قال ابن تيمية رحمه الله في العقيدة الواسطية: (ويحبون –يعني: أهل السنة والجماعة- أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتولونهم, ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال يوم غدير خم: {أذكركم الله في أهل بيتي} , وقال أيضاً للعباس عمه –وقد اشتكى إليه أن بعض قريش يجفو بني هاشم- فقال: {والذي نفسي بيده، لا يؤمنون حتى يحبوكم لله ولقرابتي}، وقال: {إن الله اصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم}، ويتولون أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين، ويؤمنون بأنهن أزواجه في الآخرة، خصوصاً خديجة رضي الله عنها، أم أكثر أولاده، وأول من آمن به وعاضده على أمره، وكان لها منه المنزلة العالية، والصديقة بنت الصديق رضي الله عنها، التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: {فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام}، ويتبرَّؤون من طريقة الروافض الذين يبغضون الصحابة ويسبونهم، وطريقة النواصب الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عمل).
وقال أيضاً في الوصية الكبرى كما في مجموع فتاواه (3/407- 408): (وكذلك آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم من الحقوق ما يجب رعايتها؛ فإن الله جعل لهم حقا في الخمس والفيء، وأمر بالصلاة عليهم مع الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لنا: {قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد}.(30/483)
وآل محمد هم الذين حرمت عليهم الصدقة، هكذا قال الشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهما من العلماء رحمهم الله؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد}، وقد قال الله تعالى في كتابه: ((إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)) [الأحزاب:33]، وحرم الله عليهم الصدقة؛ لأنها أوساخ الناس).
وقال أيضاً كما في مجموع فتاواه (28/491): (وكذلك أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم تجب محبتهم وموالاتهم ورعاية حقهم).
الإمام ابن القيم رحمه الله:-
قال ابن القيم في بيان أسباب قبول التأويل الفاسد: (السبب الثالث: أن يعزو المتأول تأويله إلى جليل القدر، نبيل الذكر، من العقلاء، أو من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، أو من حصل له في الأمة ثناء جميل ولسان صدق؛ ليحليه بذلك في قلوب الجهال، فإنه من شأن الناس تعظيم كلام من يعظم قدره في نفوسهم، حتى إنهم ليقدمون كلامه على كلام الله ورسوله، ويقولون: هو أعلم بالله منا!
وبهذا الطريق توصل الرافضة والباطنية والإسماعيلية والنصيرية إلى تنفيق باطلهم وتأويلاتهم حين أضافوها إلى أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لما علموا أن المسلمين متفقون على محبتهم وتعظيمهم، فانتموا إليهم وأظهروا من محبتهم وإجلالهم وذكر مناقبهم ما خيل إلى السامع أنهم أولياؤهم، ثم نفقوا باطلهم بنسبته إليهم.
فلا إله إلا الله! كم من زندقة وإلحاد وبدعة قد نفقت في الوجود بسبب ذلك، وهم برآء منها.
وإذا تأملت هذا السبب رأيته هو الغالب على أكثر النفوس، فليس معهم سوى إحسان الظن بالقائل، بلا برهان من الله قادهم إلى ذلك، وهذا ميراث بالتعصيب من الذين عارضوا دين الرسل. مما كان عليه الآباء والأسلاف، وهذا شأن كل مقلِّد لمن يعظمه فيما خالف في الحق إلى يوم القيامة). مختصر الصواعق المرسلة (1/ 90).
الحافظ ابن كثير في رحمه الله:-(30/484)
قال ابن كثير في تفسيره لآية الشورى بعد أن بين أن الصحيح تفسيرها بأن المراد بـ (القُرْبَى) بطون قريش، كما جاء ذلك في تفسير ابن عباس للآية في صحيح البخاري، قال رحمه الله: (ولا ننكر الوصاة بأهل البيت والأمر بالإحسان إليهم واحترامهم وإكرامهم؛ فإنهم من ذرية طاهرة، من أشرف بيت وجد على وجه الأرض، فخراً وحسباً ونسباً، ولا سيما إذا كانوا متبعين للسنة النبوية الصحيحة الواضحة الجلية، كما كان سلفهم، كالعباس وبنيه، وعلي وأهل بيته وذريته، رضي الله عنهم أجمعين).
وبعد أن أورد أثرين عن أبي بكر رضي الله عنه، وأثراً عن عمر رضي الله عنه في توقير أهل البيت وبيان علو مكانتهم، قال: (فحال الشيخين رضي الله عنهما هو الواجب على كل أحد أن يكون كذلك، ولهذا كانا أفضل المؤمنين بعد النبيين والمرسلين، رضي الله عنهما وعن سائر الصحابة أجمعين).
الحافظ ابن حجر رحمه الله:-
قال ابن حجر في فتح الباري (3/11) في حديث في إسناده علي بن حسين، عن حسين بن علي، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، قال: (وهذا من أصح الأسانيد، ومن أشرف التراجم الواردة فيمن روى عن أبيه، عن جده).
شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:-
وأما شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله فله ستة بنين وبنت واحدة، وهم: عبد الله، وعلي، وحسن، وحسين، وإبراهيم، وعبد العزيز، وفاطمة، وكلهم بأسماء أهل البيت ما عدا عبد العزيز، فعبد الله وإبراهيم ابنا النبي صلى الله عليه وسلم، والباقون علي وفاطمة وحسن وحسين: صهره وبنته صلى الله عليه وسلم وسبطاه.
واختياره تسمية أولاده بأسماء هؤلاء يدل على محبته لأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وتقديره لهم، وقد تكررت هذه الأسماء في أحفاده.
وفي ختام هذا الفصل أقول: لقد رزقني الله بنين وبنات، سميت باسم علي والحسن والحسين وفاطمة، وبأسماء سبع من أمهات المؤمنين، والمسمى بأسمائهم جمعوا بين كونهم صحابة وقرابة.(30/485)
والحمد لله الذي أنعم عليَّ بمحبة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته، وأسأل الله أن يديم عليَّ هذه النعمة، وأن يحفظ قلبي من الغل على أحد منهم، ولساني من ذكرهم بما لا ينبغي، ((وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)) [الحشر:10].
الفصل السادس: ثناء بعض أهل العلم على جماعة من الصحابة من أهل البيت
عم رسول الله صلى الله عليه وسلم العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه:-
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (2/79-80): (كان من أطول الرجال، وأحسنهم صورة، وأبهاهم، وأجهرهم صوتاً، مع الحلم الوافر والسؤدد...
قال الزبير بن بكار: كان للعباس ثوب لعاري بني هاشم، وجفنة لجائعهم، ومنظرة لجاهلهم، وكان يمنع الجار، ويبذل المال، ويعطي في النوائب).
وقوله: (منظرة): في تهذيب تاريخ ابن عساكر: مقطرة، وهي ما يربط به من يحصل منه اعتداء وظلم. (انظر: حاشية السير).
عم رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه:-
قال ابن عبد البر في الاستيعاب (1/270 حاشية الإصابة): (حمزة بن عبد المطلب بن هاشم عم النبي عليه الصلاة والسلام، كان يقال له: أسد الله وأسد رسوله، يكنى أبا عمارة وأبا يعلى أيضاً).
وقال فيه الذهبي: (الإمام البطل الضرغام أسد الله أبو عمارة وأبو يعلى، القرشي الهاشمي المكي ثم المدني البدري الشهيد، عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخوه من الرضاعة)0 السير (1/172).
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه:-(30/486)
روى مسلم في صحيحه (276) بإسناده إلى شريح بن هانئ قال: {أتيت عائشة أسألها عن المسح على الخفين، فقالت: عليك بابن أبي طالب فسله؛ فإنه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألناه، فقال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوماً وليلة للمقيم}.
وفي رواية له قالت: {ائت علياً؛ فإنه أعلم بذلك مني، فأتيت علياً، فذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم. بمثله}.
وقال ابن عبد البر رحمه الله في الاستيعاب (3/ 51 حاشية الإصابة): (وقال أحمد بن حنبل وإسماعيل بن إسحاق القاضي: لم يرو في فضائل أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان ما روي في فضائل علي بن أبي طالب، وكذلك أحمد بن شعيب بن علي النسائي رحمه الله).
وقال أيضاً (3/47): (وسئل الحسن بن أبي الحسن البصري عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه؟ فقال: كان علي والله! سهماً صائباً من مرامي الله على عدوه، ورباني هذه الأمة، وذا فضلها وذا سابقتها وذا قرابتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يكن بالنومة عن أمر الله، ولا بالملومة في دين الله، ولا بالسروقة لمال الله، أعطى القرآن عزائمه، ففاز منه برياض مونقة، ذلك علي بن أبي طالب يا لكع!).
وقال أيضاً (3/52): (روى الأصم، عن عباس الدوري، عن يحيى بن معين أنه قال: خير هذه الأمة بعد نبينا: أبو بكر وعمر ثم عثمان ثم علي، هذا مذهبنا وقول أئمتنا).
وقال أيضا (3/65): (وروى أبو أحمد الزبيري وغيره عن مالك بن مغول، عن أكيل، عن الشعبي قال: قال لي علقمة: [[تدري ما مثل علي في هذه الأمة؟ قلت: وما مثله؟ قال: مثل عيسى بن مريم، أحبَّه قوم حتى هلكوا في حبِّه، وأبغضه قوم حتى هلكوا في بغضه]].
ومراد علقمة بالمشبَّه به اليهود والنصارى، وفي المشبه الخوارج والرافضة.(30/487)
وقال أيضاً (3/33): (وأجمعوا على أنه صلَّى القبلتين وهاجر، وشهد بدراً والحديبية وسائر المشاهد، وأنه أبلى ببدر وبأحد وبالخندق وبخيبر بلاءً عظيماً، وأنه أغنى في تلك المشاهد، وقام فيها المقام الكريم، وكان لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده في مواطن كثيرة، وكان يوم بدر بيده على اختلاف في ذلك، ولما قتل مصعب بن عمير يوم أحد وكان اللواء بيده دفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي رضي الله عنه).
وقال ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة (6/178): (و علي رضي الله عنه ما زالا -أي: أبو بكر وعمر - مكرمين له غاية الإكرام بكلِّ طريق، مقدِّمين له بل ولسائر بني هاشم على غيرهم في العطاء، مقدِّمين له في المرتبة والحرمة المحبة والموالاة والثناء والتعظيم، كما يفعلان بنظرائه، ويفضلانه بما فضله الله عز وجل به على من ليس مثله، ولم يعرف عنهما كلمة سوء في علي قط، بل ولا في أحد من بني هاشم) إلى أن قال: (وكذلك علي رضي الله عنه قد تواتر عنه من محبتهما وموالاتهما وتعظيمهما وتقديمهما على سائر الأمة ما يعلم به حاله في ذلك، ولم يعرف عنه قط كلمة سوء في حقهما، ولا أنه كان أحق بالأمر منهما، وهذا معروف عند من عرف الأخبار الثابتة المتواترة عند الخاصة والعامة، والمنقولة بأخبار الثقات).
وقال أيضاً (6/18): (وأما علي رضي الله عنه، فأهل السنة يحبونه ويتولونه، ويشهدون بأنه من الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين).
وقال ابن حجر رحمه الله في التقريب: (علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي، حيدرة، أبو تراب، وأبو الحسنين، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزوج ابنته، من السابقين الأولين، ورجح جمع أنه أول من أسلم، فهو سابق العرب، وهو أحد العشرة، مات في رمضان سنة أربعين، وهو يومئذ أفضل الأحياء من بني آدم بالأرض، بإجماع أهل السنة، وله ثلاث وستون سنة على الأرجح).(30/488)
ولعلي بن أبي طالب رضي الله عنه من الولد خمسة عشر من الذكور، وثمان عشرة من الإناث، ذكر ذلك العامري في (الرياض المستطابة في جملة من روى في الصحيحين من الصحابة) (ص: 180)، ثم ذكرهم وذكر أمهاتهم، ثم قال: (والعقب من ولد علي كان في الحسن والحسين ومحمد وعمر والعباس).
سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما:-
قال ابن عبد البر رحمه الله في الاستيعاب (1/369 حاشية الإصابة): (وتواترت الآثار الصحاح عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال في الحسن بن علي: {إن ابني هذا سيد، وعسى الله أن يبقيه حتى يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين}، رواه جماعة من الصحابة، وفي حديث أبي بكرة في ذلك: {وأنه ريحانتي من الدنيا}.
ولا أسْوَد ممن سمَّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم سيداً، وكان رحمة الله عليه حليماً ورعاً فاضلاً، دعاه ورعه وفضله إلى أن ترك الملك والدنيا رغبة فيما عند الله، وقال: [[والله ما أحببت -منذ علمت ما ينفعي ويضرني- أن ألِيَ أمرَ أمة محمد صلى الله عليه وسلم على أن يهراق في ذلك محجمة دم]]، وكان من المبادرين إلى نصر عثمان رحمه الله والذابين عنه).
وقال فيه الذهبي في السير (13/ 245- 246): (الإمام السيد، ريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسبطه، وسيد شباب أهل الجنة، أبو محمد القرشي الهاشمي المدني الشهيد).
وقال أيضاً (3/253): (وقد كان هذا الإمام سيداً، وسيماً، جميلاً، عاقلاً، رزيناً، جواداً، ممدَّحاً، خيَّراً، ديِّناً، ورعاً، محتشِماً، كبير الشأن).(30/489)
وقال فيه ابن كثير في البداية والنهاية (11/192- 193): (وقد كان الصديق يجله ويعظمه ويكرمه ويتفداه، وكذلك عمر بن الخطاب) إلى أن قال: (وكذلك كان عثمان بن عفان يكرم الحسن والحسين ويحبهما، وقد كان الحسن بن علي يوم الدار-و عثمان بن عفان محصور- عنده ومعه السيف متقلِّداً به يجاحف عن عثمان، فخشي عثمان عليه، فأقسم عليه لترجعن إلى منزلهم؛ تطييباً لقلب علي وخوفاً عليه، رضي الله عنهم).
سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما:-
قال ابن عبد البر رحمه الله في الاستيعاب (1/377 حاشية الإصابة): (وكان الحسين فاضلاً ديناً كثير الصوم والصلاة والحج).
وقال ابن تيمية كما في مجموع فتاواه (4/511): (و الحسين رضي الله عنه أكرمه الله تعالى بالشهادة في هذا اليوم -أي يوم عاشوراء-، وأهان بذلك من قتله أو أعان على قتله أو رضي بقتله، وله أسوة حسنة بمن سبقه من الشهداء، فإنه (هو) وأخوه سيدا شباب أهل الجنة، وكانا قد تربيا في عز الإسلام، لم ينالا من الهجرة والجهاد والصبر على الأذى في الله ما ناله أهل بيته، فأكرمهما الله تعالى بالشهادة تكميلاً لكرامتهما، ورفعاً لدرجاتهما.
وقتله مصيبة عظيمة، والله سبحانه قد شرع الاسترجاع عند المصيبة بقوله: ((وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ)) [البقرة:155] * ((الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)) [البقرة:156] * ((أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ)) [البقرة:157].
وقال فيه الذهبي -رحمه الله- في السير (3/ 280): (الإمام الشريف الكامل، سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته من الدنيا ومحبوبه، أبو عبد الله الحسين بن أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي القرشي الهاشمي).(30/490)
وقال ابن كثير -رحمه الله- في البداية والنهاية (11/476): (والمقصود أن الحسين عاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه إلى أن توفي وهو عنه راض، ولكنه كان صغيراً، ثم كان الصديق يكرمه ويعظمه، وكذلك عمر وعثمان، وصحب أباه وروى عنه، وكان معه في مغازيه كلِّها، في الجمل وصفين، وكان معظَّماً موقراً).
ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عباس رضي الله عنهما:-
روى البخاري في صحيحه (4970) عن ابن عباس قال: [[كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فكأن بعضهم وجد في نفسه، فقال: لم تدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر: إنه من حيث علمتم، فدعا ذات يوم فأدخله معهم، فما رئيت أنه دعاني إلا ليريهم، قال: ما تقولون في قول الله تعالى: ((إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ)) [النصر:1]؟ فقال بعضهم: أُمِرنا نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئاً، فقال لي: أكذاك تقول يا ابن عباس؟ فقلت: لا. قال: فما تقول؟ قلت: هو أَجَل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلَمَه له، قال: (((إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ)) [النصر:1] , وذلك علامةُ أجَلك، ((فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً)) [النصر:3] فقال عمر: ما أعلم منها إلا ما تقول]].
وفي الطبقات لابن سعد (2/369) عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال: [[ما رأيت أحضر فهماً، ولا ألبَّ لباً، ولا أكثر علماً، ولا أوسع حلماً من ابن عباس، ولقد رأيت عمر بن الخطاب يدعوه للمعضلات]].
وفيها أيضاً (2/370) عن طلحة بن عبيد الله أنه قال: [[لقد أعطي ابن عباس فهماً ولقناً وعلماً، ما كنت أرى عمر بن الخطاب يقدم عليه أحداً]].
وفيها أيضاً (2/370) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال حين بلغه موت ابن عباس -وصفق بإحدى يديه على الأخرى-: [[مات أعلم الناس، وأحلم الناس، ولقد أصيبت به هذه الأمة مصيبة لا تُرتق]].(30/491)
وفيها أيضاً عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال: [[لما مات ابن عباس قال رافع بن خديج: مات اليوم من كان يحتاج إليه من بين المشرق والمغرب في العلم]].
وفي الاستيعاب لابن عبد البر (2/344- 345) عن مجاهد أنه قال: [[ما سمعت فتيا أحسن من فتيا ابن عباس، إلا أن يقول قائل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم]] وروي مثل هذا عن القاسم بن محمد).
وقال ابن كثير -رحمه الله- في البداية والنهاية (12/88): (وثبت عن عمر بن الخطاب أنه كان يُجلِسُ ابن عباس مع مشايخ الصحابة، ويقول: [[نعم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس، وكان إذا أقبل يقول عمر: جاء فتى الكهول، وذو اللِّسان السَّئول، والقلب العقول]].
ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه:-
في صحيح البخاري (3708) من حديث أبي هريرة، وفيه: [[وكان أخير الناس للمساكين جعفر بن أبي طالب، كان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته، حتى إن كان ليخرج إلينا العُكَّة التي ليس فيها شيء فيشقُّها، فنلعق ما فيها]].
قال الحافظ ابن حجر في شرحه (الفتح 7/76): (وهذا التقييد يُحمَل عليه المطلق الذي جاء عن عكرمة، عن أبي هريرة وقال: [[ما احتذى النِّعال ولا ركب المطايا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من جعفر بن أبي طالب]] أخرجه الترمذي والحاكم بإسناد صحيح.
وقال فيه الذهبي في السير (1/206): (السيد الشهيد الكبير الشأن، علم المجاهدين، أبو عبد الله، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي الهاشمي، أخو علي بن أبي طالب، وهو أسن من علي بعشر سنين.
هاجر الهجرتين، وهاجر من الحبشة إلى المدينة، فوافى المسلمين وهم على خيبر إثر أخذها، فأقام بالمدينة أشهراً ثم أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على جيش غزوة مؤتة بناحية الكرك، فاستشهد، وقد سُرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً بقدومه، وحزن -والله!- لوفاته).(30/492)
وفي التقريب لابن حجر أنه قال: (جعفر بن أبي طالب الهاشمي , أبو المساكين، ذو الجناحين، الصحابي الجليل ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، استشهد في غزوة مؤتة سنة ثمان من الهجرة، ورد ذكره في الصحيحين دون رواية له).
ويقال له ذو الجناحين؛ لأنه عوض عن يديه لما قطعتا في غزوة مؤتة جناحين يطير بهما مع الملائكة، ففي صحيح البخاري (3709) بإسناده إلى الشعبي: [[أن ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا سلم على ابن جعفر قال: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين]].
قال الحافظ في شرحه: (كأنه يشير إلى حديث عبد الله بن جعفر، قال: {قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: هنيئا لك؛ أبوك يطير مع الملائكة في السماء} أخرجه الطبراني بإسناد حسن.
ثم ذكر طرقاً أخرى عن أبي هريرة وعلي وابن عباس، وقال في طريق عن ابن عباس: {إن جعفر يطير مع جبريل وميكائيل، له جناحان؛ عوضه الله من يديه} وقال: (وإسناد هذه جيد).
ابنُ ابن عم رسول الله عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما:-
في صحيح مسلم (2428) عن عبد الله بن جعفر قال: [[كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر تُلقِّي بصبيان أهل بيته، قال: وإنه قدم من سفر فسبق بي إليه، فحملني بين يديه، ثم جيء بأحد ابني فاطمة فأردفه خلفه، قال: فأدخلنا المدينة ثلاثة على دابة]].
قال فيه الذهبي -رحمه الله- في السير (3/456): (السيد العالم, أبو جعفر القرشي الهاشمي، الحبشي المولد، المدني الدار، الجواد بن الجواد ذي الجناحين، له صحبة ورواية، عداده في صغار الصحابة، استشهد أبوه يوم مؤتة، فكفله النبي صلى الله عليه وسلم ونشأ في حجره).
وقال أيضاً: (وكان كبير الشأن، كريماً جواداً، يصلح للإمامة).
وفي الرياض المستطابة للعامري (ص: 205): (وصلَّى عليه أبان بن عثمان، وكان يومئذ واليَ المدينة، وحمل أبان سريرَه ودموعَه تنحدر وهو يقول: كنت-والله!- خيراً لا شرَّ فيك، وكنت-والله!- شريفًا فاضلاً براً).(30/493)
ومن أصحاب رسول الله الذين هم من أهل بيته:-
أبو سفيان، ونوفل، وربيعة، وعبيدة بنو الحارث بن عبد المطلب.
وعبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب.
والحارث والمغيرة ابنا نوفل بن الحارث بن عبد المطلب.
وجعفر وعبد الله ابنا أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب.
ومعتِّب وعتبة ابنا أبي لهب عبد العزى بن عبد المطلب.
والفضل وعبيد الله ابنا العباس بن عبد المطلب.
الفصل السابع: ثناء بعض أهل العلم على جماعة من الصحابيات من أهل البيت
ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة رضي الله عنها:-
عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: [[ما رأيت أحداً أشبه سمتاً ودلاً وهدياً برسول الله في قيامها وقعودها من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم..]] رواه أبو داود (5217) والترمذي (3872)، وإسناده حسن.
وقال أبو نعيم في الحلية (2/39): (ومن ناسكات الأصفياء، وصفيات الأتقياء: فاطمة رضي الله تعالى عنها، السيدة البتول، البضعة الشبيهة بالرسول، أَلْوَطُ أولاده بقلبه لصوقاً، وأوَّلهم بعد وفاته به لحوقاً، كانت عن الدنيا ومتعتها عازفة، وبغوامض عيوب الدنيا وآفاتها عارفة).
وقال الذهبي -رحمه الله- في السير (2/118- 119): (سيدة نساء العالمين في زمانها، البضعة النبوية والجهة المصطفوية، أمُّ أبيها، بنت سيد الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشية الهاشمية، وأم الحسنين)، وقال أيضاً: (وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحبها ويكرمها ويسرُّ إليها، ومناقبها غزيرة، وكانت صابرة ديِّنة خيِّرة صيِّنة قانعةً شاكرةً لله).
وقال ابن كثير -رحمه الله- في البداية والنهاية (9/485): (وتكنى بأم أبيها)، وقال: (وكانت أصغر بنات النبي صلى الله عليه وسلم على المشهور، ولم يبق بعده سواها، فلهذا عظم أجرها؛ لأنها أصيبت به عليه الصلاة والسلام).(30/494)
أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها:-
قال الذهبي في السير (2/109-110): (أم المؤمنين وسيدة نساء العالمين في زمانها... أم أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم -سوى إبراهيم -، وأول من آمن به وصدَّقه قبل كل أحد، وثبتت جأشه... ومناقبها جمَّة، وهي ممن كمل من النساء، كانت عاقلةً جليلةً ديِّنةً مصونة كريمة، من أهل الجنة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يثني عليها ويفضِّلها على سائر أمهات المؤمنين، ويبالغ في تعظيمها...
ومن كرامتها عليه صلى الله عليه وسلم أنها لم يتزوج امرأة قبلها، وجاءه منها عدة أولاد، ولم يتزوج عليها قط، ولا تسرى إلى أن قضت نحبها، فوجد لفقدها؛ فإنها كانت نعم القرين... وقد أمره الله أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب).
ومما قاله ابن القيم في جلاء الأفهام (ص:349) أن من خصائصها أن الله بعث إليها السلام مع جبريل عليه السلام، وقال: (وهذه لعمر الله خاصة لم تكن لسواها!).
وقال قبل ذلك: (ومنها -أي: من خصائصها-: أنَّها خير نساء الأمة، واختُلف في تفضيلها على عائشة رضي الله عنهما على ثلاثة أقوال: ثالثها: الوقف، وسألت شيخنا ابن تيمية رحمة الله عليه؟ فقال: اختص كلُّ واحدة منهما بخاصة، فخديجة كان تأثيرها في أول الإسلام، وكانت تسلِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتثبِّته وتسكنه، وتبذل دونه مالها، فأدركت غرة الإسلام، واحتملتِ الأذى في الله تعالى وفي رسوله صلى الله عليه وسلم، وكانت نصرتها للرسول صلى الله عليه وسلم في أعظم أوقات الحاجة، فلها من النصرة والبذل ما ليس لغيرها، وعائشة رضي الله عنها تأثيرها في آخر الإسلام، فلها من التفقُّه في الدِّين وتبليغه إلى الأمَّة وانتفاع بنيها بما أدَّت إليهم من العلم ما ليس لغيرها، هذا معنى كلامه).
أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:-(30/495)
قال فيها الذهبي في السير (2/140): (... ولم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم بكراً غيرها، ولا أحبَّ امرأة حبها، ولا أعلم في أمَّة محمد صلى الله عليه وسلم -بل ولا في النساء مطلقاً- امرأةً أعلم منها).
وفي السير أيضاً (2/181) عن علي بن الأقمر قال: (كان مسروق إذا حدث عن عائشة قال: حدثتني الصديقة بنت الصديق، حبيبة حبيب الله، المبرأة من فوق سبع سماوات، فلم أكذبها).
وذكر ابن القيم في جلاء الأفهام (ص: 351- 355) جملة من خصائصها، ملخصها: (أنها كانت أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه لم يتزوَّج بكراً غيرها، وأن الوحي كان ينزل عليه وهو في لحافها، وأنه لما نزلت عليه آية التخيير بدأ بها، فخيَّرها، فاختارت الله ورسوله، واستن بها بقية أزواجه، وأن الله برأها بما رماها به أهل الإفك، وأنزل في عذرها وبراءتها وحياً يتلى في محاريب المسلمين وصلواتهم إلى يوم القيامة، وشهد لها بأنَّها من الطيِّبات، ووعدها المغفرة والرزق الكريم، ومع هذه المنزلة العلية تتواضع لله وتقول: [[ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله فيَّ قرآناً يتلى]]، وأن أكابر الصحابة رضي الله عنهم إذا أشكل عليهم الأمر من الدين استفتوها، فيجدون علمه عندها، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتها، وفي يومها، وبين سحرها ونحرها، ودفن في بيتها، وأن الملك أرى صورتها للنبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يتزوجها في سرقة حرير، فقال: {إن يكن هذا من عند الله يمضه}، وأن الناس كانوا يتحرون بهداياهم يومها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيتحفونه بما يحب في منزل أحب نسائه إليه رضي الله عنهم أجمعين).
أم المؤمنين سودة بنت زمعة رضي الله عنها:-(30/496)
قال الذهبي -رحمه الله- في السير (2/265- 266): (وهي أول من تزوج بها النبي صلى الله عليه وسلم بعد خديجة، وانفردت به نحواً من ثلاث سنين أو أكثر، حتى دخل بعائشة، وكانت سيدة جليلة نبيلة ضخمة... وهي التي وهبت يومها لعائشة؛ رعاية لقلب رسول الله...).
وقال ابن القيم -رحمه الله- في جلاء الأفهام (ص:350): (... وكبرت عنده، وأراد طلاقها، فوهبت يومها لعائشة رضي الله عنها فأمسكها، وهذا من خواصِّها، أنها آثرت بيومها حب النبي صلى الله عليه وسلم، تقرُّبا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحباً له، وإيثاراً لمقامها معه، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لنسائه، ولا يقسم لها، وهي راضية بذلك، مؤثرةٌ لرضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، رضي الله عنها).
أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنها:-
قال الذهبي في السير (2/227): (الستر الرفيع، بنت أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب، تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعد انقضاء عدتها من خنيس بن حذافة السهمي -أحد المهاجرين- في سنة ثلاث من الهجرة.
قالت عائشة: [[هي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم]].
أم المؤمنين أم سلمة هند بنت أبي أمية رضي الله عنها:-
قال الذهبي في السير (2/201- 203): (السيدة المحجبة الطاهرة... من المهاجرات الأُوَل... وكانت تعدُّ من فقهاء الصحابيات).
وقال يحيى بن أبي بكر العامري في الرياض المستطابة (ص:324): (وكانت فاضلة حليمة، وهي التي أشارت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية -أي بحلق رأسه ونحر هديه-، ورأت جبريل في صورة دحية).
أم المؤمنين زينب بنت خزيمة الهلالية رضي الله عنها:-
ذكر الذهبي في السير (2/218) أنها تدعى أم المساكين؛ لكثرة معروفها.(30/497)
وقال ابن القيم -رحمه الله- في جلاء الأفهام (ص: 376): (وكانت تسمى أم المساكين، لكثرة إطعامها المساكين، لم تلبث عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا يسيراً: شهرين أو ثلاثة، وتوفيت رضي الله عنها).
أم المؤمنين جويرية بنت الحارث رضي الله عنها:-
هي أم المؤمنين وحليلة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، ويكفيها ذلك فضلاً وشرفاً، قال ابن القيم في جلاء الأفهام (ص:376- 377): (وهي التي أعتق المسلمون بسببها مئة أهل بيت من الرَّقيق، وقالوا: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك من بركتها على قومها رضي الله عنها).
أم المؤمنين صفية بنت حيي رضي الله عنها:-
في جامع الترمذي (3894) بإسناد صحيح من حديث أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: {إنك لابنة نبي، وإن عمك لنبي، وإنك لتحت نبي}.
قال الذهبي في السير (2/232): (وكانت شريفة عاقلة، ذات حسب وجمال ودين رضي الله عنها).
وقال أيضاً (2/235): (وكانت صفية ذات حلم ووقار).
وقال ابن القيم في جلاء الأفهام (ص:377): (وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيي من ولد هارون بن عمران أخي موسى عليهما السلام).
وقال أيضاً: (من خصائصها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتقها، وجعل عتقها صداقها، قال أنس: (أمهرها نفسها)، وصار ذلك سنة للأمة إلى يوم القيامة، يجوز للرجل أن يجعل عتق جاريته صداقها، وتصير زوجته، على منصوص الإمام أحمد رحمه الله).
أم المؤمنين أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنها:-
قال الذهبي في السير (2/218): (السيدة المحجبة).
وقال أيضاً (2/222): (وقد كان لأم حبيبة حرمة وجلالة، ولا سيما في دولة أخيها، ولمكانه منها قيل له: خال المؤمنين).
وقال ابن كثير في البداية والنهاية (11/166): (وقد كانت من سيدات أمهات المؤمنين، ومن العابدات الورعات رضي الله عنها).
أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها:-(30/498)
في السير (2/244) عن عائشة رضي الله عنها قالت: [[أما إنها من أتقانا لله، وأوصلنا للرحم]]
وقال الذهبي (2/239): (وكانت من سادات النساء).
أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها:-
في صحيح مسلم من حديث طويل (2442) عن عائشة رضي الله عنها قالت: [[وهي التي كانت تساميني منهن في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم أر امرأة قط خيراً في الدين من زينب، وأتقى لله، وأصدق حديثاً، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة، وأشد ابتذالاً لنفسها في العمل الذي تصدق به وتقرب به إلى الله تعالى، ما عدا سَوْرَةً من حدٍّ كانت فيها، تسرع منها الفيئة]].
قال الذهبي في السير (2/211): (فزوجها الله تعالى بنبيه بنص كتابه، بلا ولي ولا شاهد، فكانت تفخر بذلك على أمهات المؤمنين، وتقول: [[زوجكن أهاليكن، وزوجني الله من فوق عرشه]]، والحديث في صحيح البخاري (7402). وقال أيضاً: (وكانت من سادة النساء ديناً وورعاً وجوداً ومعروفاً، رضي الله عنها).
وقال أيضاً (2/217): (وكانت صالحة صوَّامة قوَّامة بارَّة، ويقال لها: أم المساكين).
عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها:-
قال الذهبي في السير (2/269): (صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم بنت عبد المطلب، الهاشمية، وهي شقيقة حمزة، وأم حواري النبي صلى الله عليه وسلم: الزبير).
وقال أيضاً (1/270): (والصحيح أنه ما أسلم من عمَّات النبي صلى الله عليه وسلم سواها، ولقد وجدت على مصرع أخيها حمزة، وصبرت واحتسبت، وهي من المهاجرات الأول).
ومن الصحابيات من أهل البيت:-
بناته صلى الله عليه وسلم: زينب ورقية وأم كلثوم.
وأم كلثوم وزينب ابنتا علي بن أبي طالب، وأمهما فاطمة.
وأمامة بنت أبي العاص بن الربيع، وأمها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحملها في الصلاة.
وأم هانئ بنت أبي طالب بن عبد المطلب.(30/499)
وضباعة وأم الحكم ابنتا الزبير بن عبد المطلب، جاء ذكرهما في حديث عنهما، أخرجه أبو داود تحت رقم: (2987)، وضباعة هي صاحبة حديث الاشتراط في الحج، التي قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: {قولي: فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني}.
وأمامة بنت حمزة بن عبد المطلب.
الفصل الثامن: ثناءُ بعض أهل العلم على جماعة من التابعين وغيرهم من أهل البيت
محمد بن علي بن أبي طالب (المشهور بابن الحنفية) رحمه الله:-
قال ابن حبان في ثقات التابعين (5/347): (وكان من أفاضل أهل بيته).
وفي ترجمته في تهذيب الكمال للمزي: (قال أحمد بن عبد الله العجلي: تابعي ثقة، كان رجلاً صالحاً... وقال إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد: لا نعلم أحداً أسند عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر ولا أصحَّ مما أسند محمد بن الحنفية).
وفي السير للذهبي (4/115) عن إسرائيل، عن عبد الأعلى -هو ابن عامر - : (أن محمد بن علي كان يكنى أبا القاسم، وكان ورعاً كثير العلم).
وقال فيه أيضاً (4/110): (السيد الإمام، أبو القاسم وأبو عبد الله).
علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رحمه الله:-
قال ابن سعد في الطبقات (5/222): (وكان علي بن حسين ثقة مأموناً كثير الحديث، عالياً رفيعاً ورعاً).
وقال ابن تيمية في منهاج السنة (4/48): (وأما علي بن الحسين، فمن كبار التابعين وساداتهم علماً وديناً).
وفي ترجمته في تهذيب الكمال للمزي: (وقال سفيان بن عيينة، عن الزهري: ما رأيت قرشياً أفضل من علي بن الحسين).
ونقل معناه عن أبي حازم، وزيد بن أسلم، ومالك، ويحيى بن سعيد الأنصاري رحمهم الله.
وقال العجلي: علي بن الحسين مدني تابعي ثقة.
وقال الزهري: (كان علي بن الحسين من أفضل أهل بيته وأحسنهم طاعة، وأحبهم إلى مروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان).
وقال الذهبي في السير (4/386): (السيد الإمام، زين العابدين، الهاشمي العلوي المدني).(30/500)
وقال ابن حجر في التقريب: (ثقة، ثبت، عابد، فقيه، فاضل، مشهور).
محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رحمه الله:-
من إجلال جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما له ما جاء في صحيح مسلم (1218) في إسناد حديثه الطويل في صفة الحج من حديث جعفر بن محمد -وهو ابن علي بن الحسين - عن أبيه قال: [[دخلنا على جابر بن عبد الله، فسأل عن القوم حتى انتهى إلي، فقلت: أنا محمد بن علي بن حسين، فأهوى بيده إلى رأسي فنزع في زري الأعلى، ثم نزع في زري الأسفل، ثم وضع كفه بين ثديي وأنا يومئذ غلام شاب، فقال: مرحباً بك يا ابن أخي صلى الله عليه وسلم سل عما شئت... فقلت: أخبرني عن حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم]].
فحدثه بحديثه الطويل في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن تيمية في منهاج السنة (4/50): (وكذلك أبو جعفر محمد بن علي من خيار أهل العلم والدين، وقيل: إنما سمي الباقر؛ لأنه بقر العلم، لا لأجل بقر السجود جبهته).
وقال المزي في ترجمته في تهذيب الكمال: (قال العجلي: مدني تابعي ثقة، وقال ابن البرقي: كان فقيهاً فاضلاً).
وقال الذهبي في السير (4/401- 402): (هو السيد الإمام، أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي العلوي الفاطمي المدني، ولد زين العابدين... وكان أحد من جمع بين العلم، والعمل والسؤدد والشرف، والثقة والرزانة، وكان أهلاً للخلافة، وهو أحد الأئمة الاثني عشر الذين تبجلهم الشيعة الإمامية، وتقول بعصمتهم وبمعرفتهم بجميع الدين، فلا عصمة إلا للملائكة والنبيين، وكل أحد يصيب ويخطئ، ويؤخذ من قوله ويترك سوى النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه معصوم مؤيدٌ بالوحي, وشهر أبو جعفر بالباقر , من بقر العلم -أي: شقه- فعرف أصله وخفيَّه, ولقد كان أبو جعفر إماماً مجتهداً, تالياً لكتاب الله, كبير الشأن...).
وقال أيضاً (ص:403): (وقد عده النسائي وغيره في فقهاء التابعين بالمدينة , واتفق الحفاظ على الاحتجاج بأبي جعفر).(31/1)
جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رحمه الله:-
قال الإمام ابن تيمية في منهاج السنة (4/52-53): (و جعفر الصادق رضي الله عنه من خيار أهل العلم والدين... وقال عمرو بن أبي المقدام: كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمد علمت أنه من سلالة النبيين).
ووصفه في رسالته في فضل أهل البيت وحقوقهم , فقال في (ص:35): (شيخ علماء الأمة).
وقال الذهبي في السير (6/255): (الإمام الصادق , شيخ بني هاشم، أبو عبد الله القرشي الهاشمي العلوي النبوي المدني، أحد الأعلام).
وقال عنه وعن أبيه: (وكانا من جلة علماء المدينة).
وقال في تذكرة الحفاظ (1/150): (وثقه الشافعي ويحيى بن معين، وعن أبي حنيفة قال: ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد، وقال أبو حاتم: ثقة، لايسأل عن مثله).
علي بن عبد الله بن عباس رحمه الله:-
قال ابن سعد في الطبقات (5/313): (وكان علي بن عبد الله بن عباس أصغر ولد أبيه سناً، وكان أجمل قرشي على وجه الأرض، وأوسمه، وأكثره صلاة، وكان يقال له: السجَّاد؛ لعبادته وفضله).
وقال أيضاً (ص:314): (وكان ثقةً قليل الحديث).
وفي تهذيب الكمال للمزي: (وقال العجلي وأبو زرعة: ثقة، وقال عمرو بن علي: كان من خيار الناس، وذكره ابن حبان في الثقات).
وقال الذهبي في السير (5/252): (الإمام السيد أبو الخلائف، أبو محمد الهاشمي السجَّاد... كان رحمه الله عالماً عاملاً، جسيماً وسيماً، طُوَالاً مَهيباً...).
الفصل التاسع: مقارنة بين عقيدة أهل السنة وعقيدة غيرهم في أهل البيت(31/2)
تبين مما تقدم أن عقيدة أهل السنة والجماعة في آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وسط بين الإفراط والتفريط، والغلوِّ والجفاء، وأنهم يحبُّونهم جميعاً، ويتولونهم، ولا يجفون أحداً منهم، ولا يغلون في أحد، كما أنهم يحبون الصحابة جميعا ويتولونهم، فيجمعون بين محبة الصحابة والقرابة، وهذا بخلاف غيرهم من أهل الأهواء، الذين يغلون في بعض أهل البيت، ويجفون في الكثير منهم وفي الصحابة رضي الله عنهم.
ومن أمثلة غُلوِّهم في الأئمة الإثني عشر من أهل البيت وهم علي والحسن والحسين رضي الله عنهم، وتسعة من أولاد الحسين ما اشتمل عليه كتاب الأصول من الكافي للكليني من أبواب منها:
- باب: أن الأئمة عليهم السلام خلفاء الله عز وجل في أرضه، وأبوابه التي منها يؤتى (1/193).
- باب: أن الأئمة عليهم السلام هم العلامات التي ذكرها عز وجل في كتابه (1/206):
وفي هذا الباب ثلاثة أحاديث من أحاديثهم تشتمل على تفسير قوله تعالى: ((وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ)) [النحل:16] بأن النجم: رسول الله صلى الله عليه وآله، وأن العلامات: الأئمة.
- باب: أن الأئمة عليهم السلام نور الله عز وجل (1/194).(31/3)
ويشتمل على أحاديث من أحاديثهم، منها حديث ينتهي إلى أبي عبد الله -وهو جعفر الصادق - في تفسير قول الله عز وجل: ((اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ)) [النور:35] قال -كما زعموا-: [[((مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ)) [النور:35]: فاطمة عليها السلام، ((فِيهَا مِصْبَاحٌ)) [النور:35]: الحسن، ((الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ)) [النور:35] الحسين، ((الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ)) [النور:35]: فاطمة كوكب دري بين نساء أهل الدنيا، ((يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ)) [النور:35]: إبراهيم عليه السلام، ((زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ)) [النور:35]: لا يهودية ولا نصرانية، ((يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ)) [النور:35]: يكاد العلم ينفجر بها، ((وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ)) [النور:35]: إمام منها بعد إمام، ((يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ)) [النور:35]: يهدي الله للأئمة من يشاء...]].
- باب: أن الآيات التي ذكرها الله عز وجل في كتابه هم الأئمة (1/207).
وفي هذا الباب تفسير قول الله عز وجل: ((وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ)) [يونس:101] بأنَّ الآيات: الأئمة!!
وفيه تفسير قوله تعالى: ((كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا)) [القمر:42] بأن الآيات: الأوصياء كلُّهم!!!
ومعنى ذلك أن العقاب الذي حل بآل فرعون سببه تكذيبهم بالأوصياء الذين هم الأئمة!!
- باب: أن أهل الذكر الذين أمر الله الخلق بسؤالهم هم الأئمة عليهم السلام (1/ 210).
- باب: أن القرآن يهدي للإمام (1/216).
وفي هذا الباب تفسير قول الله عز وجل: ((إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)) [الإسراء:9] بأنه يهدي إلى الإمام!!
وفيه تفسير قول الله عز وجل: ((وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ)) [النساء:33] بأنه إنما عنى بذلك الأئمة عليهم السلام، بهم عقَّد الله عز وجل أيمانكم!!(31/4)
- باب: أن النعمة التي ذكرها الله عز وجل في كتابه الأئمة عليهم السلام (1/217).
وفيه تفسير قول الله عز وجل: ((أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْراً)) [إبراهيم:28] بالزعم بأن علياً رضي الله عنه قال: [[نحن النعمة التي أنعم الله بها على عباده، وبنا يفوز من فاز يوم القيامة]]!!
وفيه تفسير قول الله عز وجل في سورة الرحمن: ((فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ)) [الرحمن:13] قال: (أبالنبي أم بالوصي تكذبان؟!!).
- باب: عرض الأعمال على النبي صلى الله عليه وآله، والأئمة عليهم السلام (1/219).
- باب: أن الأئمة عليهم السلام عندهم جميع الكتب التي نزلت من عند الله عز وجل، وأنهم يعرفونها على اختلاف ألسنتها (1/227).
- باب: أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة عليهم السلام، وأنهم يعلمون علمه كله (1/228).
- باب: أن الأئمة عليهم السلام يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى الملائكة والأنبياء والرسل عليهم السلام (1/255).
- باب: أن الأئمة عليهم السلام يعلمون متى يموتون وأنهم لا يموتون إلا باختيارٍ منهم. (1/258).
- باب: أن الأئمة عليهم السلام يعلمون علم ما كان وما يكون، وأنه لا يخفى عليهم الشيء صلوات الله عليهم (1/260).
- باب: أن الله عز وجل لم يُعلِّم نبيه علماً إلا أمره أن يعلمه أمير المؤمنين عليه السلام، وأنه كان شريكه في العلم (1/263).
- باب: أنه ليس شيء من الحق في يد الناس إلا ما خرج من عند الأئمة عليهم السلام، وأن كل شيء لم يخرج من عندهم فهو باطل (1/399).
