الصينيون أرواح أجدادهم الأقدمين، ويعتقدون ببقاء الأرواح، والقرابين عبارة عن موائد يدخلون بها السرور على تلك الأرواح بأنواع الموسيقى، ويوجد في كل بيت معبد لأرواح الأموات ولآلهة المنزل.
· معتقدات وأفكار أخرى:
لم يكن كونفوشيوس نبيًّا(*)، ولم يدّع هو ذلك، بل يعتقدون أنه من الذين وهبوا تفويض السماء لهم ليقوموا بإرشاد الناس وهدايتهم، فقد كان مداوماً على إقامة الشعائر والطقوس الدينية، وكان يعبد الإله الأعظم والآلهة الأخرى على غير معرفة بهم ودون تثبُّت من حقيقة الآراء الدينية تلك.
كان كونفوشيوس مغرماً بالسعي لتحقيق المدينة الفاضلة التي يدعو إليها وهي مدينة مثالية لكنها تختلف عن مدينة أرسطو الفاضلة، إذ إنّ مدينة كونفوشيوس مثالية في حدود واقعٍ ممكن التحقيق والتطبيق، بينما مدينة أرسطو تجنح إلى مثالية خيالية بعيدة عن مستوى التطبيق البشري القاصر. وكلا الفيلسوفين متعاصران.
الجنة والنار: لا يعتقدون بهما، ولا يعتقدون بالبعث أصلاً، إذ إنّ همَّهم منصبّ على إصلاح الحياة الدنيا، ولا يسألون عن مصير الأرواح بعد خروجها من الأجساد. وقد سأل تلميذٌ أستاذه كونفوشيوس عن الموت، فقال: "إننا لم ندرس الحياة بعد، فكيف نستطيع أن ندرس الموت".
الجزاء والثواب: إنما يكونان في الدنيا، إن خيراً فخير، وإن شرًّا فشر.
القضاء والقدر(*): يعتقدون بذلك، فإن تكاثرت الآثام والذنوب كان عقاب السماء لهم بالزلازل والبراكين.
الحاكم ابن للسماء: فإذا ما قسا وظلم وجانب العدل فإن السماء تسلّط عليه من رعيته من يخلعه ليحلّ محلّه شخص آخر عادل.
الأخلاق(*): هي الأمر الأساسي الذي تدعو إليه الكونفوشيوسية، وهي محور الفلسفة(*) وأساس الدين(*)، وهي تسعى إليه بتربية الوازع الداخلي لدى الفرد ليشعر بالانسجام الذي يسيطر على حياته النفسية مما يخضعها للقوانين الاجتماعية بشكل تلقائي.
تظهر الأخلاق في:(68/171)
1- طاعة الوالد والخضوع له.
2- طاعة الأخ الأصغر لأخيه الأكبر.
3- طاعة الحاكم والانقياد إليه.
4- إخلاص الصديق لأصدقائه.
5- عدم جرح الآخرين بالكلام أثناء محادثتهم.
6- أن تكون الأقوال على قدر الأفعال، وكراهية ظهور الشخص بمظهر لا يتفق مع مركزه وحاله.
7- البعد عن المحسوبية في الوساطة أو المحاباة.
وتظهر أخلاق الحاكم في:
1- احترام الأفراد الجديرين باحترامه.
2- التودّد إلى من تربطهم به صلة قربى وقيامه بالتزاماته حيالهم.
3- معاملة وزرائه وموظفيه بالحسنى.
4- اهتمامه بالصالح العام، مع تشجيعه للفنون النافعة والنهوض بها.
5- العطف على رعايا الدول الأخرى المقيمين في دولته.
6- تحقيق الرفاهية لأمراء الإمبراطورية ولعامة أفرادها.
تحترم الكونفوشيوسية العادات والتقاليد الموروثة، فهم محافظون إلى أبعد الحدود، فيقدّسون العلم والأمانة، ويحترمون المعاملة اللينة من غير خضوع ولا استجداء لجبروت.
يقوم المجتمع الكونفوشيوسي على أساس احترام الملكية الفردية مع ضرورة رسم برنامج إصلاحي يؤدي إلى تنمية روح المحبّة بين الأغنياء والفقراء.
يعترفون بالفوارق بين الطبقات، ويظهر هذا جليًّا حين تأدية الطقوس الدينية وفي الأعياد الرسمية وعند تقديم القرابين.
النظام الطبقي لديهم نظام مفتوح، إذ بإمكان أي شخص أن ينتقل من طبقته إلى أية طبق اجتماعية أخرى إذا كانت لديه إمكاناته تؤهله لذلك.
ليس الإنسان إلا نتيجة لتزاوج القوى السماوية مع القوى الأرضية أي لتقمص الأرواح السماوية في جواهر العناصر الأرضية الخمسة. ومن هنا وجب على الإنسان أن يتمتع بكل شيء في حدود الأخلاق الإنسانية القويمة.
يبنون تفكيرهم على فكرة "العناصر الخمسة":
1- فتركيب الأشياء: معدن – خشب – ماء – نار – تراب.
2- الأضاحي والقرابين خمسة.
3- الموسيقى لها خمسة مفاتيح، والألوان الأساسية خمسة.
4- الجهات خمس : شرق وغرب وشمال وجنوب ووسط.(68/172)
5- درجات القرابة خمس: أبوّة – أمومة – زوجية – بنوّة – أخوّة.
تلعب الموسيقى دوراً هاماً في حياة الناس الاجتماعية، وتسهم في تنظيم سلوك الأفراد وتعمل على تعويدهم الطاعة والنظام، وتؤدي إلى الانسجام والألفة والإيثار.
الرجل الفاضل هو الذي يقف موقفاً وسطاً بين ذاته المركزية وبين انفعالاته ليصل إلى درجة الاستقرار الكامل .
· الجذور الفكرية والعقائدية:
ترجع الكونفوشيوسية إلى معتقدات الصينيين القدماء، تلك المعتقدات التي ترجع إلى 2600 سنة قبل الميلاد. وقد قبلها كونفوشيوس أولاً، والكونفوشيوسيون ثانياً، دون مناقشة أو جدال(*) أو تمحيص.
في القرن الرابع قبل الميلاد حدثت إضافة جديدة وهي عبادة النجمة القطبية لاعتقادهم بأنها المحور الذي تدور السماء حوله، ويعتقد الباحثون بأن هذه النزعة قد وفدت إليهم من ديانة بعض سكان حوض البحر المتوسط.
تغلبت الكونفوشيوسية على النزعة الشيوعية والنزعة الاشتراكية(*) اللتان طرأتا عليها في القرنين السابقين للميلاد وانتصرت عليهما. كما أنها استطاعت أن تصهر البوذية بالقالب الكونفوشيوسي الصيني وتنتج بوذية صينية خاصة متميزة عن البوذية الهندية الأصلية.
لا تزال المعتقدات الكونفوشيوسية موجودة في عقيدة أكثر الصينيين المعاصرين على الرغم من السيطرة السياسية للشيوعيين.
الانتشار ومواقع النفوذ :
انتشرت الكونفوشيوسية في الصين.
منذ عام 1949م أبعدت الكونفوشيوسية عن المسرحين السياسي والديني لكنها ما تزال كامنة في روح الشعب الصيني الأمر الذي يؤمل أن يؤدي إلى تغيير ملامح الشيوعية الماركسية في الصين.
ما تزال الكونفوشيوسية ماثلة في النظم الاجتماعية في فرموزا أو (الصين الوطنية).
انتشرت كذلك في كوريا وفي اليابان حيث درست في الجامعات اليابانية، وهي من الأسس الرئيسية التي تشكل الأخلاق(*) في معظم دول شرق آسيا وجنوبها الشرقي في العصرين الوسيط والحديث.(68/173)
حظيت الكونفوشيوسية بتقدير بعض الفلاسفة الغربيين كالفيلسوف ليبنتز (1646 – 1716م) وبيتر نويل الذي نشر كتاب كلاسيكيات كونفوشيوس سنة 1711م كما ترجمت كتب الكونفوشيوسية إلى معظم اللغات الأوروبية.
ويتضح مما سبق :
أن الكونفوشيوسية ليست ديناً(*) سماوياً معروفاً. وقد تتضمن بعض تعاليمها دعوة إلى خلق حميد أو رأي سليم أو سلوك قويم، ولكنها ليست مما يتقرب إلى الله به: {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}. وهي تماثل البوذية والهندوسية وغيرها من الأديان الباطلة.
وعموماً فقد جبَّ الإسلام ما قبله من الأديان(*) {إن الدين عند الله الإسلام}. وللحق فليس هناك ما ينفي أو يثبت ابتعاث رسول معين إلى الشعوب الأخرى ودعوى ذلك لا تخلو من الحدس والتخمين والقرآن الكريم يقول: {ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك}.
وقد كان المزج المحكم بين الفلسفة الخلقية والتعاليم الدينية على أتم وضوح في الكونفوشيوسية وصاحبها كونفوشيوس الذي لم يكن رسولاً (*) مبعوثاً ولا مدعياً لرسالة.
مراجع للتوسع :
- الحوار، كونفوشيوس فيلسوف الصين الأكبر، ترجمة محمد مكين – المطبعة السلفية – القاهرة – 1354هـ.
- كونفوشيوس: النبي الصيني، د. حسن شحاتة سعفان – مكتبة نهضة مصر.
- الملل والنحل للشهرستاني، الطبعة الثانية – دار المعرفة – بيروت. انظر الذيل الذي هو من تأليف محمد سيد كيلاني صفحة 19.
-محاضرات في مقارنات الأديان، محمد أبو زهرة مطبعة يوسف – مصر.
مراجع أجنبية :
- Lin Yutang: The Wisdom of Confucius, N.Y. 1938.
- K. Wilhelm: Kungte, Leben und Lehre, 1925.
- Kuntse und Konfuzianismus, 1930.
- H.A. Giles: Confucianism and its rivals, London 1915.
- M.G. Pouthie: Doctrine de confucius, Paris.
- P. Masson – oursel: La philosophieen Orient. 1938.(68/174)
- Social Philosophers.
-Ch. Luan: la Philosophie Morale et pollitique de Mencius, 1927.
البوذية
التعريف :
هي فلسفة(*) وضعية انتحلت الصبغة الدينية، وقد ظهرت في الهند بعد الديانة البرهمية الهندوسية في القرن الخامس قبل الميلاد. وكانت في البداية تناهض الهندوسية وتتجه إلى العناية بالإنسان، كما أن فيها دعوة إلى التصوف والخشونة ونبذ الترف والمناداة بالمحبة والتسامح وفعل الخير. وبعد موت مؤسسها تحولت إلى معتقدات باطلة، ذات طابع وثني(*)، ولقد غالى أتباعها في مؤسسها حتى ألَّهوه.
وهي تعتبر نظاماً أخلاقياً ومذهباً(*) فكرياً مبنياً على نظريات فلسفية، وتعاليمها ليست وحياً(*)، وإنما هي آراء وعقائد في إطار ديني. وتختلف البوذية القديمة عن البوذية الجديدة في أن الأولى صبغته أخلاقية، في حين أن البوذية الجديدة هي تعاليم بوذا مختلطة بآراء فلسفية وقياسات عقلية عن الكون والحياة.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
أسسها سدهارتا جوتاما الملقب ببوذا(*) 560 – 480 ق.م وبوذا تعني العالم ويلقب أيضاً بسكيا موني ومعناه المعتكف. وقد نشأ بوذا في بلدة على حدود نيبال، وكان أميراً فشبَّ مترفاً في النعيم وتزوج في التاسعة عشرة من عمره ولما بلغ السادسة والعشرين هجر زوجته منصرفاً إلى الزهد والتقشُّف والخشونة في المعيشة والتأمل في الكون ورياضة النفس وعزم على أن يعمل على تخليص الإنسان من آلامه التي منبعها الشهوات ثم دعا إلى تبني وجهة نظره حيث تبعه أناس كثيرون.
اجتمع أتباع بوذا بعد وفاته في مؤتمر كبير في قرية راجاجراها عام 483 ق.م لإزالة الخلاف بين أتباع المذهب(*) ولتدوين تعاليم بوذا خشية ضياع أصولها وعهدوا بذلك إلى ثلاثة رهبان(*) هم:
1- كاشيابا وقد اهتم بالمسائل العقلية.
2- أويالي وقد اهتم بقواعد تطهير النفس.
3- أناندا وقد دون جميع الأمثال والمحاورات.
الأفكار والمعتقدات:(68/175)
يعتقد البوذيون أن بوذا(*) هو ابن الله، وهو المخلّص للبشرية من مآسيها وآلامها وأنه يتحمل عنهم جميع خطاياهم.
يعتقدون أن تجسد بوذا قد تم بواسطة حلول روح القدس(*) على العذراء مايا.
ويقولون إنه قد دل على ولادة بوذا نجم ظهر في أفق السماء ويدعونه نجم بوذا.
ويقولون أيضاً إنه لما ولد بوذا فرحت جنود السماء ورتلت الملائكة أناشيد المحبة للمولود المبارك.
وقد قالوا: لقد عرف الحكماء بوذا وأدركوا أسرار لاهوته. ولم يمض يوم واحد على ولادته حتى حيَّاهُ الناس، وقد قال بوذا لأمه وهو طفل إنه أعظم الناس جميعاً.
وقالوا: دخل بوذا مرة أحد الهياكل فسجدت له الأصنام. وقد حاول الشيطان إغواءه فلم يفلح.
ويعتقد البوذيون أن هيئة بوذا قد تغيَّرت في أخر أيامه، وقد نزل عليه نور أحاط برأسه. وأضاء من جسده نور عظيم فقال الذين رأوه: ما هذا بشراً إن هو إلا إله(*) عظيم.
يصلي البوذيون لبوذا ويعتقدون أنه سيدخلهم الجنة. والصلاة عندهم تؤدى في اجتماعات يحضرها عدد كبر من الأتباع.
لما مات بوذا قال أتباعه: صعد إلى السماء بجسده بعد أن أكمل مهمته على الأرض.
يؤمنون برجعة بوذا ثانية إلى الأرض ليعيد السلام والبركة إليها.
يعتقدون أن بوذا هو الكائن العظيم الواحد الأزلي وهو عندهم ذاتٌ من نور غير طبيعية، وأنه سيحاسب الأموات على أعمالهم.
يعتقدون أن بوذا ترك فرائض ملزمة للبشر إلى يوم القيامة، ويقولون إن بوذا أسس مملكة دينية على الأرض.
قال بعض الباحثين إن بوذا أنكر الألوهية والنفس الإنسانية وأنه كان يقول بالتناسخ(*).
الجانب الأخلاقي في الديانة البوذية:
في تعاليم بوذا(*) دعوة إلى المحبة والتسامح والتعامل بالحسنى والتصدق على الفقراء وترك الغنى والترف وحمل النفس على التقشف والخشونة وفيها تحذير من النساء والمال وترغيب في البعد عن الزواج.
يجب على البوذيِّ التقيد بثمانية أمور حتى يتمكن من الانتصار على نفسه وشهواته:(68/176)
1- الاتجاه الصحيح المستقيم الخالي من سلطان الشهوة واللذة وذلك عند الإقدام على أي عمل.
2- التفكير الصحيح المستقيم الذي لا يتأثر بالأهواء.
3- الإشراق(*) الصحيح المستقيم.
4- الاعتقاد المستقيم الذي يصحبه ارتياح واطمئنان إلى ما يقوم به.
5- مطابقة اللسان لما في القلب.
6- مطابقة السلوك للقلب واللسان.
7- الحياة الصحيحة التي يكون قوامها هجر اللذات.
8- الجهد الصحيح المتجه نحو استقامة الحياة على العلم والحق وترك الملاذ.
في تعاليم بوذا أن الرذائل ترجع إلى أصول ثلاثة:
1- الاستسلام للملاذ والشهوات.
2- سوء النية في طلب الأشياء.
3- الغباء وعدم إدراك الأمور على وجهها الصحيح.
من وصايا بوذا: لا تقض على حياة حي، لا تسرق ولا تغتصب، لا تكذب، لا تتناول مسكراً، لا تزن، لا تأكل طعاماً نضج في غير أوانه، لا ترقص ولا تحضر مرقصاً ولا حفل غناء، لا تتخذ طبيباً، لا تقتن فراشاً وثيراً، لا تأخذ ذهباً ولا فضة.
ينقسم البوذيون إلى قسمين:
1- البوذيون المتدينون: وهؤلاء يأخذون بكل تعاليم بوذا وتوصياته.
2- البوذيون المدنيون: هؤلاء يقتصرون على بعض التعاليم والوصايا فقط.
الناس في نظر بوذا(*) سواسية لا فضل لأحد إلا بالمعرفة والسيطرة على الشهوات.
وقد احتفظت البوذية ببعض صورها الأولى في منطقة جنوب آسيا وخاصة في سيلان وبورما، أما في الشمال وعلى الأخص في الصين واليابان فقد ازدادت تعقيداً وانقسمت إلى مذهبين هما:
1- مذهب ماهايانا (مذهب الشمال) ويدعو إلى تأليه بوذا وعبادته وترسُّم خطاه.
2- مذهب هنايانا (مذهب الجنوب) وقد حافظ على تعاليم بوذا، ويعتبر أتباع هذا المذهب أن بوذا هو المعلم الأخلاقي العظيم الذي بلغ أعلى درجة من الصفاء الروحي.(68/177)
وقد عبروا عن بلوغ النفس الكمال الأسمى والسعادة القصوى وانطلاقها من أسر المادة وانعتاقها من ضرورة التناسخ(*) بالينرفانا(*) وتعني الخلاص من أسر المعاناة والرغبة، واكتساب صفاء الدين(*) والروح، والتحرر من أسر العبودية واللذة، وانبثاق نور المعرفة عن طريق تعذيب النفس ومقاومة النزعات، مع بذل الجهد والتأمل والتركيز الفكري والروحي، وهو هدف البوذية الأسمى.
علاقتهم بالمسلمين الآن لا تحمل طابع العداء العنيف ويمكن أن يكونوا مجالاً خصباً للدّعوة الإسلامية.
كتب البوذية: كتبهم ليست منزلة ولا هم يدّعون ذلك بل هي عباراتٌ منسوبة إلى بوذا أو حكاية لأفعاله سجلها بعض أتباعه، ونصوص تلك الكتب تختلف بسبب انقسام البوذيين، فبوذيو الشمال اشتملت كتبهم على أوهام كثيرة تتعلق ببوذا أما كتب الجنوب فهي أبعد قليلاً عن الخرافات.
تنقسم كتبهم إلى ثلاثة أقسام:
1- مجموعة قوانين البوذية ومسالكها.
2- مجموعة الخطب التي ألقاها بوذا(*).
3- الكتاب الذي يحوي أصل المذهب(*) والفكرة التي نبع منها.
وتعتمد جميع كتبهم على الآراء الفلسفية ومخاطبة الخيال وتختلف في الصين عنها في الهند لأنها تخضع لتغيرات الفلاسفة.
شعار البوذية عبارة عن قوس نصف دائري وفي وسطه قائم ثالث على رأسه ما يشبه الوردة وأمام هذا التمثال صورة مجسمة لجرة الماء وبجوارها فيل يتربع عليه بوذا في لباسه التقليدي.
الجذور الفكرية والعقائدية:
ليس هناك ما يثبت أن للبوذية جذوراً فكرية أو عقائدية إلا أن الناظر في الديانات الوضعية التي سبقتها أو عاصرتها يجد بينها وبين البوذية شبهاً من بعض الجوانب مثل:
الهندوسية : في القول بالتناسخ(*) والاتجاه نحو التصوف.
الكونفوشيوسية: في الاتجاه إلى الاعتناء بالإنسان وتخليصه من آلامه.(68/178)
ينبغي أن يلاحظ التشابه الكبير بينها وبين النصرانية وبخاصة فيما يتعلق بظروف ولادة المسيح(*) وحياته والظروف التي مرّ بها بوذا(*) مما يؤكد تأثر النصرانية بها في كثير من معتقدات هذه الأخيرة.
الانتشار ومواقع النفوذ:
الديانة(*) البوذية منتشرة بين عدد كبير من الشعوب الآسيوية حيث يدين بها أكثر من ستمائة مليون نسمة، ولهم معبد ضخم في كاتمندو بالنيبال، وهو عبارة عن مبنى دائري الشكل وتتوسطه قبة كبيرة وعالية وبها رسم لعينين مفتوحتين وجزء من الوجه، ويبلغ قطر المبنى 40 متراً، أما الارتفاع فيزيد عن خمسة أدوار مقارنة بالمباني ذات الأدوار، والبوذية مذهبان كما تقدم:
المذهب الشمالي: وكتبه المقدسة مدونة باللغة السنسكريتية، وهو سائد في الصين واليابان والتبت ونيبال وسومطره.
المذهب الجنوبي: وكتبه المقدسة مدونة باللغة البالية، وهو سائد في بورما وسيلان وسيام.
ويمكن تقسيم انتشار البوذية إلى خمس مراحل:
1- من مطلع البوذية حتى القرن الأول الميلادي وقد دفع الملك آسوكا البوذية خارج حدود الهند وسيلان.
2- من القرن الأول حتى القرن الخامس الميلادي وفيها أخذت البوذية في الانتشار نحو الشرق إلى البنغال ونحو الجنوب الشرقي إلى كمبوديا وفيتنام ونحو الشمال الغربي إلى كشمير وفي القرن الثالث اتخذت طريقها إلى الصين وأواسط آسيا ومن الصين إلى كوريا.
3- من القرن السادس حتى القرن العاشر الميلادي وفيه انتشرت في اليابان ونيبال والتبت وتعد من أزهى مراحل انتشار البوذية.
4- من القرن الحادي عشر إلى القرن الخامس عشر وفيها ضعفت البوذية واختفى كثير من آثارها لعودة النشاط الهندوسي وظهور الإسلام في الهند فاتجهت البوذية إلى لاوس ومنغوليا وبورما وسيام.(68/179)
5- من القرن السادس عشر حتى الآن وفيه تواجه البوذية الفكر الغربي بعد انتشار الاستعمار الأوروبي وقد اصطدمت البوذية في هذه الفترة بالمسيحية(*) ثم بالشيوعية بعد أن صار الحكم في أيدي الحكومات الشيوعية.
ويتضح مما سبق:
أن البوذية فلسفة(*) وضعية انتحلت الصبغة الدينية وقد ظهرت في الهند بعد الديانة البرهمية، وقامت على أساس أن بوذا(*) هو ابن الله(*) ومخلص البشرية من مآسيها، وقد قال لأمه وهو طفل إنه أعظم الناس جميعاً، ولما مات بوذا قال أتباعه: إنه صعد إلى السماء بجسده بعد أن أكمل مهمته على الأرض وإنه سيرجع ثانية إلى الأرض ليعيد السلام والبركة إليها، ويقول البعض: إن بوذا أنكر الألوهية والنفس الإنسانية وأنه كان يقول بالتناسخ(*)، وتعتمد جميع كتب البوذيين على الآراء الفلسفية ومخاطبة الخيال وتختلف البوذية في الصين عنها في الهند بحسب نظرة الفلاسفة.
----------------------------
مراجع للتوسع :
- الملل والنحل جـ2، محمد بن عبد الكريم الشهرستاني.
- مقارنة الأديان (الديانات القديمة)، محمد أبو زهرة.
- في العقائد والأديان، د. محمد جابر عبد العال الحيني.
- المجلة العربية : مقال للدكتور محمد بن سعد الشويعر.
- المدخل إلى دراسة الأديان والمذاهب ، للعميد عبد الرزاق أسود.
-Encyclopedia Britannica, Vol. 3 P. 369 – 414 (Press 1979).
السيخية
التعريف :
السيخ: جماعة دينية من الهنود الذين ظهروا في نهاية القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر الميلاديين داعين إلى دين(*) جديد زعموا أن فيه شيئاً من الديانتين الإسلامية والهندوسية تحت شعار"لا هندوس ولا مسلمون". وقد عاد المسلمين خلال تاريخهم، وبشكل عنيف، كما عاد الهندوس بهدف الحصول على وطن خاص بهم، وذلك مع الاحتفاظ بالولاء(*) الشديد للبريطانيين خلال فترة استعمار الهند. وكلمة سيخ كلمة سنسكريتية تعني المريد أو التابع.
التأسيس وأبرز الشخصيات:(68/180)
كابر، ولد من أبوين هندوسيين في بنارس، وعرف عنه نقده لديانة آبائه الهندوسية.
المؤسس تاناك ويدعى غورو أي المعلم، ولد سنة 1469م في قرية ري بوي دي تلفندي التي تبعد 40 ميلاً عن لاهور، كانت نشأته هندوسية تقليدية.
لما شب عمل محاسباً لزعيم أفغاني في سلطانبور، وهناك تعرف على عائلة مسلمة ماردانا كانت تخدم هذا الزعيم. وقد أخذ ينظم الأناشيد الدينية، كما نظّم مقصفاً ليتناول المسلمون والهندوس الطعام فيه.
درس علوم الدين، وتنقل في البلاد، كما قام بزيارة مكة والمدينة، وزار أنحاء العالم المعروفة لديه وتعلم الهندية والسنسكريتية والفارسية.
ادعى أنه رأى الرب حيث أمره بدعوة البشر، ثم اختفى أثناء استحمامه في أحد الجداول، وغاب لمدة ثلاثة أيام ظهر بعدها معلناً "لا هندوس ولا مسلمون".
كان يدّعي حب الإسلام، مشدوداً إلى تربيته وجذوره الهندوسية من ناحية أخرى، مما دفعه لأن يعمل على التقريب بين الديانتين فأنشأ ديناً جديداً في القارة الهندية، وبعض الدارسين ينظرون إليه على أنه كان مسلماً في الأصل ثم ابتدع مذهبه(*) هذا.
أنشأ المعبد الأول للسيخ في كارتاربور بالباكستان حاليًّا وقبل وفاته عام 1539م عيّن أحد أتباعه خليفة له، وقد دفن في بلدة ديرة باباناناك من أعمال البنجاب الهندية الآن، ولا يزال له ثوب محفوظ فيه مكتوب عليه سورة الفاتحة وبعض السور القصيرة من القرآن.
خلفه من بعده عشرة خلفاء معلمون أخرهم غوبند سنغ 1675 – 1708م الذي أعلن انتهاء سلسلة المعلمين.
صار زعماؤهم بعد ذلك يعرفون باسم المهراجا ومنهم المهراجا رانجيت سنغ المتوفى سنة 1839م.
الأفكار والمعتقدات:
خلفية فكرية:
يدعون إلى الاعتقاد بخالق واحد، ويقولون بتحريم عبادة الأصنام، وينادون بالمساواة بين الناس.(68/181)
يؤكدون على وحدانية الخالق الحي الذي لا يموت، والذي ليس له شكل، ويتعدى أفهام البشر، كما يستعملون عدة أسماء للإله(*) منها واه غورو والجاب، وأفضلها عند ناناك "الخالق الحق" وكل ما عداه وَهْمٌ (مايا).
يمنعون تمثيل الإله في صور، ولا يقرون بعبادة الشمس والأنهار والأشجار التي يعبدها الهندوس، كما لا يهتمون بالتطهر والحج إلى نهر الغانج، وقد انفصلوا تدريجيَّا عن المجتمع الهندوسي حتى صارت لهم شخصية دينية متميزة.
أباح ناناك الخمر، وأكل لحم الخنزير، وقد حرم لحم البقر مجاراة للهنادكة.
أصول الدين(*) لديهم خمسة بانج كهكها أي الكافات الخمس ذلك أنها تبدأ بحرف الكاف باللغة الكورمكية، وهي:
1- ترك الشعر مرسلاً بدون قص من المهد إلى اللحد، وذلك لمنع دخول الغرباء بينهم بقصد التجسس.
2- أن يلبس الرجل سواراً حديداً في معصميه بقصد التذلل والإقتداء بالدراويش.
3- أن يلبس الرجل تباناً وهو أشبه بلباس السباحة تحت السراويل رمزاً للعفة.
4- أن يضع الرجل مشطاً صغيراً في شعر رأسه، وذلك لتمشيط الشعر وترجيله وتهذيبه.
5- أن يتمنطق السيخي بحربة صغيرة أو خنجر على الدوام، وذلك لإعطائه قوة واعتداداً، وليدافع به عن نفسه إذا لزم الأمر.
يُعتقد بأن هذه الأمور ليست من وضع ناناك بل هي من وضع الخليفة العاشر غوبند سنغ الذي حرّم أيضاً التدخين على أتباعه، ويقصد بهذه الأمور التميز عن جميع الناس.
معلمو السيخ ينكرون المعجزات والقصص والخرافات ذات الأساطير، إلا أنه على الرغم من ذلك فقد خلَّد السيخ معابد لهم غور دوارا مبنية على قصص تتحدث عن معجزات وقعت.
للمعلم ويسمي عندهم غورو درجة دينية تأتي بعد مرحلة الرب، فهو الذي يدل – في نظرهم – على الحق والصدق، كما أنهم يتعبدون الإله بإنشاد الأناشيد الدينية التي نظمها المعلمون.(68/182)
يعتقدون بأن ترديد أسماء الإله(*) الناما يطهر المرء من الذنوب ويقضي على مصادر الشر في النفوس، وإنشاد الأناشيد كيرتا والتأمل بتوجيه من معلم غورو كل هذا يؤدي إلى الاتصال بالإله.
يعتقدون بأن روح كل واحد من المعلمين تنتقل منه إلى المعلم التالي له.
هناك بعض التنبؤات وأسمها ساوساكي المائة قصة والمنسوبة إلى المعلم غوبند سنغ والتي تدور حول الانقلابات في الحكم القائم ومجيء مخلص ينشر السيخية في جميع أنحاء العالم.
يؤمنون بولادة الإنسان وموته ثم إعادة ولادته كارما بحيث تتقرر حياة الإنسان المستقبلية على ضوء حياته السابقة، ويتوقف خلاصه على هذه المرحلة.
إن توجيه المعلم غورو أساسي للوصول إلى مرحلة الانعتاق موكا.
يقدسون العدد خمسة الذي له معنى صوفي في أرض البنجاب أي الأنهار الخمسة.
الخلافات الدينية يحلها مجلس ديني يعقد في أمر تيسار وقرارات هذا المجلس لها قوة روحية.
ليس لديهم طبقة دينية مشابهة للبراهمة الهندوس، إذ إنهم – عموماً – يرفضون مبدأ الطبقات الهندوسي كما يعارضون احتكار طبقة البراهمة(*) للتعاليم الدينية.
يقسمون أنفسهم على أساس عرقي.. منهم الجات (قبائل زراعية) وغير الجات، والمذاهبي، وهم المنبوذون، لكن وضعهم أفضل بكثير من وضع المنبوذين لدى الهندوس.
يتزوجون من زوجة واحدة فقط.
أعياد السيخ هي نفس أعياد هندوس الشمال في الهند بالإضافة إلى عيد مولد أول وأخر غورو وعيد ذكرى استشهاد الغورو الخامس والتاسع.
خالصادال (الباختا):
تعرض السيخ لاضطهاد المغول الذين أعدموا اثنين من معلميهم، وقد كان أشد المغول عليهم نادر شاه 1738 – 1839م الذي هاجمهم مما اضطرهم إلى اللجوء إلى الجبال والشعاب.
قام غوبند سنغ وهو المعلم العاشر بإنشاء منظمة الباختا أي خالصادال التي سمى رجالها "أسوداً" ونساءها "لبؤات".
هدف شباب السيخ أن يصبحوا مؤهلين لأن يكونوا من رجال الخالصادال ويطلعوا على تعاليمها.(68/183)
إن الخالصادال مجموعة من الشباب الذين يرتبطون بنظام سلوكي ديني قاس، حيث ينصرفون إلى الصلاة والقتال من أجل الحق والعدل الذي يعتقدون به ممتنعين عن المخدرات والمسكرات والتبغ.
صاروا بعد عام 1761م حكاماً للبنجاب وذلك بعد ضعف المغول، حيث احتلوا لاهور عام 1799م. وفي عام 1819م امتدت دولتهم إلى بلاد الباتان، وقد وصلت إلى ممر خيبر في عهد المهراجا رانجيت سنغ ت1839م متغلبين على الأفغان.
عندما وصل الإنجليز حصلت مصادمات بينهم وبين السيخ واضطروهم لأن يتراجعوا ويتوقفوا عند نهر سوتلج واعتبار ذلك حدوداً لدولة السيخ من الناحية الجنوبية الشرقية.
انكسروا بعد ذلك وتراجعوا أكثر، وأجبرهم البريطانيون على دفع غرامة كبيرة وتسليم جامو وكشمير، كما عينوا في لاهور مقيماً بريطانياً يدير بقية مملكة السيخ.
صاروا بعد ذلك شديدي الولاء(*) للإنجليز، بل ساعدوهم على احتلال البنجاب.
تحول السيخ إلى أداة في أيدي الإنجليز يضطهدون بهم حركات التمرد 1857م.
حصلوا من الإنجليز على امتيازات كثيرة، منها منحهم أراض زراعية وإيصال الماء إليها عبر قنوات مما جعلهم في رخاء مادي يمتازون به عن جميع المقيمين في المنطقة.
في الحرب العالمية الأولى كانوا يشكلون أكثر من 20% من الجيش الهندي البريطاني.
انضموا إلى حركة غاندي في طلب الحرية(*) وذلك إثر قيام مشكلات بينهم وبين الإنجليز.
بعد عام 1947م صاروا مقسمين بين دولتين: الهند والباكستان، ثم اضطر مليونان ونصف المليون منهم أن يغادروا باكستان إلى الهند إثر صدامات بينهم وبين المسلمين.
ألغت الحكومة الهندية الامتيازات التي حصل عليها السيخ من الإنجليز مما دفعهم إلى المطالبة بولاية البنجاب وطناً لهم.(68/184)
على إثر المصادمات المستمرة بين الهندوس والسيخ أمرت أنديرا غاندي رئيسة وزراء الهند في شهر يونيو 1984م باقتحام المعبد الذهبي في أمرتيسار حيث اشتبك الطرفان وقتل فيه حوالي 1500 شخص من السيخ و500 شخص من الجيش الهندي.
وفي يوم 31 أكتوبر 1984م أقدم السيخ على قتل رئيسة الوزراء هذه انتقاماً لاقتحام المعبد، وقد حصلت مصادمات بين الطرفين عقب الاغتيال قتل بسببها عدة آلاف من السيخ يقدرها بعضهم بحوالي خمسة آلاف شخص.
اشتهر السيخ خلال حكمهم بالعسف والظلم والجور والغلظة على المسلمين من مثل منعهم من أداء الفرائض الدينية والأذان وبناء المساجد في القرى التي يكونون فيها أكثرية وذلك فضلاً عن المصادمات المسلحة بينهما والتي يقتل فيها كثير من المسلمين الأبرياء.
كتبهم:
كتاب آدي غرانت وهو مجموعة أناشيد دينية ألفها المعلمون الخمسة الأوائل وتبلغ نحواً من 6000 نشيد ديني، كما ضم إليها المعلم الأخير غوبند سنغ 115 نشيداً نظمها أبوه تيغ بهادور كما تحتوي على أناشيد نظمها شيوخ من الخالصادال الباختا وبعض رجال الصوفية المسلمين من مثل ابن الفارض على وجه الخصوص وبعض شعراء بلاط غورو، وهذا الكتاب هو الكتاب المقدس الذي يعتبر أساس السلطة الروحية لديهم.
أقدم مصدر عن حياة ناناك كتب بعد وفاته بخمسين إلى ثمانين عاماً، ومعظم علماء السيخ يرفضون عدداً من القصص الواردة فيه.
هناك كتابات تاريخية سيخية ترجع إلى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
لهم كتاب مقدس مكتوب باللغة الكورمكية يسمونه كرانته صاحب.
الجذور الفكرية والعقائدية:
ترجع حركتهم في الأصل إلى ظهور حركة فيسنافا باختي التي بدأت بالظهور بين الهندوس في منطقة التأمل، ووصلت إلى الشمال على يد رامانوجا 1050 – 1137م.
وفي القرنين الرابع عشر والخامس عشر، وبعد الاحتكاك بالمسلمين ، انتشرت هذه الحركة في سهل الغانج.(68/185)
لذا يقال بأن ناناك 1469 – 1538م لم يكن الأول في مذهبه(*) السيخي هذا، وإنما سبقه إليه شخص آخر صوفي اسمه كابير 1440 – 1518م درس الدين(*) الإسلامي والهندوكي وكان حركة اتصال بين الدينين إذ أراد أن يؤلف بينهما عن طريق التوجيه والتأمل الصوفي.
كان كابير هذا يتساهل في قبول كثير من العقائد الهندوكية ويضمها إلى الإسلام شريطة بقاء التوحيد أساساً، لكنه لم يفلح إذ انقرض مذهبه بموته مخلفاً مجموعة أشعار باللغة البنجابية تُظهر تمازج العقيدتين المختلفتين الهندوسية والإسلامية مرتبطتين برباط صوفي يجمع بينهما.
أصل نظريتهم عن الكون مستمدة من النصوص الهندوسية.
إنهم يحرقون موتاهم كالهندوس.
الانتشار ومواقع النفوذ:
لهم بلد مقدس يعقدون فيه اجتماعاتهم المهمة، وهي مدينة أمرتيسار من أعمال البنجاب وقد دخلت عند التقسيم في أرض الهند.
هناك أربعة عروش تتمتع بالقداسة عقل تخت وهي في أمرتيسار، وأناندبور، وباتنا، وباندد.
لهم في مدينة أمرتيسار أكبر معبد يحجون إليه ويسمى دربار صاحب أي مركز ديوان السيد الملك، وأما سائر المعابد فتسمى كرو داوره أي مركز الأستاذ.
أكثرية السيخ وهم الأقلية الثالثة بعد الإسلام والمسيحية(*) تقطن البنجاب إذ يعيش فيها 85% منهم، فيما تجد الباقي في ولاية هاريانا، وفي دلهي، وفي أنحاء متفرقة من الهند، وقد أستقر بعضهم في ماليزيا وسنغافورة وشرق إفريقيا وإنجلترا والولايات المتحدة وكندا، ورحل بعضهم إلى دول الخليج العربي بقصد العمل.
لهم لجنة تجتمع كل عام منذ سنة 1908م، تنشئ المدارس وتعمل على إنشاء كراسي في الجامعات لتدريس ديانة السيخ ونشر تاريخها.
انشق قسم من السيخ عن الاتجاه العام متبعين ابن ناناك الأكبر وسموا أدواسي إذ يتجه هؤلاء نحو التصوف، أما الخالصادال فلا يؤمنون بانتهاء سلالة الغورو غوبند سنغ العاشر ، بل يعتقدون بأن هنالك معلماً حياً بين الناس ما يزال موجوداً.(68/186)
لديهم اعتقاد راسخ بضرورة إيجاد دولة لهم وأن ذلك أحد أركان الإيمان لديهم إذ ينشدون في نهاية كل عبادة نشيداً يقولون فيه: "سيحكم رجال الخالصادال" كما يحلمون بأن تكون عاصمتهم في شانديغار.
يقدر عدد السيخ حاليًّا بحوالي 15 مليون نسمة داخل الهند وخارجها.
ويتضح مما سبق:
إن عقيدة السيخ تعتبر إحدى حركات الإصلاح الديني التي تأثرت بالإسلام واندرجت ضمن محاولات التوفيق بين العقائد ولكنها ضلت الطريق حيث لم تتعرف على الإسلام بما فيه الكفاية من ناحية ولأن الأديان(*) ينزل بها الوحي(*) من السماء ولا مجال لاجتهاد البشر بالتلفيق والتوليف واختيار عناصر العقيدة من هنا وهناك.
مراجع للتوسع:
مجلة الدعوة المصرية، العدد 95 – ذو الحجة 1404هـ سبتمبر 1984م.
- Encyclopaedia Britannica, 1974.
- J.D. Cunningham: History of the Sikhs, 2 nd ed. (1953).
- M.A. Macauliffe: The Sikh religion, 6 Vol. (1909).
- Sher Singh: Philosophy of Sikhism (1944).
- Khushwant Singh: A History of the Sikhs, 2 Vol, (1963 – 1966).
- W.H. Ncloed: Guru Nanak and the Sikh religion (1968).
المهاريشية
التعريف :
المهاريشية نحلة هندوسية دهرية ملحدة، انتقلت إلى أمريكا وأوروبا متخذة ثوباً عصريًّا من الأفكار التي لم تخف حقيقتها الأصلية، وهي تدعو إلى طقوس كهنوتية من التأمل التصاعدي (التجاوزي) بغية تحصيل السعادة الروحية، وهناك دلائل تشير إلى صلتها بالماسونية والصهيونية التي تسعى إلى تحطيم القيم والمثل الدينية وإشاعة الفوضى الفكرية والعقائدية والأخلاقية بين الناس.
التأسيس وأبرز الشخصيات :
مؤسسها فقير هندوسي لمع نجمه في الستينات واسمه مهاريشي – ماهيش – يوجي انتقل من الهند ليعيش في أمريكا ناشراً أفكاره بين الشباب الضائع الذي يبحث عن المتعة الروحية بعد أن أنهكته الحياة المادية الصاخبة.(68/187)
بقي في أمريكا مدة 13 سنة حيث التحق بركب نحلته الكثيرون، ومن ثم رحل لينشر فكرته في أوروبا وفي مختلف بلدان العالم.
في عام 1981م انتسب إلى هذه الفرقة ابن روكفلر عمدة نيويورك السابق وخصص لها جزءً من أمواله يدفعها سنويًّا لهذه الحركة، ومعروف انتماء هذه الأسرة اليهودية إلى الحركة الصهيونية والمؤسسات الماسونية.
الأفكار والمعتقدات:
لا يؤمن أفراد هذه النحلة بالله سبحانه وتعالى، ولا يعرفون إلا المهاريشي إلهاً(*) وسيداً للعالم.
لا يؤمنون بدين(*) من الأديان السماوية، ويكفرون بجميع العقائد والمذاهب(*)، ولا يعرفون التزاماً بعقيدة إلا بالمهاريشية التي تمنحهم الطاقة الروحية – على حد زعمهم – وهم يرددون: لا رب .. لا دين.
لا يؤمنون بشيء اسمه الآخرة أو الجنة أو النار أو الحساب.. ولا يهمهم أن يعرفوا مصيرهم بعد الموت لأنهم يقفون عند حدود متع الحياة الدنيا لا غير.
حقيقتهم الإلحاد(*)، لكنهم يظهرون للناس أهدافاً براقة لتكون ستاراً يخفون بها تلك الحقيقة. فمن ذلك أنهم يدعون إلى التحالف من أجل المعرفة أو علم الذكاء الخلاق ويفسرون ذلك على النحو التالي:
علم: من حيث دعوتهم إلى البحث المنهجي التجريبي.
الذكاء: من حيث الصفة الأساسية للوجود متمثلاً في هدف ونظام للتغيير.
الخلاق: من حيث الوسائل القوية القادرة على إحداث التغييرات في كل زمان ومكان.
وهم يصلون إلى ذلك عن طريق (التأمل التجاوزي) الذي يأخذ بأيديهم – كما يعتقدون- إلى إدراك غير محدود.
(التأملات التجاوزية) تتحقق عن طريق الاسترخاء، وإطلاق عنان الفكر والضمير والوجدان حتى يشعر الإنسان منهم براحة عميقة تنساب داخله، ويستمر في حالته الصامتة تلك حتى يجد حلاًّ للعقبات والمشكلات التي تعترض طريقه، وليحقق بذلك السعادة المنشودة.
يخضع المنتسب للتدريب على هذه التأملات التصاعدية خلال أربع جلسات موزعاً على أربعة أيام، وكل جلسة مدتها نصف ساعة.(68/188)
ينطلق الشخص بعد ذلك ليمارس تأملاته بمفرده على أن لا تقل كل جلسة عن عشرين دقيقة صباحاً ومثلها مساءً كل يوم وبانتظام.
من الممكن أن يقوموا بذلك بشكل جماعي، ومن الممكن أن يقوم به عمال في مصنع رغبةً في تجاوز إرهاقات العمل وزيادة الإنتاج.
يحيطون تأملاتهم بجو من الطقوس الكهنوتية مما يجعلها جذابة للشباب الغربي الغارق في المادة والذي يبحث عما يلبي له أشواقه الروحية.
ينطلقون في الشوارع يقرعون الطبول، وينشدون، دون إحساس بشيء اسمه الخجل أو العيب أو القيم، ويرسلون شعورهم ولحاهم، ولعل بعضهم يكون حليق الرأس على نحو شاذ، وهيئتهم رثة، كل ذلك جذباً للأنظار، وتعبيراً عن تحللهم من كل القيود.
استعاض المهاريشية عن النبوة(*) والوحي(*) بتأملاتهم الذاتية، واستعاضوا عن الله بالراحة النفسية التي يجدونها، وبذلك أسقطوا عن اعتبارهم مدلولات النبوة والوحي والألوهية.
يطلقون العنان لشبابهم وشاباتهم لممارسة كل أنواع الميول الجنسية الشاذة والمنحرفة، إذ إن ذلك- كما يعتقدون – يحقق لهم أعلى مستوى من السعادة. وقد وجد بينهم ما يسمى بالبانكرز وما يسمى بالجنس الثالث.
يدعون شبابهم إلى عدم العمل، وإلى ترك الدراسة، وإلى التخلي عن الارتباط بأرض أو وطن، فلا يوجد لديهم إلا عقيدة المهاريشي، فهي العمل وهي الدراسة وهي الأرض وهي الوطن.
عدم إلزام النفس بأي قيد يحول بينها وبين ممارسة نوازعها الحيوانية الطبيعية.
يحثون شبابهم على استخدام المخدرات كالماريجوانا والأفيون حتى تنطلق نفوسهم من عقالها سابحة في بحر من السعادة الموهومة.
يلزمون أتباعهم بالطاعة العمياء للمهاريشي وعدم الخضوع إلاّ له إذ إنه هو الوحيد الذي يمكنه أن يفعل أي شيء.
يلخصون أهدافهم ومجالات عملهم بسبع نقاط براقة تضفي على حركتهم جوًّا من الروح العلمية الإنسانية العالمية وهي أهداف لا يكاد يكون لها وجود في أرض الواقع وهي:
1- تطوير كل إمكانات الفرد.(68/189)
2- تحسين الإنجازات الحكومية.
3- تحقيق أعلى مستوى تعليمي.
4- التخلص من كل المشكلات القديمة للجريمة والشر، ومن كل سلوك يؤدي إلى تعاسة الإنسانية.
5- زيادة الاستغلال الذكي للبيئة.
6- تحقيق الطموحات الاقتصادية للفرد والمجتمع.
7- إحراز هدف روحي للإنسانية.
أما وسائلهم المعتمدة لتحقيق هذه الأفكار فهي:
1- افتتاح الجامعات في الأرياف والمدن.
2- نشر دراسات عن علم الذكاء الخلاق والدعوة إلى تطبيقها على المستوى الفردي والحكومي والتعليمي والاجتماعي وفي مختلف البيئات.
3- إيجاد تلفزيون ملون عالمي لبث التعاليم من عدة مراكز في العالم.
الجذور الفكرية والعقائدية:
إنها ديانة(*) هندوسية مصبوغة بصبغة عصرية جديدة من الحرية(*) والانطلاق.
إنها مزيج من اليوغا(*) ومن الرياضات المعروفة عند الهندوس.
خالطت معتقداتها طقوس صوفية بوذية هندية.
تأثر مذهبهم بنظرية أفلوطين الإسكندري في الفلسفة الإشراقية.
إن استشراف الحق عن طريق التأمل الذاتي نظرية قديمة في الفلسفة(*) اليونانية وقد بعثت هذه النظرية من جديد على يد ماكس ميلر، وهربرت سبنسر، وبرجسون، وديكارت، وجيفونس، وأوجست، وغيرهم.
كان لفلسفة فرويد ونظريته في التحليل النفسي ولآرائه في الكبت وطرق التخلص منه النصيب الوافر في معتقدات هذه النحلة التي راحت تبحث عن سعادتها عن طريق الإرواء الجنسي بشتى صوره.
الانتشار ومواقع النفوذ:
مؤسسها هندوسي لم يجد له مكاناً في الهند لمضايقة الهندوس له لخوفهم من استقطابه الأتباع بسبب إتباعه سياسة الانفتاح الجنسي.
انتقل إلى أمريكا وأنشأ جامعة في كاليفورنيا، ومن ثم انتقل إلى أوروبا وصار له أتباع فيها، ورحل بحركته إلى أفريقيا ليقيم لها أرضية في ساليسبورغ، ووصلت دعوته إلى الخليج العربي ومصر حيث يزرع الأتباع هنا وهناك ويتحرك فوق ثروة مالية هائلة.(68/190)
وتملك المهاريشية إمكانيات مادية رهيبة تدعو إلى التساؤل والاستغراب، وتشير إلى الأيدي الصهيونية والماسونية التي تقف وراءها مستفيدة من تدميرها لأخلاق(*) وقيم الأمم.
في عام 1971م أنشأ زعيمهم جامعة كبيرة في كاليفورنيا سماها (جامعة المهاريش العالمية) ويقول بأنه فعل ذلك بعد أن أحس بتقبل مذهبه في أكثر من 600 كلية وجامعة في أنحاء العالم.
وفي عام 1974م أُعلن عن قيام الحكومة العالمية لعصر الانبثاق برئاسة مهاريشي – ماهيشي – يوجي ومقرها سويسرا كما أن لهذه الدولة دستوراً ووزراءً وأتباعاً وثروة طائلة واستثمارات في مختلف أنحاء العالم.
في كانون الأول 1978م ادعوا بأن حكومتهم المهاريشية قد أرسلت إلى إسرائيل بعثة من 400 محافظ ليقيموا دورة هناك لثلاثمائة رجل حتى تجعل الشعب أكثر اجتماعية وأقل حدةً وتوتراً.
يعتبر عام 1978م عام السلام لديهم حيث إنهم قد أعلنوا أنه لن تقهر أمة في العالم بعد ذلك. وقد دعوا في ذلك العام إلى عقد مؤتمر في ساليسبورغ لتكوين نظام عدم القهر لأية أمة، كما أسس فيه المجلس النيابي لعصر الانبثاق.
كتبهم ومطبوعاتهم تكتب بماء الذهب، وهم يمتلكون أكبر المصانع والعقارات في أوروبا، وقد اشتروا قصر برج مونتمور في بريطانيا لتأسيس عاصمتهم الجديدة هناك.
يحرصون دائماً على اعتبار مؤسستهم مؤسسة خيرية معفاة من الضرائب على الرغم من غناهم الفاحش.
يخدم مع المهاريشي سبعة آلاف خبير، ويشتري هذا المهاريشي، الفقير أصلاً، عشرات القصور الفارهة فمن أين له ذلك؟
إن اليهودية قد وجدت فيها خير وسيلة لنشر الانحلال والفوضى بين البشر فتبنتها ووقفت وراءها مسخرة لها الأموال والصحافة وعقدت لها المناقشات لطرح نظريتها والدعوة إليها.
وصل بعضهم إلى دبي وعقدوا اجتماعاً في فندق حياة ريجنسي يدعون فيها علانية لمذهبهم وقد ألقي القبض على هؤلاء الأشخاص الأربعة الذين قدموا إليها بتأشيرة سياحية ثم أُبعدوا عن البلاد.(68/191)
وصل بعضهم إلى الكويت وتقدموا بطلب للحصول على ترخيص لهم باعتبارهم مؤسسة خيرية غير تجارية، وقد نشروا في الصحافة الكويتية أكثر من مقال وبث لهم التلفزيون الكويتي بعض المقابلات قبل أن تتضح أهدافهم الحقيقية.
نظموا دورة لموظفي وزارة المواصلات في الكويت في فندق هيلتون وقد دعوا الموظفين أثناء الدورة إلى مراجعة مواريثهم العقائدية والفكرية.
طُرد المهاريشي من ألمانيا بعد أن ظهر أثره السيئ على الشباب.
نشرت رابطة العالم الإسلامي في مكة بياناً أوضحت فيه خطر هذا المذهب على الإسلام والمسلمين مؤكدة ارتباطه بالدوائر الماسونية والصهيونية.
ويتضح مما سبق:
أن المهاريشية دين(*) هندوسي وضعي دهري ملحد، لا يعترف بالآخرة، ويدعو إلى إلغاء كافة العقائد والأديان السابقة، ويطالب التخلي عن كل القيود والتعاليم الخلقية، ويسعى لاستقطاب الشباب وإغراقه في متاهات التأمل التجاوزي والانحلال الجنسي والسقوط فريسة سهل للمخدرات.
والحقيقة أن المهاريشية ما هي إلا ضلالة جديدة انتهزت فرصة إخفاق النصرانية في احتواء الشباب، وظهور صرعات الهيبيز والخنافس وأبناء الزهور، فتقدمت لتملأ الفراغ، تحت وهم جلب الراحة النفسية ومطاردة موجات القلق والاضطراب، عن طريق الرياضات الروحية، بعيداً عن طريق الوحي(*) والنبوات(*).
ولا يستبعد أن تكون ذراعاً جديداً للماسونية، ويرى الكثيرون في ماهيش يوغي مؤسس المهاريشية أنه راسبوتين العصر، لطابع الدجل والاستغلال والانحراف الذي يتحلى به.
----------------------------
مراجع للتوسع :
- مجلة المجتمع الكويتية، العدد 286 في 10 صفر 1396هـ.
- مجلة المجتمع الكويتية، العدد 296 في 20 ربيع الآخر 1396هـ/ 20 إبريل 1976م.
- مجلة المجتمع الكويتية، العدد 299 في مايو 1976م/ جمادى الأولى 1396هـ.
- مجلة نيوزويك، العدد الصادر في 8 مارس 1976م.
- مجلة الإصلاح الاجتماعي، الإمارات – شعبان 1404هـ/ مايو 1984م.(68/192)
- مجلة الجندي المسلم، المملكة العربية السعودية – العدد 35 ربيع الأول 1405هـ.
المذاهب الفلسفية والمدارس الأدبية
1-وحدة الوجود
2- اللذة
3-الأفلاطونية الحديثة
4-العقلانية
5-النزعة الإنسانية
6-الإلحاد
7-المنفعة
8-الوضعية
9-المثالية
10-الوجودية
11-الفرويدية
12-الذرائعية "البرجماتية"
13-الروحية الحديثة
وحدة الوجود
التعريف :
وحدة الوجود مذهب(*) فلسفي لا ديني يقول بأن الله والطبيعة(*) حقيقة واحدة، وأن الله هو الوجود الحق، ويعتبرونه – تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً – صورة هذا العالم المخلوق، أما مجموع المظاهر المادية فهي تعلن عن وجود الله دون أن يكون لها وجود قائم بذاته.
ونحن نوضح هذا المذهب لأن آثاره وبعض أفكاره لا زالت مبثوثة في فكر أكثر أهل الطرق الصوفية المنتشرة في العالم العربي والإسلامي، وفي أناشيدهم وأذكارهم وأفكارهم.
والمذهب كما سنرى موجود في الفكر النصراني واليهودي أيضاً، وقد تأثر المنادون بهذا الفكر من أمثال: ابن عربي، وابن الفارض وابن سبعين والتلمساني بالفلسفة الأفلاطونية المحدثة، وبالعناصر التي أدخلها إخوان الصفا من إغريقية ونصرانية وفارسية الأصل ومنها المذهب المانوي والمذهب الرزرادشتي وفلسفة(*) فيلون اليهودي وفلسفة الرواقيين(*).
التأسيس وأبرز الشخصيات وأهم آرائها:
إن فكرة وحدة الوجود قديمة جداً، فقد كانت قائمة بشكل جزئي عند اليونانيين القدماء، وهي كذلك في الهندوسية الهندية. وانتقلت الفكرة إلى بعض الغلاة من متصوفة المسلمين من أبرزهم: محي الدين ابن عربي وابن الفارض وابن سبعين والتلمساني. ثم انتشرت في الغرب الأوروبي على يد برونو النصراني وسبينوزا اليهودي.
ومن أبرز الشخصيات وأفكارهم:
ابن عربي 560هـ – 638هـ:(68/193)
هو محي الدين محمد بن علي بن محمد بن عبد الله العربي، الحاتمي، الطائي، الأندلسي وينتهي نسبه إلى حاتم الطائي، أحد مشاهير الصوفية، وعرف بالشيخ الأكبر ولد في مرسية سنة 560هـ وانتقل إلى أشبيلية، حيث بدأ دراسته التقليدية بها ثم عمل في شبابه كاتباً لعدد من حكام الولايات.
في سن مبكرة وبعد مرض ألم به كان التحول الكبير في حياته، حيث انقلب بعد ذلك زاهداً سائحاً منقطعاً للعبادة والخلوة، ثم قضى بعد ذلك حوالي عشر سنين في مدن الأندلس المختلفة وشمالي إفريقية بصحبة عدد من شيوخ الصوفية.
في الثلاثين من عمره انتقل إلى تونس ثم ذهب إلى فاس حيث كتب كتابه المسمى: الإسراء إلى مقام الأسرى ثم عاد إلى تونس، ثم سافر شرقاً إلى القاهرة والقدس واتجه جنوباً إلى مكة حاجاً، ولزم البيت الحرام لعدد من السنين، وألف في تلك الفترة كتابه تاج الرسائل، وروح القدس ثم بدأ سنة 598 هـ بكتابة مؤلفه الضخم الفتوحات المكية.
في السنين التالية نجد أن ابن عربي ينتقل بين بلاد الأناضول وسورية والقدس والقاهرة ومكة، ثم ترك بلاد الأناضول ليستقر في دمشق. وقد وجد ملاذاً لدى عائلة ابن الزكي وأفراد من الأسرة الأيوبية الحاكمة بعد أن وجه إليه الفقهاء سهام النقد والتجريح، بل التكفير(*) والزندقة(*). وفي تلك الفترة ألف كتابه فصوص الحِكَم وأكمل كتابه الفتوحات المكية وتوفي ابن عربي في دار القاضي ابن الزكي سنة 638هـ ودفن بمقبرة العائلة على سفح جبل قسيون.
· مذهبه في وحدة الوجود:
يتلخص مذهب ابن عربي في وحدة الوجود في إنكاره لعالم الظاهر ولا يعترف بالوجود الحقيقي إلا لله، فالخلق هم ظل للوجود الحق فلا موجود إلا الله فهو الوجود الحق.
فابن عربي يقرر أنه ليس ثمة فرق بين ما هو خالق وما هو مخلوق ومن أقواله التي تدل على ذلك:
"سبحان من أظهر الأشياء وهو عينها".
ويقول مبيناً وحدة الوجود وأن الله يحوي في ذاته كل المخلوقات:(68/194)
يا خالق الأشياء في نفسه *** أنت لما تخلق جامع
تخلق ما لا ينتهي كونه *** فيك فأنت الضيق الواسع
ويقول أيضاً :
فالحق خلق بهذا الوجه فاعتبروا *** وليس خلقاً بذاك الوجه فاذكروا
جمِّع وفرّق فإن العين واحدة *** وهي الكثيرة لا تبقي ولا تذرْ
وبناءً على هذا التصور فليس ثمة خلق ولا موجود من عدم بل مجرد فيض(*) وتجليّ ومادام الأمر كذلك، فلا مجال للحديث عن علة أو غاية، وإنما يسير العالم وفق ضرورة مطلقة ويخضع لحتمية(*) وجبرية(*) صارمة.
وهذا العالم لا يتكلم فيه عن خير وشر ولا عن قضاء(*) وقدر(*) ولا عن حرية(*) أو إرادة ومن ثم لا حساب ولا مسؤولية وثواب ولا عقاب، بل الجميع في نعيم مقيم والفرق بين الجنة والنار إنما هو في المرتبة فقط لا في النوع.
وقد ذهب ابن عربي إلى تحريف آيات القرآن لتوافق مذهبه(*) ومعتقده، فالعذاب عنده من العذوبة، والريح التي دمرت عاد هي من الراحة لأنها أراحتهم من أجسامهم المظلمة، وفي هذه الريح عذاب وهو من العذوبة:
ومما يؤكد على قوله بالجبر(*) الذي هو من نتائج مذهبه الفاسد:
الحكم حكم الجبر والاضطرار *** ما ثم حكم يقتضي الاختيار
إلا الذي يعزى إلينا ففي *** ظاهره بأنه عن خيار
لو فكر الناظر فيه رأى *** بأنه المختار عن اضطرار
وإذا كان قد ترتب على قول ابن عربي بوحدة الوجود قوله بالجبر ونفى الحساب والثواب والعقاب. فإنه ترتب على مذهبه أيضاً قوله بوحدة الأديان(*). فقد أكد ابن عربي على أن من يعبد الله ومن يعبد الأحجار والأصنام كلهم سواء لأنهم في الحقيقة ما عبدوا إلا الله إذ ليس ثمة فرق بين خالق ومخلوق.
يقول في ذلك:
لقد صار قلبي قابلاً كل صورة *** فمرعى لغزلان ودير لرهبان
وبيت لأوثان وكعبة طائف *** وألواح توراة ومصحف قرآن(68/195)
فمذهب وحدة الوجود الذي قال به ابن عربي يجعل الخالق والمخلوق وحدة واحدة سواء بسواء، وقد ترتب على هذا المذهب نتائج باطلة قال بها ابن عربي وأكدها وهي قوله بالجبر ونفيه الثواب والعقاب وكذا قوله بوحدة الأديان.
وقد تابع ابن عربي في القول بوحدة الوجود تلاميذ له أعجبوا بآرائه وعرضوا لذلك المذهب(*) في أشعارهم وكتبهم من هؤلاء: ابن الفارض وابن سبعين والتلمساني.
أما ابن الفارض فيؤكد مذهبه في وحدة الوجود في قصيدته المشهورة بالتائية:
لها صلاتي بالمقام أقيمها *** وأشهد أنها لي صلَّت
كلانا مصل عابد ساجد إلى *** حقيقة الجمع في كل سجدة
وما كان لي صلى سواي فلم تكن *** صلاتي لغيري في أداء كل ركعة
ومازالت إياها وإياي لم تزل *** ولا فرق بل ذاتي لذاتي أحبت
فهو هنا يصرح بأنه يصلي لنفسه لأن نفسه هي الله. ويبين أنه ينشد ذلك الشعر لا في حال سُكْر(*) الصوفية بل هو في حالة الصحو(*) فيقول:
ففي الصحو بعد المحو لم أك غيرها *** وذاتي ذاتي إذا تحلت تجلت
والصوفية معجبون بهذه القصيدة التائية ويسمون صاحبها ابن الفارض بسلطان العاشقين، على الرغم مما يوجد في تلك القصيدة من كفر صريح والعياذ بالله.
وأما ابن سبعين فمن أقواله الدالة على متابعة ابن عربي في مذهب وحدة الوجود: قوله : رب مالك، وعبد هالك، وأنتم ذلك الله فقط، والكثرة وهم.
وهنا يؤكد ابن سبعين أن هذه الموجودات ليس له وجود حقيقي فوجودها وهم وليس ثمة فرق بين الخلق وبين الحق، فالموجودات هي الله!!
أما التلمساني وهو كما يقول الإمام ابن تيمية من أعظم هؤلاء كفراً، وهو أحذقهم في الكفر(*) والزندقة(*). فهو لا يفرق بين الكائنات وخالقها، إنما الكائنات أجزاء منه، وأبعاض له بمنزلة أمواج البحر في البحر، وأجزاء البيت من البيت، ومن ذلك قوله:
البحر لا شك عندي في توحده *** وإن تعدد بالأمواج والزبد
فلا يغرنك ما شاهدت من صور *** فالواحد الرب ساري العين في العدد(68/196)
ويقول أيضاً:
فما البحر إلا الموج لا شيء غيره *** وإن فرقته كثرة المتعدد
ومن شعره أيضاً:
أحن إليه وهو قلبي وهل يرى *** سواي أخو وجد يحن لقلبه؟
ويحجب طرفي عنه إذ هو ناظري *** وما بعده إلا لإفراط قربه
فالوجود عند التلمساني واحد، وليس هناك فرق بين الخالق والمخلوق، بل كل المخلوقات إنما هي الله ذاته.
وقد وجد لهذا المذهب(*) الإلحادي(*) صدى في بلاد الغرب بعد أن انتقل إليها على يد برونو الإيطالي ورَوّج له اسبينوزا اليهودي.
جيور وانو برونو 1548-1611م وهو مفكر إيطالي، درس الفلسفة واللاهوت في أحد الأديرة الدينية، إلا أنه خرج على تعاليم الكنيسة(*) فرمي بالزندقة، وفرّ من إيطاليا، وتنقل طريداً في البلدان الأوروبية وبعد عودته إلى إيطاليا وشي به إلى محاكم التفتيش فحكم عليه بالموت حرقاً.
باروخ سبينوزا 1632 – 1677م وهو فيلسوف هولندي يهودي، هاجر أبواه من البرتغال في فترة الاضطهاد الديني لليهود من قبل النصارى، ودرس الديانة اليهودية والفلسفة كما هي عند ابن ميمون الفيلسوف اليهودي الذي عاش في الأندلس وعند ابن جبريل وهو أيضاً فيلسوف يهودي عاش في الأندلس كذلك.
ومن أقوال سبينوزا التي تؤكد على مذهبه في وحدة الوجود:
ما في الوجود إلا الله، فالله هو الوجود الحق، ولا وجود معه يماثله لأنه لا يصح أن يكون ثم وجودان مختلفان متماثلان.
إن قوانين الطبيعة(*) وأوامر الله الخالدة شيء واحد بعينه، وإن كل الأشياء تنشأ من طبيعة الله الخالدة.
الله هو القانون الذي تسير وفقه ظواهر الوجود جميعاً بغير استثناء أو شذوذ.
إن للطبيعة عالماً واحداً هو الطبيعة والله في آن واحد وليس في هذا العالم مكان لما فوق الطبيعة.
ليس هناك فرق بين العقل(*) كما يمثله الله وبين المادة كما تمثلها الطبيعة(*) فهما شيء واحد.(68/197)
يقول الإمام ابن تيمية بعد أن ذكر كثيراً من أقوال أصحاب مذهب(*) وحدة الوجود "يقولون: إن الوجود واحد، كما يقول ابن عربي – صاحب الفتوحات – وابن سبعين وابن الفارض والتلمساني وأمثالهم – عليهم من الله ما يستحقونه – فإنهم لا يجعلون للخالق سبحانه وجوداً مبايناً لوجود المخلوق. وهو جامع كل شر في العالم، ومبدأ ضلالهم من حيث لم يثبتوا للخالق وجوداً مبايناً لوجود المخلوق وهم يأخذون من كلام الفلاسفة شيئاً، ومن القول الفاسد من كلام المتصوفة والمتكلمين شيئاً ومن كلام القرامطة والباطنية(*) شيئاً فيطوفون على أبواب المذاهب ويفوزون بأخسِّ المطالب، ويثنون على ما يذكر من كلام التصوف المخلوط بالفلسفة" (جامع الرسائل 1 – ص167).
الجذور الفكرية والعقائدية:
لقد قال بفكرة وحدة الوجود فلاسفة قدماء: مثل الفيلسوف اليوناني هيراقليطس فالله – سبحانه وتعالى – عنده نهار وليل وصيف وشتاء، ووفرة وقلة، جامد وسائل، فهو كالنار المعطرة تسمى باسم العطر الذي يفوح منها.
وقالت بذلك الهندوسية الهندية: إن الكون كله ليس إلا ظهوراً للوجود الحقيقي والروح الإنسانية جزء من الروح العليا وهي كالآلهة(*) سرمدية غير مخلوقة.
وفي القرن السابع الهجري قال ابن عربي بفكرة وحدة الوجود وقد سبق ذكر أقواله.
وفي القرن السابع عشر الميلادي ظهرت مقولة وحدة الوجود لدى الفيلسوف اليهودي سبينوزا، الذي سبق ذكره، ويرجح أنه اطلع على آراء ابن عربي الأندلسي في وحدة الوجود عن طريق الفيلسوف اليهودي الأندلسي ابن ميمون.
وقد أعجب سبينوزا بأفكار برونو الإيطالي الذي مات حرقاً على يد محاكم التفتيش، وخاصة تلك الأفكار التي تتعلق بوحدة الوجود. ولقد قال أقوالاً اختلف فيها المفكرون، فمنهم من عدُّوه من أصحاب وحدة الوجود، والبعض نفى عنه هذه الصفة.(68/198)
وفي القرن التاسع عشر الميلادي نجد أن مقول وحدة الوجود قد عادت تتردد على ألسنة بعض الشعراء الغربيين مثل بيرس شلي 1792 – 1822م فالله سبحانه وتعالى في رأيه – تعالى عما يقول: "هو هذه البسمة الجميلة على شفتي طفل جميل باسم، وهو هذه النسائم العليلة التي تنعشنا ساعة الأصيل، وهو هذه الإشراقة المتألقة بالنجم الهادي، في ظلمات الليل، وهو هذه الورود اليانعة تتفتح وكأنه ابتسامات شفاه جميلة إنه الجمال أينما وجد..".
وهكذا فإن لمذهب وحدة الوجود أنصار في أمكنة وأزمنة مختلفة.
موقف الإسلام من المذهب:
الإسلام يؤمن بأن الله جل شأنه خالق الوجود منزَّه عن الاتحاد(*) بمخلوقاته أو الحلول(*) فيها. والكون شيء غير خالقه، ومن ثم فإن هذا المذهب(*) يخالف الإسلام في إنكار وجود الله، والخروج على حدوده، ويخالفه في تأليه المخلوقات وجعل الخالق والمخلوق شيئاً واحداً، ويخالفه في إلغاء المسؤولية الفردية، والتكاليف الشرعية، والانسياق وراء الشهوات البهيمية، ويخالفه في إنكار الجزاء المسؤولية والبعث والحساب.
ويرى بعض الدعاة أن وحدة الوجود عنوان آخر للإلحاد(*) في وجود الله وتعبير ملتوٍ للقول بوجود المادة فقط وأن هذا المذهب تكئة لكل إباحي يلتمس السبيل إلى نيل شهواته تحت شعار من العقائد أو ملحد يريد أن يهدم الإسلام بتصيد الشهوات أو معطل يحاول التخلص من تكاليف الكتاب والسنة.
يتضح مما سبق:
أن هذا المذهب(*) الفلسفي هو مذهب لا ديني، جوهره نفي الذات الإلهية، حيث يوحِّد في الطبيعة بين الله تعالى وبين الطبيعة(*)، على نحو ما ذهب إليه الهندوس أخذاً من فكرة يونانية قديمة، وانتقل إلى بعض غلاة المتصوفة كابن عربي وغيره، وكل هذا مخالف لعقيدة التوحيد في الإسلام، فالله سبحانه وتعالى منزه عن الاتحاد بمخلوقاته أو الحلول فيها.
------------------------------
مراجع للتوسع :(68/199)
- الموسوعة الفلسفية المختصرة، مترجمة من الإنجليزية بإشراف زكي نجيب محمود دار القلم بيروت.
- معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، د. أحمد زكي بدوي، مكتبة لبنان – بيروت.
- قصة الفلسفة الحديثة، أحمد أمين، وآخر، لجنة التأليف والنشر – القاهرة.
- جامع الرسائل المجموعة الأولى، ابن تيمية، تحقيق محمد رشاد سالم، مطبعة المدني – القاهرة.
- المنقذ من الضلال، دراسة د. عبد الحليم محمود، دار الكتاب اللبناني بيروت ط. 1979م.
- فصوص الحكم، ابن عربي.
- الفتوحات المكية، ابن عربي.
- تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي ومعه نقد تائية ابن الفارض، برهان الدين البقاعي.
- إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان ابن قيم الجوزية.
- History of Philosophy by F.C. Copestone Burns – London 1947.
- History of Modern Philosophy by H. Hoffding. London 1956.
- Ethics by B. de Spinosa. Tr. Boyle. London 1955.
- Political Works by B. de Spinosa with tr. A. Wornham. O.V.P. Oxford ad New York 1958.
- Vindication of metaphysics: A study in the Philosophy of Spinoza by r.L. Saw Macmillan London 1951.
اللذة
التعريف :
اللذة: مذهب(*) غير أخلاقي فلسفي، يرى أن اللذة هي الشيء الخيِّر الوحيد في الوجود.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
اللذة مذهب قديم جديد في نفس الوقت، فهو قد تأسس بالفعل في العهد اليوناني القديم، وظهر بثوبه الجديد في مذهب المنفعة الذي نادى به فلاسفة أوروبا في الوقت الحاضر.
ومن أبرز شخصياته القديمة والجديدة:(68/200)
الفيلسوف أبيقور اليوناني 343 – 270 ق.م، ولد في أثينا في اليونان، وقد اختلف الكتَّاب في أفكاره وحياته الخاصة، فبعض الكتَّاب المتأخرين يصف حياته بالحياة المنعمة اللاأخلاقية، إلا أن البعض الآخر يقول بأن كل خطاباته تدل على أنه كان متواضعاً في طعامه، وأن مفهوم اللذة عنده لا يقصد به الإباحية الأخلاقية أو ما شابه ذلك من مفاهيم.
جيرمي بنتام 1748 – 1823م وهو أول فيلسوف إنكليزي أبرز مذهب اللذة في القرن التاسع الميلادي، وذلك في كتابه مقدمة لأصول الأخلاق والتشريع.
جون ستيوارت ميل 1806 – 1873م – وهو الفيلسوف الإنكليزي الذي نادى باللذة والمنفعة أيضاً.
جون لوك 1632 – 1704م وهو فيلسوف إنكليزي. قال بأن فكرة الخير: يجب أن تُعرّف بأنها هي نفسها كلمة اللذة أو على الأقل تعرف تعريفاً يردها إلى اللذة وعارض نظرية الحق الإلهي، وقال بأن الاختيار هو أساس المعرفة.
الأفكار والمعتقدات:
يمكن إجمال الأفكار الأساسية لأصحاب مذهب(*) اللذة فيما يلي:
إن اللذة هي وحدها الخير، وهي خير الدوام، ولا توجد اللذة إلا من خلال إقصاء الألم وكل ما يعكر صفو العقل(*). ولا يقصد باللذة لذَّات أصحاب الشهوات الحسية ولا إدمان الشراب.
اللذة نوعان:
1- لذة جسمية تبلغ أوج صورها في الصحة الجسمية الكاملة.
2- لذة عقلية وتعني التحرر الكامل من الخوف والقلق.
إن آلام العقل أقسى من آلام البدن التي يمكن تحملها والتي تنتهي لا محالة بالموت، والموت أمر طبيعي لا يوصف بأنه شر ولا بأنه خير كذلك.
لا يستطيع الإنسان أن يحيا حياة سعيدة ما لم يقض هذه الحياة في كل ما هو فاضل بالفعل، والحياة الفاضلة هي مصدر اللذة، لأن الإنسان يقضيها في تحصيل العلم أساساً.(68/201)
اللذة هي الشيء الوحيد الذي "هو خير في ذاته". والألم هو الشيء الوحيد الذي هو "شر في ذاته"، والسعادة تشمل اللذة والتخلص من الألم، وإن رجحان كفة اللذة يعني صيرورة حياة الإنسان مصدراً للمزيد من اللذة.
الجذور الفكرية العقائدية:
إن كلمة Hedonism مشتقة من الكلمة اليونانية Hoedone ومعناها: "اللذة" الحسية الدنيوية، وهي وحدها أساس اهتمام الفلاسفة الذين نادوا بها.
فأبيقور كان فيلسوفاً علميًّا، إذ لم يهتم بالفلسفة النظرية التي كان معاصروه يهتمون بها.. فتوجه إلى البحث عن سر السعادة البشرية سيما وأن الحياة اليونانية الوثنية(*) لا تهتم بالحياة الآخرة، وليس فيها أية قوانين خلقية روحية. وقد وجد أبيقور سر السعادة في اللذة، التي لا تعني إلا الخير.. ولذا فقد أساء البعض فهم اللذة عند أبيقور عندما تصوروا أنه لا يدعو إلا إلى اللذة الحسية.
أما الفلاسفة المحدثون أمثال بنتام ولوك وميل الذين قالوا بالمنفعة، فهم من الفلاسفة الماديين الحسيين.. ولذا فإن قولهم بمذهب المنفعة(*)، لا يعني سوى المنفعة المادية الحسية.
يتضح مما سبق :
أن اللذة مذهب(*) غير أخلاقي فلسفي يرى أن اللذة هي الشيء الخيِّر الوحيد في الوجود، واللذة إما أن تكون جسمية وإما أن تكون عقلية، وإذا كانت آلام العقل أقسى من آلام البدن، فإن الإنسان يجب أن يحيا حياة فاضلة حتى يستشعر اللذة، لأن رجحان كفة اللذة التي هي مبعث السعادة، يعني صيرورة حياة الإنسان مصدراً للمزيد من اللذة.
----------------------------
مراجع للتوسع :
- الموسوعة الفلسفية المختصرة، مترجمة عن الإنكليزية.. دار القلم – بيروت.
- قصة الفلسفة الحديثة، أحمد أمين وآخر- لجنة التأليف والنشر – القاهرة – 1978م.
- معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، د. أحمد زكي – مكتبة لبنان – بيروت.
- History of Philosophy by F.C. Copleston Burns – London 1947.(68/202)
- Epicurus and his gods Y.A.J. Festugire tre. C.W. Chilton, Oxford 1955.
- Bentham, ed. W. Harrison Blackwell, Oxford and Macmillan. New York 1948.
- Two Treatises of Government by J. Locke ed T. Cook, Hafner, London 1956.
- J. Looke by D.J. O’connor, London 1952.
الأفلاطونية الحديثة
التعريف :
الأفلاطونية الجديدة تسمية حديثة لآراء مجموعة من الفلاسفة والمفكرين الملاحدة تمتد من 250 ق.م حتى 550م وهذه الآراء تحاول إعطاء تفسير للكون والإنسان والحياة، لتلبية طموح الإنسان من النواحي الدينية والأخلاقية والعقلية. وهي تختلف اختلافاً جوهريًّا عن آراء أفلاطون اليوناني: إذ إنها تؤمن بإله(*) مفارق للكون. وهذا الإله يفيض(*) عنه الكون والوجود كله بما فيه من مخلوقات.
والأفلاطونية الجديدة أثّرت كثيراً – في طور أحدث – بأفكار بعض الفلاسفة المسلمين أمثال ابن سينا وغيره، ولا تزال تؤثر في كثير من الطرق الصوفية في العالم الإسلامي.. ومن هنا كان اهتمامنا بتوضيحها للقارئ المسلم.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
تأسست الأفلاطونية الجديدة في مدينة الإسكندرية على يد أفلوطين 205 – 270م الذي درس الفلسفة(*) اليونانية واطلع على الديانات القديمة والأساطير والسحر والشعوذة.. وكتب كتابات كثيرة في مذهبه الذي سنوضح أفكاره لاحقاً.
ثم جاء فرفرويوس 234 –305 م ونشر كتابات أفلوطين وهاجم النصرانية بكتابه ضد المسيحيين وله عدة مؤلفات أخرى.
ثم أتى مبليخوس توفي عام 330م الذي ألف عدة رسائل فلسفية، منها أسرار مصرية وهي تفسير فلسفي لطقوس مصر وتعاليمها الدينية قبل الإسلام.
وجاء أبرقلس 410 – 485م الرجل المدرسي في الأفلاطونية الجديدة الذي عرض المذهب في مؤلفين: مبادئ اللاهوت ولاهوت أفلاطون.(68/203)
أما أوغسطين 354 – 440م القديس الذي ولد في الجزائر من أم نصرانية وأب وثني، فقد انتسب إلى الأفلاطونية الجديدة، وقارن بينها وبين النصرانية، وقال بأن النصرانية هي الفلسفة الحقة!!
الأفكار والمعتقدات:
الأفلاطونية الجديدة خليط من الأفكار والفلسفات والمعتقدات الوثنية(*) واليهودية والنصرانية، والأساطير، وغيرها.
تدعو الأفلاطونية إلى إله(*) تفيض عنه الأشياء جميعاً بحيث لا تنفصل عنه، فيضاً لا يتحدد بزمن أو تاريخ ولا يتقيد بإرادة ولا ينقطع، وهذا الفيض(*) لا ينقص مصدره، بل يظل كاملاً غير منقوص.
وهذا الإله المبدأ الأسمى للوجود يطلق عليه واحد غير محدد بسيط لا كيف له، وهو الخير المطلق عندهم.
عملية الفيض الأزلية تبدأ أولاً بالعقل(*) أو الروح ثم النفس ثم الواقع الحسي في الزمان والمكان.
عملية الفيض دقيقة موزونة بحيث لا تترك نقصاً أو ثغرات في الكون، أما النقص الذي في الإنسان أو الشر فهو ناتج عن ابتعاد الإنسان عن الخير أو عن الألوهية، وينتج عن ذلك الشوق إلى العودة إلى الله.
الألوهية لا يمكن الوصول إليها عن طريق العقل، لأنه قاصر عن ذلك وإنما يمكن الوصول إليها عن طريق نوع آخر من المعرفة لا يتوصل إليها إلا بعد القضاء على نوازع الجسم المادي، والتطهير، ثم الفناء(*) في الواحد، وهذه هي حالة الوجد أو النشوة التي يطمح أن يصل إليها الإنسان.
تأثير هذه الأفكار والمعتقدات:
أثرت الأفلاطونية الجديدة في تفكير كثير من الفلاسفة المسلمين أمثال ابن سينا والفارابي وغيرهم وأخذوا عنها نظرية الفيض الإلهي، التي تدعي أن العالم يجيء صدوراً عن الله في صورة فيض، فمرتبة تفيض عن مرتبة.. وهكذا حتى تصل إلى أدنى المراتب.(68/204)
وأثرت الأفلاطونية الجديدة في التصوف الإسلامي أيضاً وخاصة في أولئك المتصوفة المتأثرين بالفلسفة(*).. ثم فشا تأثيرها في طرق التصوف. وخاصة فيما يتعلق بعملية التطهير أو التزكية للوصول إلى المعرفة الكاملة أو الإيمان الكامل، وهو سعي الإنسان جاهداً للوصول إلى المصدر الذي صدر عنه والفناء فيه، وما يحتاج إليه ذلك من مجاهدة شديدة الصلابة لإماتة نوازع الجسد المفطور عليها.
الجذور الفكرية والعقائدية:
أخذت الأفلاطونية الجديدة من أفلاطون خيالاته في عالم المثل، ومن أرسطو تساؤلاته عن المعاني الكلية وهل لها وجود مستقل؟ ومن الرواقيين(*) السمو الخلقي والترقي الروحي، ومن النصرانية تأثيراتها الروحية والخلقية، ومن البوذية مسألة التطهير والتزكية والفناء(*) في المصدر الأول.
إلا أن ما جاء به أفلوطين من أفكار وآراء حول عملية الفيض(*) أو الصدور عن الله يعد جديداً في بابه كما يرى كثير من المفكرين.
الانتشار ومواقع النفوذ:
تأسست الأفلاطونية الجديدة في الإسكندرية، وانتشرت في الفكر الأوربي اللاهوتي كله والفكر الصوفي النصراني والإسلامي.
ولا شك أن هذه الآراء مرفوضة من وجهة النظر الإسلامية وقد أبان مفكرو الإسلام تهافتها من أكثر من وجه.
ويتضح مما سبق:
أن الأفلاطونية الجديدة، هي خلاصة آراء بعض الفلاسفة الملحدين، وهي خليط من الأفكار والفلسفات والمعتقدات الوثنية(*) واليهودية والنصرانية والأساطير وغيرها، تقول بوجود إله(*) "هو المبدأ الأسمى للوجود، بسيط لا نظير له، وهو الخير المطلق عند أتباعها، وهذا الإله تفيض عنه الأشياء جميعاً ولا تنفصل عنه، والعقل(*) هو الأساس الوحيد لإدراك حقيقة الألوهية التي لا يمكن الوصول إليها عن طريق نوع آخر من أنواع المعرفة". ولا شك أن هذه الآراء مرفوضة من وجهة النظر الإسلامية وقد أبان مفكرو الإسلام تهافتها من أكثر من وجه.
----------------------------
مراجع للتوسع :(68/205)
- تهافت الفلاسفة، لأبي حامد الغزالي.
- الإشارات والتنبيهات، لابن سينا.
- نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، د. علي سامي النشار.
- الأفلاطونية المحدثة عند العرب، د. عبد الرحمن بدوي.
المراجع الأجنبية :
- History of Philosophy by F.C. Copleston Burns, London 1947.
- The Philosophy of Plotinus by W.r. Inge Logmans. London and New York, rev. ed. 1948.
- The Architecture of the Intelligible Universe in the Philosophy of Plotinus by A.H. Armstrong. C.U.P. Cambridge 1940.
- Complete English Translation by S. Mackenma rev. B.S. page Warner, London 1917-30.
- Saint Augustine by II. Marron. Longmans. London 1957.
- Avicenna on Theology by A.J. Arberry. Murray. London 1951.
العقلانية
التعريف :
العقلانية مذهب(*) فكري يزعم أنه يمكن الوصول إلى معرفة طبيعة الكون والوجود عن طريق الاستدلال العقلي بدون الاستناد إلى الوحي(*) الإلهي أو التجربة البشرية وكذلك يرى إخضاع كل شيء في الوجود للعقل(*) لإثباته أو نفيه أو تحديد خصائصه.
ويحاول المذهب إثبات وجود الأفكار في عقل الإنسان قبل أن يستمدها من التجربة العملية الحياتية أي أن الإدراك العقلي المجرد سابق على الإدراك المادي المجسد.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
العقلانية مذهب قديم جديد بنفس الوقت. برز في الفلسفة(*) اليونانية على يد سقراط وأرسطو، وبرز في الفلسفة الحديثة والمعاصرة على أيدي فلاسفة أثَّروا كثيراً في الفكر البشري أمثال: ديكارت وليبنتز وسبينوزا وغيرهم.
رينيه ديكارت 1596 – 1650م فيلسوف فرنسي اعتمد المنهج(*) العقلي لإثبات الوجود عامة ووجود الله على وجه أخص وذلك من مقدمة واحدة عُدت من الناحية العقلية غير قابلة للشك(*) وهي: "أنا أفكر فأنا إذن موجود".(68/206)
ليبنتز: 1646 – 1716م فيلسوف ألماني، قال بأن كل موجود حي وليس بين الموجودات مِنْ تفاوت في الحياة إلا بالدرجة – درجة تميز الإدراك – والدرجات أربع: مطلق الحي أي ما يسمى جماداً، والنبات فالحيوان فالإنسان.
وفي المجتمع الإسلامي نجد المعتزلة تقترب من العقلانية جزئيًّا، إذ اعتمدوا على العقل(*) وجعلوه أساس تفكيرهم ودفعهم هذا المنهج إلى تأويل(*) النصوص من الكتاب والسنة التي تخالف رأيهم. ولعل أهم مقولة لهم قولهم بسلطة العقل وقدرته على معرفة الحسن والقبيح ولو لم يرد بها شيء. ونقل المعتزلة الدين(*) إلى مجموعة من القضايا العقلية والبراهين المنطقية وذلك لتأثرهم بالفلسفة(*) اليونانية.
وقد فنَّد علماء الإسلام آراء المعتزلة في عصرهم، ومنهم الإمام أحمد بن حنبل ثم جاء بعد ذلك ابن تيمية وردَّ عليهم ردًّا قويًّا في كتابه درء تعارض العقل والنقل وبيّن أن صريح العقل(*) لا يمكن أن يكون مخالفاً لصحيح النقل. وهناك من يحاول اليوم إحياء فكر المعتزلة إذ يعدونهم أهل الحرية الفكرية في الإسلام، ولا يخفى ما وراء هذه الدعوة من حرب على العقيدة الإسلامية الصحيحة، وإن لبست ثوب التجديد(*) في الإسلام أحياناً.
العقائد والأفكار:
تعتمد العقلانية على عدد من المبادئ الأساسية هي:
العقل لا الوحي(*) هو المرجع الوحيد في تفسير كل شيء في الوجود.
يمكن الوصول إلى المعرفة عن طريق الاستدلال العقلي وبدون لجوء إلى أية مقدمات تجريبية.
عدم الإيمان بالمعجزات(*) أو خوارق العادات.
العقائد الدينية ينبغي أن تختبر بمعيار عقلي.
الجذور الفكرية والعقائدية:
كانت العقلانية اليونانية لوناً من عبادة العقل وتأليهه وإعطائه حجماً أكبر بكثير من حقيقته. كما كانت في الوقت نفسه لوناً من تحويل الوجد إلى قضايا تجريدية.(68/207)
وفي القرون الوسطى سيطرت الكنيسة(*) على الفلسفة الأوروبية، حيث سخَّرت العقل لإخراج تحريفها للوحي(*) الإلهي في فلسفة عقلية مسلَّمة لا يقبل مناقشتها.
وفي ظل الإرهاب الفكري الذي مارسته الكنيسة انكمش نشاط العقل الأوروبي، وانحصر فيما تمليه الكنيسة والمجامع المقدسة، واستمرت على ذلك عشرة قرون.
وفي عصر النهضة(*)، ونتيجة احتكاك أوروبا بالمسلمين – في الحروب الصليبية والاتصال بمراكز الثقافة في الأندلس وصقلية والشمال الإفريقي – أصبح العقل الأوربي في شوق شديد لاسترداد حريته في التفكير، ولكنه عاد إلى الجاهلية(*) الإغريقية ونفر من الدين(*) الكنسي، وسخَّر العقل(*) للبعد عن الله، وأصبح التفكير الحر معناه الإلحاد(*)، وذلك أن التفكير الديني معناه عندهم الخضوع للفقيد الذي قيدت به الكنيسة العقل وحجرت عليه أن يفكر.
يتضح مما سبق :
أن العقلانية مذهب(*) فكري فلسفي يزعم أن الاستدلال العقلي هو الطريق الوحيد للوصول إلى معرفة طبيعة الكون والوجود، بدون الاستناد إلى الوحي(*) الإلهي أو التجربة البشرية، وأنه لا مجال للإيمان بالمعجزات أو خوارق العادات، كما أن العقائد الدينية يمكن، بل ينبغي أن تختبر بمعيار عقلي، وهنا تكمن علله التي تجعله مناوئاً ليس فقط للفكر الإسلامي، بل أيضاً لكل دين سماوي صحيح.
----------------------------
مراجع للتوسع :
- مذاهب فكرية معاصرة، محمد قطب، دار الشروق – بيروت ط1407هـ.
- الموسوعة الفلسفية المختصرة، بإشراف د. زكي نجيب محمود دار القلم ، بيروت.
- قصة الفلسفة الحديثة، أحمد أمين، زكي نجيب محمود، لجنة التأليف والنشر القاهرة 1978م.
- تاريخ الفلسفة الحديثة، يوسف كرم، دار المعارف – القاهرة.
- درء تعارض العقل والنقل، ابن تيمية ط. جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، بتحقيق د. محمد رشاد سالم.
النزعة الإنسانية
التعريف :(68/208)
النزعة الإنسانية هي اتجاه فكري عام تشترك فيه العديد من المذاهب(*) الفلسفية والأدبية والأخلاقية والعلمية، ظهرت النزعة الإنسانية في عصر النهضة(*).
التأسيس وأبرز الشخصيات:
ظهر المذهب الإنساني في إيطاليا في بداية عصر النهضة الأوروبية.
وأبجديات النزعة إنما تترجم الانتفاضة التي عبّرت عنها النهضة الأوروبية باعتبارها تغيراً في الفكر نجم عنه تغير في جميع شؤون الحياة. فالإنسان الأول كان مكبلاً بقيود الكنيسة(*) طوال فترة الإظلام الفكري المسماة بالعصور الوسطى والتي استطالت إلى أكثر من عشرة قرون، إذ كان خلالها مطالباً بالطاعة العمياء لرجال الدين وكان يُساق كما يساق القطيع، ويكفي أنه من طبيعة فاسدة بسبب الخطيئة الأصلية!! أما المرأة، فهي لا ينبغي أن تُحب لأنها سبب الخطيئة، لذا عزف رجال الدين عن الزواج بها. وإذا سمحوا لغيرهم بالارتباط بها بالزواج فذلك فقط باعتبارها وسيلة للإنجاب واستمرار البشرية. أما الرجال فهم وسيلة أيضاً لتحقيق أهداف الكنيسة، وكل من خرج على هذه الأهداف يواجه الموت حرقاً.
ومن أسماء الرواد الأوائل للمذهب الإنساني بوجيو وبروني، والمحامي البارز مونتبلشيانو وكلهم عاشوا خلال القرن الخامس عشر الميلادي.
أراسمس ولد في روتردام سنة 1466م ويعد من أكبر ممثلي المذهب الإنساني من ناحية معرفته بالأدب اليوناني واللاتيني.
في فرنسا مثل المذهب ستيفانوس وسكاليجر ودوليه.
ويعد رينيه ديكارت 1956 – 1650م الفيلسوف الفرنسي من أنصار المذهب الإنساني ولكنه يؤمن بوجود الله تعالى.
وكذلك سبينوزا 1632 – 1677م الفيلسوف الهولندي وهو يشبه ديكارت في الاعتقاد.
وكتابات جان جاك روسو 1712 – 1778م تحمل الطابع الإنساني.
وجون لوك 1632 – 1704م الفيلسوف الإنجليزي كان إنساني المذهب(*).
والفيلسوف الألماني كانت 1724 – 1804م في مذهبه الانتقادي كان إنساني المذهب.(68/209)
والفيلسوف شيلر المتوفى سنة 1937م الإنجليزي الألماني الأصل.
والكاتب الفرنسي فرانسيس بوتر، ألف كتاباً بعنوان المذهب الإنساني بوصفه ديانة جديدة.
والأديب الإنجليزي ت.س. إليوت 1888 – 1965م يعتبر نفسه من أتباع المذهب الإنساني، وهو من أبرز ممثلي الشعر الحر.
الأفكار والمعتقدات :
تأكيد الفردية الإنسانية:
في مجال الدين(*): الاستجابة لحكم الفرد الخاص ضد سلطة الكنيسة(*) وتأييد فكرة ظهور الدول القومية.
في مجال الفلسفة(*): تأكيد ديكارت للوعي الفردي عند المفكر وشدة الاعتماد على الفعل وتغليب وجهة النظر المادية الدنيوية.
قصر الاهتمام الإنساني على المظاهر المادية للإنسان في الزمان والمكان.
المذهب الإنساني أوحى بالأفكار التحررية لقادة الفكر في عصر النهضة(*) الأوروبية ووصل إلى ذروته إبان الثورة(*) الفرنسية.
الثقة بطبيعة الإنسان وقابليته للكمال، وإمكان حدوث التقدم المستمر.
تأكيد أن الشرور والنقائض التي اعترضت طريق الإنسان لم يكن سببها الخطيئة كما تقرر النصرانية، وإنما كان سببها النظام الاجتماعي السيئ.
الدفاع عن حرية(*) الفرد.
إمكان مجيء العصر السعيد والفردوس الأرضي، ويكون ذلك بالرخاء الاقتصادي، وتحقيق ذلك يكون بتبديد الخرافات والأوهام ونشر التربية العملية.
وقد نقد الفلاسفة والمفكرون الإنسانية ومن أهم ما جاء في نقدهم:
إن تقدم العلم الحديث لم يصحبه تقدم في قدرة الإنسان على حسن استعمال العلم.
وإن البشر وجهوا اهتماماتهم جميعاً إلى المسائل الدنيوية، ونسوا كل ما يسمو على ذلك وتركزت مطامعهم في الأشياء الزائلة التي يسرها لهم العلم، وحدث من جراء ذلك صدع بين تقدم الإنسان في المعرفة وتقدمه الأخلاقي.
إن الإنسانية تؤكد على زيادة خطر الإسراف في الاعتماد على الآلة، فهذا الإسراف قد يقضي على الأصالة والابتكار.(68/210)
كما أن الأسس الأخلاقية لا تصلح إلا إذا استندت إلى الاعتقاد بوجود نظام أسمى من النظام الدنيوي والإيمان بالمبادئ الخالدة المطلقة، أما إذا اقتصرت الآداب على أن تكوم خاضعة للمواءمة بين الإنسان وبيئته، كلما تغيرت الظروف وتبدلت الأحوال، فإنها بذلك تفقد قيمتها العامة.
وطريق الخلاص هو رفع الأخلاق(*)، ولا يحدث هذا إلا بإيحاء من الإيمان الديني، أما الآداب العلمانية فلا تمنحنا الخلاص.
إن المذهب الإنساني قدم للإنسانية وعوداً لم يحققها، كما أنه أفقد الناس الشعور بالحقائق الروحية، وجعل الناس عبيداً للقوى المادية(*) العمياء.
إن وجود الشر ينقض أداء المذهب(*) الإنساني لصلاح الإنسان وقابليته للتقدم.
وقد عزى الناقدون إخفاق عصبة الأمم في تسوية المشكلات في العالم وانتشار الفاشية والنازية إلى ظهور المذهب الإنساني.
إن عيوب المدنية الغربية ترجع في الغالب الأعم منها إلى المذهب الإنساني في تياره الإلحادي(*).
ومن أهم الأفكار التي تبنتها النزعة الإنسانية ما يلي:
يجب على الإنسان أن يبحث دائماً عن معنى وجوده وحياته.
الحياة في حد ذاتها شيء رائع ويستحق أن يعيشها الإنسان مهما احتوت على صراعات وتناقضات وآلام.
على الإنسان أن يواجه الألم ويتسلح بالأمل في نفس الوقت.
على الإنسان أن يهتم بالمادة قبل الروح لأنها الشيء الوحيد الذي يستطيع إدراكه والسيطرة عليه.
إن الطريقة الوحيدة كي يحقق الإنسان إنسانيته هي في التمتع بكل الملذات الجسدية والحسية لأنها الشيء الوحيد الذي يستطيع الإنسان لمسه وإدراكه.
الإنسانية ترحب بالقومية والوطنية والمحلية، ولكنها تأبى العنصرية لأنها امتهان صارخ لبقية العوامل المشكلة للنسيج الإنساني الشامل، والأدب العنصري ليس سوى جسماً غريباً في نسيج الأدب الإنساني سرعان ما يلفظه ويأباه.
الجذور الفكرية والعقائدية:(68/211)
إن الحركة الفكرية التي نشأت في عصر النهضة(*) الأوروبية هي الأساس في ظهور الإنسانية. وكان الوقود الذي أشعل هذه الحركة يحتوي على الفكر اليوناني الوثني(*) المعارض للفكر الديني، والآداب اليونانية واللاتينية ومن هنا كان شعار الإنسانية كلمة الفيلسوف اليوناني القديم "إن الإنسان مقياس للأشياء جميعها" فضلاً عن انغماس الإنسان بالمادة في بدايته، وحب اكتناز المال والثروات، والاستمتاع بالحياة الزائلة.
أماكن الانتشار:
انتشرت الإنسانية في أوروبا ثم عمت الغرب والشرق ومعظم سلبيات المدنية الغربية الحاضرة تعتبر ثمرة من ثمارها.
ويتضح مما سبق:
أن النزعة الإنسانية هي مذهب(*) فلسفي أدبي مادي لا ديني، يؤكد فردية الإنسان ضد الدين(*) ويغلب وجهة النظر المادية(*) الدنيوية وهو من أسس فلسفة(*) كونت الوضعية وفلسفة بتنام النفعية وكتابات برتراند راسل الإلحادية(*)، وهذا يعني فشل هذا المذهب على الصعيد العقدي، أما فشله على الصعيد العملي الواقعي المؤثر بصورة ملموسة في أسلوب سلوك الفرد، فدليله أنه منَّى الإنسان بأمان كاذبة لم تتحقق على الإطلاق، ونسي أن طريق الخلاص لا يمكن أن يتم إلا من خلال خاتم الأديان . وهذا أمر ينبغي أن يتنبه له المسلم وهو يتعامل مع نتاج هذا المذهب حيث أن الإسلام قد كرم الإنسان، وتعاليمه كلها إنسانية(ولقد كرمنا بني آدم..) ؛ لكن بعض الناس يختار الكفر فيسلبه الله هذا التكريم ( أولئك هم شر البرية ) .
مراجع للتوسع:
- شيلر: من نوابغ الفكر الغربي، د. عثمان أمين.
- مجلة عالم الفكر، المجلد الثاني العدد الثالث 1974م. مقال بعنوان الهيومانزم.
- الموسوعة الفلسفية المختصرة، ترجمة فؤاد كامل ورفاقه، دار القلم – بيروت.
- Studies in Humanism by F.C.S. Schiller, Macmillan, London, 2nd ed. 1912.
- Humanism: Phillosophical Essays by F.C.S. Schiller, Macmillan. London 1912.(68/212)
- Essay Concerning Human Understanding by J. Locke ed. r. Wilburn. London 1947.
- History of Philosophy by F.C. Copleston Burns, London 1947.
- History of Modern Philosophy by H. Hoffding, London 1956.
الإلحاد
التعريف :
الإلحاد(*) هو : مذهب فلسفي يقوم على فكرة عدمية أساسها إنكار وجود الله الخالق سبحانه وتعالى:
فيدّعي الملحدون بأن الكون وجد بلا خالق.
وأن المادة أزلية أبدية، وهي الخالق والمخلوق في نفس الوقت.
ومما لا شك فيه أن كثيراً من دول العالم الغربي والشرقي تعاني من نزعة إلحادية عارمة جسدتها الشيوعية المنهارة والعلمانية المخادعة.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
الإلحاد بدعة جديدة لم توجد في القديم إلا في النادر في بعض الأمم والأفراد.
يعد أتباع العلمانية هم المؤسسون الحقيقيين للإلحاد، ومن هؤلاء : أتباع الشيوعية والوجودية والداروينية.
الحركة الصهيونية أرادت نشر الإلحاد في الأرض فنشرت العلمانية لإفساد أمم الأرض بالإلحاد والمادية(*) المفرطة والانسلاخ من كل الضوابط التشريعية والأخلاقية كي تهدم هذه الأمم نفسها بنفسها، وعندما يخلو الجو لليهود يستطيعون حكم العالم.
نشر اليهود نظريات ماركس في الاقتصاد والتفسير المادي للتاريخ(*) ونظريات فرويد في علم النفس ونظرية دارون في أصل الأنواع ونظريات دور كايم في علم الاجتماع، وكل هذه النظريات من أسس الإلحاد في العالم.
أما انتشار الحركات الإلحادية بين المسلمين في الوقت الحاضر، فقد بدأت بعد سقوط الخلافة(*) الإسلامية.
صدر كتاب في تركيا عنوانه: مصطفى كمال للكاتب قابيل آدم يتضمن مطاعن قبيحة في الأديان وبخاصة الدين الإسلامي. وفيه دعوة صريحة للإلحاد بالدين(*) وإشادة بالعقلية الأوروبية.
إسماعيل أحمد أدهم. حاول نشر الإلحاد في مصر، وألف رسالة بعنوان لماذا أنا ملحد؟ وطبعها بمطبعة التعاون بالإسكندرية حوالي سنة 1926م.(68/213)
إسماعيل مظهر أصدر في سنة 1928م مجلة العصور في مصر، وكانت قبل توبته تدعو للإلحاد والطعن في العرب والعروبة طعناً قبيحاً. معيداً تاريخ الشعوبية(*)، ومتهماً العقلية العربية بالجمود والانحطاط، ومشيداً بأمجاد بني إسرائيل ونشاطهم وتفوقهم واجتهادهم.
أسست في مصر سنة 1928م جماعة لنشر الإلحاد تحت شعار الأدب واتخذت دار العصور مقراً لها واسمها رابطة الأدب الجديد وكان أمين سرها كامل كيلاني.. وقد تاب إلى الله بعد ذلك.
ومن أعلام الإلحاد في العالم:
أتباع الشيوعية: ويتقدمهم كارل ماركس 1818 – 1883م اليهودي الألماني. وإنجلز عالم الاجتماع الألماني والفيلسوف السياسي الذي التقى بماركس في إنجلترا وأصدرا سوياً المانيفستو أو البيان الشيوعي سنة 1820 – 1895م.
أتباع الوجودية: ويتقدمهم:
جان بول سارتر.
وسيمون دوبرفوار.
والبير كامي.
وأتباع الداروينية.
ومن الفلاسفة والأدباء:
نيتشه/ فيلسوف ألماني.
برتراند راسل 1872 – 1970م فيلسوف إنكليزي.
هيجل 1770 – 1831م فيلسوف ألماني قامت فلسفته على دراسة التاريخ.
هربرت سبنسر 1820 – 1903م إنكليزي كتب في الفلسفة(*) وعلم النفس والأخلاق(*).
فولتير 1694 – 1778م أديب فرنسي.
في سنة 1930م ألف إسماعيل مظهر حزب الفلاح ليكون منبراً للشيوعية والاشتراكية(*). وقد تاب إسماعيل إلى الله بعد أن تعدى مرحلة الشباب وأصبح يكتب عن مزايا الإسلام.
ومن الشعراء الملاحدة الذين كانوا ينشرون في مجلة العصور.
الشاعر عبد اللطيف ثابت الذي كان يشكك في الأديان في شعره..
والشاعر الزهاوي يعد عميد الشعراء المشككين في عصره.
الأفكار والمعتقدات:
إنكار وجود الله سبحانه، الخالق البارئ، المصور، تعالى الله عمّا يقولون علواً كبيراً.
إن الكون والإنسان والحيوان والنبات وجد صدفة وسينتهي كما بدأ ولا توجد حياة بعد الموت.
إن المادة أزلية أبدية وهي الخالق والمخلوق في نفس الوقت.(68/214)
النظرة الغائية(*) للكون والمفاهيم الأخلاقية تعيق تقدم العلم.
إنكار معجزات الأنبياء(*) لأن تلك المعجزات لا يقبلها العلم، كما يزعمون. ومن العجب أن الملحدين الماديين(*) يقبلون معجزات الطفرة الوحيدة التي تقول بها الداروينية ولا سند لها إلا الهوس والخيال.
عدم الاعتراف بالمفاهيم الأخلاقية ولا بالحق والعدل ولا بالأهداف السامية، ولا بالروح والجمال.
ينظر الملاحدة للتاريخ باعتباره صورة للجرائم والحماقة وخيبة الأمل وقصته لا تعني شيئاً.
المعرفة الدينية، في رأي الملاحدة ، تختلف اختلافاً جذريًّا وكليًّا عن المعرفة بمعناها العقلي أو العلمي!!
الإنسان مادة تنطبق عليه قوانين الطبيعة(*) التي اكتشفتها العلوم كما تنطبق على غيره من الأشياء المادية.
الحاجات هي التي تحدد الأفكار، وليست الأفكار هي التي تحدد الحاجات.
نظريات ماركس في الاقتصاد والتفسير المادي للتاريخ(*) ونظرية فرويد في علم النفس ونظرية دارون في أصل الأنواع ونظرية دور كهايم في علم الاجتماع من أهم أسس الإلحاد في العالم.. وجميع هذه النظريات هي مما أثبت العلماء أنها حدس وخيالات وأوهام شخصية ولا صلة لها بالعلم.
الجذور الفكرية والعقائدية:
نشأ الإلحاد الحديث مع العقلانية والشيوعية والوجودية.
وقد نشر اليهود الإلحاد في الأرض، مستغلين حماقات الكنيسة(*) ومحاربتها للعلم، فجاءوا بثورة العلم ضد الكنيسة، وبالثورة(*) الفرنسية والداروينية والفرويدية، وبهذه الدعوات الهدامة للدين(*) والأخلاق(*) تفشى الإلحاد في الغرب، والهدف الشرير لليهودية العالمية الآن هو إزالة كل دين على الأرض ليبقى اليهود وحدهم أصحاب الدين!!
الانتشار وأماكن النفوذ :
انتشر الإلحاد أولاً في أوروبا، وانتقل بعد ذلك إلى أمريكا.. وبقاع من العالم.
وعندما حكمت الشيوعية في ما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي قبل انهياره وتفككه، فرضت الإلحاد فرضاً على شعوبه.. وأنشأت له مدارس وجمعيات.(68/215)
وحاولت الشيوعية نشره في شتى أنحاء العالم عن طريق أحزابها. وإن سقوط الشيوعية في الوقت الحاضر ينبئ عن قرب سقوط الإلحاد – بإذن الله تعالى.
يوجد الآن في الهند جمعية تسمى جمعية النشر الإلحادية، وهي حديثة التكوين وتركز نشاطها في المناطق الإسلامية، ويرأسها جوزيف إيدا مارك، وكان مسيحيًّا من خطباء التنصير، ومعلماً في إحدى مدارس الأحد، وعضواً في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، وقد ألف في عام 1953م كتاباً يدعى: إنما عيسى بشر فغضبت عليه الكنيسة(*) وطردته فتزوج بامرأة هندوكية وبدأ نشطاه الإلحادي، وأصدر مجلة إلحادية باسم إيسكرا أي شرارة النار. ولما توقفت عمل مراسلاً لمجلة كيرالا شبدم أي صوت كيالا الأسبوعية. وقد نال جائزة الإلحاد العالمية عام 1978م ويعتبر أول من نالها في آسيا.
يتضح مما سبق :
أن الإلحاد(*) مذهب(*) فلسفي يقوم على إنكار وجود الله سبحانه وتعالى، ويذهب إلى أن الكون بلا خالق، ويعد أتباع العقلانية هم المؤسسون الحقيقيين للإلحاد الذي ينكر الحياة الآخرة، ويرى أن المادة(*) أزلية أبدية، وأنه لا يوجد شيء اسمه معجزات الأنبياء فذلك مما لا يقبله العلم في زعم الملحدين، الذين لا يعترفون أيضاً بأية مفاهيم أخلاقية(*) ولا بقيم الحق والعدل ولا بفكرة الروح. ولذا فإن التاريخ عند الملحدين هو صورة للجرائم والحماقات وخيبة الأمل وقصته ولا تعني شيئاً، والإنسان مجرد مادة تطبق عليه كافة القوانين الطبيعية(*) وكل ذلك مما ينبغي أن يحذره الشاب المسلم عندما يطالع أفكار هذا المذهب الخبيث.
مراجع للتوسع :
- صراع مع الملاحدة، عبد الرحمن الميداني.
- الملل والنحل، للشهرستاني ط.(1400هـ- 1980م). بتحقيق محمد سيد كيلاني، وهي طبعة فريدة – لمذاهب جديدة.
- الفلسفات الكبرى، بياردو كاسيه – سلسلة زدني علماً- بيروت.(68/216)
- الإلحاد وعلاقته باليهود والنصارى ، مقال للدكتور محمد بن سعد الشويعر، نشر بمجلة البحوث الإسلامية العدد 14.
المراجع الأجنبية :
- History of Philosophy by F.C. Copleston. Burns. London 1947.
- Existentialism and Humanism by J.P. Sartre, London 1955.
- History of Modern Philosophy by H. Hoffding. London 1956.
المنفعة
التعريف :
المنفعة مذهب(*) أخلاقي اجتماعي لا ديني، يجعل من نفع الفرد والمجتمع مقياساً للسلوك، وأن الخير الأسمى هو تحقيق أكبر سعادة لأكبر عدد من الناس.
وفي مجال الاقتصاد يقرر مذهب المنفعة أن قيمة السلعة تتوقف على قدر منفعتها وليس على نفقة العمل أو التكلفة.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
تأسس مذهب المنفعة في إنكلترا ومن أبرز شخصياته:
جيرمي بنتام 1748 – 1832م ويعد زعيم القائلين بمذهب المنفعة، ولد في لندن، وقدم نظريته في المنفعة في كتابه مقدمة لأصول الأخلاق والتشريع.
جون ستيوارت ميل 1806- 1873م وهو فيلسوف إنكليزي، ألف كتاب مذهب المنفعة ونادى بالحرية الفردية.
هربرت سبنسر 1820 – 1903م وهو فيلسوف إنكليزي قال بتطور الأنواع قبل دارون.
ج.أ. مور 1873 – 1958م وهو فيلسوف إنكليزي – ألف كتاب أصول الأخلاق وأدخل تعديلات على مذهب المنفعة إذ قبل الرأي القائل بأن صواب أي فعل من الأفعال يتوقف على النتائج الحسنة والسيئة التي تترتب عليه.
الأفكار والمعتقدات:
يعد مذهب المنفعة نظرية في الأخلاق(*)، طبعت أتباعها بطابع مميز.. إذ كان كل همهم الاهتمام بالحياة الدنيا والاغتراف من لذاتها.
ويمكن تلخيص أفكاره فيما يلي:
إن صواب أي عمل من الأعمال، إنما يحكم عليه بمقدار ما يسهم في زيادة السعادة الإنسانية أو في التقليل من شقاء الإنسان، بصرف النظر عن السداد الأخلاقي لقاعدة ما، أو مطابقتها للوحي(*) أو للسلطة أو للتقليد أو للحس الأخلاقي أو للضمير.(68/217)
اللذة هي الشيء الوحيد الذي هو خير في ذاته، والألم هو الشيء الوحيد الذي هو شرٌّ في ذاته، والسعادة تشمل اللذة والتخلص من الألم، وإن رجحان كفة اللذة قد يعود هو نفسه فيصبح مصدراً للمزيد من اللذة.
يمكن دفع الناس إلى التصرف على نحو يؤدي إلى السعادة العامة من خلال ما يلي:
1- القانون بقصاصه، والرأي العام بجزاءاته من ثواب وعقاب، فهما يحولان بين الناس وبين أن يأتوا من الأعمال ما يضاد الصالح العام.
2- المنفعة الذاتية المستنيرة تدل الناس على أن الصالح العام ينطوي في أغلب الأحوال على منفعتهم الخاصة.
الجذور الفكرية والعقائدية:
إن لنظرية المنفعة جذور في الفكر اليوناني، وعند الفيلسوف أبيقور 342 – 270 ق.م بشكل خاص.
ويمكن في الوقت الحاضر أن نجد جذور مذهب(*) المنفعة عند كل من:
تومامس هوبز 1588 – 1679م الفيلسوف الإنكليزي الذي يرى أن كلمة خير يقصد بها الشهوة، وكلمة شر يقصد بها النفور.
وجون لوك 1632 – 1704م الفيلسوف الإنكليزي وفرنسيس هتشون 1694 – 1747م الفيلسوف الأيرلندي، ونظريته في الحس الأخلاقي تعبر في بعض جوانبها عن مذهب المنفعة إلا أنها ترتكز على الدين(*).
كما نجد جذور مذهب المنفعة أيضاً عند ديفيد هيوم 1711 – 1776م الفيلسوف الإنكليزي الذي يرى أنه لا شيء يؤثر في الفعل الإرادي غير اللذة والألم، وقد يكون التأثير مباشراً.
وعندما جاء جيرمي بنتام مؤسس مذهب المنفعة، استفاد من كل من سبقوه منتهياً إلى نظرية متكاملة، في رأيه، ومستخدماً إياها على أوسع نطاق.
يتضح مما سبق:(68/218)
أن المنفعة فكرة فلسفية لا تلتزم بالأصول الدينية، إذ تقيس صواب العمل بمقدار ما يحققه من منفعة وسعادة بصرف النظر عن توافقه مع الأخلاق(*) أو مطابقته للدين، وترى أن كلَّ ما يُلزم به الدين، يمكن للقانون بقصاصه والرأي العام بجزاءاته أن يأتي به. ولا شك أن في هذا تجاوزاً يهدم أسس العقيدة ويحول المجتمعات إلى غابة تتصارع فيها المنافع بلا ضابط أو رابط.
----------------------------
مراجع للتوسع:
- الموسوعة الفلسفية المختصرة، ترجمة فؤاد كامل ورفاقه دار العلم – بيروت.
- معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، د. أحمد زكي بدوي مكتبة لبنان – بيروت – 1982م.
- تاريخ الفلسفة الحديثة ، د يوسف كرم. دار المعارف – القاهرة.
المراجع الأجنبية :
- The Utility of religion and Theism by John S. Mill Wath. London 1904.
- On Liberty: representative Government and Utilitarianism by John s. Mill, London, New York 1954.
- History of Philosophy by F.C. Copleston Burns, London 1947.
- History of Modern Philosophy by H. Hoffding, London 1936.
الوضعية
التعريف :
المذهب(*) الوضعي مذهب فلسفي ملحد يرى أن المعرفة اليقينية هي معرفة الظواهر التي تقوم على الوقائع التجريبية، ولا سيما تلك التي يتيحها العلم التجريبي. وينطوي الذهب على إنكار وجود معرفة تتجاوز التجربة الحسية، ولاسيما فيما يتعلق بما وراء الماد وأسباب وجودها.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
تأسس المذهب الوضعي في فرنسا على يد الفيلسوف كونت ومعظم من جاء بعده طبَّق منهجه في العلم والمعرفة. ومن أبرز شخصيات المذهب:(68/219)
أوغست كونت 1798 – 1857م وهو الفيلسوف الفرنسي المؤسس للمذهب، عمل أميناً للسر(سكرتيراً) للفيلسوف الاشتراكي(*) سان سيمون وبدأ بإلقاء محاضرات عن فلسفته الوضعية سنة 1826م، ثم أصيب بمرض عقلي وحاول الانتحار.. وقد نشر كتابه بعد ذلك تحت عنوان: محاضرات في الفلسفة(*) الوضعية بسط فيه نظريته في المعرفة والعلوم.
نادى بضرورة قيام دين(*) جديد هو الدين الوضعي يقوم على أساس عبادة الإنسانية كفكرة تحل محل الله – سبحانه وتعالى – في الأديان السماوية.
سان سيمون.. وهو فيلسوف فرنسي اشتراكي النزعة.. في كتابه مقال في علوم الإنسان سنة 1813م أطلق كلمة وضعي على العلوم القائمة على الوقائع القائمة على الوقائع الخاضعة للملاحظة والتحليل، والعلوم التي لم تؤسس على هذا النحو يسميها العلوم الظنية.
ريتشاد كونجريف.. وهو مفكر إنكليزي ناصر الوضعية واعتنق أفكارها.
زكي نجيب محمود وهو مفكر عربي مصري، تبع الفلسفة الوضعية الملحدة، وتبنى أفكارها.. وألف كتاب المنطق الوضعي.
أ .إير فيلسوف إنجليزي.
ب . برتراند راسل فيلسوف إنجليزي.
الأفكار والمعتقدات:
صاغ الفيلسوف الفرنسي كونت مبادئ وأفكار المذهب(*) الوضعي، ثم بلور من جاء بعده من الوضعيين هذه الأفكار وسار على منهجها العلمي.
* وهذه خلاصة لتلك الأفكار مع نقد المفكرين والفلاسفة لها:
* استحوذت على تفكير كونت فكرة التقدم الإنساني.
- وضع كونت قانون التقدم الإنساني، وهو قانون الحالات الثلاث الذي يتقدم العقل(*) البشري بمقتضاه من المرحلة اللاهوتية إلي المرحلة الميتافيزيقية ثم إلى المرحلة الوضعية الأخيرة.
وقد قسم كونت المرحلة اللاهوتية إلى ثلاث مراحل :
المرحلة الوثنية(*) – والمرحلة التعددية(*) – والمرحلة التوحيدية(*) وهي المرحلة الأخيرة التي بدأت بظهور النصرانية والإسلام.(68/220)
والمرحلة الوضعية بدأت بالثورة(*) الفرنسية، وهي المرحلة التي تفسر الظواهر عن طريق الاستقرار القائم على الملاحظة.
* ويطبق كونت هذا القانون في التطور على جميع العلوم الإنسانية والاجتماعية مثل الحضارة والسياسة والفن والأخلاق(*).
· نقد القانون:
- وقد نقد طائفة من المفكرين قانون الحالات الثلاثة بما يلي:
1- يعتبر كونت أن الإنسانية كلٌّ لا يتجزأ وأنها خاضعة لقانون واحد بينما نجد أن هناك مجتمعات لا تسير في تطورها وتقدمها على نمط واحد في فهم وإدراك الظواهر.
2- يختلف الطريق الذي سلكه العقل الإنساني عن ذلك الذي حدده كونت ففي كثير من الأمور كان الفهم الوضعي للأمور يسير مع الفهم الديني أو الميتافيزيقي(*)؛ ففي مجال فهم الحقائق الرياضية والفلكية مثلاً أمور كانت تسير مع الفهم الديني قديماً. ولا تزال بعض المجتمعات تفسر الحقائق العلمية القائمة تفسيراً دينيًّا. على الرغم من أننا نجتاز حالياً المرحلة الوضعية في نظر كونت.
3- لا يستمد قانون المراحل الثلاث حقائقه من التاريخ، وإنما هو فكرة فلسفية اختار لها كونت مجتمعات معينة حاول تطبيقها عليها دون استقراء لتاريخ المجتمعات الإنسانية.
4- يفسر هذا القانون بأنه التقدم، بينما نجد الحضارة عبارة عن مستوى عام للحياة المادية(*) والروحية للمجتمع دون النظر إلى تقدمها أو تأخرها.
الجذور الفكرية والعقائدية:
* لقد اعتبر فرنسيس بيكون 1561-1626م نفسه داعية للعلوم الجديدة، وهي العلوم التي كانت في طريقها إلى الانفصال عن الفلسفة (*) في القرنيين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين. وربما عدّ بيكون بادئ الوضعية وواضع الاسم الذي سميت به في القرن التاسع عشر، ففي كتابه في المبادئ والأصول 1623م أطلق بيكون صفة وضعي على الحقائق الأولية التي يجب تقلبها إيماناً بصدق الخبرة.(68/221)
وقد كان بيكون موضع تقدير كبير من الفلاسفة التجريبيين في القرن التاسع عشر في كل من إنكلترا وفرنسا. وأصبحت كلمة وضعي تطلق على مناهج العلوم الطبيعية، نظراً لاعتماد هذه المناهج على الملاحظة واستخدمها للتجربة، ولقد سبق بيان كيف أن سان سيمون الذي عمل كونت في خدمته، قد أطلق كلمة وضعي في كتابه مقال في علوم الإنسان على العلوم القائمة على الوقائع الخاضعة للملاحظة والتجريب.. وقد اقتبس كونت هذه الأفكار وأقام عليها نظريته وقانونه الوضعي.
الانتشار ومواقع النفوذ:
* زحف المذهب الوضعي من فرنسا إلي إنكلترا، واعتنق بعض الفلاسفة مبادئ المذهب الوضعي. إلا أن بعض كبار المفكرين والفلاسفة رفضوا متابعة كونت في مفهوم دين(*) الإنسانية الذي وضعه، وبالرغم من ذلك فقد أُنشئت جمعيات وضعية في أجزاء مختلفة من العالم على غرار النموذج الذي أسسه كونت نفسه عام 1848م. وفي هذه الجمعيات كانت الإنسانية هي موضوع الشعائر الدينية، واتخذ من علم الاجتماع سنداً لمثل هذه الديانة الاجتماعية، وقويت هذه الحركة بصورة خاصة في أمريكا اللاتينية، ولكنها ازدهرت لعدة سنوات في إنكلترا…
* وقد صدرت المجلة الوضعية التي أطلق عليها فيما بعد اسم الإنسانية من عام 1893م إلي عام 1925م. وقامت محاولات لإحياء الوضيعة في إنكلترا بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، من خلال أعمال الفلاسفة الإنجليز إير وراسل.
يتضح مما سبق:
* أن المذهب(*) الوضعي مذهب فلسفي ملحد، يركز المعرفة اليقينية في الظواهر التجريبية، وينكر وجود معرفة مطلقة، ويقول إن التقدم بدأ في العلوم الطبيعية وبدأ ينتقل للعلوم الاجتماعية وأن العقل البشري يتقدم من المرحلة اللاهوتية الدينية إلي المرحلة الميتافيزيقية (*) لكي يصل في النهاية إلي المرحلة الوضعية التي هي قمة التخلي عن كل العقائد الدينية.وبذا تتضح مخاطر هذا المذهب على كل مسلم.
----------------------------
مراجع للتوسع:(68/222)
- قصة الفلسفة الحديثة، أحمد أمين، وآخر- مطبعة التأليف والنشر- القاهرة 1978م.
- معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، د. أحمد زكي بدوي – مكتبة لبنان – بيروت.
- تاريخ الفلسفة الحديثة، د. يوسف كرم- دار المعارف- القاهرة.
- Course de Philosophies Positive Par A. Comte, Paris. 1830.
- A Discourse on the Positive Spirit by A. Comte, Tr. S. Beesley. revers. London 1903.
- Dialogues Concerning Natural religion by D. Hume. Ed. N. Kemp Smith O.V.P. Oxford 1935.
- History of Philosophy by F.C. Copleston Burns. London 1947.
- History of Modern Philosophy by H. Hoffding, London 1956.
المثالية
التعريف :
المثالية مذهب(*) فلسفي يشمل جانباً كبيراً من المذاهب الميتافيزيقية(*) (ما بعد الطبيعة أو الغيبية) وهي اتجاه فلسفي يبحث عن مسألة الوجود (أوْ الانطولوجيا) في حين أن العقلانية اتجاه مذهبي يبحث في أصل المعرفة ويرد هذا الأصل إلى العقل فقط وينكر دور الحواس أو المعرفة القلبية أو المعرفة عن طريق الوحي(*)، وعكس العقلانية التجريبية وهذه الأخيرة تعتمد على التجربة الحسية فقط من دون العقل المجرد.
وعكس المثالية "المادية"(*). والمثالية تعطي الأولوية في الوجود للروح على أن يكون وجود المادة ثانوياً في حين أن المادية (*) تعطي الأولوية في الوجود للمادة، على أن تكون الروح انعكاساً للمادة وظلاً لها.
وتقترب المثالية كثيراً من الفلسفة لأنها تبلور مباحث الفلسفة الثلاثة الرئيسية: الحق والخير والجمال.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
ظهرت المثالية في القرن الثامن عشر الميلادي، ومن أبرز الفلاسفة الذين أثروا في المذهب، وكان لهم تأثير كبير في مجرى الفكر الأوروبي عامة:(68/223)
جورج باركلي 1685 – 1753م وهو راهب(*) أيرلندي، كان على جانب كبير من النشاط والجاذبية الفطرية والقدرة على الإقناع ويعد المؤسس الحقيقي للمثالية، وكانت أفكاره ذات تأثير كبير فيمن جاء بعده من المفكرين والفلاسفة.
عمانوئيل كانت 1724 – 1804م وهو فيلسوف ألماني، ألف كتباً مشهورة أهمها نقد العقل(*) الخالص ونقد العقل العملي، وكان يعتقد أن هناك حجة أخلاقية كافية للبرهان على وجود الله هي القانون الأخلاقي.
جوهان فيشته 1762 – 1814م وهو فيلسوف ألماني، درس اللاهوت والفلسفة وتتلمذ على يد كانت وكان لخطبه الشهيرة في برلين بين عامي 1807 – 1808م عميق الأثر في إحياء بروسيا بعد هزائمها على يد نابليون بونابرت القائد الفرنسي الشهير.
جورج فلهلم هيجل 1770 – 1831م وهو فيلسوف ألماني كان من أكبر الفلاسفة تأثيراً في فلسفات(*) عدة مثل الوجودية والماركسية والذرائعية في مجال الديالكتيك (الجدل)(*) وكان يعتقد أن الوجود المادي مظهر للروح.
آرثر شوبنهور 1788 – 1860م وهو فيلسوف ألماني، تأثر كثيراً بفلسفة أفلاطون المثالية وكانت من كتبه العالم إرادة وفكرة وقد تأثر بالبوذية، لكنه لم يقبل مذهب(*) تناسخ الأرواح(*).
ت.هـ. جرين 1836 – 1924م وهو فيلسوف إنجليزي، أثر تأثيراً كبيراً في أكسفورد، واهتم بشكل خاص بالربط بين المثالية والنصرانية وبين المثالية والأفكار السياسية الحرة.
ف.هـ. برادلي 1846 – 1924م وهو فيلسوف إنجليزي، قال بأنه ينبغي علينا افتراض وجود مطلق يجاوز نطاق الفكر.
الأفكار والمعتقدات :
إن جوهر الحقيقة روحي، والروح لا تستطيع أن تدرك نفسها إلا في علاقتها بعنصر مادي موضوعي، وهذا هو علة وجود المادة أو كما قال هيجل: "الماد مظهر تتبدَّى به الروح".
إن الأرواح هي الفاعل وهي التي تملك إرادة.(68/224)
إن الأشياء المادية المحسوسة ليست سوى مجموعات من الأفكار على حد تعبير باركلي أو من المعطيات الحسية على حد تعبير من جاءوا بعده. وإننا لا نستطيع أن نتصور الصفات التي ننسبها إلى الأشياء المادية مجردة من تجربتنا الحسية لها.
إن الأشياء الطبيعية التي لا يدركها الإنسان موجودة في علم الله، (باركلي).
إن معرفتنا مقتصر على الظواهر، ولا نستطيع معرفة الأشياء في ذاتها، كانت.
ترى المثالية أن الشر شيء عارض وعابر في الحياة؛ والأدب المثالي يحاول الكشف دائماً عن الطبيعة الخيرة والجميلة للإنسان.
الجذور الفكرية والعقائدية:
مؤسس المثالية جورج باركلي الفيلسوف الأيرلندي كان راهباً(*) عاش طوال حياته متشبعاً بالفكر الديني مولعاً بالفلسفة والفكر اللاهوتي، ومدافعاً عن الإيمان الديني والإدراك الفطري السليم. فضلاً عن محاولته وهو في منتصف عمره، إقامة جامعة لتخريج مبشرين بالنصرانية.
هذه الجذور الدينية العميقة كان لها أكبر الأثر في توجهه الفلسفي نحو القول بالمثالية. وأنه لا حقيقة إلا للروح ولخالقها، الله – تعالى- وأن الوجود المادي وجود ظاهري يحس به الإنسان ويدركه بعقله فقط. ويظهر الأثر المباشر لآراء باركلي في الفيلسوف كانت الألماني.
الانتشار ومواقع النفوذ :
انتشرت المثالية في أوروبا عامة وألمانيا بصفة خاصة.
يتضح مما سبق :
أن المثالية مذهب(*) فلسفي، يرى أن العقل(*) هو أساس المعرفة وأنه هو الحقيقة النهائية، فالمادة مظهر تتبدّى فيه الروح، والأرواح هي الفاعل وهي التي تملك إرادة، كما يقول المذهب النقدي عند الفيلسوف كانت.
مراجع للتوسع :
- الموسوعة الفلسفية المختصرة، ترجمة فؤاد كامل ورفاقه، دار القلم بيروت.
- تاريخ الفلسفة الحديثة، يوسف كرم – دار المعارف – القاهرة.
- Dialogues between Hylar and Philonour by G. Berkeley, Collier, New York 1910.(68/225)
- Philosophy of right. G. Hegel, tr. T.M. Knox O.U.P. Oxford. 1942.
- Hegel: A re – examination by J.N. Findlay, London 1958.
- History of Philosophy by F.C. Copleston Burns. London 1947.
- History of Modern Philosophy by H. Hoffoling, London 1956.
الوجودية
التعريف :
الوجودية اتجاه فلسفي يغلو في قيمة الإنسان ويبالغ في التأكيد على تفرده وأنه صاحب تفكير وحرية وإرادة واختيار ولا يحتاج إلى موجه. وهي فلسفة عن الذات أكثر منها فلسفة(*) عن الموضوع. وتعتبر جملة من الاتجاهات والأفكار المتباينة التي تتعلق بالحياة والموت والمعاناة والألم، وليست نظرية فلسفية واضحة المعالم. ونظراً لهذا الاضطراب والتذبذب لم تستطع إلى الآن أن تأخذ مكانها بين العقائد والأفكار.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
يرى رجال الفكر الغربي أن سورين كيركجورد 1813 – 1855م هو مؤسس المدرسة الوجودية. ومن مؤلفاته: رهبة واضطراب.
أشهر زعمائها المعاصرين: جان بول سارتر الفيلسوف الفرنسي المولود سنة 1905م وهو ملحد ويناصر الصهيونية له عدة كتب وروايات تمثل مذهبه(*) منها: الوجودية مذهب إنساني، الوجود والعدم، الغثيان، الذباب، الباب المغلق.
ومن رجالها كذلك: القس كبرييل مارسيل وهو يعتقد أنه لا تناقض بين الوجودية والنصرانية.
كارل جاسبرز : فيلسوف ألماني.
بسكال بليز : مفكر وفيلسوف فرنسي.
وفي روسيا: بيرد يائيف، شيسوف، سولوفييف.
الأفكار والمعتقدات:
يكفرون بالله ورسله وكتبه وبكل الغيبيات وكل ما جاءت به الأديان(*) ويعتبرونها عوائق أمام الإنسان نحو المستقبل. وقد اتخذوا الإلحاد مبدأ ووصلوا إلى ما يتبع ذلك من نتائج مدمرة.
يعاني الوجوديون من إحساس أليم بالضيق والقلق واليأس والشعور بالسقوط والإحباط لأن الوجودية لا تمنح شيئاً ثابتاً يساعد على التماسك والإيمان وتعتبر الإنسان قد أُلقي به في هذا العالم وسط مخاطر تؤدي به إلى الفناء.(68/226)
يؤمنون إيماناً مطلقاً بالوجود الإنساني وتخذونه منطلقاً لكل فكرة.
يعتقدون بأن الإنسان أقدم شيء في الوجود وما قبله كان عدماً وأن وجود الإنسان سابق لماهيته.
يعتقدون أن الأديان والنظريات الفلسفية التي سادت خلال القرون الوسطى والحديثة لم تحل مشكلة الإنسان.
يقولون: إنهم يعملون لإعادة الاعتبار الكلي للإنسان ومراعاة تفكيره الشخصي وحريته وغرائزه ومشاعره.
يقولون بحرية الإنسان المطلقة وأن له أن يثبت وجوده كما يشاء وبأي وجه يريد دون أن يقيده شيء.
يقولون: إن على الإنسان أن يطرح الماضي وينكر كل القيود دينية كانت أم اجتماعية أم فلسفية أم منطقية.
يقول المؤمنون منهم إن الدين(*) محله الضمير أمَّا الحياة بما فيها فمقودة لإرادة الشخص المطلقة.
لا يؤمنون بوجود قيم ثابتة توجه سلوك الناس وتضبطه إنما كل إنسان يفعل ما يريد وليس لأحد أن يفرض قيماً أو أخلاقاً معينة على الآخرين.
أدى فكرهم إلى شيوع الفوضى الخلقية والإباحية الجنسية والتحلل والفساد.
رغم كل ما أعطوه للإنسان فإن فكرهم يتسم بالانطوائية الاجتماعية والانهزامية في مواجهة المشكلات المتنوعة.
الوجودي الحق عندهم هو الذي لا يقبل توجيهاً من الخارج إنما يسيِّر نفسه بنفسه ويلبي نداء شهواته وغرائزه دون قيود ولا حدود.
لها الآن مدرستان: واحدة مؤمنة والأخرى ملحدة وهي التي بيدها القيادة وهي المقصودة بمفهوم الوجودية المتداول على الألسنة فالوجودية إذاً قائمة على الإلحاد.
الوجودية في مفهومها تمرد على الواقع التاريخي وحرب على التراث الضخم الذي خلفته الإنسانية.
تمثل الوجودية اليوم واجهة من واجهات الصهيونية الكثيرة التي تعمل من خلالها وذلك بما تبثُّه من هدم للقيم والعقائد والأديان.
الجذور الفكرية والعقائدية:
إن الوجودية جاءت كردِّ فعل على تسلط الكنيسة(*) وتحكمها في الإنسان بشكل متعسف باسم الدين(*).(68/227)
تأثرت بالعلمانية وغيرها من الحركات التي صاحبت النهضة الأوروبية ورفضت الدين والكنيسة.
تأثرت بسقراط الذي وضع قاعدة "اعرف نفسك بنفسك".
تأثروا بالرواقيين(*) الذين فرضوا سيادة النفس.
كما تأثروا بمختلف الحركات الداعية إلى الإلحاد والإباحية.
الانتشار ومواقع النفوذ:
ظهرت في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى ثم انتشرت في فرنسا وإيطاليا وغيرهما. وقد اتخذت من بشاعة الحروب وخطورتها على الإنسان مبرراً للانتشار السريع. وترى حرية الإنسان في عمل أي شيء متحللاً من كل الضوابط. وهذا المذهب يعد اتجاهاً إلحاديًّا يمسخ الوجود الإنساني ويلغي رصيد الإنسانية.
انتشرت أفكارهم المنحرفة المتحللة بين المراهقين والمراهقات في فرنسا وألمانيا والسويد والنمسا وإنجلترا وأمريكا وغيرها حيث أدت إلى الفوضى الخلقية والإباحية الجنسية واللامبالاة بالأعراف الاجتماعية والأديان.
ويتضح مما سبق:
أن الوجودية اتجاه إلحادي(*) يمسخ الوجود الإنساني ويلغي رصيد الإنسانية من الأديان وقيمها الأخلاقية. وتختلف نظرة الإسلام تماماً عن نظرية الوجودية حيث يقرر الإسلام أن هناك وجوداً زمنياً بمعنى عالم الشهادة ووجوداً أبديًّا بمعنى عالم الغيب. والموت في نظر الإسلام هو النهاية الطبيعية للوجود الزمني ثم يكون البعث والحساب والجزاء والعقاب.
أما الفلسفة الوجودية فلا تسلم بوجود الروح ولا القوى الغيبية وتقوم على أساس القول بالعدمية والتعطيل فالعالم في نظرهم وجد بغير داع ويمضي لغير غاية والحياة كلها سخف يورث الضجر والقلق ولذا يتخلص بعضهم منها بالانتحار.
----------------------------
مراجع للتوسع :
- الوجودية وواجهتها الصهيونية، د. محسن عبد الحميد.
- مباحث في الثقافة الإسلامية، د. نعمان السامرائي.
- سقوط الحضارة ، كولن ولسن.
- دراسات في الفلسفة المعاصرة، د. زكريا إبراهيم.
- الوجودية المؤمنة والملحدة، د. محمد غلاب.(68/228)
- عقائد المفكرين في القرن العشرين، عباس محمود العقاد.
- المذاهب المعاصرة وموقف الإسلام منها، د. عبد الرحمن عميرة.
الفرويدية
التعريف :
الفرويدية مدرسة في التحليل النفسي أسسها اليهودي سيجموند فرويد Sigmund Freud وهي تفسر السلوك الإنساني تفسيراً جنسيًّا، وتجعل الجنس هو الدافع وراء كل شيء. كما أنها تعتبر القيم والعقائد حواجز وعوائق تقف أمام الإشباع الجنسي مما يورث الإنسان عقداً وأمراضاً نفسية.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
المؤسس وحياته:
ولد سيجموند فرويد في 6 مايو 1856م في مدينة فريبورج بمقاطعة مورافيا بتشيكوسلوفاكيا الحالية من والديْن يهوديين.
استقرت أسرة أبيه في كولونيا بألمانيا زمناً طويلاً.
ولدت أمه بمدينة برودي في الجزء الشمالي من غاليسيا ولما شبت تزوجت من جاكوب فرويد والد سيجموند فرويد حيث أنجبت له سبعة أبناء.
وغاليسيا مدينة ببولندا جاء منها والد فرويد وكانت معقلاً رئيسيًّا ليهود شرق أوروبا، وبسبب ظروف الشغب رحلت الأسرة إلى برسلاو بألمانيا وعمر سيجموند حينها ثلاث سنوات، ثم رحلوا مرة أخرى إلى فيينا حيث أمضى معظم حياته وبقي فيها إلى سنة 1938م حيث غادرها إلى لندن ليقضي أيامه الأخيرة فيها مصاباً بسرطان في خده وقد أدركته الوفاة في 23 سبتمبر 1939م.
تلقى تربيته الأولى وهو صغير على يدي مربية كاثوليكية دميمة عجوز متشددة كانت تصحبه معها أحياناً إلى الكنيسة(*) مما شكل عنده عقدة ضدّ المسيحية(*) فيما بعد.
نشأ يهوديًّا، وأصدقاؤه من غير اليهود نادرين إذ كان لا يأنس لغير اليهود ولا يطمئن إليهم.
دخل الجامعة عام 1873م وعقَّب على ذلك بأنه يرفض رفضاً قاطعاً أن يشعر بالدونية والخجل من يهوديته. لكن هذا الشعور الموهوم بالاضطهاد ظل يلاحقه على الرغم من احتلاله أرقى المناصب.(68/229)
في سنة 1885م غادر فيينا إلى باريس وتتلمذ على شاركوت Charcot مدة عام حيث كان أستاذه هذا يقوم بالتنويم المغناطيسي لمعالجة الهستيريا وقد أعجب فرويد به عندما أكَّد له بأنه في حالة من حالات الأمراض العصبية لا بد من وجود اضطراب في الحياة الجنسية للمريض.
أخذ يتعاون مع جوزيف بروير 1842 – 1925م وهو طبيب نمساوي صديق لفرويد، وهو فيزيولوجي في الأصل لكنه انتقل إلى العمل الطبي إذ كان ممن يستعملون التنويم المغناطيسي أيضاً.
بدأ الاثنان باستعمال طريقة التحدث مع المرضى فنجحا بعض النجاح ونشرا أبحاثهما في عامي 1893 و1895م وصارت طريقتهما مزيجاً من التنويم والتحدث، ولم يمض وقت طويل حتى انصرف بروير عن الطريق كلها.
تابع فرويد عمله تاركاً طريقة التنويم معتمداً على طريقة التحدث طالباً من المريض أن يضطجع ويتحدث مفصحاً عن كل خواطره، وسماها طريقة (الترابط الحر) سالكاً طريق رفع الرقابة عن الأفكار والذكريات، وقد نجحت طريقته هذه أكثر من الطريقة الأولى.
أخذ يطلب من مريضه أن يسرد عليه حلمه الذي شاهده في الليلة الماضية، مستفيداً منه في التحليل، وقد وضع كتاب تفسير الأحلام الذي نشره سنة 1900م، ثم كتاب علم النفس المرضي للحياة اليومية ثم توالت كتبه وصار للتحليل النفسي مدرسة سيكولوجية صريحة منذ ذلك الحين.
انضم عام 1895م إلى جمعية بناي برث أي أبناء العهد، وكان حينها في التاسعة والثلاثين من عمره، وهذه الجمعية لا تقبل بين أعضائها غير اليهود.
كان يعرف تيودور هرتزل الذي ولد عام 1860م، كما سعيا معاً لتحقيق أفكار واحدة لخدمة الصهيونية التي ينتميان إليها، مثل فكرة معاداة السامية التي ينشرها هرتزل سياسيًّا، ويحللها فرويد نفسيًّا.
من أصحابه وتلاميذه:
لارنست جونز، مؤرخ السيرة الفرويدية، مسيحي(*) مولداً، ملحد فكراً، يهودي شعوراً ووجداناً، حتى إنهم خلعوا عليه لقب: اليهودي الفخري.(68/230)
أوتو رانك 1884 – 1939م قام بوضع نظرية تقوم أساساً على أفكار فرويد الأصلية مع شيء من التعديل الهام.
الفرِد آدلر: ولد في فيينا 1870 – 1937م، وقد انضم إلى جماعة فرويد مبكراً لكنه افترق عنه بعد ذلك مؤسساً مدرسة سماها مدرسة علم النفس الفردي مستبدلاً بالدوافع الجنسية عند فرويد عدداً من الدوافع الاجتماعية مع التأكيد على الإرادة القوية والمجهودات الشعورية.
كارل جوستاف يونج 1875 – 1961م ولد في زيوريخ، وهو مسيحي(*)، نصَّبه فرويد رئيساً للجمعية العالمية للتحليل النفسي، لكنه خرج على أستاذه معتقداً بأن هذه المدرسة التحليلية ذات جانب واحد وغير ناضجة، وكان لخروجه أثر بالغ على فرويد. وضع نظرية السيكولوجيا التحليلية مشيراً إلى وجود قوة دافعة أكبر هي طاقة الحياة مؤكداً على دور الخبرات اللاشعورية المتصلة بالعِرق أو العنصر.
الفرويديون المحدثون:
حدث انسلاخ كبير عن الفرويدية الأصلية، وذلك عندما تكونت الفرويدية الحديثة التي كان مركزها مدرسة واشنطن للطب العقلي، وكذلك معهد إليام ألانسون هوايت في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي مدرسة تتميز بالتأكيد على العوامل الاجتماعية معتقدة أن ملامح الإنسان الأساسية إيجابية، وهم يلحّون على نقل التحليل النفسي إلى علم الاجتماع للبحث عن أصول الحوافز البشرية في تلبية مطالب الوضع الاجتماعي، ومن أبرز شخصياتهم:
أريك فروم: ظهر بين 1941 – 1947م. كان ينظر إلى الإنسان على أنه مخلوق اجتماعي بالدرجة الأولى بينما ينظر إليه فرويد على أنه مخلوق مكتفٍ بذاته، تحركه عوامل غريزية.
كارن هروني: استعملت طريقة فرويد خمسة عشر عاماً في أوروبا وأمريكا إلا أنها أعادت النظر فيها إذ وضعت نظرية جديدة تحرر فيها التطبيق العلاجي من كثير من القيود التي تفرضها النظرية الفرويدية.
وعلى الرغم من ذلك فإن الفرويديين المحدثين ما يزالون متمسكين بأشياء كثيرة من نظرية فرويد الأصلية مثل:(68/231)
1- أهمية القوى الانفعالية بوصفها مضادة للدفع العقلي والارتكاسات الاشتراطية وتكوين العادات.
2- التداعي اللاشعوري.
3- الكبت والمقاومة وأهمية ذك في التحليل أثناء العلاج.
4- الاهتمام بالنزاعات الداخلية وأثرها على التكوين النفسي.
5- التأثير المستمر للخبرات الطفولية المبكرة.
6- طريقة التداعي الحر، وتحليل الأحلام، واستعمال حقيقة النقل.
الأفكار والمعتقدات:
الأسس النظرية:
الأسس الثلاثة التي تركز عليها المدرسة التحليلية هي: الجنس – الطفولة – الكبت. فهي مفاتيح السيكولوجية الفرويدية.
نظرية الكبت: هي دعامة نظرية التحليل النفسي وهي أهم قسم فيه إذ إنه لا بد من الرجوع إلى الطفولة المبكرة وإلى الهجمات الخيالية التي يراد بها إخفاء فاعليات العشق الذاتي أيام الطفولة الأولى إذ تظهر كل الحياة الجنسية للطفل من وراء هذه الخيالات.
يعتبر فرويد مص الأصابع لدى الطفل نوعاً من السرور الجنسي الفمي ومثل ذلك عض الأشياء، فيما يعد التغوط والتبول نوعاً من السرور الجنسي الأستي كما أن الحركات المنتظمة للرجلين واليدين عند الطفل إنما هي تعبيرات جنسية طفولية.
اللبيدو Libido طاقة جنسية أو جوع جنسي، وهي نظرية تعتمد على أساس التكوين البيولوجي للإنسان الذي تعتبره حيواناً بشرياً فهو يرى أن كل ما نصرح بحبه أو حب القيام به في أحاديثنا الدارجة يقع ضمن دائرة الدافع الجنسي. فالجنس عنده هو النشاط الذي يستهدف اللذة وهو يلازم الفرد منذ مولده إذ يصبح الأداة الرئيسية التي تربط الطفل بالعالم الخارجي في استجابته لمنبهاته.
الدفع: يقول بأن كل سلوك مدفوع، فإلى جانب الأفعال الإرادية التي توجهها الدوافع والتمنيات هناك الأفعال غير الإرادية أو العارضة. فكل هفوة مثلاً ترضي تمنياً وكل نسيان دافعه رغبة في إبعاد ذلك الشيء.(68/232)
الشلل أو العمى لديه قد يكون سببه الهروب من حالة صعبة يعجز الإنسان عن تحقيقها، وهذا يسمى انقلاب الرغبة إلى عرض جسدي.
الحلم عنده هو انحراف عن الرغبة الأصلية المستكنة في أعماق النفس وهي رغبة مكبوتة يقاومها صاحبها في مستوى الشعور ويعيدها إلى اللاشعور، وأثناء النوم عندما تضعف الرقابة تأخذ طريقها باحثة لها عن مخرج.
يتكلم فرويد عن تطبيق مبدأين هما اللذة والواقع، فالإنسان يتجه بطبيعته نحو مبدأ اللذة العاجلة لمباشرة الرغبة لكنه يواجه بحقائق الطبيعة المحيطة به فيتجنب هذه اللذة التي تجلب له آلاماً أكبر منها أو يؤجل تحقيقها.
يفترض فرويد وجود غريزتين ينطوي فيهما كل ما يصدر عن الإنسان من سلوك وهما غريزة الحياة وغريزة الموت. غريزة الحياة تتضمن مفهوم اللبيدو وجزءً من غريزة حفظ الذات، أما غريزة الموت فتمثل نظرية العدوان والهدم موجهة أساساً إلى الذات ثم تنتقل إلى الآخرين.
الحرب لديه إنما هي محاولة جماعية للإبقاء على الذات نفسياً، والذي لا يحارب إنما يعرض نفسه لاتجاه العدوان إلى الداخل فيفني نفسه بالصراعات الداخلية، فالأولى به أن يفني غيره إذن، والانتحار هو مثل واضح لفشل الفرد في حفظ حياته. وهذا المفهوم إنما يعطي تبريراً يريح ضمائر اليهود أصحاب السلوك العدواني المدمر.
اللاشعور: هو مستودع الدوافع البدائية الجنسية وهو مقر الرغبات والحاجات الانفعالية المكبوتة التي تظهر في عثرات اللسان والأخطاء الصغيرة والهفوات وأثناء بعض المظاهر الغامضة لسلوك الإنسان. إنه مستودع ذو قوة ميكانيكية دافعة وليس مجرد مكان تلقى إليه الأفكار والذكريات غير الهامة.(68/233)
الـ (هو): مجموعة من الدوافع الغريزية الموجودة لدى الطفل عند ولادته التي تحتاج إلى الشعور الموجه، وهي غرائز يشترك فيها الجنس البشري بكافة. إنها باطن النفس، وقد نتجت عن (الأنا) إلا أنها تبقى ممزوجة بها في الأعماق أي حينما تكون (الأنا) لا شعورية، وهي تشمل القوى الغريزية الدافعة، فإذا ما كبتت هذه الرغبات فإنها تعود إلى الـ (هو) (Ego).
(الأنا): بعد قليل من ميلاد الطفل يزداد شعوراً بالواقع الخارجي فينفصل جزء من مجموعة الدوافع الـ (هي) لتصبح ذاتاً ووظيفتها الرئيسية هي اختيار الواقع حتى يستطيع الطفل بذلك تحويل استجاباته إلى سلوك منظم يرتبط بحقائق الواقع ومقتضياته، إنها ظاهرة النفس التي ترتبط بالمحيط.
(الأنا العليا): هي الضمير الذي يوجه سلوك الفرد والجانب الأكبر منه لا شعوري وهو ما نسميه بالضمير أو الوجدان الأخلاقي، لها زواجر وأوامر تفرضها على (الأنا)، وهي سمة خاصة بالإنسان، إذ إنها أمور حتمية صادرة من العالم الداخلي.
النقل: وهي أن المريض قد ينقل حبَّه أو بغضه المكبوت في أعماق الذكريات إلى الطبيب مثلاً خلال عملية المعالجة. وقد تعرض بروير لحب واحدة من اللواتي كان يعالجهن إذ نقلت عواطفها المكبوتة إليه، فكان ذلك سبباً في انصرافه عن هذه الطريقة بينما تابع فرويد عمله بمعالجة الواحدة منهن بنقل عواطفها مرة أخرى والوصول بها إلى الواقع.
استفاد كثيراً من عقدة أوديب تلك الأسطورة التي تقول بأن شخصاً قد قتل أباه وتزوج أمه وأنجب منها وهو لا دري. ولما علم بحقيقة ما فعل سمل عينيه، فقد استغلها فرويد في إسقاطات نفسية كثيرة واعتبرها مركزاً لتحليلاته المختلفة.
شخصية الإنسان هي حصيلة صراع بين قوى ثلاث: دوافع غريزية، واقع خارجي، ضمير، وهي أمور رئيسية تتحدد بشكل ثابت بانتهاء الموقف الأوديبي حوالي السنة الخامسة أو السادسة من العمر.
الآثار السلبية للفرويدية:(68/234)
لم ترد في كتب وتحليلات فرويد أية دعوة صريحة إلى الانحلال – كما يتبادر إلى الذهن – وإنما كانت هناك إيماءات تحليلية كثيرة تتخلل المفاهيم الفرويدية تدعو إلى ذلك. وقد استفاد الإعلام الصهيوني من هذه المفاهيم لتقديمها على نحو يغري الناس بالتحلل من القيم وييسر لهم سبله بعيداً عن تعذيب الضمير.
كان يتظاهر بالإلحاد ليعطي لتفكيره روحاً علمانية، ولكنه على الرغم من ذلك كان غارقاً في يهوديته من قمة رأسه إلى أخمص قدميه.
كان يناقش فكرة معاداة السامية وهي ظاهرة كراهية اليهود، هذه النغمة التي يعزف اليهود عليها لاستدرار العطف عليهم، وقد ردّ هذه الظاهرة نفسياً إلى اللاشعور وذلك لعدة أسباب:
1- غيرة الشعوب الأخرى من اليهود لأنهم أكبر أبناء الله وآثرهم عنده حاشا لله.
2- تمسّك اليهود بطقس الختان الذي ينبه لدى الشعوب الأخرى خوف الخصاء ويقصد بذلك النصارى لأنهم لا يختتنون.
3- كراهية الشعوب لليهود هو في الأصل كراهية للنصارى المسيحيين(*)، وذلك عن طريق النقل إذ أن الشعوب التي تُنزِل الاضطهاد النازي باليهود إنما كانت شعوباً وثنية(*) في الأصل، ثم تحولت إلى النصرانية بالقوة الدموية، فصارت هذه الشعوب بعد ذلك حاقدة على النصرانية لكنها بعد أن توحدت معها نقلت الحقد إلى الأصل الذي تعتمد عليه النصرانية ألا وهو اليهودية.