وهذه الأبواب تشتمل على أحاديث من أحاديثهم، وهي منقولة من طبعة الكتاب، نشر مكتبة الصدوق بطهران، سنة (1381 هـ).(31/5)
ويعتبر الكتاب من أجل كتبهم إن لم يكن أجلها، وفي مقدمة الكتاب ثناء عظيم على الكتاب وعلى مؤلفه، وكانت وفاته سنة (329 هـ)، وهذا الذي نقلته منه نماذج من غلو المتقدمين في الأئمة، أما غلو المتأخرين فيهم، فيتضح من قول أحد كبرائهم المعاصرين الخميني في كتابه (الحكومة الإسلامية) (ص: 52) من منشورات المكتبة الإسلامية الكبرى- طهران -: (وثبوث الولاية والحاكمية للإمام (ع) لا تعني تجرده عن منزلته التي هي له عند الله، ولا تجعله مثل من عداه من الحكام، فإن للإمام مقاماً محموداً، ودرجة سامية، وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون، وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرَّب ولا نبيٌ مرسل، وبموجب ما لدينا من الروايات والأحاديث فإن الرسول الأعظم (ص) والأئمة (ع) كانوا قبل هذا العالم أنوارا، فجعلهم الله بعرشه محدقين، وجعل لهم من المنزلة والزلفى ما لا يعلمه إلا الله، وقد قال جبرائيل كما ورد في روايات المعراج: لو دنوت أنملة لاحترقت، وقد ورد عنهم (ع): [[إن لنا مع الله حالات لا يسعها ملك مقرب ولا نبي مرسل!!!]].
ولا يملك المرء وهو يرى أو يسمع مثل هذا الكلام إلا أن يقول: ((رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)) [آل عمران:8].
وكل من له أدنى بصيرة يجزم أن ما تقدم نقله عنهم، وما يشبهه؛ كذب وافتراء على الأئمة، وأنهم برآء من الغلاة فيهم وغلوِّهم.
الفصل العاشر: تحريم الانتساب بغير حق إلى أهل البيت(31/6)
أشرف الأنساب نسب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأشرف انتساب ما كان إليه صلى الله عليه وسلم وإلى أهل بيته إذا كان الانتساب صحيحاً، وقد كثر في العرب والعجم الانتماء إلى هذا النسب، فمن كان من أهل هذا البيت وهو مؤمن، فقد جمع الله له بين شرف الإيمان وشرف النسب، ومن ادَّعى هذا النسب الشريف وهو ليس من أهله فقد ارتكب أمراً محرماً، وهو متشبعٌ بمالم يعط، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: {المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور}، رواه مسلم في صحيحه (2129) من حديث عائشة رضي الله عنها.
وقد جاء في الأحاديث الصحيحة تحريم انتساب المرء إلى غير نسبه، ومما ورد في ذلك حديث أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: {ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر بالله، ومن ادَّعى قوماً ليس له فيهم نسب فليتبوأ مقعده من النار}، رواه البخاري (3508)، ومسلم (112)، واللفظ للبخاري.
وفي صحيح البخاري (3509) من حديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن من أعظم الفرى أن يدَّعي الرجل إلى غير أبيه، أو يري عينه ما لم تر، أو يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل}، ومعنى الفرى: الكذب، وقوله: {أو يري عينه ما لم تر}، أي: في المنام.
وفي مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (31/93) أن الوقف على أهل البيت أو الأشراف لا يستحق الأخذ منه إلا من ثبت نسبه إلى أهل البيت، فقد سئل عن الوقف الذي أوقف على الأشراف، ويقول: (إنهم أقارب)، هل الأقارب شرفاء أم غير شرفاء؟ وهل يجوز أن يتناولوا شيئاً من الوقف أم لا؟(31/7)
فأجاب: (الحمد لله، إن كان الوقف على أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم أو على بعض أهل البيت، كالعلويين والفاطميين أو الطالبيين، الذين يدخل فيهم بنو جعفر وبنو عقيل، أو على العباسيين ونحو ذلك، فإنه لا يستحق من ذلك إلا من كان نسبه صحيحاً ثابتاً، فأما من ادَّعى أنه منهم أو علم أنه ليس منهم، فلا يستحق من هذا الوقف، وإن ادَّعى أنه منهم، كبني عبد الله بن ميمون القداح، فإن أهل العلم بالأنساب وغيرهم يعلمون أنه ليس لهم نسب صحيح، وقد شهد بذلك طوائف أهل العلم من أهل الفقه، والحديث، والكلام، والأنساب، وثبت في ذلك محاضر شرعية، وهذا مذكور في كتب عظيمة من كتب المسلمين، بل ذلك مما تواتر عند أهل العلم.
وكذلك من وقف على الأشراف، فإن هذا اللفظ في العرف لا يدخل فيه إلاَّ من كان صحيح النسب من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما إن وقف واقف على بني فلان أو أقارب فلان ونحو ذلك، ولم يكن في الوقف ما يقتضي أنه لأهل البيت النبوي، وكان الموقوف ملكاً للواقف يصح وقفه على ذرية المعين، لم يدخل بنو هاشم في هذا الوقف).
وإلى هنا انتهت هذه الرسالة المختصرة في فضل أهل البيت وعلوِّ مكانتهم عند أهل السنة والجماعة، وأسأل الله التوفيق لما فيه رضاه، والفقه في دينه، والثبات على الحق إنه سميع مجيب، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
=======================
فضائل آل بيت النبوة
• علو منزلة أهل بيت النبوة:
قال الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله في كتابه تحفة المجيب عن أسئلة الحاضر والغريب في فصل "فضائل آل بيت النبوة":
الحمد لله، وسلام على عباده الّذين اصطفى، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه الكرام الشرفاء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله..
أما بعد:(31/8)
فيقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا * يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا * وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا * يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ))[الأحزاب:28-34].
وروى الإمام مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (وأنا تارك فيكم ثقلين أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنّور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه ثمّ قال: وأهل بيتي أذكّركم الله في أهل بيتي! أذكّركم الله في أهل بيتي! أذكّركم الله في أهل بيتي!).(31/9)
وروى البخاري في صحيحه عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه موقوفًا عليه: [[ارقبوا محمّدًا صلى الله عليه وعلى آله وسلم في أهل بيته]]. وقال أبو بكر رضي الله عنه: [[والله لأن أصل قرابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أحبّ إليّ من أن أصل قرابتي]].
• صحة نسبة الحسن والحسين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ففي هذا دليل على علو منْزلة أهل بيت النبوة، وروى الإمام مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (دعا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فاطمة وحسنًا وحسينًا فجلّلهم بكساء وعليّ خلف ظهره فجلّله بكساء، ثمّ قال: اللهمّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيرًا).
وهذا الحديث من طريق مصعب بن شيبة وقد قال فيه النسائي: إنه منكر الحديث، لكن الحديث مروي عن سلمة بن الأكوع بهذا المعنى، وجاء أيضًا عن جماعة من الصحابة كما في "تفسير ابن كثير"، ومصعب بن شيبة وإن كان قال فيه النسائي: إنه منكر الحديث، فقد وثقه غيره، وزيادة على هذا أن الدارقطني انتقد على البخاري ومسلم أحاديث، ولم ينتقد هذا الحديث.
وهذا الحديث من الأحاديث التي تدل على منْزلة أهل بيت النبوة الرفيعة، وذلك الفضل في زمن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وبعده إلى أن يأتي المهدي، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول في شأن المهدي وهو من ولد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أي ينتسب إلى فاطمة وعلي: (إنّه سيخرج ويملأ الأرض قسطًا وعدلاً كما ملئت ظلمًا وجورًا).
وفي هذا الحديث رد على من قال إن أهل بيت النبوة قد انقرضوا، وأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يخلف أحدًا، واستدلوا على ذلك بقول الله عز وجل: (( مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ ))[الأحزاب:40] يقولون: فعلى هذا فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يخلف أحدًا ولا يجوز أن ينتسب إليه أحد.(31/10)
ولكن هذه للحسن والحسين ولمن انتسب إليهما، فقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إنّ ابني هذا سيّد ولعلّ الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين).
وهذا الحديث يعتبر علمًا من أعلام النبوة، فقد حقن الله دماء المسلمين بسبب الحسن بن علي، فقد وجد جيشان جيش مع الحسن وجيش مع معاوية، فرأى الحسن أنه سيفني المسلمون؛ فتنازل لله عز وجل وترك الإمارة لمعاوية. فهذا دليل على أن الحسن والحسين ينتسبان إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وجاء في مسند الإمام أحمد عن ابن عبّاس قال: (رأيت النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم في المنام بنصف النّهار أشعث أغبر، معه قارورة فيها دم يلتقطه أو يتتبّع فيها شيئًا، قال: قلت: يا رسول الله! ما هذا؟ قال: دم الحسين وأصحابه، لم أزل أتتبّعه منذ اليوم).
فهذا دليل على أن الحسنين تجوز نسبتهما إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بخلاف بقية الناس فإن الشاعر يقول:
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا بنوهن أبناء الرجال الأباعد
يعني: بنونا أولاد أبنائنا هم أولادنا، أما بناتنا إذا تزوّجن فأولادهن أولاد أزواجهن. لكن هذه خصوصية للحسنين.
• فضائل الحسن والحسين:
وجاء في مسند الإمام أحمد: (كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يخطبنا، فجاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران؛ فنزل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من المنبر فحملهما، فوضعهما بين يديه ثمّ قال: صدق الله ورسوله (( إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ ))[التغابن:15] نظرت إلى هذين الصّبيّين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتّى قطعت حديثي ورفعتهما).(31/11)
وجاء في صحيح البخاري: (أن رجلاً سأل ابن عمر عن دم البعوض إذا قتله الشخص وهو محرم فأصابه الدم فقال: ممّن أنت؟! فقال: من أهل العراق، قال: انظروا إلى هذا يسألني عن دم البعوض وقد قتلوا ابن النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وسمعت النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: هما ريحانتاي من الدّنيا).
وجاء في صحيح البخاري من حديث البراء رضي الله عنه قال: (رأيت النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم والحسن بن عليّ على عاتقه يقول: اللّهمّ إنّي أحبّه فأحبّه).
وجاء في جامع الترمذي من حديث حذيفة: (أنّ النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة).
فمنْزلتهما رفيعة، وقد ذكر العلماء رحمهم الله الشيء الكثير من مناقب أهل بيت النبوة. فالحسن والحسين وذريتهم المستقيمين منْزلتهم رفيعة.
• فضائل علي بن أبي طالب:
أما علي بن أبي طالب رضي الله عنه فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: (ألا ترضى أن تكون منّي بمنْزلة هارون من موسى إلاّ أنّه ليس نبيّ بعدي) رواه البخاري.
فهذا الحديث يدل على فضل علي، ولا يدل على أنه أحق بالخلافة، فإن هارون كان نبيًا. ويقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعلي: (أنت منّي وأنا منك).
ويقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (عليّ منّي وأنا منه وهو يقضي ديني).(31/12)
ودعا بعض الأمويين سعد بن أبي وقاص ليسب عليًا، فما فعل، قالوا: ما منعك أن تسب عليًا؟ قال: أمّا ما ذكرت ثلاثًا قالهنّ له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلن أسبّه؛ لأن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من حمر النّعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول له وخلّفه في بعض مغازيه، فقال له عليّ: يا رسول الله! خلّفتني مع النّساء والصّبيان!! فقال له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ألا ترضى أن تكون منّي بمنْزلة هارون من موسى إلاّ أنّه ليس نبيّ بعدي)، وسمعته يقول يوم خيبر: (لأعطينّ الرّاية رجلاً يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله قال: فتطاولنا لها، فقال: ادعوا لي عليًّا، فأتي به أرمد فبصق في عينه ودفع الرّاية إليه، ففتح الله عليه) ولمّا نزلت هذه الآية: (( فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ ))[آل عمران:61] دعا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عليًّا وفاطمة وحسنًا وحسينًا، فقال: (اللّهمّ هؤلاء أهلي).
أما الحديث الأول فهو في الصحيحين من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال يوم خيبر: (لأعطينّ الرّاية غدًا رجلاً يفتح على يديه، يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله، فبات النّاس ليلتهم أيّهم يعطى، فغدوا كلّهم يرجوه، فقال: أين عليّ؟ فقيل: يشتكي عينيه، فبصق في عينيه ودعا له؛ فبرأ كأن لم يكن به وجع، فأعطاه، فقال : أقاتلهم حتّى يكونوا مثلنا؟! فقال: انفذ على رسلك حتّى تنْزل بساحتهم ثمّ ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً خير لك من أن يكون لك حمر النّعم) وهذا الحديث يعتبر علمًا من أعلام النبوة.(31/13)
وفي مسند الإمام أحمد قال: حدّثنا زيد بن الحباب، حدّثني الحسين بن واقد، حدّثني عبد الله بن بريدة، حدّثني أبي بريدة، قال: حاصرنا خيبر فأخذ اللّواء أبوبكر فانصرف ولم يفتح له، ثمّ أخذه من الغد فخرج فرجع ولم يفتح له، وأصاب النّاس يومئذ شدّة وجهد، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إنّي دافع اللّواء غدًا إلى رجل يحبّه الله ورسوله، ويحبّ الله ورسوله، لا يرجع حتّى يفتح له؛ فبتنا طيّبة أنفسنا أنّ الفتح غدًا، فلمّا أن أصبح رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلّى الغداة ثمّ قام قائمًا فدعا باللّواء، والنّاس على مصافّهم، فدعا عليًّا وهو أرمد فتفل في عينيه ودفع إليه اللّواء، وفتح له) قال بريدة: وأنا فيمن تطاول لها.
وجاء في مسند أبي يعلى من حديث أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخذ الرّاية فقال: (من يأخذها؟ فقال الزّبير: أنا، فقال: أمط، ثمّ قال النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: من يأخذها؟ فقال رجل : أنا. فقال له النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أمط، ثمّ قال النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: من يأخذها؟ فقال رجل آخر: أنا. فقال: أمط، فأعطاها علي بن أبي طالب وفتح الله على يديه خيبر).
وقد خرج مرحب وهو سيّد أهل خيبر يخطر بسيفه ويقول:
قد علمت خيبر أنّي مرحب شاكي السّلاح بطل مجرّب
فخرج عليّ فقال:
أنا الّذي سمّتني أمّي حيدره كليث غابات كريه المنظره
قال: فضرب رأس مرحب فقتله، ثمّ كان الفتح على يديه.
وهكذا عمرو بن ود العامري فقد قتله علي بن أبي طالب وشارك في قتل ثلاثة من صناديد قريش وأنزل الله عز وجل: (( هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ))[الحج:19].(31/14)
فهذا هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والذي اجتمعت فيه الشجاعة، والفقه في الدين، والزهد في الدنيا، وارتفعت منْزلته حتى صار مستشارًا لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما بسبب ما أعطاه الله من الفقه.
ويقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في علي بن أبي طالب: (من كنت مولاه فعليّ مولاه) رواه الترمذي من حديث زيد بن أرقم. وجاء عن ستة من الصحابة: (من كنت وليّه فعليّ وليّه).
وليس في هذا الحديث أن عليًا أحق بالخلافة، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يوص بالخلافة، وإنما أشار إشارات أنّها لأبي بكر الصديق وهو حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (ادعي لي أباك وأخاك، حتّى أكتب كتابًا، فإنّي أخاف أن يتمنّى متمنّ ويقول قائل: أنا أولى، ويأبى الله والمؤمنون إلاّ أبا بكر).
وهذا كما يقول الإمام الشافعي والطحاوي رحمهما الله: إن الحديث لا يدل على أن عليًا أحق بالخلافة، وإنما هو ولاء الإسلام كقوله تعالى: (إنّما وليّكم الله ورسوله والّذين آمنوا الّذين يقيمون الصّلاة ويؤتون الزّكاة وهم راكعون)، وكقوله تعالى: (( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ))[التوبة:71] فإن قال قائل: فلم خصّ علي؟
فالجواب: أن خصوصية علي دليل على منْزلته الرفيعة.
ففرق بين علو المنْزلة، وبين الاستحقاق للخلافة، فقد يكون رجلاً من أعلم الناس، ولكن ليس لديه بصيرة بالخلافة، فهل تسلم الخلافة إلى هذا الشخص الذي يعتبر من أعلم الناس، وقد يكون من أشجع الناس، ولكنه قد لا يكون لديه بصيرة لسياسة الرعية. فالسياسة شيء والعلم والزهد والشجاعة شيء آخر. فهذه بعض الأحاديث الواردة في فضل علي رضي الله عنه.
• فضائل فاطمة رضي الله عنها:
وأما فاطمة فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: (فاطمة بضعة منّي يغضبني ما يغضبها، ويريبني ما أرابها) رواه البخاري من حديث مسور بن مخرمة.(31/15)
ويقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أفضل نساء أهل الجنّة: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمّد، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون، ومريم ابنة عمران، رضي الله عنهنّ أجمعين).
وجاء في مسند الإمام أحمد من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (أقبلت فاطمة تمشي كأنّ مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: مرحبًا بابنتي ثمّ أجلسها عن يمينه، أو عن شماله، ثمّ إنّه أسرّ إليها حديثًا فبكت، فقلت لها: استخصّك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حديثه ثمّ تبكين؟! ثمّ إنّه أسرّ إليها حديثًا فضحكت، فقلت: ما رأيت كاليوم فرحًا أقرب من حزن، فسألتها عمّا قال، فقالت: ما كنت لأفشي سرّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. حتّى إذا قبض النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم سألتها فقالت: إنّه أسرّ إليّ فقال: إنّ جبريل عليه السّلام كان يعارضني بالقرآن في كلّ عام مرّةً، وإنّه عارضني به العام مرّتين، ولا أراه إلاّ قد حضر أجلي، وإنّك أوّل أهل بيتي لحوقًا بي، ونعم السّلف أنا لك، فبكيت لذلك، ثمّ قال: ألا ترضين أن تكوني سيّدة نساء هذه الأمّة، أو نساء المؤمنين؟ قالت: فضحكت لذلك).
فهذه فاطمة التي كانت في غاية من الزهد واختار الله عز وجل لها علي بن أبي طالب، فقد خطبها غير واحد، منهم: أبو بكر، وخطبها بعده عمر، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: إنّها صغيرة، ثم خطبها علي بن أبي طالب فزوجه بها. وكان مهرها درع علي بن أبي طالب الحطمية.
فهذه الأدلة المتكاثرة تدل على فضل أهل بيت النبوة.
• من هم أهل بيت النبوة؟(31/16)
إنّهم: آل علي، وآل عقيل، وآل عباس، ومن حرمت عليهم الصدقة، فإن قال قائل: فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: (اللهمّ هؤلاء أهل بيتي) وأشار إلى فاطمة وعلي والحسن والحسين، فهذا يدل على منْزلتهم الرفيعة، ولكنه لا يدل على أن الآخرين ليسوا من أهل البيت، ونساؤه أيضًا داخلات في أهل البيت، لأنّهن في السياق، حتى كان عكرمة مولى ابن عباس يخرج في الأسواق ويصيح: من شاء باهلته إن أهل بيت النبوة هم نساؤه. فلا، ليس الأمر كما يقول عكرمة، بل نساؤه من أهل بيته.
وقال بعضهم: لو كان نساؤه من أهل بيته لقال الله سبحانه وتعالى: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ ))[الأحزاب:33] ولأتى بضمير المؤنث.
فالجواب: إن أهل البيت ذكور وإناث، وغلّب الذكور كشأن كثير من الآيات كقوله تعالى: (( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ))[المزمل:20] فإنه يشمل الرجال والنساء.
• من تشملهم الفضائل من أهل البيت:
وهذه الفضائل المتقدمة هل هي تشمل من لم يكن مستقيمًا؟ فإما أن يكون مبغضًا للسنة، وإما أن يكون هاشميًا وقد أصبح شيوعيًا، أو بعثيًا، أو مرتشيًا، أو مديرًا للضرائب والجمارك، أو موظفاً في البنك الربوي، فهل يشمله هذا؟ فأقول: إننا لا نستطيع أن ننفي نسبه إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لكن الفضيلة لا تشمله. بل الفضيلة للمتمسكين بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أهل بيت النبوة، وأسعد الناس من كان من أهل بيت النبوة وهو من أهل السنة.
فنحن ندعوهم إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أما إذا كان من أهل بيت النبوة وهو مقدام في الشر، فبنو هاشم هم أول من أدخل التلفاز إلى منطقة (دماج)، وهم أول من أتى بنسائهم إلى الانتخابات في (دماج)، وأما القبائل فقد أصبحوا يستحيون من هذا الفعل.(31/17)
فإذا كان الأمر كذلك فهل نقول: إن هؤلاء لهم شرف أهل بيت النبوة؟ لا، لا، لا، قال الله سبحانه وتعالى في شأن نوح عند أن قال: (( رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * (( قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ))[هود:46] وقال سبحانه وتعالى: (( فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ ))[المؤمنون:101].
وقال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ))[الأحزاب:30]، وقال الله سبحانه وتعالى: (( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ))[التحريم:10].
والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: (من بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه) ويقول أيضًا لبني هاشم: (لا يأتيني النّاس بأعمالهم، وتأتوني بأنسابكم).
وفي الصحيحين من حديث عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إنّ آل أبي فلان ليسوا بأوليائي، إنّما وليّي الله وصالح المؤمنين، ولكن لهم رحم أبلّها ببلاها) يعني: أصلها بصلتها.(31/18)
وأما حديث: (كلّ سبب ونسب ينقطع إلاّ سببي ونسبي)، وظاهره التعارض مع قول الله عز وجل: (( فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ ))[المؤمنون:101]، وهو حديث صحيح وقد كنت أقول بضعفه، لأنني لم أستوعب طرقه. وهذا الحديث يدل على أن من كان مستقيمًا في هذا الزمن، فإنه يشمله هذا الحديث، وليس مجرد زهد وهو يختلس أموال الناس بالحروز والعزائم.
فنريد أن نسلك مسلك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وفاطمة الزاهدة التقية، وهكذا الحسن والحسين رضي الله عنهما.
• من سب الصحابة لا نصيب له من فضائل أهل البيت:
والذي يسب الصحابة ليس له نصيب في هذه الفضيلة، يقول الله سبحانه وتعالى في شأن الصحابة: (( لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ))[الحديد:10].
فلا يشغلوك بمعاوية ولا بفلان وفلان بل اشتغل بنفسك فهل أنت راض عن نفسك؟ ولقد أحسن من قال:
بنفسي عن ذنوب بني أميّة إليه علم ذلك لا إليّه
إذا ما الله يغفر ما لديّه لعمرك إن في ذنبي لشغلاً
لي ربي حسابهم جميعًا وليس بضائري ما قد أتوه
أما مسألة سب الصحابة فإن الله عز وجل يقول: (( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ))[التوبة:100] ويقول: (( لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ))[التوبة:117].(31/19)
فالذي يسب صحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يدخل في هذه الفضيلة، وكذلك الذي يسب السنة ويتبرم من السنة ويؤذي أهل السنة. ومازال العلماء في اليمن منذ القدم وهم يعانون الأذى من الشيعة. وأول من أدخل التشيع والاعتزال إلى اليمن هو الهادي المقبور بصعدة، وقد دخل في زمن عبد الرزاق قبل الهادي، لكنه دخل دخولاً خصوصيًا لعبد الرزاق نفسه، أما الذي نشره في اليمن فهو الهادي.
أما بالنسبة للتشيع فيجب أن نكون كلنا من شيعة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لأن التشيع بمعنى الاتباع، فنحن من أتباع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وأما حديث: (يا عليّ أنت وشيعتك في الجنة) فإنه حديث موضوع، ذكره ابن الجوزي في "الموضوعات".
وأما الاعتزال فهو نسف للعقيدة، فإن المعتزلة لا يؤمنون بأسماء الله وصفاته كما هي، وهم قريبون من الخوارج يحكمون على صاحب الكبيرة بأنه مخلد في النار، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: (يخرج من النّار من قال: لا إله إلاّ الله، وفي قلبه وزن ذرّة من خير).
فهذه الأدلة المتقدمة خير من الأكاذيب والترهات التي تلقى علينا من أمثال: (أهل بيتي كسفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق وهوى)، ومثل: (عليّ خير البشر، من أبى فقد كفر) وعلى قولهم هذا فعليّ خير من الأنبياء والناس أجمعين.
• أهل السنة وحبهم الشرعي لأهل البيت:(31/20)
وهذا الذي تقدم من فضائل أهل بيت النبوة هو قطرة من مطرة، لأن محاضرة واحدة لن تستوعب فضائل أهل بيت النبوة، فقد ألف الدولابي كتابًا بعنوان " الذرية الطاهرة "، وألف الإمام أحمد كتابًا في فضائل الصحابة وذكر الشيء الكثير من فضائل أهل بيت النبوة، وألف المحب الطبري كتابًا بعنوان " ذخائر العقبى في فضائل ذوي القربى "، وهو كتاب جمع فيه الصحيح والضعيف والموضوع وما لا أصل له، لأن صاحبه ليس بمحدث، والشوكاني له كتاب بعنوان " در السحابة في فضائل الصحابة والقرابة "، ولم يتحر الأحاديث الصحيحة. من أجل هذا نتمنى أن الله يوفق طالب علم ويكتب في فضائل أهل بيت النبوة بعنوان " الصحيح المسند من فضائل أهل بيت النبوة ".
فأهل السنة يحبون أهل بيت النبوة حبًّا شرعيًا، فهم يحبون علي بن أبي طالب، ويحبون الحسنين وفاطمة، وعلي بن الحسين الملقب بزين العابدين، ومحمد بن علي الملقب بالباقر، وجعفر الصادق، وزيد بن علي، يحبونهم حبًا شرعيًا، ونعتبرهم من أئمتنا، فلم يكن عندهم تشيع ولا اعتزال، من أجل هذا فقد روى البخاري ومسلم لعلي بن الحسين، ومحمد الباقر وروى مسلم لجعفر الصادق، وروى أصحاب السنن لزيد بن علي رضي الله عنهم جميعًا، وقد ذكرنا شيئًا من فضائلهم وثناء أهل العلم عليهم في كتابنا "إرشاد ذوي الفطن لإبعاد غلاة الروافض من اليمن".
أما كفانا أن أحمد بن سليمان من أئمة الزيدية له كتابان بعنوان "الحكمة الدرية" والثاني "حقائق المعرفة"، فيهما السب الصراح لأبي بكر وعمر، حتى نستورد من كتب أهل إيران، ولكن هذه الكتب التي تستورد من كتب أهل إيران تعتبر دعوة لأهل السنة لأن فيها الكفر والشرك، ففيها: أن الشمس قالت لعلي بن أبي طالب: السلام عليك يا أول ياآخر يا ظاهر يا باطن يا من هو بكل شيء عليم.
وفيها أيضًا أن علي بن طالب قال: وحاشا عليًا أن يقول: [[أما تعلم أنني أعلم السر وأخفى، وأنني أعلم ما في الأرحام]].(31/21)
وإذا أردت أن تحصل على الكتاب الذي فيه هذا الكلام، فكلم شخصًا حالق لحية، مغبّر يديه كأنه يشتغل في الأسمنت، فإنّهم لن يعطوك إذا كنت ذا لحية، ثم يذهب إلى المكتبات في صعدة ويقول لهم: أريد كتاب "عيون المعجزات"، وكذلك كتاب "سلوني قبل أن تفقدوني"، وهو كتاب في مجلدين، وهذا الكتاب الضال فيه، وهو يصف علي بن أبي طالب:
أهلك عادًا وثمود بدواهيه كلّم موسى فوق طور إذ يناجيه
وفيه: أن رجلين اختصما: هل علي أفضل أم أبو بكر؟ ورضيا بأول داخل يدخل من الباب أنه الحكم، فدخل داخل وقالا له: إننا قد اختصمنا أيهما أفضل أبو بكر أم علي؟ فقال: علي أفضل لأنه خلق أبا بكر!
والكتاب يباع في صنعاء (مكتبة اليمن الكبرى) عجل الله بإحراقها، فإنّها تريد أن تزعزع عقيدة اليمنيين.
فيا أهل السنة! تمسكوا بسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فأهل السنة أنعم الله عليهم، والفضل في هذا لله وحده، ليس بحولنا ولا بقوّتنا، فأهل بيت النبوة نحبهم حبًا شرعيًا ونعترف بفضائلهم حتى من كان موجودًا الآن وهو مستقيم يجب أن نحترمه ونرعى حقه، ونعرف له منْزلته وقربه من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
أما الذي أصبح يسب الدعاة إلى الله ويقول: هؤلاء وهّابية جاءوا بدين جديد، وهو لا يعرف شيئًا عن الدين، وقلبه معلق بالمحكمة، ولصّ من اللصوص في اختلاس أموال الناس. فقد كان هناك حاكم (بالصفراء) يأكل أموال القبائل، فقيل له: حرام عليك! فقال: لا، فالقبيلي يقول: هو يهودي ما يفعل، ويفعل، والقبيلي يقول: امرأته طالق ما يفعل، ويفعل، والقبيلي يقول: كذا وكذا، فأموالهم حلال لنا. وأعظم من هذا أن المهدي صاحب " المواهب " يعتبر بلاد اليمن بلاد خراجية بمعنى أنّها ملكهم لأنّهم طهروها من المطرفيّة.(31/22)
وهكذا علم الكلام! واقرءوا "الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم" إذ يقول عن القاسم العياني: إن القاسم العياني يقول: كلامي أنفع للناس من كلام الله، لأنّهم قد أجمعوا على أن علم الكلام أشرف العلوم، وأنا أفضل من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأني أعلم منه بعلم الكلام!!!
علم الكلام الذي يقول فيه الإمام الشافعي: حكمي أن يضرب أهل علم الكلام بالجريد ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة.
ودخل البلاء حتى على المذهب، فهم يقولون: إنّهم الفرقة الناجية، وعلى مفهومهم هذا فالفرقة الناجية من منطقة (العمشية) إلى (ضحيان)، وهي التي ستدخل الجنة.
أما العلماء الأفاضل كمحمد بن إبراهيم الوزير ومحمد بن إسماعيل الأمير وهما من أهل بيت النبوة ولهم ردود على كتب الزيدية والمعتزلة، حتى أن محمد ابن إسماعيل الأمير كان يقول لأصحابه: لا ندري من نحن متبعون؟ فتارة يقولون للهادي، وأخرى لزيد بن علي.
ويقول بعضهم: ائتني بزيديّ صغير أخرج لك منه رافضيًا كبيراً.
فطغت علينا كتب الرافضة من العراق، فالقاضي جعفر بن أحمد بن عبد السلام، لعله من علماء القرن السادس أو السابع ذهب يدرس في العراق، والذي أرسله هو أحمد بن سليمان، وما رجع إلا بشر مستطير، أهل العراق الذين يعتبرون من عبدة قبر الحسين وقبر علي بن أبي طالب، ومن الغلاة في جعفر، حتى إن هارون بن سعد العجلي يقول وقد كان شيعيًّا:
فكلهم في جعفر قال منكرًا طوائف سمته النّبيّ المطهر
أبرئت إلى الرحمن ممن تجفّرا بصير بعين الكفر بالدين أعورا
عليها وأن يغدوا إلى الحق قصّرا ولو قيل زنجيّ تحوّل أحمرا
إذا هو وجه للإقبال وجه أدبرا كما قال في عيسى الفرى من تنصّرا(31/23)
والمتأخرون غيّروا وبدّلوا وظلموا المتمسكين بالسنة، وما انتشرت السنة إلا في هذه الأزمنة، وهذا من فضل الله تعالى، فأهل بيت النبوة يقول الله تعالى فيهم: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ))[الأحزاب:33]، والرجس: الإثم والعصيان، ولكن هل هذه إرادة كونية أم إرادة شرعية؟
والجواب: إنّها إرادة شرعية، ولو كانت إرادة كونية لوقعت كما أراد ربنا عز وجل.
• مجموعة نصائح لأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم:
والذي أنصح به إخواننا الأفاضل من أهل بيت النبوة أن يحمدوا الله، فإننا ندعوهم إلى التمسك بسنة جدهم، ولا نقول لهم: تمسكوا بسنة جدنا، فمن نحن؟! ولا نستحق أن ندعو إلى التمسك بسنتنا، ولا بسنة أجدادنا، لكن نقول لهم: تعالوا حتى نتمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، الذي هو جدكم ويعتبر شرفًا لكم.
كما ننصحهم أن يلتحقوا بمعاقل العلم ويدرسوا الكتاب والسنة، فما رفع الله شأن محمد بن إبراهيم الوزير ومحمد بن إسماعيل الأمير، وحسين بن مهدي النعمي، وهؤلاء الثلاثة من أهل بيت النبوة، ومحمد بن علي الشوكاني وهو قاض، ما رفع الله شأنهم إلا بالعلم، وتمسكهم بسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
أما التحكم والكبر فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: (لا يدخل الجنّة من كان في قلبه مثقال ذرّة من كبر).
فترى الرجل منهم له بنات ربما يعجّزن ولا يزوّج القبائل، ولقد قال محمد بن إسماعيل الأمير، عند أن ذكر أن الكفاءة في الدين: اللهم إنا نبرأ إليك من شرط ربّاه الهوى، وولده الجهل والكبرياء، شرط ليس في كتاب الله، ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولقد حرمت الفاطميات في يمننا ما أحل الله لهن، ثم ذكر حديث فاطمة بنت قيس التي قال لها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أنكحي أسامة) وأسامة ليس بقرشي.(31/24)
ويقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (يا بني بياضة! أنكحوا أبا هند وأنكحوا إليه) وكان أبا هند رجلاً حجّامًا. ولقد قرأت في كتاب اسمه "المحبّر"، وإذا جمْع من النساء الفاطميات قد تزوّجن بمن ليس بفاطمي، وهذا أمر يخالف حتى المذهب الزيدي، على أننا نقول: إن المذهب الزيدي مبنيّ على الهيام، ولنا شريط في ذلك، ففي ما قرأناه في "متن الأزهار" (والكفاءة في الدين، قيل: إلا الفاطمية)، بصيغة التمريض، وإلا فالكفاءة في الدين يقول الله تعالى: (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ))[الحجرات:13]، وعلي بن أبي طالب زوج ابنته بعمر بن الخطاب، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم زوج ابنته بعثمان فلما توفيت زوّجه الأخرى، فلما توفيت الثانية قال: (لو أنّ لنا غيرها لزوّجناك ياعثمان).
فهذا ظلم للفاطميات، وهم يسمونها عندنا (شريفة)، لكن إذا جاءت الانتخابات خرجوا إليها وهم أول من سن هذه السنة السيئة.
فإذا أراد إخواننا أهل بيت النبوة أن نحبهم وأن نعظمهم فليسلكوا مسلك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
• معنى كلمة: (ناصبي):
تنبيه: قد يسأل سائل عن معنى كلمة (ناصبي)، فنقول: هو من نصب العداوة لآل بيت محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو الحرب سواء بيده أم بلسانه، فهذا معنى الناصبي. والمحدثون وأهل السنة يعدون الناصبي مبتدعًا، كما يعدون الشيعي مبتدعًا.
• تنبيه في الخلاف بين معاوية وعلي:
تنبيه آخر: النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: (إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما، كائنًا من كان)، وقد كان بويع لعلي بن أبي طالب، ثم خرج عليه من خرج رضوان الله عليهم أجمعين، ويقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أبشر عمّار تقتلك الفئة الباغية).(31/25)
فمعاوية وأصحابه يعتبرون بغاة؛ لأنّهم خرجوا على علي بن أبي طالب وهو أحق بالخلافة، لكن لا يخرجهم بغيهم عن الإسلام قال الله سبحانه وتعالى: (( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ))[الحجرات:9] فسماهم مؤمنين. وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النّار) فسماهم مسلمين.
ويقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الخوارج الذين يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، يقول في آخر الحديث: (تقتلهم أولى الطّائفتين بالحقّ)، فقتلهم عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.
فعلي بن أبي طالب هو المصيب في جميع حروبه، ورحم الله عمر بن عبد العزيز وقد سئل عن هذه الفتن فقال: تلك فتنة طهّر الله منها سيوفنا، فلا نقذّر بها ألسنتنا
=====================
جهود آل البيت رضي الله عنهم في الدعوة إلى الله
الشيخ/ حسن الحسني
حال الأمة قبل الإسلام:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، الحمد لله خيراً مما نقول وفوق ما نقول، اللهم لك الحمد، لك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بالقرآن، عز جاهك، وجل ثناؤك، وتقدست أسماؤك، في السماء ملكك، وفي الأرض سلطانك، وفي ا لبحر سبيلك، في الجنة رحمتك، وفي البحر غضبك، وفي كل شيء حكمتك وآيتك، لا إله إلا أنت. اللهم لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا.
إخواني في الله: أي أمة كنا قبل الإسلام؟ وأي جيل كنا قبل الإيمان؟ وأي كيان نحن بغير القرآن؟! كنا قبل لا إله إلا الله أمة و ثنية، أمة لا تعرف الله، أمة تسجد للحجر وتقدس الشجر، أمة تغدر، أمة يقتل بعضها بعضاً، أمة عاقة، أمة لا تعرف من المبادئ شيئاً، فلما أراد الله أن يرفع رأسها، وأن يعلي مجدها، وأن يخلد ذكرها أرسل إليها رسول الهدى محمداً صلى الله عليه وآله وسلم (( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ))[الفتح:29].(31/26)
إن البرية يوم مبعث أحمد نظر الإله لها فبدل حالها
بل كرم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالها
لبس المرقع وهو قائد أمة جبت الكنوز فكسرت أغلالها
ولله در من قال:
وجملني بعافية وعفو فإن تمنن بعفوك لا أبالي
وصلى الله ما غنت بأيك على الأغصان من طلح وغال
على المعصوم أفضل كل خلق وأزكى الخلق مع صحب وآل
اللهم صل على نبيك محمد صلى الله عليه وآله وسلم، الذي هديت به الإنسانية، وأنرت به أفكار البشرية، وزلزلت به كيان الوثنية، اللهم صل وسلم على صاحب الحوض المورود، واللواء المعقود، والصراط الممدود.
دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى التوحيد:
أتى عليه الصلاة والسلام فصعد على جبل الصفا ونادى العشائر والبطون ثم قال لهم: { قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا } فقامت دعوته على هذا الكلمة كما كانت دعوة الأنبياء من قبلهم (( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ))[النحل:36].
جاء بها محمد صلى الله عليه وآله وسلم فأعلنها صريحةً أنه لا إله إلا الله، فاستجاب له من أراد الله رفع درجته، وصم عنها من أراد الله عذابه في الدنيا والآخرة، استجاب له أصحابه الأبرار وفي مقدمتهم آل بيته الأطهار.
حال الأمة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم عامة، وحال آل البيت على درجة الخصوص(31/27)
وبعد انتقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى ورث أتباعه تلك الدعوة فتابعوا المسيرة، وواصلوا الدعوة، فكانوا متبعين ولم يكونوا مبتدعين. وكان لآل البيت رضوان الله عليهم مناهجهم الفريدة وأساليبهم المتميزة في الدعوة إلى الله (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ))[الأحزاب:33]. ولعل من الأسباب التي حملتني على لحديث عن هذا الموضوع: كون منهج آل البيت القائم على التمسك بالسنن والاجتهاد في العبادة، والتقلل من الدنيا هو الاتجاه السليم والمشروع، ومعلوم أن صلاح آخر هذه الأمة لا يكون إلا بما صلُح به أولها.
مكانة أهل البيت عند أهل الإسلام:
ولا ننس مكانة آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند المسلمين كافة، فهم يحبونهم ويتولونهم، ويحفظون فيهم وصية نبيهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال يوم غدير خم: { أذكركم الله في أهل بيتي } وقد اتفق المسلمون على حب آل البيت لإيمانهم وتقواهم، ولقربهم من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويرون أن شرف النسب تابع لشرف الإيمان، ومن جمع الله له بينهما فقد جمع له بين الحسنيين.
أحب الرسول وآل الرسول محبة مستمسك بالهدى
لهم في فؤادي هوىً هوى أبيهم أليسوا بني أحمدا
وأرجو بحبي لهم زلفةً إلى الله عند النشور غدا
ولا سيما من تباهت بهم ذرى المجد والفضل لن يجحدا
علي وفاطم والحسن ومن مثلهم في الورى سؤددا
هم القوم مثل نجوم الدجى لمن تاه في مهمهات الردى
برئت إلى الله من كل من أساء لهم فافترى واعتدى
أساء الغلاة وضل الجفاة فكل عن الحق قد أبعدا
أصول الدعوة عند آل البيت:
قبل الحديث عن جهود آل البيت في الدعوة إلى الله كان لزاماً علينا أن نعرف ما هي الأصول التي انطلقت منها تلك الدعوة المباركة:
التمسك بالكتاب والسنة:(31/28)
عن أبي عبد الله رضي الله عنه قال: [[ من خالف كتاب الله وسنة محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقد كفر]] [كتاب الكافي: الجزء الأول، باب الأخذ بالسنة وشواهد الكتاب]. فآل البيت وأتباعهم سلكوا المنهج العلمي في ضوء الكتاب والسنة، وابتعدوا عن الجمود والتعصب المذهبي الذي أبعد الناس عن صفاء الدين الإسلامي، وقد روي عن أئمة أهل البيت أنهم قالوا: [[ إذا جاءكم منا حديث فاعرضوه على كتاب الله، فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالفه فاطرحوه أو ردوه علينا]] [تهذيب الأحكام: الجزء السابع، باب من أحل الله نكاحهم من النساء].
وعن أبي عبد الله رضي الله عنه قال: كل شيء مردود إلى الكتاب والسنة، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف [كتاب الكافي: الجزء الأول، باب الأخذ بالسنة وشواهد الكتاب].
العلم والبصيرة:
العلم أساس الدعوة ومادته، ولا يمكن أبداً لدعوة أن تقوم على الوجه المرضي عند الله إلا إذا كانت مبنيةً على العلم، فعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: {{ أيها الناس! اعلموا أن كمال الدين طلب العلم والعمل به، ألا وإن طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال }} [كتاب الكافي: الجزء الأول، باب فرض العلم].
نماذج مثالية من أهل البيت في طلبهم للعلم:
ولذلك نجد أن أئمة آل البيت توجهوا إلى طلب العلم وتعليمه، أذكر بعضاً منهم:
-الإمام محمد الباقر:
الذي قال عنه الذهبي: شهر بـ(الباقر) من بقر العلم أي: شقه، فعرف أصله وخفيه، ولقد كان إماماً مجتهداً، تالياً لكتاب الله، كبير الشأن، لا نحابيه ولا نحيف عليه، نحبه في الله لما تجمع فيه من صفات الكمال.. انتهى كلامه. وقال ابن كثير: أحد أعلام هذه الأمة علماً وعملاً وسيادةً وشرفاً.
-ومنهم الإمام جعفر الصادق، قال عنه الذهبي: الإمام الصادق شيخ بني هاشم، أبو عبد الله القرشي الهاشمي العلوي النبوي المدني، أحد الأعلام. وقال أبو حاتم الرازي: لا يسأل عن مثله.(31/29)
-ومنهم الإمام موسى الكاظم، قال عنه ابن تيمية: مشهور بالعبادة والنسك. وقال أبو حاتم الرازي: ثقة صدوق، إمام من أئمة المسلمين.
العمل بمقتضى العلم:
ليس العلم بكثرة التعلم، إنما هو نور يقع في قلب من يريد الله أن يهديه، فإذا أردت العلم فاطلب أولاً في نفسك حقيقة العبودية، واعلم أن العمل هو ثمرة العلم، وعلم بلا عمل كشجرة بلا ثمر؛ لذلك شدد الله في الآخرة عقوبة العالم الذي لا يعمل بعلمه، قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: { يُلقى العالم في النار فتندلق أقتابه فيدور بها كما يدور الحمار في الرحا }[منية المريد].
الصبر والاحتساب:
(( وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ))[الأنعام:34] وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: {{ الصبر في الأمور بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا فارق الرأس الجسد فسد الجسد، وإذا فارق الصبر الأمور فسدت الأمور }} [كتاب الكافي: الجزء الثاني، باب الصبر].
التخلق بالأخلاق الفاضلة:
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: { إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق }[مستدرك الوسائل: الجزء الحادي عشر، باب استحباب التخلق بمكارم الأخلاق] فعلى الداعية أن يتمسك بحسن الخلق بحيث يظهر عليه أثر العلم في معتقده وفي عبادته وفي هيئته، وفي جميع سلوكه؛ حتى يمثل دور الداعية إلى الله عز وجل، وتكون دعوته مقبولةً عند الناس. فعن أبي عبد الله جعفر بن محمد رضي الله عنه أنه قال: [[ إنا لنحب من شيعتنا من كان عاقلاً فهماً، فقيهاً حليماً، مدارياً صبوراً، صدوقاً وفياً ]]. ثم قال: [[ إن الله تعالى خص الأنبياء بمكارم الأخلاق، فمن كانت فيه فليحمد الله على ذلك، ومن لم يكن فيه فليتضرع إلى الله وليسأله إياه ]] [المصدر السابق].
تصفية الدين مما علق به من الشرك والبدع والأفكار الدخيلة:(31/30)
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: { اتبعوا ولا تبتدعوا، فكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار }[مستدرك الوسائل: الجزء الثاني عشر، باب وجوب إظهار العلم عند البدع]. و عندما جاء رجل إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه سأله عن السنة والبدعة؟ أجاب: {{ السنة ما سن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والبدعة ما أحدث من بعده }}[معاني الأخبار].