يركن إلى إشباع الرغبة الجنسية، وذلك لأن الإنسان صاحب الطاقة الجنسية القوية والذي لا تسمح له النصرانية إلا بزوجة واحدة؛ إما أن يرفض قيود المدنية ويتحرر منها بإشباع رغباته الجنسية وإما أن يكون ذا طبيعة ضعيفة لا يستطيع الخروج على هذه القيود فيسقط صاحبها فريسة للمرض النفسي ونهباً للعقد النفسية.
يقول بأن الامتناع عن الاتصال الجنسي قبل الزواج قد يؤدي إلى تعطيل الغرائز عند الزواج.(68/235)
عقد فصلاً عن تحريم العذرة وقال بأنها تحمل مشكلات وأمراضاً لكلا الطرفين، واستدل على ذلك بأن بعض الأقوام البدائية كانت تقوم بإسناد أمر فض البكارة لشخص آخر غير الزوج، وذلك ضمن احتفال وطقس رسمي.
لقد برَّر عشق المحارم لأن اليهود أكثر الشعوب ممارسة له بسبب انغلاق مجتمعهم الذي يحرم الزواج على أفراده خارج دائرة اليهود، وهو يرجع هذا التحريم إلى قيود شديدة كانت تغل الروح وتعطلها، وهو بذلك يساعد اليهود أولاً على التحرر من مشاعر الخطيئة كما يسهل للآخرين اقتحام هذا الباب الخطير بإسقاط كل التحريمات واعتبارها قيوداً وأغلالاً وهمية. وقد استغل اليهود هذه النظرية وقاموا بإنتاج عدد من الأفلام الجنسية الفاضحة التي تعرض نماذج من الزنى بالمحارم.
لم يعتبر التصعيد أو الإعلاء – كما يسميه – إلا طريقاً ضعيفاً للتخلص من ضغط الدافع الجنسي إذ أن هذا الطريق لن يتيسر خلال مرحلة الشباب إلا لقلَّة ضئيلة من الناس وفي فترات متقطعة وبأكبر قدر من العنت والمشقَّة ، أما الباقون – وهم الغالبية العظمى – فليس أمامهم إلا المرض النفسي يقعون صرعاه. كما أن أصحاب التصعيد هؤلاء إنما هم ضعاف يضيعون في زحمة الجماهير التي تنزع إلى السير بإرادة مسلوبة وراء زعامة الأقوياء.
في كفاحه ضد القيود، والأوامر العليا الموجهة إلى النفس، صار إلى محاربة الدين(*) واعتباره لوناً من العصاب النفسي الوسواسي.
تطورت فكرة الألوهية لديه على النحو التالي:
1- كان الأب هو السيد الذي يملك كل الإناث في القبيلة ويحرمها على ذكورها.
2- قام الأبناء بقتل الأب، ثم التهموا جزءً نيئاً من لحمه للتوحد معه لأنهم يحبونه.
3- صار هذا الأب موضع تبجيل وتقدير باعتباره أباهم أصلاً.
4- ومن ثم اختاروا حيواناً مرهوباً لينقلوا إليه هذا التبجيل فكان الحيوان هو الطوطم(*).
5- الطوطمية أول صورة للدين في التاريخ البشري.(68/236)
6- كانت الخطوة الأولى بعد ذلك هي التطوُّر نحو الإله(*) الفرد، فتطورت معها فكرة الموت الذي صار بهذا الاعتبار خطوة إلى حياة أخرى يلقى الإنسان فيها جزاء ما قدم.
7- الله – إذن – هو بديل الأب أو بعبارة أصح هو أب عظيم، أو هو صورة الأب كما عرفها المرء في طفولته.
نخلص من هذا إلى أن العقائد الدينية – في نظره – أوهام لا دليل عليها، فبعضها بعيد عن الاحتمال ولا يتفق مع حقائق الحياة، وهي تقارن بالهذيان، ومعظمها لا يمكن التحقق من صحته، ولابدّ من مجيء اليوم الذي يصغي فيه الإنسان لصوت العقل(*).
حديثه عن الكبت فيه إيحاءات قوية وصارخة بأن الوقاية منه تكمن في الانطلاق والتحرر من كل القيود، كما يحرم الإدانة الخلقية على أي عمل يأتيه المريض مركِّزاً على الآثار النفسية المترتبة على هذه الإدانة في توريثه العقد المختلفة مما يحرفه عن السلوك السوي.
مما ساعد على انتشار أفكاره ما يلي:
1- الفكر الدارويني الذي أرجع الإنسان إلى أصول حيوانية مادية.
2- الاتجاه العقلاني الذي ساد أوروبا حينذاك.
3- الفكر العلماني الذي صبغ الحياة بثورته ضد الكنيسة (*) أولاً وضد المفاهيم الدينية ثانياً.
4- اليهود الذين قدَّموا فكرة للإنسانية باستخدام مختلف الوسائل الإعلامية بغية نشر الرذيلة والفساد وتسهيل ذلك على ضمير البشرية ليسهل عليهم قيادة هذه الرعاع من الشعوب اللاهثة وراء الجنس، المتحللة من كل القيود والقيم.
من أكبر الآثار المدمرة لآراء فرويد، أن الإنسان حين كان يقع في الإثم كان يشعر بالذنب وتأنيب الضمير، فجاء فرويد ليريحه من ذلك، ويوهمه بأنه يقوم بعمل طبيعي لا غبار عليه، وبالتالي فهو ليس بحاجة إلى توبة، وبذلك أضفى على الفساد صفة أخلاقية إذا صح التعبير.(68/237)
ألَّف نحو ثلاثين كتاباً في الدراسات النفسية من أشهرها: الذات والذات السفلى والطواطم(*) والمحرمات وتفسير الأحلام، وثلاث مقالات في النظرية الحسية والأمراض النفسية المنتشرة في الحياة اليومية. وكلها تدور – من زوايا مختلفة- حول موضوع واحد مكرر فيها جميعاً هو التفسير الجنسي للسلوك البشري.
الجذور الفكرية والعقائدية:
لقد دخل التنويم المغناطيسي إلى حقل العلم والطب على يد مسمر Mesmer 1780م إلا أنه قد مزج بكثير من الدجل مما نزع بالأطباء إلى أن ينصرفوا عنه انصرافاً دام حتى أيام مدرستي باريس ونانسي.
لقد كان الدكتور شاركوت Charcot 1825 – 1893م أبرز شخصيات مدرسة باريس، إذ كان يعالج المصابين بالهستيريا عن طريق التنويم المغناطيسي(*).
من تلاميذ شاركوت بيير جانه Pierr Janet الذي اهتم بالأفعال العصبية غير الشعورية والتي سماها الآليات العقلية.
ساهمت مدرسة نانسي بفرنسا في التنويم المغناطيسي المعتدل وقالت إنه أمر يمكن أن يحدث لكل الأسوياء، ذلك لأنه ليس إلا حالة انفعال وتلقٍّ منشؤها الإيحاء، وقد استعملته هذه المدرسة في معالجة الحالات العصبية.
أما فرويد فقد أخذ الأسس النظرية ممن سبقه، وأدخل أفكاره في تحليل التنويم المغناطيسي باستخدام طريقة التداعي الحرّ. لكن لهذا الوجه العلميِّ الظاهر وجه آخر هو التراث اليهودي الذي استوحاه فرويد واستخلص منه معظم نظرياته التي قدمها للبشرية خدمة لأهداف صهيون.
الانتشار ومواقع النفوذ:
بدأت هذه الحركة في فيينا، وانتقلت إلى سويسرا، ومن ثم عمت أوروبا، وصارت لها مدارس في أمريكا.
وقد حملت الأيام هذه النظرية إلى العالم كله عن طريق الطلاب الذين يذهبون إلى هناك ويعودون لنشرها في بلادهم.
تلاقي هذه الحركة اعتراضات قوية من عدد من علماء النفس الغربيين اليوم.
ويتضح مما سبق:(68/238)
أن الفرويدية تدعو إلى التحرر من كل القيود لأنها تسبب العقد النفسية والاضطرابات العصبية، وبذلك تريد للمجتمع أن يكون بلا دين(*) ولا أخلاق (*) ولا تقاليد فتتسع هوة الرذيلة والفساد وتسهل لليهود السيطرة على الشعوب المتحللة خدمة لأهداف الصهيونية. وبطبيعة الحال فإنها تنادي بأن الدين الذي يضع الضوابط لطاقة الجنس لا يستحق الإتباع ولا يستوجب الاحترام.
----------------------------
مراجع للتوسع :
- علم الأمراض النفسية والعقلية، تأليف ريتشارد م. سوين – ترجمة أحمد عبد العزيز سلامة – دار النهضة العربية – القاهرة – 1979م.
- مدارس علم النفس، تأليف د. فاخر عاقل – دار العلم للملايين – بيروت – ط4 – 1979م.
- التراث اليهودي الصهيوني في الفكر الفرويدي، تأليف د. صبري جرجس – عالم الكتاب – طبعة 1970م.
- كتاب تاريخ حركة التحليل النفسي، تأليف سيجموند فرويد – طبعة 1917م.
- Brown, J.A.C. Freud and The post-0Freudians, Penguin Books London 1962.
- Munroe, r.L. Schools of Psycho-analytic Thought, Mutchinson Medical Publications- London 1957.
- Fundametals of Behavior Pathology by richard M. Suninn- New York 1970.
- Bakan. D. “Sigmund Freud and the Jewish Mystical Tradition”. Van Nostrand, New York 1958.
- Encyclopedia Britannica, 1965 edition, Vol 1,2,3,4,9,17,21,24.
الذرائعية (البرجماتية)
التعريف :
الذرائعية مذهب(*) فلسفي اجتماعي يقول بأن الحقيقة توجد في جملة التجربة الإنسانية: لا في الفكر النظري البعيد عن الواقع. وأن المعرفة آلة أو وظيفة في خدمة مطالب الحياة، وأن صدق قضية ما : هو في كونها مفيدة للناس، وأن الفكر في طبيعته غائي.(68/239)
وقد أصبحت الذرائعية طابعاً مميزاً للسياسة الأمريكية وفلسفة الأعمال الأمريكية كذلك، لأنها تجعل الفائدة العملية معياراً للتقدم بغض النظر عن المحتوى الفكري أو الأخلاقي أو العقائدي.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
نشأت الذرائعية (البرجماتية) كمذهب عملي في الولايات المتحدة الأمريكية مع بداية القرن العشرين: وقد وجدت في النظام الرأسمالي الحر الذي يقوم على المنافسة الفردية، خير تربة للنمو الازدهار.
ومن أبرز رموز المذهب وأغلبهم من الأمريكيين:
تشارلس بيرس 1839 – 1914م ويعد مبتكر كلمة البرجماتية في الفلسفة المعاصرة. عمل محاضراً في جامعة هارفارد الأمريكية، وكان متأثراً بدارون ووصل إلى مثل آرائه.. وكان أثره عميقاً في الفلاسفة الأمريكيين الذين سنذكرهم فيما يلي:
وليم جيمس 1842 – 1910م وهو عالم نفسي وفيلسوف أمريكي من أصل سويدي بنى مذهب الذرائعية البرجماتية على أصول أفكار بيرس ويؤكد أن العمل والمنفعة هما مقياس صحة الفكرة ودليل صدقها. كان كتابه الأول: مبادئ علم النفس 1890م الذي أكسبه شهرة واسعة ثم توالت كتبه: موجز علم النفس 1892م وإرادة الاعتقاد 1897م وأنواع التجربة الدينية 1902م والبراجماتية 1907م وكون متكثر 1909م يعارض فيه وحدة الوجود. ويؤكد جيمس في كتبه الدينية أن الاعتقاد الديني صحيح لأنه ينظم حياة الناس ويبعث فيهم الطاقة.
جون ديوي 1856 – 1952م فيلسوف أمريكي، تأثر بالفلسفة الذرائعية، وكان له تأثير واسع في المجتمع الأمريكي وغيره من المجتمعات الغربية، إذ كان يعتقد أن الفلسفة(*) مهمة إنسانية قلباً وقالباً وعلينا أن نحكم عليها في ضوء تأثرها الاجتماعي أو الثقافي.
كتب في فلسفة ما بعد الطبيعة (الميتافيزيقا) (*) وفلسفة العلوم والمنطق(*) وعلم النفس وعلم الجمال والدين(*).(68/240)
وأهم مؤلفاته: دراسات في النظرية المنطقية 1903م، وكيف تفكر 1910 والعقل الخالق 1917م والطبيعة الإنسانية والسلوك 1922م وطلب اليقين 1929م.
شيلر 1864 – 1937م وهو فيلسوف بريطاني، كان صديقاً لوليم جيمس، وتعاطف معه في فلسفة الذرائعية: وقد آثر أن يطلق على آرائه وموقفه: المذهب الإنساني أو المذهب الإرادي(*).
الأفكار والمعتقدات:
من أهم أفكار ومعتقدات المذهب الذرائعي (البرجماتية) ما يلي:
إن أفكار الإنسان وآراءه ذرائع يستعين بها على حفظ بقائه أولاً ثم السير نحو السمو والكمال ثانياً.
إذا تضاربت آراء الإنسان وأفكاره وتعارضت كان أحقها وأصدقها أنفعها وأجداها، والنفع هو الذي تنهض التجربة العملية دليلاً على فائدته.
إن العقل خُلق أداة للحياة ووسيلة لحفظها وكمالها، فليست مهمته تفسير عالم الغيب المجهول، بل يجب أن يتوجه للحياة العملية الواقعية.
الاعتقاد الديني لا يخضع للبيئات العقلية: والتناول التجريبي الوحيد له هو آثاره في حياة الإنسان والمجتمع إذ يؤدي إلى الكمال، بما فيه من تنظيم وحيوية.
النشاط الإنساني له وجهتان: فهو عقل، وهو أداة، ونموه كعقل ينتج العلم، وحين يتحقق كإرادة يتجه نحو الدين(*)، فالصلة بين العلم والدين ترد إلى الصلة بين العقل والإرادة.
تقويم الذرائعية:
تعرضت الذرائعية لانتقادات معينة، وعرضت على أنها تبرير لأخلاقيات رجال الأعمال الأمريكيين.
أما عن فكرة الاعتقاد فمن رأي جيمس "أنها مفيدة لأنها صادقة" و"أنها صادقة لأنها مفيدة". وقد أنكر معظم الدارسين هذه المعادلة إذ أن موقف جيمس يسمح بصدق الفكرة لأنها "مفيدة ونافعة" لشخص ما، ويكذبها لعدم وجودها عند الآخرين.
وهكذا فإن جيمس طرح الحقيقة على أنها لعبة ذاتية للأفكار التي تستهوي الإنسان فائدتها: فيعتقد في صدقها.(68/241)
إن الذرائعية اندثرت كحركة فكرية فردية، ولكنها كمجموعة أفكار ما زالت تعمل في الفكر البشري.. ومن أهم آثار هذه الأفكار تفسير الفكر والمعنى على أنهما من أشكال السلوك النائي عند الإنسان.
الجذور الفكرية والعقائدية:
إن البرجماتية أو الذرائعية ثورة ضد الفكر النظري البعيد عن الواقع وعن الإنسان خاصة والذي لا يخدم الإنسان في حياته العملية. أما كلمة (برجماتية) فكانت قليلة الاستعمال في اللغة الإنكليزية ولم تكن تستعمل مطلقاً في سياق الحديث الفلسفي، حتى أدخلها الفيلسوف الأمريكي بيرس عام 1878م كقاعدة منطقية: معرفاً البرجماتية بأنها النظرية القائلة: "بأن الفكرة إنما تنحصر فيما نتصوره لها من أثر على مسلك الحياة".
وقد استعار وليم جيمس ورفاقه الذرائعيون هذا المصطلح وأعطوه معاني جديدة وفق ما أوضحناه في أفكار ومعتقدات المذهب. مؤكدين على أن كل شيء حتى الفكر، لا بد أن يفهم في ضوء الغرض الإنساني.
الانتشار ومواقع النفوذ:
تأسس المذهب(*) في الولايات المتحدة الأمريكية، ثم انتقل إلى أوروبا وبريطانيا بشكل خاص.
يتضح مما سبق :(68/242)
أن الذرائعية أو البراجماتية مذهب فلسفي نفعي يرى أن الحقيقة توجد من خلال الواقع العملي والتجربة الإنسانية، وأن صدق قضية ما يكمن في مدى كونها مفيدة للناس، كما أن أفكار الناس هي مجرد ذرائع يستعين بها الإنسان لحفظ بقائه ثم البحث عن الكمال. وعندما تتضارب الأفكار فإن أصدقها هو الأنفع والأجدى، والعقل لم يخلق لتفسير الغيب المجهول، ولذا فإن الاعتقاد الديني لا يخضع للبينات العقلية. ولما كان نشاط الإنسان يتمثل في العقل والإرادة، وكان العقل(*) ينتج العلم، وحينما يتحقق العلم كإرادة يتجه نحو الدين(*)، لذا فإن الصلة بين العلم والدين ترجع إلى الصلة بين العقل والإرادة. ومخاطر هذا المذهب الفلسفي على العقيدة واضحة جلية فهو مذهب يحبذ إلغاء دور العقل في الإفادة من معطيات النقل أو الوحي(*). وقد رأينا في واقعنا المعاصر كيف أفلست الذرائعية كما أفلست سواها من الفلسفات المادية(*) وعجزت عن إسعاد الإنسان بعدما أدت إلى تأجيج سعار المادية، وأهدرت القيم والأخلاق السامية التي دعت إليها جميع الأديان السماوية.
مراجع للتوسع :
- الموسوعة الفلسفية المختصرة، ترجمة فؤاد كامل ورفاقه – دار القلم – بيروت.
- معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، د. أحمد زكي بدوي – مكتبة لبنان – بيروت –1982م.
- تاريخ الفلسفة الحديث، يوسف كرم – دار المعارف – القاهرة.
- قصة الفلسفة الحديثة، أحمد أمين وزكي نجيب محمود – مطبعة لجنة التأليف والنشر – القاهرة.
مراجع أجنبية :
- Philosophy of John Dewey: by P.A Schelop, Chicago 1951.
- The Will to Belive: By W. James Dever New York.
- John Dewey an Intellectual Portriat: by S. Hook Day, New York. 1939.
- History of Philosophy: by F.C. Coplestion, Burns London 1947.
- History of Modern Philosophy by H. Hoffding London 1956.
الروحية الحديثة
التعريف :(68/243)
الروحية الحديثة دعوة هدامة وحركة مغرضة مبنية على الشعوذة. تدَّعي استحضار أرواح الموتى(*) بأساليب علمية وتهدف إلى التشكيك في الأديان(*) والعقائد وتبشر بدين جديد وتلبس لكل حالة لباسها. ظهرت في بداية هذا القرن في أمريكا ومن ورائها اليهود ثم انتشرت في العالمين العربي والإسلامي.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
لم يعرف لها مؤسس في أوروبا وأمريكا ولكن الدعوة إليها قد نشطت في بداية هذا القرن الميلادي من قبل عدة شخصيات منها:
- جان آثر فندلي وكتابه المشهور: على حافة العالم الأثيري.
- أدين فردريك باورز وكتابه المشهور: ظواهر حجرة تحضير الأرواح.
- آثر كونان دويل في كتابه: حافة المجهول.
- اليهودي المعروف: دافيد جيد.
- السيدة وود سمث.
كما ظهرت لها في تلك البلاد عدة مؤسسات مثل: (المعهد الدولي للبحث الروحي) بأمريكا و(جمعية مارلبورن الروحية) بإنجلترا.
أما في العالم الإسلامي فقد تحمس لها عدة أشخاص وحملوا رايتها منهم:
الأستاذ أحمد فهمي أبو الخير أمين عام (الجمعية المصرية للبحوث الروحية) وقد أصدر مجلة عالم الروح وهي الناطقة باسم هذه الدعوة الهدامة، وقد بدأ نشاطه منذ سنة 1937م وقام بترجمة كتابي فندلي وباورز سابقي الذكر.
الأستاذ وهيب دوس المحامي ت 1958م وهو رئيس الجمعية المذكورة.
د. علي عبد الجليل راضي رئيس (جمعية الأهرام الروحية) له كتاب بعنوان مشاهداتي في جمعية لندن الروحية.
حسن عبد الوهاب وكان سكرتيراً للجمعية لفترة ثم اكتشف زيف الروحية الحديث وأزاح الله عن عينيه غشاوة الضلال واكتشف ما في هذه الدعوة الماكرة من سموم وثبت له يقيناً الشخصيات التي تحضر في جلسات التحضير وتزعم أنها أرواح من سبقونا من الأهل والأحباب إن هي إلا شياطين وقرناء من الجن يلبسون على الناس ما يلبسون.(68/244)
الشاعر اللبناني حليم دموس الذي كان يقدس روحًّا نصرانياً اسمه د. داهش ويرفعه إلى مقام النبوة(*) وله مقالات في مجلة عالم الروح بعنوان : الرسالة الدهشية. ود. داهش له أتباع في لبنان وربما خارجه كما أن له كتابات يمجد فيها الرسول r ويؤمن برسالته الخاتمة. وقد أنكر بعض أتباع د. داهش أن يكون قد ادعى النبوة بمعناها الديني الإسلامي.
الأفكار والمعتقدات:
يقولون بأنهم يحضرون الأرواح(*) ويستدعون الموتى لاستفتائهم في مشكلات الغيب ومعضلاته والاستعانة بهم في علاج مرضى الأبدان والنفوس والإرشاد عن المجرمين والكشف عن الغيب والتنبؤ بالمستقبل.
يزعمون أن هذه الأرواح تساعدهم في كشف الجرائم والدلالة على الآثار القديمة كما يدعون أنهم يعالجون مرضى النفوس من هذه الأرواح كذلك.
يدعون أنهم يستطيعون التقاط صور لهذه الأرواح بالأشعة تحت الحمراء.
يحاولون إضفاء الجانب العلمي على عملهم وهو في الواقع لا يخرج عن كونه شعوذة وخداعاً وتأثيراً مغناطيسياً على الحاضرين، واتصالاً بالجن.
يقومون بهذا التحضير في حجرات خاصة شبه مظلمة وفي ضوء أحمر خافت وكل ما يدّعونه من التجسد للأرواح ومخاطبتها لا يراه الحاضرون وإنما ينقله إليهم الوسيط وهو أهم شخص في العملية.
"الوسيط" عندهم يرى غير المنظور ويسمع غير المسموع ويتلقى الكتابة التلقائية وله قدرة على التواصل عن بعد (التلباثي)(*).
لا يثبتون للأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام إلا هذه الوساطة فقط.
يتحكمون في حضور جلسة التحضير(*) من حيث الكم والنوع وإذا وجد نساء يكون الجلوس: رجل، امرأة، … كما يعزفون الموسيقا أحياناً وكل هذا لصرف أذهان الحضور عن حقيقة ما يجري، ويزعمون أن لكل جلسة روحاً حارساً يحرسها.
يعتقدون أن معجزات الأنبياء هي ظواهر روحية كالتي تجري في غرفة تحضير الأرواح(*) ويقولون أن بإمكانهم إعادة معجزات الأنبياء.(68/245)
يرفضون الوحي(*) ويقولون إنه ليس في الأديان(*) ما يصح الركون إليه ويسخرون من المتدينين.
يقولون بأن إلههم أظهر من إله(*) الرسل وأقل صفات بشرية وأكثر صفات إلهية.
يلوحون بشعارات براقة كالإنسانية والإخاء والحرية(*) والمساواة للتمويه على السذج والبسطاء.
كل عملهم منصب على زعزعة العقائد الدينية والمعايير الخلقية.
يدَّعون أن الأرواح التي تخاطبهم تعيش في هناء وسعادة رغم أنها كافرة ليهدموا بذلك عقيدة البعث والجزاء ويقولون إن باب التوبة مفتوح بعد الموت كذلك، وأن الجنة والنار حالة عقلية يجسمها الفكر ويصنعها الخيال.
عندهم نصوص كثيرة تمجد الشيوعيين والوثنيين(*) والفراعنة والهنود الحمر ويقولون إنهم أقوى الأرواح.
يبررون الجرائم بأن أصحابها مجبورون عليها وبالتالي لا يعاقبون.
يسعون لضمان سيطرة اليهودية على العالم لتقوم دولتهم على أنقاض الخراب الشامل.
أعلنت مجلة سينتفك أمريكان عن جائزة مالية ضخمة لمن يقيم الحجة على صدق الظواهر الروحية ولكنها لا تزال تنتظر من يفوز بها وكذلك الحال بالنسبة للجائزة التي وضعها الساحر الأمريكي دنجر لنفس الغرض… وهذا من أكبر الأدلة على بطلانها.
الجذور الفكرية والعقائدية:
ثبت أن للروحية اتصالات شخصية وفكرية بالماسونية وشهود يهوه. كما أن نوادي الروتاري تشجع هذه الظاهرة وتمد لها يد المساعدة وتتولى ترويجها، كما أنها تأثرت باليهودية في كثير من معتقداتها.
الانتشار ومواقع النفوذ:(68/246)
لها نفوذ غريب وخاصة في أمريكا وأوروبا إذ لا تكاد تخلو مدينة من فرع لهذه الدعوة وهناك كثير من الصحف والمجلات التي تتكلم باسمها. وفي أمريكا يوجد المركز العالمي للبحوث الروحية، وكذلك في العالم العربي والإسلامي فإن سرعة انتشارها تدعو إلى العجب وخاصة في مصر حيث توجد لها عدة جمعيات وهناك عدة مجلات وصحف أخرى تروج لها مثل: مجلة صباح الخير، أخر ساعة، المصور، المقتطف، وصحيفة الأهرام فضلاً عن مجلة عالم الروح الخاصة بها.
ويتضح مما سبق :
أنه رغم التفسيرات المتنوعة التي يتناقلها علماء معاصرون عن الروح فإن أمرها من عالم الغيب كما ذكر القرآن الكريم (قل الروح من أمر ربي) وقد قام الدكتور عبد الله اليسون (آرثر اليسون رئيس قسم الهندسة الكهربائية والإلكترونية بجامعة سيتي البريطانية) بإجراء تجارب معملية استخدم فيها جهاز "كيربلين" الذي يصور الهالة حول الجسم فأثبت أن النوم هو الموت والروح تخرج من الجسم في الحالتين غير أنها تعود في حالة النوم ولا تعود في حالة الموت وفي ذلك يقول تعالى: (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) [سورة الزمر، آية: 42].
والذي يدعيه بعض علماء الغرب من تحضير أرواح(*) الموتى كذب وضلال قائم على السحر والشعوذة والاتصال بالجن والشياطين ولم يثبت بأي حال.
----------------------------
مراجع للتوسع :
- مشاهداتي في جمعية لندن الروحية، د. علي عبد الجليل راضي.
- ظواهر حجرة تحضير الأرواح، ترجمة أحمد فهمي أبو الخير.
- على حافة العالم الأثيري، ترجمة أحمد فهمي أبو الخير.
- حافة المجهول، آرثر كونان دويل.
- الروحية الحديثة دعوة هدامة، د. محمد محمد حسين.
- المذاهب الفلسفية المعاصرة، سماح رافع محمد.
من المدارس الأدبية
1-الإسلامية في الأدب
2-الكلاسيكية
3-الرومانسية
4-الرمزية
5-الحداثة(68/247)
6-الواقعية
7-العدمية
8-البرناسية "مذهب الفن للفن"
9-الانطباعية "التأثرية "
10-الوجودية
11-التعبيرية
12-العبثية
13-البنيوية
14-السريالية
15-الميتافيزيقية
الإسلامية في الأدب
التعريف :
? الإسلامية (في الأدب) هي انطلاق الأديب في العملية الإبداعية من رؤية أخلاقية تبرز مصداقيته في الالتزام بتوظيف الأدب لخدمة العقيدة والشريعة والقيم وتعاليم الإسلام ومقاصده، وتبين إيجابيته عند معالجة قضايا العصر والحياة، التي ينفعل بها الأديب انفعالاً مستمراً، فلا يصدر عنه إلا نتاج أدبي متفق مع أخلاق الإسلام وتصوراته ونظرته الشاملة للكون والحياة والإنسان، في إطار من الوضوح الذي يبلور حقيقة علاقة الإنسان بالأديان(*)، وعلاقته بسائر المخلوقات فرادى وجماعات، وبشكل لا يتصادم مع حقائق الإسلام، ولا يخالفها في أي جزئية من جزئياتها ودقائقها.
· معيار الإسلامية:
- ينطوي التعريف المتقدم، على مجموعة معايير متكاملة، يؤدي توافرها إلى صيرورة العمل الأدبي متسماً بالإسلامية، وبعض هذه المعايير موضوعي يتعلق بجوهر العمل وبعضها عضوي أو شكلي يتعلق بإطار التعبير عن العمل، بحيث يتفاعل كل منهما مع الغاية من العمل الأدبي الممثل للإسلامية، وأهم هذه المعايير: الالتزام والمصداقية والوضوح والإيجابية والقدرة والاستمرارية.
1- الالتزام :
ويعني وجوب تقيد الأديب بإشاعة الرؤية العقدية في تيار العمل الأدبي المتدفق خدمة للعقيدة والشريعة(*) والقيم الإسلامية والأخلاق (*) وكليات الإسلام ومقاصده، وأهدافه العامة وبشرط ألا يخالف الإحساس الفطري بحقائق الإسلام.
2- المصداقية:(68/248)
وتعني قدرة الأديب على إعطاء المتلقي إحساساً صادقاً في كافة أعماله الأدبية بأنها قد صدرت عن تصور إسلامي، ودعوة إلى مكارم الأخلاق، وإشاعة الخير والمعروف، ونأي عن كل ما هو منكر وغير مألوف في الوجدان الإسلامي، فإذا كانت بعض أعمال الأديب فقط هي التي تتسم بالمصداقية الإسلامية، فإن ذلك لا يكفي لرفعه إلى مصاف أنصار الإسلامية.
3- الوضوح :
الإسلامية جوهر ومظهر، أو مضمون وشكل، لذا يجب أن يكون مضمون العمل وشكله معاً من الوضوح، في الدلالة على الإسلامية، بحيث يتسنى لأي متلقٍ، أن يصنف الأديب، بسهولة، ضمن أنصار الإسلامية، بمجرد إطلاعه على مجمل أعماله.
4- الإيجابية:
وتعني أنه لا يكفي في الأديب المنتمي إلى الإسلامية، أن يلتزم بالتصور العقدي الإسلامي، ولا يخالفه، بل يجب عليه فضلاً عن ذلك، أن يكون إيجابياً في توجهه، فيقف مع الإسلام، ويدافع عنه، ويتصدى لمناهضيه، فكراً وقولاً وعملاً وسلوكاً، فالإسلامية تستلزم اتخاذ الأديب موقفاً لا تدع ظروف الحال شكاً في دلالته على دفاع صاحبه عن عقيدته في كل الظروف والأحوال.
5- القدرة :
وتعني قدرة الأديب على إفراغ العمل الأدبي في الإطار الشكلي الذي يخدم الموضوع، ويناسب المضمون، ويشد القارىء ويقنع المتلقي بوجه عام.
6- الاستمرارية:
وتعني وجوب قيام الأديب المنتمي للإسلامية بتعميق انتمائه باستمرار، فإن أصبح غير قادر على العطاء الإسلامي، فيجب ألا يصدر عنه ما يعارض صراحة أو ضمناً أعماله السابقة التي تتسم بالإسلامية، وقد يكون للاستمرارية معنى أخص، بالنسبة لمن كانوا غير ملتزمين من قبل ثم انتموا للإسلامية، إذ تعني الاستمرارية عدم عودتهم إلى مثل ما كانوا عليه قبل التزامهم، وقد نلمح هذا عند كعب بن زهير وحسان بن ثابت وغيرهما من الشعراء المخضرمين(*).
التأسيس وأبرز الشخصيات:
· كعب بن زهير رضي الله عنه :(68/249)
من الممكن توسيع دائرة الإسلامية في الأدب لتبدأ بكعب بن زهير، ذلك أن الإسلامية إطار عام، لا يمكن نسبته إلى شخص بعينه أو زمن بعينه في العالم الإسلامي، وعندما جاهد بعض علماء الإسلام في سبيل تكوين مدرسة للأدب الإسلامي فإنهم في الحقيقة، كانوا يريدون التعبير عن مضمون أعمق من مجرد الإطار الشخصي هو النزعة الإسلامية في الأدب أو في كلمة واحدة "الإسلامية Islamism" وهي نزعة يمكن أن نلمحها من لحظة إلقاء رسول(*) الله r بردته على كعب بن زهير عندما أنشده قصيدته اللامية في مدحه r، فسر بالتزامه ومصداقيته، وصحح له الشطرة التي تقول: "مهند من سيوف الهند مسلول" إلى "مهند من سيوف الله مسلول" فهذا شعر ذو هدف نبيل وغاية شريفة في مجال الدعوة بلا غلوٍ (*) ولا تجاوز، وهي نزعة حبذها الزمخشري في الكشاف بعبارات جلية.
· حسان بن ثابت رضي الله عنه:
حسان بن ثابت شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكان من الشعراء المخضرمين(*) الذين حضروا الجاهلية(*) والإسلام، وقد أسلم مع السابقين من الخزرجيين، ومنذ شرح الله صدره للإسلام وهو شاعر العقيدة الذي يسجل أحداث المسلمين، ويمجد غزوات الرسول، ويرد على شعراء المشركين بجزالة، قال النثر(*) والنظر في بيان عظمة الإسلام والدعوة إلى التأدب بآدابه والعمل بأحكامه ، وقد سفه قريشاً في أشعاره، ونوّه بالقرآن الكريم كمصدر أول للتشريع الإسلامي وأساساً لشريعة الحق ونبي الهدى، وبين بجلاء دور الأدب في بيان حقائق الإسلام، وقال أفضل أشعاره يوم قريظة وفي غزوة الأحزاب وفي رثائه لنبينا محمد r بين أن قيمة الإسلام تكمن في التوحيد.
· عبد الله بن رواحة رضي الله عنه:(68/250)
كان أحد شعراء الرسول صلى الله عليه وسلم الثلاثة الذين نافحوا عن الرسالة، ورغم أنه استشهد في السنة الثامنة من الهجرة(*)، وأن ما وصل إلينا من شعره كان قليلاً، إلا أن ما كتبه كان يجسد أهم قيم الإسلام كالشجاعة النابعة من أعماقه، والحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، والحرص على التمسك بالدين والدفاع عنه، وطاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ولذا فقد كان عبد الله بن رواحة - بحق – رائد شعر الجهاد(*) الإسلامي، تشهد على ذلك أشعاره. يقول الدكتور محمد بن سعد الشويعر: "من اللفتات النبوية الكريمة استمد عبد الله بن رواحة التوجه إلى الطريق الأمثل، الذي يجب أن يسلكه الشعر الإسلامي، والإطار الذي يحسن أن يبرز فيه: صدق في التعبير، وسلامة في المقصد، وعدم الفحش في ذكر المثالب، أو النيل من الأعراض، واعتدال في القول".
· عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
ربما كان العقاد من أكثر الكتاب التزاماً بالإسلامية في الأدب، في مواجهة تيار التغريب الذي قاده طه حسين، ولذا فإن كلام العقاد له وزنه في هذا الصدد ومما قاله في عبقرية عمر:
كان عمر بن الخطاب أديباً مؤرخاً فقيهاً (ص 344) عظيم الشغف بالشعر والأمثال والطرف الأدبية، وكان يروي الشعر ويتمثل به، ولم يزل عمر الخليفة هو عمر الأديب طوال حياته، لم ينكر من الشعر إلا ما ينكره المسؤول عن دين(*)، أو القاضي المتحرز الأمين، ولذا فقد نهى عن التشبيب بالمحصنات، ونهى عن الهجاء، وأعجبته الأشعار التي تنطوي على معان سامية، دعى إليها الإسلام، وكان يرى أن للشعر غاية تعليمية تربوية فقد كتب إلى أبي موسى الأشعري قائلاً: مر من قبلك بتعلم الشعر فإنه يدل على معالي الأخلاق وصواب الرأي ومعرفة الأنساب.. وقال لابنه يا بني.. احفظ محاسن الشعر يحسن أدبك.. فإن من لم يحفظ محاسن الشعر لم يؤد حقاً ولم يقترف أدباً.(68/251)
وفي معايير الإسلامية قال: "ارووا من الشعر أعفه ومن الحديث أحسنه.. فمحاسن الشعر تدل على مكارم الأخلاق وتنهي عن مساويها".
ومما يؤكد تصور الإسلامية في الأدب عنده رضي الله عنه، أنه عزل النعمان بن عدي عندما تجاوز في شعره غايات الإسلام ومقاصده، بالرغم من أنه كان أحد ولاته، ولم يقبل اعتذاره وتعلله بأنه مجرد شاعر ولم يصنع شيئاً مما رواه في إحدى قصائده المبنية على الغزل الفاحش، كما سجن الحطيئة عندما هجا الزبرقان بن بدر، فلم يكن لمثل عمر أن يفعل غير ذلك فالإسلامية التزام إجباري إن صح التعبير، وإذا كانت الإسلامية التزام فإنها تستلزم المسؤولية.
· عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه:
يعتبر عمر بن عبد العزيز من أبرز مؤسسي الإسلامية على الإطلاق لأنه لم يكتف بالحديث عن وجوب الالتزام والتقيد التام بالإسلام عند مباشرة المعالجة الأدبية، بل قدم أسلوباً عمليًّا لذلك، في موقف كان يمكن أن يتقبل فيه الناتج الأدبي المنطوي على مدحه ولكنه قدم درساً تطبيقياً في الحيلولة دون تخطي الأدب غاية الإسلامية فقد منع الشعراء أن يمدحوه، فلما ألح عليه كثير بن عبد الرحمن في إنشاده، وضع معيار الحقيقة كأساس لقبول سماع الإبداع الشعري، فقد قال لكثير : نعم. ولا تقل إلا حقاً.
ومما يؤكد عدم تساهل عمر بن عبد العزيز في التزام الأدب بالأخلاق(*) والأهداف السامية قصته المشهورة مع الشعراء عندما تولى الخلافة(*) وقيل له إنهم بالباب يريدون المثول بين يديه. وعندما توسط أحد جلسائه للشعراء وأخبره أن الرسول r ، قد سمع الشعر وأجاز الشعراء سأل من بالباب من الشعراء، وعندما أخبر بأسمائهم رفضهم واحداً تلو الآخر مع تبيان أسباب الرفض باستشهاد من أشعارهم ولم يدخل إلا جريراً حيث وجده أقل المجموعة فحشاً.
· ابن قتيبة وآخرون:(68/252)
فضل ابن قتيبة الشعر الذي ينطوي على فائدة في المعنى، سواء تعلق هذا المعنى بالقيم الدينية أو الخلقية أو الحكم. ومثله كذلك مهلهل بن يموت بن المزرع وابن وكيع التنيئسي والثعالبي وعمرو بن عبيد، ومسكوية وابن شرف القيرواني وابن حزم الذي نهى عن الغزل وغالى في وضع القيود على الأدب لتحقيق الإسلامية حسبما تصورها، رغم أنه خرج على ذلك أحياناً كثيرة في طوق الحمامة. ولا شك أن الشعر مجرد فن من فنون الأدب ولكن ضوابطه الإسلامية ومعاييرها بشأنه تصلح لكل فروع الأدب.
· علي أحمد باكثير:
يوصف بأنه من طلائع الإسلامية في الأدب في مجال الشعر والقصة والمسرحية، وكان لنشأته وبنائه الفكري واتساع أفقه وتنوع مصادره الثقافية أكبر الأثر في تكوين شخصيته وقلمه، ولذا كتب المسرحية الحديثة عن فهم ووعي وعن دراسة وتعمق في معرفة أصول الصنعة المسرحية.
ولقد كان الموجه الرئيسي لباكثير في فنه الأدبي هو عقيدته الإسلامية وقيمها وتصوراتها الصائبة للحياة. يقول د. نجيب الكيلاني عن مسرحيته حبل الغسيل إنها كانت صرخة شجاعة أدانت فساد المنهج(*) وعفن الإدارة وانحراف المؤسسات الشعبية حينما استبد الشيوعيون بمقاليد الأمور في مصر في النصف الأول من عقد الستينات، حيث صنعوا من الشعارات واجهة للبلاد بينما هم يستغلونه وينفذون مخططاً موحى به إليهم من سادتهم خارج البلاد وفي ذلك إدانة للفكر الماركسي وتجربته المشينة بمصر.
· مصطفى صادق الرافعي :(68/253)
كانت الإسلامية في أدبه تياراً متدفقاً، فقرظ محمود سامي البارودي شعره الملتزم، وأثنى عليه مصطفى لطفي المنفلوطي، وحيَّاه الشيخ محمد عبده قائلاً: "أسأل الله أن يجعل للحق من لسانك سيفاً يمحق الباطل" وقد كان. ففي كافة مؤلفاته وأشعاره ودراساته ونثره، جعل الإسلام غايته وخدمة عقيدة التوحيد مقصده وبغيته. وقد وقف أمام مؤامرات الإنجليز ضد الإسلام ومؤامرات الصهيونية في فلسطين ومؤامرات الذين أرادوا إحياء العامية والقضاء على اللغة العربية، وأبرز قضايا الإسلامية عند الرافعي هي قضية إعجاز القرآن الكريم، وقضية البلاغة النبوية وقضية المقالات(*) الإسلامية.
· أحمد شوقي:
كانت الإسلامية واضحة في بعض أشعار أحمد شوقي، ولم يكن يلتزم في هذه الأشعار بالمقاصد الإسلامية فقط، بل إنه خاض بعض معارك الدفاع عن المبادىء الإسلامية وقضاياه، فقد بيَّن أن الحرب في الإسلام لم تكن حرب عدوان وإنما كانت حرب جهاد(*) ودفاع، وبيَّن أن الإسراء كان بالروح والجسد معاً، وربط بين المفاهيم الدينية وبين قضايا النضال واليقظة والتحرر ودافع عن الفضائل الإسلامية والحرية(*) والنظام والشورى، ويمكن القول كذلك أن حافظ إبراهيم رغم ثقافته الأزهرية المتواضعة وأحمد محرم شاعر العروبة والإسلام كانا يستظلان كذلك بظل الإسلامية في أدائهما الملتزم.
· محمد إقبال:
وفكرة الإسلامية عند الشاعر محمد إقبال 1873م تستلزم توافر ثلاث مراحل: الأولى: الوقوف على المقاصد الشرعية التي بيَّنها الدين(*) الإسلامي فهي حقائق أبدية لا تتغير، والثانية الجهاد(*) الديني في سبيل تحقيقها كل في مجاله، وعلى الأديب أن يعتصم في سبيل ذلك بالصبر وهذا يستلزم الانقياد التام لأمر الله تعالى عن عقيدة ثابتة وإيمان راسخ، ومحاربة نوازع النفس. وثالثها: انطلاق الذوات الإسلامية كلها لتحقيق أهداف الأمة الإسلامية.
· الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي:(68/254)
في 2 ربيع الأول 1405هـ (24/11/1984م) أعلن الشيخ الأديب والمفكر الداعية أبو الحسن علي الحسني الندوي في لقاء ضم الكثير من مفكري وأدباء العالم الإسلامي عن ولادة رابطة الأدب الإسلامي، التي أعطت الأدب الإسلامي كياناً متميزاً عن بقية المذاهب الأدبية الأخرى، على أنه يجب ملاحظة أن مفهوم الإسلامية سبق الإعلان عن الرابطة بسنين طويلة، فإنا نجد الدعوة للأدب الإسلامي في كتابات الداعية والأديب سيد قطب حينما كان يشرف على باب الأدب في الجريدة التي كان يرأس تحريرها في مصر عام 1952م. ونجدها أيضاً في كتابات أخيه محمد قطب عام 1961م وخاصة في كتابه منهج الفن الإسلامي، ونجدها أيضاً عند الدكتور نجيب الكيلاني سنة 1963م في كتابه: الإسلامية والمذاهب الأدبية، ونجدها أيضاً عند الدكتور عماد الدين خليل عام 1392هـ (1972م) في كتابه: النقد الإسلامي المعاصر وكتابه: محاولات جديدة في النقد الإسلامي الذي أصدره عام 1401هـ (1982م) وفي كتابه: فن الأدب الإسلامي المعاصر دراسة وتطبيق وفي كتاباته الأدبية التي سبقت نشر هذا الكتاب ومنذ عام 1961م في مجلة: حاضرة الإسلام الدمشقية.
ولذا فإن الشيخ أبا الحسن علي الحسني الندوي رئيس جامعة ندوة العلماء في الهند ورئيس رابطة الأدب الإسلامي العالمية يعتبر أحدث دعاة الإسلامية والمؤسسين لها، وإنه وإن كانت الرابطة لم تتشح باسم الإسلامية متخذة اسم الأدب الإسلامي، إلا أن الأمر مجرد اصطلاح، ولا مشاحة في الاصطلاحات.
· الدكتور عبد الرحمن رأفت الباشا:
- رحمه الله – نائب رئيس الرابطة للبلاد العربية، وكان أستاذاً للأدب والنقد في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ويعتبر من أوائل من نظر للإسلامية ودافع عن الأدب الإسلامي.
· الدكتور عبد القدوس أبو صالح:
أستاذ الأدب والنقد في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ونائب رئيس الرابطة ورئيس مكتب البلاد العربية.
· الشيخ محمد الرابع الندوي:(68/255)
نائب رئيس الرابطة ورئيس مكتب الهند.
· الأستاذ محمد حسن بريغش:
أمين سر الرابطة للبلاد العربية وعضو مجلس الإفتاء في الرابطة.
· الدكتور عدنان رضا النحوي :
الشاعر والأديب السعودي وعضو مجلس أمناء رابطة الأدب الإسلامي العالمية.
· الأستاذ محمد قطب:
المفكر والداعية المعروف، والأستاذ في جامعة الملك عبد العزيز وعضو الشرف في الرابطة، فقد تابع جهود شقيقه سيد قطب – رحمه الله – في الإسلامية في الأدب.
· الدكتور عبد الباسط بدر:
الأستاذ في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وأمين سر مجلس أمناء الرابطة.
· الدكتور حسن الأمراني:
(مغربي): عضو رابطة الأدب الإسلامي ورئيس تحرير مجلة المشكاة التي تعني بالأدب الإسلامي.
· الدكتور محمد مصطفى هدارة:
(مصري) عضو الرابطة والأستاذ في جامعة الإسكندرية.. وهو أول من أظهر حقيقة مذهب(*) الحداثة الفكري والأدبي وأهدافه الهدامة.
· الدكتور عبد الرحمن العشماوي:
وهو يعتبر أبرز الأصوات الشابة الملتزمة بالإسلام والمدافعة عن القضايا الإسلامية والتصور الإيماني.
الأفكار والمعتقدات:
? جعل التصور الإسلامي الصحيح للإنسان والكون والحياة، أهم أركان العمل الأدبي أيًّا كان نوعه.
الالتزام بالتصور الإسلامي، لا يعني التوجيه القسري على غرار ما يفرضه أصحاب التفسير المادي للتاريخ(*) وإنما هو أخذ النفس البشرية بالتصور الإسلامي للحياة في سائر فنون الأدب، وبذا تتميز الإسلامية عن فكرة الالتزام عند كل من الواقعية والاشتراكية(*) والوجودية، فالالتزام عند الأولى هو الالتزام بقضايا الجماهير حسب المفهوم الماركسي المنهار، والالتزام عند الثانية – في النثر فقط دون الشعر – بقضايا الحرية حسب المفهوم الوجودي فحسب.
? التعبير المؤثر، له أهمية في مجال الأدب ولا يستغني عنه بحجة سلامة المضمون، وبذلك يتميز الأدب عن الكلام العادي، فذلك مما يحقق غاية الإسلامية.(68/256)
وغاية الإسلامية هي وجود أدب هادف، فالأديب المسلم لا يجعل الأدب غاية لذاته كما يدعو أصحاب مذهب: (الفن للفن) وإنما يجعله وسيلة إلى غاية، وهذه الغاية تتمثل في ترسيخ الإيمان بالله عز وجل ، وتأصيل القيم الفاضلة في النفوس.
? حرية التفكير والتعبير من متطلبات الإبداع(*) والصدق الأدبي وهي وسيلة لإثراء الأدب كماً وكيفاً.
? وقد وضع الإسلام حدوداً للحرية(*) في كل مجالاتها، ومنها مجال الأدب إذ إنه لا يعترف بحرية القول التي منحت للأدباء وغيرهم إذ رأى فيها خطراً يهدد سلامة المجتمع وأمنه العقدي أو الأخلاقي أو الاجتماعي أو الاقتصادي.
? الأدب طريق مهم من طرق بناء الإنسان الصالح والمجتمع الصالح وأداة من أدوات الدعوة إلى الله والدفاع عن الشخصية الإسلامية.
? الإسلامية حقيقة قائمة قديماً وحديثاً وهي تبدأ من القرآن الكريم والحديث النبوي، ومعركة شعراء الرسول(*) صلى الله عليه وسلم مع كفار قريش، وتمتد إلى عصرنا الحاضر لتسهم في الدعوة إلى الله ومحاربة أعداء الإسلام والمنحرفين عنه.
? الإسلامية هي أدب الشعوب الإسلامية على اختلاف أجناسها ولغاتها، وخصائصها هي الخصائص الفنية المشتركة بين آداب الشعوب الإسلامية كلها.
? ترفض الإسلامية أي محاولة لقطع الصلة بين الأدب القديم والأدب الحديث بدعوى التطور أو الحداثة أو المعاصرة وترى أن الأدب الحديث مرتبط بجذوره القديمة.
? ترفض الإسلامية المذاهب(*) الأدبية التي تخالف التصور الإسلامي والأدب العربي المزور، والنقد الأدبي المبني على المجاملة المشبوهة أو الحقد الشخصي، كما ترفض اللغة التي يشوبها الغموض وتكثر فيها المصطلحات الدخيلة والرموز المشبوهة وتدعو إلى نقد واضح بناء.
? تستفيد الإسلامية من الأجناس الأدبية جميعها شعراً ونثراً ولا ترفض أي شكل من أشكال التعبير، وتعني بالمضمون الذي يحدد طبيعة الشكل الملائم للأداء.(68/257)
? والإسلامية في الأدب تأبى الانحراف عن القيود الواردة في تعريف الإسلامية، فهي كما يقول أحد الباحثين تأبى مثلاً "تأليه الإنسان (كلاسيكياً)، وإغراقه الذاتي الأناني (رومنسياً)، وتمجيد لحظات الضعف البشري (واقعيًّا، وتصوير الانحراف الفكري أو النفسي أو الأخلاقي (وجوديًّا)" فليس ثمة عبث وليس ثمة حرية أخلاقية مطلقة من كل قيد كما يرى (سارتر) وليس ثمة تناقضات نفسية لا نهاية لها تنتهي دائماً بالضياع كما يرى (ديستوفيسكي).
? والإسلامية إطار واقعي للعمل الأدبي، فهي ليست مجالاً لتحقيق الخيال الجامح أو التعبير عن شطحات منبتة الصلة بالواقع، وواقع الإسلامية أنها فكرة غائية عقدية، وغايتها ليست تحقيق مصلحة ذاتية أو شخصية كإطار للبراجماتية وإنما تحقيق مصلحة العقيدة وكل من يتمسك بهذه العقيدة، فالإسلامية إطار للحقيقة لا الزيف والاستقامة لا الانحراف، ذلك أنها تدور مع وجود المسلم، وللوجود الإنساني غاية إسلامية كبرى هي الكدح والعمل والعبادة { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ } [المؤمنون: 115] {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم:39] وهذه الواقعية توجد في القرآن الكريم ذاته، فأحد معجزاته أنه قدم أمثلة عليا للأداء الفني المتجانس في القصة وغيرها وما قصة يوسف عليه السلام عنا ببعيد.
? والإسلامية ليست قيداً على الإبداع(*) وإنما هي إطار موضوعي وشكلي لتحصين العمل الأدبي من الإسفاف الذي قد يقضي على الأديب، أما التحرر المطلق من كل القيم الذي ينهي وجود الأديب، أو الخروج عن منطق الأدب ذاته، فهذا أمر يفرغ العمل الأدبي من مضمونه، فمنطق الإسلامية، ينبثق من حضارة إسلامية، تتيح للأديب فرصة التعبير عن كل ما يجول بخاطره، فيطرح المضمون الذي يريد في الشكل الذي يريد طالما كان في إطار التصور الإسلامي.(68/258)
? وترتيباً على ما تقدم فإن الإسلامية تختلف عن سائر المضمونات الدينية البعيدة عن العقيدة الإسلامية سواء كانت دينية سماوية أو دينية وضعية، ولذا فإن الانفتاح على الأعمال الأدبية يجب أن يتم من خلال وجدان إسلامي راق وحسّ إنساني مرهف، للتخفيف من هموم الإنسان ومعاناته لا دفعه في أتون الصراع اللانهائي بين العبث واللامعقول، والعدمية والوجودية، وغيرها من المذاهب التي لا تروي الظمأ الديني لدى المتلقي ولا تسمو بأحاسيسه ومشاعره، بل تلغي له الزمن في العمل الأدبي، وتفكك له الأحداث، وتلغي له الشخصيات، وتمس جوهر العمل، فمسخ العمل أو تشويهه ليس من طبيعة الإسلامية.
بل إن هذا العمل لا يمكن أن يرتطم بطبائع الأمور ولا النظرة الإسلامية للكون والحياة والوجود، ومن أجل هذا فإنه وإن كان لا يجوز دمج الإسلامية في غيرها من المذاهب إلا أن الإسلامية لا تأبى التعايش مع أي نتاج أدبي عالمي، طالما لم تهدم الحواجز بين الأمرين، فخصوصية الإسلامية أنها وليدة الزمن والمكان، وأنها نسيج لقاء العقيدة بالإنسان، ولذا فإنها عالمية الأثر، كونية الرؤية، شمولية النزعة، توفق بين المنظور الواقعي والغيب اللامرئي، وتوائم بين المادي والروحي، وتجانس بين الثابت والمتغير، ولا يوجد فيها أي تنافٍ لوجود المحدود مع المطلق، ومعالجة الجزئي مع الكلي، طالما أن الهدف الأساسي للإسلامية هو صنع عالم سعيد لبني البشر، يعينهم على تجاوز متاعبهم، ويزيل المتاريس التي تقف أمام انطلاق عقيدتهم. ومن أمثلة هذه المتاريس النتاج الأدبي المتأثر بالنصرانية والذي نجده عند لويس شيخو، وسلامة موسى، وغالي شكري، ولويس عوض، وإيليا حاوي، وخليل حاوي، وسعيد عقل، وجبرا إبراهيم جبرا وغيرهم، وقد تأثر بهم بدر شاكر السياب وصلاح عبد الصبور وغيرهم.(68/259)
- والإسلامية كبنيان أدبي عقدي، تجد في الإسلام مجالاً رحباً، يقدم الأدباء من خلاله فكرهم البناء، وسلوكهم الهادف، وتصورهم الصائب، وقضايا الإنسان التي تحتاج إلى معالجة. والإسلامية تجعل كل هذه الأمور ذات بنيان متجانس السمات، غير متنافر الأهداف والغايات، ولا حجر في أن تكون الإسلامية فكرة عقدية، فليس المطلوب منا أن نذوب في غيرنا أو أن نكون انعكاساً لحقائق أو أوهام تزرع في غير تربتنا، وحسبنا أن نعود إلى ماضينا لندرك عظمة توجيه الرسول(*) صلى الله عليه وسلم الشعراء إلى الدفاع عن المجتمع المسلم والجهاد بالكلمة، ولنعي أن البنية الخلقية الإسلامية.. أحدثت انقلاباً عميقاً في النفوس، ولذا عاشت الإسلامية وأمكن استخلاصها من بطون الكتب، وكانت توجيهات الخلفاء الراشدين للشعراء بالالتزام بالبنية الأخلاقية الإسلامية، وفي العصر العباسي علت دعوة أبي العتاهية إلى الزهد، وهكذا.
أماكن الانتشار:
أصبح للإسلامية أنصار في جميع أنحاء العالم.. ولها مكتبات في الهند وفي البلاد العربية وعقدت رابطة الأدب الإسلامية العالمية عدة مؤتمرات في الهند وتركيا ومصر، واشترك فيها عدد كبير من أدباء العالم الإسلامي.
ويتضح مما سبق :(68/260)
أن الإسلامية ذات مدلول شامل في الزمان والمكان، فهي قديمة قدم الدعوة الإسلامية، وممتدة مع الإسلام عبر الأزمان. وهي لا تختص باللسان العربي المسلم دون سواه، بل تتعلق بكل مسلم أياً كان مكان ولادته أو نشأته. والإسلامية ليست حبيسة صفحات الكتاب المتفرغين للأدب والمعنيين به، وإنما توجد في ثنايا كتابة تعرض لأي مسألة، حتى وإن كانت من مسائل العلم في شتى فروعه. ومن هذا المنطلق فإن المدرسة الأدبية الإسلامية الهندية أو الباكستانية أو الأندونيسية أو التشادية أو السنغالية أو غيرها تعتبر تجسيداً للإسلامية في الأدب، كما تعتبر الكتابات العلمية ذات الأسس الجمالية والبنيانات الفنية من هذا القبيل أيضاً، فآداب الشعوب الإسلامية غير العربية هي رافد من روافد الإسلامية مادام أنها في إطار التصور الإسلامي للكون والإنسان والحياة ولا تعرض ما يرفض الإسلام أو يتعارض مع منهجه الفكري.
----------------------------
مراجع للتوسع :
- نحو مذهب إسلامي في الأدب والنقد، للدكتور عبد الرحمن رأفت الباشا. ط. جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 1405هـ/1985م.
- منهج الفن الإسلامي، محمد قطب، دار الشروق، بيروت، القاهرة.
- في الأدب الإسلامي المعاصر، محمد حسن بريغش، مكتبة المنار، الأردن الزرقاء.
- الأدب في خدمة الحياة والعقيدة، عبد الله حمد العويشق، ط. كلية اللغة العربية بالرياض، 1389هـ/1390هـ.
- نظرات في الأدب، لأبي الحسن الندوي، دار القلم، دمشق 1408هـ/1988م.
- الأدب الإسلامي وصلته بالحياة، محمد الرابع الندوي، مؤسسة الرسالة، ط1 1405هـ/1985م.
- أدب الصحوة الإسلامية، واضح الندوي، مؤسسة الرسالة ط1، 1405هـ/1985م.
- تعريف برابطة الأدب الإسلامي، إصدار الرابطة عام 1409هـ/ 1989م.
- مجلة المشكاة. العدد 13 السنة الرابعة 1410هـ/1990م.
- النقد الأدبي أصوله ومفاهيمه، سيد قطب، دار الشروق، بيروت.(68/261)
- الإسلامية والمذاهب الأدبية، د. نجيب الكيلاني/ مؤسسة الرسالة ط2 (1401هـ).
الكلاسيكية
التعريف :
الكلاسيكية مذهب(*) أدبي، ويطلق عليه أيضاً "المذهب الإتباعي" أو المدرسي.. وقد كان يقصد به في القرن الثاني الميلادي الكتابة الأرستقراطية(*) الرفيعة الموجهة للصفوة المثقفة الموسرة من المجتمع الأوروبي.
أما في عصر النهضة(*) الأوروبية، وكذلك في العصر الحديث: فيقصد به كل أدب يبلور المثل الإنسانية المتمثلة في الخير والحق والجمال "وهي المثل التي لا تتغير باختلاف المكان والزمان والطبقة الاجتماعية" وهذا المذهب له من الخصائص الجيدة ما يمكنه من البقاء وإثارة اهتمام الأجيال المتعاقبة. ومن خصائصه كذلك عنايته الكبرى بالأسلوب والحرص على فصاحة اللغة وأناقة العبارة ومخاطبة جمهور مثقف غالباً والتعبير عن العواطف الإنسانية العامة وربط الأدب بالبادىء الأخلاقية وتوظيفه لخدمة الغايات التعليمية واحترام التقاليد الاجتماعية السائدة.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
? يعد الكاتب اللاتيني أولوس جيليوس هو أول من استعمل لفظ الكلاسيكية على أنه اصطلاح مضاد للكتابة الشعبية، في القرن الثاني الميلادي.
? وتعد مدرسة الإسكندرية القديمة أصدق مثال على الكلاسيكية التقليدية، التي تنحصر في تقليد وبلورة ما أنجزه القدماء وخاصة الإغريق دون محاولة الابتكار والإبداع(*).
? وأول من طور الكلاسيكية الكاتب الإيطالي بوكاتشيو 1313-1375م فألغى الهوة بين الكتابة الأرستقراطية والكتابة الشعبية، وتعود له أصول اللغة الإيطالية المعاصرة.
? كما أن رائد المدرسة الإنكليزية شكسبير 1564-1616م طور الكلاسيكية في عصره، ووجه الأذهان إلى الأدب الإيطالي في العصور الوسطى ومطالع عصر النهضة(*).(68/262)
? أما المذهب الكلاسيكي الحديث في الغرب، فإن المدرسة الفرنسية هي التي أسسته على يد الناقد الفرنسي نيكولا بوالو 1636 – 1711م في كتابه الشهير فن الأدب الذي ألفه عام 1674م. حيث قنن قواعد الكلاسيكية وأبرزها للوجود من جديد، ولذا يعد مُنظر المذهب(*) الكلاسيكي الفرنسي الذي يحظى باعتراف الجميع.
? ومن أبرز شخصيات المذهب الكلاسيكي في أوروبا بعد بوالو:
- الشاعر الإنكليزي جون أولدهام 1653 – 1773م وهو ناقد أدبي ومن المؤيدين للكلاسيكية.
- الناقد الألماني جوتشهيد 1700 – 1766م الذي ألف كتاب فن الشعر ونقده.
- الأديب الفرنسي راسين 1639 – 1699م وأشهر مسرحياته فيدرا والإسكندر.
- والأديب كورني 1606 – 1784م وأشهر مسرحياته السيد – أوديب.
- الأديب موليير 1622 – 1673م وأشهر مسرحياته البخيل – طرطوف.
- والأديب لافونتين 1621 – 1695م الذي اشتهر بالقصص الشعرية وقد تأثر به أحمد شوقي في مسرحياته.
الأفكار والمعتقدات:
? يقوم المذهب الكلاسيكي الحديث، الذي أنشأته المدرسة الفرنسية مؤسسة المذهب على الأفكار والمبادىء التالية:
- تقليد الأدب اليوناني والروماني في تطبيق القواعد الأدبية والنقدية وخاصة القواعد الأرسطية في الكتابين الشهيرين: فن الشعر وفن الخطابة لأرسطو.
- العقل(*) هو الأساس والمعيار لفلسفة الجمال في الأدب، وهو الذي يحدد الرسالة الاجتماعية للأديب والشاعر، وهو الذي يوحد بين المتعة والمنفعة.
- الأدب للصفوة المثقفة الموسرة وليس لسواد الشعب، لأن أهل هذه الصفوة هم أعرف بالفن والجمال، فالجمال الشعري خاصة لا تراه كل العيون.
- الاهتمام بالشكل وبالأسلوب وما يتبعه من فصاحة وجمال وتعبير.
- تكمن قيمة العمل الأدبي في تحليله للنفس البشرية والكشف عن أسرارها بأسلوب بارع ودقيق وموضوعي، بصرف النظر عما في هذه النفس من خير أو شر.(68/263)
- غاية الأدب هو الفائدة الخلقية من خلال المتعة الفنية، وهذا يتطلب التعلم والصنعة، ويعتمد عليها أكثر مما يعتمد على الإلهام والموهبة.
الجذور الفكرية والعقائدية:
? ارتبط المذهب(*) الكلاسيكي بالنظرة اليونانية الوثنية، وحمل كل تصوراتها وأفكارها وأخلاقها وعاداتها وتقاليدها.
? والأدب اليوناني ارتبط بالوثنية(*) في جميع الأجناس الأدبية من نقد أدبي وأسطورة إلى شعر ومسرح.
? ثم جاء الرومان واقتبسوا جميع القيم الأدبية اليونانية وما تحويه عن عقائد وأفكار وثنية.
? وجاءت النصرانية وحاربت هذه القيم باعتبارها قيماً وثنية، وحاولت أن تصبغ الأدب في عصرها بالطابع النصراني، وتستمد قيمها من الإنجيل(*) إلا أنها فشلت، وذلك لقوة الأصول اليونانية وبسبب التحريف الذي أصابها.
? وبعد القرن الثالث عشر الميلادي ظهرت في إيطاليا بداية حركة إحياء للآداب اليونانية القديمة، وذلك بعد اطلاع النقاد والأدباء على كتب أرسطو في أصولها اليونانية وترجماتها العربية، التي نقلت عن طريق الأندلس وصقلية وبلاد الشام بعد الحروب الصليبية.
? وازدهر المذهب الكلاسيكي في الأدب والنقد بعد القرن السادس عشر والسابع عشر الميلادي.
1) الكلاسيكية الحديثة
تطورت الكلاسيكية في الوقت الحاضر إلى ما أطلق عليه النقاد (النيوكلاسيكية) أو الكلاسيكية الحديثة، والتي حاولت أن تنظر إلى الأمور نظرة تجمع بين الموضوعية الجامدة للكلاسيكية القديمة والذاتية المتطرفة للرومانسية الجديدة. وقد بدأت هذه المدرسة في الظهور على يد كل من ت. س. اليوت الكاتب والأديب الأمريكي، وأ. أ. ريتشاردز وغيرهم من النقاد المعاصرين.
الانتشار ومواقع النفوذ
? تعد فرنسا البلد الأم لأكثر المذاهب الأدبية والفكرية في أوروبا، ومنها المذهب الكلاسيكي، وفرنسا – كما رأينا – هي التي قننت المذهب ووضعت له الأسس والقواعد النابعة من الأصول اليونانية.(68/264)
? ثم انتشر المذهب(*) في إيطاليا وبريطانيا وألمانيا.. على يد كبار الأدباء مثل بوكاتشيو وشكسبير.
ويتضح مما سبق :
أن الكلاسيكية مذهب أدبي يقول عنه أتباعه إنه يبلور المثل الإنسانية الثابتة كالحق والخير والجمال، ويهدف إلى العناية بأسلوب الكتابة وفصاحة اللغة وربط الأدب بالمبادىء الأخلاقية، ويعتبر شكسبير رائد المدرسة الكلاسيكية في عصره، ولكن المذهب الكلاسيكي الحديث ينسب إلى المدرسة الفرنسية، حيث تبناه الناقد الفرنسي نيكولا بوالو 1636 – 1711م في كتابه الشهير علم الأدب. ويقوم المذهب الكلاسيكي الحديث على أفكار هامة منها، تقليد الأدب اليوناني والروماني من بعض الاتجاهات، واعتبار العقل(*) هو الأساس والمعيار لفلسفة الجمال في الأدب، فضلاً عن جعل الأدب للصفوة المثقفة الموسرة وليس لسواد الشعب مع الاهتمام بالشكل والأسلوب وما يستتبع ذلك من جمال التعبير، على نحو تتحقق معه فكرة تحليل النفس البشرية والكشف عن أسرارها بأسلوب بارع ودقيق وموضوعي.
? ومن أهم الجوانب التي تستحق التعليق في الكلاسيكية أنها تعلي من قدر الأدبين اليوناني والروماني مع ارتباطهما بالتصورات الوثنية، ورغم ما فيهما من تصوير بارع للعواطف الإنسانية فإن اهتماماتهما توجه بالدرجة الأولى إلى الطبقات العليا من المجتمع وربما استتبع ذلك الانصراف عن الاهتمام بالمشكلات الاجتماعية والسياسية.
----------------------------
مراجع للتوسع :
- نحو مذهب إسلامي في الأدب والنقد، د. عبد الرحمن رأفت الباشا.
- مذاهب الأدب الغربي، د. عبد الباسط بدر.
- المذاهب الأدبية من الكلاسيكية إلى العبثية، د. نبيل راغب – مكتبة مصر – القاهرة.
- الأدب المقارن، د. محمد غنيمي هلال – دار العودة – بيروت.
- المدخل إلى النقد الحديث ، د. محمد غنيمي هلال – دار العودة – بيروت.
- المذاهب الأدبية، د. جميل نصيف التكريتي – دار الشؤون الثقافية العامة.(68/265)
- مقالات عن شعر الكلاسيكية والرومانتيكية والبرناسية في :المجلة أعداد يوليو وأغسطس وسبتمبر 1959م.
المراجع الأجنبية :
- Braunschvig: Notre Litterature Etudiee dans le Texte. Paris 1949.
- Lanson: Historire de la litterature Francaise paris 1916.
- De Segur (Nicola): Histoire de la littrature Europeenne 1959.
الرومانسية
التعريف :
? الرومانسية أو الرومانتيكية مذهب(*) أدبي يهتم بالنفس الإنسانية وما تزخر به من عواطف ومشاعر وأخيلة أياً كانت طبيعة صاحبها مؤمناً أو ملحداً، مع فصل الأدب عن الأخلاق(*). ولذا يتصف هذا المذهب بالسهولة في التعبير والتفكير، وإطلاق النفس على سجيتها، والاستجابة لأهوائها. وهو مذهب متحرر من قيود العقل(*) والواقعية اللذين نجدهما لدى المذهب الكلاسيكي الأدبي، وقد زخرت بتيارات لا دينية وغير أخلاقية.
- ويحتوي هذا المذهب على جميع تيارات الفكر التي سادت في أوروبا في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي وأوائل القرن التاسع عشر.
- والرومانسية أصل كلمتها من : رومانس romance باللغة الإنجليزية ومعناها قصة أو رواية تتضمن مغامرات عاطفية وخيالية ولا تخضع للرغبة العقلية المتجردة ولا تعتمد الأسلوب الكلاسيكي المتأنق وتعظم الخيال المجنح وتسعى للانطلاق والهروب من الواقع المرير، ولهذا يقول بول فاليري: "لا بد أن يكون المرء غير متزن العقل إذا حاول تعريف الرومانسية".
التأسيس وأبرز الشخصيات:
? بدأت الرومانسية في فرنسا عندما قدّم الباحث الفرنسي عام 1776م ترجمة لمسرحيات شكسبير إلى الفرنسية، واستخدم الرومانسية كمصطلح في النقد الأدبي.
? ويعد الناقد الألماني فريدريك شليجل أول من وضع الرومانسية كنقيض للكلاسيكية.
? ثم تبلورت الرومانسية كمذهب أدبي، وبدأ الناس يدركون معناها الحقيقي التجديدي وثورتها ضد الكلاسيكية.(68/266)
? وترجع الرومانسية الإنكليزية إلى عام 1711م ولكن على شكل فلسفة فكرية.. ونضجت الرومانسية الإنكليزية على يد توماس جراي وويليام بليك.
? ولا شك أن الثورة(*) الفرنسية 1798م هي أحد العوامل الكبرى التي كانت باعثاً ونتيجة في آن واحد للفكر الرومانسي المتحرر والمتمرد على أوضاع كثيرة ، أهمها الكنيسة(*) وسطوتها والواقع الفرنسي وما فيه.
? وفي إيطاليا ارتبط الأدب بالسياسة عام 1815م وأصبح اصطلاح رومانسي في الأدب يعني ليبراليا (أي: حراً أو حرية) في السياسة.
? ومن أبرز المفكرين والأدباء الذين اعتنقوا الرومانسية:
- المفكر والأديب الفرنسي جان جاك روسو 1712 – 1788م ويعد رائد الرومانسية الحديثة.
- الكاتب الفرنسي شاتو بريان 1768 – 1848م ويعد من رواد المذهب الذين ثاروا على الأدب اليوناني القائم على تعدد الآلهة.
- مجموعة من الشعراء الإنكليز، امتازوا بالعاطفة الجياشة والذاتية والغموض رغم أنهم تغنوا بجمال الطبيعة وهم : توماس جراي 1716 – 1771م ووليم بليك 1757 – 1927م وشيلي 1762 – 1822م كيتش 1795 – 1821م وبايرون 1788 – 1824م.
- الشاعر الألماني جوته 1749 – 1832م مؤلف رواية آلام فرتر عام 1782م وفاوست التي تظهر الصراع بين الإنسان والشيطان.
- الشاعر الألماني شيلر 1759 – 1805م ويعد أيضاً من رواد المذهب(*).
- الشاعر الفرنسي بودلير 1821 – 1867م الذي اتخذ المذهب الرومانسي في عصره شكل الإلحاد(*) بالدين(*).
الأفكار والمعتقدات :
? لقد كانت الرومانسية ثورة ضد الكلاسيكية، وهذا ما نراه واضحاً من خلال أفكارها ومبادئها وأساليبها التي قد لا تكون واحدة عند جميع الرومانسيين، ويمكن إجمال هذه الأفكار والمباديء فيما يلي:(68/267)
- الذاتية أو الفردية: وتعد من أهم مبادىء الرومانسية ، وتتضمن الذاتية عواطف الحزن والكآبة والأمل، وأحياناً الثورة على المجتمع. فضلاً عن التحرر من قيود العقل والواقعية والتحليق في رحاب الخيال والصور والأحلام.
التركيز على التلقائية والعفوية في التعبير الأدبي، لذلك لا تهتم الرمانسية بالأسلوب المتأنق، والألفاظ اللغوية القوية الجزلة.
تنزع بشدة إلى الثورة وتتعلق بالمطلق واللامحدود.
- الحرية الفردية أمر مقدس لدى الرومانسية، لذلك نجد من الرومانسيين من هو شديد التدين مثل: شاتوبريان ونجد منهم شديد الإلحاد مثل شيلي. ولكن معظمهم يتعالى على الأديان والمعتقدات والشرائع التي يعدها قيوداً.
- الاهتمام بالطبيعة(*)، والدعوة بالرجوع إليها حيث فيها الصفاء والفطرة السليمة، وإليها دعا روسو.
- فصل الأدب عن الأخلاق، فليس من الضروري أن يكون الأديب الفذ فذ الخلق. ولا أن يكون الأدب الرائع خاضعاً للقوانين الخلقية.
- الإبداع(*) والابتكار القائمان على إظهار أسرار الحياة من صميم عمل الأديب، وذلك خلافاً لما ذهب إليه أرسطو من أن عمل الأديب محاكاة الحياة وتصويرها.
- الاهتمام بالمسرح لأنه هو الذي يطلق الأخيلة المثيرة التي تؤدي إلى جيشان العاطفة وهيجانها.
- الاهتمام بالآداب الشعبية والقومية، والاهتمام باللون المحلي الذي يطبع الأديب بطابعه، وخاصة في الأعمال القصصية والمسرحية.
الجذور الفكرية العقائدية:(68/268)
? تعد الرومانسية ثورة ضد الكلاسيكية المتشددة في قواعدها العقلية والأدبية، وكذلك ثورة ضد العقائد اليونانية المبنية على تعدد الآلهة(*)… ومن جذور هذه الثورة ظهور التيارات الفلسفية التي تدعو إلى التحرر من القيود العقلية والدينية والاجتماعية. فضلاً عن اضطراب الأحوال السياسية في أوروبا بعد الثورة(*) الفرنسية الداعية إلى الحرية(*) والمساواة وما يتبع ذلك من صراع على المستعمرات، وحروب داخلية.. كل هذه الأمور تركت الإنسان الأوروبي قلقاً حزيناً متشائماً، فانتشر فيه مرض العصر، وهو الإحساس بالكآبة والإحباط ومحاولة الهروب من الواقع، وكان من نتيجة ذلك ظهور اتجاهات متعددة في الرومانسية، إذ توغلت في العقيدة والأخلاق(*) والفلسفة(*) والتاريخ والفنون الجميلة.
- ودخلت الرومانسية في الفلسفة وتجلت في نظرية الإنسان الأعلى (السوبرمان) عند نيتشة 1844 – 1900م ونظرية الوثبة الحيوية عند برغسون 1859 – 1941م.
? الرومانسية الجديدة:
? انحسرت الرومانسية في مطلع القرن العشرين عندما أعلن النقاد الفرنسيون هجومهم عليها – وذلك لأنها تسلب الإنسان عقله ومنطقه – وهاجموا روسو الذي نادى بالعودة إلى الطبيعة(*). وقالوا: لا خير في عاطفة وخيال لا يحكمهما العقل(*) المفكر والذكاء الإنساني والحكمة الواعية والإرادة المدركة.
وكان من نتيجة ذلك نشوء الرومانسية الجديدة ودعوتها إلى الربط بين العاطفة التلقائية والإرادة الواعية في وحدة فكرية وعاطفية، ومن ثم نشأت الرومانسية الجديدة حاملة معها أكثر المعتقدات القديمة للرومانسية.
الانتشار ومواقع النفوذ:
? تعد فرنسا موطن المذهب(*) الرومانسي، ومنها انتقل إلى ألمانيا ومنها إلى إنكلترا وإيطاليا.
ويتضح مما سبق:(68/269)
أن الرومانسية أو الرومانتيكية مذهب أدبي يقول أنصاره أنه يهدف إلى سبر أغوار النفس البشرية واستظهار ما تزخر به من عواطف ومشاعر وأحاسيس وأخيلة، للتعبير من خلال الذاتية عن عواطف الحزن والأسى والكآبة والألم والأمل، ومن خلال العفوية الخالية من تأنق الأسلوب وجزالة اللفظ ودقة التراكيب اللغوية، مع الاهتمام بالطبيعة وضرورة الرجوع إليها، وفصل الأخلاق(*) عن الأدب، والاهتمام بالآداب الشعبية.
وقد اعتنق كثير من الحداثيين الرومانسية بل عدها بعضهم أحد اتجاهات الحداثة.
? تعقيب :
ومن وجهة النظر الإسلامية فإن أي تيار أدبي لا بد أن يكون ملتزماً بالدين(*) والأخلاق كجزء من العقيدة، وإذا كانت ملازمة الحزن والتعبير عنه لها سلبيات كثيرة، فإن الإسلام يتطلب من معتنقيه مواجهة الظروف التي يتعرضون لها بشجاعة والتسليم بقضاء الله وتلمس الأسباب للخروج من الأزمات دون يأس أو إحباط، وكل إنسان مسئول عن تصرفاته ومحاسب عليها بين يدي الله، طالما كان يملك أهلية التصرف، أما المكره فهو معذور وتسقط عنه الأوزار فيما يرتكبه قسراً، ولكنه لا يعذر في التعبير الحر عما ينافي العقيدة ويتعارض معها.
مراجع للتوسع :
- نحو مذهب إسلامي في الأدب والنقد، د. عبد الرحمن رأفت الباشا – ط. جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية – الرياض.
- مذاهب الأدب الغربي، د. عبد الباسط بدر/ نشر دار الشعاع – الكويت.
- المذاهب الأدبية من الكلاسيكية إلى العبثية، د. نبيل راغب – مكتبة مصر – القاهرة.
- الأدب المقارن ، د. محمد غنيمي هلال – دار العودة – بيروت.
- المدخل إلى النقد الحديث، د. محمد غنيمي هلال – القاهرة: 1959م.
- الرومانتيية، د. محمد غنيمي هلال – القاهرة : 1955م.
- الأدب المقارن ، ماريوس فرنسوا غويار – (سلسلة زدني علماً).
- المذاهب الأدبية الكبرى، فيليب فان تيغيمة (سلسلة زدني علما).
المراجع الأجنبية:(68/270)
- Braunschvig: Notre Litterature Etudiee dans le Texte. Paris 1949.
- Lanson: Histoire de La Litterature Francaise. Paris. 1960.
- De Segur (Nicola): Histoire de la litterature Europieenne, Paris, 1959.
الرمزية
التعريف :
? الرمزية مذهب(*) أدبي فلسفي ملحد، يعبر عن التجارب الأدبية والفلسفية المختلفة بواسطة الرمز أو الإشارة أو التلميح.
- والرمز معناه الإيحاء، أي التعبير غير المباشر عن النواحي النفسية المستترة التي لا تقوى اللغة على أدائها أو لا يراد التعبير عنها مباشرة.
- ولا تخلو الرمزية من مضامين فكرية واجتماعية، تدعو إلى التحلل من القيم الدينية والخلقية، بل تتمرد عليها؛ متسترة بالرمز والإشارة.
- وتعد الرمزية الأساس المؤثر في مذهب الحداثة الفكري والأدبي الذي خلفه.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
? رغم أن استعمال الرمز قديم جداً، كما هو عند الفراعنة واليونانيين القدماء إلا أن المذهب الرمزي بخصائصه المتميزة لم يعرف إلا عام 1886م حيث أصدر عشرون كاتباً فرنسيًّا بياناً نشر في إحدى الصحف يعلن ميلاد المذهب الرمزي، وعرف هؤلاء الكتّاب حتى مطلع القرن العشرين بالأدباء الغامضين. وقد جاء في البيان: إن هدفهم "تقديم نوع من التجربة الأدبية تستخدم فيها الكلمات لاستحضار حالات وجدانية، سواء كانت شعورية أو لا شعورية، بصرف النظر عن الماديات المحسوسة التي ترمز إلى هذه الكلمات، وبصرف النظر عن المحتوى العقلي الذي تتضمنه، لأن التجربة الأدبية تجربة وجدانية في المقام الأول".
? ومن أبرز الشخصيات في المذهب الرمزي في فرنسا وهي مسقط رأس الرمزية:
- الأديب الفرنسي بودلير 1821 – 1967م وتلميذه رامبو.
- ومالارراميه 1842 – 1898م ويعد من رموز مذهب الحداثة أيضاً.
- بول فاليري 1871 – 1945م.
- وفي ألمانيا ر.م. ريلكه وستيفان جورج.
- وفي أمريكا يمي لويل.
- وفي بريطانيا: أوسكار وايلد.
الأفكار والمعتقدات :(68/271)
من الأفكار والآراء التي تضمنتها الرمزية:
? الابتعاد عن عالم الواقع وما فيه من مشكلات اجتماعية وسياسية، والجنوح إلى عالم الخيال بحيث يكون الرمز هو المعبر عن المعاني العقلية والمشاعر العاطفية.
? البحث عن عالم مثالي مجهول يسد الفراغ الروحي ويعوضهم عن غياب العقيدة الدينية، وقد وجد الرمزيون ضالتهم في عالم اللاشعور والأشباح الأرواح.
? اتخاذ أساليب تعبيرية جديدة واستخدام ألفاظ موحية، تعبر عن أجواء روحية، مثل لفظ الغروب الذي يوحي بمصرع الشمس الدامي والشعور بزوال أمر ما، والإحساس بالإنقباض. وكذلك تعمد الرمزية إلى تقريب الصفات المتباعدة رغبة في الإيحاء مثل تعبيرات: الكون المقمر، الضوء الباكي، الشمس المرة المذاق.. الخ.
? تحرير الشعر من الأوزان التقليدية، فقد دعى الرمزيون إلى الشعر المطلق مع التزام القافية أو الشعر الحر وذلك لتساير الموسيقى فيه دفعات الشعور.
الجذور الفكرية والعقائدية:
? لقد انبثقت الرمزية عن نظرية المثل لدى أفلاطون، وهي نظرية تقوم على إنكار الحقائق الملموسة، وتعبر النظرية عن حقائق مثالية، وتقول: إن عقل(*) الإنسان الظاهر الواعي عقل محدود، وأن الإنسان يملك عقلاً غير واعٍ أرحب من ذلك العقل.
? وفي أواخر القرن التاسع عشر تجمعت عوامل عقدية واجتماعية وثقافية لولادة الرمزية على يد: بودلير وغيره من الأدباء:
? العوامل العقدية: وتتمثل في انغماس الإنسان الغربي في المادية(*) التي زرعتها الفلسفة(*) الوضعية، ونسيان كيانه الروحي، وقد فشلت المادية والإلحاد(*) في ملء الفراغ الذي تركه عدم الإيمان بالله.
? العوامل الإجتماعية: وتتمثل في الصراع الاجتماعي الحاد بين ما يريده بعض الأدباء والمفكرين من حرية مطلقة وإباحية أخلاقية، وبين ما يمارسه المجتمع من ضغط وكبح لجماحهم، مما زاد بتأثرهم بنظرية المثل الأفلاطونية وكتابات الكاتب الأمريكي ادجار الآن بو – الخيالية المتميزة.(68/272)
- العوامل الفنية : وذلك باعتقادهم أن اللغة عاجزة عن التعبير عن تجربتهم الشعورية العميقة، فلم يبق إلا الرمز ليعبر فيه الأديب عن مكنونات صدره.
الانتشار ومواقع النفوذ:
? بدأت الرمزية في فرنسا حيث ولدت أكثر المذاهب(*) الأدبية والفكرية، ثم انتشرت في أوروبا وأمريكا.
? ويكاد يكون هذا المذهب نتيجة من نتائج تمزق الإنسان الأوروبي وضياعه بسبب طغيان النزعة المادية وغيبة الحقيقة، والتعلق بالعقل البشري وحده للوصول إليها، من خلال علوم توهم بالخلاص عند السير في دروب الجمال، ولا شك أن الرمزية ثمرة من ثمرات الفراغ الروحي والهروب من مواجهة المشكلات باستخدام الرمز في التعبير عنها.
ويتضح مما سبق:
أن الرمزية مذهب أدبي يتحلل من القيم الدينية، ويعبر عن التجارب الأدبية الفلسفية من خلال الرمز والتلميح، نأياً من عالم الواقع وجنوحاً إلى عالم الخيال، وبحثاً عن مثالية مجهولة تعوض الشباب عن غياب العقيدة الدينية، وذلك باستخدام الأساليب التعبيرية الجديدة، والألفاظ الموحية، وتحرير الشعر من كافة قيود الوزن التقليدية. ولاشك في خطورة هذا المذهب على الشباب المسلم إن درسه دون أن يكون ملماً سلفاً بأسسه المتقدمة والتي تهدر القيم الدينية.
----------------------------
مراجع للتوسع :
- نحو مذهب إسلامي في الأدب والنقد، د. عبد الرحمن رأفت الباشا.
- مذاهب الأدب الغربي، د. عبد الباسط بدر، نشر دار الشعاع – الكويت.
- المذاهب الأدبية من الكلاسيكية إلى العبثية، د. نبيل راغب.
- مقالة: "الحداثة في الأدب العربي المعاصر هل انفض سامرها"، للدكتور محمد مصطفى هدارة – مجلة الحرس الوطني عدد ربيع الآخرة 1410هـ.
- الأدب الرمزي، تأليف هنري بير – ترجمة هنري زغيب.
- السريالية، إيف دوليس (سلسلة زدني علماً).
- الأدب المقارن، مايوس فرانسوا غويار (سلسلة زدني علماً).
- المعجم الأدبي ، جبور عبد النور – دار العلم للملايين – بيروت.(68/273)
المراجع الأجنبية:
- Clourad (H): Histoire de la litterature Francaise du symbolisme a nor jours. Paris 1944 – 1949.
- Cazamian (L): Symbolisme et Poesie. L’Exemple anglais. Paris 1947.
- G. Kahon: let originer du symbolisme, Paris, 1936.
- De Segur: Historire de la litterature Europieenne, paris 1959.
- P. Mortino, Parnasse et. Symbolisme, Paris, 1947.
- Lanson: Histoire de la litterature Europieenne, paris 1960.
- Stphane Mallarme, Qeurres Completer, Paris. Ed. De la pleiade. 1951.
- Guy Michaud Message Poetique du symbolisme paris 1947.
- Enquete de jules Huret, in Mallarme et le – Symbolisme, classiquer Larousse 1972.
الحداثة
التعريف :
? الحداثة مذهب(*) فكري أدبي علماني، بني على أفكار وعقائد غربية خالصة مثل الماركسية والوجودية والفرويدية والداروينية، وأفاد من المذاهب الفلسفية والأدبية التي سبقته مثل السريالية والرمزية… وغيرها.
? وتهدف الحداثة إلى إلغاء مصادر الدين(*)، وما صدر عنها من عقيدة وشريعة وتحطيم كل القيم الدينية والأخلاقية والإنسانية بحجة أنها قديمة وموروثة لتبني الحياة على الإباحية والفوضى والغموض، وعدم المنطق، والغرائز الحيوانية، وذلك باسم الحرية(*)، والنفاذ إلى أعماق الحياة. والحداثة خلاصة مذاهب خطيرة ملحدة، ظهرت في أوروبا كالمستقبلية والوجودية والسريالية وهي من هذه الناحية شر لأنها إملاءات اللاوعي في غيبة الوعي والعقل(*) وهي صبيانية المضمون وعبثية في شكلها الفني وتمثل نزعة الشر والفساد في عداء مستمر للماضي والقديم، وهي إفراز طبيعي لعزل الدين عن الدولة في المجتمع الأوروبي ولظهور الشك(*) والقلق في حياة الناس مما جعل للمخدرات والجنس تأثيرهما الكبير.
التأسيس وأبرز الشخصيات:(68/274)
? بدأ مذهب الحداثة منذ منتصف القرن التاسع عشر الميلادي تقريباً في باريس على يد كثير من الأدباء السرياليين والرمزيين والماركسيين والفوضويين والعبثيين، ولقي استجابة لدى الأدباء الماديين والعلمانيين والملحدين في الشرق والغرب. حتى وصل إلى شرقنا الإسلامي والعربي.
? ومن أبرز رموز مذهب(*) الحداثة من الغربيين:
- شارل بودلير 1821 – 1867م وهو أديب فرنسي أيضاً نادى بالفوضى الجنسية والفكرية والأخلاقية، ووصفها بالسادية أي مذهب التلذذ بتعذيب الآخرين. له ديوان شعر باسم أزهار الشر مترجم للعربية من قبل الشاعر إبراهيم ناجي، ويعد شارل بودلير مؤسس الحداثة في العالم الغربي.
- الأديب الفرنسي غوستاف فلوبير 1821 – 1880م.
- مالا راميه 1842 – 1898م وهو شاعر فرنسي ويعد أيضاً من رموز المذهب الرمزي.
- الأديب الروسي مايكوفسكي، الذي نادى بنبذ الماضي والاندفاع نحو المستقبل.
? ومن رموز مذهب(*) الحداثة في البلاد العربية:
- يوسف الخال – الشاعر النصراني وهو سوري الأصل رئيس تحرير مجلة شعر الحداثية. وقد مات منتحراً أثناء الحرب الأهلية اللبنانية.
- أدونيس ( علي أحمد سعيد) نصيري سوري، ويعد المُروِّج الأول لمذهب الحداثة في البلاد العربية، وقد هاجم التاريخ الإسلامي، والدين(*) والأخلاق(*) في رسالته الجامعية التي قدمها لنيل درجة الدكتوراه من جامعة "القديس يوسف" في لبنان وهي بعنوان الثابت والمتحول، ودعا بصراحة إلى محاربة الله عز وجل. وسبب شهرته فساد الإعلام بتسليط الأضواء على كل غريب.
- د. عبد العزيز المقالح – وهو كاتب وشاعر يماني، وهو الآن مدير لجامعة صنعاء وذو فكر يساري.
- عبد الله العروي – ماركسي مغربي.
- محمد عابد الجابري مغربي.
- الشاعر العراقي الماركسي عبد الوهاب البياتي.
- الشاعر الفلسطيني محمود درويش – عضو الحزب الشيوعي الإسرائيلي أثناء إقامته بفلسطين المحتلة، وهو الآن يعيش خارج فلسطين.(68/275)
- كاتب ياسين ماركسي جزائري.
- محمد أركون جزائري يعيش في فرنسا.
- الشاعر المصري صلاح عبد الصبور – مؤلف مسرحية الحلاج.
الأفكار والمعتقدات :
? نجمل أفكار ومعتقدات مذهب الحداثة كما هي عند روادها ورموزها وذلك من خلال كتاباتهم وشعرهم فيما يلي:
- رفض مصادر الدين(*)، الكتاب والسنة والإجماع(*)، وما صدر عنها من عقيدة إما صراحة أو ضمناً.
- رفض الشريعة(*) وأحكامها كموجه للحياة البشرية.
- الدعوة إلى نقد النصوص الشرعية، والمناداة بتأويل جديد لها يتناسب والأفكار الحداثية.
- الدعوة إلى إنشاء فلسفات حديثة على أنقاض الدين.
- الثورة(*) على الأنظمة السياسية الحاكمة لأنها في منظورها رجعية متخلفة أي غير حداثية، وربما استثنوا الحكم البعثي.
- تبني أفكار ماركس المادية(*) الملحدة، ونظريات فرويد في النفس الإنسانية وأوهامه، ونظريات دارون في أصل الأنواع وأفكار نيتشة، وهلوسته، والتي سموها فلسفة في الإنسان الأعلى (السوبر مان).
- تحطيم الأطر التقليدية والشخصية الفردية، وتبني رغبات الإنسان الفوضوية والغريزية.
- الثورة على جميع القيم الدينية والاجتماعية والأخلاقية الإنسانية، وحتى الاقتصادية والسياسية.
- رفض كل ما يمت إلى المنطق والعقل.
- اللغة – في رأيهم – قوة ضخمة من قوى الفكر المتخلف التراكمي السلطوي، لذا يجب أن تموت، ولغة الحداثة هي اللغة النقيض لهذه اللغة الموروثة بعد أن أضحت اللغة والكلمات بضاعة عهد قديم يجب التخلص منها.
- الغموض والإبهام والرمز – معالم بارزة في الأدب والشعر الحداثي.
- ولا يقف الهجوم على اللغة وحدها ولكنه يمتد إلى الأرحام والوشائح حتى تتحلل الأسرة، وتزول روابطها، وتنتهي سلطة الأدب وتنتصر إرادة الإنسان وجهده على الطبيعة والكون.
? ومن الغريب أن كل حركة جديدة للحداثة تعارض سابقتها في بعض نواحي شذوذها وتتابع في الوقت نفسه مسيرتها في الخصائص الرئيسية للحداثة.(68/276)
? إن الحداثة هي خلاصة سموم الفكر البشري كله، من الفكر الماركسي إلى العلمانية الرافضة للدين(*)، إلى الشعوبية(*)، إلى هدم عمود الشعر، إلى شجب تاريخ أهل السنة كاملاً ، إلى إحياء الوثنيات(*) والأساطير.
? ويتخفى الحداثيون وراء مظاهر تقتصر على الشعر والتفعيلة والتحليل، بينما هي تقصد رأساً هدم اللغة العربية وما يتصل بها من مستوى بلاغي وبياني عربي مستمد من القرآن الكريم، وهذا هو السر في الحملة على القديم وعلى التراث وعلى السلفية(*).
تطور مذهب الحداثة في الغرب وفي البلاد العربية:
? إن حركة الحداثة الأوروبية بدأت قبل قرن من الزمن في باريس بظهور الحركة البوهيمية فيها بين الفنانين في الأحياء الفقيرة.
- ونتيجة للمؤثرات الفكرية، والصراع السياسي والمذهبي والاجتماعي شهدت نهاية القرن التاسع عشر الميلادي في أوروبا اضمحلال العلاقات بين الطبقات، ووجود فوضى حضارية انعكست آثارها على النصوص الأدبية. وبلغت التفاعلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في أوروبا ذروتها في أعقاب الحرب العالمية الأولى. وبقيت باريس مركز تيار الحداثة الذي يمثل الفوضى الأدبية.
- وقد تبنت الحداثة كثيراً من المعتقدات والمذاهب الفلسفية والأدبية والنفسية أهمها :
1- الدادائية: وهي دعوة ظهرت عام 1916م، غالت في الشعور الفردي ومهاجمة المعتقدات، وطالبت بالعودة للبدائية والفوضى الفنية الاجتماعية.
2- السريالية: واعتمادها على التنويم المغناطيسي(*)، والأحلام الفرويدية، بحجة أن هذا هو الوعي الثوري للذات، ولهذا ترفض التحليل المنطقي، وتعتمد بدلاً عنه الهوس والعاطفة.
3- الرمزية: وما تتضمنه من ابتعاد عن الواقع والسباحة في عالم الخيال والأوهام، فضلاً عن التحرر من الأوزان الشعرية، واستخدام التعبيرات الغامضة والألفاظ الموحية برأي روادها.(68/277)
- وقد واجهت الحداثة معارضة شديدة في كل أنحاء أوروبا، حتى في باريس مسقط رأسها، من المدافعين عن اللغة والتراث وممن ينيطون بالأدب مهمة التوصيل في إطار العقل والوعي الإنساني.
- وكثير من أدباء القرن العشرين لم يعترفوا بالحداثة ولا بما جاءت به من تجريد جمالي وثورة وعدم تواصل، وعدَّ كثير من المفكرين الغربيين الحداثة نزوة عابرة في تاريخ الفكر الغربي.
? والحداثة العربية هي حداثة غربية في كل جوانبها وأصولها وفروعها إلا أنها تسللت إلى العالم العربي دون غرابة، وذلك لأنها اتخذت صورة العصرية، والاتجاه التجديد (*) في الأدب، وارتباط مفهوم الحداثة في أذهان بعض المثقفين بحركة ما يسمى بالشعر الحر أو شعر التفعيلة.
- اصطلاح الحداثة بمفهومه الغربي، لم يقتحم الأدبي العربي إلا في فترة السبعينات بينما تسربت مضامينه منذ الثلاثينات من هذا القرن، وذلك في محاولات الخروج على علم العروض العربي، وفي الأربعينات ظهرت بعض ظواهر التمرد والثورة والرفض وتجريب بعض الاتجاهات الأدبية الغربية كالتعبيرية والرمزية والسريالية.
ثم ظهرت مجلة شعر التي رأس تحريرها في لبنان يوسف الخال عام 1957م وتوقفت عام 1964م للتمهيد لظهور حركة(*) الحداثة بصفتها حركة فكرية، لخدمة التغريب، وصرف العرب عن عقيدتهم ولغتهم الفصحى.. لغة القرآن الكريم.
وبدأت تجربتها خلف ستار تحديث الأدب، فاستخدمت مصطلح الحداثة عن طريق ترجمة شعر رواد الحداثة الغربيين أمثال: بودلير ورامبو ومالاراميه، وبدأ رئيس تحريرها – أي: مجلة شعر – بكشف ما تروج له الحداثة الغربية حين دعا إلى تطوير الإيقاع الشعري، وقال بأنه ليس للأوزان التقليدية أي قداسة ويجب أن يعتمد في القصيدة على وحدة التجربة والجو العاطفي العام لا على التتابع العقلي والتسلسل المنطقي كما أنه قرر في مجلته أن الحداثة موقف حديث في الله والإنسان والوجود.(68/278)
? كان لعلي أحمد سعيد (أدونيس) دور مرسوم في حركة الحداثة وتمكينها على أساس ما دعاه من الثبات والتحول فقال: "لا يمكن أن تنهض الحياة العربية ويبدع الإنسان العربي إذا لم تتهدم البنية التقليدية السائدة في الفكر العربي والتخلص من المبنى الديني التقليدي الإتباعي". استخدم أدونيس مصطلح الحداثة الصريح ابتداءً من نهاية السبعينات عندما أصدر كتابه: صدمة الحداثة عام 1978م وفيه لا يعترف بالتحول إلا من خلال الحركات الثورية السياسية والمذهبية، وكل ما من شأنه أن يكون تمرداً على الدين(*) والنظام تجاوزاً للشريعة(*).
- لقد أسقط أدونيس مفهوم الحداثة على الشعر الجاهلي وشعراء الصعاليك وشعر عمرو بن أبي ربيعة، وأبي نواس وبشار بن برد وديك الجن الحمصي، كما أسقط مصطلح الحداثة على المواقف الإلحادية لدى ابن الرواندي وعلى الحركات الشعوبية(*) والباطنية(*) والإلحادية المعادية للإسلام أمثال: ثورة الزنج والقرامطة.
- ويعترف أدونيس بنقل الحداثة الغربية حين يقول في كتابه الثابت والمتحول: "لا نقدر أن نفصل بين الحداثة العربية والحداثة في العالم".
أهم خصائص الحداثة :
- محاربة الدين (*) بالفكر وبالنشاط.
- الحيرة والشك (*) والقلق والاضطراب.
- تمجيد الرذيلة والفساد والإلحاد.
- الهروب من الواقع إلى الشهوات والمخدرات والخمور.
- الثورة على القديم كله وتحطيم جميع أطر الماضي، إلا الحركات الشعوبية والباطنية(*).
- الثورة على اللغة بصورها التقليدية المتعددة.
- امتدت الحداثة في الأدب إلى مختلف نواحي الفكر الإنساني ونشاطه.
- قلب موازين المجتمع والمطالبة بدفع المرأة إلى ميادين الحياة بكل فتنتها، والدعوة إلى تحريرها من أحكام الشريعة(*).
- عزل الدين ورجاله واستغلاله في حروب عدوانية.
- تبني المصادفة والحظ والهوس والخيال لمعالجة الحالات النفسية والفكرية بعد فشل العقل في مجابهة الواقع.(68/279)
- امتداد الثورة على الطبيعة(*) والكون ونظامه وإظهار الإنسان بمظهر الذي يقهر الطبيعة.
- ولذا نلمس في الحداثة قدحاً في التراث الإسلامي، وإبرازاً لشخصيات عرفت بجنوحها العقدي كالحلاج والأسود العنسي ومهيار الديلمي وميمون القداح وغيرهم. وهذا المنهج يعبر به الأدباء المتحللون من قيم الدين والأمانة، عن خلجات نفوسهم وانتماءاتهم الفكرية.
ويتضح مما سبق:
أن الحداثة تصور إلحادي جديد – تماماً – للكون والإنسان والحياة، وليست تجديداً(*) في فنيات الشعر والنثر وشكلياتها. وأقوال سدنة الحداثة تكشف عن انحرافهم باعتبار أن مذهبهم يشكل حركة مضللة ساقطة لا يمكن أن تنمو إلا لتصبح هشيماً تذروه الرياح وصدق الله العظيم إذ يقول: { ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يكون حطاماً }.
حسبنا في التدليل على سعيهم لهدم الثوابت أن نسوق قول أدونيس وهو أحد رموز الحداثة في العالم العربي في كتابه فن الشعر ص 76: "إن فن القصيدة أو المسرحية أو القصة التي يحتاج إليها الجمهور العربي ليست تلك التي تسليه أو تقدم له مادة استهلاكية، وليست تلك التي تسايره في حياته الجادة، وإنما هي التي تعارض هذه الحياة! أي تصدمه، وتخرجه من سباته، تفرغه من موروثه وتقذفه خارج نفسه، إنها التي تجابه السياسة ومؤسساتها، الدين ومؤسساته، العائلة ومؤسساتها، التراث ومؤسساته، وبنية المجتمع القائم. كلها بجميع مظاهرها ومؤسساتها، وذلك من أجل تهديمها كلها! أي من أجل خلق الإنسان العربي الجديد، يلزمنا تحطيم الموروث الثابت، فهنا يكمن العدو الأول للثورة والإنسان".
ولا يعني التمرد على ما هو سابق وشائع في مجتمعنا إلا التمرد على الإسلام وإباحة كل شيء باسم الحرية(*).
- فالحداثة إذن هي منهج(*) فكري عقدي يسعى لتغيير الحياة ورفض الواقع والردة عن الإسلام بمفهومه الشمولي والانسياق وراء الأهواء والنزعات الغامضة والتغريب المضلل.(68/280)
وليس الإنسان المسلم في هذه الحياة في صراع وتحد مع الكون كما تقول كتابات أهل الحداثة وإنما هم الذي يتنصلون من مسئولية الكلمة عند الضرورة ويريدون وأد الشعر العربي ويسعون إلى القضاء على الأخلاق والسلوك باسم التجريد وتجاوز جميع ما هو قديم وقطع صلتهم به.
- ونستطيع أن نقرر أن الحداثيين فقدوا الانتماء لماضيهم وأصبحوا بلا هوية ولا شخصية. ويكفي هراء قول قائلهم حين عبر عن مكنونة نفسه بقوله:
لا الله اختار ولا الشيطان *** كلاهما جدار
كلاهما يغلق لي عيني *** هل أبدل الجدار بالجدار
تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
----------------------------
مراجع للتوسع :
- "الحداثة في الأدب العربي المعاصر"، مقال مطول للدكتور محمد مصطفى هدارة مجلة الحرس الوطني – ربيع الآخر 1410هـ.
- الحداثة في ميزان الإسلام، عوض القرني.
- نحو مذهب إسلامي في الأدب والنقد، د. عبد الرحمن رأفت الباشا .
- الأدب المقارن، د. محمد غنيمي هلال.
الواقعية
التعريف :
الواقعية مذهب(*) أدبي فكري مادي(*) ملحد، إذ يقتصر في تصويره الحياة والتعبير عنها على عالم المادة، ويرفض عالم الغيب والإيمان بالله، ويصور الإنسان بالحيوان الذي تسيره غرائزه لا عقله.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
? ارتبطت نشأة المذهب الواقعي بالفلسفات الوضعية والتجريبية والمادية(*) الجدلية(*) التي ظهرت في النصف الأول من القرن التاسع عشر وما بعده، وسارت الواقعية في ثلاثة اتجاهات: الواقعية النقدية والواقعية الطبيعية والواقعية الاشتراكية. وللواقعية أعلام في شتى فروعها:
? أعلام الواقعية النقدية:
- القصّاص الفرنسي أنوريه دي بلزاك 1799 – 1850م ومن قصصه روايته المشهورة الملهاة الإنسانية في 94 جزءً، صور فيها الحياة الفرنسية بين عام 1829 – 1948م.
- الكاتب الإنكليزي شارل ديكنز 1812 – 1850م وله الرواية المشهورة قصة مدينتين.(68/281)
- الأديب الروسي تولستوي 1828 – 1910م وله القصة المشهورة الحرب والسلام.
- الأديب الروسي دستوفسكي مؤلف الجريمة والعقاب.
- والأديب الأمريكي أرنست همنجواي 1899 – 1961م وله القصة المشهورة العجوز والبحر وقد مات منتحراً.
· أعلام الواقعية الطبيعية:
- إميل زولا الأديب الفرنسي 1840 – 1920م مؤلف قصة الحيوان البشري وفيها يطبق نظريات دارون في التطور، ونظريات مندل في الوراثة، وكلود برنار في الطب.
- جوستاف فلوبير 1821- 1880م الأديب الفرنسي ومؤلف القصة المشهورة مدام بوفاري.
· أعلام الواقعية الاشتراكية(*):
- مكسيم جوركي 1868 – 1936م كاتب روسي، عاصر الثورة(*) الروسية الشيوعية، ومؤلف قصة الأم.
- ماياكو فسكي 1892 – 1930م وهو شاعر الثورة الروسية الشيوعية، وقد مات منتحراً.
- لوركا 1898 – 1936م وهو شاعر أسباني.
- بابللو نيرودا 1904 – 1973م وهو شاعر تشيلي.
- جورج لوكاش – وهو كاتب فرنسي حديث.
- كما كان من أعلامها : روجيه جارودي – وهو مفكر فرنسي اهتدى إلى الإسلام وسمى نفسه رجاء جارودي وإن كان مازال يتأرجح بين ماضيه وحاضره.
الأفكار والمعتقدات:
? تشعب المذهب(*) الواقعي، كما تقدم، إلى ثلاثة اتجاهات.
- الواقعية النقدية ومن أفكارها:
1- الاهتمام بنقد المجتمع ومشكلاته.
2- التركيز على جوانب الشر والجريمة.
3- الميل إلى التشاؤم واعتبار الشر عنصراً أصيلاً في الحياة.
4- المهمة الرئيسية للواقعية النقدية الكشف عن حقيقة الطبيعة.
5- اختيار القصة وسيلة لبث الأفكار التي يريدونها.
- الواقعية الطبيعية:
تتفق مع الواقعية في جميع آرائها وأفكارها وتزيد عليها:
1- التأثر بالنظريات العلمية والدعوة إلى تطبيقها في مجال العمل الأدبي.
2- الإنسان في نظرها حيوان تسيره غرائزه، وكل شيء فيه يمكن تحليله، فحياته الشعورية والفكرية والجسمية ترجع إلى إفرازات غددية.
الواقعية الاشتراكية:
وقد نادت بها الماركسية ومن أفكارها:(68/282)
1- إن النشاط الاقتصادي(*) في نشأته وتطوره هو أساس الإبداع(*) الفني، لذلك يجب توظيف الأدب لخدمة المجتمع حسب المفهوم الماركسي.
2- العمل الأدبي الفني عليه أن يهتم بتصوير الصراع الطبقي بين طبقة العمال والفلاحين وطبقة الرأسمالية والبرجوازيين(*)، وانتصار الأولى التي تحمل الخير والإبداع على الثانية التي هي مصدر الشرور في الحياة.
3- رفض أي تصورات غيبية، وخاصة ما يتعلق منها بالعقائد السماوية.
4- استغلال جميع الفنون الأدبية لنشر المذهب(*) الماركسي.
الجذور الفكرية والعقائدية:
إن الأسس التي قامت عليها الواقعية هي المذاهب الفلسفية المادية(*)، مثل الفلسفة (*) الوضعية التي انتشرت في فرنسا في النصف الأول من القرن التاسع عشر ورائدها الفيلسوف الفرنسي كونت التي ترفض كل ما هو غيبي، وتقتصر على عالم المادة والحس.
وكذلك تعد الفلسفة التجريبية التي تلتقي مع الوضعية في رفض الغيبيات من جذور الواقعية.
ومن الجذور الفكرية العميقة للواقعية الاشتراكية(*): الفلسفة المادية الجدلية(*) التي نادى بها ماركس وإنجلز التي تعد العقيدة الرسمية للشيوعية الدولية والتي من مفاهيمها أن المادة هي الوجود الحقيقي، وأن القيم العقلية انبثقت من العلاقات المادية بين الناس.
وكذلك ترتبط الواقعية بالنظرية الفلسفية التي ترى أن الحياة تنبت على الشر، وأن ما يبدو من مظاهر الخير ليس إلا طلاءً زائفاً يموه واقع الحياة الفكرية ويخفي طبيعة الإنسان الحقيقية.
وقد عبر الفيلسوف الإنكليزي هوبز عن هذا الاتجاه بقوله: "إن الإنسان ذئب لا هم له إلا الفتك بالإنسان".
وقد عمل دعاة الواقعية على ربط الإنسان الغربي بغرائزه وحيوانيته، وتوجيه نظره إلى التراب لا إلى السماء، وزادوا في ماديته، وساعدوا على إفساده وإيقاظ شهوته.(68/283)
أما دعاة الواقعية الاشتراكية أو الشيوعية، الذين سطروا الكتب والمقالات والقصص والمسرحيات والأشعار في تمجيد الشيوعية، والزعم أنها الحقيقة للسعادة البشرية، فقد زادوا الإنسانية شقاء وتعاسة ومعيشة ضنكا، وقد تحطمت فلسفتهم في أوروبا الشرقية تحت مطارق الواقع المؤلم.. كما نرى بأم أعيننا الآن، إذ بدأت تتراجع بخطى سريعة إلى عفن التاريخ الذي لا يرحم، وتفكك ما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي، وعاد الإسلام إلى الدول الإسلامية.
والإسلام يدعو إلى الاهتمام بالدنيا" اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً" ويرفض النظر بتشاؤم إلى تصاريف القدر وليس ثمة ما يمنع الإنسان من التأثير والتغيير في حياته والمجتمع الذي يعيش فيه. وقد كرم الإسلام الإنسان ولم يضعه في مصاف القرود واهتم بجانبه الروحي باعتباره – أي الإنسان – جسداً وروحاً، ولكلًّ مطالبه التي لا يجوز إغفالها ولا الاقتصار على أحدها دون الآخر. والمسلم يرفض النظرية الفلسفية التي تقول: "إن الحياة قد بنيت على الشر" والأديان (*) عموماً جاءت للقضاء على الشر والنهوض بالنفس البشرية.
ويتضح مما سبق:
أن الواقعية مذهب(*) أدبي فكري مادي ملحد، يصور الحياة كمادة ويرفض عالم الغيب ولا يؤمن بالله، ويرى أن الإنسان عبارة عن مجموعة من الغرائز الحيوانية، ويتخذ كل ذلك أساساً لأفكاره التي تقوم على الاهتمام بنقد المجتمع وبحث مشكلاته مع التركيز على جوانب الشر والجريمة، والميل إلى النزعات التشاؤمية وجعل مهمة النقد مركزة في الكشف عن حقيقة الطبيعة(*) كطبيعة بلا روح أو قيم. ومن هنا كانت آثار هذا المذهب الأدبي المدمرة على الشباب المسلم إذا لم يضع هذه الأمور في حسبانه وهو يتعامل مع الإفرازات الأدبية لهذا المذهب.
----------------------------
مراجع للتوسع :
- نحو مذهب إسلامي في الأدب والنقد، د. عبد الرحمن رأفت الباشا – ط. جامعة الإمام – الرياض.(68/284)
- مذاهب الأدب الغربي، د. عبد الباسط بدر – نشر دار الشعاع – الكويت.
- المذاهب الأدبية من الكلاسيكية إلى العبثية، د. نبيل راغب – مكتبة مصر – القاهرة.
- الأدب المقارن، د. محمد غنيمي هلال – دار الثقافة – بيروت.
- الأدب المقارن، ماريوس فرانسوا غويا، (سلسلة زدني علماً).
- المذاهب الأدبية الكبرى، فيليب فان تيفيم (سلسلة زدني علماً).
مراجع أجنبية :
- Lanson: Histoire de la litterature francaise. Paris 1960.
- De segure: Histoire de la letterature Europieenne, 1959.
العدمية
التعريف :
العدمية مذهب(*) أدبي وفلسفي ملحد، اهتم بالعدم باعتباره الوجه الآخر للوجود، بل هو نهاية الوجود، وبه نعرف حقيقة الحياة بعيداً عن النظرة المثالية والنظرة الواقعية السطحية.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
= من أهم الشخصيات العدمية في مجال الأدب ديستوفسكي الروائي الروسي، وفي مجال الفلسفة نيتشه صاحب مقولة (موت الإله) والعدمية ترى أن الوجود الإلهي وعدمه سواء ولايحسن أن يجهد الناس أنفسهم في هذا الموضوع. والمؤرخون يفرقون بين الإلحاد والعدمية من حيث أن الملحد يختار جانب الإلحاد(*) الصريح (سارتر مثلاً) أما العدمي فيرى أن المسألة سواء (يستوي الوجود الإلهي وعدمه) وديستوفسكي يرى أنه إذا كان الإله(*) غير موجود فكل شيء مباح ولا معنى للأخلاق(*).
= وهذا المذهب مرفوض إسلاميًّا لأننا مطالبون أولاً بتقرير الوجود الإلهي والتوحيد الخالص وثانياً تقرير ارتباط قيام الأخلاق على التشريع الإسلامي في مصدرية الأساسيين، فالأديب والفيلسوف العدمي يناقضان الإسلام.(68/285)
= برزت العدمية في روايات الواقعية النقدية لجوستاف فلوبير 1821 – 1880م وأندريه دي بلزاك 1799 – 1850م وفي أعمال الطبيعة الانطباعية لأميل زولا 1840 – 1902م في القرن التاسع عشر. إلا أن الأديب الفرنسي جوستاف فلوبير هو المعبر الأول عن العدمية في رواياته، ثم أصبحت مذهباً أدبياً لعدد كبير من الأدباء في القرن التاسع عشر.
= ويعد الشاعر والناقد جوتفريد بن 1886 – 1956م من أبرز العدميين الذين وضحوا معنى العدمية كمذهب أدبي، إذ قال بأن العدمية ليست مجرد بث الياس والخضوع في نفوس الناس بل مواجهة شجاعة وصريحة لحقائق الوجود.
= وقد رحب هذا الشاعر بالحكومة النازية عندما قامت في الثلاثينات من هذا القرن على أساس أنها مواجهة حاسمة للوجود الراكد. إلا أنه عُدَّ عدواً للنازية لأنه قال بأن البشر متساوون أمام العدم والفناء وليس هناك جنس مفضل على غيره. وقد صودرت جميع أعماله الأدبية عام 1937م.
الأفكار والمعتقدات :
= إن الإنسان خُلق وله إمكانات محدودة، وعليه لكي يثبت وجوده، أن يتصرف في حدود هذه الإمكانات، بحيث لا يتحول إلى يائس متقاعس أو حالم مجنون.
= إن البشر يتصارعون، وهم يدركون جيداً أن العدم في انتظارهم وهذا الصراع فوق طاقتهم البشرية، لذلك يتحول صراعهم إلى عبث لا معنى له.
= ينحصر التزام الأديب العدمي في تذكرة الإنسان بحدوده حتى يتمكن من استغلال حياته على أحسن وجه.
= العمل الأدبي يثبت أن لكل شيء نهاية، ومعناه يتركز في نهايته التي تمنح الدلالة للوجود، ولا يوجد عمل أدبي عظيم بدون نهاية وإلا فقد معناه، وكذلك الحياة تفقد معناها إذا لم تكن لها نهاية.
= الرومانسية المثالية في نظر الأديب العدمي مجرد هروب مؤقت لا يلبث أن يصدم الإنسان بقسوة الواقع وبالعدم الذي ينتظره، وقد يكون في هذا الاصطدام انهياره أو انحرافه.(68/286)
= يهدف الالتزام الأدبي للعدمية إلى النضوج الفكري للإنسان ورفعه من مرتبة الحيوان الذي لا يدرك معنى العدم.
= تهدف العدمية إلى الغاء الفواصل المصطنعة بين العلم والفن، لأن المعرفة الإنسانية لا تتجزأ في مواجهة قدر الإنسان، وإذا اختلف طريق العلم عن طريق الفن فإن الهدف يبقى واحداً وهو: المزيد من المعرفة عن الإنسان وعلاقته بالعالم.
= إن اتهام العدمية بالسلبية وإشاعة روح اليأس، يرجع إلى الخوف من لفظ العدم ذاته وهذه نظرة قاصرة، لأن تجاهل العدم لا يلغي وجوده من حياتنا.
= العدمية ليست مجرد إبراز الموت والبشاعة والعنف والقبح ولكن الأديب العدمي هو الذي ينفذ من خلال ذلك إلى معنى الحياة، وبذلك يوضح بأن العدم هو الوجه الآخر للوجود، ولا يمكن الفصل بينهما لأن معنى كل منهما يكمن في الآخر.
الجذور الفكرية والعقائدية:
= ترجع العدمية في أفكارها إلى مسرحيات الإغريق القدامى، التي تصور الإنسان وصراعه مع الأقدار وكأنه صراع ضد فكرة العدم.
= وكذلك العقائد النصرانية وما تتضمنه من معاني الموت، ونهاية العالم، واليوم الآخر، والحساب .. الخ.
= إلا أن العدمية لم تبلور العقيدة الدينية في الحياة والموت.. في الإيمان الذي يبعث على عمل الخير والجد، والاجتهاد لإعمار الأرض لتكون الحياة عليها سعيدة مطمئنة. وإنما اقتصرت على تصوير معاني العدم والجانب السلبي في الحياة، على نحو يوحي بأن العدم هو الوجود الخالد، وطالما كان الأمر كذلك فإن الإلحاد يحيط بالعدمية من كل جانب.
أماكن الانتشار:
= انتشرت العدمية في فرنسا وإنكلترا بشكل خاص والعالم الغربي عامة.
ويتضح مما سبق :(68/287)
أن العدمية مذهب(*) أدبي ملحد يعتبر العدم نهاية الوجود، ووفقاً لهذا المذهب ينحصر التزام الأديب العدمي في تذكير الإنسان بحدوده حتى يستغل حياته استغلالاً عدميًّا، ينضج معه فكر الإنسان، حسب زعم هذا المذهب، نضجاً يرفعه من مرتبة الحيوان الذي لا يدرك معنى العدم إلى مرتبة الأديب المدرك له والذي يلغي الفواصل المصطنعة بين العلم والفن، فالأديب العدمي هو الذي ينفذ من خلال الموت والبشاعة والعنف والقبح إلى معنى الحياة العدمية، فالعدم هو الوجه الآخر للوجود. ولا شك أن هذه الأفكار لا تخدم أية فكرة أخلاقية أو دينية، بل إنها تتنافى كلية معهما.
---------------------------------
مراجع للتوسع :
- المدخل إلى النقد الأدبي الحديث، د. محمد غنيمي هلال – ط2- القاهرة 1962م.
- الأدب المقارن، د. محمد غنيمي – ط2- القاهرة 1962م.
- المذاهب الأدبية من الكلاسيكية إلى العبثية، د. نبيل راغب – مكتبة مصر- القاهرة.
- المذاهب الأدبية الكبرى، فليب فان تيغيم – (سلسلة زدني علماً).
- Braunschvig. La Literature Contemporaine Etudiee dans les textes.
- Braunschvig: Notre Litterature Etudiee dans le texte. Paris 1949.
- Lanson: Histoire de la litterature Francaise, Paris. 1916.
- De Segur (Nicola): Histoire de la Litterature Europeenne. 1959.
البرناسية (مذهب الفن للفن)
التعريف :
البرناسية مذهب(*) أدبي فلسفي لا ديني قام على معارضة الرومانسية من حيث أنها مذهب الذاتية في الشعر، وعرض عواطف الفرد الخاصة على الناس شعراً واتخاذه وسيلة للتعبير عن الذات، بينما تقوم البرناسية على اعتبار الفن غاية في ذاته لا وسيلة للتعبير عن الذات، وهي تهدف إلى جعل الشعر فناً موضوعيًّا همه استخراج الجمال من مظاهر الطبيعة أو إضفائه على تلك المظاهر، وترفض البرناسية التقيد سلفاً بأي عقيدة أو فكر أو أخلاق(*) سابقة.(68/288)
وهي تتخذ شعار "الفن للفن".
التأسيس وأبرز الشخصيات:
= أطلق أحد الناشرين الفرنسيين على مجموعة من القصائد لبعض الشعراء الناشئين اسم "البرناس المعاصر" إشارة إلى جبل البرناس الشهير باليونان التي تقطنه "آلهة الشعر" كما كان يعتقد قدماء اليونان إلا أن الاسم ذاع وانتشر للتعبير عن اتجاه أدبي جديد. وإن كان دعاة هذا المذهب قد انتسبوا إلى مذاهب أدبية أخرى تشكلت فيما بعد ومنهم:
- شارل بودلير 1821 – 1867م وهو شاعر فرنسي، نادى بالفوضى الجنسية، ووصف بـ "السادية" أي التلذذ بتعذيب الآخرين.
- ومنهم تيوفيل جوتييه 1811 – 1872م وهو من أكبر طلائع البرناسية.
- ومنهم لو كنت دي ليل ويعد رئيس هذا المذهب، وقد تبلورت مبادئه بعد منتصف القرن التاسع عشر وانتهى به الأمر إلى أن ترك النصرانية إلى البوذية.
- ومالا راميه 1842 – 1898م وهو شاعر فرنسي، ويعد من أشد المدافعين عن هذا المذهب. ومن أعمدة المذهب الرمزي أيضاً.
الأفكار والمعتقدات:
= اعتبار الأدب والفن غاية في ذاتيهما وأن مهمتهما الإمتاع فقط لا المنفعة، وإثارة المشاعر وإلهاب الإحساس ليتذوق الإنسان الفن الجيد.
= تحطيم القديم وتدميره لبناء العالم الجديد الخالي من الضياع، حسب زعمهم، والقديم في رأيهم، هو كل ما ينطوي على العقائد والأخلاق والقيم.
= يحقق الإنسان سعادته عن طريق الفن لا عن طريق العلم.
= استبعاد التعليم والتوجيه التربوي عن الشعر والفن عامة. والاهتمام بالشكل والتعبير الأدبي أكثر من اهتمامهم بالمضامين الفنية والأدبية.
= إن الحياة تقليد للفن وليس العكس.
الجذور الفكرية والعقائدية:
= كان أرسطو الفيلسوف اليوناني 383 – 322 ق.م أول من هاجم الاتجاه التعليمي والأخلاقي في الشعر، وكان يرد بذلك على أفلاطون الذي قرر أن الشعر خادم الفلسفة(*) الأخلاقية وفكرة الإرشاد التعليمي.(68/289)
= وبعد سقوط الإمبراطورية الإغريقية، وسيطرة الإمبراطورية الرومانية بكل اتجاهاتها العملية والنفعية، سيطر الاتجاه التعليمي على الأدب.
= سيطرت الكنيسة (*) على الفلسفة والأدب وبقي الاتجاه التعليمي في الشعر هو السائد. ومع ذل وجد من يتذوق الشعر من أجل القيم الجمالية، كالقديس أوغسطيوس في كتابه النظرية المسيحية(*) حيث يؤكد على المتعة الفنية التي تذوقها هو في الأسلوب الأدبي الذي كتبت به الأناجيل(*).
= ورغم تطور النقد الأدبي في القرن السادس عشر إلا أنه لم يتغلب على الاتجاه التعليمي في الأدب.
= وفي القرن السابع عشر يؤكد بيركورني أن الهدف الأساسي في الشعر المسرحي هو المتعة الفنية.
= وبمرور الزمن ازداد الهجوم على الجانب التعليمي للفن من قبل ورد زورث 1770- 1850م والشاعر شيللي 1792 – 1822م ورواد المدرسة الرمزية أمثال بودلير ومالا راميه.
= وفي مطلع القرن العشرين اعتبر النقاد نظرية الفن للفن.. دفاعاً مستميتاً عن الفن حتى لا تستخدم في الأغراض النفعية المؤقتة.
= والواقع أن المضمون الفكري والعقائدي لهذا المذهب(*) - غير الصورة الخارجية المتعلقة بالمتعة الفنية – هو رفض كل فكرة وعقيدة وأخلاق سابقة وخاصة ما يتعلق بالدين(*) وإن كان هذا الأمر لم يكن واضحاً في آثار أصحاب المذاهب.
= لذلك كان الهجوم على مدرسة الفن للفن، بعد انحرافها الكبير عن الحياة الواعية العاقلة من قبل بعض النقاد أمثال ت.س. اليوت الذي اتهم أصحابها بالخطأ وقصر النظر، وقرر أنه لابد من الالتزام للأديب أو الشاعر. وأن غاية الشعر والنقد تُلزم كل شاعر وناقد أن تكون الكتابة ذات نفع اجتماعي ما للقارىء.
الانتشار ومناطق النفوذ:
= مذهب(*) الفن للفن مثل بقية المذاهب الأدبية نشأ في أوروبا، وأشد المتحمسين له كانوا في فرنسا، أم المذاهب تقريباً، ولكن كان له أنصار في ألمانيا وإيطاليا، ووصل المذهب إلى أمريكا وغيرها من الدول.(68/290)
إلا أنه تقلص بعد ذلك وتقوقع على نفسه بعد أن وجه له النقد الشديد لانحرافه عن كثير من الأصول التي بني عليها، والقيم التي كان يلزمه التقيد بها.
= ملاحظة:
- يلاحظ أن البرناسية تعزل الأدب عن قضايا الحياة الاجتماعية والسياسية وتجعله غاية في حد ذاته، والإسلام يحدد غايات الإنسان في الحياة، ولا يقبل أن يكون الأدب غاية في ذاته، كما يرفض الإسلام الأدب المكشوف الذي يستخدم كأداة للانحراف ويقيس قيمته بموازين الخير والشر، وإذا صدر الأدب عن تصور يرفض القيم الدينية فهو مرفوض شكلاً وموضوعاً مهما سمت قيمته الأدبية وفقاً لمقاييس الصياغة أو حسن التعبير.
ويتضح مما سبق:
أن البرناسية مذهب أدبي فلسفي لا ديني، يعارض الرومانسية من حيث أنها مذهب الذاتية في الشعر، وهو يعتبر الأدب والفن غاية في حد ذاتيهما، لا وسيلة للتعبير عن الذات، ويرنو إلى تحطيم كل ما هو قديم وتدميره من أجل بناء العالم الجديد الخالي من الضياع حسب زعم أنصار المذهب. ولما كان القديم في هذا المذهب يعني كل ما ينطوي على العقائد والأخلاق(*) والقيم، فإن تحطيم القديم يعني في هذا المذهب(*) وجوب تحطيم الدين(*) والقيم الأخلاقية الأمر الذي يجب أن يتنبه له الشباب المسلم وهو يدرس هذا المذهب ويتعامل مع حصاده الفكري.
الرد الإسلامي على نظرية الفن للفن:
- الأدب في الإسلام والفن يجب أن يكون ملتزماً بالقيم الإسلامية وبمراعاة مبدأ التوحيد الخالص وبمراعاة نهي الإسلام عن التصوير والتجسيد، أما الفن للفن فإتباع للهوى وقد يؤدي بالفنان إلى تصوير ما يثير الشهوات ويفسد الأخلاق، وذلك مناقض لما تجب مراعاته من ضرورة الالتزام بأصول الفقه وأهم قواعده (لا ضرر ولا ضرار) والفن للفن يؤدي إلى إضرار أو إلى عدم منفعة وكلاهما موقف غير إسلامي.
------------------------------
مراجع للتوسع:
- نحو مذهب إسلامي في الأدب والنقد، د. نبيل راغب – مكتبة مصر - القاهرة.(68/291)
- المذاهب الأدبية من الكلاسيكية إلى العبثية ، د. نبيل راغب – مكتبة مصر – القاهرة.
- مذاهب الأدب الغربي ،د. عبد الباسط بدر – مكتبة البيت – الكويت.
- الأدب المقارن ، د. محمد غنيمي هلال – دار الثقافة – بيروت.
المراجع الأجنبية:
- De Segur: Histoire de la litterature Europeenne. Paris. 1959.
- Lanson: Histoire de la litterature Francaise Paris. 1960.
- The Oxford Companion to English Literature. Edited by Margaret Drabble.
- The Cambridge Guide to Literature in English, edited by Ian Ousby.
- Encyclopedia Britanicca V 10 Literature – Westing.
الانطباعية (التأثرية)
التعريف :
الانطباعية مذهب(*) أدبي فني، ظهر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر في فرنسا، وهو يعتبر الإحساس، والانطباع الشخصي الأساس في التعبير الفني والأدبي، لا المفهوم العقلاني للأمور. ويرجع ذلك إلى أن أي عمل فني بحث لابد أن يمر بنفس الفنان أولاً، وعملية المرور هذه هي التي توحي بالانطباع أو التأثير الذي يدفع الفنان إلى التعبير عنه.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
= أطلقت الانطباعية في البداية على مدرسة في التصوير ترى أن الرسام يجب أن يعبر في تجرد وبساطة عن الانطباع الذي ارتسم فيه حسيّاً، بصرف النظر عن كل المعايير العلمية، وبخاصة في ميدان النقد الأدبي، فالمهم هو الانطباع الذي يضفيه الضوء مثلاً على الموضوع لا الموضوع نفسه.
ومن أهم شخصياتها:
- أناتول فرانس 1844 – 1924م – الأديب الفرنسي، وهو يعد رائد الانطباع في الأدب، بعد أن انتقل المصطلح من الرسم إلى الأدب، ويرى أن قيمة أي عمل أدبي تكمن في نوعية الانطباعات التي يتركها في نفس القارىء وهذا الانطباع هو الدليل الوحيد على الوجود الحي للعمل الأدبي.(68/292)
- إنطونان بروست: ويعد من أبرع من جسد الانطباعية الأدبية فهو حين يصف مشهداً أو ينقل أحاسيسه إزاء مشهد، تتجسد أمامنا لوحة انطباعية.
الأفكار والمعتقدات:
= طالما أن قيمة أي عمل أدبي تكمن في نوعية الانطباعات التي يتركها في نفس القارىء، فإن على الأديب أن يضع هذه الحقيقة نصب عينيه، لأن الانطباع هو الدليل الوحيد على الوجود الحي للعمل الأدبي.
= إن الفنان يحس أو يتأثر أولاً، ثم ينقل هذا الانطباع أو التأثير عن طريق التعبير. ولا يكترث للمعايير المتبعة للنقد الأدبي.
= الانطباعية تقول: (أنا أحس إذن أنا موجود) بدلاً من العقلانية التي تقول على لسان ديكارت: (أنا أفكر إذن أنا موجود).
= كل معرفة لم يسبقها إحساس بها لا تجدي..
= المضمون هو المهم لا الشكل الفني عند الأديب الانطباعي في نقل انطباعه الذاتي للآخرين.
= العالم الخارجي مجرد تجربة خاصة وأحاسيس شخصية وليس واقعاً موضوعيًّا موجوداً بشكل مستقل عن حواس الفرد.
= من النقد الذي وجه للانطباعيين أنهم جروا وراء التسجيل الحرفي للانطباع ونسوا القيمة الجمالية التي تحتم وجود الشكل الفني في العمل الأدبي.
= وأن أدب الاعترافات والخطابات الأدبية اللذين أدت إليهما الانطباعية، حيث يعبر فيهما الأدباء عن مكنونات صدورهم، تحولا إلى مجرد مرآة لحياة الأديب الداخلية، أي أن هؤلاء ينظرون للأدب على أنه مجرد ترجمة ذاتية أو سيرة شخصية للأديب.
= وهكذا فقد أصبح النقد الأدبي والتذوق الفني مجرد تعبير عن الانفعالات الشخصية والأحاسيس الذاتية التي يثيرها العمل الأدبي في الناقد.
= والفرق بين الانطباعية الشكلية والانطباعية الأدبية هو أن الانطباعية الشكلية تهتم بالشكل (تسليط الضوء على الإطار الخارجي)، بينما تهتم الانطباعية الأدبية بالمضمون الأدبي من خلال تأثير الأديب الانطباعي على القارىء.
الجذور الفكرية والعقائدية:(68/293)
= إن العالم الحديث وما يتضمنه من أنانية فردية، وذاتية غير أخلاقية هو الذي أفرز مذهب الانطباعية حيث فرض على الفرد العزلة، فأصبحت أفكاره تدور حول ذاته، وليس العالم عنده سوى مجموعة من المؤثرات الحسية العصبية، والانطباعات والأحوال النفسية، ولا يهمه الاهتمام بالعالم وإصلاحه أو تغييره إلى الأفضل.
الانتشار وأماكن النفوذ:
بدأت الانطباعية في فرنسا، ثم انتشرت في أوروبا.. وهي اتجاه يدخل في جميع المدارس الأدبية ، حيث الانطباع عنصر أولي في أي عمل فني، ولكنه ليس كل شيء.. ولذلك اندثرت عندما اقتصرت على فكرة أن الانطباع هو الهدف الوحيد والمادة الخام التي يتشكل منها أي عمل فني.
ويتضح مما سبق :
أن الانطباعية أو التأثيرية مذهب(*) أدبي فني ظهر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر في فرنسا، ومضمونه اعتبار الانطباع الشخصي والإحساس، بمثابة الأساس في التعبير الفني والأدبي، بحيث تكمن قيمة العمل الأدبي في نوعية الانطباعات التي يتركها هذا العمل في نفس القارىء، الأمر الذي يستلزم تبني الأديب أو الفنان لهذه الحقيقة، فالإحساس وليس العقل(*) والتفكير، هو معيار وجود الإنسان وفق هذا المذهب، وكل معرفة لا يسبقها إحساس بها فهي معرفة غير مجدية، والعبرة بمضمون العمل الفني وليس بشكله، ولا يعبأ هذا المذهب بإصلاح أحوال الناس أو تغيير العالم إلى الأفضل. ومن هنا كانت الثغرات الأخلاقية والاجتماعية في هذا المذهب الأدبي ذات أثر كبير على كل من يطلع على نتاجه دون أن يكون ملماً سلفاً بفكرته تلك ولأن الفنان الانطباعي غير ملتزم إلا بالرؤية الحسية وتصوير ما انطبع على حواسه حتى لو لم يره الآخرون، وحتى لو عارضت انطباعاته القيم السامية وأدت من ثم للإضرار بالناس.
مراجع للتوسع :
- الأدب المقارن ، د. محمد غنيمي هلال – دار الثقافة – بيروت.
- المدخل إلى النقد الأدبي الحديث، د. محمد غنيمي هلال – القاهرة 1959م.(68/294)
- الانطباعية، تأليف موريس سيرولا – ترجمة هنري زغيب – منشورات عويدات.
- المذاهب الأدبية من الكلاسيكية إلى العبثية، د. نبيل راغب – مكتبة مصر.
- النقد الجمالي، أندريه ريشار – ترجمة هنري زغيب (سلسلة زدني علماً).
- الجمالية الفوضوية، أندريه رستسلر – ترجمة هنري زغيب (سلسلة زدني علماً).
- الفن الانطباعي، موريس سيرولا – (سلسلة زدني علماً ).
- J. Leymarie, L’Impressionmisme. Paris 1959. 2 Vol.
- G. Moore, Modern Painting, London – New York – 1893.
الوجودية
التعريف :
= الوجودية مذهب (*) فلسفي أدبي ملحد، وهو أشهر مذهب استقر في الآداب الغربية في القرن العشرين.
= ويركز المذهب على الوجود الإنساني الذي هو الحقيقة اليقينية الوحيدة في رأيه، ولا يوجد شيء سابق عليها، ولا بعدها، وتصف الوجودية الإنسان بأنه يستطيع أن يصنع ذاته وكيانه بإرادته ويتولى خلق أعماله وتحديد صفاته وماهيته باختياره الحر دون ارتباط بخالق أو بقيم خارجة عن إرادته، وعليه أن يختار القيم التي تنظم حياته.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
= دخل المذهب الوجودي مجال الأدب على يد فلاسفة فرنسيين: هم جبرييل مارسيل المولود عام 1889م. وقد أوجد ما أسماه الوجودية المسيحية(*)، ثم جان بول سارتر الفيلسوف والأديب الذي ولد 1905م. ويعد رأس الوجوديين الملحدين والذي يقول: إن الله خرافة ضارة. وهو بهذا فاق الملحدين السابقين الذين كانوا يقولون إن الله خرافة نافعة.. – تعالى الله عما يقول الكافرون علواً كبيراً – ومن قصصه ومسرحياته : الغثيان، الذباب، الباب المغلق.
= ومن الشخصيات البارزة في الوجودية: سيمون دي بوفوار وهي عشيقة سارتر. التي قضت حياتها كلها معه دون عقد زواج تطبيقاً عمليًّا لمبادىء الوجودية التي تدعو إلى التحرر من كل القيود المتوارثة والقيم الأخلاقية.
الأفكار والمعتقدات:(68/295)
= الوجود اليقيني للإنسان يكمن في تفكيره الذاتي، ولا يوجد شيء خارج هذا الوجود ولا سابقاً عليه، وبالتالي لا يوجد إله(*) ولا توجد مثل ولا قيم أخلاقية متوارثة لها صفة اليقين، ولكي يحقق الإنسان وجوده بشكل حر فإن عليه أن يتخلص من كل الموروثات العقدية والأخلاقية.
= إن هدف الإنسان يتمثل في تحقيق الوجود ذاته، ويتم ذلك بممارسة الحياة بحرية مطلقة.
= الالتزام في موقف ما – نتيجة للحرية(*) المطلقة في الوجودية – من مبادىء الأدب الوجودي الرئيسة.. حتى سميت الوجودية: أدب الالتزام أو أدب المواقف.. أي الأدب الذي يتخذ له هدفاً أساسياً أصحابه هم الذين يختارونه. وبذلك جعلوا القيمة الجمالية والفنية للأدب بعد القيمة الاجتماعية الملتزمة.
= ولقد نتج عن الحرية(*) والالتزام في الوجودية، القلق والهجران واليأس:
- القلق نتيجة للإلحاد(*) وعدم الإيمان بالقضاء والقدر(*).. ونبذ القيم الأخلاقية والسلوكية.
-والهجران الذي هو إحساس الفرد بأنه وحيد لا عون له إلا نفسه.
- واليأس الذي هو نتيجة طبيعية للقلق والهجران، وقد حاول سارتر معالجة اليأس بالعمل، وجعل العمل غياة في ذاته لا وسيلة لغرض آخر، وحسب الوجودي أن يعيش من أجل العمل وأن يجد جزاءه الكامل في العمل ذاته وفي لذة ذلك العمل.
الجذور الفكرية :
= ترجع بذور مذهب(*) الوجودية إلى الكاتب الدانمركي كيركا جورد 1813 – 1855م وقد نمَّى آراءه وتعمق فيها الفيلسوفان الألمانيان مارتن هيدجر الذي ولد عام 1889م، وكارك يسبرز المولود عام 1883م.
وقد أكد هؤلاء الفلاسفة أن فلسفتهم ليست تجريدية عقلية، بل هي دراسة ظواهر الوجود المتحقق في الموجودات.
= والفكر الوجودي لدى كيركاجورد عميق التدين، ولكنه تحول إلى ملحد إلحالداً صريحاً لدى سارتر.
- ومهما حاول بعض الوجوديين العرب، وغيرهم، تزيين صورة الوجودية، إلا أنها ستبقى مذهباً هداماً للأديان والعقائد والقيم الأخلاقية.
أماكن الانتشار:(68/296)
= انتشرت الوجودية الملحدة في فرنسا بشكل خاص، وكانت قصص ومسرحيات سارتر من أقوى العوامل التي ساعدت على انتشارها.
ويتضح مما سبق:
أن الوجودية مذهب فلسفي أدبي ملحد، وهو أشهر المذاهب الأدبية التي استقرت في الآداب الغربية في القرن العشرين ويرى أن الوجود الإنساني هو الحقيقة اليقينية الوحيدة عند الوجوديين، بحيث إنه لا يوجد شيء سابق على الوجود الإنساني كما أنه لا يوجد شيء لاحق له، ولذا فإن هدف الإنسان يتمثل في تحقيق الوجود ذاته، ويتم ذلك بممارسة الحياة بحرية مطلقة. وقد أفرز هذا المذهب(*) أموراً عديدة منها القلق واليأس نتيجة للإلحاد وعدم الإيمان وهما من ركائز هذا المذهب. لذا يجب أن يعي الشباب المسلم حقيقة هذا المذهب وهو يتعامل مع إفرازاته.
ولا شك أن الإسلام يرفض الوجودية بجميع أشكالها ويرى فيها تجسيداً للإلحاد(*) كما أن قضايا الحرية(*) والمسؤولية والالتزام التي تدعو إليها الوجودية غير مقيدة بأخلاق(*) أو معتقدات دينية. وهي تنادي بأن الإنسان لا يدري من أين جاء ولا لماذا يعيش وهذه جميعها أمور محسومة في الإسلام وواضحة كل الوضوح في عقل وضمير كل مسلم آمن بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً (*) نبيًّا (*) وقدوة وإماماً.
----------------------------
مراجع التوسع :
- نحو مذهب إسلامي في الأدب والنقد، للدكتور عبد الرحمن رأفت الباشا – ط جامعة الإمام 1405هـ.
- الأدب المقارن، للدكتور محمد غنيمي هلال.
- الأدب ومذاهبه، للدكتور محمد مندور – دار نهضة مصر – القاهرة.
- الموسوعة الفلسفية المختصرة، لمجموعة من المؤلفين – دار القلم – بيروت.
- المذاهب الأدبية من الكلاسيكية إلى العبثية، للدكتور نبيل راغب- مكتبة مصر – القاهرة.
المراجع الأجنبية :
Existentialism and Humanism by J.P. Sartre, London, 1955.
Literary and Philosophical Essays by J.P. Sartre, London, 1955.(68/297)
Histoire de la litterature Francaise Paris 1960.
التعبيرية
التعريف :
= التعبيرية مذهب(*) أدبي فلسفي تجريبي لا انطباعي، إذ يعطي الأديب فيه للتجربة بعداً ذاتيًّا ونفسيّاً وذلك على عكس الانطباعية التي تركز على التعبير عن الانطباع الخارجي عن الذات.
= وقد اهتمت التعبيرية بالمسرح كما اهتمت بضروب الأدب الأخرى.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
= لقد تفرعت المدرسة التعبيرية إلى اتجاهات متعددة وهي:
- الاتجاه التطبيقي: ويقول أصحاب هذا الاتجاه: إن مهمة الأدب هي تنشيط عقل الإنسان ووجدانه، ومنعهما من الركود والبلادة، وليس مجرد تقديم صورة لما يراه الإنسان بالفعل في حياته اليومية .
ومن شخصيات هذا الاتجاه توللر وهاسين كليفر وبيتشر وكابر والأمريكي جون هاورد لوسون.
- الاتجاه اللاعقلاني: ويقول أصحاب هذا الاتجاه إن المعقول هو ما اتفق عليه الناس، وعلى المسرح أن يعالج ما لم يتفق عليه الناس بعد.
= ومن شخصيات هذا الاتجاه:
- صمويل بيكيت المولود سنة 1906م وهو روائي ومسرحي أيرلندي الأصل. كان يكتب مسرحياته بالفرنسية.
- أونسكو المولود سنة 1912م وهو مسرحي روماني الأصل، ويعد من أركان مسرح اللامعقول.
- ومن رموز التعبيرية أيضاً كافكا وأونيل الذي بلغت التعبيرية قيمتها في إحدى مسرحياته المتأخرة أيام بلا نهاية.
الأفكار والمعتقدات:
= يتركز هدف الفن التعبيري في التجسيد الموضعي الخارجي للتجربة النفسية المجردة، عن طريق توسيع أبعادها، وإلقاء أضواء جديدة عليها، لكي تكشف عن الأشياء التي يخفيها الإنسان أو التي لا يستطيعون رؤيتها لقصر نظرهم.
= وتجسد التعبيرية جوهر الأشياء، دون إظهار خارجها، ولذلك فهي لا تعترف بأن هناك تشابها بين الظاهر والباطن.
= تهتم التعبيرية بالإنسان كله، ولذا فإن الشخصيات في المسرح التعبيري تتحول إلي مجرد أنماط أكثر منها أناس من لحم ودم. وأحياناً تتحول إلي مجرد أرقام أو مسميات عامة.(68/298)
- تقوم المسرحية التعبيرية على شخصية محورية تمر بأزمة نفسية أو عاطفية، لذلك يستعين المؤلف بعلم النفس في أحيان كثيرة حتى يبلور مأساة الشخصية الداخلية.
= ركز أصحاب المذهب(*) التعبيري علي مهمة الأدب التقليدي الذي غالباً ما يتميز بالمحدودية والغباء وضيق الأفق.
= الاتجاه اللاعقلاني في التعبيرية يعد الابن الشرعي للمذهب السريالي الأم. ولذلك يعد ثورة على منطق الحياة وعلى العقل، لذلك لا يخضع لقواعد الفن. ويعتقد بأن الحياة في جوهرها وفي حقيقتها التجريدية شيء لا معقول أي غير مفهوم وغير قابل للفهم أو للتفسير.
- ويعد هذا الاتجاه أيضا من أمراض العصر الحاضر المملوء بالقلق واليأس من الحياة، والمصير المظلم الذي ينتهي بالموت.
نقد للاتجاه اللاعقلاني في التعبيرية:
- هاجم الناقد الفرنسي: مورياك.. في كتابه الأدب المعاصر أدب بيكيت اللامعقول. فقال:" إننا لا نعرف من بيكيت شيئاً محققاً أو واضحاً ولا نفهم شيئاً مما يقول على حقيقته".
- وكذلك هاجم أدب اللامعقول، الناقد أندريه مارسيل فقال:" يبدو أن الهدف الرئيسي لبيكيت هو كتابة العمل الأدبي الذي لا يكتب والذي لا يمكن تأليفه، إنها محاولة نحو المستحيل، وهي مأساة فشل لا مفر منه، ومجرد أكوام من الحطب المحترق التي تملأ الجو دخاناً في أرض مبهمة مجهولة".
الجذور الفكرية والعقائدية:
= تعد الحرب العالمية الثانية، وما تركته من دمار في الأرض، ودمار في النفوس والأفكار المحضن الحقيقي للاتجاه اللاعقلاني في الأدب، لذلك كان اليأس والتشاؤم والقلق هو الغالب على مسرحيات هذا الاتجاه، إذ إن كثيراً من المفكرين والأدباء الأوروبين فقدوا الأمل في الفكر العقلاني الواعي، لأن ما جرى خلال الحرب ينافي العقل والمنطق(*) في رأيهم.
الانتشار وأماكن النفوذ:
نشأت التعبيرية في فرنسا وألمانيا وانتشرت بعد ذلك في أوربا والعالم الغربي كله.
يتضح مما سبق:(68/299)
أن التعبيرية مذهب أدبي فلسفي، يهتم بالتجربة الإنسانية، ويعطيها بعداً ذاتياً ونفسيًّا، فالعبرة فيه بجوهر الشيء لا بمظهره، لأنه لا يوجد أي تشابه بين الظاهر والباطن. وفي مجال المسرح يركز هذا المذهب على فكرة الشخصية المحورية التي تجتاز أزمة نفسية أو عاطفية ويتم تحليل أبعادها الخارجية من خلال معطيات علم النفس وأدواته. ويعد هذا المذهب مظهراً من مظاهر أمراض العصر الذي يغصّ بالقلق واليأس من الحياة والمصير المظلم الذي يسود كثيراً من دول الغرب وينتهي بكثير من الناس إلى فقدان الإحساس بقيمة الحياة والقيم الروحية التي تثريها وتجعل للإنسان فيها هدفاً ولوجوده معنى.
= تعقيب :
- الإسلام لا يمنع التعبير عن مكنونات النفس إذا كان ذلك لا يتعارض مع معطيات الشرع، كالإفضاء بأسرار الحياة الزوجية مثلاً أو الدعوة إلى الإباحية وهكذا، وفي نفس الوقت يحبب حياة الجد والعمل والاجتهاد، ويمحو مفاهيم الفوضى والعدمية واللامعقول من عقول الناس حتى لا تسيطر عليها وتحيل الحياة إلى جحيم لا يطاق.
----------------------------
مراجع للتوسع :
- الأدب ومذاهبه، د. محمد مندور دار نهضة مصر – القاهرة.
- المذاهب الأدبية من الكلاسيكية إلى العبثية، د. نبيل راغب – مكتبة مصر – القاهرة.
- المذاهب الأدبية الكبرى في فرنسا، فليب فان يتغيم، ترجمة فريد أنطوانيوس – (سلسلة زدني علماً).
المراجع الأجنبية:
- De Segur: Histoire de la litterature Europieenne. Paris 1959.
- Lanson: Histoire de la litterature Francaise Paris 1960.
العبثية
التعريف :(68/300)
العبثية مدرسة أدبية فكرية، تدعي أن الإنسان ضائع لم يعد لسلوكه معنى في الحياة المعاصرة، ولم يعد لأفكاره مضمون وإنما هو يجتر أفكاره لأنه فقد القدرة على رؤية الأشياء بحجمها الطبيعي ، نتيجة للرغبة في سيطرة الآلة على الحياة لتكون في خدمة الإنسان حيث انقلب الأمر فأصبح الإنسان في خدمة الآلة، وتحول الناس إلى تروس في هذه الآلة الاجتماعية الكبيرة. وجاءت مدرسة العبث كمرآة تعكس وتكبِّر ما يعاني منه إنسان النصف الثاني من القرن العشرين عن طريق تجسيده في أعمال مسرحية ورواية شعرية، لعله ينجح في التخلص من هذا الانفلات في حياته ويفتح الطريق أمام ثورة هائلة في الإمكانيات ومن التجديد في وسائل التعبير فيتولد لديه الانسجام والفهم لما يحدث.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
= نشأ مذهب(*) العبث في الأدب الأوروبي وانتقل إلى الآداب العالمية المعاصرة بصفة عامة، والدول التي عانت من الحرب العالمية الأولى والثانية بصفة خاصة، وهي الدول التي فقدت ثقتها في مجرد المسلك العقلي المنطقي الذي يمكن أن يدمر في لحظات كل ما يبنيه الإنسان من مدنية عندما تحكمه شهوة السيطرة والتدمير، كما فعل هتلر في الحرب العالمية الثانية.
= ومن العبث التفتيش عن معنى للسلوك الإنساني، في رأي أصحاب مذهب العبث؛ فإن الآلة التي اخترعها الإنسان قد سيطرت عليه، وأصبح هو نفسه ترساً فيها، مما أدى إلى إحساسه بالعبث والضياع في المضحك المؤلم.
= ومن أبرز شخصيات مذهب العبث الفرنسيين:
- صامويل بيكيت 1906م 000 الرائد الأول لمذهب العبث، وقد ألف في جميع الأشكال الأدبية، ومنح جائزة نوبل عام 1969م.
- أوجين يونسكو 1912-0000 وهو كاتب فرنسي ويعد من أركان مسرح اللامعقول.
الأفكار والمعتقدات:
= يمكن إجمال أفكار ومعتقدات مذهب(*) العبثية الأدبي والفكري فيما يلي:(68/301)
- انعدام المعنى والمضمون وراء السلوك الإنساني في العالم المعاصر وذلك نتيجة ما قيل إنه الفراغ الروحي والابتعاد عن الإيمان الذي لا يكون للحياة معنى وغاية بدونه.
- إن الآلة التي سيطرت على الإنسان في المدنية الغربية، أدت إلى تحلل المجتمع وتفككه ولم يعد هناك روابط أسرية أو اجتماعية.
- إن تصوير الحياة المعاصرة وما فيها من تشتت وفقدان للرؤية الواضحة ورتابة مملة، وقلق وعدم أمان، يحول الحياة إلى وجود لا طعم فيه ولا معنى.
- التأثر بآراء فرويد في علم النفس التحليلي وما فيه من إيحاءات وأحلام وخيالات وأوهام.
- الخوف والرهبة من الكون، وهذا الخوف يقضي على كل تفكير عقلاني متماسك.
إتباع أسلوب الألغاز والغموض في التعبير، حيث لا يفهم النقاد ما ينتجون من أدب وشعر.
الجذور الفكرية والعقائدية:
= تعد مدرسة السريالية الفرنسية الأساس لمذهب العبث، وذلك لما تحويه من شطحات العقل الباطن، وهلوسة عالم الأحلام الزاخر بالهواجس والآلام والآمال.