فهذا هو التعليم المبارك الذي سار عليه آل البيت في مدرستهم المباركة، وكانوا يعلمونه أتباعهم وأحبابهم ليكونوا جميعاً على نهج خير الخلق جميعاً محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
جهود آل البيت في الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
فاطمة عليها السلام ودفاعها عن أبيها صلى الله عليه وآله وسلم:
نحن الآن في مكة المكرمة، الزمان: قبل الهجرة النبوية، المكان: الحرم المكي الشريف، وهناك النبي صلى الله عليه وآله وسلم قائم يصلي عند الكعبة، وأبو جهل وأصحاب له جلوس، إذ قال بعضهم لبعض: أيكم يجيء بسلا جزور بني فلان -أي: يأتي بأحشاء الإبل- فيضعه على ظهر محمد إذا سجد؟ فانبعث أشقى القوم وأكثرهم خبثاً وهو عقبة بن أبي معيط فجاء به، فنظر حتى سجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ووضعه على ظهره بين كتفيه، فجعلوا يضحكون حتى مال بعضهم إلى بعض من الضحك، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ساجد لا يرفع رأسه.
حينها أقبلت جارية صغيرة تسعى، فطرحت عن ظهر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك الأذى، وأقبلت على المشركين صارخة، صارخة في وجوههم تسبهم وتشتمهم؛ فلم يردوا عليها شيئاً، أتدرون من هذه؟ إنها فاطمة الزهراء.. هي زوج من؟! هي أم من؟! هي بنت من؟! هي سيدة نساء العالمين، أما زوجها فعلي بن أبي طالب، وأما أبناؤها فالحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأما أبوها فمحمد صلى الله عليه وآله وسلم
علي وفاطم والحسن ومن مثلهم في الورى سؤددا(31/31)
هم القوم مثل نجوم الدجى لمن تاه في مهمهات الردى
فلما قضى النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلاته رفع رأسه وقال: { اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش } فلما سمعوا صوته ذهب عنهم ذلك الضحك وخافوا دعوته، وكانوا يرون أن الدعوة في ذلك البلد مستجابة، ثم سمى: { اللهم عليك بأبي جهل، وعليك بعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط } قال ابن مسعود: {{ فوالذي نفسي بيده لقد رأيت الذين عد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صرعى يوم بدر، ثم سحبوا إلى القليب –قليب بدر- }} فيا له من موقف! ويا له من إقدام! سَلِمَ ذلك اللسان الذي دافع عن رسول الله، وشُلَّ ذلك اللسان الذي طعن في آل بيت رسول الله.
ولو كُنَّ النساء كمن ذكرنا لفضلت النساء على الرجال
وما التأنيث لاسم الشمس عيب وما التذكير فخر للهلال
جهود علي رضي الله عنه في الهجرة:(31/32)
بعد هجرة الصحابة إلى المدينة أقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مكة ينتظر إذن الله بالهجرة، فأتاه جبريل عليه السلام، وأمره ألا يبيت في مكانه الذي يبيت فيه، فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وخلفه بمكة لقضاء الديون ورد الودائع التي كانت عنده، وأمره أن ينام على فراشه، وقد أحاط المشركون بالدار، فلبس ثوب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم نام مكانه، وأخذ المشركون يرمون علياً بالحجارة -كما كان يرمى نبي الله- وهو يتضور ويتألم، قد لف رأسه في الثوب لا يخرجه حتى أصبح، ثم كشف عن رأسه، فلما رأى المشركون علياً رضي الله عنه رد الله مكرهم، وأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم علياً أن يلحقه بالمدينة، فخرج علي رضي الله عنه في طلبه يمشي الليل ويكمن النهار حتى قدم المدينة، فأقبل الصحابة رضي الله عليهم على رسول الله يخبرونه بقدوم علي رضي الله عنه، برقت أسارير وجهه، ذلك الوجه الأنور والجبين الأزهر-بأبي هو وأمي- وقال: { ادعوا لي علياً } قال الصحابة: يا رسول الله، يا رسول الله! لا يقدر أن يمشي. فأتاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلما رآه اعتنقه وبكى، بكى رحمةً لما بقدميه من الورم، وكانت تتقطران دماً، خرست الألسنة، نطقت الدموع
إذا اشتبكت دموع على خدود تبين من بكى ممن تباكى
فتفل النبي صلى الله عليه وآله وسلم في يديه ومسح بهما رجليه، ودعا له بالعافية، فلم يشتكِ بعد يومئذ حتى استشهد رضي الله عنه.(31/33)
ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن دور الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان من أخطر أدوار الهجرة، فكان أول فداء في الإسلام، ومن ثم فلابد أن يكون هذا الفدائي من طراز فريد، وهو يعلم أن السيوف المسلولة تنتظره في الصباح، وسيظل المسلمون إلى يوم الدين عندما يذكرون حادثة الهجرة يذكرون هذا الفداء وتلك البطولة التي فاقت كل بطولة، جاد بحياته لماذا؟ لتنتشر دعوة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وليتألق الإسلام في آفاق الدنيا.
دعوة آل البيت إلى تقرير التوحيد:
خلق الله العالم من الإنس والجن لعبادته وأوجبها عليهم، وهذه الغاية بينها الله سبحانه في كتابه حيث قال: (( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ))[الذاريات:56] وأرسل الله إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه ليرشدوا العباد إلى توحيده تبارك وتعالى (( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ))[النحل:36] فكل الرسل بدءوا دعوتهم بتوحيد الله تبارك وتعالى، ابتداءً من نوح عليه السلام وانتهاءً بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى هذا سار أئمة آل البيت رضوان الله عليهم معظمين لله تبارك وتعالى حق تعظيمه، فكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يربي أصحابه في كل مكان وفي كل وقت على التوحيد، ويجعل محبة الله تبارك وتعالى والخوف منه في قلوبهم (( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ))[الجمعة:2].(31/34)
إن إيمان المسلم بوحدانية الله عز وجل واعتقاده بأنه لا خالق ولا رازق ولا مالك ولا متصرف في خلقه وملكه إلا الله لا شريك له ولا ند له؛ هي الفطرة التي فطر الله الناس عليها: (( قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ ))[يونس:31].
لكن يؤسفنا كثيراً.. يؤسفنا حقاً أن نرى في عصرنا الحاضر من الناس من يخالف تلك الفطرة؛ معتقداً بأن للأولياء والصالحين حق التصرف والتدبير في خلق الله وملكه وخاصة آل البيت عليهم السلام، سالكين مخرجاً لهذا المعتقد على أن هذه الأعمال كلها بإذن الله تعالى.. و هذا والله أمر عجيب! لأنه مناف لدين الله عز وجل في ربوبيته (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ))[فاطر:3] وقال تعالى: (( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ ))[النمل:62] .
وقد ذكر الكشي في رجاله بأن أقواماً من الناس يحدثون الناس بأحاديث منكرة ومكذوبة على جعفر بن محمد وعلى آله الطاهرين عليهم السلام، يستأكلون بها الناس، ويأخذون منهم الدراهم، ويزعمون بأن علياً عليه السلام في السحاب يطير مع الريح، وأنه كان يتكلم بعد الموت، وأنه كان يتحرك على المغتسل، وأن إله السماء وإله الأرض الإمام، فجعلوا لله شريكاً جهلاً وضلالاً..!(31/35)
ثم قال: والله ما قال جعفر شيئاً من هذا قط، وكان جعفر أتقى لله وأورع من ذلك، فسمع الناس ذلك فضعفوه، ولو رأيت جعفر لعلمت أنه واحد من الناس (( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ))[الإسراء:23] فمن عبد الله وحده أنجاه وأدخله جنته تكريماً له لما فعل، ومن عبد غير الله أو جعل له نداً أو مساوياً له عاقبه الله بنار جهنم خالداً فيها (( وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ))[المائدة:72].
اعلم -رحمك الله- أن العبادة لها أنواع كثيرة يجب صرفها جميعاً لله وحده لا شريك له، ومنها الدعاء بأنواعه من استغاثة واستعانة واستعاذة والذبح والنذر والطواف، والصلاة والزكاة والصيام، فمن صرف منها شيئاً لغير الله فقد أشرك بالله عز وجل
فإن رمت النجاة غداً وترجو نعيماً لا يصير إلى زوال
فلا تشرك بربك قط شيئاً فإن الله جل عن المثال
إله واحد أحد عظيم عليم عادل حَكِمَ الفعال
رحيم بالعباد إذا أنابوا وتابوا من متابعة الضلال
شديد الانتقام ممن عصاه ويصليه الجحيم ولا يبالي
فبادر بالذي يرضى لتحظى بخير في الحياة وفي المآل
وأحبب في الإله وعَادِ فيه وأبغض جاهداً فيه ووالِ
وأهل الشرك باينهم وفارق ولا تركن إلى أهل الضلال
وتشهد قاطعاً من غير شك بأن الله جل عن المثال
بهذا جاءنا في كل نص عن المعصوم من صحب وآل
فيا فرداً بلا ثان أجرني وثبتني بعزك ذا الجلال
وعاملني بعفوك واهدِ قلبي بفضلك عن حرامك بالحلال
صبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سبيل نشر التوحيد وحال بعض الناس بعده:(31/36)
واستمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الدعوة المباركة حتى دخل كثير من الناس في دين الإسلام، دين التوحيد، متحملاً مع أصحابه أذى قريش وجبروتهم وطغيانهم حتى ظهرت دعوته ولله الحمد والمنة.
ومما يؤسف حقاً أن البعض يقول: لا إله إلا الله؛ ومع ذلك فهو يجعل الأولياء والصالحين شفعاء ووسطاء بينه وبين الله في جميع أنواع العبادات من الدعاء والخوف والنذر والتبرك، فلم يخلص العبادة لله وحده..! (( أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ))[النمل:60].
إخواني في الله: إن أملي ورجائي من كل علماء ودعاة الأمة ألا يوجهوا الناس إلى التعلق بالناس، بل يوجهوهم إلى التعلق برب الناس، ويربوهم على اللجوء والتضرع إلى الله وحده في الرخاء والشدة، في المصيبة والكربة، في المرض والصحة (( الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ ))[الشعراء: 78-81].
التحذير من الوقوع في الشرك:
عن جابر بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: { الموجبتان: من مات يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله شيئاً يدخل النار }[بحار الأنوار: الجزء الثالث، باب ثواب الموحدين].
من مظاهر الشرك التي يحذر منها أهل البيت:
لخطورة أمر الشرك سنذكر بعض الأمور التي حذر منها أئمة آل البيت رضوان الله عليهم، باعتبارها وسيلة تؤدي إلى الشرك بالله تعالى، ومن أهم هذه الوسائل وأخطرها:
الصور والتماثيل:(31/37)
من المداخل الخطيرة لباب الشرك، و التي تعد من الأمور العظيمة التي نهى عنها الله عز وجل: الصور؛ وذلك لما يفعله ذلك المصور من تصاوير يضاهي بها خلق الله عز وجل، والمقصود من التصاوير التي حذر منها النبي صلى الله عليه وآله وسلم هي: تصوير ذوات الأرواح، ولا سيما تصوير المعظمين من البشر كالأنبياء والأولياء والعلماء وغيرهم، وليعلم المسلمون بأن أول شرك حدث في الأرض كان بسبب التصوير ونصب الصور.
جاء في الخبر عن أبي جعفر رضي الله عنه: [[ أن إبليس هو أول من صور صورةً على مثال آدم عليه السلام ليفتن بها الناس، ويضلهم عن عبادة الله، ثم صور صورة ود، وهكذا بعده سواع فيغوث ثم يعوق، حتى بعث الله إدريس عليه السلام فحذرهم من عبادة الأصنام ونهاهم عنها ]] [كتاب قصص الأنبياء].
ولهذا لعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم المصورين، وأخبر أنهم أشد الناس عذاباً يوم القيامة، فهل يعقل بعد هذا تعليق صور الأنبياء والأولياء والعلماء وغيرهم في البيوت والمساجد ومجالس الذكر؟ بل تجرأ البعض إلى تعليق صور النبي صلى الله عليه وآله وسلم وآل بيته الطاهرين! (زعموا!! عليهم من الله ما يستحقون).
عن أبي عبد الله رضي الله عنه قال: [[ ثلاثة يعذبون يوم القيامة، وذكر منهم: من صور صورةً من الحيوان يعذب حتى ينفخ فيها وليس بنافخ]] [كتاب ثواب الأعمال].(31/38)
وقد وصى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه بمحو تلك الصور، وخص علياً رضي الله عنه بذلك، قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة فقال: { لا تدع صورةً إلا محوتها ولا قبراً إلا سويته } [كتاب الوسائل: الجزء الثالث، باب تزويق البيوت] وضرر هذا الأمر يتعدى إلى نزع البركة وذهاب الخير من البيوت وذلك بنفور الملائكة من التصاوير، فعن أبي جعفر رضي الله عنه قال: { قال جبريل عليه السلام: يا رسول الله! إنا لا ندخل بيتاً فيه صورة إنسان } [كتاب الكافي: الجزء الثالث، باب الصلاة في الكعبة وفوقها].
تحذيرهم من الغلو في الصالحين:
إن من الوسائل المؤدية إلى الشرك بالله تعالى الغلو في الصالحين:
الإفراط والغلو في الصالحين من أشنع وأخطر ما يهدم جناب التوحيد، والغلو: هو مجاوزة الحد. قال الإمام الصادق رضي الله عنه: [[ والله: إن الغلاة لشر من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا ]] [بحار الأنوار: الجزء الخامس والعشرون، باب نفي الغلو في النبي والأئمة].
برئت إلى الله من كل من أساء لهم فافترى واعتدى
أساء الغلاة وضل الجفاة فكل عن الحق قد أبعدا
حب آهل البيت وجوب وضوابط:
اعلم -رحمك الله- أن حب آل البيت واجب، ولا يبغضهم إلا ناصبي منافق. لكن ثمة أمر مهم يجب اعتباره: وهو أن هذه المحبة يجب ضبطها بضوابط شرعية؛ حتى لا يقع المسلم في الغلو والإطراء فيرفع أحداً من الناس فوق منزلته التي أنزله الله بها، كأن يجعل للصالحين والأئمة حقاً من حقوق الله الخاصة به، فيعتقد بأنهم يخلقون ويرزقون، ويحيون ويميتون، ولهم التصرف في هذا الكون... وغير ذلك؛ وبسبب هذا الاعتقاد استغاث بهم البعض، ودعوهم من دون الله عند الشدائد، وهذا لا شك بأنه شرك بالله تعالى، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: { لا ترفعوني فوق حقي فإن الله تبارك وتعالى اتخذني عبداً قبل أن يتخذني نبياً }[المصدر السابق].(31/39)
والصالحون أنفسهم يتبرءون من أن يدعوا لأنفسهم حقاً من حقوق ربهم الخاصة (( وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ ))[المائدة: 116- 117] وهذا ما سار عليه الآل الكرام رضوان الله عليهم، وقد حذر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه من خطورة الغلو خاصة فيه فقال: {{ يهلك في اثنان: محب غال، ومبغض قالٍ }} [المصدر السابق].
والغريب أنه وجد في الأمة من نسب إلى أئمة آل البيت بعض خصائص الرب جل وعلا! لكن آل البيت تصدوا لهذا الفكر ولم يرضوا به، فعن صالح بن سهل قال: كنت أقول في أبي عبد الله رضي الله عنه بالربوبية، فدخلت فلما نظر إلي قال: [[ يا صالح! إنا والله عبيد مخلوقون لنا رب نعبده، وإن لم نعبده عذبنا ]][المصدر السابق].
وقال الصادق رضي الله عنه: [[ لعن الله من قال فينا ما لا نقوله في أنفسنا، ولعن الله من أزالنا عن العبودية لله الذي خلقنا وإليه مآبنا ومعادنا، وبيده نواصينا ]][المصدر السابق].(31/40)
فقد فطن الأئمة عليهم السلام إلى حال بعض محبيهم، وما سيؤدي إليه فرط حبهم؛ لذا قال الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه: [[ فوالله! ما نحن إلا عبيد الذي خلقنا واصطفانا، ما نقدر على ضر ولا نفع، إن رحمنا فبرحمته، وإن عذبنا فبذنوبنا، والله! ما لنا على الله من حجة، ولا معنا من الله براءة، وإنا لميتون ومقبورون، ومنشرون ومبعوثون، وموقوفون ومسئولون -إلى أن قال-: أشهدكم أني امرؤ ولدني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما معي براءة من الله، إن أطعته رحمني، وإن عصيته عذبني عذاباً شديداً ]] [كتاب رجال الكشي].
الحلف بغير الله:
الحلف واليمين من الأقوال العظيمة والدالة على إيمان العبد وتعلقه بالله، ذلك أن الحلف هو: تأكيد الشيء بذكر معظم بصيغة مخصوصة، وقد كثر بين الناس اليوم الحلف بالله كذباً أو بغير الله شركاً كمن يحلف بالأمانة أو بالشرف أو بالوالدين أو بالأولاد أو برأس النبي وآل بيته الأطهار، ومنهم من يحلف بالأحياء والموتى من الأولياء والصالحين تعظيماً لهم وخوفاً من عقابهم.
فإذا استحلف ذلك الشخص بالله عز وجل حلف بالله دون تردد ولو كان كاذباً، وإن استحلف بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أو بآل بيته أو بالولي الفلاني يتكعكع ويتلعثم، ولا يحلف به إلا صادقاً، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: { من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك }[مستدرك الوسائل: الجزء السادس عشر، باب أنه لا يجوز الحلف ولا ينعقد إلا بالله].
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: { لا تحلفوا بآبائكم ولا بالأنداد، ولا تحلفوا إلا بالله، ولا تحلفوا إلا وأنتم صادقون }[عوال اللآلي: الجزء الثالث، باب الأيمان].
لذا فالواجب على كل مسلم حفظ يمينه وكلامه وتعظيمه لله، وإن استلزم أن يقسم فليُقسم بالله تعالى وحده ولا شيء غيره.
بحمد الله نبدأ بالمقال وذكر الله في كل الفعال
فذكر الله يجلو كل هم عن القلب السليم على التوالي(31/41)
فإن رمت النجاة غداً وترجو نعيماً لا يصير إلى زوال
فلا تشرك بربك قط شيئاً فإن الله جل عن المثال
إله واحد أحد عظيم عليم عادل حكم الفعال
رحيم بالعباد إذا أنابوا وتابوا من متابعة الضلال
شديد الانتقام بمن عصاه ويصليه الجحيم ولا يبالي
فبادر بالذي يرضى لتحضى بخير في الحياة وفي المآل
وأحبب في الإله وعاد فيه وأبغض جاهداً فيه ووالي
وأهل الشرك باينهم وفارق ولا تركن إلى أهل الضلال
وتشهد قاطعاً من غير شك بأن الله جل عن المثال
بهذا جاءنا في كل نص عن المعصوم من صحب وآل
فيا فرداً بلا ثان أجرني وثبتني بعزك ذا الجلال
وعاملني بعفوك واهد قلبي بفضلك عن حرامك بالحلال
وجملني بعافية وعفو فإن تمنن بعفوك لا أبالي
وصلى الله ما غنت بأيك على الأغصان من طلح وغال
على المعصوم أفضل كل خلق وأزكى الخلق مع صحب وآل
جهود آل البيت في تأليف القلوب:
إنما جرى بين الصحابة وبعض آل البيت رضوان الله عليهم جميعاً من الخلاف إنما كان بقدر الله تعالى؛ ليبتلي المؤمنين به هل يمسكون ألسنتهم ويسلمون أم يخوضون فيه ويأثمون، لكن البعض -وللأسف- اختار الخوض في ما جرى بينهم، وتبعاً لذلك وصف الصحابة بالكفر والضلال والعياذ بالله.
وقد ورد في القرآن الكريم ما يفيد بأن المؤمنين إذا تقاتلوا لا يخرجهم ذلك عن مسمى الإيمان (( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ))[الحجرات:9] فسماهما الله مؤمنين رغم تقاتلهم.
أيها الإخوة: إن الحقيقة التي ينبغي أن نؤمن بها أنهم مع ما جرى بينهم إلا أنهم كانوا رحماء بينهم؛ وذلك هو منطوق القرآن (( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ))[الفتح:29].(31/42)
وهذه حقيقة وإن تجاهلها القصاصون فستبقى ناصعةً بيضاء، ترد على أكثر أهل الأخبار أساطيرهم وخيالاتهم التي استغلها الأعداء وأصحاب الأطماع السياسية لتحقيق مصالحهم، وتأصيل الافتراق والاختلاف في هذه الأمة.
هذا نداء إلىالباحثين، والكتبة عن تاريخ الأمة، إلى الداعين إلى وحدة الكلمة وتوحيد الصف، بل إلى كل غيور على هذه الأمة، أقول: لماذا نثير قضايا ومسائل تاريخية لها آثارها السلبية، وتأصل العداوة من غير بحث ولا نظر.. لحساب من؟ ألأجل جماهير العوام؟ أم لأجل تقليد أعمى؟ أم لكسب مادي؟ إنك تعجب من كثير من الكتاب الذين يقضون أوقاتاً ويبذلون جهوداً -في ماذا؟- في مسائل تاريخية أو فكرية هي مبنية على روايات ضعيفة، أو أقوال واهية، أو أهواء بغيضة.
إخواني في الله! يا محبي آل بيت رسول الله: فلنتصفح التاريخ قليلاً، ولنضع كلام القصاصين جانباً، ونستمع إلى كلام أئمة آل البيت مباشرة ماذا قالوا، وكيف تعاملوا مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في واقعهم وحياتهم العملية.
ولك أن تذكر هذا الموقف: بعدما قتل الإمام علي رضي الله عنه بايع الناس الحسن بن علي رضي الله عنهما بالخلافة، وكان يتفطر قلبه حسرةً وحزناً على تفرق المسلمين، وكاد أن يحصل قتال شديد بين المسلمين: جيش الحسن، وجيش معاوية رضي الله عنهما، لكنه لما بانت حقيقة الأمر للحسن بن علي رضي الله عنه أرسل لمعاوية يطلب منه الصلح، ويعرض عليه تسليم الخلافة نظير شروط معينة.(31/43)
ومن الأمور العجيبة أن معاوية قد أرسل في الوقت ذاته رجلين إلى الحسن حتى يعرض عليه الصلح قبل أن يعرف نيته بالصلح! فاتفقت الإرادتان على الصلح، فتم الصلح في خمس وعشرين من ربيع الأول سنة إحدى وأربعين للهجرة. عن أبي عبد الله جعفر رضي الله عنه قال: {{ إن معاوية كتب إلى الحسن بن علي صلوات الله عليهما: أن أقدم أنت والحسين وأصحاب علي. فخرج معهم قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري، وقدموا الشام، فأذن لهم معاوية، وأعد لهم الخطباء فقال: يا حسن! قم فبايع؛ فقام فبايع. ثم قال للحسين: قم فبايع؛ فقام فبايع. ثم قال: يا قيس! قم فبايع؛ فالتفت إلى الحسين -أي: التفت قيس إلى الحسين عليه السلام- ينظر ما يأمره، فقال -أي: قال الحسين-: يا قيس! إنه إمامي -يعني: الحسن عليه السلام-. وفي رواية: فقام إليه الحسن فقال: بايع يا قيس؛ فبايع }} [كتاب رجال الكشي].
وعندما تم أمر الصلح، وصار معاوية خليفةً للمسلمين نقم بعض الناس على الحسن فعلته حتى هم بعضهم بقتله وطعنوه في فخذه، وقالوا له: يا مسود وجوه المؤمنين!! أهذا يقال عن الحسن؟! والله إن هؤلاء مساكين ؛ لأنه لما هدأت الأمور واستقرت الخلافة لمعاوية بانت آية من آيات النبوة عندما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحسن: { أيها الناس: إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين } وإذا بالتاريخ يكشف لنا هاتين الفئتين العظيمتين: إنها فئة علي وفئة معاوية رضي الله عنهما.
ولقد سمى المسلمون هذا العام بعام الجماعة؛ لاجتماع المسلمين على خليفة واحد وعلى كلمة واحدة، وحينها هدأت الحروب، وانتظم عقد المسلمين، وتفرغوا مرةً أخرى لأعمال الجهاد في سبيل الله وفتح البلدان ونشر الدعوة الإسلامية.
لله درك يا أيها الحسن! صدق فيك المصطفى حينما قال: { اللهم إني أحبه فأحبه، وأحبب من يحبه }
أحب الرسول وآل الرسول محبة مستمسك بالهدى
لهم في فؤادي هوىً إن هوى أبيهم أليسوا بني أحمدا(31/44)
اللهم إنا نشهدك، اللهم إنا نشهدك، اللهم إنا نشهدك، ونشهد حملة عرشك، ونشهد ملائكتك، ونشهد عبادك الصالحين بأنا نحب الحسن والحسين وسائر أهل بيت رسول الله؛ فأحبنا يا ألله، فأحبنا يا ألله.
بل انظر كيف رد أئمة أهل البيت على كل من أراد إثارة الضغائن بينهم، وإليك هذه القصة.
رواها علي الأربلي في كتابه كشف الغمة: عن الإمام علي بن الحسين عليهما السلام قال: [[ جاء إلى الإمام نفر من العراق فقالوا في أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم -أي: ذكروهم بسوء- فلما فرغوا من كلامهم قال لهم: ألا تخبرونني.. أأنتم المهاجرون الأولون (( الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ ))[الحشر:8] ؟!! قالوا: لا. قال: فأنتم (( َالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ))[الحشر:9] ؟ قالوا: لا. قال: أما أنتم قد تبرأتم أن تكونوا من أحد هذين الفريقين، وأنا أشهد أنكم لستم من الذين قال الله فيهم: ((يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا ))[الحشر:10] اخرجوا عني، فعل الله بكم ]].
فما أروع تلك الكلمة! وما أبلغ هذا الدرس! هذا فهم زين العابدين علي بن الحسين رضي الله عنهما، الفهم الأصيل!(31/45)
قال الإمام علي رضي الله عنه: {{ لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم فما أرى أحداً يشبههم منكم، لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً وقد باتوا سجداً وقياماً، يراوحون بين جباههم وخدودهم، ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم، كأن بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم، إذا ذكر الله هملت أعينهم حتى تبل جيوبهم، ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف خوفاً من العقاب ورجاءً للثواب }} [نهج البلاغة].
(( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ))[الفتح:29].
صفحة مشرقة من الجهاد في سبيل الله:
هناك صفحات كثيرة نقتصر على واحدة:
من خصائص علي بن أبي طالب رضي الله عنه التي لا ينكرها منكر: قوله صلى الله عليه وآله وسلم يوم خيبر: { لأدفعن الراية غداً إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه } فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غدوا كلهم يرجو أن يعطاها، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: { أين علي بن أبي طالب؟ } فقالوا: هو يشتكي عينيه، فأتي به وبه رمد، فبصق في عينيه فدعا له فبرأ، ودفع الراية إليه فانطلق بالناس، فلقي أهل خيبر ولقي مرحبا، ذلك الخيبري اليهودي، فإذا هو يرتجز ويقول:
قد علمت خيبر أن مرحب شاكي السلاح بطل مجرب
إذا الحروب أقبلت تلهب أطعن أحياناً وحين أضرب
فبرز له علي رضي الله عنه وهو يقول:(31/46)
أنا الذي سمتني أمي حيدرة كليث غابات كريه المنظرة أوفيكم بالصاع كيل السندرة
حيدرة هو الأسد، وقد سمي علي أسداً في أول ولادته، وكان مرحب قد رأى في المنام أن أسداً يقتله، فذكره علي رضي الله عنه بذلك ليخيفه ويضعف نفسه، وأنه هو الأسد الذي سيقتله، فالتقى هو وعلي بسيفيهما فضربه علي ضربه على هامته بالسيف، عض السيف منها بالأضراس، وسمع صوت ضربته أهل العسكر، ففلق رأسه فقتله، وكان الفتح فتح خيبر.
تحذير آل البيت من البدع ومحدثات الأمور:
قال علي رضي الله عنه: {{ ما أحدثت بدعة إلا ترك بها سنة، فاتقوا البدع، والزموا المهيع، إن عوازم الأمور أفضلها، وإن محدثاتها شرارها }} [نهج البلاغة].
تعتبر الأمور المستحدثة في الدين بدعاً واجهها أئمة آل البيت على أنها مشكلات يجب إزالتها، فكان للتحذير منها نصيب كبير من جهودهم واهتماماتهم.
كان آل البيت يسيرون مع الحق أين سارت ركائبه، ويستقلون مع الصواب حيث استقلت مضاربه، إذا بدا لهم الدليل طاروا إليه زرافات ووحدانا، كانت نصوص الكتاب والسنة أجل في صدورهم من أن يقدموا عليها قول أحد من الناس، أو يعارضوها برأي أو قياس، فقد روي عن أئمة آل البيت رضوان الله عليهم أنهم قالوا: [[ إذا جاءكم عنا حديثان فاعرضوهما على كتاب الله، فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالفه فاطرحوه ]]. فخلف من بعدهم خلف تركوا السنة واتبعوا البدعة، فتصدى لهم أئمة آل البيت رضوان الله عليهم، وقاوموهم بالأساليب الحكيمة المتناسبة مع نوع البدعة وضررها وأثرها.
وسنقتصر على ذكر بعض البدع الظاهرة التي كان لأئمة آل البيت فيها موقف وروي لهم فيها أثر، ولن نتتبع كل ما حدث من مخالفات؛ فإن ذلك سيطول:
لبس الحلقة والخيط والتمائم والخواتم ونحوها لرفع البلاء:(31/47)
يعتقدون بأنها ترفع البلاء والأمراض، أو أنها تجلب الخير والبركة. نقل المجلسي في بحاره من حديث عمران بن حصين { أن رجلاً دخل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفي عضده حلقة من صفر -وفي رواية: وفي يده خاتم من صفر، أي: من النحاس- فقال: ما هذا؟! قال: هذا من الواهنة. قال: أما إنها لا تزيدك إلا وهناً } [بحار الأنوار: الجزء التاسع والخمسون، باب الحجامة والحقنة والسعوط والقيء].
وعن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه قال: كثير من الرقى وتعليق التمائم شعبة من الإشراك [مستدرك الوسائل: الجزء الثالث عشر، باب تحريم إتيان العراف وتصديقه ].
الغلو في القبور:
ما نشاهده في كثير من البلدان الإسلامية من بناء الأضرحة وتجصيصها، وجعلها مزارات تعبد من دون الله، يطاف حولها ويستغاث بها، ويطلب المدد والعون من أصحابها، تقدم لها القرابين وأكاليل الزهور والبخور... إلى غير ذلك من البدع.
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: { لا تتخذوا قبري قبلةً ولا مسجداً؛ فإن الله عز وجل لعن اليهود حين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد } [كتاب من لا يحضره الفقيه: باب التعزية والجزع عند المصيبة]. وعن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: { لا تتخذوا قبوركم مساجدكم، ولا بيوتكم قبوراً }[الجزء الثاني من مستدرك الوسائل: الصفحة التاسعة والسبعين بعد الثلاثمائة].
بل أتى النهي عن البناء أو تزيين القبور، فعن علي بن جعفر قال: [[ سألت أبا الحسن موسى رضي الله عنه عن البناء على القبر والجلوس عليه: هل يصلح؟ قال: لا يصلح البناء عليه، ولا الجلوس ولا تجصيصه ولا تطيينه ]] [الجزء الأول من كتاب الاستبصار: باب النهي عن تجصيص القبر وتطيينه].(31/48)
وقال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: {{ بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هدم القبور وكسر الصور }} [الجزء السادس من كتاب الكافي: باب تزويق البيوت] وجاء في بعض الروايات السبب المانع من هذا الفعل، فعن الإمام الصادق رضي الله عنه أنه قال: [[ كل ما جعل على القبر من غير تراب القبر فهو ثقل على الميت]] [الجزء الثالث من كتاب الوسائل: الصفحة الثانية بعد المائتين].
النياحة على الميت ولبس السواد:
من الأمور الهامة المتعلقة بمعتقد القضاء والقدر: الصبر على ما قدره الله سبحانه والرضا به، وهذا مطلب هام يغفل عنه بعض أهل الإسلام، والصبر هو: الرضا بما قدره الله، وحبس النفس عن الجزع، وحبس اللسان عن التشكي والتسخط، وحبس الجوارح عن لطم الخدود وشق الجيوب ونحوها عند المصيبة، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: { ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب }[ الجزء الثاني من مستدرك الوسائل: الصفحة الثانية والخمسين بعد الأربعمائة].
فاعلم -رحمك الله- أن عدم الصبر على قضاء الله وقدره يسخط الرب جل وعلا، وهو ينافي كمال التوحيد لما فيه من عدم الاستسلام لله والرضا بما قدره، فمن صبر عوضه ربه على ما أصابه خيراً في الدنيا والآخرة (( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ ))[البقرة:155- 157].(31/49)
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مر على امرأة تبكي على قبر فقال لها: { اصبري أيتها المرأة! فقالت: يا هذا! اذهب إلى عملك؛ فإنه ولدي وقرة عيني. فمضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتركها، ولم تكن المرأة عرفته، فقيل لها: إنه رسول الله! فقامت تشتد في طلبه حتى لحقته، فقالت: يا رسول الله! إني لم أعرفك، فهل لي أجر إن صبرت؟ فقال: الأجر مع الصدمة الأولى }[الجزء الثاني من مستدرك الوسائل: الصفحة الحادية والخمسين بعد الثلاثمائة].
وفي عصرنا الحاضر نرى كثيراً من المسلمين -هدانا الله وإياهم إلى الحق- يقومون بإحياء ذكرى وفاة واستشهاد الأولياء والصالحين، فيقومون بلطم الخدود وشق الجيوب، وضرب الرءوس بالخناجر والسيوف، وضرب الطبول ولبس السواد؛ معتقدين بأنها تحيي ذكراهم، وتشفعهم عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم وآله الأطهار.
عن الصادق عن آبائه قال: { نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الرنة عند المصيبة، ونهى عن النياحة والاستماع إليها، ونهى عن اتباع النساء للجنائز }[الجزء الرابع من كتاب من لا يحضره الفقيه: باب ذكر جمل من مناه النبي صلى الله عليه وآله وسلم] حتى ولو كان إظهار الحزن في اللباس فقط دون صراخ ولا لطم فإن ذلك لا يجوز؛ لقول أمير المؤمنين علي رضي الله عنه في ما علم أصحابه: {{ لا تلبسوا السواد فإنه لباس فرعون }} [الجزء الأول من كتاب من لا يحضره الفقيه: باب ما يصلى فيه وما لا يصلى فيه]. وعن محسن بن أحمد، عن أبي عبد الله رضي الله عنه قال: قلت له: أصلي في القلنسوة السوداء؟ فقال: لا تصل فيها؛ فإنها لباس أهل النار [الجزء الثالث من كتاب الكافي: باب اللباس الذي تكره الصلاة فيه].(31/50)
وقد يتعاطف كثير من الناس مع ما حدث للإمام الحسين -رضي الله عنه- وآل بيته الطاهرين من الظلم وسفك للدماء، وهذا واجب؛ لكنهم يندفعون فيقومون بتلك الأفاعيل التي ذكرناها آنفاً، هل يرضى الإمام الحسين بتلك الأفعال؟ تعالوا معنا نستعرض مواقفه..
فعن محمد بن علي رضي الله عنه قال: {{ لما هم الحسين رضي الله عنه للشخوص إلى المدينة أقبلت نساء بني عبد المطلب فاجتمعن للنياحة، فمشى فيهن الحسين رضي الله عنه فقال: أنشدكن الله أن تبدين هذا الأمر معصيةً لله ولرسوله }} [الجزء الثاني من مستدرك الوسائل: الصفحة الثالثة والخمسين بعد الأربعمائة].
وعن علي بن الحسين رضي الله عنه قال: {{ إن الحسين قال لأخته زينب: يا أختاه! إن أقسمت عليك فأبري بقسمي، لا تشقي علي جيباً، ولا تخمشي علي وجهاً، ولا تدعي علي بالويل والثبور إذا أنا هلكت }} [الجزء الثاني من مستدرك الوسائل، الصفحة الحادية والخمسين بعد الأربعمائة ].
إخواني في الله، يا محبي آل بيت رسول الله: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ينه عن البكاء، فالبكاء مشروع، العين تدمع، والقلب يحزن، لكن المنهي عنه هو ما قد يصاحب البكاء والحزن من ضرب الخدود والصدور بالسلاسل، وشق الرءوس بالسيوف والخناجر، والصراخ والنياحة والعويل، وكل ذلك منهي عنه في الشريعة الإسلامية.. فتأمل بارك الله فيك.
تصدي آل البيت لأفكار الملاحدة والزنادقة
في القرن الثاني الهجري كثر وجود الزنادقة حتى أصبحت الزندقة والإلحاد مشكلةً كبيرة وخطيرة على الإسلام والمسلمين، لكن آل البيت -جزاهم الله خيراً- تصدوا لها، وواجهوا رجالاً من الزنادقة، ردوا شبهاتهم وأجابوا عن مشكلاتهم، ومن تلك المشكلات: دعوى التناقض في القرآن الكريم.(31/51)
عن حفص بن غياث قال: [[ كنت عند سيد الجعافرة -جعفر بن محمد رضي الله عنه- لما أقدمه المنصور، فأتاه ابن أبي العوجاء -وكان ملحداً- فقال له: ما تقول في هذه الآية (( كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا ))[النساء:56] هب هذه الجلود عصت فعذبت فما ذنب الغير؟ يقصد: كيف يعذب الله جلوداً لم تذنب؟ فقال أبو عبد الله رضي الله عنه: ويحك! هي هي، وهي غيرها. قال: فمثل لي شيئاً من أمر الدنيا. قال: نعم، أرأيت لو أن رجلاً أخذ لبنةً فكسرها، ثم صب عليها الماء وجبلها، ثم ردها إلى هيئتها الأولى.. ألم تكن هي هي وهي غيرها؟ فقال: بلى، أمتع الله بك ]][كتاب الاحتجاج].
فالمراد بتبديل الجلود: أي: تجديدها؛ لأن القرآن فيه عام وخاص، ووجوه كثيرة وخواطر يعلمها العلماء، لكن الزنادقة لم يألوا جهداً في إثارة الشبهات وإيجاد الشكوك، ولا عجب فهذه مهمتهم وهذا هدفهم: زعزعة العقيدة في قلوب الناس، وتشكيك المسلمين في ربهم جل وعلا.
جاء رجل إلى الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه فسأله عن الله تعالى، فرد عليه قائلاً: [[ ألم تركب البحر؟ قال: بلى. قال: فهل هاجت بك الريح عاصفة؟ قال: نعم. قال: وانقطع أملك حينئذ من الملاحين ووسائل النجاة؟ قال: نعم. قال: فهل خطر ببالك وانقدح في ذهنك من يستطيع أن ينقذك إن شاء؟ قال: نعم. فقال جعفر الصادق: فذاك هو الله (( وَإِذَا مَسَّكُمْ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُوراً ))[الإسراء:67]. ]].
محاربة آل البيت للسحر والكهانة(31/52)
السحر: عبارة عن أعمال خفية تحصل بين الساحر والشياطين، تشتمل على رقىً غير شرعية، وعزائم وطلاسم، واستعمال للدخان، وأدوية، وإراقة دماء من البهائم وغيرها، ولفداحة وضرر هذا المعتقد فقد ذكر الله عز وجل أمر السحر في كتابه (( وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ ))[البقرة:102] ولأجل ذلك فقد حذر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من السحر وتعلمه والإتيان إليه وجعله من المهلكات فقال: { اجتنبوا السبع الموبقات -أي: المهلكات- قالوا: وما هي؟ قال: الإشراك، والسحر... } إلى نهاية الحديث [الجزء الثاني من كتاب الخصال: باب تعيين الكبائر التي يجب اجتنابها ].
وعن علي رضي الله عنه قال: {{ من تعلم شيئاً من السحر قليلاً أو كثيراً فقد كفر، وكان آخر عهده بربه، وحده أن يقتل إلا أن يتوب }} [بحار الأنوار: الجزء السادس والسبعون، باب السحر والكهانة].
ومما ينبغي أن ينتبه له: أن الكاهن قد يتظاهر بالتدين والصلاح، فيظهر للناس في صورة الروحاني المعالج والناصح لهم، ويقوم بالاستخارة أو بالكشف عن فعل ما، أو بالإخبار عن مرض، أو عما سيحدث في المستقبل، أو عن شيء مفقود فيصدقه العوام.(31/53)
(( هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ ))[الشعراء:221- 223] ولهم أساليب متنوعة يمارسون بها عملهم وكذبهم على الناس، منها: قراءة الفنجان، وقراءة الكف، وذكر رؤيا للمخدوع بأنه رآه في المنام وسيحصل له كذا وكذا، وكذلك الخيرة من خلال فتح القرآن الكريم وقراءة الآيات وتفسيرها بلا علم ولا دليل.
ولخطورة هذا العمل جاء الوعيد الشديد لمن ذهب إلى الساحر، فعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: {{ من جاء عرافاً فسأله وصدقه بما قال فقد كفر بما أنزل على محمد. وكان يقول: إن كثيراً من الرقى وتعليق التمائم شعبة من الإشراك }} [الجزء الثالث عشر من مستدرك الوسائل: باب تحريم إتيان العراف وتصديقه].
فهذا هو التعليم المبارك الذي سار عليه آل البيت في مدرستهم المباركة، وكانوا يعلمونه أتباعهم وأحبابهم ليكونوا جميعاً على نهج خير الخلق جميعاً محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
أحب الرسول وآل الرسول محبة مستمسك بالهدى
لهم في فؤادي هوىً إن هوى أبيهم أليسوا بني أحمدا
وأرجو بحبي لهم زلفةً إلى الله عند النشور غدا
وبعد هذه الرحلة الماتعة، مع تراث آل البيت رضوان الله عليهم، ها نحن نصل وإياكم إلى نهاية هذه المادة، وقبل الختام ليسأل كل منا نفسه: أين أنا من هذه الآيات وتلك الروايات؟ أم أنا من الذين يزعمون محبة آل البيت ثم أكون أبعد ما يكون عن منهجهم ودعوتهم؟
هذا محال في القياس بديع
لو كان حبك صادقاً لأطعتهم إن المحب لمن يحب مطيع(31/54)
وإني على علم بأن واقع بعضنا قد يكون بعيداً عن تلك الدعوة المباركة، وهذا مما يؤسف حقاً، فيأتيك الهاجس: لعل هذه الروايات عن الأئمة إنما صدرت منهم لظروف سياسية أو ضغوط معينة؛ لتخدع نفسك ثم تسكت، وترضى بعد ذلك بالواقع الأليم الذي تعيشه، ثم لا أجدك تقتنع بذلك، ولك الحق، فآل البيت أجل من أن يقولوا ما لا يعتقدون، وأن يتحدثوا بما لا يؤمنون فيفتنوا الناس في دينهم، بل كانت -والله- كلمة الحق على ألسنتهم لا يحابون أحداً، ولا سالت دماؤهم، وطارت رقابهم، وتمزقت أشلاؤهم؛ يقولونها ولا يخافون في الله لومة لائم.
اللهم إني بلغت، اللهم فاشهد.
أخي الكريم: افعل ما تشاء فلن ألزمك، ولكن تذكر بأن لك موقفاً أمام الله عز وجل يوم القيامة، وسيكلمك كفاحاً بلا ترجمان، وسيسألك عن كل صغيرة وكبيرة.
أيها العبد: أنت مسئول فأعد للسؤال جوابه، وسينقسم الناس في ذلك الموقف الرهيب، فالفائزون سيفرحون ويجيبون: يا ربنا! ما وجدناه في كتابك طبقنا، وما أمره نبيك فعلنا، وبمنهج صحبه وآل بيته اقتدينا. وأما الخاسرون فسيقولون: يا ربنا! كثرت علينا الطرق فضعنا، وتشعبت بنا السبل فتهنا، عالم يفتي بكذا فامتثلنا، وشيخ يقول كذا فصدقنا، لأقوال آبائنا وأجدادنا تعصبنا (( بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ ))[الزخرف:22].
أخي الحبيب: اقصد البحر وخل القنوات.
اللهم إني أحببت آل نبيك محمد صلى الله عليه وآله وسلم، أصدق الحب وأعمقه، فهبني يوم الفزع الأكبر لأي منهم، فإنك تعلم أني ما أحببتهم إلا فيك يا أرحم الراحمين.
أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم إني أستغفرك من كل كلمة أردت بها الحق فأخطأت سبيلها، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين
****************
الباب السابع- الشيعة والسنة(31/55)
الخطة السرية لآيات الشيعة في إيران
المقدمة
نشرت رابطة أهل السنة في إيران - مكتب لندن - هذه الرسالة السرية للغاية الموجة من شورى الثورة الثقافية الإيرانية إلى المحافظين في الولايات الإيرانية. ومتن الرسالة على درجة من الوضوح بحيث لا أرى حاجة إلى التعليقات المفصلة، ولذا اكتفيت ببعض التعليقات الضرورية. وهذه الخطة (البروتوكول) موجهة إلى المناطق السنية في إيران، هن جهة، وموجهة إلى دول الجوار من جهة أخرى لا سيما وأن إيران بعد فترة من المقاطعة الغربية لها رأت أن ذلك ليس في مصلحتها، وسياسات تصدير الثورة لم تعد ذات جدوى بل ضررها عليها أكبر، فنشأ الاتحاد الأقل تطرفا والداعي إلى الحوار والتهدئة ولذي نشأ منه بروز (تيار خاتمي) وبخاصة بعد تولي إيران رئاسة (المؤتمر الإسلامي) بعد مؤتمر طهران فهل سيعدل القوم من رسالتهم؟ لا نظن ذلك، وهذه الرسالة تؤكد ذلك وحدها، وهذا ما أعلناه ونحذر منه إخواننا في كل مكان. والله المستعان.
بقلم
دكتور / عبد الرحيم البلوشي
1419هـ
نص الرسالة
إذا لم نكن قادرين على تصدير ثورتنا إلى البلاد الإسلامية المجاورة فلا شك أن ثقافة تلك البلاد الممزوجة بثقافة الغرب([1]) سوف تهاجمنا وتنتصر علينا.
وقد قامت الآن بفضل الله وتضحية أمة الإمام الباسلة دولة الإثني عشرية في إيران بعد قرون عديدة، ولذلك فنحن - وبناء على إرشادات الزعماء الشيعة المجلين - نحمل واجبا خطيرا وثقيلا وهو تصدير الثورة، وعلينا أن نعترف أن حكومتنا فضلا عن مهمتها في حفظ استقلال البلاد وحقوق الشعب، فهي حكومة مذهبية ويجب أن نجعل تصدير الثورة على رأس الأولويات.
لكن نظرا للوضع العالمي الحالي والقوانين الدولية - كما اصطلح على تسميتها - لا يمكن تصدير الثورة بل ربما اقترن ذلك بأخطار جسيمة مدمرة.(31/56)
ولهذا فإننا خلال ثلاث جلسات وبآراء شبه إجماعية من المشاركين وأعضاء اللجان وضعنا خطة خمسية تشمل خمس مراحل، ومدّة كل مرحلة عشر سنوات، لنقوم بتصدير الثورة الإسلامية إلى جميع الدول المجاورة نوحد الإسلام أولا ([2])، لأن الخطر الذي يواجهنا من الحكام الوهابيين وذوي الأصول السنية ([3]) أكبر بكثير من الخطر الذي يواجهنا من الشرق والغرب([4])، لأن هؤلاء (الوهابيين وأهل السنة) يناهضون حركتنا وهم الأعداء الأصوليون لولاية الفقيه([5]) والأئمة المعصومين، وحتى إنهم يعدّون اعتماد المذهب الشيعي كمذهب رسمي دستورا للبلد أمرا مخالفا للشرع والعرف ([6])، وهم بذلك قد شقوا الإسلام إلى فرعين متضادين ([7]).
بناء على هذا: يجب علينا أن نزيد نفوذنا في المناطق السنية داخل إيران، وبخاصة المدن الحدودية، ونزيد من عدد مساجدنا و(الحسينيات) ([8]) ونقيم الاحتفالات المذهبية أكثر من ذي قبل، وبجدية أكثر، ويجب أن نهيئ الجو في المدن التي يسكنها 90 إلى 100بالمائة من السنة حتى يتم ترحيل أعداد كبيرة من الشيعة من المدن والقرى الداخلية، ويقيمون فيها إلى الأبد للسكنى والعمل والتجارة، ويجب على الدولة والدوائر الحكومية أن نجعل هؤلاء المستوطنين تحت حمايتها بشكل مباشر ليتم إخراج إدارات المدن والمراكز الثقافية والاجتماعية بمرور الزمن من بدء المواطنين السابقين من السنة([9])- والخطة التي رسمناها لتصدير الثورة- خلافا لرأي حتى رد فعل من القوى العظمى في العالم، وإن الأموال التي تنفق في هذا السبيل لن تكون نفقات دون عائد.
طرق تثبيت أركان الدولة: نحن نعلم أن تثبيت أركان كل دولة والحفاظ على كل أمة أو شعب ينبني على أسس ثلاثة:
الأول: القوة التي تملكها السلطة الحاكمة.
الثاني: العلم والمعرفة عند العلماء والباحثين.
الثالث: الاقتصاد المتمركز في أيدي أصحاب رؤوس الأموال.(31/57)
إذا استطعنا أن نزلزل كيان تلك الحكومات بإيجاد الخلاف بين الحكام والعلماء، ونشتت أصحاب رؤوس الأموال في تلك البلاد ونجذبها إلى بلادنا، أو إلى بلاد أخرى في العالم، نكون بلا ريب قد حققنا نجاحا باهرا وملفتا للنظر، لأننا أفقدناهم تلك الأركان الثلاثة.
وأما بقية الشعوب التي تشكل 70 إلى 80 % من سكان كل بلد فهم أتباع القوة والحكم ومنهمكون في أمور معيشتهم وتحصيل رزقهم من الخبز والمأوى، ولذا فهم يدافعون عمن يملك القوة.
ولاعتلاء أي سطح فإنه لابد من صعود الدرجة الأولى إليه.
وجيراننا من أهل السنة والوهابية هم: تركيا والعراق وأفغانستان وباكستان وعدد من الإمارات في الحاشية الجنوبية ومدخل (الخليج الفارسي)! التي تبدو دولا متحدا في الظاهر إلا أنها في الحقيقة مختلفة.
ولهذه المنطقة بالذات أهمية كبرى سواء في الماضي أو الحاضر كما أنها تعتبر حلقوم الكرة الأرضية من حيث النفط، ولا توجد في العالم نقطة أكثر حساسية منها، ويملك حكام هذه المناطق بسبب بيع النفط أفضل إمكانيات الحياة...
فئات شعوب المنطقة: وسكان هذه البلاد هم ثلاث فئات:
الفئة الأولى: هم البدو وأهل الصحراء الذين يعود وجودهم في هذه البلاد إلى مئات السنين.
الفئة الثانية: هم الذين هاجروا من الجزر والموانئ التي تعتبر من أرضنا اليوم، وبدأت هجرتهم منذ عهد الشاه إسماعيل الصفوي، واستمرت في عهد نادر شاه أفتشار وكريم خان زند وملوك القاجار وأسرة البهلوي، وحدثت هجرات متفرقة منذ بداية الثورة الإسلامية ([10]).
والفئة الثالثة: هم من الدول العربية الأخرى ومن مدن إيران الداخلية.
أما التجارة وشركات الاستيراد والتصدير والبناء فيسيطر عليها في الغالب غير المواطنين، ويعيش السكان الداخليون من هذه البلاد على إيجار البنايات وبيع الأراضي وشرائها، وأما أقرباء ذوي النفوذ فهم يعيشون على الرواتب العائدة من بيع النفط.(31/58)
أما الفساد الاجتماعي والثقافي والأعمال المخالفة للإسلام فهي واضحة للعيان. ومعلم المواطنين في هذه البلاد يقضون حياتهم في الانغماس في الملذات الدنيوية والفسق والفجور!
وقد قام كثير منهم بشراء الشقق وأسهم المصانع وإيداع رؤوس الأموال في أوروبا وأمريكا وخاصة في اليابان إنجلترا والسويد وسويسرا خوفا من الخراف والمستقبلي لبلادهم.
إن سيطرتنا على هذه الدول تعني السيطرة على نصف العالم.
أسلوب تنفيذ الخطة المعدّة: ولإجراء هذه الخطة الخمسينية يجب علينا بادئ ذي بدء أن نحسن علاقتنا مع دول الجوار ويجب أن يكون هناك احترام متبادل وعلاقة وثيقة وصداقة بيننا وبينهم حتى إننا سوف نحسن علاقتنا مع العراق بعد الحرب وسقوط صدام حسين([11])، ذلك اًن إسقاط ألف صديق أهون من إسقاط عدو واحد.
وفي حال وجود علاقات ثقافية وسياسية واقتصادية بيننا وبينهم فسوف يهاجر بلا ريب عدد من الإيرانيين إلى هذه الدول، ويمكننا من خلالهم إرسال عدد من العملاء كمهاجرين ظاهراً ويكونون في الحقيقة من العاملين في النظام، وسوف تحدد وظائفهم حين الخدمة والإرسال.(31/59)
لا تفكروا أن خمسين سنة تعد عمراً طويلاً، فقد احتاج نجاح ثورتنا خطة دامت عشرين سنة، وإن نفوذ مذهبنا الذي يتمتع به إلى حد ما في الكبير من تلك الدول ودوائرها لم يكن خطةَ يوم واحد أو يومين، بل لم يكن لنا في أي دولة موظفون فضلا عن وزير أو كيل أو حاكم ([12])، حتى فرق الوهابية والشافعية الحنفية والمالكية والحنبلية كانت تعتبرنا من المرتدين وقد قام أتباع هذه المذاهب بالقتل العام للشيعة مرارا وتكرارا، صحيح أننا لم نكن في تلك الأيام، لكن أجدادنا قد كانوا، وحياتنا اليوم ثمرة لأفكارهم وآرائهم ومساعيهم وربما لن نكون نحن أنفسنا في المستقبل لكن ثورتنا ومذهبنا باقيان. ولاكن يكفي لأداء هذا الواجب المذهبي التضحية بالحياة والخبز والغالي والنفيس، بل يتوجب أن يكون هناك برنامج مدروس، ويجب إيجاد مخططات ولو كانت لخمسمئة عام مقبل فضلا عن خمسين سنة، فنحن ورثة الملايين الشهداء الذين قتلوا بيد الشياطين المتأسلمون (السنة) وجرت دماؤهم منذ وفاة الرسول في مجرى التاريخ إلى يومنا هذا، ولم تجف هذه الدماء ليعتقد كل من يسمى مسلما بـ(علي وأهل بيت رسول الله) ويعترف بأخطاء أجداده ويعترف التشيع كوارث أصيل للإسلام ([13]).
مراحل مهمة في طريقنا:
ليس لدينا مشكلة في ترويج المذهب في أفغانستان وباكستان وتركيا والعراق والبحرين، وسنجعل الخطة العشرية الثاني هي الأولى([14]) في هذه الدول الخمس، وعلى ذلك فمن واجب مهاجرينا - العملاء - المكلفين في بقية الدول ثلاثة أشياء:
1- شراء الأراضي والبيوت والشقق، وإيجاد العمل ومتطلبات الحياة وإمكانياتها لأبناء مذهبهم ليعيشوا في تلك البيوت ويزيدوا عدد السكان.
2- العلاقة والصداقة مع أصحاب رؤوس الأموال في السوق والموظفين الإداريين خاصة الرؤوس الكبار والمشاهير والأفراد الذين يتمتعون بنفوذ وافر في الدوائر الحكومية.(31/60)
3- هناك في بعض الدول قرى متفرقة في طور البناء، وهناك خطط لبناء عشرات القرى والنواحي والمدن الصغيرة الأخرى، فيجب أن يشتري([15]) هؤلاء المهاجرين العملاء الذين أرسلناهم أكبر عدد ممكن من البيوت في تلك القرى ويبيعوا ذلك بسعر مناسب للأفراد والأشخاص الذين باعوا ممتلكاتهم في مراكز المدن، وبهذه الخطة تكون المدن ذات الكثافة السكانية قد أخرجت من أيدهم.
ثانيا: يجب حث الناس (الشيعة) على احترام القانون وطاعة منفذي القانون وموظفي الدولة، والحصول على تراخيص رسمية للاحتفالات المذهبية - بكل تواضع - وبناء المساجد والحسينيات لأن هذه التراخيص الرسمية سوف تطرح مستقبلا على اعتبار أنها وثائق رسمية.(31/61)
ولإيجاد الأعمال الحرة يجب أن نفكر في الأماكن ذاب الكثافة السكانية العالية لنجعلها موضع المناقشة في المواقع الحساسة، ويجب على الأفراد في هاتين المرحلتين أن يسعوا للحصول على جنسية البلاد التي يقيمونه فيها باستغلال الأصدقاء وتقديم الهداية الثمينة، وعليهم أن يرغّبوا الشباب بالعمل في الوظائف الحكومية والانخراط خاصة في سلك الجندية. وفي النصف الثاني من هذه الخطة العشرية يجب - بطريقة سرية وغير مباشرة - استثارة علماء السنة والوهابية ضد الفساد الاجتماعي والأعمال المخالفة للإسلام الموجودة بكثرة في تلك البلاد، وذلك غبر توزيع منشورات انتقادية باسم بعض السلطات الدينية والشخصيات المذهبية من البلاد الأخرى، ولا ريب أن هذا يسكون سببا في إثارة أعداد كبيرة من تلك الشعوب، وفي النهاية إما أن يلقوا القبض على تلك القيادات الدينية أو الشخصيات المذهبية أو أنهم سيكذبون كل ما نشر بأسمائهم([16]) وسوف يدافع المتدينون عن تلك المنشورات بشدة بالغة وستقع أعمال مريبة([17]) وستؤدي إلى إيقاف عدد من المسؤولين السابقين أو تبديلهم، وهذه الأعمال ستكون سببا في سوء ظن الحكام بجميع المتدينين في بلادهم، وهم ذلك سوف لن يعملوا على نشر الدين وبناء المساجد والأماكن الدينية، وسوف يعتبرون كل الخطابات الدينية ولاحتفالات المذهبية أعمالا مناهضة لنظامهم، وفضلا عن هذا سينمو الحقد والنفرة بين العلماء والحكام في تلك البلاد وحتى أهل السنة والوهابية سيفقدون حماية مراكزهم الداخلية ولن يكون لهم حماية خارجة إطلاقا.(31/62)
ثالثا: وفي هذه المرحلة حيث تكون ترسّخت عملائنا لأصحاب رؤوس الأموال والموظفين الكبار، ومنهم عدد كبير في السلك العسكري والقوى التنفيذية وهم يعملون بكل هدوء وأدب، ولا يتدخلون في الأنشطة الدينية، فسوف يطمئن لهم الحكام أكثر من ذي قبل، وفي هذه المرحلة حيث تنشأ خلافات وفرقة وكدر بين أهل الدين والحكام فإنه يتوجب على بعض مشايخنا المشهورين من أهل تلك البلاد أن يعلنوا ولاءهم ودفاعهم عن حكام هذه البلاد وخاصة في المراسم المذهبية، ويبرزا التشيع كمذهب لا خطر منه عليهم، وإذا أمكنهم أن يعلنوا ذلك للناس غبر وسائل الإعلام فعليهم ألا يترددوا ليلفتوا نظر الحكام ويجوزوا على رضاهم فيقلدوهم الوظائف الحكومية دون خوف منهم أو وجل في هذه المرحلة ومع حدوث تحولات في الموانئ والجزر والمدن الأخرى في بلادنا، إضافة إلى الأرصدة التي سوف نستحدثها سيكون هناك مخططات لضرب الاقتصاد في دور المجاور. ولا شك في أن أصحاب رؤوس الأموال وفي سيبل الربح الآمن والثبات الاقتصادي سوف يرسلون جميع أرصدتهم إلى بلدنا، وعندما نجعل الآخرين أحرارا في جميع الأعمال التجارية والأرصدة البنكية في بلادنا فإن بلادهم سوف ترحب بمواطنينا وتمنحهم التسهيلات الاقتصادية للاستثمار.
رابعا: وفي المرحلة الرابعة سكون قد تهيأ أمامنا دول بين علماءها وحكامها مشاحنات، والتجار فيها على وشك الإفلاس والفرار، والناس مضطربون ومستعدون لبيع ممتلكاتهم بنصف فيمتها ليتمكنوا من السفر إلى أماكن آمنة، وفي وسط هذه المعمعة فإن عملائنا ومهاجرينا سيعتبرون وحدهم حماة السلطة والحكم، وإذا عمل هؤلاء العملاء بيقظة فسيمكنهم أن يتبوؤوا كبرى الوظائف المدينة والعسكرية ويضيّقوا المسافة بينهم وبين المؤسسات الحاكمة والحكام ومن مواقع كهذه يمكننا بسهولة بالغة المخلصين لدى الحكام على أنهم خونة، وهذا سيؤدي إلى توقيعهم أو طردهم أو استبدالهم بعناصرنا، ولهذا العمل ذاته ثمرتان إيجابيتان.(31/63)
أولا: إن عناصرنا سيكسبون ثقة الحكام أكثر من ذي قبل.
ثانيا: إن سخط أهل السنة على الحكم سيزداد بسبب ازدياد قدرة الشيعة في الدوائر الحكومية، وسيقوم أهل السنة من جرّاء هذا بأعمال مناوئة أكثر ضد الحكومة، وفي هذه الفترة يتوجب على أفرادنا أن يقفوا إلى جانب الحكام، ويدعوا الناس إلى الصلح والهدوء، ويشتروا في الوقت نفسه بيوت الذين هم على وشك الفرار وأملاكهم.
خامسا: وفي العشرية الخامسة فإن الجو سيكون قد أصحب مهيأ للثورة لأننا أخذنا منهم العناصر الثلاثة التي اشتملت على: الأمن، والهدوء، والراحة، الهيئة الحاكمة ستبدو كسفينة وسط الطوفان مشرفة على الغرق تقبل كل اقتراح للنجاة بأرواحهم.
وفي هذه الفترة سنقترح عبر شخصيات معتمدة ومشهورة تشكيل مجلس شعبي لتهدئة الأوضاع، وسنساعد الحكام في المراقبة على الدوائر وضبط البلد، ولا ريب أنهم سيقبلون ذلك، وسيجوز مرشحونا وبأكثر مطلقة على معظم كراسي المجلس، وهذا الأمر سوف يسبب فرار التجار والعلماء حتى الخدمة المخلصين، وبذلك سوف نستطيع تصدير ثورتنا الإسلامية إلى بلاد كثيرة دون حرب أو إراقة للدماء.
وعلى فرض أن هذه الخطة لم تثير في المرحلة العشرية الأخيرة، فالمخلصين، وبذلك سوف نستطيع تصدير ثورتنا الإسلامية إلى بلاد كثيرة دون حرب أو إراقة للدماء.
وعلى فرض أن الخطة لم تثمر في المرحلة العشرية الأخيرة، فإنه يمكننا أن نقيم ثورة شعبية ونسلب السلطة من الحكام، وإذا كان في الظاهر أن عناصرنا - الشيعة - هم أهل تلك البلاد ومواطنوها وساكنوها، لكنا نكون قد قمنا بأداء الواجب أما الله والدين وأمام مذهبنا، وليس من أهدافنا
إيصال شخص معين إلى سده الحكم- فإن الهدف هو فقط التصدير الثورة، وعندئذ نستطيع رفع لواء هذا الدين الإلهي، وأن نُظهر قيامنا في جميع الدول، وسنقدم إلى عالم الكفر بقوة أكبر، ونزين العالم بنور الإسلام والتشيع حتى ظهور المهدي الموعود)) أ. هـ.(31/64)
هذه رسالة سرية واحدة وفقنا الله تعالى لنشرها، وهناك كتب ورسائل وبحوث مهمة جدا ألفها كبار آياتهم ومراجعهم ودعاتهم تنطوي على كيد كبير بأهل السنة.
اغتيالات علماء السنة بعد مجيء خاتمي *:
اغتيالات علماء السنة وتوقيفهم المتتالي والعشوائي مستمر في إيران حتى بعد مجيء خاتمي، وقد بدأت أمواج الاضطهاد تتسرب من مدن أهل السنة إلى قراهم، وفي الأسبوعين
*- رابطة أهل السنة في إيران.
الأخيرين اقتيد الشيخ نظام الدين روانيد ابن الشيخ عبد الله- رحمه الله - العالم والشاعر الشهير في بلوشستان الإيرانية إلى السجن، وكان الشيخ نظام الدين بصدد بناء مسجد، وكان يدير مدرسة صغيرة، ولم يعرف مصيره حتى الآن، علما أن بناء المسجد أو مدرسة دينية للسنة في إيران يعتبر من الجرائم التي لا تغتفر. كما اغتيل في الأسبوع الماضي الشيخ يار محمد كهرازهي إمام جمعية أهل السنة في مدينة خاش الذي كان يدير مدرسة دينية أيضا، وجميع الشواهد تدل عل أن المخابرات الإيرانية في التي اغتالته، لأنها اغتالت قبل سنتين ونصف تقريب مدير المدرسة نفسها: الشيخ عبد الستار - رحمه الله- إمام الجمعة والعالم الشهير لأهل السنة في مدينة خاش البلوشية، وذلك ضمن حملتها المسعورة بقيادة مرشد الثورة خامنئي لإخلاء إيران من علماء السنة، ليتسنى لهم تشيع البلد كليا بعد ذلك كما كتبوا ذلك في مخططاتهم الخمسينية السرية.
وأما الخلفية الشيخ وهو يار محمد- رحمه الله - فقد كان يخضع لاستجواب المخابرات الإيرانية كغيره من مشايخ السنة، وطلب منه فضل الطلاب من غير أبناء المنطقة - ليقطعوا أدنى صلة بين السنة في إيران حيث يعيشون في أطراف: إيران الأربعة- وحين رفض الشيخ ذلك ألقي القبض على الطلاب وتم إعادتهم - بعد السجن والتعذيب - إلى بلادهم، وكان للشيخ يار محمد موقف مشهور في الدفاع عن هؤلاء الطلاب.(31/65)
هذه في بلوشستان الواقعة في جنوب شرقي إيران، أما بالنسبة للتركمان السنة الساكنين في شمالي إيران فقد وصلنا الخبر التالي:
هاجمت عناصر المخابرات الإيرانية في الساعة الثانية والنصف ليلا(من شهر آب) 1997م منزل الشيخ آخوند ولي محمد ارزانش الذي هرب من إيران ولجأ إلى تركمانستان (أسوة بمئات من طلبة العلم من السنة الإيرانيين الذين هربوا إلى البلاد المجاورة)، وعندما لم يجدوه في المنزل أوسعوه ابنه ضربا، ثم استولوا إلى بعض الصور والمستندات والوثائق المتعلقة بالتركمان، وغادروا البيت بعدما هددوا أهله بالموت إذا هم أخبروا الشرطة، وهذه الحادثة كانت هي الثانية من نوها، إذ إنه فش شهر نيسان إبريل 1997م هجم شخص مجهول (من مجاهيل إمام الزمان لديهم وفي كناية عن المخابرات) مسلح بسكين على منزل الشيخ ولي محمد ليقتله ونجا الشيخ بعدما أصيب مجروح خطيرة، ولك هذه الأعمال والقرائن المتعلقة بها تدل على ضلوع المخابرات الإيرانية في مثل هذه الأعمال التي بدأت بأمر من الخامنئي بالتصفية الجسدية والاغتيالات والإعدام ودس السم والقتل بالطرق المتعددة لعلماء السنة في الداخل والخارج.
ونحن نناشد المسلمين النصرة: ونناشد الهيئات الدولية والمنظمات الإنسانية لتقصي الأمور وإدانة التعصب الطائفي لعل هذا يردعهم عن الاستمرار في هذه الممارسات، فيتوقفوا عن قتل العلماء الأبرياء وهدم المساجد والمدارس، ويتركوا أهل السنة يعيشون في إيران موطن آبائهم وأجدادهم كغيرهم من الأقليات، علما أنهم ثاني أكبر نسبة في إيران، إذ إن عددهم يصل إلى ثلث البلد أي من 15 إلى 20 مليون نسمة.
نسأل الله أن يوفق إخواننا أهل السنة لمعرفة هذه المخططات الشيطانية وأن يرد - سبحانه - كيد من يريد بالمسلمين شرا إلى نحورهم.
والله من رواء القصد
----------------
([1]) قارن هذا الاعتراف بما يردده بعض الببغاوات بأن إيران دولة إسلامية، فيا لها من غفلة.(31/66)
([2]) أي أن التشيع جميع الدول المجاورة، وفي نهاية الرسالة بيان لهذه العبارة الواضحة.
([3]) وفي العبارة الأصلية: المتسننين.
([4]) ولذا قالت المخابرات الإيرانية للعلامة الشهيد محمد صالح ضيائي قبل أن يمزقوا إربا إربا: إن الطلاب الذين أرسلتهم للدراسة في الجامع الإسلامية في المدينة المنورة أخطر علينا من صواريخ صدام حسين!!
([5]) ولاية الفقيه هي الحكم المزعوم بأنه إلهي لنائب إمام المهدي الذي بإمكانه أن يعطل الصلاة والحج، وبإمكانه أن يعطل توحيد الله كما كان يقول الخميني ويردد ذلك أتباعه ليلا ونهارا!!
([6]) وهذا الذي قاله الشيخ عبد العزيز ملا زاده نائب أهل السنة في بلوشستان في مجلس الخبراء للكتابة الدستور قائلا للخميني: إن الدولة الإسلامية لا يوجد لها مذهب رسمي في دستورها، فلماذا تكرسون الخلاف والاختلاف إلى الأبد يجعلكم للبلد مذهبا رسميا في الدستور، ألا يكفي أن يكون دين الدولة هو الإسلام: ثم انسحب من المجلس.
([7]) وهذا الكلام للاستهلاك المحلي وإلا فهم يعرفون جيدا إنهم هم الذين فرقوا المسلمين ثم هاهم يطلبون منهم الاعتراف بالإمامة وإعادة حقوق أهل البيت المغصوبة في زعمهم!(31/67)
([8]) الحسينية هي المكان الذي يجتمعون فيه، خاصة في شهر المحرم، للضرب الخدود وشق الثياب في ذكر استشهاد الحسين- رضي الله عنه- مع سب عظماء الإسلام، ونقد تاريخ المسلمين. ويهتمون بهذه الحسينيات أكثر من اهتمامهم للمساجد وأما في خارج إيران فأصبحت مراكز تجس للإيران كما نشرت ذلك بالتفاصيل جريدة (انقلاب إسلامي) لأبي الحسن بني صدر - أول رئيس إيراني بعد الثورة - في العام الماضي وأعلنت عن المراكز الجاسوسية الإيراني في دولة الخليج - خاصة في الإمارات - بالاسم والعنوان والتاريخ وكيف أن المخابرات الإيراني تجمع الأموال من التجار الإيرانيين في الإمارات دون أن تدخل هذه المبالغ الطائلة إلى البنك المركزي!!الإيراني ودون أن تعلم الدولة عنها شيئا، لكن هل من قومنا من يقرأ؟!!
([9]) وقد بدئ بكثير من هذه الخطط بالفعل.
([10]) هؤلاء المهاجرون كلهم من السنة طبعا، هذا من وقت طرح هذه البروتوكولات التآمرية، أما الآن فقد حدث هجرات كثيرة كما خططوا لها في جميع المناطق السنية في إيران.
([11]) لأن هذا البروتوكول كما أشرنا من قبِل كان وقت الحرب ولم يستطيعوا إسقاط صدام حسين، فغيروا التكتيك ولكن الخطة مستمرة اتجاه تحسين العلاقات وكما نعلم أن طه ياسين رمضان نائب الرئيس العراقي التقى مع الرئيس الإيراني خاتمي على هامش المؤتمر الإسلامي المنعقد في طهران في 11/12/1997 م.(31/68)
([12]) ونرى من عملائنا بوضوح هنا في لندن في الجرائد الفارسية المخالفة للنظام من مشايخهم الذين كانوا من وعاظ الشاه ولآن يكتبون في الجرائد الفارسية والعربية من الدجل والنفاق باسم الوحدة ما تريده إيران وتطبقه بالفعل ولكن باسم مخالفة النظام الإيراني، ولبعضهم جوالات في البلاد العربية باسم الوحدة الإسلامية ولكنهم يطبقون بالفعل ما تتكلم عنه هذه البروتوكولات الآتية، ولذا شن أهل السنة في إيران هجمة شعواء لما أعلنت الرابطة أنباء اضطهاد أهل السنة في إيران، وبدأ هذه المشبوه يسب سيدنا عثمان وتاريخ المسلمين، وكانت الافتراءات والاتهامات دون أدنى وازع إنساني أو ديني أو علم أو بحث علمي، ومع هذا يعتبر نفسه من أبطال الوحدة الإسلامية!!
([13]) فليسمع هذا جيدا ولٌيعهِ الببغاوات الذين ينادون بالوحدة معهم.
([14]) لكونهم تجاوزوا الخطة الأولى إلى الخطة أو البروتوكولية الثانية.
([15]) طبقوا بعض هذه الخطط في قرى سوريا وتشيع من أبنائها عدد من المسلمين ورأينا منهم من يشتغل في المركز الثقافي الإيراني في الساحة المرحة في دمشق من هؤلاء المشيعين وأصاب الأقلام المرتزقة من الدول العربية من العلمانية والمنافقة والمتصوفة وغيرهم الذين يلتقونك هناك.
([16]) وكلاهما ينفع أتباع ابن سبأ هؤلاء لأنها تثير الفتن في كلتا الحالتين، وسيقع الخلاف بين الحكام والعلماء، وهذا الذي يريدونه، ومن نسي أعمالهم هذه في التاريخ فعليه بكتب صغيرة ومهم وهو: "" برتوكولات آيات طهران وقم "" للدكتور ناصر الغفاري.
([17]) أي أن أئمة الشيعة هم الذين سوف يرتكبون أعمالا مريبة وفتنا للوقعة بين الحكام والعلماء واستعداء الحكومات على الدين ودعاته.
====================
حوار هادئ مع صديقي الشيعي
الإهداء
إلى الأخ الحبيب: السيد (أبو فرح)، صاحب الرجولة والشهامة، والخلق الكريم، والأيادي البيضاء...(31/69)
وإلى الأخ العزيز الأستاذ: وليد (أبو حلمي)، رمز المبادئ السامية، والعطاء المستمر في عالم الحرية والدفاع عنها...
وإلى الأخ الكريم السيد: سمير (أبو العبد)، عنوان الصدق والوفاء في عالم الرجال، ودنيا المال والأعمال...
وإلى الأخت العزيزة: مريم (أم فيصل)، صاحبة النبع الصافي، والعطاء المثمر، والفكر النيّر في ميادين القضاء والمحاماة...
وإلى الأخت الجليلة: غادة (أم مشهور)، نجمة الليل، ونسيم الصباح، وعنوان الطّهر، والشرف، والعفاف...
إلى كل هذه النجوم الزاهرة... أهدي هذا الكتاب.
عمر الشمري
المقدمة
هذه الدنيا.. وهذه الحياة مهما طالت فإنها قصيرة، وقصيرة جداً، ومهما اتسعت فإنها ضيقة.. وضيقة جداً، ثم تنتهي بعد كل التجارب والخبرات التي يكسبها الإنسان.. وتنتهي بالموت المحتوم الذي كتبه الله على كل حي: ((إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ)) [الزمر:30].
وحينها يتقرر مصير هذا الإنسان: إمّا إلى الجنة، وإمّا إلى النار -والعياذ بالله- ولو كانت هذه الدنيا باقية لأحدٍ لبقيت لخير البشر صلى الله عليه وسلم، الذي خيَّره ربه عز وجل بين البقاء في الدنيا يحوز كل كنوزها، وثرواتها، أو اللحاق بالرفيق الأعلى، فقال عليه الصلاة والسلام (بل الرفيق الأعلى.. بل الرفيق الأعلى).
إن الحياة كما هو معلوم، فيها سُبُل كثيرة، ومُغريات وفيرة، والعاقل من سلك السبيل الذي ينتهي به إلى الجنة وإن كان صعباً، وأن يترك السبيل الذي ينتهي به إلى النار، وإن كان سهلاً ميسوراً([1]).(31/70)
وعليه فمن العبث والجنون والتفاهة أن تضيع أعمارنا وليالينا وأيامنا فيما لا ينفعنا لا في ديننا، ولا في دنيانا، بل والأكثر حمقاً وتفاهة هو الذي يقضي كل أو جُلَّ حياته وهو يعتقد أنه على الخلق المبين، والصراط المستقيم، وغيره على الباطل والضلال دون أن يقف وقفة صادقة مع نفسه وذاته ليسألها: هل صحيح أن ما أنا عليه من دين ومذهب، هو حقاً - الدينُ والمذهبُ الذي ارتضاه الله عز وجل لي؟.. أم أن الأمر غير ذلك؟
وعليه فالواجب عليّ أن أبحث وأن أنقب وأن أسال حتى أصل إلى الحق وجوهر الحقيقة التي يرتضيها الله تبارك وتعالى، وعندها أكون قد وصلت إلى برِّ الأمان، وشاطئ السلام.
وهذا الكتاب.. ما هو إلا محاورة (فكرية) ومناظرة (عقلية) ومناقشة (منطقية)، صيغت على شكل أسئلة فكرية وعقلية واستنباطات منطقية، قصدتُ بها وجه الله تبارك وتعالى، ثم نفع إخواني المسلمين من سُنة وشيعة في كل مكان.. وتحت كل سماء.
وهي محاورة.. ودعوة صادقة لكل أخ شيعي، وكل أخت شيعية، يطلبون الحق ويتبعون الهداية، بعيداً عن أقوال وأفعال علماء الشيعة الإمامية وبعيداً - أيضاً- عن أحداث التاريخ الماضية وما حدث فيها ومن خلالها من أمورٍ كانت فاجعة في تاريخ الإسلام والمسلمين ((تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) [البقرة:134].
إن مشكلة الإنسان -كل إنسان- في كل زمان ومكان، وفوق كل أرض وتحت كل سماء، هي وراثة الدين عن الآباء والأجداد دون تفكير أو تمحيص أو دراسة، أو حتى دون سؤال ونقاش في أغلب الأحيان والأوقات.(31/71)
وكثيراً ما كنت أسمع من بعض المسلمين من ينتقد (طائفة الهندوس) وهم عبدةُ البقر والحجر والشجر، وكيف سلم هؤلاء وهم يعدون بمئات الملايين.. كيف أسلموا عقولهم وقلوبهم لكهنة الديانة الهندوسية، وفيهم الطبيب والمهندس والمحامي والعالم والأستاذ الجامعي؟.. كيف أعطوا عقولهم وسلّموها لحفنة من الكهنة والدجالين والمشعوذين؟.
والحق يقال: إن هذا المسلم لو سأل نفسه وذاته نفس السؤال لوجد نفس الإجابة. إذ كيف يسلم المسلم العاقل، عقله وفؤاده لعلماء يشكلونه وفق معتقداتهم وتصوراتهم وآرائهم؟.. حينها يَصحُّ فيه ما صَحَّ في أتباع الديانة الهندوسية.
إن للنشأة الأسرية دوراً أساسياً في تشكيل عقولنا وقلوبنا وتصوراتنا عن الكون والحياة والإنسان.. وعن الدين والمذهب والمعتقد.
وقد صدق الأستاذ (محمد سالم الخضر) صاحب كتاب: "ثم أبصرت الحقيقة" حينما قال: (إن الدين والمذهب بالنسبة لكثير من المسلمين اليوم كأثاث المنزل أو كالأموال والأراضي.. وَرِثّوه عن آبائهم وأجدادهم.. وهم على خطاهم سائرون.. هذا إن لم يكن الدين في حياتهم أقل من الدينار والدرهم ومتاع الدنيا الزائل.
بالأمس كانت الأمم السابقة المكذبة للرسل تُجابه الحق الذي جاءت به الرسُل قائلة: ((قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آَبَاءَكُمْ)) فكان وهؤلاء المتعصبين لباطلهم الجاهلين لحقيقة أمرهم هو ((إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ)) [الزخرف:24].
المشهد يتكرر، لكن ليس بين رسل الله وبين قوم كفار وثنيين، وإنما بين كلمة حق وبين متعصبين ألفوا ما وجدوا عليه آباءهم، فردّوا الحق وتشبثوا بالباطل)([2]).
إن عموم أهل السنة والجماعة.. وعموم أهل التشيع الإمامي (وغيرهم) إنما ورثوا مذهبهم عن الآباء والأجداد، وليس عن علم وفهم ودراسة، ومن هنا يظهر منطق التعصب الأعمى للمذهب.. ويختفي منطق العقل والتسامح.(31/72)
ثم يأتي دور البيئة والمحيط الاجتماعي الذي يعيشه الإنسان ويحيا فيه، فيكون بالغ التأثير في روح هذا الإنسان وتصوراته، وهذا ما تشير إليه الآية الكريمة ((وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا. إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلا فَاجِرًا كَفَّارًا)) [نوح:26-27].
نعم.. إن للبيئة والمحيط الاجتماعي والأسري دوراً بارزاً في تشكيل عقول الأفراد، وخاصة في فترة النشأة الأولى في الطفولة والصغر، لا يخرج عن هذا التأثير المسلم والكافر، السنيُّ والشيعي، العربي والأعجمي، الأبيض والأسود، من في الشرق ومن في الغرب.
غير أن هناك أفراداً من شتى المذاهب والأديان ينفكّون من أسْرِ وجاذبية المحيط والعائلة فيبدؤون في البحث عن الحق والحقيقة في مظانها، فإذا ما وصلوا إليها اهتبلوها واعتنقوها (بقوة وحزم) ولم يُفرِّطوا فيها؛ لأنهم إنما وصلوا إليها عن طريق العلم والبحث والدراسة والتقصي.
وقد رأيت بعيني.. وسمعت بأذني، العشرات من الأوروبيين والأمريكان ممن تخلصوا من ثقل الواقع المُعاش.. والمحيط الاجتماعي الجاذب.. والتنشئة الأسرية الآسرة، ممن اعتنقوا الإسلام عن طريق البحث والدراسة والمناقشة، فمنّ الله عليهم بالهداية، بعد طول بحث ودراسة..
فلماذا لا يكون المسلم سنيّاً كان أم شيعياً مثل هؤلاء الأمريكان والأوروبيين في البحث والتقصي عن الحق والحقيقة والهداية الربانية؟ إن المسألة تحتاج إلى إرادة نافذة.. وعزم قوي.. وعقل متفتح.
وإني لأرجو من الله تبارك وتعالى أن يجعل من كتابي هذا نبراساً وطريقاً لكل أخ شيعي.. وأخت شيعية، يطلب الحق.. ويبحث عن الحقيقة، بعيداً عن الموروثات السابقة.. والمؤثرات اللاحقة.. وأن يجعل له القبول بين الناس.(31/73)
وقد بدأت فكرة هذا الكتاب حينما ناظرت أحد الأفاضل من شيعة المملكة العربية السعودية، قبل سنوات في مسألة (المذهبية) بين أهل السنة والشيعة وذلك على شكل ونمط أسئلة طرحتها عليه. فما كان منه في ختام المناقشة والمناظرة إلا التسليم للحق الذي سمعه. وفقه الله تعالى وإياي للحق والصواب، وهدانا للأخذ بالكتاب والسنة -اللهم آمين-.
عمر الشمري - عمان "الأردن" - 15/4/2005م
---------------
([1]) من مقدمة كتاب حسين الموسوي (لله ثم للتاريخ).
([2]) كتاب "ثم أبصرت الحقيقة"، ص (11،12).
========================
عائشة رضي الله عنها: مسلمة أم كافرة؟
بادرني الأخ الشيعي بقوله.. لماذا لا نتصافح؟
أجبته: أولاً -يا أخي- علينا أن نتصارح.. ثم نتصافح بعد ذلك.
قال: ماذا تقصد بكلمتك تلك، علينا أن نتصارح؟
أجبته: كيف أصافحك يا أخي وأنت تشتم وتسب أمي؟
قال: أنا أشتم أمك.. أنا أسُبُّها!! متى كان ذلك؟.. وأين؟.. فأنا لم أرها قط في حياتي ولم أسمع بها، فكيف أشتمها وأسبها؟
قلت: بل تشتمها وتسبها بالليل والنهار، لستَ أنت وحدك، بل كل طائفتك وأهل مذهبك، تشتمونها وتسبونها. أليست (عائشة) بنت الصديق رضي الله عنها وعن أبيها هي (أم المؤمنين) بنص القرآن الكريم؟..
ألم يقل القرآن في محكم التنزيل عنها وعن بقية زوجات النبي صلى الله عليه وسلم بأنهن أمهات المؤمنين: ((النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ)) [الأحزاب:6].(31/74)
هل تجرؤ على القول بأنها ليست من أمهات المؤمنين وترد على الله رب العالمين؟ فإنك إن ردَدْتَ على الله فقد كفرت كفراً صريحاً وخرجت من ملة الله وأصبحت من المرتدين عن دين رب العالمين.. ولا يقبل منك صرفاً ولا عدلاً ومصيرك يوم القيامة إلى النار وبئس القرار. فقد أجمع علماء الإسلام (سُنِّيُهم وشيِعيُّهُم) بأن الرادّ على الله وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ه كافر مرتد، لا يُزوّجُ من بنات المسلمين ولا يورَّث ولا يُصلي عليه حين موته ولا يُدفن في مقابر بالمسلمين وهو في الآخرة من الخاسرين.
نحن أهل السنة والجماعة نعتبر (عائشة) رضي الله عنها من أمهات المؤمنين، وتصديق بكلام ربّ العالمين، فهي رضي الله عنها خيارٌ من خيار، وصدّيقة من نسل صدّيق.
أما أنتم الشيعة فإنكم تُكفّرونها وتلعنونها وتسبونها بالليل والنهار وتقولون فيها وعنها قولاً عظيماً ومنكراً.
قال: وماذا نقول عنها؟.
قلت: ألستم تقولون عنها بأن عائشة امرأة كافرة.. وخائنة -وفاجرة- وداعرة، تمارس الرذيلة وتحض عليها وتنشرها بين الناس؟
وهذه كتب علمائكم وأشرطتهم السمعية والبصرية تذكر ذلك وتنشره بين الناس.
وعوام الشيعة وجُهَّالهم يرددون هذه الأقوال الفاجرة في شأن عائشة رضي الله عنها في كل محفل وفي كل مناسبة وخاصة في مناسبة عاشوراء.
ولكن دعني أسألك أيها الأخ الشيعي الكريم: هل ترضى لنفسك أن تتزوج بامرأة فاجرة.. وخائنة، بل وداعرة تمارس الدعارة والرذيلة بين الناس وتنشرها بين المسلمين؟
قال: كلا، وألف كلا.. هذا لا يكون على الإطلاق. فأنا رجل شريف ولا أتزوج إلا بامرأة شريفة، نظيفة وعفيفة، ومؤمنة.
قلت: هل أنت أشرف وأتقي وأنقى من محمد صلى الله عليه وسلم؟.
قال: حاشا لله، وشتان بين الثرى والثريا، هو رسول الله المصطفى، وأنا عبد من عباد الله أرجو عفو الله ورحمته.(31/75)
قلت: الشيء الذي لا ترضاه لنفسك كيف ترضاه لرسولك صلى الله عليه وسلم؟ كيف بمحمد صلى الله عليه وسلم وهو أشرف الخلق وأطهرهم وأتقاهم لربه ودينه أن يتزوج بامرأة شأنها الفجور والكفر والدعارة والخيانة؟! أنت لا ترضى هذا الأمر لنفسك.. فكيف ترضاه لنبيك عليه أفضل الصلاة والسلام؟
بل.. كيف يرضى الله عز وجل أن يختار لخاتم أنبيائه ورسُله، امرأةً فيها كل هذه الصفات القبيحة والمرذولة؟
كلا، يا أخي، نحن أهل السنة لا يمكن أن نفكر بهذه الطريقة.. ولا يمكن أن نردد هذه الأباطيل الفاجرة.. بل ولا يمكن أن تخطر على بال أحدنا قط، إننا بمجرد التفكير بذلك، نشعر بعِظَم الإثم والفسوق، نحن نقول عن السيدة عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وابنة الصديق رضي الله عنها إن الله قد برّأها من فوق سبع سماوات، وأنزل في شأنها سورة النور، ليُعلن عفتها وطهارتها وبراءتها، حيث قال عز وجل من قائل: ((إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ. لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ)) [النور:11-12].
الله عزّ وجل يبرئها وأنتم الشيعة تتهمونها في عرضها رضي الله عنها فأنتم تشتركون في هذا الإفك المبين مع أهل النفاق والمنافقين في الأولين. زعيمكم في هذا الإثم هو عبد الله بن سلول المنافق، الذي توعّده الله بالعذاب العظيم.
إنكم -أيها الشيعة- تقرؤون القرآن الكريم ولا تعقلونه أو إنكم تفهمون ولكنكم تُؤوّلونه وتُفسِّرونَه وفق أهوائكم المريضة وقلوبكم الحاقدة، وقد ورد في الإنجيل: (إذا فسد الملح فبماذا يُملّح؟ وإذا كان النور الذي في قلبك ظلاماً فكيف يكون الظلام إذن؟).(31/76)
ولو كنتم عقلاء لقلتم ما قاله الله عز وجل: ((الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)) [النور:26].
فالله تعالى لا يختار لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم إلا أطهَر وأفضل الزوجات رضوان الله عليهن أجمعين.
إن مصدر كراهيتكم لأم المؤمنين، السيدة عائشة، وهو قتالها لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه في موقعة (الجمل)، وقد اتخذتم من هذه الواقعة سبباً في تكفير السيدة عائشة وكل منْ كان معها ووقف إلى صَفّها.
مع أن الله تبارك وتعالى ذكر في سورة الحجرات: ((وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)) [الحجرات:9].
فالمؤمنون قد يتقاتلون، وقد يقتل بعضهم بعضاً، ولكنهم يبقون على الإيمان والإسلام بدليل هذه الآية الكريمة، واسمع معي - أيها الأخ الشيعي- تمام هذه الآية ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)) [الحجرات:10].