= كما تعد المدرسة الرمزية من جذور مذهب العبث وما تحويه من صور مشوشة مضطربة تجمع بين الجمال والقبح والأسطورة والواقع، كذلك فإن آراء فرويد النفسية وما تحويه من إيحاءات وأحلام نتيجة تحليله النفسي للمرضى والمعتوهين تعتبر من الجذور الفكرية لمذهب العبث.
أماكن الانتشار:
بدأ مذهب العبثية في فرنسا ثم انتشر في كافة أوروبا والعالم الغربي خاصة.
ويتضح مما سبق :(68/302)
أن العبثية مدرسة أدبية فكرية لا تقيد نفسها بكثير من القيم الإنسانية، ولا ترى أن هناك أي مضمون حقيقي وراء السلوك الإنساني، الذي تحلل في المجتمع الغربي بسبب سيطرة الآلة على مسارات الحياة حتى أنها جعلت الإنسان ترساً في هذه الآلة الضخمة. وقد تأثرت هذه المدرسة بآراء فرويد في علم النفس التحليلي وما فيه من أحلام وأوهام وخيالات، وترى وجوب إتباع أسلوب الغموض والألغاز في التعبير بحيث لا يفهم النقاد نتاج هذه المدرسة التي يقوم فكرها على أساس الخوف من الكون والرهبة منه وهو خوف يقضي على كل تفكير عقلاني. ومع كل ما تقدم فإنها ترجع ضياع الإنسان في الغرب إلى الفراغ الروحي، ولكنها لا تلزم نفسها بأية قيم دينية سلفاً، ولذا وجب النظر إلى نتاجها الفكري بحذر واهتمام.
----------------------------
مراجع للتوسع :
- المذاهب الأدبية من الكلاسيكية إلى العبثية، للدكتور. نبيل راغب مكتبة مصر – القاهرة.
- الأدب المقارن، د. محمد عفيفي هلال، دار العروة، بيروت.
- في الأدب، د. محمد مندور.
- الأدب ومذاهبه، د. محمد مندور.
- المذاهب الأدبية الكبرى في فرنسا، ترجمة فريد أنطونيوس (سلسلة زدني علماً).
- الفوضوية، هنري أرفون (سلسلة زدني علماً).
- الجمالية الفوضوية، أندريه رستسلر (سلسل زدني علماً).
مراجع أجنبية:
- De Segur. Histoire de la letterature Europeenne. Paris. 1959.
- Lanson: Histoire de la letterature Francaise, Paris, 1960.
- Caramian (L) Symbolisme et poesie, l’Exemple anglais. Paris. 1947.
- Clouard (H). Histoire de la letterture Francaise du Symbolisme a nos jurs 1944 – 1949.
البنيوية
التعريف :(68/303)
= البنيوية: منهج(*) فكري وأداة للتحليل، تقوم على فكرة الكلية أو المجموع المنتظم. اهتمت بجميع نواحي المعرفة الإنسانية، وإن كانت قد اشتهرت في مجال علم اللغة والنقد الأدبي، ويمكن تصنيفها ضمن مناهج النقد المادي الملحدة.
- اشتق لفظ البنيوية من البنية إذ تقول: كل ظاهرة، إنسانية كانت أم أدبية، تشكل بنية، ولدراسة هذه البنية يجب علينا أن نحللها (أو نفككها) إلى عناصرها المؤلفة منها، بدون أن ننظر إلى أية عوامل خارجية عنها.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
= كانت البنيوية في أول ظهورها تهتم بجميع نواحي المعرفة الإنسانية ثم تبلورت في ميدان البحث اللغوي والنقد الأدبي وتعتبر الأسماء الآتية هم مؤسسو البنيوية في الحقول المذكورة:
- ففي مجال اللغة برز فريدنان دي سوسير الذي يعد الرائد الأول للبنيوية اللغوية الذي قال ببنيوية النظام اللغوي المتزامن، حيث أن سياق اللغة لا يقتصر على التطورية Diachronie، أن تاريخ الكلمة مثلاً لا يعرض معناها الحالي، ويمكن في وجود أصل النظام أو البنية، بالإضافة إلي وجود التاريخ، ومجموعة المعاني التي تؤلف نظاماً يرتكز على قاعدة من التمييزات والمقابلات، إذ إن هذه المعاني تتعلق ببعضها، كما تؤلف نظاماً متزامناً حيث أن هذه العلاقات مترابطة.
- وفي مجال علم الاجتماع برز كلا من: كلود ليفي شتراوس ولوي التوسير الذين قالا: إن جميع الأبحاث المتعلقة بالمجتمع، مهما اختلفت، تؤدي إلى بنيويات؛ وذلك أن المجموعات الاجتماعية تفرض نفسها من حيث أنها مجموع وهي منضبطة ذاتياً، وذلك للضوابط المفروضة من قبل الجماعة.
- وفي مجال علم النفس برز كل من ميشال فوكو وجاك لا كان اللذين وقفا ضد الاتجاه الفردي Test is Contest في مجال الإحساس والإدراك وإن كانت نظرية الصيغة (أو الجشتلت) التي ولدت سنة 1912م تعد الشكل المعبر للبنيوية النفسية.
الأفكار والمعتقدات :(68/304)
إن دراسة أي ظاهرة أو تحليلها من الوجهة البنيوية. يعني أن يباشر الدارس أو المحلل وضعها بحيثياتها وتفاصيلها وعناصرها بشكل موضوعي، من غير تدخل فكره أو عقيدته الخاصة في هذا، أو تدخل عوامل خارجية (مثل حياة الكاتب، أو التاريخ) في بنيان النص. وكما يقول البنيويون: "نقطة الارتكاز هي الوثيقة لا الجوانب ولا الإطار Test is Contest وأيضاً: "البنية تكتفي بذاتها. ولا يتطلب إدراكها اللجوء إلى أي من العناصر الغريبة عن طبيعتها".
وكل ظاهرة – تبعاً للنظرية البنيوية – يمكن أن تشكل بنية بحد ذاتها؛ فالأحرف الصوتية بنية، والضمائر بنية، واستعمال الأفعال بنية.. وهكذا.
= تتلاقى المواقف البنيوية عند مبادىء عامة مشتركة لدى المفكرين الغربيين، وفي شتى التطبيقات العملية التي قاموا بها، وهي تكاد تندرج في المحصلات التالية:
- السعي لحل معضلة التنوع والتشتت بالتوصل إلى ثوابت في كل مؤسسة بشرية.
- القول بأن فكرة الكلية أو المجموع المنتظم هي أساس البنيوية، والمردُّ التي تؤول إليه في نتيجتها الأخيرة.
- لئن سارت البنيوية في خط متصاعد منذ نشوئها، وبذل العلماء جهداً كبيراً لاعتمادها أسلوباً في قضايا اللغة، والعلوم الإنسانية والفنون، فإنهم ما اطمأنوا إلى أنهم توصلوا، من خلالها، إلى المنهج الصحيح المؤدي إلى حقائق ثابتة.
= في مجال النقد الأدبي، فإن النقد البنيوي له اتجاه خاص في دراسة الأثر الأدبي يتخلص: في أن الانفعال والأحكام الوجدانية عاجزة تماماً عن تحقيق ما تنجزه دراسة العناصر الأساسية المكونة لهذا الأثر، لذا يجب أن تفحصه في ذاته، من أجل مضمونه، وسياقه، وترابطه العضوي، فهذا أمرٌ ضروري لا بد منه لاكتشاف ما فيه من ملامح فنية مستقلة في وجودها عن كل ما يحيط بها من عوامل خارجية.(68/305)
= إن البنيوية لم تلتزم حدودها، وآنست في نفسها القدرة على حل جميع المعضلات وتحليل كل الظواهر، حسب منهجها، وكان يخيل إلى البنيويين أن النص لا يحتاج إلا إلى تحليل بنيوي كي تنفتح للناقد كل أبنية معانيه المبهمة أو المتوارية خلف نقاب السطح. في حين أن التحليل البنيوي ليس إلا تحليلاً لمستوى واحد من مستويات تحليل أي بنية رمزية، نصيّة كانت أم غير نصيّة. والأسس الفكرية والعقائدية التي قامت عليها، كلها تعد علوماً مساعدة في تحليل البنية أو الظاهرة، إنسانية كانت أم مأدبية.
= لم تهتم البنيوية بالأسس العَقَديَّة والفكرية لأي ظاهرة إنسانية أو أخلاقية أو اجتماعية، ومن هنا يمكن تصنيفها مع المناهج(*) المادية (*) الإلحادية(*)، مثل مناهج الوضعية في البحث، وإن كانت هي بذاتها ليست عقيدة وإنما منهج وطريقة في البحث.
الجذور الفكرية والعقائدية:
تعد الفلسفة(*) الوضعية لدى كونت، التي لا تؤمن إلا بالظواهر الحسية – التي تقوم على الوقائع التجريبية – الأساس الفكري والعقدي عند البنيوية.
فهي تؤمن بالظاهرة – كبنية – منعزلة عن أسبابها وعللها، وعما يحيط بها.. وتسعى لتحليلها وتفكيكها إلى عناصرها الأولية، وذلك لفهمها وإدراكها.. ومن هنا كانت أحكامها شكلية كما يقول منتقدوها، ولذا فإن البنيوية تقوم على فلسفة غير مقبولة من وجهة نظر تصورنا الفكري والعقدي.
أماكن الانتشار:
البنيوية منهج مستورد من الغرب، وتعد أوروبا وأمريكا أماكن انتشارها، وأرضها الأصلية. وهي تنتشر ببطء في باقي بلاد العالم، ومنها البلاد العربية.
يتضح مما سبق:(68/306)
أن البنيوية منهج فكري نقدي مادي ملحد غامض، يذهب إلى أن كل ظاهرة إنسانية كانت أم أدبية تشكل بنية، لا يمكن دراستها إلا بعد تحليلها إلى عناصرها المؤلفة منها، ويتم ذلك دون تدخل فكر المحلل أو عقيدته الخاصة ونقطة الارتكاز في هذا المنهج(*) هي الوثيقة، فالبنية، لا الإطار، هي محل الدراسة، والبنية تكفي بذاتها ولا يتطلب إدراكها اللجوء إلى أي عنصر من العناصر الغريبة عنها، وفي مجال النقد الأدبي، فإن الانفعال أو الأحكام الوجدانية عاجزة عن تحقيق ما تنجزه دراسة العناصر الأساسية المكونة لهذا الأثر، ولذا يجب فحصه في ذاته من أجل مضمونه وسياقه وترابطه العضوي، والبنيوية، بهذه المثابة، تجد أساسها في الفلسفة الوضعية لدى كونت، وهي فلسفة لا تؤمن إلا بالظواهر الحسية، ومن هنا كانت خطورتها.
----------------------------
مراجع للتوسع :
- البنيوية، تأليف جان بياجيه – ترجمة عارف منيمنة وبشير أوبري – منشورات عويدات – بيروت – باريس، ط4 1985م. (سلسلة زدني علماً).
- المعجم الأدبي، تأليف جبور عبد النور – دار العلم لملايين – بيروت، ط2 1984م.
- جريدة الحياة، العددان (10380 و10381) 26 و27 ذو الحجة 1411هـ مقال بعنوان: البنيوية كما يراها ثلاثة نقاد.
مراجع أجنبية:
- O. Ducrot. T. Todorov. Et… qu’est ce que le Structuralism. Paris 1968.
- Z. S. Harris, Methods in Structural Linguistics, Chicago, 1951.
السريالية
التعريف :(68/307)
= السريالية "أي ما فوق الواقعية أو ما بعد الواقع" هي مذهب(*) أدبي فني فكري، أراد أن يتحلل من واقع الحياة الواعية، وزعم أن فوق هذا الواقع أو بعده واقع آخر أقوى فاعلية وأعظم اتساعاً، وهو واقع اللاوعي أو اللاشعور، وهو واقع مكبوت في داخل النفس البشرية، ويجب تحرير هذا الواقع وإطلاق مكبوته وتسجيله في الأدب والفن. وهي تسعى إلى إدخال علاقات جديدة ومضامين غير مستقاة من الواقع التقليدي في الأعمال الأدبية. وهذه المضامين تستمد من الأحلام؛ سواء في اليقظة أو المنام، ومن تداعي الخواطر الذي لا يخضع لمنطق السبب والنتيجة، ومن هواجس عالم الوعي واللاوعي على السواء، بحيث تتجسد هذه الأحلام والخواطر والهواجس المجردة في أعمال أدبية. وهكذا تعتبر السريالية اتجاهاً يهدف إلى أبراز التناقض في حياتنا أكثر من اهتمامه بالتأليف.
يعتبر مسرح العبث الابن الشرعي للسريالية.
التأسيس وأبرز الشخصيات :
= في أعقاب الحرب العالمية الأولى، أصابت الإنسان الأوروبي صدمة هزت النفوس وبلبلت الأفهام، نتيجة للدمار الكامل وإزهاق الأرواح بلا حساب، فنشأت نزعة جارفة للتحلل من القيم الأخلاقية(*)، وتحرير الغرائز والرغبات المكبوتة في النفس البشرية، وامتدت هذه النزعة إلى الفن والأدب مما أدى إلى ظهور المذهب المعروف بالسريالية في فرنسا سنة 1924م التي بدأت بالسريالية النفسية، ثم دخلت السريالية مجالات الأدب والاجتماع والاقتصاد(*) والفن، ومن أبرز الشخصيات السريالية:
- أندريه بريتون 1896 – 1966م وهو عالم نفس وشاعر فرنسي يعده النقاد مؤسس السريالية.
- ثورنتون وأيلور وهو كاتب مسرحي، ألف مسرحية جلد الإنسان بين الأسنان سنة 1942م، وهي مسرحية تجنح إلى الخيال والعنف الناتج عن اللاشعور عند شخصيات المسرحية.(68/308)
- سلفادور دالي ولد سنة 1904م وهو رسام أسباني، ويعد من أبرز دعاة السريالية، وقد أضاف إليها إضافات كثيرة أبرزها أسلوبه الذي تميز به الذي دعاه "النقد المبني على الهلوسة" وكان يؤكد دائماً أنه أقرب إلى الجنون منه إلى الماشي نوماً، والمعرفة عنده تقوم على التداعي والتأويل.
الأفكار والمعتقدات:
= يمكن إجمال أفكار ومعتقدات السريالية فيما يلي:
- الاعتماد الكلي على الأمور غير الواقعية: مثل الأحلام والأخيلة.
- الكتابة التلقائية الصادرة عن اللاوعي، والبعيدة عن رقابة العقل، بدعوى أن الكلمات في اللاوعي لا تمارس دور الشرطي في رقابته على الأفكار، ولهذا تنطلق هذه الأفكار نشيطة جديدة.
- إهمال المعتقدات والأديان(*) والقيم الأخلاقية(*) السائدة في المجتمع.
- التركيز على الجانب السياسي والبحث عن برنامج وضعي (مادي ومحسوس) يصلح لتطوير المفاهيم الاجتماعية، لذلك تودد السرياليون للحزب الشيوعي، وبذلوا جهدواً كبيرة من أجل توسيع مجال تطبيق المادية الجدلية الماركسية(*).
- الثورة لتغيير حياة الناس، وتشكيل مجتمع ثوري بدلاً من المجتمع القائم، وشملت الثورة ثورة على اللغة التقليدية، وإحداث لغة جديدة.
- تزيت السريالية بأزياء مختلفة، فتارة تظهر كمجموعة من السحرة، وتارة تبدو كعصابة من قطاع الطرق، وتظهر تارة أخرى كأعضاء في خلية ثورية فهي حركة سرية هدفها تقويض الوضع الراهن.
- ويعد الغموض في التعبير الأدبي أو الفني في مجال الرسم، هدفاً ثابتاً للسرياليين.
الجذور الفكرية والعقائدية:(68/309)
= تأثرت السريالية بآراء فرويد عالم النفس اليهودي في تحليله للنفس الإنسانية وخاصة تلك التي تتحدث عن اللاشعور والأحلام، والكبت ودعوته إلى تحرير الغرائز الإنسانية والرغبات المكبوتة في النفس البشرية، وإشباع الغرائز والرغبات إشباعاً حراً حتى لا تصاب بالأمراض النفسية كما يدَّعي. وهذه الآراء تتلاءم مع دعوتهم إلى التحلل الأخلاقي في المجتمع البشري.
= وكذلك تأثرت السريالية بالفكر الماركسي الشيوعي ودعوته إلى الثورة(*) لتغيير المجتمع، واستخدام العنف في سبيل ذلك.. وبظهور المزاج الثوري حلت الفوضى السياسية والصراع الكامل محل النظام والانسجام.
= وقد تأثرت السريالية أيضاً بحركة سبقتها تُدعى الدادية التي ولدت في زيورخ بسويسرا سنة 1916م. وهي حركة فوضوية تكفر بالقيم السائدة والمعتقدات والتقاليد الاجتماعية وتدعو إلى العودة إلى البداية. ورائد هذه الحركة هو ترستان تزارا الذي يصفه كاتب أوروبي بأنه "المروِّج للفوضوية الفنية والاجتماعية".
ولذا عد النقاد أن السريالية وريثة هذه الحركة الدادية في أفكارها وتوجهاتها وأسلوبها.
= بداية السريالية ونهايتها:
- بدأت السريالية بمجال النفس البشرية، ثم دخلت مجالات الأدب والفكر والسياسة والاجتماع والفن، ثم اقتحمت بشذوذها الثوري مجال العقيدة الدينية والتقاليد الاجتماعية واللغة، وأثارت جدالاً عنيفاً بين أقصى الكاثوليكية في الغرب وأقصى الشيوعية في الشرق.(68/310)
- وأخذت السريالية في الانكماش والتقوقع بعد ربع قرن من نشوئها، وشعر دعاتها بعجزهم عن تحقيق أي هدف، وبعقم ثورتهم ضد القيم والمعتقدات الدينية، وإخفاقهم في إيجاد مسيحية(*) جديدة، تخلص الإنسان من عذابه وضياعه – حسب زعمهم – وتحول عددٌ منهم بعد الحرب العالمية الثانية إلى الشيوعية والإلحاد، وجُنَّ بعضهم وأدخل المصحات العقلية والنفسية، وتحول البعض الآخر إلى العبثية في الأدب المعبر عن انعدام المعنى العام وراء السلوك الإنساني في العالم المعاصر.
- أما أفكارها ومبادئها فقد تبناها مذهب الحداثة الأدبي الفكري حيث صبت جميع جداول السريالية في مستنقعه الكبير.
وهكذا انتهت السريالية، المعبرة عن فقدان الإنسان الغربي العقيدة الصحيحة، واعتماده على ضلالات فرويد النفسية في اللاشعور والأحلام. هذه الضلالات التي أدت إلى التحلل الأخلاقي وإطلاق الغرائز من عقالها، مما أودى بها بعد ربع قرن من نشوئها.
ويتضح مما سبق:
أن السريالية مذهب(*) أدبي فني فكري غير ملتزم بالأديان(*)، يهدف إلى التحلل من واقع الحياة الواعية، والرنو إلى واقع آخر هو واقع اللاوعي أو اللاشعور المكبوت في النفس البشرية، بحيث يتم تسجيل هذا الواقع في الأدب والفن، من خلال الاعتماد الكلي على الأمور غير الواقعية والكتابة التلقائية الصادرة عن اللاوعي، وإهمال الأديان والمعتقدات والقيم الأخلاقية السائدة في المجتمع، والتركيز على الجانب السياسي وإذكاء الثورة(*) لتغيير حياة الناس وتشكيل مجتمع ثوري بدلاً من المجتمع القائم، وتقويض الوضع القائم في المجتمع. وكل تلك الخصائص والغايات تبرر مدى خطورة مثل هذا المذهب الأدبي على القيم الدينية.
----------------------------
مراجع للتوسع :
- نحو مذهب إسلامي في الأدب والنقد، د. عبد الرحمن رأفت الباشا. نشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الرياض 1405هـ.(68/311)
- مذاهب الأدب الغربي، د. عبد الباسط بدر، دار الشعاع، الكويت.
- المذاهب الأدبية من الكلاسيكية إلى العبثية، د. نبيل راغب – مكتبة مصر – القاهرة.
- الأدب ومذاهبه، د. محمد مندور.
- السريالية، إيف دوبليس (سلسلة زدني علماً).
- الأدب الرمزي، هنري بير.
المراجع الأجنبية:
- Braunschvig: Notre litterature Etudiee dans le texte. Paris 1949.
- Lanson: Histoire de la litterature Francaise Paris 1961.
- Segur (Nicola): Histoire de la litterature Europeene 1959.
الميتافيزيقية
التعريف :
الميتافيزيقية(*) اتجاه أدبي وفلسفي يبحث في ظواهر العالم بطريقة عقلية وليست حدسية صوفية ويمزج العقل بالعاطفة ويبتدع أساليب أدبية تجمع بين المختلف والمؤتلف من الأخيلة الفكرية والظواهر الطبيعية.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
= جون دن 1572 – 1631م الشاعر الإنكليزي الذي أسس المدرسة الميتافيزيقية في الشعر الإنكليزي مع باقي الشعراء في القرن السابع عشر من أمثال، جون هيربرت، وهنري فون، وروبرت كرشوا وأندرو مارفيل وإبراهام كاولي، وهم الشعراء الذين ساروا على نهج جون دن في أسرار الوجود.
= جون درايدن: شاعر إنكليزي نقد جون دن، وقال إن شعره مفعم بالفلسفة العويصة الفهم… والشعر المرهف الرقيق لا يستطيع حمل الأفكار الفلسفية الثقيلة.
= هـ. ج. س. جريرسون: ناقد إنكليزي من الكلاسيكية الحديثة، أحيا المدرسة الميتافيزيقية في كتابه عن الأشعار الميتافيزيقية سنة 1921م.
= ت.س. إليوت ناقد وأديب إنكليزي، أحيا الميتافيزيقية بعد أن كادت أن تندثر في كتابه الشعراء الميتافيزيقيون ودراسة خاصة عن الشاعر الميتافيزيقي أندرو مارفيل سنة 1921م.
= وفي مجال الفلسفة هيجل وبرادلي وصمويل الكسندر وغيرهم.
الأفكار والمعتقدات:(68/312)
= محاولة تفسير الظواهر الميتافيزيقية، بأساليب تجسيدية تقرب بينها وبين الظواهر الطبيعية كتشبيه الحب بعلم التجميع وتشبيه الروح بقطرة الذل.
= إن الإنسان يستطيع أن يقترب من القوى الميتافيزيقية عندما يجدها متجسدة في أعمال مسرحية وشعرية وروائية.
= الميتافيزيقيا(*) في مجال الفلسفة تعتمد على العقل(*) في إنشاء نظرية إلهية – عن الوجود الإلهي – بديلة عن التثليث (*)، من ذلك فلسفة (*) هيجل الروح المطلق وكلها مذاهب يعارضها التوحيد الخالص معارضته للصليبية نفسها.
= الشعر الميتافيزيقي يعد نموذجاً لتحليل الشعور الإنساني وليس لتجسيده والبحث عن الفلسفة الكامنة وراء الحب بكل أنواعه وليس تعبيراً عن التجربة النفسية التي يخوضها المحبون.
= تأكيد الدلالات الدينية. والأخلاقية الكامنة وراء القوى الميتافيزيقية، والشعر هو خير أداة للتعبير عن هذه الدلالات عن طريق إثارة قوى التفكير والتأمل لدى الإنسان العادي.
= الأسلوب السهل والتعبير الجميل هو الوسيلة الوحيدة لنقل الأفكار العميقة إلى القراء والتأثير فيهم، وإن أدى إلى المبالغة الشعرية.
= يختلف الشعر الميتافيزيقي عن الشعر الصوفي الذي يدعو إلى وحدة الوجود، وإلى الحب الإلهي الذي يسمو على الحب المادي الفاني والذي ينتهي بحدود الزمان والمكان.
الجذور الفكرية والعقائدية:
يرى بعضهم أن العقائد الدينية النصرانية هي الخلفية الفكرية للمذهب الميتافيزيقي الأدبي… ولعل عجز الإنسان عن فهم الأمور الغيبية في الحياة، دفعه إلى التعبير عن جميع الظواهر الغيبية مثل الروح والحياة، والقدر والموت.. عن طريق الشعر والرواية والمسرحية.. لعل الإنسان يستطيع التوصل إلى فهم كنه هذه الظواهر.
أماكن النفوذ والانتشار :
بدأ المذهب(*) الميتافيزيقي في إنكلترا… وإن كانت أفكاره أثرت تأثيراً كبيراً في أدباء الكلاسيكية الجديدة في أوروبا كلها والعالم الغربي برمته.
ويتضح مما سبق:(68/313)
الميتافيزيقية هي اتجاه أدبي، يبحث عن ظواهر العالم بطريقة عقلية ممزوجة بالعاطفة، من أجل الجمع بين كل ما هو مؤتلف ومختلف من الأخيلة الفكرية والظواهر الطبيعية، وإبرازه في أعمال مسرحية وشعرية وروائية تجسد الفلسفة الكامنة وراء الحب، بأسلوب سهل وتعبير سلس. ومع أن هذا الاتجاه يؤكد الدلالات الدينية والأخلاقية الكامنة وراء القوى الميتافيزيقية إلا أنه يتبنى، كالخيال الصوفي الجامح، فكرة وحدة الوجود، ومن هنا كانت خطورة التعبيرات الأدبية في هذا الاتجاه على الشباب المسلم الذي يجب أن يعيها بدقة ويعرف أبعادها قبل أن ينجرف مع تيارها عندما يتعامل مع إفرازات هذا المذهب الأدبي.
----------------------------
مراجع للتوسع :
- المذاهب الأدبية من الكلاسيكية إلى العبثية، د. نبيل راغب – نشر مكتبة مصر.
- طبيعة الميتافيزيقا، تأليف جماعة من الفلاسفة الإنكليز. (سلسلة زدني علماً).
- الأدب المقارن، د. محمد غنيمي هلال – دار العودة – بيروت.
- الأدب المقارن، ماريوس فرانسوا غويار (سلسلة زدني علماً).
- فلاسفة إنسانيون، كارل ياسبر (سلسلة زدني علماً).
المراجع الأجنبية:
- Braunschvig: Notre Litterature Etudiee dans le texte. Paris 1949.
- Lanson: Histoire de la Litterature Francais Paris 1916.
- De Segur (Nicola): Histoire de la Litterature Europieenne.
من الفلسفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية
1-الرأسمالية
2-الشيوعية
3-الداروينية
الرأسمالية
التعريف :(68/314)
الرأسمالية نظام اقتصادي ذو فلسفة اجتماعية وسياسية، يقوم على أساس إشباع حاجات الإنسان الضرورية والكمالية، وتنمية الملكية الفردية والمحافظة عليها، متوسعاً في مفهوم الحرية، معتمداً على سياسة فصل الدين(*) نهائياً عن الحياة. ولقد ذاق العلم بسببه ويلات كثيرة نتيجة إصراره على كون المنفعة واللذة هما أقصى ما يمكن تحقيقه من السعادة للإنسان. وما تزال الرأسمالية تمارس ضغوطها وتدخلها السياسي والاجتماعي والثقافي وترمي بثقلها على مختلف شعوب الأرض.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
= كانت أوروبا محكومة بنظام الإمبراطورية الرومانية التي ورثها النظام الإقطاعي Feudal System.
= لقد ظهرت ما بين القرن الرابع عشر والسادس عشر الطبقة البرجوازية(*) Bourgeois تالية لمرحلة الإقطاع ومتداخلة معها.
= تلت مرحلة البرجوازية مرحلة الرأسمالية وذلك منذ بداية القرن السادس عشر ولكن بشكل متدرج.
= فقد ظهرت أولاً الدعوة إلى الحرية(*) Liberation وكذلك الدعوة إلى إنشاء القوميات اللادينية.
= ظهر المذهب الحر (الطبيعي(*) ) في النصف الثاني من القرن الثامن عشر في فرنسا حيث ظهر الطبيعيون Phisiocrates Les ومن أشهر دعاة هذا المذهب:
- فرنسوا كنزني Francois Quensnay 1694 – 1778م ولد في فرساي بفرنسا، وعمل طبيباً في بلاط لويس الخامس عشر، لكنه اهتم بالاقتصاد وأسس المذهب الطبيعي، فلقد نشر في سنة 1756م مقالين عن الفلاحين وعن الجنوب، ثم أصدر في سنة 1758م الجدول الاقتصادي Tableau Economique وشبَّه فيه تداول المال داخل الجماعة بالدورة الدموية. وقد قال ميرابو حينذاك عن هذا الجدول بأنه: "يوجد في العالم ثلاثة اختراعات عظيمة هي الكتابة والنقود والجدول الاقتصادي).(68/315)
- جول لوك Jonn Locke 1632 – 1704م صاغ النظرية الطبيعية الحرة حيث يقول عن الملكية الفردية: "وهذه الملكية حق من حقوق الطبيعة وغريزة تنشأ مع نشأة الإنسان، فليس لأحد أن يعارض هذه الغريزة".
- ومن ممثلي هذا الاتجاه أيضاً تورجو Turgot وميرابو Mirabour وجان باتست ساي J.B. Say وباستيا.
= ظهر بعد ذلك المذهب(*) الكلاسيكي الذي تبلورت أفكاره على أيدي عدد من المفكرين من أبرزهم:
= آدم سميث A. Smith 1723 – 1790م وهو أشهر الكلاسيكيين على الإطلاق، ولد في مدينة كيركالدي في اسكوتلنده، ودرس الفلسفة(*)، وكان أستاذاً لعلم المنطق(*) في جامعة جلاسجو. سافر إلى فرنسا سنة 1766م والتقى هناك بأصحاب المذهب الحر. وفي سنة 1776م أصدر كتاب بحث في طبيعة وأسباب ثروة الأمم هذا الكتاب الذي قال عنه أحد النقاد وهو أدمون برك: "إنه أعظم مؤلف خطه قلم إنسان".
- دافيد ريكاردو David ricardo 1772 – 1823م قام بشرح قوانين توزيع الدخل في الاقتصاد(*) الرأسمالي، وله النظرية المعروفة باسم قانون تناقص الغلة ويقال بأنه كان ذا اتجاه فلسفي ممتزج بالدوافع الأخلاقية لقوله: "إن أي عمل يعتبر منافياً للأخلاق ما لم يصدر عن شعور بالمحبة للآخرين".
- جون استيوارت مل J. Stuart Mill 1806 – 1873م يعدُّ حلقة اتصال بين المذهب الفردي والمذهب الاشتراكي(*) فقد نشر سنة 1836م كتابه مبادىء الاقتصاد السياسي.
- اللورد كينز Keyns 1883 – 1946م صاحب النظرية التي عرفت باسمه التي تدور حول البطالة(*) والتشغيل وقد تجاوزت غيرها من النظريات إذ يرجع إليه الفضل في تحقيق التشغيل الكامل للقوة العاملة في المجتمع الرأسمالي. وقد ذكر نظريته هذه ضمن كتابه النظرية العامة في التشغيل والفائدة والنقود الذي نشره سنة 1936م.(68/316)
- دافيد هيوم 1711 – 1776م صاحب نظرية النفعية Pragmatism التي وضعها بشكل متكامل والتي تقول بأن "الملكية الخاصة تقليد اتبعه الناس وينبغي عليهم أن يتبعوه لأن في ذلك منفعتهم".
- أدمون برك من المدافعين عن الملكية الخاصة على أساس النظرية التاريخية أو نظرية تقادم الملكية.
الأفكار والمعتقدات:
= أسس الرأسمالية:
البحث عن الربح بشتى الطرق والأساليب إلا ما تمنعه الدولة لضرر عام كالمخدرات مثلاً.
- تقديس الملكية الفردية وذلك بفتح الطريق لأن يستغل كل إنسان قدراته في زيادة ثروته وحمايتها وعدم الاعتداء عليها وتوفير القوانين اللازمة لنموها واطرادها وعدم تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية إلا بالقدر الذي يتطلبه النظام العام وتوطيد الأمن.
- المنافسة والمزاحمة في الأسواق Perfect Competition.
- نظام حرية الأسعار Price System وإطلاق هذه الحرية وفق متطلبات العرض والطلب، واعتماد قانون السعر المنخفض في سبيل ترويج البضاعة وبيعها.
= أشكال رأسمالية:
- الرأسمالية التجارية التي ظهرت في القرن السادس عشر إثر إزالة الإقطاع، إذ أخذ التاجر يقوم بنقل المنتجات من مكان إلى آخر حسب طلب السوق فكان بذلك وسيطاً بين المنتج والمستهلك.
- الرأسمالية الصناعية التي ساعد على ظهورها تقدم الصناعة وظهور الآلة البخارية التي اخترعها جيمس وات سنة 1770م والمغزل الآلي سنة 1785م مما أدى إلى قيام الثورة الصناعية في إنجلترا أولاً وفي أوروبا عامة إبان القرن التاسع عشر. وهذه الرأسمالية الصناعية تقوم على أساس الفصل بين رأس المال وبين العامل، أي بين الإنسان وبين الآلة.
- نظام الكارتل Cartel System الذي يعني اتفاق الشركات الكبيرة على اقتسام السوق العالمية فيما بينها مما يعطيها فرصة احتكار(*) هذه الأسواق وابتزاز الأهالي بحرية تامة. وقد انتشر هذا المذهب في ألمانيا واليابان.(68/317)
- نظام الترست Trust System والذي يعني تكون شركة من الشركات المتنافسة لتكون أقدر في الإنتاج وأقوى في التحكم والسيطرة على السوق.
أفكار معتقدات أخرى:
= إن المذهب الطبيعي الذي هو أساس الرأسمالية إنما يدعو إلى أمور منها:
- الحياة الاقتصادية تخضع لنظام طبيعي ليس من وضع أحد حيث يحقق بهذه الصفة نمواً للحياة وتقدماً تلقائياً لها.
- إنه يدعو إلى عدم تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية وأن تقصر مهمتها على حماية الأفراد والأموال والمحافظة على الأمن والدفاع عن البلاد.
- الحرية الاقتصادية لكل فرد حيث إن له الحق في ممارسة واختيار العمل الذي يلائمه وقد عبروا عن ذلك بالمبدأ المشهور: "دعه يعمل دعه يمر" Laser Faire, Laisser Passer.
- إن إيمان الرأسمالية بالحرية(*) الواسعة أدى إلى فوضى في الاعتقاد وفي السلوك مما تولدت عنه هذه الصراعات الغريبة التي تجتاح العالم معبرة عن الضياع الفكري والخواء الروحي.
- إن انخفاض الأجور وشدة الطلب على الأيدي العاملة دفع الأسرة لأن يعمل كل أفرادها مما أدى إلى تفكك عرى الأسرة وانحلال الروابط الاجتماعية فيما بينها.
- من أهم آراء آدم سميث أن نمو الحياة الاقتصادية وتقدمها وازدهارها إنما يتوقف على الحرية الاقتصادية، وتتمثل هذه الحرية في نظره بما يلي:-
- الحرية الفردية التي تتيح للإنسان حرية اختيار عمله الذي يتفق مع استعداداته ويحقق له الدخل المطلوب.
- يرى الرأسماليون بأن الحرية Liberation ضرورية للفرد من أجل تحقيق التوافق بينه وبين المجتمع، ولأنها قوة دافعة للإنتاج، لكونها حقاً إنسانياً يعبر عن الكرامة البشرية.
= عيوب الرأسمالية:
- الرأسمالية نظام وضعي يقف على قدم المساواة مع الشيوعية وغيرها من النظم التي وضعها البشر بعيداً عن منهج الله الذي ارتضاه لعباده ولخلقه من بني الإنسان، ومن عيوبها:(68/318)
- الأنانية: حيث يتحكم فرد أو أفراد قلائل بالأسواق تحقيقاً لمصالحهم الذاتية دون تقدير لحاجة المجتمع أو احترام للمصلحة العامة.
- الاحتكار(*): إذ يقوم الشخص الرأسمالي باحتكار البضائع وتخزينها حتى إذا ما فقدت من الأسواق نزل بها ليبيعها بسعر مضاعف يبتز به المستهلكين الضعفاء.
- لقد تطرفت الرأسمالية في تضخيم شأن الملكية الفردية كما تطرفت الشيوعية في إلغاء هذه الملكية.
- المزاحمة والمنافسة: إن بنية الرأسمالية تجعل الحياة ميدان سباق مسعور إذ يتنافس الجميع في سبيل إحراز الغلبة، وتتحول الحياة عندها إلى غابة يأكل القوي فيها الضعيف، وكثيراً ما يؤدي ذلك إلى إفلاس المصانع والشركات بين عشية وضحاها.
- إبتزاز الأيدي العاملة: ذلك أن الرأسمالية تجعل الأيدي العاملة سلعة خاضعة لمفهومي العرض والطلب مما يجعل العامل معرضاً في كل لحظة لأن يُستبدَل به غيره ممن يأخذ أجراً أقل أو يؤدي عملاً أكثر أو خدمة أفضل.
- البطالة(*): وهي ظاهرة مألوفة في المجتمع الرأسمالي، وتكون شديدة البروز إذا كان الإنتاج أكثر من الاستهلاك مما يدفع بصاحب العمل إلى الاستغناء عن الزيادة في هذه الأيدي التي تثقل كاهله.
- الحياة المحمومة: وذلك نتيجة للصراع القائم بين طبقتين إحداهما مبتزة يهمها جمع المال من كل السبل وأخرى محروقة تبحث عن المقومات الأساسية لحياتها، دون أن يشملها شيء من التراحم والتعاطف المتبادل.
- الاستعمار(*): ذلك أن الرأسمالية بدافع البحث عن المواد الأولية، وبدافع البحث عن أسواق جديدة لتسويق المنتجات تدخل في غمار استعمار الشعوب والأمم استعماراً اقتصاديّاً أولاً وفكريًّا وسياسيًّا وثقافيًّا ثانياً، وذلك فضلاً عن استرقاق الشعوب وتسخير الأيدي العاملة فيها لمصلحتها.
- الحروب والتدمير: فلقد شهدت البشرية ألواناً عجيبة من القتل والتدمير وذلك نتيجة طبيعية للاستعمار الذي أنزل بأمم الأرض أفظع الأهوال وأشرسها.(68/319)
- الرأسماليون يعتمدون على مبدأ الديمقراطية في السياسة والحكم، وكثيراً ما تجنح الديمقراطية مع الأهواء بعيدة عن الحق والعدل والصواب، وكثيراً ما تستخدم لصالح طائفة الرأسماليين أو من يسمون أيضاً (أصحاب المكانة العالية).
- إن النظام الرأسمالي يقوم على أساس ربوي، ومعروف أن الربا هو جوهر العلل التي يعاني منها العالم أجمع.
- إن الرأسمالية تنظر إلى الإنسان على أنه كائن مادي وتتعامل معه بعيداً عن ميوله الروحية والأخلاقية، داعية إلى الفصل بين الاقتصاد وبين الأخلاق.
- تعمد الرأسمالية إلى حرق البضائع الفائضة، أو تقذفها في البحر خوفاً من أن تتدنى الأسعار لكثرة العرض، وبينما هي تقدم على هذا الأمر تكون كثير من الشعوب أشدَ معاناة وشكوى من المجاعات التي تجتاحها.
- يقوم الرأسماليون بإنتاج المواد الكمالية ويقيمون الدعايات الهائلة لها دونما التفات إلى الحاجات الأساسية للمجتمع ذلك أنهم يفتشون عن الربح والمكسب أولاً وأخراً.
- يقوم الرأسمالي في أحيان كثيرة بطرد العامل عندما يكبر دون حفظ لشيخوخته إلا أن أمراً كهذا أخذت تخف حدته في الآونة الأخيرة بسبب الإصلاحات التي طرأت على الرأسمالية والقوانين والتشريعات التي سنتها الأمم لتنظيم العلاقة بين صاحب رأس المال والعامل.
= الإصلاحات التي طرأت على الرأسمالية:
- كانت إنجلترا حتى سنة 1875م من أكبر البلاد الرأسمالية تقدماً. ولكن في الربع الأخير من القرن التاسع عشر ظهرت كل من الولايات المتحدة وألمانيا، وبعد الحرب العالمية الثانية ظهرت اليابان.
- في عام 1932م باشرت الدولة تدخلها بشكل أكبر في انجلترا، وفي الولايات المتحدة زاد تدخل الدولة إبتداء من سنة 1933م، وفي ألمانيا بدءً من العهد الهتلري وذلك لأجل المحافظة على استمرارية النظام الرأسمالي.(68/320)
- لقد تمثل تدخل الدولة في المواصلات والتعليم ورعاية حقوق المواطنين وسن القوانين ذات الصبغة الاجتماعية، كالضمان الاجتماعي والشيخوخة والبطالة(*) والعجز والرعاية الصحية وتحسين الخدمات ورفع مستوى المعيشة.
- لقد توجهت الرأسمالية هذا التوجه الإصلاحي الجزئي بسبب ظهور العمال كقوة انتخابية في البلدان الديمقراطية وبسبب لجان حقوق الإنسان، ولوقف المد الشيوعي الذي يتظاهر بنصرة العمال ويدعي الدفاع عن حقوقهم ومكتسباتهم.
الجذور الفكرية والعقائدية:
= تقوم جذور الرأسمالية على شيء من فلسفة الرومان القديمة، يظهر ذلك في رغبتها في امتلاك القوة وبسط النفوذ والسيطرة.
= لقد تطورت متنقلة من الإقطاع إلى البرجوازية (*) إلى الرأسمالية وخلال ذلك اكتسبت أفكاراً ومبادىء مختلفة تصب في تيار التوجه نحو تعزيز الملكية الفردية والدعوة إلى الحرية.
= قامت في الأصل على أفكار المذهب الحر والمذهب الكلاسيكي.
= إن الرأسمالية تناهض الدين(*) متمردة على سلطان الكنيسة(*) أولاً وعلى كل قانون أخلاقي أخيراً.
= لا يهم الرأسمالية من القوانين الأخلاقية إلا ما يحقق لها المنفعة ولا سيما الاقتصادية منها على وجه الخصوص.
= كان للأفكار والآراء التي تولدت نتيجة للثورة الصناعية في أوروبا دور بارز في تحديد ملامح الرأسمالية.
= تدعو الرأسمالية إلى الحرية(*) وتتبنى الدفاع عنها، لكن الحرية السياسية تحولت إلى حرية أخلاقية واجتماعية، ثم تحولت هذه بدورها إلى إباحية.
الانتشار ومواقع النفوذ:
= ازدهرت الرأسمالية في إنجلترا وفرنسا وألمانيا واليابان والولايات المتحدة الأمريكية وفي معظم العالم الغربي.
= كثير من دول العالم تعيش في جو من التبعية إما للنظام الشيوعي وإما للنظام الرأسمالي، وتتفاوت هذه التبعية بين التدخل المباشر وبين الاعتماد عليهما في الشؤون السياسية والمواقف الدولية.(68/321)
= وقف النظام الرأسمالي مثله كمثل النظام الشيوعي إلى جانب إسرائيل دعماً وتأييداً بشكل مباشر أو غير مباشر.
ويتضح مما سبق :
أن الرأسمالية مذهب(*) مادي جشع يغفل القيم الروحية في التعامل مع المال مما يزيد الأغنياء غنى والفقراء فقراً. وتعمل أمريكا الآن باعتبارها زعيمة هذا المذهب(*) على ترقيع الرأسمالية في دول العالم الثالث بعد أن انكشفت عوارها ببعض الأفكار الاشتراكية(*)، محافظة على مواقعها الاقتصادية، وكي تبقى سوقاً للغرب الرأسمالي وعميلاً له في الإنتاج والاستهلاك والتوزيع. وما يراه البعض من أن الإسلام يقترب في نظامه الاقتصادي من الرأسمالية خطأ واضح يتجاهل عدداً من الاعتبارات:
= أن الإسلام نظام رباني يشمل أفضل ما في الأديان والمذاهب من إيجابيات ويسلم ممَّا فيها من سلبيات إذ أنه شريعة الفطرة تحلل ما يصلحها وتحرم ما يفسدها.
= أن الإسلام وجد وطبق قبل ظهور النظم الرأسمالية والاشتراكية، وهو نظام قائم بذاته، والرأسمالية تنادي بإبعاد الدين(*) عن الحياة، وهو أمر مخالف لفطرة الإنسان، كما تزن أقدار الناس بما يملكون من مال، والناس في الإسلام يتفاضلون بالتقوى.
= ترى الرأسمالية أن الخمر والمخدرات تلبي حاجات بعض أفراد المجتمع، وكذلك الأمر بالنسبة لخدمات راقصة البالية، وممثلة المسرح، وأندية العراة، ومن ثم تسمح بها دون اعتبار لما تسببه من فساد، وهي أمور لا يقرها الضمير الإسلامي. وفي سبيل تنمية رأس المال تسلك كل الطرق دونما وازع أخلاقي مانع فالغاية عندهم دائماً تبرر الوسيلة.
= النواحي الاقتصادية في الإسلام مقيدة بالشرع وما أباحه أو حرمه ولا يصح أن نعتبر الأشياء نافعة لمجرد وجود من يرغب في شرائها بصرف النظر عن حقيقتها واستعمالها من حيث الضرر أو النفع.(68/322)
= القول بأن الندرة النسبية هي أصل المشكلة الاقتصادية قول مخالف للواقع فالمولى سبحانه وتعالى خلق الكون والإنسان والحياة وقدر الأقوات بما يفي بحياة البشرية، وقدّر الأرزاق وأمر بالتكافل بين الغني والفقير.
= أدى النظام الرأسمالي إلى مساوىء وويلات، وأفرز ما يعانيه العالم من استعمار ومناطق نفوذ وغزو اقتصادي ووضع معظم ثروات العالم في أيدي الاحتكارات(*) الرأسمالية وديون تراكمية.
مراجع للتوسع :
- أسس الاقتصاد بين الإسلام والنظم المعاصرة، تأليف أبي الأعلى المودودي- ترجمة محمد عاصم حداد – ط3 – 1391هـ/1971م مطبعة الأمان – لبنان.
- المذاهب الاقتصادية الكبرى، تأليف جورج سول – ترجمة راشد البراوي.
- الأنظم الاقتصادية في العالم، د. أحمد شلبي – ط1 – النهضة المصرية – 1976م
- معركة الإسلامية والرأسمالية، سيد قطب – ط2 – مطبعة دار الكتاب العربي – 1371هـ/1952م.
- الاقتصاد في الإسلام، حمزة الجميعي الدهومي – ط1 – مطبعة التقدم بالقاهرة – 1399هـ/1978م.
- الاقتصاد الإسلامي، مفاهيم ومرتكزات، د. محمد أحمد صقر – ط1 – مطابع سجل العرب – نشر دار النهضة العربية بالقاهرة – 1398هـ/ 1978م.
- اقتصادنا، محمد باقر الصدر – دار الكتاب اللبناني – دار الكتاب المصري – 1398هـ/1977م.
- فلسفتنا، محمد باقر الصدر – دار التعارف للمطبوعات – بيروت – لبنان – 1379هـ.
- الاقتصاد الإسلامي، المركز العالمي للأبحاث والاقتصاد – ط1- 1400هـ/1980م.
- حركات ومذاهب في ميزان الإسلام، فتحي يكن – مؤسسة الرسالة – ط2- 1397هـ/1977م.
- حكم الإسلام في الرأسمالية، د. محمود الخالدي.
المراجع الأجنبية :
- D. Villey: A La recherche d’une Doctrine Economiques, Ed.; Genen, Paris, 1967.
- J. Marchal: “ Cours D’economie politique” paris 1956.
- J.J. Kenes, General Theory of Employment, Interst and Money (Harcourt, Brace and Company. 1933).(68/323)
- George N. Halm, Economic: A Comparative Analysis, Hotlt, rinchart & Winston Ltd. New York.
- Gunnar Myrdal, Against The Stream, Published by Pantheon press, Cambridge University Press 1972.
- Lord Bowdan and S.T.S Al- Hasani “The profit and the loss or a fair share of the proceeds. The Guradian, Thursday. June 5 – 1975.
- Abdul – Hamid Ahmad Abu Sulayman: The Theory of the Economics of Islam, Proceedings of the Third East Coast regional Conference. Theme contermporary Aspects of Economic and social Thinking in Islam, Moslem Students Association, Holiday Hills, April 12, 1968. PP. 26 – 83.
- Adam Smith, The Wealth of Nations.
- Encyclopaedia Britannica, Vol 2, P. 535, 1976.
الشيوعية
التعريف :
الشيوعية مذهب(*) فكري يقوم على الإلحاد وأن المادة هي أساس كل شيء ويفسر التاريخ بصراع الطبقات وبالعامل الاقتصادي. ظهرت في ألمانيا على يد ماركس وإنجلز، وتجسدت في الثورة البلشفية(*) التي ظهرت في روسيا سنة 1917م بتخطيط من اليهود، وتوسعت على حساب غيرها بالحديد والنار. وقد تضرر المسلمون منها كثيراً، وهناك شعوب محيت بسببها من التاريخ، ولكن الشيوعية أصبحت الآن في ذمة التاريخ، بعد أن تخلى عنها الاتحاد السوفيتي، الذي تفكك بدوره إلى دول مستقلة، تخلت كلها عن الماركسية، واعتبرتها نظرية غير قابلة للتطبيق.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
= وضعت أسسها الفكرية النظرية على يد كارل ماركس اليهودي الألماني 1818 – 1883م وهو حفيد الحاخام اليهودي المعروف مردخاي ماركس، وكارل ماركس شخص قصير النظر متقلب المزاج، حاقد على المجتمع، مادي النزعة، ومن مؤلفاته:
- البيان الشيوعي الذي صدر سنة 1848م.
- رأس المال ظهر سنة 1867م.(68/324)
= ساعده في التنظير للمذهب فردريك إنجلز 1820 – 1895م وهو صديق كارل ماركس الحميم وقد ساعده في نشر المذهب كما أنه ظل ينفق على ماركس وعائلته حتى مات، ومن مؤلفاته:
- أصل الأسرة.
- الثنائية في الطبيعة.
- الاشتراكية الخرافية والاشتراكية العلمية(*).
= لينين: واسمه الحقيقي: فلاديمير أليتش بوليانوف، وهو قائد الثورة البلشفية الدامية في روسيا 1917م ودكتاتورها المرهوب، وهو قاسي القلب، مستبد برأيه، حاقد على البشرية. ولد سنة 1870م، ومات سنة 1924م، وهناك دراسات تقول بأن لينين يهودي الأصل، وكان يحمل اسماً يهوديًّا، ثم تسمى باسمه الروسي الذي عرف به مثله مثل تروتسكي في ذلك.
- ولينين هو الذي وضع الشيوعية موضع التنفيذ وله كتب كثيرة وخطب ونشرات أهمها ما جمع في ما يسمى مجموعة المؤلفات الكبرى.
= ستالين: واسمه الحقيقي جوزيف فاديونوفتش زوجا شفلي 1879-1954م وهو سكرتير الحزب الشيوعي ورئيسه بعد لينين، اشتهر بالقسوة والجبروت والطغيان والدكتاتورية وشدة الإصرار على رأيه، يعتمد في تصفية خصومه على القتل والنفي كما أثبتت تصرفاته أنه مستعد للتضحية بالشعب كله في سبيل شخصه. وقد ناقشته زوجته مرة فقتلها.
= تروتسكي: ولد سنة 1879م واغتيل سنة 1940م بتدبير من ستالين، وهو يهودي واسمه الحقيقي بروشتاين. له مكانة هامة في الحزب وقد تولى الشؤون الخارجية بعد الثورة(*) ثم أسندت إليه شؤون الحزب.. ثم فصل من الحزب بتهمة العمل ضد مصلحة الحزب ليخلو الجو لستالين الذي دبر اغتياله للخلاص منه نهائياً.
الأفكار والمعتقدات :
= إنكار وجود الله تعالى وكل الغيبيات والقول بأن المادة هي أساس كل شيء وشعارهم: نؤمن بثلاثة: ماركس ولينين وستالين، ونكفر بثلاثة: الله، الدين(*)، الملكية الخاصة، عليهم من الله ما يستحقون.(68/325)
= فسروا تاريخ البشرية بالصراع بين البرجوازية(*) والبروليتاريا(*) (الرأسماليين والفقراء) وينتهي هذا الصراع حسب زعمهم بدكتاتورية البروليتاريا.
= يحاربون الأديان ويعتبرونها وسيلة لتخدير الشعوب وخادماً للرأسمالية والإمبريالية(*) والاستغلال مستثنين من ذلك اليهودية لأن اليهود شعب مظلوم يحتاج إلى دينه ليستعيد حقوقه المغتصبة!!
= يحاربون الملكية الفردية ويقولون بشيوعية الأموال وإلغاء الوراثة.
= تتركز اهتماماتهم بكل ما يتعلق بالمادة وأساليب الإنتاج.
= إن كل تغيير في العالم في نظرهم إنما هو نتيجة حتمية(*) لتغيّر وسائل الإنتاج وإن الفكر والحضارة والثقافة هي وليدة التطور الاقتصادي.
= يقولون بأن الأخلاق(*) نسبية وهي انعكاس لآله الإنتاج.
= يحكمون الشعوب بالحديد والنار ولا مجال لإعمال الفِكر، والغاية عندهم تبرر الوسيلة.
= يعتقدون بأنه لا آخرة ولا عقاب ولا ثواب في غير هذه الحياة الدنيا.
= يؤمنون بأزلية المادة وأن العوامل الاقتصادية هي المحرك الأول للأفراد والجماعات.
= يقولون بدكتاتورية الطبقة العاملة ويبشرون بالحكومة العالمية
= تؤمن الشيوعية بالصراع والعنف وتسعى لإثارة الحقد والضغينة بين العمال وأصحاب الأعمال.
= الدولة هي الحزب(*) والحزب هو الدولة.
= تكون المكتب السياسي الأول للثورة(*) البلشفية(*) من سبعة أشخاص كلهم يهود إلا واحداً وهذا يعكس مدى الارتباط بين الشيوعية واليهودية.
= تنكر الماركسية الروابط الأسرية وترى فيها دعامة للمجتمع البرجوازي وبالتالي لا بد من أن تحل محلها الفوضى الجنسية.(68/326)
= لا يحجمون عن أي عمل مهما كانت بشاعته في سبيل غايتهم وهي أن يصبح العالم شيوعياً تحت سيطرتهم. قال لينين: »إن هلاك ثلاثة أرباع العالم ليس بشيء إنما الشيء الهام هو أن يصبح الربع الباقي شيوعيًّا«. وهذه القاعدة طبقوها في روسيا أيام الثورة وبعدها وكذلك في الصين وغيرها حيث أبيدت ملايين من البشر، كما أن اكتساحهم لأفغانستان بعد أن اكتسحوا الجمهوريات الإسلامية الأخرى كبُخاري وسمرقند وبلاد الشيشان والشركس، إنما ينضوي تحت تلك القاعدة االإجرامية.
= يهدمون المساجد ويحولونها إلى دور ترفيه ومراكز للحزب، ويمنعون المسلم إظهار شعائر دينية، أما اقتناء المصحف فهو جريمة يعاقب عليها بالسجن لمدة سنة كاملة.
= لقد كان توسعهم على حساب المسلمين فكان أن احتلوا بلادهم وأفنوا شعوبهم وسرقوا ثرواتهم واعتدوا على حرمة دينهم ومقدساتهم.
= يعتمدون على الغدر والخيانة والاغتيالات لإزاحة الخصوم ولو كانوا من أعضاء الحزب.
الجذور الفكرية والعقائدية:
= لم تستطع الشيوعية إخفاء تواطئها مع اليهود وعملها لتحقيق أهدافهم فقد صدر منذ الأسبوع الأول للثورة قرار ذو شقين بحق اليهود:
- يعتبر عداء اليهود عداء للجنس السامي يعاقب عليه القانون.
- الاعتراف بحق اليهود في إنشاء وطن قومي في فلسطين.
= يصرح ماركس بأنه اتصل بفيلسوف الصهيونية وواضع أساسها النظري هو موشيه هيس أستاذ هرتزل الزعيم الصهيوني الشهير.
- جدُّ ماركس هو الحاخام اليهودي المشهور في الأوساط اليهودية مردخاي ماركس.
= تأثرت الماركسية إضافة إلى الفكر اليهودي بجملة من الأفكار والنظرات الإلحادية منها:
- مدرسة هيجل العقلية المثالية.
- مدرس كونت الحسية الوضعية.
- مدرسة فيورباخ في الفلسفة(*) الإنسانية الطبيعية.
- مدرسة باكونين صاحب المذهب(*) الفوضوي المتخبط.
الانتشار ومواقع النفوذ:
= حكمت الشيوعية عدة دول منها:(68/327)
- الاتحاد السوفيتي، الصين، تشيكوسلوفاكيا، المجر، بلغاريا، بولندا، ألمانيا الشرقية، رومانيا، يوغسلافيا، ألبانيا، كوبا.
ومعلوم أن دخول الشيوعية إلى هذه الدول كان بالقوة والنار والتسلط الاستعماري. ولذلك فإن جل شعوب هذه الدول أصبحت تتململ بعد أن عرفت الشيوعية على حقيقتها وأنها ليست الفردوس الذي صور لهم وبالتالي بدأت الانتفاضات والثورات تظهر هنا وهناك، كما حدث في بولندا والمجر وتشيكوسلوفاكيا، كما أنك لا تكاد تجد دولتين شيوعيتين في وئام دائم.
= أما في العالم الإسلامي فقد استفاد الشيوعيون من جهل بعض الحكام وحرصهم على تدعيم كراسيهم ولو على حساب الدين(*)، إذ اكتسحت الشيوعية أفغانستان وشردت شعبها المسلم كما تحكمت في بعض الدول الإسلامية الأخرى بواسطة عملائها.
= تقوم الدول الشيوعية بتوزيع ملايين الكتيّبات والنشرات مجاناً في كافة أنحاء العالم داعية إلى مذهبها.
= أسست الشيوعية أحزاباً لها في كل الدول العربية والإسلامية تقريباً فنجد لها أحزاباً في مصر، سورية، لبنان، فلسطين، والأردن، تونس وغيرها.
= إنهم يؤمنون بالأممية ويسعون لتحقيق حلمهم بالحكومة العالمية التي يبشرون بها.
انهيار الماركسية:(68/328)
- انهارت الشيوعية في معاقلها بعد قرابة السبعين عاماً من قيام الحكم الشيوعي وبعد أربعين عاماً من تطبيق أفكارها في أوروبا الشرقية وأعلن كبار المسؤولين في الاتحاد السوفيتي قبل تفككه أن الكثير من المبادىء الماركسية لم تعد صالحة للبقاء وليس بمقدورها أن تواجه مشاكل ومتطلبات العصر الأمر الذي تسبب في تخلف البلدان التي تطبق هذا النظام عن مثيلاتها الرأسمالية. وهكذا يتراجع دعاة الفكر المادي الشيوعي عن تطبيقه لعدم واقعيته وتخلفه عن متابعة التطور الصناعي والعلمي وتسببه في تدهور الوضع الاقتصادي وهدم العلاقات الاجتماعية وإشاعة البؤس والحرمان والظلم والفساد ومصادمة الفطرة ومصادرة الحريات ومحاربة الأديان(*). وقد تأكد بوضوح بعد التطبيق لهذه الفترة الطويلة أن من عيوب الماركسية أنها تمنع الملكية الفردية وتحاربها وتلغي الإرث الشرعي وهذا مخالف للفطرة وطبائع الأشياء ولا تعطي الحرية للفرد في العمل وناتج العمل ولا تقيم العدالة الاجتماعية بين أفراد المجتمع وأن الشيوعي يعمل لتحقيق مصلحته ولو هدم مصالح الآخرين وينحصر خوفه في حدود رقابة السلطة وسوط القانون وأن الماركسية تهدم أساس المجتمع وهو الأسرة فتقضي بذلك على العلاقات الاجتماعية.
- اقتنع الجميع بأنها نظرية فاسدة يستحيل تطبيقها حيث تحمل في ذاتها بذور فنائها وقد ظهر لمن مارسوها عدم واقعيتها وعدم إمكانية تطبيقها ومن أكبر ناقدي الماركسية من الماركسيين أنفسهم الفيلسوف الأمريكي أريخ مزوم في كتابه المجتمع السليم، ومن غير الماركسيين كارل بوبر صاحب كتاب المجتمع المفتوح، وغيرهما، ويجيء جورباتشوف كتابه البيروسريكا أو إعادة البناء ليفضح عيوب تطبيق الشيوعية في الاتحاد السوفيتي.(68/329)
وتبين بعد انهيارها أنها لم تفلح في القضاء على القوميات المتنافرة بل زادتها اشتعالاً ولم تسمح بقدر ولو ضئيل من الحرية بل عمدت دائماً إلى سياسة الظلم والقمع والنفي والقتل وحولت أتباعها إلى قطيع من البشر. وهكذا باءت جميع نبوءات كارل ماركس بالفشل وأصبح مصير النظرية إلى مزبلة التاريخ، ثم انتهى الأمر بتفكك الاتحاد السوفيتي ذاته، وأصبح اسمه مجرد أثر في تاريخ المذاهب الهدامة.
ويتضح مما سبق:
أن الشيوعية مذهب(*) إلحادي يعتبر أن الإنسان جاء إلى هذه الحياة بمحض المصادفة وليس لوجوده غاية وبذلك تصبح الحياة عبثاً لا طائل تحته ويحرم معتنقها من سكينة النفس ونعيم الروح ومن ثم فلا يمكن أن يجتمع الإسلام والماركسية في قلب رجل واحد لأنهما متناقضان كل التناقض في العقيدة والفكر والمنهج(*) والسلوك.
-----------------------------------
مراجع للتوسع :
- السرطان الأحمر ، د. عبد الله عزام.
- بلشفة الإسلام، د. صلاح الدين.
- حقائق الشيوعية، نهاد الغادري.
- الشيوعية والشيوعيون في ميزان الإسلام، د. عبد الجليل شلبي.
- السراب الأكبر، أسامة عبد الله الخياط.
- المذاهب المعاصرة وموقف الإسلام منها، د. عبد الرحمن عميرة.
- حوار مع الشيوعيين في أقبية السجون، عبد الحليم خفاجي.
- لهذا نرفض الماركسية، د. عبد الرحمن البيضاني.
- الشيوعية وليدة الصهيونية، أحمد عبد الغفور عطار.
الداروينية
التعريف :
تنتسب الحركة(*) الفكرية الداروينية إلى الباحث الإنجليزي شارلز داروين الذي نشر كتابه أصل الأنواع سنة 1859م الذي طرح فيه نظريته في النشوء والارتقاء مما زعزع القيم الدينية، وترك آثاراً سلبية على الفكر العالمي.
التأسيس وأبرز الشخصيات:(68/330)
= شارلز داروين: صاحب هذه المدرسة ولد في 12 فبراير 1809م وهو باحث إنجليزي نشر في سنة 1859م كتابه أصل الأنواع، وقد ناقش فيه نظريته في النشوء والارتقاء معتبراً أصل الحياة خلية كانت في مستنقع آسن قبل ملايين السنين. وقد تطورت هذه الخلية ومرت بمراحل منها، مرحلة القرد، انتهاء بالإنسان، وهو بذلك ينسف الفكرة الدينية التي تجعل الإنسان منتسباً إلى آدم وحواء ابتداء.
= آرثر كيت: دارويني متعصب، يعترف بأن هذه النظرية لا تزال حتى الآن بدون براهين فيضطر إلى كتابتها من جديد وهو يقول: "إن نظرية النشوء والارتقاء لا زالت بدون براهين، وستظل كذلك، والسبب الوحيد في أننا نؤمن بها هو أن البديل الوحيد الممكن لها هو الإيمان بالخلق المباشر وهذا غير وارد على الإطلاق".
= جليان هكسلي: دارويني ملحد، ظهر في القرن العشرين، وهو الذي يقول عن النظرية:
- "هكذا يضع علم الحياة الإنسان في مركز مماثل لما أنعم به عليه كسيد للمخلوقات كما تقول الأديان(*)".
- "من المسلَّم به أن الإنسان في الوقت الحاضر سيد المخلوقات ولكن قد تحل محله القطة أو الفأر".
- ويزعم أن الإنسان قد اختلق فكرة الله إبان عصر عجزه وجهله، أما الآن فقد تعلم وسيطر على الطبيعة بنفسه، ولم يعد بحاجة إليه، فهو العابد والمعبود في آنٍ واحد.
- يقول: "بعد نظرية داروين لم يعد الإنسان يستطيع تجنب اعتبار نفسه حيواناً".
= ليكونت دي نوى: من أشهر التطوريين المحدثين، وهو في الحقيقة صاحب نظرية تطورية مستقلة.
= د.هـ. سكوت: دارويني شديد التعصب ، يقول: "إن نظرية النشوء جاءت لتبقى، ولا يمكن أن نتخلى عنها حتى لو أصبحت عملاً من أعمال الاعتقاد".
= برتراند راسل: فيلسوف ملحد، يشيد بالأثر الدارويني مركزاً على الناحية الميكانيكية في النظرية، فيقول: "إن الذي فعله جاليليو ونيوتن من أجل الفلك فعله داروين من أجل علم الحياة".
الأفكار والمعتقدات:(68/331)
= نظرية داروين: تدور هذه النظرية حول عدة أفكار وافتراضات هي:
- تفترض النظرية تطور الحياة في الكائنات العضوية من السهولة وعدم التعقيد إلى الدقة والتعقيد.
- تتدرج هذه الكائنات من الأحط إلى الأرقى.
- الطبيعة(*) وهبت الأنواع القوية عوامل البقاء والنمو والتكيف مع البيئة لتصارع الكوارث وتتدرج في سلم الرقي مما يؤدي إلى تحسن نوعي مستمر ينتج عنه أنواع راقية جديدة كالقرد، وأنواع أرقى تتجلى في الإنسان، بينما نجد أن الطبيعة قد سلبت تلك القدرة من الأنواع الضعيفة فتعثرت وسقطت وزالت. وقد استمد داروين نظريته هذه من قانون الانتقاء الطبيعي لمالتوس.
- الفروق الفردية داخل النوع الواحد تنتج أنواعاً جديدة مع مرور الأحقاب الطويلة.
- الطبيعة تعطي وتحرم بدون خطة مرسومة، بل خبط عشواء، وخط التطور ذاته متعرج ومضطرب لا يسير على قاعدة مطردة منطقية.
- النظرية في جوهرها فرضية بيولوجية أبعد ما تكون عن النظريات الفلسفية.
- تقوم النظرية على أصلين كل منهما مستقل عن الآخر:
1- المخلوقات الحية وجدت في مراحل تاريخية متدرجة ولم توجد دفعة واحدة وهذا الأصل من الممكن البرهنة عليه.
2- هذه المخلوقات متسلسلة وراثيًّا ينتج بعضها عن بعض بطريقة التعاقب خلال عملية التطور البطيئة الطويلة. وهذا الأصل لم يتمكنوا من البرهنة عليه حتى الآن لوجود حلقة أو حلقات مفقودة في سلسلة التطور الذي يزعمونه.
- تفترض النظرية أن كل مرحلة من مراحل التطور أعقبت التي قبلها بطريقة حتمية(*)، أي أن العوامل الخارجية هي التي تحدد نوعية هذه المرحلة، أما خط سيرها ذاته بمراحله جميعها فهو خط مضطرب لا يسعى إلى غاية مرسومة أو هدف بعيد لأن الطبيعة التي أوجدته غير عاقلة ولا واعية، بل إنها تخبط خبط عشواء.
الآثار التي تركتها النظرية:(68/332)
- قبل ظهور النظرية كان الناس يدعون إلى حرية الاعتقاد بسبب الثورة(*) الفرنسية، ولكنهم بعدها أعلنوا إلحادهم الذي انتشر بطريقة عجيبة وانتقل من أوروبا إلى بقاع العالم.
- لم يعد هناك أي معنى لمدلول كلمة: آدم، وحواء، الجنة، الشجرة التي أكل منها آدم وحواء، الخطيئة( حسب اعتقاد النصارى بأن المسيح(*) قد صلب ليخلص البشرية من أغلال الخطيئة الموروثة التي ظلت ترزح تحتها من وقت آدم إلى حين صلبه).
- سيطرة الأفكار المادية(*) على عقول الطبقة المثقفة وأوحت كذلك بمادية الإنسان وخضوعه لقوانين المادة.
- تخلت جموع غفيرة من الناس عن إيمانها بالله تخليًّا تامًّا أو شبه تام.
- عبادة الطبيعة(*)، فقد قال داروين: "الطبيعة تخلق كل شيء ولا حد لقدرتها على الخلق". ولكن لم يبين ما هي الطبيعة وما الفرق بين الاعتقاد بوجود الله الخالق ووجود الطبيعة؟
وقال: إن تفسير النشوء والارتقاء بتدخل الله هو بمثابة إدخال عنصر خارق للطبيعة في وضع ميكانيكي بحت.
- لم يعد هناك جدوى من البحث في الغاية والهدف من وجود الإنسان لأن داروين قد جعل بين الإنسان والقرد نسباً، بل زعم أن الجد الحقيقي للإنسان هو خلية صغيرة عاشت في مستنقع راكد قبل ملايين السنين.
- أهملت العلوم الغربية بجملتها فكرة الغائية(*) بحجة أنها لا تهم الباحث العلمي ولا تقع في دائرة علمه.
- استبد بالناس شعور باليأس والقنوط والضياع وظهرت أجيال حائرة مضطربة ذات خواء روحي، حتى أن القرد – جدهم المزعوم – أسعد حالاً من كثير منهم.
- طغت على الحياة فوضى عقائدية، وأصبح هذا العصر عصر القلق والضياع.
= كانت نظرية داروين إيذاناً لميلاد نظرية فرويد في التحليل النفسي، ونظرية برجسون في الروحية الحديثة، ونظرية سارتر في الوجودية، ونظرية ماركس في المادية، وقد استفادت هذه النظريات جميعاً من الأساس الذي وضعه داروين واعتمدت عليه في منطلقاتها وتفسيراتها للإنسان والحياة والسلوك.(68/333)
= (فكرة التطور) أوحت بحيوانية الإنسان، و(تفسير عملية التطور) أوحت بماديته.
= نظرية التطور البيولوجية انتقلت لتكون فكرة فلسفية داعية إلى التطور المطلق في كل شيء، تطور لا غاية له ولا حدود، وانعكس ذلك على الدين(*) والقيم والتقاليد، وساد الاعتقاد بأن كل عقيدة أو نظام أو خلق هو أفضل وأكمل من غيره، مادام تالياً له في الوجود الزمني.
= استمد ماركس من نظرية داروين مادية الإنسان وجعل مطلبه في الحياة ينحصر في الحصول على (الغذاء والسكن والجنس) مهملاً بذلك جميع العوامل الروحية لديه.
= استمد فرويد من نظرية داروين حيوانية الإنسان فالإنسان عنده حيوان جنسي، لا يملك إلا الانصياع لأوامر الغريزة وإلا وقع فريسة الكبت المدمر للأعصاب.
= استمد دور كايم من نظرية داروين حيوانية الإنسان وماديته وجمع بينهما بنظرية العقل الجمعي.
= استفاد برتراند راسل من ذلك بتفسيره لتطور الأخلاق(*) الذي تطور عنده من المحرم (التابو) الى أخلاق الطاعة الإلهية ومن ثم إلى أخلاق المجتمع العلمي.
= والتطور عند فرويد أصبح مفسِّراً للدين(*) تفسيراً جنسيًّا: "الدين هو الشعور بالندم من قتل الأولاد لأبيهم الذي حرمهم من الاستمتاع بأمهم ثم صار عبادة للأب، ثم عبادة الطوطم(*) ، ثم عبادة القوى الخفية في صورة الدين السماوي، وكل الأدوار تنبع وترتكز على عقدة أوديب".
· دور اليهود والقوى الهدامة في نشر هذه النظرية:
لم يكن داروين يهوديًّا، بل كان نصرانيًّا، ولكن اليهود والقوى الهدامة وجدوا في هذه النظرية ضالتهم المنشودة فعملوا على استغلالهم لتحطيم القيم في حياة الناس.
- تقول بروتوكولات حكماء صهيون(*): "لا تتصوروا أن تصريحاتنا كلمات جوفاء ولاحظوا هنا أن نجاح داروين وماركس ونيتشه قد رتبناه من قبل، والأثر غير الأخلاقي لاتجاهات هذه العلوم في الفكر الأممي سيكون واضحاً لنا على التأكيد".
· نقدها:(68/334)
- نقدها آغاسيرز في إنجلترا، وأوين في أمريكا: "إن الأفكار الداروينية مجرد خُرافة علمية وأنها سوف تنسى بسرعة". ونقدها كذلك العالم الفلكي هرشل ومعظم أساتذة الجامعات في القرن الماضي.
- كريسي موريسون: "إن القائلين بنظرية التطور لم يكونوا يعلمون شيئاً عن وحدات الوراثة (الجينات) وقد وقفوا في مكانهم حيث يبدأ التطور حقاً، أعني عند الخلية".
- أنتوني ستاندن صاحب كتاب العلم بقرة مقدسة يناقش الحلقة المفقودة وهي ثغرة عجز الداروينيون عن سدها فيقول: "إنه لأقرب من الحقيقة أن تقول: إن جزءً كبيراً من السلسلة مفقودة وليس حلقة واحدة، بل إننا لنشك في وجود السلسلة ذاتها".
- ستيوارت تشيس: "أيد علماء الأحياء جزئيًّا قصة آدم وحواء كما ترويها الأديان، وأن الفكرة صحيحة في مجملها".
- أوستن كلارك: "لا توجد علامة واحدة تحمل على الأعتقاد بأن أياً من المراتب الحيوانية الكبرى ينحدر من غيرها، إن كل مرحلة لها وجودها المتميز الناتج عن عملية خلق خاصة متميزة، لقد ظهر الإنسان على الأرض فجأة وفي نفس الشكل الذي الذي تراه عليه الآن".
- أبطل باستور أسطورة التوالد الذاتي، وكانت أبحاثه ضربة قاسية لنظرية داروين.
= الداروينية الحديثة:
- اضطرب أصحاب الداروينية الحديثة أمام النقد العلمي الذي وجه إلى النظرية، ولم يستطيعوا أمام ضعفها إلا أن يخرجوا بأفكار جديدة تدعيماً لها وتدليلاً على تعصبهم الشديد حيالها فأجروا سلسلة من التبديلات منها:
- إقرارهم بأن قانون الارتقاء الطبيعي قاصر عن تفسير عملية التطور واستبدلوا به قانوناً جديداً أسموه قانون التحولات المفاجئة أو الطفرات، وخرجوا بفكرة المصادفة.
- أرغموا على الاعتراف بأن هناك أصولاً عدة تفرعت عنها كل الأنواع وليس أصلاً واحداً كما كان سائداً في الاعتقاد.(68/335)
- أجبروا على الإقرار بتفرد الإنسان بيولوجياً رغم التشابه الظاهري بينه وبين القرد، وهي النقطة التي سقط منها داروين ومعاصروه.
- كل ما جاء به أصحاب الداروينية الحديثة ما هو إلا أفكار ونظريات هزيلة أعجز من أن نستطيع تفسير النظام الحياتي والكوني الذي يسير بدقة متناهية بتدبير الحكيم (الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى).
- الجذور الفكرية والعقائدية:
= لقد عرفت هذه الفكرة قبل داروين، وقد لاحظ العلماء أن الأنواع المتأخرة في الظهور أكثر رقياً من الأنواع المتقدمة ومن هؤلاء: رأي باكنسون، لينو.
= قالوا: "بأن التطور خطة مرسومة فيها رحمة للعالمين"، ولكن نظريتهم وصفت بأنها لاهوتية فنسيت داخل معامل الأحياء.
= استوحى داروين نظريته من علم دراسة السكان، ومن نظرية مالتوس بالذات، فقد استفاد من قانونه في الانتخاب أو الانتفاء الذي يدور حول إفناء الطبيعة للضعفاء لمصلحة الأقوياء.
= استفاد من أبحاث ليل الجيولوجية حيث تمكن من صياغة نظرية ميكانيكية للتطور.
= صادفت هذه النظرية جواً مناسباً إذ كان ميلادها بعد زوال سلطان الكنيسة والدين، وبعد الثورة(*) الفرنسية والثورة الصناعية حيث كانت النفوس مهيأة لتفسير الحياة تفسيراً ماديًّا بحتاً، ومستعدة لتقبل أي طرح فكري يقودها إلى مزيد من الإلحاد والبعد عن التفسيرات اللاهوتية، مصيبة كانت أم مخطئة.
الانتشار ومواقع النفوذ:
= بدأت الداروينية سنة 1859م، وانتشرت في أوروبا، وانتقلت بعدها إلى جميع بقاع العالم، وما تزال هذه النظرية تدرّس في كثير من الجامعات العالمية، كما أنها قد وجدت أتباعاً لها في العالم الإسلامي بين الذين تربوا تربية غربية، ودرسوا في جامعات أوروبية وأمريكية.(68/336)
= والواقع أن تأثير نظرية داروين قد شمل معظم بلدان العالم كما شمل معظم فروع المعرفة الإنسانية من علمية وأدبية وغيرها. ولم يوجد في التاريخ البشري نظرية باطلة صبغت مناحي الفكر الغربي كما فعلت نظرية النشوء والارتقاء الداروينية.
ويتضح مما سبق:
أن نظرية داروين دخلت متحف النسيان بعد كشف النقاب عن قانون مندل الوراثي واكتشاف وحدات الوراثة (الجينات(*) ) باعتباره الشفرة السرية للخلق واعتبار أن الكروموسومات تحمل صفات الإنسان الكاملة وتحفظ الشبه الكامل للنوع.
ولذا يرى المنصفون من العلماء أن وجود تشابه بين الكائنات الحية دليل واضح ضد النظرية لأنه يوحي بأن الخالق واحد ولا يوحى بوحدة الأصل، والقرآن الكريم يقرر بأن مادة الخلق الأولى للكائنات هي الماء {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء} [سورة النور، آية: 45] {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ }. [سورة الأنبياء، الآية: 30].
وقد أثبت العلم القائم على التجربة بطلان النظرية بأدلة قاطعة وإنها ليست نظرية علمية على الإطلاق.
والإسلام وكافة الأديان السماوية تؤمن بوجود الله الخالق البارىء المدبر المصور الذي أحسن صنع كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من سلالة من طين ثم خلقه م نطفة في قرار مكين، والإنسان يبقى إنساناً بشكله وصفاته وعقله لا يتطور ولا يتحول {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} .
----------------------------
مراجع للتوسع :
- أصل الأنواع، تشارلز داروين – ترجمة إسماعيل مظهر – بيروت 1973م.
- سلسلة تراث الإنسانية، مجموعة من الأساتذة – الهيئة العامة للكتاب مصر.
- الطريق الطويل للإنسان، روبرت ل. ليرمان – ترجمة ثابت جرجس بيروت – 1973م.
- معركة التقاليد ، محمد قطب – مصر.
- العلم وأسراره وخفاياه، هارولد شابلي وزميلاه – ترجمة الفندي وزميله – مصر 1971م.
- تاريخ العالم، جمع جون أ. هخامرتن – ترجمة إدارة الترجمة – مصر.(68/337)
- مصير الإنسان، ليكونت دي نوي – ترجمة خليل الجر – المنشورات العربية
- الديناميكا الحرارية، د. إبراهيم الشريف – مصر 1970م.
- العلم يدعو إلى الإيمان، كريس موريسون – ترجمة محمود صالح الفلكي – مصر 1962م.
- العلمانية، سفر بن عبد الرحمن الحوالي – مكة المكرمة 1402/1982م.
- الإنسان والعلاقات البشرية، ستيوارت تشيس – ترجمة أحمد حمودة مصر 1955م.
- معالم تاريخ الإنسانية ، هـ. ج. ويلز – ترجمة عبد العزيز توفيق جاويد – القاهرة – 1967م.
- نظرية داروين بين مؤيديها ومعارضيها، قيس القرطاس – بيروت – 1391هـ.
- التطور والثبات، محمد قطب.
- اللامنتمي، كولن ولسون – ترجم أنيس زكي حسن – بيروت 1958م.
- أثر العلم في المجتمع ، برتراند راسل – ترجمة تمام حسان – مصر.
- منازع الفكر الحديث، تأليف حود – ترجمة عباس فضلي – العراق 1375هـ.
- الإنسان بين المادية والإسلام، محمد قطب – مصر 1957م.
- العقل والدين، وليم جيمس – ترجمة محمود حسب الله – مصر 1368هـ.
- العقل والمادة، برتراند راسل – ترجمة أحمد إبراهيم الشريف – القاهرة – 1975م.
- مذهب النشوء والارتقاء ، منيرة علي القادياني – تقديم محمد البهي- مصر 1395هـ.
- بروتوكولات حكماء صهيون، ترجمة محمد خليفة التونسي – مصر.
- معالم التحليل النفسي، سيجموند فرويد- ترجمة عثمان نجاتي القاهرة 1966م.
- ما أصل الإنسان، موريس بوكاي (إصدار مكتب التربية العربية لدول الخليج).(68/338)
الفهرس العام
مقدمة ........................................................................2
تاريخ المولد ...................................................................2
بيان حال الدولة العبيدية الفاطمية................................................4
بيان حكم المولد وفساد قول من قال بمشروعيته من أوجه عديد....................6
الوجه الأول ...................................................................6
الوجه الثاني ...................................................................6
الوجه الثالث ...................................................................7
الرابع ..........................................................................7
الخامس ........................................................................7
السادس .......................................................................7
السابع ........................................................................7
الثامن ........................................................................8
التاسع ........................................................................8
العاشر........................................................................8
الحادي عشر..................................................................8.
الثاني عشر...................................................................8
الثالث عشر ................................................................ 10
الرابع عشر..................................................................10
الخامس عشر ...............................................................10(69/1)
السادس عشر...............................................................10
نابليون المستعمر الفرنسي يحي المولد ويدعمه ................................. 11
كلام نفيس لرشيد رضا حول مايحدث في الموالد وأثر ذلك على الأمة...........11
أهل العلم الذين أفتوا بعدم مشروعية المولد وأنه بدعة محدثة.............11-12
كتبه وأملاه
الفقير إلى عفو مولاه
ناصر بن يحيى الحنيني
10/3/ 1422هـ - الرياض
Honini48@hotmail.com بسم الله الرحمن الرحيم
المولد النبوي
تاريخه، حكمه ، آثاره ،
أقوال العلماء فيه على اختلاف البلدان والمذاهب
مقدمة: (نداء إلى كل مسلم يريد الوصول إلى الحق وأن يعبد الله على بصيرة).
أخي المسلم، أختي المسلمة : لاشك أننا جميعا نُكِنُ في صدورنا محبة لرسولنا الكريم وحبيبنا العظيم وقدوتنا وإمامنا صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن عمل بسنته واهتدى بهديه إلي يوم الدين ، وإن هذه المحبة تعتبر من أصول الدين ومن لا يحب النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كافر وممن نتقرب إلى الله ببغضه وهي من صفات المنافقين الذي قال الله فيهم أنهم في : ( الدرك الأسفل من النار)
وإنني أضع بين يديك هذا البحث المتواضع لتقرأه بعين البصيرة تقرأه بغية الوصول للحق وتقرأه بعيدا عن التعصب لعلماء بلدك أو مذهبك أو ما تعوّدت عليه فإن كان ما فيه حقاً قبلته وعملت فيه طاعة لله ورسوله الذي أمرنا باتباع الحق وما كان فيه من باطل أو خطأ فأعيذك بالله أن تتبعه لأننا لسنا متعبدون إلا بالحق الذي دل عليه الدليل الشرعي.
وفقنا الله وإياك لسلوك الطريق المستقيم الذي ارتضاه لنا نبينا الكريم والله الموفق وعليه المعتمد والاتكال وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ،،،،.
تاريخه:(69/2)
إن الناظر في السيرة النبوية وتاريخ الصحابة والتابعين وتابعيهم وتابع تابعيهم بل إلى ما يزيد على ثلاثمائة وخمسين سنة هجرية لم نجد أحدا لا من العلماء ولا من الحكام ولا حتى من عامة الناس قال بهذه العمل أو أمر به أو حث عليه أو تكلم به .
قال الحافظ السخاوي في فتاويه :"عمل المولد الشريف لم ينقل عن أحد من السلف الصالح في القرون الثلاثة الفاضلة وإنما حدث بعد".أهـ(1)
إذن السؤال المهم : " متى حدث هذا الأمر –أعني المولد النبوي-وهل الذي أحدثه علماء أو حكام وملوك وخلفاء أهل السنة ومن يوثق بهم أم غيرهم ؟"
والجواب على هذا السؤال عند المؤرخ السني ( الإمام المقريزي ) رحمه الله :
يقول في كتابه الخطط ( 1/ ص 490وما بعدها):" ذكر الأيام التي كان الخلفاء الفاطميون يتخذونها أعياداً ومواسم تتسع بها أحوال الرعية وتكثر نعمهم"
قال:" وكان للخلفاء الفاطميين في طول السنة أعياد ومواسم وهي مواسم( رأس السنة)،ومواسم ( أول العام )،( ويوم عاشوراء) ،( ومولد النبي صلى الله عليه وسلم ) ، ( ومولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه ) ، ( ومولد الحسن والحسين عليهما السلام )، ( ومولد فاطمة الزهراء عليها السلام )،(ومولد الخليفة الحاضر )، ( وليلة أول رجب ) ، ( ليلة نصفه ) ، ( وموسم ليلة رمضان ) ، ( وغرة رمضان )،(وسماط رمضان)،( وليلة الختم )،( وموسم عيد الفطر )،( وموسم عيد النحر )،( وعيد الغدير)،( وكسوة الشتاء)،( وكسوة الصيف )،( وموسم فتح الخليج )،( ويوم النوروز)،(ويوم الغطاس) ، ( ويوم الميلاد ) ،( وخميس العدس) ، ( وأيام الركوبات )"أ.هـ.
وقال المقريزي في إتعاظ الحنفاء(2/48)سنة (394):
"وفي ربيع الأول ألزم الناس بوقود القناديل بالليل في سائر الشوارع والأزقة بمصر".
وقال في موضع آخر (3/99)سنة (517):
__________
(1) نقلا عن سبل الهدى والرشاد للصالحي (1/439) ط. وزارة الاوقاف المصرية .(69/3)
"وجرى الرسم في عمل المولد الكريم النبوي في ربيع الأول على العادة".وانظر (3/105).
ووصف المقريزي هيئة هذه الاحتفالات التي تقام للمولد النبوي خاصة وما يحدث فيها من الولائم ونحوها ( أنظر الخطط1/432-433 ، صبج الأعشى للقلقشندي3/498-499).
ومن النقل السابق تدبر معي كيف حُشِر المولد النبوي مع البدع العظيمة مثل:
-بدعة الرفض والغلو في آل البيت المتمثل في إقامة مولد علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم.
وسيأتي مزيد بسط لبيان أن الدولة العبيدية التي تدعي أنها فاطمية: بأنها دولة باطنية رافضية محاربة لله ولرسوله ولسنته ولحملة السنة المطهرة .
بدعة الاحتفال بعيد النيروز وعيد الغطاس وميلاد المسيح وهي أعياد نصرانية .
يقول ابن التركماني في كتابه" اللمع في الحوادث والبدع" (1/293-316 ) عن هذه الأعياد النصرانية :"فصل ومن البدعة أيضا والخزي والبعاد ما يفعله المسلمون في نيروز النصارى و مواسمهم و الأعياد من توسع النفقة " قال :" وهذه نفقة غير مخلوفة وسيعود شرها على المنفق في العاجل والآجل " وقال : " ومن قلة التوفيق والسعادة ما يفعله المسلم الخبيث في يعرف بالميلادة ( أي ميلاد المسيح) ".، ونقل عن علماء الحنفية أن من فعل ما تقدم ذكره ولم يتب منه فهو كافر مثلهم .وذكر عدد من الأعياد التي يشارك فيها جهلة المسلين النصارى وبين تحريمها بالكتاب والسنة ومن خلال قواعد الشرع الكلية .
ذكر من أبطلها من خلفاء الدولة العبيدية الفاطمية:
قال المقريزي في خططه (1/432):"وكان الأفضل بن أمير الجيوش قد أبطل أمر الموالد الأربعة : النبوي ، والعلوي ، والفاطمي ، والإمام الحاضر وما يهتم به وقدم العهد به حتى نسي ذكرها فأخذ الأستاذون يجددون ذكرها للخليفة الآمر بأحكام الله ويرددون الحديث معه فيها ويحسنون له معارضة الوزير بسببها وإعادتها وإقامة الجواري والرسوم فيها فأجاب إلى ذلك وعمل ما ذكر.."أ.هـ(69/4)
فعلى هذا أول من أحدث ما يسمى بالمولد النبوي هم بنو عبيد الذين اشتهروا بالفاطميين (1).
ماذا قال أهل العلم عن الدولة الفاطمية العبيدية التي أحدثت هذا الأمر ( المولد النبوي)؟:
قال الإمام أي شامة المؤرخ المحدث صاحب كتاب الروضتين في أخبار الدولتين ص 200-202عن الفاطميين العبيديين:
" أظهروا للناس أنهم شرفاء فاطميون فملكوا البلاد وقهروا العباد وقد ذكر جماعة من أكابر العلماء أنهم لم يكونوا لذلك أهلا ولا نسبهم صحيحا بل المعروف أنهم (بنو عبيد ) ؛ وكان والد عبيد هذا من نسل القداح الملحد المجوسي وقيل كان والد عبيد هذا يهوديا من أهل سلمية من بلاد الشام وكان حدادا .
وعبيد هذا كان اسمه ( سعيدا) فلما دخل المغرب تسمى ب( عبيد الله ) وزعم أنه علوي فاطمي وادعى نسبا ليس بصحيح -لم يذكره أحد من مصنفي الأنساب العلوية بل ذكر جماعة من العلماء بالنسب خلافه -
ثم ترقت به الحال إلى أن ملك وتسمى ب(المهدي) وبنى المهدية بالمغرب ونسبت إليه وكان زنديقا خبيثا عدوا للإسلام متظاهرا بالتشيع متسترا به حريصا على إزالة الملة الإسلامية قتل من الفقهاء والمحدثين جماعة كثيرة وكان قصده إعدامهم من الوجود لتبقى العالم كالبهائم فيتمكن من إفساد عقائدهم وضلالتهم والله متم نوره ولو كره الكافرون.
__________
(1) وقد قرر هذا جماعة من المتأخرين منهم :
العلامة الحنفي مفتي الديار المصرية سابقا الشيخ ( محمد بخيت المطيعي في كتابه " أحسن الكلام فيما يتعلق بالسنة والبدعة من الأحكام".
الأستاذ الشيخ على محفوظ في كتابه" الإبداع في مضار الإبتداع ".
الشيخ إسماعيل الأنصاري في كتابه :" القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل ".
والشيخ بن منيع في رده على المالكي .
وانظر بقية من قال به من أهل العلم لما نقله مشهور حسن سلمان في تعليقه أثناء تحقيقه لكتاب " الباعث على إنكار البدع والحوادث " ص 96 في الحاشية .(69/5)
ونشأت ذريته على ذلك منطوين يجهرون به إذا أمكنتهم الفرصة وإلا أسروه ، والدعاة لهم منبثون في البلاد يضلون من أمكنهم إضلاله من العباد وبقي هذا البلاء على الإسلام من أول دولتهم إلى آخرها وذلك من ذي الحجة سنة تسع وتسعين ومائتين (299) إلى سنة سبع وستين وخمسمائة ( 567)،.
وفي أيامهم كثرة الرافضة واستحكم أمرهم ووضعت المكوس على الناس واقتدى بهم غيرهم وأفسدت عقائد طوائف من أهل الجبال الساكنين بثغور الشام كالنصيرية والدرزية والحشيشية نوع منهم وتمكن رعاتهم منهم لضعف عقولهم وجهلهم مالم يتمكنوا من غيرهم وأخذت الفرنج أكثر البلاد بالشام والجزيرة إلى أن من الله على المسلمين بظهور البيت الأتابكي وتقدمه مثل ( صلاح الدين ) فاستردوا البلاد وأزالوا هذه الدولة عن أرقاب العباد .
وكانوا أربعة عشر مستخلفا ... يدّعون الشرف ونسبتهم إلى مجوسي أو يهودي حتى اشتهر لهم ذلك بين العوام فصاروا يقولون الدولة الفاطمية والدولة العلوية وإنما هي ( الدولة المجوسية أو اليهودية الباطنية الملحدة ).
ومن قباحتهم انهم كانوا يأمرون الخطباء بذلك (أي أنهم علويون فاطميون ) على المنابر ويكتبونه على جدران المساجد وغيرها وخطب عبدهم جوهر الذي أخذ لهم الديار المصرية وبنى لهم القاهرة ( المعزية) بنفسه خطبة قال فيها:( اللهم صلي على عبدك ووليك ثمرة النبوة وسليل العترة الهادية المهدية معد أبي تميم الإمام المعز لدين الله أمير المؤمنين كما صليت على آبائه الطاهرين وسلفه المنتخبين الأئمة الراشدين ) كذب عدوّ الله اللعين فلا خير فيه ولا في سلفه أجمعين ولا في ذريته الباقين والعترة النبوية الطاهرة منهم بمعزل رحمة الله عليهم وعلى أمثالهم من الصدر الأول .(69/6)
والملقب بالمهدي لعنه الله كان يتخذ الجهال ويسلطهم على أهل الفضل وكان يرسل إلى الفقهاء والعلماء فيذبحون في فرشهم وأرسل إلى الروم وسلطهم على المسلمين وأكثر من الجور واستصفاء الأموال وقتل الرجال وكان له دعاة يضلون الناس على قدر طبقاتهم فيقولون لبعضهم (هو المهدي ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحجة الله على خلقه ) ويقولون لآخرين (هو رسول الله وحجة الله ) ويقولون لاخرى (هو الله الخالق الرازق) لا اله إلا الله وحده لا شريك له تبارك سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا ولما هلك قام ابنه المسمى بالقائم مقامه وزاد شره على شر أبيه أضعافا مضاعفة وجاهر بشتم الأنبياء فكان ينادى في أسواق المهدية وغيرها (العنوا عائشة وبعلها العنوا الغار وما حوى ) اللهم صلي على نبيك وأصحابه وأزواجه الطاهرين وألعن هؤلاء الكفرة الفجرة الملحدين وارحم من ازالهم وكان سبب قلعهم ومن جرى على يديه تفريق جمعهم وأصلهم سعيرا ولقهم ثبورا وأسكنهم النار جمعا واجعلهم ممن قلت فيهم الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا .
ولو وفق ملوك الإسلام لصرفوا أعنة الخيل إلى مصر لغزو الباطنية الملاعين فإنهم من شر أعداء دين الإسلام وقد خرجت من حدّ المنافقين إلى حد المجاهرين لما ظهر في ممالك الإسلام من كفرها وفسادها وتعين على الكافه فرض جهادها وضرر هؤلاء أشدّ على الإسلام وأهله من ضرر الكفار إذا لم يقم بجهادها أحد إلى هذه الغاية مع العلم بعظيم ضررها وفسادها في الأرض ".أ.هـ بتصرف يسير.(69/7)
وانظر رحمك الله إلى ما قرره هذا العالم المؤرخ وهو قريب عهد منهم حيث عاش ما بين سنة (599-665)للهجرة النبوية ، وكيف تألم لما حل بالمسلمين من كرب وضيق من جرّاء حكم هؤلاء الباطنيين وعلى هذا فالمولد النبوي أصله ومنشئه من الباطنيين ذي الأصول المجوسية اليهودية المحيين شعائر الصليبية ، ونحن هنا نقول لكل منصف هل يصح أن نجعل أمثال هؤلاء مصدر عباداتنا وشعائرنا ونحن نقول مرة أخرى إن القرون المفضلة التي عاش فيها سلفنا الصالح لم يكن فيها أثر لمثل هذه العبادة منهم أو من أعدائهم أو حتى من جهلتهم وعامتهم أفلا يسعنا ماوسعهم .
بيان حكم المولد النبوي وبيان فساد قول من قال بمشروعيته من أوجه عديدة:
إعلم رحمني الله وإياك أن ما يسمى بالمولد النبوي ليس مشروعا ولم يدل عليه دليل من كتاب ولاسنة لاإجماع ولاقياس صحيح ولا حتى دليل عقلي ولا فطري وما كان بهذه الصيغة فهو بدعة مذمومة.
قال الحافظ ابن رجب (1) :" والمراد بالبدعة ما أحدث مما لاأصل له في الشريعة يدل عليه ".
ويقول أيضاً (2) : " فكل من أحدث شيئا ونسبه إلى الدين ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه فهو ضلالة والدين بريء منه ، وسواء في ذلك مسائل الاعتقاد أو الأعمال أو الأقوال الظاهرة والباطنة".
والبدعة كذلك " مالم يشرعه الله من الدين فكل من دان الله بشيء لم يشرعه الله فذاك بدعة وإن كان متاولاً".(3)
ويظهر فساد القول بجوازه ومشرعية من خلال الأوجه التاليه:
الوجه الأول :
أن هذا الفعل لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولاأمر به ولافعله صحابته ولاأحد من التابعين ولا تابعيهم ولا فعله أحد من أهل الإسلام خلال القرون المفضلة الأولى وإنما ظهر- كما تقدم- على ايدي أناس هم أقرب إلى الكفر منهم إلى الإيمان وهم الباطنيون.
__________
(1) جامع العلوم والحكم (2/127).ت: الارناؤوط.
(2) المصدر السابق ( 2/128).
(3) أنظر مجموع الفتاوى (18/346).(69/8)
إذا تقرر هذا فالذي يفعل هذا الأمر داخل ضمن الوعيد الذي توعد الله عزو جل صاحبه وفاعله بقوله ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدي ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا) والذي يفعل ما يسمى بالمولد لاشك انه متبع لغير سبيل المؤمنين من الصحابة والتابعين وتابعيهم .
الوجه الثاني:
أن الذي يمارس هذا الفعل واقع فيما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم حين قال " إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" وجاء في رواية أخرى ( وكل ضلالة في النار ).
فقوله (كل بدعة ضلالة ) عموم لا مخصص له يدخل فيه كل أمر مخترع محدث لا أصل له في دين الله والعلماء مجمعون على انه أمر محدث فصار الأمر إلى ما قلنا أنه بدعة ضلالة تودي بصاحبها إلى النار أعاذنا الله وإياك منها.
الوجه الثالث :
أن فاعل هذه البدعة غير مأجور على فعله بل مردود على صاحبه لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) ولايكفي حسن النية بل لابد من متابعة النبي صلى الله عليه وسلم.
الوجه الرابع:
قال الله تعالى ( اليوم أكملت لكم دينكم أتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ).
والذي يقول إن المولد عبادة نتعبد لله تعالى بها فهو مكذب بهذه الآية وهو كفر بالله عزوجل فان قال انه مصدق بها لزمه ان يقول ان المولد ليس بعبادة ويكون اقرب الى العبث واللعب منه الى ما يقرب الى الله عزوجل.
وقلنا له أيضاً كأنك مستدرك على الله وعلى رسوله بأنهم لم يدلونا على هذه العبادة العظيمة التي تقرب إلى الله والرسول .
فان قال أنا لا أقول أنها عبادة ولا استدرك على الله ورسوله ومومن بهذه الآية لزمه الرجوع إلى القول الحق وأنها بدعة محدثة هدانا الله وكل مسلم لما يحبه ربنا ويرضى.
الوجه الخامس :(69/9)
أن الممارس لهذا الأمر- اعني بدعة المولد- كأنه يتهم للرسول صلى الله عليه وسلم بالخيانة وعدم الأمانة -و العياذ بالله- لأنه كتم على الأمة ولم يدلها على هذه العبادة العظيمة التي تقربها إلى الله
قال الإمام مالك – رحمه الله (1)-: " من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم ان محمدا صلى الله عليه وسلم خان الرسالة لأن الله يقول ( اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) فما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا".
الوجه السادس (2) :
أن فاعل المولد معاند للشرع ومشاق له لأن الشارع قد عين لمطالب العبد طرقا خاصة على وجوه وكيفيات خاصة وقصر الخلق عليها بالأوامر والنواهي وأخبر أن الخير فيها والشر في مجاوزتها وتركها لأن الله اعلم بما يصلح عباده وما أرسل الرسل ولا أنزل الكتب إلا ليعبدوه وفق ما يريد سبحانه والذي يبتدع هذه البدعة راد لهذا كله زاعم أن هناك طرقا أخرى للعبادة وان ما حصره الشارع أو قصره على أمور معينة ليس بلازم له فكأنه يقول بلسان حاله إن الشارع يعلم وهو أيضا يعلم بل ربما يفهم أن يعلم أمرا لم يعلمه الشارع سبحانك هذا بهتان عظيم وجرم خطير وإثم مبين وضلال كبير.
الوجه السابع :
أن في إقامة هذه البدعة تحريف لأصل من أصول الشريعة وهي محبة النبي صلى الله عليه وسلم واتباعه ظاهرا وباطنا واختزالها في هذا المفهوم البدعي الضيق الذي لايتفق مع مقاصد الشرع المطهر إلى دروشة ورقص وطرب وهز للرؤوس لان الذي يمارسون هذه البدعة يقولون ان هذا من الدلائل الظاهرة على محبته ومن لم يفعلها فهو مبغض للنبي صلى الله عليه وسلم
وهذا لاشك تحريف لمعنى محبة الله ومحبة رسول لان محبة الله والرسول تكون باتباع سنته ظاهرا وباطنا كما قال جل وعلا( قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله )
__________
(1) الاعتصام (1/49).
(2) اقتبست هذا الوجه من الإما م الشاطبي في الاعتصام (1/49).(69/10)
فالذي يجعل المحبة باقامة هذه الموالد محرف لشريعة الله التي تقول ان المحبة الصحيحة تكون باتباعه صلى الله عليه وسلم ، بل محو لحقيقة المحبة التي تقرب من الله وجعلها في مثل هذه الطقوس التي تشابه ما عند النصارى في أعيادهم وبهذا يعلم أنه ( ما أحييت بدعة إلا وأميتت سنة ).
الوجه الثامن :
أن هذا المولد فيه مشابهة واضحة لدين النصارى الذين يحتفلون بعيد ميلاد المسيح وقد نهينا عن التشبه بهم كما قال صلى الله عليه وسلم ( ومن تشبه بقوم فهو منهم ).(1)
الوجه التاسع:
أن فيه قدحا في من سبقنا من الصحابة ومن أتى بعدهم بأننا أكثر محبة للنبي صلى الله عليه وسلم منهم ، وأنهم لم يوفوه حقه من المحبة والاحترام لان فاعلي المولد يقولون عن الذين لا يشاركونهم انهم لا يحبون النبي صلى الله عليه وسلم وهذه التهمة منصرفة إلى أصحابه الأطهار الذين فدوه بأرواحهم وبآبآءهم وأمهاتهم رضي الله عنهم وأرضاهم .
الوجه العاشر :
ان فاعل هذا المولد واقع فيما نهى النبي صلى الله عليه وسلم أمته صراحة فقد قال صلى الله عليه وسلم ( لاتطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم ) فقد نهى عن تجاوز الحد في إطرائه ومدحه وذكر أن هذا مما وقع فيه النصارى وكان سبب انحرافهم .
وما يفعل الآن من الموالد من أبرز مظاهر الإطراء وإذا لم يكن في الموالد-( التي تنفق فيها الاموال الطائلة وتنشد فيها المدائح النبوية التي تشتمل على أعظم أنواع الغلو فيه صلى الله عليه وسلم من إعطائه خصائص الربوبية كما سوف يمر معنا)- إطراء ففي ماذا يكون الإطراء؟
الوجه الحادي عشر :
وبدعة المولد النبوي مجاوزة في الحد المشروع، ومجاوزة في حد ما امرنا به من محبة النبي صلى الله عليه وسلم، ومجاوزة للحد المشروع في إقامة الأعياد فليس في شرعنا للمسلمين إلا عيدان فقط ومن أتى بثالث فهو متجاوز للحد المشروع .
الوجه الثاني عشر:
__________
(1) أنظر اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية (2/581).(69/11)
أن فعل المولد غلو مذموم في شخص النبي صلى الله عليه وسلم و من أعظم الذرائع المؤدية للشرك الأكبر وهو الكفر المخرج من الملة لأن الغلو في الصالحين كان سبب وقوع الأمم السابقة في الشرك وعبادة غير الله عزوجل.
وقد جاءت الشريعة بسد الذرائع الموصلة للشرك .
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من ذلك فقال صلى الله عليه وسلم :( إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو) (1) وهذا عام في جميع أنواع الغلو في الاعتقادات والأعمال وإن كان سبب وروده في في لقط الجمار ونهيه عن لقط الكبار من الجمار لأنه نوع من الغلو في العبادة ومجاوزة للحد المشروع .
ومعلو ان سبب الشرك الذي وقع في بني آدم هو مجاوز الحد والغلو في تعظيم الصالحين فقد جاء في البخاري برقم ( 4920) عن ابن عباس" في قول الله تعالى ( وقالوا لاتذرن ألهتكم ولا تذرن ودّا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسراً ) قال : هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا ولم تعبد حتى إذا هلك اولئك ونسي العلم عبدت ".
وقارن بما حصل عند قوم نوح مع أنهم لم يصرفوا شيئا من العبادة في أول الأمر حتى وقعوا في الشرك والسبب هذه التماثيل وهي مظهر من مظاهر الغلو وانظر ما حصل ويحصل في الموالد فهو ليس من ذرائع الشرك فحسب؛ بل يحصل الشرك بعينه من دعاء لغير الله عزوجل وإعطائه صلى الله عليه وسلم بعض خصائص الرب جل وعلا كالتصرف في الكون وعلم الغيب ففي هذه الموالد يترنمون بالمدائح النبويةوعلى رأسها بردة البوصيري الذي يقول:
ياأكرم الخلق مالي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم
فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم
ويقول أحمد بن محمد ابن الحاج السلمي:
__________
(1) الحديث صحيح : أخرجه أحمد(215،347) .(69/12)
نور الهدى قد بدا في العرب والعجم سعد السعود علا في الحل والحرم
بمولد المصطفى أصل الوجود ومن لولاه لم تخرج الأكوان من عدم
فماذا بقي لرب العباد إن هذا ليس شركا في الألوهية بل هو شرك في الربوبية وهو أعظم من شرك كفار قريش والعياذ بالله لأن كفار قريش كانوا يعتقدون أن المتصرف في الكون هو الله عزو جل لا أصنامهم وهؤلاء يزعمون أن المتصرف في الكون الذي بيده الدنيا والآخرة هو النبي صلى الله عليه وسلم .
وانظر الى قوله ( يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به ) فهو يعتبر رسول الله هو الملاذ وهو الذي يستغاث به ويدعوه عند الملمات وهذا هو عين شرك كفار قريش الذي يعبدون الاوثان بل هم احسن حالا منه فهم عند الشدائد يخلصون الدعاء والعبادة والبوصيري عند الشدائد والملمات يدعوا غيرالله .
والموالد لايمكن ان تقوم بغير أبيات البردة والله المستعان فهي الشعيرة والركيزة الأساسية في هذه الموالد البدعية.
ولولم يكن فيها إلا هذه المفسدة لكفى بها مبرراً لتحريمها والتحذير منها .
وإن زعم شخص انه سوف يخليه مما تقدم قلنا له المولد بحد ذاته هو مظهر من مظاهر الغلو المذموم فضلا عما يحتويه من طوام عظيمة وبدعة في الدين محدثة لم يشرعهاولم يأذن بها الله .
الوجه الثالث عشر:
أن الفرح بهذا اليوم والنفقه فيه وإظهار الفرح والسرور فيه قدح في محبة العبد لنبيه الكريم إذ هذا اليوم باتفاق هو اليوم الذي توفي فيه النبي صلى الله عليه وسلم فكيف يفرح فيه والله المستعان.
وأما يوم مولده فمختلف فيه ،فكيف تكون عبادة عظيمة تقرب إلى الله واليوم الذي يحتفل فيه غير مجزوم به .(69/13)
يقول الحافظ في فتح الباري ( شرح حديث برقم 3641 ):" . وَقَدْ أَبْدَى بَعْضهمْ لِلْبُدَاءَةِ بِالْهِجْرَةِ مُنَاسَبَة فَقَالَ : كَانَتْ الْقَضَايَا الَّتِي اُتُّفِقَتْ لَهُ وَيُمْكِن أَنْ يُؤَرَّخ بِهَا أَرْبَعَة : مَوْلِده وَمَبْعَثه وَهِجْرَته وَوَفَاته , فَرَجَحَ عِنْدهمْ جَعْلهَا مِنْ الْهِجْرَة لِأَنَّ الْمَوْلِد وَالْمَبْعَث لَا يَخْلُو وَاحِد مِنْهُمَا مِنْ النِّزَاع فِي تَعْيِين السَّنَة , وَأَمَّا وَقْت الْوَفَاة فَأَعْرَضُوا عَنْهُ لِمَا تُوُقِّعَ بِذِكْرِهِ مِنْ الْأَسَف عَلَيْهِ , فَانْحَصَرَ فِي الْهِجْرَة "أ.هـ
ويقول ابن الحاج في المدخل (2/15):" ثم العجب العحيب كيف يعملون المولد للمغاني والفرح والسرور لأجل مولده عليه الصلاة والسلام كما تقدم في هذا الشهر الكريم وهو عليه الصلاة والسلام فيه انتقل إلى كرامة ربه عزو جل وفجعة الأمة فيه وأصيبت بمصاب عظيم لايعدل ذلك غيرها من المصائب أبداً فعلى هذا كان يتعين البكاء والحزن الكثير وأنفراد كل إنسان بنفسه لما أصيب به ......". أهـ
الوجه الرابع عشر:(69/14)
اشتمال هذه الموالد على كثير من كبائر وعظائم الأمور والتي يرتع فيها أصحاب الشهوات ويجدون فيها بغيتهم مثل: الطرب والغناء واختلاط الرجال بالنساء ويصل الأمر في بعض البلدان التي يكثر فيها الجهل أن يشرب فيها الخمر وكذلك إظهار ألوان من الشعوذة والسحرومن يحضر هذه الأماكن بغير نية القربة فهو آثم مأزور غير مأجور فكيف إذا انضم إليه فعل هذه المنكرات على أنها قربة إلى الله عزوجل فأي تحريف لشعائر الدين أعظم من هذا التحريف.(1)
الوجه الخامس عشر:
اشتماله على أنواع عظيمة من البذخ والتببذير وإضاعة الأموال وإنفاقها على غير اهلها.
الوجه السادس عشر:
أن في هذه الموالد والتي كثرت وانتشرت حتى وصلت في بعض الأشهر أن يحتفلوا بثمان وعشرين مولدا أن فيها من استنفاد الطاقات والجهود والأموال واشغال الأوقات وصرف للناس عن ما يكاد لهم من قبل أعدائهم فتصبح كل أيامهم رقص وطرب وموالد فمتى يتفرغون لتعلم دينهم ومعرفة ما يخطط لهم من قبل أعدائهم ولهذا لما جاء المستعمرون للبلاد الإسلامية حاولوا القضاء على كل معالم الإسلام وصرف الناس عن دينهم ومحاولة إشاعة الرذيلة بينهم وما كان من تصرفات المسلمين فيه مصلحة لهم وفت في عضد المسلمين وإضعاف لشانهم فإنهم باركوه وشجعوه مثل الملاهي والمحرمات ونحوها ومن ذلك البدع المحدثة التي تصرف الناس عن معالم الإسلام الحقيقية مثل بدعة المولد وغيرها من الموالد ، بل مثل هذه البدع من أسباب تخلف المسلمين وعدم تقدمهم على غيرهم .
__________
(1) أنظر مبحثا نفيسا لابن الحاج في كتابه المدخل (2/ من بداية الجزء ) فقدد ذكر ما يحدث من عظائم الأمور والمنكرات ما يندى له الجبين ، وانظر مانقله الشيخ اسماعيل الانصاري في رسالته القيمة (القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل ص648) ط. دار العاصمة والتي جمعت عددا من الرسائل في حكم المولد. مجلدين .(69/15)
يقول السيد رشيد رضا في المنار (2/74-76):" فالموالد أسواق الفسوق فيها خيام للعواهر وخانات للخمور ومراقص يجتمع فيها الرجال لمشاهدة الراقصات المتهتكات الكاسيات العاريات ومواضع أخرى لضروب من الفحش في القول والفعل يقصد بها إضحاك الناس ....(إلى أن قال ): فلينظر الناظرون إلى أين وصل المسلمون ببركة التصوف واعتقاد أهله بغير فهم ولا مراعاة شرع اتخذوا الشيوخ أنداداً وصار يقصد بزيارة القبور والأضرحة قضاء الحوائج وشفاء المرضى وسعة الرزق بعد أن كانت للعبرة وتذكرة القدوة وصارت الحكايات الملفقة ناسخة فعلا لما ورد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعاون على الخير ونتيجة لذلك كله ؛ أن المسلمين رغبوا عما شرع الله إلى ما توهموا أنه يرضي غيره ممن اتخذوهم أنداداً وصاروا كالإباحيين في الغالب فلاعجب إذا عم فيهم الجهل واستحوذ عليهم الضعف وحرموا ماوعد الله المؤمنين من النصر لأنهم انسلخوا من مجموع ما وصف الله به المؤمنين ولم يكن في القرن الأول شيئ من هذه التقاليد والأعمال التي نحن عليها بل ولا في الثاني ولايشهد لهذه البدع كتاب ولاسنة وإنما سرت إلينا بالتقليد أو العدوى من الامم الأخرى ، إذ رأى قومنا عندهم أمثال هذه الاحتفالات فظنوا أنهم إذا عملوا مثلها يكون لدينهم عظمة وشأن في نفوس تلك الأمم فهذا النوع من اتخاذ الأنداد كان من أهم أسباب تأخر المسلمين وسقوطهم فيما سقطوا فيه ".أ.هـ
نابليون المستعمر الفرنسي يحي المولد ويدعمه:
واسمع إلى ما يحدثنا به المؤرخ المصري الجبرتي في كتابيه عجائب الآثار(2/249،201) ومظهر التقديس بزوال دولة الفرنسيس ص47
تحدث وذكر ان المستعمرين الفرنسيين عندما احتلوا مصر بقيادة نابليون بونابرت انكمش الصوفيه واصحاب الموالد فقام نابليون وامرهم بإحياءها ودعمها(69/16)
قال في مظهر التقديس :" وفيها (أي سنة 1213هـ في ربيع الأول ):سأل صاري العسكر عن المولد النبوي ولماذا لم يعملوه كعادتهم فاعتذر الشيخ البكري بتوقف الأحوال وتعطل الأمور وعدم المصروف فلم يقبل وقال (لابد من ذلك ) واعطى الشيخ البكري ثلاثمائة ريال فرانسة يستعين بها فعلقوا حبالا وقناديل واجتمع الفرنسيس يوم المولد ولعبوا ودقوا طبولهم واحرقوا حراقة في الليل وسواريخ تصعد في الهواء ونفوطاً".
ولعل سائلا يسأل ما هدفهم من تأييد ودعم مثل هذه البدع وهذه الموالد؟
ندع الجواب للمؤرخ الجبرتي المعاصر لهم حيث يقول في تاريخ عجائب الآثار(2/306):
" ورخص الفرنساوية ذلك للناس لما رأوا فيه من الخروج عن الشرائع واجتماع النساء واتباع الشهوات والتلاهي وفعل المحرمات ".
أقوال أهل العلم في المولد :
لقد أفتى علماء العالم الإسلامي على اختلاف أماكنهم وأزمانهم ومذاهبهم الفقهية بحرمة عمل المولد وأنه من البدع المحدثة التي لاأصل لها وإليك بعضهم:
شيخ الإسلام ابن تيمية وهو من علماء الشام ومن المجتهدين.(انظر اقتضاء الصراط المستقيم ( 2 /619 )، ومجموع الفتاوى( 1/312 ) .
العلامة الشيخ تاج الدين عمر بن علي اللخمي السكندري المشهور بالفاكهاني له رسالة بعنوان (المورد في الكلام على عمل المولد). وهو عالم مالكي المذهب ت بالاسكندرية سنة 734هـ.
الاستاذ ابو عبد الله محمد الحفار له فتاوى ذكرها الونشريسي في المعيار المعرب.وهو من علماء المغرب.
العلامة ابن الحاج ابو عبد ال محمدبن محمد بن محمد العبدري الفاسي المالكي ت بالقاهرة (732هـ)له كلام نفيس في المدخل بداية الجزالثاني
الشيخ العلامة الشيخ محمد بخيت المطيعي الحنفي مفتي الديار المصرية.
الشيخ على محفوظ في كتابه الإبداع في مضار الابتداع .
الإمام الشاطبي وله كلام نفيس في فتوى له في كتاب طبع باسم فتاوى الإمام الشاطبي وهو عالم مالكي أندلسي.(69/17)
الشيخ رشيد رضا في أكثر من موضع من مصنفاته كما في المنار (9/96)، (2/74-76) (17/111) (29/ 664-668).وفتاواه (الجزء الخامس في الصفحة 2112-2115) و(الجزء الرابع في الصفحة 1242-1243).
الشيخ أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي وهو من علماء الهند ( أنظر رسالة الشيخ حمود التويجري ص235 ط. العاصمة ضمن المجموع في الرسائل الخاصة ببدعة المولد ).
الشيخ بشير الدين القنوجي وهو من علماء الهند وهو شيخ أبي الطيب ( المصدر السابق ).
الشيخ فوزان السابق كما في كتابه البيان والإشهارص 299.
الشيخ محمد بن عبد السلام خضر الشقيري في كتابه السنن والمبتدعات .
شيخ الإسلام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله .
العلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ كما في الدرر السنية.
العلامة الشيخ محمد بن ابراهيم له رسالة في إنكار عمل المولد وانظر مجموع فتاواه (3/48-95)فقد اشتملت على عدد من الفتاوى المتنوعة حول المولد .
العلامة الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد في رسالته هداية الناسك إلى أهم المناسك .
العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز له رسالة في حكم الاحتفال بالمولد النبوي .
العلامة الشيخ حمود بن عبد الله التويجري في رسالة بعنوان ( الرد القوي على الرفاعي والمجهول وابن علوي وبيان أخطائهم في المولد النبوي).
الشيخ العلامة إسماعيل الأنصاري له رسالة وهي من أجود مارأيت بعنوان القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل.
العلامة الشيخ محمد الصالح العثيمين.
الشيخ العلامة عبد الله بن جبرين .
الشيخ صالح بن فوزان الفوزان .
هناك فتاوى متناثرة في مجلة التوحيد التي تصدر في مصر عن جماعة أنصار السنة المحمدية .
في الختام أسأل الله العلي القدير ان يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .(69/18)
الوشيعة في كشف شنائع وضلالات الشيع
د. صالح الرقب
أستاذ مشارك بقسم العقيدة
الجامعة الإسلامية
الطبعة الأولى
1424هـ - 2003 م
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
المقدمة:
الحمد لله وحده..والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فيقول الله تعالى:(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)آل عمران:120.(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً) النساء:1.(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً)الأحزاب: 70-71.
فإنّ الباعث على إعداد هذا الكتاب هو ما لوحظ من زيادة نشاط الدعوة للشيعة الإثنى عشرية في الآونة الأخيرة على مستوى قطاع غزة خاصة، من بعض الشباب المسلم المخدوع المغرر به- ممن وقعوا ضحية التقية والجهل- ولما حصل من غفلة كثير من عوام المسلمين عن خطر هذه الفرقة على الدين الإسلامي، وما في عقيدتها من كفريات، وبدع، وضلالات، وسقائم، وشنائع ومن أمثلتها:الطعن في القرآن الكريم، والسنة النبوية الصحيحة، والطعن في الصحابة رضوان الله عليهم، والغلو في الأئمة إلى حد التأليه، وتكفير أهل السنة، وعبادة القبور، وتحليل المتعة الجنسية، وضرب الصدور والرأس بالسلاسل والسيوف.وشنائع الإمام المنتظر، والرجعة، والتقية، والبداء، والطينة، والغيبة.(70/1)
تعد الرافضة من أخطر الفرق على الأمة، وأشدها فتنة وتضليلاً، خصوصاً على العامة الذين لم يقفوا على حقيقة أمرهم، وفساد معتقدهم..والشيعة في هذا الزمان قد أحدثوا حيلاً جديدة لاصطياد من لا علم عنده من أهل السنة، والتأثير عليه بعقيدتهم الفاسدة الكاسدة. فمن ذلك ما أحدثوه من دعوة التقريب بين السنة والشيعة، والدعوة إلى تناسي الخلافات بين الطائفتين. وما هذه الدعوة إلا ستار جديد للدعوة للرفض والتشيع، ونشر هذه العقيدة الفاسدة بين صفوف أهل السنة، وإلا فالشيعة لا يقبلون التنازل عن شيء من عقيدتهم.
ولقد عزمت على إعداد وجمع هذا الكتاب تبصيراً للشباب المسلم، وتعريفاً وتوعية لهم، وإقامة الحجة على من وقع فريسة التضليل والخداع، والجهل والتقية، واعتمدت في جمعه على ما كتبه علماء الشيعة الإثنى عشرية المعروفون والمشهورون عندهم، وما كتبه أهل العلم المتخصصون المطلعون على دين وضلالات الشيعة من علماء أهل السنة. ولعل أهم كتاب في ذلك:أصول مذهب الشيعة الإمامية الإثنى عشرية عرض ونقد:الدكتور ناصر بن عبد الله بن علي القفاري. الذي هو في الأصل رسالة دكتوراه قدمت لقسم العقيدة بكلية أصول الدين، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والكتاب فريد في نوعه، ولعلّه موسوعة جامعة في بيان كفريات وضلالات الشيعة الروافض، ونقدها بأسلوب علمي، جزى الله تعالى مؤلفه خيراً.
وقد التزمنت في إعداد هذا الكتاب(الذي سميته الوشيعة في كشف شنائع وضلالات الشيعة) الموضوعية، والحيادية، فلم أجمع عن القوم شيئاً إلا ما كان موثقاً من مراجعهم ومؤلفاتهم المعتمدة عند القوم.
وأخيراً وما أريد إلا البلاغ والإصلاح والهداية، وإقامة الحجة..اللهم أشهد أني بلغت..اللهم أشهد أني بلغت.
نشأة الشيعة الإثنى عشرية:(70/2)
هناك عدة أقوال في نشأة الشيعة، وأشهرها أقوال ثلاثة في نشأة التشيع، أولاهما وثانيهما لعلماء الشيعة الروافض. وثالثهما للباحثين المحققين الصادقين من أهل السنة وغيرهم.
الرأي الأول: بعض الشيعة الروافض
يقول بعض الشيعة الروافض إنّ التشيع قديم ولد قبل رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنّه ما من نبي إلا وقد عرض عليه الإيمان بولاية علي.وقد وضع الشيعة أساطير كثيرة لإثبات هذه الشنائع، ومن ذلك ما جاء في الكافي عن أبي الحسن قال:"ولاية علي مكتوبة في جميع صحف الأنبياء، ولن يبعث الله رسولاً إلا بنبوة محمد صلى الله عليه وآله، ووصية عليّ عليه السلام".(الكليني:أصول الكافي 1/437(.
وعن أبي جعفر في قوله الله عز وجل:)وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا) طه 115، قال:"عهدنا إليه في محمد والأئمة من بعده فترك ولم يكن له عزم وهذا التفسير بعيد عن الآية.. بل إلحاد في آيات الله. وقد جاء تفسير الآية عن السلف وغيرهم:"ولقد وصينا آدم وقلنا له:(إنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ) فنسي ما عهد إليه في ذلك (أي ترك) ولو كان له عزم ما أطاع عدوه إبليس الذي حسده. قال قتادة:(وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا)أي صبراً".(تفسير الطبري: 16/220-222)، وإنّما سمي أولو العزم أولي العزم لأنه عهد إليهم في محمد والأوصياء من بعده، والمهدي وسيرته، وأجمع عزمهم على أن ذلك كذلك والإقرار به"(الكافي:الكليني 1/416، وانظر:علل الشرائع:ابن بابويه القمي ص 122، تفسير الصافي: الكاشاني2/80، تفسير القمي: 2/65، المحجة:هاشم البحراني ص 635-636،البحار:المجلسي11/35، 26/278، بصائر الدرجات:الصفار ص 21(.(70/3)
وجاء في البحار:أنّه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال-كما يزعمون-: يا علي، ما بعث الله نبياً إلا وقد دعاه إلى ولايتك طائعاً أو كارهاً.(انظر: البحار11/60، البحراني:المعالم الزلفى ص 303، وهذه الرواية موجودة في بصائر الدرجات للصفار، وفي الاختصاص للمفيد(. وفي رواية أخرى لهم عن أبي جعفر قال:إن الله تبارك وتعالى أخذ ميثاق النبيين بولاية علي.(المعالم الزلفى ص303(.
وعن أبي عبد الله قال: ولايتنا ولاية الله لم يبعث نبي قط إلا بها (مستدرك الوسائل:النوري الطبرسي 2/195، المعالم الزلفى ص 303). وعقد لذلك شيخهم البحراني باباً بعنوان:باب أن الأنبياء بعثوا على ولاية الأئمة.(المعالم الزلفى ص303(، وقالوا:ثبت أن جميع أنبياء الله ورسله وجميع المؤمنين كانوا لعلي بن أبي طالب مجيبين، وثبت أن المخالفين لهم كانوا له ولجميع أهل محبته مبغضين.. فلا يدخل الجنة إلا من أحبه من الأولين والآخرين فهو إذن قسيم الجنة والنار.( تفسير الصافي:الكاشاني1/16(.وعندهم كثير من الروايات فقد قال الحر العاملي صاحب وسائل الشيعة- أحد مصادرهم المعتمدة في الحديث-بأنّ رواياتهم التي تقول:أنّ الله حين خلق الخلق أخذ الميثاق على الأنبياء تزيد على ألف حديث.(الفصول المهمة ص159(.
ورواياتهم في هذا المعنى في كثير من كتبهم المعتمدة عندهم:منها(أصول الكافي:الكليني 2/8، الوافي:الكاشاني 2/155، 3/10، البحار:المجلسي35/151، سفينة البحار:القمي1/729، مستدرك الوسائل:النوري 2/195، والخصال:الصدوق 1/270، علل الشرائع:الصدوق ص122،135، 136، 143، 144، 174، والفصول المهمة:الحر العاملي ص158،تفسير فرات ص 11،13 ،تفسير الصافي:الكاشاني2/80،البرهان:البحراني1/86).
الثاني:قول كثير من الشيعة الروافض:(70/4)
يزعم كثير من الشيعة الروافض أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي غرس بذرة التشيع وتعهدها بالسقي حتى نمت وأينعت، يقول القمي:"فأوّل الفرق الشيعة، وهي فرقة علي بن أبي طالب المسمون شيعة علي في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وبعده، معروفون بانقطاعهم إليه والقول بإمامته، منهم المقداد بن الأسود الكندي، وسلمان الفارسي، وأبو ذر جندب بن جنادة الغفاري، وعمار بن ياسر المذحجي..وهم أوّل من سمّو باسم التشيع من هذه الأمة".(المقالات والفرق:القمي ص15). وإلى هذا الرأي النوبختي في كتابه(فرق الشيعة ص17).
وقال بهذا الرأي طائفة من الشيعة المعاصرين منهم:(الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء:أصل الشيعة وأصولها: ص 185. ومحسن العاملي:أعيان الشيعة1/13، 16، محمد جواد مغنية:الإثنا عشرية وأهل البيت ص29، هاشم معروف:تاريخ الفقه الجعفري ص 105، الوابلي:هوية التشيع ص27، الشيرازي:هكذا الشيعة ص 4، محمد الحسني:في ظلال التشيع ص 50-51، محمد حسن الزين:الشيعة في التاريخ ص 29، 30، محمد حسين المظفر:تاريخ التشيع ص 18، محمد باقر الصدر:بحث حول الولاية ص63، أحمد تفاحة:أصول الدين ص 18، 19).
يقول محمد كاشف الغطاء":إنَ أول مَنْ وضع بذرة التشيُّع في حقل الإسلام هو نفس صاحب الشريعة الإسلامية، يعني أنَّ بذرة التشيَّع وضعت مع بذرة الإسلام، جنباً إلى جنب، وسواء بسواء، ولم يزل غارسها بتعاهدها بالسقي والعناية حتى نمت وأزهرت في حياته، ثمّ أثمرت بعد وفاته".(أصل الشيعة وأصولها: الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء ص 185).(70/5)
ويقول عالم شيعي آخر:"إنّ المذهب الجعفري هو مذهب أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً, وهو أقدم المذاهب نشأة وأقواها عاملا. فقد تكون في عهد صاحب الرسالة صلى الله عليه وآله وسلم فهو أول من وضع بذرة التشيع في حقل الإسلام, يوم غرس دوحة شريعته الغراء جنبا إلى جنب, ولم يزل غارسها صلى الله عليه وآله وسلم يتعهدها بالسقي والعناية حتى نبتت ونمت في حياته, ثمّ أثمرت بعد وفاته, حيث استمر أل بيته وخلّص أصحابه بتعهدها.(الإمام الصادق عطر النبوة ومنهج حياة:للدكتور حسين الحاج حسن. ط1،1997م).
ويقول علامتهم المعاصر محمد باقر الصدر:"والحقيقة أنّ التشيع لم يكن في يوم من الأيام منذ ولادته مجرد اتجاه روحي بحت، وإنما ولد التشيع في أحضان الإسلام، بوصفه أطروحة مواصلة الإمام علي عليه السلام للقيادة بعد النبي فكريا واجتماعياً وسياسياً على السواء. التشيع ولم يكن بالإمكان بحكم هذه الظروف، أن يفصل الجانب الروحي عن الجانب السياسي في أطروحة التشيع تبعا لعدم انفصال أحدهما عن الآخر في الإسلام نفسه. فالتشيّع إذن لا يمكن أن يتجزأ إلا إذا فقد معناه كأطروحة لحماية مستقبل الدعوة بعد النبي صلى الله عليه وآله، وهو مستقبل بحاجة إلى المرجعية الفكرية والزعامة السياسية للتجربة الإسلامية معاً.. نستطيع القول بكل تأكيد أن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله، قد قام بعملية الإعداد الرسالي التربوي والفكري لعلي بن أبي طالب عليه السلام منذ صدع بالوحي، وكان صلوات الله عليه يضع الخطوات العملية من أجل بلوغ الغاية المتوخاة من ذلك، وهي تولي علي للمهمة القيادة الاجتماعية والسياسية بعده مباشرة".(التشيع ظاهرة طبيعية في إطار الدعوة الإسلامية:محمد باقر الصدر، مكتبة الخانجي بالقاهرة، 1379هـ-1977م، ص90-95).(70/6)
ويضيف:"وإذا كانت الشواهد كثيرة على أن النبي صلى اللّه عليه وآله كان يعد الإمام إعدادا خاصا لمواصله قياده الدعوة من بعده، فالشواهد على إعلان الرسول القائد عن تخطيطه هذا، وإسناده زعامة الدعوة الفكرية والسياسية رسمياً إلى الإمام على عليه السلام لا تقل عنها كثره، وهكذا وجد التشيّع في إطار الدعوة الإسلامية متمثلا في هذه الأطروحة النبوية التي وضعها النبي صلى اللّه عليه آله- بأمر من اللّه- للحفاظ على مستقبل الدعوة. وهكذا وجد التشيع لا كظاهرة طارئة على مسرح الأحداث، بل كنتيجة ضرورية لطبيعة تكون الدعوة وحاجاتها وظروفها الأصلية التي كانت تفرض على الإسلام أن يلد التشيع، وبمعنى آخر كانت تفرض على القائد الأول للتجربة أن يعد للتجربة قائدها الثاني".(المصدر السابق ص73-74)
ويقول الشيخ محمد حسين المظفَّر:"فكانت الدعوة إلى التشيع لأبي الحسن عليه السلام من صاحب الرسالة تمشي منه جنباً لجنب مَعَ الدعوة للشهادتين".(تاريخ الشيعة:محمد حسين المظفَّر ص9). ويقول الشيخ جعفر السبحاني:"قد تعرَّفت على تأريخ التشيع، وانَّه ليس وليداً لجدال الكلامي، ولا إنتاج السياسات الزمنية، وإنما هو وجه آخر للإسلام، وهما وجهان لعملة واحدة".( بحوث في الملل والنحل:جعفر السبحاني 6/117).
الثالث: قول المحققين من أهل السنة وغيرهم:(70/7)
نشأت فرقة الشيعة الإثنى عشرية عندما ظهر رجل يهودي اسمه "عبد الله بن سبأ" ادعى الإسلام، وزعم محبة أهل البيت، وغالى في علي رضي الله عنه، وادعى له الوصية بالخلافة ثمّ رفعه إلى مرتبة الألوهية، وهذا ما تعترف به الكتب الشيعية نفسها. فالشيعي القمي في كتابه "المقالات في الفرق": يقر بوجوده ويعتبره أوّل من قال بفرض إمامة علي رضي الله عنه ورجعته، وأظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان وسائر الصحابة، كما قال به علامتهم النوبختي في كتابه:(فرق الشيعة)، وكما قال به الكشي في كتابه المعروف بـ(رجال الكشي). والاعتراف سيد الأدلة، وهؤلاء جميعهم من كبار شيوخ الشيعة الإثنى عشرية.
وقال أبو منصور البغدادي:"السبئية أتباع عبد الله بن سبأ الذي غلا في علي رضي الله عنه، وزعم أنه كان نبياً، ثم غلا فيه حتى زعم أنه الله". وقال البغدادي كذلك: "وكان ابن السوداء –أي ابن سبأ- في الأصل يهوديا من أهل الحيرة، فأظهر الإسلام وأراد أن يكون له عند أهل الكوفة سوق ورياسة، فذكر لهم أنه وجد في التوراة أن لكل نبي وصي وأن عليا، رضي الله عنه هو وصي محمد صلى الله عليه وسلم".
وذكر عبد الكريم الشهرستاني عن ابن سبأ أنّ أول من أظهر القول بالنّص على إمامة علي رضي الله عنه، وذكر عن السبئية أنّها أول فرقة قالت بالتوقف بالغيبة والرجعة، ثم ورثت الشيعة فيما بعد-رغم اختلافها وتعدد فرقها-القول بإمامة علي وخلافته نصّا ووصية، وهي من مخلفات ابن سبأ، وقد تعددت فيما بعد فرق الشيعة وأقوالها إلى عشرات الفرق والأقوال. وهكذا ابتدعت الشيعة القول بالوصية والرجعة والغيبة، بل والقول بتأليه الأئمة إتباعا لابن سبأ اليهودي.(70/8)
يقول الباحث الدكتور ناصر القفاري تحت عنوان:(الرأي المختار في أصل التشيع):"والذي أرى أنّ التشيّع المجرد من دعوى النص والوصية ليس هو وليد مؤثرات أجنبية، بل إن التشيع لآل البيت وحبهم أمر طبيعي، وهو حب لا يفرق بين الآل، ولا يغلو فيهم، ولا ينتقص أحداً من الصحابة، كما تفعل الفرق المنتسبة للتشيع، وقد نما الحب وزاد للآل بعدما جرى عليهم من المحن والآلام بدءاً من مقتل علي، ثم الحسين..الخ.
هذه الأحداث فجرت عواطف المسلمين، فدخل الحاقدون من هذا الباب، ذلك أنّ آراء ابن سبأ لم تجد الجو الملائم؛ لتنمو وتنتشر إلا بعد تلك الأحداث.. لكن التشيع بمعنى عقيدة النص على علي، والرجعة، والبداء، والغيبة، وعصمة الأئمة..الخ، فلا شك أنها عقائد طارئة على الأمة، دخيلة على المسلمين، ترجع أصولها لعناصر مختلفة، ذلك أنه قد ركب مطية التشيع كل من أراد الكيد للإسلام، وأهله، وكل من احتال ليعيش في ظل عقيدته السابقة باسم الإسلام، من يهودي، ونصراني، ومجوسي، وغيرهم. فدخل في التشيع كثير من الأفكار الأجنبية والدخيلة – كما سيتبين في الدراسة الموسعة لأصولهم -، ولهذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أن المنتسبين للتشيع قد أخذوا من مذاهب الفرس والروم، واليونان، والنصارى، واليهود، وغيرهم أموراً مزجوها بالتشيع، ويقول:وهذا تصديق لما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، وساق بعض الأحاديث الواردة في أن هذه الأمة ستركب سنن من كان قبلها…، وقال بأنّ هذا بعينه صار في المنتسبين للتشيع (منهاج السنة: 4/147، وانظر الأحاديث في ذلك في: صحيح البخاري، كتاب الاعتصام بالسنة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لتتبعن سنن من كان قبلكم": 8/151، وفي صحيح مسلم، كتاب العلم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لتتبعن سنن من كان قبلكم". رقم 2669، المسند 2/450-511، 527)".( أصول مذهب الشيعة الإمامية الإثنى عشرية عرض ونقد:الدكتور ناصر بن عبد(70/9)
الله بن علي القفاري ص 51-52).
أسماء هذه الفرقة:-
1- الشيعة:
لقب الشيعة في الأصل يطلق على فرق الشيعة كلها، ولكنّ هذا المصطلح اليوم إذا أطلق-في نظر جمع من الشيعة وغيرهم-لا ينصرف إلا إلى طائفة الإثنى عشرية. وممّن قال بهذا الرأي:شتروتمان (انظر:دائرة المعارف الإسلامية 14/68، الطبرسي:مستدرك الوسائل 3/311، وأمير علي: روح الإسلام 2/92). وسموا بالشيعة لمشايعتهم علي رضي الله عنه وقولهم بوجوب إمامته بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
2- الإمامية:
يقول شيخ الشيعة في زمنه المفيد:"الإمامية هم القائلون بوجوب الإمامة، والعصمة، ووجوب النص، وإنّما حصل لهم هذا الاسم في الأصل لجمعها في المقالة هذه الأصول، فكل من جمعها فهو إمامي، وإن ضمّ إليها حقاً في المذهب كان أم باطلاً، ثمّ إن من شمله هذا الاسم واستحقه لمعناه، قد افترقت كلمتهم في أعيان الأئمة وفي فروع ترجع إلى هذه الأصول وغير ذلك، فأول من شذ من فرق الإمامية الكيسانية".(العيون والمحاسن 2/91). ويلاحظ أن كاشف الغطا- من شيوخ الشيعة المعاصرين- يستعمل لقب الإمامية بإطلاق على الإثنى عشرية.(أصل الشيعة وأصولها ص 92).
3- الإثنا عشرية:
هذا المصطلح لا نجده في كتب الفرق والمقالات المتقدمة، فلم يذكره القمي في "المقالات والفرق"، ولا النوبختي في "فرق الشيعة"، ولا الأشعري في "مقالات الإسلاميين". ولعل أول من ذكره المسعودي (التنبيه والإشراف ص 198)، أمّا من غير الشيعة فلعله عبد القاهر البغدادي حيث ذكر أنهم سموا بالإثنى عشرية لدعواهم أن الإمام المنتظر هو الثاني عشر من نسبه إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه (الفرق بين الفرق ص64). قال الرافضي المعاصر محمد جواد مغنية: الإثنا عشرية نعت يطلق على الشيعة الإمامية القائلة باثني عشر إماماً تعينهم بأسمائهم. (الإثنا عشرية وأهل البيت: ص15).
4- القطعية:(70/10)
وهو من ألقاب الإثنى عشرية عند طائفة من أصحاب الفرق كالأشعري:مقالات الإسلاميين 1/90-91، الشهرستاني:الملل والنحل1/169. والإسفراييني:التبصير في الدين ص 33) وغيرهم (انظر الحور العين ص 166). وهم يسمون بالقطعية؛ لأنهم قطعوا على موت موسى بن جعفر الصادق (انظر: القمي، المقالات والفرق ص 89، الناشئ الأكبر، مسائل الإمامة ص47، الأشعري، مقالات الإسلاميين 1/90.
5- أصحاب الانتظار:
يلقب فخر الدين الرازي الإثنى عشرية بأصحاب الانتظار، وذلك لأنهم يقولون بأن الإمام بعد الحسن العسكري ولده محمد بن الحسن العسكري وهو غائب وسيحضر..ويقول: وهذا المذهب هو الذي عليه إمامية زماننا.(اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص 84-85). والانتظار للإمام مما يشترك في القول به جمع من فرق الشيعة على اختلاف بينهم في تعيينه، ولا يختص به طائفة الإثنى عشرية.
6- الرافضة:
ذهب جمع من العلماء إلى إطلاق اسم الرافضة على الإثنى عشرية كالأشعري في المقالات (انظر مقالات الإسلاميين1/88)، وابن حزم في الفصل 4/157-158. هذه التسمية ذكرها شيخهم المجلسي في كتابه:(البحار) وقيل سمُّوا رافضة لأنهم جاءوا إلى زيد بن علي بن الحسين، فقالوا: تبرأ من أبي بكر وعمر حتى نكون معك، فقال: هما صاحبا جدي بل أتولاهما، قالوا:إذا نرفضك، فسمُّوا رافضة، وسمي من بايعه ووافقه زيدية. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية "قلت:الصحيح أنهم سموا رافضة لما رفضوا زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب لما خرج بالكوفة أيام هشام بن عبد الملك"(منهاج السنة: 2/130).(70/11)
وقيل سمو رافضة لرفضهم إمامة أبي بكر وعمر. وقيل سموا بذلك لرفضهم الدين. يقول أبو الحسن الأشعري:"وإنّما سموا رافضة لرفضهم إمامة أبي بكر وعمر".(مقالات الإسلاميين1/89، وانظر أيضاً في سبب التسمية بالرافضة:الشهرستاني:الملل والنحل: 1/155، الرازي:اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص77، والإسفراييني:التبصير في الدين ص34، الجيلاني:الغنية 1/76، ابن المرتضى: المنية والأمل ص21).
كما يلاحظ أن كتب الإثنى عشرية تنص على أنّ هذا لقب الرافضة من ألقابهم، وقد أورد شيخهم المجلسي في كتابه:البحار باب سماه:"باب فضل الرافضة ومدح والتسمية به"، أربعة أحاديث من أحاديثهم في مدح التسمية بالرافضة. وهذا هو الصواب الذي يجب أن يتسمى به القوم نظرا لكونه الاسم الذي ينطبق عليهم حقيقة نظرا لعقائدهم المخالفة-الرافضة- للعقيدة الإسلامية، ولرفضهم إيمان الصحابة وخلافة الخلفاء الراشدين رضي الله عن الجميع. ومن أمثلة ما ذكره في هذا الباب:عن أبي بصير قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام:جعلت فداك، اسم سمينا به استحلت به الولاة دماءنا وأموالنا وعذابنا، قال: وما هو؟ قلت: الرافضة، فقال جعفر:إنّ سبعين رجلاً من عسكر موسى عليهم السلام فلم يكن في قوم موسى أشد اجتهاداً وأشد حباً لهارون منهم، فسماهم قوم موسى الرافضة، فأوحى الله إلى موسى أن أثبت لهم هذا الاسم في التوراة فإني نحلتهم، وذلك اسم قد نحلكموه الله.(البحار 68/96-97، وانظر:تفسير فرات ص 139، المحاسن:البرقي ص157، دائرة المعارف:الأعلمي 18/200).(70/12)
ويرتضي هذه التسمية(الرافضة)علامتهم المعاصر محمد باقر الصدر في كتابه:التشيع ظاهرة طبيعية في إطار الدعوة الإسلامية، مكتبة الخانجي بالقاهرة، 1397هـ-1977م،ص77)، ويرى مقدّم الكتاب والمعلق عليه السيد طالب الحسيني أن الصدر يقصد من (رفض) عدم الاعتراف بشرعية النظام القائم بعد وفاة الرسول عليه السلام_يقصد خلافة الخلفاء الراشدين-باعتباره لا يتفق مع الصورة الحقيقية للقيادة،ونظام الحكم الرشيد.(انظر:هامش الكتاب السابق نفس الصفحة)
7- الجعفرية:
وتسمى الإثنا عشرية بالجعفرية نسبة إلى جعفر الصادق إمامهم السادس-كما يزعمون- وهو من باب التسمية للعام باسم الخاص. روى الكشي أنّ:شيعة جعفر في الكوفة(أو من يدعون التشيع لجعفر) سموا بالجعفرية، وأنّ هذه التسمية نقلت إلى جعفر فغضب ثمّ قال:"إنّ أصحاب جعفر منكم لقليل،إنّما أصحاب جعفر من اشتد ورعه وعمل لخالقه".(رجال الكشي: ص 255).
8- الخاصة:
وهو لقب يطلقه شيوخ الشيعة على طائفتهم، ويلقبون أهل السنة والجماعة بالعامة.جاء في دائرة المعارف الشيعية ما نصه: "الخاصة في اصطلاح بعض أهل الدارية: الإمامية الإثنا عشرية، والعامة: أهل السنة والجماعة" (دائرة المعارف17/122). ويجري كثيراً استعمال هذا اللقب في رواياتهم للأحاديث، فيقولون:هذا عن طريق العامة، وهذا عن طريق الخاصة(انظر-مثلاً- غاية المرام لهاشم البحراني)، ومن رواياتهم:"ما خالف العامة ففيه الرشاد" انظر: أصول الكافي 1/68، وسائل الشيعة 18/76).
فرق الشيعة الرافضة:-(70/13)
جاء في كتاب دائرة المعارف أنه "ظهر من فروع الفرق الشيعية ما يزيد كثيرا عن الفرق الثلاث والسبعين المشهورة، بل جاء عن الرافضي مير باقر الداماد أن جميع الفرق المذكورة في الحديث، حديث افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة، هي فرق الشيعة، وأن الناجية منهم فرقة الإمامية. وذكر المقريزي أن فرقهم بلغت 300 فرقة. وقال الشهرستاني: "إنّ الشيعة الإثنى عشرية ينقسمون إلى خمسة أقسام: الكيسانية والزيدية والإمامية والغالية والإسماعيلية". وقال البغدادي:"إن الشيعة الإثنى عشرية بعد زمان علي رضي الله عنه أربعة أصناف: زيدية وإمامية وكيسانية وغلاة". مع ملاحظة أن الزيدية ليست من فرق الروافض، باستثناء طائفة الجارودية.
الكتب الرئيسة عند الإثنى عشرية
إنّ الكتب الرئيسة التي تعتبر مصادر الأخبار عند الإثنى عشرية في ثمانية يسمونها: "الجوامع الثمانية".(مفتاح الكتب الأربعة1/5)، ويقولون بأنّه هي المصادر المهمة للأحاديث المروية من الأئمة )أعيان الشيعة1/288، مفتاح الكتب الأربعة1/5). قال عالمهم المعاصر محمد صالح الحائري: "وأما صحاح الإمامية فهي ثمانية، أربعة منها للمحمدين الثلاثة الأوائل، وثلاثة بعدها للمحمدين الثلاثة الأواخر، وثامنها لحسين-المعاصر-النوري".(الحائري:منهاج عملي للتقريب، مقال نشر في مجلة رسالة الإسلام في القاهرة، كما نشر مع مقالات أخرى منتخبة من المجلة باسم الوحدة الإسلامية ص233).
أول هذه المصادر وأصحها عندهم:(70/14)
1-الكافي للكليني: وقد أشار علماء الشيعة إلى أن هذا الكتاب أصح الكتب الأربعة المعتمدة عندهم، وأن أبا يعقوب الكليني كتبه في فترة الغيبة الصغرى التي بواسطتها يجد طريقاً إلى تحقيق منقولاته..، وبلغت أحاديث الكافي كما يقول العاملي 16099 حديثاً (أعيان الشيعة1/280)، وقد طبع عدة طبعات، وشرحه عدد من شيوخهم، ومن شروحه:مرآة العقول للمجلسي، الذي اعتنى بالحكم على أحاديث الكافي من ناحية الصحة والضعف.. وقد صحّح كثير من الروايات المفتراه والمكذوبة، والتي هي كفر بإجماع المسلمين كروايات تحريف القرآن وتأليه الأئمة. ومنها شرح المازندراني للكافي المسمى "شرح جامع"، وكذلك الشافي شرح أصول الكافي لمحمد بن يعقوب الكليني.
2-من لا يحضره الفقيه لشيخهم المشهور عندهم بالصدوق محمد بن بابويه القمي (المتوفى سنة 381ه(:وقد اشتمل على 176 باباً أولها باب الطهارة وآخرها باب النوادر، وبلغت أحاديثه (9044) وقد ذكر في مقدمة كتابه أنّه ألّفه بحذف الأسانيد لئلا تكثر طرقه، وأنه استخرجه من كتب مشهورة عندهم، وعليها المعول، ولم يورد فيه إلا ما يؤمن بصحته.
3- تهذيب الأحكام لشيخهم المعروف بـ"شيخ الطائفة" أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (المتوفى سنة 360هـ).: وقد ألفه لمعالجة التناقض والاختلاف الواقع في رواياتهم، وبلغت أبوابه (393) باباً، أما عدد أحاديثه فسيأتي الحديث عنها.
4-الاستبصار لأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي: ويقع الكتاب في ثلاثة أجزاء، جزآن منه في العبادات، والثالث في بقية أبواب الفقه، وبلغت أبوابه (393) باباً، وحصر المؤلف أحاديثه بـ(5511) وقال: حصرتها لئلا يقع زيادة أو نقصان، وقد جاء في الذريعة أن أحاديثه (6531) وهو خلاف ما قاله المؤلف.(70/15)
وقد قال شيخهم الفيض الكاشاني في(الوافي1/11):إنّ مدار الأحكام الشرعية اليوم على هذه الأصول الأربعة، وهي المشهود عليها بالصحة من مؤلفيها". وقال مجتهدهم المعاصر أغا بزرك الطهراني وهي:"الكتب الأربعة والمجاميع الحديثية التي عليها استنباط الأحكام الشرعية حتى اليوم" (الذريعة: 2/14).
وأّلف شيوخهم في القرن الحادي عشر وما بعده مجموعة من المدونات ارتضى المعاصرون منها أربعة سموها بالمجاميع الأربعة المتأخرة وهي:
1- الوافي:ويقع في 3 مجلدات كبار، وطبع في إيران، وبلغت أبوابه (273) باباً، ويحتوي على نحو خمسين ألف حديث. كما في(لؤلؤة البحرين:محمد بحر العلوم، الهامش ص122)، وذكر محسن الأمين بأنّ مجموع ما في الكتب (44244) حديثاً.(أعيان الشيعة1/280).
2- وبحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار. قالوا بأنه أجمع كتاب في الحديث، جمعه مؤلفه من الكتب المعتمدة عندهم.
3- ووسائل الشيعة:هو أجمع كتاب لأحاديث الأحكام عندهم، جمع فيه مؤلفه رواياتهم عن الأئمة من كتبهم الأربعة التي عليها المدار في جميع الأعصار- كما يقولون- وزاد عليها روايات أخذها من كتب الأصحاب المعتبرة تزيد على 70 كتاباً، كما ذكر صاحب الذريعة، ولكن ذكر الشيرازي في مقدمة الوسائل بأنها تزيد على 180، ولا نسبة بين القولين، وقد ذكر الحر العاملي أسماء الكتب التي نقل عنها فبلغت-كما حسبتها-أكثر من ثمانين كتاباً، وأشار إلى أنه رجع إلى كتب غيرها كثيرة، إلا أنه أخذ منها بواسطة من نقل عنها-طبع في ثلاثة مجلدات عدة مرات، ثم طبع أخيراً بتصحيح وتعليق بعض شيوخهم في عشرين مجلداً-.(الشيرازي:مقدمة الوسائل، أعيان الشيعة1/292-293، الذريعة4/352-353، الحر العاملي:وسائل الشيعة1/4-8، 20/36-49.(70/16)
4-مستدرك الوسائل لحسين النوري الطبرسي(المتوفى سنة 1320ه(:قال أغا بزرك الطهراني:"أصبح كتاب المستدرك كسائر المجاميع الحديثية المتأخرة في أنه يجب على المجتهدين الفحول أن يطلعوا عليها ويرجعوا إليها في استنباط الأحكام، وقد أذعن بذلك جل علمائنا المعاصرين" (الذريعة 2/110-111)، ثم استشهد بعض أقوال شيوخهم المعاصرين باعتماد المستدرك من مصادرهم الأساسية (الذريعة 2/111).
ولكن يبدو أن بعض شيوخهم لم يوافق على ذلك فنجد محمد مهدي الكاظمي ينتقد بشدة هذا الكتاب ويقول بأنه: "نقل منه عن الكتب الضعيفة الغيرة معتبرة...والأصول الغير ثابتة صحة نسخها، حيث إنها وجدت مختلفة النسخ أشد الاختلاف"، ثم قال بأن أخباره مقصورة على ما في البحار، وزعها على الأبواب المناسبة للوسائل، كما قابلته حرفاً بحرف".(أحسن الوديعة:محمد مهدي الكاظمي ص 74).