فالخالق الكريم سماهم بالمؤمنين، وأنتم تعتبرون عائشة ومَنَ معها كافرين؟ أنُصدِّق ربّ العالمين ومُنزل الكتاب المبين.. أم نصدقكم ونصدق علماءكم، أو أنّ مصلحةً دنيوية (معنوية أو مادية) حَدَثْ بهم أن يسوقوكم إلى طريق يأباه الله ورسوله. لاشك أن المؤمن الحق يُصدق الله وكلامه وقرآنه العزيز.
فما قولك -أيها الأخ الشيعي الكريم- فيما سمعته مني؟..
قال بل نُصدَّقُ كلام الله رب العالمين.(31/77)
نعم.. لا يمكن أن نتصور بعد الذي ذكرته لي أن يختار الله لنبيه صلى الله عليه وسلم امرأة (كافرة.. أو فاجرة.. أو خائنة) ليتزوجها، وهو النبي الطاهر والمطهر.. إن هذا الأمر مخالف لمنطق الإيمان والإسلام، ومُجافٍ للشرف والمروءة والخُلِقِ الكريم الذي يَتّصف به النبي الكريم صلى الله عليه وسلم .
جيل مثالي.. ولكنه كافر.. ومرتد..!
سألت هذا الأخ الشيعي الفاضل هذا السؤال: لو تخيّلنا -مجرد- تخيُّل أن جامعة ما في هذا العالم قد طُلب منها أن تُعِدَّ عدداً كبيراً من طلبتها وطالباتها يَربّون على مئة ألف، لقضيةٍ (مصيرية) وخطيرة وسوف ينبني عليها لا مصيرُ الأمة فقط.. بل مصير العالم كله.
وقد أعدّت هذه الجامعة مشروعاً متطوراً جداً.. وخطيراً لتدريس هؤلاء الطلاب من الذكور والإناث.. واختارت لهم خبرة الأساتذة في الجامعة.. بل أفضلهم على الإطلاق.. فقام هذا الأستاذ بتنفيذ هذا المشروع المتطور والخطير بحذافيره لم يحِدْ عنه قيد أنملة.. بل كان هو القُدوةَ والأسوة في تنفيذ هذا المشروع طوال ثلاثة وعشرين عاماً متواصلة يدرسُ هؤلاء الطلاب النجباء الأذكياء دون انقطاع بالليل والنهار، في الحِلَّ والسفر ويُدخلهم في سلسلة تجارب عميقة وخطيرة وبعيدة الأثر، وكان هو -دائماً- في المقدمة، فقد شمر عن ساعد الجد، وبذل الغالي والرخيص وضحى بنفسه وماله ووقته من أجل إنجاح هذا المشروع وإنجاح طلبته وطالباته طوال هذه الفترة.. وبعد هذه الفترة الطويلة لم ينجح من هؤلاء الطلبة والطالبات وهم (مائة ألف) أو يزيدون، لم ينجح منهم إلا ثلاثة أو أربعة من الطلاب فقط.(31/78)
والسؤال المهم الآن: منْ هو الفاشل في هذا الرسوب الرهيب؟ وعلى من تقع المسؤولية في هذا الإخفاق الكبير؟.. هل هو الأستاذ الذي لم يستطع أن يرفع طلبته وطالباته إلى مستواه أو قريباً من مستواه؟.. أم هؤلاء الطلبة والطالبات الذين لم يحققوا النتيجة المرتجاة منهم؟ أم أن السبب يرجع إلى المشروع نفسه الذي يصعُب تنفيذه وتطبيقه على أرض الواقع؟.
إن هناك ثلاثة احتمالات، لا رابع لها: إما السبب هو الأستاذ؟! أو السبب يرجع إلى الطلبة، والاحتمال الثالث هو في صعوبة المشروع والمنهاج المطلوب تنفيذه.
ما رأيك وقولك - أيها الأخ الشيعي الكريم- منْ يرجع إلى السبب وعلى من تقع مسؤولية الفشل؟.
قال: نستطيع أن نقول: إن الأستاذ هو السبب في هذا الفشل الرهيب، فعليه تقع المسؤولية في أصلها وأساسها.
قلت: هذا ما تقوله الشيعة في شأن النبي صلى الله عليه وسلم، تلميحاً لا تصريحاً، والبعض منهم صرح بهذا الأمر، فالشيخ الدكتور (أحمد الوائلي) في محاضرة له في البحرين سنة 1980م، في كلية الخليج للتكنولوجيا، ذكر (أن ثلاثاً وعشرين سنة لا تكفي لتربية جيل، ولهذا جاء الحسين عليه السلام ليكمل تربية هذا الجيل)..
حاشا النبي صلى الله عليه وسلم من هذه المزاعم الكاذبة، وهي تطعن في النبي صلى الله عليه وسلم وتطعن في القرآن الكريم نفسه، حيث يقول عز من قائل في شأن النبي وصحابته الكرام: ((هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)) [الجمعة:2].
أليس النبي الكرام صلى الله عليه وسلم هو الذي بعثه الله في الأميين؟ أليس الأميون هم العرب في ذلك الوقت ومنهم وفيهم (أبو بكر وعمر وعثمان وعلي والزبير وأبو عبيدة وسعد بن أبي وقاص، وحفصة وعائشة.. الخ)؟.(31/79)
أليس الكتاب هو القرآن الكريم والحكمة هي السنة النبوية؟ إلا أن يكون كما عند بعضكم أن قرآنكم غير قرآننا، وعليه لا يقبلون ما في القرآن الكريم.
إذن نستطيع أن نقول: إن الأستاذ العظيم: وهو النبي صلى الله عليه وسلم.
والطلبة: هم الصحابة الكرام رضي الله عنهم.
والمشروع أو المنهاج: هو القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة. فهذا الأستاذ الكريم والمعلم العظيم صلى الله عليه وسلم قام بتنفيذ هذا المنهاج الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه -أي- القرآن، نفَّذه بكل دقة على نفسه وعلى غيره، وبفضل هذا النبي الكريم وهذا القرآن العظيم، وقبل ذلك.. وبعد ذلك بتوفيق الله عز وجل أظهر الله عز وجل للعالم وللناس خير أمة ((كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)) [آل عمران:10].
وصفات هذه الأمة كما قال الله تعالى: ((تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)) [آل عمران:110].
هؤلاء الصحابة الكرام من ذكور وإناث، زكّاهم الله بنبيه صلى الله عليه وسلم وعلّمهم الكتاب والحكمة وجعل منهم خير أمة أخرجت للناس.
فالله تبارك وتعالى يزكيهم وأنتم -أي الشيعة- تُكفّرونهم وتدنسونهم، والله تبارك وتعالى علمهم الكتاب والحكمة وأنتم تعتبرونهم ضُلالاً وجُهّالاً، فمن نصدق الله عز وجل، أم الشيعة وعلماءهم؟.
إن المسلم الحق.. والمؤمن الحق إنما يُصدق كلام الله؛ لأنه الحق المطلق فماذا يكون كلام علمائكم المناقض عندئذ؟!.(31/80)
لقد مَنَّ الله على صحابة رسوله صلى الله عليه وسلم بالهداية والتزكية وألزمهم كلمة التقوى رضوان الله عليهم أجمعين، واسمع معي أيها الأخ الشيعي قوله تعالى: ((لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)) [آل عمران:164].
وقال كذلك: ((إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا)) [الفتح:26].
واقرأ معي -أيها الأخ الشيعي الكريم- قول إمامكم وإمامنا أمير المؤمنين (علي بن أبي طالب رضي الله عنه) في "نهج البلاغة" المتفق عليه عند الشيعة الإمامية، حيث يقول رضي الله عنه، عن الصحابة الكرام: (لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فما أرى أحداً يُشبههم منكم، لقد كانوا يصبحون شعثاً غُبراً، وقد باتوا سُجَّداً وقياماً، يراوحون بين جباهم وخدودهم، ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم، كأن بين أعينهم رُكب المعزى من طول سجودهم، إذا ذُكِر الله هَملتْ أعينهم حتى تبتلَّ جيوبهم، ومادوا كما تميد الشجر يوم الريح العاصف، خوفاً من العقاب، ورجاء للثواب)([1]).
ويقول أيضاً: (أولئك إخواني الذاهبون، فحقّ لنا أن نظمأ إليهم ونعضَّ الأيدي على فراقهم)([2]).
هذا ما يقوله القرآن الكريم.. وهذا ما قاله الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي الله عنه، فما هو قول الشيعة وعلمائهم؟(31/81)
إن الشيعة يقولون.. إن الصحابة كلهم قد ارتدوا عن الإسلام بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة، ولم يبق على الإيمان والإسلام إلا عدد قليل وهم: (سلمان الفارسي، و أبو ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود، وعمار بن ياسر).
وفي روايات أخرى عند الشيعة، عَدُّوهم سبعةً فقط.
إن منطوق -قولكم أيها الشيعة- إن محمداً صلى الله عليه وسلم عجز وفشل في تربية هذه الأمة التي بعثه الله فيها، وإلا فكيف بهذه الأعداد الضخمة من الصحابة الكرام كلهم يكفرون ويرتدون.. ومتى؟ وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة.
فهل يقول بهذا المنطق إنسان عاقل، فضلاً عن مسلم عاقل؟.. وقد أوردتُ لك بعض الآيات الكريمات والبيّنات في مدح الله لهم والثناء عليهم، ثم مدح وثناء الإمام علي رضي الله عنه ولكن اقرأ معي ما يقوله إمامكم (الخميني) في كتابه (كشف الأسرار، ص114). حيث يقول: (أولئك الصحابة الذين لم يكن يهمهم إلا الدنيا والحصول على الحكم دون الإسلام والقرآن، والذين اتخذوا القرآن مجرد ذريعةٍ لتحقيق نواياهم الفاسدة، قد سهّل عليهم إخراج تلك الآيات من كتاب الله، التي تدلُّ على خلافة علي عليه السلام وعلى إمامة الأئمة، وكذلك تحريف الكتاب السماوي، وإقصاء القرآن عن أنظار أهل الدنيا على وجه دائم، بحيث يبقى هذا العار في حق القرآن والمسلمين إلى يوم الدين، تهمة التحريف التي يُوجَّهونها إلى اليهود والنصارى إنما هي ثابتة عليهم).
هذا ما يقوله (الخميني) عن صحابة النبي عليه السلام، وهو ينقل ويكور أقوال سلفه من مشايخ وعلماء الشيعة الإمامية.
ولو سألنا -أيا الأخ الشيعي الكريم- اليهود من هم أفضلُ الناس في مِلّتِكم؟
لقالوا: إنهم أصحاب موسى.
ولو سألنا النصارى: من هم أفضل الناس في ملتكم وفي أمتكم؟.
لقالوا: إنهم حواريو عيسى.
ولكن لو سألنا الشيعة: من هم أسوأ الناس في نظركم وعقيدتكم؟
لقالوا: إنهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.(31/82)
إن القضية في واقع الحال (صورتان متضادتان لنتائج وجهود النبي الأعظم) بأبي هو وأمي، بين أهل السنُّة والجماعة، وبين الشيعة الإمامية. صورة مشرقة وجميلة وطيبة.. وصورة أخرى معاكسة لها.
والمتضادان لا يجتمعان في أمر واحد، فإما نور وإما ظلام، إما حق، وإما باطل، والحكم القرآن، فإما القرآن محرَّف، وإما مُحكَمّ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والعاقلُ يختار لنفسه، وكل العيب بحقه أن يكون ذّنَباً أو إمّعة لا يدري إلى أين يُساق، أو يُسحب.
-------------
([1]) نهج البلاغة، ص(340) طبعة دار البلاغة، لبنان.
([2]) نهج البلاغة.
من فتح البلاد.. وحرر العباد؟
سألت الأخ الشيعي، السؤال الثالث وهو: أيها الأخ الكريم: مَن هُمُ الذين فتحوا البلاد وحرروا العباد في فارس والشام ومصر والمغرب وفي أذربيجان وأرمينية.. وغيرها من الدول والممالك؟.
أليس الذي قام بهذه الفتوحات هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أليس هم الذين أسقطوا عرش كسرى وقيصر وأدخلوا الأمم والشعوب في هذا الدين العظيم (الإسلام).
أم أن الذين قاموا بهذا الفتح العظيم ليسوا هم الصحابة الكرام رضي الله عنهم؟ وإنما أمم أخرى لا نعرفها.. ولم نسمع عنها.
أو ليس أبو بكر الصديق رضي الله عنه قد وجّه خالد بن الوليد رضي الله عنه لمحاربة أهل الردة في جزيرة العرب، ثم وجهه لحرب الفرس والروم، وبعده جاء الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليستكمل فتح بلاد الفرس ويدخل المسلمون في زمنه (إيوان كسرى) وبعدها يتم فتح بلاد الشام ومصر وليبيا، ويدخل الفاروق رضي الله عنه القدس الشريف ويتسلم مفاتحها من كبار رجال الدين النصراني، وهو الذي يكتب العهدة العمرية الموجودة إلى اليوم.(31/83)
ثم جاء عثمان بن عفان رضي الله عنه ذو النورين ليستكمل ما قام به عمر في فتح بقية البلاد وخاصة بلاد ما وراء النهر، ولولا الفتنة التي حصلت بين المسلمين في عهد الإمام علي رضي الله لتم استكمال فتح بقية البلاد.. وتحرير العباد.
إن الشيعة الإمامية أنفسهم يعترفون بأن الصحابة الكرام هم الذين قاموا بهذه الفتوحات كلها، ولكنهم يقولون: إن ذلك تم بفضل توجيهات الإمام علي عليه السلام، ونحن أهل السنة نقول: وليكنْ ذلك كذلك، بفضل توجيهات الإمام علي، وأنه كان يُشير على الخلفاء الذين سبقوه في الخلافة أبو بكر وعمر وعثمان، وكانوا هم يستشيرونه ويسألونه ويأخذون برأيه رضي الله عنه.
وهنا سؤال مهم يجب طرحه وهو: إذا كان الصحابة رضوان الله عليهم قد ارتدوا.. وقد كفروا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، فكيف يرضى الإمام علي بأن يكون وزيراً ومستشاراً لأبي بكر ولعمر ولعثمان؟ وقد عَلِم كُفرهم وارتدادهم ومفارقتهم لملة الإسلام والإيمان.
قد يقال في هذا الصدد بأن يوسف عليه السلام كان وزيراً لملك مصر، ويوسف عليه السلام مسلم ومؤمن، وحاكم مصر وثني كافر ومع ذلك رضي أن يكون وزيراً لهذا الكافر. غير أن الله تبارك وتعالى قد ذكر السبب الذي من أجله أصبح يوسف وزيراً ومستشاراً لملك مصر، إذ قال عز من قائل: ((وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ)) [يوسف:54].
لقد اختاره الملك بعدما علم وعرف صدقه وأمانته وطُهره وعفافه. وكان هذا الاختيار الموفق سبباً في إنقاذ مصر من الجفاف والمجاعة.(31/84)
أما في شأن الإمام على رضي الله عنه فإنه ووفق آراء الشيعة الإمامية ومروياتهم التاريخية كان هو الإمام والخليفة المنصوص عليه من قِبَلِ الله تعالى، ثم من قبل رسوله صلى الله عليه وسلم ومع ذلك تمّ سرقة الخلافة منه وذهبت إلى أبي بكر الصديق ثم إلى عمر الفارق، ثم إلى عثمان، رضي الله عنهم؟
كيف يرضى لنفسه رضي الله عنه أن يكون مستشاراً وناصحاً وأميناً لثلاثة من الخلفاء المرتدين، والكافرين والعاصين لأمر الله ورسوله؟ أليس في هذا تناقض بيّن وواضح؟.
ناهيك عن أن قياس علي رضي الله عنه على يوسف عليه السلام باطل؛ لأن يوسف عليه السلام عمل مستشاراً مطلوباً مستخلصاً، وهو كتبي يُحَبِّذ ذلك، ليوصل دعوته، أما علي رضي الله عنه فهو يعلم أن المرتدين لا ينصحون ولا يُهادنون، إذ هناك حكم شرعي بشأنهم إما أن يستطيع إنفاذه فيهم، أو يعتزلهم.
هذا من جهة ومن جهة أخرى، هؤلاء الصحابة الذين كفروا وارتدوا عن الإسلام، كيف يحملون الإسلام ويُوصلونَه إلى غيرهم من الأمم والشعوب، وهم -أي الصحابة- رجعوا إلى الكفر والزندقة والجاهلية؟ إن منطق الأشياء يقول: (إن فاقد الشيء لا يعطيه) كان من المفترض على هؤلاء الصحابة أن يدعوا تلك الأمم وتلك الشعوب إلى الجاهلية الرعناء وليس إلى الإسلام العظيم.
نحن يا أخي الشيعي لا نقول بهذا المنطق ولا نفكر على هذا النحو، نحن نقول: إن علياً كان وزيراً مخلصاً ومستشاراً أميناً للخلفاء الثلاثة ولكل الصحابة الكرام، والصحابة الكرام هم الذين فتحوا البلاد.. وهم الذين حرروا العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، وعلى أكتافهم قام هذا الدين العظيم وبفضلهم بعد فضل الله انتشر الإسلام في ربوع الأرض.
وهذه هي قبورهم في تلك الأراضي البعيدة عن جزيرة العرب، شاهدة على صدقهم وإخلاصهم وتفانيهم في حمل رسالة هذا الدين للعالمين.(31/85)
هل الشيعة الإمامية هم الذين فتحوا فارس والشام ومصر وبلاد ما وراء النهر؟ أم أنهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إني أسال هذا السؤال لكل أخ شيعي عاقل ومنصف، يطلب الحق ويرجو الحقيقة.
(إن من البلاء أن يسكت العاقلُ وأن يتكلم الجاهل، ولكن القبة الصماء لا تُرجع غير الصدي).
منزلة النبي صلى الله عليه وسلم.. ومنزلة الأئمة الأطهار
سألت الأخ الشيعي أيهم أفضل في نظركم - أيها الشيعة الإمامية- النبي صلى الله عليه وسلم أم الأئمة الأطهار من آل بيت الكرام رضي الله عنهم.
قال: من المؤكد أن النبي هو الأفضل والأحسن والأرفع، فهو صاحب الرسالة الإلهية، وهو حامل الدعوة الإسلامية وداعيها الأول، وهو الذي عليه أنزل القرآن الكريم، وهو.. وهو الخ.
قلت: جميل ما نقوله، وهو الحق، بارك الله فيك. ولكن الشيعة تقول كلاماً غير هذا الذي تقوله وتذكره لي.
إن الشيعة تقول: إن طاعة الأئمة واجبة كطاعة الرسل، وإنّ الأئمة معصومون مثل الأنبياء، وإنّ المؤمن بالأئمة المعصومين من أهل الجنة وإن كان ظالماً أو فاسقاً أو فاجراً وإن درجة الأئمة كدرجة الرسول صلى الله عليه وسلم وإن الأئمة لهم الخيار والحق في تحليل الأشياء وتحريمها، وتماماً كالنبي صلى الله عليه وسلم وإن مكانتهم ومنزلتهم عند الله مثل منزلة ومكانة النبي صلى الله عليه وسلم وهم أفضل وأرفع منزلة عند الله من جميع الرسل والأنبياء، وهم يتمتعون بعلم (ما كان وما يكون)([1]).
وعلى الأئمة تُعرض أعمال العباد في الليل والنهار، وإن الملائكة تأتيهم وتتنزل عليهم وإنهم يملكون الدنيا والآخرة، فيعطون من شاؤوا ما شاؤوا، وهم لا يموتون، إلا بإذنهم وباختيارهم.. إلى آخر هذه المزاعم الكاذبة التي لا يصدقها العقل السليم ولا الذوق الرفيع، وهي في عمومها جملة من الخرافات والأساطير ليس إلا.(31/86)
واقرأ معي ما يقوله: (الخميني) في شأن الأئمة، في كتابه (الحكومة الإسلامية) حيث يقول: (فإن لأئمتنا مقاماً محموداً ودرجة سامية، وخلافة تكوينية، لا يبلغه ملك مقرَّب ولا نبي مرسل، وإنهم كانوا قبل خلق هذا العالم أنواراً مُحْدَقة بعرش الله، وجعل لهم من المنزلة والزلفى ما لا يعلمه إلا الله).
وقال في موضع آخر من نفس الكتاب: (إن لنا مع الله حالات لا يسعها ملك مقرب ولا نبي مرسل).
وقال في موضع آخر من كتابه هذا: (إن تعاليم الأئمة كتعاليم القرآن لا تخصُّ جيلاً خاصاً وإنما هي تعاليم للجميع في كل عصر ومصر إلى يوم القيامة يجب تنفيذها واتباعها) وأنه لا يُتصوَّرُ فيهم (أي الأئمة) السهو والغفلة).
هذا ما يقوله الخميني) وهو في الواقع يكرر ويردد ما قاله علماء الشيعة السابقون والسؤال المهم لك.. ولكل أخ شيعي عاقل: إذا كان للأئمة كل هذه المكانة والمنزلة، وإذا كان لهم القدرة والسيطرة والهيمنة على جميع ذرات الكون.
وأن لهم الخلافة التكوينية، فلماذا لم يستخدموا هذه القدرة المطلقة في تغيير أحداث التاريخ ومجريات الوقائع لتكون في صالحهم؟.. من مِثل جعل الخلافة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في علي وأبنائه من بعده، ما داموا هم المسيطرون والمهيمنون على كل شيء في هذا الكون.. وعلى ذراته، ألم يكن باستطاعتهم تغيير كل شيء بكلمة منهم وبإشارة من أيديهم وفقاً لخلافتهم التكوينية - التي يقول بها الخميني تغيير كل شيء بكلمة منهم وبإشارة من أيديهم وفقاً لخلافتهم التكوينية التي يقول بها الخميني ومن سار على نهجه ودربه.(31/87)
فقد كان بإمكان الإمام علي رضي الله عنه أن يبدّل ويعكس أحداث التاريخ فيبايعه الصحابة الأكرمون رضي الله عنهم بدل مبايعتهم لأبي بكر الصديق رضي الله عنه فيجعل الخلافة المنصوصة عليه من الله ورسوله، فيه وفي ذريته من بعده غير أن هذا الأمر لم يحصل ولم يحدث قط، فلم يتول الخلافة إلا علي وابنه الحسن رضي الله عنهما. أما بقية الأئمة فلم يتولوا الخلافة طوال حياتهم.
بل.. إن الإمام علي بن أبي طالب ذكر في نهج البلاغة، وهو الكتاب المعتمد عند الشيعة: (إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضى، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعنِ أو بدعة ردُّوه إلى ما خرج منه، فإنّ أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين، وولاّه الله تعالى ما تولى)([2]) انتهى.
فأين هي (الخلافة التكوينية) التي تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات الكون؟ فهؤلاء الأئمة - في نظر الشيعة- ومعتقدهم، فعّالون لما يشاؤون، غير أننا نراهم يعجزون عن تحقيق هذا الأمر الخطير لصالحهم، مع كونه -أي الإمامة- ركن من أركان الإيمان عند الشيعة الإمامية.
والآن.. نأتي إلى قضية أخرى ذات أهمية يقول بها الشيعة ويذكرها علماؤهم في كتبهم ودراساتهم وأبحاثهم العلمية والفقهية، وهي مسألة معرفة (الغيب) والاطلاع على المستقبل، فقد أورد الكليني في كتابه (الكافي) باباً بعنوان (إن الأئمة يعلمون ما كان وما يكون وإنه لا يخفي عليهم شيء) وهذا كله نقيض قوله تعالى: ((عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا.إلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ)) [الجن:26،27]. ونحن لا ننكر أن يطلع الله بعض عباده الصالحين على شيء من غيبه، كرامة له، ولكنا ننكر أن يكون هذا هو الأصل في حق أيّ مخلوق وهو الأساس.(31/88)
والنبي نفسه عليه الصلاة والسلام، لا يعلم الغيب إلا ما علمه الله عز وجل، وهذا بنص القرآن الكريم: ((قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ)) [الأنعام:50].
ويقول: ((وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ)) [الأعراف:188].
فهؤلاء الأئمة يعلمون الغيب المكنون، ويعلمون الظاهر والباطن ويطلعون على المستقبل وأحداثه ووقائعه، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب.. والأئمة يعلمون، فهم في هذه الحالة أفضل وأرفعُ مكانة ومنزلة عند الله ثم عند الناس من النبي صلى الله عليه وسلم، فالذي يعلم الغيب ويطلع على الحاضر والمستقبل هو بلا شك أفضل وأحسن ممن لا يطلعُ على هذه المغيبات.
ومن لديه القدرة على الخلق والإبداع والتصوير وتحريك الأفلاك والأجرام والذرات، واستجابة دعوة الداعي إذا دعاه - كما يفعل الشيعة في دعوة أئمتهم- في المصابات والمحن والمُلمّات هو وبلا شك أفضل وأحسن ممن ليست لديه هذه القدرة والقادر أفضل من العاجز باتفاق العقلاء وأصحاب الفطرة السليمة.
قال الأخ الشيعي: نعم هذا صحيح، فمن يعلم الغيب ويطلع على المستقبل هو الأفضل قطعاً، والقادر أرفع منزلة من العاجز، والعالم أفضل وأحسن من الجاهل.
قلت: إذا سلّمنا بهذه المسألة، فأرجو أن ننتقل إلى (محور) آخر من محاور النقاش والمناظرة - بارك الله فيك-.
-----------
([1]) الأصول من الكافي (1/260) طبعة دار صعب ودار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان 1401هـ.
([2]) كتاب "نهج البلاعة" ص (322) طبعة دار الحديث، القاهرة.
الإمامة.. أين نجدها في القرآن الكريم؟
سألت الأخ الشيعي عن أهم قضية في مذهب الشيعة الإمامية، وهي قضية الإمامة.. وهل هي ركن من أركان الدين والإسلام ولا يصحُّ إيمان المؤمن إلا بها؟ فقال: نعم.. الإمامة ركن أساس من أركان الدين والإيمان والإسلام؟(31/89)
وعليها مناط الدين كله، ولا يصح إيمانُ المسلم إلا بالاعتقاد بها.
قلت: أين أجد ذلك في كتاب الله؟ أرجو أن تدلني على آية واحدة صريحة وواضحة لا غموض فيها ولا تأويل - أي قطعية الدلالة، وقطعية الثبوت؟
قال: هناك عدد من الآيات في القرآن الكريم تتحدث عن الإمامة.. قلت: أكررُ سؤالي عليك؟ أطلب منك آيات بيّنات وصريحات تنص على إمامة علي بن أبي طالب وأبنائه وأحفاده، يقرؤها المسلم فيستدل على (الإمام) المنصوص عليه من الله تبارك وتعالى.
قال: كلا، لا يوجد نصٌّ واضح وصريح، ولكن توجد هناك تلميحات ولفتات عامة نستنبط منها حكم الإمامة.
قلت: إن أمركم عجيب وغريب أيها الشيعة.. تقولون إن الإمامة ركن أساس من أركان الإسلام والإيمان. ولا يصح إيمان المسلم إلا بها ثم لا تدلّونها على موضع واحد.. واحد فقط في القرآن الكريم يُصرّح بإمامة علي وأبنائه وأحفاده رضوان الله عليهم، كيف يصح هذا الأمر؟.
لقد تحدث القرآن عن أمور أقل شأناً من مسألة الإمامة كـ (الحيض) و(الرضاعة) و (الطلاق) الخ. ولم يذكر.. ولم يصرح في موضع واحد... واحد فقط عن قضية خطيرة، ينبني عليها مصيرُ الإنسان المسلم يوم القيامة، وينبني عليها أمر الإسلام والمسلمين، وهي ركن أساسُ، كما تقولون ثم لا تجدها في كتاب الله، فهل مسألة الحيض والنفاس، والزواج والطلاق، أهمُ وأخطر من الإمامة التي يدور عليها وحولها مناط الدين كله - كما تزعمون؟.
نحن -يا أخي الكريم- لا نقول بهذا الأمر، ولا نقول: إن الله تبارك وتعالى (نصَّ) على ولاية وإمامة علي وأولاده وأحفاده من بعده، كلا، ولا نقول بهذا قطعاً وإطلاقاً، بل نقول عنهم: إنهم أئمة التقوى والهدى والإرشاد والتعليم والجهاد والدعوة والتضحية في سبيل الله، وإنهم منارات هدى، شأنهم في هذا الأمر كشأن بقية صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم.(31/90)
وليس من أيّ ذِكر لاختصاص الإمام علي وأولاده وأحفاده من نسل الإمام الحسين رضي الله عنه حصراً بالولاية والوصاية التي يقول بها الشيعة الإمامية، فليس هناك نص صريح في اختصاص هؤلاء الرجال من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم (بالإمامة) التي لا يصح إيمانُ المسلم إلا بها، وإذا أنكرها أصبح من أهل النار وبئس القرار.
وأحب أن أذكر في هذا المقام: أن المسلمين بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم لو اختاروا وبايعوا (علي بن أبي طالب) رضي الله عنه لما كان هناك أي إشكال ولا اعتراض، فعلي رضي الله عنه لا يقل وزناً عن أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنه فهم من أهل السابقة في الإسلام، وهم من المهاجرين الأوائل رضوان الله عليهم أجمعين وعلى بقية صحابة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله عنهم: ((مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)) [الفتح:29].
إذن لا إشكال ولا اعتراض لو تم اختيار علي بن أبي طالب لمنصب الخلافة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم.(31/91)
ولو تأتّى لنا دراسة اجتماع السقيفة وتنادي الأنصار للاجتماع عقب خبر وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وحدوث ما يُسمى بالفراغ السياسي ودعوتهم لاختيار خليفة لعلمنا علم اليقين أن الخلافة ليس فيها نصُّ على فلان أو فلان وإنما هي اختيار وتشاور على من يصلح لها ومن ثم بيعته من الناس، وليس فيها توريث أو نصُّ من الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا يُصدّقه قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه في نُهج البلاغة: (ولقد بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان..).
شجاعة علي.. وكسر ضلع فاطمة
سألت الأخ الشيعي الكريم: ما قولك في الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وفي شجاعته وبطولته التي سارت بها الركبان وأصبحت مضرباً للأمثال وقد سطّرها أهل التاريخ في كتبهم وأدبياتهم، وتغنى بها شعراء العربية طوال 14 قرناً من الزمان.. ماذا تقول في هذا الإمام العظيم؟.
قال: الإمام علي بن أبي طالب بطل الأبطال وإمام الشجعان، وهو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وزوج فاطمة الزهراء، والكل يعرف من هو علي بن أبي طالب؟ والكل يعرف شجاعته وبطولته في تاريخ الإسلام والمسلمين.
قلتُ: هذا حسن فالإمام علي رضي الله عنه حقاً هو كذلك.. بل وأكثر من ذلك، غير أني أحب أن أسالك سؤالاً واحداً فقط، ماذا تفعل لو بصق أحدهم في وجه زوجتك وأم أولادك.. وضربها ظلماً وتعسفاً، ماذا تُراك ستفعلُ حينها تجاه هذا الإنسان؟.
هل ستسكت عن هذا الضيم.. وهذا العدوان الذي لا مبرر له.. أم إنك سوف تنتقم لعرضك وعرض زوجتك؟.
قال: لو حدث هذا لقمتُ بتأديبه وضربه.. بل وتكسيره بكل عنف وقوة، بل وقد يصل الأمر إلى حد قتله. إذ كيف أسكتُ على هذا الضيم وهذا العدوان، دون أن يغلي الدم في عروقي؟.
قلت: هذا للأسف الشديد، ما تقولونه في حق إمامكم علي بن أبي طالب رضي الله عنه.(31/92)
ألستم تزعمون أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذهب إلى بيت علي ليجبره على بيعة الصديق رضي الله عنه فلما لم يجده، ووجد زوجته (فاطمة) بنت النبي رضوان الله عليها، خلف باب البيت فقام (بالضغط) عليها وهي بين الباب والجدار فكسر ضلعها وأجهض جنينها (محسن) ثم حرّق عليها الدار، أليس هذا ما تقوله كتبكم وعلماؤكم؟.
يا أخي العزيز.. أنت لا ترضى هذا لنفسك، فكيف ترضاه لإمامك علي بن أبي طالب وهو الإمام الشجاع والبطل الصنديد؟.
أخي لو حدث هذا الشيء (لفاسق) في عصرنا هذا لثأر لكرامته وشرف زوجته، بل إن الشاعر في الجاهلية كان يقول:
أصونُ عِرضي بمالي لا أبدده لا بارك الله بعد العرض بالمال
فكيف بأمير المؤمنين وبطل الأبطال علي بن أبي طالب، أن يسكت ويخضع وبكلِّ ذل وخنوع على ضرب زوجته وإحراق بيته وإجهاض جنينه؟ ومن هي هذه الزوجة؟ إنها (فاطمة الزهراء) ريحانه النبي صلى الله عليه وسلم وحبيبته إلى قلبه رضوان الله إن هذا السكوت، وهذا الصمت المطبق لا يدل على شجاعة الإمام علي بل يدل على جنينه وخنوعه وخوفه، وهو موقف أقرب إلى (الدياثة) منه إلى (الشجاعة).
ونحن أهل السنة والجماعة لا نقول بهذا الرأي.. ولا نؤمن بهذا الأمر ولا نعترف به ولا نصدقه أبداً، فهذا مما يقدح في رجولة الرجل. أيّا كان هذا الرجل فضلاً عن كونه إماماً للمسلمين.. ولكن أهل التشيع من الإمامية يطعنون فيه رضي الله عنه، بتبنّيهم هذه (الأكذوبة) التاريخية التي اخترعها (الوضّاعون) الشيعة في كتبهم ليثيروا بها عواطف العامة من الشيعة وليحرضوهم على كراهية وبُغضِ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فاروق هذه الأمة.(31/93)
إنكم تقولون وتبررون سكوت الإمام علي عن قضية الخلافة التي -كما تزعمون - اغتصبها أبو بكر الصديق منه، هو اهتمامه الأول والأخير (بوحدة المسلمين) وعدم اختلافهم وتفرقهم، مع كونها -أي الخلافة والإمامة كما تقولون- حقّ من حقوقه التي نصّ الله عليها من فوق سبع سماوات والنبي صلى الله عليه وسلم أكد عليها يوم (غدير خم).
إذن ما هو المبرر على هذا السكوت الفظيع.. وهذا الصمت المطبق الذي لا يرضاه الإنسان الشريف لنفسه ولا لغيره؟ فكيف بعلي بن أبي طالب بطل الإسلام وصنديده؟؟
عمر عدو علي.. ولكنه زوج ابنته
سألت الأخ الشيعي هذا السؤال: هل تزوّج ابنتك وحبيبتك لعدوك؟ قال: كلا، ولا يمكن أن أزوج ابنتي وحبيبتي لعدوي، مهما كانت الأسباب والظروف حتى ولو تعرضت لشتى الضغوط المادية والنفسية.
قلت: هذا الشيء الذي لا ترضاه لنفسك، ولا لابنتك.. ترضاه لإمامك علي بن أبي طالب ولابنته أم كلثوم رضي الله عنها وأرضاه.
قال: وكيف هذا؟.
قلت: تذكرون في كتبكم أن الإمام علي قد زوج ابنته وكريمته أم كلثوم بنت فاطمة الزهراء، لأعدى أعدائه، زوّجها لعمر بن الخطاب في نظركم يا معشر الشيعة؟.
إنه العدو الأكبر لعلي ولكل الأئمة الأطهار وللشيعة الإمامية في كل تاريخهم.
إنه السبب الأول والأخير في ضياع الخلافة من علي وذهابها لأبي بكر الصديق، وهو ليس عدواً فقط بل كافر ومرتد وظالم، وهو أشد كفراً من إبليس نفسه، وهو في الدرك الأسفل من نار جهنم والشيعة الإمامية تتقرب إلى الله بلعنه في ليلهم ونهارهم.
وسؤالي هو: هل يجوز لمسلم أن يزوج ابنته لكافر مرتد مصيره إلى النار وبئس القرار.
إن علماء السنة والشيعة متفقون على عدم صحة مثل هذا الزواج، أي زواج مسلمة بكافر، إذن كيف رضي ووافق الإمام علي أن يزوج ابنته أم كلثوم من عمر بن الخطاب (الكافر المرتد) في نظركم؟.(31/94)
إن المبرر الوحيد الذي يذكره علماء الشيعة الإمامية في هذه المسألة هو ما رواه أبو جعفر الكليني في فروع (الكافي)([1]).
حيث نقل عن جعفر الصادق رضي الله عنه، أنه قال في ذلك الزواج: (إن ذلك فرج غصبناه)([2]).
ونحن نسألُ قائل هذا الكلام: هل تزوج عمر أم كلثوم زواجاً شرعياً أم اغتصبها غصباً؟.
إن الكلام المنسوب إلى الصادق عليه السلام واضح المعنى، فهل يقول أبو عبدالله مثل هذا الكلام الباطل عن ابنة علي رضي الله عنه.
ثم لو كان عمر اغتصب أم كلثوم، فكيف رضي أبوها أسدُ الله (ذو الفقار) وفتى قريش بذلك؟.
وقد جاء -اليوم- بعض علماء الشيعة ليشكك في صحة هذه الرواية -أي زواج عمر بأم كلثوم مع أنها ثابتة في كتبكم، واسمع معي ما قاله (الطوسي) في كتابه (تهذيب الأحكام)([3]). (ماتت أم كلثوم بنت علي وابنها زيد بن عمر بن الخطاب في ساعة واحدة، لا يدري أيهما هلك قبل ولم يورّث أحدهما من الآخر وصلي عليهما جميعاً.
والحق.. إن عمر بن الخطاب تزوج من أم كلثوم ابنة علي بن أبي طالب وأنجب منها زيداً ابن عمر، وقد بارك الإمام هذا الزواج.. وهذه المصاهرة، وقد اعترف بهذا الزواج محدّثو الشيعة.
فقد روى الكليني: عن معاوية بن عمار بن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سألته عن المرأة المتوفّى عنها زوجها تعتدُّ في بيتها أو حيث شاءت؟ قال: بل حيثُ شاءت، إن علياً صلوات الله عليه، لما توفي عمر أتى أم كلثوم فانطلق بها إلى بيته)([4]).
يقول السيد: (مصطفى حسيني طباطبائي) في كتاب (حل الاختلاف بين الشيعة والسنة في مسألة الإمامة) ص47: (إن هذا التزويج منصوص عليه في "الإرشاد" للشيخ المفيد، و "التهذيب" للشيخ الطوسي، و"وسائل الشيعة" للحر العاملي، وغيرها من كتب الحديث عند الشيعة).
-------------
([1]) الكافي في فروع (2/ 141) طبعة الهند.(31/95)
([2]) انظر "إعلام الورى بأعلام الهدى" للطبرسي. طبعة دار المعرفة - لبنان، ص (204) وجاء فيه "وأما أم كلثوم فهي التي تزوجها عمر بن الخطاب وقال أصحابنا: إنه عليه السلام إنما زوّجها منه مدافعة كثيرة وامتناع شديد واعتلال عليه بشيء حتى ألجأته الضرورة إلى أن ردّ أمرها إلى العباس بن عبد المطلب فزوّجها إياه".
([3]) تهذيب الأحكام الطوسي (2/380) كتاب الميراث، طبعة طهران.
([4]) الكافي في الفروع، باب المتوفي عنها زوجها المدخول بها أين تعتدُّ؟ (2/311) طبعة الهند.
تسمية الأبناء بأسماء الأعداء!!
سألت الأخ الشيعي: هل بالإمكان تسمية أولادك وبناتك بأسماء ألدَّ أعدائك، ممن سلبوِك حَقّك.. وضربوا زوجتك وأحرقوا بيتك وأجهضوا جنينك، وهم فضلاً عن ذلك كفرة ومرتدون عن دين الله، ومصيرهم إلى النار وبئس القرار.
قال: لا، وألف لا، لا يمكن أن يحدث هذا الأمر، فكيف أختار لأولادي وبناتي أسماء أعدائي؟ مع كون الأسماء لا مشاحة فيها.. ولا عيب، إنما العيب كل العيب فيمن يحملها.. وليس في الأسماء ذاتها.
قلت: جميل ما تقوله وما تذكره، فلا مشاحة في الأسماء، فقد نقول عن هذا الإنسان أنه جميل ولكنه في الحقيقة قبيح وعن هذا إنه حسن ولكنه (سيئ).. وهكذا.. ولكن الأمر الغريب في شأنكم -أيها الشيعة- أن الأسماء التي ارتضاها الأئمة الكرام لأبنائهم وبناتهم ترفضون أنتم تسمية أولادكم بها وبناتكم، لا لشيء إلا لكونها أسماء لصحابة النبي صلى الله عليه وسلم وهي مرتبطة بمحبة أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة، وربما يعجب ويتفاجأ كثير من عامة الشيعة اليوم عندما يطّلعون على حقيقة مخفية عنهم لزمن طويل، أخفاها علماء الشيعة وخطباء المنابر الحسينية.(31/96)
هذه الحقيقة هي: أن الأئمة الأطهار رضي الله عنهم قد سموا أبناءهم وبناتهم بأسماء أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة ولم يجدوا في هذا الشيء غضاضة، بل هو كل الحب وكل التقدير وكل الاعتزاز، وهي الشخصيات المرتبطة ذهنياً عند الشيعة الإمامية بالنفاق والكفر والارتداد والانقلاب على الأعقاب.
فهذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله قد سمى أبناءه بأبي بكر وعمر([1])، وهم إخوة الحسن والحسين رضي الله عنهم([2]).
ثم جاء بعده الإمام الحسن بن علي رضي الله عنه فسمى أبناءه بأبي بكر وعمر، وكذلك فعل الإمام الحسين رضي الله عنه.
أما الإمام علي بن الحسين (زين العابدين) فقد سمى أحد أبنائه باسم عمر([3]). وكذلك صنع الإمام موسى بن جعفر (الكاظم) حيث سمى إحدى بناته عائشة([4]). وكذلك صنع الإمام علي بن موسى (الرضا) حيث سمى ابنته بعائشة وكذلك فعل الإمام علي بن محمد الهادي فسمي ابنته عائشة.
كل هذه الحقائق مذكورة ومسطورة في كتب الشيعة الإمامية.
فهل أنتم - يا شيعة اليوم - أتقى وأفضل من أئمتكم المعصومين رضي الله عنهم؟!.
وهل أنتم أكثر ورعاً منهم.. وهل صحيح -والحال هذه- أنكم تقتدون بأئمتكم الأطهار في كل شيء في الصغيرة والكبيرة في (الدين، والخلق والأسماء).
إن خطباء المنبر الحسيني يتحدثون عن فاجعة (الطف) ومأساة (كربلاء) في كل مناسبة دينية وخاصة في واقعة كربلاء، وعاشوراء، حيث يتحدثون عن التفاصيل الدقيقة في هذه المأساة التاريخية.. وبالتفصيل المُمِل.
يذكرون أسماء وبطولات وتضحيات من سقطوا شهداء في هذه الفاجعة إلى جانب الإمام الحسين (الشهيد) رضوان الله عليهم جميعاً.(31/97)
غير أن هؤلاء الخطباء ويا للغرابة والعجب يصدّون ويعرضون عن ذكر أسماء أبناء الإمام علي بن أبي طالب... وإخوة الإمامين الحسن والحسين، لكون هذه الشخصيات تحمل أسماء أبي بكر وعمر وأسماء بقية أبناء الأئمة ومن كان معهم وفي صحبتهم، ومنهم أبو بكر بن علي، وأبو بكر بن الحسن بن علي، وعبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب.
هذه الشخصيات الكريمة تُهمل إهمالاً تاماً.. وكأن لا وجود لها.. وكأنها لم تكن مع الإمام الحسين في واقعة الطف ومأساة كربلاء في جهاده واستشهاد إنهم يذكرون الأسماء التالية فقط:
أولاً: أولاد الإمام علي بن أبي طالب، وهم (الحسين، وجعفر، ومحمد) ويهملون ذكر أسماء (أبو بكر بن علي وعمر بن علي وعثمان بن علي) إخوة الإمام الحسين رضي الله عنه.
ثانياً: ويذكرون استشهاد أولاد الحسين، وهم: علي الأكبر، وعبد الله.
ثالثاً: ويذكرون استشهاد أولاد الحسين، وهم: عبد الله بن الحسن، والقاسم بن الحسن) ويهملون.. ويصدُّون عن ذكر (أبي بكر بن الحسن).
رابعاً: ويذكرون استشهاد أولاد عقيل بن أبي طالب، وهم: جعفر، وعبد الله) ويهملون ذكر (عبد الرحمن بن عقيل).
ونحن نسأل: لماذا يهمل خطباء المنبر الحسيني ذكر هذه الأسماء الكريمة؟! أليس هؤلاء هم أبناء الأئمة - المعصومون- في زعمكم؟.. ألم يمنّ الله عليهم بالشهادة في سبيله وهم في معية الإمام الحسين؟.
إن السبب واضح ومعروف، فهذه الشخصيات الكريمة تحمل أسماء صحابة النبي صلى الله عليه وسلم: (أبو بكر وعمر وعثمان وعبد الرحمن) والشيعة لا تطيق سماع هذه الأسماء، حتى ولو كانت أسماء أبناء الأئمة الأطهار.
ولهذا.. يندر أن نجد في المجتمعات الشيعية الآن اسم أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة وحفصة وعبد الرحمن، وطلحة والزبير.. الخ.
وتكاد تكون هذه الأسماء الكريمة معدومة في المجتمعات الشيعية الحاضرة في إيران ودول الخليج العربية، وفي العراق وفي سورية ولبنان وفي الهند والباكستان.(31/98)
فالشيعة الإمامية يتشاءمون ويتطيرون من ذكر هذه الأسماء الكريمة مع أن أئمتهم المعصومين قد سموا بها أولادهم وبناتهم.
ولا أدري.. هل شيعة اليوم أكثر ورعاً وتقوى لله من أئمتهم المعصومين وأكثر إخلاصاً وإيماناً منهم - اللهم لا، وألف لا..
قد تقول لي.. إن التسميات كانت من باب التقية، ليخلصوا من شرور أولئك المعتدين - على حقوق آل البيت والأئمة، فأقول: إن هذا يتعارض تماماً مع الإيمان الذي يحمله آل البيت في صدورهم، ومع صفاتهم الفذة من رجولة وشجاعة وسوى ذلك من صفات الرجال، فعيب بحقّ الشيعة انتقاصهم، ونعتهم بما يخالف حقيقة ما كانوا عليه.
إنه - يا أخي الشيعي- الحقد الأسود على هؤلاء الصحابة، حتى وصل بكم إلى حد التشاؤم والترفع عن تسمية أولادكم وبناتكم بأسماء هؤلاء الكرام من صحابة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
ورد في الإنجيل وكما ذكرت سابقاً: (إذا فسد الملح فبما يُملّح.. وإذا كان النور الذي في قلبك ظلاماً، فكيف يكون الظلام إذن).
وورد كذلك: (وهل نجني من الشوكِ العنب)؟.
وهذه القضية تجعلني أحدثك.. عن قضية أخرى لا تقل عنها أهمية، وهي كذلك يهملها علماء الشيعة وكتُّابهم وأهل التاريخ والأدب عندهم. وهي عدم اهتمام الشيعة بالسيرة النبوية المطهّرة.
ففي الوقت الذي نجد فيه آلاف المؤلفات والكتب في سيرة الأئمة الأطهار.. وسيرة بقية آل البيت رضي الله عنهم لا نجد المؤلفات والكتب التي تؤرخ لسيرة خير المرسلين عليه أفضل الصلاة والسلام، وإذا وجدنا، فإننا نجد مقتطفات وملخصات للسيرة النبوية، ومن النادر أن نجد من خطباء المنبر الحسيني من يتحدث في السيرة النبوية، ومن يدرّسها للطلبة في المساجد والحسينيات، بل وحتى في الحوزات العلمية. وكأن سيرة الإسلام العظيم والمشرف ما هي إلا سيرة هؤلاء الأئمة الكرام.(31/99)
هل تعرف السبب -أيها الأخ الشيعي الكريم - إن السبب واضح، فكون هذه السيرة.. السيرة النبوية تشتمل على سيرة الصحابة الكرام ومنهم أبو بكر وعمر، وعلماء الشيعة، لا يطيقون ذكر أسمائهم وتضحياتهم في سبيل الله، وفي سبيل الإسلام، فكيف يذكرونهم وهم يُكفرونهم.. ويصفونهم بأقبح الأوصاف.
إنها حالة نفسية.. وحالة عقلية مرضية، ترفض أن تذكر سيرة من تعتبرهم كفرة مرتدين.. من أهل النفاق، وهم في نهاية المطاف من حزب الشيطان.
واقرأ معي ما قاله الشيخ (عبد الحسين بن المظفر) المعروف عندكم بأبي ذر زمانه، في كتابه (الشافي في شرح أصول الكافي)([5]).
(إن هؤلاء العارفين من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله، الذين أضلّهم الشيطان؛ لأنهم مالوا عن الحجة الواضحة، والسُبل المنيرة، بإطاعتهم غير أهل بيت العصمة، إذ الميول عنهم ميول عن حزب الشيطان).
يذكر الأستاذ(عيادة أيوب الكبيسي) في كتابه القيم: (صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتاب والسنة)([6]).
ومن أعجب ما قرأته عن الشيعة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
هو ما كتبه محمد الخالصي الشيعي في رسالته إلى الشيخ محمد بهجت البيطار، المؤرخة في 26/ربيع الأول 1382هـ إذ يقول: (لم أذكر الصحابة بخير لأني لا أريد أن أتعرض لعذاب الله وسخطه، بمخالفتي كتابه وسنته في مدح من ذمَّة الكتابُ والسُّنَّة، والإطراء علي من قبح أعماله القرآن المجيد، والأحاديث المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم وغاية ما كنتُ أكتبه وأقوله هو أن كتاب الله وسنة نبيه لم تذكر الصحابة بخير، ولا تدل على فضل لهم لأنهم صحابة).
إذن كيف يدرسُ ويُدرِّسُ الشيعة الإمامية سيرة هؤلاء الصحابة إذ يخافون كما ذكر الخالصي أن يتعرضوا لسخط الله وعذابه؟.(31/100)
وهذا إمامكم (الخميني) يكتب في وصيته الأخيرة: (إنني أقولها بجرأة: إن شعب إيران بجماهيره المليونية في العصر الحاضر، هو أفضل من شعب الحجاز في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشعب الكوفة والعراق على عهد أمير المؤمنين والحسين بن علي صلوات الله وسلامه عليهما، فأهلُ الحجاز وكذلك المسلمون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكونوا يطيعونه، وبذرائع شتى يتهربون من القتال حتى إن الله تعالى أنّبهم في آيات من سورة التوبة وأوعدهم بالعذاب: بل وافتروا عليه حتى دعا عليهم كما يروى.
وبالنسبة لأهل العراق والكوفة فلطالما آذوا أمير المؤمنين وتمردوا على طاعته وشكواه منهم معروفة مشهورة، ومسلمو العراق والكوفة هم الذين فعلوا بسيد الشهداء عليه السلام ما فعلوا، ومن لم يلحقه وِزْرُ المشاركة المباشر في قتل سيد الشهداء فهو إما فارُّ من المعركة أو قاعد حتى وقعت جريمة التاريخ، فيما نرى أي فداءٍ وتضحيات يندفع لتقديمها بشوقٍ شعبُ إيران عامة، وقواته المسلحة جيشاً وحرساً وقوات درك)([7]).
وهل يملك المسلم إلا أن يقول أمام هذه المقارنات: (سبحانك هذا إفك عظيم).
لهذه الأسباب، ولغيرها أعرض علماء الشيعة وخطباؤهم عن الحديث عن السيرة النبوية المطهرة وهي التي تمثل تاريخ الإسلام في صفحاته المضيئة والمشرقة.
ويحسن في هذا السياق أن نُورده ما ذكره موسى الموسوي في كتاب الثورة البائسة: (إن الخميني جاء وأبوه من الهند، ولا يُعلم له نسبُ سوى ذلك، فما اللغز في ذلك؟).
الله اعلم([8]).
--------------
([1]) كتاب إعلام الورى بأعلام الهدى للطبرسي، ص(203)، طبعة دار المعرفة، لبنا.
([2]) المصدر السابق، ص (212).
([3]) المصدر السابق، ص (357).
([4]) المصدر السابق، ص (301).
([5]) (2/49-50).
([6]) (ص:289).
([7]) الوصية ص(5-6).
([8]) كتاب الثورة البائسة.
الله يترضى.. والشيعة يلعنون؟؟(31/101)
ثم تعال معي أيها الأخ الشيعي العزيز، إلى قضية أخرى في مسألة الصحابة الكرام رضي الله عنهم.
لقد ترضى الله تبارك وتعالى عن هؤلاء الصحابة، وأنزل رضاه ومدحه لهم في كتابه العزيز ليتلوه الناسُ إلى يوم القيامة، حيث قال عزّ من قائل: ((لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا)) [الفتح:18].
وقوله: ((وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)) [الأنفال:74].
وقوله جلت قدرته: ((مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)) [الفتح:29].
وقوله عز من قائل: ((وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)) [التوبة:100].
والآيات في هذا المقام عديدة وكثيرة، وكلها تثني وتمتدح وتترضي على هؤلاء الكرام رضوان الله عليهم.(31/102)
فكيف يترضى الله تبارك وتعالى عليهم، وأنتم يا معشر الشيعة الإمامية تسبونهم وتطعنون فيهم وتحطون من قدرهم؟ وهم الذين قال النبي صلى الله عليه وسلم عنهم: (لا تسبوا أصحابي، فو الذي نفسي بيده لو أنّ أحدكم أنفق مثل أحدٍ ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه) متفق عليه.
أما علماء الشيعة فماذا يقولون عن هؤلاء الكرام الذين حملوا راية الإسلام إلى أقطار الأرض في الشرق والمغرب، والذين جاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله.
أُحبُّ أورد ذلك - أخي الكريم - نصّين من نصوص وأقوال علمائكم، أحدهما من الأقدمين وهو شيخكم (الكليني) في كتابه (الكافي) والآخر من المعاصرين وهو (الخميني) في كتابه (كشف الأسرار).
حيث يقول الأول: (الكليني) عن أبي بكر وعمر، ما نصه (.. إن الشيخين أبا بكر وعمر فارقا الدنيا ولم يتوبا، ولم يذكرا ما صنعا بأمير المؤمنين عليه السلام فعليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)([1]).
وأما الثاني: (الخميني) فقد قال بكل صراحة ووضوح: (إن أبا بكر وعمر وعثمان لم يكونوا خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله، بل وأكثر من ذلك إنهم غيّروا أحكام الله وحلّلوا حرام الله، وظلموا أولاد الرسول، وجهلوا قوانين الرب وأحكام الدين)([2]).
فانظروا إلى ما يقوله القرآن الكريم عن الصحابة الكرام، وإلى ما يقوله علماء الشيعة عنهم.
القرآن يترضى عليهم، والشيعة يسبونهم ويلعنونهم، فمن نصدق؟ من المؤكد أن المسلم والمؤمن والمتقي إنما يصدق الله رب العالمين.
واسمع معي -يا أخي الكريم- هذه الحادثة.. وهذه القصة التي أوردها أحد علماء الشيعة الإمامية وهو (مصطفى حسيني طباطبائي) في كتابه (حل الاختلاف بين الشيعة والسنة في مسألة الإمامة)([3]).(31/103)
عن إبراهيم بن قدامة بن حاطب عن أبيه عن علي بن أبي الحسين، الملقب بزين العابدين قال: أتاني نفر من أهل العراق فقالوا في أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم -أي طعنوا فيهم- فلما فرغوا قال لهم علي بن الحسين: ألا تخبروني أأنتم المهاجرون الأولون ((الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)) [الحشر:8].
قالوا: لا قال: فأنتم ((وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا)) [الحشر:9].
قالوا: لا.
قال: أما أنتم، فقد تبرأتم أن تكونوا من أحد هذين الفريقين، ثم قال: أشهد أنكم لستم من الذين قال عز وجل فيهم ((وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)) [الحشر:10] أخرجوا، فعل الله بكم، أي: شتمهم.
----------------
([1]) روضة الكافي (8/346).
([2])كشف الأسرار الخميني، ص(110).
([3]) ص (38،37،36).
الإفراط في الحب.. والإفراط في البغض
قلت: للأخ الشيعي وأنا أساله: هل تعرف ما هي مشكلتك... ومشكلة طائفتك؟.
قال: لا، لا أعرف، فما هي المشكلة في رأيك ونظرك؟.
قلت: إن مشكلتك.. ومشكلة الشيعة تتلخص في جملة واحدة وهي: (الإفراط في الحب، والإفراط في الكراهية والبغض) وهي مشكلة يعاني منها كل البشر وليس الشيعة فحسب.
فمن نحبه فهو (قديس) ومن نكرهه فهو إبليس، وليست هناك منطقة وسط. إما الإفراط في حب الأشخاص.. والرجال إلى حد (القداءة) و(التقديس)، وإما الكراهية والبغض فيهم وفي أشخاصهم والحط من أقدارهم إلى حد التدنيس).(31/104)
وهذا ما فعله اليهود والنصارى في نظرتهم إلى السيد المسيح عليه السلام، فاليهود كرهوه.. ورفضوا دعوته وتآمروا على قتله، ووصفوه بأنه ابن زنا، ووالدته - حاشاه وحاشاها - عليهما السلام، غير أن كراهيتهم للسيد المسيح أعمتهم عن الانصياع للحق الذي جاء به السيد المسيح عليه السلام ومازال اليهود وإلى يوم يبغضونه ويسبونه، ويتهمون والدته عليها السلام بكل الأوصاف القبيحة والسيئة.
أما النصارى فهم على العكس من ذلك تماماً، لقد وصل حبهم للسيد المسيح عليه السلام إلى حد التقديس والتأليه واعتباره ابناً لله تبارك وتعالى - حاشا لله أن يكون له ابن وولد - غير أن هذا الحب قد أعماهم عن (بشريته) عليه السلام، وفي كلتا الحالتين هناك خلل في التفكير وفي التصور، تؤدي على خلل في العقيدة والاعتقاد.
والشيعة الإمامية أصابهم ما أصاب اليهود والنصارى في هذه المسألة العقدية، فهم يفرطون في حب الأئمة الأطهار إلى حد الغلو والتقديس ويبالغون في كراهية الصحابة الكرام إلى حد الاحتقار والتدنيس.
وخذ مثالاً على هذا الغلو والتقديس في شأن الأئمة رضوان الله عليهم جاء في "بحار الأنوار"([1])، للمجلسي هذه الرواية المكذوبة عن الإمام الصادق رضي الله عنه أنه قال: (والله لقد أعطينا علم الأولين والآخرين، فقال رجل من أصحابه " جُعلت فِداك أعندكم علم الغيب؟ فقال له: ويحك إني أعلم ما في أصلاب الرجال، وأرحام النساء، ويحكم وسِّعوا صدوركم، ولتبصر أعينكم، وَلُتع قلوبكم، فنحن حجةُ الله تعالى في خلقه، ولن يسع ذلك إلا صدر كل مؤمن قوي، قوته كقوة جبال تهامة إلا بإذن الله، والله لو أردتُ أن أحصي لكم كل حصاة عليها أخبرتُكم وما من يوم وليلة إلا والحصى تَلِدُ إيلاداً، كما يلد هذا الحلق، والله لتتباغضون بعدي حتى يأكل بعضكم بعضاً).(31/105)
وفي الكافي([2]) للكليني عند عبد الله بن بشر عن أبي عبد الله أنه قال: (إني لا علم ما في السماوات وما في الأرض، وأعلم ما في الجنة، وأعلم ما في النار وأعلم ما كان وما يكون..).
فهل رأيت غُلواً أكبر وأكثر من هذا الغلو، وهذا الانحراف في التصور والاعتقاد؟.
فأئمتكم -يا أخي الكريم - يعتقدون أنهم يعلمون الغيب، ويعلمون ما في أصلاب الرجال، وما في أرحام النساء، ويعلمون ما في السماوات وما في الأرض، ويعلمون ما في الجنة وما في النار، ويعلمون ما كان وما يكون، بل إن هؤلاء الأئمة يخلقون الخَلْق ويصورون كل شيء في هذه الدنيا، فماذا تركتم لله تبارك وتعالى بعد كل هذا الغلو؟.
إن هذا الداء القديم.. (داء الإفراط والتفريط) الذي أصابكم هو نفسه الذي أصاب اليهود والنصارى من قَبلكم، فأصابكم بالعمى وضبابية الرؤية وعدم إدارك الحق المبين.
إن هذا الداء المميت قد أشار إليه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم حينما قال لأصحابه: (لا تطروني([3]) كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد الله، فقولوا: عبد الله ورسوله) رواه البخاري.
نعم.. لقد أصابكم داء الأمم السابقين من يهود ونصارى، فأفرطتم في حب وتقديس آل البيت رضوان الله عليهم حتى أوصلتموهم إلى مقام ومرتبة (الألوهية) و(الربوبية) وأما (الخوارج) وهي الفرقة -الدموية- الضالة، فقد أبغضت الإمام علي حتى قتلته رضوان الله عليه.
أما أهل السنة والجماعة فقد التزموا جانب الحق والصواب في قضية الحب والبغض، دون إفراط أو تفريط ودون غلو أو انحراف، فليس عندنا نحن أهل السنة والجماعة، أشخاص معصومون أو مقدسون، اللهم إلا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم فهو المعصوم وحده فيما يبلّغه عن ربه عز وجل، وبقية الخلق يصيبون ويخطئون، والمعصوم من عصمه الله تبارك وتعالى، وإنما أنا عبد الله ورسوله..
--------------
([1]) كتاب (نجار الأنوار) (26/27،28).
([2]) الأصول من الكافي (1/261).(31/106)
([3]) أي: لا تعظموني كما عظمت النصارى عيسى بن مريم إلهاً أو ابن إليه، وإنما أنا عبد الله ورسوله.
الاتباع الأعمى لعلماء الدين
إن أحد أبرز المظاهر التي يعاني منها المجتمع الشيعي في كل أقطار العالم، هو قضية المرجعية، فكون الإنسان الشيعي لا تصح عباداته ولا ممارساته الدينية الأخرى إلا بتقليده لإحدى المرجعيات الدينية جعلته لا يستطيع الخلاص والانفكاك من جاذبية وتأثير المرجع الديني مهما كان مستوى هذا (المقلد) العلمي والثقافي والاجتماعي.
فالتقليد والاتباع للمرجع العلمي الديني مبدأ أساسي في حياة الإنسان الشيعي، فالفتوى التي يصدرها المرجع الديني تعتبر ملزمة لأتباعه الذين يقلدونه في الصغيرة والكبيرة من أمور دينهم بل وفي شتى أمور دنياهم أيضاً.
فالطبقية والتراتبية الدينية مسألة معروفة ومشهورة في المجتمع الديني في مرتبة (القداسة) الموجودة عند النصارى وخاصة الكاثوليك منهم ولهذا وجدنا من كُتّاب الشيعة وعلمائهم في العراق والخليج من يكتب ويسطر ويدبّج المقالات العديدة في تقديس آية الله العظمى السيد (السيستاني) ومن قبله آية الله العظمى السيد الخوئي، ومحمد باقر الصدر، وغيرهم كثير.
ومنذ عهد الصفويين في إيران وانتشار المذهب الشيعي فيها بالقوة والعنف والإرهاب، أصبح للمرجع الديني القدح المعلي في الطائفة والمجتمع الشيعي وما زال هذا التأثير وهذه المكانة موجودة للعالم والمرجع الشيعي إلى يومنا هذا.
هذا التأثير وهذه المكانة وهذه الميزة تجعل كلمة المرجع الديني الشيعي كلمة لها قداستها وأهميتها القصوى في نفس وروح وقلب الإنسان الشيعي فلا يستطيع هذا الإنسان أن يرد أو يناقش أو يناظر العالم والمرجع الديني، وكيف يناقشه أو يرد عليه وهذا المرجع يمثل الإمام الغائب والمختفي (المهدي المنتظر) وهو وكيله في الأمة وفي الطائفة الشيعية الإمامية؟.(31/107)
من هنا نستطيع في أن نفهم وأن نعرف سبب اتباع عموم الشيعة لعلمائهم ومراجعهم فالرادُّ عليهم كالرادّ على الإمام، والراد على الإمام كالرادّ على رسول الله، والراد على رسول الله كالرادّ على الله.
ومن هذا المنطلق لا يجرؤ الإنسان الشيعي على مناقشة المرجع الديني أو الرد عليه، وكل ما عليه هو الاتباع والانصياع والخضوع.
إنه في الواقع والحقيقة الاتباعُ الأعمي، والانصياع الأعمى لهذا العالم الشيعي أو ذاك، فهو في واقع الأمر كالتلميذ بين يدي أستاذه الجاهل الذي يقول له: أطفئ سراج عقلك واتبعني.. هكذا دون مناقشة ودون تفكير ودون علم أو وقفة صادقة.
وعلى ضوء هذا تعرَّض ويتعرض كل من يخرج على المذهب الشيعي الإمامي إلى الأذى والإقصاء والنبذ والهجوم والتشنيع والقدح في علمه وسمعته، وقد يصل الأمر إلى حد القتل، كما حدث مع العديد من أفاضل الشيعة ممن رفضوا هذه الانحرافات وخرجوا على هذه الخرافات، بعد ما منّ الله عليهم بالهداية والتوفيق ولزوم جماعة أهل السنة والجماعة وترك مذهب الرفض.. من أمثال السيد آية الله (البرقعي) حفيد الإمام الرضا، وصاحب كتاب (كسر الضم) والذي انتقد فيه كتاب الكافي للكليني ونقضه من أساسه.
وكذلك السيد الأستاذ أحمد الكسروي صاحب كتاب "الشيعة والتشيع" والأستاذ السيد موسى الموسوي صاحب كتاب الشيعة والتصحيح وكتاب الثورة البائسة" والأستاذ أحمد الكتاب، صاحب كتاب تطور الفكر السياسي الشيعي، والذي نقض وأنكر فيه وجود الإمام المهدي المنتظر، والسيد الراحل آية الله العظمى أبو الحسن الأصفهاني، والسيد حسين الموسوي صاحب كتاب (لله.. ثم للتاريخ) وهناك عدد آخر من علماء الشيعة ومن أساتذتهم ممن هداهم الله فرفضوا كل أباطيل وأساطير التشيع (الصفوي) الدموي والإرهابي.
فقد تم قتل: الإمام البرقعي، ونجل الإمام أبو الحسن الأصفهاني، كما تم قتل السيد أحمد الكسروي والسيد حسين الموسوي رحمهم الله جميعاً وغفر لهم.(31/108)
أما السادة موسى الموسوي وأحمد الكاتب فقد تعرضنا للضرب والتهديد والأذى والاتهام بالعمالة (للوهابية).
وأخيراً.. فقد تعرض السيد آية الله العظمى محمد حسين فضل الله إلى الله الأذى وإلى تشويه السمعة وإسقاط المرجعية عنه واتهامه بالعمالة لوكالة المخابرات الأمريكية، فتم الهجوم عليه من فوق المنابر الحسينية والمآتم، وألفوا فيه الكتب من نظائر كتاب (الحوزة العلمية ترد على الانحراف..) وهكذا..
إنه يا صاحبي الشيعي الإرهاب والتعصب الأعمى في أبشع صوره وأشكاله، وهو يذكرنا بإرهاب الدولة (الصفوية) والتي حكمت إيران في فترة ماضية، وقامت بذبح وقتل وإرهاب ملايين السنة من أهل إيران وإرغامهم على الدخول في مذهب التشيع الإمامي (الصفوي) حدث هذا في إيران.
وحدث هذا في العراق، أثناء حكم الدولة الصفوية في العصر الحديث.
إن هذا الإرهاب يذكرنا في واقع الحال بدولة الإرهاب الكبرى (أمريكا). وربيبتها (إسرائيل) حيث قال زعيمها ورئيسها جورج بوش الابن، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر: (مَنْ ليس معنا.. فهو ضدنا) هكذا بكل صراحة ووقاحة.
نعم.. لقد أضحي مذهب التشيع الإمامي الإثناء عشري، في حقيقته تشيّعاً صفوياً وليس تشيعاً علوياً، كما ذكر المفكر الشيعي الشهير والحرّ (الدكتور على شريعتي) في كتابه الموسوم. (التشيع العلوي.. والتشيع الصفوي).
نعم.. يحمد للشيعي احترامه لمرجعيته، والتزامه ما يصدر عنها، وفي هذا نوع من فلاح إذا كان على بصيرة وعدم تعطيل المنحة الربانية الكبيرة "العقل" وقد دعا القرآن الكريم كل البشرية للتفكر والتعقل والتبصر والتدبر، لا إلى تقليد أعمى، كما مر آنفاً أطفئ سراج عقلك واتبعني "بل توظف" منحة ربك فيما يُرضى ربك فليس كل متبوع معصوماً إلا النبي الكريم، عليه أفضل الصلاة والسلام..
دعوة صادقة.. للتقريب بين السنة والشيعة(31/109)
أمتنا الإسلامية تضم اليوم عدداً كبيراً من المذاهب الفكرية والمدارس الفقهية، والأعراق الجنسية والألسنة، بل وفي المذهب الواحد هناك عدد من المدارس الفقهية، وبينها اختلافات عديدة في الأحكام وفي الآراء الاجتهادية.
ونستطيع أن نعطي أمثلة من واقع المذهب السني، وهو أكبر المذاهب الإسلامية وأكثرها انتشاراً وعدداً، حيث إن هناك أقطاراً عربية وإسلامية لا يعرف إلا مذهباً واحداً، كالمغرب العربي الكبير الذي يعتنق أهله مذهب الإمام مالك في أحكامه الفقهية السنية الأربع (الحنفية) والمالكية والشافعية والحنبلية).
كما أن المذهب الحنفي هو أكثر المذاهب السنية انتشاراً في تركيا والباكستان والهند وإندونيسياً وفي الجمهوريات الإسلامية المستقلة عن الاتحاد السوفييتي (السابق).
وفي الماضي القريب كان الخلاف محتدماً بين أتباع هذه المذاهب، حتى وصل الخلاف إلى حد عدم الصلاة خلف بعضهم بعضاً، والتعبد في مساجد بعضهم بعضاً وحتى في الحرمين المكي والنبوي كان الأذان يرفع وتقام الصلاة على أساس المذاهب السنية الأربعة.
أضف إلى ذلك أن الاختلاف تعدى المسائل الفقهية إلى قضايا الزواج والمصاهرة، ففي بعض البلاد العربية كان الحنفي يرفض تزويج ابنته من الشافعي، والعكس صحيح، وكان الحنبلي لا يصلي وراء المالكي، مع أن الأئمة الأربعة الكبار، كان بعضهم تلميذ بعض.. غير أن الخلاف حدث بين اتباعهم.
واليوم.. يبدو أن اتباع المذاهب السنية لم يعودوا يهتمون بالمذهبية الفقهية بقدر اهتمامهم بالدليل الشرعي المأخوذ من الكتاب والسنة. وخاصة الشباب المتدين منهم، حيث تجاوز الجميع المسألة المذهبية.. وحتى فقهاء المذهب الواحد قد يفتي بعضهم على أساس المذاهب السنية الأخرى، متجاوزاً في ذلك مدرسته الفقهية.(31/110)
فها هو فضيلة الشيخ الدكتور (يوسف القرضاوي) يأخذ من كل المذاهب السنية إذا وجد أن رأيها أصوب وأسلم، مع أن مذهبه هو (الحنفي)، وقس على ذلك بقية الفقهاء المعاصرين، إذ لم يعد الخلاف المذهبي يشكل مشكلة عندهم كما كان في الماضين بل إن المسائل كلها ترجع إلى الدليل الشرعي المنبثق من الأصلين الكبيرين (الكتاب والسنة).
وكذلك الأمر عند الشيعة.. حيث انقسموا بدورهم إلى مذاهب فكرية ومدرسية، فهناك المدرسة (الإمامية) الإثنا عشرية، وهي الأكبر والأعم عند الشيعة في العالم، ثم هناك المدرسة (الزيدية) في اليمن، والمدرسة الإسماعيلية في شبه القارة الهندية وفي بعض بلاد الشام.
وحتى في المذهب الشيعي الواحد هناك أكثر من مدرسة فقهية. خذ مثلاً المذهب الإمامي الموجود في دول الخليج العربية وفي جمهورية إيران الإسلامية، فإن اتباعه ينقسمون إلى أصوليين وأخباريين، وقد يضاف إليهم فرقة (الشيخية) الموجودة في بعض مناطق الإحساء والعراق.
وقد وصل الخلاف بينهم في الماضي إلى حد التناحر والتشهير والاتهام، حتى جاء الشيخ (يوسف البحراني) وحاول أن يوفق بين المدرستين في أحد كتبه المعروفة والمشهورة، وسار على دربه عدد كبير من فقهاء الإمامية بعد ذلك.
وكما حدث عند أهل السنة والجماعة، فقد تجاوز اتباع الإمامية الخلاف المذهبي والفقهي، وأصبح الأغلب والأعم عندهم هم أصحاب المدرسة الأصولية، وخاصة بعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران وقيام الجمهورية الإسلامية التي تسترشد بالمدرسة الأصولية وهناك خاصة يتفرّد بها الشيعة، وخاصة الإمامية منهم حيث يرجعون في مسائل عباداتهم وشؤون حياتهم إلى المرجع العلمي والفقيه المستكمل للشرائط، وهي (الأعلمية، والنزاهة، والعدالة..الخ).(31/111)
أما الخلاف بين السنة والشيعة، فهو ليس خلافاً في الفروع (فقط) كما يظن البعض، بل قد يصل إلى (الأصول) فهو ليس خلافاً في مسألة فقهية فرعية كقضية (زواج المتعة) التي يعتبرها الشيعة مباحة، ويعتبرها السنة محرمة، فهذه ليست بالمسألة الكبيرة التي تستحق الوقوف عندها كثيراً وطويلاً، فكلا الفريقين له أدلته الشرعية في هذه المسألة، ولكن القضية الأهم هي مسألة (الأصول) فالشيعة مثلاً يعتبرون الإمامة المنصوص عليها مسألة جوهرية في المذهب الإمامي، فالإمام (علي بن أبي طالب) رضي الله عنه وأبناؤه حتى الإمام الثاني عشر، هؤلاء كلهم منصوص عليهم بالإمامة من الله تبارك وتعالى، وهي ركن من أركان المذهب.
والسنة في المقابل لا يعتبرون (الإمام) ركناً من أركان الدين، كما أن الإمام (علياً) وأبناءه غير منصوص عليهم من الله، ولكنهم يعتبرونهم من أئمة الدين الفضلاء، أصحاب المكانة والنسب الشريف، وهم من أهل بيت النبوة، ولهم كل تعظيم وتبجيل، ولكنهم لا يختصون بالإمامة المنصوص عليها، كما هو عند الشيعة، بل ويذهبون إلى حد تفضيل (أبي بكر) وعمر وعثمان على الإمام علي، وهذا الأمر معروف، ومشهور عندهم.
وكذلك بالنسبة لقضية (عصمة الأئمة) التي يعتقد بها الشيعة ويعتبرونها من مسلمات المذهب الإمامي، حيث يأخذون بأقوال الأئمة ويعتبرونها في مقام أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم والتشريع عندهم توقف عند اختفاء الإمام (المهدي) في غيبته الكبرى.
أما السنة فلا يؤمنون بعصمة الأئمة ولا يعتقدون بها، فالمعصوم هو النبي وحده، والدين قد اكتمل عند مفارقته هذه الحياة، عليه أفضل الصلاة والسلام.(31/112)
هذا التصور في مسألة العصمة ألقى بظلاله على قضية أخرى، حدث فيها اختلاف واضح بين الفريقين، وهي قضية (الجرح والتعديل) في علوم الحديث، الخاصة برواة الحديث النبوي الشريف، وبالإمكان أن نسمي هذا المصطلح بلغتنا المعاصرة بمسألة المعايير أو التقويم والتقييم، الخاصة برجال الحديث بمن فيهم الصحابة الذين صاحبوا النبي صلى الله عليه وسلم ورووا الأحاديث العديدة في شتى شؤون الحياة والدين.
فأهل السنة يعتبرون كل الصحابة (عدولاً) في أخذهم للحديث وفي روايته. ولا أريد أن أدخل في تعريف من هو الصحابي؟ ولكن مما هو جدير بذكره أن هذا التعريف قد حدث فيه نظر واختلاف بين السنة والشيعة، فكلا الفريقين قد يُزكّي قسماً من الصحابة لا يزكيهم القسم الآخر، بمن فيهم أبو بكر وعمر وعثمان وأبو هريرة على سبيل المثال وليس الحصر. وبما أن كتب الأحاديث قد تضمنت روايات جاءت عن طريق هؤلاء الرجال أو عن غيرهم، فإن الشك قد وقع فيها، ولذلك نرى أهل السنة والجماعة لا يأخذون بأحاديث (الكليني) إلا إذا وافقت الأحاديث التي وجدت في كتبهم الصحاح، وكذلك يفعل الشيعة الإمامية في عدم أخذهم بكتب الإمام (البخاري) والإمام (مسلم) وغيرهم، إلا إذا وافقت ما هو موجود عندهم.
وهذا بدوره انعكس على عدد كبير من مسائل الفقه والحديث، والسبب هو الاختلاف في معايير التقويم أو (الجرح والتعديل) الخاصة برجال الحديث ورواته.
وتبدو المسألة هنا أقل خطراً من مسألة (تحريف القرآن) التي جرى عليها نقاش طويل ومناظرات عديدة في تاريخ الأمة الإسلامية، حيث يتهم أهلُ السنة والجماعة، الشيعة الإمامية بالقول بتحريف القرآن من خلال الكتب والتفاسير التي ألفها علماء الشيعة وذكروا فيها نموذج من هذا التحريف المزعوم، من مثل كتاب (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب ربّ الأرباب)، للنووي الطبرسي.
وإن كان غالبية المسلمين اليوم من سنة وشيعة يقولون بعصمة (الكتاب الكريم) من التحريف والتبديل.(31/113)
وإذا نظرنا إلى مسائل التعبد (كالصيام) مثلاً نجد أن أحد أسباب الخلاف يرجع إلى طبيعة اللغة العربية، فكلمة (إلى) أدت إلى وقوع خلاف في قضية.
الفطر بعد الصيام، حيث فهم أهل السنة والجماعة من هذه الكلمة عند تفسيرهم للآية الكريمة: ((أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ)) [البقرة:188]. على أنها حدّية، أي بمجرد غياب الشمس يحدث الفطر. أما الشيعة فقد فهموا منها أنها (غاية) ولابد من دخول الغاية في المْغيّا، بمعنى أنه لابد من دخول جزء من الليل (حوالي ربع ساعة بعد غياب الشمس)، عندها يصبح الفطر واجباً، وقس على ذلك بقية المسائل الفقهية من مثل مسألة الوضوء أو الطهر والحيض، وهذا اختلاف علمي مصدره الاجتهاد في فهم النص القرآني المقدس.
وأنا أعتقد أن الشيعة لا يحبون أن يخالفوا السنة، وكذلك السنة لا يحبون أن يخالفوا الشيعة في هذه القضايا العلمية. فالاختلاف في فهم النص الإلهي واقع لا محالة.
من هنا أقول، إذا ابتعدنا عن المسائل التي تفرقنا، فإن بإمكان أبناء الطائفتين أن يتعاونوا وأن يتفقوا على الحد الأدنى من القضايا التي تخصهم، والتي تشكل نوعاً من التقريب، ومنها على سبيل المثال.
أولاً: إن ما حصل من حروب دامية في عصر الصحابة الكرام لسنا مسؤولين عنه -نحن أبناء الحاضر- فقد قال الله لنا جمعياً: ((تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) [البقرة:134].
فإذا حصل اتفاق في هذا الأمر، فإننا نقفز خطوة إلى الأمام في عوامل التقريب بين السنة والشيعة.
ثانياً: كلا الفريقين لا يحب الفساد الإداري أو المالي أو الأخلاقي في مجتمعات المسلمين، إذن نتعاون على مكافحة هذه الظواهر المرضية، التي تدمر خصائص الإنسان وحياته المستقبلية.(31/114)
ثالثاً: الوقوف صفاً واحداً أمام الأخطار المحدقة بنا جميعاً كمسلمين في هذه المنطقة من العالم، فإن أعداء الله ورسوله، وأعداء الإسلام والإنسانية لا ينظرون لنا على أننا (سنة وشيعة) بل على كوننا مسلمين تجمعنا عقيدة واحدة ولهذا نبهنا الكريم في سورة الأنفال إلى هذه القضية الحاسمة بقوله: ((وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ)) [الأنفال:73].
فلابد من الوحدة والتعاون على نشر الإسلام والدعوة إليه في هذا العالم المضطرب، وهي خطوة ثالثة في مسألة التقريب.
رابعاً: الدعوة إلى الحوار البناء بين اتباع المذهبين الكريمين، والابتعاد عن مسائل التشنج والعصبية والطائفية التي لا تزيدنا إلا فرقة واختلافاً وتناحراً، ويكيفنا ما حصل أيها السادة في العهدين العثماني، والصفوي من حروب مزقت اللحمة الإسلامية فإن الحوار مبدأ إسلامي أصيل، ومن العار علينا أن نرى حوارات مثمرة بين اتباع الكنائس المختلفة والمذاهب النصرانية العديدة، ويصعب علينا -نحن أبناء الإسلام- أن نتحاور فيما بيننا، لهذا أدعو إلى كل أنواع ومستويات الحوار، الفردية منها والجماعية، وحول جملة القضايا والمسائل المُختَلَفْ عليها. وهنا يأتي دور علماء الدين قبل غيرهم من عامة الناس، فهم القدوة الحسنة في هذا الشأن.
خامساً: الدعوة إلى تبني قضايا حقوق الإنسان وكرامة الإنسان أيّاً كان مذهبه وعرقه ولسانه، بعيداً عن الطائفية والانتقائية والتحيز والشللية،والدعوة كذلك إلى حرية التعبير والتفكير والنقد البناء، وهي ومسائل أمرنا الله بصيانتها والمحافظة عليها، وهو القائل سبحانه وتعالى: ((وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ)) [الإسراء:70].
كل بني آدم، دون تفريق ودون تمييز بين جنس أو لون أو طائفة.(31/115)
سادساً: العمل على النهوض بالبلاد العربية والإسلامية ككل، بعيداً عن أجواء الطائفية البغيضة والتجزيئية والتمزق، ورفض كل صور الإرهاب وأشكاله، والابتعاد تماماً عن والعنف المضاد؛ لأنه يجر بلادنا الإسلامية إلى بحور الدم التي لا قرار لها ولا نهاية.
سابعاً: زرع مبدأ التسامح والإنسانية أثناء التعامل بين أبناء المذهبين الكبيرين، فالمسلم أخو المسلم، أحبَّ أم كره، والمؤمنون كلهم إخوة كما ذكر القرآن الكريم، وهم أهل دين واحد ونبي واحد وقبلة واحدة، ولنا في موقف أمير المؤمنين (علي بن أبي طالب) رضي الله عنه خير أسوة وقدوة عندما لم يبادر بقتال الخوارج الذين خرجوا عليه، فقال لهم: (لا نمنعكم من الصلاة في مساجدنا ولا نمنعكم من الفيء ولا نبادركم بقتال حتى تبادرونا)، فلما سفك الخوارجُ الدم الحرام، وشهروا سيوفهم في وجوه المسلمين، أصبح لزاماً على أمير المؤمنين قتالهم، والأخذ على أيديهم، وهذا ما حدث بالفعل بعد ذلك، حتى سقط شهيداً على يد أحد الخوارج المارقين.
ثامناً: لابد من تعزيز الثقة بين اتباع المذهبين، فلا يمكن أن يحدث تقارب إذا لم يكن هناك نوع من الثقة المتبادلة والمبنية على أساس المصارحة والصدق، فلا يُخوّن أحدنا الآخر، ولا يتهمه أو يشكك في نياته، فإن النيات موطنها القلوب، والله أعلم بها حتى من أصحابها، وما لنا إلا الظاهر، والمطلوب منا اليوم المصارحة أولاً، ثم المصارحة والمصافحة ثانياً.
وإن وجود الثقة المتبادلة أمر أساسي لمبدأ التقريب بين السنة والشيعة.
وأذكر في هذا المقام حواراً دار بين حكيم صيني وتلميذه، حيث سأل التلميذ معلمه، فقال: قل لي أيها المعلم الصالح، على ماذا تقوم الدول؟.
فقال الحكيم: تقوم الدول على ثلاثة أمور: على الجيش، ثم العمل، ثم الثقة.
قال التلميذ: إذا أردنا أن نتخلى عن أمرٍ واحدٍ من هذه الأمور الثلاثة فعن أي منها نتخلى؟.
قال الحكيم: نتخلى عن الجيش.(31/116)
قال: وإذا أردنا أن نتخلى عن أمرٍ ثانٍ، فعن أيهما نتخلى؟.
قال الحكيم: نتخلى عن الأعمال - ولكن أيها التلميذ النجيب لا يمكن أن نتخلى عن الثقة وتبقى الدولة قائمة، فإن الناس إنما يتعايشون ويتعاملون بما لديهم من ثقة متبادلة وحب.
وهذا الشيء يصدق علينا نحن أتباع هذين المذهبين الكريمين في منطقتنا العربية والإسلامية، ومن نافلة القول أن علينا أن ننظر إلى مصلحة أوطاننا أولاً، ومصلحة أبنائنا ثانياً، ومصلحة أمتنا ثالثاً، وقبل ذلك وبعد ذلك مصلحة ديننا وإسلامنا الذي أكرامنا الله به، ثم إننا جميعاً ركاب سفينة واحدة، إذا انخرق قعرها لم ينج من في أعلاها من الغرق.
إنها دعوة صريحة وصادقة ومخلصة لأبناء أمتنا العربية والإسلامية للنظر إلى عوامل التقريب، والعمل على تأسيس مستقبل أكثر رحابة وأكثر تسامحاً وأكثر ثقة، وأن نتعاون على ما اتفقنا عليه، وأن يعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه.
والله أسأل أن يأخذ بأيدينا جميعاً نحو سُبُل الخير والسلام لنا ولأوطاننا ولأمتنا العربية والإسلامية العظيمة.
الخاتمة
وبعد.. إن مصير الإنسان وكل إنسان إنما هو معلق بهذا الدين العظيم وفق ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وليس وفق ما جاء به علماء الأديان والمذاهب والملل والنحل، ولن ينفع الإنسان أي إنسان في كل زمان ومكان أن يقول أمام الله رب العالمين يوم القيامة ((وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا. رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا)) [الأحزاب:67-68].(31/117)
إن قضية الاعتقاد مسألة خطيرة، وجليلة؛ لأنها مسألة مصير في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا لن تكون المسيرة، مسيرة الإنسان في الحياة صحيحة وسليمة، إذا كان التصور في أساسه خاطئاً في الاعتقاد.. وخاطئاً في العبادة.. وخاطئاً في الحكم على الآخرين. أما في الآخرة فإن القضية أهم وأخطر؛ لأنها قضية مصير، إما إلى الجنة وإما إلى النار.
فيا أيها الشيعي الحُر والعاقل والمنصف.. هذه حقائق علمية، وقواعد فكرية وعقلية وأسس منطقية أحببت أن أضعها بين يديك لعل الله عز وجل يوفقك للأخذ بها والتفكير فيها ملياً، من دون تعصب أو تزمت أو تشدد لموروث الآباء والأجداد، أو تأثر بالبيئة الأسرية والمحيط الاجتماعي الذي نشأت فيه، فالمسؤولية فردية في أصلها وأساسها ((وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا. اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا)) [الإسراء:13-14].
هذه كلمات أخ محب وناصح يرجو لإخوته الشيعة الخير.. كل الخير.. في زمنٍ قلّ فيه المحبون والناصحون.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..
==============================
تأملات في كتاب نهج البلاغة
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة السلام على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم:(31/118)
أيها القارئ الكريم: لا يخفى عليك واقع الأمة الإسلامية من حيث ضعفها وانقساماتها وكثرة ما يحيط بها من فتن وبلايا، وأسباب الضعف كثيرة من أهمها: كثرة الاختلافات في الأمة الإسلامية، فتجد الانقسامات في الفرق (أهل السنة والجماعة و الإثني عشرية والزيدية و الإسماعيلية و الخوارج وغيرها) وتجد أصحاب المذهب الواحد بينهم من الاختلافات والانقسامات ما لا يعلمه إلا الله وعلى سبيل المثال: الإثنا عشرية منهم أصولية وإخبارية وشيخية وكل فرقة وطائفة تجد داخلها من الاختلافات ما لا يعلمه إلا الله، وعند أهل السنة كذلك ومع كثرة الاختلافات قل أن تجد من يسعى للإصلاح وجمع الكلمة مع كثرة ما ورد من النصوص الشرعية من الأمر بالإصلاح واجتماع الكلمة ووحدة الصف اتجاه الأعداء لقوله تعالى: ((وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا)) [آل عمران:103] بل تجد لغة الحوار والخطاب مفقودة فإذا كتب كاتب كتابا أو رسالة موجهة لخصمه اشتد في غيرته وغمط الآخرين حقهم وتجد القارئ الذي وجهت له الرسالة يقرأ ذلك الكتاب والبحث وهدفه الرد والطعن في المؤلف وقل أن تجد من يتقبل الرسالة ويطالعها بعقل ويبحث في أسطرها عن الحق أو على الأقل يبحث عن عيوبه لكي يقوم بإصلاحها ولعل من أسباب ذلك انعدام لغة الحوار الشرعية وحب الظهور وقلة الإخلاص وعيوبنا كثيرة والله المستعان.
أيها القارئ الكريم: الرسالة التي بين يديك مختصرة جدا ولكنها في غاية الأهمية إذ فيها ارتقاء بلغة الحوار والطرح وهذا أسلوب نفتقده ونحن بأمس الحاجة إليه وفيها صدق المعلومة وتوثيقها من غير مبالغة أو استفزاز أو استثارة وقد حرص المؤلف جزاه الله خيرا على الاختصار وسهولة العبارة وبيان أنه يمكن للباحثين الجادين الذين يريدون التقريب بين المذاهب الموافقة لكتاب الله وسنة رسوله بوجود الحقائق في الكتب المعتمدة لديهم أو من خلال إبرازها والتمسك بها يتم تقريب شقة الخلاف.(31/119)
أيها القارئ الكريم: لا تعجل في الحكم وعليك أن تقرأ وتتمهل في الإطلاع والقراءة ولا تتأثر بالروايات التي تخالف العقل والفطرة السليمة لأنها من أهم أسباب الفرقة بين الأمة.