اعتقاد الشيعة الإثنى عشرية في القرآن الكريم
أولا: عقيدة تحريف القرآن الكريم:
يقول الله عز وجل:(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)الحجر:9، ويقول الرافضة التي تسمى في عصرنا بالشيعة:إن القرآن الذي عندنا ليس هو الذي أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم، بل جرى التغيير والتبديل، وزيد فيه ونُقص منه.وجمهور المحدثين من الشيعة يعتقدون التحريف في القرآن كما ذكر ذلك النوري الطبرسي صاحب كتاب(فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب).وقال محدّثهم محمد بن يعقوب الكليني في(أصول الكافي) تحت باب:أنه لم يجمع القرآن كلّه إلاّ الأئمة:"عن جابر قال:سمعت أبا جعفر يقول ما ادعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كله كما أنزله الله إلاّ كذاب، وما جمعه وحفظه كما أنزله الله إلاّ علي بن أبي طالب والأئمة من بعده."(70/17)
جاء في القسم الأخير من كتاب (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب) لمُحَدِّث الشيعة النوري الطبرسي: الدليل الحادي عشر في إثبات التحريف في القرآن الأخبار الكثيرة المعتبرة الصريحة في وقوع السقط ودخول النقصان في الموجود من القرآن زيادة على ما مر متفرقاً في ضمن الأدلة السابقة وأنه أقل من تمام ما نزل إعجازاً على قلب سيد الإنس والجان من غير اختصاصها بآية أو سورة، وهي متفرقة في الكتب المعتبرة التي عليها المعول وإليها المرجع عند الأصحاب. جمعت ما عثرت عليها في هذا الباب بعون الله الملك الوهاب.
1- ثقة الإسلام في آخر كتاب (فضل القرآن) من (الكافي) عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أن القرآن الذي جاء به جبرائيل (ع) إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - سبعة عش ألف آية.
2- المولى محمد صالح في (شرح الكافي) عن (كتاب سليم بن قيس الهلالي) أن أمير المؤمنين عليه السلام بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لزم بيته وأقبل على القرآن يجمعه ويؤلفه، فلم يخرج من بيته حتى جمعه كله، وكتب على تنزيله الناخس والمنسوخ منه، والمحكم والمتشابه، والوعد والوعيد، وكان ثمانية عشر ألف آية.
3- أحمد بن محمد السياري في (كتاب القراءات) عن علي بن لحكم عن هشام بن سالم، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: القرآن الذي جاء به جبرائيل إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - عشرة آلاف آية.
4- في (الكافي):عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن سليمان، عن بعض أصحابه، عن أبي الحسن عليه السلام، قال: قلت له: جعلت فداك إنا نسمع الآيات في القرآن ليس هي عندنا. كما نسمعها ولا نحسن أن نقرأها كما بلغنا عنكم، فهل نأثم؟ فقال: لا، اقرؤوا كما تعلمتم. فسيجيئكم من يعلمكم.(70/18)
5- وفيه عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن عبد الرحمن بن أبي نجران عن هاشم، عن سالم بن أبي سلمة، قال: قرأ رجل على أبي عبد الله عليه السلام وأنا أسمع حروفاً من القرآن ليس على ما يقرأها الناس، فقال: كف عن هذه القراءة اقرأ كما يقرأها الناس حتى يقوم القائم عليه السلام، فإذا قام القائم (ع) قرأ كتاب الله عز وجل على حده، وأخرج المصحف الذي كتبه علي عليه السلام ورواه الصفار في (البصائر) عن محمد بن الحسين مثله.
6- عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن علي بن الحكم عن عبد الله بن جندب عن سفيان بن سمط، قال:سألت أبا عبد الله عليه السلام عن تنزيل القرآن، فقال: اقرؤوا كما علمتم.
7-الثقة الجليل محمد بن مسعود العياشي في تفسيره بإسناده عن أبي جعفر عليه السلام قال: لولا أنه زيد في كتاب الله ونقص ما خفي حقنا على ذي حجي، ولو قد قام قائمنا فنطق صدقه القرآن، قال المحدث البحراني في (الدرر النجفية): يمكن حمل الزيادة في هذا الخبر على التبديل حيث أن الأصحاب ادعوا الإجماع على عدم الزيادة فيه، والأخبار الواردة في هذا الباب مع كثرتها ليس فيها ما هو صريح في الزيادة، فتأويل هذا الخبر بما ذكرنا لا بعد فيه إلا أنه يأتي الإشارة إلى زيادة بعض الحروف، ويأتي ذكره في محله.
8- وعنه بإسناده عن الصادق (ع):لو قرئ القرآن كما أنزل لألفيتنا فيه مسمين.
9- وعنه بإسناده عن إبراهيم بن عمرو، قال:قال أبو عبد الله (ع)، أن في القرآن ما مضى وما يحدث وما هو كائن، كانت فيه أسماء الرجال فألقيت، وإنما الاسم الواحد منه في وجوه لا تحصى، يعرف ذلك الوصاة. ورواه الصفار في (البصائر) عن أحمد بن محمد بن الحسين بن سعيد عن حماد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر وعنه (ع).
10- وعنه بإسناده عن حبيب السجستاني عن أبي جعفر عليه السلام، قال: إن القرآن طرح منه آي كثير ولم يزد فيه إلا حروفاً أخطأت به الكتبة وترهمتها الرجال.(70/19)
11- علي بن إبراهيم في تفسيره عن علي بن الحسين عن أحمد بن أبي عبد الله عن علي بن الحكم عن سيف بن عميرة عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله (ع) قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :لو أن الناس قرؤوا القرآن كما أنزل الله ما اختلف اثنان" قال في (الدرر): وهو واضح الدلالة في المطلوب، والمراد لا تعتريه شائبة الشبهة والإيراد، قلت وهو كك [يعني به كذلك] إذ الظاهر أن المراد رفع الاختلاف في أمر الإمامة والرياسة أو ما هو مثلها والظاهر أن ما به يزول الاختلاف من جهة قراءته كما أنزل هو وجود اسم الرئيس فيه بحيث لا يحتمل غيره، وإلا فالاختلاف موجود وحمل الخبر على حمله على أسباب نزوله ينافي كون رافع الاختلاف القراءة كما أنزل إذ هو على ما ذكر تفسيره كك [يعني به كذلك] وهو خلاف ظاهر مع أن رافع الاختلاف في أسباب النزول لتعارض ما ورد فيه هو ظاهر القرآن أيضاً، فلا يتوقف هو عليه.
12- الشيخ أبو عمرو الكشي في رجاله في ترجمة أبي الخطاب عن أبي خلف بن حماد عن أبي محمد الحسن بن طلحة عن أبي فضال عن يونس بن يعقوب عن بريد العجلي عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: أنزل الله في القرآن سبعة بأسمائهم، فمحت قريش سبعة وتركوا أبا لهب.
13- محمد بن إبراهيم النعماني في غيبته عن أحمد بن هوذه عن النهاوندي عن عبد الله بن حماد عن صباح المزني عن الحارث بن الحصيرة عن أصبغ بن نباتة، قال: سمعت علياً عليه السلام يقول: كأني بالعجم فساطيطهم في مسجد الكوفة يعلمون الناس القرآن كما أنزل: قلت: يا أمير المؤمنين أو ليس هو كما أنزل؟ فقال: لا، محي منه سبعون من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم، وما ترك أبو لهب إلا للإزراء على رسول الله صلى الله عليه وآله [أي - صلى الله عليه وسلم -] لأنه عمه".(70/20)
وذكر أحمد الطبرسي في (الاحتجاج) والملا حسن في تفسيره (الصافي) أنّ عمر قال لزيد بن ثابت: إنّ عليا جاءنا بالقرآن، وفيه فضائح المهاجرين والأنصار وقد رأينا أن نؤلف القرآن ونسقط منه ما كان فيه من فضائح وهتك المهاجرين والأنصار. وقد أجابه زيد إلى ذلك، ثم قال: فإن أنا فرغت من القرآن على ما سألتم وأظهر علي القرآن الذي ألفه أليس قد أبطل كل ما عملتم؟ فقال عمر:ما الحيلة؟ قال زيد:أنتم أعلم بالحيلة، فقال عمر:ما حيلته دون أن نقتله ونستريح منه. فدبر في قتله على يد خالد بن الوليد فلم يقدر ذلك. فلما استُخلف عمر سألوا عليا رضي الله عنه أن يدفع إليهم القرآن فيحرفوه فيما بينهم، فقال عمر: يا أبا الحسن إن جئت بالقرآن الذي كنت جئت به إلى أبي بكر حتى نجتمع عليه؟ فقال:هيهات، ليس إلى ذلك سبيل، إنما جئت به إلى أبي بكر لتقوم الحجة عليه ولا تقولوا يوم القيامة "إنا كنا عن هذا غافلين" أو تقولوا: "ما جئتنا". إن هذا القرآن لا يمسه إلا المطهرون والأوصياء من ولدي. فقال عمر:فهل وقت لإظهار معلوم؟ فقال علي:نعم،إذا قام القائم من ولدي يُظهره ويحمل الناس عليه".(70/21)
وأيضاً ما ذكره الكاشاني في (تفسيره 1/27) في رواية أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أنه لما توفى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جمع علي عليه السلام القرآن وجاء به إلى المهاجرين والأنصار، لما قد أوصاه بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما فتحه أبو بكر خرج في أول صفحة فتحها فضائح القوم فوثب عمر قال:يا علي أردّده فلا حاجة لنا فيه. فأخذه علي عليه السلام فانصرف. ثمّ احضر زيد بن ثابت وكان قارئا للقرآن فقال له عمر:إنّ عليا عليه السلام جاءنا بالقرآن وفيه فضائح المهاجرين والأنصار، فأجابه زيد إلى ذلك. ثمّ قال: إذا فرغت من القرآن على ما سألتم واظهر على القرآن الذي ألفه أليس قد بطل كل زعمتم ؟ فقال عمر:فما الحيلة ؟ قال زيد:أنتم أعلم بالحيلة. فقال عمر:ما الحيلة دون أن نقتله ونستريح منه. فدبّر في قتله على يد خالد بن الوليد فلم يقدر على ذلك. ولمّا استخلف عمر سأل عليا أن يدفع إليهم القرآن فيحرفوه فيما بينهم. فقال:يا أبا الحسن أن كنت جئت به إلى أبي بكر فأت به إلينا حتى نجتمع هلي. قال علي عليه السلام هيهات ليس إلى ذلك سبيل إنما جئت به إلى أبي بكر لتقوم الحجة عليكم وتقولوا بوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا ما جئتنا به. أن القرآن الذي عندي لا يمسه إلا المطهرون والأوصياء من ولدي. فقال عمر:فهل وقت لإظهاره معلوم؟ فقال علي عليه السلام:نعم إذا قائم القائم من ولدي يظهره ويحمل الناس عليه فتجري السنة به".
والبحراني في شرحه لنهج البلاغة:"أن عثمان بن عفان جمع الناس على قراءة زيد بن ثابت خاصة، وأحرق المصاحف، وأبطل ما لاشك أنّه من القرآن المُنزل").شرح نهج البلاغة:هاشم البحراني1:11).(70/22)
ومهما تظاهر الشيعة بالبراءة من كتاب النوري الطبرسي عملا بعقيدة التقية فإنّ الكتاب يحتوي على مئات النصوص من علمائهم في كتبهم المعتبرة، يثبت بها أنهم جازمون بالتحريف ومؤمنون به، ولكن لا يحبون أن تثور الضجة حول عقيدتهم هذه في القرآن.
ويبقى بعد ذلك أن هناك قرآنين أحدهما معلوم، والآخر خاص مكتوم ومنه سورة الولاية. ومما تزعم الشيعة الإثنى عشرية أنه أُسقط من القرآن آية وهي "وجعلنا عليا صهرك"؛ زعموا أنها أُسقطت من سورة "ألم نشرح" وهم لا يخجلون من هذا الزعم مع علمهم بأن السورة مكية، ولم يكن علي صهر للنبي صلى الله عليه وسلم بمكة.
مصنفات الشيعة في إثبات تحريف القرآن:
لقد صنف أحبار الشيعة في كل عصر من العصور كتباً مستقلة تحت عنوان:(التغيير والتحريف في القرآن) يذكرون فيها أخبا هذه العقيدة الخبيثة وإثباتها بالأدلة والبراهين حسب زعمهم.ومن ذلك:-
أولا: مصنفات المتقدمين:
- صنف ذلك شيخ الشيعة الثقة عندهم:أحمد بن محمد بن خالد البرقي(كتاب التحريف).
-الشيخ الثقة علي بن الحسن بن فضال: قد أفرد (كتاب التحريف والتبديل)
- وأحمد بن محمد بن سيار:(كتاب القراءات). وهو أستاذ للمفسر الشيعي المعروف ابن الماهيار.
- حسن بن سليمان الحلي:(التنزيل والتحريف).
-المفسر الشيعي المعروف محمد بن علي بن مروان الماهيار المعروف بابن الحجام:(كتاب قراءة أمير المؤمنين وقراءة أهل البيت).
-أبو طاهر عبد الواحد بن عمر القمى له كتاب (قراءة أمير المؤمنين).
- وذكر علي بن طاءوس(الشيخ الجليل لهم) في كتابه(سعد السعود) كتباً أخرى في هذا الموضوع، فمنها(كتاب تفسير القرآن وتأويله وتنزيله) ومنها كتاب(قراءة الرسول وأهل البيت) ومنها(كتاب الرد على أهل التبديل)، ومنها (كتاب السياري).
مصنفات المتأخرين: لقد وجدت كثير من الكتب الشيعية التي ألفت في اللغات الفارسية، والعربية، والأردية.(70/23)
- منها الكتاب المعروف المشهور(فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب) للميرزا حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي المتوفى 1320هجرية وهو كتاب شامل مفصل بحث فيه المحدث الشيعي بحثاً وافياً في إثبات التحريف في القرآن، وردّ على من أنكر أو أظهر التناكر من الشيعة، ثمّ أردفه بكتاب آخر لرد الشبهات عن فصل الخطاب. ويرى الأستاذ محب الدين الخطيب أن سبب الضجة أنهم يريدون أن يبقى التشكيك في صحة القرآن محصوراً بين خاصتهم، ومتفرقاً في مئات الكتب المعتبرة عندهم، وأن لا يجمع ذلك كله في كتاب واحد تطبع منه ألوف من النسخ ويطلع عليه خصومهم فيكون حجة عليهم ماثلة أمام أنظار الجميع، ويقول:ولما أبدى عقلاؤهم هذه الملاحظات خالفهم فيها مؤلفه، وألّف كتاباً آخر سماه:رد بعض الشبهات عن فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب".(الخطوط العريضة ص11). وقد ألّف كتابه هذا في أواخر حياته قبل موته بنحو سنتين، و قد كافئوه على هذا المجهود في إثبات أن القرآن الكريم محرف بأن دفنوه في ذلك المكان الممتاز من بناء المشهد العلوي في النجف.
- تصحيف كاتبين ونقص آيات كتاب مبين:واسمه ميرزا سلطان أحمد الدهلوي.
- وضربة حيدرية:للشيعي الهندي محمد مجتهد اللكنوي.
وهناك كثيرون منهم وضعوا في مصنفاتهم أبواباً مستقلة لبيان هذه العقيدة المتفق عليها عندهم، فمنهم علي بن إبراهيم القمي أستاذ الكليني، وشيخهم الأكبر في الحديث محمد بن يعقوب الكليني، والسيد محمد الكاظمي في(شرح الوافية) وسماه(باب أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة) وأن عندهم جميع القرآن الذي أنزل على رسول الله)، وسعد بن عبد الله في كتابه(ناسخ القرآن ومنسوخه) وضع باباً باسم (باب التحريف في الآيات)..ولا يكاد يخلو كتاب من كتبهم في الحديث، والتفسير، والعقائد، والفقه، والأصول، من قدح وطعن في القرآن العظيم.(70/24)
-"تذييل في الرد على هاشم الشامي" لزين العابدين الكرماني. قال:إن كيفية جمع القرآن أثبت أن التحريف والتصحيف والنقص وقع في القرآن، ولو أن هذا سبب لتذييل المسلمين عند اليهود والنصارى بأن طائفة منا تدعي الإسلام ثم تعمل مثل هذا العمل ولكنهم كانوا منافقين، الذين فعلوا ما فعلوا، وأن القرآن المحفوظ ليس إلا عند الإمام الغائب – ثم أورد روايات أئمته – وقال:إن الشيعة مجبورون أن يقرؤوا هذا القرآن تقية بأمر آل محمد عليهم السلام" (تذييل في الرد على هاشم الشامي، الطبعة الثانية مطبع سعادت كرمان، إيران ص 13-23).
أقوال علماء الشيعة في إثبات تحريف القرآن:
إليك أخي المسلم نماذج لبعض أقوال شيوخهم الذين تكن إليهم جمهور الشيعة كل تقدير وإجلال في إثبات تحريف القرآن:-
* يذكر صاحب الكافي"رفع إلي أبي الحسن مصحفاً وقال لا تنظر فيه، ففتحته وقرأت فيه (لم يكن الذين كفروا) فوجدت فيها-السورة-اسم سبعين رجلاً من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم، فبعث إليّ أن ابعث إليّ بالمصحف".(الكافي 2/261).
* يقول المحدث الشيعي "نعمة الله الجزائري" في كتابه (الأنوار النعمانية):"إن الأئمة أمروا شيعتهم بقراءة هذا الموجود من القرآن في الصلاة، وغيرها والعمل بأحكامه حتى يظهر مولانا صاحب الزمان-المنتظر-فيرتفع هذا القرآن من بين أيدي الناس إلى السماء، ويُخرج القرآن الذي ألفه أمير المؤمنين، ويعمل بأحكامه".
* نعمة الله الجزائريّ ينقل الإجماع على التحريف في كتابه"الأنوار النعمانية". يقول:"إنّ الأصحاب قد أطبقوا على صحة الأخبار المستفيضة بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن".(فصل الخطاب ص 30):(70/25)
*يقول المفسر الشيعي محسن الكاشاني:"إنّ القرآن الذي بين أيدينا ليس بتمامه كما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم بل منه ما هو خلاف ما أنزل الله، ومنه ما هو مغير محرف، وأنه قد حذف منه أشياء كثيرة".(تفسير الصافي، المقدمة-محسن الكاشاني).
*يؤكد ذلك طيب الموسوي في تعليقه على تفسير القمي علي بن إبراهيم: (ولكن الظاهر من كلمات غيرهم من العلماء والمحدثين، المتقدمين منهم والمتأخرين القول بالنقيصة كالكليني والبرقي والعياشي والنعماني وفرات بن إبراهيم وأحمد بن طالب الطبرسي والمجلسي والسيد الجزائري والحر العاملي والعلامة الفتوني والسيد البحراني، قد تمسكوا في إثبات مذهبهم بالآيات والروايات التي لا يمكن الإغماض عليها".(تفسير القمي-المقدمة ص23). *والمجلسي يُصرح قائلاً:"إنّ عثمان حذف عن هذا القرآن ثلاثة أشياء:مناقب أمير المؤمنين علي، وأهل البيت، وذمّ قريش والخلفاء الثلاثة، مثل آية "يا ليتني لم أتخذ أبا بكر خليلا".(تذكرة الأئمة المجلسي ص9).
*يقول علي أصغر البروجردي:"والواجب أن نعتقد أن القرآن الأصلي لم يقع فيه تغيير وتبديل، مع أنه وقع التحريف والحذف في القرآن الذي ألفه بعض المنافقين، والقرآن الأصلي موجود عند إمام العصر".(عقائد الشيعة: علي أصغر البروجردي ص27).(70/26)
وغيرهم كثير يضيق المقام عن حصر أقوالهم. وأما تبجح بعض علمائهم المعاصرين بأنهم قد أنكروا التحريف فعلماؤهم أنفسهم يردون عليهم، فيقول أحد علمائهم رداً على الشريف المرتضى قوله بعدم التحريف:"فإنّ الحق أحق أن يتبع، ولم يكن السيد علم الهدى-المرتضى- معصوماً حتى يجب أن يطاع فلو ثبت أنه يقول بعدم النقيصة مطلقاً لم يلزمنا إتباعه ولا خير فيه".(الشيعة والسنة ص133 إحسان ظهير). والجزائري يرد عليهم أيضاً:"نعم قد خالف فيها المرتضى والصدوق والشيخ الطوسي وحكموا بأنّ ما بين الدفتين هو المصحف المنزل لا غير ولم يقع فيه تحريف،أو تبديل…والظاهر أنّ هذا القول إنما صدر منهم لأجل مصالح كثيرة..كيف وهؤلاء الأعلام رووا في مؤلفاتهم أخباراً كثيرة تشتمل على وقوع تلك الأمور في القرآن، وأنّ الآية هكذا..ثمّ غيّرت إلى هكذا ".(الأنوار النعمانية:الجزائري).
ثمّ الخميني الذي يستشهدون بأقواله على عدم وقوع التحريف يفضحه الله تعالى، حيث قال في معرض كلامه عن الإمامة والصحابة:"..فإنّ أولئك الذين لا يعنون بالإسلام والقرآن إلا لأغراض الدنيا والرئاسة، كانوا يتخذون من القرآن وسيلة لتنفيذ أغراضهم المشبوهة، ويحذفون تلك الآيات من صفحاته، ويُسقطون القرآن من أنظار العالمين إلى الأبد، ويلصقون العار-وإلى الأبد- بالمسلمين وبالقرآن، ويُثبتون على القرآن ذلك لعيب الذي يأخذه المسلمون على كتب اليهود والنصارى".(كشف الأسرار:الخميني ص 131).(70/27)
وقد درج بعض شيوخهم المعاصرين على التظاهر بإنكار هذه الفرية، والدفاع عن كتاب الله سبحانه. لكن يلاحظ كفره في فلتات لسانه، وترى الباطل يحاول دسه في الخفاء..ومن أخبث من سلك هذا الطريق شيخهم الخوئي أبو القاسم الموسمي الخوئي، المرجع الأعلى للشيعة في العراق وغيرها من البلاد. ففي تفسيره"البيان" فهو يقرر:"أن المشهور بين علماء الشيعة ومحققيهم، بل المتسالم عليه بينهم هو" القول بعدم التحريف".(تفسير البيان ص226). ولكنّ أبا القسم الخوئي يقطع بصحة جملة من روايات التحريف فيقول:"إن كثرة الروايات تورث القطع بصدور بعضها عن المعصومين، ولا أقل من الاطمئنان بذلك، وفيها ما روي بطريق معتبر".(تفسير البيان ص222).
وبتتبع رواياتهم وأساطيرهم بهذا الخصوص ويعتبر رواياتهم التي تتحدث عن مصحف لعلي فيه زيادات ليست في كتاب الله القرآن وقد ذكرت فيها أسماء الأئمة، وأساطيرهم التي تقول بنقص القرآن، كل ذلك يعتبره ثابتاً عندهم، ولكنه يرى أنه من قبيل التفسير الذي نزل من عند الله وأن تلك الزيادات كانت تفسيراً بعنوان التأويل وما يؤول إليه الكلام، أو بعنوان التنزيل من الله شرحاً للمراد. (البيان ص223 وما بعدها).وأما أساطيرهم التي دلت على التحريف بعنوانه(على حسب تعبيره) وبلغت عندهم باعترافه عشرين رواية، وهو يعني بذلك أساطيرهم التي تقول بأن الصحابة حرفوا القرآن وبدلوه، حيث استشهد لذلك بقوله:عن الكافي والصدوق بإسنادهما عن علي بن سويد قال: كتبت إلى أبي الحسن كتاباً..ثمّ ذكر جوابه بتمامه، وفيه قوله عليه السلام:اؤتمنوا على كتاب الله فحرفوه وبدلوه.(70/28)
وأبو القاسم الخوئي نفسه في تفسيره يثبت لعلي مصحفاً مغايراً لما هو موجود، وإن كان هذا المصحف لا زيادة فيه ولا نقصان، ولكنه يشرح معنى مُغايرة مصحف علي رضي الله عنه للمصحف الذي بين أيدينا فيقول:"إن هذه الزيادات هي تنزيل من الله شرحاً للمراد".(مقدمة البيان في تفسير القرآن للخوئي) ولم يُبين لنا كيف أن هذه الزيادات تنزيل من الله، هل هي بوحي أم ماذا؟
وهذا وأبو القاسم الخوئي الذي يتظاهر بالإنكار يذهب إلى صحة تفسير هذا القمي، ويقرر أن روايات تفسيره كلها ثابتة وصادرة من المعصومين، لأنها انتهت إليه بواسطة المشايخ الثقات كما يزعم الشيعة.(معجم رجال الحديث1/63، الطبعة الأولى بالنجف 1398هـ، وص49 الطبعة الثالثة: بيروت 1403هـ، وقد نقل ذلك بنصه في المقدمة). وشيخهم إبراهيم القمي قد أكثر من أخبار التحريف في تفسيره، وكان هذا معتقده مع آخرين من شيوخهم. قال الكاشاني:"وأما اعتقاد مشايخنا في ذلك فالظاهر من ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني أنه كان يعتقد التحريف والنقصان في القرآن.. وكذلك أستاذه علي بن إبراهيم القمي، فإن تفسيره مملؤ منه، وله غلو فيه". ثم ذكر بقية من سار في الإلحاد من شيوخهم.(تفسير الصافي، المقدمة السادسة1/52).
والخوئي نفسه يعتبر ما جاء عن الصحابة في تفسير القرآن هو معنى التحريف الذي جاءت به رواياتهم، أي حمل الآيات على غير معانيها، كما يزعم.(البيان ص229).(70/29)
ويثبت الشيخ إحسان ظهير عقيدة تحريف القرآن عند الشيعة، ويتحدى علماء الشيعة المعاصرين أن يثبتوا أنهم يؤمنوا بغير ذلك...فيقول:"أفبعد هذا مكن لأحد أن يقول إنّ الشيعة لا يعتقدون التحريف والتغيير في كلام الله المبين، نعم هنالك بعض الأعيان من الشيعة الذين أظهروا أنّهم يعتقدون أن القرآن غير محرف وغير مغير فيه، وغير محذوف منه، ومنهم محمد بن علي بن بابويه القمى، الملقب بالصدوق عندهم المتوفى سنة 381هـ مؤلف كتاب "من لا يحضره الفقيه" وهو في القرون الأولى الأربعة أوّل من قال من الشيعة بعدم التحريف في القرآن، ولا يوجد في الشيعة المتقدمين حتى القرن الرابع وحتى نصفه الأول رجل واحد نسب إليه أنّه قال أو أشار إلى عدم التحريف، وبعكس ذلك يوجد مئات من النصوص الواضحة الصريحة على أنّ الحذف والنقص في القرآن، والزيادة عليه، قد وقع.
وهل في الدنيا نعم في الدنيا كلها واحد من علماء الشيعة وأعلامها يستطيع أن يقبل هذا التحدي ويثبت من كتبه هو أنّ واحداً منهم في القرون الأربعة الأولى (غير ابن بابويه) قال بعدم التحريف وأظهره.لا ولن يوجد واحد يقبل هذا التحدي.(70/30)
فالمقصود أنّ عقيدة الشيعة لم تكن قائمة إلا على أساس تلك الفرية لأنه كما ذكر مقدما هم مضطرون لرواج عقائدهم الواهية القائمة على أن لا يعتقدون بهذا القرآن، الذي يهدم أساس مذهبهم المنهار، وإلا تروح معتقداتهم المدسوسة في الإسلام أدراج الرياح. ونحن نفصل القول في هذا حتى يعرف الباحث والقارىء السر في تغيير منهج الشيعة بعدما مضى القرن الثالث ومنتصف الرابع، وقد عرف مما سبق من الأحاديث والروايات الصحيحة الثابتة عندهم، وأقوال المفسرين وأعلامهم وأئمتهم أنهم يعتقدون أن القرآن الموجود في أيدي الناس لم يسلم من الزيادة والنقصان، والقرآن الصحيح المحفوظ ليس إلا عند "مهديم المزعوم" فيولد في القرن الرابع من الهجرة محمد بن علي بن بابويه القمي ويرى أنّ النّاس يبغضون الشيعة وينفرون منهم لقولهم بعدم صيانة القرآن، ويشنّعون عليهم لأنّه لو سلم قولهم كيف يكون العمل على الإسلام، والدعوة إليه، وأيضاً كيف يمكن التمسك بمذهب الشيعة حيث يقولون إنّ الرسول عليه السلام أمر بالتمسك بالثقلين، القرآن وأهل البيت حسب زعمهم وحينما لا يثبت الثقل الأكبر وهو القرآن، كيف يثبت الثقل الأصغر والتمسك به. ولما رأى هذا لجأ إلى القول:"اعتقادنا أن القرآن الذي أنزل الله تعالى على نبيه محمد هو ما بين الدفتين، وهو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك..إلى أن قال:ومن نسب إلينا أنا نقول أكثر من ذلك فهو كاذب".
وتبعه في ذلك السيد المرتضى، الملقب بعلم الهدى المتوفى سنة 436هـ فقد نقل عنه مفسر شيعي أبو علي الطبرسي وقال:أما الزيادة فمجمع على بطلانه وأمّا النقصان فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامة أن في القرآن تغييرا ونقصانا، والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه وهو الذي نصره المرتضى".(70/31)
ثمّ حذا حذوهما أبو جعفر الطوسي(المتوفى سنة 460) فقال في تفسيره "التبيان":أمّا الكلام في زيادته ونقصانه فمما لا يليق به...إلى أن قال:وقد ورد النبي صلى الله عليه وآله رواية لا يدفعها أحد أنه قال:إنّي مخلف فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا، كتاب الله وعترتي، أهل بيتي..وهذا يدل على أنه موجود في كل عصر لأنه لا يجوز أن يأمرنا بالتمسك بما لا يقدر التمسك به". ورابعهم هو أبو علي الطبرسي المفسر الشيعي (المتوفى سنة 548هـ)، وقد مرّ كلامه في تفسيره "مجمع التبيان".
فهؤلاء هم الأربعة من القرن الرابع إلى القرن السادس لا الخامس لهم الذين قالوا بعدم التحريف في القرآن. ولا يستطيع عالم من علماء الشيعة أن يثبت في القرون الثلاثة هذه خامسا لهؤلاء الأربعة بقولهم بل وفي القرون الثلاثة الأولى أيضا لا يوجد موافقهم، وعلى ذلك يقول العالم الشيعي الميرزا حسين تقي النوري الطبرسي المتوفى سنة 1325هـ:
الثاني: عدم وقوع التغيير والنقصان فيه، وأنّ جميع ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله هو موجود بأيدي الناس فيما بين الدفتين، وإليه ذهب الصدوق في عقائده، والسيد المرتضى، وشيخ الطائفة الطوسي في التبيان ولم يعرف من القدماء موافق لهم-إلى أن قال..وإلى طبقته ،أي أبي علي الطبرسي-لم يعرف الخلاف صريحا إلا من هؤلاء المشايخ الأربعة".
فهؤلاء الأربعة أيضا ما أنكروا التحريف في القرآن وأظهروا الاعتقاد به تحرزا من طعن الطاعنين، وتخلصا من إيرادات المعترضين كما ذكرناه قبل ذلك، وكان ذلك مبنيا على التقية والنفاق الذي جعلوه أساسا لدينهم أيضا، ولولا ذاك ما كان لهم أن ينكروا ما لو أنكر لا نهدم مذهب الشيعة وذهب هباء منثورا.
والذي يثبت أن إنكار هؤلاء الأربعة التحريف في القرآن كان تقية ونفاقا وكذبا هو ما يلي:-(70/32)
أولاً:أن الروايات التي تنبىء وتخبر عن التحريف روايات متواترة عند الشيعة كما يقول السيد نعمة الله الجزائري المحدث الشيعي في كتابه "الأنوار" ونقل عنه السيد تقي النوري فقال:قال السيد المحدث الجزائري في الأنوار ما معناه:إن الأصحاب قد أطبقوا على صحة الأخبار المستفيضة بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن".
ونقل عنه أيضا:إن الأخبار الدالة على ذلك تزيد على ألفي حديث، وادعى استفاضتها جماعة كالمفيد، والمحقق الداماد، والعلامة المجلسي، وغيرهم، بل الشيخ أبو جعفر الطوسي أيضا صرح في "التبيان" بكثرتها، بل ادعى تواترها جماعة-إلى أن قال-واعلم أن تلك الأخبار منقولة من الكتب المعتبرة التي عليها معول أصحابنا في إثبات الأحكام الشرعية، والآثار النبوية". وإنكار هذه الروايات يستلزم إنكار تلك الروايات التي تثبت مسألة الإمامة والخلافة بلا فصل لعلي رضي الله عنه وأولاده من بعده عندهم، لأنّ الروايات عنها ليست بأكثر من روايات التحريف، وقد صرّح بهذا علامة الشيعة الملا محمد باقر المجلسي حيث قال:وعندي أن الأخبار في هذا الباب متواترة معنى، وطرح جميعها يوجب رفع الاعتماد عن الأخبار رأسا بل ظني أن الأخبار في هذا الباب لا يقصر عن أخبار الإمامة فكيف يثبتونها بالخبر".
ثانياً:مذهب الشيعة قائم على أقوال الأئمة وآرائهم فقد أثبتنا آرائهم وأقوالهم مقدما وهي تبين أنهم لا يرون القرآن الموجود في أيدي الناس قرآنا، كاملا، محفوظا باستثناء هؤلاء الأربعة الذين أظهروا إنكار التحريف ولم يستندوا إلى قول من الأئمة المعصومين-حسب قولهم- ولم يأتوا بشاهد منهم، وأما القائلون بالتحريف فإنهم أسسوا عقيدتهم على الأحاديث المروية عن الأئمة الإثنى عشر، الأحاديث الصحيحة، المثبتة، المعتمد عليها.(70/33)
ثالثاً:لم يدرك واحد من هؤلاء الأربعة القائلين بعدم التحريف زمن الأئمة الاثنى عشر المعصومين-حسب زعمهم- بخلاف متقدميهم القائلين بالتحريف ومعتقديه، فإنهم أدركوا زمن الأئمة، وجالسوهم، وتشرفوا برفقتهم، واستفادوا من صحبتهم، وصلوا خلفهم، وسمعوا وتعلموا منهم بلا واسطة، وتحدثوا معهم مشافهة.
رابعاً:الكتب التي رويت فيها أخبار وأحاديث عن التحريف والتغيير كتب معتبرة، معتمد عليها عند الشيعة، وقد عرضت بعض هذه الكتب على الأئمة المعصومين، ونالت رضاهم مثل الكافي للكليني، وتفسير القمي، وغيرهما.
خامسا:أن هؤلاء الأربعة الذين تظاهروا بإنكار التحريف يروون في كتبهم أنفسها-أحاديث وروايات عن الأئمة وغيرهم تدل وتنص على التحريف بدون تعرض لها ولإسنادها ورواتها.(70/34)
فمثلا ابن بابويه القمي القائل بأنّه:"من نسب إلينا القول بالتحريف فهو كاذب: هو نفسه الذي يروي في كتابه "الخصال" حديثاً مسنداً متصلا" حدثنا محمد بن عمر الحافظ البغدادي المعروف بالجصاني قال:حدثنا عبد الله بن بشر قال:حدثنا الحسن بن زبرقان المرادي قال:حدثنا أبو بكر بن عياش الأجلح عن أبي الزبير عن جابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول:يجيء يوم القيامة ثلاثة يشكون، المصحف، والمسجد، والعترة، يقول المصحف يا رب حرقوني ومزقوني..الحديث". وأبو علي الطبرسي الذي ينكر التحريف بشدة هو نفسه يروي في تفسيره وأحاديث يعتمد عليها تدل على أنّ التحريف قد وقع، فمثلا يعتمد في سورة النساء على رواية تضمنت نقصان كلمة "إلى أجل مسمى" من آية النكاح فيقول: وقد روى عن جماعة من الصحابة منهم أبي بن كعب، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود أنهم قرأوا فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فأتوهن أجورهن، وفي ذلك تصريح ومثل هذا كثير عندهم وهذا يدل دلالة واضحة أنه ما أنكر بعضهم التحريف إلا نفاقا وتقية ليخدعوا به المسلمين، والمعروف في مذهب الشيعة أنهم يرون التقية أي التظاهر بالكذب أصلا من أصول الدين كما يذكر ابن بابوية القمي هذا في رسالته "الاعتقادات":التقية واجبة لا يجوز رفعها إلى أن يخرج القائم فمن تركها قبل خروجه فقد خرج عن دين الله تعالى وعن دين الإمامية، وخالف الله ورسوله والأئمة، وسئل الصادق عليه السلام عن قول الله عز وجل "إن أكرمكم عند الله أتقاكم" قال:أعملكم بالتقية".فما كان ذاك إلا لهذا وإلا فكيف كان ذلك؟(70/35)
سادساً:لو سلم قول الأربعة لبطلت الروايات التي تنص على أن القرآن لم يجمعه إلا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأنه عرضه على الصحابة فردوه إليه وقالوا لا حاجة لنا به، فقال:لا ترونه بعد هذا إلا أن يقوم القائم من ولدي "وهناك رواية في "الكافي" عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال:ما يستطيع أحد أن يدعى أن عنده جميع القرآن، ظاهره وباطنه غير الأوصياء". وأيضا تبطل الأراجيف التي تقول:إنّ الصحابة وبخاصة الخلفاء الثلاثة منهم رضوان الله عليهم أجمعين أدرجوا فيه ما ليس منه وأخرجوا منه ما كان داخلا فيه،-ويعترف بمجهودات الصحابة وفضلهم الذين جمعوا القرآن وتسببوا في حفظه بتوفيق من الله، وعنايته، ورحمته، وكرمه. وفسد أيضا اعتقاد أنه لا تقبل عقيدة ولا يعتمد على شيء لم يصل إلينا من طريق الأئمة الإثنى عشر، والثابت أن القرآن الموجود في الأيدي لم ينقل إلا من مصحف الإمام عثمان ذي النورين رضي الله عنه وأن جمع القرآن كان بدايته من الصديق ونهايته من ذي النورين رضي الله عنهما. ولأجل ذلك لم يقبل هذا المتقدمون منهم ولم يقبله المتأخرون بل ردوا عليهم-فهذا مفسر شيعي معروف محسن الكاشي يقول في تفسيره الصافي بعد ذكر أدلة السيد المرتضى:أقول لقائل أن يقول كما أن الدواعي كانت متوفرة على تغييره من المنافقين، المبدلين للوصية، المغيرين للخلافة، لتضمنه ما يضاد رأيهم وهواهم..إلى أن قال:وأمّا كونه مجموعا في عهد النبي على ما هو عليه الآن فلم يثبت، وكيف كان مجموعا وإنما كان ينزل نجوما وكان لا يتم إلا بتمام عمره". وقال أحد أعلام الشيعة في الهند ردا على كلام السيد المرتضى:فان الحق أحق بالإتباع، ولم يكن السيد علم الهدى المرتضى معصوما حتى يجب أن يطاع، فل ثبت أنه يقول بعدم النقيصة مطلقا لم يلزمنا إتباعه ولا خير فيه.(70/36)
وقال الكاشي رداً على الطوسي بعدما نقل عبارته فقال:أقول يكفي في وجوده في كل عصر وجوده جميعا كما أنزل الله محفوظا عند أهله، ووجود ما احتجنا إليه عندنا وان لم نقدر على الباقي كما أن الإمام كذلك".
سابعاً:قد ذكرنا سابقا أن عقيدة الشيعة كلهم في القرآن هو أن القرآن محرف ومغير فيه غير هؤلاء الأربعة فهم ما أنكروا التحريف إلا لأغراض. منها سد باب الطعن لأنهم رأوا أن لا جوال عندهم لأعداء الإسلام حيث يعترضون على المسلمين " إلى أي شيء تدعون وليس عندكم ما تدعون إليه ؟ وكان أهل السنة يطعنون فيهم أين ذهب حديث الثقلين عند عدم وجود الثقل الأكبر؟ وكيف تدعون الإسلام بعد إنكار شريعة الإسلام؟(70/37)
فما وجدوا منه مخلصاّ إلا بإظهار الرجوع عن العقيدة المتفق عليها عند الشيعة الإمامية كافة، ونقول ظاهرا لأنّهم يبطنون نفس العقيدة وإلا فما يبقى لهم مجال للبقاء على تلك المهزلة التي سميت بمذهب الشيعة، وقد تخلصوا منه أيضا بالتحريف في المعنى حيث يؤولون القرآن بتأويل لا يقبله العقل، ولا يؤيده النقل، وقد اعترف بهذا السيد الجزائري حيث قال بعد ذكر اتفاق الشيعة على التحريف:نعم قد خالف فيها المرتضى، والصدوق، والشيخ الطبرسي، وحكموا بأنّ ما بين دفتي هذا المصحف هو القرآن المنزل لا غير، ولم يقع فيه تحريف ولا تبديل..والظاهر أن هذا القول إنما صدر منهم لأجل مصالح كثيرة ، منها سد باب الطعن فيه-ثم يبين أنه لم يكن إلا لهذه المصالح بقوله-:كيف وهؤلاء الأعلام رووا في مؤلفاتهم أخبار كثيرة تشتمل على وقوع تلك الأمور في القرآن وأن الآية هكذا ثم غيرت إلى هذا". وفعلا فقد أورد هؤلاء الذين أظهروا الموافقة لأهل السنة في القرآن، وأورد هؤلاء أنفسهم روايات في كتبهم تدل صراحة على التحريف والتغيير في القرآن، فنحن ذكرنا قبل ذلك أن ابن بابويه القمى الملقب بالصدوق أحد الأربعة أنكر التحريف في "الاعتقادات" وأثبته في كتاب آخر، وهكذا أبو علي الطبرسي يتظاهر باعتقاد عدم التحريف ولكنه في تفسيره يعتمد على أحاديث وروايات تدل على التحريف.
وأمّا الشيخ الطوسي الملقب بشيخ الطائفة، فقد قال الشيعة أنفسهم في تفسيره: ثم لا يخفى على المتأمل في كتاب "التبيان" أن طريقته فيه على نهاية المداراة والمماشاة مع المخالفين...ومما يؤكد وضع هذا الكتاب على التقية ما ذكره السيد الجليل علي بن طاووس في كتابه(سعد السعود)".(70/38)
ثامناً:إنّ الأربعة سالفي الذكر لم يكن قولهم مستندا إلى المتقدمين أو المعصومين عندهم، وهكذا لم يقبله المتأخرون، فهؤلاء أعلام الشيعة وزعماؤهم وأكابرهم ينكرون أشد الإنكار قول من يقول إن القرآن لم يتغير ولم يتبدل، فيقول الملا خليل القزويني، شارح "الصحيح الكافي" المتوفى سنة 1089هـ تحت حديث "إن للقرآن سبعة عشر ألف آية، يقول:وأحاديث الصحاح تدل على أن كثيرا من القرآن قد حذف، قد بلغ عددها إلى حد لا يمكن إنكاره،...وليس من السهل أن يدعى بأن القرآن الموجود هو القرآن المنزل بعد الأحاديث التي مر ذكرها، والاستدلال باهتمام الصحابة والمسلمين بضبط القرآن وحفظه ليس إلا استدلال ضعيف جدا بعد الاطلاع على أعمال أبى بكر وعمر وعثمان".
ويقول المفسّر الشيعي الكاشي في مقدمة نفسيره:المستفاد من مجموع هذه الأخبار وغيرها من الروايات من طريق أهل البيت عليهم السلام أن القرآن الذي بين أظهرنا ليس بتمامه كما أنزل على محمد صلى الله عليه وآله، بل منه ما هو خلاف ما أنزل الله، ومنه ما هو مغير محرف، وأنه قد حذف منه أشياء كثيرة، منها اسم علي في كثير من المواضع، ومنها لفظة آل محمد غير مرة، ومنها أسماء المنافقين في مواضعهم، ومنها غير ذلك، وأنه ليس على الترتيب المرضي عند الله وبه قال إبراهيم". ويقول:أمّا اعتقاد مشائخنا رحمهم الله في ذلك فالظاهر من ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني طاب ثراه أنّه كان يعتقد التحريف والنقصان في القرآن، لأنّه روى روايات في هذا المعنى في كتابه الكافي، ولم يتعرّض لقدح فيها مع أنه ذكر في أول الكتاب أنه يثق بما رواه فيه، وكذلك أستاذه علي بن إبراهيم القمي فإن تفسيره مملوء وله غلو فيه، وكذلك الشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي قدس سره أيضا نسج على منوالهما في كتابه الاحتجاج.(70/39)
وقال المقدس الأردبيلي العالم الشيعي الكبير ما معناه:إن عثمان-الخليفة الراشد رضي الله عنه- قتل عبد الله بن مسعود بعد أن أجبره على ترك المصحف الذي كان عنده وأكرهه على قراءة ذلك المصحف الذي ألفه ورتبه زيد بن ثابت بأمره، وقال البعض إن عثمان رضي الله عنه أمر مروان بن الحكم، وزياد بن سمرة، الكاتبين له أن ينقلا من مصحف عبد الله ما يرضيهم ويحذفا منه ما ليس بمرضي عندهم ويغسلا الباقي. وذكر خاتمة مجتهدهم الملا محمد باقر المجلسي في كتابه:إن الله أنزل في القرآن سورة النورين وهذا نصها:"بسم الله الرحمن الرحيم، يا أيها الذين آمنوا بالنورين أنزلناهما عليكم آياتي ويحذرانكم عذاب يوم عظيم، نوران بعضهما من بعض وأنا السميع العليم، الذين يوفون بعهد الله ورسوله في آيات لهم جنات النعيم، والذين كفروا من بعد ما آمنوا بنقضهم ميثاقهم وما عاهدهم الرسول عليه يقذفون في الجحيم، ظلموا أنفسهم وعصوا لوصى الرسول أولئك يسقون من حميم إن الله الذي نور السموات والأرض بما شاء واصطفى من الملائكة وجعل من المؤمنين أولئك في خلقه. يفعل الله ما يشاء لا إله إلا هو الرحمن الرحيم. قد مكر الذين من قبلهم برسلهم فأخذهم بمكرهم إن أخذي شديد أليم. إن الله قد أهلك عادا وثمودا بما كسبوا وجعلهم لكم تذكرة فلا تتقون. وفرعون بما طغى على موسى وأخيه هارون أغرقته ومن تبعه أجمعين . ليكون لكم آيته وإن أكثركم فاسقون. إن الله يجمعهم في يوم الحشر فلا يستطيعون الجواب حين يسألون إن الجحيم مأواهم وإن الله عليم حكيم. يا أيها الرسول بلغ إنذاري فسوف يعلمون. قد خسر الذين كانوا عن آياتي وحكمي معرضون . مثل الذين يوفون بعهدك إني جزيتهم جنات النعيم. إن الله لذو مغفرة وأجرعظيم وإن عليا من المتقين . وإنا لنوفيه حقه يوم الدين . وما نحن عن ظلمه بغافلين. وكرمناه على أهلك أجمعين . فإنه وذريته لصابرون وإن عدوهم إمام المجرمين . قل للذين كفروا بعدما آمنوا(70/40)
أطلبتم زينة الحياة الدنيا واستعجلتم بها ونسيتم ما وعدكم الله رسوله ونقضتم العهود من بعد توكيدها وقد ضربنا لكم الأمثال لعلكم تهتدون . يا أيها الرسول قد أنزلنا إليك آيات بينات فيها من يتوفاه مؤمنا ومن يتولاه من بعدك يظهرون . فأعرض عنهم إنهم معرضون . إنا لهم محضرون . في يوم لا يغني عنهم شيئا ولا هم يرحمون . إن لهم في جهنم مقاما عنه لا يعدلون . فسبح باسم ربك وكن من الساجدين . ولقد أرسلنا موسى وهارون بما استخلف فبغوا هارون فصبر جميل . فجعلنا منهم القردة والخنازير ولعناهم إلى يوم يبعثون . فاصبر فسوف يبصرون .ولقد آتينا بك الحكم كالذين من قبلك من المرسلين . وجعلنا لك منهم وصيا لعلهم يرجعون . ومن يتولى عن أمري فإني مرجعة فليتمتعوا بكفرهم قليلا فلا تسأل عن الناكثين. يا أيها الرسول قد جعلنا لكم في أعناق الذين آمنوا عهدا فخذ وكن من الشاكرين . إن عليا قانتا بالليل ساجدا يحذر الآخرة ويرجو ثواب ربه . قل هل يستوي الذين ظلموا وهم بعذابي يعلمون . سيجعل الأغلال في أعناقهم وهم على أعمالهم يندمون . إنا بشرناك بذريته الصالحين . وإنهم لأمرنا لا يخلفون فعليهم مني صلوات ورحمة أحياء وأمواتا ويوم يبعثون . وعلى الذين يبغون عليهم من بعدك غضبي إنهم قوم سوء خاسرين . وعلي الذين سلكوا مسلكهم مني رحمة وهم في الفرقان آمنون والحمد لله رب العالمين."..إلى أن ذكر عدة آيات ثمّ قال:لمّا أسقط أولئك الفجرة حروف القرآن وقرءوها كما شاءوا.
وكتب الميرزا محمد باقر الموسوي:"إنّ عثمان ضرب عبد الله بن مسعود ليطلب منه مصحفه حتى يغيره ويبدله، مثل ما اصطنع لنفسه، حتى لا يبقى قرآن محفوظ صحيح". ويقول الحاج كريم خان الكرماني الملقب بمرشد الأنام في كتابه:إن الإمام المهدي بعد ظهوره يتلو القرآن الحقيقي الذي أنزله الله على محمد، والذي حرف وبدّل.(70/41)
ويقول المجتهد الشيعي الهندي السيد دلدار على الملقب بآية الله في العالمين يقول:ومقتضى تلك الأخبار أن التحريف في الجملة في هذا القرآن الذي بين أيدينا بحسب زيادة الحروف ونقصانه بل بحسب بعض الألفاظ وبحسب الترتيب في بعض المواقع قد وقع بحيث مما لا شك مع تلك الأخبار. ويصرّح عالم شيعي آخر:إنّ القرآن هو من ترتيب الخليفة الثالث، ولذلك لا يحتج به على الشيعة. وقد ألف العالم الشيعي الميرزا النوري الطبرسي في ذلك كتاباً مستقلا ًكبيراً سماه فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب وقد ذكرنا عدة عبارات قبل ذلك منهن وقال في مقام آخر:ونقصان السورة وهو جائز كسورة الحقد وسورة الخلع وسورة الولاية. وقد ذكرنا عبارات المتقدمين منهم والمتأخرين قبل ذلك فلا فائدة لتكرارها. والحاصل أن متقدمي الشيعة ومتأخريهم إلا القليل منهم متفقون على أنّ القرآن محرف، مغير فيه، محذوف منه حسب روايات الأئمة المعصومين-كما يزعمون- فها هو المحدث الشيعي يقول-وهو يذكر القراءات المتعددة-:"الثالث أنّ تسليم تواترها عن الوحي الإلهي، وكون الكل نزل به الروح الأمين يفضى إلى طرح الأخبار المستفيضة، بل الكلّ المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن كلاماً ومادةً وإعرابا ًمع أنّ أصحابنا قد أطبقوا على صحتها والتصديق بها".
أفبعد هذا يمكن لأحد أن يقول إنّ الشيعة يعتقدون بالقرآن، ويقولون إنه لا زائد على ما بين الدفتين ولا ناقص منه؟".(الشيعة والسنة:إحسان إلهي ظهير، طبعة دار الأنصار بالقاهرة، ص119-125، وانظر:الشيعة والقرآن:إحسان إلهي ظهير، الطبعة الأولى 1403هـ-1983م، إدارة ترجمان السنة، لاهور-باكستان، ص61-87).
تنبيه مهم: إذا كان هناك من علماء الشيعة يقولون بأنّ القرآن محفوظ غير محرف ومبدل فيه، وكانوا صادقين في هذه الدعوة..فيجب عليهم:-(70/42)
أولاً:أن يأتوا برواية واحدة صحيحة من أئمتهم المعصومين مذكورة في أي كتاب من كتبهم التي يعتمد عليها عندهم، والتي تدل على أنّ القرآن محفوظ كامل ومكمل غير محرف، ولن يأتوا بهذه الرواية إلى يوم القيامة.
ثانياً:أن يكفروا كلّ علمائهم ممن يقول بتحريف القرآن، من القدامى والمحدثين ويعلنوا عقيدتهم هذه في وسائل الإعلام، في التلفاز والجرائد والمجلات.
ثالثاً:عليهم ألاّ يروجوا الروايات الدّالة على التحريف في مجالسهم، وكتبهم، بل عليهم أن يتبرءوا من أصحابها، ومنها في مجالسهم ومحافلهم ويخطئوا آلاف الكتب التي وردت فيها مثل هذه الأكاذيب والضلالات، كأصول الكافي والاحتجاج، وفصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب، وغيرهما.
رابعاً:أن يسقطوا روايات القائلين بالتحريف، لأنّهم ليسوا ثقات بل كفار، سواء رواياتهم في العقيدة أو الفقه أو التفسير أو الحديث.
خامساً:عليهم أن يدّونوا المصنّفات في إثبات صحة القرآن وعدم تحريفه، وأن يقوموا بالردّ على علمائهم القائلين بالتحريف، ويدرّسوا هذا في معاهدهم وحوزاتهم الدينية.
سادساً:أن يسقطوا بل يعدموا كل كتبهم ومؤلفاتهم القائلة بالتحريف، سواء كتبهم في العقيدة أو الفقه أو التفسير أو الحديث...أو نحوها من كتب علوم الدين.
ثانيا:مهدي الشيعة يأتي بالقرآن الكامل:(70/43)
روى شيخهم محمد بن محمد بن النعمان الملقب بالمفيد في(الإرشاد، الطبعة الثالثة، مؤسسة الأعلمي، بيروت 1979م ص365) عن أبي جعفر قال:"إذا قام قائم آل محمد ضرب فساطيط يعلم فيها يعلم فيها القرآن على ما أنزل فأصعب ما يكون عليّ من حفظه اليوم لأنه يخالف فيه التأليف" وذكرها كامل سليمان في(يوم الخلاص ص372). وروى شيخهم النعماني في كتاب (الغيبة ص318) عن علي عليه السلام قال:"كأني بالعجم فساطيطهم في مسجد الكوفة يعلمون الناس القرآن كما أنزل قلت (أي الراوي):يا أمير المؤمنين أو ليس هو كما أنزل فقال:لا محي منه سبعون من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم، وما ترك أبو لهب إلا إزراء على رسول الله وآله لأنه عمه". ونقل شيخهم محمد بن محمد صادق الصدر في (تاريخ ما بعد الظهور ص637) عن أبي عبد الله أنه قال:"..لكأني أنظر إليه بين الركن والمقام يبايع الناس على كتاب جديد على العرب شديد" وذكر الرواية شيخهم كامل سليمان في كتاب( يوم الخلاص ص371). عن أبي جعفر قال: "يقوم القائم في وتر من السنين إلى أن قال:فوالله لكأني أنظر إليه بين الركن والمقام يبايع الناس بأمر جديد وكتاب جديد وسلطان جديد من السماء".(تاريخ ما بعد الظهورص638) وعن الإمام جعفر الصادق قال: إذا قام القائم قرأ كتاب الله عز وجل على حده، وأخرج المصحف الذي كتبه علي. (يوم الخلاص لكامل سليمان ص373). وعن محمد بن علي عليهما السلام قال:"لو قد خرج قائم آل محمد...إلى أن قال:يقوم بأمر جديد وسنة جديدة وقضاء جديد على العرب شديد".(تاريخ ما بعد الظهور ص638).(70/44)
فالشيعة إذن مأمورون بقراءة القرآن، وانتظار ما يأتي به المهدي، يقول الشيخ الشيعي المفيد:"إنّ الخبر قد صّح من أئمتنا عليهم السلام أنهم أمروا بقراءة ما بين الدفتين، وأن لا نتعداه، بلا زيادة فيه ولا نقصان منه، حتى يقوم القائم-عليه السلام فيقرأ النّاس القرآن على ما أنزله الله تعالى وجمعه أمير المؤمنين عليه السلام".(بحار الأنوار 92/74).
ثالثاً:مصحف علي:
تولى كبر إشاعة هذه الأسطورة الأكذوبة الكليني في كتابه الكافي، وعقد لها باباً خاصاً بعنوان: "باب أنّه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة عليهم السلام" وذكر فيه ست روايات، منها: ما رواه عن جابر الجعفي إنه سمع أبا جعفر يقول:"ما ادعى أحد من النّاس أنّه جمع القرآن كله كما أنزل إلا كذاب، وما جمعه وحفظه كما نزله الله تعالى إلا علي بن أبي طالب والأئمة من بعده" (أصول الكافي1/228) وجابر الجعفي وهو كذاب عند أهل السنة، وكتب الشيعة اعترفت بأنه ليس على صلة معروفة بأبي جعفر.(انظر: رجال الكشي ص191) فهذه الرواية من أكاذيبه، وتلقفها الكليني.
وفي تفسير القمي عن أبي جعفر رضي الله عنه قال:"ما أحد من هذه الأمة جمع القرآن إلا وصي محمد صلى الله عليه وآله".(تفسير القمي ص 744 ط: إيران، بحار الأنوار: 92/48.(
وتذكر بعض هذه الأساطير أن بعض الشيعة اطلع على هذا المصحف المزعوم فتقول:"عن ابن الحميد قال: دخلت على أبي عبد الله - رضي الله عنه- فأخرج إليّ مصحفاً، قال: فتصفحته فوقع بصري على موضع منه فإذا فيه مكتوب: "هذه جنهم التي كنتم بها تكذبان. فاصليا فيها لا تموتان فيها ولا تحييان" قال المجلسي:"يعني الأولين".(بحار الأنوار 92/48(.(70/45)
وفي الكافي رواية أخرى تخالف ذلك حيث جاء فيه عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: دفع إليّ أبو الحسن مصحفاً وقال: "لا تنظر فيه، ففتحته وقرأت فيه: لم يكن الذين كفروا؛ فوجدت فيها اسم سبعين رجلاً من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم قال: فعبث إليّ: ابعث بالمصحف".(أصول الكافي: 2/631(.
هذا المصحف الذي تتحدث عنه هذه الرواية مصحف سري محجوب عن الخاص والعام لا يطلع عليه سوى الإمام، وهو يشير إلى أن من موضوعاته تكفير صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو ليس كتاب الله الذي نزل للناس كافة، والذي أثنى على الصحابة في جمل من آياته..بل هو مصحف تتداوله الأيدي الباطنية بصفة سرية، وتنسب بعض أخباره لأهل البيت لتسيء إليهم.
ورووا أن أبا علي المعروف بالبزنطي قال:"أن الرضا عليه السلام أودع عنده ذلك المصحف المزعوم فقال هذا البنزنطي:وكنت يوماً وحدي ففتحت المصحف لأقرأ فيه، فلما نشرته نظرت فيه في "لم يكن" فإذا فيها أكثر مما في أيدينا أضعافه، فقدمت على قراءتها فلم أعرف شيئاً فأخذت الدواة والقرطاس فأردت أن أكتبها لكي أسأل عنها، فأتاني مسافر قبل أن أكتب منها شيئاً، معه منديل وخيط وخاتمه فقال: مولاي يأمرك أن تضع المصحف في المنديل وتختمه وتبعث إليه بالخاتم، قال: ففعلت".(بصائر الدرجات ص 246، عن بحار الأنوار92/51(.
والروايات الثلاث كلها عن هذا البيزنطي في رواية بصائر الدرجات يزعم أنه لم يفهم شيئاً مما قرأ وحاول أن يكتب ما قرأ فاستعجله رسول إمامه قبل أن يكتب، وفي رواية الكشي يزعم أنه حفظ جزءاً مما قرأ، ولكن هذا المحفوظ فارقه بمفارقة المصحف، وفي رواية الكافي نراه يعرف ما قرأه ويستذكر ما حفظ، وأن ذلك يتعلق بأعداء الأئمة من قريش. نصوص متناقضة كالعادة في كل أسطورة.(70/46)
وقال شيخهم نعمة الله الجزائري: "إنه قد استفاض في الأخبار أن القرآن كما أنزل لم يؤلفه إلا أمير المؤمنين..إلى أن قال:وهو الآن موجود عند مولانا المهدي رضي الله عنه مع الكتب السماوية ومواريث الأنبياء".(الأنوار النعمانية 2/360-362)، ويذكر ابن النديم -وهو شيعي- أنه رأى قرآناً بخط علي يتوارثه بيت من البيوت المنتسبة للحسن.(الفهرست ص28).
ويشير ابن عنبة-ممن يدعي النسب العلوي- إلى وجود مصحفين بخط أمير المؤمنين علي، أحدهما يقع في ثلاثة مجلدات، والآخر يقع في مجلد واحد، قد رآه بنفسه، ولكنهما احترقا حين احترق المشهد.(عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب ص 130-131).
وقال أبو عبد الله الزنجاني من كبار شيوخ الشيعة المعاصرين: ورأيت في شهر ذي الحجة سنة 1353ه في دار الكتب العلوية في النجف مصحفاً بالخط الكوفي كتب على آخره:كتبه علي بن أبي طالب في سنة أربعين من الهجرة.(الزنجاني:تاريخ القرآن ص67-68)،
وهذه المشاهدات المزعومة لمصحف علي، تناقض دعواهم أن المصحف الذي كتبه علي عند مهديهم المنتظر. ولا شك بأن أمير المؤمنين علي ما كان يقرأ ويحكم إلا بالمصحف الذي أجمع عليه الصحابة، وهذا ما تعترف به كتب الشيعة نفسها.(انظر ص 203) ولهذا أخرج ابن أبي داود بإسناد صحيح من طريق سويد بن غفلة قال:قال علي:"لا تقولوا في عثمان إلا خيراً، فوالله ما فعل في المصاحف إلا عن ملأ منا".(فتح الباري صحيح البخاري 13/18(. وقد نقلت ذلك كتب الشيعة كما سيأتي بعد قليل. وقد جاء في صحيح البخاري بأنّ أمير المؤمنين عثمان حين جمع القرآن أرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق.(فتح الباري شرح صحيح البخاري 13/11(. وهذا وحده ينفي وجود مصحف بخط علي رضي الله عنه كما يزعمون.
رابعاً:العمل بالقرآن ريثما يخرج مصحفهم مع إمامهم المنتظر:(70/47)
قال أيضاً شيخهم نعمة الله الجزائري:"قد روي في الأخبار أنهم عليهم السلام أمروا شيعتهم بقراءة هذا الموجود من القرآن في الصلاة وغيرها والعمل بأحكامه حتى يظهر مولانا صاحب الزمان فيرتفع هذا القرآن من أيدي الناس إلى السماء، ويخرج القرآن الذي ألفه أمير المؤمنين فيقرأ ويعمل بأحكامه" (الأنوار النعمانية: 2/363-364).
وقال الكليني في الكافي ما نصه:"..عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن محمد بن سليمان عن بعض أصحابه، عن أبي الحسن رضي الله عنه قال:قلت: جعلت فداك إنا نسمع الآيات في القرآن، ليس هي عندنا كما نسمعها، ولا نحسن أن نقرأها كما بغلنا عنكم، فهل نأثم؟ فقال:لا، اقرؤوا كما تعلمتم فسيجيئكم من يعلمكم".(أصول الكافي 2/619). فمادام الأمر كذلك، لماذا تروى عن كل إمام طائفة من الزيادات على كتاب الله؟ ثمّ ما دام قد غيّر كيف يصبح العمل به؟!(70/48)
وهذه النصوص التي تدعو إلى العمل بالقرآن يكاد يقابلها نصوص أخرى تدعو بأسلوب "مقنع" وغير صريح إلى إهمال حفظ القرآن لأنّه مغيّر ومن حفظه على تحريفه يصعب عليه حفظه إذا جاء به منتظرهم. فقد روى المفيد بإسناده إلى جابر الجعفي عن أبي جعفر أنه قال: إذا قام قائم آل محمد صلى الله عليه وآله ضرب فساطيط، ويعلم الناس القرآن على ما أنزل الله عز وجل، فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم، لأنه يخالف فيه التأليف".(المفيد:الإرشاد: ص413). وروى النعماني في الغيبة ما يشبه الرواية السابقة، فقد روى بإسناده (الكاذب) إلى أمير المؤمنين علي قال:"كأني بالعجم فساطيطهم في مسجد الكوفة يعلمون الناس القرآن كما أنزل، قلت:يا أمير أو ليس هو كما أنزل؟ فقال:لا، محي منه سبعون من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم، وما ترك أبو لهب إلا إزراء على رسول الله صلى الله عليه وآله لأنه عمه".(النعماني:الغيبة ص171- 172، فصل الخطاب الورقة(7)، بحار الأنوار92/60). وأورد النعماني روايتين بمعنى هذه الرواية.(انظر الغيبة ص 194، بحار الأنوار25/364).
وهناك روايات كثيرة تزعم أنّ أئمتهم يقرأون بغير ما في القرآن، كما جاء في تفسيرات فرات "عن حمران قال: سمعت أبا جعفر يقرأ هذه الآية: "إن الله اصطفى آدم ونوحاً و آل إبراهيم وآل محمد على العالمين" قلت: ليس يقرأ كذا، قال: أدخل حرف مكان حرف".(تفسير فرات ص 18، بحار الأنوار92/56).
ويقول المجلسي نقلاً عن المفيد:"نهونا عليهم السلام عن قراءة مما وردت به الأخبار من أحرف يزيد على الثابت في المصحف، لأنّه لم يأت على التواتر وإنما جاء بالآحاد، وقد يلغط الواحد فيما ينقله، ولأنه متى قرأ الإنسان بما يخالف ما بين الدفتين غرر بنفسه مع أهل الخلاف، وأغرى به الجبارين، وعرض نفسه للهلاك، فمنعونا عليهم السلام من قراءة القرآن بخلاف ما يثبت بين الدفتين لما ذكرناه" )بحار الأنوار: 92/74– 75.((70/49)
ويقول مفيدهم:"إنّ الخبر قد صحّ من أئمتنا عليهم السلام أنّهم أمروا بقراءة ما بين الدفتين، وأن لا نتعداه، بلا زيادة فيه ولا نقصان منه، حتى يقوم القائم عليه السلام فيقرأ الناس القرآن على ما أنزله الله تعالى وجمعه أمير المؤمنين عليه السلام".(بحار الأنوار92: 74). وروى مفيدهم أيضاً بإسناده إلى جابر الجعفي عن أبي جعفر أنّه قال:إذا قام قائم آل محمد صلى الله عليه وآله ضرب فساطيط، ويعلم النّاس القرآن على ما أنزل الله عز وجل، فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم، لأنّه يخالف فيه التأليف )المفيد:الإرشاد: ص413(. وروى بإسناده كذب إلى أمير المؤمنين علي قال:"كأني بالعجم فساطيطهم في مسجد الكوفة يعلمون الناس القرآن كما أنزل، قلت:يا أمير أو ليس هو كما أنزل؟ فقال:لا، محي منه سبعون من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم، وما ترك أبو لهب إلا إزراء على رسول الله صلى الله عليه وآله لأنّه عمه".(النعماني:الغيبة ص 171-172، فصل الخطاب الورقة(7)، بحار الأنوار92/60).
خامسا:عدم الاهتمام بالقرآن:(70/50)
والحق أنّ الشيعة اليوم لا يهتمون بدراسة القرآن وحفظه وتلاوته، وكيف يهتمون به، ولكونه في نظرهم محرّف..ونذكر هنا مجموعة من الشهادات الشيعية تدلَّل على ذلك، يقول الدكتور الشيعي جعفر الباقري-أستاذ في طهران-في كتابه(ثوابت ومتغيرات الحوزة العلمية ص109):"من الدعائم الأساسية التي لم تلق الاهتمام المنسجم مع حجمها وأهميتها في الحوزة العلمية هو القرآن الكريم، وما يتعلق به من علوم ومعارف وحقائق وأسرار فهو يمثل الثقل الأكبر والمنبع الرئيسي للكيان الإسلامي بشكل عام. ولكن الملاحظ هو عدم التوجه المطلوب لعلوم هذا الكتاب الشريف ، وعدم منحه المقام المناسب في ضمن الاهتمامات العلمية القائمة في الحوزة العلمية، بل وإنه لم يدخل في ضمن المناهج التي يعتمدها طالب العلوم الدينية طيلة مدة دراسته العلمية، ولا يختبر في أي مرحلة من مراحل سنيه العلمي بالقليل منها ولا بالكثير.فيمكن بهذا لطالب العلوم الدينية في هذا الكيان أن يرتقي في مراتب العلم، ويصل إلى أقصى غاياته وهو- درجة الاجتهاد- من دون أن يكون قد تعرف على علوم القرآن وأسراره أو اهتم به ولو على مستوى التلاوة وحسن الأداء. هذا الأمر الحساس أدى إلى بروز مشكلات مستعصية وقصور حقيقي في واقع الحوزة العلمية لا يقبل التشكيك والإنكار".
ويقول آية الله الخامنئي المرشد الديني للجمهورية الإسلامية الشيعية:"مما يؤسف له أن بإمكاننا بدء الدراسة ومواصلتنا لها إلى حين استلام إجازة الاجتهاد من دون أن نراجع القرآن ولو مرة واحدة !!! لماذا هكذا ؟؟؟ لأنّ دروسنا لا تعتمد على القرآن".(نفس المرجع السابق ص 110).
ويقول آية الله محمد حسين فضل الله:"فقد نفاجأ بأن الحوزة العلمية في النجف أو في قم أو في غيرهما لا تمتلك منهجا دراسيا للقرآن".(نفس المرجع السابق ص 111).(70/51)
ويقول آية الله الخامنئي:"إنّ الإنزواء عن القرآن الذي حصل في الحوزات العلمية وعدم استئناسنا به، أدى إلى إيجاد مشكلات كثيرة في الحاضر، وسيؤدي إلى إيجاد مشكلات في المستقبل...وإن هذا البعد عن القرآن يؤدي إلى وقوعنا في قصر النظر".(نفس المرجع السابق ص 110.(
وقد يرفض بعض الشيعة كلام هؤلاء العلماء والقادة-متسائلا:كيف لا تهتم الشيعة بالقرآن وهناك مفسرين كبار كالشيخ الطبطبائي؟ والجواب سيكون من علماءهم أنفسهم، فهذا الدكتور جعفر الباقري يقول:"وأمّا العلماء الذين برزوا في مجال التفسير من هذا الكيان (أي الحوزات) وعلى رأسهم العلامة محمد حسين الطباطبائي صاحب تفسير الميزان فقد اعتمدوا على قدراتهم ومواهبهم الخاصة وابتعدوا بأنفسهم عن المناهج العلمية المألوفة في الحوزة العلمية وتفرغوا إلى الاهتمام بالقرآن الكريم وعلومه والاشتغال بأمر التفسير".(ثوابت ومتغيرات الحوزة العلمية:جعفر الباقري ص 111).
ما هو السبب الحقيقي وراء إعراض الشيعة عن القرآن؟:-
يقول آية الله الخامنئي:"إذا ما أراد شخص كسب أي مقام علمي في الحوزة العلمية كان عليه أن لا يفسّر القرآن حتى لا يتهم بالجهل حيث كان ينظر إلى العالم المفسر الذي يستفيد الناس من تفسيره على أنّه جاهل ولا وزن له علمياً لذا يضطر إلى ترك درسه إلا تعتبرون ذلك فاجعة ؟!"(ثوابت ومتغيرات الحوزة ص 112).
ويقول الدكتور الباقري:"وكان ربّما يعاب على بعض العلماء مثل هذا التوجه والتخصص-أي في القرآن وعلومه-الذي ينأى بطالب العلوم الدينية عن علم الأصول ويقترب به من العلم بكتاب الله ولا يعتبر هذا النوع من الطلاب من ذوي الثقل والوزن العلمي المعتد به في هذه الأوساط". (ثوابت ومتغيرات الحوزة ص 112).(70/52)
ويضيف الدكتور الباقري مجيباً على مثل هذا السؤال:(ويصل الطلب إلى أقصى غاياته وهو الاجتهاد من دون أن يكون قد تعرف على علوم القرآن وأسراره أو اهتم به ولو على مستوى التلاوة وحسن الأداء إلا ما يتعلق باستنباط الأحكام الشريعة منه خلال التعرض لآيات الأحكام ودراستها من زوايا الفقهية وفي حدود العقلية والأصولية الخاصة".(ثوابت ومتغيرات الحوزة ص 110).
ويقول آية الله الخامنئي:"قد ترد في الفقه بعض الآيات القرآنية ولكن لا تدرس ولا تبحث بشكل مستفيض كما يجري في الروايات.. هذا الأمر الحساس أدى إلى بروز مشكلات مستعصية وقصور حقيقي في واقع الحوزة العلمية لا يقبل التشكيك والإنكار".(ثوابت ومتغيرات الحوزة ص 110).(70/53)
ويقول الشهيد العلامة مرتضى مطهري:"عجبا أن الجيل القديم نفسه قد هجر القرآن وتركه، ثمّ يعتب على الجيل الجديد لعدم معرفته بالقرآن، إنّنا نحن الذين هجرنا القرآن، وننتظر من الجيل الجديد أن يلتصق به، ولسوف أثبت لكم كيف أنّ القرآن مهجور بيننا.إذا كان شخص ما عليما بالقرآن، أي إذا كان قد تدبر في القرآن كثيرا، ودرس التفسير درسا عميقا ، فكم تراه يكون محترما بيننا؟لا شيء. أمّا إذا كان هذا الشخص قد قرأ " كفاية " الملا كاظم الخراساني فإنه يكون محترما وذا شخصية مرموقة. وهكذا ترون أن القرآن مهجور بيننا. وإن إعراضنا عن هذا القرآن هو السبب في ما نحن فيه من بلاء وتعاسة، إننا أيضا من الذين تشملهم شكوى النبي (ص) إلى ربه:"يا رب إن قوي اتخذوا هذا القرآن مهجورا". قبل شهر تشرّف أحد رجالنا الفضلاء بزيارة العتبات المقدسة، وعند رجوعه قال:إنّه تشرّف بزيارة آية الخوئي حفظه الله، وسأله:لماذا تركت درس التفسير الذي كنت تدرسه في السابق ؟ فأجاب:أنّ هناك موانع ومشكلات في تدريس التفسير! يقول، فقلت له:إنّ العلامة الطباطبائي مستمر في دروسه التفسيرية في قم. فقال:إنّ الطباطبائي يضحي بنفسه. أي أن الطباطبائي قد ضحى بشخصيته الاجتماعية. وقد صّح ذلك. إنّه لعجيب أن يقضى امرؤ عمره في أهم جانب ديني، كتفسير القرآن ثمّ يكون عرضه للكثير من المصاعب والمشاكل، في رزقه، في حياته، في شخصيته، في احترامه، وفي كل شيء آخر. لكنه لو صرف عمره في تأليف كتاب مثل الكفاية لنا كل شيء، تكون النتيجة أنّ هناك آلافاً من الذين يغرفون الكفاية معرفة مضاعفة، أي أنهم يعرفون الكفاية والردّ عليه، وردّ الردّ عليه، والردّ على الردّ عليه، ولكن لا نجد شخصين اثنين يعرفان القرآن معرفة صحيحة، عندما تسأل أحدا عن تفسير آية قرآنية، يقول لك:يجب الرجوع إلى التفاسير".(إحياء الفكر الديني ص 52).(70/54)
وذكر الشيخ الشيعي محمد جواد مغنية حدثاً في بيان حقيقة هذا الإهمال. فيقول:"وقد حرّفت إسرائيل بعض الآيات مثل:(ومن يبتغي غير الإسلام دينا فلن يقبل منه). فأصبحت:ومن يبتغي غير الإسلام دينا يقبل منه. وقد اهتزّ الأزهر لهذا الأنباء، ووقف موقفا حازماً ومشرفاً، فأرسل الوفود إلى الأقطار الآسيوية والأفريقية، وجمع النسخ المحرفة واحرقها. ثم طبع المجلس الإسلامي الأعلى في القاهرة أكثر من أربعة ملايين نسخة من المصحف، ووزعها بالمجان. أما النجف وكربلاء وقم وخرسان فلم تبدر من أحدهما أية بادرة، حتى كأن شيء لم يكن، أو كأن الأمر لا يعنيها، وصحّ فيه قول القائل:فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة..وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم".(كتاب من هنا وهناك-ضمن مجوعة المقالات:للشيخ الشيعي اللبناني المعروف محمد جواد مغنية، ص 213).
الكتب المقدسة عند الشيعة
المصادر الشيعية الإمامية توردُ في هذا الصَدد الكتب أو الصحف التالية:-
أولاً: صحيفة علي.
ثانياً: الجامعة:وهو كتاب علي رضي الله عنه بالأحكام.
ثالثاً: مصحف فاطمة.
رابعاً: الجفر.
خامساً:الصحيفة السجادية.
وترى الشيعة الإمامية أنّ أئمة أهل البيت توارثوا هذه الكتب، وكان يرجعون إليها في بيان العقائد والحلال والحرام، وحوادث المستقبل القريب والبعيد.
وهذه جملة أحاديث في بيان معتقدهم:
- عن داود بن أبي يزيد الأحوال عن أبي عبد الله، قال: سمعته يقول: إنا لو كنا نفتي الناس برأينا وهوانا لكنا من الهالكين، ولكنها آثار من رسول الله، أصل علم، نتوارثها كابراً عن كابر، نكنزها كما يكنز الناس ذهبهم وفضتهم".(بصائر الدرجات: ص299).
- عن جابر قال: قال أبو جعفر: يا جابر والله لو كنا نحدث الناس أو حدثناهم برأينا، لكنا من الهالكين، ولكنَّا نحدثهم بآثار عندنا من رسول الله صلّى الله عليه وآله، يتوارثها كابراً عن كابر، نكنزها كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضتهم". (المصدر السابق).(70/55)
-عن محمد بن شريح قال: قال أبو عبد الله عليه السلام، لولا أن الله فرض طاعتنا وولايتنا وأمر مودتنا، ما أوقفناكم على أبوابنا، ولا أدخلناكم في بيوتنا، إنا والله ما نقول بأهوائنا،ولا نقول برأينا،ولا نقول إلاَّ ما قال ربنا، أصول عندنا،نكنزها، كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضَّتهم".(المصدر السابق ص300-301).
فالشيعة الإمامية يرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله أملى حديثه على علي، وعلي ورث هذا المكتوب، وتناقله أئمة الهدى بعده، كابراً عن كابر. فعن الإمام الباقر (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي: اكتب ما أملي عليك، قال: يا نبي الله أتخاف عليَّ النسيان؟! قال: لست أخاف عليك النسيان، وقد دعوت الله لك أن يُحفظك ولا ينسيك، ولكن اكتب لشركائك قال: قلت: ومن شركائي يا نبي الله؟! قال: الأئمة من ولدك، بهم تسقى أمتي الغيث، وبهم يستجاب دعاؤهم، وبهم يصرف الله عنهم البلاء، وبهم تنزل الرحمة من السماء".(بصائر الدرجات ص167).
- عن الإمام جعفر الصادق:"إن عندنا سلاح رسول الله وسيفه ودرعه، وعندنا والله مصحف فاطمة، ما فيه آية من كتاب الله، وإنه لإملاء رسول الله وخطّه علي بيده، وعندنا والله الجفر، وما يدرون ما هو، أمسك شاة أو مسك بعير".(المصدر السابق ص153)(70/56)
- عن محمد بن عبد الملك، قال: كنا عند أبي عبد الله عليه السلام نحواً من ستين رجلاً، وهو وسطنا، فجاء عبد الخالق بن عبد ربه فقال له: كنت مع إبراهيم بن محمد جالساً، فذكروا إنك تقول إن عندنا كتاب علي عليه السلام، فقال:لا والله ما ترك علي كتاباً، وإن كان ترك علي كتاباً ما هو إلاَّ أهاب، ولو وددت أنه عند غلامي هذا فما أبالي عليه. قال: فجلس أبو عبد الله عليه السلام، ثم أقبل علينا. فقال: ما هو والله كما يقولون، إنهما جفران مكتوب فيهما، لا والله إنهما لإهابان عليهما أصوافهما وأشعارهما، مدحوسين كتباً في أحدهما، وفي الآخر سلاح رسول الله صلّى الله عليه وآله، وعندنا والله صحيفة طولها سبعون ذراعاً، ما خلق الله من حلال وحرام إلاَّ وهو فيها، حتى إن فيها أرش الخدش، وقام بظفره على ذراعه، فخط به وعندنا مصحف، أما والله ما هو بالقرآن".(بصائر الدرجات ص151)
أولا: الصحيفة:
وهي كتاب في الديات، وهي الأموال المفروضة في الجناية على النفس أو الطرف أو الجرح أو نحو ذلك، و تثبت الدية في موارد الخطأ المحض أو الشبيه بالعمد أو فيما لا يكون القصاص فيه أو لا يمكن.(السيد الخوئي:تكملة المنهاج الجزء 2:كتاب الديات).
-عن جابر بن يزيد، قال: قال أبو جعفر الباقر:"إن عندي لصحيفة فيها تسعة عشر صحيفة قد حباها رسول الله".(المصدر السابق ص144).
-عن محمد بن مسلم قال: قال أبو جعفر: إن عندنا صحيفة من كتب عليّ طولها سبعون ذراعاً".(المصدر السابق ص143).
- عن أبي عبد الله قال: والله إن عندنا لصحيفة طولها سبعون ذراعاً فيها جميع ما يحتاجُ الناس حتى أرش الخدش أملاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكتبه علي بيده".(المصدر السابق: ص145).(70/57)
-عن سليمان بن خالد: قال: سمعت أبا عبد الله يقول: إن عندنا لصحيفة سبعون ذراعاً، إملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخط علي بيده، ما من حلال ولا حرام إلاَّ وهو فيها حتى أرش الخدش".(المصدر السابق ص144).
ثانياً:الجامعة أو كتاب علي:
- يقول الإمام الصادق (ع) في وصف الجامعة:"تلك صحيفة طولها سبعون ذراعا في عرض الأديم مثل فخذ الفالج، فيها كل ما يحتاج الناس إليه، وليس من قضية إلا وهي فيها حتى أرش الخدش".
-عن الفضيل بن يسار قال، قال أبو جعفر عليه السلام، يا فضيل عندنا كتاب علي سبعون ذراعاً...".(المصدر السابق: ص143).
-عن عبد الله بن ميمون عن جعفر عن أبيه قال:في كتاب علي كل شيء". (المصدر السابق: ص164).
- عن عبد الله بن أيوب عن أبيه قال سمعتُ أبا عبد الله يقول: ما ترك علي شيعته وهم يحتاجون إلى أحدث الحلال والحرام حتى إنا وجدنا في كتابه أرش الخدش. قال: ثم قال: أما إنك إن رأيت كتابه لعلمت أنه من كتب الأولين". (بصائر الدرجات: ص166).
-عن أبي عبد الله الصادق (ع) قال:"إن عندنا ما لا نحتاج معه إلى الناس، وإن الناس ليحتاجون إلينا، وإن عندنا كتابا أملاه رسول الله (ص) وخطه علي (ع) صحيفة فيها كل حلال وحرام".(الكليني:الكافي الجزء الأول:باب ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة).
ثالثاً:مصحف فاطمة:(70/58)
يزعم الشيعة بأنه قد دوّن فيه علم ما يكون، مما سمعته الزهراء عليها السلام من حديث الملائكة بعد وفاة أبيها صلى الله عليه وآله وسلم. وذلك تسكيناً لها على حزنها لفقد أبيها صلَّى الله عليه وسلم. وتدعي كتب الشيعة نزول مصحف على فاطمة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.جاء في الكافي عن مصحف فاطمة: "إن الله تعالى لما قبض نبيه صلى الله عليه وسلم دخل على فاطمة عليها السلام من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلا الله عز وجل، فأرسل الله إليها ملكًا يسلي غمها، ويحدثها فشكت ذلك إلى أمير المؤمنين رضي الله عنه فقال: إذا أحسست بذلك، وسمعت الصوت قولي لي، فأعلمته بذلك، فجعل أمير المؤمنين رضي الله عنه يكتب كل ما سمع حتى أثبت من ذلك مصحفًا..أما إنّه ليس فيه شيء من الحلال والحرام ولكن فيه علم ما يكون".(أصول الكافي1/240، بحار الأنوار26/44، بصائر الدرجات ص43). "تفيد هذه الرواية بأنّ الغرض من هذا المصحف أمر يخص فاطمة وحدها وهو تسليتها وتعزيتها بعد وفاة أبيها صلى الله عليه وسلم، وأنّ موضوعه "علم ما يكون" وما أدري كيف يكون تعزيتها بإخبارها بما يكون وفيه –على ما تنقله الشيعة – قتل أبنائها وأحفادها، وملاحقة المحن لأهل البيت؟! ثمّ كيف تعطى فاطمة "علم ما يكون" "علم الغيب" ورسول الهدى يقول كما أمره الله:(وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ) فهل هي أفضل من رسول الله؟".(أصول مذهب الشيعة الإمامية الإثنى عشرية عرض ونقد:الدكتور ناصر بن عبد الله بن علي القفاري ص327).(70/59)
والعجيب وجود روايات أخرى تبين أنّه يوجد فيه علم ما يكون، وعلم الحدود والديات، حتى فيه أرش الخدش، بل فيه التشريع كله فلا يحتاج فيه الأئمة معه إلى أحد، يقول كما يروي ثقة الإسلام عندهم الكليني:إن أبا عبد الله قال عن مصحف فاطمة: "ما أزعم أن فيه قرآنًا، وفيه ما يحتاج الناس إلينا ولا نحتاج إلى أحد حتى فيه الجلدة ونصف الجلدة وربع الجلدة وأرش الخدش" (أصول الكافي: 1/240) فهل يعني هذا أنهم لا يحتاجون إلى كتاب الله، وأنهم استغنوا عن شريعة القرآن بمصحف فاطمة فلهم دينهم ولأمة الإسلام دينها؟!
ومصحف فاطمة يُعتبر من جملة ودائع الإمامة، قال الإمام الرضا عليه السَّلام وهو يَعُّد علامات الإمام المعصوم عليه السَّلام، قال: "ويكون عنده مصحف فاطمة عليها السَّلام"(الخصال: 528، بحار الأنوار:المجلسي، طبعة مؤسسة الوفاء، بيروت- لبنان، 1414 هـ، 25/117).
ومن مروياتهم في مصحف فاطمة:-
-عن أبي عبيدة عن أبي عبد اللّه عليه السلام:"أن فاطمة مكثت بعد رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم خمسة وسبعين يوما, وكان دخلها حزن شديد على أبيها, وكان جبرائيل عليه السلام يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها, ويطيب نفسها, ويخبرها عن أبيها ومكانه، ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها, وكان علي عليه السلام يكتب ذلك، فهذا مصحف فاطمة سلام الله عليها".
-عن أبي حمزة أن أبا عبد اللّه عليه السلام قال:"مصحف فاطمة ما فيه شيء من كتاب اللّه وإنما هو شيء ألقي إليها بعد موت أبيها صلوات اللّه عليهما". (بصائر الدرجات: الصفار ص 159، والمجلسي، بحار الأنوار 26/48.(
-عن عنسبة بن مصعب عن أبي عبد اللّه عليه السلام:"ومصحف فاطمة، أما واللّه ما أزعم أنه قرآن".(بصائر الدرجات ص 154, بحار الأنوار26/45).(70/60)
-عن الحسين بن أبي العلاء قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:(إن عندي..ومصحف فاطمة ما أزعم أن فيه قرآنا".(بصائر الدرجات ص 150، بحار الأنوار 26/37.(
-عن محمد بن عبد الملك عن أبي عبد اللّه عليه السلام:"وعندنا مصحف فاطمة سلام الله عليها أما واللّه ما هو بالقرآن".(بصائر الدرجات ص3 151،بحار الأنوار 26/38،47/271.(
-عن علي بن سعيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:"وفيه مصحف فاطمة ما فيه آية من القرآن".(بصائر الدرجات: 156, 160، بحار الأنوار26:43, 47: 272).
- عن علي بن أبي حمزة عن الكاظم عليه السلام قال:"عندي مصحف فاطمة، ليس فيه شيء من القرآن".(بصائر الدرجات ص 154، بحار الأنوار 26/45).
وتزعم الشيعة بأن مصحف فاطمة ثلاثة أضعاف القرآن:فعن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:"وإنّ عندنا لمصحف فاطمة سلام الله عليها، وما يدريهم ما مصحف فاطمة سلام الله عليها؟ قال، قلت: وما مصحف فاطمة سلام الله عليها؟ قال:"مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، واللّه ما فيه من قرآنكم حرف واحد".(الكافي1/239, بصائر الدرجات: ص152, بحار الأنوار26/39). وهذه الأسطورة يرويها ثقة الإسلام-عندهم- الكليني بسند صحيح كما يقرره شيوخهم (انظر: الشّافي شرح أصول الكافي3/197(.
وممّا يدل على كذبهم وجود بعض الروايات عندهم التي تتحدث عن مصحف فاطمة أنه من إملاء رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم وخط علي عليه السلام: فعن علي بن سعيد عن أبي عبد اللّه عليها السلام:"وعندنا واللّه مصحف فاطمة، ما فيه آية من كتاب اللّه وإنّه لإملاء رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم وخط علي عليه السلام بيده".(بحار الأنوار 26/41, 47/271, بصائر الدرجات ص 153) .(70/61)
-وعن محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام"وخلفت فاطمة مصحفا ما هو قرآن ولكنه كلام من كلام اللّه، أنزل عليها إملاء رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم وخط علي".(بحار الأنوار 26/42, والصفار, بصائر الدرجات ص155).
-وعن علي بن أبي حمزة عن أبي عبد اللّه عليه السلام:"وعندنا مصحف فاطمة سلام الله عليها أما واللّه ما فيه حرف من القرآن، ولكنه إملاء رسول اللّه وخط علي".(بحار الأنوار 26/48 49, بصائر الدرجات:ص161).
والمضحك أنّه توجد روايات أخرى تشير إلى أن المصحف ألقي على فاطمة من السماء، ولم يكن المملي رسول الله، ولا خط علي، ولم يحضر ملك يحدثها ويؤنسها ليكتب عليّ ما يقوله الملك، تقول الرواية:"مصحف فاطمة عليها السلام ما فيه شيء من كتاب الله وإنما هو شيء ألقي عليها".(بحار الأنوار 26/48، بصائر الدرجات ص43).(70/62)
وننوه هنا بأن الشيعة تزعم وجود لوح فاطمة غير المصحف،إذ له صفات أخرى منها:أنه نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم وأهداه لفاطمة، وقد نقلوا عن لوح فاطمة بعض النصوص التي تؤيد عقائدهم. وهاك النص:روى صاحب الوافي عن الكافي عن أبي بصير عن أبي عبد الله قال: قال أبي لجابر بن عبد الله الأنصاري:إن لي إليك حاجة متى يخف عليك أن أخلو بك فأسألك عنها؟ قال له جابر:في أي الأحوال أحببت، فخلا به في بعض الأيام فقال له:يا جابر، أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد أمي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أخبرتك به أمي أنه في ذلك اللوح مكتوب، فقال جابر:أشهد بالله أني دخلت على أمك فاطمة عليها السلام في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهنّيتها بولادة الحسين فرأيت في يديها لوحًا أخضر ظننت أنه من زمرد ورأيت فيه كتابًا أبيض شبه لون الشمس فقلت لها:أبي وأمي أنت يا بنت رسول الله ما هذا اللوح؟ فقالت: هذا لوح أهداه الله تعالى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، فيه اسم أبي واسم بعلي واسم ابني واسم الأوصياء من ولدي، وأعطانيه أبي ليبشرني بذلك. قال جابر: فأعطتنيه أمك فاطمة عليها السلام فقرأته واستنسخته، فقال أبي: فهل لك يا جابر أن تعرضه علي؟ قال:نعم، فمشى معه أبي إلى منزل جابر فأخرج صحيفة من رق فقال:يا جابر، انظر في كتابك لأقرأ عليه، فنظر جابر في نسخته وقرأ أبي، فما خالف حرف حرفًا، فقال جابر:أشهد بالله أني هكذا رأيته في اللوح مكتوبًا:"بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من الله العزيز الحكيم لمحمد نبيه ونوره وسفيره وحجابه ودليله، نزل به الروح الأمين من عند رب العالمين، عظم يا محمد أسمائي واشكر نعمائي..".(انظر نصه في كتب الشيعة: الكليني:الكافي1/527، 528، الفيض الكاشاني:الوافي، أبواب العهود بالحجج والنصوص عليهم صلوات الله وسلامه، المجلد الأول 2/72، وانظر: الطبرسي:الاحتجاج 1/84-87، وابن بابويه القمي:إكمال الدين(70/63)
ص301-304، الطبرسي:أعلام الورى ص152، الكراجكي:الاستنصار ص18).
رابعاً:-الصحيفة السجادية:
وهي مجموعة من الأدعية تبلغ (54) دعاءً، يضمها كتيب من القطع الصغير، تصل صفحاته حسب ط دار التبليغ الإسلامي 319 صفحة.هذه الصحيفة منسوبة إلى إمام أهل البيت في زمنه، ناصر السنة، وقامع البدعة، الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. المولود سنة 38 هـ، والمتوفى سنة 94 هـ. يقول محمد جواد مغنية الرئيس السابق للمحكمة الجعفرية ببيروت:"الصحيفة السجادية التي تعظمها الشيعة وتقدّس كل حرف منها".(التفسير الكاشف:محمد جواد مغنية 10/515).
وتدعى هذه الصحيفة عند الشيعة بـ"زبور آل محمد" و"إنجيل أهل البيت". ويزعمون بأنّها من أهمّ النصوص الإسلامية، وأكثرها اعتماداً من بعد القرآن الكريم. وهو مجموعة أدعية الإمام السجاد (ع) كتبت بيد ولده الإمام الباقر (ع) بحضور الإمام الصادق (ع) أيضاً. يقول راوي الكتاب في المقدمة أن هذه الأدعية كانت أولاً 75 دعاءً فُقد منها 11 دعاءً. وما يعرف اليوم بالصحيفة السجادية الكاملة يحتوي على مجرد 54 دعاءً. وكانت في مختلف الموضوعات التربوية الدينية، فهي تعليم للدين والأخلاق في أسلوب الدعاء، أو دعاء في أُسلوب تعليم للدين والأخلاق، وهي بحقّ بعد القرآن، ونهج البلاغة من أعلى أساليب البيان العربي، وأرقى المناهل الفلسفية في الإلهيات.(عقائد الإمامية:محمد رضا المظفر ص118- 119).
و"إنّ طابع السجادية تعمّد إخراجها على هيئة طباعة القرآن العظيم لما يدعون بأنها" زبورهم"، و"إنجليهم"، ولم يجرؤا أن يقولوا:"قرآنهم"، بل قالوا: أخت القرآن، وربما يكون في هذا الإخراج تغرير بالجاهلين وخداع للغافلين".(حقيقة ما يُسمى زبور آل:د.ناصر بن عبد الله القفاري، دار الفضيلة- الرياض، ص4-5).(70/64)
وقد نشرت في هذا العصر بطبعات أنيقة، وتعمدوا إخراجها بصورة تشابه في شكلها طبعات القرآن، لأنّ هذه الصحيفة في موازينهم شقيقة القرآن في القدسية والتعظيم، ولذا يسمونها" أخت القرآن" و"إنجيل أهل البيت" و"زبور آل محمد".(الذريعة 15/18، وانظر:معالم العلماء:لشيخهم بان شهر أشوب ص125،131).
تنويه:-
وممّا يؤسف له أنّه تولّى طباعة الصحيفة السجادية وتوزيعها في قطاع غزة بعض الجهلة والمغرر بهم، وأطلقوا عليها (الطبعة الفلسطينية) وكتب أحدهم مقدّمة لها،غالى في مدحها وتعظيمها، وحشاها بآراء سقيمة وأفكار فاسدة، بعضها من هذيان الصوفية-عقيدة الفناء- والشيعة، كما ترضى صاحب المقدمة عن الهالك آية الله الحميني(انظر شركيات الخميني ص 167 وما بعدها في هذا الكتاب).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:"الأدعية المأثورة في صحيفة علي بن الحسين أكثرها كذب على علي بن الحسين".(منهاج السنة:ابن تيمية 6/306). وأيضاً:"وفي مضامين هذه الصحيفة ما يثبت ذلك من الغلو في الآل كدعوى بأنّهم يعلمون ما كان وما سيكون، انظر: ص7-8، والتوسل المبتدع في الدعاء(انظر التوسل بالدعاء في الآل والغلو فيهم ص 260)، ودعوى الإمامة المنصوصة، انظر دعوى أن الإمامة فيهم دون غيرهم ص 262..الخ، وهذا كافٍ في الحكم على هذه الصحيفة أو على أكثرها بحكم شيخ الإسلام. وقد تفرد بنقلها الروافض، ولا حجّة في نقلهم، وادعوا في بدايتها أنّها سريّة التداول.انظر الصحيفة السجادية ص9 وما بعدها".(حقيقة ما يُسمى زبور آل:محمد:د.ناصر بن عبد الله القفاري، دار الفضيلة- الرياض، ص 9-10).
خامسا: الجفر:-(70/65)
زعمت الشيعة اسم الجفر أطلق على أحد أبواب العلم الذي دونه الإمام أمير المؤمنين (ع) من إملاء رسول الله (ص) على جلد، ويبدو أن كتاب الجفر غير الجامعة من ناحية المدلول الذي يتضمنه، فالجفر كما تفيد روايات الأئمة من أهل البيت (ع) ينطوي على حوادث المستقبل، وصحف الأنبياء السابقين والكتب المنزلة قبل القرآن الكريم.(انظر أصول الكافي:الجزء الأول:باب ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة(ع)، وعقيدة الشيعة في الإمام الصادق ص 66). وعن الصادق عليه السلام قال:"ويلكم نظرت في كتاب الجفر صبيحة هذا اليوم وهو الكتاب المشتمل على علم المنايا والبلايا والرزايا وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة الذي خص الله به محمدا والائمة من بعده عليهم السلام".(البحار:للمجلسي 51/219 -222، كمال الدين ص354)
يقول بن خلدون:" ويزعمون أن فيه علم ذلك كله من طريق الآثار والنجوم لا يزيدون على ذلك ولا يعرفون أصل ذلك ولا مستنده . واعلم أن كتاب الجفر كان أصله أن هارون بن سعيد العجلي وهو رأس الزيدية كان له كتاب يرويه عن جعفر الصادق وفيه علم ما سيقع لأهل البيت على العموم ولبعض الأشخاص منهم على الخصوص . وقع ذلك لجعفر ونظائره من رجالاتهم على طريق الكرامة والكشف الذي يقع لمثلهم من الأولياء . وكان مكتوباً عند جعفر في جلد ثور صغير فرواه عنه هارون العجلي، وكتبه وسماه الجفر باسم الجلد الذي كتب عليه، لأنّ الجفر في اللغة هو الصغير، وصار هذا الاسم علماً على هذا الكتاب عندهم، وكان فيه تفسير القرآن، وما في باطنه من غرائب المعاني مروية عن جعفر الصادق . وهذا الكتاب لم تتصل روايته ولا عرف عينه، وإنّما يظهر منه شواذ من الكلمات لا يصحبها دليل . (تاريخ ابن خلدون 1/28، الفصل الثالث والخمسون في حدثان الدول والأمم).(70/66)
والأحاديث الواردة عن أهل البيت تبين أنّ الأئمة تحدثوا عن جِفارٍ أربعة لا عن جَفْرٍ واحد.(حقيقة الجفر، للشيخ أكرم بركات، الطبعة الثانية،1420 هجرية-1999م، دار الصفوة، بيروت، لبنان).
روى الراوندي في الخرائج 2//894)، حديثا جامعاً لأنواع الجفر، فقال:وكان عليه السلام يقول:"علمنا غابر ومزبور ونكت في القلوب ونقر في الأسماع، وإنّ عندنا الجفر الأحمر والجفر الأبيض، ومصحف فاطمة عليها السلام، وإن عندنا الجامعة التي فيها جميع ما يحتاج الناس إليه، فسئل عن تفسيرها فقال:"أمّا الغابر فالعلم بما يكون، وأمّا المزبور فالعلم بما كان، وأمّا النكت في القلوب فالإلهام، والنقر في الأسماع حديث الملائكة نسمع كلامهم ولا نرى أشخاصهم، وأما الجفر الأحمر فوعاء فيه سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله ولن يخرج حتى يقوم قائمنا أهل البيت، وأما الجفر الأبيض فوعاء فيه توراة موسى وإنجيل عيسى وزبور داود، وفيها كتب الله الأولى، وأما مصحف فاطمة ففيه ما يكون من حادث وأسماء كلّ من يملك إلى أن تقوم الساعة، وأمّا الجامعة فهي كتاب طوله سبعون ذراعا إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله من فلق فيه وخطّ علي بن أبي طالب بيده، فيه والله جميع ما يحتاج الناس إليه إلى يوم القيامة، حتى أرش الخدش والجلدة ونصف الجلدة..وقال:"ألواح موسى عندنا، وعصا موسى عندنا، ونحن ورثة النبيين، حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدّي، وحديث جدّي حديث علي بن أبي طالب، وحديث علي حديث رسول الله، وحديث الله قول الله عز وجل". (وأيضاً رواه كل من: الكليني في الكافي 1//264،239، من باب فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة عليها السلام من كتاب الحجة،والصفار في بصائر الدرجات ص 151،الباب14، وأحاديث قبله وبعده، والمفيد في الإرشاد 2/186، والطبرسي في الاحتجاج 2 : 294/رقم 246، والإربلي في كشف الغمة 2/381، وابن شهر آشوب في المناقب 4 298/في معالي أموره عليه(70/67)
السلام).
أمّا الجفر الأول فهو كتابٌ، والثلاثة الأخرى أوعيةٌ ومخازن لمحتويات ذات قيمة علمية ومعلوماتية و معنوية كبيرة، وهذه الجِفار هي:-
1. كتاب الجَفْر:وهو كتابٌ أملاه رسول الله محمد صلَّى الله عليه وآله في أواخر حياته المباركة على وصيِّه وخليفته علي بن أبي طالب عليه السَّلام وفيه علم الأولين والآخرين، ويشتمل على علم المنايا والبلايا والرزايا وعلم ما كان ويكون إلى يوم القيامة.(الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار عليهم السلام:محمد باقر المجلسي، طبعة مؤسسة الوفاء، بيروت-لبنان،1414 هجرية،51 /219).
قال جعفر الصادق عليه السَّلام:"ويلكم إني نظرت في كتاب الجفر صبيحة هذا اليوم وهو الكتاب المشتمل على علم المنايا والبلايا والرزايا وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة الذي خص الله تقدس اسمه به محمدا والأئمة من بعده عليه وعليهم السلام، وتأملت فيه مولد قائمنا وغيبته وإبطاءه وطول عمره وبلوى المؤمنين به من بعده في ذلك الزمان وتولد الشكوك في قلوبهم من طول غيبته وارتداد أكثرهم عن دينهم وخلعهم ربقة الإسلام من أعناقهم التي قال الله تقدس ذكره وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ يعني الولاية فأخذتني الرقة واستولت علي الأحزان".(بحار الأنوار51 /219)
مصدر كتاب الجفر:(70/68)
رَوى الصَّفار عن أحمد بن محمد عن القاسم بن يحيى عن الحسن بن راشد قال:سمعت أبا إبراهيم يقول:إن الله أوحى إلى محمد صلى الله عليه وآله أنه قد فنيت أيامك وذهبت دنياك واحتجت إلى لقاء ربك فرفع النبي صلى الله عليه وآله يده إلى السماء وقال:"اللهم عدتك التي وعدتني إنك لا تخلف الميعاد". فأوحى الله إليه أن ائت أحدا أنت ومن تثق به فأعاد الدعاء فأوحى الله إليه امض أنت وابن عمك حتى تأتي أحدا ثم لتصعد على ظهره فاجعل القبلة في ظهرك ثم ادع وأحس الجبل بمجيئك فإذا حسك فاعمد إلى جفرة منهن أنثى وهي تدعى الجفرة تجد قرينها الطلوع وتشخب أوداجها دما وهي التي لك، فمُر ابن عمك ليقم إليها فيذبحها ويسلخها من قبل الرقبة ويقلب داخلها فتجده مدبوغا، وسأنزل عليك الروح وجبرائيل معه دواة وقلم ومداد ليس هو من مداد الأرض يبقى المداد ويبقى الجلد لا يأكله الأرض ولا يبليه التراب لا يزداد كل ما ينشر إلا جدة غير أنه يكون محفوظا مستورا فيأتي وحي يعلم ما كان وما يكون إليك وتمليه على ابن عمك و ليكتب ويمد من تلك الدواة. فمضى صلَّى الله عليه وآله حتى انتهى إلى الجبل ففعل ما أمره فصادف ما وصف له ربّه، فلما ابتدأ في سلخ الجفرة نزل جبرائيل والروح الأمين وعدة من الملائكة لا يحصي عددهم إلا الله ومن حضر ذلك المجلس ثم وضع علي عليه السَّلام الجلد بين يديه وجاء به والدواة والمداد أخضر كهيئة البقل وأشد خضرا وأنور.ثم نزل الوحي على محمد صلَّى الله عليه وآله وجعل يملي على علي عليه السَّلام ويكتب علي أنه يصف كل زمان، وما فيه وغمزه بالنظر والنظر وخبره بكل ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة وفسَّر له أشياء لا يعلم تأويلها إلا الله والراسخون في العلم فأخبره بالكائنين من أولياء الله من ذريته أبدا إلى يوم القيامة وأخبره بكل عدو يكون لهم في كلّ زمان من الأزمنة حتى فهم ذلك وكتب ثم أخبره بأمر يحدث عليه وعليهم من بعده فسأله عنها،(70/69)
فقال:الصبر..الصبر،وأوصى الأولياء بالصبر وأوصى إلى أشياعهم بالصبر والتسليم حتى يخرج الفرج، وأخبره بأشراط أوانه وأشراط تولده وعلامات تكون في ملك بني هاشم فمن هذا الكتاب استخرجت أحاديث الملاحم كلّها أو صار الوصي إذا أفضى إليه الأمر تكلم بالعجب".(بصائر الدرجات:محمد بن حسن بن فروخ الصَّفار، الطبعة الثانية، مكتبة آية الله المرعشي النجفي، قم، إيران ص 506).
2. الجَفْر الأبيض: وهو وعاءٌ جلد ماعز أو ضأن يحتوي على كتب مقدسة ليس من ضمنها القرآن الكريم. فقد رُوي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السَّلام أنه قال:"وأما الجفر الأبيض فوعاء فيه توراة موسى وإنجيل عيسى وزبور داود وكتب الله الأولى".(بحار الأنوار26/18). ورَوى المُحَدِّث الكُليني بإسناده عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السَّلام يَقُولُ:"إِنَّ عِنْدِي الْجَفْرَ الْأَبْيَضَ".قَالَ : قُلْتُ فَأَيُّ شَيْ ءٍ فِيهِ ؟ قَالَ:"زَبُورُ دَاوُدَ وَتَوْرَاةُ مُوسَى وَإنْجِيلُ عِيسَى وَصُحُفُ إِبْرَاهِيمَ عليه السَّلام وَالْحَلَالُ وَالْحَرَامُ وَمُصْحَفُ فَاطِمَةَ، مَا أَزْعُمُ أَنَّ فِيهِ قُرْآناً وَفِيهِ مَا يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَيْنَا وَلا نَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ حَتَّى فِيهِ الْجَلْدَةُ وَنِصْفُ الْجَلْدَةِ وَرُبُعُ الْجَلْدَةِ وَأَرْشُ الْخَدْشِ".(الكافي:الكُليني، طبعة دار الكتب الإسلامية، 1365 هـ، طهران، إيران1/240).(70/70)
3. الجَفْر الأحمر:وهو وعاء جلد ماعز أو ضأن يحتوي على السلاح، وفيه سلاح رسول الله صلَّى الله عليه وآله.رَوى المُحَدِّث الكُليني عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السَّلام يَقُولُ:"وَعِنْدِي الْجَفْرَ الْأَحْمَرَ".قَالَ قُلْتُ: وَأَيُّ شَيْ ءٍ فِي الْجَفْرِ الْأَحْمَرِ؟ قَالَ:"السِّلَاحُ، وَذَلِكَ إِنَّمَا يُفْتَحُ لِلدَّمِ يَفْتَحُهُ صَاحِبُ السَّيْفِ لِلْقَتْلِ".(الكافي1 /240).
ورَوى الشيخ المُفيد عن أبي بصير عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السَّلام أنه قال:"وأما الجفر الأحمر فوعاءٌ فيه سلاح رسول الله صلَّى الله عليه وآله ولن يظهر حتى يقوم قائمنا أهل البيت".(الإرشاد في معرفة حُجَج الله على العباد:الشيخ المُفيد محمد بن محمد النُعمان، 1413 هجرية، قم، إيران 2/186). وعن عنبسة بن مصعب قال كنّا عند أبي عبد اللّه وفي آخر الحديث قول الإمام عن الجفرين: ينطق أحدهما بصاحبه, فيه سلاح رسول اللّه والكتب ومصحف فاطمة، أمّا واللّه ما أزعم أنّه قرآن".(بصائر الدرجات ص 154).(70/71)
4. الجَفْر الكبير الجامع:وهو جلد ثور مدبوغ، يرى بعضهم أنه يشتمل على الجِفار الثلاثة الآنفة الذكر، أي كتاب الجفر والجفر الأبيض والأحمر وهما مضمومان إلى بعضهما. فقد رُوي عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ:سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السَّلام بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنِ الْجَفْرِ؟ فَقَالَ:هُوَ جِلْدُ ثَوْرٍ مَمْلُوءٌ عِلْماً".(الكافي:1 /241). ورُوي عن علي بن سعد في حديث قال فيه:"وأما قوله في الجفر فإنما هو جلد ثور مذبوح كالجُراب، فيه كتب وعلم ما يحتاج الناس إليه إلى يوم القيامة من حلال وحرام إملاء رسول الله صلَّى الله عليه وآله وخطه علي عليه السَّلام بيده وفيه مصحف فاطمة، ما فيه آية من القرآن، وإنّ عندي خاتم رسول الله صلَّى الله عليه وآله ودرعه وسيفه ولواءه وعندي الجفر على رغم أنف من زعم".(بصائر الدرجات ص 156).
أين هذه الجِفار؟: تَنُصُّ الروايات بأنّ هذه الجفار إنّما هي من مختصات أئمة أهل البيت الإثنا عشر وهم يتوارثونها وينظرون فيها ويطلعون على علومها و ليس لأحد سواهم ذلك، فقد رَوى نُعَيْمٍ الْقَابُوسِيِّ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ-موسى بن جعفر الكاظم-عليه السَّلام أَنَّهُ قَالَ:"إِنَّ ابْنِي عَلِيّاً أَكْبَرُ وُلْدِي وَأَبَرُّهُمْ عِنْدِي وَأَحَبُّهُمْ إِلَيَّ وَهُوَ يَنْظُرُ مَعِي فِي الْجَفْرِ وَلَمْ يَنْظُرْ فِيهِ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ وَصِيُّ نَبِيٍّ".(الكافي 1/311).
عقيدة الشيعة في السنة
الشيعة يردون كتب السنة جملةً وتفصيلاً فلا يعتبرونها ولا يُقِرّونها، وترتب على ردِّهم للسنة أن يوجدوا بدائل وهذه البدائل هي أقوال الأئمة، لذلك لا تجد لهم في كتبهم من الأحاديث ما هو مرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم إلا نادراً بالذات كتب الفقه الشيعي، لا تجد فيها عن فلان عن فلان عن النبي صلى الله وسلم، فكل الروايات تسند عن أئمتهم.(70/72)
يقول في تعريفها آية الله العظمى الشيخ محّمد الحسين آل كاشف الغطاء النجفي المتوفى سنة 1373هـ في كتابه(أصل الشيعة وأصولها، تحقيق عَلاء آل جَعفر، ط مؤسسة الإمام علي عليه السلام، ص 236):"إنهم-أي الشيعة-لا يعتبرون من السنة- أعني الأحاديث النبوية- إلا ما صحّ لهم من طرق أهل البيت عليهم السلام عن جدهم صلى الله عليه وآله، يعني:ما رواه الصادق عن أبيه الباقر عن أبيه زين العابدين عن الحسين السبط عن أبيه أمير المؤمنين عن رسول الله سلام لله عليهم جميعاً". ويضيف الغطاء:"أمّا ما يرويه مثل: أبي هريرة، وسمرة بن جندب، ومروان بن الحكم، وعمران بن حطان الخارجي وعمرو بن العاص ونظائرهم فليس لهم عند الإمامية من الاعتبار مقدار بعوضة وأمرهم أشهر من أن يذكر، كيف وقد صرّح كثير من علماء السنة بمطاعنهم، ودل على جائفة جروحهم".
فالسنة عندهم هي:"كل ما يصدر عن المعصوم من قولٍ أو فعلٍ أو تقريرٍ" (محمد تقي الحكيم، الأصول العامة للفقه المقارن ص122)، والمعصوم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ والأئمة الإثنا عشر، أي لا فرق عندهم في هذا بين هؤلاء الإثنى عشر وبين من لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى. ولا فرق في كلام هؤلاء الإثنى عشر بين سن الطفولة، وسن النضج العقلي؛ إذ إنّهم- في نظرهم- لا يخطئون عمداً ولا سهواً ولا نسياناً طوال حياتهم- كما سيأتي في مسألة العصمة- ولهاذ قال أحد شيوخهم المعاصرين: "إنّ الاعتقاد بعصمة الأئمة جعل الأحاديث التي تصدر عنهم صحيحة دون أن يشترطوا إيصال سندها إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما هو الحال عند أهل السنة"(تاريخ الإمامية: عبد الله فياض ص 140)، وأن الأئمة كالرسل "قولهم قول الله وأمرهم أمر الله وطاعتهم طاعة الله ومعصيتهم معصية الله وإنهم لم ينطقوا إلا عن الله تعالى وعن وحيه"(الاعتقادات ابن بابويه ص 106).(70/73)
وقد جاء في الكافي ما يعدونه حجة لهم في هذا المذهب وهو قول أبي عبد الله-كما يزعم صاحب الكافي-"حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديث رسول الله قول الله عز وجل"(أصول الكافي، كتاب فضل العلم، باب رواية الكتب والحديث1/53، وسائل الشيعة18/58). وذكر شارح الكافي أن هذا القول يدل على "أن حديث كل واحد من الأئمة الظاهرين قول الله عز وجل، ولا اختلاف في أقوالهم كما لا اختلاف في قوله تعالى" (المازندراني:شرح جامع على الكافي 2/272).
كما جاء في الكافي عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله رضي الله عنه: الحديث أسمعه منك أرويه عن أبيك أو أسمعه عن أبيك أرويه عنك؟ قال: سواء، إلا أنك ترويه عن أبي أحب إليّ. وقال أبو عبد الله رضي الله عنه لجميل: ما سمعت مني فاروه عن أبي"(أصول الكافي مع شرح جامع2/259).
فالسنة عندهم ليست سنة النبي عليه السلام فحسب؛ بل سنة الأئمة الإثنى عشر، وأقوال هؤلاء الأئمة كأقوال الله ورسوله، ولهذا اعترفوا بأن هذا مما ألحقته الشيعة بالسنة المطهرة، قالوا: "وألحق الشيعة الإمامية كلّ ما يصدر عن أئمتهم الإثنى عشر من قول أو فعل أو تقرير بالسنة الشريفة"(محمد تقي الحكيم: سنة أهل البيت ص9).(70/74)
بل ذهب علامة الشيعة المعاصر محمد باقر الصدر إلى اتهام الصحابة بأنّهم أمسكوا عن سؤال النبي عليه السلام، وأمسكوا عن تدوين آثار النبي وسنته، مما كان سبباً في ضياعها وتحريفها، وأنّ الذي حافظ على التدوين والتسجيل هم أهل البيت، وزعم بأنّه استفاضت الروايات عن أئمة أهل البيت بأنّ عندهم كتاباً ضخماً مدوناً بإملاء رسول الله عليه السلام وخطّ علي بن أبي طالب جمع فيه جميع سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم.(بتصرف من كتابه التشيع ظاهرة طبيعية في إطار الدعوة الإسلامية ص 54-55).
يقول الباحث في الفكر الشيعي الدكتور ناصر بن عبد الله بن علي القفاري:"والدارس لنصوص الشيعة ورواياتها قد ينتهي إلى الحكم بأن الشيعة تقول بالسنة ظاهراً وتنكرها باطناً؛ إذ إن معظم رواياتهم وأقوالهم تتجه اتجاهاً مجانفاً للسنة التي يعرفها المسلمون، في الفهم والتطبيق، وفي الأسانيد، والمتون"( أصول مذهب الشيعة الإمامية الإثنى عشرية عرض ونقد:الدكتور ناصر بن عبد الله بن علي القفاري ص 208).
الأصلان الخطيران عند الشيعة:-
الأصل الأول:علم الأئمة يتحقق عن طريق الإلهام والوحي(70/75)
علم الأئمة يتحقق- في نظرهم-عن طريق الإلهام، وحقيقته كما قال صاحب الكافي في روايته عن أئمته: "النكت في القلوب" (أصول الكافي 1/264)، وفي لفظ آخر له: "فقذف في القلوب" وصرح أن ذلك هو الإلهام حيث قال: "وأما النكت في القلوب فإلهام" (أصول الكافي1/264)، أي أن العلم ينقدح في قلب الإمام فيلهم القول الذي لا يتصور فيه الخطأ لأن الإمام معصوم، والإلهام ليس هو الوسيلة الوحيدة في هذا، كما حاول أن يلطف من الأمر ذلك الشيعي المعاصر الذي نقلنا كلامه آنفاً، بل صرّح صاحب الكافي في أن هناك طرقاً أخرى غيره، حيث ذكر في بعض رواياته أن من وجوه علوم الأئمة "النقر في الأسماع" من قبل الملك، وفرّق بين هذا والإلهام حيث قال: "وأما النكت في القلوب فإلهام، وأما النقر في الأسماع فأمر الملك" (أصول الكافي1/264).
... ... ... ... ... إذن هناك وسيلة أخرى غير الإلهام، وهو نقر في الأسماع بتحديث الملك (المازندراني:شرح جامع على الكافي 6/44)، وهو يسمع الصوت ولا يرى الملك كما جاء في الروايات الأربع في باب الفرق بين الرسول والنبي والمحدّث من أصول الكافي، وكلها قالت: إن "الإمام هو الذي يسمع الكلام ولا يرى الشخص" (انظر: أصول الكافي1/176-177، وقد صحح هذه الروايات صاحب الشافي شرح الكافي3/29). وذكر صاحب البحار(15) رواية في هذا المعنى في باب عقدة بعنوان: "باب أنهم محدثون مفهمون" (المجلسي26/73 وما بعدها).
... ... ... ... ... ... ... وتتحدث رواية أخرى لهم عن أنواع الوحي للإمام فتذكر أن جعفراً قال: "إن منا لمن ينكت في أذنه، وإن منا لمن يؤتى في منامه، وإن منا لمن يسمع صوت السلسلة تقع على الطشت (كذا)، وإن منا لمن يأتيه صورة أعظم من جبرائيل وميكائيل" (بحار الأنوار: 26/358، بصائر الدرجات ص63).(70/76)
وثمة روايات أخرى في البحار بهذا المعنى (انظر: بحار الأنوار: 26/35 وما بعدها، الروايات رقم: 110، 111، 112، 130). وكأنهم بهذا المقام أرفع من النبي الذي لا يأتيه إلا جبرائيل، وتأتي روايات تبين هذه الصورة التي أعظم من جبرائيل وميكائيل بأنها الروح (وقد ورد في معاني الأخبار لابن بابويه تفسير للروح بأنها كما يقول إمامهم:"عمود من نور بيننا وبين الله عز وجل". عيون الأخبار ص 354) عندهم، وقد خصها صاحب الكافي بباب مستقل بعنوان: "باب الروح التي يسدد الله بها الأئمة"، وذكر فيها ست روايات (أصول الكافي1/273-274)، منها: "عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عن قول الله تبارك وتعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ) قال: خلق من خلق الله عز وجل أعظم من جبرائيل وميكائيل كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله يخبره ويسدده وهو مع الأئمة من بعده" (أصول الكافي1/273).
ومعلوم أنّ الروح في هذه الآية المراد بها القرآن، كما يدلّ عليه لفظ الآية (أَوْحَيْنَا)، وقد سماه الله سبحانه روحاً لتوقف الحياة الحقيقية على الاهتداء به(شرح الطحاوية ص 4).
إذن الإمام يلهم، ويسمع صوت الملك، ويأتيه الملك في المنام واليقظة، وفي بيته ومجلسه، أو يرسل له ما هو أعظم من جبرائيل يخبره ويسدده، وليس ذلك نهاية الأمر، بل لدى الأئمة أرواح أخرى، ووسائل أخرى؛ لديهم خمسة أرواح: روح القدس، وروح الإيمان، وروح الحياة، وروح القوة، وروح الشهوة. ذكر ذلك صاحب الكافي في باب بعنوان: "باب فيه ذكر الأرواح التي في الأئمة عليهم السلام" (أصول الكافي 1/271) فذكر في ذلك ست روايات، بينما تطورت هذه المسألة عند صاحب البحار فبلغت رواياتها (74) رواية(بحار الأنوار25/47-99).(70/77)
بل إنّ الأئمة تذهب إلى عرش الرحمن- كما يزعمون- كل جمعة لتطوف به فتأخذ من العلم ما شاءت. قال أبو عبد الله: "إذا كان ليلة الجمعة وافى رسول الله صلى الله عليه وآله العرش ووافى الأئمة عليهم السلام معه ووافينا معهم، فلا ترد أرواحنا إلى أبداننا إلا بعلم مستفاد، ولولا ذلك لأنفذنا".(أصول الكافي1/254، بحار الأنوار26/88-89، بصائر الدرجاتص36).
كل هذه العلوم التي تتحقق لهم بهذه الوسائل يسمونها:"العلم الحادث" (انظر:أصول الكافي1/264) وتحققها موقوف على مشيئة الأئمة، كما أكدت ذلك روايات صاحب الكافي التي جاءت في الباب الذي عقده بعنوان: "باب أن الأئمة عليهم السلام إذا شاءوا أن يعلموا علموا" (أصول الكافي 1/258)، وذكر فيه روايات ثلاثاً كلها تنطق بـ"أن الإمام إذا شاء أن يعلم أعلم" (أصول الكافي1/258)، وفي لفظ آخر:"إذ أراد الإمام أن يعلم شيئاً أعلمه الله ذلك" (أصول الكافي 1/258). فالوحي للأئمة ليس بمشيئة الله وحده كما هو الحال مع الرسل - عليهم السلام - بل تابع لمشيئة الإمام!!
الأصل الثاني: خزن العلم وإيداع الشريعة عند الأئمة:
جاء في الكافي عن موسى جعفر قال- كما يزعمون-: "مبلغ علمنا على ثلاثة وجوه: ماض وغابر وحادث، فأما الماضي فمفسّر، وأما الغابر فمزبور، وأما الحادث فقذف في القلوب ونقر في الأسماع وهو أفضل علمنا ولا نبي بعد نبيا" (أصول الكافي1/264. وقد جاء في رواية أخرى لهم قول إمامهم:"أما الغابر فالعلم بما يكون، وأما المزبور فالعلم بما كان" (انظر: بحار الأنوار: 26/18، المفيد:الإرشاد ص 257، الطبرسي:الاحتجاج ص203) وهذا التفسير كأنه يشير إلى موضوع كل نوع، فنوع يتعلق بالحوادث الماضية، وآخر يتعلق بالحوادث المستقبلة). وفي البحار وبصائر الدرجات ثلاث روايات بهذا اللفظ (بحار الأنوار: 26/59، بصائر الدرجات ص 92).(70/78)
العلم الحادث وهو كما أشارت الرواية يعد من أفضل علومهم، لأنه كما يقول بعض شيوخهم: حصل لهم من الله بلا واسطة (المازندراني: شرح جامع6/44)؛ أي من الله مباشرة بلا واسطة ملك من الملائكة، وهذا يشبه قول غلاة الصوفية مثل ابن عربي.أما الماضي المفسّر والغابر المزور فقد أوضح شارح الكافي معناهما بقوله: "يعني:الماضي الذي تعلق علمنا به وهو كل ما كان مفسراً لنا بالتفسير النبوي، والغابر المزبور الذي تعلق علمنا به هو كل ما يكون مزبوراً مكتوباً عندنا بخط علي-رضي الله عنه -وإملاء الرسول وإملاء الملائكة مثل الجامعة وغيرها".
وقد قال شيخهم وآيتهم محمد بن حسين آل كاشف الغطا:إنّ الأحكام في الإسلام قسمان:قسم أعلنه النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة، وقسم كتمه أودعه أوصياءه، كل وصي يخرج منه ما يحتاجه الناس في وقته ثم يعهد به إلى من بعده، حتى زعم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قد يذكر حكماً عاماً ولا يذكر مخصصه أصلاً؛ بل يودعه عند وصيه إلى وقته (انظر:أصل الشيعة: ص77).
وقال شيخهم المعاصر بحر العلوم:"لما كان الكتاب العزيز متكفلاً بالقواعد العامة دون الدخول في تفصيلاتها، احتاجوا إلى سنة النبي..والسنة لم يكمل بها التشريع!!، لأن كثيراً من الحوادث المستجدة لم تكن على عهده صلى الله عليه وسلم احتاج أن يدخر علمها عند أوصيائه ليؤدوها عنه في أوقاتها"(مصابيح الأصول:بحر العلوم ص 4، وأقوال شيوخهم في هذا المعنى كثيرة، فيقول– مثلاً- آيتهم العظمى شهاب الدين النجفي:"إن النبي صلى الله عليه وسلم ضاقت عليه الفرصة ولم يسعه المجال لتعليم جميع أحكام الدين.. وقد قدّم الاشتغال بالحروب على التمحص (كذا) ببيان تفاصل الأحكام..لاسيما مع عدم كفاية استعداد الناس في زمنه لتلقي جميع ما يحتاج إليه طول قرون"(النجفي:تعليقاته على إحقاق الحق 2/28-289).(70/79)
إذاً هم يزعمون أن الأئمة هو خزنة علم الله ووحيه، وقد عقد صاحب الكافي باباً لهذا بعنوان: "باب أن الأئمة عليهم السلام ولاة أمر الله وخزنة علمه" (أصول الكافي 1/192-193) وضمن هذا الباب ست روايات في هذا المعنى، وباباً آخر بعنوان: "أن الأئمة ورثوا علم النبي وجميع الأنبياء والأوصياء الذين من قبلهم".(أصول الكافي1/223-226)، وفيه سبع روايات، وباباً ثالثاً بعنوان: "أن الأئمة يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى الملائكة والأنبياء والرسل عليهم السلام".(أصول الكافي1/225-256). وفيه أربع روايات.
وقد استمر رسول الله صلى الله عليه وسلم طيلة حياته- كما تزعم روايات الشيعة- يعلم علياً علوماً وأسراراً لا يطلع عليها أحد سواه، وقد وصلت مبالغات الشيعة في هذه الدعاوى إلى مرحلة لا يصدقها عقل.. حتى قالوا بأن علياً استمر في تلقي العلم من فم الرسول حتى بعد موته عليه الصلاة والسلام، وعقد المجلسي لهذا باباً بعنوان:"باب ما علمه الرسول صلى الله عليه وآله عند وفاته وبعده.."(بحار الأنوار40/213-218).
ولم يكتف الخيال الشيعي بهذا؛ بل زعم أن عند الأئمة العلم المزبور، أو الكتب التي ورثوها عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد جاء على ذكر بعضها صاحب الكافي في باب عقده بعنوان" باب فيه ذكر الصحيفة، والجفر، والجامعة، ومصحف فاطمة عليها السلام" (أصول الكافي 1/238-242)، وفي باب آخر بعنوان:"ما أعطى الأئمة عليهم السلام من اسم الله الأعظم" (أصول الكافي 1/230)، وفي باب ثالث بعنوان: "باب ما عند الأئمة من آيات الأنبياء عليهم السلام".(أصول الكافي1/231-232).
ومن العجب أن أئمتهم يعدون أتباعهم بأنهم سيحكمون بما في هذه الصحيفة لو تمكنوا من الحكم حيث قالوا: "لو ولينا الناس لحكمنا بما أنزل الله لم نعد ما في هذه الصحيفة".(بحار الأنوار26/22-23، بصائر الدرجات: ص39).(70/80)
أمّا القرآن فليس له ذكر، كما يخبرون بأنها هي دستورهم الذي يتبعون، حيث قالوا:"..فنحن نتبع ما فيها ولا نعدوها"(بحار الأنوار 26/22-23، بصائر الدرجات ص39). وزعم أبو بصير (أحد رواتهم) بأنه رآها عند أبي جعفر (بحار الأنوار26/23، بصائر الدرجات ص39)، كما زعم زرارة أنه استمع إلى نص من نصوصها يقول:"إن ما يحدث به المرسلون كصوت السلسلة أو كمناجاة الرجل صاحبه" (بحار الأنوار 26/24، بصائر الدرجات: ص 39-40).
كما تتحدث رواياتهم عن صحيفة فيها تسع عشرة صحيفة قد حباها أو خباها(على اختلاف نسخهم ما بين اللفظين) رسول الله صلى الله عليه وآله عند الأئمة (بحار الأنوار: 26/24، بصائر الدرجات ص39)، ولا تفصح عن شيء أكثر من هذا.(70/81)
ومن الكتب التي عند أئمتهم- كما يزعمون- كتاب يسمى: "ديوان الشيعة" أو الناموس أو السمط على اختلاف رواياتهم في تسميته، قد سُجل فيه الشيعة بأسمائهم وأسماء آبائهم، وكان أتباع الأئمة -كما تزعم روايات الشيعة-يذهبون إلى الأئمة ليقفوا على أسمائهم في هذا الديوان؛ لأن وجود الاسم فيه هو برهان النجاة (انظر رواياتهم في هذا في بحار الأنوار26/117-132).ومن ليس له اسم في هذا الديوان فليس عندهم من أهل الإسلام؛ لأن إمامهم قال: "إنّ شيعتنا مكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم.. ليس على ملة الإسلام غيرنا وغيرهم" (بحار الأنوار26/123، بصائر الدرجات ص47). وأحياناً يقولون في رواياتهم بأنهم ورثوا ذلك من الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه دُفع إليه - حينما أسري به - صحيفتان: صحيفة فيها أصحاب اليمين، وأخرى فيها أصحاب الشمال، وفيهما أسماء أهل الجنة، وأسماء أهل النار. وقد دفعهما الرسول - كما يزعمون- إلى عليّ، وتوارثها الأئمة من عليّ، وهما اليوم عند منتظرهم (انظر: بحار الأنوار26/124-125، بصائر الدرجات ص52، وإذا لاحظنا أنهم يزعمون بأن لكبار شيوخهم صلة بالمنتظر المزعوم، وهذا المنتظر عنده كل هذه العلوم، والتي منها سجل أسماء أهل الجنة وأهل النار، فلا يستبعد ما يقال بأن بعض آياتهم في دولتهم الحاضرة يصدرون صكوك الغفران والحرمان، ويغررون بأولئك المغفلين ويزجون بهم في أتون الحرب تحت تأثير هذه الأماني والوعود الكاذبة).(70/82)
كما أن لدى الأئمة الجفر الأبيض (الجفر: تقول رواياتهم في تفسيره بأنه: "وعاء من أدم فيه علم النبيين والوصيين، وعلم العلماء الذين مضوا من بني إسرائيل" (أصول الكافي 1/239) ومرة تنعته بأنه: "جلد ثور ملئ علماً" (المصدر السابق 1/241). وهل المسلمون بحاجة في دينهم إلى غير شريعة القرآن؟! لقد أكمل الله سبحانه لنا الدين، وختم بكتابه الكتاب، ونسخ بالإسلام الأديان كلها (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ)آل عمران:85.
وقد يقال بأن هذه الدعاوى مجرد حكايات لا رصيد لها من الواقع وقد حفظتها كتب الشيعة ليبقى عارها عليها إلى الأبد، وليس لها أثر في واقع الحياة؛ لأنه لا وجود للأئمة.. وأقول: إن هذه الأساطير المكشوفة لها آثارها الخطيرة على نفسية وعقلية أولئك الأتباع الأغرار، وقد تؤدي بمن يؤمن بها ويعطي لعقله فرصة التأمل والتفكر فيها إلى متاهات الإلحاد، كما أن هذا الغلو قد تحول إلى واقع عملي واضح وهو الغول في قبور الأئمة - كما سلف-.
حكايات الرقاع:(70/83)
مات الحسن العسكري سنة260ه والذي تزعم الشيعة أنه إمامها الحادي عشر ولم يعرف له خلف ولم ير له ولد ظاهر(المقالات والفرق ص102)، كما تعترف كتب الشيعة، وقال ثقات المؤرخين بأنه مات عقيماً (انظر:المنتقى ص31). فكانت هذه الواقعة قاصمة الظهر للتشيع، لأن هذا مؤذن بنهايتهم، إذ إن أساس دينهم هو الإمام الذي يزعمون أن قوله قول الله ورسوله والإمام توفي ولم يخلف ولداً يتعلقون به، وحينئذ توقف النص المقدس سنة260ه، وانقطع سيل الأموال الجارية التي تؤخذ من الأتباع باسم الإمام، فافترق الشيعة، وتشتت أمرهم، وعظم الخطب عليهم، وضاقت بهم السبل.ويبدو أنه في ظل التحزب والتعصب يفقد العقل وظيفته، ويصاب الفكر بالشلل والتعطل.. فقد جعل هؤلاء المفترون لهذا الطفل المزعوم وظيفة "المشرع" أي منصب الأنبياء والرسل، مع أن مكانه- لو وجد- في حضانة وليه، وكانت بداية النقل الشرعي عن هذا الرضيع منذ ولادته، وهو ما لا يكون إلا في خيالات المعتوهين.
وقد تولى بث هذه الأخبار مجموعة من هؤلاء الأفاكين الذين يدعون الصلة بهذا المنتظر وارتضت هذه الطائفة أربعة منهم، سميت فترة النيابة التي تعاقبوا عليها بالغيبة الصغرى، والتي استمرت زهاء سبعين سنة، كما كان في بلدان العالم الإسلامي مجموعة تمثل هؤلاء النواب، وكانوا يستلمون الأموال ويخرجون للناس التوقيعات المزعومة.(70/84)
وقد اهتم شيوخ الشيعة بهذه التوقيعات، ودونوها في كتبهم الأساسية، على أنها من الوحي الذي لا يأتيه الباطل! كما فعل الكليني في (أصول الكافي1/517، وما بعدها باب مولد الصاحب) وابن بابويه في (إكمال الدين ص450 وما بعدها (الباب التاسع والأربعون ذكر التوقيعات الوراردة عن القائم)، والطوسي في(الغيبة ص 172 وما بعدها)، والطبرسي في (الاحتجاج: 2/277 وما بعدها)، والمجلسي في(بحار الأنوار53/150-246 باب ما خرج من توقيعاته)، وقد جمع شيخهم عبد الله بن جعفر الحميري الأخبار المروية عن منتظرهم في كتاب سماه: "قرب الإسناد".(وقد طبع في المطبعة الإسلامية بطهران).
وذكر صاحب الذريعة كتابين لهم في هذا باسم:"التوقيعات الخارجة من الناحية المقدسة"(أغا برزك الطهراني، الذريعة إلى تصانيف الشيعة4/500-501).وتحكي هذه التوقيعات رأي الإمام المزعوم في كثير من أمور الدين والحياة، وتصور قدرته على علم الغيب المجهول..وتحقيقه لأماني شيعته وشفائه لأمراضهم، وحل لمشاكلهم، وإجابته لأسئلتهم واستلامه لما يقدمونه من أموال، وقد تصاغ أحداث ذلك أحياناً بثوب قصصي. والمتأمل للفتاوى المنسوبة إليه في أمور الدين يرى في الكثير منها الجهل في أبسط مسائل الشيعة، مما يدل على أن واضع هذه "التوقيعات" هو من المتآمرين الجهلة الذين لا يحسنون الوضع، أو أن الله سبحانه شاء كشفهم وفضحهم على رؤوس الخلائق.. فجاءت محاولتهم في الكذب كمحاولة مسيلمة الكذاب في محاكاة القرآن.
الخلاصة:-
-الشيعة يردّون السنة ولا يعملون بها، واستعاضوا عنها بقول الإمام حيث أنه مثل قول الله وقول رسوله، أو يقدمونه عليهما، وأن الأئمة يوحى إليهم، وهم المهتمون بتخزين العلم.
- أقوال الأئمة الإثنى عشر عندهم كأقوال الله ورسوله.
- الشريعة(القرآن والسنة النبوية كما يتخيلونهما) مودعة عند الأئمة الإثنى عشر.
- ردّهم لمروايات الصحابة لكفرهم.(70/85)
- أخذهم السنة عن حكايات الرقاع.
- لهم سند خاص في تلقي السنة عن الرسول عليه السلام،يختلف كلية عن سند أهل السنة.
عقيدة الشيعة في الإجماع:
الإجماع ليس حجةً عند الشيعة بدون وجود المعصوم فمدار حجية الإجماع على قول المعصوم، وليس على نفس الإجماع فهم لم يقولوا بالإجماع وإنما قالوا بحجية قول المعصوم.
وفيما يلي رأي الشيعة من مصادرها، يقول ابن المطهر الحلي: "الإجماع إنما هو حجة عندنا لاشتماله على قول المعصوم، فكل جماعة كثرت أو قلت كان قول الإمام في جملة أقوالها، فإجماعها حجة لأجله لا لأجل الإجماع" (ابن المطهر:تهذيب الوصول إلى علم الأصول ص 70، ط: طهران 1308هـ). وبمثل هذا قال عدد من شيوخهم (انظر:أوائل المقالات: المفيد ص 99-100، قوامع الفضول: حسين معتوق ص 305، المرجعية الدينية العليا ص 16، وراجع كتب الأصول عندهم عامة).
إذن الإجماع ليس حجة عندهم بدون وجود الإمام الذي يعتقدون عصمته، فمدار حجية الإجماع هو على قوله لا على نفس الإجماع، فهم في الحقيقة لم يقولوا بحجة الإجماع، وإنما قالوا بحجية قول المعصوم، ودعواهم الاحتجاج بالإجماع تسمية لا مسمى لها، فقول ابن المطهر: "الإجماع حجة عندنا" من لغو القول؛ إذ الأصل أن يقول: الإجماع ليس بحجة عندنا، لأن الحجة في قول الإمام المعصوم.. لأن هذا هو مقتضى مذهبهم، فهم جعلوا الإمام بمثابة النبي أو أعظم؛ فهو عندهم ينكت في أذنه، ويأتيه الملك، بل يرى خلقاً أعظم من جبرائيل وميكائيل، إلى آخر ما فصلنا القول فيه عنهم في معتقدهم في السنة، فهم ليسوا بحاجة للإجماع والإمام حاضر بينهم، كما أن الصحابة ليسوا بحاجة للإجماع والرسول حاضر بينهم.(70/86)
فعندهم في كل عصر نبي يسمى الإمام، والحجة في قوله لا في الإجماع، ولهذا قالوا: "ونحن لما ثبت عندنا بالأدلة العقلية والنقلية كما هو مستقصى في كتب أصحابنا الإمامية أن زمان التكليف لا يخلو من إمام معصوم حافظ للشرع يجب الرجوع إلى قوله فيه، فمتى اجتمعت الأمة على قول كان داخلاً في جملتها لأنه سيدها، والخطأ مأمون على قوله، فيكون ذلك الإجماع حجة. فحجية الإجماع عندنا إنما هو باعتبار كشفه عن الحجة التي هي قول المعصوم" (معالم الدين: النحاريري ص406).والأرض لا تخلو من إمام،لأنه-كما يزعمون "لو خلت الأرض من إمام لساخت" (أصول الكافي 1/179)، ومعنى هذا استمرار تعطيل مبدأ الإجماع.
عقيدة الشيعة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
تقوم عقيدة الشيعة الإثنى عشرية على سب وشتم وتكفير الصحابة رضوان الله عليهم. ذكر الكليني في (فروع الكافي) عن جعفر عليه السلام:"كان الناس أهل ردة بعد النبي، صلى الله عليه وسلم، إلا ثلاثة، فقلت:من الثلاثة؟ فقال: المقداد بن الأسود، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي". وذكر المجلسي في (حق اليقين) أنه قال لعلي بن الحسين مولى له: "لي عليك حق الخدمة فأخبرني عن أبي بكر وعمر؟ فقال:إنهما كانا كافرين، الذي يحبهما فهو كافر أيضا". وفي تفسير القمي عند قوله تعالى:"وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي" قالوا: الفحشاء أبو بكر، والمنكر عمر، والبغي عثمان".
وذكر الكشي صاحب معرفة أخبار الرجال قال:(قال أبو جعفر عليه السلام: ارتد الناس إلا ثلاثة نفر، سلمان وأبو ذر والمقداد، قال: قلت: فعمار؟ قال: قد كان حاص حيصة ثم رجع، ثم قال: إن أردت الذي لم يشك ولم يدخله شيء فالمقداد، وأما سلمان فإنه عرض في قلبه عارض.. وأما أبو ذر فأمره أمير المؤمنين بالسكوت ولم يكن تأخذه في الله لومة لائم فأبى أن يتكلم".(معرفة أخبار الرجال: محمد بن عمر الكشي ص8).(70/87)
ونقل الكشي أيضا عن أبي جعفر عليه السلام قال:كان الناس أهل ردة بعد النبي إلا ثلاثة، فقلت: من الثلاثة؟ فقال: المقداد بن الأسود وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي، ثم عرف الناس بعد يسير وقال هؤلاء الذين دارت عليهم الرحى وأبو أن يبايعوا لأبي بكر".( معرفة أخبار الرجال:الكشي ص4).
ونقل الكشي أيضا:"فقال الكميت يا سيدي أسألك عن مسألة ثم قال: سل. فقال: أسألك عن رجلين، فقال: يا كميت ابن يزيد، ما أهريق في الإسلام مهجمة من دم ولا اكتسب مال من غير حله ولا نكح فرج حرام إلا وذلك في أعناقهما إلى يوم يقوم قائمنا ونحن معاشر بني هاشم نأمر كبارنا وصغارنا بسبهما والبراءة منهما".(معرفة أخبار الرجال:محمد بن عمر الكشي ص135).
وذكر الكشي أيضا:"عن الورد بن زيد قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: جعلني الله فداك قدم الكميت، فقال:أدخله، فسأله الكميت عن الشيخين، فقال له أبو جعفر عليه السلام: ما أهريق دم ولا حكم بحكم غير موافق لحكم الله وحكم رسوله وحكم علي عليه السلام إلا هو في أعناقهما، فقال الكميت: الله أكبر، الله أكبر، حسبي حسبي".(المصدر السابق ص135).
وذكر علي بن إبراهيم القمي في تفسيره: (لم يبق من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله إلا نافق إلا القليل".(تفسير القمي:علي بن إبراهيم القمي).
ويقولون في كتابهم(مفتاح الجنان):"اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وألعن صنمي قريش وجبتيهما وطاغوتيهما وابنتيهما.. الخ" ويعنون بذلك أبا بكر وعمر وعائشة وحفصة.
وفي يوم عاشوراء يأتون بكلب ويسمونه عمر، ثم ينهالون عليه ضربا بالعصي ورجما بالحجارة حتى يموت، ثم يأتون بسخلة ويسمونها عائشة، ثم يبدؤون بنتف شعرها وينهالون عليها ضربا بالأحذية حتى تموت. كما أنهم يحتفلون باليوم الذي قتل فيه الفاروق عمر بن الخطاب ويسمون قاتله أبا لؤلؤة المجوسي: بابا شجاع الدين، رضي الله عن الصحابة أجمعين وعن أمهات المؤمنين(70/88)
انظر أخي المسلم ما أحقد وما أخبث هذه الفرقة، وما يقولونه في خيار البشر بعد الأنبياء عليهم السلام والذين أثنى الله عليهم ورسوله، وأجمعت الأمة على عدالتهم وفضلهم، وشهد التاريخ والواقع والأمور المعلومة الضرورية بخيريّتهم وسابقتهم وجهادهم في الإسلام. فلنقرأ أي حب يكنّه القوم لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمعين إلا نفراً يسيراً، ويذكر الكليني في"أن الناس كانوا أهل ردة إلا ثلاثة: المقداد بن الأسود وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي".(الكافي 8/245 ).
والكشي يروي ما يلي:"قال محمد بن أبي بكر لأمير المؤمنين ابسط يدك لأبايعك، قال: أو ما فعلت ؟ قال: بلى، فبسط يده فقال أشهد أنك إمام مفترض الطاعة وأن أبي في النار".(رجال الكشي61)، وقال أيضاً:" سمعت ما من أهل بيت إلا وفيهم نجيب من أنفسهم، وأنجب النجباء من أهل بيت سوء محمد بن أبي بكر".(رجال الكشي 61).
وفي تفسير القمي تحت قوله تعالى (ويوم يعض الظالم على يديه) يقول:"يعني الأول ـ أبا بكرـ يا ليتني اتخذت مع الرسول علياً ولياً ـ يا ليتني لم اتخذ فلاناً خليلاً-أي عمر-".(تفسير القمي 2/113) وأيضاً فيه تحت قوله تعالى:(وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يُوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا):قال أبو عبد الله عليه السلام:"ما بعث الله نبياً إلا وفي أمته شيطانان يؤذيانه ويضلان الناس من بعده..وأما صاحبا محمد فجبتر وزريق) وفسر جبتر بعمر وزريق بأبي بكر!، وفيه: "والله ما أهريق من دم ولا قرع بعصا ولا غصب فرج حرام ولا أخذ مال من غير علم إلا وزر ذلك في أعناقهما من غير أن ينقص من أوزار العاملين بشيء".( تفسير القمي 1/383.(70/89)
ويضيف "الكشي" في روايته:"..ونحن معاشر بني هاشم نأمر كبارنا وصغارنا بسبهما والبراءة منهما". (رجال الكشي 180) بل حتى عم الرسول صلى الله عليه وسلم العباس وبنوه لم يسلموا من سبهم وشتمهم، فيورد "الكشي" كذباً على زين العابدين أنه قال لأبن عباس:(فيمن نزلت) ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا ) ؟ وفيمن نزلت (ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم) ..وأما الأوليان فنزلتا في أبيه العباس". (رجال الكشي ص53). وفي طلحة والزبير يقول " القمي " في تفسيره: ( إن آية إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنّة حتى يلج الجمل في سَمِّ الخياط ) نزلت فيهما". (تفسير القمي 1/230) وفي مراسلة تمت بين السيد " إبراهيم الراوي "-من علماء السُنّ -وبين " محمد مهدي السبزواري"- من مجتهدي الشيعة- يشكو له قول " بهاء الدين العاملي " في حاشيته على تفسير "البيضاوي" في قوله تعالى:( يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم) أنها نزلت في أبي بكر وعمر والصحابة..فيرد عليه السبزواري بجواب تاريخه 4/4/ 1347هـ:"قلتم أدام الله ظلكم: وإذا صدق قول الشيعة في ارتداد الصحابة كلهم الذين يتجاوز عددهم مائة ألف- إلا خمسة أو ستة أو سبعةـ والصواب ثلاثة فلِم يقاتل أبو بكر أهل الردة ويردهم إلى الإسلام؟ وكفره كفر حكمي لا كفر واقعي كعبادة الوثن والصنم،ولم يعتقد الشيعة كفر الصحابة وعائشة في حياة النبي، وإنما قالوا إنهم ارتدوا بعد النبي".( حاشية المنتقى من منهاج الاعتدال 32 ).(70/90)
ويُنكرون أن الله رضي عن كل الذين بايعوا تحت الشجرة، فيقول محمد مهدي الخالصي:نافياً صفة الإيمان عن أبي بكر وعمر:"وإن قالوا إن أبا بكر وعمر من أهل بيعة الرضوان الذين نصَّ على الرضا عنهم القرآن في قوله في هذه السورة (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ) قلنا لو أنه قال:(لقد رضي عن الذين يبايعونك تحت الشجرة)"أو"عن الذين يبايعونك"لكان في هذه الآية دلالة على الرضا عن كل من بايع، ولكن لما قال:(لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك )فلا دلالة فيها إلا على الرضا عمن محض الإيمان".(إحياء الشريعة في مذهب الشيعة1/63).
مقتل عمر رضي الله عنه:(70/91)
لم تكتف الشيعة بوضع تلك الروايات في سب وطعن الصحابة بل يحتفلون بمقتل الفاروق عمر رضي الله عليه، فقد ذكر الشيعي الجزائري في كتابه(الأنوار النعمانية 1/108) ذلك الاحتفال فقال قاتله الله:تحت عنوان:(نور سماوي يكشف عن ثواب يوم قتل عمر بن الخطاب) قال: المقتل الثاني يوم التاسع من شهر ربيع الأول: أخبرنا الأمين السيد أبو المبارك أحمد بن محمد بن أردشير البتساني قال: أخبرنا السيد أبو البركات بن محمد الجرجاني قال: أخبرنا هبة الله القمي واسمه يحيى قال: حدثنا أحمد بن إسحاق بن محمد البغدادي. قال:حدثنا الفقيه الحسن ابن الحسن السامري أنه قال: كنت أنا ويحيى بن أحمد بن جريج البغدادي فقصدنا أحمد بن إسحاق القمي وهو صاحب الإمام الحسن العسكري عليه السلام بمدينة قم فقرعنا عليه الباب فخرجت إلينا من داره صبية عراقية فسألناها عنه فقالت: هو مشغول وعياله فإنه يوم عيد. قلنا:سبحان الله الأعياد عندما أربعة: عيد الفطر وعيد النحر والغدير والجمعة. قالت:روى سيدي أحمد بن إسحاق عن سيده العسكري عن أبيه علي بن محمد عليهم السلام إن هذا يوم عيد وهو من خيار الأعياد عند أهل البيت وعنده مواليهم. قلنا: فاستأذني بالدخول عليه وعرفيه بمكاننا. قال: فخرج علينا وهو متزر بمئزر له متشح بكسائه يمسح وجهه فأنكرنا عليه ذلك. فقال:لا عليكم إنني كنت اغتسل للعيد فإن هذا اليوم هو التاسع من شهر ربيع الأول يوم العيد. فأدخلنا داره وأجلسنا على سرير له ثم قال لنا:إن قصدت مولاي أبا الحسين العسكري عليه السلام مع من إخواني في مصل هذا اليوم وهو اليوم التاسع من ربيع الأول فرأينا سيدنا عليه السلام قد أمر جميع خدمه أن يلبس ما يمكنه من الثياب الجدد وكان بين يديه محمرة يحرق فيها العود. قلنا:يا ابن رسول الله هل تجد في هذا اليوم لأهل البيت فرحا ؟ فقال:وأي يوم أعظم حرمة من هذا اليوم عند أهل البيت وأفرح ؟ وقد حدثني ابن عليه السلام أن حذيفة دخل في(70/92)
مثل هذا اليوم هو اليوم التاسع من شهر بيع الأول على رسول الله (ص). قال حذيفة فرأيت أمير المؤمنين (ع) مع ولديه الحسن والحسين(ع) مع رسول الله(ص) يأكلون والرسول (ص) يبتسم في وجوههما ويقول: كلا هنيئا مريئا لكما ببركة هذا اليوم وسعادته فإنه اليوم الذي يقبض الله فيه عدوه وعدو جدكما ويستجيب دعاء أمكما. فإنّه اليوم الذي يكسر فيه شوكة مبغض جدكما وناصر عدوكما. كلا فإنّه اليوم الذي يفقد فيه فرعون أهل بيتي وهامانهم وظالمهم. وغاصب حقهم . كلا فإنه اليوم الذي يفرج الله فيه قلبكما وقلت أمكما. قال حذيفة: قلت:يا رسول الله في أمتك وأصحابك من يهتك هذا الحرم ؟ قال رسول الله (ص) جبت من المنافقين يظلم أهل بيت ويستعمل في أمتي الربا ويدعوهم إلى نفسه ويتطاول على الأمة من بعدي ويستجلب أموال الله من غير حله وينقلها في غير طاعته ويحمل على كتفه درة الخزي، ويضل الناس عن سبيل الله ويحرف كتابة ويغير سنتي ويغصب أرث ولدي وينصب نفسه علما ويكذبني ويكذب أخي ووزيري ووصي وزوج ابنتي ويتغلب على ابنتي ويمنعها حلها وتدعو فيستجاب لها بالدعاء في مثل هذا اليوم ؟ قال حذيفة: قلت: يا رسول الله ادع الله ليهلكه في حياتك قال: ي حذيفة لا أحب أن اجترئ على الله. لما قد سبق في علمه لكني سالت الله عز وجل أن يجعل اليوم الذي يقبضه فيه إليه فضيلة على سائر الأيام ويكون تلك سنة يستن بها أحبائي وشيعة أهل بيتي ومحبوهم فأوحى الله عز وجل إليّ فقال: يا محمد أنه قد سبق في علمي أن يمسك وأهل بيتك محن الدنيا ويلازمها، وظلم المنافقين والمعاندين من عبادي ممن نصحتم وخانوك، محضتهم وغشوك، وصافيتهم وكاشحوك، وأوصلتهم وخالفوك، وأوعدتهم فكذبوك فإني بحولي وقوتي وسلطاني لأفتحن على روح من يغصب بعدك عليا ووصيك وولي حقك من العذاب الأليم ولا وصلته وأصحابه قعرا يشرف عليه ابليس فيلعنه ولأجعل ذلك المنافق عبرة في القيامة مع فراعنة الأنبياء وأعداء الدين في المحشر.(70/93)
ولأحشرنهم وأوليائهم وجميع الظلمة والمنافقين في جهنم ولأدخلنهم فيها أبدا الآبدين. يا محمد أنا انتقم من الذي يجترئ عليّ ويستترك كلامي ويشرك بي ويبعد الناس عن سبيلي وينصب نفسه عجلا لأمتك وكفر بي. إني قد أمرت سكان سبع سمواتي من شيعتكم ومحبيكم أن يتعيّدوا في هذا اليوم الذي أقبضه إلى فيه وأمرتهم أن ينصبوا كراسي كرامتي بإزاء البيت المعمور ويثنوا عليّ ويستغفروا لشيعتكم من ولد آدم. يا محمد وأمرت الكرام الكاتبين أن يرفعوا القلم عن الخلق ثلاثة أيام، من أجل ذلك اليوم، ولا أكتب عليهم من أجل ذلك اليوم ولا أكتب عليهم شيئا من خطاياهم، كرامة لك ولوصيك. يا محمد:إني قد جعلت ذلك عيدا لك، ولأهل بيتك وللمؤمنين من شيعتك. وآليت على نفسي بعزتي وجلالي وعلوي في رفيع مكاني أنّ من وسّع في ذلك اليوم على أهله وأقاربه لأزيدنّ في ماله وعمره ولأعتقنه من النار، ولأجعلن سعيه مشكورا وذنبه مغفورا، وأعماله مقبولة. ثمّ قام رسول الله (ص) فدخل بيت أم سلمة فرجعت عنه وأنا غير شاك في أمر الشيخ الثاني حتى رأينه بعد رسول الله (ص) قد فتح الشر وأعاد الكفر والارتداد عن الدين وحرّف القرآن".(70/94)
يتبين لك أخي المسلم وقاحتهم وسوء أدبهم وطعنهم في زوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة، الذي هو طعن في شخص الرسول صلى الله عليه وسلم، بل طعن في الله سبحانه وتعالى من خلال رواية أحاديث تظهر ما تكنه صدورهم، منها قول القمي في تفسيره في قول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا. يقول إنها نزلت في اتهام عائشة لمارية القبطية".(تفسير القمي 2/318)، وأيضاً في قوله تعالى:(إنّ الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم) قال:"إن العامة رووا أنها نزلت في عائشة وما رضي الله عنه"ميت به في غزوة بني المصطلق من خزاعة،وأما الخاصة فإنهم رووا أنها نزلت في مارية القبطية وما رمتها به بعض النساء المنافقات".(تفسير القمي 2/99). وفي تفسير البرهان لهاشم البحراني يورد هذه الرواية في لعن أبي بكر وعمر:"عن محمد الباقر: من وراء شمسكم هذه أربعون شمساً، ما بين عين شمس إلى عين شمس أربعون عاماً فيها خلق عظيم ما يعلمون أن الله خلق آدم أو لم يخلقه، وإن من وراء قمركم هذا أربعين قمرا ـ إلى أن قال ـ قد أُلهموا كما أُلهمت النحلة لعنة الأول والثاني-أبي بكر وعمر-في كل الأوقات، وقد وكل بهم ملائكة متى لم يلعنوا ُذبوا". (تفسير البرهان لهاشم البحراني ص47).