ومعذرة على الإطالة وإلى رسالة أخرى تخدم وحدة الأمة الإسلامية وتزيل الغشاوة عن الأبصار.
صالح بن عبد الله الدرويش
القاضي بالمحكمة الكبرى بالقطيف
مقدمة المؤلف
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه إلى يوم الدين وبعد:
فإن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله الطيبين واجبة على المسلمين دون غلو، وعلى المسلم التمسك بما ثبت من فضائلهم في الكتاب و السنة الصحيحة، ورفض الروايات التي لا أساس لها ولا سند، والمدسوسة في كثير من المرويات. وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتعبد الله تعالى في صلاتنا بالصلاة والسلام على محمد وآل محمد قبل التسليم. وأن نقول كما ثبت في الصحيح: {اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد}([1]). وقال صلى الله عليه وسلم: {أذكركم الله في أهل بيتي}([2]).
نعمة العقل
لقد فضل الله تعالى الإنسان على الحيوان بنعمة العقل، وجعل التكليف ساقطا عمن فقد هذه النعمة، لعدم مقدرته على التمييز، قال تعالى: ((وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ)) [البلد:10]، وقال تعالى: ((إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً)) [الإنسان:3].(31/120)
ولقد بشر الله تعالى أهل العقل والفهم في كتابه الكريم، فقال: ((وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمْ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِي)) [الزمر:17] * ((الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ)) [الزمر:18]، وقال تعالى: ((وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ)) [البقرة:163] * ((إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)) [البقرة:164].
إن العقل أحد مصادر التشريع عند الشيعة، قال زين الدين العاملي الملقب بالشهيد الثاني: (الأصول الأربعة: الكتاب والسنة والإجماع والعقل)([3]).
وفي الكافي أن رسول الله قال: {ما قسم الله للعباد شيئاً أفضل من العقل}([4])، وفي الكافي أيضا سمعنا أبا عبد الله يقول: [[لا غنى أخصب من العقل]]([5])، وفيه أيضاً عن ابن السكيت أنه قال للرضا: فما الحجة على الخلق اليوم؟ فقال الرضا: [[العقل تعرف به الصادق على الله فتصدقه والكاذب على الله فتكذبه، فقال ابن السكيت: هذا هو والله الجواب]]([6]).
إذاً: فعلينا أن نفكر، وندع عقولنا تعمل فإن من عيوبنا قلة البحث والقراءة والذي لا يقرأ يعير عقله غيره فلا تجده يفكر وللأسف الشديد فإن تلقينا العلم والدين بالوراثة فهي المصدر.
أيها القارئ الكريم: حسبك الروايات السابقة لكي تفكر وتهتم بعمل العقل في كل ما يعرض عليك.(31/121)
كلام الإمام علي في نهج البلاغة:-
رد بعض عقائد الشيعة من كلام الإمام علي في نهج البلاغة
مكانة نهج البلاغة:-
قال عنه أحد أكبر علماء الشيعة المعاصرين، الهادي كاشف الغطاء في كتابه مستدرك نهج البلاغة: (بأن كتاب نهج البلاغة أو ما اختاره العلامة أبو الحسن محمد الرضا. من كلام مولانا أمير المؤمنين.....من أعظم الكتب الإسلامية شأنا... إلى أن قال: نور لمن استضاء به، ونجاة لمن تمسك به، وبرهان لمن اعتمده، ولب لمن تدبره([7]). وقال أيضاً: (إن اعتقادنا في كتاب نهج البلاغة أن جميع ما فيه من الخطب والكتب والوصايا والحكم والآداب حاله كحال ما يروى عن النبى صلى الله عليه وسلم وعن أهل بيته في جوامع الأخبار الصحيحة والكتب المعتبرة)([8]).
وقال عن نهج البلاغة شرح محمد عبده (أحد شيوخ الأزهر بمصر):
(ومن أفاضل شراحه العلامة الشيخ محمد عبده فقد شرحه بكلمات وجيزة 00)([9]).
وقال بعض علماء أهل السنة عن نهج البلاغة: (...ألفه لهم الشريف الرضي وأعانه عليه أخوه المرتضى، وطريقتهما في تأليفه أن يعمدا إلى الخطبة القصيرة المأثورة عن أمير المؤمنين فيزيدان عليها....، وإن الصحيح من كلام أمير المؤمنين في نهج البلاغة قد يبلغ عشره أو نصف عشره، والباقي من كلام الرضي و المرتضى)([10]) وقيل أيضاً: إن الذي ألفه هو الشريف المرتضى المتوفى سنة (436هـ) فبالرغم من هذه الشقة البعيدة من السنين بينهما وبين علي رضي الله عنه، إلا أنهما يرويان عنه مباشرة بدون إسناد.
وقد انتهج مثل ذلك صاحب الكتاب المسمى مستدرك نهج البلاغة؟! فكيف لهذا المعاصر([11]) أيضاً أن يروي عن علي رضي الله عنه الذي عاش في القرن الأول الهجري وهو قد عاش في القرن الرابع عشر بدون ذكر المصادر أو الإسناد؟ وما يدرينا لعله بعد سنين أو قرون من الآن يأتي منهم من يروي عن علي رضي الله عنه وبالطريقة نفسها!(31/122)
فبالرغم من مكانة هذا الكتاب عند الشيعة والمكانة التي يعطونها لعلي رضي الله عنه ومن ذلك أنه معصوم عن الكذب والخطأ والنسيان. وأنه إمام طاعته من طاعة الله، إلا أنهم يخالفون ما في النهج من كلام نسبوه لعلي رضي الله عنه ولا يطيعونه، فلماذا الشيعة يخالفون كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وقول إمامهم؟!!. وأمثلة هذه الدلائل على مخالفتهم ما في نهج البلاغة ما يلي:
تفنيد دعوة الشيعة بأن الإمام لعلي بالنص:-
أولا: أين النص الإلهي بالإمامة الذي يزعمونه؟ وكيف لعلي رضي الله عنه أن يرفضها لو كان هناك نص؟!
1- ففى نهج البلاغة خطبة لعلي رضي الله عنه حينما دعوه إلى البيعة بعد مقتل عثمان رضي الله عنهما قال فيها: (دعوني والتمسوا غيري، فإنا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان، لا تقوم له القلوب، ولا تثبت عليه العقول... إلى أن قال: وإن تركتموني فأنا كأحدكم، ولعلّي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم، وأنا لكم وزيرا خير لكم مني أميرا)([12]) فلله العجب! إذ لو كان أمر الإمامة أو الخلافة كما يصورها الشيعة بأنها نص إلهي في علي رضي الله عنه وأبنائه الأحد عشر من بعده، كما يذكر ذلك الكليني في الكافي: (عن أبي عبد الله قال: [[إن الإمامة عهد من الله عز وجل معهود لرجال مسمين ليس للإمام أن يزويها عن الذي يكون بعده]]([13]). كيف يستطيع علي رضي الله عنه أن يقول دعوني والتمسوا غيري؟ هل يتهم الشيعة الإمام علي رضي الله عنه بعصيان الله؟ أين حبهم لعلي رضي الله عنه؟ إن علياً رضي الله عنه عند أهل السنة من خيرة الصحابة ومن أكثرهم طاعة لله، وإنه من المبشرين بالجنة، لكننا نقول: بأن علياً رضي الله عنه هنا (وفي نهج البلاغة) يقرر أن الخلافة يجوز أن تكون له أو لغيره، ويقول نفسه عن نفسه أكون مقتدياً خيراً لي من أن أكون إماماً. فهو لا يرى الأمر كما يراه الشيعة.(31/123)
2 - وقال علي رضي الله عنه أيضاً -حسب ما رووا- في نهج البلاغة مخاطباً طلحة و الزبير: [[والله ما كانت لي في الخلافة رغبة، ولا في الولاية إربة، ولكنكم دعوتموني إليها وحملتموني عليها]]([14]).
فهل يجوز بعد هذا لأحد أن يقول بأن هناك نصاً إلهياً، وهذا علي رضي الله عنه يقول: بأنه ليس له في الخلافة رغبة؟ وأنهم حملوه عليها. فلو كان هناك نص لما رفض علي رضي الله عنه الخلافة، و ما العمل وقد جعل الشيعة من أنكر الإمامة كافراً؟ قال الصدوق (ابن بابويه القمي)! مصرحاً: (اعتقادنا فيمن جحد إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والأئمة من بعده أنه كمن جحد جميع الأنبياء، واعتقادنا فيمن أقر بأمير المؤمنين وأنكر واحدا من بعده من الأئمة أنه بمنزلة من أقر بجميع الأنبياء، ثم أنكر نبوة محمد صلى الله عليه وسلم)([15]). وقال الطوسي: (ودفع الإمامة كفر، كما أن دفع النبوة كفر لأن الجهل بهما على حد واحد)([16]).
3 - وفي نهج البلاغة أن علياً رضي الله عنه قال في وصف بيعته بالخلافة: [[وبسطتم يدي فكففتها، ومددتموها فقبضتها، ثم تداككتم عليّ تداكَّ الإبل الهيم على حياضها يوم وردها]]([17]). فهذا الوصف منه يدل على أنه لم يقبل عليها وكان يتمنعها حتى إنه لم يجد بداً من قبول بيعتهم له.
4 - وورد في نهج البلاغة قول علي رضي الله عنه وهو يذكر أمر الخلافة والإمامة: [[رضينا عن الله قضاءه، وسلمنا لله أمره....... فنظرت في أمري فإذا طاعتي سبقت بيعتي إذ الميثاق في عنقي لغيري]]([18]).
إذن أمر الله الذي سلم له علي رضي الله عنه: أن تكون الخلافة في أبي بكر رضي الله عنه، فأين أمر الله بالخلافة والإمامة لعلي رضي الله عنه؟!!(31/124)
ويقول علي البحراني في منار الهدى (ولما رأى ذلك تقدم إلى الصديق، وبايعه المهاجرون والأنصار، والكلام من فيه وهو يومئذ أمير المؤمنين وخليفة المسلمين، لا يتقي الناس، ولا يظهر إلا ما يبطنه لعدم دواعي التقية، وهو يذكر الأحداث الماضية فيقول: [[فمشيت عند ذلك إلى أبي بكر، فبايعته، ونهضت في تلك الأحداث... فتولى أبو بكر تلك الأمور فسدد ويسر وقارب واقتصد فصحبته مناصحاً، وأطعته فيما أطاع الله جاهدا]]([19]).
وكان علي رضي الله عنه -كما ذكر- مطيعاً لأبي بكر ممتثلاً لأوامره فقد حدث أن وفداً من الكفار جاءوا إلى المدينة المنورة، ورأوا بالمسلمين ضعفاً وقلة لذهابهم إلى الجهات المختلفة للجهاد واستئصال شأفة المرتدين والبغاة، فأحس منهم الصديق خطراً على عاصمة إلإسلام والمسلمين [[فأمر الصديق بحراسة المدينة وجعل الحرس على أنقابها يبيتون بالجيوش، وأمر علياً و الزبير و طلحة و عبد الله بن مسعود أن يرأسوا هؤلاء الحرائر، وبقوا كذلك حتى أمنوا منهم]]([20]).
الثناء على الصحابة من الإمام علي يفند دعوة الشيعة فيهم:-
ثانياً: علي رضي الله عنه يعلن ثناءه وحبه لإبي بكر و عمر و عثمان ويمدح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم أجمعين:(31/125)
1- وورد في النهج أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما استشار علياً رضي الله عنه عند انطلاقه لقتال فارس وقد جمعوا للقتال، أجابه: [[إن هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا قلة، وهو دين الله تعالى الذي أظهره، وجنده الذي أعده وأمده، حتى بلغ ما بلغ وطلع حيثما طلع، ونحن على موعد من الله تعالى حيث قال عز اسمه ((وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا)) [النور:55] وتلا الآية، والله تعالى منجز وعده وناصر جنده، ومكان القيم بالأمر في الإسلام مكان النظام من الخرز، فإن انقطع النظام تفرق الخرز، ورب متفرق لم يجتمع، والعرب اليوم وإن كانوا قليلاً فهم كثيرون بالإسلام عزيزون بالاجتماع، فكن قطباً، واستدر الرحى بالعرب، وأصلهم دونك نار الحرب، فإنك إن شخصت من هذه الأرض انقضت عليك من أطرافها وأقطارها، حتى يكون ما تدع وراءك من العورات أهم إليك مما بين يديك. إن الأعاجم إن ينظروا إليك غداً يقولوا: هذا أصل العرب فإذا قطعتموه استرحتم، فيكون ذلك أشد لكَلَبِهم عليك وطمعهم فيك. فأما ما ذكرت من مسير القوم إلى قتال المسلمين فإن الله سبحانه وتعالى هو أكره لمسيرهم منك، وهو أقدر على تغيير ما يكره. وأما ما ذكرت من عددهم فإنا لم نكن نقاتل فيما مضى بالكثرة، وإنما كنا نقاتل بالنصر والمعونة]]([21]). انتهى بلفظه. فتدبر منصفاً لهذا الثناء والحب والخوف على عمر من علي رضي الله عنه فأين ذلك كله ممن يكفر عمر رضي الله عنه ويسبه.(31/126)
2- وأيضاً في النهج لما استشار عمر بن الخطاب علياً رضي الله عنهما في الخروج إلى غزوة الروم، قال: [[وقد توكل الله لهذا الدين بإعزاز الحوزة، وستر العورة، والذي نصرهم وهم قليل لا ينتصرون، ومنعهم وهم قليل لا يمتنعون، حي لا يموت، إنك متى تسر إلى هذا العدو بنفسك، فتلقهم بشخصك فتنكب، لا تكن للمسلمين كانفة دون أقصى بلادهم، ليس بعدك مرجع يرجعون إليه. فابعث إليهم رجلاً مجرباً، واحفز معه أهل البلاء والنصيحة، فإن أظهر الله فذاك ما تحب، وإن كانت الأخرى، كنت ردْءاً للناس ومثابة للمسلمين]]([22]).
تأمل يا أخي المسلم والمنصف قوله: (كنت ردءا للناس ومثابة للمسلمين) فلو كان عمر رضي الله عنه كافراً مرتداً لم يقل علي ردءاً للناس ومثابة للمسلمين، فهل علي رضي الله عنه كان يقول كلاماً لا يعتقده أم أنها الحقيقة التي عميت على أهل الأهواء؟!
3 - وأورد المرتضى في النهج عن علي رضي الله عنه من كتابه الذي كتبه إلى معاوية رضي الله عنه: [[إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر و عمر و عثمان، على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضى فإن خرج منهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى]]([23]).
وهنا يستدل الإمام علي رضي الله عنه على صحة خلافته وانعقاد بيعته بصحة بيعة من سبقه، وهذا يعني بوضوح أن علياً رضي الله عنه كان يعتقد بشرعية خلافة أبي بكر و عمر و عثمان رضي الله عنهم كما يذكر في هذا النص الواضح في معناه والذي كتبه إلى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، بأن الإمامة والخلافة تنعقد باتفاق المسلمين واجتماعهم على شخص، وخاصة في العصر الأول باجتماع الأنصار والمهاجرين فإنهم اجتمعوا على أبي بكر و عمر و عثمان، فلم يبق للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يرد.(31/127)
4 - وفى النهج أيضاً عن علي رضي الله عنه [[لله بلاء فلان([24]) لقد قوم الأود([25])، وداوى العمد([26])، وأقام السنة، وخلف البدعة، وذهب نقي الثوب، قليل العيب، أصاب خيرها واتقى شرها، أدى لله طاعة واتقاه بحقه، رحل وتركهم في طرق متشعبة لا يهتدي إليها الضال، ولا يستيقن المهتدي]]([27]) وقد حذف الشريف صاحب النهج حفظاً لمذهبه لفظ (أبي بكر أو عمر) وأثبت بدله (فلان)، ولهذا الإبهام اختلف الشراح فقال البعض هو أبو بكر والبعض عمر، ورجح الأكثر الأول وهو الأظهر، فقد وصفه من الصفات بأعلى مراتبها فناهيك به وناهيك بها، وغاية ما أجابوا أن هذا المدح كان من الإمام لاستجلاب قلوب الناس لاعتقادهم بالشيخين أشد الاعتقاد ولا يخفى على المنصف أن فيه نسبة الكذب لغرض دنيوي مظنون الحصول، بل كان اليأس منه حاصلاً قاطعاً، وفيه تضييع غرض الدين بالمرة، فحاشا لمثل الإمام أن يمدح مثلهما([28])، لو كانا كما يعتقد الشيعة، وأيضاً أية ضرورة تلجؤه إلى هذه التأكيدات والمبالغات؟ وأيضاً في هذا المدح العظيم الكامل تضليل الأمة وترويج الباطل، وذلك محال من المعصوم -حسب اعتقاد الشيعة - بل كان الواجب عليه بيان الحال لما بين يديه، فانظر وأنصف.(31/128)
وقد احتار الإمامية الإثنا عشرية بمثل هذا النص، لأنه في نهج البلاغة وما في النهج عندهم قطعي الثبوت، وصور شيخهم ميثم البحراني([29]) ذلك بقوله: (واعلم أن الشيعة قد أوردوا هنا سؤالاً فقالوا: إن هذه الممادح التي ذكرها. في حق أحد الرجلين تنافي ما أجمعنا عليه من تخطئتهما وأخذهما لمنصب الخلافة، فإما أن لا يكون هذا الكلام من كلامه عليه السلام، وإما أن يكون إجماعنا خطأ). ثم حملوا هذا الكلام على التقية وأنه إنما قال هذا المدح - من أجل (استصلاح من يعتقد صحة خلافة الشيخين. واستجلاب قلوبهم بمثل هذا الكلام)([30]). أى: إن علياً رضي الله عنه -في زعمهم- أظهر لهم خلاف ما يبطن! ونحن نقول: إن قول علي رضي الله عنه هو الحق والصدق، وهو الذي لا يخاف في الله لومة لائم.
5- وأيضاً فقد زوج الإمام علي رضي الله عنه ابنته أم كلثوم عمر بن الخطاب رضي الله عنه([31]).
وأيضاً فقد سمى الإمام علي أولاده بأسماء الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم([32]).
6- وجاء في نهج البلاغة على لسان علي بخصوص عثمان رضي الله عنهما [[والله ما أدري ما أقول لك؟ ما أعرف شيئاً تجهله، ولا أدلك على أمر لا تعرفه، إنك لتعلم ما نعلم ما سبقناك إلى شيء فنخبرك عنه ولا خلونا بشيء فنبلغكه، وقد رأيت كما رأينا وسمعت كما سمعنا وصحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما صحبنا، وما ابن أبي قحافة ولا ابن الخطاب بأولى لعمل الحق منك وأنت أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشيجة رحم منهما وقد نلت من صهره مالم ينالا]]([33]).
فانظر هذا المدح والثناء على عثمان من علي رضي الله عنهما وانظر إلى قوله: [[وما ابن قحافة ولا ابن الخطاب، بأولى لعمل الحق منك]] فهذه شهادة علي بأن أبا بكر و عمر كانا على الحق وعملا به وليسا بأولى من عثمان في ذلك فهو لعمل الحق أهل، فأين هذا من سب من يدعون حب علي رضي الله عنه؟ وهل اتبعوا الإمام أم خالفوه؟!(31/129)
7 - وجاء أيضاً في أحد شروحهم لنهج البلاغة: (ولما حوصر عثمان رضي الله عنه في بيته قام علي رضي الله عنه بالدفاع عنه بيده ولسانه)([34]).
8- وورد في في نهج البلاغة خطبة علي رضي الله عنه والتي تدور حول مدح وثناء على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ونعرض هنا جزءاً منها: [[لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فما أرى أحداً يشبههم منكم لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً وقد باتوا سجداً وقياماً يراوحون بين جباههم، ويقبضون على مثل الجمر من ذكر معادهم كأن بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم، إذا ذكر الله همرت أعينهم حتى ابتلت جيوبهم ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف خوفاً من العقاب ورجاء للثواب]]([35]).
9– وقال أيضا مادحاً أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (وفي نهج البلاغة؟!): [[أين القوم الذين دعوا إلى الإسلام فقبلوه وقرأوا القرآن فأحكموه، وهيجوا إلى القتال فَوَلِهُوا وَلَهَ اللقاح إلى أولادها، وسلبوا السيوف أغمادها وأخذوا بأطراف الأرض زحفاً زحفاً، وصفاً صفاً، بعض هلك، وبعض نجا، لا يبشرون بالأحياء، ولا يعزون بالموتى، مر العيون من البكاء خمص البطون من الصيام، ذبل الشفاه من الدعاء، صفر الألوان من السهر، على وجوههم غبرة الخاشعين، أولئك إخواني الذاهبون، فحق لنا أن نظمأ إليهم ونعض الأيدي على فراقهم]]([36]).
10- وهاهو نهج البلاغة مليء من منع علي لأصحابه من السب والشتم والتكفير والتفسيق، وحتى لمقاتليه في حرب صفين، وعنوان الخطبة (ومن كلام له عليه السلام وقد سمع قوماً من أصحابه يسبون أهل الشام أيام حربهم في صفين): (إني أكره لكم أن تكونوا سبابين، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم، كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبكم إياهم: [[اللهم احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم حتى يعرف الحق من جهله، ويروي عن الغي والعدوان من لهج به]]([37]).(31/130)
11- وجاء في نهج البلاغة،كتاب علي رضي الله عنه إلى الأمصار يذكر فيه ما جرى بينه وبين أهل صفين [[وكان بدء أمرنا أنا التقينا والقوم من أهل الشام، والظاهر أن ربنا واحد، ودعوتنا في الإسلام واحدة، ولا نستزيدهم في الإيمان بالله، والتصديق برسوله ولا يستزيدوننا، والأمر واحد إلا ما اختلفنا فيه من دم عثمان ونحن منه براء]]([38]).
إن علياً رضي الله عنه لم يكفر أحداً ممن قاتله حتى ولا الخوارج، ولا سبا ذرية أحد منهم، ولا غنم ماله، ولا حكم في أحد ممن قاتله بحكم المرتدين كما حكم أبو بكر رضي الله عنه وسائر الصحابة في بني حنيفة وأمثالهم من المرتدين، بل كان يترضى عن طلحة و الزبير وغيرهما ممن قاتلهم، ويحكم فيهم وفي أصحاب معاوية ممن قاتلهم بحكم المسلمين، وقد ثبت بالنقل الصحيح عند أهل السنة وغيرهم أن مناديه نادى يوم الجمل لا يتبع مدبر، ولا يجهز على جريح ولا يغنم مالاً. واستفاضت الآثار أنه كان يقول عن قتلى معاوية: إنهم جميعاً مسلمون ليسوا كفاراً ولا منافقين. وهذا ثبت بنقل الشيعة نفسها، فقد جاء في كتبهم المعتمدة عندهم (عن جعفر عن أبيه أن علياً عليه السلام لم يكن ينسب أحداً من أهل حربه إلى الشرك ولا إلى النفاق، ولكنه يقول: [[هم بغوا علينا]]([39]).
ثالثاً: علي رضي الله عنه يذم الذين ادعوا التشيع له وخالفوا أوامره من شيعة الكوفة:-
وقد وردت في نهج البلاغة نصوص كثيرة نذكر بعضها:
1- [[لوددت أن معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم فأخذ مني عشرة منكم وأعطاني رجلا منهم، يا أهل الكوفة منيت منكم بثلاث واثنتين صمٌ ذوو أسماع وبكم ذوو كلام وعمي ذوو أبصار]]([40]).
2- وفي النهج قوله: [[اللهم إني مللتهم وملوني وسئمتهم وسئموني فأبدلني بهم خيراً منهم، وأبدلهم بي شراً مني....]]([41]).(31/131)
3- وفي النهج قوله يذم أهل الكوفة: [[يا أشباه الرجال ولا رجال! حلوم الأطفال، وعقول ربات الحجال، لوددت أني لم أركم ولم أعرفكم معرفة -والله- جرَّت ندماً، وأعقبت سدماً. قاتلكم الله! لقد ملأتم قلبي قيحاً، وشحنتم صدري غيظاً، وجرعتمونى نغب التًّهمَام أنفاساً، وأفسدتم علي رأيي بالعصيان والخذلان]]([42]).
إن سيرة علي رضي الله عنه وأفعاله وأقواله الثابتة عنه تختلف عن أقوال وأفعال بعض المدعين محبته، لقد خالفوا أوامره حتى قال فيهم مثل هذا الكلام مرات عدة، ولا زال المدعون التشيع له يفعلون ما يغضب علياً رضي الله عنه، وهو براء مما يفعلون.
رابعاً: علي رضي الله عنه ينهى عن الغلو:-
1- وفي نهج البلاغة: [[وقال علي رضي الله عنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، مخاطباً إياه: لولا أنك أمرت بالصبر ونهيت عن الجزع لأنفدنا عليك ماء الشئون]]([43]).
2- وذكر في نهج البلاغة أيضاً أن علياً رضي الله عنه قال: [[من ضرب يده على فخذه عند مصيبته حبط أجره]]([44]).
قال تعالى: ((وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ)) [البقرة:177]. وقال تعالى: ((وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ)) [البقرة:155] * ((الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)) [البقرة:156] * ((أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ)) [البقرة:157].
هل أئمة الشيعة يرضون ويقبلون ما يفعله عوام الشيعة والمنتسبون للعلم منهم؟ وهل الأئمة أمروا بالأحزان في أيام عاشوراء وغيرها؟
3- وجاء فى نهج البلاغة أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: [[وسيهلك في صنفان: محب مفرط يذهب به الحب إلى غير الحق، ومبغض مفرط يذهب به البغض إلى غير الحق، وخير الناس في حالاً النمط الأوسط فالزموه، والزموا السواد الأعظم فإن يد الله على الجماعة، وإياكم والفرقة]]([45]).(31/132)
4- وجاء في نهج البلاغة - ما يخالف اعتقاد الشيعة في عصمة الأئمة - حيث قال أمير المؤمنين -كما يروي صاحب النهج: [[لا تخالطوني بالمصانعة، ولا تظنوا بي استثقالا في حق قيل لي، ولا التماس إعظام النفس، بأنه من استثقل الحق أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه، كان العمل بهما أثقل عليه، فلا تكفوا عن مقالة بحق، أو مشورة بعدل، فإني لست في نفسي بفوق أن أخطئ ولا آمن ذلك من فعلي]]([46]). وفي نهج البلاغة أيضاً كان علي رضي الله عنه يوصي ابنه الحسن رضي الله عنه حيث قال:
[[... فإن أشكل عليك من ذلك فاحمله على جهالتك به فإنك أول ما خلقت جاهلا ثم علمت وما أكثر ما تجهل من الأمر ويتحير فيه رأيك ويضل فيه بصرك ثم تبصره بعد ذلك]]([47]) فهذا علي لا ينفي عن نفسه وعن ابنه الحسن الخطأ فكيف يقول علماء الشيعة لا يجوز على الأئمة الخطأ والسهو والنسيان؟
وكان علي رضي الله عنه يناجي ربه بهذا الدعاء -كما يروي صاحب النهج (اللهم اغفر لي ما أنت أعلم به مني فإن عدت فعد علي بالمغفرة، اللهم اغفر لي ما وأيت([48]) من نفسي ولم تجد له وفاء عندي، اللهم اغفر لي ما تقربت به إليك بلساني ثم خالفه قلبي، اللهم اغفر لي رمزات الألحاظ وسقطات الألفاظ وسهوات الجنان وهفوات اللسان([49]).
فهذا علي يدعو الله بأن يغفر ذنوبه من السهو وغيره، فهل هذا ينافي العصمة؟!
ومعنى العصمة عند الشيعة يختلف بحسب أطوار التشيع وتطوراته، وقد استقر على ما قرره شيخ الشيعة -في زمنه- المجلسي صاحب بحار الأنوار -المتوفى سنة (1111ه)- في قوله: (اعلم أن الإمامية اتفقوا على عصمة الأئمة عليهم السلام من الذنوب صغيرها وكبيرها فلا يقع منهم ذنب أصلا لا عمداً ولا نسيانا ولا لخطأ في التأويل ولا للإسهاء من الله)([50]).
فالمجلسي يسبغ على أئمته العصمة من كافة الأوجه المتصورة، العصمة من المعصية كلها -صغيرة أو كبيرة- العصمة من الخطأ، والعصمة من السهو والنسيان.(31/133)
5 - وجاء في نهج البلاغة عن علي رضي الله عنه أنه قال: [[أوصيكم بتقوى الله الذي ألبسكم الرياش([51]) وأسبغ عليكم المعاش، فلو أن أحدا يجد إلى البقاء سُلًّمَا أو لدفع الموت سبيلاً لكان ذلك سليمان بن داود]]([52]).
وهذا ينقض الباب الذي وضعه الكليني في الكافي بعنوان: [[أن الأئمة يعلمون متى يموتون، وأنهم لا يموتون إلا باختيار منهم). كيف؟ وعلي يقول: (..أو لدفع الموت سبيلاً]].
6- وجاء في نهج البلاغة عن علي رضي الله عنه أنه قال في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم:
[[أرسله على حين فترة من الرسل... فقفى به الرسل، وختم به الوحي]]([53]).
فأين هذا القول مما في الكافي (أن الحسن العباس المعروفي كتب إلى الرضا جعلت فداك أخبرني ما الفرق بين الرسول والنبي والإمام، قال فكتب أو قال: [[الفرق بين الرسول والنبي والإمام: أن الرسول الذي ينزل عليه جبرائيل فيراه ويسمع كلامه وينزل عليه الوحي وربما رأى في منامه نحو رؤيا إبراهيم عليه السلام، والنبي ربما سمع الكلام وربما رأى الشخص ولم يسمع، والإمام هو الذي يسمع الكلام ولا يرى الشخص]]([54]).
وجاء في بحار الأنوار تسع عشرة رواية تذكر بأن الله تعالى ناجى علياً، وأن جبرائيل يملي عليه....)([55]).
وتتحدث بعض الروايات عن أنواع الوحي للإمام فتذكر أن جعفراً قال: [[إن منا لمن ينكت في أذنه، وإن منا لمن يؤتى في منامه، وإن منا لمن يسمع صوت السلسلة تقع على الطشت (كذا)، وإن منا لمن يأتيه صورة أعظم من جبرائيل وميكائيل]]([56]).(31/134)
بل أكثر من ذلك فإن بعض الروايات رفعت الأئمة فوق الأنبياء والرسل فلا يحتاجون إلى الوحي في كل الأحوال، بل كما جاء في الباب الذي عقده الكليني في الكافي (باب أن الأئمة عليهم السلام إذا شاءوا أن يعلموا علموا)([57])، وذكر فيه ثلاث روايات كلها تنطق بـ(أن الإمام إذا شاء أن يعلم أعلم)([58])، فالوحي للأئمة ليس بمشيئة الله وحده كما هي الحال مع الرسل عليهم السلام بل هو تابع لمشيئة الإمام. بل إن الأئمة تذهب إلى عرش الرحمن كل ليلة جمعة لتطوف به فتأخذ من العلم ما شاءت، قال أبو عبد الله: [[إذا كان ليلة الجمعة وافى رسول الله صلى الله عليه وسلم العرش ووافى الأئمة عليهم السلام معه ووافينا معهم، فلا ترد أرواحنا إلى أبداننا إلا بعلم مستفاد ولولا ذلك لأنفدنا]]([59]).
وعقد الكليني في الكافي باباً بعنوان: (أن الأئمة عليهم السلام ولاة أمر الله وخزنة علمه)([60])، وضمن هذا الباب ست روايات في هذا المعنى، وبابٌ بعنوان (أن الأئمة ورثوا علم النبي وجميع الأنبياء والأوصياء الذين من قبلهم)([61])، وفيه سبع روايات، وبابٌ بعنوان: (أن الأئمة يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى الملائكة والأنبياء والرسل عليهم السلام)([62]) وفيه أربع روايات.
وذكر في كتب الشيعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استمر طيلة حياته يعلِم علياً علوماً وأسراراً لا يطلع عليها أحد سواه، وقد وصلت مبالغات الشيعة في هذه الدعاوي إلى مرحلة لا يصدقها عقل.. حتى قيل: إن علياً استمر في تلقي العلم من فم رسول الله حتى بعد موته عليه الصلاة والسلام وعقد المجلسي لهذا باباً بعنوان (باب ما علمه رسول الله صلى الله عليه وآله عند وفاته وبعده)([63]).(31/135)
وقالت الرواية الأولى في هذا الباب إن علياً رضي الله عنه قال: {أوصاني النبي صلى الله عليه وآله فقال: إذا أنا مِتُّ فغسلني بست قرب من بئر غرس([64]) فإذا فرغت من غسلي فأدرجني في أكفانى، ثم ضع فاك على فمي، قال ففعلت وأنبأني بما هو كائن إلى يوم القيامة}([65]). وقالت الرواية الثانية بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {يا علي إذا أنا متُّ فاغسلني وكفني , ثم أقعدني وسائلني واكتب}([66]).
ومضت بقية الروايات على هذا النسق, حتى قيل بأن علياً كان إذا أخبر بشيء قال: [[هذا ما أخبرني به النبي صلى الله عليه وآله بعد موته]]([67]).
أيها القارئ الكريم: أكتفي بهذا ولي معك لقاءات أخرى إن شاء الله تعالى، وعلينا الصبر والسير في الطريق والبحث عن الروايات التي تجمع الأمة، فلنكن دعاة إصلاح وتقريب وهذا هو الطريق لابد من إظهار منزلة آل البيت في كتب السنة، والسعي الجاد لتنقية الروايات عن الأئمة، والاعتماد على القرآن الكريم لكي يكون هو مصدر توحيد كلمة المسلمين (وهذا بإذن الله تعالى موضوعنا القادم) وإلى اللقاء، ربما صدرت كلمات لا تليق فمعذرة.
--------------
([1]) البخاري (6357).
([2]) رواه مسلم (2408).
([3]) الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية (ج3/ص:62).
([4]) الكافي لمحمد بن يعقوب الكليني (ج/1 ص:12) وهو من أهم كتب الشيعة.
([5]) الكافي (ج/1 ص:29).
([6]) مستدرك الوسائل (ج/1 ص:81).
([7]) مقدمة/ مستدرك نهج البلاغة (ص:5).
([8]) الهادي كاشف الغطاء/ مستدرك نهج البلاغة (ص:191).
([9]) الهادي كاشف الغطاء/ مستدرك نهج البلاغة (ص192).
([10]) شاه عبد العزيز الدهلوي/ مختصر التحفة الإثني عشرية (ص:58).
([11]) الهادي بن عباس كاشف الغطاء (1289-1361ه).
([12]) نهج البلاغة (ص178-179) شرح محمد عبده/ دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع.
([13]) الكافي/ لمحمد بن يعقوب الكليني (ج/1 ص:278).(31/136)
([14]) نهج البلاغة (ص:397) شرح محمد عبده.
([15]) الاعتقادات للقمي (ص:111).
([16]) الطوسي/ تلخيص الشافي: (4/131)، بحار الأنوار (8/368).
([17]) نهج البلاغة شرح محمد عبده (ص:430).
([18]) نهج البلاغة (ص:81) خطبة (37) بيروت بتحقيق صبحي الصالح، نهج البلاغة شرح محمد عبده (ص:95-96).
([19]) منار الهدى/ لعلي البحراني (ص:373)، وأيضاً ناسخ التواريخ (ج/3 ص:532).
([20]) شرح نهج البلاغة (ج/4 ص:228) ط: تبريز.
([21]) نهج البلاغة (ص:257،258) شرح محمد عبده/ دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع/ بيروت.
([22]) نهج البلاغة (ص:246-247). شرح محمد عبده/ دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع.
([23]) نهج البلاغة (ص:446). شرح محمد عبده/ دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع.
([24]) ورويت (لله بلاد فلان) وقال شارح نهج البلاغة الشيعي المعتزلي (ابن أبي الحديد) في (ج/12 ص:3) أي لله ما صنع فلان، والمكنى عنه عمر بن الخطاب، (وقال ابن أبي الحديد): وقد وجدت النسخة التي بخط الرضي أبي الحسن جامع نهج البلاغة وتحت فلان عمر).
ويقول ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة: سألت عنه النقيب أبا جعفر يحيى بن أبي زيد العلوي فقال لي هو عمر بن الخطاب، فقلت له: أيثني عليه أمير المؤمنين هذا الثناء؟ فقال: نعم، ويقول أيضاً في (ج/2 ص:4): إذا اعترف أمير المؤمنين بأنه أقام السنة وذهب نقي الثوب قليل العيب وأنه أدى إلى الله طاعته واتقاه بحقه فهذا غاية ما يكون المدح.
([25]) الأود: العوج.
([26]) العمد بالتحريك: العلة، انظر صبحي في تعليقه على نهج البلاغة (ص:671).
([27]) نهج البلاغة (ص:430) شرح محمد عبده.
([28]) أي إلا من اعتقاد بصدق ما يقوله.
([29]) ميثم بن علي البحراني (كمال الدين) من شيوخ الإمامية، من أهل البحرين، من كتبه: (شرح نهج البلاغة)، توفي في البحرين سنة (679) س (معجم المؤلفين: 13/55).
([30]) ميثم البحراني/ شرح نهج البلاغة: 4/98).(31/137)
([31]) فروع الكافي كتاب الطلاق، باب المتوفى عنها زوجها (6/115-116).
([32]) كشف الغمة للأربلي، والإرشاد للمفيد.
([33]) نهج البلاغة (ص:291) شرح محمد عبده/ دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع/ بيروت، وشرح ابن أبي الحديد (ج/9 ص:261).
([34]) شرح نهج البلاغة للبحراني (ج/4 ص:354).
([35]) نهج البلاغة تحقيق صبحي الصالح (ص:134) وشرح ابن أبي الحديد (ج/7 ص:77)، وشرح محمد عبده (ص:190).
([36]) نهج البلاغة شرح محمد عبده (ص:229)، شرح ابن أبي الحديد (ج/7 ص:291).
([37]) نهج البلاغة شرح محمد عبده (ص:398)، نهج البلاغة تحقيق صبحي الصالح (ص:323)، شرح ابن أبي الحديد (ج/11 ص:21).
([38]) نهج البلاغة شرح محمد عبده (ص:543).
([39]) قرب الإسناد (ص:62)، وسائل الشيعة (11/62).
([40]) نهج البلاغة شرح محمد عبده (ص:189)، وشرح ابن أبي الحديد (ج7 ص:70).
([41]) نهج البلاغة شرح محمد عبده (ص:72)، شرح ابن أبي الحديد (ج/1 ص:332).
([42]) نهج البلاغة شرح محمد عبده (ص:77)، شرح ابن أبي الحديد (ج/1 ص:75).
([43]) شرح محمد عبده (ص:436)، نهج البلاغة شرح ابن أبي الحديد (ج/13 ص:342).
([44]) نهج البلاغة شرح ابن أبي الحديد (ج/18 ص:342).
([45]) نهج البلاغة شرح محمد عبده (ص:237)، شرح ابن أبي الحديد (ج/8 ص:112).
([46]) نهج البلاغة شرح محمد عبده (ص:412-413)، شرح ابن أبي الحديد (ج/11 ص:102).
([47]) نهج البلاغة شرح محمد عبده (ج/2 ص:578) ط: مؤسسة المعارف بيروت).
([48]) وأيت: أي (وعدت) والوأي: (الوعد). وتقول قد وأيت وأيا: أي: وعدت وعدا).
([49]) نهج البلاغة شرح ابن أبي الحديد (ج/6 ص:176).
([50]) بحار الأنوار (25/209).
([51]) الرياش والريش واحد وهو اللباس أو اللباس الفاخر.
([52]) نهج البلاغة شرح محمد عبده (ص:326).
([53]) نهج البلاغة شرح محمد عبده (ص:245).
([54]) الكافي (ج/1 ص:176).
([55]) بحار الأنوار 39/151-157).(31/138)
([56]) بحار الأنوار (26/358)، بصائر الدرجات (ص:63)ز.
([57]) أصول الكافي (1/258).
([58]) أصول الكافي (1/258).
([59]) أصول الكافي (1/254)، بحار الأنوار (26/88-89) بصائر الدرجات (ص:36).
([60]) أصول الكافي (1/192-193).
([61]) أصول الكافي (1/223-226).
([62]) أصول الكافي (255-256).
([63]) بحار الأنوار (40/213-218).
([64]) بئر غرس: بئر بالمدينة المنورة. انظر معجم البلدان (4/193).
([65]) بحار الأنوار (40/113)، بصائر الدرجات (ص:80).
([66]) نفس الموضع من المصدرين السابقين.
([67]) بحار الأنوار (40/215).
========================
الجمع والفرق بين السنة والشيعة
مقدمة كتاب (بين الشيعة والسنة)
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على محمد المصطفى، نبي الهدى والرحمة، وعلى آله وأصحابه الطاهرين البررة.
وبعد: فإنه أشاع في هذا الزمان كلمة (الاتحاد والوحدة) كثير من دعاة الشقاق والفرقة، وكثر استعمالها حتى كاد ينخدع بها السذج من المسلمين الذين لا يعرفون ما وراءها من كيد ودس ودهاء.
فالقاديانية([1]) عميلة الاستعمار الصليبي في القارة الهندية الباكستانية، وسمة العار على جبهة المسلمين المشرقة، تستعمل هذه الكلمة لكي يتسع لها الطريق لنفث السموم في نفوس المسلمين.
والبهائية([2]) وليدة الروس، والانكليز، والنزعات الشيعية، تريد بهذه الكلمة نفسها غزو الشيعة في إيرانها و عراقها.
والشيعة ربيبة اليهود في بلاد الإسلام، يستعملون هذه الكلمة أيضاً عند افتضاح أمرها، واكتشاف حقيقتها، وإماطة اللثام عن وجهها.
فليست هذه الكلمة إلا كلمة حق أريد بها الباطل، كما نقل عن علي رضي الله عنه أنه لما سمع قول الخوارج (لا حكم إلا لله) قال:[[كلمة حق أريد بها الباطل، نعم. لا حكم إلا لله]]([3]).
وقال: [[سيأتي عليكم بعدي زمان ليس فيه شيء أخفى من الحق ولا أظهر من الباطل]]([4]).(31/139)
فهذا هو الزمان الذي أشار إليه علي في قوله، فما أكثر الكذب فيه وما أفظعه!
ولقد بدأ الشيعة منذ قريب ينشرون كتباً ملفقة مزورة في بلاد الإسلام، يدعون فيها إلى التقرب إلى أهل السنة، ولكن الصحيح أنهم يريدون بها تقريب أهل السنة إليهم بترك عقائدهم، ومعتقداتهم في الله، وفي رسوله، وأصحابه الذين جاهدوا تحت رايته، وأزواجه الطاهرات اللائي صاحبنه بمعروف، وفي الكتاب الذي أنزله الله عليه من اللوح المحفوظ، نعم. يريدون أن يترك المسلمون كل هذا، ويعتقدوا ما نسجته أيدي اليهودية الأثيمة من الخرافات، والترهات في الله، أنه يحصل له (البداء)، وفي كتاب الله أنه محرف ومغير فيه، وأن يعتقدوا في رسول الله، أن علياً وأولاده أفضل منه، وفي أصحابه حملة هذا الدين أنهم كانوا خونة، مرتدين، ومنهم أبو بكر، و عمر، و عثمان وأن يعتقدوا في أزواج النبي، أمهات المؤمنين، ومنهن الطيبة، الطاهرة، بشهادة من الله في كتابه، أنهن خنّ الله ورسوله، وفي أئمة الدين، من مالك، و أبي حنيفة، و الشافعي، و أحمد، و البخاري، أنهم كانوا كفرة ملعونين.
-رضي الله عنهم ورحمهم أجمعين- نعم يريدون هذا، وما الله بغافل عما يعملون.
فكل من عرف هذا وقام في وجههم، ورد عليهم، صاحوا عليه ونادوا بالوحدة والاتحاد، ورددوا قول الله عز وجل: ((وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)) [الأنفال:46].([5]).(31/140)
فبعداً للوحدة التي تقام على حساب الإسلام، وسحقاً للاتحاد الذى يبنى على الطعن في محمد النبي، وأصحابه، وأزواجه -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- فقد علمنا الله عز وجل في كتابه الذي نعتقد فيه أن حرفاً منه لم يتغير ولم يتبدل، وما زيد عليه كلمة، ولا نقص منه حرف، علمنا فيه: أن كفار مكة طلبوا أيضاً من رسول الله، الصادق الأمين، عدم الفرقة والاختلاف حين دعاهم إلى عبادة الله وحده، مخلصين له الدين، ونبذ آلهتهم، فأجابهم بأمر من الله: ((يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)) [الكافرون:1] * ((لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ)) [الكافرون:2] * ((وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ)) [الكافرون:3] * ((وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ)) [الكافرون:4] * ((وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ)) [الكافرون:5] * ((لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)) [الكافرون:6].
وقال: ((هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ)) [يوسف:108].
وقال: ((وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ)) [البقرة:139].