بل إنّ وقاحتهم وسوء أدبهم بلغت حداً أن اتهموا الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي زوّجه علي رضي الله عنه ابنته أم كلثوم، بأنه كان مصاباً بداء لا يشفيه إلا ماء الرجال-قاتلهم الله أنّى يؤفكون- كما في كتاب اسمه "الزهراء" لأحد طواغيتهم في نجف العراق.
وما دعاء الجبت والطاغوت عنا ببعيد، والدعاء يقع في صفحتين ممهوراً بأختام عدة من طواغيتهم منهم:الخوئي، ومحسن الحكيم، وشريعتمداري. ويبدأ هذا الدعاء:اللهم العن جبتي قريش وطاغوتيهما وإفكيهما وابنتيهما الذين حرفا كتابك..(صورة عن كتاب تحفة العوام).(70/95)
وبلغت استهانة الخميني بأصحاب رسول الله صلى الله عنه وسلم أن فضّل عليهم شعب إيران كما يذكر ذلك في وصيته:"وأنا أزعم بجرأة أن الشعب الإيراني بجماهيره المليونية في العصر الراهن أفضل من أهل الحجاز في عصر رسول الله" الوصية السياسية:الخميني ص 23)، ويقول هذا الخبيث في سبه لخير الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم: "إننا هنا لا شأن لنا بالشيخين، وما قاما به من مخالفات للقران، ومن تلاعب بإحكام الإله، وما حللاه وما حرماه من عندهما، وما مارساه من ظلم ضد فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم، وضد أولاده، ولكننا نشير إلى جهلهما بأحكام الإله والدين"، ثم يقول في الصفحة الأخرى:"وأن مثل هؤلاء الأفراد الجهال الحمقى، والأفاقين والجائرين غير جديرين بأن يكونوا في موضع الإمامة، وأن يكونوا ضمن أولي الأمر".(كشف لأسرار:الخميني ص126-127).
ويقول هذا المجرم في حق عمر رضي الله عنه:"وأغمض عينيه-ويقصد النبي صلى الله عليه وسلم- وفي أُذنيه كلمات ابن الخطاب القائمة على الفرية، والنابعة من أعمال الكفر والزندقة، والمخالفة لآيات ورد ذكرها في القرآن الكريم".(كشف الأسرار:الخميني ص137).
وحتى بنات النبي صلى الله عليه وسلم تطاولوا عليهن بحجة أنهن لسن بناته صلى الله عليه وسلم فيقول الخالصي في حديثه عن أختي الزهراء-رقية وأم كلثوم-:"ما زعمه -ابن تيميه- من أن تزويج بنتيه لعثمان فضيلة له من عجائبه من حيث ثبوت المنازعة في أنهما بنتاه"، ويقول:"لم يرد شيء من الفضل في حق من زعموهن شقيقاتها- فاطمة- بحيث يميزن به ولو عن بعض النسوة". ويقول:"قد عرف تعدم ثبوت أنهما بنتا خير الرسل صلى الله عليه وسلم وعدم وجود فضل لهما يستحقان به الشرف والتقدم على غيرهما".(منهاج الشريعة2/289،290،291- الخالصي).
أوجه التشابه بين اليهود والشيعة الإثنى عشرية:(70/96)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:"وآية ذلك أن محنة الشيعة الإثنى عشرية محنة اليهود، وذلك أن اليهود قالوا لا يصلح الملك إلا في آل داود، وقالت الشيعة الإثنى عشرية: لا تصلح الإمامة إلي في ولد علي. وقالت اليهود: لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج المسيح الدجال وينزل السيف، وقالت الشيعة الإثنى عشرية:لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج المهدي وينادي مناد من السماء.
واليهود يؤخرون الصلاة إلى اشتباك النجوم، وكذلك الشيعة الإثنى عشرية يؤخرون المغرب إلى اشتباك النجوم؛ والحديث: "لا تزال أمتي على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب إلى اشتباك النجوم".
واليهود حرفوا التوراة وكذلك الشيعة الإثنى عشرية حرفوا القرآن. واليهود لا يرون المسح على الخفين وكذلك الشيعة الإثنى عشرية. واليهود تبغض جبريل يقولون هو عدونا من الملائكة، وكذلك الشيعة الإثنى عشرية يقولون غلط جبريل بالوحي على محمد. وكذلك الشيعة الإثنى عشرية وافقوا النصارى في خصلة النصارى؛ ليس لنسائهم صداق إنما يتمتعون بهن تمتعا، وكذا الشيعة الإثنى عشرية يتزوجون بالمتعة ويستحلونها.
وفُضِّلت اليهود والنصارى على الشيعة الإثنى عشرية بخصلتين: سُئلت اليهود: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب موسى. وسئلت النصارى: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: حواري عيسى، وسئلت الشيعة الإثنى عشرية: من شر أهل ملتكم؟ قالوا:أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.(70/97)
وقالت اليهود إن داود عليه السلام رأى امرأة تستحم وكانت جميلة جدا وسئل عن المرأة فقيل إنها امرأة أوريا، فأرسل داود عليه السلام زوجها إلى الحرب، وقال اجعلوه في وجه الحرب الشديدة وارجعوا من ورائه فيضرب ويموت، ففعلوا فتزوج داود امرأته هذا في سفر صامويل الثاني صفحة 11.وقالت الشيعة فيما رواه روي الكليني:"أنّ نبّي الله إسماعيل عليه السلام، نظر إلى امرأة من حمير أعجبه جمالها فسئل الله أن يزوجها إياه وكان لها بعل(امرأة متزوجة يتمنى أن يتزوجها) يقول فقص الله على بعلها، بالموت ثمّ تزوجت إسماعيل".(الكافي:الكليني 2/311).
عقيدة الإمامة عند الشيعة الإثنى عشرية
أوّل من أشاع فكرة الإمامة عند الشيعة هو عبد الله ابن سبأ اليهودي الأصل، وبهذا نطقت كتب الشيعة:"كان أوّل من أشهر القول بفرض إمامة علي، وأظهر البراءة من أعدائه، وكاشف مخالفيه وكفرهم"(رجال الكشي ص 108-109)، ويقول ابن بابويه القمي:"يعتقدون بأن لكل نبي وصياً أوصى إليه بأمر الله تعالى".(عقائد الصدوق ص106).
إنّ فكرة الوصاية، عقيدة يهودية، فإن اليهود يرون أن لكل نبي وصياً، وأن يوشع بن نون وصي موسى عليه السلام، ومن هنا دخلت فكرة الوصاية على معقتد الشيعة، ولذلك يذكر المجلسي:"أنّ علياً هو آخر الأوصياء". (بحار الأنوار 39/342).
والإمامة عند الشيعة تختلف عن الإمامة في الدين عند أهل السنة والجماعة، فالإمام عند الشيعة له من الخصائص كما للنبي !، يقرر ذلك محمد حسين آل كاشف الغطاء في كتابه(أصل الشيعة وأصولها ص85) يقول:"أن الإمامة منصب إلهي كالنبوة، فكما أن الله سبحانه يختار من يشاء من عباده للنبوة والرسالة، ويؤيّد بالمعجزة التي هي كنص من الله عليه.. فكذلك يختار للإمامة من يشاء ويأمر نبيه بالنص عليه وأن ينصبه إماماً للناس من بعده".(70/98)
والإمامة عند الشيعة أحد أركان الإسلام الخمسة، فهم يعتقدون كما جاء في أصول الكافي عن أبي جعفر أنه قال:"بني الإسلام على خمس، على الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج والولاية، ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية، فأخذ الناس بأربع وتركوا هذه–يعني الولاية-".(أصول الكافي2/18، الشافي شرح الكافي تصحيح لهذا الحديث 5/28). وعن الصادق قال:عرج بالنبي إلى السماء مائة وعشرين مرة ، ما من مرة إلا وقد أوصى الله فيها النبي بالولاية لعلي والأئمة أكثر مما أوصاه بالفرائض".(علل الشرايع ص 149، الخصال ص 601، البصائر ص23، إثبات الهداة 1/538 ، 666، تأويل الآيات1/275، البحار 18/387 ، 23/69، نور الثقلين 3/98، البرهان 2/394).
ولمّا كانت الإمامة لم يرد لها ذكر في كتاب ولا سنة، ولم تعرف لها ذكر في العصور المتقدمة العصور الفاضلة، فقد أقلق هذا الشيعة مما جعلها تصنع الرويات وتختلقها في أن الإمامة من الأسرار التي لا ينبغي إذاعتها ونشرها! فعن علي الرضا قال:"ولاية الله أسرها إلى جبرائيل، وأسرها جبرائيل إلى محمد، وأسرّها محمد إلى علي، وأسرّها علي إلى من شاء الله، ثم أنتم تذيعون ذلك، من الذي أمسك حرفاً سمعه".(المازندراني: شرح جامع 9/123)، ومعنى الجملة الأخيرة، (من الذي أمسك حرفاً سمعه) أي أن هذا الذي ينبغي له أن يكتم أشيع ونشر!. وعن جعفر قال:"المذيع حديثنا كالجاحد له".(أصول الكافي 2/224). وتشير بعض رواياتهم إلى أن الكيسانية هي أول من أذاعت هذا السر وكشفته، ففي (أصول الكافي 2/223):"ما زال سرنا مكتوماً حتى صار في ولد كيسان، فتحدثوا به في الطريق وقرى السواد".(70/99)
ومّما تميّزت به عقيدة الإمامة لدى الشيعة الإمامية هو قولهم بتعدد الأئمة وحصرها في عدد معين، وهم اثنا عشر إماماً. وتشير بعض الرويات إلى أن من أشاع هذه المقالة الكاذبة هو (شيطان الطاق) وهذا هو اسمه عند أهل السنة والجماعة، وأما الشيعة الإمامية فتسميه مؤمن الطاق، وله قصص في الكذب على الله وتحريف بعض آي القرآن الكريم.(انظر رجال الكشي ص186، أصول الكافي 1/174).
وفي باديء الأمر أظهر شيطان الطاق فكرة الإمام مفترض الطاعة بمعاونة هشام بن الحكم الرافضي، وانتشرت في الكوفة، وأنكرها أبو عبد الله جعفر إنكاراً بليغاً، فيروي سعيد الأعرج كما جاء في رجال الكشي:أنه قال كنا عند أبي عبد الله فاستأذن رجلان، فأذن لهما، فقال أحدهما: أفيكم إمام مفترض الطاعة؟قال:ما أعرف ذلك فينا، قال:بالكوفة قوم يزعمون أنّ فيكم إماماً مفترض الطاعة، وهو لا يكذبون أصحاب ورع واجتهاد.. منهم عبد الله بن يعفور وفلان وفلان، فقال أبو عبد الله رضي الله عنه: ما أمرتهم بذلك، ولا قلت لهم أن يقولوه، قال-القائل أبو عبد الله-: فما ذنبي! وأحمر وجهه وغضب غضباً شديداً، قال: فلما رأيا الغضب في وجهه قاما فخرجا..".(رجال الكشي ص427).
والمتأمل لروايات الشيعة الإمامية فيما يتعلق بالإمامة يجد أنها لم تحدّد اثني عشر إماماً في أول الأمر، وإنّما تم ذلك بعد وفاة الحسن العسكري، إذ جاءت روايات تشير إلى أن علياً يسرّ بهذا الأمر إلى من يشاء، وجاءت رويات تقول بأن القائم هو سابع سبعة: كما في (رجال الكشي 373). وهذا هو الأمر المستقر عند الإسماعيلية. ولكن الموسوية أو القطعية زادتهم إلى اثني عشر فسميت بالإثنى عشرية.(70/100)
ولم يقف الأمر عند ذلك فقد جاء في كتاب سليم بن قيس أنّه ذكر أنّ الأئمة ثلاثة عشر، مما جعل بعض مشايخ الشيعة قديماً وحديثاً يطعن في هذا الكتاب، مع احتوائه على أصول عقائد الشيعة الإمامية كما هي عليه الآن. وللدلالة على ذلك.(انظر أصول الكافي1/534-532، والغيبة للطوسي ص 92).
منزلة الإمامة وحكم منكرها:
جعلت الشيعة مدار قبول الأعمال من العباد على الإيمان بالإمامة ، فنسبوا إلى الصادق قوله:"إن أول ما يسأل عنه العبد إذا وقف بين يدي الله جل جلاله عن الصلوات المفروضات، وعن الزكاة المفروضة، وعن الصيام المفروض، وعن الحجّ المفروض، وعن ولايتنا أهل البيت، فإن أقرّ بولايتنا ثمّ مات عليها قبلت منه صلاته وصومه وزكاته وحجه، وإن لم يقر بولايتنا بين يدي جل جلاله لم يقبل الله منه شيئا من أعماله".(أمالي الصدوق ص 154، البحار24/51، 27/167، 54/390 ، 83/10،19، عيون الأخبار ص 270).
وعن زرارة عن أبي جعفر قال:بني الإسلام على خمسة أشياء:على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية، قال زرارة:وأي شيء من ذلك أعظم؟ فقال: الولاية أفضل، لأنّها مفتاحهن".( الكافي 2/18، المحاسن ص 286، العياشي 1/191، البحار68/332، 82/234، إثبات الهداة 1/91، الوسائل 1/13). وعن الباقر:"بني الإسلام على خمس: إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان والولاية لنا أهل البيت ، فجعل في أربع منها رخصة ولم يجعل في الولاية رخصة".( الخصال ص278، البحار 68/376، الوسائل 1/23 وانظر أيضا: الكافي 2/22، البحار68/332)(70/101)
وعنه أيضا قال: نزل جبرائيل على النبي فقال:يا محمد السلام يقرئك السلام ويقول: خلقت السموات السبع وما فيهن والأرضين السبع ومن عليهن وما خلقت موضعا أعظم من الركن والمقام، ولو أن عبدا دعاني هناك منذ خلقت السموات والأرضين ثم لقيني جاحدا لولاية علي لأكببته في سقر"، وفي رواية: لو جاء أحدكم يوم القيامة بأعمال كأمثال الجبال ولم يجيء بولاية علي بن أبي طالب لأكبه الله في النار، وفي رواية عن زين العابدين:إن أفضل البقاع ما بين الركن والمقام، ولو أنّ رجلا عمر ما عمر نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يصوم النهار ويقوم في ذلك الموضع ثم لقي الله بغير ولايتنا لم ينفعه ذلك شيئا، وعن جدّه علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال:لو أنّ عبدا عبد الله ألف سنة لا يقبل الله منه حتى يعرف ولايتنا أهل البيت، ولو أنّ عبداً عبد الله ألف سنة وجاء بعمل اثنين وسبعين نبياً ما يقبل الله منه حتى يعرف ولايتنا أهل البيت وإلاّ أكبه الله على منخريه في نار جهنم ، وفي رواية: والله لو سجد حتى ينقطع عنقه ما قبل الله منه إلا بولايتنا ، وفي أخرى: أما والله لو أن رجلا قام ليله وصام نهاره وتصدق بجميع ماله وحج جميع دهره ولم يعرف ولاية وليي ما كان له على الله حق في ثوابه ولا كان من أهل الإيمان".(انظر هذه الروايات وغيرها في الباب:الكافي1/372 ، 436 ، 2/18 أمالي الصدوق ص 190، 260، 290، 396..البحار 2/7، 13/339 ، 23/221 ، 286 ، 294 ، 25/111 ، 113 ، 26/349، 27/167، 168، 37/62 ، 42/143 ، 46/179، 47/357 ، 68/333 ، 72/133، 73/121، 78/225...أمالي الطوسي ص 72، 104، 131، 253 ، 422، الوسائل 1/123 ، 16/76، أمالي المفيد ص 42، العياشي 1/286، غيبة الطوسي ص 95).(70/102)
ونسبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله:"التاركون ولاية علي خارجون عن الإسلام" المحاسن ص 89، البحار27/238 ، 39/302، 72/134). وإلى الصادق قوله:"الجاحد لولاية علي كعابد وثن".(البصائر ص 105 البحار 24/123، 27/181، 54/390 )
لذا حكى المفيد إجماع الإمامية على أن من أنكر إمامة أحد من الأئمة وجحد ما أوجبه الله تعالى له من فرض الطاعة فهو كافر ضال مستحق للخلود في النار".(البحار8/366 ، 23/390
والروايات في الباب كثيرة، حتى عقد بعضهم أبوابا خاصة في بيان هذه المسألة ، كباب أنه لا تقبل الأعمال إلا بالولاية".(البحار27/166 إلى 202 وفيه 71 رواية) وباب كفر المخالفين والنصاب"( البحار 72/131 إلى 156).
عصمة الأئمة:
ذهب الشيعة إلى القول بعصمة الأئمة، فلا يخطئون عمداً ولا سهواً ولا نسياناً طول حياتهم، ولا فرق في ذلك بين سن الطفولة وسن النضج العقلي، ولا يختص هذا بمرحلة الإمامة..وزعموا:أنّ الله سبحانه وتعالى عصم اثنين فلم يسجدا لصنم قط، وهما:محمد بن عبد الله، وعلي بن أبي طالب، فلأحدهما كانت الرسالة، وللآخر كانت الإمامة، أمّا الخلفاء الثلاثة فلم يعصموا، هم ظالمون ليسوا أهلا للإمامة.(70/103)
روى الكليني في (أصول الكافي):"قال الإمام جعفر الصادق: نحن خُزًّان علم الله، نحن تراجمة أمر الله، نحن قوم معصومون أمر بطاعتنا ونُهي عن معصيتنا، نحن حجة الله البالغة على من دون السماء، وفوق الأرض". وزعم المجلسي إجماع الشيعة الروافض على هذه الضلالة فقال:"اعلم أنّ الإمامية اتّفقوا على عصمة الأئمّة عليهم السّلام من الذّنوب– صغيرها وكبيرها–فلا يقع منهم ذنب أصلاً لا عمدًا ولا نسيانًا ولا الخطأ في التّأويل ولا للإسهاء من الله سبحانه".(بحار الأنوار25/211، وانظر:مرآة العقول 4/352(." وقال أيضاً المجلسي:"إنّ أصحابنا الإمامية أجمعوا على عصمة الأئمّة صلوات الله عليهم من الذّنوب الصّغيرة والكبيرة عمدًا وخطأ ونسيانًا من وقت ولادتهم إلى أن يلقوا الله عزّ وجلّ".(بحار الأنوار 25/ 350-351(.
وفي بيان عصمة الأئمة يقول محمد رضا المظفر:"ونعتقد أنّ الإمام كالنبي يجب أن يكون معصوما من جميع الرذائل والفواحش ما ظهر منها وما بطن، من سن الطفولة إلى الموت، عمداً وسهواً، كما يجب أن يكون معصوما من السهو والخطأ والنسيان، لأن الأئمة حفظة الشرع والقوامون عليه حالهم في ذلك حال النبي، والدليل الذي اقتضانا أن نعتقد بعصمة الأنبياء هو نفسه يقتضينا أن نعتقد بعصمة الأئمة، بلا فرق"( عقائد الإمامية: محمد المظفر، دار الزهراء للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الرابعة 1403هـ-1980م، ص 104).
ويقول الخميني:"إنّ الأئمة الذين لا نتصور فيهم السهو والغفلة، ونعتقد فيهم الإحاطة بكل ما فيه مصلحة المسلمين"(الحكومة الإسلامية، طبعة دار الطليعة، بيروت، الطبعة الثانية 1979م، ص 52).(70/104)
ويقال هنا:إنّ العصمة من الخطأ كبيره وصغيره، عمداً وسهواً، ونسياناً من المولد إلى الممات أمر يتنافى مع الطبيعة البشرية، وهذا ممّا لا يقبله العقل إلا بدليل قطعي من الشرع، والقرآن لا يثبت للأئمة عموما فضلاً عن أئمة الجعفرية على وجه الخصوص، على أنّ دلالة القرآن الكريم تتنافى مع مثل هذه العصمة حتى بالنسبة للأنبياء، وهم خير البشر جميعا الذين اصطفاهم الله تعالى للنبوة والرسالة.
وإنّ النّفي المطلق للسّهو والنّسيان عن الأئمّة تشبيه لهم بمن لا تأخذه سنة ولا نوم، ولهذا قيل للرّضا –وهو الإمام الثّامن الذي تدعي الشيعة عصمته -:"إنّ في الكوفة قومًا يزعمون أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لم يقع عليه السّهو في صلاته، فقال: كذبوا–لعنهم الله –إنّ الذي لا يسهو هو الله الذي لا إله إلا هو".(بحار الأنوار25/350، وانظر: ابن بابويه:عيون أخبار الرّضا ص326(.
والقول بالعصمة يتنافى مع ما ثبت من أن الأئمة يعترفون بالذنوب ويستغفرون الله منها.. فأمير المؤمنين يقول في دعائه كما في نهج البلاغة: "اللّهمّ اغفر لي ما أنت أعلم به منّي، فإن عدت فعد عليّ بالمغفرة، اللّهمّ اغفر لي ما وأيت من نفسي ولم تجد له وفاء عندي، اللّهمّ اغفر لي ما تقرّبت به إليك بلساني، ثم خالفه قلبي، اللّهمّ اغفر لي رمزات الألحاظ، وسقطات الألفاظ، وشهوات الجنان، وهفوات اللّسان".(نهج البلاغة: ص104). وقال أبو عبد الله كما تروي كتب الشيعة:"إنّا لنذنب ونسيء ثم نتوب إلى الله متابًا".(بحار الأنوار25/207(.وكان أبو الحسن (موسى الكاظم) يقول حسب روايات الشيعة:"ربّ عصيتك بلساني ولو شئت وعزّتك لأخرستني، وعصيتك ببصري ولو شئت لأكمهتني".(بحار الأنوار25/203).
علوم الأئمة:
1-علم الغيب:(70/105)
يروي ثقتهم الكليني في(أصول الكافي، باب أنّ الأئمة إذا شاءوا أن يعلموا علموا) فعن جعفر أنّه قال:"إن الإمام إذا شاء أن يعلم علم، وأنّ الأئمة يعلمون متى يموتون، وأنّهم لا يموتون إلا باختيار منهم". والكليني يروي في الكافي عدة روايات تحت باب"الأئمة إذا شاءوا أن يعلموا علِموا، وباب"إنّ الأئمة يعلمون متى يموتون وأنهم لا يموتون إلا باختيارهم" ويروون كذباً على علي رضي الله عنه:"أنا قسيم الجنة والنار، ولقد أقرت لي جميع الملائكة، والروح والرسل بمثل ما أقروا لمحمد صلى الله عليه وآله..ولقد أُعطيت خصالاً ما سبقني إليها أحد قبلي، عُلّمت المنايا والبلايا والأنساب وفصل الخطاب فلم يفتني ما سبقني ولم يعزب عني ما غاب عني".(أصول الكافي1/196). وأيضاً عن جعفر الصادق:"إنّي لأعلم ما في في السّماوات وما في الأرض، واعلم ما في الجنة والنار، وأعلم ما كان وما يكون".(أصول الكافي1/261).وفي رواية:"إنّ الدنيا بيد الأمام يضعها حيث يشاء ويدفعها لمن يشاء".(أصول الكافي1/409).وفي رواية مكذوبة على علي رضي الله عنه أنه كان يقول:"أنا الأول والأخر والظاهر والباطن".(الطوسي:الاحتجاج على أهل اللجاج".
2-جميع الكتب السماوية عند الأئمة:
تدعي الشيعة بأن عند الأئمة الإثنى عشر كل كتاب نزل من السماء، وأنّهم يقرؤونها على اختلاف لغاتها، ووضع الكليني في الكافي بابًا لهذا الموضوع بعنوان:"باب أن الأئمة عندهم جميع الكتب التي نزلت من عند الله عز وجل وأنهم يعرفونها على اختلاف ألسنتها".(أصول الكافي1/227). وأيضاً صاحب بحار الأنوار ذكر بابًا بعنوان:"باب في أنّ عندهم صلوات الله عليهم كتب الأنبياء عليهم السّلام يقرؤونها على اختلاف لغاتها".(بحار الأنوار26/180).وذكر في هذا الباب (27) حديثًا من أحاديثهم.
ومن رواياتهم أيضاً:
- "كل كتاب نزل فهو عند أهل العلم ونحن هم".(أصول الكافي مع شرح جامع للمازندراني5/355).(70/106)
- "إنّ عندنا صحف إبراهيم وألواح موسى".(أصول الكافي مع شرح جامع للمازندراني 5/354).
- "إن عندنا علم التوراة والإنجيل والزبور وبيان ما في الألواح" )أصول الكافي (مع شرح جامع للمازندراني5/354).
- أن أبا عبد الله قال:"إنّ عندي الجفر الأبيض..فيه:زبور داود، وتوراة موسى، وإنجيل عيسى، وصحف إبراهيم، والحلال والحرام، ومصحف فاطمة. ما أزعم أنّ فيه قرآنًا وفيه ما يحتاج النّاس إلينا ولا نحتاج إلى أحد، حتى فيه الجلدة ونصف الجلدة وربع الجلدة وأرش الخدش").أصول الكافي1/340(.
- أبو الحسن يقرأ الإنجيل أمام نصراني يقال له بريه فيقول هذا النصراني بعد سماعه لقراءة إنجيله عن الإمام:إياك كنت أطلب منذ خمسين سنة، ثم إن النصراني–كما تقول الرواية– آمن وحسن إسلامه. وقال للإمام:"أنى لكم التوراة والإنجيل وكتب الأنبياء؟ فقال:هي عندنا وراثة من عندهم نقرؤها كما قرؤوها، ونقولها كما قالوا: إن الله لا يجعل حجة في أرضه يسأل عن شيء فيقول لا أدري".(أصول الكافي مع شرح جامع5/359، بحار الأنوار26/181، 182، التوحيد:الصدوق ص286-288(.
ويا ليت شعري هل تخرج الشيعة لنا هذه الكتب حتى نجادل نحن وهم بها اليهود والنصارى ونثبت كذبهم وتزويرهم وتحريفهم للتوراة والإنجيل، ولعلهم يكونون ممن آمن وحسن إسلامه؟؛
3-الحسن يتكلم سبعين مليون لغة:
عن أبي عبد الله أنّ الحسن قال:"إن لله مدينتين، إحداهما بالمشرق والأخرى بالمغرب. وفيها سبعون ألف ألف لغة. يتكلم كل لغة بخلاف لغة صاحبها. وأنا أعرف جميع تلك اللغات". (أصول الكافي1/384-385، كتاب الحجة. باب مولد الحسن بن علي).
الله تعالى عند الشيعة يتجلى بمظاهر النبي والأئمة:-(70/107)
قال الشيعي إبراهيم الأنصاري:"فاكتساب الطهارة والكرم والجمال والعلم وغيرها من الصفات الإلهيَّة يعني الارتباط بالطهارة المطلقة والكرم والجمال والعلم المطلق وكلُّ هذه الصفات بالمستوى الرفيع متوفِّرة في مظهر المشيئة الإلهيَّة وهم محمَّد وآل محمَّد عليهم السلام" (أوداء الله 12).
ويعتقدون أنّ الله خلق السماوات والأرضين لأجل علي، وجعله صراطه المستقيم، وعينه وبابه الذي يؤتى منه، وحبله المتصل بينه وبين عباده من رسل وأنبياء وحجج وأولياء.(الوافي للفيض الكاشاني المجلد الثاني8/224) وبهذا يقضون على السبب الحقيقي من خلق الخلق الذي سطره الله في القرآن بقوله تعالى:(وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون). ويأتي المجلسي برواية مكذوبة تتناقض مع هذه الآية وفيها:"أنّ الله قال للقلم لما أمره أن يكتب يا قلم فلولاه ما خلقتك ولا خلقت خلقي إلا لأجله".(بحار الأنوار للمجلسي15/30).
الأئمة هم أسماء الله وصفاته:
... ... ... روى الكليني عن أبي عبد الله في قول الله عز وجل:)وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا( الأعراف: 180. قال:"نحن والله الأسماء الحسنى التي لا يقبل الله من العباد عملاً إلا بمعرفتنا" (أصول الكافي1/143-144). وقد تناقل هذا المعتقد علماء الشيعة في روايات عديدة نسبت زوراً لجعفر الصادق وغيره.(انظر تفسير العياشي 2/42، المفيد:الاختصاص: ص252، المجلسي:بحار الأنوار 94/22، النوري الطبرسي: مستدرك الوسائل1/371، البرهان 2/52، تفسير الصافي 2/254-255). فعن أبي جعفر أنه قال: "نحن وجه الله نتقلب في الأرض بين أظهركم، ونحن عين الله في خلقه، ويده المبسوطة بالرحمة على عباده، عرفنا من عرفنا وجهلنا من جهلنا".)أصول الكافي1/143، البرهان 3/240(.(70/108)
وعن أبي عبد الله: "إن الله خلقنا فأحسن صورنا وجعلنا عينه في عباده، ولسانه الناطق في خلقه، ويده المبسوطة على عباده بالرأفة والرحمة، ووجهه الذي يؤتى منه، وبابه الذي يدل عليه، وخزانه في سمائه وأرضه، بنا أثمرت الأشجار وأينعت الثمار، وجرت الأنهار، وبنا ينزل غيث السماء وينبت عشب الأرض، وبعبادتنا عبد الله ولولانا ما عُبد الله".(أصول الكافي1/144، ابن بابويه:التوحيد ص151-152، بحار الأنوار 24/197، البرهان 3/240-241). وأن أمير المؤمنين عليًا قال:"أنا عين الله وأنا يد الله وأنا حبيب الله وأنا باب الله" )أصول الكافي1/145، بحار الأنوار24/194(. وقال:"أنا علم الله، وأنا قلب الله الواعي، ولسان الله النّاطق، وعين الله النّاظرة، وأنا جنب الله وأنا يد الله".(ابن بابويه: التّوحيد ص164، بحار الأنوار 24/198(
وقد ذكر علامتهم المجلسي ستًا وثلاثين رواية تقول إن الأئمة هم وجه الله ويد الله (بحار الأنوار: 24/191-203). وفي رجال الكشّي وغيره قال علي:"أنا وجه الله، أنا جنب الله، وأنا الأوّل، وأنا الآخر، وأنا الظّاهر، وأنا الباطن.." (رجال الكشّي ص221 رقم 374)، وانظر:(بحار الأنوار94/180، بصائر الدّرجات ص151)
الأئمة أجزاء من الإله
روى الكليني عن أحد أئمتهم قال:"ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم عن أبي جعفر قال:"نحن والله وجه الله نتقلب في الأرض بين أظهركم ونحن عين الله في خلقه ويده المبسوطة بالرحمة على عباده"(الكافي 1/111 كتاب التوحيد: باب جوامع التوحيد).
خلق الله آل محمد من نوره"(70/109)
عن أبي عبد الله:"إن الله خلقنا من نور عظمته، ثم صور خلقنا من طينة مخزونة مكنونة من تحت العرش فأسكن ذلك الروح فيه، فكنا نحن خلقا وبشرا نورانيين… وخلق أرواح شعيتنا من طينتنا. وأبدانهم من طينة مخزونة مكنونة أسفل من ذلك الطينة ولم يجعل الله لأحد في مثل الذي خلقهم منه نصيبا إلا للأنبياء، ولذلك صرنا نحن وهم : الناس. وصار سائر الناس همجاً للنار وإلى النار"(الكافي 1/320 باب خلق أبدان الأئمة وأرواحهم وقلوبهم). وعن أبي عبد الله:"أن الأئمة مخلوقون من نور خلق الله منه محمدا"(الكافي 1/331 كتاب الحجة. باب فيما جاء أن حديثهم صعب مستصعب).
الأئمة مخلوقات نورانية:
فعن أبي عبد الله أن الله قال":يا محمد إني خلقتك وعليا نورا (يعني روحا) قبل أن أخلق سماواتي وأرضي وعرشي. ثم جمعت روحيكما وجعلتهما واحدة. ثم قسمتها اثنتين وقسمت اثنتين اثنتين فصارت أربعة: محمد واحد. وعلي واحد. والحسن والحسين اثنتان. ثمّ خلق الله فاطمة من نور ابتدأها روحا بلا بدن. ثم مسحنا بيمينه فأفضى نوره فينا"(الكافي 1/365 كتاب الحجة. باب مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ووفاته).
الغلو في كيفية خلق الأئمة:(70/110)
قال الخميني في (كتابه زبدة الأربعين حديثا ط دار المرتضى- بيروت اختصره سامي خضرا وهو يتكلم لا عن مقام الأئمة، والأربعون حديثاً للخميني ص604 ط دار التعارف- بيروت ص232).قال:"أعلم أيها الحبيب، أن أهل بيت العصمة عليهم السلام، يشاركون النبي في مقامه الروحاني الغيبي قبل خلق العالم وأنوارهم كانت تسبح وتقدس منذ ذلك الحين، وهذا يفوق قدرة استيعاب الإنسان حتى من الناحية العلمية. ورد في النص الشريف "يا محمد، إن الله تبارك وتعالى، لم يزل منفرداً بوحدانيته، ثم خلق محمدا وعليا وفاطمة، فمكثوا ألف دهر، ثم خلق جميع الأشياء، فأشهدهم خلقها، وأجرى طاعتهم عليها، وفوض أمورهم إليهم، فهم يحلون ما يشاءون أو يحرمون ما يشاءون، ولن يشاءوا إلا أن يشاء الله تعالى، ثم قال: يا محمد، هذه الديانة التي من تقدمها مرق، ومن تخلف عنها محق، ومن لزمها لحق، خذها إليك يا محمد". وما ورد في حقهم عليهم السلام في الكتب المعتبرة يبعث على تحيّر العقول، حيث لم يقف أحد على حقائقهم وأسرارهم إلا أنفسهم صلوات الله وسلامه عليهم".
الأئمة الإثنا عشر أفضل من الأنبياء:(70/111)
من المعلوم من الدين بالضرورة أنّ الرّسل أفضل البشر وأحقّهم بالرّسالة؛ حيث حققوا كمال العبوديّة لله تعالى، وأتموا التّبليغ والدّعوة، (اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ).الأنعام:124، وقد امتازوا برتبة الرّسالة، وفضلوا بمنزلة النبوة عن سائر النّاس.(انظر المنهاج في شعب الإيمان:الحليمي1/238(.وقد أوجب الله على المسلمين متابعتهم. قال تعالى:(وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ)النّساء: 64. ولا يجوز لأحد أن يفضّل أحد من البشر عليهم. قال الإمام الطّحّاوي في بيان اعتقاد أهل السّنّة:"ولا نفضّل أحدًا من الأولياء على أحد من الأنبياء عليهم السّلام ونقول: نبي واحد أفضل من جميع الأولياء".(شرح العقيدة الطّحاويّة:علي بن أبي العزّ الحنفي ص493).ولكن غلو الشيعة جعلهم يضعون أئمتهم في درجة أفضل من الأنبياء والرسل والملائكة المقربين كما يذكر ذلك "الحر العاملي" قائلاً:"الأئمة الإثنى عشر أفضل من سائر المخلوقات من الأنبياء والأوصياء السابقين والملائكة وغيرهم".(الفصول المهمة ص152). ووصل بهم الحال إلى اختلاق روايات على أهل البيت تؤكد أنّ الأئمة يُوحى إليهم، وأنّ علياً ناجاه جبريل عليه السلام في فتح خيبر، كما يذكر ذلك صاحب بصائر الدرجات(بصائر الدرجات 8/باب16)، وإنّ "من الأئمة من يُنكت في أذنه ومنهم من يستمع الصوت".( بصائر الدرجات 5/باب7). وأن فاطمة رضي الله عنها لما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الله لها ثلاثة ملائكة يُكلمونها ويسلونها، وكان علي يكتب ما يقول المَلك!(خطاب ألقاه الخميني يوم الأحد 2/3/86م بمناسبة عيد المرأة).(70/112)
ويقول الخميني:"إنّ للإمام مقاما محموداً ودرجة سامية، وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون، وإن من ضرورات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً لم يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل…ووردَ عنهم عليهم السلام: إن لنا مع الله حالات لا يسعها ملك مقرب ولا نبي مرسل".(الحكومة الإسلامية ص52) وقال أيضاً:"إن تعاليم الأئمة كتعاليم القرآن لا تخص جيلاً خاصاً وإنما هي تعاليم للجميع في كل عصر ومصر إلى يوم القيامة".(الحكومة الإسلامية ص112).
ويقول أيضاً:فالإمام المهدي الذي أبقاه الله سبحانه وتعالى ذخراً من أجل البشرية، سيعمل على نشر العدالة في جميع أنحاء العالم وسينجح فيما أخفق في تحقيقه جميع الأنبياء.(خطاب ألقاه الخميني بمناسبة الخامس عشر من شعبان عام 1401هـ.
خلاصة ما عندهم من كفر في اعتقادهم ما الأئمة
* الأئمة هم أسماء الله الحسنى. وهم وجه الله هم جنب الله هم يد الله القادرة.
*الأئمة أفضل من أنبياء الله.
* للأئمة مقام عظيم وخلافة تكوينية تخضع لها جميع ذرات الكون. وهذا المقام لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل.
* الأئمة يعلمون ما كان وما يكون ولا يخفى عليهم شيء وهذا الفرق بينهم وبين الأنبياء الذين يعلمون ما كان ولا يعلمون ما يكون.
* الأئمة يعلمون متى يموتون ولا يموتون إلا متى يشاءون.
* الأئمة يعلمون الغيب مطلقا لكن الله يجوز عندهم أن يوصف بالبداء. يعني يظهر له خلاف ما كان يعلمه فبدا له في إسماعيل بن الهادي.
* يجوز دعاء غير الله لقضاء الحوائج وكشف الكرب والنوازل.
* الأئمة هم المحاسبون للخلق يوم القيامة. فإلى الخلق إيابهم وحسابهم عليهم وفصل الخطاب عندهم.
* لا يجوز على الله أن يصف نفسه بأن له يدا ووجها ولا يجوز أن يصف نفسه بأنه يجيء ويستوي على العرش.
* الرسول لم ينجح في تربية أصحابه ولا أزواجه مع أن الله وصفه بأنه قدوة وأنه على خلق عظيم. وإنما نجح الخميني أكثر من رسول الله.(70/113)
التفسير الباطني الكاذب:عن جابر عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله عز وجل:(مرج البحرين يلتقيان) قال:"علي وفاطمة ( بينهما برزخ لا يبغيان) قال:لا يبغي علي على فاطمة ولا تبغي فاطمة على علي ( يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان) الحسن والحسين عليهم السلام".(بحار الأنوار24/97 باب 36 الرواية الأولى).
عقيدة المهدية عند الشيعة
في بيان مصدر الشيعة بالرجعة، قال أحمد أمين:وفكرة الرجعة أخذها ابن سبأ من اليهودية، فعندهم الآن النبي إلياس صعد إلى السماء وسيعود فيعيدوا الدين والقانون. (فجر الإسلام صفحة 270).وجاء في كتاب(العقائد الوثنية في الديانة النصرانية ص 106). ويعتقد الصينيون أن مخلصهم وحاميهم فشنوا الذي ظهر، فالناسوت باسم فشنا سيأتي ثانيا في الأيام الأخيرة.
وأما عند الشيعة فقد روى الكليني في الكافي عن جعفر بن محمد أنه قال:"إن الله قال للملائكة ألزموا قبر الحسين حتى تروه وقد خرج فانصروه وابكوا عليه وعلى ما فاتكم من نصرته فإنكم قد خصصتم بنصرته والبكاء عليه، فبكت الملائكة تعزيا وحزنا على ما فاتهم من نصرته، فإذا خرج يكونون أنصاره"(أصول الكافي1/283).
يقول المفيد وهو أحد أكابر علماء الرافضة:"واتفقت الإمامية على وجوب رجعت كثير من الأموات".(أوائل المقالات ص51) وقال الحر العاملي:"إنا مأمورون بالإقرار بالرجعة واعتقادها وتشديد الاعتراف بها فالأدعية والزيارات ويوم الجمعة وكل وقت".(الإيقاض من الهجعة ص64).
أسماؤه:
المهدي، محمد، القائم، الغائب، الصاحب، الحجة، الخائف، الخلف، أبو صالح، الناحية المقدسة، وغيرها كثير حتى بلغ بها النور الطبرسي بعدد أسماء الله الحسنى تسعة وتسعين اسماً.
أمه مجهولة:(70/114)
أمّه كما قال علمائهم:جارية اسمها سوسن وقيل جارية أسمها نرجس، وقالوا:جارية اسمها صيقل، وقالوا جارية اسمها مليكة، وقالوا:جارية اسمها خمط، وقالوا:جارية اسمها حكيمة، وقالوا:جارية اسمها ريحانة، وقيل:هي أمة سوداء، وقيل:هي امرأة حرة اسمها مريم....أمه لا تعرف !!!
ولادته:
قيل ولد بعد وفاة أبيه بثمانية أشهر، ولد قبل وفاة أبيه سنة 252، ولد سنة255، ولد سنة 256، ولد سنة 257، ولد سنة 258، ولد في 8 من ذي القعدة، ولد في 8 من شعبان، ولد في 15 من شعبان، ولد في 15 من رمضان.
عمره وقت خروجه:
عن المفضل قال سألت الصادق:يا سيدي يعود شابا أو يظهر في شيبه ؟ قال:سبحان الله، وهل يعرف ذلك، يظهر كيف شاء وبأي صورة شاء..".(بحار الأنوار7/53). ثمّ في رواية أخرى يظهر في صورة شاب موفق ابن اثنين وثلاثين سنة". وفي رواية أخرى:يخرج وهو ابن إحدى وخمسين سنة.(تاريخ ما بعد الظهور ص361-360) وفي وراية أخرى يظهر في صورة شاب موفق ابن ثلاثين سنة.(الغيبة للطوسي ص 420).
عقيدة الرجعة عند الشيعة
الرجعة عند الشيعة تعني العودة بعد الموت.وهي من أصول المذهب الشيعي الإثنى عشرية، يقول ابن بابويه:"واعتقادنا في الرجعة أنها حق".(الاعتقادات ص90)، وقال المفيد:"واتفقت الإمامية على وجوب رجعة كثير من الأموات".(أوائل المقالات: ص51).(70/115)
يقول محمد الرضا المظفر:"عقيدتنا في الرجعة إنّ الذي تذهب إليه الإمامية-أخذاً بما جاء عن آل البيت عليهم السلام- أنّ الله تعالى يعيد قوماً من الأموات إلى الدنيا في صورهم التي كانوا عليها، فيعزّ فريقاً ويذلّ فريقاً آخر، ويديل المحقّين من المبطلين والمظلومين منهم من الظالمين، وذلك عند قيام مهدي آل محمّد عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام(عقائد الإمامية:محمد رضا المظفر ص115، وأُنظر:بحار الأنوار 53/39-143 باب الرجعة).ويضيف:"ولا يرجع إلاّ من علت درجته في الإيمان، أو مَن بلغ الغاية من الفساد، ثمّ يصيرون بعد ذلك إلى الموت، ومن بعده إلى النشور وما يستحقّونه من الثواب أو العقاب، كما حكى الله تعالى في قرآنه الكريم تمنّي هؤلاء المرتَجَعينَ-الذين لم يصلحوا بالارتجاع فنالوا مقت الله- أن يخرجوا ثالثاً لعلّهم يصلحون: (قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ) سورة غافر:11. نعم قد جاء القرآن الكريم بوقوع الرجعة إلى الدنيا، وتظافرت بها الأخبار عن بيت العصمة، والإمامية بأجمعها عليه إلاّ قليلون منهم تأوَّلوا ما ورد في الرجعة بأنّ معناها رجوع الدولة والأمر والنهي إلى آل البيت بظهور الإمام المنتظر، من دون رجوع أعيان الأشخاص وإحياء الموتى".(عقائد الإمامية:محمد رضا المظفر ص115، وانظر حق اليقين في معرفة أصول الدين الجزء الثاني. فقد ذكر فيه الآيات والروايات الدالّة على الرجعة، والآراء فيها، وهل تتم الرجعة لجميع الناس أم لمن محض الإيمان محضاً ومن محض الكفر محضاً).(70/116)
ومن المعلوم ضرورة أنّ هذا مخالف لصريح الكتاب والسنة التي نصتا على أن من قضى نحبه وانتهى أجله أنه لا يعود مرة أخرى حتى يبعث الناس من قبورهم يوم القيامة. كقوله تعالى:(حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)المؤمنون99-100.
وجنوح الشيعة الإمامية لتأصيل هذه العقيدة وبثها في نفوس الشيعة، من باب تصبير الشيعة وتثبيتهم على معتقداتهم الفاسدة، لما يرون من حالات الضعف والمهانة التي لقوها من الناس عبر التاريخ، وهي تبعث الأمل لدى الشيعة الإمامية بأنّ هناك يوماً ما سينتقم فيه الشيعة من أعدائهم، وتكون الغلبة لهم.
وقد قسم الشيعة الإمامية رجوع الناس بعد الموت إلى ثلاثة أصناف:
الأول:رجوع المهدي أو خروجه من مخبئه، وكذلك رجوع الأئمة بعد موتهم.
الثاني: رجوع خلفاء المسلمين الذين اغتصبوا الخلافة!، والاقتصاص منهم.
الثالث:رجوع أصحاب الإيمان المحض، وهم الشيعة الإمامية ومن تابعهم، ورجوع أصحاب الكفر المحض وهم جميع من لم يؤمن بمذهبهم، وعلى رأسهم أهل السنة بلا شك، ويستثنى من ذلك المستضعفين وهم النساء، والبله، ومن لم تتم عليه الحجة كأصحاب الفترة…وهؤلاء عند الشيعة الإمامية مرجون لأمر الله إما يعذبهم أو يتوب عليهم.(انظر بحار الأنوار 8/363، والاعتقادات للمجلسي ص 100]).(70/117)
وبرجعة الأئمة يفرح الشيعة الإمامية بملاقاة أئمتهم وخصوصاً المهدي الذي طالما اشتاقت إليه نفوسهم، وبعودة الأئمة تكون الغلبة لهم والرفعة لهم. وبرجعة الخلفاء الذين اغتصبوا الخلافة، تطيب نفوسهم، وتشفى صدورهم بالانتقام ممن اغتصب الخلافة من علي وهم أبو بكر وعمر وعثمان –رضي الله عن الجميع-.وفي رجعة المؤمنين أي الشيعة الإمامية أهل الإيمان المحض ! )، والكافرين وهم غير الشيعة الإمامية تتمة لسرورهم برؤية أعدائهم وهم يعذبون وينكل بهم. فكان الأولى أن تسمى عقيدة التنكيل والانتقام بدلاً من عقيدة الرجعة، لأنها مبنية على الانتقام والتشفي. ويدل لذلك ما رواه في( بحار الأنوار53/40) أنّ أبا عبد الله قال:"كأني بحمران بن أعين، وميسر ابن عبد العزيز، يخبطان الناس بأسيافهما بين الصفا والمروة!".
وأما زمن الرجعة فمنهم من خصها بزمن قيام المهدي(انظر أوائل المقالات للمفيد ص95)، ومنهم من أبى ذلك وقال الرجعة غير الظهور، فالإمام الغائب حي وسيظهر، والرجوع غير الظهور. ومنهم من قال بأن مبدأ الرجعة يكون عند رجوع الحسين بن علي رضي الله عنهما، فـ(أول من تنشق الأرض عنه ويرجع إلى الدنيا،الحسين بن علي عليه السلام". (بحارالأنوار53/39).وبعض الروايات حددت الرجعة بهدم الحجرة النبوية وإخراج جسد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.ففي:(بحار الأنوار 53/104-105) أن منتظرهم يقول:"وأجيء إلى يثرب، فأهدم الحجرة، وأخرج من بها وهما طريان، فآمر بهما تجاه البقيع، وآمر بخشبتين يصلبان عليهما، فتورقان من تحتهما، فيفتتن الناس بهما أشد من الأول، فينادي منادي الفتنة من السماء:يا سماء انبذي، ويا أرض خذي، فيومئذ لا يبقى على وجه الأرض إلا مؤمن )أي شيعي]ثم يكون بعد ذلك الكرة والرجعة".
عقيدة ظهور الأئمة عند الشيعة الإمامية(70/118)
عقيدة الرجعة عند الشيعة الإمامية ليست هي عقيدة الظهور، فعقيدة الرجعة خاصة للإمام الثاني عشر والظهور له ولغيره من الأئمة، وتعني أن يظهر الإمام أو غيره بعد موته لأناس معينين، ولذا فقد بوّب المجلسي في بحار الأنوار، باب:أنهم يظهرون-أي الأئمة- بعد موتهم، ويظهر منهم الغرائب".(بحار الأنوار27/303). وهذا الظهور خاضع لإرادة الإمام، فمتى أراد أن يظهر ظهر. وتذكر كتب الشيعة أنّ أبا الحسن الرضا كان يقابل أباه بعد موته، ويتلقى وصاياه وأقواله )بحار الأنوار 27/303، وبصائر الدرجات ص78). ويزعمون أن رجلاً من شيعتهم دخل على أبي عبد الله فقاله له:تشتهي أن ترى أبا جعفر-أي بعد موته-؟ قال فقلت:نعم، قال:قم فادخل البيت، فدخلت فإذا هو أبو جعفر".(بحار الأنوار27/303).
وزعموا أن أبا عبد الله قال:أتى قوم من الشيعة الحسن بن علي عليه السلام بعد مقتل أمير المؤمنين عليه السلام، فسألوه فقال: تعرفون أمير المؤمنين إذا رأيتموه؟ قالوا:نعم، قال: فارفعوا الستر فرفعوه، فإذا هم بأمير المؤمنين عليه السلام لا ينكرونه. (المصدر السابق).
ولا يقتصر الظهور بالأئمة، بل حتى أعداء الشيعة يظهرون لهم وينتقمون منهم!! فيزعمون–كما يفترون-أن محمد الباقر قام يرمي خمسة حجارة في غير موضع رمي الجمار، ولما قيل له في ذلك قال:"إذا كان كل موسم أخرجا الفاسقين الغاصبين )يريدون بذلك أبا بكر وعمر رضي الله عنهما –ومعاذ الله أن يكونا كذلك- ثم يفرق بينهما ههنا لا يراهما إلا إمام عدل، فرميت الأول اثنتين، والآخر ثلاثة، لأنّ الآخر أخبث من الأول".(بحار الأنوار 27/305، وبصائر الدرجات ص 82).
ظهور المهدي لإغاثة الملهوف:(70/119)
قال الشيعي المعاصر الشهرودي:"لا يخفى علينا أنه عليه السلام، وإن كان مخفيا عن الأنام ومحجوبا عنهم، ولا يصل إليه أحد، ولا يعرف مكانه، إلا أن ذلك لا ينافي ظهوره عند المضطر المستغيث به الملتجئ إليه، الذي انقطعت عنه الأسباب وأغلقت دونه الأبواب، فإنه إغاثة الملهوف، وإجابة المضطر في تلك الأحوال، وإصدار الكرامات الباهرة، والمعجزات الظاهرة، هي من مناصبة الخاصة، فعند الشدة وانقطاع الأسباب من المخلوقين، وعدم إمكان الصبر على البلايا دنيوية أو أخروية، أو الخلاص من شر أعداء الإنس والجن، يستغيثون به، ويلتجئون إليه".(الإمام المهدي وظهوره ص 325).
خرافاتهم في خروج المهدي ورجعته:
*الأنبياء والرسل يكونون جنداً لعلي بن أبي طالب! فتقول رواياتهم:(لم يبعث الله نبياً ولا رسولاً إلا ردّ جميعهم إلى الدنيا حتى يقاتلوا بين يدي علي بن أبي طالب أمير المؤمنين".(بحار الأنوار53/41).
* يحكم بحكم داود:إن الحكم يقام على غير شريعة المصطفى صلى الله عليه وسلم. جاء في الكافي وغيره، قال أبو عبد الله:"إذا قام قائم آل محمد حكم بحكم داود وسليمان ولا يسأل بينة".(أصول الكافي1/397)، وفي لفظ آخر:"إذا قام قائم آل محمد حكم بين الناس بحكم داود عليه السلام ولا يحتاج إلى بينة".(المفيد: الإرشاد: ص413، الطبرسي:أعلام الورى ص433). وقد ذكر الكليني هذا الأمر، وجعل له بابًا خاصًا بعنوان:"باب في الأئمة عليهم السلام أنهم إذا ظهر أمرهم حكموا بحكم داود وآل داود ولا يسألون البينة".(أصول الكافي1/397).
* وفي الرجعة يخيّر الشيعي بين المقام في قبره مكرماً وبين الرجعة! ويقال له:"يا فلان هذا إنه قد ظهر صاحبك فإن تشأ أن تلحق به فالحق وإن تشأ أن تقيم في كرامة ربك فأقم".(الغيبة للطوسي ص 276، وبحار الأنوار 53/92).(70/120)
*روىَ عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال:"كأني بالقائم على نجف الكوفة قد سار إليها من مكة في خمسة آلاف من الملائكة، جبرائيل عن يمينه، وميكائيل عن شماله، والمؤمنون بين يديه، وهو يفرّق الجنود في الأمصار".(إرشاد المفيد 2/379، روضة الواعظين ص 264، إعلام الورى بأعلام الهدى:أبو علي الطبرسي ص505).
*وفي رواية المفضل بن عمر قال:"سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:إذا قام قائم آل محمد بنى في ظهر الكوفة مسجداً له ألف باب، واتصلت بيوت أهل الكوفة بنهر كربلاء".(إرشاد المفيد 2/380، غيبة الطوسي ص467 ذيل حديث 484، الخرائج والجرائح، إعلام الورى بأعلام الهدى:أبو علي الطبرسي ص).
* قال أبو عبد الله عليه السلام:"إذا أذن الله تعالى للقائم بالخروج صعد المنبر فدعا الناس إلى نفسه..فيقول جبرائيل:أنا أول من يبايعك ابسط كفّك، فيمسح على يده وقد وافاه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، فيبايعونه، ويقيم بمكة حتّى يتم أصحابه عشرة آلاف نفس، ثمّ يسير إلى المدينة".(إعلام الورى بأعلام الهدى:أبو علي الطبرسي ص506).
*روى عن أبي عبد الله عليه السلام قال:"إذا قام القائم من آل محمد أقام خمسمائة من قريش فضرب أعناقهم، ثم أقام خمسمائة فضرب أعناقهم، ثمّ خمسمائة أخرى حتى يفعل ذلك ست مرات". قَلت: ويبلغ عدد هؤلاء هذا؟ قال: نعم، منهم ومن مواليهم".( إرشاد المفيد 2/383، روضة الواعظين ص265، إعلام الورى بأعلام الهدى:أبو علي الطبرسي ص506).
وعن أبي جعفر قال:"لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحبّ أكثرهم ألا يروه، مما يقتل من الناس، أما إنه لا يبدأ إلا بقريش فلا يأخذ منها إلا السيف، ولا يعطيها إلا السيف، حتى يقول كثير من الناس ليس هذا من آل محمد، لو كان من آل محمد لرحم".(بحار الأنوار 52/ 354).(70/121)
* روى أبو بصير قال: قال أبو عبد الله عليه السلام:"إذا قام القائم هدم المسجد الحرام حتّى يردّه إلى أساسه، وحول المقام إلى الموضع الذي كان فيه، وقطع أيدي بني شيبة وعلقها بالكعبة، وكتب عليها: هؤلاء سرّاق الكعبة".(إرشاد المفيد 2 /383، روضة الواعظين ص 265، ونحوه في غيبة الطوسي ص472-492، إعلام الورى بأعلام الهدى:أبو علي الطبرسي ص506).
* عن أبي عبد الله عليه السلام قال:إذا قام القائم نزلت ملائكة بدر: ثلث على خيول شهب، وثلث على خيول بلق، وثلث على خيول حُوّ. قلت يا ابن رسول الله، وما الحُوّ ؟ قال: الحمر (غيبة النعماني44/244، إعلام الورى بأعلام الهدى:أبو علي الطبرسي ص506).
* روى المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:إن قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربها واستغنى العباد عن ضوء الشمس، وذهبت الظلمة ويعمر الرجل في ملكه حتّى يولد له ألف ذكر لا يولد فيهم أنثى، وتظهر الأرض كنوزها، حتّى يراها الناس على وجهها، ويطلب الرجل منكم من يصله بماله ويأخذ منه زكاته فلا يجد أحداً يقبل منه ذلك، لاستغناء الناس بما رزقهم الله من فضله.إرشاد المفيد2/382، روضة الواعظين ص264، وباختلاف في ذيل الحديث في غيبة الطوسي ص 467- 484، وصدره في: دلائل الإمامة ص241.إعلام الورى بأعلام الهدى ص506).
*يقيم الحدّ على أم المؤمنين عائشة رصي الله عنها:عن أبي جعفر قال:أما لو قام قائمنا، وردت إليه الحميراء، حتى يجلدها الحد وحتى ينتقم لابنة محمد فاطمة.(بحار الأنوار 52 /314).
* يخرج أبا بكر وعمر رضي الله عنهما من قبريهما، ويصلبهما ويحرقهما.(الأنوار النعمانية 2 /85).
* يبعثه الله نقمة:عن أبي جعفر قال:إنّ الله بعث محمداً رحمةً، وبعث القائم نقمةً.(بحار الأنوار52 /315).(70/122)
* يقتل ذراري قتلة الحسين: قيل للرضا:"يا ابن رسول الله ما تقول في حديث روي عن الصادق أنه قال:إذا خرج القائم قتل ذراري قتلة الحسين بفعل آبائها، قال:هو كذلك، قلت:وقول الله تعالى(ولا تزر وازرة وزر أخرى) قال ذراري قتلة الحسين يرضون بفعال آبائهم ويفتخرون بها. ويقتل المهدي العرب:عن أبي عبد الله قال:"ما بقي بيننا وبين العرب إلا الذبح".(الأنوار العمانية 52/ 349).
المهدي يظهر عريانا:
روى الشيخ الطوسي والنعماني عن الإمام الرضا عليه السلام:"أنّ من علامات ظهور المهدي أنه سيظهر عارياً أمام قرص الشمس".(حق اليقين لمحمد الباقر المجلسي ص347).
عقيدة النياحة وشق الجيوب وضرب الخدود:
إنّ الشيعة يعقدون محافل ومجالس للمأتم والنياحة ويعملون المظاهرات العظيمة في الشوارع والميادين في ذكرى شهادة الحسين رضي الله عنه باهتمام بليغ في العشر الأواخر من محرم كل عام معتقدين أنها من أجل القربات فيضربون خدودهم بأيديهم وصدورهم وظهورهم ويشقون الجيوب يبكون ويصيحون بهتافات: يا حسين...يا حسين، وخاصة في اليوم العاشر من كل محرم فإنّ ضجيجهم المليء بالويلات يبلغ أوج الكمال ويخرجون في ذلك اليوم مترابطين متصافين يحملون قبة الحسين (التابوت) المصنوعة من الخشب ونحوه ويقودون خيلا مزيناً بسائر الزينة، يمثلون به حالة الحسين في كربلاء بفرسه وجماعته ويستأجرون عمالا بأجور ضخمة ليشتركوا معهم في هذا الضجيج والفوضى ويسبون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتبرءون منهم وقد تفضي هذه الأعمال - أعمال الجاهلية الأولى- إلى المنازعات مع أهل السنة خاصة عند سبهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والطعن والتبرؤ من الخلفاء أبي بكر وعمر وعثمان، فتسبب إراقة دماء الأبرياء.(70/123)
وروى الكليني عن جعفر بن محمد أنه قال:"إنّ الله قال للملائكة ألزموا قبر الحسين حتى تروه وقد خرج فانصروه وابكوا عليه وعلى ما فاتكم من نصرته فإنكم قد خصصتم بنصرته والبكاء عليه، فبكت الملائكة تعزيا وحزنا على ما فاتهم من نصرته، فإذا خرج يكونون أنصاره".(الكافي 2/283)
والشيعة يصرفون في مآتم الحسين أموالا طائلة، لأنّهم يعتقدون أنّها من أصول دينهم وأعظم شعائرهم، إن الشيعة يعودون أولادهم بالبكاء في هذا المأتم فإذا كبروا اعتادوا البكاء متى شاءوا، فبكاؤهم أمر اختياري وحزنهم حزن مخترع، مع أنّ الشريعة الإسلامية أكدت في النهي عن النياحة وشق الجيوب وضرب الخدود، والقرآن الكريم أوصى المسلم المبتلى بالمصائب بالصبر والرضا بالقضاء.كما في قوله تعالى:"يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين". وقوله تعالى:"وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون". وقال تعالى:"(وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ).البقرة: من الآية177.(70/124)
ثمّ إنّ الأئمة المعصومين عندهم والذين يجب طاعتهم لديهم قد ثبت عنهم أيضا مثل ذلك، فقد ذكر في نهج البلاغة، قال علي رضي الله عنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم مخاطبا إياه صلى الله عليه وسلم:"لولا أنك نهيت عن الجزع وأمرت بالصبر لأنفدنا عليك ماء الشؤون". وجاء في نهج البلاغة أيضا:"أن عليا عليه السلام قال: من ضرب يده عند مصيبة على فخذه فقد حبط عمله". وقال الحسين لأخته زينب في كربلاء كما نقله صاحب منتهى الآمال بالفارسية وترجمته بالعربية:"يا أختي أحلفك بالله وعليك أن تحافظي على هذا الحلف، إذا قتلت فلا تشقي على الجيب ولا تخمشي وجهك بأظفارك ولا تنادي بالويل والثبور على شهادتي".(منتهى الآمال،الجزء الأول،ص248).
ونقل أبو جعفر القمي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال فيما علم به أصحابه"لا تلبسوا سوادا فإنّه لباس فرعون".(من لا يحضره الفقيه:للقمي، ص51،لأبي جعفر محمد بن باويه القمي). وقد ورد في تفسير الصافي في ذيل آية "أن لا يعصينك في معروف" أن النبي صلى الله عليه وسلم بايع النساء على أن لا يسودون ثوبا ولا يشققن جيبا وأن لا ينادين بالويل. وفي فروع الكافي للكليني أنه صلى الله عليه وسلم وصى السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها فقال:"إذا أنا مت فلا تخمشي وجها ولا تنادي بالويل ولا تقيمي على نائحة".
مناسك المشاهد والأضرحة(70/125)
زيارة الأضرحة فريضة من فرائض مذهب الشيعة (انظر روايات ذلك في تهذيب الأحكام للطوسي 2/14، وفي كامل الزيارات لابن قولويه ص194، ووسائل الشيعة للحر العاملي 10/333-337)، يكفر تاركها (ففي الوسائل "عن هارون بن خارجة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عمن ترك الزيارة زيارة قبر الحسين عليه السلام من غير علة، فقال: هذا رجل من أهل النار". (وسائل الشيعة 10/336-337، كامل الزيارات ص193)). وقد عقد لذلك المجلسي بابًا بعنوان: "باب أن زيارته (يعني زيارة الحسين). واجبة مفترضة مأمور بها، وما ورد من الذم والتأنيب والتوعد على تركها" وذكر فيه (40) حديثًا من أحاديثهم (انظر: بحار الأنوار101/ 1-11).
وشد الرحال إلى قبر الحسين رضي اللّه عنه عند الشيعة من أركان دينهم ومن بقايا الوثنية التي أرساها ابن سبأ، ولا نعجب إذا رأينا الشيعة تضع في ثواب زيارته الأحاديث الكثيرة الموضوعة التي ترغب في زيارته والاستشفاء من تربته، ونذكر للقراء الكرام بعض تلك المرويات.
- تزعم الشيعة أن ثواب من زار قبره مثل ثواب مائة ألف شهيد من شهداء بدر (انظر بحار الأنوار للمجلسي 98 /17 رواية رقم 24).
- ومن أتاه تشوقاً كتب الله تعالى له ألف حجة مقبولة وألف عمرة مبرورة وأجر ألف شهيد من شهداء بدر وأجر ألف صائم وثواب ألف صدقة مقبولة وثواب ألف نسمة أريد بها وجه الله تعالى ( بحار الأنوار98/ 18 ). وأن - زيارته توجب غفران الذنوب ودخول الجنة والعتق من النار وحط السيئات ورفع الدرجات وإقامة الدعوات (بحار الأنوار98/21 - 26 باب ثواب الأعمال 77، أمالي الصدوق 142 كامل الزيارات).(70/126)
- وأن زيارته تعدل الحج والعمرة والجهاد في سبيل الله تعالى وعتق الرقاب(بحار الأنوار 98 / 28 - 48، كامل الزيارات 152، ثواب الأعمال 79، مصباح الطوسي 498، أمالى الطوسي ط/ 281، التهذيب للطوسي 6/47 وسائل الشيعة 10/326 وما بعدها) وأن الأنبياء والرسل والملائكة يأتون لزيارته ويدعون لزواره- ويبشرونهم ويستبشرون لهم (انظر بحار الأنوار 98 /51، 68).
- وبلغ بهم الكذب أن قالوا:إن القيام بكربلاء يوم عرفه أفضل وأكثر أجراً من الوقوف على صعيد عرفات الطاهر:عن رفاعة النخاس قال:دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام، فقال لي:يا رفاعة أحججت العام؟ قال: قلت: جعلت فداك ما كان عندي ما أحج به، ولكنني عرفت عند قبر الحسين عليه السلام. فقال لي:يا رفاعة ما قصرت عما كان أهل مني فيه. لولا أني أكره أن يدع الناس الحج لحدثتك بحديث لا تدع زيارة قبر الحسين عليه السلام أبداً، ثم نكت الأرض وسكت طويلا ثم قال: أخبرني أبي، قال: من خرج إلى قبر الحسين عليه السلام عارفاً بحقه غير مستكبر صحبه ألف ملك عن يمينه وألف ملك عن شماله، وكتب له ألف حجة وألف عمرة مع نبي أو وصي نبي.(مصباح الطوسي ص 498، مصباح الكفعمي ص501، بحار الأنوار98/91). وعن ابن مسكان قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام:إن الله تبارك وتعالى يتجلى لزوار الحسين صلوات عليه قبل أهل عرفات ويقضي حوائجهم، ويغفر من ذنوبهم، ويشفعهم في مسائلهم، ثم يثني بأهل عرفات فيفعل ذلك بهم ( ثواب الأعمال ص 82، بحار الأنوار98/ 86- 87).
وعن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال:من فاتته عرفة بعرفات فأدركها بقبر الحسين عليه السلام لم تفته. وإن الله تبارك وتعالى ليبدأ بأهل قبر الحسين عليه السلام قبل أهل عرفات، ثمّ يخاطبهم بنفسه(كامل الزيارات ص 170، بحار الأنوار98/87).(70/127)
وعن حنان بن سدير عن أبيه عن أبي عبد الله عليه السلام قال:إذا كان يوم عرفة اطلع الله تبارك وتعالى على زوار قبر الحسين عليه السلام فقال لهم:استأنفوا قد غَفرت لكم ثم يجعل إقامته على أهل عرفات ( كامل الزيارات ص171، بحار الأنوار98/88).
وقد وضعت الروافض لزيارة القبور لها مناسك كماسك الحج إلى بيت الله الحرام.يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وقد صنف شيخهم ابن النعمان المعروف عندهم بالمفيد كتابًا سماه "مناسك المشاهد" جعل قبور المخلوقين تحج كما تحج الكعبة البيت الحرام الذي جعله الله قيامًا للناس، وهو أول بيت وضع للناس، فلا يطاف إلا به، ولا يصلى إلاّ إليه، ولم يأمر إلا بحجه".(منهاج السنة1/175، مجموع فتاوى شيخ الإسلام17/498). ولكن كشف لنا اليوم شيخهم أغا بزرك الطهراني في كتابه "الذريعة" أن ما صنفه شيوخهم في المزار ومناسكه قد بلغ ستين كتابًا (انظر: الذريعة: 20/316-326)، كلها ألفت لإرساء قواعد هذا الشرك وتشييد بنائه، وهذا عدا ما اشتملت عليه كتب الأخبار المعتمدة عندهم من أبواب خاصة بالمشاهد.
مناسك وأحكام زيارة القبور
أ ـ الطواف بها:
اتفق المسلمون على أنه لا يشرع الطواف إلا بالبيت المعمور (مجموع فتاوى شيخ الإسلام 4/521).(70/128)
ولكن شيوخ الشيعة وصل بهم الأمر إلى تقديس الموتى من الناس الذين يزعمون أنهم من نسل النبي صلى الله عليه وسلم، ويتقربون إلى الله بزيارة قبورهم، والطواف بها والذبح والنذر لها، وشرعوا لأتباعهم الطواف بأضرحة الموتى من الأئمة، ووضعوا من الروايات على آل البيت ما يسندون به هذا الشرك، فقال المجلسي بأنّه ورد في بعض زيارات الأئمة "إلا أن نطوف حول مشاهدكم"، وفي بعض الروايات "قبّل جوانب القبر"، كما قال بأنّ الرضا كان –على حد زعمه– يطوف بقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم (بحار الأنوار 100/126) وأخذ من ذلك "شرعية" هذا النسك الوثني في مذهبهم، ولم يلتفت إلى نصوص القرآن الصريحة الواضحة في النهي عن الشرك والوعيد عليه بنار جهنم وبئس المصير، ولكن أشكل عليه روايات لهم تناقض – كالعادة – مذهبهم في المشاهد وهي مروية عن أئمتهم فرام التخلص منا بالتأويل.
فقد جاء في رواياتهم ما ينهى عن الطواف بالقبور كقول إمامهم: "لا تشرب وأنت قائم ولا تطف بقبر....فإن من فعل ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه، ومن فعل شيئًا من ذلك لم يكن يفارقه إلا ما شاء الله" (ابن بابويه:علل الشّرائع: ص 283، بحار الأنوار:100/126). وقد أجهد المجلسي نفسه قال في تأويل هذه الرّواية فقال: "يحتمل أن يكون النّهي عن الطّواف بالعدد المخصوص الذي يُطاف بالبيت" (بحار الأنوار: 100/126).
فأنت ترى أن المجلسي لم يحاول أن يسلك ما يتفق مع كتاب الله سبحانه وما عليه المسلمون، وما جاء عندهم أيضًا: "ولا تطف على قبر" فينصح لنفسه وطائفته بالنهي عن هذه البدعة فيقر بذلك، ويؤول ما يخالفه، لأنه شذوذ وانحراف وباب من أبواب الشرك بالله، لم يفعل ذلك بل تكلف في تأويل نصهم الذي يدل على المعنى الحق حتى قال: "يحتمل أن يكون المراد بالطواف المنفي هنا التغوط" (بحار الأنوار: 100/127).
ب-الصلاة عند الضريح:(70/129)
من مناسك المشاهد والأضرحة أداء ركعتين أو أكثر عند قبور الأئمة، وربما يتخذونها قبلة –كما سيأتي-وكل ركعة تؤدى عند القبور تفضل على الحج إلى بيت الله الحرام مئات المرات، جاء في أخبارهم: "الصّلاة في حرم الحسين لك بكلّ ركعة تركعها عنده كثواب من حجّ ألف حجّة، واعتمر ألف عمرة، وأعتق ألف رقبة، وكأنّما وقف في سبيل الله ألف ألف مرّة مع نبي مرسل" (الوافي/ المجلّد الثّاني 8/234).
وليس هذا خاصًا بقبر الحسين بل كل قبور أئمتهم كذلك، ففي البحار: "من زار الرضا (يعد مرقد علي الرضا أهم الأماكن المقدسة في إيران، ومن أضخم الأماكن المقدسة لدى الشيعة، وعليه قبة ضخمة مكسوة بالذهب (عبد الله فياض/ مشاهداتي في إيران ص102) لأن الأضرحة والاهتمام بها وتقديم أنواع من العبادات لها من أصول دينهم) أو واحدًا من الأئمة فصلى عنده.. فإنه يكتب له (ثم ذكر ما جاء في النص السابق وزاد) وله بكل خطة مائة حجة، ومائة عمرة، وعتق مائة رقبة في سبل الله، وكتب له مائة حسنة، وحط عنه مائة سيئة (بحار الأنوار: 100/137-138).
جـ الانكباب على القبر:
من مناسك المشاهد عندهم الانكباب على القبر ووضع الخد عليه، وتقبيل الأعتاب. ومناجاة صاحب القبر حتى ينقطع النفس كما يقولون. قال المجلسي: "باب ما يستحب فعله عند قبره عليه السلام.." (بحار الأنوار: 101/285) ثم ذكر أن شيخ طائفتهم الطّوسي قال في وصفه لأعمال زيارة يوم الجمعة: ".. ثم تنكبّ على القبر وتقول: مولاي إمامي، مظلوم استعدى على ظالمه، النّصر، النّصر حتى ينقطع النّفس" (بحار الأنوار: 101/285).(70/130)
وفي أكثر زياراتهم يؤكدون في أثنائها وخاتمتها على الانكباب على القبر ودعائه، فهذه زيارة للحسين أوصى بها جعفر الصادق- كما يزعمون– وأمر قبل بدء هذه الزيارة بصيام ثلاثة أيام ثم الاغتسال، ولبس ثوبين طاهرين، ثم صلاة ركعتين، ثم قال: "فإذا أتيت الباب فقف خارج القبّة، وأومىء بطرفك نحو القبر وقل: يا مولاي يا أبا عبد الله يا ابن رسول الله عبدك وابن عبدك وابن أمتك، الذّليل بين يديك، المقصّر في علو قدرك، المعترف بحقّك، جاءك مستجيرًا بذمّتك، قاصدًا إلى حرمك، متوجّهًا إلى مقامك – إلى أن قال:- ثمّ انكبّ على القبر وقُل: يا مولاي أتيتك خائفًا فآمنّي، وأتيتك مستجيرًا فأجرني.. ثم انكبّ على القبر ثانية" (بحار الأنوار: 101/257-261 عن المزار الكبير لمحمد المشهدي ص 143-144).. ومثل ذلك قال مفيدهم:"فإذا أردت الخروج فانكبّ على القبر وقبّله – إلى أن قال:- ثم ارجع إلى مشهد الحسين وقل: السّلام عليك يا أبا عبد الله، أنت لي جُنَّة من العذاب" (بحار الأنوار101/257-261 عن المزار الكبير ص154).(70/131)
ودعاء للميت الذي لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا وكأنهم يدعون خالق السماوات والأرض القادر على كل شيء (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ)الأحقاف آية:5، وهم يعدون هذا من أفضل القربات، ويوهمون الأتباع بأن هذا الشرك "يوجب غفران الذّنوب ودخول الجنّة، والعتق من النّار، وحطّ السّيئات، ورفع الدّرجات، وإجابة الدّعوات".(هذا من عناوين كتاب بحار الأنوار، وقد ضمّ (37) رواية في هذا المعنى: 101/ 21-28) و"توجب طول العمر وحفظ النّفس والمال، وزيادة الرّزق وتنفّس الكرب، وقضاء الحوائج" (هذا أحد عناوين بحار الأنوار أيضًا وفيه (17) رواية 101/45-48). و"تعدل الحجّ والعمرة والجهاد والإعتاق" (وهذا من عناوين صاحب البحار وقد ضمّنه (84) وراية 101/ 28-44) إلى آخر الفضائل الموهومة.. فشرعوا من الدّين ما لم يأذن به الله. وقرّر شيوخهم أن من آداب زيارة هذه الأضرحة "وضع الخدّ الأيمن عند الفراغ من الزّيارة والدّعاء" (بحار الأنوار 100/134، عمدة الزّائر ص30). وقالوا: "لا كراهة في تقبيل الضّريح؛ بل هو سنّة عندنا ولو كان هناك تقية فتركه أولى" (بحار الأنوار 100/136).
يقول ولاء علي أكبر الموسوي الخوئي:في كتاب (الصلاة المجلد الرابع صفحة 258):"فما يفعله سواد الشيعة من صورة السجدة عند قبر أمير المؤمنين وغيره من الأئمة مشكل، إلا أن يقصدوا بذلك سجدة الشكر لتوفيق الله لهم إدراك الزيارة".
د ـ اتخاذ القبر قبلة كبيت الله:-(70/132)
قال شيخ الشيعة المجلسي:"إنّ استقبال القبر أمر لازم، وإن لم يكن موافقًا للقبلة..واستقبال القبر للزّائر بمنزلة استقبال القبلة وهو وجه الله، أي جهته التي أمر النّاس باستقبالها في تلك الحالة".(بحار الأنوار 101/369).وقال المجلسي: إنه مع بعد الزائر عن القبر يستحسن استقبال القبر في الصلاة واستدبار الكعبة (بحار الأنوار 100/135(. وذلك عند أداء ركعتي الزيارة التي قالوا فيها: "إن ركعتي الزيارة لابد منهما عند كل قبر" (بحار الأنوار100/134).
عقيدة الشيعة في يوم عاشوراء وفضله
إن الشيعة الإثنى عشرية يقيمون المحافل، والمآتم، والنياحة، ويعملون المظاهرات في الشوارع والميادين العامة، ويقومون بلبس الملابس السوداء حزنا في ذكرى شهادة الحسين رضي الله عنه باهتمام في العشر الأوائل من محرم من كل عام، معتقدين أنها من أجل القربات، فيضربون خدودهم بأيديهم، ويضربون صدورهم وظهورهم ويشقون الجيوب يبكون ويصيحون بهتافات: يا حسين...يا حسين وخاصة في اليوم العاشر من كل محرم، بل إنهم يقومون بضرب أنفسهم بالسلاسل والسيوف كما هو الحاصل في البلاد التي يقطنها الشيعة الإثنى عشرية كإيران مثلا.وشيوخهم يحرِّضونهم على هذه المهازل التي صاروا بها. يقول آية الله العظمى جواد التبريزي:"كانت الشيعة على عهد الأئمة عليهم السلام تعيش التقية، وعدم وجود الشعائر في وقتهم لعدم إمكانها لا يدل على عدم المشروعية في هذه الأزمنة، ولو كانت الشيعة في ذاك الوقت تعيش مثل هذه الأزمنة من حيث إمكانية إظهار الشعائر وإقامتها لفعلوا كما فعلنا، مثل نصب الأعلام السوداء على أبواب الحسينيات بل الدور إظهاراً للحزن"(ملحق بالجزء الثاني من صراط النجاة للخوئي ص 562 ط 1417هـ).(70/133)
والعلامة آية الله العظمى علي الحسيني الفاني الأصفهاني حيث قال: "إنه لم تعهد هذه الأمور في زمن المعصومين عليهم السلام وهم أهل المصيبة وأولى بالتعزية على الحسين عليه السلام، ولم يرد في حديثٍ أمرٌ بها منهم، فهذه أمور ابتدعها الشيعة وسموها الشعائر المذهبية. وبديهي أن الشعائر الحسينية ليست بدعة كيف والإبكاء مأمور به، وهو فعل توليدي يحتاج إلى سبب وهو إما قولي: كذكر المصائب، وإنشاء المراثي، أو عملي: كما في عمل الشبيه فللفقيه أن يحكم بجواز تلك الشعائر لما يترتب عليها من الإبكاء الراجح البتة..وما تعارف عند الشيعة ليس مما نهى عنه الشرع أو حكم قبحه العقل، وعلى المشكك أن يفهم المراد من البدعة، ثم يطبقها على ما يشاء إن أمكن"(مقتل الحسين لمرتضى عياد ص192).
وقال حسن مغنية:"جاء العهد البويهي في القرن الرابع الهجري فتحرر هذا اليوم، أي أن المآتم والحسينيات لم تعرف إلا في هذا اليوم بسبب البويهيين، وتجلى كما ينبغي حزينا في بغداد والعراق كله وخراسان وما وراء النهر والدنيا كلها، إذ أخذت تتوشح البلاد بالسواد، ويخرج الناس بأتم ما تخرج الفجيعة الحية أهلها الثاكلين وكذلك الحال في العهد الحمداني في حلب والموصل وما والاهم، أما في العهود الفاطمية فكانت المراسيم الحسينية في عاشوراء تخضع لمراسيم بغداد، وتقتصر على الأصول المبسطة التي تجري الآن في جميع الأقطار الإسلامية والعربية، وخاصة في العراق وإيران والهند وسوريا والحجاز فتقام المآتم والمناحات وتعقد لتسكب العبرات وأصبحت إقامة الشعائر الحسينية مظهراً من مظاهر خدمة الحق وإعلان الحقيقة"(آداب المنابر ص 192).
كربلاء والكوفة وقم حرم:(70/134)
لقد اعتبر الشيعة كربلاء والكوفة وغيرهما من أماكن قبور أئمتهم المزعومة حرمًا مقدسًا؛ فالكوفة حرم، وقُمّ حرم، وغيرها، جاء في رواياتهم "إنّ الكوفة حرم الله وحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم أمير المؤمنين، وإنّ الصّلاة فيها بألف صلاة والدّرهم بألف درهم".(الوافي:باب فضل الكوفة ومساجدها، المجلّد الثّاني 8/215). ويروون عن جعفر الصادق أنه قال:"إنّ لله حرمًا هو مكّة، ولرسوله حرمًا وهو المدينة، ولأمير المؤمنين حرمًا وهو الكوفة، ولنا حرمًا وهو قم) ومن أسباب تقديسهم لقم وجود قبر فاطمة بنت موسى بن جعفر إمامهم السّابع فيها، انظر:عبد الرّزّاق الحسيني:مشاهد العترة ص 162 وما بعدها)، وذكروا هذه الرواية:"ستدفن فيه امرأة من ولدي تسمّى فاطمة، من زارها وجبت له الجنّة"(بحار الأنوار: 102/267).
وقال علي بن الحسن:"اتّخذ الله أرض كربلاء حرمًا آمنًا مباركًا قبل أن يخلق الله أرض الكعبة، ويتّخذها حرمًا بأربعة وعشرين ألف عام، وقدّسها وبارك عليها، فما زالت قبل خلق الله الخلق مقدّسة مباركة، ولا تزال كذلك حتى يجعلها الله أفضل أرض في الجنّة، وأفضل منزل ومسكن يسكن فيه أولياءه في الجنّة"(بحار الأنوار101/107). ويروون أنّ عن كربلاء قولها:"أنا أرض الله المقدسّة المباركة، الشفاء في تربتي ومائي، ولا فخر"(كامل الزيارات ص270، بحار الأنوار101/109).
عقيدة التقية عند الشيعة
التقية عند الشيعة هي التظاهر بعكس الحقيقة، وهي تبيح للشيعي خداع غيره فبناء على هذه التقية ينكر الشيعي ظاهراً ما يعتقده باطناً، وتبيح له أن يتظاهر باعتقاد ما ينكره باطناً، ولذلك تجد الشيعة ينكرون كثيراً من معتقداتهم أمام أهل السنة مثل القول بتحريف القرآن وسب الصحابة وتكفير وقذف المسلمين وإلى غير ذلك من المعتقدات التي سنبينها في هذا الكتاب بإذن الله.(70/135)
وأحسن من عرّف هذه العقيدة الخبيثة الشيخ محب الدين الخطيب– رحمه الله تعالى– بقوله: "وأول موانع التجاوب الصادق بإخلاص بيننا وبينهم ما يسمونه التقية فإنها عقيدة دينية تبيح لهم التظاهر لنا بغير ما يبطنون، فينخدع سليم القلب منا بما يتظاهرون له به من رغبتهم في التفاهم والتقارب وهم لا يريدون ذلك ولا يرضون به، ولا يعلمون له، إلا على أن يبقى من الطرف الواحد مع بقاء الطرف الآخر في عزلته لا يتزحزح عنها قيد شعرة". الخطوط العريضة ? 10. ويقول شيخهم ورئيس محدثيهم محمد بن علي بن الحسين الملقب بالصدوق في (رسالة الاعتقادات ص 104ط مركز نشر الكتاب إيراني 1370هـ .
"واعتقادنا في التقية أنها واجبة من تركها كان بمنزلة من ترك الصلاة..والتقية واجبة لا يجوز رفعها إلى أن يخرج القائم فمن تركها قبل خروجه فقد خرج من دين الله وعن دين الإمامية وخالف الله ورسوله والأئمة".(70/136)
وقد اهتم بها علماؤهم فنجد محمد بن الحسن بن الحر العاملي يعقد في موسوعاته الحديثية وسائل الشيعة (11/472) باباً بعنوان "باب وجوب الاعتناء والاهتمام بالتقية وقضاء حقوق الإخوان". وعقد باباً في موسوعته المذكورة (11/470) بعنوان "باب وجوب عشرة العامة بالتقية". وباباً بعنوان "وجوب طاعة السلطان للتقية" وسائل الشيعة (11/471). ومثله شيخهم وآيتهم حسين البروجردي في جامع أحاديث الشيعة (14/504 وما بعدها ط إيران). فهذا وذاك على سبيل المثال لا الحصر. والروايات التي تحثهم على التقية كثيرة جدا منها ما رواه الكليني في الكافي– باب التقية– (2/219) عن معمر بن خلاد قال: سألت أبا الحسن عن القيام للولاة فقال: قال أبو جعفر:"التقية من ديني ودين آبائي ولا إيمان لمن لا تقية له. وروى في(أصول من الكافي 2/217) عن أبي عبد الله أنه قال: "يا أبا عمر إن تسعة أعشار الدين في التقية، ولا دين لمن لا تقية له، والتقية في كل شيء إلا في النبيذ والمسح على الخفين".
ويقول شيخهم محمد رضا المظفر في كتابه الدعائي(عقائد الإمامية ص123): فصل عقيدتنا في التقية:وروي عن صادق آل البيت في الأثر الصحيح: "التقية ديني ودين آبائي ومن لا تقية له لا دين له".
وروى الكليني في(الكافي2/217) عن الصادق قال:"سمعت أبي يقول: لا والله ما على وجه الأرض شيء أحب إليَّ من التقية، يا حبيب إنه من كانت له تقية رفعه الله، يا حبيب من لم تكن له تقية وضعه الله، يا حبيب إن الناس إنما هم في هدنة فلو قد كان ذلك كان هذا ". وروى (2/220) عن أبي يعبد الله قال: "التقية ترس الله بينه وبين خلقه". وروى (2/218) عن أبي عبدي الله قال: "أبى الله عز وجل لنا ولكم في دينه إلا التقية".وروى (2/220) عن أبي عبد الله قال: "كان أبي يقول: أي شيء أقر لعيني من التقية إن التقية جُنة المؤمن".(70/137)
وروى الكليني في الكافي (2/372) والفيض الكاشاني في الوافي (3/159ط دار الكتب الإسلامية طهران) عن أبي عبد الله قال: من استفتح نهاره بإذاعة سرنا سلط عليه حر الحديد وضيق المجالس.وفي (الكافي2/222) و(الرسائل للخميني2/185) عن سليمان بن خالد قال: قال أبو عبد الله:"يا سليمان إنكم على دين من كتمه أعزه الله ومن أذاعه أذله الله".وروى الحر العاملي في (وسائل الشيعة11/473) عن أمير المؤمنين قال: "التقية من أفضل أعمال المؤمنين" وفي (وسائل الشيعة 11/474) عن علي بن الحسين قال: يغفر الله للمؤمن كل ذنب ويطهره منه في الدنيا والآخرة ما خلا ذنبين: ترك التقية وتضييع حقوق الإخوان".وفي جامع الأخبار لشيخهم تاج الدين محمد بن محمد الشعيري (ص 95 المطبعة ط الحيدرية ومطبعتها في النجف) عن النبي: "تارك التقية كتارك الصلاة". !!وفي (وسائل الشيعة11/466) عن الصادق قال: "ليس منا من لم يلزم التقية".وفي (جامع الأخبار ص95) قال أبو عبد الله عليه الصلاة السلام: "ليس من شيعة علي من لا يتقي".
أقول:والشيعة حسب معتقدهم مطالبون بالتمسك بالتقية إلى قيام القائم أي إمامهم الثاني عشر الموهوم ومن تركها قبل قيام قائمهم فليس منهم كما يرويه شيخهم ومحدثهم محمد بن الحسن الحر العاملي في كتاب (إثبات الهداة 3/477 طبع المكتبة العلمية قم إيران) عن أبي عبد الله عليه الصلاة والسلام في حديث عن التقية قال: "من تركها قبل خروج قائمنا فليس منا" وكما يرويه الشعيري في (جامع الأخبارص95) عن الصادق قال: "ومن ترك التقية قبل خروج قائمنا فليس منا".(70/138)
ويقول آيتهم روح الله الموسوي الخميني في (كتاب الرسائل 2/174): "فتارة تكون التقية خوفاً وأخرى تكون مداراة..والمراد بالمدارة أن يكون المطلوب فيها نفس شمل الكلمة ووحدتها بتحبيب المخالفين وجر مودتهم من غير خوف ضرر كما في التقية خوفاً وسيأتي التعرض لها وأيضاً قد تكون التقية مطلوبة لغيرها وقد تكون مطلوبة لذاتها وهي التي بمعنى الكتمان في مقابل الإذاعة على تأمل فيه". أقول: لاحظ مداهنة الرجل في قوله:"بتحبيب المخالفين وجر مودتهم من غير خوف ضرر. ولاحظ أنه يجيزها هنا من غير خوف ضرر فتأمل وإذا كان المخالفون أخوة له في الدين فلم استعمال التقية معهم؟
ويقول الخميني في(الرسائل 2/175): "ومنها ما شرعت لأجل مداراة الناس وجلب محبتهم ومودتهم..ومنها التقسيم بحسب المتقي منه فتارة تكون التقية من الكفار وغير المعتقدين بالإسلام سواء كانوا من قبل السلاطين أو الرعية وأخرى تكون من سلاطين العامة وأمرائهم وثالثة من فقهائهم وقضاتهم ورابعة من عوامهم..ثم إن التقية من الكفار وغيرهم قد تكون في إتيان عمل موافقا للعامة كما لو فرض أن السلطان ألزم المسلمين بفتوى أبي حنيفة وقد تكون في غيره".(70/139)
ويقول الخميني في (الرسائل2/196): "وليعلم أن المستفاد من تلك الروايات صحة العمل الذي يؤتى به تقية سواء كانت التقية لاختلاف بيننا وبينهم في الحكم كما في المسح على الخفين والإفطار لدى السقوط أو في ثبوت الموضوع الخارجي كالوقوف بعرفات اليوم الثامن لأجل ثبوت الهلال عندهم". لاحظ تلونه مع أهل السنة تلون الحرباء، لكي يلصق أتباعه بهم حتى لا ينكشف أمرهم، فبدلاً من حثهم وإرشادهم باعتبارنا أخوة له في الدين، راح الخميني يقسم التقية ويعلمهم أنواعها وكيفية العمل معنا تقية. ثم يأتي الخميني فيكشف المكنون وهو أن التقية معنا لأجل المصالح ولا يشترط أن تكون خوفا على النفس. ويقول الخميني في كتاب (الرسائل2/201): "ثم إنه لا يتوقف جواز هذه التقية بل وجوبها على الخوف على نفسه أو غيره بل الظاهر أو المصالح النوعية صارت سببا لإيجاب التقية من المخالفين فتجب التقية وكتمان السر لو كان مأمونا وغير خائف على نفسه".
ويقول الخميني في مصباح الهداية ص154 ط الأولى مؤسسة الوفاء بيروت لبنان):"إياك أيها الصديق الروحاني ثم إياك والله معينك في أولاك وأخراك أن تكشف هذه الأسرار لغير أهلها أولا تضنن على غير محلها فإن علم باطن الشريعة من النواميس الإلهية والأسرار الربوبية مطلوب ستره عن أيدي الأجانب وأنظارهم لكونه بعيد الغور عن جلي أفكارهم ودقيقها وإياك وأن تنظر نظر الفهم في هذه الأوراق إلا بعد الفحص الكامل عن كلمات المتألهين من أهل الذوق وتعلم المعارف عن أهلها من المشايخ العظام والعرفاء الكرام ? إلا فمجرد الرجوع إلى مثل هذه المعارف لا يزيد إلا خسراناً ولا ينتج إلا حرماناً".(70/140)
فالخميني لم يرد اقتصار هذه العلوم على العلماء فقط ولم يتخوف على العوام بل من الأجانب. وإلى مثل هذه التكتم أشار دكتور شيعي معاصر يدعى (محمد التيجاني السماوي) في كتاب له بعنوان (اعرف الحق ص13 ط1دار المجتبى بيروت 1995م) بقوله: "لأن الموقف حازم جدا ويتطلب شيئاً من الصراحة والتي قد تكون مخفية لبعض المصالح الوقتية وقد يكون المانع منها ظروف قد يعلمها البعض منكم".
نعود إلى الخميني في كلامه عن التقية فنجده يقول: "ومنها ما تكون واجبة لنفسها وهي ما تكون مقابلة للإذاعة فتكون بمعنى التحفظ عن إفشاء المذهب وعن إفشاء سر أهل البيت فيظهر من كثير من الروايات أن التقية التي بالغ الأئمة عليهم السلام في شأنها هي هذه التقية فنفس إخفاء الحق في دولة الباطل واجبة وتكون المصلحة فيها جهات سياسية دينية ولولا التقية لصار المذهب في معرض الزوال والانقراض.(الرسائل 2/185).
والخميني يعد عصر الخلفاء الراشدين عصر تقية فيقول:"إن من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى زمان خلافة أمير المؤمنين ومن بعده إلى زمن الغيبة كان الأئمة وشيعتهم مبتلين بالتقية أكثر من مائتي سنة".(رسالة في التقية: ص296).
أقول:فهذا وما قبله اعتراف صريح من الخميني بأن المذهب يقوم على التكتم والإخفاء والأسرار وكلها فروع مع التقية التي لولاها لصار المذهب في معرض الزوال والانقراض.وكان علماؤهم يقومون برحلات إلى البلاد السنية حيث يظهرون التقية ويكذبون على أهل السنة بأن يتظاهروا بأنهم من أهل السنة وذلك للتجسس عليهم وتتبع أخطائهم وزلاتهم وكان من هؤلاء شيخهم محمد بن الحسين بن عبد الصمد المعروف بالشيخ البهائي المتوفى سنة 1031هـ الذي قال: "كنت في الشام مظهراً أني على مذهب الشافعي.." ذكر تقيته وقصته هذه شيخهم محمد محمدي الأشتهاردي في كتباه (أجود المناظرات ص 188 ط1 1416هـ، دار الثقلين لبنان).(70/141)
فلاحظ أخي المسلم أن التقية التي بالغ أئمتهم فيها هي التقية التي تحثهم على التحفظ عن إفشاء المذهب والكذب على أهل السنة.ويقول علامتهم الشهرستاني على ما نقلوه عنه في هامش ص 138 من كتاب أوائل المقالات المطبوع في بيروت عام 1403هـ منشورات مكتبة التراث الإسلامي ما نصه: "لذلك أضحت شيعة الأئمة من آل البيت تضطر في أكثر الأحيان إلى كتمان ما تختص به من عادة أو عقيدة أو فتوى أو كتاب أو غير ذلك.. لهذه الغايات النزيهة كانت الشيعة تستعمل التقية وتحافظ على وفاقها في الظواهر مع الطوائف الأخرى متبعة في كتاب سيرة الأئمة من آل محمد وأحكامهم الصارمة حول وجوب التقية من قبل التقية ديني ودين آبائي ومن لا تقية له لا دين له إذ أن دين الله يمشي على سنة التقية".
أقول:هذه هي التقية الخبيثة التي ذهب ضحيتها بعض أهل العلم من أهل السنة من حسني النية ولنا تعقيب نلخصه بالآتي:
الأول:إن التقية عند الشيعة ليست لحفظ النفس كما يتوهم بعض حسني النية من أهل السنة بل هي في الأساس لتغطية مخازي المذهب وموقفه العدائي من أهل السنة.
الثاني:أنه سبق إيراد إقرار الخميني أن التقية ليست لحفظ النفس والمال، بل في غيرها أيضاً فهي كالصلاة بالنسبة لهم، روى الحر العاملي في وسائل الشيعة (11/466) عن علي بن محمد قال: "يا داود لو قلت إن تارك التقية كتارك الصلاة لكنت صادقاً".وفي وسائل الشيعة "الموضع نفسه" عن الصادق قال: "عليكم بالتقية فإنه ليس منا من لم يجعلها شعاره ودثاره مع من يأمنه لتكون سجية مع من يحذره".(70/142)
ومن الغرائب التي قد لا يقبلها من لا علم له بمعتقدات الشيعة أنهم يجيزون الصلاة خلف الناصب (أي السني) تقية رغم أنهم يرون نجاسته وكفره وإباحة ماله ودمه –كما سيأتي في هذا الكتاب– حيث يروي مرجعهم آية الله الخميني في كتاب الرسائل (2/198) عن زرارة بن أعين عن أبي جعفر قال:"لا بأس بأن تصلي خلف الناصب ولا تقرأ خلفه فيما يجهر فيه فإن قراءته تجزيك" وقال بعد إيراد الخبر:"إلى غير ذلك مما هو صريح أو ظاهر في الصحة ولاعتداد بالصلاة تقية". مع أن الخميني نفسه يبيح مال الناصب حيث يقول في تحرير الوسيلة (1/352) ما نصه: "والأقوى إلحاق الناصب بأهل الحرب في إباحة ما أغتنم منهم وتعلق الخمس به بل الظاهر جواز أخذ ماله أين وجد وبأي نحو كان ووجوب إخراج خمسة". فلاحظ أنه يجيز الصلاة خلف الناصب الذي يراه نجساً وملعوناً كما في كتابه تحرير الوسيلة (1/118) فصلاتهم خلف أهل السنة (النواصب في معتقدهم) لا تعني طهارة أهل السنة وإيمانهم ولكنها التقية والخداع والمكر ليوجدوا من يدافع عنهم. يقول إمامهم وحجتهم محمد تقي الموسوي الأصفهاني في كتابه (وظيفة الأنام في زمن غيبة الإمام ص43 ط1 دار القارئ بيروت 1987م) عند ذكره الوظائف المطلوبة من الشيعة زمن غيبة إمامهم ما نصه:"أن يلتزم بالتقية من الأعداء – أي أهل السنة – ومعنى التقية الواجبة هو أن يكتم عقيدته عند احتمال الضرر العقلاني على نفسه أو ماله أو مكانته وبأن يظهر خلاف عقيدته إذا اقتضى ذلك ?لسانه فيحفظ نفسه وماله ويضمر عقيدته الصحيحة في قلبه". ويقول أيضاً (ص44):"والأخبار في وجوب التقية كثيرة والذي ذكرته في بيان معنى التقية الواجبة هو مفهوم الحديث المذكور في الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام والذي أكد فيه ثلاثاً على عدم ترك التقية فإنه يسبب الذل".(70/143)
أقول: فلاحظ كيف أن التقية بمفهوم هذا العالم الشيعي وقبله الخميني ليس لحفظ النفس بل للوصول إلى المآرب والأهداف ومن ثم لا يعرف لهم صدق ولا وفاء لأن هذه العقيدة تحثهم على مسايرة ومجاملة أهل السنة حتى يظن الطيبون منا أنهم لا يختلفون عنا كثيراً ويورد الأصفهاني في كتابه المذكور (?44) رواية عن الإمام علي صحح هو إسنادها ونصها:"…فلا تغرنكم كثرة المساجد وأجساد قوم مختلفة". قيل يا أمير المؤمنين كيف العيش في ذلك الزمان؟ فقال: "خالطوهم بالبرانية يعني في الظاهر وخالفوهم في الباطن للمرء ما اكتسب وهو مع من أحب وانتظروا مع ذلك الفرج من الله عز وجل" وقال بعدها:"والأخبار في هذا الباب كثيرة ذكرت في مكيال المكارم جملة منها". ويقول شيخهم مرتضى الأنصاري الذي يلقبونه بشيخ الفقهاء والمجتهدين في (رسالة التقية ص53 ط دار الهادي الأولى 1992ط بيروت لبنان): "ويشترط في الأول أن تكون التقية من مذهب المخالفين لأنه المتقين من الأدلة الواردة في الأذن في العبادات على وجه التقية لأن المتبادر التقية من مذهب المخالفين فلا يجري في التقية عن الكفار?وظلمة الشيعة..".(70/144)
ويقول آيتهم العظمى أبو القاسم الخوئي في التنقيح شرح العروة الوثقى (4/332– 333 مطبعة صدر قم نشر دار الهادي للمطبوعات قم 1410هـ) وهو يتكلم عن التقية:"وذلك لأن المستفاد من الأخبار الواردة في التقية إنما شرعت لأجل أن تختفي الشيعة عن المخالفين وألا يشتهروا بالتشيع أو الرفض، ولأجل المداراة والمجاملة معهم، ومن البين أن المكلف إذا أظهر مذهب الحنابلة عند الحنفي مثلا أو بالعكس حصل بذلك التخفي، وعدم الاشتهار بالرفض والتشييع، وتحققت المداراة والمجاملة معهم، فإذا صلى في مسجد الحنفية مطابقا لمذهب الحنابلة صدق أنه صلى في مساجدهم أو معهم، والسر في ذلك أن الواجب إنما هو التقية من العامة والمجاملة والمداراة معهم ولم يرد في شيء من الأدلة المتقدمة وجوب إتباع أصنافهم المختلفة ولا دليل على وجوب إتباع من يتقي منه في مذهبه وإنما اللازم هو المداراة والمجاملة مع العامة وإخفاء التشيع عندهم".
متى يبدأ الشيعة بترك التقية؟(70/145)
إن الشيعة ملتزمون بالتمسك بالتقية إلى أن يظهر المهدي الموهوم عندهم. فقد روى مفسر الشيعة العياشي في تفسيره (2/351 ط دار الكتب العلمية الإسلامية طهران) والحر العاملي في وسائل الشيعة (11/467) وعبد الله شبر في الأصول الأصلية (ص321 منشورات مكتبة المفيد قم) عن جعفر الصادق في تفسيره قوله عز وجل:فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء (الكهف:9). قال: "رفع التقية عند الكشف فينتقم من أعداء الله".والمقصود بأعداء الله أهل السنة لأن الشيعة تتعامل معهم بالتقية وعند الكشف أي عند قيام إمامهم الموهوم.وروى الكليني في الكافي(2/217) والفيض الكاشاني في الوافي (3/122) عن أبي عبد الله قال: "يا حبيب إن من كانت له تقية رفعه الله يا حبيب ومن لم تكن له تقية وضعه الله يا حبيب إن الناس إنما هم في هدنة فلو قد كان ذلك كان هذا".قال السيد علي أكبر الغفاري في حاشيته على الكافي (2/217): "فلو قد كان ذلك أي ظهور القائم وقوله "كان هذا" أي ترك التقية".(70/146)
وروى محدثهم ومحققهم محمد بن الحر في وسائل الشيعة (11/57) عن الحسن بن هارون قال: "كنت عند أبي عبد الله جالساً فسأله معلى بن خنيس أيسير الإمام القائم بخلاف سيرة علي قال: نعم وذلك أن عليا سار بالمن والكف لأنه علم أن شيعته سيظهر عليهم وإن القائم إذا قام سار فيهم بالسيف والسبي لأنه يعلم أن شيعته ?ن يظهر عليهم من بعده أبداً". وينقل علامتهم آية الله الحاج ميرزا محمد تقي الأصفهاني في كتابه مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم (ط1ص246 منشورات الإمام المهدي قم) عن تفسير علي بن إبراهيم القمي في قوله تعالى: فمهل الكافرين أمهلهم رويداً (الطارق: 17). لوقت بعث القائم فينتقم لي من الجبارين والطواغيت من قريش، وبني أمية وسائر الناس". وينقل لنا آية الله الأصفهاني في كتابه المذكور (1/148) عن علي بن الحسين قال: "إذا قام قائمنا أذهب الله عز وجل عن شيعتنا العامة وجعل قلوبهم كزبر الحديد وجعل قوة الرجل منهم قوة أربعين رجلا ويكونون حكام الأرض وسنامها". وروى شيخهم محمد بن محمد بن صادق الصدر الموسوي في كتابه "تاريخ ما بعد الظهور ص 762، الطبعة الثانية دار التعارف للمطبوعات لبنان عن أبى جعفر قال: "إن الناس في هدنة نناكحهم ونوارثهم ونقيم عليهم الحدود ونؤدي أماناتهم حتى إذا قام القائم جاءت المزايلة" ويفسر الصدر معنى المزايلة فيقول: "هي المفارقة والمباينة بين أهل الحق وأهل الباطل". ونقل الحاج آية الله السيد إبراهيم الزنجاني في (حدائق الأنس ص 104 طبع دار الزهراء بيروت) "عن أمير المؤمنين أنه قال: "وفقهاؤهم يفتون بما يشتهون وقضاتهم يقولون ما لا يعلمون وأكثرهم بالزور يشهدون إذا خرج القائم ينتقم من أهل الفتوى" ويعلق آية الله الزنجاني على هذه الرواية فيقول (نفس الصفحة): "المراد من الفقهاء فقهاء المخالف لأنهم يفتون بغير ما أنزل الله والشاهد على قول الإمام الباقر : إذا خرج هذا الإمام المهدي(70/147)
(عج) فليس له عدو مبين إلا الفقهاء خاصة وهو والسيف أخوان ولولا السيف أي السلطة والقوة بيده لأفتى الفقهاء في قتله ولكن الله يظهره بالسيف" انتهى كلام الزنجاني.
عقيدة الرجعة:-
قال أحمد أمين وفكرة الرجعة أخذها ابن سبأ من اليهودية، فعندهم الآن النبي إلياس صعد إلى السماء وسيعود فيعيدوا الدين والقانون هذا في فجر الإسلام صفحة 270. وفي (كتاب العقائد الوثنية في الديانة النصرانية صفحة 106) "ويعتقد الصينيون أن مخلصهم وحاميهم فشنوا الذي ظهر فالناسوت باسم فشنا سيأتي ثانيا في الأيام الأخيرة ". أما عند الشيعة روى الكليني في الكافي عن جعفر بن محمد أنه قال :" إن الله قال للملائكة ألزموا قبر الحسين حتى تروه وقد خرج فانصروه وابكوا عليه وعلى ما فاتكم من نصرته فإنكم قد خصصتم بنصرته والبكاء عليه ، فبكت الملائكة تعزيا وحزنا على ما فاتهم من نصرته،فإذا خرج يكونون أنصاره " الكافي الجزء الأول ص 283.
قال المفيد وهو أحد أكابر علماء الرافضة:"واتفقت الإمامية على وجوب رجعت كثير من الأموات ". هذا ما قاله في أوائل المقالات صفحة 51، وقال الحر العاملي:"إنا مأمورون بالإقرار بالرجعة واعتقادها وتشديد الاعتراف بها فالأدعية والزيارات ويوم الجمعة وكل وقت- وهذا قاله في الإيقاض من الهجعة صفحة 64.
الشيعة والمتعة الجنسية
يزعم الشيعة أن الله تعالى أحلّ لهم المتعة عوضاً عن المسكرات:فعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر قال:إن الّه رأف بكم فجعل المتعة عوضاً لكم من الأشربة"(الروضة من الكافي 151، وسائل الشيعة 14/438). وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال:إن الله تبارك وتعالى حرم على شيعتنا المسكر من كل شراب وعوّضهم من ذلك المتعة"(من لا يحضره الفقيه 3/151، وسائل الشيعة 14/438).(70/148)
ويفترون على اللّه تعالى الكذب فيقولون:إن المتعة رحمة من الله جل جلاله خصّ الشيعة بها دون سائر الناس. فعن أبي عبد الله عليه السلام في قول اللّه عز وجل:(مَا يَفْتَح اللّه للناس مِنْ رَحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا) قال:والمتعة من ذلك.(وسائل الشيعة 14/439). ويتطاولون على النبي صلى اللّه عليه وسلم، ويجعلون هذا الزنا الصريح خلّة من خلال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم:عن بكر بن محمد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:سألته عن المتعة ؟ فقال:إني لأكره للرجل المسلم أن يخرج من الدنيا وقد بقيت عليه خلّة من خلال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لم يقضها.(من لا يحضره الفقيه 2/ 150، وسائل الشيعة 14/442، بحار الأنوار100/299 ).
ورغم إباحتهم للمتعة فالعجيب ثبوت روايات التحريم للمتعة عند أئمة آل البيت ومن ذلك:-
ا -عن عبد الله بن سنان قال:سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المتعة فقال:"لا تُدَنِّسْ نفسَك بها".(بحار الأنوار 100/318).
2 -عن عمار قال:قال أبو عبد الله عليه السلام لي ولسليمان بن خالد:"قد حُرِّمَتْ عليكما المتعة".(فروع الكافي 2/48، وسائل الشيعة 14/455).
3-كان عليه السلام يُوَبِّخُ أصحابه ويُحَذِّرُهُمْ من المتعة، فقال:"أما يستحي أحدُكم أن يرى في موضع فيحمل ذلك على صالحي إخوانه وأصحابه؟". الفروع 2/44، وسائل الشيعة 14/ 450).
4- لمّا سأل علي بن يقطين أبا الحسن عليه السلام عن المتعة أجابه:"ما أنت وذاك؟ قد أغناك الله عنها".(الفروع 2/43، الوسائل 14/449).
صيغة المتعة عند الشيعة وشروطها:(70/149)
يجب عند الشيعة أن يذكر في صيغة المتعة الأجر والمدة وعدم الميراث، ووجوب العدة وهي خمسة وأربعون يوماً، وقيل:حيضة. وله أن يشترط عدم طلب الولد. فعن زُرارة عن أبي عبد الله عليه السلام: قال:لا تكون المتعة إلا بأمرين:أجل مسمى، وأجر مسمى.(الفروع للكليني 2/437، الوسائل 14/ 465).وعن أبي بصير قال:لا بدّ من أن تقول فيه هذه الشروط:أتزوجك!! متعة كذا وكذا يوماً بكذا وكذا درهماً.(التهذيب2/ 188،الاستبصار3/146،الوسائل 14/465). وعن إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المتعة؟قال:مهر معلوم إلى أجل معلوم(التهذيب 2/189، الوسائل 14/ 465)
فالمتعة إذاً عند الشيعة مدة معلومة بأجر معلوم يبطل تلقائياً بعد انتهاء الفترة، وأما صيغة المتعة فهي:عن أبان بن تغلب قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:كيف أقول لها إذا خلوت بها ؟ قال: تقول:أتزوجك متعة على كتاب اللهّ وسنة نبيه ؟! لا وارثَةَ ولا موروثةً كذا وكذا يوماً، وإن شئت كذا وكذا سنة، بكذا وكذا درهماً، وتسمي من الأجر ما تراضيتما عليه قليلاً كان أو كثيراً فإذا قالت: نعم، فقد رضيت وهي امرأتك!! وأنت أولى الناس بها.(الفروع للكليني2/ 44، التهذيب 2/190، الاستبصار3/150، الوسائل 14/466).
فضائل المتعة عند الشيعة:
(1) الإيمان بالمتعة أصلاً من أصول الدين ومنكرها منكر للدين.(من لا يحضره الفقيه 3/366، تفسير منهج الصادقين 2/495). فيذكرون أن جعفراً الصادق قال:ليس منا من لم يؤمن بكرتنا"يقصد الرجعة."ولم يستحل متعتنا".(من لا يحضره الفقيه 2/148، وسائل الشيعة4/438).
(2) المتعة من فضائل الدين وتطفئ غضب الرب.(تفسير منهج الصادقين للكشاني 2/493).
(3 ) إنّ المتمتعة من النساء مغفور لها.(من لا يحضره الفقيه 3:366).
(4) المتعة من أعظم أسباب دخول الجنة بل إنها توصلهم إلى درجة تجعلهم يزاحمون الأنبياء مراتبهم في الجنة.(من لا يحضره الفقيه 3:366).(70/150)
(5) يزعمون أنّ من أعرض عن التمتع نقص ثوابه يوم القيامة، فقالوا:"من خرج من الدنيا ولم يتمتع جاء يوم القيامة وهو أجذع"، أي مقطوع العضو. (تفسير منهاج الصادقين 2/495). قال جعفر الصادق أبو عبد الله عليه السلام:"ما من رجل تمتع، ثم اغتسل إلا خلق الله من كل قطرة تقطر منه سبعين ملكاً يستغفرون له إلى يوم القيامة، ويلعنون متجّنبها إلى أن تقوم الساعة".(وسائل الشيعة للحر العاملي 44/ 444). وعنه أيضاً:"يستحب للرجل أن يتزوج المتعة، وما أحبَ للرجل منكّم أن يخرج من الدنيا-حتى يتزوج المتعة ولو مرة".(بحار الأنوار للمجلسي 100/305، وسائل الشيعة14/443).
(6) إن الله تبارك وتعالى قد غفر للمتمتعات وذلك ليلة الإسراء بالرسول صلى اللّه عليه وسلم:عن أبي جعفر عليه السلام قال:"إن النبي صلى اللّه عليه وآله لما أُسري به إلي السماء، قال:لحقني جبرائيل عليه السلام فقال:يا محمد صلى الله عليه وآله:إن اللّه تبارك وتعالى يقول:أني قد غفرت للمتمتعين من أمتك من النساء".(من لا يحضره الفقيه للصدوق 2/149، وسائل الشيعة للحر العاملي14/442، بحار الأنوار 100/306).
(7) إنّ الله تعالى يغفر للمتمتع بقدر الماء الذي مرّ على رأس المتمتع.فعن صالح بن عقبة عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام قال:"قلت: للمتمتع ثواب؟قال:إن كان يريد بذلك وجه اللّه تعالى وخلافاً على من أنكرها لم يكلمها كلمة إلا كتب اللّه له بها حسنة، ولم يمد يده إليها إلا كتب اللّه له حسنة، فإذا دنا منها غفر اللّه له بذلك ذنباً، فإذا اغتسل غفر اللّه له بقدر ما صبّ من الماء على شعره قلت:بعدد الشعر؟!قال:بعدد الشعر".(من لا يحضر الفقيه 2/ 149، وسائل الشيعة 14/442، بحار الأنوار 100 ص 306). ويروون كذباً أن النبي صلى الله عليه وآله قال:"مَن تمتع مرة أَمِنَ سخطَ الجبار، ومَن تمتع مرتين حُشِرَ مع الأبرار، ومَن تمتع ثلاث مرات زاحمَني في الجنان".(من لا يحضره الفقيه 366/3)(70/151)
ورغبة في نيل هذا الثواب فإنّ علماء الحوزة في النجف، وجميع الحسينيات ومشاهد الأئمة يتمتعون بكثرة، ومنهم السيد الصدر والبروجردي، والشيرازي، والقزويني والطباطبائي، والسيد المدني، وغيرهم، فإنّهم يتمتّعون بكثرة، وكل يوم رغبة في نيل هذا الثواب، ومزاحمة النبي صلوات الله عليه في الجنان. (انظر لله ثم للتاريخ..كشف الأسرار وتَبْرِئَةُ الأئمةِ الأَطهار:السيد حسين الموسوي).
... أحكام امرأة المتعة عند الشيعة:
-امرأة المتعة ليست زوجة حرة، أو زوجة أمة، ولا ملك يمين، وإنّما هي مستأجرة ؟!
-امرأة المتعة لا تَرِث ولا توَرِّث (المتعة ومشروعيتها في الإسلام لمجموعة من علماء الشيعة 116-121، تحرير الوسيلة للخميني2/288).
-المتمَتَّع بها تبين بانقضاء المدة أو بهبتها، ولا يقع بها طلاق وأنه يجوز للمتمتِّع بالمرأة الواحدة مرارا كثيرة، ولا تحرم في الثالثة، ولا في التاسعة كالمطلقة !بل هي كالأمة.
- المتمتَّع بها لا تحل لزوجها الذي طلقها ثلاثا، بعد ذلك التمتع.
- لا مودة ولا رحمة في المتعة، بل يتزوجها متعة كذا وكذا يوما، بكذا وكذا درهما.
-من تمتع امرأة ثم وهبها المدة قبل الدخول أو بعده لم يجز له الرجوع، وان انتهاء المدة أو هبتها غير بائن، فهي مستأجرة.
-باب جواز حبس المهر!! عن المرأة المتمتع بها بقدر ما تخلف.
-عدم وجوب العدة، وإن المتمتع بها الغير مدخول بها لا عدة لها، قياسا بالدائم. وإن عدة المدخول بها التي تحيض ثلاثة أشهر، وعدة المتمتع بها المدخول بها التي لا تحيض، وعدة المتمتع بها، إذا هلك رجل المتعة لا سكن في المتعة.
-يجوز أن يتمتع بأكثر من أربع نساء!! وإن كان عنده أربع زوجات بالدائم!! تصديق المرأة عند نفي الزوج والعدة ونحوهما، وعدم وجوب التفتيش والسؤال ولا حتى منها !!! .
-عدم ثبوت اللعان بين الزوج والمتعة !! عدم الظهار في المتعة.
-أنّه لا نفقة ولا قسم ولا عدة على الرجل في المتعة.(70/152)
–ليس هناك حد لعدد النساء المتمتع بهن، فيجوز للرجل أن يتمتع بمن شاء من النساء ولو ألف امرأة أو أكثر.(الاستبصار للطوسي3/143 تهذيب الأحكام 7/259).
- والعجيب أنهم يرون إباحة التمتع بالمرأة المحصَنَة-أي المتزوجة- أي دون علمِ زوجها.(انظر فروع الكافي5/463، تهذيب الأحكام7/554، الاستبصار3/145). وفي هذه الحالة لا يأمن الأزواج على زوجاتهم، فقد تتزوج المرأة مُتْعَةَ دون علم زوجها الشرعي، ولست أدري ما رأي الرجل وما شعوره إذا اكتشف أن امرأته التي في عصمته متزوجة من رجل آخر غيره زواج متعة؟؟، ولست أدري لمن سينسب الولد هنا؟؟.
وصاية جنسية:
جاء في كتاب علامة الشيعة الشيح المفيد(فقيه من لا يحضره الفقيه 3/358– 361 ط طهران 1390م)..أوصى رسول الله (ص) علي بن أبي طالب(ع)فقال: يا علي:إذا دخلت العروس بيتك فاخلع خفيها حين تجلس واغسل رجليها (أمير المؤمنين يخلع أحذية العروس ويغسل رجليها!!).
يا علي لا تجامع امرأتك في أول الشهر ووسطه وآخره فإن الجنون والجذام والخبل يسرع إليها وإلى ولدها، يا علي لا تجامع امرأتك بعد الظهر، فإنه إن قضي بينكما ولد في ذلك الوقت يكونا أحول...يا علي لا تتكلم عند الجماع، فإنه إن يقض بينكما ولد لا يؤمن أن يكون أخرس ولا ينظرن أحدكم إلى فرج امرأته وليغض بصره عند الجماع فإن النظر إلى الفرج يورث العمى في الولد..يا علي لا تجامع امرأتك بشهوة امرأة غيرك فإنّي أخشى إن قضي بينكما ولد أن يكون مخنثا أو مؤنثاً مخبلاً.(70/153)
يا علي لا تجامع امرأتك إلا ومعك خرقة، ومع أهلك خرقة، ولا تمسحا بخرقة واحدة فتقع الشهوة على الشهوة فإن ذلك يورث العداوة بينكما ثم يؤديكما إلى الفرقة والطلاق يا علي لا تجامع امرأتك من قيام فإن ذلك من فعل الحمير فإن قضي بينكما ولد كان بوالاً في الفراش كالحمير البوالة في كل مكان، يا علي لا تجامع امرأتك في ليلة الأضحى فإن قضي بينكما ولد يكون له ست أصابع أو أربع أصابع. يا علي لا تجامع امرأتك تحت شجرة مثمرة فإنّه إن قضي بينكما ولد يكون جلادا قتالا أو عريفا. يا علي لا تجامع امرأتك في وجه الشمس وتلألؤها إلا أن ترخى سترا فيستركما.
يا علي لا تجامع امرأتك بين الأذان والإقامة...يا علي إذا حملت امرأتك فلا تجامعها إلا وأنت على وضوء يا علي لا تجامع أهلك في النصف من شعبان فإنه إن قضي بينكما ولد يكون مشئوما ذا شامة في وجهه..يا علي لا تجامع امرأتك على سقوف البنيان، يا علي لا تجامع اهلك إذا خرجت إلى سفر مسيرة ثلاثة أيام ولياليهن...يا علي عليك بالجماع ليلة الإثنىن فإنه إن قضي بينكما ولد يكون حافظا لكتاب الله...يا علي إن جامعت أهلك في ليلة الثلاثاء فقضي بينكما ولد فإنه يرزق الشهادة...يا علي إن جامعت أهلك في ليلة الخميس فقضي بينكما ولد فإنه يكون حاكما من الحكام أو عالما من العلماء، وإن جامعتها يوم الخميس عند زوال الشمس عن كبد السماء فقضى بينكما ولد، فإن الشيطان لا يقربه حتى يشيب، يا علي وإن جامعتها ليلة الجمعة وكان بينكما ولد، فإنه يكون خطيبا وإن جامعتها بعد العصر فقضي بينكما ولد فأنه يكون معروفا مشهورا عالما، وإن جامعتها في ليلة الجمعة بعد العشاء الآخرة فإنه يرجى أن يكون الولد من الأبدال.(70/154)
يا علي لا تجامع أهلك في أول ساعة من الليل، فإنه إن قضي بينكما ولد لا يؤمن أن يكون ساحراً، يا علي احفظ وصيتي هذه كما حفظتها عن جبريل (ع). ونسي القمي أن يعلمنا بأي جماع يولد المعصوم. (سياحة في عالم التشيع..الحوزة العلمية..أسرار..خفايا للإمام محب الدين عباس الكاظمي).
قاذورات جنسية:-
1- الخميني يبيح التمتع بالبنت الرضيعة.يقول الخميني في كتابه(تحرير الوسيلة ص241 مسالة رقم 12."وأما سائر الاستمتاعات كاللمس بشهوة والضم والتفخيذ فلا بأس بها حتى في الرضيعة"!
2-الخميني يبيح وطء الزوجة في الدبر، يقول الخميني:"المشهور الأقوى جواز وطء الزوجة دبراً على كراهية شديدة"!(تحرير الوسيلة ص241 مسألة رقم 11).
3- اللبناني محمد فضل الله يبيح النظر إلى النساء وهن عاريات! يقول فضل الله في كتابه (النكاح ج1 ص66) "فلو أنّ النساء قد اعتادت الخروج بلباس البحر جاز النظر إليهن بهذا اللحاظ". إلى أن قال:"وفي ضوء ذلك قد يشمل الموضوع النظر إلى العورة عندما تكشفها صاحبتها، كما في نوادي العراة أو السابحات في البحر في بعض البلدان أو نحو ذلك".
4- أبو القاسم الخوئي يبيح لعب الرجل بعورة الرجل، والمرأة بعورة المرأة من باب المزاح! سؤال 784:هل يجوز لمس العورة من وراء الثياب من الرجل لعورة رجل آخر، ومن المرأة لعورة أخرى، لمجرد اللعب والمزاح، مع فرض عدم إثارة الشهوة؟ الخوئي: لا يحرم في الفرض، والله العالم. (صراط النجاة في أجوبة الاستفتاءات ج3، مسائل في الستر والنظر والعلاقات).
5- محمد الحكيم يجوّز إعطاء فيلم يحتوي على صور نساء محجبات في حالة تكشف لرجل غريب أجنبي عن النساء لتحميض الفلم ولكن لا يجوز النظر بشهوة! (حواريات فقهية لمحمد سعيد الحكيم- الطبعة الأولى ص324).(70/155)
6- الحكيم يجوّز تفكير الرجل في غير زوجته، ومن في ذلك التفكير بنساء الكفار بمعنى التخايل إذا صاحبه انتصاب لعضو الذكورة من دون إنزال للمني إذا لم ينته تفكير الرجل إلى محرم!
7– جواز التمتع بالبكر ولو من غير إذن وليها، ولو من غير شهود أيضا.
(شرائع الأحكام لنجم الدين الحلي2/186، تهذيب الأحكام 7/254).
8– جواز التمتع بالبنت الصغيرة التي لم تبلغ الحلم، وبحيث لا يقل عمرها عن عشر سنين. (الاستبصار للطوسي 3/145، الكافي في الفروع 5 /463 )
9– جواز اللواط بها بأن يتأتيها من دبرها.(الاستبصار للطوسي 3:243، تهذيب الأحكام 7/514 )
10–لا داعي لسؤال المرأة التي يتمتع بها إن كانت متزوجة أو كانت عاهرة.(الاستبصار للطوسي3/145، الكافي في الفروع 5/463
11 –الحد الأدنى للمتعة ممكن أن يكون مضاجعة واحدة فقط، ويسمون ذلك إعارة الفروج.(الاستبصار للطوسي3/151، الكافي في الفروع 5/460 )
كتبت مجلة الشراع الشيعية العدد 684 السنة الرابعة الصفحة الرابعة: أن الزعيم الشيعي رافسنجاني أشار إلى ربع مليون لقيط في إيران بسبب زواج المتعة!! وقد وُصفت مدينة مشهد الشيعية الإيرانية-حيث شاعت ممارسة المتعة-بأنها المدينة الأكثر انحلالا على الصعيد الأخلاقي في آسيا.
إعارة الفَرْجِ:
تتحقق إعارة الفرج بطريقين:
1-أن يعطي الرجل امرأته أو أَمَتَه إلى رجل آخر فيحل له أن يتمتع بها أو أن يصنع بها ما يريد، فإذا ما أراد رجل ما أن يسافر أودع امرأته عند جاره أو صديقه أو أي شخص كان يختاره، فيبيح له أن يصنع بها ما يشاء طيلة مدة سفره.(70/156)
2- إذا نزل أحد ضيفاً عند قوم وأرادوا إكرامه فإن صاحب الدار يعير امرأته للضيف طيلة مدة إقامته عندهم، فيحل له منها كل شيء..ويَرْوون في ذلك روايات كاذبة ينسبونها إلى الإمام جعفر الصادق، وإلى أبيه محمد الباقر. منها: ما روى الطوسي عن محمد عن أبي جعفر عليه السلام قال:قلت:"الرجل يُحِلُّ لأخيه فرج جاريته؟ قال:نعم لا بأس به له ما أحل له منها".(الاستبصار3/136). وما رواه الكليني والطوسي عن محمد بن مضارب قال:قال لي أبو عبد الله عليه السلام:"يا محمد خذ هذه الجارية تخدمك وتُصيبُ منها، فإذا خرجت فارددها إلينا".(الكافي، الفروع 2/ 200، الاستبصار3/136).
الخميني والمتعة:(70/157)
يروي السيد حسين الموسوي القصة التالية:"لما كان الإمام الخميني مقيماً في العراق كنا نتردد إليه، ونطلب منه العلم حتى صارت علاقتنا معه وثيقة جداً، وقد اتفق مرة أن وُجِّهَتْ إليه دعوة من مدينة ؟؟ وهي مدينة تقع غرب الموصل على مسيرة ساعة ونصف تقريباً بالسيارة، فطلبني للسفر معه، فسافرت معه، فاستقبلونا وأكرمونا غاية الكرم مدة بقائنا عند إحدى العوائل الشيعية المقيمة هناك..ولما انتهت مدة السفر رجعنا، وفي طريق عودتنا ومرورنا في بغداد أراد الإمام أن نرتاح من عناء السفر، فأمر بالتوجه إلى منطقة العطيفية، حيث يسكن هناك رجل إيراني الأصل يقال له سيد صاحب، كانت بينه وبين الإمام معرفة قوية. فرح سيد صاحب بمجيئنا، وكان وصولنا إليه عند الظهر، فصنع لنا غداء فاخراً، واتصل ببعض أقاربه فحضروا، وازدحم منزله احتفاء بنا، وطلب سيد صاحب إلينا المبيت عنده تلك الليلة، فوافق الإمام، ثم لما كان العَشاء أتونا بالعَشاء، وكان الحاضرون يُقَبِّلُونَ يد الإمام، ويسألونه، ويجيب عن أسألتهم، ولما حان وقت النوم وكان الحاضرون قد انصرفوا إلا أهل الدار، أبصر الإمام الخميني صبية بعمر أربع سنوات أو خمس ولكنها جميلة جداً، فطلب الإمام من أبيها سيد صاحب إحضارها للتمتع بها، فوافق أبوها بفرح بالغ، فبات الإمام الخميني والصبيةُ في حضنِه، ونحن نسمع بكاءَها وصريخَها !!(70/158)
المهم إنه أمضى تلك الليلة، فلما أصبح الصباح، وجلسنا لتناول الإفطار، نظر إليَّ فوجد علامات الإنكار واضحة في وجهي، إذ كيف يَتَمَتَّعُ بهذه الطفلة الصغيرة، وفي الدار شابات بالغات راشدات، كان بإمكانه التّمتع بإحداهن، فلمَ يفعل ؟!فقال لي: سيد حسين ما تقول في التمتع بالطفلة ؟ قلت له:سيد القول قولك، والصواب فعلُك وأنت إمام مجتهد، ولا يمكن لمثلي أن يرى، أو يقول إلاّ ما تراه أنت أو تقوله..فقال: سيد حسين، إنّ التّمتع بها جائز، ولكن بالمداعبة، والتقبيل والتفخيذ. أمّا الجماع فإنّها لا تقوى عليه".(لله ثم للتاريخ..كشف الأسرار وتَبْرِئَةُ الأئمةِ الأَطهار:السيد حسين الموسوي).
والخميني ممن يرى جواز التمتع حتى بالرضيعة، فقال:"لا بأس بالتمتع بالرضيعة ضَماً وتفخيذاً- أي يضع ذَكَرَهُ بين فخذيها- وتقبيلا".(انظر كتابه تحرير الوسيلة 2/ 241 مسألة رقم 12).
عقيدة البداء
البداء له معنيان:-
1- الظهور بعد الخفاء، كما في قوله تعالى:(وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ).الزمر:من الآية47.
2- نشأة رأي جديد لم يكن من قبل، كما في قوله تعالى:(ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) يوسف:35. (انظر:القاموس المحيط، مادة:بدو 4/302،الصحاح 6/2278،لسان العرب14/66).
والبداء بمعنييه السابقين يستلزم سبق الجهل وحدوث العلم وكلاهما محال على الله عز وجل فإن علمه تعالى أزلي وأبدي لقوله تعالى:(وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) الأنعام:59.(70/159)
قالت اليهود:"وكان كلام الرب إلى صموئيل: قائلا ندمت أني قد جعلت شادا ملك لأنه رجع من ورائي ولم يقم كلامي ندمت!! الله يقول ندمت".(سفر صموئيل الأول ص15). وقالت اليهود:"فحزن الرب أنه عمل الإنسان في الأرض وتأسف في قلبه فقال الرب أمحو عن وجه الأرض الإنسان الذي خلقته – الإنسان مع بهائم ودبابات وطيور السماء لأني حزنت أني عملتهم".(سفر التكوين ص 6).
البداء بمعنييه زعمته الشيعة وأطلقته في حق الله-تعالى عما يصفون-:فروى الكليني في الكافي عن أبي الحسن قال:"نعم يا أبا هاشم بدا لله في أبي محمد بعد أبي جعفر ما لم يكن يعرف له، كما بدا له في موسى بعد مضي إسماعيل ما كشف به عن حاله وهو كما حدثتك نفسك وإن كره المبطلون".(أصول الكافي1/327).
والبداء تعده الشيعة الإمامية من أصولها التي لا بد من الإيمان والإقرار بها. ذكر محمد بن يعقوب الكليني في كتابه "أصول الكافي" بابا كاملا في البداء وسماه (باب البداء) وأتى فيه بروايات كثيرة نذكر بعضها:"عن زرارة بن أعين:"ما عبد الله بشيء مثل البداء".(أصول الكافي 1/146، وانظر التوحيد لابن بابويه ص 332). وفي رواية ابن أبي عمير عن هشام ابن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام:"ما عظم الله عز وجل بمثل البداء".(أصول الكافي1/146، التوحيد لابن بابويه ص 333). وقالوا:"ولو علم الناس ما في القول بالبداء من الأجر ما فتروا من الكلام فيه".(أصول الكافي1/148، التوحيد لابن بابويه ص 334، وبحار الأنوار 4/108). ورووا:"وما بعث الله نبيًا قط إلا بتحريم الخمر وأن يقر لله بالبداء". (أصول الكافي1/148، التوحيد لابن بابويه ص334، بحار الأنوار 4/108).
والشيعة ذهبوا إلى أن البداء متحقق في الله عز وجل كما تدل عليه النصوص الآتية من مراجعهم الأساسية:(70/160)
- فعن مرازم بن حكيم قال:"سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول ما تنبأ نبي قط حتى يقر لله بخمس: بالبداء والمشيئة والسجود والعبودية والطاعة".
- وعن الريان بن الصلت قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول:ما بعث الله نبيا إلا بتحريم الخمر وأن يقر لله بالبداء".(أصول الكافي للكليني في كتاب التوحيد 331/1) ونقل الكليني أيضا:"بدا لله في أبي محمد بعد أبي جعفر ما لم يعرف له، كما بدا له في موسى بعد مضي إسماعيل ما كشف به عن حاله وهو كما حدثتك نفسك وإن كره المبطلون. وأبو محمد ابني الخلف من بعدي وعنده علم ما يحتاج إليه ومعه آلة الإمامة".(أصول الكافي ص40).
وقد كذبوا على الله في ذلك وعلى أئمتهم-يظنون في الله غير الحق ظن الجاهلية- يدعون أن الله كان يريد الإمامة لأبي جعفر ثم لما مات قبل أن يصبح إماما حينئذ بدا لله العلي القدير أن يكون الإمام أبو محمد ففعل، وذلك كما أنه قد كان يريد الله أن يجعل إسماعيل إماما ثم (والعياذ بالله) بدا لله الرأي الجديد فغير رأيه السابق فجعل موسى الكاظم إماما للناس، وهكذا يفترون على الله الكذب سبحانه إتباعا لأهوائهم فلهم الويل لما يصفون. ونسوا قاتلهم الله أنه ينتج من أكاذيبهم هذه نسبة الجهل إلى الله العليم الخبير الحكيم الجليل، وهو كفر بواح.
ونقل الكليني:عن أبي حمزة الثمالي قال:سمعت أبا جعفر عليه يقول: يا ثابت إن الله تبارك وتعالى وقت هذا الأمر في السبعين فلما أن قتل الحسين صلوات الله عليه اشتد غضب الله على أهل الأرض فأخره إلى أربعين ومائة فحدثناكم فأذعتم الحديث فكشفتم قناع الستر ولم يجعل الله له بعد ذلك وقتا عندنا (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) قال أبو حمزة: فحدثت بذلك أبا عبد الله عليه السلام فقال: قد كان ذلك (أصول الكافي ص232).(70/161)
والمراد (بهذا الأمر) في كلامه هو ظهور المهدي. ثم إن أقوالهم وادعاءاتهم هذه كلها ظاهرة البطلان فإنه يلزم من عقيدة البداء-نعوذ بالله-أن الله تعالى شأنه كان يجهل هذه الأشياء التي جاءت مؤخرا ثم لما حدثت وعلم بها الله غير سبحانه رأيه القديم وأنشأ رأيا جديدا حسب الظروف والأحوال الجديدة ونسبة الجهل إلى الله تعالى كفر صحيح كما مقرر في محلة.
وكذلك آمن بعقيدة البداء علماء الشيعة المعاصرون، وقد ضمنوها كتب العقيدة عندهم. (انظر محمد رضا المظفر:عقائد الإمامية ص69، الزنجاني:عقائد الإمامية الإثنى عشرية1/34). وألّف شيوخهم في شأنها مؤلفات مستقلة بلغت(25) مصنفًا.(انظر الذريعة إلى تصانيف الشيعة3 /53-57).
غرض الشيعة من اختلاق عقيدة البداء:
1- إنّ من عقيدة الشيعة أن أئمتهم يعلمون الغيب، ويعلمون ما كان وما سيكون، وأنهم لا يخفى عليهم شيء! فإذا أخبر أئمتهم بأمر مستقبل وجاء الأمر على خلاف ما قالوا، فإما أن يكذبوا بالأمر وهذا محال لوقوعه بين الناس، وإما أن يكذبوا أئمتهم وينسبوا الخطأ إليهم، وهذا ينسف عقيدتهم التي أصلوها فيهم من علمهم للغيب. فكان أن أحدثوا عقيدة البداء. فإذا وقع الأمر على خلاف ما قاله الإمام قالوا:بد لله كذا، أي أن الله قد غير أمره.
ولكن الشيعة الإمامية وقعت في شر أعمالها، فهي أرادت أن تنزه إمامها عن الخلف في الوعد وعن الكذب في الحديث، فاتهمت ربها من حيث تشعر أو لا تشعر بالجهل! فقد جاء في البحار عن أبي حمزة الثمالي قال: قال أبو جعفر وأبو عبد الله عليهما السلام:"يا أبا حمزة إن حدثناك عن بأمر أنه يجيء من هاهنا فجاء من هاهنا، فإن الله يصنع ما يشاء، وإن حدثناك اليوم بحديث وحدثناك غداً بخلافه فإن الله يمحو ما يشاء ويثبت".(بحار الأنوار4/119، وتفسير العياشي 2/217)(70/162)
2- ولقد كان بعض شيوخ الشيعة الإمامية يمنّون شيعتهم بأن الأمر سيعود إليهم والغلبة ستكون لهم ولدولتهم بعد سبعين سنة، ولما انقضت تلك المدة ولما يتحقق من ذلك شيء، لجاءوا إلى البداء وقالوا قد بدا لله سبحانه!(انظر تفسير العياشي 2/218، والغيبة للطوسي ص 263).
ولمّا رأت الشيعة الإمامية ممثلة في مشايخها أن هذه العقيدة قد تجلب الشناعة على مذهبهم، نسجوا روايات أخرى تحدث أن البداء قد منع الأئمة من التحديث بما سيكون من الأمور المستقبلة. فهاهم يزعمون أن علي بن الحسين يقول:"لولا البداء لحدثتكم بما يكون إلى يوم القيامة".(تفسير العياشي2/215، وبحار الأنوار4/118). إذا المانع للأئمة من التحديث بأخبار الغيب هو خوفهم من أن يبدوا لله أمراً آخر بخلاف ما حدثوا به! وهذا كله مهرب من التحديث بأمر لا يعلمه إلا الله، وهو علم الغيب الذي أخبر الله في مواضع كثيرة من كتابه أن الغيب لا يعلمه إلا هو.
ولفساد عقيدة البداء وكونها جلبت عليهم التشنيع ذهب بعض مشايخ الشيعة إلى إيهام الناس بأن البداء كالنسخ الذي أخبر الله عنه في كتابه أو أنه هو. فابن بابويه فسّر البداء بالنسخ، فقال :"أو يأمر بأمر ثم ينهى عن مثله، أو ينهى عن شيء ثم يأمر بمثل ما نهى عنه، وذلك مثل نسخ الشرايع، وتحويل القبلة، وعدة المتوفى عنها زوجها"(التوحيد ص335).(70/163)
وليس الأمر كذلك، فالنسخ ليس هو ظهور أمر جديد لله تعالى، بل الله عالم بالأمر المنسوخ والأمر الناسخ، ولكن الله يأمر بأمر في وقت من الأوقات يناسب الحال وقت ذاك، ثم ينسخه بأمر معلوم عنده أزلاً.وأمّا البداء فهو أن الله يظهر له أمر جديد لم يكن يعلمه في السابق، وبين النسخ والبداء من الفرق كما بين السماء والأرض. وقد نقض علماء أهل السنة الشيعة لعدم التفريق بين النسخ والبداء وقاموا بالرد على أوهام الرافضة واليهود في عدم التفريق بينهما.(انظر: الناسخ والمنسوخ لأبي جعفر النحاس ص44، المعتمد في أصول الفقه لأبي الحسين البصري1/368-369، الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه لمكي القيسي ص98-99، الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم4/68-69، الآمدي:الإحكام في أصول الأحكام3/109-112، دراسات الأحكام والنسخ في القرآن:محمد حمزة ص59).
وقد حاول بعض علماء الشيعة في الاعتذار عن ضلال أئمتهم القائلين بالبداء. وأخذوا يتأولون هذا المعتقد، ومن هؤلاء شيخ الطائفة الطوسي الذي قال:"قوله:بدا لله فيه معناه بدا من الله فيه، وهكذا القول في جميع ما يروي من أنه بدا لله في إسماعيل معناه أنه بدا من الله، فإن الناس كانوا يظنون في إسماعيل بن جعفر أنه الإمام بعد أبيه، فلما مات علموا بطلان ذلك".(الغيبة للطوسي ص55(، وأحد مراجع الشيعة المعاصرين وهو محمد حسين آل كاشف الغطا فقال:"البداء وإن كان في جوهر معناه هو ظهور الشيء بعد خفائه، ولكن ليس المراد به هنا ظهور الشيء لله جل شأنه وأي ذي حريجة ومسكة يقول بهذه المضلة، بل المراد ظهور الشيء من الله لمن يشاء من خلقه بعد إخفائه عنهم، وقولنا:(بدا لله) أي بدا حكم الله أو شأن الله".(الدين والإسلام ص173((70/164)
ولكن المطلع على رواياتهم لا يرى أنها تتفق مع هذا التأويل، إذ تدل على نسبة البداء إلى الله لا إلى الخلق، ولذلك اعتذر أئمتهم عن الإخبار بالمغيبات خشية البداء..ونسبوا إلى نبي الله لوط أنّه كان يستحثّ الملائكة لإنزال العقوبة بقومه خشية أن يبدو لله، ويقول:"تأخذونهم الساعة فإني أخاف أن يبدو لربي فيهم. فقالوا:يا لوط إنّ موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب".(فروع الكافي 5/546). فهل مثل هذا الكفر الشنيع يقبل التأويل؟!.وأيضاً جاء في الكافي:"عن أبي هاشم الجعفري قال: كنت عند أبي الحسن عليه السلام بعد مضي ابنه أبو جعفر وإني لأفكر في نفسي أريد أن أقول كأنّهما أعني:أبا جعفر وأبا محمد في هذا الوقت كابي الحسن موسى وإسماعيل ابني جعفر بن محمد عليهم السلام، وإن قصتهما كقصتهما، إذ كان أبو محمد المرجي بعد أبي جعفر عليه السلام، فأقبل علي أبو الحسن قبل أن أنطق فقال:نعم يا أبا هاشم بدا لله في أبي محمد بعد أبي جعفر عليه السلام ما لم يكن يعرف له، كما بدا له في موسى بعد مضي إسماعيل ما كشف به عن حاله وهو كما حدثتك نفسك، وإن كره المبطلون".(أصول الكافي1/327).
عقيدة الطينة
وملخص هذه العقيدة كما ذكرها الشيخ القفاري:"أن الشيعي خلق من طينة خاصة والسني خلق من طينة أخرى، وجرى المزج بين الطينتين بوجه معين، فما في الشيعي من معاصي وجرائم هو من تأثره بطينة السني، وما في السني من صلاح وأمانة هو بسبب تأثره بطينة الشيعي، فإذا كان يوم القيامة فإنّ سيئات وموبقات الشيعة توضع على أهل السنة، وحسنات أهل السنة تعطى للشيعة".(أصول مذهب الشيعة الإمامية 2/956).(70/165)
وهذه العقيدة مذكورة في أهم كتب الشيعة، فقد بوب الكليني في كافيه بقوله:باب طينة المؤمن وطينة الكافر. وأدرج تحته سبعة أحاديث (انظر أصول الكافي 2/2-6). وعقد المجلسي في بحار الأنوار باباً وعنونه بباب الطينة والميثاق. وأدرج تحته سبعة وستين حديثاً.(بحار الأنوار 5/225-276).
عن أبي عبد الله أن رسول الله قال:"إن الله مثل لي أمتي في الطين وعلمني أسماءهم كما علم آدم الأسماء كلها فمر بي أصحاب الرايات فاستغفرت لعلي وشيعته. إن ربي وعدني في شيعة علي خصلة. قيل: يا رسول الله: وما هي؟ قال: المغفرة لمن آمن منهم وأن لا يغادر منهم صغيرة ولا كبيرة ولهم تبدل السيئات حسنات"(الكافي 1/368 كتاب الحجة. باب مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ووفاته).
عن أبي جعفر قال:"إن الله أخذ ميثاق شيعتنا بالولاية لنا وهم ذر يوم أخذ الميثاق على الذر بالإقرار له بالربوبية ولمحمد صلى الله عليه وآله وسلم بالنبوة وعرض الله على محمد صلى الله عليه وآله وسلم أمته في الطين وهم أظلة. وخلقهم من الطينة التي خلق منها آدم. وخلق الله أرواح شيعتنا قبل أبدانهم بألفي عام. وعرضهم عليه وعرّفهم رسولَ صلى الله عليه وآله وسلم وعرّفهم عليا" (الكافي 1/363 كتاب الحجة. باب فيه نتف وجوامع من الرواية في الولاية).
وعن أبي عبد الله قال:"الطينات ثلاث: طينة أنبياء والمؤمن من تلك الطينة إلا أن الأنبياء هم من صفوتها، هم الأصل ولهم فضلهم والمؤمنون الفرع من طيب لازب...طينة الناصب من حمإٍ مسنون"(الكافي 2/2 كتاب الإيمان والكفر باب طينة المؤمن والكافر).(70/166)
وعن أبي عبد الله قال:"فأمر الله عز وجل كلمته فأمسك القبضة الأولى بيمينه والأخرى بشماله، ففلق الطين فلقتين فذرا من الأرض ذرواً ومن السماء ذرواً فقال للذي بيمينه: منك الرسل والأوصياء والصديقون والمؤمنون والسعداء ومن أريد كرامته، فوجب لهم ما قال كما قال، وقال للذي بشماله: منك الجبارون والمشركون والكافرون والطواغيت ومن هوانه وشقوته، فوجب لهم ما قال كما قال، ثم إن الطينتين خلطتا جميعاً "(إن الله فالق الحب والنوى) (الكافي2/4 كتاب الإيمان والكفر باب طينة المؤمن والكافر).
ولم يوافق على هذه العقيدة بعض عقلاء الشيعة المتقدمين، وأنكروها وقالوا ما وجد في كتب الشيعة من أخبارها، إنما هي أخبار آحاد تخالف الكتاب والسنة والإجماع فيجب ردّها.(انظر الأنوار النعمانية 1/293). ولكن شيخهم نعمة الله الجزائري أبى ذلك وقال بأن النصوص قد استفاضت واشتهرت، ولم يبقى مجال لإنكارها والحكم عليها بأنها أخبار آحاد.(انظر الأنوار النعمانية1/293).
ومن عقائدهم في الطينة:أكل تراب كربلاء شفاء من كل داء:فعن أبي الحسن قال:"كُلُّ طِينٍ حَرَامٌ مِثْلُ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ، إلا طِينَ قَبْرِ الْحُسَيْنِ فَإِنَّ فِيهِ شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ وَلَكِنْ لا يُكْثَرُ مِنْهُ، وَفِيهِ أَمَانٌ مِنْ كُلِّ خَوْفٍ".(أصول الكافي3/378). وجاء في مفاتيح الجنان"لا يجوز مطلقا على المشهور بين العلماء أكل شيء من التراب أو الطين إلا تربة الحسين المقدسة استشفاء من دون قصد الالتذاذ بها بقدر الحمصة. والأحوط أن لا يزيد قدرها على العدسة، ويحسن أن يضع التربة في فمه ثم يشرب جرعة من الماء، ويقول:اللهم اجعله رزقا واسعا، وعلما نافعا، وشفاء من كل داء وسقم".(مفاتيح الجنان547).
خرافات شيعية:(70/167)
* ما يورث البرص:عَنْ أَبِى عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَقُولُ ألا لا يَسْتَلْقِيَنَّ أَحَدُكُمْ في الْحَمَّامِ فَإِنَّهُ يُذِيبُ شَحْمَ الْكُلْيَتَيْنِ وَلا يَدْلُكَنَّ رِجْلَيْهِ بِالْخَزَفِ فَإِنَّهُ يُورِثُ الْجُذَامَ (الكافي6/500). وعَنْ أَبِى عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ الأَكْلُ عَلَى الشِّبَعِ يُورِثُ الْبَرَصَ (الكافي6/269).
* الاغتسال بإناء من فخار مصر يجعلك ديوثا: عَنْ أَبِى الْحَسَنِ الرِّضَا قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ وَذَكَرَ مِصْرَ فَقَالَ قَالَ النبي ص لَا تَأْكُلُوا في فَخَّارِهَا وَلَا تَغْسِلُوا رُءُوسَكُمْ بِطِينِهَا فَإِنَّهُ يَذْهَبُ بِالْغَيْرَةِ وَيُورِثُ الدِّيَاثَةَ".(الكافي6/386،501).
* لزوم الحمام يورث السل: عن أبي الحسن الرضا قال:"وَإِيَّاكَ أَنْ تُدْمِنَهُ فَإِنَّ إِدْمَانَهُ يُورِثُ السِّلَّ".(الكافي6/497).
* استعمال السواك في الحمام يورث مرض الأسنان: وَيُكْرَهُ السِّوَاكُ في الْحَمَّامِ لِأَنَّهُ يُورِثُ وَبَاءَ الْأَسْنَانِ (من لا يحضره الفقيه1/53).
* بول الأئمة وغائطهم سبب دخول الجنة: ليس في بول الأئمة وغائطهم استخباث ولا نتن ولا قذارة بل هما كالمسك الأذفر، بل من شرب بولهم وغائطهم ودمهم يحرم الله عليه النار واستوجب دخول الجنة".(أنوار الولاية لآية الله الآخوند ملا زين العابدين الكلبايكاني 1409هـ، ص 440).
* أكل الجزر يسخن الكليتين ويقيم الذكر:حكا الكيني عن أبي عبد الله (الكافي6/372) يسخن الكليتين ويقيم الذكر ويعين على الجماع.
* أكل البطيخ يورث الفالج:عَنِ الرِّضَا ع قَالَ الْبِطِّيخُ عَلَى الرِّيقِ يُورِثُ الْفَالِجَ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْهُ".(الكافي6/361).
*شرب الماء من الليل يورث الماء الأصفر:عن أبي عبد الله قال:"وشرب الماء من قيام بالليل يورث الماء الأصفر".(الكافي6/383).(70/168)
*الكلام أثناء الجماع يورث الخرس: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ:قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع اتَّقُوا الْكَلَامَ عِنْدَ مُلْتَقَى الْخِتَانَيْنِ فَإِنَّهُ يُورِثُ الْخَرَسَ".(الكافي5/498).
*النظر إلى فرج المرأة يورث العمى:وكَرِهَ النَّظَرَ إِلَى فُرُوجِ النِّسَاءِ وَقَالَ يُورِثُ الْعَمَى، وَكَرِهَ الْكَلَامَ عِنْدَ الْجِمَاعِ وَقَالَ يُورِثُ الْخَرَسَ".(من لا يحضره الفقيه3/556).
*كلوا السداب لتخرج عقولكم من السرداب:رووا عن أبي الحسن أنه قال:"كلوا السداب فإنه يزيد في العقل".(الكافي6/367).
* رمضان اسم من أسماء الله الحسنى: قالوا:إنّ رمضان اسم من أسماء الله الحسنى (الكافي 4/69، من لا يحضره الفقيه 2/172، وسائل الشيعة 7/269، 10/319-320 مستدرك الوسائل7/438).
* آهـ من أسماء الله:عن أبي عبد الله أنه كان يقول:"آه اسم من أسماء الله الحسنى. فمن قال آه:فقد استغاث بالله".(مستدرك الوسائل2/148).
*أسماء عجيبة للملائكة:يزعم الشيعة وجود ملك من الملائكة اسمه فطرس!!! عصى الله ثم بعد تفاصيل وأكاذيب كثيرة انتهى حاله إلى قبول توبته بعدما ذهب إلى قبر الحسين وتمرّغ به.
وهناك ملك آخر اسمه صرصائيل مكتوب على كتفه: تزويج النور من النور (أي علي بفاطمة). وعن زين العابدين قال إنّ لله ملكاً يقال له خرقائيل له ثمانية عشر ألف جناح، ما بين الجناح إلى الجناح خمسمائة عام".(البرهان 2/327). وهناك ملك آخر اسمه منصور لا يزال يزور قبر الحسين.(الكافي 4/583). وعن علي بن الحسين الملقب بزين العابدين أنه قال إن لله ملكاً يقال له خرقائيل له ثمانية عشر ألف جناح، ما بين الجناح إلى الجناح خمسمائة عام".(البرهان 2/327).(70/169)
وروى الجزائري عن البرسي قوله:"أن جبرائيل جاء إلى رسول الله فقال: يا رسول الله إن علياً لما رفع السيف ليضرب به مرحباً، أمر الله سبحانه إسرافيل وميكائيل أن يقبضا عضده في الهواء حتى لا يضرب بكل قوته، ومع هذا قسمه نصفين وكذا ما عليه من الحديد وكذا فرسه ووصل السيف إلى طبقات الأرض، فقال لي الله سبحانه يا جبرائيل بادر إلى تحت الأرض، وامنع سيف علي عن الوصول إلى ثور الأرض حتى لا تقلب الأرض، فمضيت فأمسكته، فكان على جناحي أثقل من مدائن قوم لوط، وهي سبع مدائن، قلعتها من الأرض السابعة، ورفعتها فوق ريشة واحدة من جناحي إلى قرب السماء، وبقيت منتظراً الأمر إلى وقت السحر حتى أمرني الله بقلبها، فما وجدت لها ثقلاً كثقل سيف علي...وفي ذلك اليوم أيضاً لما فتح الحصن وأسروا نسائهم كانت فيهم صفية بنت ملك الحصن فأتت النبي وفي وجهها أثر شجة، فسألها النبي عنها، فقالت أن علياً لما أتى الحصن وتعسر عليه أخذه، أتى إلى برج من بروجه، فنهزه فاهتز الحصن كله وكل من كان فوق مرتفع سقط منه، وأنا كنت جالسة فوق سريري فهويت من عليه فأصابني السرير، فقال لها النبي يا صفية إن علياً لما غضب وهز الحصن غضب الله لغضب علي فزلزل السماوات كلها حتى خافت الملائكة ووقعوا على وجوههم، وكفى به شجاعة ربانية، وأما باب خيبر فقد كان أربعون رجلاً يتعاونون على سده وقت الليل ولما دخل (علي) الحصن طار ترسه من يده من كثرة الضرب، فقلع الباب وكان في يده بمنزلة الترس يتقاتل فهو في يده حتى فتح الله عليه".(الأنوار النعمانية:نعمة الله الجزائري).(70/170)
* فساء وضراط الأئمة كريح المسك: قال أبو جعفر:"للإمام عشر علامات: يولد مطهرا مختوناً وإذا وقع على الأرض وقع على راحته رافعا صوته بالشهادتين ولا يجنب، وتنام عينه ولا ينام قلبه، ولا يتثاءب ولا يتمطى ويرى من خلفه كما يرى من أمامه، ونجوه (فساؤه وضراطه وغائطه) كريح المسك (الكافي 1/319 كتاب الحجة – باب مواليد الأئمة).
* يجوز النظر فرج المرآة: أجازوا النظر إلى فرج الخنثى للتأكد أيهما أسبق من أجل الميراث. فقالوا: ينظر إلى المرآة فيرى شبحا". يعني يرون شبح الفرج وليس الفرج نفسه".(الكافي7/158، وسائل الشيعة 26/290، بحار الأنوار60/388).
* خرافات أخرى: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال المحقق:أو نهى أمير المؤمنين-عن أكل لحم الفحل وقت اغتلامه". فصار من شروط ذبح الفحل وأكله أن لا يكون متورطا في الشهوة مع أنثاه.(الكافي 6/261). وروى ابن بابويه القمي عن أبي عبد الله أنه قال:"أربعة لا يشبعن من أربعة، الأرض من المطر، والعين من النظر، والأنثى من الذكر" (كتاب الخصال 1/221). وروى ابن بابويه أيضا عن أبي عبد الله أنه رأى رجلا وعليه نعل سوداء، فقال: مالك ولبس نعل سوداء؟ أما علمت أن فيها ثلاث خصال؟ قلت:وما هي جعلت فداك؟ قال:تضعف البصر وترخي الذكر، وتورث الهم، وهي مع ذلك لباس الجبارين، عليك بلبس نعل صفراء، فيها ثلاث خصال، قال:قلت:وما هي؟ قال:تحد البصر وتشد الذكر وتنفي الهم".(كتاب الخصال لابن بابويه القمي، باب الثلاثة 1/99).
* الطائر الخارج من المنخر:عن أبي عبد الله قال "من عطس ثم وضع يده على قصبة أنفه ثم قال: الحمد لله رب العالمين الحمد لله حمدا كثيرا كما هو أهله وصلى الله على محمد النبي الأمي وآله وسلم: خرج من منخره الأيسر طائر أصغر من الجراد وأكبر من الذباب حتى يسير تحت العرش يستغفر الله له إلى يوم القيامة" (الكافي 2/481).(70/171)
* الله يوكل الشياطين بحماية قارئ آية الكرسي:عن أبي عبد الله قال:"من قرأ عند منامه آية الكرسي ثلاث مرات والآية التي في آل عمران (شهد الله أنه لا اله إلا هو والملائكة) وآية السخرة وآية السجدة وُكِّل به شيطانان يحميانه من مردة الشياطين".(الكافي 2/392 كتاب الدعاء باب الدعاء عند النوم والانتباه).
* مرويات الحمار عفير:عن أمير المؤمنين علي أنه قال:"إن أول شيء من الدواب توفي عفير-حمار رسول الله- توفي ساعة قبضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قطع خطامه ثم مر يركض حتى أتى بئر بني خطمة بقباء فرمى بنفسه فيها فكانت قبره. قال: إنّ ذلك الحمار كلّم رسول الله فقال: بأبي أنت وأمي، إنّ أبي حدثني عن أبيه عن جده عن أبيه أنّه كان مع نوح في السفينة فقام إليه نوح فمسح على كفله ثمّ قال:يخرج من صُلب هذا الحمار يركبه سيد النبيين وخاتمهم. قال عفير:فالحمد لله الذي جعلني ذلك الحمار".(الكافي1/184 كتاب الحجة:باب ما عند الأئمة من سلاح رسول الله).
*علي رضي الله عنه يضرب نهر الفرات بقضيب: يقول زين الدين البياضي في صراطه المستقيم (1/20،107، ط الأولى المطبعة الحيدرية نشر المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية). و"لما رجع –علي- من صفين كلّم الفرات فاضطربت وسمع الناس صوتها بالشهادتين والإقرار له بالخلافة وفي رواية عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام أنه ضربها بقضيب فانفجرت وسلمت عليه حيتانها وأقرت له بأنه الحجة".(70/172)
* أكل تراب كربلاء شفاء من كل داء:عن أبي الحسن قال:"كُلُّ طِينٍ حَرَامٌ مِثْلُ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ، إلا طِينَ قَبْرِ الْحُسَيْنِ فَإِنَّ فِيهِ شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ وَلَكِنْ لا يُكْثَرُ مِنْهُ، وَفِيهِ أَمَانٌ مِنْ كُلِّ خَوْفٍ".(الكافي3/378). وجاء في مفاتيح الجنان:"لا يجوز مطلقا على المشهور بين العلماء أكل شيء من التراب أو الطين إلا تربة الحسين المقدسة استشفاء من دون قصد الالتذاذ بها بقدر الحمصة. والأحوط أن لا يزيد قدرها على العدسة، ويحسن أن يضع التربة في فمه ثم يشرب جرعة من الماء ويقول: اللهم اجعله رزقا واسعا وعلما نافعا وشفاء من كل داء وسقم".(مفاتيح الجنان547).
* ذهاب وجع العين: التوسل بالإمام موسى عليه السلام ينفع لوجع العين.(الباقيات الصالحات745 ملحق بمفاتيح الجنان).
* أسماء الأيام أسماء الرسول وأهل البيت:"السبت اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم والأحد أمير المؤمنين عليه السلام.(مع أنهم صرحوا بأن اسم الأحد اسم من أسماء الله تعالى.(وسائل الشيعة11/350). والإثنىن الحسن والحسين عليهما السلام والثلاثاء علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد عليهم السلام، والأربعاء موسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وأنا، والخميس ابني الحسين عليه السلام والجمعة ابن ابني وإليه تجتمع عصابة الحق".(مفاتيح الجنان86).
* أكل الجبن عند أول كل شهر يقضي الحوائج: روي أن من يعتد أكل الجبن رأس الشهر أوشك أن لا تُردّ له حاجة.(مفاتيح الجنان366).
* السؤال: 1331 ما روي حول يوم النيروز وفضله وأعماله هل يمكن التعويل عليه وهل يجوز الإتيان بتلك الصلوات وغيرها بقصد الورود؟ الجواب:لا بأس بالإتيان بالأعمال المذكورة رجاء، والله العالم.(انظر كتاب صراط النجاة: ولاء الخوئي 2 /426).
شرك مناقض للتوحيد في كتاب الكافي للكليني ثقة الشيعة:(70/173)
عن أبي عبد الله قال:عند الإصابة بالوجع "قل وأنت ساجد: يا الله يا رحمن يا رحيم: يا رب الأرباب وإله الآلهة".(الكافي 2/412 باب الدعاء للعلل والأمراض).
وعن أبي عبد الله كان يدعو:"أعوذ برسول الله صلى الله عليه وسلم من شر ما خلق وبرأ وذرأ".(الكافي 2/391 كتاب الدعاء باب الدعاء عند النوم والانتباه). وعن بعض من رواه قال "قل في آخر سجودك: يا جبرئيل يا محمد يا جبرئيل يا محمد. (تكرر ذلك) إكفياني ما أنا فيه. فإنكما كافيان. واحفظاني بإذن الله فأنتما حافظان" (الكافي 2/406 كتاب الدعاء باب الدعاء للكرب والهم والحزن والخوف).وعن أبي جعفر قال: وإذا اشتكى الإنسان فليقل: بسم الله وبالله وبمحمد رسول الله" (الكافي 2/412 باب الدعاء للعلل والأمراض).
وعن يحيى بن أكثم قاضي سامراء قال:"بينما أنا ذات يوم دخلت أطوف بقبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم". قال المحقق تعليقا على هذا القول: هذا الحديث يدل على جواز الطواف حول قبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم".(الكافي 1/287 كتاب الحجة: باب ما يفصل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر الإمامة).
عن أبي عبد الله قال:"ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك-يعني إن أشركت في الولاية غيره-بل الله فاعبد وكن من الشاكرين-يعني بل الله فاعبد بالطاعة وكن من الشاكرين أن عضدتك بأخيك وابن عمك"(الكافي 1/353 كتاب الحجة. باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية).
عن الأصبغ بن نباتة أنه سأل أمير المؤمنين عن قوله تعالى ] أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير".قال:الوالدان اللذان أوجب الله لهما الشكر. هما اللذان ولدا العلم-وإن جاهداك على أن تشرك بي- يقول في الوصية: وتعدل عمن أمرت بطاعته فلا تطعهما ولا تسمع قولهما"(الكافي 1/354 كتاب الحجة. باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية).(70/174)
وعن أبي عبد الله-ذلك بأنه إذا دعي الله وحده وأهل الولاية كفرتم-(الكافي 1/349 كتاب الحجة. باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية). وعن أبي الحسن عليه السلام قال:وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا"قال:هم الأوصياء"(الكافي 1/352 كتاب الحجة. باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية).
وهكذا تحول موضوع إفراده بالدعاء إلى إفراد علي بالإمامة. وانتقل الضمير من العود على الله إلى علي. وأصبح معنى فلا تدعو مع الله أحدا أي لا تدعو مع علي إماما آخر.
شركيات آية الله الخميني
1- اعتقاده تأثير الكواكب والأيام على حركة الإنسان:
تعشعش أوهام الشرك والمشركين في فكر الخميني، فهو يزعم أنّ هناك أياماً منحوسة من كل شهر يجب أن يتوقف الشيعي فيها عن كل عمل، وأن لانتقال القمر إلى بعض الأبراج تأثيراً سلبياً على عمل الإنسان، فليتوقف الشيعي عن القيام بمشروع معين حتى يتجاوز القمر ذلك البرج المعين. جاء في تحرير الوسيلة؛ حيث يقول: "يكره إيقاعه (يعني الزواج) والقمر في برج العقرب، وفي محاق الشهر، وفي أحد الأيام المنحوسة في كل شهر وهي سبعة: يوم 3، ويوم 5، ويوم 13، ويوم16، ويوم 21، ويوم 24، ويوم 25 (وذلك من كل شهر)" (تحرير الوسيلة: 2/238.).
ولاشك بأن من واعتقاد تأثير والكواكب في جلب سعادة، أو إحداث ضرر أو منعه هو اعتقاد الصابئة في الكواكب. ويصدق فيه ومن تبعه قول الدهلوي صاحب التحفة الإثنى عشرية: "إن الصابئين كانوا يحترزون عن أيام يكون القمر بها في العقرب، أو الطرف، أو المحاق، وكذلك الرافضة.. وكانت الصابئة يعتقدون أن جميع الكواكب فاعلة مختارة، وأنها هي المدبر للعالم السفلي، وكذلك الرافضة" (مختصر التحفة: الألوسي ص299، وراجع:كتاب التوحيد مع شرحه فتح المجيد، باب ما جاء في التنجيم ص365).
2- القول بالحلول والاتحاد:(70/175)
وتتمثل صورة التصوف عنده في أوضح مظاهرها في كتابه "مصباح الهداية إلى الخلافة والولاية" وكتابه "سر الصلاة".. وفيما يلي بيان لاعتقاده الاتحادي:
أ- قوله بالحلول الخاص:
يقول عن أمير المؤمنين علي: "خليفته-يعني خليفة الرسول صلى الله عليه وسلم- القائم مقامه في الملك والملكوت، المتحد بحقيقته في حضرت الجبروت واللاهوت، أصل شجرة طوبى، وحقيقة سدرة المنتهى، الرفيق الأعلى في مقام أو أدنى، معلم الروحانيين، ومؤيد الأنبياء والمرسلين علي أمير المؤمنين" (مصباح الهداية: ص1).وقوله: "المتحد باللاهوت" كقول النصارى باتحاد اللاهوت بالناسوت، كقول غلاة الشيعة الذين زعموا أن الله حلّ في علي (انظر مقالات الإسلاميين: 1/83-86، وأشار الملل والنحل:الشهرستاني 1/175).
ومن منطلق دعوى حلول الرب بعلي ينسب الخميني لأمير المؤمنين علي أنه يقول:"كنت من الأنبياء باطنياً، ومع رسول الله ظاهراً".(مصباح الهداية: ص142).ويعلق عليه فيقول:"فإنه عليه السلام صاحب الولاية المطلقة الكلية والولاية باطن الخلافة.. فهو عليه السلام بمقام ولايته الكلية قائم على كل نفس بما كسبت، ومع كل الأشياء معيّة قيّومية ظليّة إلهية ظل المعية القيومية الحقة الإلهية، إلا أن الولاية لما كانت في الأنبياء أكثر خصهم بالذكر" (مصباح الهداية: ص142). وقال في قوله عز وجل:(يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) الرعد 2. قال:"أي ربكم الذي هو الإمام".(مصباح الهداية: ص145).
ب- قوله بالحلول والإتحاد الكلي:
وتجاوز الخميني مرحلة القول بالحلول الجزئي، أو الحلول الخاص بعليّ إلى القول بالحلول العام.. فهو يقول - بعد أن تحدث عن التوحيد ومقاماته حسب تصوره -: "النتيجة لكل المقامات والتوحيدات عدم رؤية فعل وصفة حتى من الله تعالى، ونفى الكثرة بالكلية، وشهود الوحدة الصرفة.." (مصباح الهداية ص134).(70/176)
ويبدو أن قوله: "عدم رؤية فعل وصفة حتى من الله تعالى" للتأكيد على مذهب الاتحادية، لأن رؤية فعل متميز، وإثبات صفة معنية لله يعني إثبات الغيرية والتثنية وهذا شرك عندهم.
ثم ينقل عن أحد أئمته أنه قال: "لنا مع الله حالات هو هو ونحن نحن، وهو نحن، ونحن هو"(مصباح الهداية ص114). ثم يعلق على ذلك بقوله:"وكلمات أهل المعرفة خصوصاً الشيخ الكبير محي الدين مشحونة بأمثال ذلك مثل قوله: الحق خلق، والخلق حق، والحق حق، والخلق خلق".
وقال في نصوصه:"إن الحق المنزه هو الحق المشبه" (في الأصل المنقول عنه "المشيئة" وهو تصحيف واضح).. ثم نقل جملة من كلمات ابن عربي (مصباح الهداية ص114).. وقال: "لا ظهور ولا وجود إلا له تبارك وتعالى والعالم خيال في خيال عند الأحرار" (مصباح الهداية: ص123.).
وقال:"وإذا نظف دار التحقق من غبار الكثرة، وطوى الحجب النورانية والظلمانية ونال مقام التوحيد الذاتي، والفناء الكلي تحصل له الاستعاذة الحقيقية..".
ثم قال: وقوله:(ِيَّاكَ نَعْبُدُ) رجوع العبد إلى الحق بالفناء الكلي المطلق" (سر الصلاة ص178).وتراه كثيراً ما يستدل على مذهبه في وحدة الوجوع بقول ابن عربي والذي يصفه بالشيخ الكبير (انظر مثلاً ص84، 94، 112 من مصباح الهداية)، والقونوي، ويصفه بـ"خليفة الشيخ الكبير محيي الدين" (انظر ص110 من مصباح الهداية).
3- دعوى النبوة:(70/177)
أفرزت شركيات الخميني، وخيالاته الفلسفية دعوى غريبة، وما هي إلا كفر صريح، حيث رسم للسالك الصوفي أسفاراً أربعة: ينتهي السفر الأول إلى مقام الفناء "وفيه السر الخفيّ والأخفى..ويصدر عنه الشطح، فيحكم بكفره، فإن تداركته العناية الإلهية..فيقر بالعبودية بعد الظهور بالربوبية". وينتهي السفر الثاني عنده إلى أن "تصير ولايته تامة، وتفنى ذاته وصفاته وأفعاله في ذات الحق".(مصباح الهداية: ص148-149). أمّا في السفر الثالث فإنه "يحصل له الصحو التام ويبقى بإبقاء الله، ويسافر في عوالم الجبروت والملكوت والناسوت، ويحصل له حظ من النبوة، وليست له نبوة التشريع، وحينئذ ينتهي السفر الثالث ويأخذ في السفر الرابع". وبالسفر الرابع:"يكون نبياً بنبوة التشريع" (مصباح الهداية ص149).
فمراحل السفر عند الخميني:الفناء، والولاية وفيها الفناء عن الفناء، والنبوة بلا تشريع، ثم النبوة الكاملة، وهي تتضمن أن النبوة مكتسبة عن طريق "رياضات" ومجاهدات أهل التصوف. وهي دعوى ترتد إلى أصول فلسفية صوفية قديمة، ولذا قال القاضي عياض:"ونكفر...من ادعى النبوة لنفسه، أو جوّز اكتسابها، والبلوغ بصفاء القلب إلى مرتبتها كالفلاسفة وغلاة الصوفية" (الشفاء:القاضي عياض 2/1070-1071.).
فهذه المقالة كفر صريح، كفر بالنبوة وبالأنبياء، وخروج عن دين الإسلام، ويبدو أنه يدعي لنفسه سلوك هذه "المقامات"..وقد ذكر في كتابه الحكومة الإسلامية:"أن الفقيه الرافضي بمنزلة موسى وعيسى"(الحكومة الإسلامية ص95).(70/178)
وقد ذكرنا عن الشيعة معتقدهم أنّ مقام الإمامة عندهم أعلى من مقام النبوة، مع العلم إن الخميني لا يدعى في إيران إلا "بالإمام" أي بالوصف الذي فوق وصف النبوة عندهم. وقد قال كل من مرتضى كتبي-أستاذ العلوم الاجتماعية في جامعة طهران-وجان ليون فاندورن، الصحافي فرنسي-:"بالنسبة للغالبية العظمى من الشعب الإيراني لم يعد روح الله الخميني آية الله، إنما الإمام، وهو لقب نادرًا ما أعطي في تاريخ الشيعة" (المجتمع والدين عند الإمام الخميني، وقد نشر هذا البحث في: "اللوموند الفرنسية" ثم طبع في كتاب باسم "إيران" ص216.).
وقد أكد هذا المعنى فخر الدين الحجازي أحد المسئولين الإيرانيين حين قال:"إن الخميني أعظم من النبي موسى وهارون" فنال بهذا القول رضى الخميني فعينه نائباً عن طهران، ورئيساً لمؤسسة المستضعفين أعظم مؤسسة مالية في البلاد" (الثورة البائسة:موسى الموسوي ص147).
ونجد علامة الشيعة اللبناني محمد جواد مغنية يلمح إلى شيء من تفضيل الخميني على نبي الله موسى عليه السلام حين قال: "وقال السيد المعلم (يعني الخميني ص111) من الحكومة الإسلامية: "لماذا الخوف؟ فليكن حبساً أو نفياً أو قتلاً فإن أولياء الله يشرون أنفسهم ابتغاء مرضاة الله". ثم علق على ذلك مغنية بقوله:"وليست هذه الكلمات مجرد سورة من سورات الغضب كما فعل موسى(ع) حين ألقى الألواح-التوراة- وأخذ برأس أخيه يجره، بل تنبني أيضاً على العلم والمنطق الصارم دون أن تلفحه نار العاطفة".(الخميني والدولة الإسلامية: ص107.).(70/179)
ويقال:إن الخميني أدخل اسمه في أذان الصلاة وقدمه على الشهادتين. يقول د. موسى الموسوي- حفيد شيخهم أبي الحسن الموسوي الأصبهاني، وهو أستاذ يحمل الدكتوراه من جامعة طهران، وجامعة باريس-:"أدخل الخميني اسمه في أذان الصلوات، وقدم اسمه على اسم النبي الكريم، فأذان الصلوات في إيران بعد استلام الخميني للحكم، وفي كل جوامعها كما يلي:"الله أكبر، الله أكبر(خميني رهبر) أي أن الخميني هو القائد، ثم أشهد أن محمداً رسول الله" (الثورة البائسة: ص162-163، وانظر عبد الجبار العمر:الخميني بين الدين والدولة ص6)..ولم تذكر شهادة أن لا إله إلا الله أصلاً، وربما يكون هذا سهواً من المؤلف.
عقائد الشيعة في الإسلام والمسلمين
أولاً: تكفيرهم من لا يؤمن بولاية الأئمة الإثنى عشر:
يرى الشيعة أن الإمامة أصل من أصول الدين وأن النبي وآله نصّ على اثني عشر إماماً ولك الآن أخي المسلم أن تقف على موقفهم ممن لا يقول بقولهم. يقول رئيس محدثيهم محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الملقب عندهم بالصدوق في رسالة الاعتقادات ص103 ط مركز نشر الكتاب إيران ص1370 ما نصه: "واعتقادنا فيمن جحد إمامه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والأئمة من بعده عليهم السلام أنه كمن جحد نبوة جميع الأنبياء واعتقادنا فيمن أقر بأمير المؤمنين وأنكر واحدا من بعده من الأئمة أنه بمنزلة من أقر بجميع الأنبياء وأنكر نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وآله".وينقل حديثا منسوبا إلى الإمام الصادق أنه قال: "المنكر لآخرنا كالمنكر لأولنا" رسالة الاعتقادات الصفحة نفسها.وينسب أيضاً إلى النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: "الأئمة من بعدي إثنى عشر أولهم أمير المؤمنين علي بن أبى طالب، وآخرهم القائم طاعتهم طاعتي ومعصيتهم معصيتي من أنكر واحدا منهم قد أنكرني". المصدر نفسه. وأقول الصدوق هذه وأحاديثه نقلها عنه علامتهم محمد باقر المجلسي في بحار الأنوار (27/61-62).(70/180)
ويقول علامتهم على الإطلاق جمال الدين الحسن يوسف بن المطهر الحلي إن الإمامة لطف عام والنبوة لطف خاص ومنكر اللطف العام (الأئمة الإثنى عشر) شر من إنكار اللطف الخاص أي إن منكر الإمامية شر من منكر النبوة وإليك نص ما قاله هذا الضال المضل في كتابه الألفين في إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (13-3 مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت 1982. قال: "الإمامة لطف عام والنبوة لطف خاص لإمكان خلو الزمان من نبي حي بخلاف الإمام لما سيأتي وإنكار اللطف العام شر من إنكار اللطف الخاص وإلى هذا أشار الصادق بقوله عن منكر الإمامة أصلا ورأسا وهو شرهم".ويقول شيخهم ومحدثهم يوسف البحراني في موسوعته المعتمدة عند الشيعة (الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة ص18 ص153 ط دار الأضواء بيروت لبنان): "وليت شعري أي فرق بين من كفر بالله سبحانه وتعالى ورسوله وبين من كفر بالأئمة عليهم السلام مع ثبوت كون الإمامة من أصول الدين".
ويقول آية الله الشيخ عبد الله المامقاني الملقب عندهم بالعلامة الثاني في تنقيح المقال (1/208 باب الفوائد ط النجف 1952م): "وغاية ما يستفاد من الأخبار جريان حكم الكافر والمشرك في الآخرة على كل من لم يكن إثنى عشري".ويقول محدثهم وشيخهم الجليل عندهم عباس القمي في منازل الآخرة (ص149 ط دار التعارف للمطبوعات 1991): "أحد منازل الآخرة المهولة الصراط…وهو في الآخرة تجسيد للصراط المستقيم في الدنيا الذي هو الدين الحق وطريق الولاية واتباع حضرة أمير المؤمنين والأئمة الطاهرين من ذريته صلى الله عليه وآله وسلم وكل من عدل عن هذا الطريق ومال إلى الباطل بقول أو فعل فسيزل من تلك العقبة ويسقط في جهنم".(70/181)
ويقول الخميني في (الأربعون حديثاً ص512) "إن ما مر في ذيل الحديث الشريف من أن ولاية أهل البيت ومعرفتهم شرط في قبول الأعمال يعتبر من الأمور المسلمة بل تكون من ضروريات مذهب التشيع المقدس وتكون الأخبار في هذا الموضوع أكبر من طاقة مثل هذه الكتب المختصرة على استيعابها ?أكثر من حجم التواتر ويتبرك هذا الكتاب بذكر بعض تلك الأخبار".
ويقول شيخهم يوسف البحراني في (الحدائق الناضرة 18/53): "إنك قد عرفت أن المخالف كافر لاحظ له في الإسلام بوجه من الوجوه كما حققنا في كتابنا الشهاب الثاقب". ويقول علامتهم السيد عبد الله شبر الذي يلقب عندهم بالسيد الأعظم والعماد الأقوم علامة العلماء وتاج الفقهاء رئيس الملة والدين جامع المعقول والمنقول مهذب الفروع والأصول في كتابه (حق اليقين في معرفة أصول الدين 2/188 طبع بيروت): "وأما سائر المخالفين ممن لم ينصب ولم يعاند ولم يتعصب فالذي عليه جملة من الإمامية كالسيد المرتضي أنهم كفار في الدنيا والآخرة والذي عليه الأكثر الأشهر أنهم كفار مخلدون في الآخرة".
وقال المفيد في (المسائل نقلا عن بحار الأنوار للمجلسي 23/391):"اتفقت الإمامية على أن من أنكر إمامة أحد من الأئمة وجحد ما أوجبه الله تعالى له من فرض الطاعة فهو كافر ضال مستحق للخلود في النار". وقد صدق الشيخ موسى جار الله التركستاني عندما قال في كتابه الوشيعة في(نقد عقائد الشيعة 2227 /3 لاهور 1983): "وكنت أتعجب وأتأسف إذ كنت أرى في كتب الشيعة أن أعدى أعداء الشيعة واقواهم هم أهل السنة والجماعة ورأيت رأي العين أن روح العداء قد استولت على قلوب جميع طبقات الشيعة".(70/182)
ويقول الشيعي نعمة الله الجزائري في(الأنوار النعمانية 2/306-307):وأما الناصب وأحواله وأحكامه فهو مما يتم ببيان أمرين: الأول في بيان معنى الناصب الذي ورد في الأخبار أنّه نجس وأنّه شر من اليهود والنصارى والمجوسي، وأنه كافر نجس بإجماع علماء الإمامية رضوان الله عليهم، فالذي لآل بيت محمد صلى الله عليه وآله وسلم وتظاهر ببغضهم كما هو الموجود في الخوارج، وبعض ما رواء النهر، ورتّبوا الأحكام في باب الطهارة والنجاسة والكفر والإيمان، وجواز النكاح وعدمه على الناصب بهذا المعنى..".
ثانياً: النواصب في معتقد الشيعة هم أهل السنة والجماعة:
روى ثقة إسلامهم محمد بن يعقوب الكليني في (الكافي 8/292،دار الكتب الإسلامية طهران إيران) بسنده عن محمد بن مسلم قال: دخلت على أبي عبد الله وعنده أبو حنيفة فقلت له: جعلت فداك رأيت رؤيا عجيبة قال لي: يا ابن مسلم هاتها فإن العالم بها جالس وأومأ بيده إلى أبي حنيفة قال: فقلت: رأيت كأني دخلت داري وإذا أهلي قد خرجت علي فكسرت جوزا كثيراً ونثرته علي فتعجبت من هذه الرؤيا فقال أبو حنيفة:?أنت رجل تخاصم وتجادل لئاماً في مواريث أهلك فبعد نصب شديد تنال حاجتك منها إن شاء الله فقال أبو عبد الله:أصبت والله يا أبا حنيفة قال: ثم خرج أبو حنيفة من عنده فقلت: جعلت فداك أني كرهت تعبير هذا الناصب فقال يا بن مسلم: لا يسوؤك الله فما يواطئ تعبيرهم تعبيرنا ولا تعبيرنا تعبيرهم وليس التعبير كما عبره. قال:فقلت له:جعلت فداك فقولك: أصبت وتحلف عليه وهو مخطئ قال: نعم حلفت عليه أنه أصاب الخطأ قال: فقلت له: فما تأويلها؟ قال: يا ابن مسلم إنك تتمتع ?امرأة فتعلم بها أهلك فتمزق عليك ثيابا..".كما أطلق شيخهم محمد بن محمد بن النعمان الملقب بالمفيد لفظ الناصب على أبي حنيفة رحمه الله تعالى في كتابه (عدة رسائل فصل المسائل الصاغانية ص253- 263،265،ص 268- 270 طبعة قم).(70/183)
ويقول السيد نعمة الله الجزائري الشيعي في (الأنوار النعمانية 2/307، طبع تبريز إيران) ما نصه: "ويؤيد هذا المعنى أن الأئمة عليهم السلام وخواصهم أطلقوا لفظ الناصبي على أبي حنيفة وأمثاله مع أن أبا حنيفة لم يكن ممن نصب العداوة لأهل البيت عليهم السلام بل كان له انقطاع إليهم وكان يظهر لهم التودد". ويقول شيخهم حسين بن الشيخ محمد آل عصفور الدرازي البحراني الشيعي في كتابه (المحاسن النفسانية في أجوبة المسائل الخرسانية ص 157 طبع بيروت): "على أنك قد عرفت سابقاً أنه ليس الناصب إلا عبارة عن التقديم على علي غيره". قلت وأبو حنيفة رحمه الله يقدم أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم على علي لذا وصفوه بالنصب والعياذ بالله. ولأن أهل السنة يقدمون الثلاثة على علي فهم نواصب أيضاً عند الشيعة حيث يقول الشيخ حسين بن الشيخ آل عصفور الدرازي البحراني في كتابه السابق(المحاسن النفسانية في أجوبة المسائل الخراسانية ص147): "بل أخبارهم عليهم السلام تنادي بأن الناصب هو ما يقال له عندهم سنيا".ويقول هذا الدرازي في الموضع المذكور: "ولا كلام في أن المراد بالناصبة هم أهل التسنن". ويقول شيخهم وعالمهم ومحققهم ومدققهم وحكيمهم حسين بن شهاب الدين الكركي العاملي في كتاب (هداية الأبرار إلى طريق الأئمة الأطهار ص 106 الطبعة الأولى 1396هـ) : "كالشبهة التي أوجبت للكفار إنكار نبوة النبي والنواصب إنكار خلافة الوصي". ويقول الشيخ الشيعي علي آل محسن في كتابه(كشف الحقائق – دار الصفوة – بيروت، ص 249). "وأما النواصب من علماء أهل السنة فكثيرون أيضاً منهم ابن تيمية وابن كثير الدمشقي وابن الجوزي وشمس الدين الذهبي وابن حزم الأندلسي..وغيرهم".(70/184)
وذكر العلامة الشيعي محسن المعلم في كتابه(النصب والنواصب،دار الهادي– بيروت– في الباب الخامس– الفصل الثالث– ص 259 تحت عنوان: (النواصب في العباد) أكثر من مائتي ناصب– على حد زعمه-. وذكر منهم: عمر بن الخطاب، أبو بكر الصديق، عثمان بن عفان، أم المؤمنين عائشة، أنس بن مالك، حسان بن ثابت، الزبير بن العوام، سعيد بن المسيب، سعد بن أبي وقاص، طلحة بن عبيد الله، الإمام الأوزاعي، الإمام مالك، أبو موسى الأشعري، عروة بن الزبير، ابن حزم، ابن تيمية، الإمام الذهبي، الإمام البخاري، الزهري، المغيرة بن شعبة، أبو بكر الباقلاني، الشيخ حامد الفقي رئيس أنصار السنة المحمدية في مصر، محمد رشيد رضا، محب الدين الخطيب، محمود شكري الآلوسي، وغيرهم كثير.
إذن النواصب هم كل أهل السنة حيث يقول آية الله العظمى محمد الحسيني الشيرازي في موسوعته الضخمة الفقه (33/38 ط الثانية دار العلوم بيروت 1409هـ):"الثالث مصادمة الخبرين المذكورين بالضرورة بعد أن فسر الناصب بمطلق العامة كخبر ابن سنان عن أبي عبد الله".
وخرج علينا شيعي دكتور اسمه محمد التيجاني السماوي في كتاب سماه (الشيعة هم أهل السنة طبعته مؤسسة الفجر في لندن وبيروت) ولدى هذا الرجل إجازتان من عالمين شيعيين كلاهما بدرجة "آية الله العظمى" أحدهما الأمام الخوئي في النجف والآخر المرعشي النجفي في قم صرح بذلك في الصفحة (316) من كتابه هذا أقول خرج علينا هذا الشيعي مصارحاً أهل السنة بأنهم نواصب والنواصب، عند أهل الشيعة أنجاس دمهم ومالهم مباح، يقول التيجاني في صفحة 79: "وبما أن أهل الحديث هم أنفسهم أهل السنة والجماعة، فثبت بالدليل الذي لا ريب فيه أنّ السنة المقصودة عندهم هي بغض علي بن أبي طالب، ولعنه والبراءة منه فهي النصب". فيا عباد الله هل يلعن أهل السنة عليا ويبرأون منه؟ سبحانك هذا بهتان عظيم.(70/185)
ويقول في الصفحة 161:"وغني عن التعريف بأن مذهب النواصب هو مذهب أهل السنة الجماعة". ويقول: في الصفحة 163: "وبعد هذا العرض يتبين لنا بوضوح بأن النواصب الذين عادوا علياً، وحاربوا أهل البيت عليهم السلام هم الذين سموا أنفسهم بأهل السنة والجماعة".
وقال أيضاً في كتابه:(كل الحلول عند آل الرسول 160دار المجتبى – لبنان):"فكان من الصعب عليهم-أي الشيعة-أن يصلوا بإمامة أهل السنة والجماعة الذين اجتهدوا في أحكام الصلاة من ناحية ودأبوا على سب علي وأهل البيت أثناء الصلاة من ناحية أخرى". ويقول في(في كتابه الشيعة هم أهل السنة ص295):"وإذا شئنا التوسع في البحث لقلنا بأن أهل السنة والجماعة هم الذين حاربوا أهل البيت النبوي بقيادة الأمويين والعباسيين".
ولم يكتف هذا المجرم بهذا بل عقد في الصفحة 159 فصلا بعنوان (عداوة أهل السنة لأهل البيت تكشف عن هويتهم) حيث يقول في الصفحة نفسها: "إنّ الباحث مبهوتاً عندما تصدمه حقيقة أهل السنة والجماعة ويعرف بأنهم كانوا أعداء العترة الطاهرة يقتدون بمن حاربهم ولعنهم وعمل على قتلهم ومحو آثارهم". وزعمت الشيعة أنّ كل الناس أولاد بغايا ما خلا شيعتنا. (الكافي- الروضة- 8/285).
ثالثاً: إباحة دماء أهل السنة:(70/186)
إن الشيعة يستبيحون دماء أهل السنة، شرفهم الله تعالى، وإنهم في حكم الكفار، ?إنّ السني ناصب في معتقدهم، وما يلي يكشف لك خبثهم ودهاءهم. روى شيخهم محمد بن علي بن بابوية القمي والملقب عندهم بالصدوق وبرئيس المحدثين في كتابه علل الشرائع (ص601 طبع النجف)، وعن داود بن فرقد قال: "قلت لأبي عبد الله : ما تقول في قتل الناصب؟ - النواصب:الخوارج- قال: حلال الدم، ولكني أتقى عليك، فإن قدرت أن تقلب عليه حائطاً أو تغرقه في ماء لكيلا يشهد به عليك فافعل، قلت: فما ترى في ماله؟ قال: تَوَّه ما قدرت عليه"، وذكر هذه الرواية الخبيثة شيخهم الحر العاملي في وسائل الشيعة (18/463) والسيد نعمة الله الجزائري في الأنوار النعمانية (2/307) إذ قال: "جواز قتلهم (أي النواصب) واستباحة أموالهم".(70/187)
وهؤلاء الذين يدخلون في سلك سلاطين أهل السنة لا يتورعون عن قتل أهل السنة إن سنحت لهم الفرصة كما فعل علي بن يقطين هذا عندما هدم السجن على خمسمائة من السنيين فقتلهم. نقل لنا هذه الحادثة العالم الشيعي الذي وصفوه بالكامل صدر الحكماء ورئيس العلماء نعمة الله الجزائري في كتابه المعروف الأنوار النعمانية (2/308 طبع تبريز، إيران) وإليك القصة بنصها قال: "وفي الروايات أن علي بن يقطين وهو وزير الرشيد فد اجتمع في حبسه جماعة من المخالفين وكان من خواص الشيعة فأمر غلمانه وهدوا سقف الحبس على المحبوسين فماتوا كلهم وكانوا خمسمائة رجل تقريبا فأراد الخلاص من تبعات دمائهم فأرسل إلى الإمام مولانا الكاظم فكتب عليه السلام إليه جواب كتابه بأنك لو كنت تقدمت إلي قبل قتلهم لما كان عليك شيء من دمائهم وحيث أنك لم تتقدم إلي فكفر عن كل رجل قتلته منهم بتيس والتيس خير منه فانظر إلى هذه الدية الجزيلة التي لا تعادل دية أخيهم الأصغر وهو كلب الصيد فإن ديته عشرون درهما ولا دية أخيهم الأكبر وهو اليهودي أو المجوسي فإنها ثمانمائة درهم وحالهم في الآخرة أخس وابخس". ونقل هذه الرواية أيضاً محسن المعلم في كتابه (النصب والنواصب) ص 622 ط دار الهادي – بيروت ليستدل هذا المجرم على جواز قتل أهل السنة أي النواصب في نظره.(70/188)
ويقول الدكتور الهندي المسلم محمد يوسف النجرامي في كتابه الشيعة في الميزان (ص7 طبع مصر): "إن الحروب الصليبية التي قام بها الصليبيون ضد الأمة الإسلامية ليست إلا حلقة من الحلقات المدبرة التي دبرها الشيعة ضد الإسلام والمسلمين كما يذكر ابن الأثير وغيره من المؤرخين وإقامة الدولة الفاطمية في مصر ومحاولاتها تشويه صور السنيين وإنزالها العقاب على كل شخص ينكر معتقدات الشيعة، وقتل الملك النادر في دلهي من قبل الحاكم الشيعي آصف خان على رؤوس الأشهاد، وإراقة دماء السنيين في ملتان من قبل الوالي أبي الفتح داود الشيعي، ومذبحة جماعية للسنيين في مدينة لكنؤ الهند وضواحيها من قبل أمراء الشيعة، على أساس عدم تمسكهم بمعتقدات الشيعة بشأن سب وشتم الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم، وارتكاب الأمير صادق جريمة الخيانة والغدر في حق السلطان الشيعي، وطعن الأمير جعفر من وراء ظهر الأمير سراج الدولة..".
ويقول الدكتور محمد يوسف النجرامي في كتابه المذكور أيضاً (نفس الصفحة): "إن الإجراءات الصارمة التي اتخذتها حكومة الإمام الخميني ضد أمة السنة والجماعة فإنها ليست غريبة عليهم حيث إن التاريخ يشهد بأن الشيعة كانوا وراء تلك النكسات،والنكبات التي تعرضت لها الأمة الإسلامية على مر التاريخ".وعندما كتب عنهم عبد المنعم النمر تعرض لتهديد ووعيد منهم وقد ذكر هذا في كتابه "الشيعة المهدي الدروز تاريخ ووثائق" (ص 10ط الثانية 1988م).(70/189)
إن الشيعة يكنون البغض والعداء والكراهية لأهل السنة ولكنهم لا يجاهرون بهذا العداء بناء على عقيدة التقية الخبيثة بمجاملتهم لأهل السنة وإظهار المودة الزائفة، وهذا جعل أهل السنة لا يفطنون إلى موقف الشيعة الحقيقي وفي هذا يقول الدكتور عبد المنعم النمر في كتابه المؤامرة على الكعبة من القرامطة إلى الخميني (ص118 طبع مكتبة التراث الإسلامي القاهرة): "ولكننا نحن العرب السنيين لا نفطن إلى هذا بل ظننا أن السنين الطويلة قد تكفلت مع الإسلام بمحوه وإزالته فلم يخطر لنا على بال فشاركنا الإيرانيين فرحهم واعتقدنا أن الخميني سيتجاوز أو ينسى مثلنا كل هذه المسائل التاريخية ويؤدي دوره كزعيم إسلامي لأمة إسلامية يقود الصحوة الإسلامية منها وذلك لصالح الإسلام والمسلمين جميعاً لا فرق بين فارسي وعربي ولا بين شيعي وسني ولكن أظهرت الأحداث بعد ذلك أننا كنا غارقين في أحلام وردية أو في بحر آمالنا مما لا يزال بعض شبابنا ورجالنا غارقين فيها حتى الآن برغم الأحداث المزعجة".
هذا وقد نشرت مجلة روز اليوسف في عددها 3409 بتاريخ 11/10/93 تحقيقها عن الشيعة في مصر نقتطف منه هذا الخبر: "ولإزالة الحاجز النفسي بينهم وبين الأجهزة الأمنية عرض الشيعة في مصر في منشوراتهم عرضا غريبا وطريقا حيث طلبوا من الجهات الأمنية استخدام الورقة الشيعية في مواجهة تيار الجهاد والجماعات المتطرفة لأن الشيعة حسب قولهم هم الأقدر على كشف التيارات السلفية وتعريتها وفي فضح فتاوى ابن تيمية حسب قولهم أيضاً التي يستخدمها المتطرفون في القتل ونشر الفوضى والاضطراب..".(70/190)
والآن أتدري أخي المسلم ماذا يفعل الشيعي بمن يخالفه عندما يتولى مركزاً في دولة ليست لهم اليد الطولي فيها؟ نترك الإجابة لشيخ طائفتهم أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي في كتابه الفقهي المعتمد عندهم المعروف بـ (النهاية في مجرد الفقه والفتاوى ص302 ط2 دار الكتاب بيروت 1400هـ) حيث قال ما نصه: "ومن تولى ولاية من قبل ظالم في إقامة حد أو تنفيذ حكم فليعتقد انه متول لذلك من جهة سلطان الحق فليقم به على ما تقتضيه شريعة الإيمان ومهما تمكن من إقامة حد على مخالف له فليقمه فإنه من أعظم الجهاد".
هذا هو موقفهم العدائي من المخالف الذي ثبت لنا من الطوسي في كتابيه الاستبصار وتهذيب الأحكام وغيره من علمائهم أنه السني. هذا الموقف هو في حالة توليهم مركزاً من المراكز في دولة غير شيعية فما بالك بموقفهم في ظل دولة يحكمها مثل هذا الطوسي وأضرابه؟
رابعاً: إباحة أموال أهل السنة:
وأمّا إباحة أموال أهل السنة فإضافة إلى ما قرأت نذكر لك ما رووه عن أبى عبد الله أنه قال: "خذ مال الناصب حيث ما وجدته وادفع إلينا الخمس" أخرج هذه الرواية شيخ طائفتهم أبو جعفر الطوسي في تهذيب الأحكام (4/122) والفيض الكاشاني في الوافي (6/43 ط دار الكتب الإسلامية بطهران) ونقل هذا الخبر شيخهم الدرازي البحراني في المحاسن النفسانية (ص167) ووصفه أنه مستفيض. وبمضمون هذا الخبر أفتى مرجعهم الكبير روح الله الخميني في تحرير الوسيلة (1/352) بقوله: "والأقوى إلحاق الناصب بأهل الحرب في إباحة ما اغتنم منهم وتعلق الخمس به بل الظاهر جواز أخذ ماله أين وجد وبأي نحو كان ووجوب إخراج خمسه". ونقل هذه الرواية أيضاً محسن المعلم في كتابه (النصب والنواصب– دار الهادي– بيروت، ص615) يستدل فيها على جواز أخذ مال أهل السنة لأنهم نواصب في نظر هذا الضال.(70/191)
إن أسلوب الغش والسرقة والنصب والاحتيال وغيرها من الوسائل المحرمة،ولكنها جائز عند الخميني مع أهل السنة بدليل قوله: (وبأي نحو كان).
وبعض المساكين من أهل السنة للأسف الشديد لا يقرؤون ما يكتبه الخميني، ولا علم لهم بما يقصده من الناصب والنواصب، ولا ترحمه على النصير الطوسي وتأييد ما ارتكبه من خيانة بحق الإسلام والمسلمين في بغداد..نعم إنهم مساكين،بسبب جهلهم أو بسبب التقية التي خدعتهم، ولم يعلموا أن إباحة دم ومال السني الناصب في معتقدهم هو ما أجمعت عليه طائفتهم، يقول فقيههم ومحدثهم الشيخ يوسف البحراني في كتابه المعروف والمعتمد عند الشيعة(الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة 12/323-324) ما نصه:"إن إطلاق المسلم على الناصب وأنه لا يجوز أخذ ماله من حيث الإسلام خلاف ما عليه الطائفة المحقة سلفا وخلفا من الحكم بكفر الناصب ونجاسته وجواز أخذ ماله بل قتله". ويقول نعمة الله الجزائري في الأنوار النعمانية 2/307: "يجوز قتلهم (أي النواصب) واستباحة أموالهم".
يقول يوسف البحراني في(الحدائق الناضرة 10/360): "وإلى هذا القول ذهب أبو الصلاح، وابن إدريس، وسلار، وهو الحق الظاهر، بل الصريح من الأخبار لاستفاضتها وتكاثرها بكفر المخالف، ونصبه وشركه، وحل ماله ودمه، كما بسطنا عليه الكلام بما لا يحوم حوله شبهة النقض والإبرام في كتاب الشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب وما يترتب عليه من المطالب".
خامسا: عدم إباحة التزاوج بين الشيعة والسنة:(70/192)
جاء في الكافي والتهذيب قال عبد الله بن سنان: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الناصب وعداوته هل يزوجه المؤمن وهو قادر على رده وهو لا يعلم ؟ يرده ؟ قال: لا يتزوج المؤمن ولا يتزوج الناصب(أي السني) مؤمنة(أي الشيعية)، ولا يتزوج المستضعف مؤمنة".(المحاسن النفسانية في أجوبة المسائل الخراسانية للشيعي حسين العصفور الطبعة الأولى 1979م، مراجعة الدكتور حبيب عبد الكريم المرتضى، منشورات دار المشرق العربي لتحقيق طبع ونشر التراث الإسلام بالبحرين، ص 154-155. وعندما انتبه أهل السنة بالبحرين لهذا الكتاب أخفاه الشيعة وأصبح نادرا).
وروى الفضيل بن يسار قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن لامرأتي أختار عارفا على رأينا وليس على رأينا بالبصرة إلا قليل، " أما زوجها بمن لا يرى رأيها؟ قال:لا، ولا نعمة أن الله عز وجل:"قلا ترجعن إلى الكفار لا هن حل لهن ولا هم يحلون لهن". وعن موثقة قال:سألت أبا عبد الله عليه السلام:النكاح الناص، فقال:لا والله لا يحل، قال فضيل ثم سألته مرة أخرى وقلت: جعلت فداك ما تقول في نكاحهم ؟ قال:والمرأة عارفة؟ قلت عارفة. قال:إن العارفة ألا توضع إلا عند عارف.(70/193)
وروى عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سأله أبي وأنا أسمع عن نكاح اليهودية والنصرانية؟ فقال:نكاحهما أحب إليّ من نكاح الناصبية". وروى أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أتزوج اليهودية أفضل أو قال: خير من أتزوج الناصبية". وروى الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام:أنه أتاه قوم من أهل خراسان من رواء النهر فقال له:تصافحون أهل بلادكم وتنكحونهم ؟ أما إنّكم إذا صافحتموهم انقطعت عروة من عرى الإسلام، وإذا نكحتموهم انهتك الحجاب بينكم وبين الله عز وجل". وروى سليمان الحمار عن أبي عبد لله عليه السلام قال: لا ينبغي للرجل منكم أن يتزوج الناصبية ولا يزوج ابنته ناصبيا ولا يطرحها عنده".(المحاسن النفسانية في أجوبة المسائل الخراسانية:للشيعي حسين العصفور ص 155).
أية الله السيستاني يحرم زوج الرافضيه بالسني ويعتبرهم أهل ضلال. وقد وجه له السؤال التالي:ما حكم زواج فتاة شيعية من رجل سني؟ فالجواب عنده:"إذا خيف عليها من الضلال فلا يجوز وإذا كان الزواج متعة فإنما يصح على الأحوط وجوباً إذا كان الزوج يعتقد صحة المتعة شرعاً".(كتاب منهاج الصالحين:السيستاني، المسألة رقم 562)
التقريب بين أهل السنة والشيعة الإثنى عشرية(70/194)
ذكر الدكتور ناصر القفاري في( كتاب التقريب بين السنة والشيعة) في ذلك:"كيف يمكن التقريب مع من يطعن في كتاب الله، ويفسره على غير تأويله، ويزعم بتنزيل كتب إلهية على أئمته بعد القرآن الكريم، ويرى الإمامة نبوة، والأئمة عنده كالأنبياء أو أفضل، ويفسر عبادة الله وحده التي هي رسالة الرسل كلهم بغير معناها الحقيقي، ويزعم أنها طاعة الأئمة، وأن الشرك بالله طاعة غيرهم معهم، ويكفِّر خيار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحكم بردة جميع الصحابة إلا ثلاثة أو أربعة أو سبعة على اختلاف رواياتهم، ويشذ عن جماعة المسلمين بعقائد في الإمامة والعصمة والتقية ويقول بالرجعة والغيبة والبداء.
إلى دعاة التقريب: الشيعة من أجل التقية والخداع يكتبون ويقولون ما لا يعتقدون أصلاً. ولذا...
* فاحذروا جميعا من الكتب الدعائية للشيعة التي تظهر ما لا يبطنه مذهب الشيعة الحقيقي. وهذه التقية المبالغ فيها هي التي تأمر الشيعة بأن يظهروا عكس ما يبطنون من عقائد، فالشيعي قد يقر ظاهرا بما لا يقر به باطنا وقد ينكر ظاهراً ما يعتقده باطناً، وبسبب هذه العقيدة الخبيثة وقع من وقع من أهل السنة وصدق كلام الشيعة.
* حاولوا الاتصال بإخوانكم أهل السنة الذين يعيشون وسط أغلبية شيعية وسجلوا تقارير ميدانية عن وضعهم تحفظ للأجيال.
* اذهبوا إلى أندونيسيا وسنغافورة ونيجيريا وأوغندا، والمخيمات الفلسطينية في لبنان?...وقفوا بأنفسكم على نشاط الشيعة في هذه الأماكن التي يتواجدون فيها. هل يدعون إلى الوحدة والتقارب. أم ينشرون التشيع بين هؤلاء وأي تشيع؟
* إنّ القوم ماضون بموجب مخطط مدروس ومنظم في نشر المذهب الشيعي الإثنى عشري بين عوام أهل السنة، فبدلا من أن تعملوا على إنقاذ إخوانكم المسلمين والوقوف أمام هذا النشاط التبشيري المذهبي الشيعي الرهيب، نجدكم على العكس. فليتكم وقفتم موقف المتفرج بدلا من تأييد الشيعة.(70/195)
* هل تعلمون أن الشيعة يقومون باستقدام الكثيرين من أبناء أهل السنة الذين لا علم لهم في الدين ويرسلونهم إلى جامعات شيعية متخصصة في تغيير مذهبهم، ومن ثمّ إرجاعهم إلى بلادهم دعاة للتشيع؟هل تعلمون هذا؟
أقوال أئمة السلف والخلف في الشيعة الإثنى عشرية:
* قال الإمام مالك بن أنس: الذي يشتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس لهم اسم، أو قال: نصيب في الإسلام."
* وقال ابن كثير عند قوله سبحان: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطئه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار). ومن هذه الآية انتزع الإمام مالك رحمة الله عليه في رواية عنه بتكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة -رضوان الله عليهم، قال: لأنهم يغيظونهم ومن غاظ الصحابة رضي الله عنهم فهو كافر لهذه الآية.
* قال القرطبي: "لقد أحسن مالك في مقالته وأصاب في تأويله، فمن نقص واحدا منهم أو طعن عليه في روايته فقد رد على الله رب العالمين وأبطل شرائع المسلمين".
* وقال أبو حاتم: "حدثنا حرملة قال: سمعت الشافعي -رحمه الله- يقول: لم أرَ أحدا أشهد بالزور من الشيعة الإثنى عشرية."
* وقال مؤمل بن أهاب: "سمعت يزيد بن هارون يقول: يكتب عن كل صاحب بدعة إذا لم يكن داعية إلا الشيعة الإثنى عشرية فإنهم يكذبون."
* وقال محمد بن سعيد الأصبهاني: "سمعت شريكا يقول: أحمل العلم عن كل من لقيت إلا الشيعة الإثنى عشرية، فإنهم يضعون الحديث ويتخذونه دينا" وشريك هو: شريك بن عبد الله، قاضي الكوفة.
* وقال معاوية:" سمعت الأعمش يقول: أدركت الناس وما يسمونهم إلا الكذابين." يعني أصحاب المغيرة بن سعيد الرافضي الكاذب كما وصفه الذهبي(70/196)
* قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله معلقا على ما قاله أئمة السلف: "وأما الشيعة الإثنى عشرية فأصل بدعتهم عن زندقة وإلحاد وتعمُّد، الكذب كثير فيهم، وهم يقرون بذلك حيث يقولون: ديننا التقية؛ وهو أن يقول أحدهم بلسانه خلاف ما في قلبه وهذا هو الكذب والنفاق فهم في ذلك كما قيل: رمتني بدائها وانسلت". وقال شيخ الإسلام بن تيمية: وقد اتفق أهل العلم بالنقل والرواية والإسناد على أن الشيعة الإثنى عشرية أكذب الطوائف، والكذب فيهم قديم، ولهذا كان أئمة الإسلام يعملون امتيازهم بكثرة الكذب."قال أشهب بن عبد العزيز: "سئل مالك -رحمه الله- عن الشيعة الإثنى عشرية فقال: لا تكلمهم ولا تروي عنهم فإنهم يكذبون.
* وقال الإمام أحمد:وليست الرافضة من الإسلام في شيء.(كتاب السنة للإمام أحمد بن صفحة 82).
* قال عبد الله بن أحمد بن حنبل:"سألت أبي عن الرافضة، فقال: الذين يشتمون أو يسبون أبا بكر وعمر. وسُئل الإمام أحمد عن أبي بكر وعمر فقال: "ترحم عليهما وتبرأ ممن يبغضهما. وروى الخلال عن أبي بكر المروزي قال: "سألت أبا عبد الله عمن يشتم أبا بكر وعمر وعائشة، قال: ما أراه في الإسلام".
* وروى الخلال قال: أخبرني حرب بن إسماعيل الكرماني قال موسى بن هارون بن زياد قال: سمعت الفريابي ورجل يسأله عمّن شتم أبا بكر قال: كافر، قال: فيصلى عليه؟ قال: لا(.
* قال ابن حزم:عن الرافضة عندما ناظر النصارى وأحضروا له كتب الرافضة للرد عليه: "إن الرافضة ليسوا مسلمين، وليس قولهم حجة على الدين، وإنما هي فرقة حدث أولها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بخمس وعشرين سنة وكأن مبدئها إجابة ممن خذله الله لدعوة من كاد الإسلام، وهي طائفة تجري مجرى اليهود والنصارى في التكذيب والكفر".(70/197)
* الإمام البخاري: قال رحمه الله:ما أبالي صليت خلف الجهمي والرافض، أم صليت خلف اليهود والنصارى، ولا يسلم عليهم ولا يعادون ولا يناكحون ولا يشهدون ولا تؤكل ذبائحهم (الإمام البخاري:خلق أفعال العباد: ص125).
* أحمد بن يونس إمام من أئمة السنة، ومن أهل الكوفة، توفي سنة (227هـ) قال:لو أن يهودياً ذبح شاة، وذبح رافضي لأكلت ذبيحة اليهودي، ولم آكل ذبيحة الرافضي؛ لأنه مرتد عن الإسلام.(الصارم المسلول ص570، ومثل هذا المعنى قاله أبو بكر بن هانئ (الموضع نفسه من المصدر السابق)، وانظر: السيف المسلول على من سب الرسول:علي بن عبد الكافي السبكي:الورقة 71أ، مخطوط).
*وقال أبو زرعة الرازي: "إذا رأيت الرجل ينقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق".(كتاب الفرق بين الفرق ص356)
* أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري توفي سنة (276هـ قال: بأن غلو الرافضة في حب علي المتمثل في تقديمه على من قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته عليه، وادعائهم له شركة النبي صلى الله عليه وسلم في نبوته، وعلم الغيب للأئمة من ولده وتلك الأقاويل والأمور السرية قد جمعت إلى الكذب والكفر إفراط الجهل والغباوة (الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية والمشبهة: ص47، مطبعة السعادة بمصر 1349هـ).(70/198)
* أبو منصور عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي، كان يلقب "صدر الإسلام" في عصره، ويدرس في سبعة عشر فناً، توفي سنة (429هـ) يقول: "والإمامية الذين أكفروا خيار الصحابة.. فإنا نكفرهم، ولا تجوز الصلاة عليهم عندنا، ولا الصلاة خلفهم" (الفرق بين الفرق: ص357).وقال: "وتكفير هؤلاء واجب في إجازتهم على الله البداء، وقولهم بأنه قد يريد شيئاً ثم يبدو له، وقد زعموا أنه إذا أمر بشيء ثم نسخه، فإنما نسخه لأنه بدا له فيه..وما رأينا ولا سمعنا بنوع من الكفر إلا وجدنا شعبة منه في مذهب الروافض..".(الملل والنحل: ص52-53، تحقيق ألبير نصري نادر).
* القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن الفراء أبو يعلى، عالم عصره في الأصول والفروع، توفي سنة (458هـ).قال: وأما الرافضة فالحكم فيهم.. إنْ كفر الصحابة، أو فسهم بمعنى يستوجب به النار فهو كافر.(المعتمد: ص267).
*الإسفراييني: أبو المظفر شهفور بن طاهر بن محمد، الإمام الأصولي الفقيه المفسر، له تصانيف منها: "التفسير الكبير" و"التبصير في الدين" توفي عام 417هـ. نقل جملة من عقائدهم كتكفير الصحابة، وقولهم: إن القرآن قد غيّر عما كان، ووقع فيها الزيادة والنقصان، وانتظارهم لمهدي يخرج إليهم ويعلمهم الشريعة.. وقال:بأن جميع الفرق الإمامية التي ذكرناها متفقون على هذا، ثم حكم عليهم بقوله: "وليسوا في الحال على شيء من الدين، ولا مزيد على هذا النوع من الكفر إذ لا بقاء فيه على شيء من الدين" (التبصير في الدين: ص24-25).(70/199)
*أبو حامد محمد المقدسي )محمد بن خليل بن يوسف الرملي المقدسي، من فقهاء الشافعية، توفي سنة (888هـ).قال رحمه الله:"لا يخفى على كل ذي بصيرة وفهم من المسلمين أن أكثر ما قدمناه في الباب قبله من عقائد هذه الطائفة الرافضة على اختلاف أصنافها كفر صريح، وعناد، مع جهل قبيح لا يتوقف الواقف عليه من تكفيرهم والحكم عليهم بالمروق من دين الإسلام" (رسالة في الرد على الرافضة ص200.].
أبو المحاسن يوسف الجمال الواسطي-من علماء القرن التاسع. وقد ذكر جملة من مكفراتهم، فمنها قوله:"إنهم يكفرون بتكفيرهم لصحابة سول الله صلى الله عليه وسلم الثابت تعديلهم وتزكيتهم في القرآن بقوله تعالى:(لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ)البقرة 143، وبشهادة الله تعالى لهم أنهم لا يكفرون بقوله تعالى:(فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ)الأنعام 89...ويكفرون باستغنائهم عن حج بيت الله الحرام بزيارة قبر الحسين لزعمهم أنها تغفر الذنوب وتسميتهم لها بالحج الأكبر، ومن ذلك أنهم يكفرون بترك جهاد الكفار والغزو لهم الذي يزعمون أنه لا يجوز إلا مع الإمام المعصوم وهو غائب".(المناظرة بين أهل السنة والرافضة، الورقة 66 مخطوط)..."وأنهم يكفرون بإعابتهم السنن المتواتر فعلها عن النبي صلى الله عليه وسلم من الجماعة والضحى والوتر والرواتب قبل المكتوبات من الصلوات الخمس وبعدها، وغير ذلك من السنن المؤكدات" )المناظرة بين أهل السنة والرافضة، الورقة 67 مخطوط).(70/200)
*علي بن سلطان بن محمد القاري الحنفي، المتوفي سنة (1014هـ).قال: "وأما من سب أحداً من الصحابة فهو فاسق ومبتدع بالإجماع إلا إذا اعتقد أنه مباح كما عليه بعض الشيعة وأصحابهم، أو يترتب عليه ثواب كما هو دأب كلامهم أو اعتقد كفر الصحابة وأهل السنة فإنه كافر بالإجماع".(شم العوارض في ذم الروافض/ الورقة 6 أ مخطوط)...وذكر بأن من مكفرات الرافضة ما يدعونه في كتاب الله من نقص وتغيير، وعرض بعض أقوالهم في ذلك.(شم العوارض في ذم الروافض، الورقة 259 أ).(70/201)
* الشيخ محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن أحمد التميمي النجدي(المتوفي سنة 1206هـ).قال رحمه الله بعد أن عرض عقيدة الإثنى عشرية في سب الصحابة ولعنهم:"فإذا عرفت أن آيات القرآن تكاثرت في فضلهم، والأحاديث المتواترة بمجموعها ناصة على كمالهم؛ فمن اعتقد فسقهم أو فسق مجموعهم، وارتدادهم وارتداد معظمهم عن الدين، أو اعتقد حقية سبهم وإباحته، أو سبهم مع اعتقاد حقية سبهم، أو حليته فقد كفر بالله تعالى ورسوله...والجهل بالتواتر القاطع ليس بعذر، وتأويله وصرفه من غير دليل معتبر غير مفيد، كمن أنكر فرضية الصلوات الخمس جهلاً لفرضيتها، فإنه بهذا الجهل يصير كافراً، وكذا لو أولها على غير المعنى الذي نعرفه فقد كفر، لأن العلم الحاصل من نصوص القرآن والأحاديث الدالة على فضلهم قطعي. ومن خص بعضهم بالسب فإن كان ممن تواتر النقل في فضله وكماله كالخلفاء فإن اعتقد حقية سبه أو إباحته فقد كفر لتكذيبه ما ثبت قطعياً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكذبه كافر، وإن سبه من غير اعتقاد حقية سبه أو إباحته فقد تفسق؛ لأن سباب المسلم فسوق، وقد حكم بعض فيمن سب الشيخين بالكفر مطلقاً...وغالب هؤلاء الرافضة الذين يسبون الصحابة يعتقدون حقية سبهم أو إباحته بل وجوبه، لأنهم يتقربون بذلك إلى الله تعالى ويرون ذلك من أجل أمور دينهم" (رسالة في الرد على الرافضة: محمد بن عبد الوهاب ص18-19). وقال:"وما صح عن العلماء من أنه لا يكفر أهل القبلة فمحمول على من لم يكن بدعته مكفرة..ولا شك أن تكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ثبت عنه قطعاً كفر، والجهل في مثل ذلك ليس بعذر".(رسالة في الرد على الرافضة ص20).(70/202)
وقال بعد عرضه ما جاء في كتبهم من دعواهم نقص القرآن وتغييره: "يلزم من هذا تكفير الصحابة حتى علي، حيث رضوا بذلك... وتكذيب قوله تعالى: (لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ). فصلت:42، وقوله:(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).الحجر:9. ومن اعتقد عدم صحة حفظه من الإسقاط، واعتقد ما ليس منه أنه فقد كفر".(رسالة في الرد على الرافضة ص 14-15).
*قال القاضي عياض:"نقطع بتكفير غلاة الرافضة في قولهم إن الأئمة أفضل من الأنبياء ".( الإلماع) .أقول بل أوصلوهم إلى مرتبة الألوهية يحيون ويميتون ويتصرفون بالكون وعندهم علم الغيب.
* وقال أبو حامد المقدسي لا يمضي على ذي بصيرة من المسلمين أن أكثر ما قدمناه في الباب قبله من تكفير هذه الطائفة الرافضة على اختلاف أصنافها كفر صريح وعناء مع جهل قبيح لا يتوقف الواقف عليه من تكفيرهم والحكم عليهم بالمروق من دين الإسلام.هذا قاله في رسالة له في الرد على الرافضة صفحة 200.
*قال الإمام الشوكاني:إن أصل دعوة الروافض كياد الدين ومخالفة الإسلام وبهذا يتبين أن كل رافض خبيث يصير كافر بتكفيره لصحابي واحد فكيف بمن يكفر كل الصحابة واستثنى أفرادا يسيره. هذا قاله في نثر الجوهر على حديث أبي ذر.
* قال الألوسي:ذهب معظم علماء ما وراء النهر إلى كفر الإثنى عشرية.(كتاب منهج السلامة).
* ولي الله شاه عبد العزيز بن أحمد الدهلوي الملقب سراج الهند، الخطيب-توفي سنة 1239هـ، كان كبير علماء الهند في عصره، وكان مطلعاً على مصنفات الشيعة.قال:"ومن استكشف عقائدهم الخبيثة وما انطووا عليه؛ علم أن ليس لهم في الإسلام نصيب وتحقق كفرهم لديه".(مختصر التحفة الإثنى عشرية: ولي الله شاه عبد العزيز بن أحمد الدهلوي ص300).(70/203)
* قال الشيخ ابن باز:الرافضة الذين يسمون الإمامية والجعفرية والخمينية اليوم كفار خارجون عن ملة الإسلام.
* ويقول الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله في كتابه(السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، ط2 المكتب الإسلامي بيروت سنة 1978م ص10) " فلا يزال القوم مصرين على ما في كتبهم من ذلك الطعن الجارح والتصوير المكذوب لما كان بين الصحابة من خلاف، كأن المقصود من دعوة التقريب هي تقريب أهل السنة إلى مذهب الشيعة لا تقريب المذهبين كل منهما للآخر". ويقول عليه رحمة الله:"ومن الأمور الجديرة بالاعتبار أن كل بحث علمي في تاريخ السنة أو المذاهب الإسلامية مما لا يتفق مع وجهة نظر الشيعة يقيم بعض علمائهم النكير على من يبحث في ذلك، ويتسترون وراء التقريب ويتهمون صاحب البحث بأنه متعصب معرقل لجهود المصلحين في التقريب، ولكن كتابا ككتاب الشيخ(الشيعي) عبد الحسين شرف الدين في الطعن بأكبر صحابي- يقصد أبا هريرة رضي الله عنه- موثوق في روايته للأحاديث في نظر جمهور أهل السنة لا يراه أولئك العابثون أو الغاضبون عملاً معرقلاً لجهود الساعين إلى التقريب، ولست أحصر المثال بكتاب أبي هريرة المذكور، فهناك كتب تطبع في العراق وفي إيران، وفيها من التشنيع على عائشة أم المؤمنين وعلى جمهور الصحابة ما لا يحتمل سماعه إنسان ذو وجدان وضمير".(70/204)
* الدكتور محمد حسين الذهبي وزير الأوقاف المصري الأسبق، وأستاذ في علوم القرآن والحديث والأستاذ في كلية الشريعة بالأزهر الشريف ورئيس قسم الشريعة في كلية الحقوق العراقية(سابقاً). يقول الدكتور الذهبي رحمه الله تعالى في كتابه في التفسير والمفسرون (2/39– 42، دار إحياء التراث العربي بيروت): "وهناك كتب في الحديث ذكرها صاحب أعيان الشيعة غير ما تقدم منها رسائل الشيعة إلى أحاديث الشريعة للشيخ محمد بن الحسن العاملي وبحار الأنوار في أحاديث النبي والأئمة الأطهار للشيخ محمد باقر، وهي لا تقل أهمية عن الكتب المتقدمة، والذي يقرأ في هذه الكتب لا يسعه أمام ما فيها من خرافات وأضاليل، إلا أن يحكم بأن متونها موضوعه وأسانيدها مفتعلة مصنوعة كما لا يسعه إلا أن يحكم على هؤلاء الإمامية بأنهم قوم لا يحسنون الوضع لأنه ينقصهم الذوق وتعوزهم المهارة وإلا فأي ذوق وأية مهارة في تلك الرواية التي يرونها عن جعفر الصادق وهي أنه قال: "ما من مولود يولد إلا وإبليس من الأبالسة بحضرته فإذا علم الله بأن المولود من شيعتنا حجبه من ذلك الشيطان وإن لم يكن المولود من شيعتنا أثبت الشيطان إصبعه في دبر الغلام فكان مأبونا وفي فرج الجارية فكانت فاجرة ".(70/205)
"وكلمة الحق والإنصاف أنه لو تصفح إنسان:أصول الكافي، وكتاب الوافي وغيرهما من الكتب التي يعتمد عليها الإمامية الإثنا عشرية، لظهر له أنّ معظم ما فيها من الأخبار موضوع وضع كذب وافتراء. وكثير مما روي في تأويل الآيات وتنزيلها لا يدل إلا على جهل القائل وافترائه على الله، ولو صح ما ترويه هذه الكتب من تأويلات فاسدة في القرآن لما كان قرآن ولا إسلام، ولا شرف لأهل البيت ولا ذكر لهم، وبعد فغالب ما في كتب الإمامية الإثنى عشرية في تأويل الآيات وتنزيلها وفي ظهر القرآن وباطنه استخفاف بالقرآن الكريم ولعب بآيات الذكر الحكيم، وإذا كان لهم في تأويل الآيات وتنزيلها أغلاط كثيرة فليس من المعقول أن تكون كلها صادرة عن جهل منهم، بل المعقول أن بعضها قد صدر عن جهل والكثير منها صدر عمداً عن هوى ملتزم وللشيعة كما بينا أهواء التزمتها".
* ويقول الدكتور محمد عمارة في (تيارات الفكر الإسلامي238/1المستقبل العربي 1983م): "وهكذا نهج الدستور–الإيراني– نفس النهج الذي حدده الخميني في كتاب الحكومة الإسلامية فوضعت ثورة الإسلام الذي اتفق عليها أغلب المسلمين بيد أداة لم يقل بها غير الشيعة من المسلمين!...ثم لاحت في الممارسة بوادر تنبئ عن أن الانحياز ليس فقط للفكر الإثنى عشري دون غيره من فكر المذاهب الإسلامية الأخرى، وإنما أيضاً للعنصر الفارسي دون الأقليات القومية الإيرانية الأخرى حتى ليحق للمرء أن يتساءل أهي الثورة الإسلامية في إيران؟أم أنها الثورة الشيعية الفارسية الإسلامية في إيران ?!!!".(70/206)
* الدكتور عبد المنعم النمر في (الشيعة والمهدي والدروز دار الحرية القاهرة سنة 1988): يقول (ص9): "وأشهد أنني ما وجدته أمامي نافذة واسعة من العلم لم أطل منها من قبل ?أنه قد راعني ما وجدته أمامي من معلومات عجبت كيف فاتتني كل هذه السنوات من عمري وانكشف أمامي عالم كان شبه مجهول مني ثم قويت شهيتي لمزيد من المعرفة حول الشيعة مع أن لي فيهم أصدقاء كثيرون...وتكونت لدي حصيلة من المعرفة جديدة علي أحس أنها كذلك جديدة على الكثيرين غيري من العلماء والمتعلمين وغيرهم".
ويقول:"وتابعت ما صدر ويصدر من زعيم وإمام المذهب الشيعي الإثنى عشري الآن وهو الإمام الخميني من كتب أو خطب وأحاديث، فوجدت فيها صورة طبق الأصل مما حوته الكتب القديمة عندهم في المذهب من النظرة السوداء لغيرهم من أهل السنة".
طعن الشيعة في الأئمة الأربعة عند أهل السنة:
إن الشيعة عندما يظهرون احترامهم لأئمة أهل السنة الأربعة (أبو حنيفة ومالك الشافعي وأحمد بن حنبل رحمهم الله تعالى) إنما ذلك من باب التقية.روى ثقة إسلامهم الكليني في الكافي (1/58ط طهران) عن سماعة بن مهران عن إمامهم المعصوم السابع أبي الحسن موسى في حديث: ".. إذا جاءكم ما تعلمون فقولوا به وإذا جاءكم ما لا تعلمون منها وأومىء بيده إلى فيه ثم قال: لعن الله أبا حنيفة كان يقول: قال علي وقلت أنا، وقالت الصحابة " وذكر هذه الرواية أيضاً محدثهم الحر العاملي في وسائل الشيعة (18/23 طبع بيروت).(70/207)
وروى عمدتهم في الجرح والتعديل محمد بن عمرو الكشي في كتابه اختيار معرفة الرجال المعروف برجال الكشي (ص149 طبع مشهد إيران) عن هارون بن خارجة قال سألت أبا عبد الله عن قول الله عز وجل: الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم (الأنعام: 82)؟ قال:هو ما استوجبه أبو حنيفة وزرارة ".وفي رواية عن أبي بصير عن أبي عبد الله قال: قلت: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) (الأنعام: 82). قال: أعاذنا الله وإياك من ذلك الظلم قلت: ما هو؟ قال: هو الله ما أحدث زرارة وأبو حنيفة وهذا الضرب قال: قلت: الزنا معه؟ قال: الزنا ذنب(رجال الكشي ص145).
ويقول نعمة الله الجزائري في كتابه(قصص الأنبياء ص347 طبع بيروت الطبعة الثامنة) ما نصه: "أقول هذا يكشف لك عن أمور كثيرة منها بطلان عبادة المخالفين وذلك أنهم وإن صاموا وصلوا وحجوا وزكوا وأتوا من العبادات والطاعات وزادوا على غيرهم إلا أنهم أتوا إلى الله تعالى من غير الأبواب التي أمر بالدخول منها.. وقد جعلوا المذاهب الأربعة وسائط وأبواباً بينهم وبين ربهم وأخذوا الأحكام عنهم وهم أخذوها عن القياسات والاستنباطات والآراء والاجتهاد الذي نهى الله سبحانه عن أخذ الأحكام عنها وطعن عليهم من دخل في الدين منها".(70/208)
والشيعي الدكتور محمد التيجاني الذي يصارح أهل السنة وكشف ما يكنه لهم الشيعة من عداء بأنهم نواصب، يقول في كتابه (ثم اهتديت- ص 127 ط مؤسسة الفكر في بيروت ولندن): "ربما أن المذاهب الأربعة فيها اختلاف كثير فليست عن عند الله ولا من عند رسوله". ويقول في كتابه (الشيعة هم أهل السنة ص84): "كيف لا نعجب من الذين يزعمون بأنهم أهل السنة والجماعة وهم جماعات متعددة مالكية وحنفية وشافعية وحنبلية يخالفون بعضهم في الأحكام الفقهية".ويقول في الصفحة 104: "وبهذا نفهم كيف انتشرت المذاهب التي ابتدعتها السلطات الحاكمة وسمتها بمذاهب أهل السنة والجماعة".ويقول في الصفحة 109: "والذي يهمنا في هذا البحث أن نبين بالأدلة الواضحة !! بأن المذاهب الأربعة لأهل السنة والجماعة هي مذاهب ابتدعتها السياسة..".ويقول في الصفحة 88: "فهذا أبو حنيفة نحده قد ابتدع مذهبا يقوم على القياس والعمل بالرأي مقابل النصوص الصريحة..وهذا مالك..نجده قد ابتدع مذهبا في الإسلام..وهذا الشافعي..وهذا أحمد بن حنبل..".
أهل السنة في إيران:
أهل السنة في إيران يشكلون ثلث السكان أي ما بين 15 إلى 20 مليون نسمة يمنعون من إقامة ولو مسجد واحد لهم في طهران، وغيرها من المدن الكبرى الشيعية. وطهران هي العاصمة الوحيدة في العالم لا يوجد فيها مسجد واحد للسنة مع وجود عشرات الأديرة، الكنائس، والمعابد لليهود والنصارى، والهندوس والمجوس فيها، هذا فضلا عن عدم إشراكهم في الحكم، ومنعهم حقوقهم السياسية والاجتماعية وحتى المدنية، وهدم مساجدهم، ومدارسهم الدينية، واضطهادهم المبرمج، وإبادة قياداتهم بشتى الطرق وباسم الوحدة الإسلامية تقية ونفاقا.
الخطة الإيرانية لتصدير الفكر الشيعي خارج إيران:
هذه مقتطفات من الرسالة السرية للغاية الموجهة من شورى الثورة الثقافية الإيرانية إلى المحافظين في الولايات الإيرانية:-(70/209)
"إذا لم نكن قادرين على تصدير ثورتنا إلى البلاد الإسلامية المجاورة فلا شك أن ثقافة تلك البلاد الممزوجة بثقافة الغرب سوف تهاجمنا وتنتصر علينا. وقد قامت الآن بفضل الله وتضحية أمة الإمام الباسلة دولة الإثنى عشرية في إيران بعد قرون عديدة ، ولذلك فنحن– وبناء على إرشادات الزعماء الشيعة المجلين – نحمل واجبا خطيرا وثقيلا وهو تصدير الثورة ، وعلينا أن نعترف أن حكومتنا فضلا عن مهمتها في حفظ استقلال البلاد وحقوق الشعب، فهي حكومة مذهبية ويجب أن نجعل تصدير الثورة على رأس الأولويات.لأن هؤلاء (الوهابيين وأهل السنة) يناهضون حركتنا وهم الأعداء الأصوليون لولاية الفقيه، والأئمة المعصومين، وحتى إنهم يعدّون اعتماد المذهب الشيعي كمذهب رسمي دستورا للبلد أمراً مخالفاً للشرع والعرف وهم بذلك قد شقوا الإسلام إلى فرعين متضادين.بناء على هذا: يجب علينا أن نزيد نفوذنا في المناطق السنية داخل إيران، وبخاصة المدن الحدودية، ونزيد من عدد مساجدنا والحسينيات، ونقيم الاحتفالات المذهبية أكثر من ذي قبل، وبجدية أكثر.
وإذا استطعنا أن نزلزل كيان تلك الحكومات بإيجاد الخلاف بين الحكام والعلماء، ونشتت أصحاب رؤوس الأموال في تلك البلاد ونجذبها إلى بلادنا، أو إلى بلاد أخرى في العالم، نكون بلا ريب قد حققنا نجاحا باهرا وملفتا للنظر.(70/210)
وجيراننا من أهل السنة والوهابية هم:تركيا والعراق وأفغانستان وباكستان وعدد من الإمارات في الحاشية الجنوبية ومدخل (الخليج الفارسي)! التي تبدو دولاً متحدةً في الظاهر إلا أنها في الحقيقة مختلفة. ولهذه المنطقة بالذات أهمية كبرى سواء في الماضي أو الحاضر كما أنها تعتبر حلقوم الكرة الأرضية من حيث النفط، ولا توجد في العالم نقطة أكثر حساسية منها، ويملك حكام هذه المناطق بسبب بيع النفط أفضل إمكانيات الحياة..أسلوب تنفيذ الخطة المعدّة:ولإجراء ويجب أن يكون هناك احترام متبادل وعلاقة وثيقة وصداقة بيننا وبينهم حتى إننا سوف نحسن علاقتنا مع العراق بعد الحرب وسقوط صدام حسين، ذلك أنّ إسقاط ألف صديق أهون من إسقاط عدو واحد. وفي حال وجود علاقات ثقافية وسياسية واقتصادية بيننا وبينهم فسوف يهاجر بلا ريب عدد من الإيرانيين إلى هذه الدول، ويمكننا من خلالهم إرسال عدد من العملاء كمهاجرين ظاهراً ويكونون في الحقيقة من العاملين في النظام، وسوف تحدد وظائفهم حين الخدمة والإرسال.
ولكن يكفي لأداء هذا الواجب المذهبي التضحية بالحياة والخبز والغالي والنفيس بل يتوجب أن يكون هناك برنامج مدروس، ويجب إيجاد مخططات ولو كانت لخمسمائة عام مقبل فضلا عن خمسين سنة، فنحن ورثة الملايين الشهداء الذين قتلوا بيد الشياطين المتأسلمون (السنة) وجرت دماؤهم منذ وفاة الرسول في مجرى التاريخ إلى يومنا هذا، ولم تجف هذه الدماء ليعتقد كل من يسمى مسلما بعلي وأهل بيت رسول الله، ويعترف بأخطاء أجداده ويعترف التشيع كوارث أصيل للإسلام.(70/211)
ليس لدينا مشكلة في ترويج المذهب في أفغانستان وباكستان وتركيا والعراق والبحرين، وسنجعل الخطة العشرية الثاني هي الأولى في هذه الدول الخمس. وفي النصف الثاني من هذه الخطة العشرية يجب– بطريقة سرية وغير مباشرة، استثارة علماء السنة والوهابية ضد الفساد الاجتماعي والأعمال المخالفة للإسلام الموجودة بكثرة في تلك البلاد، وذلك غبر توزيع منشورات انتقادية باسم بعض السلطات الدينية والشخصيات المذهبية من البلاد الأخرى، ولا ريب أن هذا يسكون سببا في إثارة أعداد كبيرة من تلك الشعوب، وفي النهاية إما أن يلقوا القبض على تلك القيادات الدينية أو الشخصيات المذهبية، أو أنهم سيكذبون كل ما نشر بأسمائهم وسوف يدافع المتدينون عن تلك المنشورات بشدة بالغة وستقع أعمال مريبة وستؤدي إلى إيقاف عدد من المسئولين السابقين أو تبديلهم، وهذه الأعمال ستكون سببا في سوء ظن الحكام بجميع المتدينين في بلادهم، وهم ذلك سوف لن يعملوا على نشر الدين وبناء المساجد والأماكن الدينية، وسوف يعتبرون كل الخطابات الدينية ولاحتفالات المذهبية أعمالا مناهضة لنظامهم، وفضلا عن هذا سينمو الحقد والنفرة بين العلماء والحكام في تلك البلاد.
وحتى أهل السنة والوهابية سيفقدون حماية مراكزهم الداخلية ولن يكون لهم حماية خارجة إطلاقا وعلى فرض أن الخطة لم تثمر في المرحلة العشرية الأخيرة، فإنه يمكننا أن نقيم ثورة شعبية ونسلب السلطة من الحكام، وإذا كان في الظاهر أن عناصرنا– الشيعة – هم أهل تلك البلاد ومواطنوها وساكنوها، لكنا نكون قد قمنا بأداء الواجب أما الله والدين وأمام مذهبنا".
هذه رسالة واحدة، وهناك كتب ورسائل وبحوث مهمة جدا ألفها كبار آياتهم ومراجعهم ودعاتهم تنطوي على كيد كبير بأهل السنة. (نشرتها رابطة أهل السنة في إيران- مكتب لندن).
التحالف الشيعي المغولي وإسقاط الخلافة الإسلامية ببغداد(70/212)
من المعروف أنّ من أهم أسباب انهيار الحضارة الإسلامية و انتقالها للغرب هو سقوط دار العلم بغداد بيد المغول. هذا السقوط لم يكن ممكناً لولا مساعدة الشيعة للمغول. و لا يخفى على من له أدنى وعي تاريخي بالشيعة الدور الخياني للوزير ابن العلقمي في سقوط بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية آنذاك، وما جره على المسلمين من القتل والخراب والذل والهوان بالاتصال بهولاكو، وإغرائه بغزو العراق وهيأ له من الأمور ما يمكنه من السيطرة والاستيلاء. وقد سلك ابن العلقمي في التخطيط لذلك الأمر بأن أشار على الخليقة المستعصم بتسريح أكبر عدد ممكن لتخفيف الأعباء المالية على الميزانية العامة، فوافقه الخليفة على ذلك، ولم يكن يعلم الخليفة بأنّ اقتراح الوزير ما هو إلى إضعاف جيش الخلافة في مواجهة الغزاة التتار، حتى أن الجنود تدهورت حالتهم الاجتماعية والمالية مما اضطرهم إلى الاستخدام في حمل القاذورات. وكاتب الوزير ابن العلقمي المغول وأطمعهم في البلاد، وأرسل إليهم غلامه وسهل عليهم ملك العراق، وطلب منهم أن يكون نائبهم في البلاد، فوعدوه بذلك، وأخذوا في التجهيز لقصد العراق، وكاتبوا بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل في أن يسير إليهم ما يطلبونه من آلات الحرب، فسير إليهم ذلك ولما تحقق قصدهم علم أنهم إن ملكوا العراق لا يبقون عليه فكاتب الخليفة سراً في التحذير منهم، وأنه يعد لحربهم فكان الوزير لا يوصل رسله إلى الخليفة ومن وصل إليه الخليفة منهم بغير علم الوزير اطلع الخليفة وزيره على أمره.
التحالف الشيعي الأمريكي:(70/213)
محمد على أبطحي نائب الرئيس الإيراني للشؤون القانونية والبرلمانية الذي وقف-بفخر يحسده عليه العلمانيون العرب المتأمركون-في ختام أعمال مؤتمر الخليج وتحديات المستقبل الذي ينظمه مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية سنويا بإمارة أبو ظبي مساء الثلاثاء 15/1/2004م ليعلن أن بلاده إيران:"قدمت الكثير من العون للأمريكيين في حربيهم ضد أفغانستان والعراق"، ومؤكدا انه "لولا التعاون الإيراني لما سقطت كابول وبغداد بهذه السهولة"!!
وأبطحي يعبر عن أساه لأن من كانت الدولة الإيرانية تدعوهم بـ"الشيطان الأكبر" لم يثمنوا الخدمة الإيرانية لهم, فأردف قائلا:"...لكننا بعد أفغانستان حصلنا على مكافأة وأصبحنا ضمن محور الشر، وبعد العراق نتعرض لهجمة إعلامية أمريكية شرسة ".
وحقيقة, فهذا التصريح المشين لم يجنح بعيدا عن سياق السياسة الإيرانية التي ارتأت أن تكون في صف يقابل تطلعات الأمة الإسلامية المهيضة, فقبل ذلك نقلت جريدة الشرق الأوسط في 9/2/2002م عن رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام وهو الرئيس الإيراني السابق؛ علي أكبر هاشم رفسنجاني قوله في يوم 8 فبراير في خطبته بجامعة طهران:إنّ "القوات الإيرانية قاتلت طالبان، وساهمت في دحرها، وأنّه لو لم تُساعد قوّاتهم في قتال طالبان لغرق الأمريكيون في المستنقع الأفغاني". وتابع قائلاً:"يجب على أمريكا أن تعلم أنّه لولا الجيش الإيراني الشعبيّ ما استطاعت أمريكا أنْ تُسْقط طالبان".
وقبل أن يتسرع أحدنا بالهجوم على الرجلين كونهما باءا بمغبة "تعكير العلاقات السنية الشيعية, نعيد إلى الذاكرة ما وصى به مرشد الثورة الإيرانية السابق آية الله الخميني عقب خروج الروس من أفغانستان مدحورين؛ حزب الوحدة الشيعي:"يا.. يا حزب الوحدة، يا شيعة أفغانستان، جهادكم يبدأ بعد خروج الروس".(70/214)
أفاد عديد من الخبراء العسكريين بأن الطائرات التي انطلقت من قواعد أمريكية في الدول العربية لا يمكن أن تعبر لأفغانستان إلا عن طريق الأجواء الإيرانية في وقت كان المسئولون الإيرانيون يشددون على "حرمة الأجواء الإيرانية" إلا على "الطائرات المضطرة للهبوط اضطراريا في إيران"! وأشارت مصادر عسكرية في الاستخبارات الأميركية في الوقت ذاته أن عناصر من القوات الخاصة الأميركية الموجودة في مدينة هرات غربي أفغانستان قرب الحدود الإيرانية أفادت بأن عملاء إيرانيين يتسللون إلى المنطقة ويهددون زعماء القبائل.
وقد أفاد العديد من المسئولين الأمريكيين والإيرانيين عن وجود اتصالات وتعاون بين الطرفين الأمريكي والإيراني بشأن الحرب في أفغانستان, نذكر من ذلك:
1-ما أكده نائب رئيس مجلس الشورى الإيراني الإصلاحي محسن أرمين عن وجود اتصالات مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران على الرغم من الأزمة التي تشهدها العلاقات بين البلدين )في وقت كانت تخايل الولايات المتحدة العالم بحديثها عن محور الشر الذي يضم إيران "تقية" وتدليسا. ونقلت صحيفة "نوروز" عن أرمين قوله "إن ثمة اتصالات تجرى لاحتواء الأزمة والحصول على معلومات دون وسطاء, هذا أمر طبيعي.. لا يمكننا القول إن هناك مفاوضات، وهذه الاتصالات لطالما كانت قائمة في السنوات الماضية". وبحسب مصادر سياسية في إيران تمت مثل هذه "الاتصالات" في الأشهر الماضية في أنقرة ونيقوسيا وتناولت خصوصا مسألة أفغانستان.(الوطن السعودية 15 مارس 2002).(70/215)
2- ما ذكرته صحيفة يو إس إيه توداي في 24 مايو 2004 من أن إيران مهتمة بإعادة العلاقات الدبلوماسية بينها وبين الولايات المتحدة. وما قالته مستشارة الأمن القومي الصهيونية -، كوندوليزا رايس، في مقابلة مع إحدى وكالات الأنباء أن الأمم المتحدة قد قامت بتيسير اتصالات بين الولايات المتحدة وإيران بصورة منتظمة عبر ما يطلق عليه اسم عملية جنيف، لمناقشة مسائل عملية كانت تتعلق أصلاً بأفغانستان، ثم اتسع نطاقها لتشمل العراق. وقد أشارت رايس قبل فترة وجيزة إلى أن مبعوث الرئيس الأفغاني الخاص زلماي خليل زاد قد شارك في محادثات مع مسؤولين من إيران التي انبثقت مباشرة، كما قالت رايس، "من الحاجة إلى معالجة أمر بعض المسائل العملية المتعلقة بأفغانستان ثم وسعنا ذلك ليشمل العراق".
3-ما قاله نائب الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الأميركية، فيلب ريكر :"نعرف كلنا بالطبع تاريخ جهود التحالف في أفغانستان التي أدت إلى تحرير ذلك البلد من طالبان واجتثاث الخلايا الإرهابية، بما فيها بالطبع القاعدة، التي كانت تتخذ من أفغانستان قاعدة لها. وكانت تلك عملية تمكنا بها من التباحث مع إيران أيضاً حول قضايا تتعلق بأفغانستان" )موقع وزارة الخارجية الأمريكية على شبكة الإنترنت].
4- ما أكدته منظمة حقوق الإنسان الأمريكية هيومان رايتس وتش في أكتوبر 2001م من أن ثمة تقارير صحفية تفيد أن الحكومة الإيرانية وضعت أعداداً إضافية من الجنود على حدودها بعد بدء الضربات العسكرية، وأنها بدأت في ترحيل مئات اللاجئين إلى أفغانستان.(70/216)
5- ما أعلنه الناطق باسم الخارجية الإيرانية وكذلك وزير الاستخبارات الإيراني علي يونسي في حديث أدلى به الأخير في المدرسة الفيضية الدينية في قم] أثناء العدوان من أن هناك شكلاً من أشكال الدعم تقدمه إيران أو اتفقت إيران على تقديمه للولايات المتحدة. وما نص عليه د. محسن رضائي الأمين العام لمجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران خلال حديثه لبرنامج "بلا حدود" في فضائية الجزيرة أثناء العدوان أيضا؛ حين قال:"إن الخلاص منه-المستنقع الأفغاني-يجب أن يمر عبر إيران، أي إزالة طالبان والتيار السياسي الموجود في أفغانستان، وإذا وصلت أميركا إلى طريق مسدود في أفغانستان لابد وأن تحصل على طريق للخلاص من هذا الطريق المسدود، فإيران طريق جيد، وإيران يمكن بشتى الطرق أن تحل هذا الطريق، وتخلص المنطقة من الأزمة الحالية، وتنتهي هذه الأزمة." (برنامج بلا حدود 25/7/2001).
وإنه بعد الحرب بأسابيع تعهدت إيران بتقديم 500 مليون دولار للمساهمة فيما دعته بإعادة إعمار أفغانستان أثناء زيارة قام بها الرئيس الأفغاني المفروض حميد قرضاي لإيران, أشاد فيها بالدعم الإيراني في إسقاط طالبان، وقال "لإيران دور مهم فلديها الكثير من الموارد مع توفر حسن النية لمساعدتنا على إعادة إعمار أفغانستان، ونريد من دول العالم كافة أن تساعدنا كما ساعدتنا إيران" )صحيفة الشعب الصينية 25/2/2002]. وقد جاء ذلك الدعم في ظل معاناة يعيشها الإيرانيون جراء الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها إيران وحدت بكثير من المتشددين الإيرانيين إلى إدانة هذا البذخ من الإصلاحيين في وقت يطوق العاصمة الإيرانية طهران حزام فقر مدقع من سكان عشش الصفيح, ما يعكس الأهمية الاستراتيجية التي أولتها إيران لدعم الأمريكي قرضاي في أفغانستان للحؤول دون عودة حكم طالبان من جديد.(70/217)
إن وزير الدفاع الإيراني علي شمخاني قد اقترح في 11/12/2001م بأن تقوم إيران بمساعدة حكومة أفغانستان في بناء جيشها "الوطني من أجل تعزيز الوحدة الوطنية في هذه الدولة الممزقة بفعل سنوات طويلة من الحرب".
وللحق فلسنا نعني أن طالبان كانت مثالية ولا أن النظام العراقي كان إسلاميا , وإنما نقول بأن الفخر بمساندة الصهيونية العالمية في إسقاط عواصمنا الإسلامية الواحدة تلو الأخرى في قبضة اليهود وأشياعهم من اليمين البروتستانتي لا يمكن أن يصدر عن قوم يحملون لهذه الأمة ودا ولا يشاركونها أحلامها وتطلعاتها.
التعاون الإيراني الصهيوني:
توجد عدة وثائق عن التعاون الإيراني الصهيوني تكشف عن أوجه التعاون بين ثورة الخميني ودولة الكيان الصهيوني، ومنها:-
الوثيقة الأولى:هي تلكس يطلب إذنا بالسماح لطائرة من شركة (ميد لاند) البريطانية للقيام برحلة نقل أسلحة أمريكية بين تل أبيب وطهران في الرابع من حزيران-يونيو1981م. ومن هذه الوثيقة يثبت إن الأسلحة الإسرائيلية بدأت بالوصول إلى طهران منذ بداية الحرب الإيرانية-العراقية.
الوثيقة الثانية:تقع في ثمان صفحات وهي عبارة عن عقد بين الإسرائيلي يعقوب نمرودي والكولونيل ك.دنغام وقد وقع هذا العقد في يوليو 1981م. و يتضمن بيع أسلحة إسرائيلية بقيمة 135,848,000 دولار. ويحمل العقد توقيع كل من شركة (أي.دي.إي) التي تقع في شارع كفرول في تل أبيب ووزارة الدفاع الوطني الإسلامي يمثلها نائب وزير الدفاع الإيراني.
الوثيقة الثالثة:هي رسالة سرية جدا من يعقوب نمرودي إلى نائب وزير الدفاع الإيراني. وفي الرسالة يشرح نمرودي أن السفن التي تحمل صناديق الأسلحة من أمستردام يجب أن تكون جاهزة عند وصول السفن الإسرائيلية إلى ميناء أمستردام.
الوثيقة الرابعة:في هذة الوثيقة هي يطلب نائب وزير الدفاع الإيراني العقيد إيماني من مجلس الدفاع تأجيل الهجوم إلى حين وصول الأسلحة الإسرائيلية.(70/218)
الوثيقة الخامسة:رسالة جوابية من مجلس الدفاع الإيراني حول الشروط الإيرانية لوقف النار مع العراق وضرورة اجتماع كل من العقيد دنغام والعقيد إيماني. وفي هذا يتضح أنّ إي هجوم إيراني ضد العراق لم يتحقق إلا بعد وصول شحنة من الأسلحة الإسرائيلية إلى إيران.
الوثيقة السادسة:رسالة سرية عاجلة تفيد بأن العراق سيقترح وقف إطلاق النار خلال شهر محرم, وان العقيد إيماني يوصي بألا يرفض الإيرانيون فورا هذا الاقتراح لاستغلال الوقت حتى وصول الأسلحة الإسرائيلية.
الوثيقة السابعة:طلب رئيس الوزراء الإيراني من وزارة الدفاع و ضع تقرير حول شراء أسلحة إسرائيلية.
الوثيقة الثامنة:وفيها يشرح العقيد إيماني في البداية المشاكل الاقتصادية والسياسية وطرق حلها, ثم يشرح بأن السلاح سيجري نقلة من إسرائيل إلى نوتردام ثم إلى بندر عباس حيث سيصل في بداية ابريل 1982م.
الوثيقة التاسعة: هي صورة لتأشيرة الدخول الإسرائيلية التي دمغت على جواز سفر صادق طبطبائي قريب أية الله الخميني, الذي قام بزيارة لإسرائيل للاجتماع مع كبار المسؤلين الإسرائيليين ونقل رسائل لهم من القادة الإيرانيين.
الوثيقة العاشرة:رسالة وجهها رئيس الوزراء الإيراني في ذلك الوقت حسين موسوي في يوليو 1983م يحث فيها جميع الدوائر الحكومية الإيرانية لبذل أقصى جهودها للحصول على أسلحة أمريكية من إي مكان في العالم, ويضيف انه على جميع الوزارات والمسئولين أن يضعوا شهريا كشفا بهذه المحاولات.
الوثيقة الحادي عشرة:تلكس إلى مطار فرانكفورت هو رحلة الأربعاء التي تقوم بها طائرات إسرائيلية. وفي الوثيقة تفصيل لأرقام الطائرات التي تهبط في مطار فرانكفورت في الجزء ب5 وقرب البوابة 42و20 وهنا تبدأ عمليات نقل صناديق الأسلحة مباشرة إلى طائرة إيرانية تنتظر في نفس المكان.(70/219)
الوثيقة الثانية عشرة: أمر سري من نائب القيادة اللوجستية في الجمهورية الإيرانية يطلب إزالة الإشارات الإسرائيلية عن كل الأسلحة الواردة.
الوثيقة الثالثة عشرة:طلب صرف مليار و781 مليون ريال إيراني لشراء معدات عسكرية إسرائيلية عبر بريطانيا.(الشبكة الإسلامية على شبكة المعلومات الدولية "الإنترنت" http://arabic.islamicweb.com)
أليس بعدة ذلك كله من العيب بالمسلمين أن تنطلي عليهم حيل هؤلاء الروافض ودموع التماسيح التي يذرفون الشيعة على وحدة المسلمين ولمّ الشمل، ومواجهة العدو المشترك؟. إنّ ما يحتاجه المسلمون اليوم هو وضوح الرؤيا، ومعرفة الغث من السمين، ومعرفة أعدائُه الذين يتسترون بالإسلام من القاديانية والأحباش والبهائية والروافض.. ومن لف لفهم من الفرق الخارجة عن الإسلام، وذلك أن العدو الخفي أشد خبثاً من العدو الظاهر، وصدق عليهم قول المولى عز وجل:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)آل عمران:118-120.
وآخر دعوانا إن الحمد لله رب العالمين على نعمة الإسلام، والله نسأل الرشاد والثبات..وصلى الله وسلم على محمد وآله وجميع أصحابه.(70/220)
الفهرست
نشأة الشيعة الإثنى عشرية ... 6
الرأي الأول: ... 6
أسماء هذه الفرقة:- ... 14
1- الشيعة: ... 14
2- الإمامية: ... 15
3- الإثنا عشرية: ... 15
4- القطعية: ... 16
5- أصحاب الانتظار: ... 16
6- الرافضة: ... 17
7- الجعفرية: ... 19
8- الخاصة: ... 19
الكتب الرئيسة عند الإثنى عشرية ... 20
اعتقاد الشيعة الإثنى عشرية في القرآن الكريم ... 24
أولا:عقيدة تحريف القرآن الكريم: ... 24
مصنفات الشيعة في إثبات تحريف القرآن: ... 31
ثانيا:مهدي الشيعة يأتي بالقرآن الكامل: ... 54
ثالثاً:مصحف علي: ... 56
رابعاً:العمل بالقرآن ريثما يخرج مصحفهم مع إمامهم المنتظر: ... 59
عدم الاهتمام بالقرآن: ... 62
الكتب المقدسة عند الشيعة ... 67
أولا: الصحيفة: ... 70
ثانياً:الجامعة أو كتاب علي: ... 71
ثالثاً:مصحف فاطمة: ... 72
رابعاً:-الصحيفة السجادية: ... 77
خامسا: الجفر:- ... 80
عقيدة الشيعة في السنة ... 87
الأصلان الخطيران عند الشيعة:- ... 91
الأصل الأول:علم الأئمة يتحقق عن طريق الإلهام والوحي ... 91
الأصل الثاني: خزن العلم وإيداع الشريعة عند الأئمة: ... 94
حكايات الرقاع: ... 100
عقيدة الشيعة في الإجماع: ... 102
عقيدة الشيعة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ... 104
أوجه التشابه بين اليهود والشيعة الإثنى عشرية: ... 115
عقيدة الإمامة عند الشيعة الإثنى عشرية ... 117
عصمة الأئمة: ... 123
علوم الأئمة: ... 126
1-علم الغيب: ... 126
2-جميع الكتب السماوية عند الأئمة: ... 127
3-الحسن يتكلم سبعين مليون لغة: ... 129
الله تعالى عند الشيعة يتجلى بمظاهر النبي والأئمة:- ... 129
الأئمة هم أسماء الله وصفاته: ... 130
الغلو في كيفية خلق الأئمة: ... 131
الأئمة الإثنا عشر أفضل من الأنبياء: ... 133
خلاصة ما عندهم من كفر في اعتقادهم ما الأئمة ... 135
عقيدة المهدية عند الشيعة ... 136
أسماؤه: ... 137
أمه مجهولة: ... 137(70/221)
ولادته: ... 137
عمره وقت خروجه: ... 137
عقيدة الرجعة عند الشيعة ... 138
عقيدة ظهور الأئمة عند الشيعة الإمامية ... 141
ظهور المهدي لإغاثة الملهوف: ... 143
خرافاتهم في خروج المهدي ورجعته: ... 143
المهدي يظهر عريانا: ... 147
عقيدة النياحة وشق الجيوب وضرب الخدود: ... 147
مناسك المشاهد والأضرحة ... 150
مناسك وأحكام زيارة القبور ... 153
أ ـ الطواف بها: ... 153
ب-الصلاة عند الضريح: ... 155
جـ الانكباب على القبر: ... 156
د ـ اتخاذ القبر قبلة كبيت الله:- ... 158
عقيدة الشيعة في يوم عاشوراء وفضله ... 158
كربلاء والكوفة وقم حرم: ... 160
عقيدة التقية عند الشيعة ... 161
متى يبدأ الشيعة بترك التقية؟ ... 172
الشيعة والمتعة الجنسية ... 175
فضائل المتعة عند الشيعة: ... 178
أحكام امرأة المتعة عند الشيعة: ... 180
وصاية جنسية: ... 182
قاذورات جنسية:- ... 184
إعارة الفَرْجِ: ... 186
الخميني والمتعة: ... 187
عقيدة البداء ... 188
عقيدة الطينة ... 196
خرافات شيعية ... 198
شركيات آية الله الخميني ... 208
1- اعتقاده تأثير الكواكب والأيام على حركة الإنسان: ... 208
2- القول بالحلول والاتحاد: ... 209
أ- قوله بالحلول الخاص: ... 209
ب- قوله بالحلول والإتحاد الكلي: ... 210
3- دعوى النبوة: ... 212
عقائد الشيعة في الإسلام والمسلمين ... 215
أولاً: تكفيرهم من لا يؤمن بولاية الأئمة الإثنى عشر: ... 215
ثانياً: النواصب في معتقد الشيعة هم أهل السنة والجماعة: ... 218
ثالثاً: إباحة دماء أهل السنة: ... 223
رابعاً: إباحة أموال أهل السنة: ... 227
خامسا: عدم إباحة التزاوج بين الشيعة والسنة: ... 229
التقريب بين أهل السنة والشيعة الإثنى عشرية ... 231
أقوال أئمة السلف والخلف في الشيعة الإثنى عشرية: ... 233
طعن الشيعة في الأئمة الأربعة عند أهل السنة: ... 245
أهل السنة في إيران: ... 247(70/222)
الخطة الإيرانية لتصدير الفكر الشيعي خارج إيران: ... 247
التحالف الشيعي المغولي وإسقاط الخلافة الإسلامية ببغداد ... 251
التحالف الشيعي الأمريكي: ... 252
التعاون الإيراني الصهيوني: ... 258(70/223)
إمامة الشيعة
تُوجِب الإعتقاد بتحريف القرآن
بقلم
عبدالملك بن عبدالرحمن الشافعي(71/1)
المقدمة
التمهيد
الفصل الأول:لا بد من شرطين في النص على الإمام تتحقق الغابة منه
الشرط الأول : أن يكون قطعي الدلالة وذلك بالنص على اسم الإمام دون صفته أو كنيته
الشرط الثاني: أن يكون قطعي في ثبوته وذلك بذكره النص في القرآن
الفصل الثاني:منعهم وجوب ذكر اسم الإمام في القرآن بمحاولتين
المحاولة الأولى: ذكر اسم الإمام في القرآن ممنوع لأنه قد يتسبب بتحريف القرآن
المحاولة الثانية: اسم الإمام من التفصيل الذي يكون محله السنة دون القرآن قياساً على الصلاة
الفصل الثالث:بقاء اللازم قائماً بوجوب ذكر اسم الإمام في القرآن وبيان النتائج الخطيرة المترتبة عليه(72/1)
المقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد فإن من المعلوم عند المتتبعين لدراسة الفرق والعقائد وتحديداً فرقة الشيعة الإمامية الاثنى عشرية يعلم يقيناً أن مسألة الإمامة عندهم تشكل الحجر الأساس في المذهب، والتي خلاصتها :[إن منصب الإمامة منصب إلهي كمنصب النبوة يكون بتعيين من الله تعالى وهو محصور في إثني عشر إماماً ولا يجوز نيله من قبل غيرهم مهما بلغت رتبة ذلك الغير من الصلاح والعلم الشرعي(1)].
__________
(1) لذلك تجدهم يصرحون بكل تطاول وجرأة بعدم أهلية الخلفاء الراشدين أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم لمنصب الإمامة مع أنهم خير هذه الأمة لقول علي - رضي الله عنه - فيما رواه الامام احمد في مسنده (1/106):[ عن الشعبى عن وهب السوائى قال خطبنا على رضى الله عنه فقال من خير هذه الامة بعد نبيها فقلت أنت يا أمير المؤمنين قال لا خير هذه الامة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر رضى الله عنه وما نبعد ان السكينة تنطق على لسان عمر رضى الله عنه]، فيعتقدون بمنع هذا المنصب عنهم لأن الله تعالى-بزعمهم- حصره في اثني عشر إماماً وحاشا لله تعالى من أن ينسب إليه مثل هذا الافتراء الذي ما أنزل الله به من سلطان (وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً ).(73/1)
إلا أن علماء الشيعة لم يكتفوا بإعطاء الإمامة هذا الحجم بعدِّها من ضروريات المذهب والحجر الأساس فيه، وإنما زادوا على ذلك بكثير وأوغلوا كثيراً في الغلو حين رفعوها إلى منزلة خطيرة وعظيمة بجعلها في مصاف أصول الدين وهي التوحيد والنبوة والمعاد -اليوم الآخر- فأصبحت عندهم أصلاً من أصول الدين(1) وفيصلاً بين الإسلام والكفر(2).
ونظراً للخطورة العظيمة التي وصل بها علماء الشيعة بقضية الإمامة واستنكار جميع الفرق الإسلامية عليهم هذا الغلو فيها، أخذ علماء الشيعة يدافعون عن معتقدهم محاولين إثباته بشتى أنواع الأدلة لعلهم يثبتوا صحته وشرعيته بنظر مخالفيهم ويقنعوهم بها أو على الأقل كحد أدنى بنظر أتباعهم -وذلك أضعف الإيمان- بأنها حق هناك ما يؤيده من الكتاب والسنة والعقل.
__________
(1) فهذا آيتهم العظمى جعفر سبحاني ينقل لنا إجماع الشيعة الإمامية على أن الإمامة من أصول الدين فقال في كتابه (الملل والنحل) ج1 ص257 تحت عنوان (هل الإمامة من الأصول أو من الفروع) ما نصه: [الشيعة على بكرة أبيهم اتفقوا على كونها أصلاً من أصول الدين وقد برهنوا على ذلك في كتبهم ،ولأجل ذلك يُعَدُّ الاعتقاد بإمامة الأئمة من لوازم الإيمان الصحيح عندهم، وأما أهل السنة فقد صرحوا في كتبهم الكلامية أنها ليست من الأصول].
(2) فهذا زعيم الحوزة العلمية وآيتهم العظمى أبو القاسم الخوئي يعترف بأن منكر الامامة كافر لأن الاسلام مبني على الولاية وذلك بموجب ما ورد عندهم من روايات الصحيحة، فقال في كتاب الطهارة جزء2 ص85:[ وحمل الكفر في الاخبار المتقدمة على الكفر الواقعي وإن كانوا محكومين بالاسلام ظاهرا أو على الكفر في مقابل الايمان إلا أن الاول أظهر إذ الإسلام بُنيَ على الولاية وقد ورد في جملة من الأخبار ان الاسلام بنى على خمس وعد منها الولاية ولم يناد احد بشئ منها كما نودي بالولاية ، كما هو مضمون بعض الروايات فبانتفاء الولاية ينتفي الاسلام واقعا].(73/2)
وبالفعل ساقوا كل ما يرونه دليلاً يثبت معتقدهم في الإمامة واعتمدوا طريقين في ذلك طريق العقل والشرع-الكتاب والسنة- إلا أنهم فاجأوا الجميع حين اعتمدوا في استدلالهم بالدرجة الأولى على العقل كمرتكز أساسي لمعتقدهم، ثم جعلوا أدلة الشرع بالدرجة الثانية لتأييد معتقدهم(1).
ونظراً لاعتمادهم بالدرجة الأولى والأساسية على أدلة العقل عزمت بعد التوكل على الله تعالى على دراسة استدلالهم العقلي العقائدي بكل خطواته دراسة شافية واسعة، إذ لم أترك كتاب عقائدي قديم أو حديث إلا وقرأته قراءة المتأمل الباحث حتى تكوَّن عندي تصور متكامل لاستدلالهم العقلي والذي هو عبارة عن سلسلة من الحلقات المتصلة تؤدي الى النتيجة النهائية وهي وجوب وجود إمام معصوم في كل عصر لهداية البشر.
__________
(1) فيقول شيخهم المفيد في كتابه (الارشاد) ص347 مبيناً ان العقل يحكم بوجوب وجود معصوم وبهذا الدليل العقلي لن تكون هناك حاجة إلى ذكر الادلة النقلية: [ومن الدلايل على ذلك ما يقتضيه العقل بالاستدلال الصحيح من وجود امام معصوم كامل غني عن رعاياه…..وهذا أصل لن يحتاج معه في الامامة الى رواية النصوص وتعداد ما جاء فيها من الاخبار لقيامه في قضية العقول وصحته بثابت الاستدلال]، ويقول المرتضى الملقب عندهم بعلم الهدى في كتابه (الشافي)جزء1 ص98:[ لان المعلوم لهم اعتقاد وجوب الامامة واوصاف الامام من طريق العقل والاعتماد عليها في جميع ذلك، وان كانوا ربما استدلوا بالسمع استظهاراً وتصرفاً في الادلة]، ويقول شيخ الطائفة الطوسي في كتابه (تلخيص الشافي) جزء1 ص141:[ اما وجود الامام وصفاته التي يستحقها (كالعصمة وغيرها) فمما لا يحتاج فيها الى النقل بل نعلمها من جهة العقول].(73/3)
وبما أن هذا الاستدلال قامت به عقول بشرية متمثلة بعلماء المذهب وأعلامه وأبرزهم الصدوق والمفيد والمرتضى والطوسي والحلي، فإنه قطعاً سيكون خاضعاً للنقد والأخذ والرد بوضعه تحت مجهر الشرع والعقل للوقوف على مواطن الخلل والضعف فيه، وهذا أمر طبيعي ما دام الاستدلال بشرياً وليس معصوماً منزَّلاً من السماء، ومن الجدير بالذكر أن الخلل قد يكون ظاهراً بنفس الدليل أو قد يخفى بطلانه على الغالبية من المسلمين وعندها يتحتم أن يبين الخلل والبطلان من خلال النتائج الباطلة التي يقود اليها ذاك القول، وهذا ما قمت به بالفعل لأني رأيت نجاح هذه الطريقة-ببيان النتائج الباطلة التي يفرزها القول وهو ما يسمى بلازم القول- وقوة تأثيرها عند غالب المسلمين لأن النظر في الأدلة وفهمها وتقييمها متعذر لدى الغالبية لأنها تحتاج إلى رصيد علمي يُمَكِّنه من عملية التقييم والنقد، في حين أن إبراز النتائج الباطلة للقول يكون أمراً سهلاً ميسَّراً لجميع المسلمين علماؤهم وعوامهم، إذ بمجرد أن ينظر إلى نتيجة القول يستطيع أن يحكم عليه بالصحة والبطلان، ومن ثم تكون هذه الطريقة أقوى وأنجح لأنها ستصل إلى عقول كافة المسلمين كي يشاركوا في عملية التقييم والنقد، في حين مناقشة نفس الدليل التي لا يشترك فيها إلا القلة من أهل العلم والاختصاص، وكذلك يكون تأثيرها ناجحاً على أنصار ذاك القول ومؤيديه لأنهم ربما نظروا إلى الدليل نظرة سطحية فسلموا بدلالته ولكن إذا نظروا في نتائجه الباطلة فهذا سيجعلهم يعيدوا النظر بجدية أكثر من أجل تقييمه وربما يقودهم إلى نبذه ومخالفته لأن القول الحق نتائجه كلها حقة والباطل نتائجه باطلة، وبالفعل قمت بمناقشة الاستدلال العقلي للإمامة من خلال النتائج المترتبة عليه في إحدى دراساتي السابقة التي نشرت بفضل الله تعالى وهي بعنوان (إمامة الشيعة دعوة باطنية لاستمرار النبوة) حيث بينت فيها أن الإمامة بحقيقتها دعوة لاستمرار النبوة(73/4)
وتفتح الباب لكل أدعياء النبوة كي يعلنوا كفرهم عن طريقها فهي كالجسر والمعبر الذي يمر من خلاله أدعياء النبوة، وهنا في هذه الدراسة أيضاً اتبعت هذه الطريقة بأن سلطت الضوء على النتائج الخطيرة المترتبة على حلقة من حلقات استدلالهم العقلي في الإمامة ألا وهو وجوب النص من الله تعالى على الإمام، أسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقاً ويوفقنا لاتباعه ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وأسأله سبحانه أن يجعلها في ميزان حسناتي أنه سميع مجيب.
التمهيد
إن هذه الدراسة هي من ضمن سلسلة مخصصة لدراسة نظرية الإمام المعصوم لدى الشيعة الإمامية الاثنى عشرية، إذ عكفت على دراستها مدة تقرب من عشر سنين باحثاً ومتأملاً فيها بعقل وإنصاف، فمن جهة درست أدلتها العقلية والنقلية من حيث قوتها وضعفها، ومن جهة أخرى سلطت الضوء على النتائج الخطيرة التي أفرزتها هذه النظرية، وقد كان جلّ تركيزي وبالدرجة الأولى على الاستدلال العقلي لأنهم عدُّوه الأساس والمنطلق في اثبات نظريتهم(1).
وكما هو معلوم لدى المتخصصين أن البناء العقلي لنظريتهم يجعل من نظرية اللطف الإلهي الأساس والمنطلق لبنائهم العقائدي والذي بنوا عليه لبنة أخرى وهو وجوب نصب الإمام على الله تعالى باعتباره لطفاً من الله تعالى بحق المكلفين، ثم اشترطوا لهذا الإمام العصمة كي تتحقق الغاية منه، فهي مرتكزة على تلك اللبنة، ثم من خلال اشتراط العصمة توصلوا إلى وجوب النص عليه من الله تعالى، بدعوى أن العصمة أمر باطني خفي غير محسوس كي يعرفه الناس بالظاهر فلا بد من النص عليه من الله تعالى كي يعرفه الناس وقد ذكروا ذلك صراحةً وكما يلي:
__________
(1) كما نقلنا في المقدمة نصوص أعمدة المذهب وأعلامه في ذلك كالمفيد والمرتضى والطوسي الذين نحتوا الاستدلال العقلي ونضَّروه لأتباعهم غاية التنضير.(73/5)
1-عن علي بن الحسين قال :[ الامام منا لا يكون إلا معصوما وليست العصمة في ظاهر الخلقة فيعرف بها ولذلك لا يكون إلا منصوصا](1).
2-قال السيد عبدالله شبر :[أن يكون منصوصاً عليه لأن العصمة من الأمور الباطنية كما تقدم](2)
3-يقول محسن الخرازي في:[ والدليل على ما ذهبنا إليه وجهان، الأول:أنا قد بينا أنه يجب أن يكون الإمام معصوماً، والعصمة أمر خفي لا يعلمها إلا الله تعالى، فيجب أن يكون نصبه من قبله تعالى، لأنه العالم بالشرط دون غيره](3).
فمن تلك المقدمات توصلوا إلى النتيجة النهائية وهي يجب على الله تعالى أن ينص على الإمام بعد الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
__________
(1) معاني الأخبار- الشيخ الصدوق ص 132.
(2) حق اليقين في معرفة أصول الدين- السيد عبدالله شبر جزء1 ص188.
(3) بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الامامية- الاستاذ السيد محسن الخرازي جزء2 ص100.(73/6)
ثم إنهم أوجبوا النص على الإمام من جهة أخرى وهي دعواهم بأن تعيين الإمام عن طريق اختيار الناس- الذي ينسبه الشيعة إلى أهل السنة(1)- يؤدي الى النزاع والتقاتل كل جماعة تريد أن تستحوذ عليها، وحتى يمنعوا وقوع هذا النزاع ويقطعوا مادته-بزعمهم- أوجبوا على الله تعالى أن يعين الإمام وينص عليه، فمن أقوالهم(2) في ذلك:
1-قال ابن المطهر الحلي ص52: [تفويض الامام (أي تعيين الامام) الى الاختيار يؤدي الى الفتن والتنازع ووقوع الهرج والمرج بين الامة واثارة الفساد، لان الفُسّاد مختلفوا المذاهب متباينوا الآراء والاعتقادات فكل صاحب مذهب يختار اماماً من اهل نحلته (وعقيدته) ولا يُمَكِّن غيره ممن ليس من اهل نحلته ان يختار الامام].
2-قال الحلي ايضاً ص46: [ان الله سبحانه وتعالى في غاية الرحمة والشفقة على العباد والرأفة بهم، فكيف يهمل الله تعالى نصب امر الرئيس مع شدة الحاجة ووقوع النزاع العظيم مع تركه او مع استناده الى اختيار المكلفين فان كل واحد منهم يختار رئيساً، وذلك فتح باب عظيم للفساد ومناف للحكمة الالهية تعالى الله عن ذلك]
3-قال ص51: [القول بالاختيار يؤدي الى الهرج والمرج واثارة الفتن فيكون باطلاً].
__________
(1) لا يخفى أن هذه نسبة لأهل السنة من قبل الشيعة غير صحيحة تكشف عن جهل بحقيقة معتقد أهل السنة في ذلك أو خبث وسوء سريرة بتقويلهم ما لم يقولوه أو يعتقدوه، لأن الحق في المسألة هي أن أهل السنة لا يرفضون مبدأ النص على الإمام جملة وتفصيلا كما يصوره المغرضون، بل غاية ما عندهم هو عدم حصرهم التعيين بالنص بل جوزوا أن يكون بالنص أو الاختيار وخير شاهد عندنا إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد تعين بطريقة النص من أبي بكر وهي طريقة معتبرة وصحيحة عندنا، فتأمل الفرق فإنه دقيق.
(2) الأقوال من الأول الى الثالث نقلناها من كتاب الألفين لعلامتهم ابن المطهر الحلي.(73/7)
4-يذكر الحلي ايضاً :[الامام يجب ان يكون منصوصاً (من قبل الله تعالى) لما بينا من بطلان الاختيار وانه ليس بعض المختارين لبعض الامة اولى من البعض الآخر، ولأدائه (أي الاختيار) الى التنازع والتشاجر، فيؤدي نصب الامام (بطريقة الاختيار) الى اعظم انواع الفساد، التي لاجل اعدام الاقل منها اوجبنا نصبه](1).
5-قال السيد عبدالله شبر :[أن الإمام يجب أن يكون منصوصاً عليه أو مظهراً للمعجز لم تقدم من بطلان الاختيار وأدائه إلى التنازع والتشاجر وأعظم أنواع الفساد](2).
فهذه باختصار فلسفة علماء الشيعة واستدلالهم العقلي على وجوب تعيين الإمام بالنص من الله تعالى، شرحتها وبسطتها كي يتفاعل معي جميع المسلمين لتشخيص موطن الخلل والنتائج الخطيرة الكامنة فيها.
الفصل الأول
لقد أوجب علماء الشيعة-كما ذكرنا- النص من الله تعالى على الامام(3) لكي يحصل اللطف للمكلفين وذلك بمعرفتهم للإمام عن طريق ذاك النص ليتسنى لهم بعد ذلك طاعته والانقياد له، بمعنى أنهم جعلوا تحقق معرفة الإمام وطاعته(4)
__________
(1) منهاج الكرامة- لعلامتهم ابن المطهر الحلي ص114.
(2) حق اليقين في معرفة أصول الدين- السيد عبدالله شبر جزء1 ص192.
(3) ننبه القارئ الى أننا في هذا الفصل سنسلم جدلياً لقولهم بأن النص على الامام واجب على الله تعالى، لنصل من خلال هذا التسليم الى النتيجة المهمة (اللازم) المترتبة على قولهم فليتنبه القراء لأن كل الدراسة ستكتب ويدور الحوار فيها على أساس التسليم الجدلي بدعواهم تلك كي لا نكرر التنبيه في كل مرة .
(4) وهو تكليف شرعي خطير عندهم كما ورد في مروياتهم بأنه كتكليف معرفة الله تعالى والنبي - صلى الله عليه وسلم - فمن مروياتهم وأقوالهم في ذلك ما يلي:
أ-روى الكليني أيضاً في الكافي باب (فرض طاعة الائمة) (1/187): [عن ابي سلمة عن ابي عبد الله - عليه السلام - قال: سمعته يقول: نحن الذين فرض الله طاعتنا، لا يَسَع الناس إلا معرفتنا ولا يُعْذَر الناس بجهالتنا، من عرفنا كان مؤمناً ومن انكرنا كان كافراً، ومن لم يعرفنا ولم ينكرنا كان ضالاً حتى يرجع الى الهدى الذي افترض الله عليه من طاعتنا الواجبة، فان يمت على ضلالته يفعل الله به ما يشاء].
ب-روى الكليني في الكافي (1/185-186) :[ بإسناده عن أبي جعفر عليه السلام قال: [ذِرْوِةُ الأمر وَسَنامُهُ ومفتاحه وباب الأشياء وَرِضى الرحمن الطاعة للامام بعد معرفته... أما لو أن رجلاً قام ليله وصام نهاره وتصدق بجميع ماله وحج جميع دهره ولم يعرف ولاية ولي الله فيواليه وتكون جميع أعماله بدلالته إليه، ماكان له على الله حق في ثوابه ولا كان من أهل الإيمان].
ج-روى الكليني في الكافي باب (معرفة الامام والرد اليه) (1/180) :[ ان ابا حمزة سأل ابا جعفر - عليه السلام -: [جعلت فداك فما معرفة الله، قال: تصديق الله عز وجل وتصديق رسوله - صلى الله عليه وسلم - وموالاة علي - عليه السلام - والأئتمام به وبأئمة الهدى - عليه السلام - وبأئمة الهدى - عليه السلام - والبراءة الى عز وجل من عدوهم، هكذا يعرف الله عز وجل].
د-يذكر شيخهم الصدوق الملقب عندهم برئيس المحدثين في كتابه (الهداية) ص 28-29:[أنه واجب علينا أن نعرف النبي والأئمة بعده صلوات الله عليهم بأسمائهم وأعيانهم، وذلك فريضة لازمة لنا، واجبة علينا، لا يقبل الله عز وجل عذر ( جاهل بها )، أو مقصر فيها].(73/8)
غاية، ثم جعلوا النص عليه وسيلة لتحقيق تلك الغاية.
وهذا التقرير الذي سلكوه في موضوع النص على الإمام هو في حقيقته متطابق تماماً مع ما قرروه من مقدمات ليثبتوا من خلالها وجوب عصمة الإمام، إذ جعلوا إقامة العدل وإزالة الظلم وحفظ الشرع غاية يجب تحقيقها في عدل الله تعالى ورحمته ولطفه، ثم جعلوا نصب إمام -من الله تعالى- وسيلة لتحقيق تلك الغاية، ثم قالوا بعد ذلك بأن هذه الوسيلة -وهي نصب الإمام- لكي تكون ناجحة موصلة للمطلوب يجب أن يتوفر فيها شرطان أساسيان وهما العصمة والتمكين، فهذا هو مسكلهم في اشتراط العصمة في الإمام.
ونحن في هذه الدراسة سنطبق مسلكهم في العصمة بعينه في موضوع النص من الله تعالى على الإمام وبنفس مقدماتهم التي وضعوها وقرروها، فنقول بأن معرفة المكلفين للإمام وامتثالهم له غاية واجب تحقيقها، والوسيلة التي تحقق تلك الغاية هي النص من الله تعالى على الإمام، وهذه الوسيلة -النص على الإمام- لكي تكون ناجحة موصلة للمطلوب يجب أن يتوفر فيها شرطان أساسيان(1) هما:
1-أن يكون النص قطعي في دلالته على الإمام.
2-أن يكون النص قطعي في ثبوته.
وعليه يكون هذان الشرطان واجبان كوجوب الوسيلة -وهي النص على الإمام- لأن الغاية لا تتحقق بتلك الوسيلة إذا فُقِد الشرطان معاً أو أحدهما، وهذا يحتم علينا دراستهما وبيانهما بتفصيل أكثر وكما يلي:
الشرط الأول: ان يكون هذا النص على الامام قطعي الدلالة:-
__________
(1) وهذا بعينه ما اشترطوه في عصمة الامام حيث أوجبوا في الوسيلة -وهي نصب الإمام- شرطان أساسيان وهما العصمة والتمكين، فكذلك هنا يشترط في الوسيلة –وهي النص على الإمام- شرطان أساسيان وهما القطع في الدلالة والقطع في الثبوت فتأمل وجه التطابق بين التقريرين عندهم.(73/9)
وهذا الشرط في غاية الأهمية، إذ الغاية –وهي معرفة الإمام وطاعته- تحتاج في تحقيقها إلى أن يكون النص على الإمام صريحاً وقطعياً أي خالٍ من الاحتمال والخفاء والإبهام، وهذا لا يكون إلا بالنص على الإمام بالإسم الصريح دون الوصف والكنية، ويمكن إثبات ذلك الشرط بطريقين هما:
الطريق الأول:إجماع العقلاء على ذلك:
إذ المقطوع به عند جميع العقلاء أن النص على الإمام كلما كان اكثر صراحةً كلما اقتربنا من تحقيق الغاية أكثر، ومما هو مقطوع به بينهم أيضاً هو أن أقصى درجات التصريح بالنص على الإمام وأعلاها تكون بذكر اسم الإمام صريحاً دون ذكر كنيته أو وصفه(1)، بمعنى أن ذكر اسم الإمام صريحاً واجب على الله تعالى لتوقف حصول الغاية عليه(2)، وهذا الأمر ثابت عند جميع العقلاء لا شك فيه، ولا يجادل فيه إلا جاهل أو معاند وكلاهما لا يحسن الالتفات إليه لأنه مضيعة للوقت وإهانة للعقل، وهذا الطريق وإن كان وحده كافٍ لأنه محل اتفاق العقلاء، إلا أننا من باب
__________
(1) وذلك لان الغاية (وهي معرفة الامام وطاعته) تتحقق بدرجات متفاوتة وأعلى درجة تتحقق بها تلك الغاية هي اذا كان النص على الامام بذكر اسم الامام صرحة بأن يقول الامام فلان بن فلان فهذا تتحقق الغاية منه بصورة مؤكدة وقطعية ولكن درجة تحققها تقل وتضعف اذا كان النص على الامام بذكر كنيته بأن يقول الامام هو أبو فلان لأن هذا مشترك بين عدة أشخاص، وكذلك تضعف درجة تحققها أكثر إذا كان النص على الامام بذكر صفته بأن يقول الامام هو القصير او النحيف او الاسود او الابيض لأنه مشترك بين كثيرين لذا سيكون احتمال تحققها به ضعيف جداًً.
(2) أي كما أوجبوا عصمة الإمام على الله تعالى كشرط أساسي يتوقف عليه تحقيق الغاية من نصبه وهي اقامة العدل وإزالة الظلم، كذلك هنا يلزمهم أن يوجبوا على الله تعالى النص على الإمام باسمه الصريح كشرط أساسي يتوقف عليه تحقيق الغابة منه وهي معرفة الإمام وطاعته.(73/10)
الاستئناس واستظهاراً لقوة الحجة سنسلك الطريق الثاني.
الطريق الثاني:تقريرات علمائهم ومراجعهم حول الإمامة والإمام:
إن ذكرنا لهذا الطريق هو من باب النافلة –إذ الأول يكفي كما ذكرنا- والمتمثل بالاعتماد على ما قرره علماء المذهب وأعلامه بما يؤيد ما ذكرناه من وجوب النص على الإمام بالاسم الصريح وذلك من عدة وجوه هي:
1-رفعهم لمنزلة الإمامة وجعلها من أصول الدين:
فقد رفعوا منزلة الإمامة من مكانتها الطبيعية بكونها من فروع الدين وجعلوها في مصاف القضايا العظيمة من الدين والتي يطلق عليها اصول الدين والمتمثلة بالتوحيد والنبوة واليوم الآخر-المعاد- فمن أقوالهم التي نصت على ذلك ما يلي:
1-آيتهم العظمى وعلامتهم ومحققهم جعفر سبحاني الذي يقول في كتابه (الملل والنحل) تحت عنوان (هل الإمامة من الأصول أو من الفروع) ما نصه: [الشيعة على بكرة أبيهم اتفقوا على كونها أصلاً من أصول الدين وقد برهنوا على ذلك في كتبهم ،ولأجل ذلك يُعَدُّ الاعتقاد بإمامة الأئمة من لوازم الإيمان الصحيح عندهم،وأما أهل السنة فقد صرحوا في كتبهم الكلامية أنها ليست من الأصول](1)، وقال:[ اتفقت كلمة أهل السنة أو أكثرهم على ان الإمامة من فروع الدين …… هذا ما لدى أهل السنة، و أما الشيعة فالاعتقاد بالإمامة عندهم اصل من أصول الدين](2).
2-وقال محمد رضا المظفر: [نعتقد أن الإمامة أصل من أصول الدين لا يتم الإيمان إلا بالإعتقاد بها](3).
3-يقول الخميني: [الإمامة إحدى أصول الدين الإسلامي](4).
4-يقول عبد الحسين المظفر: [ولأجل هذا وجب علينا أن نبحث عن الإمامة لأنها اصل من أصول الدين ولا يستقيم بدونها](5).
__________
(1) الملل والنحل ج1 ص257.
(2) ينظر الإلهيات: 4/9-10 .
(3) ينظر عقائد الإمامية: ص102.
(4) ينظر كشف الأسرار: ص149.
(5) ينظر كتاب الشافي في شرح أصول الكافي: ص49.(73/11)
5-يقول آيتهم العظمى ناصر مكارم الشيرازي: [فالإمامة في نظر طائفة الشيعة واتباع مذهب أهل البيت - عليه السلام - من أصول الدين والأسس العقائدية، بينما تعتبر في نظر طائفة أهل السنة من فروع الدين والأحكام العملية] (1)، وقال:[ لهذا يعتبر الإيمان بالإمامة جزءاً من اصول الدين لا من فروع الدين](2).
6-يقول السيد علي الحسيني الميلاني: [واما ان الإمامة من أصول الديانات والعقائد ام هي من الفروع ؟ فالحق: انها من الأصول كالنبوة](3).
7-يقول آيتهم العظمى عبد الحسين شرف الدين:[ فعلم أنها ترمي إلى أن ولاية علي من أصول الدين كما عليه الإمامية](4) ،وقال:[ وأن الإيمان عبارة عن اليقين الثابت في قلوب المؤمنين مع الاعتراف به في اللسان ، فيكون على هذا أخص من الإسلام ، ونحن نعتبر فيه الولاية مضافا إلى ذلك فافهم](5).
فما دامت الإمامة من أصول الدين بناءاً على تقريرهم السابق -كما نقل إجماعهم آيتهم العظمى جعفر سبحاني- فيلزمهم أن يكون النص عليها قطعياً يورث اليقين وليس ظنيا يورث الظن، وقد صرح بذلك آيتهم العظمى ناصر مكارم الشيرازي حيث قال:[ لكن ينبغي الالتفات إلى أن أصل الدين يختلف عن فروعه وجزئياته فلا يمكن إرساء أصل الدين وأساسه على الشك أو الظن ولا يمكن قبول الوحي الإلهي مقروناً بالاحتمال والشك والتردد، في حين أن احتمال الخطأ والاشتباه في الفروع والجزئيات لا يؤثر في أساس العقيدة](6)، ومعلوم أن القطع واليقين في النص على الإمام يتحقق إن كان بالإسم الصريح للإمام.
ثانياً:تكفيرهم لمن لا يعتقد بالإمامة سواء أنكرها أو جهلها:
__________
(1) ينظر كتاب نفحات القرآن: 9/10.
(2) ينظر المصدر السابق: ص12.
(3) ينظر كتاب الإمامة في أهم الكتب الكلامية: ص43.
(4) المراجعات لعبد الحسين شرف الدين ص260.
(5) الفصول المهمة في تأليف الأمة - لعبد الحسين شرف الدين ص13.
(6) ينظر نفحات القرآن لآيتهم العظمى ناصر مكارم الشيرازي:(7/184).(73/12)
وإليك طائفة من مروياتهم ونصوص علمائهم التي صرحت بكفر من لا يعتقد بالإمامة وبعضهم نقل الإجماع على ذلك وهي:
1- يذكر الكليني في الكافي في باب (معرفة الامام والرد اليه) (1/375) : [عن ابي جعفر - عليه السلام - قال: … من أصبح من هذه الامة لا إمام له من الله عز وجل ظاهر عادل، اصبح ضالاً تائهاً وإن مات على هذه الحالة مات ميتة كفر ونفاق].
2-روى الكليني في الكافي باب (فرض طاعة الائمة) (1/187): [عن ابي سلمة عن ابي عبد الله - عليه السلام - قال: سمعته يقول: نحن الذين فرض الله طاعتنا، لا يَسَع الناس إلا معرفتنا ولا يُعْذَر الناس بجهالتنا، من عرفنا كان مؤمناً ومن انكرنا كان كافراً، ومن لم يعرفنا ولم ينكرنا كان ضالاً حتى يرجع الى الهدى الذي افترض الله عليه من طاعتنا الواجبة، فان يمت على ضلالته يفعل الله به ما يشاء].
3-روى الكليني في الكافي في باب (من مات وليس له امام من أئمة الهدى) (1/377): [عن الحارث بن المغيرة قال: قلت لابي عبد الله - عليه السلام -، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مات لا يعرف امامه مات ميتة جاهلية؟ قال: نعم، قلت: جاهلية جهلاء او جاهلية لا يعرف امامه؟ قال جاهلية كفر ونفاق وضلال].
4-إن شيخهم المفيد نقل لنا إجماع الشيعة الإمامية على ذلك فقال تحت عنوان(القول في تسمية جاحدي الإمامة ومنكري ما أوجب الله تعالى للائمة من فرض الطاعة): [ واتفقت الإمامية على أن من أنكر إمامة أحد الائمة(1) وجحد ما أوجبه الله تعالى من فرض الطاعة فهو كافر ضال مستحق للخلود في النار](2).
__________
(1) وفي هذا تخصيص أشد وأنكى من مجرد إنكار الإمامة، بل أن منكر شخص أحد الأئمة (حتى وإن اعترف بالإمامة كأصل) يُعدُّ في نظر علماء الشيعة كافراً ضالاً يستحق الخلود في النار!!
(2) أوائل المقالات- الشيخ المفيد ص 44.(73/13)
5-ينقل علامتهم زين الدين العاملي الملقب بالشهيد الثاني إجماعهم على ذلك فقال:[ ولذا نقلوا الاجماع على دخولهم النار](1).
6-نقل عمدتهم وفيلسوفهم نصير الدين الطوسي إجماع الشيعة على أن النجاة يوم القيامة بدخول الجنة لا تكون لمن لا يعتقد بالإمامة فقال: [أن الإمامية قد تفردوا بأن دخول الجنة والنجاة لا يكون إلا بعد ولاية آل محمد عليهم السلام واعتقاد إمامتهم، وأما باقي الفرق الإسلامية، فقد أطبقوا على أن أصل النجاة هو الإقرار بالشهادتين(2)](3)
7-ينقل السيد المرتضى الملقب عندهم بعلم الهدى إجماعهم على تكفير من لا يؤمن بإمامة أئمتهم الاثنى عشر في رسالته (الرسالة الباهرة في العترة الطاهرة)فقال: [مما يدل أيضا على تقديمهم عليهم السلام وتعظيمهم على البشر أن الله تعالى دلنا على أن المعرفة بهم كالمعرفة به تعالى في أنها إيمان وإسلام ، وأن الجهل والشك فيهم كالجهل به والشك فيه في أنه كفر وخروج من الإيمان ، وهذه منزلة ليس لأحد من البشر إلا لنبينا صلى الله عليه وآله وبعده لأمير المؤمنين عليه السلام والأئمة من ولده على جماعتهم السلام .... والذي يدل على أن المعرفة بإمامة من ذكرناه عليهم السلام من جملة الإيمان وأن الاخلال بها كفر ورجوع عن الإيمان ، إجماع الشيعة الإمامية على ذلك ، فإنهم لا يختلفون فيه](4)
__________
(1) ينظر بحار الأنوار للمجلسي(8/368).
(2) فأي الفريقين أهدى سبيلاً وأنأى عن بث الفرقة والعداوة بين المسلمين؟! من يجمع المسلمين على مجرد الإقرار بالشهادتين أم من يرميهم بالكفر والضلال ويوجب لهم الخلود في نار الجحيم ما لم يوافقوه على مذهبه ومعتقده في الإمامة؟! فهذه شهادة أحدهم، وليسمع دعاة الوحدة والتقريب!!!
(3) نور البراهين - السيد نعمة الله الجزائري ج1 ص64.
(4) رسائل المرتضى - الشريف المرتضى ج2 ص 251-252 ونقل هذا الكلام بنصه علامتهم المجلسي في بحار الأنوار.(73/14)
8-يقول شيخ طائفتهم الطوسي:[ بسم الله الرحمن الرحيم وبه ثقتي إذا سألك سائل وقال لك: ما الإيمان ؟ فقل : هو التصديق بالله و بالرسول وبما جاء به الرسول والائمة عليهم السلام . كل ذلك بالدليل ، لا بالتقليد ، وهو مركب على خمسة أركان ، من عرفها فهو مؤمن ، ومن جهلها كان كافرا ، وهي : التوحيد، والعدل ، والنبوة والإمامة ، والمعاد](1) ،وقال في نفس الكتاب ص317:[ مسألة : عن قوله النبي صلى الله عليه وآله : " من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية " وقوله صلى الله عليه وآله : " من مات بلا وصية مات ميتة جاهلية " وهذا تفاوت لا يجوز عليه ، لان الجهل بالإمام يخرج عن الإيمان ، و من صحَّت عقيدته وحسنت أعماله ، واخطأ في ترك الوصية لا يخرج بذلك عن الإيمان ، فما الكلام في ذلك إذا اتفقت العبارتان واختلفتا في المعنى ؟ . الجواب : الجهل بالامام كفر وقد استفسروا عنه فقالوا هو ميته كفر و ضلال ] .
9-يقول محققهم الكركي:[ بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين في التتميم الحمد لله والصلاة على رسوله محمد وآله الأطهار . يجب على كل مكلف حر وعبد، ذكر وأنثى، أن يعرف الأصول الخمسة التي هي أركان الإيمان ، وهي: التوحيد، والعدل ، والنبوة ، والإمامة ، والمعاد ، بالدليل لا بالتقليد. ومن جهل شيئا من ذلك لم ينتظم في سلك المؤمنين واستحق العقاب الدائم مع الكافرين](2) .
__________
(1) الرسائل العشر- الشيخ الطوسي ص 103.
(2) رسائل الكركي - المحقق الكركي ج1ص59.(73/15)
10- يذكر علامتهم وآيتهم العظمى عبد الحسين الموسوي – صاحب المراجعات – أن أخبار الشيعة لا تثبت النجاة يوم القيامة لجميع الموحدين بل هي مخصصة بمن يعتقد بالولاية والإمامة،ومن ثم فهي تحكم على باقي الموحدين من عدا الإمامية بالخلود بالنار حيث قال:[ وإن عندنا صحاحاً أُخَر فزنا بها من طريق أئمتنا الاثني عشر .. فهي السنة التالية للكتاب، وهي الجنة الواقية من العذاب، وإليكها في أصول الكافي وغيره تعلن بالبشائر لأهل الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر لكنها تخصص ما سمعته من تلك العمومات المتكاثرة بولاية آل رسول الله وعترته الطاهرة ... ولا غرو فإن ولايتهم من أصول الدين ](1).
__________
(1) ينظر الفصول المهمة لعبد الحسين شرف الدين ص32.(73/16)
فتبين لنا مما تقدم خطورة قضية الإمامة عندهم حتى أن الله تعالى لا يُعْرَف إلا بها وأن منكرها كافر مستحق للخلود في النار مع باقي الكفار، وكل هذا يوجب ان يذكر الله تعالى الامام بالنص الصريح ليعرفه الناس ويقطع بذلك الحجة على عباده لأن الحجة يجب أن تكون صريحة وقاطعة للعذر كما قال تعالى ( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ )(لأنفال: من الآية42)، إذ قضية بهذه الدرجة من الخطورة لا يمكن أن يتجاهلها القرآن دون بيان وتصريح(1)
__________
(1) يقول محقق كتاب (الالفين) السيد محمد مهدي حسن الموسوي ص42-43 حول اهمية الامامة: [و كيف يجوز عليه تعالى اهمال هذا الواجب العظيم (وهو نصب المعصوم) الذي به حياة الشريعة والبشر؟ مع بيانه لأقل واجب في الدين حتى الارش في الخدش وقصاص الضرب والجرح والتعزير على المخالفات البسيطة وحرمة اخذ المال من غير حله ولو كان قنطاراً، والنظر الى ما لا يحل ولو لحظة، والغيبة ولو بكلمة الى غير ذلك بل أبان من المسنونات في كل باب من ابواب الشريعة ما لا يحصر وما يترتب على ذلك من اجر وشر- ومن يعمل مثقال ذرة . . الخ - فإذا كان تعالى قد قطع عذر العباد بجعل النواميس النظامية والعبادية ، كيف يجعل لهم العذر بالتلاعب بتلك النواميس عمدا وخطأ ، وتسبيب الفوضى بالنظام والأحكام ؟ فالواجب عليه أن يقيم لهم المصلح الحافظ وهو القدير على إقامته ، أفيخل بالواجب أو يعجز عن إيجاد ذلك الحجة ؟ - تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا]،فتبين من خلال كلامهم أنه لا يمكن ان يهمل الله تعالى ذكر وبيان مسألة الامامة بل لا بد ان يذكرها ويصرح بذكرها ليعرف الناس من هو الامام ومن ثم يطيعوه وينقادوا له.(73/17)
، ومعلوم أن أقصى درجات التصريح تكون بذكر اسم الامام لتحقق الغاية من النص عليه وهي معرفته لأن معرفته إيمان والجهل به كفر وضلال كما تقدم، فهذا الأمر الثاني لتقريراتهم التي توجب ذكر اسم الإمام صراحة.
ثالثاً:أوجبوا النص على الإمام كي يمنعوا النزاع في تعيينه:
في معرض ردهم على أهل السنة قالوا أن طريقة تعيين الإمام باختيار المكلفين فيها مفسدة وهي وقوع النزاع والتشاجر في تعيين الإمام، ولأجل أن يمنعوا هذه المفسدة أوجبوا أن لا يكون تعيين الإمام إلا بنص من الله تعالى، وبناءاً على تقريرهم هذا نقول أن هذه المفسدة –وهي حصول التنازع في تعيين الإمام- لا تقع فقط في حالة عدم وجود النص على الإمام، بل أنها تقع أيضاً إذا كان ذاك النص غير صريح بأن يكون مبهم أو خفي، إذ كل جماعة سوف تستدل بهذا النص المبهم الخفي على الإمام الذي تريده فيحصل الخلاف والنزاع، فعليه نقول كما أنكم أوجبتم النص على الإمام لرفع هذه المفسدة يلزمكم أن توجبوا النص الصريح لرفعها وهذا لا يكون إلا بذكر اسم الإمام صراحةً.
رابعاً:إيجابهم على الله تعالى أن يدلَّ المكلفين على الإمام:
فقد أوجبوا على الله تعالى أن يدل المكلفين على الإمام ويرشدهم لمعرفته كي يعرفوه ومن ثم ينقادوا إليه، فمن أقوالهم(1) التي صرحت بذلك ما يلي:
1-ذكر ص255: [لا بد في اللطف من نصب الامام ونصب طريق للمكلَّف الى معرفته].
2-ذكر ايضاً في نفس الكتاب ص325: [فهو من فعله تعالى بأن ينصبه ويدل عليه].
3-ذكر ايضاً ص164: [والذي من فعله تعالى نصب الامام والدلالة عليه].
__________
(1) النصوص(1-4) نقلناها من كتاب (الألفين) لعلامتهم ابن المطهر الحلي.(73/18)
4-ذكر أيضاً ص198:[ الإمامة تنم فائدتها بأشياء : الأول : نصب الله تعالى للإمام . الثاني : نصب الأدلة عليه . الثالث : قبول الإمام للإمامة . الرابع : إيجاب الله تعالى على المكلفين طاعته وامتثال أوامره وتحليل قتال من خالفه . الخامس : إعلامهم ذلك بنصب الأدلة عليه . السادس : طاعة المكلفين له وامتثال أوامره ونواهيه، والخمسة الأول من فعله تعالى وفعل الإمام، والسادس من فعل المكلفين].
5-يقول الطوسي في (تلخيص الشافي) جزء1 ص106-107: [فالذي من فعله تعالى: هو ايجاد الامام وتمكينه بالقدر والعلوم والآلات من القيام بما فوض إليه والنص على عينه وإلزام القيام بأمر الامة].
6-يقول السيد المرتضى في كتابه (الشافي) (1/44) عن الإمام:[إن الواجب على الله تعالى أن يوجب العلم به، ويُمَكِّن منه].
وبعد هذا التقرير المهم يعود علامتهم ابن المطهر ليقرر عين تقريرنا وذلك حين عرَّف لنا البيان المقصود للإمام فقال في نفس الكتاب ص315 :[ والمراد بالبيان مالا يحتمل غير المعنى بحيث يكون نصاً صريحاً]، ثم راح بعد ذلك يبين مقصوده بالنص الصريح الذي ذكره ويعرفه في (نهج السداد شرح واجب الاعتقاد)(1) فيقول: [والنص هو اللفظ المفيد الذي لا يُحمل على غير ما فهم منه أي اطلاق لفظ يدل على معنى واحد مانع لنقيضه]،
وبناءاً على معتقدكم الذي أوجبتم فيه على الله تعالى أن يدل المكلفين على الامام ليعرفوه ومن ثم ينقادوا له، نقول إن الرحمة الالهية تقتضي إذاً ان تكون هذه الدلالة على الامام بأعلى درجات البيان والتوضيح ليتيسر للناس معرفته، وكما هو معلوم ان اعلى درجات البيان والتي تحصل بها الغاية بصورة يقينية وقطعية هي بذكر اسم الامام صراحةً، فهذا الأمر الثالث الذي يوجب ذكر اسم الامام صراحةً بناءاً على تقريراتهم.
__________
(1) نسخة مخطوطة في دائرة الآثار والتراث برقم (21951).(73/19)
خامساًً:اعترفوا بوجوب كون النص على الإمام صريحاً وليس مبهماً أو خفياً(1):
فلم يكتفوا بتقرير ما ذكرنا من إيجابهم على الله تعالى أن ينصَّ على الإمام ويدل عليه –كما ذكرناه في النقطة السابقة- بل زادوا على ذلك وأوغلوا أكثر في موافقة ما قررناه وذلك حين ذكروا شروطاً لذلك النص على الإمام منها أن يكون صريحاً في دلالته على شخص الإمام وأن يكون جلياً ظاهراً وليس خفياً، فمن أقوالهم في ذلك ما يلي:
1-يقول علامتهم نصير الدين الطوسي في (قواعد العقائد) ص110: [واما القائلون بوجوبه على الله تعالى (أي النص على الامام) فهم الشيعة القائلون بامامة علي بن ابي طالب - عليه السلام - بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، واختلفوا في طريقة معرفة الامام بعد ان اتفقوا على انه هو النص من الله تعالى أو ممن هو منصوص من قبل الله تعالى لا غير، فقالت الامامية الاثنى عشرية والكيسانية انه انما يحصل بالنص الجلي لا غير، وقالت الزيدية إنه يحصل بالنص الخفي أيضاً].
2-يقول الطوسي في (الغيبة) ص18: [اما الذي يدل على فساد قول الكيسانية القائلين بإمامة محمد بن الحنفية فأشياء منها أنه لو كان إماماً مقطوعاً على عصمته لوجب أن يكون منصوصاً عليه نصاً صريحاً لأن العصمة لا تعلم إلا بالنص].
3-يقول ابن المطهر الحلي في (الالفين) ص65: [خلق الامام وتمكينه بالقدرة والعلوم والنص عليه باسمه ونسبه وهذا واجب على الله].
__________
(1) وكل عاقل يعلم بأني لو لم أذكر من تقريراتهم ما يؤيد ما قررته -من وجوب النص على الإمام بالإسم الصريح- إلا هذه النقطة لكفت ووفَّت لأن علماءهم ومراجعهم اشترطوا فيها أن يكون النص صريحاً بالاسم، ولكني ذكرت باقي الأمور من باب الاستطراد وقطع الطريق أمام المعاندين والمشاغبين.(73/20)
4-التفسير الكاشف لمغنية مجلد1 ص197:[ والامام بمعنى النبي يفتقر الى النص من الله بواسطة الروح الامين، وبمعنى الوصي لا بد فيه من النص من الله سبحانه على لسان نبيه الكريم، وشرط هذا االنص أن يكون بالاسم والشخص لا بالصفات وصيغة العموم فقط كما هي الحال في المجتهد والحاكم الشرعي بل بالنص الخاص الذي لا يقبل التأويل ولا التخصيص ولا مجال فيه اطلاقاً للبس أو احتمال العكس].
5- يقول علامتهم محمد جميل حمود في كتابه (الفوائد البهية في شرح عقائد الامامية) جزء2ص50 حول وجوب النص على الامام:[ولا بد من النص أن يكون جلياً واضحاً لا خفياً مبهماً ، بمعنى أنه لا بد أن يبرز النص اسم الإمام الجائي بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - بحيث لا يُوقع الناس في الريب ، لأن الإمامة واجبة عليه تعالى بحكم ضرورة العقل القائل بنيابة الإمامة مناب النبوة ... وفي المقابل ذهبت الزيدية على أن النص على الإمام خفي أي ان النبي - صلى الله عليه وسلم - نص على الإمام علي عليه السلام بالوصف دون الإسم].
وهكذا تبين لنا وجوب الشرط الاول وهو وجوب ذكر اسم الإمام صراحةً، عن طريق اتفاق العقلاء وتقريرات علمائهم وتصريحاتهم، ولننتقل الى الشرط الثاني.
الشرط الثاني: أن يكون هذا النص على الامام قطعي الثبوت عند جميع المسلمين:
وهذا الشرط لا يتحقق يقيناً إلا بذكر اسم الإمام في القرآن دون غيره من مصادر التشريع، والذي يدل عليه وجوه عديدة منها:
الوجه الأول:
إن الأصل في النص أن يذكر في القرآن لأنها قضية عظيمة وعقيدة خطيرة إذ الإخلال بها يورث اللعن والخلود في نار الجحيم – كما نقلنا نصوصهم في ذلك قبل قليل- لأن القرآن هو مصدر التشريع الأول ومنه يجب أن تستقى وتؤخذ العقائد الكبرى لا سيما مع التسليم بما قرروه من كون الإمامة من أصول الدين في مصاف التوحيد والنبوة، وقد صرح علمائهم بذلك فمنهم:(73/21)
1-صرح آيتهم العظمى محمد حسين فضل الله في لقائه الاسبوعي والذي يصدر في مجلة الندوة بعنوان (نظرات عقيدية) ص232 تحت مبحث(بين الفلسفة والعقيدة) حول استفسار وجِّه اليه نصه:[ما هي المصادر المهمة في العقيدة الإسلامية؟ وهل صحيح ما يقال من أحد مصادرها الفلسفة؟ مع العلم أن الفلسفة جاءت من اليونان حيث قام المسلمون بعريبها وترجمتها في صدر الإسلام؟ فكيف كان ذلك؟ فأجاب ما نصه:[أنا لا أعتبر الفلسفة مصدراً من مصادر العقيدة الإسلامية، فالمصدر الأساس هو القرآن، لأن القرآن هو الذي ركز لنا الأسس الفكرية للعقيدة الإسلامية، بل إنني أجزم أن أي عقيدة إسلامية تعتبر الفلسفة أساسها ليست عقيدة صحيحة ... فالقرآن في أسلوبه وفي وسائله الفكرية هو حركة العقيدة في كل مفرداتها الأساسية ... علينا أن نأخذ عقائدنا من القرآن بالوسائل القرآنية، وبالأساليب القرآنية، ففي القرآن إذا فهمناه جيداً غنىً وثراء]، وقال أيضاً:[ يرتكز المنهج الذي أتبعه أولاً على دراسة النظرية الإسلامية من خلال القرآن، وثانياً على مراجعة الأحاديث النبوية الشريفة وأحاديث أئمة أهل البيت (ع) ... فأنا أحاول محاكمة الحديث من خلال القرآن لا محاكمة القرآن من خلال الحديث، لاعتقادي أن القرآن هو الذي يعطينا العناوين الكبرى، بينما الأحاديث تتناول التفاصيل ... أعتقد أن هذا المنهج الجديد هو المنهج الأفضل في بحث أي موضوع، لأنه يؤكد على القرآن بوصفه القاعدة الإسلامية الأولى والأصل](1)
__________
(1) ينظر مرجعية المرحلة وغبار التغيير لجعفر الشاخوري ص447-448(73/22)
2-اعترف آيتهم العظمى الوحيد الخرساني بذلك فقال: [المسألة التي ينبغي أن يلتفت إليها الجميع هي أن أصول المعارف الدينية (المعتقدات) لا يصح أن تُؤخذ ونتلقاها من أي أحد، وأن مبدأها والمراجعة فيها هما اثنين لا غير (القرآن والحديث) وإنما تنشأ الانحرافات عندما نأخذ من غير هذين المصدرين، فأن أصل هذه القضايا يؤخذ من القرآن الكريم ويؤخذ الفرع من الروايات](1).
فالقرآن الكريم هو مصدر التلقي الأول عند المسلمين ومنه يستمدون اعتقادهم ودينهم وقد ذكر الله فيه وفصَّل ما تتوقف عليه نجاة العبد فلا بد من ذكر النص على الإمام فيه.
الوجه الثاني:
إن الله تعالى قد وصف كتابه العزيز بأوصاف يستحيل معها تجاهل ذكر قضية النص على الإمام فيه فمنها:
أ-إن آيات القرآن مفصلة وليست مبهمة(2) فقال تعالى { الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } (هود:1)، وقال تعالى { أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً } (الأنعام: من الآية114) فعليه يجب أن تذكر فيه المسائل التي تتوقف عليها نجاة العبد بالتفصيل والوضوح، ومن أهم هذه المسائل هي معرفة الامام وطاعته(3) فلا بد من ذكرها بالتفصيل وبأقصى غايات البيان في القرآن الكريم.
__________
(1) ينظر مقتطفات ولائية: ص36.
(2) فيقول الله تعالى عن القرآن { بل هو آيات بينات } العنكبوت (49) ويعرف ابن المطهر الحلي البينات في كتاب (الالفين) ص317 بقوله: [البينات وهي مأخوذة من البيان وهو ما يفيد العلم لمن نظر فيه].
(3) وذلك على التسليم الجدلي بما قرروه من أهمية الإمامة كي نلزمهم بنتائج تقريراتهم فليتنبه القراء لذلك.(73/23)
ب-إن القرآن هو هدى ورحمة للمؤمنين، فقال تعالى { إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً } (الاسراء:9)، وقال تعالى { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ } (يونس:57)، فعليه يجب أن يُذْكر فيه ما يحتاج العبد فيه الى الهداية وهي هداية البيان والتوضيح، ومعرفة الامام اهم المسائل التي يحتاج العبد فيها الى الهداية والبيان فلا بد من ذكره في القرآن.
ج-إن الله تعالى قد ذكر اهم الاغراض من انزال القرآن وهو البيان للدين (وخاصة الاصول) وللشريعة وهداية الناس، فقال تعالى { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } (النحل: من الآية44)، وقال تعالى { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } (النحل: من الآية89)، وقال تعالى { الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } (ابراهيم:1)، وقال تعالى { رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ } (الطلاق: من الآية11)، فما دام الغرض من إنزال القرآن هو لبيان الدين للناس وكذلك لهدايتهم، فلا بد من ذكر أصول الدين فيه مفصلة وليست مبهمة ليحصل البيان والهداية أي يجب ذكر النص على الامام في القرآن.(73/24)
د-قد ذكر الله تعالى وصرح بالغاية التي لأجلها بيَّن في القرآن أصول الدين والشريعة، وهذه الغاية هي للتفريق بين الحق والباطل ليرتفع بذلك الخلاف والنزاع، فقال تعالى { وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } (النحل:64)، وسمى الله تعالى كتابه الفرقان الذي يفرق بين الحق والباطل، فقال تعالى { تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً } (الفرقان:1)، فتبين أن الغرض من إنزال هذا القرآن هو بيان الحق وإزالة الخلاف والنزاع، ومعلوم ان من أهم وأخطر مسائل أصول الدين المتنازع فيها هي معرفة الامام وطاعته(1)، فيتحتم ذكر النص على الامام في القرآن لتقوم به الحجة القاطعة للعذر ولتتحقق الغاية من إنزال هذا القرآن وهي التفريق بين الحق والباطل وازالة الخلاف وقطع النزاع.
الوجه الثالث:
إنهم رووا رواية في أصح الكتب الحديثية عندهم وهو كتاب الكافي للكليني تؤيد ما ذكرنا وذلك في جزءا ص216 رقم الحديث(2) ونصها:[ عن العلاء بن سبابة عن أبي عبد الله - عليه السلام - في قوله تعالى { إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } (الاسراء: من الآية9)، قال: يهدي الى الامام]، وبموجب هذه الرواية يكون القرآن هادٍ للمكلفين ومرشدهم إلى الإمام ولا يتحقق ذلك بصدق إلا بذكر النص على الإمام فيه.
الوجه الرابع:
إن عدم ذكر الإمام في القرآن يتنافى مع كون القرآن الحجة الأولى والفرقان الفاصل بين الحق والباطل والكفر والإيمان، لا سيما في قضية يترتب عليها الكفر والإيمان وهي معرفة الإمام وطاعته.
الوجه الخامس:
__________
(1) وخطورتها تمكن في ان منكر الامام كافر بل وحتى الجاهل به كافر او ضال لا يعذر وكل هذا من باب التسليم الجدلي لما قرروه.(73/25)
إن الله تعالى قد ذكر في القرآن مسائل فرعية وبسيطة مثل الحيض والمداينة وغض البصر وذكر ايضاً مسألة بسيطة لا يترتب عليها ثواب ولا عقاب ومع بساطتها قد ذكرها وذكر فيها اسم الصحابي وهو زيد كما قال تعالى { فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا } (الأحزاب: من الآية37)، فاذا كان الله تعالى قد ذكر اسم زيد في القرآن في هذه المسألة البسيطة الهينة والتي لا يترتب على الجهل بها عقاب فمن باب أولى أن يذكر الله تعالى في القرآن النص على الامام حتى يعرفه الناس ولتُقامَ به الحجة على منكره والجاهل به وخصوصاً أن الجاهل به كافر بالله تعالى كما تقدم.
الوجه السادس:
من المعلوم عند العقلاء في حالة وجود القدرة ووجود الداعي -على فعل شيء- وانتفاء الصارف وجب وقوع الفعل، فيقول علامتهم الحلي في (الالفين) ص203: [متى وجدت القدرة والداعي وانتفاء الصارف والارادة وجب وجود الفعل] ويقول محقق هذا الكتاب ص42 هامش (1): [فانه مع القدرة على الفعل ووجوب الداعي اليه يكون الاخلال به قبيحاً]،
ونحن نريد أن نقرر ما ذكرناه بناءاً على هذا فنقول أما القدرة على ذكر النص في القرآن فموجودة فإن الله تعالى لا يعجزه شيء، وأما الداعي فموجود أيضاً وهو رحمته سبحانه بعباده وإرادته ومحبته لهدايتهم، وأما الصارف فلا يوجد صارف حقيقي صحيح يمنع من ذكره في القرآن -إلا ما أدعوه بزعمهم من وجود صارفين يمنعان من ذكره في القرآن والذين سنناقشهما في الفصل التالي وسيظهر أنهما أوهن من بيت العنكبوت في ضعفهما وهزالتهما- وعليه يبقى الأصل أن يذكر في القرآن لوجود القدرة والداعي وانتفاء الصارف-كما سيتبين بعد قليل-.
فهذه ستة وجوه بينا فيها وجوب الشرط الثاني الذي يجب أن يتوفر في النص على الإمام كي تتحقق الغاية منه وهو وجوب ذكر النص في القرآن.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~(73/26)
وهكذا نخرج بنتيجة نهائية من خلال الشرطين الواجبين في النص حيث نتج عن الشرط الأول هو وجوب النص على الإمام بالاسم الصريح، ونتج عن الشرط الثاني وجوب ذكر النص في القرآن، ومن مجموع الشرطين نخرج بالنتيجة النهائية وهو وجوب ذكر اسم الإمام صراحةً في القرآن لأنه لطف(1)
__________
(1) وذلك لأنهم عرفوا اللطف بما يقرَّب المكلف من الطاعة ويبعده عن المعصية، فيقول شيخهم المفيد في النكت الاعتقادية ص35:[ اللطف هو ما يقرب المكلف معه من الطاعة ويبعده عن المعصية ولا حظ له في التمكين ولم يبلغ الإلجاء]، وقال ابن ميثم البحراني في كتابه (قواعد المرام في علم الكلام) ص117:[ مرادنا باللطف هو ما كان المكلف معه أقرب إلى الطاعة وأبعد من فعل المعصية ولم يبلغ حد الإلجاء]، وقال علامتهم الحلي في ( النافع يوم الحشر) ص75:[ اللطف هو ما يقرب العبد إلى الطاعة ويبعده عن المعصية، ولا حظ له في التمكين ولا يبلغ الإلجاء]،وقال الحلي أيضاً في كتابه (كشف المراد) ص107:[ اللطف هو ما يكون المكلف معه أقرب إلى فعل الطاعة وأبعد من فعل المعصية، ولم يكن له حظ في التمكين، ولم يبلغ حد الإلجاء]، وهذا التعريف للطف ينطبق تماماً على ذكر اسم الإمام في القرآن لأنه يقرِّب المكلفين من الطاعة –وهي معرفة المكلفين للإمام المعصوم والإنقياد له- ويبعدهم عن المعصية –وهي الجهل بالإمام ومعصيته- فهو لطف إذاً بموجب تعريفهم للطف.(73/27)
واجب يقرب المكلفين من معرفة الإمام وطاعته –لأن هذه الغاية لا تتحقق بدونه- وكل ما كان لطفاً في التكليف أوجب علماء الشيعة على الله تعالى أن يفعله رحمةً بعباده فيقول شيخهم المفيد:[واللطف واجب على الله تعالى](1)، ويقول محققهم الحلي:[ واللطف واجب على الله تعالى](2)، ويقول علامتهم الحلي:[ الخامس : في أنه تعالى يجب عليه اللطف وهو ما يقرب العبد إلى الطاعة ويبعده عن المعصية...](3) وقال أيضاً:[ وكل لطف واجب على الله تعالى](4)،
وبعد أن ثبت لنا بيقين(5) بأن ذكر اسم الإمام صراحةً في القرآن لطف واجب على الله تعالى نقول:
فلماذا لم يفعل الله تعالى ذلك اللطف لتتحقق الغاية من النص وهي معرفة الإمام وطاعته، وبعبارة أوضح لماذا لم يذكر الله تعالى اسم الإمام صراحةً في القرآن مع أنه لطف واجب عليه سبحانه(6)وإخلاله بالواجب قبيح منه سبحانه كما قرروا ذلك ؟!!!
__________
(1) النكت الاعتقادية لشيخهم المفيد ص45.
(2) المسلك في أصول الدين ص118.
(3) النافع يوم الحشر لعلامتهم المقداد السيوري ص75.
(4) نفس المصدر السابق ص95.
(5) وذلك من خلال الأدلة الكثيرة التي سقناها على وجوب الشرطين في النص.
(6) بناءاً على تقريرهم وتصريحهم بأن فعل اللطف واجب على الله تعالى.(73/28)
فهذا اللازم ما هو إلا نتيجة توصلنا إليها من خلال قولهم بوجوب النص على الامام(1)، وقد حاولوا منع هذا اللازم عن طريق محاولتين واهيتين وهزيلتين(2) سنذكرهما ونفندهما في الفصل التالي ليبقى الإلزام قائماً عليهم بأن ذكر اسم الامام صراحةً في القرآن واجب على الله تعالى.
الفصل الثاني
__________
(1) وهي تعتبر نتيجة خطيرة تهدّ وتنسف قولهم بوجوب النص على الامام وبأصل الإمامة جملةً وتفصيلاً كما سنقف عليه بجلاء في نهاية هذه الدراسة.
(2) من خلال استقراء جل الكتب القديمة والحديثة في تبرير عدم ذكر اسم الامام في القرآن لم اجد سوى محاولتين فقط للتبرير سنذكرهما في الفصل التالي، أي لا يوجد عندهم سوى هاتين المحاولتين على حد علمي واطلاعي، فقط فليتنبه القارئ لهذا.(73/29)
قد بينا في الفصل الماضي النتيجة المترتبة على قولهم بوجوب النص على الإمام من الله تعالى، وهي لماذا لم يفعل الله تعالى اللطف في مسألة النص على الإمام والمتمثل بذكر اسم الامام صراحةً في القرآن؟ والتي تعتبر نتيجة حتمية لا يمكنهم الانفكاك عنها، إلا أنهم حاولوا أن يمنعوها بدعواهم عدم وجوب ذكر اسم الإمام صراحةً في القرآن وذلك بمحاولتين(1)
__________
(1) وإن العاقل ليعجب من كثرة تناقض أقوالهم وأفعالهم، فبعد أن وضعوا هذا الأصل وخالفوا فيه جميع المسلمين وهو أن الامام لا يتعين إلا بنص من الله تعالى وأخذوا يدافعون عنه بقوة ويردوا اعتراضات المخالفين محاولين إثباته بوجوه عديدة، فمرة يقولوا أن الإمامة أصل من أصول الدين فيجب على الله تعالى أن ينص على الامام، ومرة يقولوا أن الإمامة مساوية لمرتبة النبوة أو تزيد فلا يحسن من الله تعالى إهمالها وترك بيانها، ومرة يقولوا يجب على الله تعالى أن ينص على الإمام ليزول النزاع الذي قد يقع من تعيين الإمام بطريقة الاختيار ثم بعد أن أوجبوا النص على الإمام قالوا يجب أن يكون هذا النص صريحاً كي يسهل التعرف من خلاله على الإمام ويزول النزاع-وقد نقلنا أقوالهم تلك في الفصل السابق- وبعد أن اشترطوا النص الصريح على الإمام، يتفاجأ القارئ ويعجب عندما يراهم ينقضون قولهم هذا بالجملة من خلال منعهم بهاتين المحاولتين وجوب ذكر اسم الامام صراحة في القرآن، فكيف يجتمع قولهم بوجوب النص الصريح على الامام، مع قولهم بعدم وجوب ذكر اسم الامام في القرآن، فتراهم يتأرجحون ويتذبذبون في جوابهم، فعندما قال لهم أهل السنة لا يجب على الله تعالى ان ينص على الامام قالوا هذا غير صحيح بل يجب عليه ذلك وأن يكون نصاً صريحاً، وعندما سلمنا لهم جدلاً هنا في هذه الدراسة بقولهم ذاك وبينا لهم النتبجة المترتبة عليه وهي وجوب ذكر اسم الإمام في القرآن، قالوا كلا بل لا يجب على الله تعالى ان يذكر اسم الامام في القرآن فلم تسلموا بمنعنا وجوب النص على الامام من الله تعالى، ولم تسلموا بنتيجة قولكم وهي وجوب ذكر اسم الامام في القرآن، فلا المنعَ وافقوا ولا اللازم التزموا، وهذا التناقض والتذبذب يؤكد أن هذا الأصل باطل ما أنزل الله به من سلطان كما قال تعالى { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً } (النساء: من الآية82).(73/30)
إليك بيانهما ومناقشتهما بتفصيل موسع وكما يلي:
المحاولة الاولى:
... إن الخميني قد حاول أن يجد مبرراً لعدم ذكر اسم الامام صراحةً في القرآن، فقال في (كشف الاسرار) ص131: [لو كانت مسألة الإمامة قد تم تثبيتها في القرآن، فإن أولئك الذين لا يعنون بالإسلام والقرآن إلا لأغراض الدنيا والرئاسة كانوا يتخذون من القرآن وسيلة لتنفيذ أغراضهم المشبوهة، ويحذفون تلك الآيات من صفحاته، ويسقطون القرآن من أنظار العالمين إلى الإبد، ويلصقون العار -وإلى الأبد- بالمسلمين والقرآن، ويثبتون على القرآن ذلك العيب الذي يأخذه المسلمون على كتب اليهود والنصارى]، ويؤكد نفس هذا المعنى في نفس الكتاب ص149 بقوله: [لقد أثبتنا في بداية هذا البحث بأن النبي أحجم عن التطرق إلى الإمامة في القرآن لخشيته أن يُصاب القرآن من بعده بالتحريف(1)]، أي أن الخميني قد ادعى في هذه المحاولة بأن اسم الامام لو ذُكِر في القرآن فربما تمتد إليه أيدي الطامعين بالخلافة لتُحَرِّفَهُ فيقع التحريف في القرآن، وهذه مفسدة تمنع من ذكر اسم الامام في القرآن.
المناقشة:
__________
(1) يذكر فيلسوفهم مرتضى المطهري في كتاب (الامامة) نفس العلة في منع ذكر اسم الامام في القرآن، فيقول ص159: [إن النبي الاكرم – أو الله تبارك وتعالى- لم يرد أن يطرح المسألة بصيغة التصريح لِمَا يكتنف القضية في النهاية من أهواء] وقد فسر مطهري هذا المحذور ص161 بأنه: [السقوط في هوة تحريف القرآن].(73/31)
قبل مناقشة المحاولة وتفنيدها لا بد من الإشارة إلى نقطة مهمة جدا وهي أنها تضمنت اعترافاً ذهبياً وهو إقرار الخميني وموافقته على ما توصلنا إليه من كون ذكر اسم الإمام في القرآن لطف للمكلفين كي يعرفوا الإمام ويطيعوه، ولذلك لم يستطع أن ينكر كونه لطفاً، لأنه لو فعل سيكون كمن ينكر الشمس في رابعة النهار، ولذلك فإن غاية ما فعله للهروب من الإلزام هو أنه تخيل في ذهنه القاصر أن هناك مفسدة موهومة قد تقع إذا ما فعل الله تعالى ذلك اللطف، فعد تلك المفسدة الموهومة مانعاً يحول دون فعله من الله تعالى، فالمهم أن في محاولته اعتراف ضمني وإقرار لنا بصحة تقريرنا وإلزامنا.
وبعد هذه الإشارة المهمة نعود لمناقشة محاولته فنقول أنها ضعيفة وباطلة من وجوه عديدة منها:
الوجه الأول:(73/32)
إن مقولته هذه هي مقولة شخص يريد أن يقول أن القرآن محرَّف إلا أنه يخاف من موجة السخط التي سيصبُّها عليه المسلمون بالتكفير واللعن وفضحه على رؤوس الأشهاد، بل وربما يهدر دمه لاعتقاده الكفر بالتشكيك في كتاب الله تعالى ولذا اختار التلميح والإشارة البعيدة، حيث لم يقل أن القرآن محرف صراحة بل قال أن القرآن ممكن يحرف في ظرف معين وهو إذا ما ذكر الله تعالى اسم الإمام في القرآن وكأن الله تعالى قال أن القرآن محفوظ في ظرف معين وليس محفوظاً على طول الخط وتحت جميع الظروف، فإنا لله وإنا إليه راجعون على شخص يتبعه الملايين يقول أن القرآن ممكن يحرف من قبل الصحابة وباقي المسلمين بيسر وسهولة متناسياً تكفل الله تعالى بحفظه حيث أخبرنا سبحانه بكل صراحةٍ ووضوح بأنه قد تكفل بإنزال القرآن وحفظه حيث قال سبحانه { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } (الحجر:9)، وحفظ الله تعالى للقرآن مستمر وتحت جميع الظروف حتى لو تمالأ جميع أهل الأرض على تحريفه فلن يستطيعوا وهذا ليس ظن مني بل هو إخبار الله تعالى بذلك حيث أخبر بحفظه وأخبرنا أيضاً بأنه لا يمكن أن يتعرض لعبث العابثين وتحريف المحرفين بل هو مصون من كل ذلك فقال سبحانه { لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } (فصلت:42)، وكأن الخميني يشك في حفظ الله تعالى للقرآن إن ذكر فيه اسم الإمام، متناسياً بأن وعد الله تعالى وإخباره أبدي لا يختص بوقت دون وقت ولا بظرف دون آخر بل هو حفظ أبدي إلى قيام الساعة لأنه الهدى والنور والحجة بين الله تعالى وبين خلقه، ولو أخبرنا شخص نثق به بأنه سيضمن لنا حماية كتاب معين ويسهر على حفظه ولن يدع يد التحريف تطوله لصدقناه وأمنا من ذلك رغم أن القائل بشر ضعيف تجوز عليه أعراض النقص من الكذب والسهو والخطأ والنسيان، فكيف لا نثق وقد أخبرنا جبار السموات والأرض(73/33)
بما لا يقبل الشك خطاباً صريحاً وقطعياً بحفظه لكتابه من التحريف والتغيير(1)
__________
(1) والعجيب أنهم في معرض بيانهم لدور الإمام المعصوم ووظائفه ذكروا من أهم وظائفه هي حفظ الشرع من التحريف والخلل فإن وقع تلافاه واستدركه كي يصل الشرع الى المكلفين من غير تحريف فيه، وقد زعموا بأن هذه الوظيفة تحققت بالأئمة المعصومين –حتى من قبل إمامهم الثاني عشر بالرغم من غيبته عن الأنظار بسبب خوفه وعجزه عن أن يحمي نفسه فضلاً أن يحفظ الشريعة ومع هذا زعموا بأنه قد حفظ الشريعة من التحريف- فيقول مرتضاهم الملقب عندهم بعلم الهدى في كتابه(الشافي)(1/191):[ فأما نقل القرآن ، ونقل وجود الإعلام سوى القرآن فهو مما لا يمتنع حصول الدواعي إلى كتمانه ، وقد يجوز من طريق الإمكان وقوع الإخلال به ، وليس على أن يقدر أن الحال في المصدقين به صلى الله عليه وآله في الكثرة والظهور هذه ، بل بأن يقدر أن المصدق للدعوة كان في الأصل واحدا أو اثنين ، وكان من عداه مكذبا معاديا فلا يمتنع مع هذا / صفحة 192 / التقدير الاخلال بنقل الإعلام بأن يدعو المكذبين دواعي الكتمان إليه ، وينفر المصدقون لضعف أمرهم ، غير أن هذا مما يؤمن وقوعه لقيام الدلالة عندنا على أن لله تعالى حجة في كل زمان حافظا لدينه ، مبينا له متلافياً لما يجري فيه من زلل وغلط لا يمكن أن يستدركه غيره]، ويقول شيخ طائفتهم الطوسي في كتابه (الاقتصاد)ص188:[ والشرع يصل إلى من هو في البلاد البعيدة وفي زمن النبي أو الامام بالنقل المتواتر الذي من ورائه حافظ معصوم ، ومتى انقطع دونهم أو وقع فيه تفريط تلافاه حتى يصل إليهم وينقطع عذرهم . فأما إذا فرضنا النقل بلا حافظ معصوم من وراء الناقلين فانا لا نثق بأنه وصل جميعه ، وجوزنا أن يكون وقع فيه تقصير أو كتمان لشبهة أو تعمد ، وانما نأمن وقوع شئ منه لعلمنا أن من ورائه معصوما متى وقع خلل تلافاه]، فاعجب معي أخي وابكي في الوقت نفسه بأنهم يثقون بأن الشريعة محفوظة لأن وراءها حافظ معصوم رغم خوفه وعجزه عن حفظ نفسه فضلاً عن حفظ الشريعة، ومع هذا يثقون بحفظه للشريعة، ولا يثق الخميني بحفظ جبار السموات والأرض للقرآن حيث أخبرنا بتكلفه بحفظه وصيانته من التحريف، وذلك حين صرح بأن القرآن ممكن يقع فيه التحريف من قبل الصحابة الكرام فإنا لله وإنا إليه راجعون.(73/34)
، كي يخرج علينا الخميني ليقول القرآن ممكن يحرف من قبل المخلوقين اللهم اعصمنا من الجهل والكفر وارزقنا الهدى والثبات واليقين بعقيدة حفظ القرآن من التحريف.
الوجه الثاني:
نقول للخميني إن الخوف من تحريف القرآن الذي تفترضه وساوسك لا يمنع من ذكر اسم الامام في القرآن وذلك لأن الله تعالى قادر على أن يذكر اسم الامام في القرآن ويحفظه من التحريف (كما تعهد بحفظه سبحانه) فإنه سبحانه على كل شيء قدير ولا يعجزه شيء ولا رادّ لقضائه، فكما أنه سبحانه وتعالى ذكر اسم النبي - صلى الله عليه وسلم - في القرآن بصراحة وفي أكثر من موضع ومع هذا لم يستطع مبغضوه من الكفار والمنافقين من حذف اسمه من القرآن لأن الله تعالى قد تكفل بحفظه، فكذلك يذكر الله تعالى اسم الامام في القرآن ويحفظه من تحريف الذين يبغضون ولا فرق بينهما عند العقلاء.
الوجه الثالث:(73/35)
إن الخميني في محاولته هذه قد أصَّل أصلاً لم يتأمل عواقبه الوخيمة على المذهب والإمامة لأنه كان منشغلاً بالجواب عن الإلزام الذي ذكرناه –من وجوب ذكر اسم الإمام في القرآن- فاستفرغ وسعه وقضَّ مضجعه لإيجاد جواب يُمَنِّي به نفسه وأتباعه بأنه وجد المخرج من الإلزام ونتيجة لاندفاعه وتشبثه بشتى الوسائل وقع في مطبٍّ خطير لم يحسب حسابه حين أجاب بجوابه هذا، إذ كان غاية ما توصل إليه بهذه المحاولة هو أن هناك مفسدة إذا ما فعل الله تعالى هذا اللطف، وهي أن أيدي البغاة سوف تمتد لترفع هذا النص من القرآن فتقع مفسدة عظيمة وهي تحريف القرآن الكريم، وما دامت هناك مفسدة تقع من جرّاء فعل اللطف من الله تعالى، سقط الوجوب وتعين الترك، أي بسبب المفسدة تحول القول من وجوب فعل اللطف إلى وجوب ترك فعله، فهذه غاية ما توصل إليه الخميني بعد أن أجهد عقله بحثاً وتنقيباً، إلا أن عقله كان مغلق عن التأمل بالنتائج التي ستفرزها محاولته تلك، لأن الإنسان قد يندفع في تبني قول بحيث يذهل ولا يلتفت إلى النتائج والمترتبة عليه وهذا بعينه ما حصل للخميني، وإليك النتيجة المترتبة وفق الأصل الذي أصَّله بعينه فنقول:(73/36)
إن كان وقوع المفسدة في فعل اللطف توجب على الله تعالى أن يترك فعله حتى لا تقع تلك المفسدة –بناءاً على تقريره المذكور- فقد هدمْتَ مذهبك في الإمامة والعصمة، لأنك قررت بأن إيجاد الله تعالى للإمام المعصوم هو لطف للمكلفين يجب على الله تعالى فعله، مع أن في إيجاده مفسدة حقيقة وهي امتداد أيدي البغاة إليه بالضرر بين قتله وظلمه أو تخويفه بما يضطره للإستتار، وهذا حاصل لأئمتكم المعصومين، وما دامت هذه المفسدة واقعة بيقين باعترافكم في فعل اللطف فيجب على الله تعالى أن لا يفعله كي لا تقع تلك المفسدة، فنخرج بنتيجة مهمة جداً -وفق الأصل الذي قرره الخميني- بأن إيجاد الإمام المعصوم لطف لكن يجب على الله تعالى أن لا يفعله، لأن فيه مفسدة وهي قتل المعصوم وظلمه وإخافته، وهي تنسف أصل المذهب لأنه قائم على وجوب وجود إمام معصوم في كل عصر بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -.(73/37)
ولو تأمل القارئ بدقة سيجد أن هناك تطابقاً تاماً بين الإلزام في قضية اللطف بإيجاد الإمام المعصوم، وبين قضية اللطف بذكر اسم الإمام في القرآن، وهي أن كلاً من القرآن والإمام المعصوم هما واجبان لهداية الخلق وإقامة الحجة عليهم –كما قرروا ذلك بأن القرآن هو الحجة الصامتة والإمام المعصوم هو الحجة الناطقة- وعليه فإن أي مفسدة تمتد إليهما بالعطب والضرر من قبل أيدي البغاة والعابثين، إما تكون معتبرة أو لا، فإن كانت معتبرة كما اعتبرها الخميني في القرآن فمنع بها اللطف، فيجب أن تراعى في الحجتين معاً ولا يصح التفريق بينهما –لأنهما حجتان لله على خلقه عندهم- فكما لا يجب ذكر اسم الإمام في القرآن خوف إصابته بالضرر والعطب وهو التحريف، فكذلك لا يجب إيجاد الإمام المعصوم خشية أن يُصاب بالضرر والعطب المتمثل بقتله وإخافته واستتاره(1)، وبمعنى آخر إن كان قتل الحجة الناطقة وإتلافها-أي المعصوم عندهم- لم يمنع الله تعالى من فعله لأنه لطف واجب، فكذلك إصابة الحجة الصامتة –القرآن- بالإتلاف والتحريف(2) يجب أن
__________
(1) هذا بناءاً على التسليم الجدلي لهم بوقوع المفسدتين في أرض الواقع وإلا فالحق أن مفسدة الضرر للمعصوم واقعة باعتراف علمائهم أجمعين من قتل علي والحسن والحسين والكاظم رضي الله عنهم جميعاً وكذلك خوف المهدي مما اضطره إلى الإستتار، فيكون منع فعل لطف الإمامة صحيح لتحقق المفسدة في أرض الواقع ، أما مفسدة تحريف القرآن فهي موهومة لا وجود لها في أرض الواقع ألا وهي تحريف القرآن لأنها مرفوضة من قبل المسلمين ولم يعتقدها أحد منهم بعدما أخبر الله تعالى بحفظه للقرآن وكفانا مؤونة دفع هذا المفسدة وعدم وقوعها، وعليه فوجوب ترك اللطف في الإمامة قطعي لأن المفسدة فيه حقيقية تحققت في أرض الواقع، بينما المفسدة في اللطف في القرآن وهمية لا وجود لها.
(2) هذا على التسليم الجدلي للخميني في عقيدته السقيمة بإمكان تحريف القرآن فتنبه.(73/38)
لا يمنع الله تعالى من فعل اللطف وهو ذكر اسم الإمام صراحةً في القرآن لأنه واجب عليه، دون أدنى فرق بينهما.
فهذه نهاية محاولة الخميني إما أن يتراجع عن قوله ليُبطل محاولته بنفسه، أو يتمسك بها ويطبقها على لطف الإمام المعصوم ليخرج بنتيجة مهمة تنسف المذهب -ويُلْعَن بسببها من الشيعة قاطبةً- وهي عدم وجوب إيجاد إمام معصوم على الله تعالى، فأما يختار إبطال محاولته ليوفر علينا جهد مناقشتها، أو يختار إبطال أصل الإمامة بعدم وجوب الإمامة والعصمة، لينهي بذلك -وإلى الأبد- شيء أسمه الإمامة من على وجه الأرض وأحلاهما مرٌّ.
الوجه الرابع:
قد بينا الإلزام في الوجه السابق بين وقوع المفسدة في لطف ذكر اسم الإمام في القرآن وبين وقوعها في لطف إيجاد الإمام المعصوم، وقد بينا النتيجة التي ترتبت عليها من إبطال أصل الإمامة، وكان هذا الإلزام على فرض تحقق المفسدتين حقيقةً وواقعاً، أي أننا سلمنا للخميني بوقوع مفسدة التحريف في أرض الواقع فقط كي نسوق الإلزام ببيان وجه التطابق، إلا أن الحق هو أن مفسدة وقوع التحريف وهمية لا رصيد لها في الواقع، ومفسدة وقوع الضرر على الإمام المعصوم حقيقية على أرض الواقع باعتراف علماء الشيعة أجمعين، وبيان ذلك أن وقوع المفسدة في لطف الإمام المعصوم حاصلة في أرض الواقع باعتراف علماء الشيعة أجمعين من قتل للإمام علي والحسن والحسين والكاظم رضي الله عنهم أجمعين، وكذا إخافة الإمام الثاني عشر مما اضطره للاستتار.(73/39)
إذاً نطالب الخميني كي تصح دعوته بإثبات تحقق مفسدة التحريف في أرض الواقع -كما تحققت المفسدة في الإمامة- كي تصح دعوته بالمنع من ذكر اسم الإمام في القرآن، لأن الذي عليه جميع المسلمين هو انتفاء وقوع هذه المفسدة في أرض الواقع وأنها وهمية بعدما أخبر الله تعالى بحفظه للقرآن وكفانا مؤونة دفع هذا المفسدة وأخبرنا بعدم وقوعها، نعم هي متحققة في أرض الواقع في نظر علماء الشيعة المعتقدين بتحريف القرآن والخارجين بهذه العقيدة عن دائرة الإسلام، فالمسلمين إذاً فريقان لا ثالث لهم:
الفريق الأول:
يعتقد بحفظ الله تعالى للقرآن وأنه يستحيل أن يتطرق أليه التحريف تحت أي ظرف سواء ذكر اسم الإمام أو لم يذكر وسواء تمالأ أهل الأرض جميعاً على تحريفه فلن يستطعيوا ذلك لأن الله تعالى تكفل بحفظه في جميع الظروف وأمام جميع المحاولات وذكره صراحةً في القرآن.
الفريق الثاني:
وهذا الفريق قد شذَّ عن معتقد المسلمين وهم علماء الشيعة الذين اعتقدوا أن القرآن قد طالته يد التحريف فحرفوا فيه وحذفوا منها آيات عديدة منها اسم الإمام في القرآن كما عليه عدد كبير لا بأس به من علمائهم.
فتوجب على الخميني أن يعلن انتماءه إلى أحد الفريقين، إذ لا مجال للمراوغة والضبابية وكما يلي:
إما أن يوافق الفريق الأول فيدعي بأنها مفسدة موهومة ولا وجود لها في الواقع بعد إخبار الله تعالى بانتفائها ليبقى الإلزام قائماً بوجوب ذكر اسم الإمام في القرآن وليبطل بذلك محاولته بالمنع على أنها مفسدة موهومة لا يدفع بمثلها وجوب فعل ذلك اللطف كي يهدم ما بناه بيديه.
أو يعلن موافقته للفريق الثاني القائل بأنها حقيقية حاصلة في أرض الواقع ليعلن اعتقاده بتحريف القرآن وليخرج بذلك عن دائرة الإسلام، ونترك له حق الخيار أولاً وآخراً { وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِين َ } .
الوجه الخامس:(73/40)
وحاصل كلامه أن الله سبحانه أراد أن يفعل اللطف الواجب عليه بذكر اسم الإمام في القرآن كي يهتدي به المكلفون، إلا أن خوفه –وحاشاه سبحانه- من الصحابة حال بينه وبين ذلك فمنعه من فعل ما يجب عليه من اللطف بالمكلفين، فهل يتجرأ عاقل فضلاً عن المسلم فضلاً عن مرجع يتبعه ملايين الشيعة في العالم، أن يصف جبّار السموات والأرض بهذا الوصف المشين بأنه سبحانه تلكأ فترك فعل اللطف لشغب بعض عباده الضعفاء العاجزين –بزعمهم- مع أنه سبحانه لا يحول بينه وبين إرادته شيء، وقد أهلك جبابرة التاريخ فلم يعجزوه كفرعون وهامان ونمرود وقوم لوط وعاد وثمود، نعوذ بالله من هذا السفه بحق الباري سبحانه، والذي قاد الخميني إلى الطعن بالله تعالى ووصفه بهذا الوصف المشين هو العناد والمكابرة، فلم ترضَ نفسه الإذعان للحق من وجوب ذكر اسم الإمام في القرآن، بل كابر حتى أخذ يفكر كيف يرد الحق الظاهر ويجادل فيه وبعد المخاض خرج علينا بهذه المحاولة الهزيلة التي تطعن بالله تعالى وتصفه بأبشع أوصاف العجز والإنهزام أمام بضعة مخلوقين ضعفاء، فالمحاولة إذاً باطلة لأنها تتضمن الطعن بالله تعالى ولا يقول بها مسلم أبداً.
الوجه السادس:(73/41)
إن قوله هذا فيه تجريح وطعن بالصحابة وخصوصاً الخلفاء الراشدين أبو بكر وعمر وعثمان وكبار المهاجرين وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين ، لأنهم بزعمه طامعون في الخلافة بل إن إسلامهم كان لأغراض دنيوية ولم يكونوا صادقين فيه، وكان كل همهم الخلافة والحصول عليها بأي وسيلة حتى لو تطلب الامر منهم أن يحرِّفوا القرآن ويحذفوا اسم علي - رضي الله عنه - منه، فإنهم يفعلون ذلك بدون تردد، فهو يصفهم بأقبح الأوصاف بقوله:[ فإن أولئك الذين لا يعنون بالإسلام والقرآن إلا لأغراض الدنيا والرئاسة، كانوا يتخذون من القرآن وسيلة لتنفيذ أغراضهم المشبوهة ويحذفون تلك الآيات من صفحاته]، ولا أدري كيف يقول الخميني هذا عمن بُنِيَ الإسلام على أكتافهم وبجهادهم ودمائهم حتى قال الله تعالى عنهم { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } (التوبة:100)، فهذه شهادة الله تعالى وإخباره برضاه عنهم وإعداده الجنة لهم برحمته، فكيف بعد هذا المدح والثناء يسوغ للخميني أن يطعن بهم ويتهمهم بالنقائض والعيوب مخالفاً لكلام الله تعالى المصرح بالثناء عليهم وتزكيتهم وتبشيرهم بالجنة؟!!!
الوجه السابع:(73/42)
ذكر الخميني في قوله الثاني قولاً ظاهر البطلان لو حملناه على أحسن المحامل لقلنا أنه اخطأ في التعبير -رغم كونه مرجعاً في مذهب الشيعة ويتبعه الملايين في أقواله وفتاويه- فقد ذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يذكر اسم الامام في القرآن لخشيته أن يحرَّف من بعده فقال:[ بأن النبي أحجم عن التطرق إلى الإمامة في القرآن لخشيته أن يُصاب القرآن من بعده بالتحريف]، وكأن القرآن من أقوال النبي - صلى الله عليه وسلم - وفعله ليثبت ما يشاء ويمحو ما يشاء، ولكن لعله اخطأ في التعبير وهذا أحسن محمل لكلامه، وأما اسوأ محمل فهو اعتقاده بأن القرآن من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - واختياره -ولا أظنه يقول بهذا- لأنها مقالة كفر موروثة من أحد رؤوس الكفر والمشركين في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قال عن هذا القرآن { إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ } (المدثر:25)، فكان الأولى به أن يتحفظ في الكلام حتى لا يفتح باباً لأعداء الإسلام من اليهود والنصارى وغيرهم للطعن في القرآن.
فهذه سبعة وجوه تبين ضعف وهزالة وفساد محاولة الخميني التي أراد أن يحجب بها ضوء الشمس بكفه وعبثاً يحاول إذ أوقعته في مطبات خطيرة، فالإلزام لا مفر منه وهو أن وجوب ذكر اسم الإمام في القرآن لطف يجب فعله.
المحاولة الثانية:
وفكرة هذه المحاولة هي قياس الإمامة على الصلاة والزكاة والحج من حيث ورود تفصيل هذه الأركان في السنة وليس في القرآن، فقاسوا عليها الإمامة بأن يكون تفصيلها أيضاً في السنة دون القرآن، وإليك البيان التفصيلي لقياسهم(1) المكون من خطوتين وكما يلي:
الخطوة الأولى:
(اسم الإمام من التفصيل في أصل الإمامة) (تفصيل الإمامة كتفصيل الصلاة) (اسم الإمام كتفصيل الصلاة)
الخطوة الثانية:
__________
(1) هذا القياس في المنطق يسمى قياس اقتراني من الشكل الأول، ونحن سنناقش ونبطل أهم مقدماته دون الوقوف التفصيلي مع كل مقدمة.(73/43)
(اسم الإمام كتفصيل الصلاة) (تفصيل الصلاة يكون في السنة دون القرآن) (اسم الإمام يكون في السنة دون القرآن).
وإليك بيان هذه المحاولة من كلامهم فيروي الكليني في (أصول الكافي) باب (ما نص الله عز وجل ورسوله على الأئمة عليهم السلام واحداً فواحداً…) جزء1 ص286-287: [عن ابي بصير قال: سألت ابا عبد الله - عليه السلام - عن قول الله عز وجل { اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم } فقال: نزلت في علي بن ابي طالب والحسن والحسين (ع) فقلت له: إن الناس يقولون: فما لَهُ لم يُسَمِّ علياً واهل بيته (ع) في كتاب الله عز وجل؟ قال: فقال: قولوا لهم: ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نزلت عليه الصلاة ولم يُسَمِّ الله لهم ثلاثاً ولا اربعاً حتى كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الذي فسر ذلك لهم، ونزلت عليه الزكاة ولم يسمّ لهم عن كل اربعين درهماً درهم، حتى كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الذي فسر ذلك لهم، ونزل الحج فلم يقل لهم طوفوا اسبوعاً (سبعاً) حتى كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الذي فسر ذلك لهم، ونزلت { واطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم } -ونزلت في علي والحسن والحسين- فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في علي من كنت مولاه فعلي مولاه…](1)
__________
(1) إن هذه الرواية تعتبر هي أساس الجواب فمنها نقل علماء الشيعة جوابهم كالخميني وغيره من علمائهم كما سيأتي بعد قليل، ولكن لو نظرنا إلى الرواية التي أصَّلت لهم الجواب في هذه المحاولة وتأملنا فيها سنجد أن جواب الإمام المعصوم-بزعمهم- في الرواية وهو ابوعبد الله الصادق يشعر بأنه خرج منه مخرج التقية لأنه في معرض الرد على أهل السنة ودفع اعتراضهم بعدم ذكر اسم الإمام في القرآن، فأجاب بهذا الجواب والذي جعلني أرجِّح ذلك ما يلي:
1-إن الرواية تذكر بأن أبا بصير نقل للصادق اعتراض الناس وليس اعتراض أصحابه وشيعته بدليل عبارة "الناس" التي يطلقونها على المخالفين لهم وهم أهل السنة والشاهد على ذلك ما قاله محمد باقر الخونساري في كتابه (روضات الجنات) (6/286):[يمكن أن يستفاد من تضاعيف الأخبار أن يكون ذلك اصطلاحاً بالخصوص من الأئمة الأطهار عليهم صلوات الله العزيز الغفار حيث ترى أنهم يطلقون كثيراً العامة والناس على أعدائهم ومخالفيهم ولازم ذلك ان يكون اصطلاحهم المستباح تعين الخاصة لزمرة شيعتهم ومتابعيهم ، بل الظاهر أنهم لا يطلقون هذه اللفظة الا على خصوص الإمامية الاثنى عشرية في مقابلة سائر الفرق من الشيعة وأهل السنة الغوية]، فإذا ثبت بأن الاعتراض كان من أهل السنة المقصودين بلفظة الناس فكان لا بد أن يجيبهم جواب فيه تقية بدليل قوله لصاحبه أبو بصير(قولوا لهم) أي لمخالفيكم ولم يقل لكم بل لهم.
2-أما كون فيه تقية فالسبب هو أن الصادق له جواب آخر يناقض هذا الجواب بكل صراحة وهو ثابت عندهم برواية قال فيها لو أن القرآن يقرأ كما أنزل لألفيتنا لوجدت أسماءنا فيه مذكورة وذلك في تفسير العياشي (1/13):[عن داود بن فرقد عمن أخبره عن أبى عبد الله عليه السلام قال : لو قد قرء القرآن كما أنزل لألفيتنا فيه مسمين كما سمي من قبلنا]، ومعنى الرواية أن أسماء الأئمة كانت موجودة في القرآن فرفعت وحذفت من قبل أعدائهم كما هو صريح الرواية وهذا الجواب يوافق قول علماء الشيعة القائلين بتحريف القرآن، وكأن هذا الجواب لما كان لخواص الشيعة أشار فيه إلى عقيدة تحريف القرآن وحذف اسم الإمام من القرآن وهو السبب في عدم ذكره، وأما هناك فالجواب لما كان لأهل السنة المقصودين بلفظة الناس قال بذلك الجواب كي لا يصرح لهم بعقيدة التحريف فيفتح على نفسه موجة من السخط والتكفير واللعن من قبل المسلمين.
فإن كان الجواب الذي اعتمدوه لم يخرج من الإمام إلا من باب التقية فلا يصح لهم أن يعتمدوه في محاولتهم هذه والواجب عليه أن يجيبوا بمعتقده الصريح الذي صرح فيه في رواية العياشي التي ذكرناها، ومن ثم تبطل محاولتهم من أساسها لأنه قالها على سبيل التقية ولم يكن يعتقد بمضمون جوابها، وهذا يكفي في إبطالها لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.(73/44)
.
ويذكر الخميني كلاماً قريب من هذا المعنى لتبرير عدم ذكر اسم الإمام في القرآن، فيقول في (كشف الأسرار) ص129: [نعلم جميعاً بأن القرآن كتاب يدعو إلى الدين ضد اللادين، والواقع إن هذا الكتاب السماوي الكبير أُنزل من أجل القضاء على الأفكار والآراء الجاهلية الفاسدة، ومثل هذا الكتاب ينبغي أن لا يعمد إلى ذكر التفاصيل بل عليه أن يذكر ما هو مهم وأن يترك التفاصيل والخصوصيات للنبي](1)، وسنخصص إن شاء الله تعالى القسم الثاني من الجواب لمناقشة هذا الكلام للخميني،
وقبل الشروع في الجواب عن هذه المحاولة سنورد هذه المخطط التوضيحي المبسط ليتبين للقارئ كل من الأصل وتفصيله في الأركان التي ذكروها وكما يلي:-
الركن
أصله في القرآن
تفصيله
الصلاة
{ أقيموا الصلاة }
عدد الصلوات وعدد ركعات كل صلاة ووقتها وكيفيتها وشروطها ونواقضها
الزكاة
{ أتوا الزكاة }
شروط وجوبها مقدارها في كل نوع ولمن تدفع
الحج
{ ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا }
كيفية ادائه وبيان مناسكه
الصيام
{ يا أيها الذين امنوا كتب عليكم الصيام }
وقته وكيفيته وشروطه ونواقضه
الإمامة
__________
(1) يؤكد فيلسوفهم مرتضى المطهري في كتاب (الإمامة) نفس هذه المحاولة عندما أجاب عن السؤال حول عدم ذكر اسم الإمام في القرآن، فيقول ص158: [وخلاصتها (أي الجواب عن السؤال) إن للقرآن منهجاً في بيان الموضوعات يعتمد فيه دائماً على بيان الأصل دون الصيغة الفردية والشخصية وهذه بحد ذاتها ميزة للقرآن….ويقول ص159: وبذلك نخلص إلى ما يلي في تعليل عدم التصريح بالاسم: أولاً: إن أسلوب القرآن يقوم على أساس بيان الأصول].(73/45)
{ اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم(1) }
تبيين من هو الامام أي النص عليه بالاسم أو الوصف أو الكنية
وبعد هذا التوسع في عرض وتحليل هذه المحاولة نبدأ الآن بمناقشتها وتفنيدها، ونظراً لكون هذه الشبهة ذات شقين الأول ما ورد في الرواية التي رواها الكليني في الكافي، والثاني ما قاله الخميني بخصوصها، رأينا أن نقسِّم الكلام في مناقشتها إلى قسمين أساسيين لكي نناقشها من جميع الجهات والوجوه حتى لا نبقي لها قائمة وإلى الأبد بمشيئة الله تعالى وتوفيقه وكما يلي:
القسم الأول:مناقشة الدعوى الأولى وهي أن ذكر النص يكون في السنة دون القرآن قياساً على الصلاة:
وهذه الدعوة باطلة وواهية وهزيلة من وجوه عديدة منها:
الوجه الأول:
__________
(1) بمعنى أن جعلوا أي نص يشير الى شخصية الإمام (أولي الأمر) ويحددها فهو من التفصيل في أصل الإمامة سواء كانت دلالة هذا النص على شخص الإمام خاصة بذكر الإسم أو الصفة أو دلالة عامة، فهو من التفصيل والتوضيح لأولي الأمر ويكون في السنة دون القرآن كما قرروا ذلك.(73/46)
لقد تأملت في محالتهم هذه بإنصاف وتجرد لتقييمها هل هي صحيحة يمكن إيرادها لمنع اللطف الذي ذكرناه وهو ذكر اسم الإمام في القرآن، أو باطلة لا علاقة لها أصلاً بموضوعنا لا منت قريب ولا من بعيد، والحقيقة التي وقفت عليها بيقين أنها أجنبية عن موضوعنا وإنما أقحمت في الجواب من قبل البعض بسبب الاختناق من الإلزام القوي بوجوب فعل اللطف المذكور، فأرادوا أن يوردوا أي شيء يتشبثوا به ليقولوا أنا أجبنا عن هذا الإلزام ولم نذعن للحق الذي فيه، والذي يثبت أنها خارج موضوعنا ولا علاقة لها بالإلزام، هو أنكم قد عرفتم اللطف بأنه كل ما يُقَرِّب العبد من الطاعة ويبعده عن المعصية من غير تمكين ولا إلجاء، وجعلتموه واجباً على الله تعالى، ونحن قد أثبتنا-بدليل العقل وتقريرات علمائكم- بأن ذكر اسم الإمام في القرآن لطف لأنه يُقَرِّب العباد من الطاعة –وهي معرفة الإمام وطاعته- ويبعدهم عن المعصية –وهي الجهل بالإمام ومعصيته-.
فكان الصحيح أن يجيبوا بمنع هذا الإلزام بأحد أمور ثلاثة هي:
1-أن يقولوا أنه ليس بلطف وهذا لم يفعلوه في محاولتهم هذه، وهيهات لهم فقد ثبت لنا بدليل العقل وكلام علمائهم أنه لطف يقرب العباد من معرفة الإمام وهذا بعينه تعريف اللطف، وحتى الخميني في محاولته الأولى للمنع قد اعترف ضمناً بأنه لطف كما ذكرنا ذلك فليراجع.
2-أن يقولوا نعم أنه لطف إلا أن فيه مفسدة كذا وكذا تمنع من فعله وهذا لم يفعلوه أيضاً، فلم يذكروا لنا مفسدة تمنع من فعله –كما فعل الخميني في المحاولة الأولى- كي ننافشها لنعرف مدى صحتها وسقمها.(73/47)
3-أن يقولوا نعم أنه لطف وهو خالٍ من أي مفسدة ولكن لا يجب فعله على الله تعالى، لأن فعل اللطف ليس واجب على الله تعالى وهذا أيضاً لم يفعلوه، ولو فعلوه لقدموا لنا خدمةً وراحةً من عناء الكتابة والمناقشة لأصلهم في الإمامة، لأنها مبنية على أن اللطف واجب، ونفيهم لوجوبه هنا معناه نسف بنيانهم من القواعد ليخر عليهم السقف من فوقهم ودكّ صرح نظريتهم وهدمها وإلى الأبد ليبطل شيء اسمه الإمامة.
وحيث أنهم لم يتعرضوا في جوابهم لهذه الأمور الثلاثة التي لا يحسن الجواب بغيرها، واكتفوا بقولهم أن ذكره يكون في السنة دون القرآن مثل الصلاة وغيرها، ولم يذكروا سبباً حقيقياً لمنعه في القرآن، ثبت لنا بيقين أنها خارج موضوعنا ولا علاقة لها بالإلزام، فهي حشوٌ من الكلام لا يصلح أن يكون جواباً لما ألزمناهم به، وما دامت هذه المحاولة تحمل فسادها معها وتعلن بطلانها بنفسها، فقد كفتنا مؤونة الرد عليها ومناقشتها، إلا أننا من باب الفائدة وإغلاق كل الأبواب بوجه المعاندين المانعين لفعل اللطف المذكور سنذكر بقية الوجوه من باب النافلة والتطوع لذلك وإلا فهذا الوجه قد أبطلها من أساسها.
الوجه الثاني:
قد ذكرنا الأسباب التي توجب أن يذكر اسم الإمام في القرآن على أنه لطف مثل رفع النزاع وهداية الخلق لمعرفة الأمام، وبينا أن هذه الغايات تتحقق بصورة قطعية عندما يذكر في القرآن، إلا أنهم منعوا ذكره في القرآن وأوجبوا ذكره في السنة لتتحقق تلك الغايات منه، ودعواهم ذكره في السنة دون القرآن باطلة من وجوه عديدة منها:(73/48)
1-إن الأصل هو أن يذكر اسم الإمام في القرآن ولا ننتقل عن هذا الأصل إلا في حالة وجود صارف حقيقي صحيح يمنع من ذكره فيه، وهو لم يقدِّموا لنا في هذه المحاولة صارفاً حقيقياً صحيحاً ومقنعاً لعدم ذكره في القرآن فقط كلام إنشائي لا وزن له عند أهل النظر والتحقيق ولا يغني من الحق شيئاً، فإما أن يذكروا مانعاً صحيحاً-وهذا ما لم يفعلوه في هذه المحاولة- أو يسلموا بصحة قولنا من وجوب ذكر اسمه في القرآن دون السنة.
2-إن ذكره في السنة ابتداءاً دون مانع حقيقي يتنافى مع كون القرآن الحجة الأولى والنور والفرقان بين الحق والباطل والهدى الذي أنزله الله تعالى لبيان الدين وهداية الناس ورفع النزاع، وخصوصاً في قضايا أصول الدين الخطيرة التي تحدد مصير الإنسان في الآخرة إما إلى الجنة وإما إلى النار كما يعتقد الشيعة ذلك في مسألة الإمامة حيث يعتقدون بكفر منكرها وخلوده في نار الجحيم.(73/49)
3-إن مفهوم السنة متغاير تماماً بين الشيعة وأهل السنة وغير متفق عليه من حيث رواتها والمصادر التي تمثلها، فهم مختلفون في المصادر التي تمثل حقيقة السنة النبوية اختلافاً جذرياً، فالإمامية يرَوْن السنة النبوية هي ما روي عن أهل البيت من طرقهم ورواتهم وهي مجموعة عندهم في كتاب الكافي للكليني وبقية المجاميع الحديثية للشيعة، وما عدا طرقهم تلك في نقل السنة يعتبر باطل في نظرهم، وأما أهل السنة فيرَوْن السنة هي ما روي عن طرقهم ورواتهم عن الصحابة وأهل البيت وهي متمثلة عندهم بصحيح البخاري ومسلم وباقي كتب الحديث النبوي، مع اعتقادهم بطلان مرويات كتب الامامية مثل الكافي وغيره، وعليه فقول القائل منهم يجب ذكر اسم الإمام في السنة هو قول مجمل يحتاج إلى بيان، ففي أي كتب السنة يقصد هل البخاري ومسلم وباقي كتب الحديث النبوي عند أهل السنة، فإن قلت نعم قلنا بأن الإمامية لا يعترفون بصحة هذه الكتب ويطعنون بها وبرواتها فلا تقوم الحجة عليهم بذكره في البخاري ومسلم، وإن قلت بل يُذكر في الكافي وغيره من كتب الامامية قلنا بأن أهل السنة لا يعترفون بصحة هذا الكتب ويطعنون بها وبرواتها فلا تقوم الحجة به على أهل السنة، فلا تقوم الحجة على الجميع بذكر النص في السنة، وبالتالي لا مناص من وجوب ذكر النص في القرآن دون السنة حتى تقام الحجة به على الجميع ويقطع الله تعالى به عذرهم جميعاً.(73/50)
4-ذكرنا في الوجه السابق بأن ذكره في السنة لا تقوم به الحجة على الجميع لاختلافهم في مفهوم السنة، وليس هذا فقط بل حتى النصوص التي زعموا أنها نص على خلافة على رضي الله عنه في السنة النبوية هي أيضاً لا تقوم بها الحجة على الجميع لأنها ليست صريحة في الخلافة والنص على إمامته بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - بل هي نصوص مجملة ومبهمة وتحتمل أكثر من معنى وليست صريحة في المطلوب وبالتالي فحتى دعواهم بأن يذكر النص الصريح في السنة باطلة وغير صحيحة لأن النصوص التي جاؤوا بها كدليل ونص على إمامته هي مجملة ومبهمة ومحتملة لأكثر من معنى، وخير دليل على ذلك هو أن أقوى دليلين عندهم على إمامة علي رضي الله عنه في السنة هما حديث الغدير والمنزلة، التي دائماً يبدأ الشيعة احتجاجهم بها على الإمامة، ولن أذكر كيف أجاب أهل السنة وبينوا بما لا يقبل الشك بأن المراد منها شيء آخر غير الإمامة لأن المقام سيطول بذلك، بل سأنقل فقط وصف علم من أعلامهم الذي يلقبوه بعلم الهدى لعِظَم وزنه عندهم ألا وهو السيد المرتضى حين قال بأن النص على إمامة علي رضي الله عنه في حديث الغدير والمنزلة هو نص خفي وليس صريح على الإمامة حيث قال في كتابه (الشافي في الإمامة) (2/67):[ والقسم الآخر : لا نقطع على أن سامعيه من الرسول صلى الله عليه وآله علموا النص بالإمامة منه اضطرارا ولا يمتنع عندنا أن يكونوا علموه استدلالا من حيث اعتبار دلالة اللفظ ، وما يحسن أن يكون المراد أو لا يحسن . فأما نحن فلا نعلم ثبوته والمراد به إلا استدلالاً كقوله صلى الله عليه وآله ( أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ) و ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) وهذا الضرب من النص هو الذي يسميه أصحابنا النص الخفي ]، فماذا بعد الحق إلا الضلال فإن كانت نصوصكم خفية ولا تقوم بها الحجة على الجميع فكيف تقولون بأنها أثبتنا ذكره في السنة كي تتحقق الغاية من النص وهي معرفة(73/51)
الإمام ورفع التنازع في تعيينه، فهل تحققت الغاية بهذه النصوص الخفية(1)، أم أنه العناد والاستكبار من التسليم بما ألزمناكم به من وجوب ذكر اسم الإمام صراحة في القرآن كي تقوم به الحجة على الجميع وتتحقق الغاية من النص وهي معرفة الإمام وطاعته ورفع التنازع في تحديده وتعيينه.
__________
(1) ومن المضحك أن شيخ طائفتهم الطوسي في معرض ردِّه على فرقة الكيسانية التي تزعم أن الخلافة بعد علي رضي الله عنه انتقلت إلى ولده محمد بن الحنفية مخالفين بذلك الإمامية الذين يدَّعون انتقالها إلى الحسن ثم الحسين، فقال بأن النصوص التي استدلوا بها على إمامته هي نصوص عامة وليست صريحة وفيها فضائل له وليس المراد منها إمامته، فقال في كتابه (الغيبة) ص18:[ أقول: وأما الذي يدل على فساد قول الكيسانية القائلين بإمامة محمد بن الحنفية فأشياء. منها : أنه لو كان إماما مقطوعا على عصمته لوجب أن يكون منصوصا عليه نصاً صريحاً لأن العصمة لا تعلم إلا بالنص ، وهم لا يدعون نصاً صريحاً عليه وإنما يتعلقون بأمور ضعيفة دخلت عليهم فيها شبهة لا تدل على النص ، نحو إعطاء أمير المؤمنين عليه السلام إياه الراية يوم البصرة ، وقوله له " أنت ابني حقا " مع كون الحسن والحسين عليهما السلام ابنيه وليس في ذلك دلالة على إمامته على وجه ، وإنما يدل على فضيلته ومنزلته]، فالطوسي يعيب عليهم لأنهم لم يثبتوا إمامته بنص صريح، فهلا طبِّق هذا الأمرعلى نفسه فعاب فرقته لأنهم لم يأتوا بنصوص صريحة على إمامة علي، إذ أقوى دليلين صرح المرتضى بأنها نصوص خفية وليست صريحة وخير ما ينطبق عليه هو قول النبي صلى الله عليه وسلم:[ يُبصر أحدكم القذى في عين أخيه ولا يرى الجذع في عينه]، ينظر الجامع الصغير للسيوطي(2/759)، وكنز العمال(16/122).(73/52)
فهل رأيتم في عمركم مثل هذا التخبط والعناد والاستكبار من الانصياع للحق المبين والإقرار بوجوب فعل اللطف الذي ألزمناهم به، وقدَّموا لنا بديلاً لا تتحقق به الغابة أبداً لا من قريب ولا من بعيد ولا تقوم به الحجة من الله تعالى على عباده ألا وهو ذكره في السنة إذ مفهومها متغاير ونصوصها مبهمة خفية فاتركوا العناد والتزموا بالحق الذي ألزمناكم به، أو تتخلوا عن نظريتكم بالنص على الإمام لتريحوا وتستريحوا من هذا اللجاج المشين.
الوجه الثالث:
إن القياس الذي يمكن تطبيقه على مسألة الإمامة نوعان قياس صحيح وآخر فاسد، فمن أراد أن يستقيم له قياسه وتكون نتيجته صحيحة فلا بد أن يطبق القياس الصحيح في مسألة الإمامة ويتجنب القياس الفاسد، ولكن علماء الشيعة لما أرادوا أن يخرجوا مما ألزمناهم به من وجوب ذكر اسم الإمام في القرآن لأنه لطف، ولم يجدوا ما يمنعون به هذا الوجوب وشعروا بالإفلاس أتوا بهذه المحاولة اليائسة لعلها تسعفهم والتي بنوها على قياس فاسد غير صحيح، في حين غضوا طرفهم عن القياس الصحيح وتجاهلوه لأن نتيجته تضرهم -كما سيتبين- وتجعل محاولتهم هباءاً منثوراً، وإليك بيان كل من القياسين الفاسد الذي طبقوه والصحيح الذي تجاهلوه:
أولاً: القياس الفاسد الذي طبقوه:-
وهو قياسهم الإمامة على الصلاة والزكاة والحج، فإن هذا القياس فاسد لا يصح وذلك لوجود الفرق بين الإمامة والصلاة من حيث الأهمية والحكم ومن حيث طبيعية التفصيل، وإليك بيان ذلك وكما يلي:(73/53)
1-إن الامامة أهم من الصلاة وذلك لأن الجاهل بشخص الإمام -وهو من تفصيل الإمامة على قولكم- يموت ميتة جاهلية وهي جاهلية كفر ونفاق(1) بينما الذي يجهل تفصيلات الصلاة لا يكفر، وعليه فإذا لم يُذكر تفصيل الصلاة في القرآن(2) فلا يصح التبرير به لعدم ذكر اسم الإمام في القرآن لأن ذكره أهم من تفصيلات الصلاة(3)
__________
(1) كما نقلنا طائفة من مروياتهم ونصوص علمائهم التي تبين ذلك في الفصل الأول ص.. .
(2) هذا تسليم جدلي لهم وإلا فالحق إن القرآن قد ذكر بعض تفاصيل الصلاة كما سيتبين ذلك بوضوح في الوجه الرابع التالي.
(3) وذلك لأن الإمامة –ويطلقون عليها الولاية أحياناً- أهم من الصلاة كما هو ثابت عندهم بمروياتهم ومنها:[ عن زرارة ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : بني الإسلام على خمسة أشياء : على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية ، قال : زرارة : فقلت : وأي شئ من ذلك أفضل ؟ فقال : الولاية أفضل ، لأنها مفتاحهن والوالي هو الدليل عليهن ، قلت : ثم الذي يلي ذلك في الفضل ؟ الصلاة إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : " الصلاة عمود دينكم " قال : قلت : ثم الذي يليها في الفضل ؟ قال : الزكاة لأنه قرنها بها وبدأ بصلاة قبلها..]، وروى الكليني أيضاً:[ عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) : قال : بني الإسلام على خمس : على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية ولم يناد بشئ كما نودي بالولاية]، قال شارح أصول الكافي المولى محمد صالح المازندراني في شرحه للرواية الثانية:[ قوله ( بنى الإسلام على خمس ) لعل المراد بالإسلام هنا جميع ما جاء به النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من الدين الحق المشار إليه في قوله تعالى إن الدين عند الله الإسلام وقوله * ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا " وقوله * ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه " والامور الخمسة المذكورة أعظم أركانه وأكمل أجزائه المعتبرة في قوامه والولاية أعظم الخمسة]، ينظر الروايتين في كتاب شرح أصول الكافي للمازندراني(8/60-62).(73/54)
فلا يقاس الأعلى (الأهم) بالأدنى (المهم)(1) وإنما يقاس الشيء بمثيله ومساويه، عليه يكون قياسهم باطل في نظر العقلاء ولو جاز لهم هذا لجاز لشخص آخر أن يقول لهم بما أن تفصيلات الزكاة لم تذكر في القرآن فكذلك مسائل التوحيد والنبوة والمعاد لا تذكر في القرآن قياساً على تفصيلات الزكاة، فإذا أبطلتم هذا القياس للفرق الكبير في الأهمية بين تفصيل الزكاة وبين التوحيد والنبوة والمعاد، فكذلك يبطل قياسكم بين تفصيلات الصلاة وتفصيلات الإمامة وذلك للفرق الكبير في الأهمية كما تقدم، فهو اذاً قياس فاسد غير صحيح.
__________
(1) نعم يمكن قياس الأعلى (الأهم) على الادنى (المهم) ولكن قياس الأولى كما سيتبين في الصيغة الثانية من القياس الصحيح التي سنذكرها بعد قليل.(73/55)
2-إن الامامة تختلف عن الصلاة من حيث التفصيل، أي أن تفصيل الامامة يختلف عن تفصيل الصلاة، وهذا مما يجعل قياسهم فاسد غير صحيح من جهةٍ أخرى وذلك لأننا لو سلمنا جدلاً بعدم ذكر تفصيل الصلاة في القرآن فقد يكون لعلة متعلقة بنفس تفصيل الصلاة وهي أن تفصيلها واسع جداً فلا يسع ذكره في القرآن، مثل ذكر عدد الصلوات ووقتها وعدد الركعات في كل صلاة وكيفية القيام وبماذا يقرأ وكيفية الركوع والسجود والتشهد وماذا يقول فيها وشروطها وأركانها والتسليم وسجود السهو وقصر الصلاة في السفر إلى آخر هذه التفصيلات، أي بسبب هذا التفصيل الواسع جداً للصلاة كان ذكر تفصيلها في السنة دون القرآن -على قولكم-، ونحن لو وافقناكم على هذا -تسليماً جدلياً- فلا نوافقكم بأن تجعلوا تفصيل الإمامة مثل تفصيل الصلاة في قياسكم لما فيه من التلبيس والإيهام، وذلك لأن تفصيل الإمامة لا يشبه تفصيل الصلاة من حيث سعته وتوسعه بل إن تفصيل الامامة مختصر جداً وهو بذكر اسم الإمام بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - في القرآن وهذا لا يحتاج أكثر من كلمة أو كلمتين أو على الأكثر آية واحدة، أي إن علة التوسع في تفاصيل الصلاة والتي تحول دون ذكرها في القرآن، غير موجودة في تفصيل الإمامة لأنها لا تأخذ أكثر من كلمة أو على الأكثر آية واحدة، فالقرآن إذا لم يذكر تفصيل أمر ما -كالصلاة على قولكم- لسعته فلا أدري كيف يستدل بهذا على أن لا يذكر القرآن تفصيل أمر آخر ليس في ذكره ذلك التوسع بل هو مختصر جداً بكلمة أو آية على الأكثر، فتبين بطلان قياسهم من حيث زعموا أن تفصيل الإمامة كتفصيل الصلاة.(73/56)
3-ذكرنا في الوجهين السابقين بطلان قياس الإمامة على الصلاة من حيث الأهمية والتفصيل، وأما هنا فلو سلمنا لهم بالتساوي بينهما، فليزم منه ذكر الإمامة بصراحة واضحة وبتكرار كثير كما هو وارد في الصلاة، إذ ذكرت في القرآن بكل صراحة وبتكرار مراراً، لأهميتها ومكانتها، فهلا ذكرت الإمامة في القرآن بنفس عدد مرات ذكر الصلاة وخاصة وأن الإمامة أفضل وأهم منها، وهلا ذكرت بنفس الخطاب الصريح الواضح الجلي كما ذكرت الصلاة فأين القياس الصحيح بين الإمامة والصلاة يا معشر العقلاء وهي لم تساويها لا بعدد مرات ذكرها ولا بالصراحة التي ذكرت فيها، ولكنه العناد واللجاج الذي يُرْدي صاحبه في مطبات لا تحمد عقباها كما وقعوا في هذا القياس الفاسد.(73/57)
4-ونختم نسف هذا القياس بين الإمامة والصلاة بقول لأبزر أعلام المذهب وهو السيد المرتضى الذي يلقبوه بعلم الهدى ويكفيه فخراً ومنزلةً في المذهب هو أن شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي تتلمذ على يديه، فهذا المرتضى ذكر كلاماً في معرض ردِّه على القاضي عبد الجبار المعتزلي ينسف بنيانهم من القواعد وذلك حين قاس المعتزلي الإمامة على الصلاة كي يتوصل بهذا القياس إلى كون الإمامة تكون بالاختيار وليس بالنص، فتفجر غضب المرتضى وردَّ عليه بعنف بمنعه أن تُقاس الإمامة على الصلاة، حيث قال:[ إنما جاز ما ذكرته في الصلاة من حيث أمكن المكلف أن يصيب صفتها وشروطها ويميز صحيحها من فاسدها من جملة أفعاله ، والإمام لا يمكن مثل ذلك فيه ... على أن الصلاة لا يمكن فيها إلا النص على الصفة دون العين لأنها فعل المكلف ، ولها أمثال في مقدوره فلا يتميز له صحيحها من فاسدها إلا بالصفة والشرط ، والإمام يمكن النص على عينه على وجه يتميز به من غيره فليس يجب أن يكون حكم الإمام حكم الصلاة ... إنما أردنا بما ذكرناه أن نبين اختلاف حكم الصلاة والإمام في هذا الباب وأن الذي أوجب النص على الصفة دون العين في الصلاة غير حاصل في الإمام..](1)
فهل رأيت أعجب وأصرح وأبلغ من هذا النقض لقياسهم الإمامة على الصلاة الذي اعتمدوه وأسسوا عليه محاولتهم، ومن قبل علم من أعلامهم بل علم الهدى عندهم على الإطلاق، ولو أنا اقتصرنا في هذا الوجه على قوله فقط لكفى في نسف القياس ومن ثم نسف المحاولة برمتها إلا أنا أجلناه الى الأخير كي نستعرض وجوه أخرى قوية في نسفها، والحمد لله الذي جعلها هباءاً منثوراً.
فهذه أربعة وجوه تبين فساد القياس الذي طبقوه بين الإمامة والصلاة.
ثانياً: القياس الصحيح الذي تجاهلوه:-
__________
(1) الشافي في الإمامة للسيد المرتضى (2/58-60).(73/58)
... إن القياس الصحيح لمسألة الإمامة له صيغتان وكلاهما توجبان ذكر اسم الامام في القرآن وإليك بيان كل من الصيغتين:-
1-الصيغة الأولى للقياس الصحيح:-
وهي أن تقاس الإمامة بما يساويها في المرتبة والأهمية وفي طبيعة التفصيل، والمعروف عند الإمامية أن الإمامة بمنزلة النبوة لأن كلا المنصبين عندهم منصب إلهي يكون تعيينه من الله تعالى وليس باختيار المخلوقين، ولأن كلاهما يشترط فيه العصمة والنص، والمنكر لهما كافر خارج عن ملة الإسلام، فمن أقوالهم التي تشير إلى تساوي المنزلتين ما يلي:-
أ-قال ابن بابويه في (الاعتقادات)ص79:[واعتقادنا فيمن جحد إمامة أمير المؤمنين والأئمة من بعده - عليه السلام - أنه بمنزلة من جحد نبوة الأنبياء].
ب-ذكر الطوسي في (تلخيص الشافي) جزء4 ص131: [ودفع الإمامة كفر كما أن دفع النبوة كفر لأن الجهل بهما على حد واحد].
ج-ذكر ابن بابويه في (عيون أخبار الرضا) جزء1 ص231: [عن الرضا عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال:….إن الله تبارك وتعالى خلقني وإياك (لعلي) واصطفاني وإياك واختارني للنبوة واختارك للإمامة، فمن أنكر إمامتك فقد أنكر نبوتي].
د-ذكر محمد رضا المظفر في (عقائد الإمامية) ص102 عدة أقوال منها: [نعتقد أن الإمامة أصل من أصول الدين لا يتم الإيمان إلا بالإعتقاد بها… كما نعتقد أنها كالنبوة لطف من الله تعالى… قال ص111: نعتقد أن الإمامة كالنبوة لا تكون إلا بالنص… وحكمها في ذلك حكم النبوة بلا فرق].(73/59)
فتبين لنا من خلال هذه الأقوال لعلمائهم أن الإمامة مساوية للنبوة من حيث الحكم والأهمية، وحتى من حيث طبيعة التفصيل مساوية لها لأن تفصيلهما مختصر جداً يتحقق بذكر اسم النبي واسم الإمام، فلا فرق بينهما إذاً لا في الحكم والأهمية ولا في طبيعة التفصيل، مما يوجب على من أراد أن يقيس الإمامة فعليه أن يقيسها بالنبوة ليكون قياسه صحيحاً ونتيجته من هذا القياس صحيحة، أي أن القياس الصحيح للإمامة هو أن تُقاس الإمامة على النبوة وليس على الصلاة، والذي يؤيد صحة قياس الإمامة على النبوة هو أحد علمائهم المعتمدين والملقب عندهم بالصدوق، فيقول ابن بابويه القمي في (كمال الدين) ص24-25: [إن التشاكل (التشابه) بين الأئمة والأنبياء بيِّنٌ واضح…..وكذلك تشاكل الأنبياء والأوصياء، فمن قاس حال الأئمة بحال الأنبياء واستشهد بفعل الأنبياء على فعل الأئمة فقد أصاب في قياسه واستقام له استشهاده بالذي وصفناه من تشاكل الأنبياء والأوصياء…].(73/60)
وبعد أن أثبتنا أن الصيغة الأولى للقياس الصحيح هو أن تقاس الإمامة على النبوة من خلال كلامهم، يجدر بنا أن ندخل في تفصيل هذا القياس فنقول إن المتتبع يجد أن القرآن قد ذكر نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - بوضوح وصراحة، فقد صرح سبحانه وتعالى بذكر اسمه - صلى الله عليه وسلم - في أربعة مواضع من كتابه هي آل عمران (144) والاحزاب (40) ومحمد (2) والفتح (29) فاذا ذكر اسم النبي - صلى الله عليه وسلم - أربع مرات فلا بد من ذكر اسم الإمام بنفس العدد من المرات(1)
__________
(1) أي يجب ذكر اسم الامام في القرآن بناءً على هذا القياس، فكيف ولو تأملنا في القرآن وفق ما أصلوه من إيجابهم على الله تعالى ما تستحسنه عقولهم والذي أوجبه من خلاله فعل اللطف بعباده، سنجد أن الحاجة إلى ذكر اسم الإمام في القرآن أكثر من الحاجة إلى ذكر اسم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وذلك لأن الذين كانوا يعاصرون دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - فريقان، الأول مؤمن به أنه رسول من الله تعالى ويؤمن بكل ما جاء به جملةً وبما فيها القرآن، سواء ذكر فيه اسم النبي أو لم يذكر، لأنه آمن بصدق النبي - صلى الله عليه وسلم - ونبوته أولاً ثم آمن بما جاء به من القرآن، فذكر اسم النبي - صلى الله عليه وسلم - في القرآن لا يزيده إيماناً وتصديقاً لأنه قد حصل له التصديق والإيمان دون النظر إلى ورود اسمه في القرآن أم لا، والفريق الآخر كافر به وبما جاء به جملةً فهو لا يعتقد أنه مرسل من الله تعالى ولا يعتقد أن القرآن من عند الله تعالى بل هو من تأليفه وسحره، فهذا الفريق مكذِّب بالقرآن جملةً، فذكر اسم النبي - صلى الله عليه وسلم - في القرآن لا ينفعه ما دام معتقداً أن القرآن من تأليف النبي - صلى الله عليه وسلم - وسحره، فتبين أن ذكر اسم النبي - صلى الله عليه وسلم - لا ينفع من آمن به ولا من كفر به، وهذا يختلف عن الحاجة إلى ذكر اسم الإمام في القرآن، لأن الإختلاف في إمامته ليس بين المسلمين والكفار بل بين فرق المسلمين من أهل القبلة الذين يؤمنون بالله تعالى وبالنبي - صلى الله عليه وسلم - وبالقرآن وبما جاء فيه، فالحاجة إلى تعريفهم بإمامهم بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - ملحة وهو مطلوب لتحصل لهم الهداية إلى معرفته، لذلك فإن الحاجة إلى ذكر اسم الإمام في القرآن أكثر من الحاجة إلى ذكر اسم النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو إلزام لهم بوجوب ذكر اسم الإمام في القرآن وذلك وفق نظريتهم بوجوب فعل اللطف للعباد والله اعلم.(73/61)
أو على الأقل مرة واحدة قياساً على النبوة لاشتراكهما في الأهمية والحكم وطبيعة التفصيل كما تقدم، فهذا هو القياس الصحيح لتساوي الإمامة والنبوة بخلاف قياسهم الفاسد بين الإمامة والصلاة، ومن خلال هذا القياس الصحيح بين المتساويين (الإمامة والنبوة) نتوصل الى ضرورة ذكر اسم الامام في القرآن قياساً على ذكر اسم النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - في القرآن أربع مرات(1)، أي ما دمتم قد جعلتم الإمامة بمرتبة النبوة في الأهمية والحكم يلزمكم وجوب ذكر اسم الإمام في القرآن كما ذكر اسم النبي - صلى الله عليه وسلم - في القرآن(2).
__________
(1) وتكون صيغة القياس المنطقي هي:-
تفصيل الإمامة (بذكر اسم الامام) كتفصيل النبوة ... تفصيل النبوة ورد في القرآن(بذكر اسم النبي في القرآن) تفصيل الإمامة يرد في القرآن
وهذه المقدمات لا اعتراض عليها لأنهم أقروا واعترفوا بصحة المقدمة الصغرى وهي قياس الإمامة على النبوة ، وأما المقدمة الكبرى فقد ثبتت بالقرآن بذكر اسم النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه وبالتالي لا بد أن يُسلِّموا بهذا القياس.
(2) وهذا الإلزام لمن يساوي بين الإمامة والنبوة في الأهمية من علمائهم، فكيف بمن يجعل الإمامة أهم من النبوة فلا شك أن الإلزام لهم أقوى، ومن هؤلاء المفيد في (أوائل المقالات) ص42-43 ونعمة الله الجزائري في (الأنوار النعمانية) جزء1 ص20-21، وختمها الخميني في (الحكومة الإسلامية) ص47 بقوله: [وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل].(73/62)
فهذه هي الصيغة الاولى للقياس الصحيح والتي حصلنا من خلالها على هذه النتيجة المهمة وهي وجوب ذكر اسم لامام في القرآن قياساً بالنبوة(1).
2-الصيغة الثانية للقياس الصحيح:-
__________
(1) ومما يعجب منه العاقل هو تجاهلهم قياس الإمامة على النبوة في هذا الموضع فقط –وهو ذكر اسم الإمام في القرآن قياساً على ذكر اسم النبي فيه- مع أنهم قاسوا الإمامة في النبوة في كل شئ وذلك حين قالوا بأن الإمامة منصب إلهي كالنبوة لا تكون إلا بالنص فكما لا يجوز لهم اختيار النبي كذلك الإمام -كما في عقائد الإمامية ص111- وكذلك اشتراط العصمة بأن الإمام كالنبي يجب أان يكون معصوماً، وأما ذكره في القرآن فلا أدري لماذا لا يقيسونها بالنبوة { تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى } !!!(73/63)
وهي أن تقاس الإمامة بما دونها في الأهمية بقياس الأولى، وبيانها هو أن القرآن قد ذكر وفصّل في أمور هي دون الإمامة بكثير من حيث الأهمية مثل غض البصر وذكر الوضوء والمداينة والحيض والربا وذكر اسم صحابي وهو زيد في مسألة فرعية سهلة، فإذا كان القرآن قد تطرق لذكر هذه الأمور (والتي هي دون الإمامة بكثير من حيث الأهمية) وفصّل فيها فيجب من باب أولى أن يُفَصِّل مسألة الإمامة لأنها خطيرة يكفر الجاهل بها وهي بمنزلة النبوة، فإذا لم يهمل القرآن ذكر هذه الأمور البسيطة الهينة بأن فصلها وبيّنها، فلا يهمل من باب أولى ذكر وتفصيل الأمور المهمة بل أهم أصل من أصول الدين ألا وهو الإمامة(1)، فبناءً على هذا القياس لا بد أن يذكر القرآن اسم الإمام لأنه قد ذكر ما دونه في الأهمية، أي يجب أن يذكر اسم الإمام في القرآن،
__________
(1) ومما يثير العجب أن علمائهم قد أشاروا إلى هذا القياس ولكنهم لم يطبقوه بصورة كاملة لأن نتيجته تضرهم، فيذكر محقق كتاب (الالفين) السيد محمد مهدي حسن الموسوي ص25-26: [وكيف يجوز عليه تعالى إهمال هذا الواجب العظيم (نصب الإمام) الذي به حياة الشريعة والبشر؟ مع بيانه لأقل الواجبات في الدين حتى الإرش في الخدش وقصاص الضرب والجرح والتعزير على المخالفات البسيطة وحرمة أخذ المال من غير حلِّه ولو كان قنطاراً، والنظر إلى ما لا يحل ولو لحظة والغيبة ولو بكلمة الى غير ذلك بل أبان من المسنونات في كل باب من أبواب الشريعة ما لا يحصر وما يترتب على ذلك من إجراء وشر…] ويقول الخميني بصدد هذا القياس في (كشف الاسرار) ص155: [لكي نؤكد لهؤلاء الحمقى بأن الإمامة ليست مسألة هينة أو سياسية حتى يسكت القرآن والمسلمون عنها].(73/64)
وهذه هي الصيغة الثانية للقياس الصحيح والتي حصلنا من خلالها على وجوب ذكر اسم الإمام في القرآن وهكذا تبين لنا كل من القياس الفاسد الذي طبقوه، والقياس الصحيح الذي تجاهلوه والسبب في تجاهلهم للقياس الصحيح بصيغتيه هو أن نتيجته تضرهم والمتمثلة بوجوب ذكر اسم الإمام في القرآن كما تبين، فإذا ثبت فساد قياسهم بمنع ذكر اسم الإمام في القرآن وثبت بالمقابل صحة قياسنا في وجوب ذكره في القرآن فسدت محاولتهم وبطل الإحتجاج بها لأن الأساس الذي تعتمد عليه هو هذا القياس وبما أنه قياس فاسد فالمحاولة باطلة.
الوجه الرابع:
إن هذه المحاولة كما تبين لنا مبنية على أصلين هما:
الأول: هو قياس الإمامة على الصلاة وهذا القياس قد بينا فساده بتفصيل في الوجه السابق.
الثاني: هو أن تفصيل كل من الصلاة والزكاة والحج والصيام يكون في السنة وليس في القرآن.(73/65)
وهذا الأصل الثاني الذي تنبني عليه محاولتهم سنبطله في هذا الوجه فنقول: إن إطلاقهم القول بأن تفصيل الصلاة وباقي الأركان يكون في السنة دون في القرآن، هو قول باطل لا يقول به مسلم تصفَّح القرآن فضلاً عن أن يكون عالما ومرجعاً للشيعة في أمر دينهم، وإني لأعجب كيف يتجرأ علماؤهم على إطلاق هذه الدعوى وهي منعهم أن يكون تفصيل الصلاة وباقي الأركان في القرآن، ومع أن الذي يقرأ القرآن بتأمل يسير سيجد بطلان هذه الدعوى دون جهد وعناء وذلك لأن القرآن قد تطرق فعلاً لتفصيلات الصلاة والحج والصيام فذكرها وبينها، أي أن القرآن لم يكتف بذكر أصول هذه المسائل وهي وجوب أصل الصلاة والزكاة والحج والصيام(1) ولإنما تطرق إلى ذكر بعض تفصيلاتها، فإذا ثبت ورود تفصيلها في القرآن فقد انهدم الاصل الثاني الذي تنبني عليه محاولتهم هذه، واليك بيان ورود بعض التفصيلات للصلاة والحج والصيام في القرآن:
أولاً: ورود بعض تفصيلات الصلاة في القرآن:-
إن مما يجعل النقض لدعواهم أبلغ هو أن القرآن لم يذكر تفصيلات الصلاة فحسب وإن كان هذا كاف في نقض دعواهم، وإنما زاد على ذلك بأن تطرق لذكر شروط الصلاة ومكملاتها والتي لا تعد من الصلاة مما يجعل دعواهم هباءً منثوراً، وإليك بيان ورود هذه التفصيلات لكل من الصلاة وشروطها:-
1-تفصيلات الصلاة نفسها:-
فمن هذه التفصيلات التي وردت في القرآن ما يلي:-
__________
(1) وذلك لأنهم اعتبروا الأصل هو ذكر إيجابها فقط وهذا يكون في القرآن، أما أي تفصيل يتعلق ببيان هذا الأصل من بيان شروط وتفصيلات للصلاة والحج والصيام فهو من التفصيل الذي منعوا ذكره في القرآن، وأوجبوا ذكره في السنة، ونضرب لذلك مثال وهو أن الأصل في الصلاة { أقيموا الصلاة } ويكون ذكره في القرآن، فكل ما زاد على هذا الأصل من أمور تتعلق بالصلاة وأحكامها وشروطها ومكملاتها فهو من التفصيل الذي يكون في السنة، وكذلك الحال بالنسبة للحج والصيام.(73/66)
أ-قد ورد ذكر الركوع والسجود والقيام في القرآن في مواضع متعددة وهما من أركان الصلاة كما هو معلوم.
ب-قد ذكر الله تعالى حكم من أحكام الصلاة التفصيلي وهو أن المسافر يقصر من الصلاة وذلك في قوله تعالى { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ } (النساء: من الآية101).
ج-إن الله تعالى قد ذكر حكم آخر من أحكام الصلاة التفصيلي وهو صلاة الخوف في حالة القتال مع الأعداء وذلك في قوله تعالى { وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً } (النساء:102).
د-إن الله تعالى قد ذكر كيفية القراءة في الصلاة وذلك في قوله تعالى { وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً } (الاسراء: من الآية110).
وهذا يكفي في ابطال دعواهم بأن تفصيل الصلاة يكون ذكره في السنة وليس في القرآن، بعد أن أثبتنا ورود هذه التفصيلات في القرآن وبه تبطل دعواهم.
2-تفصيلات شروط الصلاة ومكملاتها:-(73/67)
وهذا الوجه مما يزيد في إبطال دعواهم ويبالغ في نقضها لأننا سنثبت فيه أن القرآن قد ذكر ما ليس من الصلاة (ماهيتها)(1) وانما هي من شروطها، فمن هذه الشروط والمكملات ما يلي:-
أ-الوضوء:-
إن ذكر هذا الشرط هو أبلغ ما يكون في نقض دعواهم لأنه ليس من تفصيلات الصلاة كما تقدم، ومما يزيد الحسرة عليهم أن الله تعالى لم يذكر هذا الشرط ذكراً مطلقاً، أي لم يأمر بالوضوء فقط بصيغة (توضأوا) وإنما فصل في كيفيته والمواضع التي تغسل فيه، وليت الأمر وقف عند هذا الحد ولكنه تعدى ذلك بكثير بأن بيّن الله تعالى لنا ماذا نصنع في حالة فقد الماء أي تعذّر تطبيق هذا الشرط وهو الوضوء، فبيَّن لنا سبحانه البديل عن هذا الشرط وهو التيمم في قوله تعالى { فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً } (النساء: من الآية43، وكذلك المائدة:الآية6)، وليت الأمر وقف عند ذكر هذا البديل بصيغة (تيمموا) بل تعدى ذلك إلى بيان تفصيل هذا البديل عن شرط الوضوء وذلك بأن بيّن كيفية هذا التيمم وفصله بقوله تعالى { فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ } (المائدة: من الآية6، وكذلك النساء:الآية:43)، فكل هذا التفصيل والبيان لشرط من شروط الصلاة فكيف يقولون بعد كل هذا أن تفصيل الصلاة يكون في السنة دون القرآن.
ب-استقبال القبلة:-
وهذا أيضاً ليس من الصلاة وإنما من شروطها ومع هذا ذكره الله تعالى بتفصيل وبيّن كيف غيرها الله تعالى من بيت المقدس إلى البيت الحرام (الكعبة) وذلك في آيات عديدة من سورة البقرة (142-150) فكيف يقال بعد هذا أن القرآن لا يتطرق لذكر تفاصيل الصلاة بل تفصيلها يكون في السنة!!!
د-مواقيت الصلاة:
__________
(1) وذلك لأن الصلاة شرعاً هي الأفعال والأقوال المخصوصة التي تبدأ بالتكبير (أي تكبيرة الإحرام) وتنتهي بالتسليم.(73/68)
إن الله تعالى قد ذكر مواقيت الصلاة المفروضة وذلك في قوله تعالى { أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً } (الاسراء:78)، ومعلوم أن مواقيت الصلاة هي من شروطها وليس من ماهية الصلاة نفسها.
ج-ذكر المساجد:-
وهي ليست من شروط الصلاة بل من مكملاتها لأنها الأماكن التي تقام فيها الصلاة، فقد ورد ذكرها في مواضع مختلفة وفي مواطن متعددة فمنها قد توعّد الله تعالى من يسعى في خرابها في سورة البقرة (114) وبين أن الذي يعمر المساجد هم المسلمون وليس المشركون في سورة التوبة (17-18)، وتطرق القرآن لمسجد ضرار الذي بناه المنافقون ليكيدوا به للإسلام فنهى عن القيام فيه وأمر بالقيام بالمسجد النبوي في سورة التوبة (107-108) ولذا ذكر المساجد مقترن بالأمر بدعاء الله تعالى وحده في سورة الجن (18)،
فكل هذه التفاصيل للصلاة ولشروطها قد ورد ذكرها في القرآن كما تقدم، وهذا يجعل الأصل الثاني لمحاولتهم (وهو أن تفصيلها يكون في السنة وليس في القرآن) هباءً منثوراً وهذا وإن كان كافياً في نقض أصلهم إلا أن الضرورة قد اقتضت أن نبين المزيد من تفاصيل الحج والصيام في القرآن وذلك إمعاناً منا قي نقض هذا الأصل والإجهاز عليه برمته.
ثانياً: ورود بعض تفصيلات الحج في القرآن:-
فمن تفاصيل الحج التي ورد ذكرها في القرآن ما يلي:-
1-ذكر الطوائف في الكعبة في الحج في سورة الحج (29).
2-ذكر الصفا والمروة والطواف بهما في سورة البقرة (158).
3-ذكر الهدي في الحج والصيام لمن لم يجد وكذلك حلق الرؤوس في سورة البقرة (196).
4-ذكر موضع عرفة والافاضة فيها في سورة البقرة (198).
5-ذكر الامر بالنداء للحج إذا حان وقته في سورة الحج (27).
6-ذكر البدنة (الابل والبقر) والإطعام منها في سورة الحج (36-37).(73/69)
7-ذكر النهي عن الصيد في الإحرام في الحج والوعيد لمن فعل ذلك في سورة المائدة (95).
8-ذكر النهي عن الكلام البذيء في الحج في سورة البقرة (197).
9-ذكر الكعبة وبناءها على يد إبراهيم وإسماعيل وهي الموضع الذي يكون إليه الحج في سورة البقرة (127).
فهذه تفاصيل الحج قد ورد ذكرها في القرآن والتي تبطل أصلهم الثاني الذي تنبني عليه محاولتهم.
ثالثاً:- ورود بعض تفصيلات الصيام في القرآن:-
فمن هذه التفصيلات ما يلي:-
1-قد ذكر القرآن الرخصة للمسافر والمريض في الإفطار في سورة البقرة (185).
2-ذكر تحليل الرفث (الجماع) إلى النساء في ليلة الصيام بعد أن كان محرماً في سورة البقرة (187).
3-ذكر تحديد وقت الصيام أي بدايته ونهايته في سورة البقرة (187).
فهذه تفصيلات الصلاة والحج والصيام التي ورد ذكرها في القرآن والتي تبطل أصلهم الثاني الذي تنبني عليه محاولتهم (وهو أن تفصيل هذه الأركان يكون في السنة دون القرآن) وتسقطه سقوطاً تاماً بحيث لا يبقى مجال لعاقل أن يحتج بهذه المحاولة بعد سقوط الأصلين الذين تنبني عليهما(1)، وكان هذا هو الوجه الثاني لإبطال دعواهم.
الوجه الخامس:
__________
(1) بل إن الذي يحتج بهذه المحاولة المتضمنة لهذه الدعوى -وهي أن تفصيلات الأركان تكون في السنة دون القرآن- يكون قد أقرَّ على نفسه بأنه لم يفتح القرآن في حياته فضلاً أن يفتي للناس ويكون مرجعاً لهم، بدليل نقلنا لهذه التفاصيل من القرآن دون طول بحث وعناء بل هي موجودة وظاهرة لكل من يقرأ القرآن.(73/70)
لقد أبطلنا في الوجه السابق دعواهم بأن تفاصيل الصلاة وباقي الأركان وردت في السنة دون القرآن عن طريق إثباتنا لمعظم هذه الفاصيل من القرآن، وأما هنا فسيكون النقض أبلغ من خلال إثباتنا أن القرآن لم يذكر تفاصيل تلك الأركان فحسب بل ورد فيه تفصيل أصل الإمامة نفسه والمتمثل بالنص على شخص الإمام(1) بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وذلك من خلال تصريحات علمائهم على أن القرآن قد نصَّ على إمامة علي - رضي الله عنه - وذكرها، فمن أقوالهم في ذلك ما يلي:
1-يقول الخميني في (كشف الاسرار) مؤكداً بأن مائة وأربعين آية بينت بأن الامام هو علي - رضي الله عنه - فيقول ص161: [ومن يريد المزيد من الاطلاع على ذلك فليراجع كتاب (غاية المرام) تأليف العالم الجليل السيد هاشم البحراني، حيث سيجد مائة وأربعين آية قرآنية وردت من طريق الشيعة والسنة، بأن الامام هو أمير المؤمنين، حتى تتأكد لديه الاهمية التي أعارها الله للإمامة].
__________
(1) مع أنه من التفصيل الذي منعوا ذكره في القرآن في معرض ردهم على ما ألزمناهم به من وجوب ذكر اسم الإمام في القرآن.(73/71)
2-من الآيات التي يحتج بها الشيعة على إمامة علي - رضي الله عنه - هي قوله تعالى { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } (المائدة:55)، والتي(1) عدَّها علماء الشيعة قاطبةً نصاً صريحاً من الله تعالى على إمامته في القرآن، فمن أقوالهم على سبيل المثال لا الحصر:
أ-قال شيخ طائفتهم الطوسي في (تلخيص الشافي) باب (النص على إمامته من القرآن) جزء2ص10: [وأما النص على امامته من القرآن فأقوى ما يدل عليه قوله تعالى { انما وليكم… } ].
ب-يقول السيد المرتضى في كتابه الشافي(1/133): [ان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد نص على امير المؤمنين - عليه السلام - بالامامة وأوجب له فرض الطاعة بعده ولم يجب نقل ذلك لان الكتاب (القرآن) قد اغنى عنه فان فيه ما يدل على امامته - عليه السلام - مثل قوله تعالى { انما وليكم…. } ].
ج-يقول أبوالصلاح الحلبي في كتابه (تقريب المعارف) ص 184 :[وأما نص الكتاب على إمامته عليه السلام فآي كثيرة : منها : قوله تعالى : ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون )].
__________
(1) وخلاصة إستدلالهم بها هي أن علياً - رضي الله عنه - قد تصدق بخاتمه وهو راكع في الصلاة فنزلت هذه الآية تنص بأن الولي المتصرف (أي الإمام) هو الله تعالى ورسوله ومن تصدق وهو راكع (أي علي - رضي الله عنه -)، أي القصد من ذكر هذا الوصف لعلي - رضي الله عنه - هو التعريف والتعيين لشخص الإمام بعينه لكي يعرفه المسلمون، لأن صفة الإمام التي حددها الله تعالى (وهي إعطاء الزكاة في حال الركوع) لا توجد إلا في علي - رضي الله عنه - فيكون هو الإمام، فهذه خلاصة استدلالهم بهذه الآية على إمامة علي - رضي الله عنه -.(73/72)
د-يقول علامتهم ابن المطهر الحلي في كتابه (نهج الحق وكشف الصدق) ص 172 :[ تعيين إمامة علي ( ع ) بالقرآن وأما المنقول : فالقرآن ، والسنة المتواترة . أما القرآن فآيات : الأولى : " إنما وليكم الله ، ورسوله ، والذين آمنوا ، الذين يقيمون الصلاة ، ويؤتون الزكاة وهم راكعون "، ويقول في كتابه (نهج السداد في شرح واجب الاعتقاد) ص66: [واما النص فقد وجب كما تقدم ذكره، فلنشرع في تبيينه اولاً على امامة علي - عليه السلام - ثم على امامة من بعده من الاوده المعصومين - عليه السلام - من الله تعالى ومن رسوله وهو لا يحصى كثرة فمن ذلك قوله تعالى { انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا… } فهذا نص صريح من الله تعالى على خلافة امير المؤمنين - عليه السلام - وعلى امامته بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - والنص هو اللفظ المفيد الذي لا يحتمل غير ما فهم منه، أي اطلاق لفظ يدل على معنى واحد مانع لنقيضه وهذا كذلك ووجه الدلالة به…].
هـ-يقول شيخهم محمد جواد مغنية في كتابه (الشيعة في الميزان) ص 335 :[ من هو الإمام بعد النبي بعد أن أوجب الشيعة الإمامية النص من الله على الإمام قالوا : ثبت النص على علي بالخلافة بعد الرسول من القرآن الكريم والسنة النبوية ، فمن القرآن الآية 55 من سورة المائدة " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون "].(73/73)
و-وأخيراً يؤكد شارح أصول الكافي المولى محمد صالح المازندراني بأن القرآن يهدي للإمام في أكثر من موضع فقال في كتابه (شرح أصول الكافي) (5/268):[ عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) في قوله تعالى : * ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ) * قال : يهدي إلى الإمام . * الشرح : قوله * ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ) * أي يهدي العباد إلى الطريق التي هي أقوم الطريق وهو الإمام إذ هو أصل لجميع الخيرات وأقوم من كل ما يتقرب به العبد به إلى الله تعالى ، والقرآن يهدي إليه في مواضع عديدة ].
إلا إن هذا الإندفاع عند علماء الشيعة لإثبات إمامة علي - رضي الله عنه - من خلال دعواهم بأن هذه نص صريح على إمامته قد أوقعهم في محذورين عظيمين وضررهما عليهم كبير ووخيم وهما:
المحذور الأول:
وهو هدمهم لكل ما بنَوْه في هذه المحاولة، إذ أنها مبنية كم تقدم على أن النص على شخص الإمام هو من تفصيل أصل الإمامة، وهذا لا يكون في القرآن بل في السنة –قياساً على تفصيلات الصلاة- وأما هنا في معرض إثبات إمامة علي - رضي الله عنه - زعموا بأن القرآن قد نص على إمامته نصاً صريحاً في الآية (55) من سورة المائدة، بمعنى اعترافهم بأن تفصيل أصل الإمامة قد ورد في القرآن بصراحة ووضوح، لنقضوا محاولتهم بأيديهم وليوفِّروا عنا بعض الجهد والعناء في إبطال هذه المحاولة الهزيلة كما قال تعالى { يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ } (الحشر: من الآية2).
المحذور الثاني:(73/74)
كما تبين لنا في الوجه الفصل الأول من خلال اعتقادهم بوجوب النص على الإمام من الله تعالى كي يرتفع النزاع ويعرفه المكلفين ليطيعوه، ثبت لنا بالعقل وتقريرات علمائهم بأن النتيجة المترتبة على قولهم هي وجوب ذكر اسم الإمام صراحةً في القرآن كي تتحقق الغاية منه بصورة قطعية، ومع وضوح الحق في المسألة إلا أنهم جادلوا وكابروا فمنعوا هذا الوجوب بشتى الوسائل الممكنة -والتي وقفت على هزالتها- ليقولوا لا يجب ذكر اسم الإمام في القرآن، إلا أنهم في الوقت نفسه اعترفوا بأن القرآن قد نصَّ على الإمام ولكن بالصفة دون الإسم وهي (إعطاء الزكاة حال الركوع) من الآية المذكورة، بمعنى أنهم منعوا وسيلتنا في التعريف بالإمام بذكر اسمه، وأثبتوا بدلاً عنها وسيلة وهي ذكر صفته، ولو قارنا بين الوسيلتين سندرك مدى التخبط الذي أوقعوا أنفسهم في بسبب التكبر والعناد وكما يلي:
1-إن الوسيلة التي ألزمناهم بها هي أكثر اختصاراً مثل قوله تعالى(إن الإمام هو علي بن أبي طالب)، بينما وسيلتكم تقول(إن الإمام هم َالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)، وهذا تصريح بصحة وسيلتنا لأنها أبلغ في الدلالة وأكثر اختصاراً.(73/75)
2-إن الوسيلة التي زعمتم النص بها على الإمام بالصفة في الآية المذكورة لا تحقق بها الغاية مطلقاً، وذلك لأن معرفة الإمام ستكون متوقفة على معرفة صفته في الآية، ومعلوم أن صفته فيها ليست قطعية في دلالتها بحيث لا تقبل التأويل والاحتمال، بحيث يستطيع كل مسلم بمجرد أن يقرأ الآية يعرف بأن صفة الإمام وهو علي بن أبي طالب، بل لا يمكنه ذلك إلا بمعرفة سبب النزول(1)، وبالتالي تكون معرفة الإمام بالصفة تحتاج للرجوع إلى قصة سبب
__________
(1) وقد جربت ذلك ميدانياً بأن قرأت الآية على الكثير من الشيعة الذين لا يعرفون سبب نزول الآية فلم يفهموا منها إمامة علي - رضي الله عنه - لأنها عامة وبصيغة الجمع وليس فيها تصريح على إمامته فتيقنت بأن فهم دلالتها متوقف على قراءة سبب النزول وليس من القرآن مباشرة فتأمل هذه النقطة فهي في غاية الأهمية، وبمناسبة عدم وجود قطع وصراحة في دلالة النص على الإمام وقعت لي ذات مرة محاورة قصيرة جرت بيني وبين امامي حول آية الوضوء فأردت أن أثبت له بأن الأرجل تغسل ولا تمسح لان العبرة بالإعراب وليس بتسلسل السياق بقوله { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ } (المائدة: من الآية6)، فقال هل أن الله تعالى يتكلم بالألغاز ليضل الناس ولماذا لم يصرح بالغسل بنفس السياق فهذا منافي لرحمة الله تعالى ومحبته لهداية الخلق، فقلت سبحان الله العظيم يرفض أن يكون هناك إالغاز (بزعمه) في مسألة الوضوء وهي بسيطة، ويُجوِّز أن لا يذكر مسألة الإمامة في القرآن وهي أهم اصول الدين والذي ينكرها كافر، فإن كان الإلغاز في الوضوء منافي لرحمته وارادته الهداية، فماذا نقول في الإلغاز في أهم أصول الدين بعدم ذكر اسم الإمام صراحة في القرآن فهو من باب أولى مناف للرحمة وإرادة الهداية.(73/76)
النزول وليس من الآية مباشرةً لأن غالب المسلمين لا يعلمون بنزولها في علي(1) - رضي الله عنه - بمجرد قراءة الآية ابتداءاً، فلا بد من الرجوع إلى السنة في سبب النزول، وعندها سيكون التحاكم إلى السنة وليس إلى القرآن، وهذا سيوقع المسلمين في نزاع واختلاف حول نفي وإثبات القصة، لأن التحاكم إلى السنة لا يرفع الخلاف بين الشيعة وأهل السنة وذلك لاختلافهم في رواتها ومصادرها فكل طرف ينفي روايات الطرف الآخر، وهكذا يكون بين المكلفين وبين معرفة الإمام –بوسيلتكم تلك- مفاوز وخنادق مظلمة من الاختلاف والتنازع، بحيث لا يمكن أن يقرّ لهم قرار لمعرفة الإمام بالوسيلة التي أثبتموها وهي النص على الإمام بصفته في القرآن(2).
__________
(1) وهذا على التسليم الجدلي لهم بنزولها فيه، وإلا فالحق أنها دعوى باطلة وسنتعرض لها في دراسة مستقلة حول الآيات القرآنية التي يحتجون بها على الإمامة.
(2) بل إن علامتهم محمد جميل حمود أكد هذا حين صرح بأن النص على الإمام بذكر صفته هو من أقسام النص الخفي وليس الجلي فقال في كتابه (الفوائد البهية في شرح عقائد الامامية) جزء2ص50 :[وفي المقابل ذهبت الزيدية على أن النص على الإمام خفي أي ان النبي - صلى الله عليه وسلم - نص على الإمام علي عليه السلام بالوصف دون الإسم].(73/77)
فهذا هو المحذور الثاني المترتب على قولكم بأن الله تعالى قد نص على إمامة علي - رضي الله عنه - بالصفة دون الإسم، والذي تبين به فساد وسيلتكم وصحة وسيلتنا لأن الغاية تتحقق بوسيلتنا بصورة قطعية ويقينية لأنها مختصرة وميسرة وهي بذكر اسم الإمام في القرآن ليرتاح المسلمون من عناء البحث والوقوع في محذور الاختلاف والتنازع في معرفة الإمام ولتقوم به الحجة على الجميع، ولكنكم أبيتم إلا جحد الحق فماذا كانت نتيجة عنادكم إلا أن قدمتم لنا وسيلة لا تتحقق بها الغاية مطلقاً وذلك بالنص على الإمام بصفة لا تعرف من القرآن بل بالرجوع إلى سبب النزول فأوقعتم المسلمين في متاهات وخلافات ونزاعات لا تنتهي.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
وبهذا ننهي الوجه الخامس الذي نختم به نسف محاولتهم الثانية من أصولها بحيث لا تقوم لها قائمة إلى يوم القيامة بفضل الله تعالى وتأييده، ولننتقل إلى مناقشة قول الخميني حول هذه المحاولة.
القسم الثاني:مناقشة دعوى الخميني بأن القرآن يقتصر على ذكر الأصول ولا يتطرق إلى التفاصيل:
قبل التعليق على كلام الخميني في هذا الوجه(1) سنعيد ذكره ليستحضره القارئ عند قراءة التعليقات عليه فقال في (كشف الاسرار) ص129: [نعلم جميعاً بأن القرآن كتاب يدعوا الى الدين ضد اللادين، والواقع ان هذا الكتاب السماوي الكبير انزل من اجل القضاء على الافكار والآراء الجاهلية الفاسدة، ومثل هذا الكتاب ينبغي أن لا يعمد إلى ذكر التفاصيل، بل عليه أن يذكر ما هو مهم وأن يترك التفاصيل والخصوصيات للنبي] أهـ.
__________
(1) ننبه القارئ إلى أن هذا الوجه يكاد يكون مستقل عن الوجوه الخمسة المتقدمة، أي لم نسق هذا الوجه لإبطال محاولتهم، لأننا قد أبطلناها من خمسة وجوه كل واحد منها كافٍ وشاف في نقضها، ولكننا ذكرنا هذا القسم لنبين للقارئ المستوى العلمي الهزيل للخميني وإظهار ما في كلامه من تلبيس وتناقض.(73/78)
إن الخميني قد حاول بهذا الكلام أن يثبت عدم وجوب ذكر اسم الإمام في القرآن وذلك من خلال دعواه بأن القرآن يهتم بموضوع الاعتقاد والقضاء على العقائد الجاهلية ولا يذكر غير هذا مما هو أدنى بالأهمية أو غير مهم ولذا فإن تعليقنا على كلامه سيكون من عدة وجوه وكما يلي:
الوجه الأول:
إن دعوى الخميني بأن القرآن يدعوا فقط إلى الدين ضد اللادين والقضاء على العقائد والأفكار الجاهلية الفاسدة، تعتبر دعوى باطلة لا تصدر ممن تأمل القرآن وطرحه لقضايا العقيدة والشريعة ولو تأملاً يسيراً، فلا يقول بهذا القول عامي قرأ القرآن بتدبر فضلاً عن أن يكون عالماً وفضلاً عن أن يكون إمام العصر ونائب الإمام المعصوم!!! وذلك لأن القرآن مقسَّم إلى مكي ومدني، والقسم المكي ركز بشكل موسع على موضوع الإعتقاد والتوحيد لأنه كان يخاطب الكفار والمشركين ويدعوهم للإيمان، وأما القسم المدني فلأنه كان يهتم بالجماعة المسلمة من حيث التشريعات والتنظيمات للمجتمع المسلم في المدينة، ومما يدل على أن في القرآن المدني نزلت الأحكام التشريعية وبيان بعض المسائل الفقهية هو نزول سورة المجادلة بسبب امرأة مسلمة وقع بينها وبين زوجها جدال وكذلك آية الدَيْن (المداينة) وآية الوضوء، وكذلك ذكر الحيض وذكر زيد بن حارثة وتطليقه لزوجته، وهذا ظاهر لمن قرأ القرآن بتدبر، فكيف يقول الخميني إن هذا الكتاب (القرآن) أنزل فقط للقضاء على العقائد الجاهلية، مع أنه ذكر أحكام تشريعية وفقهية لا علاقة لها بالعقائد الجاهلية، فهو إذاً قول باطل يدل قلة بضاعة قائله في القرآن.
الوجه الثاني:(73/79)
نقترح على الخميني اقتراحاً في صالحه يبعد عن تهمة البعد عن تدبر القرآن، وهو تخصيصه كلامه الذي وصف فيه القرآن على القرآن المكي وليس مطلق القرآن، وذلك بقولك إن الذي تحدث عنه القرآن المكي فقط هو الاعتقاد والقضاء على العقائد الجاهلية، فهذا القول المقيد (القرآن المكي) أسلم له من ذاك القول المطلق، ولكن حتى هذا القول المقيد باطل على أصولهم لأنهم زعموا أن الله تعالى قد اهتم بموضوع الإمامة وأمر نبيه أن يدعوا إليها بنفس اللحظة التي بدأ فيها بالدعوة للنبوة وذلك في القرآن المكي(1)، واعتبروا الإمامة صنواً (أي مَثَلْ ومكافئ) للنبوة ودُعِيَ إليها بنفس الوقت وذلك حين نزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله تعالى { وانذر عشيرتك الاقربين فجمع أقربائه وبلغهم أن الله تعالى قد أمره أن يدعوهم إلى منصب الوصاية والخلافة بعده، فيقول الخميني في (كشف الاسرار) ص173: [من يعرف شيئاً عن بدايات ظهور الإسلام وأول أيام الدعوة النبوية يوقن بأن الإمامة كانت منذ اليوم الاول وحتى آخر أنفاس رسول الإسلام صنواً للنبوة وقد أمر الله رسوله { وانذر عشيرتك الاقربين } فدعا النبي الأقربين إليه وكانوا حوالي اربعين شخصاً بينهم أعمامه، وقال مخاطباً إياهم: يا أبناء عبد المطلب والله لا أعرف في العرب من جاء إلى قومه بأحسن مما جئتكم به، لقد جئتكم بخيري الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه، فمن منكم يصيح وزيري؟ فقال علي وكان اصغر الجميع: يا رسول الله أنا أصبح وزيرك فأمسك النبي برقبة علي وقال: هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فأطيعوه جميعاً وأتمورا بأمره وعند ذاك نهض أقارب النبي وضحكوا وقالوا لأبي طالب: لقد أمرك أن تطيع ابنك وأن
__________
(1) بل وفوق هذا ان القرآن المكي ثد تحدث عن امور لا علاقة لها بالعقائد، فقد تحدث عن اطعام المسكين في سورة الماعون، وعن الوفاء بالميزان او الكيل وعدم التلاعب فيه بالبيع والشراء في سورة المطففين.(73/80)
تأتمر بأمره]أهـ.
أي أن أهمية الإمامة مثل أهمية النبوة، وان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد دعا لهما بنفس الوقت عند دعوتهم للإسلام في بداية دعوته، وهذا ينقض ليس فقط قوله المطلق بل حتى قوله المقيد (الذي اقرحناه على الخميني) بأن القرآن المكي اهتم فقط بموضوع الاعتقاد ومحاربة العقائد الجاهلية لكي يمنع بهذه الدعوى وجوب ذكر اسم الإمام في القرآن، فاذا ظهر بطلان القول المقيد الذي اقترحناه فإن بطلان قول الخميني المطلق (الذي ذكره) أظهر وأشد.
الوجه الثالث:
إن كلام الخميني فيه تطاول وجرأة كبيرة على القرآن وعلى الله تعالى، وذلك لأنه أوجب على الله تعالى أن لا يذكر في القرآن آية تفاصيل وأحكام فقهية، بل يذكر فقط القضاء على العقائد الجاهلية، فقال: (ومثل هذا الكتاب ينبغي أن لا يعمد إلى ذكر التفاصيل بل عليه أن يذكر ما هو مهم)، فإنه يحكم على الله تعالى ويوجب عليه أن لا يذكر في القرآن أية تفاصيل فقهية، واليك بيان التطاول والجرأة على الله تعالى في كلامه وكما يلي:-(73/81)
1-إن هذا منافٍ للأدب مع الله تعالى وجهل بعظمة جنابه وذلك بأن توجب عليه برأيك وتلزمه سبحانه بفعل ما تقول، لأن من عرف عظمة الله تعالى وحكمته وتدبيره، وعرف جهل الإنسان وعجزه، لا يتجرأ أن يوجب على الله تعالى برأيه لقوله تعالى { لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون } ، ومع هذا التطاول والجرأة مع الحكيم العليم سبحانه، نجده في الوقت نفسه يرفض أن يملي عليه عالم مثله مطالب ومناقشات وذلك عندما عارضه علماء الامامية حول ولاية الفقيه وبينوا له أن أصول المذهب تمنعه من منصب النيابة العامة المطلقة عن الإمام المعصوم وألزموه بتركها، انتفض بشدة وهاجمهم بشراسة(1)
__________
(1) وهذه الشدة الشراسة في هجمته تظهر من خلال رده على علماء الشيعة اللذين التزموا بأصول الامامة ولازمها وهو منع تشكيل الحكومة، فاتهمهم بالكسل والبطالة وشنَّع عليهم، فيقول في كتابه (الحكومة الإسلامية) ص116-117: [انظروا الهيئات الدينية فستجدون آثاراً ونتائج تلك الدعايات واضحة، فهنالك البطالون من عديمي الهمم، وهنالك الكسالى الذين يكتفون بالدعاء والثناء والتحدث في بعض المسائل الدينية الشرعية، وكأنهم لم يُخْلقوا لغير ذلك، ومما يمكن رؤيته في هذا الجو من تلك الآثار والنتائج هو النغم التالي "الكلام يتنافى ومقام العالم، المجتهد لا يليق به ان يتكلم ، ويحسن به أن يكثر الصمت، ويكتفي بقول: لا إله إلا الله، او يكتفي باليسير جداً من الكلام" هذا خطأ وفيه مخالفة للسنة الشريفة، فالله يثنى على البيان في سورة الرحمن بقوله تعالى {وعلمه البيان} وهو بهذا يمنّ على عباده ان علمهم البيان، ويذكرهم بفضله ونعمته المسبغة عليهم في هذا التعليم فالبيان انما حَسُن لاجل تعليم الناس عقائدهم السليمة واحكام دينهم وقيادتهم الى شاطئ الاسلام، وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - وامير المؤمنين (ع) اكبر امراء البيان، الافكار البلهاء التي يبثها الاعداء مما ذكرنا بعضها قبل قليل يوجد فينا من يؤمن بها، وفي هذا ادامة للاستعمال والنفوذ الاجنبي، هؤلاء جماعة من البلهاء يُدعون بالمقدسين وهم ليسوا بمقدسين بل متقدسين يتكلفون التقدس، علينا ان نصلحهم وان نحدد موقفنا منهم، لان هؤلاء يمنعوننا من الاصلاح والتقدم والنهوض، وذات يوم اجتمع في منزلي المرحوم آية الله البروجردي، والمرحوم آية الله الحجة، والمرحوم آية الله الصدر، والمرحوم آية الله الخونساري، للتداول في امر سياسي مهم فتقدمت إليهم أن يحددوا موقفهم من هؤلاء المتظاهرين بالقداسة البُلَهاء، وأن يعتبروهم أعداء من الداخل لأن هؤلاء لا يهتمون بما يجري ويحولون بين العلماء الحقيقيين وبين السلطة والاخذ بزمام الامور، فهؤلاء يوجهون اكبر لطمة للاسلام، ويشكلون اكبر خطر عليه، ويبرزون الاسلام بصورة مشوهة كأقصى ما يكون التشوه، ويوجد من هؤلاء كثير في النجف وقمم وخراسان، ولهم تأثير على البسطاء والبهاء من امثالهم من الناس، هؤلاء يعارضون من يصرخ في الناس لا يقاظهم مما غطوا فيه من السبات، هؤلاء يدعون الناس الى الكسل والتخاذل]، مع أن على رأس علماء الشيعة المعارضين لنظرية ولاية الفقيه هو آيتهم العظمى أبو القاسم الخوئي وقطعاً هذه الشتائم والأوصاف الذميمة له نصيب كبير منها كما قال تعالى { بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى } (الحشر: من الآية14).(73/82)
فكل هذا الحنق يصبه على من يريد أن يملي عليه شيئاً يعتبر موافق لأصول المذهب مع أنهم مساوون له بالمرتبة العلمية أن لم يتفوقوا عليه، فكيف يرضى لنفسه أن يملي على الله تعالى ما يراه برأيه القاصر وهو مخلوق ضعيف، ولا يرضى هو بأن يملي عليه مخلوق مثله { تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى } !!!
2-نقول لصاحب هذا التطاول بأن الله تعالى قد ذكر فعلاً الوضوء والمداينة والحيض في القرآن، فهل يكون الله تعالى عندك قد فعل ما لا ينبغي له من ذكر هذه التفاصيل (البعيدة عن العقائد كل البعد) أي أن الله تعالى بزعمك قد اخطأ لأنه فعل ما لا ينبغي له، نعوذ بالله تعالى من هذه الجرأة مع الله تعالى.
الوجه الرابع:(73/83)
إن دعوى الخميني بأن القرآن يدعوا إلى تصحيح الاعتقاد والقضاء على العقائد الجاهلية فقط ولا يذكر ما هو دونه في الأهمية -ومنها ذكر اسم الإمام كما ادعى ذلك هنا في هذه المحاولة- هي دعوى مردودة وذلك لأن أشهر كتب الحديث والتفسير عند الشيعة تؤكد أن معظم آيات القرآن هي في الإمامة، ومن شاء الاطلاع فعليه بكتاب أصول الكافي للكليني وهو أصح كتاب عند الشيعة فسيجد في باب (نكت ونتف من التنزيل) أن كل آية فيها وعيد على الشرك والمشركين ينزلونها بحق من أشرك بولاية علي - رضي الله عنه - غيره، وكل آية فيها وعيد للكفار فهي بحق من كفر في ولاية علي، وكل آية فيها وعد للمؤمنين فهي بحق من تمسك بولاية علي، لذلك يروي الكليني في (أصول الكافي)(1) روايتين بهذا المعنى :[ عن علي - رضي الله عنه -: نزل القرآن ثلاثاً: ثلث فينا وفي عدونا، وثلث سنن وامثال وثلث فرائض واحكام]، [عن ابي جعفر - رضي الله عنه - قوله: نزل القرآن اربعة ارباع: ربع فينا، وربع في عدونا، وربع سنن وامثال، وربع فرائض واحكام]، وغيرها من الأخبار المعتمدة التي يؤكد أن معظم القرآن قد تكلم عن الأئمة وأجر من يطيعهم وعقوبة من يعصيهم، فكيف يدعي الخميني بعد هذه النصوص بأن القرآن لم يهتم إلا بموضوع الاعتقاد، فهي إذاً دعوة باطلة منقوضة بمروياتهم المذهب وأقوال علمائه المتقدمين التي تنص على أن ثلث القرآن أو يزيد قد نزل في إمامة علي - رضي الله عنه -.
الوجه الخامس:
__________
(1) ينظر أصول الكافي للكليني (2/627-628).(73/84)
إن الله تعالى قد ذكر اسم صحابي في القرآن وهو زيد بن حارثة - رضي الله عنه - في مسألة فرعية وبسيطة وليست من أصول الدين ولا من مسائل الاعتقاد وذلك في قوله تعالى { فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا } (الأحزاب: من الآية37)، فكيف يزعم الخميني إن القرآن يذكر ما هو مهم فقط، فهل ذكر اسم زيد في هذه المسألة البسيطة مهم وذكر اسم علي - رضي الله عنه - كإمام للمسلمين وخليفة للنبي - صلى الله عليه وسلم - ليس بمهم ؟!!! مع أنكم تقولون إن أهمية الإمامة كأهمية النبوة(1) ودُعِيَ إليهما بنفس اللحظة منذ بزوغ فجر الإسلام، فكيف تكون هذه الأهمية للإمامة عندكم ثم تقولون إن القرآن يذكر إلا المهم فقط، ويكون ذكر اسم زيد (في تطليقه زوجته) من المهم وذكر اسم علي - رضي الله عنه - كإمام ليس بمهم؟!!! اللهم جَنِّبْنا التناقض والتخبط!!!
الوجه السادس:
إن قول الخميني المتقدم بأن القرآن يذكر المهم فقط وزعم بأنه الاعتقاد والقضاء على العقائد الجاهلية فقط ليمنع به وجوب ذكر اسم الإمام في القرآن -كما ألزمناهم به- على أنه ليس من المهم ، قد نقضه بنفسه نقضاً صريحاً وذلك في مواضع أخرى من نفس كتابه وذلك حين صرح بأهمية قضية الإمامة وأن الله تعالى قد اهتم بها كثيراً في القرآن ولم يسعه السكوت عن بيانها وذكرها، فوقع في أصرح تناقض وفي نفس الكتاب، فمن أقواله تلك ما يلي:
1-أكد أهمية الإمامة بقوله أنها إحدى الأصول الأكيدة للإسلام وأصول الدين، فقال في (كشف الأسرار) ص129: [بعد أن اتضح في ضوء حكم العقل وأحكام القرآن، بأن الإمامة إحدى الأصول الأكيدة للإسلام] وقال بنفس الكتاب ص149: [بعد أن وضحنا بأن الإمامة إحدى أصول الدين الإسلامي].
__________
(1) بل قد اشرنا الى اقوال من يجعل الامامة افضل من النبوة من علمائهم وذلك ص44 هامش (2) من هذه الدراسة.(73/85)
2-لقد صرح بأن منزلة الأئمة أعلى من منزلة الانبياء والملائكة(1) فقال في (الحكومة الإسلامية) ص47: [وإن من ضروريات مذهبنا ان لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل].
3-لقد صرح الخميني في أقوال عديدة بأن القرآن قد اهتم بموضوع الإمامة وكرر ذكرها في آيات عديدة وهذه الأقوال تنقض قوله المتقدم بأن القرآن يذكر المهم فقط وإن ذكر اسم الإمام ليس من هذا المهم فمن هذه الأقوال ما يلي:
أ-قال في (كشف الاسرار) ص129: [بعد أن اتضح في ضوء حكم العقل وأحكام القرآن بأن الإمامة هي إحدى الأصول الأكيدة للإسلام، وإن الله قد أشار إلى هذا الأصل في مواضع متعددة من القرآن].
ب-قال في (كشف الاسرار) ص155: [أشرنا من قبل الى آيات القرآن بشأن الإمامة وأوضحنا بأن الإمامة إنما هي من أصول الإسلام، وقلنا من هو الذي يجب أن يكون إماماً، ونشير هنا إجمالاً إلى بعض الآيات، ونستشهد بأخبار أهل السنة بشأن الموضوع، حتى نثبت بأن الله قد اهتم بموضوع الإمامة، لكل نؤكد لهؤلاء الحمقى بأن الامامة ليست مسألة هينة أو سياسية حتى يسكت القرآن والمسلمون عنها].
ج-قال في (كشف الاسرار) ص161: [ومن يريد المزيد من الإطلاع على ذلك فليراجع كتاب (غاية المرام) تأليف العالم الجليل السيد هاشم البحراني، وسيجد مائة وأربعين آية قرآنية وردت عن طريق الشيعة وأهل السنة، بأن الامام هو أمير المؤمنين، حتى تتأكد لديه الأهمية التي أعارها الله للإمامة].
__________
(1) لا يخفى ما في قول الخميني هذا من غلو في الأئمة مع الحط لمرتبة الانبياء والملائكة.(73/86)
فكيف يزعم الخميني أن القرآن يذكر المهم فقط وإن ذكر الإمام بشخصه (بإسمه أو صفته) ليس من هذا المهم، وهو نفسه قد ذكر هنا بأن الإمامة ليست مسألة هينة ولا يمكن أن يسكت القرآن عنها وإن الله تعالى قد اهتم بموضوع الإمامة وأن مائة وأربعين آية تدل على أن الإمام هو علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، اللهم احفظ عقولنا من التناقض والتخبط!!!
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
وبهذا نكمل نقض المحاولة الثانية بقسميها وقد تبين لنا مقدار الهزالة والضعف والتناقض الذي وقع فيه الشيعة من خلالهما وأنهما لا تصلحان أن تكونا مانعين من اللازم المهم والقوي –الذي يدل عليه العقل وأقوال علمائهم كما تقدم- وهو أن ذكر اسم الإمام لطف واجب على الله تعالى يقرب الملكفين من معرفة الإمام وطاعته ويبعدهم عن الجهل به ومعصيته، وما دام كونه لطفاً ولا توجد مفسدة حقيقية صحيحة تمنع من فعله(1) فيبقى فعله واجباً على الله تعالى في ضوء أصولهم بأن كل لطف للمكلفين خالي من المفسدة فيجب على الله تعالى أن يفعله، ويبقى السؤال قائماً ولازماً لأعناقهم وهو:
لماذا لم يفعل الله تعالى هذا اللطف أي لماذا لم يذكر اسم الإمام صراحةً في القرآن كي يحصل اللطف للمكلفين وتقام به الحجة على الجميع ؟!!!
الفصل الثالث
__________
(1) وذلك لأنهم لم يفلحوا في إيجاد مبرر علمي صحيح ومقنع لعدم فعل الله تعالى لهذا اللطف الواجب وخصوصاً بعد سقوط المحاولتين سقوطاً تاماً عن الصحة والاعتبار.(73/87)
ثبت بما تقدم أن ذكر اسم الإمام في القرآن لطف واجب على الله تعالى أن يفعله وذلك في الفصل الأول، ثم أثبتنا إفلاسهم من الإتيان بمانع صحيح وجواب مقنع لمنع هذا الوجوب وذلك في الفصل الثاني، لنخرج بهذا اللازم القوي جداً والذي يهدِّد بناء نظريتهم جملةً وتفصيلاً كما سنقف عليه بجلاء في هذا الفصل بعد ذكرنا لأصول مهمة قررها علماء الشيعة واعتمدوها في نظرية اللطف الإلهي والتي ستعين القارئ على فهم النتائج الخطيرة المترتبة على ذلك اللازم وكما يلي:
الأصل الأول:
لقد ذكروا بأن الله تعالى قد كلف المسلمين وأمرهم بمعرفة الإمام المعصوم وطاعته ونهاهم عن الجهل به ومعصيته(1)، ولهذا التكليف لطف يُقَرِّب المسلمين من أدائه ويبعدهم عن الإخلال به ألا وهو ذكر اسم الإمام صراحةً في القرآن، فيكون عندنا في هذا الأصل ثلاثة عناصر هي:
1-التكليف: وهو وجوب معرفة الإمام المعصوم وطاعته.
2-اللطف: وهو ذكر اسم الإمام صراحةً في القرآن.
3-المكلفون: وهم جميع المسلمين.
هذا أهم ما أردنا ذكره في الأصل الأول.
الأصل الثاني:
لقد صرحوا بأن اللطف شرط في التكليف، أي أن التكليف بدونه باطل وقبيح ولا يحسن أبداً، فمن أقوال أعلامهم حول ذلك ما يلي:
1- يقول الطوسي في (تلخيص الشافي) جزء1 ص89: [انه اذا ثبت للمكلَّف لطف في فعل ما كُلِّفَ به لا يحسن تكليفه إلا بعد حصول ذلك اللطف].
2- يقول السيد المرتضى في كتابه شرح جمل العلم والعمل ص107 عن اللطف:[ولا يحسن التكليف من دونه] ، وقال في رسائل المرتضى(3/13):[ولا فرق في الوجوب بين اللطف والتمكين، وقبح منع أحدهما كقبح منع الآخر].
__________
(1) فيقول شيخهم الصدوق الملقب عندهم برئيس المحدثين في كتابه (الهداية) ص 28-29 : [أنه واجب علينا أن نعرف النبي والأئمة بعده صلوات الله عليهم بأسمائهم وأعيانهم، وذلك فريضة لازمة لنا، واجبة علينا، لا يقبل الله عز وجل عذر جاهل بها ، أو مقصِّر فيها].(73/88)
3-قال علامتهم الحلي في الألفين ص248:[ وكلما وجب على الله تعالى لكونه لطفاً في التكليف يكون التكليف موقوفا عليه وبدونه لا يحسن التكليف].
وبعد أن أقروا بشرطية اللطف في التكليف، تطرقوا لحال التكليف عند فقدان اللطف فيه هل يبقى ذلك التكليف قائماً أو يسقط بحق المكلفين، فقرروا بأن للتكليف حالتين إحداهما يسقط والأخرى يبقى، وذلك نظراً للجهة التي تسببت في عدم حصول اللطف هل هي من المكلفين أي بتقصير منهم، أو بسبب لا يعود إلى المكلفين، وإنما يعود إلى الله تعالى أو إلى الإمام، وإليك بيان الحالتين:
الحالة الأولى:
إن كان السبب في عدم حصول اللطف هو المكلفين أي بتقصير منهم فلا يسقط التكليف عنهم، فيقول الطوسي في (الاقتصاد) ص300: [وإن لم يحصل (أي اللطف) بأمر يرجع الى المكلفين لا يجب سقوط التكليف عنهم، لأنهم يُؤتون في ذلك من قبل نفوسهم لا من قبل خالقهم]، وقال أيضاً في (تلخيص الشافي) ج1 ص90:[تصرف الامام وأمره ونهيه (أي اللطف) متى ارتفع لا يلزم على ذلك سقوط التكليف، لأنه إنما ارتفع لعلة ترجع إلى المكلفين وهم قادرون على إزاحتها].
الحالة الثانية:
إن كان السبب في عدم حصول اللطف لا يرجع إلى المكلَّفين وإنما يرجع إلى غيرهم أي إلى الله تعالى أو إلى الإمام فإن ذلك التكليف يسقط عنهم، فمن أقوالهم:
1-يقول الطوسي في (تلخيص الشافي) جزء1 ص93: [ إنه متى ارتفع اللطف لعلة لا ترجع إلى المكلَّف نفسه ومتى كان راجعاً إلى غيره يجب سقوط التكليف عنه]، ويقول في(الاقتصاد) ص300:[وكل من لم يظهر له الامام(1) (أي عدم حصول اللطف) فلا بد ان تكون العلة ترجع اليه لأنه لو رجع الى غيره لأسقط الله تكليفه].
__________
(1) يقصد عدم حصول اللطف للمكلفين.(73/89)
2-يقول علامتهم ابن المطهر الحلي في (الالفين) ص248: [فيكون عدم اللطف الموقوف عليه الفعل (التكليف) من الله تعالى أو من الإمام، فينتفي تكليف المكلَّف بالفعل بحيث لا يبقى مكلَّفاً بالفعل]، وقال في نفس الكتاب ص265:[فيكون اللطف قد انتفى من جهة الله سبحانه وتعالى أو من جهة الإمام، فلا تزاح العلة للمكلف ويكون معذوراً، فتكون له الحجة].
فهذا هو الأصل الثاني الذي يبين شرطية اللطف في التكليف، ومتى يسقط التكليف عند فقد اللطف ومتى يبقى قائماً بحق المكلفين كما تبين في الحالتين.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
وفي ضوء هذه الأصلين ستتجلى الخطورة في الإلزام المذكور، حيث نقول لهم إما أن تقولوا بأن الله تعالى لم يفعل اللطف المذكور، أو تقولوا بأن الله تعالى قد فعله، ولا يوجد أمامهم خيار ثالث بحسب القسمة العقلية، وفي كلا الخيارين خطر عظيم وكفر بواح إليك بيانهما:
الخيار الأول:
أن يقولوا بأن الله تعالى لم يفعل هذا اللطف، أي أن الله تعالى لم يذكر اسم الإمام في القرآن بالرغم من كونه لطفاً واجباً عليه سبحانه، ويترتب على هذا الخيار خطران عظيمان هما:
الخطر الأول:
هو الطعن بالله تعالى واتهام له بعدم فعله لما يجب عليه أن يفعله من اللطف بالمخلوقين، وإخلاله سبحانه بالواجب قبيح(1)، فجوابهم فيه تصريح بأن الله تعالى قد فعل القبيح –بسبب إخلاله بالواجب- وهذا كفر بواح يخرج صاحبه من دائرة الإسلام جملةً وتفصيلاً.
الخطر الثاني:
__________
(1) فيقول الحلي في (الالفين) ص42: [انه تعالى لا يخل بالواجبات وهذا تقرر وبين في باب العدل] ويقول محقق الكتاب معلقاً على هذا الكلام: [فانه مع القدرة على الفعل ووجوب الداعي إليه يكون الإخلال به قبيحاً، ويستحيل عليه تعالى فعل القبيح].(73/90)
قد بينا أن في مسألة الإمامة لطف وتكليف وذلك في الأصل الأول، وبينا أيضاً في الأصل الثاني في الحالة الثانية أن اللطف إذا لم يحصل بسبب لا يعود إلى المكلفين وإنما يعود إلى الله تعالى أو إلى الامام فإن التكليف يسقط، وبما أن اللطف في مسألة الإمامة (وهو ذكر اسم الامام في القرآن) لم يحصل بسبب لا يعود إلى المكلفين وإنما يعود إلى الله تعالى لأنه لم يفعله(1) فلابد أن يسقط ذلك التكليف في مسألة الإمامة وهو وجوب معرفة الإمام المعصوم وطاعته، أي نكون غير مكلفين ولا مطالبين بمعرفة الإمام المعصوم وطاعته، ومعنى هذا أن أصل الإمامة والذي هو من أهم أصول الدين عندهم سيسقط، وإذا سقط التكليف بأصل الإمامة أصبحت نظريتهم هباءاً منثوراً ونُسِفَ مذهبهم نسفا، فهذا هو الخطر الثاني في قولهم.
وهكذا تبين لنا الخطران العظيمان اللذان أنتجهما قولهم بأن الله تعالى لم يفعل اللطف بذكر اسم الإمام في القرآن، ولذا يتوجب على كل شيعي عاقل يربأ بنفسه من الوقوع في الكفر أن ينأى عن هذا الخيار ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وعندها لا يبقى أمامه إلا التوجه للخيار الثاني.
الخيار الثاني:
__________
(1) لأننا لا نزال في الاختيار الأول وهو قولهم أن الله تعالى لم يفعل هذا اللطف وهو ذكر اسم الامام في القرآن.(73/91)
وهو القول بأن الله تعالى قد فعل هذا اللطف بذكره لاسم الإمام في القرآن، لينجو بذلك من الخطرين في الخيار الأول، إلا أنهم سيقعون بهذا الخيار في خطر آخر لا يقل عن الخطورة السابقة، والمتمثل بوجوب الإعتقاد بتحريف القرآن ونقصه، وذلك لأنهم لما قرروا هنا بأن الله تعالى قد فعل اللطف وذكر اسم الإمام في القرآن، وقعوا في مأزق كبير يتمثل بعدم وجود آية واحدة في القرآن تذكر اسم علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - إماماً وخليفةً للمسلمين، فاضطروا للقول بأن الله تعالى قد ذكره في القرآن ولكن الصحابة حذفوه فحرفوا القرآن كي تسلم لهم دعواهم بأن الله تعالى قد فعل اللطف الواجب عليه، وبالرغم من أن القول بتحريف القرآن يخرج صاحبه من ملة الإسلام، إلا أن الكثير من علمائهم وخصوصاً المتقدمين منهم اختاروه فصرحوا بأن القرآن كان مذكوراً فيه اسم علي - رضي الله عنه - صراحةً إلا أنه حذف من قبل الصحابة(1)
__________
(1) يذكر أحد كبار علماء الامامية وهو ملا محسن الكاظمي الملقب بالفيض الكاشاني أو الكاشي في تفسيره الصافي في مقدمة حول تحريف القرآن وبعد أن يذكر روايات عديدة من الكتب المعتمدة عند الامامية توصل من خلال دراسة مضامينها الى العقيدة المستخلصة من هذه الروايات فيقول ص49 ما نصه: [المستفاد من مجموع هذه الاخبار وغيرها من الروايات من طريق اهل البيت ان القرآن الذ بين اظهرنا ليس بتمامه كما انزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - بل منه ما هو خلاف ما انزل الله ومنه ما هو مغير محرف وانه قد حذف عنه اشياء كثيرة منها اسم علي في كثير من المواضع ومنها لفظة آل محمد غير مرة ومنها اسماء المنافقين ومنها غير ذلك وانه ليس ايضاً على الترتيب المرضي عند الله ورسوله]، ويقول السيد الطيب الموسوي محقق تفسير القمي عندما تكلم على نقض القرآن فأثبت ان القائلين بعدم نقصان القرآن اربعة فقط وان جمهور المحدثين المتقدمين يقولون بنقص القرآن، فقال في المقدمة جزء 1 ص23: [اما الخاصة (يقصد الشيعة) فقد تسالموا على عدم الزيادة في القرآن بل ادعى الاجماع عليه، اما النقيصة فان ذهب جماعة من الامامية الى عدمها ايضاً وانكروها غاية الانكار كالصدوق والسيد المرتضى وابي علي الطبرسي في (مجمع اللبيان) والشيخ الطوسي في (التبيان)، ولكن الظاهر من كلمات غيرهم من العلماء والمحدثين المتقدمين منهم والمتآخرين القول بالنقيصة كالكليني والبرقي والعياشي والنعماني وفرات ابن ابراهيم واحمد بن ابي طالب صاحب الاحتجاج والمجلسي والسيد الجزائري والحر العاملي والعلامة الفتوني والسيد البحراني] فليتدبر المنصف قول علامتهم الموسوي وليقارن بين عدد من نفى التحريف وهم أربعة فقط ، وبين من اثبت التحريف وهم جمهور المحدثين المتقدمين والمتأخرين، ليعرف إن الذي عليه غالب علمائهم هو القول بالتحريف ونقص القرآن لأنه أخف فساداً وضرراً من الاختيار الاول وهو عدم ذكر الله تعالى لاسم الامام في القرآن ، ولمزيد البيان والفائدة نورد -بتصرف واختصار- قائمة بأسماء القائلين بتحريف القرآن من علماء الشيعة أوردهم خاتمة محدثيهم النوري الطبرسي في فصل الخطاب عند حديثه عن اقوال علماء الامامية في القرآن، فقال ص26-31:[فاعلم ان لهم في ذلك اقوالاً مشهورها اثنان، الاول وقوع التغيير والنقصان فيه وهو مذهب الشيخ الجليل علي بن ابراهيم القمي شيخ الكليني في تفسيره… ومذهب تلميذه ثقة الاسلام الكليني…ومذهب الثقة الجليل محمد بن الحسن الصفار… والثقة محمد بن ابراهيم النعماني تلميذ الكليني… والثقة سعد بن عبد الله القمي… والسيد علي بن احمد الكوفي… وهو ايضاً ظاهر أجلة المفسرين وأئمتهم الشيخ الجليل محمد بن مسعود العياشي والشيخ فرات بن ابراهيم الكوفي، والثقة النقد محمد بن العباس الماهيار… منهم شيخ المتكلمين ومتقدم النوبخنيين ابو سهل اسماعيل علي بن اسحاق بن ابي سهل بن نوبخت وابن اخته الشيخ المتكلم الفيلسوف ابو محمد حسن بن موسى… والشيخ الجليل ابو اسحاق ابراهيم بن نوبخت… ومنهم اسحاق الكاتب الذي شاهد الحجة (ع)، ورئيس هذه الطائفة الشيخ الذي ربما قيل بعصمته ابو القاسم حسين بن روح بن ابي بحر النوبختي السفير الثالث بين الشيعة والحجة والعالم الفاضل المتكلم حاجب بن الليث بن السراج… والشيخ الجليل الثقة الاقدم فضل بن شاذان… ونحن ذهب اليه من القدماء الشيخ الجليل محمد بن الحسن الشيباني… والشيخ الثقة احمد بن محمد بن خالد البرقي… ووالده الثقة محمد بن خالد… ومنهم الشيخ الثقة الذي لم يعثر له على زلة في الحديث كما ذكروا علي بن الحسن بن فضال… ومنهم محمد بن الحسن الصيرفي… ومنهم احمد بن محمد بن سيار… والشيخ حسن بن سليمان الحلي تلميذ الشهيد ومنهم الثقة الجليل محمد بن العباس بن علي الماهيار المعروف بابن الحجام… ومنهم ابو طاهر عبد الواحد بن عمر القمي…].(73/92)
، والسبب في اختيارهم لهذا القول مع أنه كفر وخروج من الإسلام هو لأنهم رأوه أخف فساداً مما موجود في الخيار الأول، فاختاروه كي يتجنبوا الوقوع في مخاطر القول الأول وهو فعلاً ينجيهم من ذلك الكفر(1) إلا أنه يوقعهم في كفر آخر وهو الإعتقاد بتحريف القرآن.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
__________
(1) وبيان ذلك كما يلي:
الخطر الاول:-
... وهو الطعن بالله تعالى، وهذا سينجون من القول به لانهم قرروا في الاختيار الثاني ان الله تعالى قد فعل اللطف بذكره اسم الامام في القرآن، وحينئذٍ فلا طعن بالله تعالى لأنه فعل ما يجب عليه.
الخطر الثاني:-
... وهو سقوط التكليف بأصل الامامة وهذا ايضاً سينجون منه لأن عدم حصول اللطف (وهو ذكر اسم الإمام في القرآن) سيكون بسبب يعود إلى المكلفين وهو تحريفهم للقرآن وحذف اسم الامام منه، وهذا يعني عدم سقوط التكليف باصل الامامة لان ارتفاع اللطف ليس من الله وإنما بسبب المكلفين وذلك بمعصيتهم بتحريف القرآن وحذف اسم الامام منه، فلا يسقط عنهم التكليف بأصل الامامة كما تبين.(73/93)
فتأملوا رحمكم الله تعالى كيف قادتهم نظريتهم وقولهم بوجوب النص من الله تعالى على الإمام المعصوم –وهو موضوع هذه الدراسة- إلى هذه النتيجة الخطيرة وهي إما أن يقولوا بتحريف القرآن فيكفروا، أو أن يطعنوا بالله تعالى فيكفروا وفوقها يعترفوا بسقوط التكليف بأصل الإمامة لتسقط بذلك نظريتهم ويبطل مذهبهم، وهذا يدل دلالة قاطعة على بطلان قولهم بوجوب النص من الله تعالى على الإمام لأنه أدى إلى نتائج باطلة من يقول بها يكفر بالله تعالى ويخرج من الإسلام إذ أخفّ الأقوال فيها هو القول بتحريف القرآن وهو كفر وخروج من الإسلام، وكل ما أدى إلى نتيجة باطلة فهو باطل قطعاً ،ولنختم دراستنا بهذه النتيجة التي تنسف معتقدهم بوجوب النص على الإمام، أسأل الله تعالى أن أكون قد وفقت في بيان هذه النتيجة الخطيرة التي أفرزتها عقيدتهم تلك، وأسأله سبحانه أن تكون هذه الدراسة سبباً في هداية من شاء الله تعالى له الهداية من معتقدي هذه العقيدة أنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(73/94)
. الإرشاد للشيخ المفيد –مؤسسة الأعلمي للمطبوعات–الطبعة الثالثة 1979.
الأصول من الكافي تأليف ثقة الإسلام أبى جعفر محمد بن يعقوب بن اسحاق الكليني الرازي - صححه وعلق عليه على اكبر الغفاري - الناشر دار الكتب الإسلامية مرتضى آخوندى تهران- بازار سلطاني- الطبعة الثالثة (1388).
الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد شيخ الطائفة الفقيه الاكبر أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي 385 - 460 منشورات مكتبة جامع چهلستون - طهران
6.الألفين في إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام العلامة الحلي جمال الدين الحسن بن يوسف المطهرمكتبة الألفين الكويت – الطبعة الأولى 1405 ه - 1985 م مكتبة الألفين : بنيد القار – الكويت
10.الأنوار النعمانية - السيد نعمة الجزائري - مطبعة شركت بنجاب - تبريز – ايران.
11.أوائل المقالات تأليف الامام الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان ابن المعلم ابي عبد الله، العكبري، البغدادي (336 - 413 ه) دار المفيد طباعة - نشر - بيروت. لبنان الطبعة الثانية 1414 هجرية - 1993 ميلادية.
12.بحار الانوار الجامعة لدرر أخبار الائمة الاطهار تأليف العلم العلامة الحجة فخر الامة المولى الشيخ محمد باقر المجلسي - مؤسسة الوفاء بيروت - لبنان - الطبعة الثانية المصححة 1403 ه - 1983 م.
13. بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية-محسن الخرازي-مؤسسة النشر الإسلامي-الطبعة الحادية عشرة
17.تلخيص الشافي للطوسي – مطبعة الآداب في النجف – الطبعة الثاني 1963.
20.الحكومة الإسلامية- الخميني- تعليق محمد أحمد الخطيب- دارعمان للنشر- الطبعة الأولى 1988م.
24.رسائل الشريف المرتضى * تأليف: الشريف المرتضى * تقديم: السيد أحمد الحسيني * إعداد: السيد مهدي الرجائي * نشر: دار القرآن الكريم - قم * طبع: مطبعة سيد الشهداء - قم * التاريخ: 1405 ه .(74/1)
25.الرسائل العشر - شيخ الطائفة الطوسي - تحقيق واعظ زاده الخراساني - الناشر جامعة المدرسين - قم 1404هـ.
26.رسائل المحقق الكركي - المجموعة الأولى * المؤلف: المحقق الثاني الشيخ علي بن الحسين الكركي * تحقيق: الشيخ محمد الحسون * الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي قم * الطبع: مطبعة الخيام قم * الطبعة: الأولى * التاريخ: 1409 ه ق.
28.الشافي في الإمامة - الشريف المرتضى قدس سره - الناشر : مؤسسة الصادق - طهران * الطبعة : الثانية تاريخ النشر : 1410 ه . ق
29.الشافي في شرح أصول الكافي- عبدالحسين المظفر – مطبعة الغري الحديثة- النجف
36.عقائد الامامية – محمد رضا المظفر – دار الزهراء للطباعة والنشر – بيروت لبنان – الطبعة الثالثة.
37.عيون أخبار الرضا للشيخ الاقدم والمحدث الاكبر أبي جعفر الصدوق محمد بن على بن الحسين بن بابويه القمى قده المتوفى سنه 381 صححه وقدم له وعلق عليه العلامة الشيخ حسين الاعلمي الجزء الاول منشورات مؤسسة الاعلمي للمطبوعات بيروت - لبنان - الطبعة الاولى 1404هـ.
38.الفصول المهمة في تأليف الأمة المؤلف: العلامة السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي الناشر: قسم الإعلام الخارجي المؤسسة البعثة الطبعة: الأولى.
40.الفوائد البهية في شرح عقائد الإمامية-للعلامة الشيخ محمد جميل حمود-دار الفقه للطباعة والنشر-الطبعة الأولى 1425هـ
44.كشف الأسرار- الخميني- دار عمان – الطبعة الثالثة 1988م.
46.كمال الدين وتمام النعمة المؤلف : الشيخ الجليل الاقدم الصدوق الناشر : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة - ايران التاريخ : محرم الحرام 1405
51.المراجعات - السيد عبدالحسين شرف الدين - تحقيق حسين الراضي - الناشر الجمعية الإسلامية - الطبعة الثانية 1982م.(74/2)
53.المسلك في أصول الدين وتليه الرسالة الماتعية كلاهما تأليف نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن بن سعيد المحقق الحلي (ره ) 602 - 676 ه تحقيق رضا الأستادي الناشر : مجمع البحوث الإسلامية ، إيران - مشهد الطبعة : الأولى 1414 ق - 1373 ش
56. الملل والنحل-جعفر سبحاني-الطبعة الثانية 1408هـ-مركز مديريت حوزة علمية-قم
60.النكت الاعتقادية- الشيخ المفيد-الطبعة الثانية 1993م-دار المفيد-بيروت
61.نور البراهين في أخبار السادة الطاهرين تأليف المحدث السيد نعمة الله الموسوي الجزائري تحقيق السيد الرجائي ـ طبع ونشر مؤسسة النشر الإسلامي ـ الطبعة الاولى التاريخ 1417 ه . ق .
77. حق اليقين في معرفة أصول الدين – السيد عبدالله شبر- مؤسسة أنوار الهدى- الطبعة الثالثة 2005هـ
تقريب المعارف تأليف: الشيخ أبو الصلاح تقي بن نجم الحلبي تحقيق: الشيخ فارس تبريزيان (الحسون) الناشر: المحقق 1417 ه ق. 1375 ه ش.
تفسير العياشي - النضر محمد بن مسعود العياشي - طبعة المكتبة العلمية الاسلامية - طهران - تحقيق السيد هاشم الرسولي المحلاتي.
تفسير القمي - علي بن ابراهيم القمي - مطبعة النجف 1386هـ
الامامة - مرتضى مطهري - ترجمة جواد علي كسار - مؤسسة ام القرى - الطبعة الاولى، ذي القعدة 1417هـ.
كتاب تفسير الصافي المؤلف: فيلسوف الفقهاء المولى محسن الفيض الكاشاني (قدس سره) الطبعة الثانية 1416 المطبعة: مؤسسة الهادى - قم المقدسة الناشر: مكتبة الصدر – بطهران.
كتاب الطهارة- التنقيح في شرح العروة الوثقى تقريرا لبحث آية الله العظمى السيد أبو القاسم الموسوي الخوئى دام ظله المؤلف: العلامة الميرزا على الغروى التبريزي الناشر: دار الهادى للمطبوعات قم الطبعة: الثالثة ذي حجة 1410 هجري المطبعة: صدر قم.(74/3)
شرح أصول الكافي: 1 كتاب الكافي الأصول والروضة لثقة الإسلام ابى جعفر محمد بن يعقوب الكليني مع شرح الكافي الجامع للمولى محمد صالح المازندراني المتوفى 1081 ه مع تعاليق الميرزا أبو الحسن الشعراني.
مرجعية المرحلة وغبار التغيير - جعفر الشاخوري - دار الامير - الطبعة الثالثة 1421هـ.
مقتطفات ولائية – آية الله العظمى الوحيد الخراساني – دار المحجة البيضاء – بيروت-لبنان- الطبعة الأولى 2002م.
الهداية المؤلف: الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه تحقيق ونشر: مؤسسة الإمام الهادي عليه السلام الطبعة: الأولى، رجب المرجب 1418 ه المطبعة: اعتماد – قم.
منهاج الكرامة في معرفة الإمامة –العلامة ابن المطهر الحلي : تحقيق عبد الرحيم مبارك ، مؤسسة عاشوراء للتحقيقات والبحوث الإسلامية - مشهد : تاسوعا ، 1379 .
معاني الاخبار للشيخ الجليل الاقدم الصدوق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المتوفي سنة 381 عني بتصحيحه علي أكبر الغفاري الناشر انتشارات اسلامي وابسته بجامعة مدرسين حوزهء علميه قم 1361 هجري شمسي
الغيبة - شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي . تحقيق : الشيخ عباد الله الطهراني والشيخ على أحمد ناصح . الناشر : مؤسسة المعارف الاسلامية ، قم المقدسة . الطبعة المحققة : الاولى . تاريخ الطبع : شعبان 1411 ه . ق .
الشيعة في الميزان- محمد جواد مغنية – دار الشروق – بيروت-الطبعة الرابعة 1399م
نهج الحق وكشف الصدق للإمام الحسن بن يوسف المطهر الحلي " العلامة الحلي " علق عليه : الحجة الشيخ عين الله الحسني الأرموي قدم له : الحجة السيد رضا الصدر من منشورات دار الهجرة إيران - قم
النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر – الفاضل المقداد السيوري - الطبعة الثانية 1417 ه - 1996 م دار الأضواء للطباعة والنشر والتوزيع.(74/4)
شرح جمل العلم والعمل – السيد المرتضى –دار الإسوة للطباعة والنشر-الطبعة الثانية 1419هـ.
قواعد العقائد-نصير الدين الطوسي-مطبعة أمير، قم- بتاريخ 1416هـ.
تفسير الكاشف – محمد جواد مغنية- دار العلم للملايين – بيروت-الطبعة الثالثة 1981م.
قواعد المرام في علم الكلام – ابن ميثم البحراني- الناشر مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي- الطبعة الثانية 1406هـ .
كشف المراد في شرح تجريد الإعتقاد – العلامة ابن المطهر الحلي- مؤسسة النشر الإسلامي-قم – الطبعة السابعة 1417هـ .(74/5)
إمامة الشيعة
دعوة باطنية لاستمرار النبوة
بقلم
عبد الملك بن عبد الرحمن الشافعي
التمهيد
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد فإن المتتبع لخلافات الفرق الإسلامية يعلم يقيناً أن أبرز نقطة جوهرية تفرد باعتقادها الشيعة الإمامية هي قضية الإمامة ومعناها الاعتقاد بوجوب وجود إمام معصوم بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى قيام الساعة(1)، مفارقين بذلك أهل السنة بجميع فرقهم الذين لا يعتقدون بوجوب ذلك.
وقد كان من الطبيعي جداً أن يحاول الشيعة إثبات صحة معتقدهم هذا والدفاع عنه بشتى الوسائل الممكنة، تارة عن طريق سوق ما يأملون أن يصبَّ في مصلحة دعواهم تلك من أدلة عقلية ونقلية – كتاب وسنة – وعرضها على أنها براهين ساندة في إثبات صحة معتقدهم في الإمامة، وتارة أخرى من خلال شنّ هجوم عنيف لا هوادة فيه على عقيدة أهل السنة والجماعة الذين لا يعتقدون بالإمامة وفق مفهومهم لها.
ولو أن قضية الإمامة هذه بقيت داخل إطار البحث العلمي وأصوله المعروفة من حيث عرضها على أنها فرضية علمية تمثل نتاج إعمال بعض أهل الرأي والنظر عقولهم في مجموعة من الأدلة والمعطيات ليتوصلوا إلى إقرارها حسب ما أوصلهم إلى ذلك اجتهادهم، وأن هذه الفرضية خاضعة للمناقشة والتقييم من قبل أهل العلم والرأي والاجتهاد دون نفي آراء المخالفين لها أو إخراجهم من حظيرة الإسلام الواسعة، على اعتبار أنها نتاج الفكر البشري وليست أصلاً عقائدياً مقطوعاً فيه، أقول لو أن الأمر نهج هذا المنهج وسار على هذا المسار لما كان فيه بأس أو ضرر ربما، ولكان الحوار علمياً لمناقشة وجهات النظر والتقريب بينها.
__________
(1) فيقول علامتهم وحجتهم محمد رضا المظفر في كتابه (عقائد الإمامية) ص102-103:[ فلا بد أن يكون في كل عصر إمام هاد يخلف النبي في وظائفه ... وعليه لا يجوز أن يخلو عصر من العصور من إمام مفروض الطاعة منصوب من الله تعالى].(75/1)
إلا أن قضية الإمامة انحرف بها علماء الشيعة انحرافاً خطيراً،وانعطفوا بها انعطافةً بعيدةً كل البعد عن الحوار بين الفرق الإسلامية داخل دائرة الإسلام، وذلك حين عدُّوا قضية الإمامة من أصول الدين كالتوحيد والنبوة والمعاد ـ بل عدّوها أهم وأفضل من بعض الأصول العظيمة كالنبوة(1) ـ مع أن الصواب جعلها من المسائل الفرعية الاجتهادية القابلة للأخذ والرد بين الفرق الإسلامية، فمن علمائهم المعاصرين الذين صرحوا بكونها من أصول الدين:
1- آيتهم العظمى وعلامتهم ومحققهم جعفر سبحاني الذي يقول في كتابه (الملل والنحل) تحت عنوان (هل الإمامة من الأصول أو من الفروع) ما نصه: [الشيعة على بكرة أبيهم اتفقوا على كونها أصلاً من أصول الدين وقد برهنوا على ذلك في كتبهم ،ولأجل ذلك يُعَدُّ الاعتقاد بإمامة الأئمة من لوازم الإيمان الصحيح عندهم،وأما أهل السنة فقد صرحوا في كتبهم الكلامية أنها ليست من الأصول](2) ،وقال:[ اتفقت كلمة أهل السنة أو أكثرهم على ان الإمامة من فروع الدين …… هذا ما لدى أهل السنة، و أما الشيعة فالاعتقاد بالإمامة عندهم اصل من أصول الدين](3).
2-وقال محمد رضا المظفر: [نعتقد أن الإمامة أصل من أصول الدين لا يتم الإيمان إلا بالإعتقاد بها](4).
3- يقول الخميني: [الإمامة إحدى أصول الدين الإسلامي](5).
4- يقول عبد الحسين المظفر: [ولأجل هذا وجب علينا أن نبحث عن الإمامة لأنها اصل من أصول الدين ولا يستقيمب بدونها](6).
__________
(1) كما سنشير إلى بعض نصوص علمائهم الصريحة في تفضيل الإمامة على النبوة والرسالة وبتفضيلهم الأئمة على الأنبياء وذلك في الفصل السادس من هذه الدراسة فترقب.
(2) الملل والنحل ج1 ص257.
(3) ينظر الإلهيات: 4/9-10 .
(4) ينظر عقائد الإمامية: ص102.
(5) ينظر كشف الأسرار: ص149.
(6) ينظر الشافي في شرح أصول الكافي: ص49.(75/2)
5-يقول آيتهم العظمى ناصر مكارم الشيرازي: [فالإمامة في نظر طائفة الشيعة واتباع مذهب أهل البيت - عليه السلام - من أصول الدين والأسس العقائدية، بينما تعتبر في نظر طائفة أهل السنة من فروع الدين والأحكام العملية](1)، وقال:[ لهذا يعتبر الإيمان بالإمامة جزءاً من اصول الدين لا من فروع الدين](2).
6-يقول السيد علي الحسيني الميلاني: [واما ان الإمامة من أصول الديانات والعقائد ام هي من الفروع ؟ فالحق: انها من الأصول كالنبوة](3).
7-يقول آيتهم العظمى عبد الحسين شرف الدين:[ فعلم أنها ترمي إلى أن ولاية علي من أصول الدين كما عليه الإمامية](4) ،وقال:[ وأن الإيمان عبارة عن اليقين الثابت في قلوب المؤمنين مع الاعتراف به في اللسان ، فيكون على هذا أخص من الإسلام ، ونحن نعتبر فيه الولاية مضافا إلى ذلك فافهم](5).
وبهذا الانحراف الخطير يكون علماء الشيعة قد وضعوا قضية الإمامة على مفترق طرق وجعلوها نقطة مفاصلة بينهم وبين غيرهم من الفرق الإسلامية الأخرى، معيقين بذلك تحقيق حرص الجماهير المسلمة وحلمها في بناء الوحدة الإسلامية بين الغالبية العظمى من المسلمين من جهة وأفراد هذه الطائفة من جهة أخرى .. بل أصبح الشيعة بسبب ذلك أشبه بمن يعيش في عزلةٍ تامة مقيتة وكأن بينهم وبين الآخرين هوّةً سحيقة يستعصي بل يستحيل ردمها ما بقيت الإمامة فيهم بمفهومها الحالي.
__________
(1) ينظر نفحات القرآن: 9/10.
(2) ينظر المصدر السابق: ص12.
(3) ينظر الإمامة في أهم الكتب الكلامية: ص43.
(4) المراجعات لعبد الحسين شرف الدين ص260.
(5) الفصول المهمة في تأليف الأمة - لعبد الحسين شرف الدين ص13.(75/3)
وقد ترتبت على هذا الانحراف الخطير -المتمثل بعدِّهم الإمامة أصلاً من أصول الدين- نتيجة منطقية وبديهية وهي أن المخالف لهم في الإمامة يكون حكمه كحكم المنكر لباقي أصول الدين الثلاثة وهي التوحيد والنبوة والمعاد،وبما أن حكم المنكر لأحد الأصول الثلاثة مجمع عليه بين المسلمين وهو الكفر والخروج من دائرة الإسلام،وعليه عدَّ علماء الشيعة المخالف لهم في الإمامة كافراً خارجاً عن دائرة الإسلام مستحقاً للخلود في نار الجحيم،ووقع اجماعهم على تخليد المخالف لهم في الإمامة في نار جهنم خالداً مخلداً فيها كباقي الكفار من اليهود والنصارى والمجوس والوثنيين(1)
__________
(1) فالإجماع حاصل بينهم على ذلك سواء صرحوا به أم أضمروه إذ ان عدم تصريح بعض علمائهم لا يعني أبداً رفضهم لهذه العقيدة ومخالفتها بل كل علماء الشيعة مجمعين على هذه العقيدة – كما سننقله بنصوص علمائهم بعد قليل - وإن كان هناك مخالف لهذا الإجماع فليعلنوه لأهل السنة في كتبهم ومؤلفاتهم، وهيهات.(75/4)
، حتى لو كان هذا المخالف موافقاً لهم في الإقرار بجميع أصول الدين الإسلامي الأخرى بل حتى لو كان ممن ينطق بالشهادتين ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويصوم رمضان يحج البيت .. بمعنى أن هذه العبادات العظيمة والإقرار بأصول الدين الأخرى المجمع عليها بين جميع الفرق الإسلامية، لن تغني عن صاحبها شيئاً في نظر الشيعة إن أنكر الإمامة بمعناها عندهم، بل أن مصيره المحتوم في نظرهم، هو الخلود في نار الجحيم حاله كحال من لم يأتِ من الإسلام شيئاً أو يقرّ منه بأصل بل هو عندهم كمن لم يؤمن بالله أصلاً من المجوس والوثنيين !! وهذه حقيقة مؤلمة ليس فيها أي تقوّل أو مبالغة فلقد وقع اجماعهم على أن المخالف لهم في الإمامة في نار جهنم خالداً مخلداً فيها مع الكفار من اليهود والنصارى(1) والملحدين من المجوس والوثنيين.
وإليك أخي القارئ طائفة من أقوال علمائهم الذين نقلوا إجماع علماء المذهب على هذا الحكم:
__________
(1) بل أن هناك روايات تثبت أن المخالف للشيعة في الإمامة مصيره في الآخرة لا يساوي مصير اليهود والنصارى في شدة العذاب بل أشد من عذابهم وإليك ما صرح به علامتهم محمد حسن النجفي حول توجيهه للروايات التي تضمنت ذلك فقال في كتابه(جواهر الكلام) الذي يعد مفخرة الفقه الشيعي ج36 ص93-94:[وعلى كل حال فمنشأ هذا القول من القائل به استفاضة النصوص وتواترها بكفر المخالفين وأنهم مجوس هذه الأمة وشر من اليهود والنصارى التي قد عرفت كون المراد منها بيان حالهم في الآخرة ]، وقال أيضاً بنفس الكتاب ج30ص97: [فوجب حينئذ حمل على النصوص على ذلك، نحو ما دل على أنهم كفار، وأنهم شر من اليهود والنصارى أي في الآخرة]، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى دراستنا المشار إليها بعنوان(موقف الشيعة الإمامية من باقي فرق المسلمين).(75/5)
1-إن شيخهم المفيد نقل لنا إجماع الشيعة الإمامية على ذلك فقال تحت عنوان(القول في تسمية جاحدي الإمامة ومنكري ما أوجب الله تعالى للائمة من فرض الطاعة): [ واتفقت الإمامية على أن من أنكر إمامة أحد الأئمة(1) وجحد ما أوجبه الله تعالى من فرض الطاعة فهو كافر ضال مستحق للخلود في النار](2).
2-ينقل علامتهم زين الدين العاملي الملقب بالشهيد الثاني إجماعهم على ذلك فقال:[ ولذا نقلوا الاجماع على دخولهم النار](3).
3- قال عمدتهم وفيلسوفهم نصير الدين الطوسي: [إن الإمامية قد تفردوا بأن دخول الجنة والنجاة لا يكون إلا بعد ولاية آل محمد عليهم السلام واعتقاد إمامتهم، وأما باقي الفرق الإسلامية، فقد أطبقوا على أن أصل النجاة هو الإقرار بالشهادتين(4)](5).
__________
(1) وفي هذا تخصيص أشد وأنكى من مجرد إنكار الإمامة، بل أن منكر شخص أحد الأئمة (حتى وإن اعترف بالإمامة كأصل) يُعدُّ في نظر علماء الشيعة كافراً ضالاً يستحق الخلود في النار!!
(2) أوائل المقالات- الشيخ المفيد ص 44.
(3) ينظر بحار الأنوار للمجلسي(8/368).
(4) فأي الفريقين أهدى سبيلاً وأنأى عن بث الفرقة والعداوة بين المسلمين؟! من يجمع المسلمين على مجرد الإقرار بالشهادتين أم من يرميهم بالكفر والضلال ويوجب لهم الخلود في نار الجحيم ما لم يوافقوه على مذهبه ومعتقده في الإمامة؟! فهذه شهادة أحدهم، وليسمع دعاة الوحدة والتقريب!!!
(5) نور البراهين - السيد نعمة الله الجزائري ج1 ص64.(75/6)
4- يذكر علامتهم وآيتهم العظمى عبد الحسين الموسوي – صاحب المراجعات – أن أخبار الشيعة لا تثبت النجاة يوم القيامة لجميع الموحدين بل هي مخصصة بمن يعتقد بالولاية والإمامة،ومن ثم فهي تحكم على باقي الموحدين من عدا الإمامية بالخلود بالنار حيث قال:[ وإن عندنا صحاحاً أُخَر فزنا بها من طريق أئمتنا الاثني عشر .. فهي السنة التالية للكتاب، وهي الجنة الواقية من العذاب، وإليكها في أصول الكافي وغيره تعلن بالبشائر لأهل الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر لكنها تخصص ما سمعته من تلك العمومات المتكاثرة بولاية آل رسول الله وعترته الطاهرة ... ولا غرو فإن ولايتهم من أصول الدين](1).
5-يقول المرتضى الملقب عندهم بعلم الهدى حول تكفير من لا يؤمن بإمامة أئمتهم الاثنى عشر في رسالته (الرسالة الباهرة في العترة الطاهرة): [مما يدل أيضا على تقديمهم عليهم السلام وتعظيمهم على البشر أن الله تعالى دلنا على أن المعرفة بهم كالمعرفة به تعالى في أنها إيمان وإسلام ، وأن الجهل والشك فيهم كالجهل به والشك فيه في أنه كفر وخروج من الإيمان ، وهذه منزلة ليس لأحد من البشر إلا لنبينا صلى الله عليه وآله وبعده لأمير المؤمنين عليه السلام والأئمة من ولده على جماعتهم السلام .... والذي يدل على أن المعرفة بإمامة من ذكرناه عليهم السلام من جملة الإيمان وأن الاخلال بها كفر ورجوع عن الإيمان ، إجماع الشيعة الإمامية على ذلك ، فإنهم لا يختلفون فيه](2).
__________
(1) ينظر الفصول المهمة لعبد الحسين شرف الدين ص32.
(2) رسائل المرتضى - الشريف المرتضى ج2 ص 251-252.(75/7)
6- يقول شيخ طائفتهم الطوسي:[ بسم الله الرحمن الرحيم وبه ثقتي إذا سألك سائل وقال لك: ما الإيمان ؟ فقل : هو التصديق بالله و بالرسول وبما جاء به الرسول والائمة عليهم السلام . كل ذلك بالدليل ، لا بالتقليد ، وهو مركب على خمسة أركان ، من عرفها فهو مؤمن ، ومن جهلها كان كافرا ، وهي : التوحيد، والعدل ، والنبوة والإمامة ، والمعاد](1) ،وقال في نفس الكتاب ص317:[ مسألة : عن قوله النبي صلى الله عليه وآله : " من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية " وقوله صلى الله عليه وآله : " من مات بلا وصية مات ميتة جاهلية " وهذا تفاوت لا يجوز عليه ، لان الجهل بالإمام يخرج عن الإيمان ، و من صحَّت عقيدته وحسنت أعماله ، واخطأ في ترك الوصية لا يخرج بذلك عن الإيمان ، فما الكلام في ذلك إذا اتفقت العبارتان واختلفتا في المعنى ؟ . الجواب : الجهل بالامام كفر وقد استفسروا عنه فقالوا هو ميته كفر و ضلال ] .
7-يقول محققهم الكركي:[ بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين في التتميم الحمد لله والصلاة على رسوله محمد وآله الأطهار . يجب على كل مكلف حر وعبد، ذكر وأنثى، أن يعرف الأصول الخمسة التي هي أركان الإيمان ، وهي: التوحيد، والعدل ، والنبوة ، والإمامة ، والمعاد ، بالدليل لا بالتقليد. ومن جهل شيئا من ذلك لم ينتظم في سلك المؤمنين واستحق العقاب الدائم مع الكافرين](2) .
__________
(1) الرسائل العشر- الشيخ الطوسي ص 103.
(2) رسائل الكركي - المحقق الكركي ج1ص59.(75/8)
وبالفعل طبَّقوا هذا الانحراف عملياً في أرض الواقع على مخالفيهم في الإمامة من جميع المسلمين والمتمثل بتكفيرهم ولعنهم والحكم عليهم بالنار، ولذا طالت دعوى التكفير الموبوءة عند الشيعة لتنال المسلمين مهما عظمت منازلهم فكفَّروا بسببها خير البشر بعد الأنبياء وهم صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى رأسهم خيرهم وأفضلهم الخلفاء الراشدين أبو بكر وعمروعثمان - رضي الله عنهم - (1) ، وإليك-على سبيل المثال لا الحصر- طائفة من أقوال علمائهم في هذا:
1- يقول محقق الشيعة الإمامية علي بن الحسين بن عبد العال الكركي:[ وأي عاقل يعتقد تقديم ابن أبي قحافة وابن الخطاب وابن عفان الأدنياء في النسب، والصعاب، الذين لا يعرف لهم تقدم ولا سبق في علم ولا جهاد ... والبسوا أشياء أقلها يوجب الكفر، فعليهم وعلى محبيهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)(2).
__________
(1) سبب تكفيرهم للصحابة يعود لكونهم عمدوا إلى الشورى في تنصيب الإمام أولاً، ثم لأنهم رضوا بتنصيب غير علي - رضي الله عنه - ثانياً، وهذا خلاف معتقد الشيعة في الإمامة لأنها عندهم غير خاضعة للشورى بل واجبة بالنص لأشخاص معلومين ذواتاً وأسماءاً بدءاً بعلي - رضي الله عنه - .. وأما تخصيص الخلفاء الراشدين الثلاثة بالتكفير والذم أكثر من غيرهم فلأنهم كما يرى الشيعة أول من ترجم القول بإنكار الإمامة إلى فعل بتوليهم منصب الخلافة- الإمامة- دون صاحبها الشرعي- في نظرهم - على بن أبي طالب - رضي الله عنه - .. فموقف الشيعة إذاً من هؤلاء الخلفاء رضي الله عنهم هو موقف عقائدي بحت، لا كما يحاول أن يصوره بعض المكرة منهم أو المتميعين من أهل السنة على أنه خلاف سياسي ليس إلا !!
(2) رسائل الكركي - المحقق الكركي ج1 ص62.(75/9)
2- يقول خاتمة محدثي الشيعة الإمامية محمد باقر المجلسي:[ أقول: الأخبار الدالة على كفر أبي بكر وعمر وأضرابهما، وثواب لعنهم والبراءة منهم، وما يتضمن بدعهم، أكثر من أن يذكر في هذا المجلد أو في مجلدات شتى وفيما أوردناه كفاية لمن أراد الله هدايته إلى الصراط المستقيم](1).
3- وأخيراً يصف شيخهم المفيد الصحابة الذين تقدموا على علي رضي الله عنه في تقلّد منصب الخلافة (وهم أبا بكر وعمر وعثمان) بأنهم فساق ومستحقون للخلود بالنار فقال تحت عنوان(القول في المتقدمين على أمير المؤمنين -على بن ابي طالب عليه السلام– ):[ واتفقت الامامية وكثير من الزيدية على أن المتقدمين على أمير المؤمنين(2) – - عليه السلام - - ضلال فاسقون، وأنهم بتأخيرهم أمير المؤمنين - عليه السلام - عن مقام رسول الله - صلوات الله عليه وآله - عصاة ظالمون، وفي النار بظلمهم مخلدون](3).
ثم ألحقوا بهم بالكفر كل من تبعهم ورضي بإمامتهم وترضّى عنهم من باقي المسلمين في جميع الأزمان كالتابعين وأئمة المذاهب الأربعة –أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل- وباقي أهل السنة بجميع فرقهم ومذاهبهم(4) إلى قيام الساعة.
__________
(1) بحار الأنوار جزء 30 ص 399.
(2) ويقصد بهم الذين تقدموا على علي - رضي الله عنه - بمنصب الخلافة وهم ابو بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم -.
(3) أوائل المقالات- الشيخ المفيد ص41-42.
(4) ولي في بيان موقف الشيعة من جميع فرق المسلمين دراسة وافية شافية لا غنى للمتخصص من الإطلاع عليها وهي بعنوان (موقف الشيعة الإمامية من باقي فرق المسلمين).(75/10)
ونظراً لهذا الانحراف الخطير الذي سلكه علماء الشيعة في قضية الإمامة ـ بجعلها أصلاً من أصول الدين وتخليد من لا يعتقدها في نار جهنم ـ راح أهل السنة والجماعة ينظرون إلى الشيعة ومعتقدهم في الإمامة نظرة أكثر جدية(1) وأكثر موضوعية، معتبرين إياها خطراً حقيقياً يهدد وحدة الأمة الإسلامية وغزواً عقائدياً جارفاً لا يستهان به أبداً، كونها دعوة عظيمة لتكفير جميع أهل القبلة كدعوى الخوارج تماماً، إذ لا مهادنة عندهم للمخالف ولا متسع لحرية الرأي.. فإما أن توافقهم فت ؤاخى وإلا فأنت مخالف مُخلّد في نار الجحيم وإن كنت من أهل القبلة ممن يشهد بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت .. وتوحدت جهود بعض علماء السنة- ممن وعى خطر هذه الدعوة الهدامة المقيتة – في الرد على أصحابها وإبطال عقائدهم والتي في مقدمتها الإمامة .. وراحوا يحذرون المسلمين منها حتى يسلم لهم دينهم بعيداً عن التشويه والانحراف الهدام، وكان هذا هو نفس السبب الذي دفعني بقوة إلى دراسة هذه النظرية دراسة وافية بأدلتها وتفصيلاتها .. وقد اتخذت تلك الدراسة محاور رئيسية ثلاث هي:
المحور الأول: مناقشة الأدلة النقلية التي اعتمدوها في إثبات معتقدهم .
المحور الثاني: مناقشة الأدلة العقلية التي حاولوا أن يدعموا بها معتقدهم .
المحور الثالث: بيان النتائج التي ترتبت على قولهم بالإمامة ومن ثم تقييمها من خلال عرضها على الشرع والعقل، فإن حكما ببطلان تلك النتائج فإنه سينسحب قطعاً على بطلان أصل الإمامة،لأن فساد النتيجة معناه فساد المقدمة التي قادت إليها،وفساد اللازم معناه فساد الملزوم.
__________
(1) من نظرتهم السابقة على أنها نظرية عقلية اجتهد بها أصحابها ولا تخرج المختلفين فيها من دائرة الإسلام الواسعة الرحبة.(75/11)
ورأيت أن جُلّ ما كُتب لرد معتقد الشيعة في الإمامة لا يخرج عن هذه المحاور الثلاثة، وكما أن الكتابة في المحور الأول والثاني مهمة جداً لتفنيدها إلا أني رأيت أن الكتابة في المحور الثالث لها نفس الأهمية وربما تزيد، لأن غالب المسلمين لا يملك القدرة على هضم الأدلة ومناقشتها ومن ثم الترجيح بينها لمعرفة الحق من الباطل، ولكنه يستطيع وبيسر أن يحكم على قضية الإمامة بالفساد إذا عَلِمَ أنها تؤدي إلى نتائج باطلة يرفضها الشرع والعقل، لأنها لو كانت حقاً لكانت جميع النتائج المترتبة عليها حقاً أيضاً، فمن هذا المنطلق اخترت كتابة هذه الدراسة في المحور الثالث لبيان إحدى النتائج الخطيرة التي أنتجتها قضية الإمامة عند الشيعة،ليرى القراء بيسر وسهولة - بعيداً عن تحليل الأدلة العقلية والنقلية والرد المفصل- أن قضية الإمامة ستقود إلى نتيجة ليست باطلة فحسب بل وتشكل خطراً حقيقياً على دين الإسلام والتشكيك بأصوله المحكمة، مما يجعل العقلاء يرفضونها جملةً وتفصيلاً، ولعل أنصارها بعد أن يتدبروا هذه الدراسة أن يعيدوا النظر في تقييمها من خلال النتائج التي أفرزتها.
نسأل الله تعالى أن يرينا وجميع المسلمين الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلاً ويوفقنا لاجتنابه، إنه سميع مجيب .
المقدمة(75/12)
كما ذكرت في التمهيد، ليس المقصود بهذه الدراسة مناقشة أدلة الشيعة التي احتجوا بها لإثبات نظريتهم في الإمامة- والتي أوجبوا فيها وجود إمام معصوم في كل عصر- بل هو الكشف عن إحدى النتائج الخطيرة التي ترتبت على قولهم بها، وأصل الداء أن الشيعة في معرض إثبات معتقدهم قدَّموا العقل على النقل(الشرع)، فساقوا عدة مقدمات عقلية جعلوها أصولاً اعتمدوها في مجال تقرير العقائد وإثباتها(1)، ومنها وأهمها عقيدة الإمامة التي نحن بصدد الحديث عنها، ورغم علمي بفساد هذا المنهج(2)، إلا أني اعتمدته نفسه في بيان فساد معتقدهم ذاك، لا لشيء إلا لأبيِّن للمسلمين أن عقيدة الإمامة تحمل مقدمات نهايتها معها، ولذا عمدت إلى اعتماد نفس الأصول العقلية التي اعتمدها الشيعة في تقرير الإمامة، وبالفعل فقد رأيت أن هذه الأصول العقلية يكمن فيها وبين تفاصيلها خطر عظيم يهدد بدوره أصلاً مهماً من أصول الدين الإسلامي الحنيف يتعلق بعقيدة ختم النبوة، الأمر الذي يعني بالضرورة فسادها- أي تلك الأصول- وفساد عقيدة الإمامة التي نشأت عنها وانبثقت منها، ويقدِّم بوضوح الصورة المهترئة لها بما ينبئ بالنهاية النكدة التي لا بد أن تؤول إليها .. ومعنى ذلك أننا إذا انسقنا وراء نفس المقدمات العقلية التي انساق إليها الشيعة في إثبات الإمامة فإننا نصل في نهاية المطاف إلى نسف أصل ختم النبوة، وبمعنى آخر ينبغي على كل من آمن بالإمامة كأصل وعقيدة أن يؤمن بالتلازم بعقيدة باطلة يقيناً هي عقيدة الطائفة القاديانية الفاسدة القاضية باستمرار النبوة بعد نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ، إذ أن كلتا العقيدتين تنهلان من نفس المصدر لأنهما تستندان إلى
__________
(1) وذلك عند بياننا لأصلين مهمين اعتمدها علماء الشيعة في تقريراتهم العقلية .
(2) كون الأصل المعتمد عندنا نحن أهل السنة والجماعة في تقرير العقائد هو كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - المقطوع بصحة تقريراتهما.(75/13)
نفس المقدمات العقلية كما سيتبين للجميع لاحقاً.
وقد اعتمدت في عرض مادة الدراسة أسلوب المناظرة التخيلية(1)
__________
(1) لست بدعاً في هذا الاسلوب لنقض الباطل، فقد سبقني إليه الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى حين استخدمه بين أصحاب الدعاوي الباطلة لنقض بعضها ببعض، مثل المناظرة التي ساقها بين جبري(معتقد الجبر في الأفعال) وقدري(معتقد أن الانسان خالق فعله) في كتابه(شفاء العليل)، اضافة إلى مناظرات شبيهات لها في كتابه(الصواعق المرسلة).(75/14)
بين شخصين أحدهما شيعي والآخر قادياني وكلاهما يعتمد نفس أسلوب الاستدلال العقلي في إثبات معتقده ويستند إلى نفس المقدمات في تقريراته، كما أؤكد أن الناظر لدعوتيهما بإنصاف يجد يقيناً أنهما دعوتان تصدران من مشكاة واحدة ولا تختلف إحداهما عن الأخرى إلا بالمسمى في حين أنهما تلتقيان في الفكرة والمضمون(1)
__________
(1) لا أنكر أني ترددت بعض الشيء في كتابة هذه الدراسة لورود احتمال حصول مفسدة ما في عرض فكرة غريبة- معتقد القاديانية- على مجموع المسلمين ممن هم حالياً في منأى عنها وبُعْد، ولكني بعد التأمل في الأمر وجدتُ أن ترددي هذا ناتج عن وهم بعيد ولا مبرر له لأمرين هامين: الأول:أن فساد عقيدة القاديانية أظهر من أن يحتاج إلى دليل لنقضها، بل ليس هناك خشية على القارئ في أن يقع في قلبه شيء من شبهاتها، لأن كفر قائلها أظهر من الشمس في رابعة النهار، ولمزيد من الاطلاع ينظر كتاب (عقيدة ختم النبوة) لمؤلفه المعاصر أحمد بن سعد الغامدي الذي أسهب بذكر الأدلة على ختم النبوة ورد على باقي الفرق المنكرة لها بما فيها القاديانية، الأمر الثاني:أن ذكر دعوى استمرار النبوة عند القادياني ضروري جداً لنقض دعوى استمرار وجود معصوم عند الشيعة، حيث أن فيها إلزاماً قوياً للإمامي الذي ينكر على القادياني دعوته أن يتبرأ هو أولاً من دعوته للتلازم الواضح ـ والذي سيراه القارئ بنفسه- بين الدعوتين .. بل ان الناظر للدعوتين بتجرد، وكما سيتبين من خلال المناظرة، يرى بجلاء أن حجة القادياني على دعواه أقوى بكثير من حجة نظيره الإمامي في إثبات إمامته- هذا طبعاً في ضوء التسليم الجدلي بموضوع المناظرة لأن الحق الذي نؤمن به جميعاً هو فساد كلتا الدعوتين لفساد أصل كل منهما كما سبق في اعتمادهما التقرير العقلي في إثبات عقيدتهما وتأويل النص الصريح ليوافقه، مخالفين بذلك منهج أهل السنة في اعتماد النص الشرعي لتقرير وإثبات العقائد وجعل العقل تابعاً ومؤيداً له ـ لهذا السبب بالذات، آثرت المصلحة المؤكدة – المتمثلة بنقض نظرية الإمام المعصوم وإبطالها- على المفسدة الموهومة في احتمال زج القارئ بشبه القاديانية الكافرة.(75/15)
، بل إن عقيدة الإمامة لدى الشيعة تعتبر الخطوة الأولى لنقض عقيدة ختم النبوة فهي- كما سيظهر في هذه الدراسة- تعتبر الجسر الذي سيستخدمه القاديانيون للوصول إلى عقيدتهم القاضية باستمرار النبوة، وكما سيجد القارئ من خلال مقارنة أقوال أصحاب العقيدتين، بأن القاديانيين اعتمدوا على معظم بل جميع المقدمات التي اعتمدها الشيعة لكنهم اختلفوا معهم في تسمية ما نتج عن تلك المقدمات، فالشيعة أَسْمَوْه وجوب وجود إمام معصوم والقاديانية أَسْمَوْه وجوب وجود نبي- والعياذ بالله- وهذا الاختلاف لا يتعدى كونه خلافاً لفظياً بين الاثنين إذ لا فرق حقيقي بين صفات إمام الشيعة المعصوم ونبي القاديانية، فكلاهما وجهان لعملة واحدة(1).
__________
(1) ومثل هذه النظريات العقيمة وغيرها كثير تبين مدى الشر الكبير الذي وقع على الأمة من جراء تقديم العقل على النقل وجعله حاكماً متبوعاً مطلقاً والثاني(النقل) تابعاً مؤولاً- كما سنذكر ذلك في الفصل الرابع- ولأن العقول متفاوتة فيما بينها من حيث الإدراك والتقرير، نرى أن كل فرقة منهم تدعي أن قولها صحيح بصريح العقل ومن عداها باطل، وتراهم يؤصلون أقوالهم بعقولهم ثم يبحثون له عن دليل يؤيده ويعضده من الشرع، جاعلين العقل هو الأصل والنقل(النص الشرعي) تابعاً له، وهذا ما سيلمسه القارئ بنفسه من خلال المناظرة المتخيلة بين القادياني والإمامي الشيعي حيث أن كلاً منهما يستدل بالعقل على صحة قوله تاركين الشرع جانباً إلا عندما يراد منه تقوية تقريرهم العقلي بالأدلة بعد تأويله بما يخدم تلكم التقريرات.(75/16)
ولا بد من التأكيد هنا أن هذا الكلام ليس فيه- كما قد يسيء البعض الفهم- شيء من الاتهام لعلماء الشيعة بالتقديم والتمهيد المقصود لعقيدة استمرار النبوة أو بالسعي المخطط له لهدم عقيدة ختم النبوة، بل أن فيه إرادة التنبيه عن الخطر الكامن في عقيدتهم الذي قد يستغله آخرون لبث عقائد أخرى فاسدة، لعل عقلاء المذهب أن يتنبهوا له فيحذروه وأن يتحلّوا بالشجاعة المطلوبة للرجوع عن الخطأ والعودة إلى جادة الحق والصواب، إن كان لديهم الحرص الكافي للحفاظ على وحدة وسلامة بنائنا الإسلامي العظيم.
وبعد هذه المقدمة أسأل الله تعالى أن يجعل هذه الدراسة في ميزان حسناتي لأني أردت أن أدافع بها عن الإسلام وعن هذا الأصل العظيم وهو ختم النبوة بنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - رزقنا الله شفاعته وتقبل منا أعمالنا إنه أرحم الراحمين.
الفصل الأول
نبذة مختصرة عن القادياني والقاديانية
الفصل الأول
لقد ظهرت القاديانية في أواخر القرن التاسع عشر المسيحي في الهند بعد استقرار الحكم الإنكليزي فيها وهي ثورة على النبوة المحمدية- على صاحبها أفضل الصلاة والسلام- وعلى الإسلام كله، مؤامرة دينية وسياسية، إن وجد لها نظير في الخطر والضرر على الإسلام ففي الحركة الإسماعيلية الباطنية التي تولّى كبرها عبيد الله بن ميمون القدّاح في القرن الثالث الهجري(1)
__________
(1) وأشك أنها بلغت مبلغ الأولى-أي القاديانية- في أصالة الفساد ودقة المؤامرة في معاداة الإسلام.
(2) لذا كانت الدعوة القاديانية ورجالها من أكبر المؤيدين للسياسة الإنكليزية في المنطقة والمزَمِّرين لها.(75/17)
، ولقد تبنتها الحكومة الانكليزية واحتضنتها(1)، وساعدتها العوامل الاجتماعية والسياسية والفكرية الكثيرة التي توفرت في عصر ظهورها على الانتشار سريعاً رغم بعدها عن الإسلام، فأصبح معتنقوها طائفة كبيرة يحسب لها حساب، وغدت " قاديان " مركز دعوة ودعاية وسياسة يُقبل عليها ويؤم شطرها بعض كبار المثقفين- الثقافة العصرية- ورجال الدولة، ولقد اقتصر نشاط دعاتها على عقد المناظرات التي انصبّ هدفها على إثارة الشكوك والشبهات بين المسلمين ونشر الدعاية لعقيدتهم الخاصة داخل الهند وخارجها، وبعد انقسام الهند عام 1947م وظهور الباكستان كدولة مستقلة، فرضت الحكومة الإنكليزية التي كانت قائمة آنذاك، القادياني ظفر الله خان على باكستان كوزير للخارجية، ولقد انتهز هذا الأخير صلاحيات منصبه بكل دهاء وعزم، فشحن الوزارة الخارجية والمفوضيّات في عواصم العالم بالقاديانيين ودسَّهم في مصالح الحكومة الأخرى وسلطهم على رقاب الموظفين المسلمين، ثم راحوا ينخرطون بكثافة في صفوف الجيش الباكستاني واحتلوا مناصب خطيرة فيه وفي أجهزة الدولة المهمة كالشرطة ومصلحة الطيران، بل قد كوَّنوا إمارة في بنجاب تسمى الربوة هي في حقيقتها مستعمرة قاديانية لا يوظَّف فيها إلا القادياني(2) ولا يعلو صوت فيها فوق صوته وكأنها دولة داخل الدولة، ولم يقتصر نشاط رجال الدعوة على منطقة شبه الجزيرة الهندية بل تعدّاها إلى دول ومناطق أخرى في العالم وخصوصاً إلى البلدان العربية الإسلامية، فصار لها حضور في العراق وسوريا، وانتشار في إندونيسيا، ولها طموح قوي وحلم عريض في أن يكون لها وجود ملموس وقوي في جزيرة العرب مهد الإسلام وعاصمة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، بل في مكة والمدينة على وجه الخصوص- شرفهما الله تعالى وأعاذهما من كل فتنة وإلحاد- ثم بدأت
__________
(1) ويمكن أن تشبه الربوة في باكستان بإسرائيل في فلسطين، فكلاهما جاثم على صدر المسلمين وقائم منهم بالمرصاد.(75/18)
هذه الدعوة تعني بالجهات القاصية في قارة إفريقية والدول الإسلامية الناشئة، ولم تضَيّع أية فرصة أتيحت لها لنشر دعايتها وتوجيه دعوتها في المؤتمرات السياسية والندوات العلمية العالمية والمؤسسات الدينية الكبرى.
أما مؤسسها فهو الميرزا غلام احمد القادياني ولد عام 1839 أو 1840 في آخر عهد حكومة السكة في بنجاب في قرية قاديان من مديرية "كرداسبور" الواقعة بعد التقسيم في الهند وكان في السابعة عشرة من عمره يوم نشبت الثورة الهندية الكبرى، وينتمي الميرزا غلام الى السلالة المغولية والى فرع من فروعها يسمى "برلاسن" وقد ظهر له متأخراً انه من النسل الفارسي، وقد تحدى الميرزا عام 1907 العالم المشهور بمولانا ثناء الله الامري تسري وضمَّن تحدِّيه إياه بالدعاء إلى الله تعالى ان يقبض المبطل في حياة صاحبه وان يسلط عليه داءً مثل الهيضة والطاعون يكون فيه حتفه، وفي شهر مايو 1908 اصيب الميرزا بالهيضة الوبائية وهو في لاهور وأعيا الاطباء داؤه ومات في الساعة العاشرة والنصف صباحاً وكان ذلك في اليوم السادس والعشرين من مايو سنة 1908 ونقلت جثته الى قاديان حيث دفن في المقبرة التي سماها بمقبرة الجنة "بهشتي مقبرة"(1).
نماذج من كفره وهذيانه:
سنقتصر هنا على بعض تصريحاته للاختصار فمنها:
1- يقول في (دافع البلاء) ص11: [هو الإله الذي ارسل رسوله في قاديان].
2- قال في تتمة (حقيقة الوحي) ص68: [والذي نفسي بيده انه ارسلني وسماني نبي].
3- قال في (اياك غلطي كما ازاله) ص8: [ان زهاء مائة وخمسين بشارة من الله وجدتها صادقة الى وقتنا هذا، فلماذا انكر اسمي نبياً ورسولاً، وبما ان الله هو الذي سماني بهذه الاسماء فلماذا اردها، او لماذا اخاف غيره؟].
__________
(1) نقلاً عن كتاب القادياني والقاديانية للندوي بتصرف .(75/19)
4- قال في هامش (حقيقة الوحي) ص72: [ان الله تعالى مظهراً لجميع الانبياء ونسب اليّ اسماءهم، انا آدم، انا شيت، انا نوح، انا ابراهيم، انا اسحاق، انا اسماعيل، انا يعقوب، انا يوسف، انا عيسى، انا موسى، انا داود، وانا مظهر كامل لمحمد - صلى الله عليه وسلم - أي انا محمد واحمد ظلياً].
5- قال في (اياك غلطي كازاله) ص1: [قبل بضعة ايام اعترض مخالف على رجل من اتباعي بأن الذي بايعته يدّعي انه نبي ورسول، فأجابه بالنفي المحض، مع ان هذا الجواب غير صحيح، والحق ان وحي الله الطاهر الذي ينزل عليَّ جاء فيه لفظ "رسول" و "مرسل" و "نبي" وليس مرة واحدة بل مئات المرات، فكيف يصح هذا الجواب].(75/20)
6- يقول في (براهين احمدية) ج3 ص239-242: [لقد الهمت آنفاً وانا اعلق على هذه الحاشية وذلك في شهر مارس عام 1882م ما نصه حرفياً: يا أحمد بارك الله فيك، ما رميت اذ رميت ولكن الله رمى، الرحمن علم القرآن، لتنذر قوماً ما انذر آباؤهم ولتستبين سبيل المجرمين قل اني امرت وانا اول المؤمنين، قل جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا، كل بركة من محمد - صلى الله عليه وسلم -، فتبارك من علم وتعلم، قل ان افتريته فعليّ اجرامي، هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، لا مبدل لكلمات الله… انا كفيناك المستهزئين يقولون انى لك هذا إلا قول البشر واعانه عليه قوم آخرون، أفتأتون السحر وانتم تبصرون هيهات هيهات لما توعدون من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين، جاهل او مجنون قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين، هذا من رحمة ربك، يتم نعمته عليك ليكون آية للمؤمنين انت على بينة من ربك فبشر وما انت بنعمة ربك بمجنون، قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله.. الى ان قال: اني رافعك الي، والقيت عليك محبة مني، لا إله إلا الله فاكتب وليطيع وليرسل في الارض، خذوا التوحيد التوحيد يا ابناء فارس، وبشر الذين امنوا ان لهم قدم صدق عند ربهم، واتل عليهم ما اوحي اليك من ربك، ولا تُصَعِّر لخلق الله ولا تسئم من الناس اصحاب الصفة وما ادراك ما اصحاب الصفة، ترى اعينهم تفيض من الدمع يصلون عليك، ربنا اننا سمعنا منادياً ينادي للايمان، وداعياً الى الله وسراجاً منيرا].(75/21)
7- قال في (براهين احمدية) ج4 ص509: [اذا قيل لهم امنوا كما آمن الناس قالوا أَنؤمن كما آمن السفهاء، ألا انهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون، ويحبون ان تدهنوا، قل يا ايها الكافرون لا اعبد ما تعبدون، قيل ارجعوا الى الله فلا ترجعون، وقيل استحوذوا فلا تستحوذون ام تسئلهم من خرجٍ فهم من مغرم مثقلون، بل أتيناهم بالحق فهم للحق كارهون، سبحانه وتعالى عما يصفون، أحسب الناس أن يتركوا ان يقولوا آمنا وهم لا يفتنون، يحبون ان يحمدوا بما لم يفعلوا، ولا يخفى على الله خافية، ولا يصلح شيء قبل اصلاحه].
8- قال في (تحفة الندوة) ص4: [فكما ذكرت مراراً ان هذا الكلام الذي أتلوه هو كلام الله بطريق القطع واليقين كالقرآن والتوراة، وانا نبي ظلي وبروزي من انبياء الله، وتجب على كل مسلم ان يؤمن باني المسيح الموعود، وكل من بلغته دعوتي فلم يحكمني، ولم يؤمن بأني المسيح الموعود، ولم يؤمن بان الوحي الذي ينزل عليَّ من الله، هو مسؤول ومحاسب في السماء وان كان مسلماً، لانه قد رفض الامر الذي وجب عليه قبوله في وقته، انني لا اقتصر على قولي ان لو كنت كاذباً لهلكت، بل اضيف الى ذلك انني صادق كموسى وعيسى وداود ومحمد عليه الصلاة والسلام، وقد انزل الله لتصديقي آيات سماوية تربى على عشرة آلاف، وقد شهد لي الرسول وقد عيَّن الانبياء زمان بعثتي وذلك هو عصرنا الآن، والقرآن يعين عصري، وقد شهدت لي السماء والارض وما من نبي إلا وقد شهد لي].
9- قال في (حقيقة الوحي) ص9: [لقد حُرِمَ الذين من الاولياء والابدال والاقطاب من هذه الامة المحمدية النصيب الكبير من هذه النعمة (يعني الالهامات والمكالمات الالهية) ولذلك خصني الله بإسم النبي، اما الآخرون فلا يستحقون هذا الاسم].(75/22)
وأنا من يقين من جزم القارئ بأن هذا الكلام لا يصدر من عاقل أبداً بل من رجلٍ مختل عقلياً أو ممن تلبَّست به الجن والشياطين فنطقت على لسانه. نسأل الله تعالى أن يحفظ لنا عقولنا من الجنون والمس.
الفصل الثاني
ختم النبوة من منظار أهل السنة
الفصل الثاني
إن من مبادئ الإسلام- بعد الإيمان بالتوحيد والبعث بعد الموت- أن
محمداً - صلى الله عليه وسلم - قد ختم به اللهُ النبوة، وأن لا نبي بعده ولا وحي ولا إلهام بعده يكون حجة شرعية، وهذه العقيدة هي المعروفة بـ " عقيدة ختم النبوة " في الإسلام والتي اعتبرتها الأمة الإسلامية منذ عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا جزءاً من الإيمان من غير أدنى خلاف، إذ دلت عليه العديد من الآيات القرآنية الكريمة وجزمت به العشرات من الأحاديث النبوية الشريفة التي لا مجال معها أبداً لكل من يحاول تغييبها، لتقذف به بقوة إلى دائرة الكفر الصريح(1)، وهذه مسألة قطعية مسلَّم بها وقد أُلِّفت حولها العديد من الكتب المنشورة المتداولة بين الجميع، ولكن لا بد هنا من الإشارة إلى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما أوضح عقيدة ختم النبوة في عشرات الأحاديث الشريفة أخبر أيضاً عمن يحاولون خرق هذا الحاجز أو هدم هذا الأصل، فأخبر - صلى الله عليه وسلم - من ضمن ما أخبر به عن أشراط الساعة وعلاماتها ظهور أناس كذابون يدَّعون النبوة بعده فقال - صلى الله عليه وسلم -:[ لا تقوم الساعة حتى يبعث دجّالون كذابون قريباً من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله](2)، وقال أيضاً:[ أنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي](3)، وفي أحد هذين الحديثين الشريفين نجد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أطلق على مدَّعي
__________
(1) في ذكر الآيات والأحاديث كلها تطويل لا داعي له هنا لأنها معروفة للجميع.
(2) رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
(3) رواه مسلم.(75/23)
النبوة لفظة " الدجال " ومعناه المخادع الشديد الخداع، منَبِّهاً - صلى الله عليه وسلم - أمته- من خلال هذه اللفظة- إلى أن هؤلاء الذين يدعون النبوة هم مخادعون يستعملون سلاح الدجل والتلبيس، متظاهرين بالإسلام ليحاولوا تغيير عقائده من الداخل بعد أن يُلَبِّسوا على بعض الجهلة أمرهم، وحتى يزرع - صلى الله عليه وسلم - اليقين في نفوس أتباعه ختم حديثه بقوله(وأنا خاتم النبيين) ومعنى ذلك أن (لا نبي بعدي).
وقد حدث ما أخبر به النبي- صلى الله عليه وسلم -، فظهر أناس كثيرون في التاريخ، ادعوا النبوة متظاهرين بالإسلام عاملين بالدجل والتلبيس لترويج دعواهم، ولكن أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - كانت لهم بالمرصاد دائماً وعلى بينة من كتاب ربها وسنة نبيها - صلى الله عليه وسلم -، فكان كلما ظهر متنبئ وادعى النبوة حكمت الأمة عليه بالكفر والخروج من دائرة الإسلام، وهكذا كلما قُدِّمت قضية المتنبئ الى حكومة إسلامية أو الى محكمة شرعية في القرون الماضية أصدرت الحكم بكفره لدعواه النبوة وعاملته معاملة الكفار، ولم تطلب منه دلائل النبوة،وهذا واضح في معاملة الصحابة رضي الله عنهم لمدعي النبوة في زمنهم كمسيلمة الكذاب والأسود العنسي وسجاح وطليحة والحارث وغيرهم، فالصحابة رضي الله عنهم حكموا عليهم بالكفر وعاملوهم معاملة الكفار دون أن يسألوهم عن تأويلهم في عقيدة ختم النبوة، بل الأمر كله في نظرهم كان داخلاً في دائرة الدجل والتلبيس الذي حذر منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وان قبول أي تأويل فيها يعني خرق بديهيات الدين وهدم عقائده (1).
__________
(1) نقلاً عن كتاب موقف الأمة الإسلامية من القاديانية بتصرف .(75/24)
وبالرغم من قطعية هذه العقيدة لدى جميع المسلمين وكونها من المعلوم من الدين بالضرورة،إلا أنها لم تسلم من هجمات الملحدين وشبهات المشككين لعلهم يزحزحون هذه العقيدة في قلوب المسلمين كما قال تعالى: { وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُون } (الأنعام: من الآية121) ، وقوله تعالى: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } (الأنعام:112) .
فأخذوا يطرحون على المسلمين الشبهات من هنا وهناك لعلهم يحققون مآربهم الأثيمة ، وكان من أبرز تلك الشبهات والتشكيكات قولهم بأن قطع النبوة في هذه الأمة مع استمرارها في الأمم السابقة يتنافى مع العدل الإلهي لحاجة هذه الأمة إلى أنبياء آخرين حتى مع فرض عدم الحاجة الى شريعة جديدة تبقى الحاجة قائمة الى أنبياء يسددون سير البشرية وفق هذه الشريعة المحمدية ، وأصل الشبهة ينطلق من مقدمتين هما:
الأولى:
إن مجرد وجود النبي فيض إلهي ولطف ورحمة بالمكلفين ، فإرساله سبحانه الرسل لهدايتهم وإرشادهم جود وفضل وكرم منه سبحانه.
الثانية:(75/25)
إن الأنبياء صنفان نبي تشريعي وآخر تبليغي ، فالتشريعي هو الذي يبعثه الله تعالى بشريعة جديدة تنسخ شريعة النبي السابق ، وأما النبي التبليغي فلا يبعث بشريعة جديدة بل يقوم بإحياء وحفظ الشريعة السابقة من الاندراس ومن ثم ترويجها وتبليغها ويرشد الناس لاتباعها(1).
وانطلاقا من هاتين المقدمتين يكون بعث نبي آخر بعد نبينا لطف ورحمة ، ومحال على الله اللطيف بعباده الرحيم بهم أن يحرم هذه الأمة التي أثنى عليها سبحانه من نور النبوة بعد رحيل نبيها ، في حين رحِمَ تلك الأمم السابقة ببعث الأنبياء فيهم بعد موت أنبيائهم ، ولا يقال إن شريعة نبينا - صلى الله عليه وسلم - أكمل الشرائع ولا يمكن الإتيان بشريعة أكمل منها فلا داعي لبعث الأنبياء بعده - صلى الله عليه وسلم - ، لأن هذا الاعتراض يصح لمنع وجوب بعثة النبي التشريعي فقط ، بينما تبقى الحاجة لبعث نبي تبليغي يصون الشريعة من التحريف ويروجها ويبلغها للمكلفين إلى قيام الساعة ، فلو سلمنا عدم الحاجة للنبي التشريعي ، نظراً لكمال الشريعة ، تبقى الحاجة لبعث أنبياء تبليغيين يحفظون الشريعة ويبلغونها للخلق ، وإليكم نص هذه الشبهة كما طرحت في كتب العقائد ونقلها أبرز مراجع الشيعة:
__________
(1) يقول آية الشيعة العظمى ومحققهم جعفر سبحاني في موسوعته مفاهيم القرآن (3/217-218):[ إن النبي إذا بعث بشريعة جديدة وجاء بكتاب جديد فالنبوة تشريعية ، وأما إذا بعث لغاية الدعوى والإرشاد إلى أحكام وقوانين سنها الله سبحانه على لسان نبيه المتقدم فالنبوة تبليغية ، والقسم الأول من الرسل ، قد انحصر في خمسة ، ذكرت أسماؤهم في القران والنصوص المأثورة ، أما الأكثرية منهم ، فكانوا من القسم الثاني وقد بعثوا لترويج الدين النازل على أحد هؤلاء فكانت نبوتهم تبليغية].(75/26)
1-يقول آيتهم العظمى ناصر مكارم الشيرازي:[إن إرسال الأنبياء فيض إلهي عظيم،فلماذا حُرِمَ أناس في هذا الزمان من هذا الفيض؟ لماذا لا يكون لأهل هذا الزمان هاد وقائد جديد يهديهم ويقودهم؟](1).
2-يقول آيتهم العظمى جعفر سبحاني:[ وحاصله:هب أنه ختمت النبوة التشريعية ، فلماذا ختمت التبليغية منها ؟ توضيحه: إن النبي إذا بعث بشريعة جديدة وجاء بكتاب جديد ، فالنبوة تشريعية وأما إذا بعث لغاية الدعوى والإرشاد إلى أحكام وقوانين سنها الله سبحانه على لسان نبيه المتقدم، فالنبوة تبليغية ، والقسم الأول من الرسل ، قد انحصر في خمسة ، ذكرت أسماؤهم في القران والنصوص المأثورة ، أما الأكثرية منهم ، فكانوا من القسم الثاني وقد بعثوا لترويج الدين النازل على أحد هؤلاء فكانت نبوتهم تبليغية.
حينئذ ، فقد يسأل سائل ويقول : هب أن نبي الإسلام جاء بأكمل الشرائع و أتمها وأجمعها للصلاح وجاء بكل ما يحتاج إليه الإنسان في معاشه ومعاده إلى يوم القيامة ولم يبق لمصلح رأي ولمتفكر نظر ، في أصول الإصلاح و أسسه، لان نبينا (ص) قد أتى بصحيح الرأي و أتقنه و أصلحه في كافة شؤون الحياة ومجالاتها ولأجل ذلك الاكتمال أوصد باب النبوة التبليغية التي منحها الله للأمم السالفة فان الشريعة مهما بلغت من الكمال والتمام لا تستغني عمن يقوم بنشرها وجلائها وتجديدها ، لكي لا تندرس ويتم إبلاغها من السلف إلى الخلف بأسلوب صحيح ، فلماذا أوصد الله هذا الباب بعدما كان مفتوحاً في وجه الأمم الماضية، ولماذا منح الله سبحانه هذه النعمة على السالف من الأمم وبعث فيهم أنبياء مبلغين ومنذرين وحرم الخلف الصالح من الأمم منها؟](2).
__________
(1) دروس في العقيدة الاسلامية- ناصر مكارم الشيرازي ص176.
(2) مفاهيم القرآن- جعفر سبحاني ج3 ص217-218.(75/27)
3-يقول فيلسوفهم مرتضى مطهري:[ علينا الآن أن نرى لماذا كانت النبوات تتجدد في الماضي ، وكان الأنبياء يأتون على التوالي ، وإن لم يكن كلهم أصحاب شرائع وقانون وكان الغالب يبعث لتنفيذ شريعة موجودة؟ ولماذا انتهى الأمر بعد خاتم النبيين ، ولم يكن النبي التشريعي (صاحب الشريعة) لم يأتِ ولن يأتي فحسب ، بل إن النبي المبلغ لم يأتِ ولن يأتي أيضاً.. لماذا؟ كان أغلب الأنبياء-بل أكثريتهم التي تقارب الإجماع-تبليغيين لا تشريعيين ، وربما لا يتجاوز الأنبياء التشريعيون عدد أصابع الكف الواحدة ، وكان عمل الأنبياء التبليغيين هو تبليغ الشريعة وترويجها وتنفيذها وشرحها](1).
4-قال علامتهم إبراهيم الأميني:[ على فرض أن الحاجة إلى إرسال أنبياء من أولي العزم-أي أصحاب شرائع- انتفت نظراً لكمال الأحكام والقوانين والمعارف الدينية الإسلامية وكفايتهم ، فلماذا-ترى- تنتفي الحاجة إلى أنبياء مبلغين يقومون بمهمة الترويج لتلك الشرائع ، فكما أن الله سبحانه كان يرسل بعد كل نبي صاحب شريعة-من أولي العزم- أنبياء عديدين ، ليقوموا بترويج الشريعة المتقدمة وتبليغها للأجيال اللاحقة ، فلماذا لا يبعث الله- بعد مبعث رسول الإسلام وتشريع الأحكام والقوانين الجديدة- أنبياء لتبليغ الرسالة المحمدية والترويج لها ، مع العلم بأن وجود أمثال هؤلاء الأنبياء أمر ضروري ومفيد في المجتمعات](2).
فهذا مضمون الشبهة التي ألقاها إبليس في قلوب أتباعه كي يوسوسوا بها للخلق كما قال تعالى(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ)(الأنعام:112) ، ولننظر كيف أجاب عنها كل من أهل السنة والشيعة وكما يلي:
__________
(1) الوحي والنبوة- مرتضى مطهري ص28-30.
(2) النبوة والنبي- إبراهيم الأميني ص137-138.(75/28)
جواب أهل السنة:
يمكن تلخيص جواب أهل السنة بوجهين هما:
الوجه الأول:الأصل هو تقرير الشرع وليس حكم العقل ابتداءاً
إن مما تسالم عليه أهل السنة هو أن الانطلاق لتكوين المفاهيم يكون مستنداً إلى الشرع وليس العقل، وإن أي أمر يثبته الشرع فلا بد أن نلتزم به سواء وافقه العقل أم خالفه في الظاهر(1)، وعليه فإذا ما ثبتت قضية ختم النبوة بصورة قطعية من الشرع أخذنا بها برضا وتسليم دون أن نلتفت للشبهات التي تفرضها العقول المريضة الملتاثة بوسوسة الشيطان الذي يوحي إلى أوليائه مثل هذه الشبهات لتشكيك المسلمين بما يقرره دينهم، لأننا يجب أن نكون مستيقنين تماماً بأن كل ما ثبت بالشرع هو حق وخير سواء علمنا الحكمة منه أم جهلناها(2)
__________
(1) أقول"في الظاهر" لأن الأصل هو أن أي حكم قطعي شرعي لا يتعارض مع حكم عقلي مطلقاً، وهذا ما أثبته شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتابه الرائع (درء تعارض العقل والنقل).
(2) لقد ورد في السنة النبوية ما يؤيد ذلك في حقيقة قصور العقل في إدراك جميع التقريرات الشرعية بادئ الأمر، وهذا واقع في العديد من القضايا التي تنقلها لنا السيرة النبوية إحداها ما حصل في واقعة صلح الحديبية عندما فرض المشركون شروطاً مجحفة ومذِلّة في ظاهرها بحق المسلمين وافق عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حين وقف إزاءها المسلمون موقفاً رافضاً في بادئ الأمر لأن عقولهم حينها استصعبت قبول الإجحاف الذي تضمنته بنود الصلح، لكنهم مع ذلك وافقوا عليها في نهاية الأمر على مضض، فتركوا ما حكمت به عقولهم واتبعوا حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى قال الصحابي سهل بن حنيف قولته الشهيرة لتأصيل هذا القانون الرباني القاضي بتقديم الشرع على العقل عند التعارض فيما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه:[عن الاعمش عن شقيق قال سمعت سهل بن حنيف يقول بصفين ايها الناس اتهموا رأيكم والله لقد رأيتنى يوم أبى جندل ولو أني أستطيع أن أرد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لرددته] ينظر صحيح مسلم ج5 ص176 .(75/29)
وحول هذا المعنى يقول الإمام ابن القيم رحمه الله (مختصر الصواعق المرسلة) ص87:[كما قال بعض أهل الإيمان يكفيك من العقل أن يُعَرِّفك صدق الرسول ومعاني كلامه ثم يخلي بينك وبينه، وقال آخر: العقل سلطان ولّى الرسول ثم عزل نفسه] وقال ص88:[لأن العقل قد شهد للشرع والوحي بأنه أعلم منه وأنه لا نسبة له إليه وأن نسبة علومه ومعارفه إلى الوحي أقل من خردلة بالإضافة إلى جبل… وقال: ان الشرع مأخوذ عن الله بواسطة الرسولين الملك والبشر بينه وبين عباده، مؤيداً بشهادة الآيات وظهور البراهين على ما يوجبه العقل ويقتضيه تارة ويستحسنه تارة ويجوزه تارة ويضعف عن دركه تارة فلا سبيل له إلى الإحاطة به ولابد من التسليم والانقياد لحكمهِ والإذعان والقبول، وهناك تسقط (لِمَ) وتبطل (كيف) وتزول (هلاّ) وتذهب (لو، وليت) في الريح، لان اعتراض المعترض عليه مردود، واقتراح المقترح ما ظنّ انه أولى منه سفه، وجملة الشريعة مشتملة على أنواع الحكمة علماً وعملاً، حتى لو جمعت حِكَم جميع الأمم ونُسِبت إليها لم تكن لها إليها نسبة، وهي متضمنة لأعلى المطالب بأقرب الطرق وأتم البيان…] .
فهذه خلاصة الوجه الأول وهي أننا لسنا ملزمين أن نبرر ما ثبت بالشرع بحيث نجعل تقريراته في قفص الاتهام ثم ننطلق لندافع عنها بل الأصل أن ما يأتي به الشرع هو الحق وما خالفه يكون في قفص الاتهام .
الوجه الثاني:نضج الأمة ورشدها يجعلها مستغنية عن نبي جديد(75/30)
بعد أن بينا في الوجه السابق أن الشرع إذا جاء بحقيقة فلا نحتاج بعدها إلى فرضيات العقول ولسنا ملزمين بأن نجيب حول كل التساؤلات، إلا أننا في هذا الوجه سوف نتطوع من باب النافلة بأن نجيب حول هذا الإشكال في ضوء معتقد أهل السنة والجواب هو ان العلة ليست بوجود النبي من عدمها بل ببقاء شريعته وتعاليمه ثابتة دون انحراف فمتى ما حفظت الأمة تراث نبيها من الانحراف وصانته من التحريف فليس بها حاجة إلى نبي جديد لأن العبرة بشرع النبي وليس بشخصه فما دامت تعاليمه صحيحة بين الناس فكأنه بين أظهرهم بإرشاده وتبليغه وهذا ما نستطيع أن نلمسه في أرض الواقع بتمكُّن المسلمين من التعبد بالشرع وعندهم الكتاب والسنة ولذا يخبرنا الله تعالى بأن الكتب السماوية السابقة التي هي مصدر التشريع الأول قد أُخفيَ كثير منها مما تطلَّب بعث الأنبياء ليبينوا الحق الذي أُخفيَ وحُرِّف فقال سبحانه: { قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً } (الأنعام: من الآية91) ، وقال تعالى: { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ } (المائدة:15).(75/31)
بينما نجد عناية الله تعالى بحفظ القرآن وأنه الحجة والنور الذي تستمد منه الهداية إلى قيام الساعة وقد اهتم به المسلمون وأقبلوا ينهلون منه الهداية والعلم والتشريع ليبقى حجة خالدة لله تعالى على خلقه إلى قيام الساعة كما قال تعالى: { قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ } (الأنعام: من الآية19).
وقال تعالى مبيناً كمال الدين بشكل لا نحتاج به إلى نبي جديد: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً } (المائدة: من الآية3).(75/32)
فالدين إذاً محفوظ وكامل لا نحتاج إلى من يكمله أو يحفظه لأن علة التحريف منتفية بشهادة الله تعالى، وهذه العلة غفل عنها أصحاب الاعتراض فظنوا أن غياب شخص النبي معناه عدم إمكان التعبد والسير في ظل تعاليم شريعته، مع أن الحق هو إن بقاء شرع النبي ودينه سالم وحفظته الأمة من الضياع والتحريف فلا حاجة لها إلى نبي جديد(1) .
__________
(1) وهناك كلام لبعض علماء الشيعة يثبتون به هذا المعنى الذي يقول به أهل السنة ويقرونه بكل صراحة ومنهم علامة الشيعة ابن المطهر الحلي في معرض شرحه لكلام فيلسوفهم ومحققهم النصير الطوسي بالحاجة للنبوة في كل وقت حيث قال:[ المسألة السادسة : في وجوب البعثة في كل وقت قال: ودليل الوجوب يعطي العمومية]، إلا أن الحلي هذَّب هذه العبارة بقوله بحيث لا يجوز خلو الزمان من شرع نبي حتى لا يتهم باعتقاده بوجوب استمرار النبوة فقال:[ وقال علماء الإمامية : إنه تجب البعثة في كل وقت بحيث لا يجوز خلو زمان من شرع نبي]،فأثبت أن بقاء شرع النبي يغني عن وجود شخص النبي في كل وقت ليوافق قول أهل السنة بكل صراحة، ومنهم شيخهم وآيتهم محسن الخرازي حيث أثبت بأن وصول دعوة النبي وشرعه تغنيان عن شخصه فقال في كتابه (بداية المعارف الإلهية) فقال (1/235):[ ولا يلزم في بلوغ الدعوة وصول مبشريها، بل يكفي في بلوغها وقيام الحجة في لزوم النظر في أمرها مجرد وصول خبرها].(75/33)
ولقد مدح الله تعالى هذه الأمة وصرح بأهليتها لوراثة الدين وتحمل أعباء نقل الدين والحفاظ عليه فقال سبحانه: { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ } (فاطر:32) ، يقول ابن كثير في تفسيره لهذه الآية (3/562): [يقول تعالى ثم جعلنا القائمين بالكتاب العظيم المصدق لما بين يديه من الكتب الذين اصطفينا من عبادنا وهم هذه الأمة ثم قسمهم إلى ثلاثة أنواع فقال تعالى: (فمنهم ظالم لنفسه) وهو المفرط في فعل بعض الواجبات المرتكب لبعض المحرمات (ومنهم مقتصد) هو المؤدي للواجبات التارك للمحرمات وقد يترك بعض المستحبات ويفعل بعض المكروهات (ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله) وهو الفاعل للواجبات والمستحبات التارك للمحرمات والمكروهات وبعض المباحات . قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ) قال هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم ورثهم الله تعالى كل كتاب أنزله، فظالمهم يغفر له ومقتصدهم يحاسب حسابا يسيرا وسابقهم يدخل الجنة بغير حساب](1)
__________
(1) وهناك كلام لبعض علماء الشيعة يؤيد ما ذكره أهل السنة من أهلية الأمة الإسلامية وفضلها في حمل تراث نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، فمنهم:
1-ينقل شيخهم الطوسي الملقب عندهم بشيخ الطائفة كلاماً قريباً من هذا في تفسيره للآية حيث قال: [ وقال ابن عباس : الذين أورثهم الله الكتاب هم أمة محمد ، ورثهم الله كل كتاب أنزله ، فظالمهم يغفر له، ومقتصدهم يحاسبهم حسابا يسيرا وسابقهم يدخلون الجنة بغير حساب ، وقال ابن مسعود - بذلك - وكعب الاحبار وقال الثلاث فرق - المذكورة في هذه الآية كلهم في الجنة]، ينظر تفسيره التبيان (8/430).
2-يقول فيلسوفهم صدر الدين الشيرازي في كتابه(الحجة) ص111 مؤكداً مدح الله تعالى لأمة نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -:[ فقال الله تشريفاً لكليمه موسى عليه السلام(وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً)(لأعراف: من الآية145)، وقال تشريفاً لأمته - صلى الله عليه وسلم - (أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْه)(المجادلة: من الآية22)، فشتّان بين نبي تشرف بكتابة الموعظة له في الألواح، وبين نبي تشرف أمته بكتابة الإيمان لهم في قلوبهم، والإيمان عبارة عن العلم بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم والآخر، فما أعظم وأشرف قدرهم فضلاً عن قدر نبيهم؟!].(75/34)
.
وقد وقفت على كلام رصين لموسى جار الله يصب في هذا المعنى في كتابه (الوشيعة) حيث قال:[ كل ما أنعم الله به على نبيه من فضل ونعمة،وكل ما نزل من عرش الله العظيم إلى نبيه الكريم فكله بعده لأمته،والأمة شريكة لنبيها في كل كمال كان له في حياته،ثم ورثته بعد مماته،وكل فضل وكل نعمة ذكرها القرآن لنبيه فقد ذكرها لأمته، ومثاله:
فقد قال سبحانه لنبيه (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) وقال عن أمته(كنتم خير أمة أخرجت للناس).
وقال لنبيه (ويتم نعمته عليك) وقال لأمته (وأتممت عليكم نعمتي)
وقال لنبيه (وينصرك الله نصراً عزيزاً) وقال لأمته (وكان حقاً علينا نصر المؤمنين) فأوجب النصر على نفسه بقسم مؤكد.
وقال لنبيه (إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً) وقال (وأثابهم فتحاً قريباً)
وقال لنبيه (هو الذي أيدك بنصره) وقال لأمته (وأيدهم بروح منه)
ولم يكتفِ سبحانه بإشراك الأمة لنبيها بتلك الفضائل بل زاد على ذلك في مواطن كلها فضل وتشريف لهذه الأمة منها:
1-الاصطفاء والاجتباء والذكر والتشريف(75/35)
فقد قال سبحانه عن اصطفاء الملائكة والأنبياء (الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس)، ثم ذكر تشريفه لأمته بهذا الفضل والاصطفاء حيث قال سبحانه (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) ذكر الإيراث،والميراث تأخذه الأحياء بعد الأموات،والكتاب محفوظ إلى الأبد،فالأمة أحياء إلى الأبد،واصطفى سبحانه الأمة بنون العظمة بنفسه لنفسه ولم يكل الإصطفاء إلى غيره،وسائر الأمم لم تكن مصطفاة فانحرفت عن كتابها والأمة ببركة الإصطفاء لا تنحرف، وأضاف العباد إلى نون العظمة لقطع إمكان الإنحراف والضلال بالإغواء أو بغيره( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ...) فلا يمكن الضلال في الأمة لأنها في حمى الله بنص آية سورة الحجر،وقد ذكر الإصطفاء بعد قوله تعالى( بعباده لخبير بصير) ومعلوم إن الاصطفاء بعد العلم بالأهلية لا زوال له.
وقال سبحانه عن الأنبياء السابقين قوله(واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم ..) وذكر في هذه الأمة ( وجاهدوا في الله حق جهاده.. اجتباكم .. نعم المولى ونعم النصير) فقد جعل سبحانه هذه الأمة بالاجتباء والاصطفاء في درجة الأنبياء ولم يذكر في الأمم السابقة إلا التفضيل، والإصطفاء كلي يجمع كل الفضائل.
وأخبر أن هذا الكتاب فيه عز وتشريف النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال(لك ولقومك..) وقال في تشريف الأمة بقوله( فيه ذكركم) .
2-الشراكة بالشهادة
إن الله تعالى أشرك الأمة مع نبيها في الشهادة على الأمم فقال سبحانه( جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس...) .
3-الشراكة بالصلاة من الله والتسليم(75/36)
وأشرك هذه الأمة مع نبيها في الصلاة فقال(يصلون على النبي..) وقال(هو الذي يصلي عليكم وملائكته) وصلاة الله وصلاة الملائكة على النبي وعلى أمته أرفع بكثير من سجود الملائكة لآدم عليه السلام في شأن التشريف،فكل الأمة في أحوالها يصلي ويسلم على النبي وعلى أمته،كل الأمة في كل صلواتها تسلم على النبي ثم تسلم على كل أمته،فالأمة في الشرف والكرامة مثل نبيها ، وأشركها مع نبيها في السلام منه سبحانه فقال(على عباده الذين اصطفى..) وقال ( فقل سلام عليكم)] .
4-الشراكة في الظهور والتمكين
فقد قال سبحانه لنبيه(هو الذي أرسل رسوله .. ليظهره على الدين)،وقال عن أمته( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض...بي شيئاً)،فقد أضاف الدين إلى الأمة وأكَّد التمكين بالقسم وقال(دينهم الذي ارتضى لهم) فدل على أن دين الأمة وسياسة الخلافة الراشدة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الذي ارتضاه لهم .(75/37)
فهذه بعض الفضائل التي خص الله تعالى بها أمة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ثم قال موسى جار الله:[الأمة معصومة عصمة نبيها . معصومة في تحملها وحفظها . وفي تبليغها وأدائها . حفظت كل ما بلغه النبي مثل حفظ النبي . وبلغت كل ما بلغه النبي مثل تبليغ النبي . حفظت كليات الدين وجزئيات الدين أصلا وفرعا . وبلغت كليات الدين وجزئيات الدين أصلا وفرعا . لم يضع من أصول الدين ومن فروع الدين شيئ . 1- حفظه الله ،2- حفظه نبيه محمد، 3- حفظته الأمة : كافة عن كافة، عصرا بعد عصر ، ولا يمكن أن يوجد شيئ من الدين غفل عنه أو نسيه الأمة ... وكل حادثة إذا وقعت فالأمة لا تخلو من حكم حق وصواب وجواب يريه الله الواحد من الأمة التي ورثت نبيها وصارت رشيدة ببركة الرسالة وختمها ... وقد بلغت رشدها ، ولها عقلها العاصم ، وعندها كتابها المعصوم ، وقد حازت بالعصوبة كل مواريث نبيها ، وفازت بكل ما كان للنبي بالنبوة . الأمة بعقلها وكمالها ورشدها بعد ختم النبوة أكرم وأعز وأرفع من أن تكون تحت وصاية وصي تبقى قاصرة إلى الأبد ]،انتهى كلامه بتصرف يسير.
وينقل السيد أبو الحسن الندوي في كتابه(النبوة والأنبياء في ضوء القرآن) قولاً نفيساً لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى حول فضل أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - التي أشرف على تربيتها بنفسه فداه أبي وأمي،فقال:[ وقد أحسن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تصوير البعثة المحمدية وفضلها وانتاجها في كتابه ( الجواب الصحيح ) يقول رحمه الله: وسيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - من آياته،وأخلاقه وأقواله وأفعاله وشريعته من آياته،وأمته من آياته،وعِلْمُ أمته ودينهم من آياته،وكرامات صالحي أمته من آياته..(75/38)
ولم يزل قائماً بأمر الله على أكمل طريقة وأتمها،من الصدق والعدل والوفاء،لا يحفظ له كذبة واحدة،ولا ظلم أحد،ولا غدر بأحد،بل كان أصدق الناس وأعدلهم،وأوفاهم بالعهد مع اختلاف الأحوال عليه من حرب وسلم،وأمن وخوف،وغنى وفقر،وقلة وكثرة،وظهوره على العدو تارة،وظهور العدو عليه تارة،وهو على ذلك كله ملازم لأكمل الطرق وأتمها،حتى ظهرت الدعوة في جميع أرض العرب التي كانت مملوءة من عبادة الأوثان،ومن أخبار الكهان،وطاعة المخلوق في الكفر بالخالق،وسفك الدماء المحرمة،وقطيعة الأرحام،لا يعرفون آخرة ولا معاداً،فصاروا أعلم أهل الأرض وأدينهم وأعدلهم وأفضلهم،حتى ان النصارى لما رأوهم من حين قدموا الشام قالوا:ما كان الذين صحبوا المسيح بأفضل من هؤلاء،وهذه آثار علمهم وعملهم في الأرض،وآثار غيرهم يعرف العقلاء الفرق بين الأمرين.
وأمته أكمل الأمم في كل فضيلة،فإذا قيس علمهم بعلم سائر الأمم ظهر فضل علمهم،وإن قيس دينهم وعبادتهم وطاعتهم لله بغيرهم ظهر أنهم أدين من غيرهم،وإذا قيس شجاعتهم وجهادهم في سبيل الله وصبرهم على المكاره في ذات الله،ظهر أنهم أعظم جهاداً وأشجع قلوباً،وإذا قيس سخاؤهم وبذلهم وسماحة أنفسهم لغيرهم،تبين أنهم أسخى وأكرم من غيرهم،وهذه الفضائل به نالوها ومنه تعلموها وهو الذي أمرهم بها،لم يكونوا قبله متبعين لكتاب جاء هو بتكميله، كما جاء المسيح بتكميل شريعة التوراة،وكانت فضائل أتباع المسيح وعلومهم بعضها من التوراة، وبعضها من الزبور، وبعضها من النبوءات، وبعضها من المسيح، وبعضها ممن بعده،كالحواريين ومن بعد الحواريين، وقد استعانوا بكلام الفلاسفة وغيرهم، حتى أدخلوا ـ لما غيروا دين المسيح ـ في دين المسيح أموراً من أمور الكفار المناقضة لدين المسيح.(75/39)
وأما أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - فلم يكونوا قبله يقرؤون كتاباً،بل عامتهم ما آمنوا بموسى وعيسى وداود، والتوراة والانجيل والزبور إلا من جهته فهو الذي أمرهم أن يؤمنوا بجميع الانبياء ويقروا بجميع الكتب المنزلة من عند الله،ونهاهم أن يفرقوا بين أحد من رسله،فقال تعالى في الكتاب الذي جاء به: { قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } (البقرة:136)]. انتهى
فهذا جواب أهل السنة في رد هذه الشبهة بأن الأمة قد بلغت من النضج والعناية بدينها ما يغنيها عن الحاجة إلى نبي جديد(1) فهي قائمة مقامه في حفظ الدين وتبليغه إلى المعمورة.
خلاصة جواب أهل السنة:
__________
(1) بل يغنيها عن الحاجة إلى معصوم جديد نبياً كان- على رأي القاديانية- أو إماماً- على رأي الشيعة-.(75/40)
إن النقطة الجوهرية والأساسية في جواب أهل السنة عن هذه الشبهة تكمن في حال الأمة من حيث الوعي والرشد والنضج الفكري ، فهي بين حالتين لا ثالث لهما إما أنها قاصرة أو راشدة ناضجة ، فإن كانت قاصرة فيجب أن تبقى تحت الوصاية الإلهية المتمثلة بمرشد إلهي يقوِّم مسيرتها ويحفظ لها الدين ويبلغه(1) ، وأما إن كانت بالغة راشدة بما يؤهلها لتحمل مسؤولية الدعوة والقيمومة عليها لتقوم بوظيفة الأنبياء في حفظ الدين وتبليغه للناس ، فيجوز أن تُرفع عنها الوصاية الإلهية(2)، وهي أشبه ما يكون بمثال الصغير الذي يكون تحت الوصاية(3)
__________
(1) وهذا ما تهدف إليه هذه الشبهة من وصف الأمة بالقصور وعدم النضج كي يوجبوا بقاءها تحت الوصاية الإلهية.
(2) أي تنتفي حاجتها إلى مرشد إلهي جديد نبياً كان على زعم القاديانية ، أو إماماً معصوما على زعم الشيعة الإمامية.
(3) وهو عين المثال الذي ضربه آيتهم العظمى جعفر سبحاني لحال الأمة حيث قال في موسوعته مفاهيم القرآن(3/217-218):[ وذلك ان المجتمعات تتفاوت ادراكاً ورشداً ، فرب مجتمع يكون في تخلفه كالفرد القاصر ، لا يقدر على أن يحتفظ بالتراث الذي وصل إليه ، بل يضيعه كالطفل الذي يمزق كتابه ودفتره غير شاعر بقيمته.
ورب مجتمع بلغ من القيم الفكرية والأخلاقية والاجتماعية ، شأواً بعيداً يحتفظ معه بتراثه الديني واصل إليه ، بل يستثمره استثماراً جيداً فهو عند ذاك غني عن كل مروج يروج دينه ، أو مبلِّغ يذكر منسيه او مرب يرشده إلى القيم لأخلاقية ، او معلم يعلمه معالم دينه ويوضح له ما أشكل من كتابه ، إلى غير ذلك من الشؤون ،فأفراد الأمم السالفة كانوا كالقصر غير بالغين في العقلية الاجتماعية فما كانوا يعرفون قيمة التراث المعنوي الذي وصل اليهم بل كانوا يلعبون به لعب الصبي بكتابه ، بتحريفهم له وتأويله بما يتوافق مع أهوائهم ومشاربهم ، ولذا كان يحل بالشريعة اندراس بعد مضي القرون والأجيال ويستولي عليها الصدأ بعد حقبة من الزمان].(75/41)
حتى إذا بلغ رشده رُفِعت عنه ، ولذا أثبت أهل السنة في جوابهم بأن الأمة قد بلغت رشدها وتكاملها الفكري بنصوص القرآن والسنة النبوية وكلام أئمة المسلمين ، بما يجعلها مؤهلة للقيام بوظيفة الأنبياء من القيمومة على الدعوة وتبليغها للناس ، ومن ثم الإيذان برفع الوصاية الإلهية عنها.
الفصل الثالث
ختم النبوة من منظار الشيعة
الفصل الثالث:
بعد أن عرضنا في الفصل السابق جواب أهل السنة على تلك الشبهة ، سنعرض هنا جواب علماء الشيعة ومراجعهم عنها وذلك في عدة مطالب وكما يلي:
المطلب الأول:تصريح علماء الشيعة بنضج الأمة واستغنائها لنقض الشبهة:
لو تأملنا جواب علماء الشيعة ومراجعهم عن تلك الشبهة سنجده مطابق تماما لجواب أهل السنة المتقدم بعينه-سواء بلفظه أو بمعناه- من أن الأمة بعد رحيل النبي - صلى الله عليه وسلم - قد بلغت رشدها ونضجها بما يجعلها مؤهلة لحمل هذا الدين وإيصاله إلى جميع المكلفين لتستغني بذلك عن نبي تبليغي جديد يحفظ لها الدين ويبلغه ، فممن أجاب بذلك من علمائهم ما يلي:
1-آيتهم العظمى مكارم الشيرازي
صرح بنضج الأمة واستغنائها فقال:[ ثمة تساؤلات تبرز في موضوع ختم النبوة لا بد من الإشارة إليها:يقول بعضهم إن إرسال الأنبياء فيض إلهي عظيم،فلماذا حُرِمَ أناس في هذا الزمان من هذا الفيض؟ لماذا لا يكون لأهل هذا الزمان هاد وقائد جديد يهديهم ويقودهم؟
إن الذين يقولون هذا قد غفلوا في الحقيقة عن نقطة مهمة،وهي أن حرمان عصرنا لم يكن لعدم جدارتهم،بل لأن قافلة البشرية في هذا العصر قد بلغت في مسيرتها الفكرية وفي وعيها مرحلة تمكنها من إدامة مسيرتها بإتباع الشريعة،(75/42)
ولنضرب هنا مثلاً: أولو العزم من الأنبياء الذين جاؤوا بدين جديد وبكتاب من السماء،وهم خمسة(نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم السلام) وقد ظهر هؤلاء كل في فترة معينة من الزمان،وسعوا لهداية البشر ووضعهم على طريق التكامل،فأوصل كل منهم القافلة البشرية من مرحلة إلى المرحلة التي تليها وسلمها إلى النبي الذي يليه من أولي العزم،إلى أن بلغت القافلة من مسيرتها إلى الطريق النهائي،كما بلغت القدرة التي تمكنها من مواصلة مسيرتها وحدها نهايتها، مثلها مثل التلميذ الذي يطوي مراحل الدراسة الخمسة حتى يتخرج في الكلية(وبالطبع لا يعني هذا أنه إنتهى من التعليم، بل يعني أهليته للاستمرار بمفرده دونما حاجة الى معلم أو مدرسة)،وهذه المراحل هي:المرحلة الابتدائية،المرحلة المتوسطة،المرحلة الإعدادية،المرحلة الجامعية،وأخيراً مرحلة الحصول على الدكتوراه، فإذا لم يواصل دكتور الدراسة في الجامعة،فلا يعني هذا أنه ليس جديراً بالدراسة،بل يعني أن لديه من المعلومات ما يمكنه من حل مشكلاته العلمية بالاستعانة بها،ومن الاستمرار في مطالعاته ومواصلة تقدمه](1).
فها هو يجيب بجواب أهل السنة بأن الأمة قد بلغت من النضج والقدرة ما يُمَكِّنها من مواصلة سيرها دون الحاجة إلى نبوة جديدة.
2-آيتهم العظمى جعفر سبحاني
صرح أيضاً بنضج الأمة واستغنائها فقال:[ السؤال الأول:وحاصله:هب أنه ختمت النبوة التشريعية ، فلماذا ختمت التبليغية منها ؟
__________
(1) كتاب (دروس في العقيدة الاسلامية)- ناصر مكارم الشيرازي ص176-177.(75/43)
توضيحه: إن النبي إذا بعث بشريعة جديدة وجاء بكتاب جديد ، فالنبوة تشريعية وأما إذا بعث لغاية الدعوى والإرشاد إلى أحكام وقوانين سنها الله سبحانه على لسان نبيه المتقدم، فالنبوة تبليغية ، والقسم الأول من الرسل ، قد انحصر في خمسة ، ذكرت أسماؤهم في القران والنصوص المأثورة ، أما الأكثرية منهم ، فكانوا من القسم الثاني وقد بعثوا لترويج الدين النازل على أحد هؤلاء فكانت نبوتهم تبليغية.
حينئذ ، فقد يسأل سائل ويقول: هب أن نبي الإسلام جاء بأكمل الشرائع وأتمها وأجمعها للصلاح وجاء بكل ما يحتاج إليه الإنسان في معاشه ومعاده إلى يوم القيامة ولم يبق لمصلح رأي ولمتفكر نظر ، في أصول الإصلاح و أسسه، لان نبينا (ص) قد أتى بصحيح الرأي و أتقنه و أصلحه في كافة شؤون الحياة ومجالاتها ولأجل ذلك الاكتمال أوصد باب النبوة التبليغية التي منحها الله للأمم السالفة فان الشريعة مهما بلغت من الكمال والتمام لا تستغني عمن يقوم بنشرها وجلائها وتجديدها ، لكي لا تندرس ويتم إبلاغها من السلف إلى الخلف بأسلوب صحيح ، فلماذا أوصد الله هذا الباب بعدما كان مفتوحاً في وجه الأمم الماضية، ولماذا منح الله سبحانه هذه النعمة على السالف من الأمم وبعث فيهم أنبياء مبلغين ومنذرين وحرم الخلف الصالح من الأمم منها ؟ .
الجواب:
إن انفتاح باب النبوة التبليغية في وجه الأمم السالفة وإيصاده بعد نبي الإسلام ليس معناه ان الأمم السالفة استحقت هذه النعمة المعنوية ، لفضيلة تفردت بها، دون الخلف الصالح من الأمم ، أو ان الأمة الإسلامية حرمت لكونها اقل شأناً و أهون من الأمم الخالية – كلا – بل الوجه ان الأمم السالفة كانت محتاجة إليها دون الأمة الإسلامية ، فهي في غنى عن أي نبي مبلغ يروج شريعة نبي الإسلام.(75/44)
وذلك ان المجتمعات تتفاوت ادراكاً ورشداً ، فرب مجتمع يكون في تخلفه كالفرد القاصر ، لا يقدر على ان يحتفظ بالتراث الذي وصل إليه ، بل يضيعه كالطفل الذي يمزق كتابه ودفتره غير شاعر بقيمته .
ورب مجتمع بلغ من القيم الفكرية والأخلاقية والاجتماعية ، شأواً بعيداً يحتفظ معه بتراثه الديني واصل إليه ، بل يستثمره استثماراً جيداً فهو عند ذاك غني عن كل مروج يروج دينه ، او مبلغ يذكر منسيه او مرب يرشده إلى القيم لأخلاقية ، او معلم يعلمه معالم دينه ويوضح له ما أشكل من كتابه ، إلى غير ذلك من الشؤون ،فأفراد الأمم السالفة كانوا كالقصر غير بالغين في العقلية الاجتماعية فما كانوا يعرفون قيمة التراث المعنوي الذي وصل اليهم بل كانوا يلعبون به لعب الصبي بكتابه ، بتحريفهم له وتأويله بما يتوافق مع أهوائهم ومشاربهم ، ولذا كان يحل بالشريعة اندراس بعد مضي القرون والأجيال ويستولي عليها الصدأ بعد حقبة من الزمان .
لهذا ولذلك كان على المولى سبحانه ان يبعث فيهم نبي جيل بعد جيل ليذكرهم بدينهم الذي ارتضاه الله لهم ، ويجدد شريعة من قبله ويروج قوله وفعله ويزيل ما علق بها من شوائب بسبب أهواء الناس وتحريفاتهم .
و أما المجتمع البشري بعد بعثة الرسول (ص) ولحوقه بالرفيق الأعلى ، فقد بلغ من المعرفة والإدراك والتفتح العقلي والرشد الاجتماعي شأواً يتمكن معه من حفظ تراث نبيه وصيانة كتابه عن طوارق التحريف والضياع ، حتى بلغت عنايته بكتابه الديني إلى تصنيف أنواع التأليف في أحكامه وتفسيره وبلاغته ومفرداته واعرابه وقرائته فأزدهرت تحت راية القرآن ضروب من العلوم والفنون .
فلأجل ذلك الرشد الفكري في المجتمع البشري ، جعلت وظيفة التبليغ والانذار على كاهل نفس الامة حتى تبؤات وظيفة الرسل من التربية والتبليغ، واستغنت عن بعث نبي مجدد على طول الزمان يبلغ رسالة من قبله .(75/45)
فاذا قدرت الامة على حفظ ما ورثته عن نبيها ، ونشره بين الناس في الافآق، ومحو كل مطمع فيه وهدم كل خرافة تحدثها يد التحريف ، استغنت طبعاً عن قائم بهذا الامر سوى نفسها.
لقد ظهرت طلائع هذا التفويض من أول سورة نزلت على النبي (ص) حيث خاطبه الله سبحانه ، في اليوم الذي بعثه رسولا الى الناس وهادياً لهم بقوله : { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } ( العلق 1-4).
وهذا الخطاب يؤذن بان دينه دين التلاوة والقراءة ، دين العلم والتعليم ، دين القلم والتحرير وان هذا الدين سوف يربي أمة مفكرة متحضرة عالمة بقيمة التراث الذي يصل إليها قادرة على حفظ هذا الدين في ضوء العلم والفكر، مستعدة لنشر تعاليمه في أقطار العالم و أرجاء الدنيا بأساليب صحيحة .
وقد بلغت عناية الإسلام بالقلم والكتابة إلى حد ان اقسم سبحانه بـ(( القلم وما يسطرون )) وانزل سورة باسمه تمجيداً له وحثاً للامة على تقديره والعناية به ليكون رائداً للتقدم والحضارة والمعرفة ويصير احسن ذريعة إلى حفظ التراث بلا حاجة إلى مبلغ سماوي .(75/46)
ثم انه سبحانه صرح بهذا التفويض أي تفويض أمر التبليغ إلى نفس الأمة في غير موضع من كتابه ، منها قوله سبحانه: { فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } (التوبة: الآية122) ،ومنها قوله سبحانه: { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } (آل عمران:104)، ومنها قوله سبحانه: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه } (آل عمران: الآية110) .
وفي السنن والأحاديث تصاريح بذلك ، نكتفي بما يلي: قال الباقر ( ع) : ( إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء، ومنهاج الصلحاء، وفريضة بها تقام الفرائض ، وتأمن المذاهب، وتحل المكاسب، وترد المظالم ، وتعمر الأرض وينتصف من الأعداء ويستقيم الأمر) ، ولعل في قوله (ع) : ( سبيل الأنبياء ) إشارة إلى ان هذا الأمر موكول إلى الأمة بعد انقطاع الوحي وإيصاد باب النبوة . وقال رسول الله : ( إذا ظهرت البدع فليظهر العالم علمه ، فمن لم يفعل فعليه لعنة الله)](1).
3-السيد مجتبى اللاري
صرح بعدم الحاجة إلى نبي جديد بعد نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - فقال:[ والآن كيف يمكننا حلّ هذا التناقض الذي يبدو بين ضرورة البعثة التي هي سبب في إعطاء الحياة سرعتها الطبيعية وحركتها اللازمة من ناحية ، وختم النبوة من ناحية أخرى ، بين الأصل الرافض للتغيير في أسس الإسلام وأصل الصيرورة الاجتماعية والبحث عن مفاهيم وسنن جديدة ؟...
الجواب:
__________
(1) كتاب (مفاهيم القرآن) ج3ص217-221.(75/47)
إن الإسلام الذي فاجأ الناس بفكرة النبوّة الخاتمة هو الذي يجيب على هذه التساؤلات.
فإحدى العلل لتجديد رسالات الأنبياء وتتالي الرسل هي ما يقع من تحريف في الكتب السماوية ، ولهذا فهي تفقد عندئذ صلاحيتها لهداية البشرية و إرشادها ، أما عندما يصل الإنسان إلى مرحلة من النضج بحيث يستطيع المحافظة على السنن والتعاليم الدينية بعيدة عن التحريف والتغير ، ويتمكن من النهوض بنشرها فانه ينتفي حينئذ اعظم الأسباب لتجديد الرسالة ، و لا تبقى حاجة لنبوة جديدة .
إذن يختلف عصر ظهور نبي الإسلام من هذه الناحية عن العصور التي ظهر فيها الأنبياء الآخرون بصورة كاملة ، حيث ان الإنسان قد وضع أقدامه في مرحلة النضج الفكري وتهيأت الظروف اللازمة لاختتام الرسالة .
فالنضج الاجتماعي والوعي العلمي قد أوصل الإنسان إلى مرحلة يكون فيها هو الحافظ والمبلّغ لدينه السماوي ، وبهذا يتحقق ركن مهم من أركان الخاتمية، وتسند مهمّة الإرشاد والدعوة منذئذ إلى العلماء والمفكرين وذلك لان الإنسان منذ هذا التاريخ أصبح قادراً على حفظ تراثه التاريخي ومنجزاته المعنوية بفضل هذا الكتاب الكريم ، وبفضل ما أصبح يتمتع به من نضج ثقافي واجتماعي، ويجب عليه الحيلولة دون تحريف أو تغير هذا الكتاب الموحى إلى النبي الكريم، وذلك لان هذه الرسالة سوف تنتقل منذ الآن إلى المجموع ، وسوف لن تكون المسؤولية على عاتق فرد واحد فحسب وذلك كما يقول القرآن: { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } ....(75/48)
وعندما يصل الإنسان إلى مرحلة النضج الإنساني والقدرة على استيعاب الحقائق الكلية والقوانين الإلهية يصبح العلماء خلفاء للأنبياء ، لكي يوسعوا في أفكار الناس مكاناً للمقاييس الأصيلة ، وفي ظل التطلعات الرفيعة للدين يأخذون على عاتقهم مهمة البحث والاجتهاد والنضال ضد التحريف والتزوير وإشاعة المعايير الإلهية في اتجاهها الصحيح ....ومن حيث اختلاط التخطيط الذهني بالواقعيّات الخارجية فقد أثبتت البشرية خلال ما يناهز خمسة عشر قرناً أنها مهيأة لتحمّل المسؤوليات الكبيرة ، وأنها قادرة على حفظ الميراث الذهني والعلمي ، وقد أبدت عمقاً في نظرتها الواقعية في مرحلة التحليل والتفسير .
وهذه الأمور تثبت أن الإنسان قد وصل إلى مرحلة الاستقلال والقدرة على حفظ الآيات السماوية بأقصى دقّة ، وانه يتحمل عبء الدعوة والتفسير ونشر الدين الحنيف.
وعندما وصلت التعاليم الإلهية إلى الإنسان انتفت الحاجة لمجيء نبيّ جديد، فلو فرضنا أننا أخذنا قطعة من الأرض وأجرينا فيها الدراسات اللازمة الدقيقة لاكتشاف ما فيها من آثار تأريخية ،فإننا نقطع حينئذ بعدم وجود شيء مخفيّ في بطن الأرض ،ولا يبقى هناك مجال آخر واكتشاف جديد ، وكذا لحال بالنسبة للأمور المتعلّقة بالوحي .
فعندما اجتازت النبوّة تلك المراحل المختلفة انتهت إلى أرفع درجات كمالها ورقّيها ،واتضحت من ناحية الوحي كلّ الزوايا المبهمة والغامضة التي يمكن ان تصل إليها أفكار الناس ، وعندئذ لا تبقى نقطة مبهمة ولا طريق غير مسلوك ، فتكون النبوة قد وصلت إلى آخر مدها في أداء دورها الخاص و أعمالها المستمرة،وتصبح قادرة على الاستمرار في حياتها مرتبطة بالمنبع اللانهائي للوحي ، ومتصفة بالاتّساع والخروج على بعد زمان واحد ، ومتمّيزة بنظام قيمي وثقافي واجتماعي واحد ...](1).
__________
(1) كتاب (أصول العقائد في الإسلام) ج2 ص193-201.(75/49)
فتأمل رحمك الله كيف أجاب عن الشبهة بجواب أهل السنة ببلوغ الأمة درجة من النضج الفكري والقدرة على حفظ الدين بما يجعلها مستغنية عن نبي جديد.
4-شيخهم وعلامتهم إبراهيم الأميني:
اعترف الأميني بذلك في عدة مواضع من كتابه(النبوة والنبي) منها:
1-قال ص130-131:[إن المجتمع البشري في ذلك الزمان كان قد بلغ حداً من حيث العقل والفكر والإمكانات العلمية ، يستطيع معه أن يحافظ على المواريث العلمية والدينية بصورة كاملة ، وينقلها إلى الأجيال اللاحقة بأمانة ودقة،
في مثل هذا العصر بُعِث رسول الله ص من جانب الله تعالى بالرسالة ليضع بين يدي النفوس البشرية المتكاملة المستعدة أسمى المعار ف وأرقاها ... ولقد بقي القرآن الكريم-كما تلاحظونه- وعلى أثر حفظ الحفاظ وكتابة الكتاب في صورته الكاملة دون أي زيادة أو نقصان ، ومن دون أي تغيير أو تحريف ، وسيبقى كذلك إلى يوم القيامة ، وهكذا بقيت الأحكام والقوانين والمقررات الإسلامية في صورة-حديث- مدوَّن مضبوط في بطون الكتب والمؤلفات].
2-قال ص138:[فلماذا-ترى-تنتفي الحاجة إلى أنبياء مبلِّغين يقومون بمهمة الترويج لتلك الشرائع ، فكما أن الله سبحانه كان يرسل بعد كل نبي صاحب شريعة-من أولي عزم- أنبياء عديدين ليقوموا بترويج الشريعة المتقدمة وتبليغها للأجيال اللاحقة؟ يمكن القول بأن المجتمع البشري في عصر البعثة المحمدية كان قد بلغ في التكامل الفكري والرشد العقلي حداً أصبح معه صالحاً لأن يحافظ على المواريث الأنبياء العلمية والدينية ويصونها من خطر الحوادث ، وأن يكون نفسه مبلِّغاً لتلك القيم والمفاهيم المقدسة ، وقد وصل في هذا المجال إلى درجة الاكتفاء الذاتي ، ولهذا لم تبقَ حاجة بعد هذا إلى إرسال الرسل].
5-فيلسوفهم مرتضى مطهري:
صرح بذلك في عدة مواضع من كتابه(الوحي والنبوة) ، وإليك بيانه في مسألتين هما:
المسألة الأولى:(75/50)
لقد تعرض مطهري لقضية ختم النبوة وذلك من خلال عرضه للسبب الموجب لبعث نبي جديد وهو حالة المجتمع من حيث البلوغ والنضج كي يحافظ على التراث السماوي أو لا ، وقد صرح بهذا السبب في عدة مواضع من كتابه(الوحي والنبوة) ومنها:
1-قال ص30:[ ويتضح مما قيل أن لبلوغ البشر الفكري الاجتماعي دور في خاتمية النبوة].
2-قال ص29:[لما كان الإنسان القديم بسبب عدم بلوغه الفكري ونضجه غير قادر على المحافظة على كتابهم السماوي ، وأصبحت الكتب السماوية عادة موضع تحريف وتغيير ، أو ربما تؤول إلى الضياع نهائيا ولذا كان لزاماً أن تتجدد الرسالة].
المسألة الثانية:
والتي بيَّن فيها المظاهر التي تجلَّت من خلالها بلوغ الأمة الإسلامية ذلك النضوج الفكري والتكامل في الرشد والتي أهلتها لأن يقوم بكل الوظائف التي كان يقوم بها النبي - صلى الله عليه وسلم - والتي من أهمها وأبرزها هو حفظ الدين وصيانته من التحريف ثم بعدها نشره وتفسيره وتبليغه للبشرية ، فمن أقواله ما يلي:
1-قال ص29:[ لما كان الإنسان القديم بسبب عدم بلوغه الفكري ونضجه غير قادر على المحافظة على كتابهم السماوي ، وأصبحت الكتب السماوية عادة موضع تحريف وتغيير ، أو ربما تؤول إلى الضياع نهائيا ولذا كان لزاماً أن تتجدد الرسالة ، وأن عصر نزول القرآن أي قبل أربعة عشر قرناً كان مقارناً للدور الذي وضعت البشرية فيه طفولتها خلفها ، وتتمكن فيه من المحافظة على مواريثها العلمية والدينية ، ولذا فلم يتسرب التحريف إلى آخر كتاب سماوي مقدس أي القرآن ، وكل المسلمون عامة يحفظون كل آية عند نزولها في صدروهم أو في كتاباتهم بشكل كان لا يتسرب إليها أي نوع من التحريف والتغيير أو الحذف أو الإضافة ، ولذا فلم يحدث التحريف والزوال في الكتاب السماوي ، وهذا سبب من أسباب انتفاء تجديد النبوة].(75/51)
2-قال ص30:[كان أغلب الأنبياء-بل أكثريتهم التي تقارب الإجماع-تبليغيين لا تشريعيين ، وربما لا يتجاوز الأنبياء التشريعيون عدد أصابع الكف الواحدة ، وكان عمل الأنبياء التبليغيين هو تبليغ الشريعة وترويجها وتنفيذها وشرحها ، ويتمكن علماء الأمة في عصر الخاتمية الذي هو عصر العلم من تطبيق الكليات مع الظروف والمقتضيات الزمانية والمكانية بمعرفة أصول الإسلام العامة ومعرفة الظروف ، ثم استنباط الحكم الإلهي واستخراجه ، واسم هذه العملية "الاجتهاد" ، وإن علماء الأمة الإسلامية الأكفاء يقومون بكثير من واجبات الأنبياء التبليغيين وبعض واجبات الأنبياء التشريعيين-دون أن يكونوا مشرِّعين- عن طريق الإجتهاد وواجب هداية الأمة الخاص ، ولهذا فقد انتفت الحاجة إلى تجديد النبوة ونزول كتاب سماوي جديد ومجئ نبي جديد إلى الأبد وانتهت النبوة بنفس الوقت الذي بقيت فيه الحاجة إلى الدين دائماً ، بل كلما تقدمت البشرية نحو المدنية تكثر الحاجة إلى الدين].
6-آيتهم العظمى محمد باقر الصدر:
أثبت في كلام مفصل بلوغ الأمة النضج والرشد الذي يؤهلها لتحمل أعباء الرسالة وتبليغها للبشرية بعد رحيل نبيها - صلى الله عليه وسلم - وذلك في عدة مواضع من بحثه (النبوة الخاتمة) منها:
1- قال ص57-58:[هو خط تحمل أعباء المسؤولية الأخلاقية للدعوة ، يعني كون الإنسان بالغاً إلى درجة تؤهله لأن يتحمل أعباء دعوة لها ضريبتها وواجباتها وآلامها وهمومها،
مثل هذا التحمل أيضاً له درجات ولا يستطيع الإنسان(بالطفرة) أن يصل إلى درجة تحمل أعباء الرسالة العالمية الواسعة غير محدود الزمان والمكان لم يستطع أن يصل ذلك بالطفرة ، وإنما يستطيع أن يصل إليه بالتدريج وعبر مرانٍ طويل على تحمل مسؤولية البشرية ، بقي يتحمل المسؤوليات عبر مران طويل ونما خلال المران الطويل حتى استطاع أن يتحمل مسؤولية رسالة لا حد لها ممتدة مع الزمان والمكان ...].(75/52)
2-وصف أمة موسى - عليه السلام - وأمة عيسى - عليه السلام - بعدم الأهلية لتحمل أعباء الرسالة مقارنة بأمة الإسلام التي تحققت فيها تلك الأهلية فقال ص58-59:[ وإلا فأي مسؤوليات تتحملها أمم الأنبياء السابقين ، الأمم التي انكشف تاريخها أمامنا اليوم ، أمم (موسى) و(عيسى) مثلاً،
نحن بالمقارنة بين أمم (موسى) و(عيسى) ، والمسؤوليات التي تحملتها الأمة الإسلامية حينما نزل الوحي على النبي محمد ص بالرسالة الخاتمة ، بالمقارنة بينهما نكتشف وجود درجة كبيرة في الفارق بينهما في تحمل المسؤوليات وهذه الدرجة الكبيرة في تحمل المسؤولية تعبر عن نحو الإستعداد على مر الزمن،
موسى عليه السلام مات وشعب بني إسرائيل في التيه ، توّجَ حياته وجهاده وتضحياته بأن مات وشعب بني إسرائيل في التيه لأن الله كتب عليهم التيه أربعين سنة ، لأنهم لم يستجيبوا لمتطلبات الرسالة ، لم يستجيبوا أبداً لما تقتضيه رسالة موسى بالنسبة إليهم، حتى خلفهم موسى ع حيارى ومات،
أين هذا من أمة حملت أعباء الرسالة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم].
3-قال كلاماً متفرقاً ص61 حاصله:[ إن الإنسان وصل إلى الحد النهائي من ناحية تحمله لمسؤولية أعباء الدعوة حينما جاء الإسلام ، ولذا لا نجد أي تغيير حقيقي في اتساع التحملات الأخلاقية في أعباء الدعوة منذ جاء الإسلام إلى يومنا ، بمعنى أنه بلغ الذروة حين جاء الإسلام فلم يحتج أن يتغير أو يضاف إليه شئ]
7-فيلسوفهم صدر الدين الشيرازي:(75/53)
صرح بهذا المعنى في كتابه(الحجة) ص107-108 تحت عنوان(أسباب ختم النبوة):[ إن النفوس والغرائز من زمن آدم عليه السلام وابتداء خلق العالم هي في حالة ترقّ بحسب قابليتها واستعداداتها، وهذا الإرتقاء من حضيض النقص إلى ذروة الكمال، والسمو من مهوى البعد وأرض السفالة إلى بقاع الرفعة وسماء القرب هو من المبدأ المتعال، وذلك من خلال بعث الأنبياء ونزول الملائكة بالكتب والصحف المنزلة عليهم من ملكوت السماء لتعليم الأمم وهدايتها وتخليصها من القيود والتعلقات وتكميل النفوس بأنوار العلوم والمعارف والآيات، وكلما قوي استعدادهم وصفت أذهانهم بالتلطيف والتأديب استعدوا واستحقوا لشريعة جديدة وأحكام أخرى تنسخ ما سبقها من الأحكام وهكذا إلى أن انتهت الشرائع والأديان إلى شريعة لا أكمل منها، ودين لا أتم منه وهو دين الإسلام لقوله تعالى: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } ].
المطلب الثاني:مصادمة عقيدة نضج الأمة واستغنائها التي تبنَّاها علماؤهم مع معتقدهم في الإمامة
كما تجلّى للجميع مما تقدم ان الإعتقاد بنضج الأمة وأهليتها للقيام بوظيفة الأنبياء والمتمثلة بحفظ الدين وتبليغه للناس إلى قيام الساعة ، معناه استغنائها عن نبي جديد ، ومن ثم يبطل به كلام مدعي الحاجة إلى النبوة من القاديانية وغيرهم.
ولكن الذي ينبغي ذكره هو أن الجواب بنضج الأمة لا يُبْطِل كلام القاديانية فقط ، بل ويبطل به كلام الشيعة الإمامية أيضاً بشكل مباشر وصريح ، لأن معناه استغنائها عن أي مرشد إلهي معصوم يحفظ لها الدين ويبلغه ، وهو ينافي ما بنى عليه الشيعة معتقدهم في الإمامة بوجوب وجود مرشد إلهي-إمام معصوم- للأمة بعد رحيل نبيها - صلى الله عليه وسلم - لحفظ الدين وتبليغه ، والذي يزيد في تأكيد مصادمة تلك العقيدة مع معتقدهم في الإمامة-بالإضافة لما بيناه- أمران هما:(75/54)
1-إن آيتهم العظمى جعفر سبحاني عندما نقل هذا الجواب كرد على الشبهة ، أردفه بجواب آخر قال عنه بأنه يكون ملائماً لأصول الشيعة في الإمامة ، حيث قال في مفاهيم القرآن(3/221):[ ثم أن هناك جواباً آخر ربما يكون ملائماً لأصول الشيعة الإمامية في مسألة الإمامة والخلافة] ، بمعنى أن الجواب بنضج الأمة الذي ذكره لا يلائم معتقدهم في الإمامة وهو المطلوب .
2-إن تبنيههم لعقيدة نضج الأمة واستغنائها ، مع تمسكهم في الوقت نفسه بمعتقدهم بحاجة الأمة إلى الوصاية الإلهية المتمثلة بالمرشد الإلهي-الإمام المعصوم- أوقعهم في تناقض صريح مخجل لا يخفى على العقلاء(1) بما يثبت مصادمة الجواب مع معتقدهم في الإمامة.
المطلب الثالث:اعتقادهم بنضج الأمة أوقعهم في تناقض صريح
إن تبني علماء الشيعة لتلك العقيدة أوقعهم في تناقض صريح ، وقد تجلى هذا التناقض حينما أرادوا الإستدلال على معتقدهم بوجوب الإمامة والذي شيدوه على أساس أن الأمة قاصرة غير ناضجة بعد فيجب أن تبقى بعد رحيل نبيها - صلى الله عليه وسلم - تحت الوصاية الإلهية المتمثلة بالإمام المعصوم ، فممن وقعوا في ذلك:
1-آيتهم العظمى محمد باقر الصدر:
فقد كان مندفعاً جدا -إلى حد الإستماتة- لإثبات فلسفتهم في الإمامة مما جعله يصرِّح بعدم نضج الأمة الإسلامية وحاجتها إلى مرشد إلهي معصوم يكون قيِّماً على الدعوة الإسلامية كما كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يأخذ بيدها للمسير في طريق الإسلام ، وذلك في رسالته (بحث حول الولاية) ، فمن أقواله التي صرح فيها بذلك:
__________
(1) وهذا التناقض سنعرضه بجلاء في المطلب التالي.(75/55)
1-قال ص37:[ والأمة الإسلامية-ككل- لم تكن قد عاشت في ظل عملية التغيير هذه إلا عقداً واحداً من الزمن على أكثر تقدير ، وهذا الزمن لا يكفي عادة في منطق الرسالات العقائدية والدعوات والتغييرات لارتفاع الجيل الذي عاش في كنف الدعوة عشر سنوات فقط إلى درجة من الوعي والموضوعية والتحرر من رواسب الماضي والاستيعاب لمعطيات الدعوة الجديدة ، تؤهله للقيمومة على الرسالة وتحمل مسؤولية الدعوة ]، وحاصل كلامه هذا هو:[ إن الأمة الإسلامية لم تكن بدرجة كافية من الوعي والموضوعية تؤهلها للقيمومة على الرسالة وتحمل مسؤولية الدعوة].
2- قال ص37:[ بل إن منطق الرسالات العقائدية يفرض أن تمر بوصاية عقائدية فترة أطول من الزمن تهيؤها للارتفاع إلى مستوى تلك القيمومة]، ومعنى كلامه هو:[ أن الأمة الإسلامية لم تكن بالمستوى الذي يؤهلها للقيمومة على الدعوة]
3- قال ص37:[وأي افتراض يتجه إلى القول بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخطط لإسناد قيادة التجربة والقيمومة على الدعوة بعده مباشرة إلى جيل المهاجرين والأنصار ، يحتوي ضمناً اتهام أكبر وأبصر قائد رسالي في تاريخ العمليات التغييرية]، ومعنى كلامه هذا هو:[ إن دعوى إسناد القيمومة على الدعوة إلى جيل المهاجرين والأنصار-الأمة الإسلامية- معناه الطعن بالنبي بسوء التدبير ، لأن أسندها لمن ليس له الأهلية على ذلك أي عدم أهلية الأمة الإسلامية للقيمومة على الدعوة].
ولكن آيتهم العظمى وعقليتهم (الفذة!!!) نسي -بسبب اندفاعه المستميت- ما صرح به في مؤلف آخر بأن الأمة بلغت من النضج ما يؤهلها للقيمومة على الدعوة والمسير لوحدها دون الحاجة إلى الوصاية الإلهية ، فوقع في تناقض صريح مخجل إليك بيانه:(75/56)
1-صرح هنا ص37 بقوله:[ إن الأمة الإسلامية لم تكن بدرجة كافية من الوعي والموضوعية تؤهلها للقيمومة على الرسالة وتحمل مسؤولية الدعوة] ، وناقضه هناك(1) حين اعترف بنضج أمة الإسلام وأهليتها لتحمل أعباء الدعوة مقارنة بأمة موسى فقال:[ أين هذا من أمة حملت أعباء الرسالة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم].
2-قال هنا ما حاصله ص37:[ إن الأمة الإسلامية لم تكن بالمستوى الذي يؤهلها للقيمومة على الدعوة ... ثم أيده أيضاً ص37 فقال ما حاصله: إن دعوى إسناد القيمومة على الدعوة إلى جيل المهاجرين والأنصار-الأمة الإسلامية- معناه الطعن بالنبي بسوء التدبير ، لأن أسندها لمن ليس له الأهلية على ذلك أي عدم أهلية الأمة الإسلامية للقيمومة على الدعوة] ، ثم نقضهما هناك(2) حيث وصف حال الأمة الإسلامية وما وصلت إليه من الأهلية لتحمل مسؤولية الدعوة فقال في بحثه(النبوة الخاتمة) ص57-58:[إن الإنسان وصل الحد النهائي-الذروة- من ناحية تحمله لمسؤولية أعباء الدعوة حينما جاء الإسلام ... حتى استطاع أن يتحمل مسؤولية رسالة لا حد لها ممتدة مع الزمان والمكان]
فتأمل رحمك الله تعالى كيف وقع رمز من رموزهم والذي يضفون عليه هالة من التقديس والتعظيم بمثل هذا التناقض الفاضح.
2- جعفر سبحاني:
__________
(1) النبوة الخاتمة ص58-59.
(2) نفس المصدر السابقص57-58.(75/57)
وهو بدوره قد وقع في التناقض الصريح حيث صرح بمقولتين متناقضتين تماماً حين قال في مقام إثباته حاجة الأمة والمجتمع الإسلامي بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى إمام معصوم يفسر لها كتاب الله تعالى ويبين مشكله ويكشف أسراره ما نصه:[يجب عليه سبحانه حفاظاً على وحدة الأمة وصيانتها عن الشرود في متاهات الضلال أن يشفع كتابه بميزان آخر ، وهاد يدعم أمره ، ومعلم يوضح لهم أسراره ]، مع أنه صرح بأن المجتمع إذا بلغ النضج الفكري المطلوب لختم النبوة – كحاله بعد رحيل النبي - صلى الله عليه وسلم - - سيكون عند ذلك غنياً عن أي معلم يعلمه معالم دينه ويوضح له ما أشكل من كتاب الله فقال:[ ورب مجتمع بلغ من القيم الفكرية والأخلاقية والاجتماعية ، شأواً بعيداً يحتفظ معه بتراثه الديني واصل إليه، بل يستثمره استثماراً جيداً فهو عند ذاك غني عن كل مروج يروج دينه ، او مبلغ يذكر منسيه او مرب يرشده إلى القيم لأخلاقية ، أو معلم يعلمه معالم دينه ويوضح له ما أشكل من كتابه ]،ففي القول الأول أثبت حاجة المجتمع الإسلامي إلى معصوم يفسر له القرآن ويبين له ما أشكل عليه فيه،بينما في القول الثاني أثبت إستغناءه ونفى حاجته لمن يقوم عنه بتلك المهمة، والعجيب أيضاً أنه ذكر القولين المتناقضين بنفس الكتاب!!!
3-ناصر مكارم الشيرازي:(75/58)
وهو أيضاً لم يسلم من التناقض حيث قال(1) ص188:[ ولسوف نثبت في بحوثنا التالية وجوب أن يكون في كل عصر وزمان ممثل إلهي نبي أو إمام معصوم]، وقال ص189 تحت عنوان (التكامل المعنوي إلى جانب وجود القادة الإلهيين): [ قبل كل شئ نتوجه إلى الهدف من خلق الإنسان،فهو أساس عالم الخليقة:إن الإنسان يطوي طريقاً طويلاً كثير المنعطفات والعثرات في سيره نحو الله،نحو الكمال المطلق،نحو التكامل المعنوي بجميع أبعاده،من البديهي أنه لا يستطيع أن يقطع هذا الطريق بنجاح بغير هداية قائد معصوم،ولا أن يطويه بغير معلم سماوي،لأنه طريق محفوف بالظلمات وبمخاطر الضلال .... فبناءاً على ذلك (إن وجود الإمام يكمل الهدف من خلق الإنسان) وهذا ما يطلق عليه في كتب العقائد إسم "قاعدة اللطف" ويقصدون بها أن الله الحكيم يمد الإنسان بجميع الأمور اللازمة لكي يصل إلى هدف الخلق،ومن ذلك بعث الأنبياء وتعيين الأئمة المعصومين،وإلا فإن ذلك يؤدي إلى نقض الغرض فتأمل!].
فبعد أن بيَّن حاجة الإنسان إلى مرشد معصوم في مسيرته التكاملية انتهى إلى قول التالي:[ من البديهي أنه لا يستطيع أن يقطع هذا الطريق بنجاح بغير هداية قائد معصوم،ولا أن يطويه بغير معلم سماوي،لأنه طريق محفوف بالظلمات وبمخاطر الضلال ... أن الله الحكيم يمد الإنسان بجميع الأمور اللازمة لكي يصل إلى هدف الخلق،ومن ذلك بعث الأنبياء وتعيين الأئمة المعصومين ]، مع أنه قد قرر هناك بعدم حاجتها لنبي جديد لتمكنها من مواصلة مسيرتها لوحدها بعد رحيل نبيها - صلى الله عليه وسلم - حيث قال:[لأن قافلة البشرية في هذا العصر قد بلغت في مسيرتها الفكرية وفي وعيها مرحلة تمكنها من إدامة مسيرتها بإتباع الشريعة ...إلى أن بلغت القافلة من مسيرتها إلى الطريق النهائي،كما بلغت القدرة التي تمكنها من مواصلة مسيرتها وحدها ]
__________
(1) وذلك في نفس كتابه (دروس في العقائد الإسلامية).(75/59)
وهذا تناقض صريح لا يخفى على العقلاء والفاجعة أنه ذكر القولين بنفس الكتاب.
4-مرتضى مطهري:
فقد أدلى بدلوه لنصرة معتقده في الإمامة ، بما جعله يصرح بأن الأمة الإسلامية بحاجة إلى مرجع إلهي يبين الدين ويبلغه للناس فقال:[ لقد جاء الرسول الأكرم بالإسلام إلى الناس ، وهذا الدين بحاجة إلى وجود مرجع إلهي ، يعرِّفه للناس ويبينه لهم على وجهٍ تام لمدة معينة على الأقل ، وبدوره عيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - للأمة مثل هذا المرجع المتخصص ... الإمام-في حقيقته- هو تعبير عن مرجع متخصص في أمور الدين ، وهو خبير حقيقي به بحيث لا يداخل معرفته الخطأ ولا يلابسها الاشتباه] (1).
وحاله لا يختلف عن حال من سبقه فلم يسلم من الوقوع بالتناقض الصريح إليك بيانه:
__________
(1) كتاب (الإمامة) - مرتضى مطهري ص99.(75/60)
1-إن دعواه هنا حاجة الأمة إلى مرجع إلهي في الدين يبينه للناس يتناقض تماماً مع ما صرح به من استغناء الأمة عن أي مرشد إلهي لقدرتها وأهليتها على القيام بكل وظائف النبي من حفظ الدين والتحريف وتبليغه وبيانه للناس ، حيث أثبت قدرتها على حفظه من التحريف فقال:[ وإن عصر نزول القرآن أي قبل أربعة عشر قرناً كان مقارناً للدور الذي وضعت البشرية فيه طفولتها خلفها ، وتتمكن فيه من المحافظة على مواريثها العلمية والدينية ، ولذا فلم يتسرب التحريف إلى آخر كتاب سماوي مقدس أي القرآن ، وكل المسلمون عامة يحفظون كل آية عند نزولها في صدروهم أو في كتاباتهم بشكل كان لا يتسرب إليها أي نوع من التحريف والتغيير أو الحذف أو الإضافة ، ولذا فلم يحدث التحريف والزوال في الكتاب السماوي ، وهذا سبب من أسباب انتفاء تجديد النبوة](1) ، وأكد قدرتها على بيان الدين فقال:[ ص30 ويتمكن علماء الأمة في عصر الخاتمية الذي هو عصر العلم من تطبيق الكليات مع الظروف والمقتضيات الزمانية والمكانية بمعرفة أصول الإسلام العامة ومعرفة الظروف ، ثم استنباط الحكم الإلهي واستخراجه ، واسم هذه العملية "الاجتهاد" ، وإن علماء الأمة الإسلامية الأكفاء يقومون بكثير من واجبات الأنبياء التبليغيين وبعض واجبات الأنبياء التشريعيين-دون أن يكونوا مشرِّعين- عن طريق الإجتهاد وواجب هداية الأمة الخاص ، ولهذا فقد انتفت الحاجة إلى تجديد النبوة ونزول كتاب سماوي جديد ومجئ نبي جديد إلى الأبد](2).
__________
(1) كتاب (الوحي والنبوة) - مرتضى مطهري ص29.
(2) نفس المصدر السابق ص30.(75/61)
2-يمكن إبراز التناقض أيضاً عن طريق المقارنة بين قوله:[ أما نحن نعتقد أن الدليل الذي أفضى إلى أن يبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - قاد بنفسه إلى أن يعيِّن أشخاصاً بعينهم ، لهم جَنَبَة قدسية يخلفونه من بعده](1)، مع ما قرره هناك من خلال تحليل كلامه وتفكيكه بأن الدليل الذي يقضي ويوجب بعث النبي هو عدم قدرة الأمة على حفظ تراث نبيها مما يؤدي إلى تحريفه كما صرح به بقوله:[ وإن عصر نزول القرآن أي قبل أربعة عشر قرناً كان مقارناً للدور الذي وضعت البشرية فيه طفولتها خلفها ، وتتمكن فيه من المحافظة على مواريثها العلمية والدينية ، ولذا فلم يتسرب التحريف إلى آخر كتاب سماوي مقدس أي القرآن ، وكل المسلمون عامة يحفظون كل آية عند نزولها في صدروهم أو في كتاباتهم بشكل كان لا يتسرب إليها أي نوع من التحريف والتغيير أو الحذف أو الإضافة ، ولذا فلم يحدث التحريف والزوال في الكتاب السماوي ، وهذا سبب من أسباب انتفاء تجديد النبوة](2) ، فلو أردنا أن نطبق نص استدلاله بقياس وجوب البعثة على وجوب الإمامة ، نقول إن الدليل الذي اقتضى عدم الحاجة إلى بعثة الأنبياء وهو استغناء الأمة وقدرتها على حفظ تراثها -كما اعترف بذلك- هو نفسه يقضي بعدم الحاجة إلى تنصيب مرشدين إلهيين-أئمة معصومين- ، وهو تناقض ظاهر بين قوله بحاجة الأمة إلى مرشد إلهي من جهة وتصريحه باستغناء الأمة من جهة أخرى.
5-علامتهم إبراهيم الأميني:
وهو بدوره لم يسلم من الوقوع في التناقض بل شارك باقي علماء الشيعة ومراجعهم في ذلك ، حيث أثبت حاجة الأمة إلى مرشد إلهي معصوم يحفظ لها الدين من التحريف ويبلغه للناس بعد رحيل النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ليصل إلى تقرير معتقدهم بوجوب الإمامة ، فمن أقواله في كتابه (الإمامة) ما يلي:
__________
(1) كتاب (الإمامة) - مرتضى مطهري ص98.
(2) كتاب (الوحي والنبوة) - مرتضى مطهري ص29.(75/62)
1-أثبت إن حفظ الشريعة من التحريف لا يكون إلا بإمام معصوم فقال ص113-114:[إن أحكام السماء إنما أنزلت لهداية الناس ، ولذا ينبغي استمرارها في مأمن عن التحريف حذفاً وإضافة ، فلا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها حتى تكون-وعلى الدوام- في متناول البشرية ... وهذا لا يتحقق إلا بوجود فرد إلهي معصوم من الخطأ منزه عن الذنب والخطيئة والنسيان ... وقال ص122: ولكي تبقى حجة الله قائمة بوجود الشريعة ، وقوانين الدين دون حذف أو إضافة ... فإن من الواجب هنا وجود فرد بين ظهراني البشر ينهض بمسؤولية حفظ الشريعة ويسعى إلى تطبيق شرع السماء في الأرض ... وقال ص113: وعليه تقع مسؤولية حفظ الشريعة والسعي لتنفيذها] ، بمعنى عدم كفاية الأمة لحفظ الشريعة لحصره تحقق الحفظ بالإمام المعصوم.
2-نفى صراحةً وبشدة النظرية القائلة بأن الأمة الإسلامية قادرة على القيام بحفظ الدين وتبليغه للناس(1)، فقال ص114:[ وعلى هذا يتهاوى الافتراض السابق ، لأن كل فرد من أفراد الأمة قابل للخطأ غير معصوم عن الذنب وليس في مأمن عن الغفلة والسهو ، وبالتالي فهم عملياً ليسوا بمنأى عن الوقوع في الخطأ ، وهذا ما يؤدي إلى جر الأحكام الإلهية إلى هاوية التحريف والضلال .. لأنهم ليسوا معصومين].
__________
(1) وقد نقلها بنصها في كتابه (الإمامة) ص113 فقال:[ من الممكن أن نتصور وجود الشريعة واستمرارها بين الناس ... فممن الممكن أن تتوزع أحكام الشريعة علماً وفقهاً على أفراد الأمة ، فيكون كل فريق حافظاً لقسم منها ، فتستمر الشريعة علماً وعملاً لدى أفراد النوع الإنساني ..].(75/63)
ولكن تقريره هذا يناقض بكل صراحة ما قرره هناك بأن الأمة قادرة على حفظ الدين وتبليغه ، فقارن أخي المسلم بين قوله هنا:[ لأن كل فرد من أفراد الأمة قابل للخطأ غير معصوم عن الذنب وليس في مأمن عن الغفلة والسهو ، وبالتالي فهم عملياً ليسوا بمنأى عن الوقوع في الخطأ ، وهذا ما يؤدي إلى جر الأحكام الإلهية إلى هاوية التحريف والضلال .. لأنهم ليسوا معصومين] ، مع قوله هناك(1):[ يمكن القول بأن المجتمع البشري في عصر البعثة المحمدية كان قد بلغ في التكامل الفكري والرشد العقلي حداً أصبح معه صالحاً لأن يحافظ على المواريث الأنبياء العلمية والدينية ويصونها من خطر الحوادث ، وأن يكون نفسه مبلِّغاً لتلك القيم والمفاهيم المقدسة ، وقد وصل في هذا المجال إلى درجة الاكتفاء الذاتي ، ولهذا لم تبقَ حاجة بعد هذا إلى إرسال الرسل] ، ومع قوله هناك أيضاً(2):[ إن المجتمع البشري في ذلك الزمان كان قد بلغ حداً من حيث العقل والفكر والإمكانات العلمية ، يستطيع معه أن يحافظ على المواريث العلمية والدينية بصورة كاملة ، وينقلها إلى الأجيال اللاحقة بأمانة ودقة،
في مثل هذا العصر بُعِث رسول الله ص من جانب الله تعالى بالرسالة ليضع بين يدي النفوس البشرية المتكاملة المستعدة أسمى المعار ف وأرقاها ... ولقد بقي القرآن الكريم-كما تلاحظونه- وعلى أثر حفظ الحفاظ وكتابة الكتاب في صورته الكاملة دون أي زيادة أو نقصان ، ومن دون أي تغيير أو تحريف ، وسيبقى كذلك إلى يوم القيامة ، وهكذا بقيت الأحكام والقوانين والمقررات الإسلامية في صورة-حديث- مدوَّن مضبوط في بطون الكتب والمؤلفات].
6- مجتبى اللاري:
__________
(1) كتاب (النبوة والنبي)- إبراهيم الأميني ص138.
(2) نفس المصدر السابق ص131-132.(75/64)
حيث صرح بأن الأمة الإسلامية لم تكن قد بلغت النصج الفكري والثقافي والذي يؤَذِّن برفع الوصاية الإلهية عنها-المتمثلة بالإمام المعصوم- فقال كتابه (أصول العقائد في الإسلام) ج4ص16-17:[ .. أفهل بالإمكان أن نقول بأن الله الذي لم يترك أي شيء من مستلزمات التكامل المادي والجسدي للبشر دون أن يهبه إياه ، قد حرمه من ان يوفر له العامل المهم الذي له الدور الأساسي في رقيه الروحي، وانه بخل ان يجود عليه بهذه النعمة ؟!. إن أمة الإسلام بعد وفاة رسول الله لم تكن بذلك المستوى من الرقي الفكري والثقافي الاسلامي الذي تتمكن معه من الاستمرار في تطورها التكاملي ، إلا في ظلال وصاية الرسول . وأن البرنامج الذي طرحه الإسلام لرشد الإنسان ونموه وتعاليه ، ما لم يندمج ببرنامج الإمامة الإلهية فإنه سيبقى برنامج ناقصاً بل جامداً لا روح فيه ، وسوف لا يتمكن من أن يؤدي دوراً قيماً في تحرير الإنسان وتنمية طاقاته].
وليقارن القراء قوله هنا:[ ان أمة الإسلام بعد وفاة رسول الله لم تكن بذلك المستوى من الرقي الفكري والثقافي الإسلامي الذي تتمكن معه من الاستمرار في تطورها التكاملي، إلا في ظلال وصاية الرسول ]، مع قوله هناك(1)حيث قال: [ حيث ان الإنسان قد وضع أقدامه في مرحلة النضج الفكري وتهيأت الظروف اللازمة لاختتام الرسالة ... أما عندما يصل الإنسان إلى مرحلة من النضج بحيث يستطيع المحافظة على السنن والتعاليم الدينية بعيدة عن التحريف والتغير، ويتمكن من النهوض بنشرها فانه ينتفي حينئذ اعظم الأسباب لتجديد الرسالة ، ولا تبقى حاجة لنبوة جديدة ] ، فهل رأيت أصرح من هذا التناقض بين المقولتين مع أنه ذكرهما بنفس الكتاب.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
__________
(1) قد نقلنا قوله في المطلب الأول من هذا الفصل عندما كان بصدد إثبات عدم حاجة الأمة إلى نبي جديد.(75/65)
فتأمل كيف وقع كبار علماء الشيعة ومراجعها في مثل هذا التناقض الصريح(1)
__________
(1) ويمكن أن نلمس وقوع مثل هذا التناقض ليس في كلام نفس العالم الواحد فحسب ، بل في كلام عالمين مختلفين حيث ينفي أحدهما ما يثبته الآخر ، ومثاله ما وقع بين علامة الشيعة ابن المطهر الحلي ومحقق كتابه(الألفين) السيد محمد مهدي الخرسان ، حيث قال الحلي في معرض شرحه لكلام فيلسوفهم النصير الطوسي بالحاجة للنبوة في كل وقت حيث قال:[ المسألة السادسة : في وجوب البعثة في كل وقت قال : ودليل الوجوب يعطي العمومية] ، إلا أن الحلي هذَّب هذه العبارة فقال:[ وقال علماء الإمامية : إنه تجب البعثة في كل وقت بحيث لا يجوز خلو زمان من شرع نبي]،فأثبت أن بقاء شرع النبي يغني عن وجود شخص النبي متأولاً كلام الطوسي بأن المقصود منه هو عدم خلو أي زمان من "شرع" النبي وليس من شخصه حتى لا يُتَّهم باعتقاده وجوب استمرار في كل وقت وهو بعينه قول أهل السنة،
إلا أننا في الوقت نفسه نجد إن هذا الكلام لم يَرُق لمحقق كتاب الألفين وهو السيد محمد مهدي الخرسان حيث عبَّر عن شخص النبي بالمصلح الناطق وعن الشرع وهو الكتاب والسنة بالمصلح الصامت ثم صرح بأن المصلح الصامت لا يغني عن وجود المصلح الناطق ، أي لا يمكن الاستغناء بالشرع عن شخص النبي فقال:[ ولو قيل : إن القائم مقامه شريعته الكتاب والسنة لقلنا قد سبق الجواب عن ذلك بأنهما غير كافيين في بيان كل ما يحتاج إليه الناس وما يتولد من شؤون لم يصرحا بها، هذا مع أن دلالتها محل للتنازع والخلاف بين الأمة، وبقول من يؤخذ وعلى رأي من يعتمد على أن الرسول صلى الله عليه وآله مصلح ناطق والكتاب والسنة مصلح صامت ولا يغني الصامت عن الناطق فلا بد من المصلح الناطق في كل زمان لأن الخلق كلهم شرع سواء في العطف واللطف والشفقة والرحمة من الخلاف اللطيف فكيف يخص زمنا وجيلا دون الأزمنة والأجيال الأخرى بعطفه ولطفه وهو اللطيف الرحيم في كل عهد مع كل جيل] ، فناقض بذلك كلام علامتهم الحلي ونسفه من أصله.(75/66)
الذي يخجل منه كل من أنعم الله عليه بنعمة العقل والفهم ، وحق لكل عاقل أن يعجب من مثل هذا التناقض الذي أخذ يتساقط فيه علماؤهم الواحد تلو الآخر بلا استثناء , وأقولها بيقين واستقراء لا يمكن أن ينجو عالم واحد من علمائهم من السقوط في هذا التناقض كما سنبين سببه في المطلب التالي.
المطلب الرابع:سبب وقوع علماء الشيعة بهذا التناقض الصريح
ولرُبَّ سائلٍ يسأل مستغرباً كيف يقع مثل هؤلاء الأعلام والمراجع العليا في المذهب بمثل هذا التناقض الصريح في هذه المسألة والذي تجلى كالشمس لكل عاقل؟!!!
والجواب هو أنهم أرادوا أن يتبنوا عقيدتين متضادتين تماماً في نفس الوقت فوقعوا في مطبّ الجمع بين النقيضين ، وبيانه هو أنهم أرادوا أن يبطلوا دعوى القاديانية بوجوب بعث نبي جديد بعد نبينا - صلى الله عليه وسلم - فتبنوا عقيدة أن الأمة الإسلامية قد بلغت من النضج الفكري الذي جعلها مؤهلة لحمل الدين والحفاظ عليه بما يجعلها مستغنية عن نبي جديد فهذا من جهة، ومن جهة أخرى أرادوا أن يبطلوا دعوى أهل السنة بعدم حاجة الأمة إلى أمام معصوم بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - فتبنوا عقيدة أن الأمة غير مستغنية بل محتاجة إلى مرشد معصوم يحفظ لها الدين ويبينه ، فمع القاديانية قالوا أن الأمة بالغة مستغنية، ومع أهل السنة قالوا بأن الأمة قاصرة غير مستغنية بما يكشف جلياً عن السبب الحقيقي في وقوعهم بهذا التناقض الصريح.
المطلب الخامس:كيفية خروجهم من مأزق التناقض(75/67)
لكي نعيد الشيعة إلى جادة الصواب من باب النصح في دين الله تعالى ، نقول إن كنتم فعلاً تريدون الخروج من مأزق التناقض الذي أوقعتم أنفسكم فيه ، فيتوجب عليكم أن تتجنبوا الجمع بين عقيدتين متضادتين لا يمكن الجمع بينهما بحال(1)، وتعلنوا تبنيكم وتمسككم بإحداهما ونبذهم وإبطالهم للأخرى ، لكي لا تقعوا في التذبذب الذي ذمه الله تعالى بقوله (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) (النساء:143) ، فهم أمام مفترق طريق باختيار إحدى العقيدتين والبراءة من الأخرى(2) ، وإليك أخي المسلم حقيقة الخيارين وما يترتب على كل منهما من نتائج وآثار عقائدية:
الخيار الأول:
أن يوافقوا أهل السنة على معتقدهم ببلوغ الأمة واستغنائها عن أي مرشد معصوم، وعندها سيكسبون المعركة العقائدية مع القاديانية بإثباتهم استغناء الأمة عن نبوة جديدة، إلا أن هذا سيكلفهم ثمناً باهظاً جداً متمثلاً بنقض أهم أصولهم العقائدية ألا وهو الإمامة لأنهم سيعترفون بعدم حاجة الأمة إلى إمام معصوم بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، ونحن والله نُسَرُّ سروراً عظيماً إذا ما اختاروا هذا القول ونقول مرحباً بالوفاق والاتفاق وبعداً للفرقة والنزاع بين الشيعة وأهل السنة.
الخيار الثاني:
__________
(1) وقد تبين مدى التخبط الذي وقع فيه علماء الشيعة ومراجعهم من جرّاء محاولتهم الجمع بينهما، والذي يخجل منه العقلاء!!!
(2) وهما إما الإعتقاد ببلوغ الأمة واستغنائها عن مرشد إلهي معصوم ، أو بقصور الأمة وحاجتها لهذا المرشد.(75/68)
أن يبطلوا قول أهل السنة ببلوغ الأمة واستغنائها ليثبتوا حاجتها إلى إمام معصوم، وعندها سيكسبون المعركة العقائدية مع أهل السنة(1)، إلا أنهم سيخسروها مع القاديانية الذين ستظهر غلبتهم عليهم من خلال استخدامهم لنفس أدلة الإمامية التي أثبتوا بها الحاجة إلى إمام معصوم ، ومن ثم لا يمكنهم إبطال قولهم أبداً .
المطلب السادس:الخيار المتوقع للشيعة وما سيترتب عليه
ونتيجة عيش الشيعة في عقدة تاريخية ومعركة عقائدية مع أهل السنة حول قضية الإمامة عمرها مئات السنين واندفاعهم لحسمها لصالحهم بأية طريقة كانت سيتيقن القارئ من اختيارهم المقولة الثانية بعدم استغناء الأمة الإسلامية عن إمام معصوم بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - وإلى قيام الساعة ليسلم لهم أصل الإمامة(2)
__________
(1) هذا على التسليم الجدلي بأنهم سيكسبون المعركة العقائدية مع أهل السنة كي نستمر في عرض الإلزام في هذه الدراسة ولا نشتت فكرتها ، وإلا فالحق هو أن هزيمتهم أمام أهل السنة ظاهرة نتيجة لضعف أدلتهم وبطلانها كما سنتعرض لذلك في دراسات منفصلة حول مناقشة أدلتهم العقلية والنقلية نسأل الله تعالى أن يوفقني لإتمامها وإخراجها.
(2) هذا ما أنا متيقن منه بأنهم سيختاروا القول بعدم استغناء الأمة عن إمام معصوم، وأما إن اختاروا القول الأول باستغناء الأمة عن مرشد معصوم فهذه تحسم المعركة العقائدية مع أهل السنة وتختصر الطريق لأنهم سيعترفون ببطلان أصلهم في الإمامة بعدم حاجة الأمة إلى إمام معصوم وهذا وَقْعُهُ عليهم شديد لذا لا أظنهم سيختاروه.(75/69)
،غافلين أو متغافلين الخطورة المترتبة على هذا الاختيار والمتمثلة بتقوية دعوى القاديانية باستمرار النبوة ، لأن القاديانيين سيعتمدون على نفس أدلة الشيعة في الإمامة لنشر باطلهم وإعلان كفرهم ، أي أن إمامتهم ستصبح سُلَّماً يرتقيه القاديانيون للهجوم على حصن النبوة ويشككوا بخاتميته ، وفكرة الدراسة هي إبراز هذا الخطر الكامن في الإمامة عن طريق مناظرة تخييلية بين إمامي وقادياني(1) ، تُظْهِر مدى اعتماد القادياني على ما أصله علماء الشيعة من أصول عقلية يثبتوا بها إمامتهم فهي في حقيقتها أصول وأدلة مشتركة بين النظريتين القاديانية والإمامية.
ولذا فسأعلنها بأعلى صوتي صيحة نذير وصرخة تحذير كي أبرئ ذمتي أمام الله تعالى وأمام التاريخ: بأن الإمامة التي يعتقدها الشيعة ستقود إلى نقض عقيدة ختم النبوة(2) ، لأنها ستجعل القاديانيون يتطاولون على عقيدة ختم النبوة وينشروا كفرهم متكئين على ما قرره علماء الشيعة من أدلة عقلية فيها(3) ، لعلها توقض الغافلين والمندفعين من الشيعة في نصرة معتقدهم دون تدبر بعواقبه الوخيمة على أصول الإسلام.
الفصل الرابع
أهم الأصول العقلية التي اعتمدها علماء الشيعة
الفصل الرابع
__________
(1) نقلت فيه قول القادياني بالمعنى وحررت نصه بالهامش.
(2) وحول هذا يقول موسى جار الله في كتابه (الوشيعة):[ ولو احتاجت الأمة إلى الإمام المعصوم ذرة احتياج لما ختم النبوة برسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يكن محمد خاتم النبيين إلا لزوال الاحتياج ببركة القرآن الكريم ، فدعوى احتياج الناس إلى الإمام المعصوم تنافي حكمة الله في ختم النبوة ، فإن الاحتياج إما لقصور في بيان الكتاب ، وإما لقصور في روح النبوة ، وأما لقصور في التبليغ ، فدعوى عصمة الإمام طعن في أصل الدين].
(3) كما سيتجلى بيان هذا الخطر في الفصول القادمة من هذه الدراسة.(75/70)
وإليك أهم أصلين اعتمدهما علماء الشيعة في قضية الإمامة والعقائد والتي سنعتمدهما في دراستنا هذه وهما:
الأصل الأول
قالوا بوجوب وجود إمام معصوم يهدي الناس في كل زمان وإلى قيام الساعة، واستدلوا على هذا الأصل بالعقل أصالة، وبالنقل تأييداً واعتضاداً، أي الأساس في استدلالهم والأصل هو العقل وليس النقل، وإليك بيان ذلك من أقوالهم:
1- ذكر الشيخ المفيد في (الارشاد) مبيناً ان العقل يحكم بوجوب وجود معصوم وبهذا الدليل العقلي لن تكون هناك حاجة إلى ذكر الادلة النقلية، فيقول ص347: [ومن الدلايل على ذلك ما يقتضيه العقل بالاستدلال الصحيح من وجود امام معصوم كامل غني عن رعاياه…..وهذا أصل لن يحتاج معه في الامامة الى رواية النصوص وتعداد ما جاء فيها من الاخبار لقيامه في قضية العقول وصحته بثابت الاستدلال].
2- ذكر الطوسي والملقب بشيخ الطائفة في (تلخيص الشافي) ج1 ص141: [اما وجود الامام وصفاته التي يستحقها (كالعصمة وغيرها) فمما لا يحتاج فيها الى النقل بل نعلمها من جهة العقول].
3- ذكر المرتضى في (الشافي) اقوالاً عديدة منها:
أ-قال (1/98):[لان المعلوم لهم اعتقاد وجوب الامامة واوصاف الامام من طريق العقل والاعتماد عليها في جميع ذلك، وان كانوا ربما استدلوا بالسمع استظهاراً وتصرفاً في الادلة].
ب-قال (1/100):[لان التواتر عندنا ليس بطريق الى اثبات عدد الائمة في الجملة ووجودهم في الاعصار بل الطريق الى ذلك العقل وحجته].
ج-قال (1/66-67):[لان العقل الدال على الحاجة الى الرئاسة في الجملة ووجوب اقامة الرؤساء لا يدل بنفس ما دل به على الحاجة في الجملة على صفاتهم المخصوصة (كالعصمة) واحوالهم المعينة بل لا بد في اثبات ذلك من الرجوع الى طريقة اخرى وهي وان كانت من جملة طرق العقل وادلته].
د-قال (1/184): [اما المعرفة بوجود الامام في الجملة وصفاته المخصوصة (أي العصمة وغيرها) فطريقنا فيه العقل وليس نفتقر فيه الى تواتر].(75/71)
هـ-قال (1/195): [اما وجود الامام وصفاته المخصوصة (العصمة) فليس نحتاج في العلم بها الى خبر بل العقل يدلنا على ذلك].
و-قال (1/128): [فعندنا ان بيان ذلك (أي الامامة) غير محتاج اليه (أي الرسول () لان العقول تدل على وجوب الامامة وعلى صفات الامام وما يحتاج فيه اليه وما تدل العقول عليه ليس يجب بيانه من طريق السمع].
ز- قال (1/274):[ لأنا قد بينا أن المعرفة بوجود امام معصوم حجة في كل زمان لا يفتقر الى التواتر والنقل،بل هو مستفاد بأدلة العقول] .
وخلاصة هذه الأقوال هي أن الشرع ليس طريقاً إلى معرفة وإثبات وجوب وجود معصوم في كل زمان عند الشيعة، بل الطريق هو العقل، لذلك صرحوا بأن الشرع لا يُعتمد عليه في إثبات هذا الأصل، لأنه ثابت عندهم بالعقل سواء ورد به الشرع أم لم يرد.
الأصل الثاني:
إذا تعارض العقل مع النقل يقدم العقل ويؤول النقل إن كان له تأويل سائغ، ويطرح إن لم يكن له تأويل سائغ، ومقصودهم بالعقل أي الدليل العقلي، والنقل أي الدليل النقلي-الكتاب والسنة- وإليك بيان مختصر لهذا الأصل من أقوالهم:
1- يقول شيخ الطائفة الطوسي:[ هذه أخبار آحاد لا ترد لها أدلة العقول الدالة على بطلان التحابط . ولو صحت لتأولناها كما نتأول ظاهر القرآن لتلائم أدلة العقل](1).
__________
(1) الرسائل العشر- الشيخ الطوسي ص 325 .(75/72)
2- ينقل المجلسي قول الشيخ المفيد وهو:[ وذلك أني لو خليت وظاهر قوله تعالى لموسى عليه السلام :( لا تخف ) وقوله تعالى لنبيه- صلى الله عليه وسلم -:( لا يحزنك قولهم ) وما أشبه هذا مما توجه إلى الأنبياء عليهم السلام لقطعت على أنه نهي لهم عن قبيح يستحقون عليه الذم ، لان في ظاهره حقيقة النهي من قوله : ( لا تفعل ) كما أن في ظاهر خلافه ومقابله في الكلام حقيقة الامر إذا قال له : ( افعل ) لكنني عدلت عن الظاهر لدلالة عقلية أوجبت علي العدول ، كما يوجب الدلالة على المرور مع الظاهر عند عدم الدليل الصارف عنه، وهي ما ثبت من عصمة الانبياء عليهم السلام التي ينبئ عن اجتنابهم الآثام](1).
3- يذكر السيد المرتضى في كتابه( تنزيه الانبياء) أقوالاً عديدة منها:
أ- قال ص33 :[ فأما ما يدعى في هذا الباب من الحديث فلا يلتفت اليه لأن الأخبار يجب أن تُبْنى على أدلة العقول ولا تُقْبل في خلاف ما تقتضيه العقول ولهذا لا نقبل أخبار الجبر والتشبيه ونردها أو نتأولها إن كان لها مخرج]
ب- قال ص171 :[ قلنا لا شبهة في أن كل خبر اقتضى ما تنفيه أدلة العقول فهو باطل مردود إلا أن يكون له تأويل سائغ غير متعسف فيجوز أن يكون صحيحاً ومعناه مطابق للأدلة] .
ج- قال ص45 :[ قلنا قد بينا بالأدلة العقلية التي لا يجوز فيها الاحتمال ولا خلاف أيضاً أن الأنبياء عليهم السلام لا يجوز عليهم الكذب فما ورد بخلاف ذلك من الأخبار لا يُلْتَفت اليه ويقطع على كذبه إن كان لا يحتمل تأويلاً صحيحاً يليق بأدلة العقل،فإن احتمل تأويلاً مطابقاً تأولنا به ووفقنا بينه وبينها،وكذا نفعل فيما يُروى في الأخبار التي يتضمن ظاهرها الجبر والتشبيه] .
__________
(1) بحار الأنوار ج10 ص419 .(75/73)
4- قال المقداد السيوري في كتابه(الأنوار الجلالية ) ص155: [والثاني هو المخالف للعقل فنقول:إذا تعارض العقل مع النقل فلا يجوز العمل بهما وإلا لزم الجمع بين النقيضين، ولا ترك العمل بهما وإلا لأرتفع النقيضان، ولا العمل بالنقل وإطراح العقل وإلا لزم إطراح النقل أيضاً لأن العقل أصل النقل لأنه منتهٍ إلى قول الرسول ص الثابت صدقه بالعقل فيكون أصلاً له فلم يبقَ إلا العكس وهو العمل بالعقل، وأما النقل فلا يطرح بل للعلماء في ذلك مذهبان:
أحدهما:أن يتوقف فيه إلى أن يظهر سره أو يفوض علمه إلى الله تعالى.
وثانيهما:أن يُأَول تأويلاً لا ينكره العقل ] .
5- يقول الشيخ لطف الله الصافي:[ فالأصل في الإعتقاد بعصمة النبي والإمام، ووجوب كون الإمام معصوما هو حكم العقل ، والشرع يؤيد العقل في حكمه هذا، وذلك لأن العقل قاطع بوجوب اتصاف النبي والإمام بالعصمة ، والشرع إنما يكون المرجع الأول في كل مورد لو حكم فيه بالإيجاب أو السلب لم يكن حكمه بأيهما مغايرا لحكم العقل.... ففي مسألة عصمة الأنبياء العقل هو المرجع الأول ، ويحكم بوجوب كون النبي معصوما لأدلته ](1).
6- يقول آيتهم العظمى الميرزا جواد التبريزي:[ وحيث أن ظاهر الاية هو ما ذكرنا فلا يصح رفع اليد عن هذا الظاهر الا بقرينة عقلية أو نقلية ](2).
__________
(1) مجموعة الرسائل - الشيخ لطف الله الصافي ج1 ص47 .
(2) صراط النجاة ج3 ص447 .(75/74)