وقال: ((وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ)) [فاطر:19] * ((وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ)) [فاطر:20] * ((وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ)) [فاطر:21] * ((وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ)) [فاطر:22].(31/141)
نعم، يمكن الوحدة إن أرادوها، ويمكن الاتحاد إن طلبوه، بالرجوع إلى الكتاب والسنة، والتمسك بهما، حسب قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ)) [النساء:59].
نعم.. إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، فتعالوا إلى هذه الكلمة، كلمة الوحدة والاتحاد، إلى قول الله عز وجل وقول نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
فلنرفع الخلاف ولنقض على النزاع، فهيا بنا إلى الوحدة أيها القوم!
فاتركوا سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، خيار خلق الله، الذين بشرهم الله بالجنة في كتابه المجيد حيث قال: ((وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)) [التوبة:100].
وقال: ((لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ)) [الفتح:18].
وقال رسوله الناطق بالوحي: {لا تمس النار مسلماً رآني أو رأى من رآني}([6]).
وقال عليه السلام: {الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم غرضاً من بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه}([7]).
ويمكن الاتحاد بالاعتراف أن كلام الله المجيد لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، وأن من قال فيه بتحريف وتغيير كان ضالاً مضلاً خارجاً عن الإسلام، تعالوا فلنتفق ونتحد على هذا.(31/142)
وهلموا إلى الوحدة على أن التقية قد تركتموها قطعاً، وعلى أن الكذب من الموبقات التي تدخل الناس النار، كما قال الرسول عليه السلام: {إن الصدق بر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الكذب فجور، وإن الفجور يهدي إلى النار}([8]).
ولن يحصل الاتفاق والوحدة دون توبتكم عن العقائد اليهودية، والوثنية المجوسية، وعن أن الأئمة يعلمون الغيب، ويعرفون متى يموتون، ويفعلون ما يشاءون، لا يُسألون وهم يَسألون، وأنهم ليسوا من بشر.
نعم. يمكن الوحدة بترك الدس والكيد للمسلمين.
فها هي بغداد مضرجة بدمائها بجريمة ابن العلقمي، وها هي الكعبة جريحة بجريمة طائفة منكم، وها هي باكستان الشرقية ذهبت ضحية بخيانة أحد أبناء (قزلباش)، الشيعة (يحيى خان) في أيدي الهندوس.
وها هو التاريخ الإسلامي مليء بمآثمكم، وخذلانكم المسلمين كلما حدثت لهم حادثة، ووقعت لهم كارثة، وحلت بهم نائبة.
تعالوا نتعاون بيننا، ونتفق، ونتحد، لتكون كلمة الله هي العليا، وليس للعسكري ولد حتى يأتي ويخرج ويكشف عنا الهموم، ويفرج عنا الكروب.
فنحن الذين نستطيع إن اعتصمنا بكتاب ربنا، وسنة نبينا، أن نكشف عنا مصيبتنا، وندفع عنا كيد أعدائنا كما وعدنا الله عزوجل: ((إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ)) [غافر:51].
((وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)) [الروم:47].
((وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)) [آل عمران:139].(31/143)
فلكم رأينا النصر وهو آت من السماء في زمن الصديق الأكبر أبي بكر، و الفاروق الأعظم عمر، و ذي النورين عثمان رضوان الله عليهم أجمعين، حتى هزموا الكفر في عقر داره، ورفعوا رايات الظفر في آفاق لم يتصورها الأولون، فما إن غرست اليهودية غريستها، وولدت وليدتها في عهد أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه- حتى اضطربت الأمور، وانعكست الأحوال، واضطر هو إلى أن يقول: [[ابتليت بقتال أهل القبلة]].
وقال متأسفاً: [[أوصيكم عباد الله بتقوى الله، فإنها خير ما تواصى العباد به وخير عواقب الأمور عند الله، وقد فتح باب الحرب بينكم وبين أهل القبلة]]([9]).(31/144)
وقال رضي الله عنه: [[ألا وإني قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلاً ونهاراً، وسراً وعلناً، وقلت لكم: اغزوهم قبل أن يغزوكم، فوالله ما غزي قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا، فتواكلتم وتخاذلتم حتى شنت عليكم الغارات، وملكت عليكم الأوطان... ثم انصرفوا -الأعداء- وافرين، ما نال رجلاً منهم كلم، ولا أريق لهم دم، فلو أن امرأً مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً، بل كان به عندي جديراً، فيا عجباً! عجباً -والله- يميت القلب ويجلب الهم من اجتماع هؤلاء القوم على باطلهم، وتفرقكم عن حقكم، فقبحاً لكم وترحاً حين صرتم غرضاً يرمى، يغارعليكم ولا تغيرون، وتُغزون ولا تغزُون، ويعصى الله وترضون، فإذا أمرتكم بالسير إليهم في أيام الحر قلتم: (هذه حمارة القيظ) أمهلنا ينسلخ عنا الحر، وإذا أمرتكم بالسير إليهم في الشتاء، قلتم: (هذه صبارة القر) أمهلنا ينسلخ عنا البرد، كل هذا فرارا من الحر والقر، فإذا كنتم من الحر والقر تفرون، فأنتم والله من السيف أفر]] وقال: [[قاتلكم الله لقد ملأتم قلبي قيحاً، وشحنتم صدري غيظاً، وجرعتموني نغب التهمام أنفاساً([10]) وأفسدتم عليّ رأيي بالعصيان والخذلان، حتى لقد قالت قريش: إن ابن أبي طالب رجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب، لله أبوهم! وهل أحد منهم أشد لها مراساً، وأقدم فيها مقاماً مني، لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين، وهأنذا قد ذرفت على الستين، ولكن لا رأي لمن لا يطاع]]([11]).
فها هو ذا علي بن أبي طالب الخليفة الراشد الرابع عندنا -والإمام المعصوم الأول عندكم- يشتكي منكم منذ اليوم الذي وجدتم فيه، وقد أوردناه من كتابكم الذي تظنونه أصدق الكتب وأفضلها، والذي جمعه كبيركم الشريف أبو الحسن محمد الرضي. فماذا بعد هذا أيها القوم؟.(31/145)
وما ألفنا هذا الكتاب، وما جمعنا فيه النصوص إلا للتنبيه على أنه لا ينبغي التصور بأن أهل السنة بلغوا من الجهل إلى حد أن تلعب بهم، وبعقولهم، وقلوبهم، وعقائدهم وليدة اليهود وربيبة المجوس.
وقد أثبتنا في مختصرنا هذا أن الشيعة ليست إلا لعبة يهودية، ناقمة على الإسلام، وحاقدة على المسلمين، وعلى رأسهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حملة هذا الدين، والتابعون لهم بإحسان، ومن سلك مسلكهم إلى يوم الدين، ثم قد بينا فيه عقيدتهم في القرآن، أساس الإسلام، وأصله، ورسالة الله التي جاء بها محمد النبي –الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام- إلى الناس كافة، ببيان واضح، مستند، مفصل، لم أسبق إليه بفضل الله ومنه.
كما أوضحنا أن الكذب (باسم التقية) هو شعار الشيعة قاطبة، ويعدونه من أطيب الأعمال، وأعظم القربات إلى الله.
وورد تحت هذه المواضيع الثلاثة مباحث ومواضيع كثيرة أخرى مثل: عقيدتهم في الله، وفي رسول الله، وأصحاب رسول الله، وأزواجه أمهات المؤمنين، وعقيدتهم في أئمتهم، ورأي الأئمة فيهم، والأسس لهذا المذهب، والأصول التي قام عليها، وسبب الخلاف بينهم وبين أهل السنة من المسلمين.
ونرى في ذلك المختصر كفاية لمن أراد أن يعرف حقيقتهم، وحقيقة معتقداتهم، وحتى للسذج من الشيعة الذين اغتروا بحب أهل البيت وولايتهم، إن أرادوا الحق والتبصر؛ لأن أكثرهم لا يعرفون حقيقة دينهم حيث أمر صناديدهم بكتمان المذهب كما هو المكذوب على جعفر الصادق أنه قال لأحد شيعته: [[يا سليمان! إنكم على دين، من كتمه أعزه الله، ومن أذاعه أذله الله]].([12])
وقد التزمنا في هذا الكتاب أن لا نذكر شيئاً عن الشيعة إلا من كتبهم، وبعباراتهم أنفسهم، مع ذكر الكتاب، والمجلد، والصفحة، والطبعة، بحول الله وقوته، وكل ما ذكرناه من كتب الشيعة في هذا الكتاب، هي الكتب المستندة المشهورة والموثوقة عندهم([13]).(31/146)
ونريد أن نتبع هذا المختصر مختصراً آخر في حجمه حتى يحتوي ويشتمل على جميع الموضوعات الهامة، والمباحث المهمة، فيكون هذا كالجزء الأول وما يليه كالجزء الثاني.
والله ولي التوفيق، وعليه أتوكل وإليه أنيب.
إحسان إلهي ظهير- لاهور
(22 مايو 1973م) (18 الربيع الثانى 1393هـ).
-------------
([1]) للباحث أن يقرأ كتاب (القاديانية، دراسات وتحليل) للمؤلف لمعرفة هذه النحلة الجديدة.
([2]) للمؤلف كتاب مستقل في هذا الموضوع (البهائية- أمام الحقائق والوقائع).
([3]) نهج البلاغة (ص:82) ط دار الكتاب اللبناني- (1387هـ) بيروت.
([4]) نهج البلاغة، (ص:204).
([5]) وقد كتب أحد علمائهم من إيران، السيد لطف الله الصافي كتاباً عنونه بهذه الآية الكريمة؛ نفاقاً وخداعاً، عادة أسلافه بأنهم يتقنعون بمقنعة الزور لتغطية مقاصدهم الخبيثة، فهو على شاكلتهم؛ لأنك إذا قلبت الغلاف رأيت مقدمة بسيطة دعا فيها إلى الوحدة والاتحاد، ولكن وبعد أوراق قليلة تفاجأ بكتاب آخر باسم (مع الخطيب في خطوطه العريضة)، رد فيه على السيد محب الدين الخطيب رحمه الله رحمة واسعة، فنافق في بداية الكتاب حسب المقرر لهم، وقال: لا ينبغي أن يكتب مثل هذه الكتب والردود في عصر تهتك فيه حرمات الله في فلسطين، وأحرق المسجد الأقصى المبارك... فمن أجبرك على هذا أيها الصافي؟ ثم وفي نفس هذا الكتاب يهجم على عبقرية الإسلام، والرجل الذي يعده علي رضي الله عنه- الإمام المعصوم عندهم- أصل العرب، ونظامهم، وقطبهم الذي به تدور الرحا- ويأتي ذكره مفصلاً في باب الشيعة والكذب. فهل تظن أنك تستطيع خداع المسلمين بمثل تلك الكلمات، الوحدة والاتحاد أيها الصافي؟ فليخب ظنك ورأيك.
([6]) رواه الترمذي وحسنه.
([7]) رواه الترمذي.
([8]) رواه مسلم.
([9]) نهج البلاغة (248) خطبة علي (رض).
([10]) نغب التهمام أنفاسا، أي: جرعتموني جرع الهم جرعة جرعة.
([11]) نهج البلاغة (ص:69 و 70 و 71).(31/147)
([12]) الكافي في الأصول للكليني وسيأتي بيانه مفصلاً في باب (الشيعة والكذب).
([13]) فأنت أيها الصافي وأنت يا صاحب كتيب (السهم المصيب في الرد على الخطيب) وأنت.. وأنت.. لا يغرنك أن الخطيب قد انتقل إلى رحمة الله، ومن ثم تستطيع أن تطعن فيه، وتشتمه، فإن في السنة من يدافع عن الحق الذي كتب الخطيب عنه، ووا أسفا على أنه ما رأينا هذه الكتب إلا منذ قريب حين سافرنا لزيارة البيت العتيق، وبلدة النبي، والصديق، في العام الماضي، وإلا قد قضينا الدين في حينه، وما تأخرنا، وما يكون في التأخير غرة ولا ا غترار.
========================
فرق الاعتقاد بين أهل السنة والشيعة
الشيخ/ محمد لبيب
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى من اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين، ثم أما بعد:
فاليوم نبين فروق الاعتقاد بين أهل السنة والشيعة:
- القرآن الكريم بين أهل السنة والشيعة.
- الحديث بين أهل السنة والشيعة.
- الصحابة بين أهل السنة والشيعة.
- عقيدة التوحيد بين أهل السنة والشيعة.
وهناك أبواب أخرى.
• عقيدة أهل السنة والشيعة في القرآن الكريم:(31/148)
القرآن الكريم عند أهل السنة متفق على صحته وسلامته من الزيادة والنقصان، ويفهم طبقاً لأصول اللغة العربية، وهم يؤمنون بكل حرف منه، ويؤمنون بأنه كلام الله غير حادث ولا مخلوق، وأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو المصدر الأول لكل عقائد المسلمين ومعاملاتهم. أما عند الشيعة فالقرآن الكريم مطعون في صحته، عند بعضهم، ويدل على ذلك بأن أحد علمائهم بل كبيراً منهم واسمه: ميرزا حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي الذي بلغ من إجلالهم له أنهم دفنوه في المشهد المرتضوي بالنجف، هذا العالم النجفي ألف في سنة ألف ومائتين واثنتين وتسعين هجرية وهو في النجف عند القبر المنسوب إلى الإمام علي كتب كتاباً سماه: فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب، جمع فيه مئات النصوص عن علماء الشيعة ومجتهديهم في مختلف العصور بأن القرآن قد زيد فيه ونقص منه.
وقد طبع كتاب الطبرسي هذا في إيران سنة (1298هـ) وعند طبعه قامت حوله ضجة؛ لأنهم كانوا يريدون أن يبقى التشكيك في صحة القرآن محصوراً بين الخاصة عندهم، ومتفرقاً في مئات الكتب المعتبرة عندهم، وأن لا يجمع ذلك في كتاب واحد تطبع منه الآلاف من النسخ، ويطلع عليه خصومهم، فيكون حجة عليهم ماثلة أمام أنظار جميع الناس، ولما أبدى عقلاؤهم هذه الملاحظات، خالفهم فيها الطبرسي بمؤلف جديد سماه: رد بعض الشبهات عن فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب، وقد كتب هذا الدفاع في أواخر حياته قبل موته بنحو سنتين، وقد كافئوه على هذا المجهود في إثبات أن القرآن محرف بأن دفنوه في ذلك المكان المميز في المشهد العلوي في النجف.(31/149)
ولذا ابن حزم الظاهري عندما كان يناظر قساوسة في الأندلس، وكان يكلمهم بما في الإنجيل من تحريف، وأثبت لهم ذلك، فقالوا له: الشيعة عندكم يثبتون تحريف القرآن، فكيف خرج ابن حزم من هذا الكلام؟ قال: الشيعة عندنا ليسوا مسلمين، فلا تحتجوا بهم، من قال: إن هذا القرآن فيه تحريف فهو ليس بمسلم، والإمام مالك قال في قوله تعالى: (( يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ ))[الفتح:29] قال: من أصبح مغتاظاً من أبي بكر وعمر وسائر الصحابة فهو من أهل هذه الآية.
فالشيعة عندهم أن القرآن الكريم مطعون في صحته، وإذا اصطدم بشيء من معتقداتهم يؤولونه تأويلات عجيبة، يعني: تصوروا أن الآيات التي جاءت في فضل أبي بكر رضي الله عنه: (( ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ ))[التوبة:40] هذه الآية تشير عند أهل السنة إلى فضيلة أبي بكر، وأنه رافق النبي محمداً صلى الله عليه وسلم في رحلة الهجرة، والآية صريحة في ذلك، إذاً كيف يخرج منها الشيعة؟
قالوا: إنما أخذ صاحبه معه لكي يأمن شره؛ لأنه لو تركه في مكه المشركين عليه من أجل أخذ المكافأة، أهذا كلام يقال؟!!(31/150)
وإذا قلت لهم: إن الله عز وجل ترضى عن الصحابة بقوله: (( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ))[الفتح:18] قالوا: هو لم يقصد الصحابة كلهم، وإنما هو يقصد المؤمنين من الصحابة، وما بقي على الإيمان منهم إلا أهل البيت أما باقي الصحابة فقد ارتدوا وكفروا، يعني: أنهم يأتون إلى الآيات الصريحة يؤولونها، هذا غير التحريف اللفظي والعياذ بالله الذي أظهره الطبرسي في كتابه. يؤولونها تأويلات عجيبة تتفق مع مذهبهم، ولهذا سموا: بالمتأولة، ويحبون أن يثيروا دائماً ما صار من اختلاف عند بدء تدوين القرآن، أما مصدر التشريع عندهم فهو كلام الأئمة، وهو غير موثق من الأئمة، وسنده غير صحيح إلى الأئمة، يكفي أن أحدهم إذا رأى رأياً أن يقول: قال الباقر كذا، قال الصادق كذا، بأي إسناد وبأي كلام وينسب الكلام إلى الأئمة بما يريد أن يعطيه للأمة من تشريع والعياذ بالله.
وتصور من تحريفهم التحريف المعنوي للقرآن ترى أموراً حاجات غريبة يعني: تضحك منها، قالوا: (( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ))[البقرة:67] قالوا: يعني: عائشة، وهذا من غيظهم على عائشة، وفي سورة الرحمن: (( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ ))[الرحمن:19] يقولون: علي وفاطمة: (( بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ ))[الرحمن:20] يقولون: الحسن والحسين وهذا كلام غير مناسب لا لمقصود الآيات، ولا لمقصود اللغة، وإنما هو مجرد تأويل وكلام لا معنى له، وعامة الشيعة يتقبلون من الخاصة مثل هذا الهراء.
• عقيدة أهل السنة والشيعة في السنة النبوية:(31/151)
الحديث عند أهل السنة هو المصدر الثاني للشريعة، والمفسر للقرآن الكريم، ولا تجوز مخالفة أحكام أي حديث صحت نسبته للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأهل السنة يعتمدون في تصحيح الأحاديث على التي اتفق عليها فقهاء الأمة في علم مصطلح الحديث، وطريقها تحقيق السند دون تفريق بين الرجال والنساء، إلا من حيث التوثيق بشهادة العدول، ولكل راوٍ من الرواة تاريخ معروف وأحاديث محددة صحيحة، أو مطعون في صحتها، وقد تم ذلك بأكبر جهد علمي عرفه التاريخ، فلا يقبل حديث من كاذب، ولا من مجهول، ولا من أحد لمجرد رابطة القرابة أو النسب؛ لأنها أمانة عظيمة تسمو على كل الاعتبارات.
أما الحديث عند الشيعة فإنهم لا يعتمدون إلا الأحاديث المنسوبة لآل البيت، أما أحاديث أبي هريرة فمرفوضة، وكذلك أحاديث عائشة مرفوضة، وأحاديث عمر وأبي بكر مرفوضة، وأحاديث عبد الله بن عمرو بن العاص كلها مرفوضة إلا أحاديث جاءت عن طريق أهل البيت، حسناً! لننظر إلى الأحاديث التي من طريق أهل البيت هل هي موثقة وإلا غير موثقة؟ وكذلك يقبلون الأحاديث التي جاءت عن طريق الذين كانوا مع علي رضي الله عنه، ويرفضون ما سوى ذلك، ولا يهتمون بصحة السند، ولا الأسلوب العلمي، فكثيراً ما يقولون مثلاً: عن محمد بن إسماعيل عن بعض أصحابنا، عن رجل، أصحابهم مجهولون وعن رجل مجهول، وهم أصلاً غير ثقات فيما ينقلون، وكتبهم ملئت بعشرات الآلاف من الأحاديث التي لا يمكن إثبات صحتها، وقد بنوا عليها دينهم، وبذلك أنكروا أكثر من ثلاثة أرباع السنة النبوية، وهذه من أهم نقاط الخلاف بين أهل السنة والشيعة، وهي مصادر التشريع من الحديث النبوي.
• عقيدة أهل السنة والشيعة في الصحابة:
** الموقف من الصحابة:(31/152)
أهل السنة يجمعون على احترامهم جميعاً، والترضي عنهم جميعاً؛ لأنهم كلهم عدول، واعتبار ما شجر بينهم من خلاف أنه من قبيل الاجتهاد الذي فعلوه مخلصين، وقد انتهت ظروفه، ولا يجوز لنا أن نبني عليه أحقاداً تستمر مع الأجيال، بل هم الذين قال الله فيهم أفضل ما قال في جماعة أخرى، وذكرنا أنك لو سألت اليهود: من هم أفضل أمتكم؟ لقالوا: الذين صحبوا موسى، وإذا سألت النصارى: من هم أفضل أمتكم؟ لقالوا: الحواريون الذين صحبوا عيسى، وإذا سألت الشيعة: من هم شر أمتكم؟ لقالوا: أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم، مع أنهم في الحقيقة هم خير من صحب نبياً، يعني: أصحاب النبي محمد أفضل من أصحاب موسى وأفضل من أصحاب عيسى، وانظر إلى مقالة الحواريين: (( هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ ))[المائدة:112] لم يفعل ذلك الصحابة مع النبي عليه الصلاة والسلام، لم يتحالوا كما احتال أهل السبت، لم يقولوا: (( فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ))[المائدة:24]، بل قالوا: اذهب أنت وربك فقاتلا إننا معكما مقاتلون، نقاتل عن يمينك وعن شمالك، ومن أمامك ومن خلفك، والله لئن خضت بنا هذا البحر لخضناه معك، وبهذا يتبين أنهم خير من صحب نبياً على وجه الإطلاق رضي الله عنهم جميعاً.
وأثنى الله عليهم في مواطن كثيرة، وبرأهم وبرأ بعضهم على وجه التحديد، فلا يحل لأحد أن يتهمهم بعد ذلك ولا مصلحة لأحد في هذا.(31/153)
أما الصحابة عند الشيعة فهم يرون أن الصحابة قد كفروا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نفراً قليلاً لا يتجاوزن أصابع اليدين، ويضعون علياً رضي الله عنه في مكانة خاصة الخاصة، فبعضهم يراه وصياً، وبعضهم يراه نبياً، وغلاتهم يرونه إلهاً كالسبئية أتباع عبد الله بن سبأ، ومن ثم فهم يحكمون على المسلمين بالنسبة لموقفهم منه رضي الله عنه، فمن اختير للخلافة قبله كعثمان وعمر وأبي بكر فهو إما ظالم أو كافر، ومن خالفه في الرأي فهو إما ظالم أو كافر أو فاسق، وكذلك الحال بالنسبة لمن خالف ذريته، ومن هنا أحدثوا في التاريخ فجوة هائلة من العداء والافتراء، وصارت قضية التشيع مدرسة تاريخية تمضي بهذه التعاليم الضارة عبر الأجيال.
• عقيدة التوحيد عند أهل السنة والشيعة:
عقيدة التوحيد عند أهل السنة فهم يؤمنون بأن الله سبحانه وتعالى هو الواحد القهار، لا شريك له، ولا ند له، ولا نظير له، ولا واسطة بينه وبين عباده في العبادة، ويؤمنون بآيات الصفات كما جاءت من غير تأويل ولا تعطيل ولا تشبيه، (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ))[الشورى:11] وأنه أرسل الأنبياء وكلفهم بتبليغ الرسالة، فبلغوها ولم يكتموا منها شيئاً. ويؤمنون بأن الغيب لله وحده، وأن الشفاعة مشروطة: (( مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ))[البقرة:255].
وأهل السنة يؤمنون بأن الدعاء والنذر والذبح والطلب والاستغاثة كل ذلك لا يكون إلا لله سبحانه وتعالى، ولا يجوز لغيره، وأنه هو وحده الذي يملك الخير والشر، فليس لأحد معه سلطة ولا تصرف حياً كان أو ميتاً، والكل محتاجون لفضله ورحمته سبحانه، ومعرفة الله تجب عند أهل السنة بالشرع وبآيات الله قبل العقل الذي قد لا يهتدي وحده، ثم يتفكر الإنسان بعقله ليطمئن.(31/154)
أما عقيدة التوحيد عند الشيعة فهم يؤمنون بالله تعالى، ووحدانيته، ولكنهم يشوبون هذا الاعتقاد بتصرفات شركية، فهم يدعون عباداً غير الله، يقولون: يا علي! يا حسين! يا زينب! ويدعون غير الله عز وجل من أهل القبور، وقلدهم في هذا الصوفية، ومما تجده من بواقي الدولة الفاطمية في تأليههم للإمام علي ما تسمعه من الأطفال لما يحصل الجدب يقولون: يا علي! فهم يستمطرون الإمام علي ويعتقدون أنه الذي ينزل المطر، وإذا شتم النساء بعضهم بعضاً قلن: يا عمر! يذمون عمر ويؤلهون علياً رضي الله عنه، هذا مما يقوله الصبيان ونسمعه إلى الآن من موروثات الدولة الفاطمية القديمة.
فهم يدعون غير الله ويقولون: يا علي! يا حسين! يا زينب! وينذرون ويذبحون لغير الله، ويطلبون من الأموات قضاء الحوائج، ولهم أدعية وقصائد كثيرة تؤكد هذا المعنى، وهم يتعبدون بها، ويعتقدون أن أئمتهم معصومون، وأنهم يعلمون الغيب، ولهم في الكون تدبير، والصوفية يقلدونهم في هذا فهم يقولون: رئيسة الديوان أم هاشم، ومعها الأقطاب والأبدال الذين هم موكلون بتصريف الكون، يعني: الكون متوزع على أربعة: البدوي، والجيلاني، والتيجاني، والرفاعي، وكل واحد أخذ ربع الكون يقوم بتدبيره مع الله سبحانه وتعالى.
لأن الشيعة أشد في هذا الأمر، ولهم في الكون تدبير، والشيعة هم الذين اخترعوا التصوف، لتكريس هذه المعاني المنحرفة، ويزعمون أن هناك قدرة خاصة للأولياء والأقطاب وآل البيت، وأكدوا في أتباعهم معاني الامتياز الطبقي في الدين؛ لأن الشيخ في الصوفية لما يموت أو في الشيعة لما يموت يورثون ابنه وإن كان لم يبلغ المشيخة، وهذا نوع من التمييز الطبقي في الدين.
وأنه ينتقل لأبنائهم بالوراثة، وكل ذلك لا أصل له في الدين، ومعرفة الله تجب عندهم بالعقل لا بالشرع كالمعتزلة، وما جاء في القرآن إنما هو مجرد تأكيد لحكم العقل ليس تأسيساً جديداً للأحكام.
• عقيدة رؤية الله عز وجل عند السنة والشيعة:(31/155)
عند أهل السنة رؤية الله في الدار الآخرة ممكنة؛ وذلك لقوله تعالى: (( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ))[القيامة:22-23] والشيعة يقولون: الرؤية غير ممكنة، مثلهم كمثل المعتزلة يقولون: هي غير ممكنة لا في الدنيا ولا في الآخرة، مع أن الآيات صريحة في ذلك وأحاديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
• الإيمان بالغيب عند أهل السنة والشيعة:
الغيب عند أهل السنة اختص الله تعالى نفسه بالغيب، وإنما أطلع أنبياءه ومنهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على بعض أمور الغيب لضروريات معينة، ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام أخبر بأشياء ستحدث في المستقبل من الفتن، منها: قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمار بن ياسر: (تقتلك الفئة الباغية) وقوله عن الحسن بن علي: (إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين) وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن بعد النبوة ستكون خلافة راشدة، وبعدها ملك عضوض، وبعدها ملك جبري، وبعدها خلافة راشدة، أخبر بما أخبره الله به سبحانه وتعالى.
أما الشيعة فيزعمون أن معرفة الغيب هو من حق الأئمة وحدهم، أئمة آل البيت، وليس من حق النبي أن يخبر عن الغيب، ولذلك فإن بعضهم ينسب الألوهية لهؤلاء الأئمة الذين يعلمون الغيب، ويقرءون في اللوح المحفوظ، وغلاة الصوفية يعتقدون ذلك في الأولياء، وتعتقد الشيعة أن الأئمة ينظرون إلى اللوح المحفوظ، ويقرءون ما فيه مما غاب عن الناس.
• حقيقة أهل البيت عند أهل السنة:
هم أتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم على دين الإسلام، لذلك قال: (سلمان منا أهل البيت) هم أتباعه على دين الإسلام في أصح الأقوال، وقيل: هم أتقياء أمته، وقيل: هم أقاربه المؤمنون من بني هاشم وبني المطلب، أما الشيعة فيقيدون أهل البيت ويقولون: هم صهره علي وبعض أولاد علي فقط، ثم أبناؤهم ثم أحفادهم من بعد ذلك.(31/156)
• الشريعة والحقيقة عند أهل السنة والشيعة:
أهل السنة يرون أن الشريعة هي الحقيقة، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخبئ عن أمته شيئاً من العلم، وما ترك خيراً إلا ودلنا عليه، ولا شراً إلا وحذرنا منه، وقد قال الله تعالى: (( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ))[المائدة:3]، وأن مصادر الدين هي الكتاب والسنة، لا تحتاج من يكملها، وطريق العمل والعبادة والصلة بالله تعالى واضحة بلا وسائط: (( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي )) لم يقل: فقل بل قال: (( فَإِنِّي قَرِيبٌ ))[البقرة:186] وأن الذي يعلم حقيقة العباد هو الله وحده سبحانه وتعالى، ولا نزكي على الله أحداً، وكل أحد يؤخذ من كلامه ويترك إلا النبي محمد صلى الله عليه وسلم وهو المعصوم عليه الصلاة والسلام.
أما الشيعة فهم يرون أن الشريعة هي الأحكام التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم، وهي التي تهم العوام والسطحيين فقط، يعني: العوام هم الذين لهم الشريعة، أما الحقيقة أو العلم الخاص عن الله فلا يعلمه إلا أئمة أهل البيت، وهذا الكلام يرده ويكذبه الإمام علي بنفسه فقد روى البخاري ومسلم أن رجلاً قال للإمام علي رضي الله عنه: [[هل خصكم النبي صلى الله عليه وسلم بشيء من العلم؟ قال: لا، والذي خلق الحبة وبرأ النسمة، إنما هو كتاب الله، أو فهماً يؤتيه الله امرأً في القرآن]]، يعني: إنما هو فهم في القرآن، طبعاً الفهم مقيد بما يعارض الكتاب والسنة، ولم يخصه بشيء من العلم، وهم يقولون: العلم الخاص أو الحقيقة هذا خاص بأهل البيت ولورثة أهل البيت، فهم يتلقون علوم الحقيقة بالوراثة جيلاً عن جيل، وتبقى عندهم سراً، وأن الأئمة معصومون من الخطأ، وكل عملهم تشريع، وكل تصرفاتهم جائزة، وأن الصلة بالله لا تتم إلا عن طريق الوسائط أي: الأئمة، ولذلك تورطوا بتسمية أنفسهم بألقاب فيها مبالغة، منها: ولي الله، وباب الله، وآية الله، وحجة الله، والمعصوم فلان الفلاني.(31/157)
• الفقه عند أهل السنة والشيعة:
الفقه عند أهل السنة فهم يتقيدون بأحكام القرآن الكريم بكل دقة، وآيات القرآن الكريم توضحها لهم أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم وأفعاله، حسب ما جاءت بها السنة المطهرة، وأقوال الصحابة والتابعين الثقات، عليها معول كبير في ذلك؛ لأنهم أقرب الناس به عهداً وأصدقهم معه بلاءً، وليس من حق أحد أن يشرع شرعاً جديداً في هذا الدين بعد أن أكمله الله، ولكن يرجع في فهم التفاصيل والقضايا المستحدثة والمصالح المرسلة إلى علماء المسلمين الثقات في حدود الكتاب والسنة لا غير.
وأنتم تعرفون أن هناك قضايا مستحدثة وقضايا جديدة، وكل المستحدث من القضايا يدخل في باب القياس في الشرع الإسلامي، فهو يغطي كل المستحدثات في أفعال العباد وذلك بالقياس على الكتاب، أو القياس على السنة؛ لأن البعض يقول: لا يحتج بالقياس، لكن دليل حجية القياس أن الله عز وجل ذكر الآيات والنبي عليه الصلاة والسلام ذكر الأحاديث، وهي معدودة محصورة، تستطيع حصرها وعدها، أما الوقائع في دنيا الناس فهي غير محصورة ولا معدودة، فيغطيها القياس على الكتاب والسنة.
أما الفقه عند الشيعة فهم يعتمدون على مصادرهم الخاصة مما نسبوه لأئمتهم المجددين، وما تأولوه في آيات الله، وما تعمدوه من مخالفة غالبية الأمة، ويرون أن لأئمتهم المجتهدين والمعصومين الحق في استحداث أحكام جديدة، كما فعلوا مثلاً في العبادات في الأذان فهم يقولون فيه: أشهد أن محمداً رسول الله وأن علياً ولي الله، وصلاة الجماعة عندهم فيها نظر، وصلاة الجمعة فيها نظر لعدم وجود الإمام، والزكاة ليس اثنين ونصفاً بالمائة على المال، لكن خمس أموال الناس في جيوب الآيات والحجج حجة الله وآية الله، وهم حريصون على مخالفة أهل السنة، وتوسيع دائرة الخلاف دائماً.
• الولاء عند أهل السنة والشيعة:(31/158)
والولاء عند أهل السنة: هو الانقياد التام لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لقول الله تعالى: (( مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ))[النساء:80] وما عداه من الناس فلا ولاء له إلا بحسب ما قررته القواعد الشرعية؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، أما الشيعة فيرون الولاء ركناً من أركان الإيمان، وهو عندهم التصديق بالأئمة الاثني عشر، وآخرهم الذي دخل في السرداب وهم ينتظرون خروجه من السرداب، والذي لا يوالي هؤلاء الإئمة الاثني عشر لا يوصف بالإيمان بل يوصف بالكفر، ولا يصلى خلفه، ولا يعطى من الزكاة الواجبة، ولكن يعطى من الصدقات التي تعطى للكفار.
• التقية عند أهل السنة وعند الشيعة:
التقية عند أهل السنة هي أن يظهر الإنسان غير ما يبطن اتقاء للشر، عند أهل السنة لا يجوز لمسلم أن يخدع المسلمين بقول أو بمظهر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من غشنا فليس منا) ولا تجوز التقية إلا مع الكفار أعداء الدين، وفي حالة الحرب فقط باعتبار أن الحرب خدعة، ويجب أن يكون المسلم صادقاً، يعني: ظاهراً وباطناً، شجاعاً في الحق، غير مراءٍ ولا غادر، بل ينصح ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
التقية عند الشيعة يذكرون أن أئمتهم قالوا يعني: [[التقية ديني ودين آبائي]]، وبعضهم ينسب إلى الأئمة قوله: [[من لا تقية له لا دين له]]. فعندهم القرآن ثلاثة أضعاف القرآن الذي عندنا، لكن لما يذهب لهم أئمة من أهل السنة ويزورون طهران ويقابلون الآيات، يقولون: انظروا المصحف الذي عندنا هو نفس المصحف الذي عندكم، وهذا العمل منهم تقية، فهم يظهرون شيئاً ويبطنون خلافه، يعني: هم يبطنون تحريف القرآن. هذا ما يسمونه: التقية.(31/159)
والتقية عند الشيعة على اختلاف طوائفهم يرونها فريضة لا يقوم المذهب إلا بها، ويتلقون أصولها سراً وجهراً، ويتعاملون بها خصوصاً إذا أحاطت بهم ظروف قاسية، فيبالغون في الإطراء والمدح لمن يرونهم كفاراً يستحقون القتل والتدمير، ويطبقون حكم الكفر على كل من ليس على مذهبهم، وعندهم الغاية تبرر الوسيلة، وهذا الخلق يبيح كل أساليب الكذب والمكر والتلون والخداع.
• الإمامة عند أهل السنة وعند الشيعة:
الإمامة عند أهل السنة يحكم الدولة خليفة، ويختار من بين المسلمين، يشترط فيه الكفاءة، والبعض يشترط فيه القرشية، والكفاءة بأن يكون عاقلاً رشيداً عالماً معروفاً بالصلاح والأمانة، وعند الشيعة الحكم عندهم وراثي في علي وأبناء فاطمة رضي الله عنهما، مع اختلاف بينهم في ذلك، وبسبب قضية الحكم هذه فهم لا يخلصون لحاكم قط من غير هذه السلسلة الذين هم آل البيت لا أمويين ولا عباسيين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين..
******************
الباب الثامن - من عقائد الشيعة الشنيعة
أباطيل الشيعة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد الأمين، وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين.
وبعد:
فإن نبينا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم خرج ذات ليلة على أصحابه فوجدهم قد صلوا المغرب منتظرين لصلاة العشاء، فقال صلى الله عليه وسلم لهم: (ما زلتم هاهنا؟ قالوا: ما زلنا هاهنا يا رسول الله! قال: ما زلتم هاهنا؟ قالوا: ما زلنا هاهنا يا رسول الله! قال: ما زلتم هاهنا؟ قالوا: ما زلنا هاهنا يا رسول الله! فنظر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى السماء وإلى النجوم التي فيها وقال: النجوم أمنة السماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما توعد).(31/160)
وأخبر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن أمته ستفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة، فقال صلى الله عليه وسلم: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة)، ولابد أن يعرف المسلم هذه الفرق، كما ورد عن أمير المؤمنين عمر أنه قال: (تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية)، فإذا نشأ في المسلمين من لا يعرف الجاهلية حكم على المسلمين بالكفر وبالضلال، نتيجة أنه لم يعلم أمور الجاهلية التي كانت فيها، بل تجد كثيراً من الناس قد يصحب فرقة من تلك الفرق التي في حديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة)، يصحبون هذه الفرق على أنها بعض العاملين للإسلام، برزوا في جانب وقصروا في جانب آخر! وهذا الفهم فهم رديء، وستتضح الآن أنواع الفرق التي تعددت في الإسلام، والتي ينسحب عليها حديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بجلاء، حتى يُقرّ الحق في مكانه، ويحكم على كلٍ بما يستحق.
نظرة تاريخية في افتراق أمة محمد صلى الله عليه وسلم
الأمر على ما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فافترقت أمته بعد موته صلى الله عليه وسلم مباشرة، اختلفت أمته بعض الاختلافات الطفيفة، ثم بدأت هذه الاختلافات في الازدياد والاتساع، إلى أن خرج بعض أمة محمد صلى الله عليه وسلم من دائرة الإسلام إلى دائرة الكفر -والعياذ بالله- بعد أن مات رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقبل أن يدفن نشأ بعض الخلاف بين الصحابة، أين ندفن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وكيف نغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هل نجرده كما نجرد موتانا أو نغسله من فوق الثياب؟(31/161)
فأصابتهم سِنَةٌ فغسلوه من فوق الثياب بعد أن سمعوا المنادي ينادي بذلك، ثم قالوا: أين ندفن رسول الله؟ فاختلفوا، فجاء أبو بكر وحسم مادة النزاع وقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنه لم يدفن نبي إلا حيث قبض)، ودفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكانه الذي قبض فيه.
وبعد دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حصل خلاف بين أصحابه على الأمير الذي سيؤمّر عليهم، وعلى الخليفة الذي سيستخلف عليهم، إلى أن انتهى الأمر في سقيفة بني ساعدة بتأمير أبي بكر الصديق واستخلافه خليفة عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
ثم جاء خلاف آخر بين بعض الصحابة، وهو الخلاف في ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم، من سيرث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وهل لبناته ميراث منه؟
فجاءت فاطمة تطالب بميراثها من رسول الله، وقال أبو بكر: (إني سمعت رسول الله يقول: إنا معشر الأنبياء لا نورث، ما تركنا فهو صدقة)، فتخاصمت سيدة نساء أهل الجنة مع سيد شيوخ أهل الجنة، فاطمة مع أبي بكر رضي الله عنهما، وماتت على ذلك بعد ستة أشهر من وفاة أبيها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
ثم جاء بعد ذلك المرتدون فمنعوا الزكاة، وهذا أكبر من الخلافات المتقدمة، وقالوا: قد كنا نعطي المال لمحمد، فمات محمد فلا زكاة، فبدأت حروب الردة، وتخللت حروب الردة -التي شملت مانعي الزكاة والمرتدين- ادعاءات بالنبوة، فادعى مسيلمة الكذاب أنه نبي مرسل من عند الله، وأطلق على نفسه رحمان اليمامة، حتى تسلط عليه أصحاب رسول الله وشردوه وقتلوه، قتله وحشي بن حرب، ورجل آخر من الأنصار.
ثم جاء أيضاً طليحة الأسدي وادعى النبوة أيضاً، فأُرسل إليه خالد بن الوليد، ففر من خالد بعد هزيمته إلى الشام، ثم بعد ذلك أسلم وحسن إسلامه، وكان يقاتل كأشد القتال مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في مغازيهم ضد الفرس وضد الروم.(31/162)
ثم حفظ الله أمة محمد عليه الصلاة والسلام بعمر بن الخطاب رضي الله عنه، فدفع الله به الخلاف، ثم قتل عمر بعد سنوات من استخلافه، فولي عثمان الخلافة، فازدادت أمور المؤمنين سوءاً، وازدادت الخلافات واتسعت رقعتها، وأدى هذا الخلاف إلى مصرع ومقتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، وهو يتلو كتاب الله عز وجل، ذبح بأيدي أقوام يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله! وبدأت الفرق في الانتشار، فظهرت فرقة الخوارج التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصلها لما جاءه رجل فقال له: يا محمد! اعدل، فوالله! إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنه يخرج من ضئضئ هذا أقوامٌ تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية).
ثم جاءت فرقة القدرية التي نفت القدر، فقالوا: لا قدر، ليس هناك شيء مقدر.
ثم ظهرت فرقة الشيعة، ومنهم فرقة السبئية على وجه الخصوص، والذي نحن بصدده اليوم هو الحديث عن فرقة الشيعة على وجه الإجمال، فشرح أحوالهم يطول، وبدعهم تميت القلب، ولكنه شيء أردنا تبيينه إحقاقاً للحق وإظهاراً لباطل المبطلين كما قال الله سبحانه وتعالى: ((وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ)) [الأنعام:55].
أصول فرق الشيعة إجمالاً
وسنورد الآن إن شاء الله على وجه الإجمال معتقدات هذه الفرق على وجه الإجمال؛ لأن تخصيص كل فرقة بشرح يحتاج إلى محاضرة كاملة لشرح أقوالها، ولكنا سنتعرض بمشيئة الله للأصول العامة لهذه الفرق أو لبعضها.
فرقة الشيعة تنقسم إلى أربع فرق على وجه الإجمال، تنقسم إلى: الزيدية، وإلى الكيسانية، وإلى الإمامية، وإلى الغلاة أو الغالية، وهي أكفرهم على الإطلاق وسيأتي سبب ذلك.(31/163)
أخفهم فرقة الزيدية، وفرقة الزيدية انقسمت إلى ثلاث فرق: الجارودية، والسليمانية، والبترية، هذه ثلاث فرق من فرق الزيدية، ثم انقسمت الكيسانية إلى فرقتين:
فرقة تقول في محمد بن علي بن أبي طالب الذي هو محمد ابن الحنفية إنه حي يرزق بجبل يسمى جبل رضوى، عن يمينه نمر، وعن يساره أسد، تحدثه الملائكة ليلاً ونهاراً، لا يموت ولن يموت، حتى ينزل فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن مُلأت ظلماً وجوراً.
والفرقة الثانية من الكيسانية قالوا: إن محمد بن علي بن أبي طالب كان إماماً في عصره، ولكنه قد مات، وهو الذي كان يستحق الإمامة.
أما فرقة الإمامية فتنقسم إلى خمس عشرة فرقة، منها: الإثنا عشرية التي عليها إيران الآن، ومنها الموسوية، ومنها الشيطانية اتباع رجل يدعى بشيطان الطاق، وكان ينكر كثيراً من آيات الله عز وجل، ومنها الكاملية، ومنها الناووسية، ومنها الباقرية، والمحمدية، إلى إكمال خمس عشرة فرقة، هذه هي فرق الإمامية.
أما الغلاة فأخرجهم عدد كبير من العلماء من دائرة المسلمين، فلا يعدون في الفرق، ولا يبعد عن هؤلاء المتقدمين أن يكون بعضهم خارجاً عن طوائف أهل الإسلام.
فرقة الشيعة وسنورد الآن إن شاء الله على وجه الإجمال معتقدات هذه الفرق على وجه الإجمال؛ لأن تخصيص كل فرقة بشرح يحتاج إلى محاضرة كاملة لشرح أقوالها، ولكنا سنتعرض بمشيئة الله للأصول العامة لهذه الفرق أو لبعضها.(31/164)
الشيعة وتأليه غير الله معتقدات هذه الفرق في ألوهية الله عز وجل فيه دخن، فأكثر هذه الفرق وقع في الشرك بالله عز وجل! فغالبيتهم يدعو غير الله، وهذا لا يخفى على من ذهب إلى إيران أو رأى الإيرانيين وهم يطوفون بالبيت الحرام قائلين: يا علي! يا حسن! يا حسين! يا فاطمة! أثناء الطواف حول البيت العتيق، ولكن ليس هذا هو منتهى الكفر عندهم، فهناك فرقة وهي السبئية ألهت علي بن أبي طالب! حتى أن علياً لما بلغته مقالتهم جمعهم، فقالوا له: أنت هو، قال: وما هو؟ -كما يقولها بعض الصوفية الآن: هو هو- قال لهم: وما هو؟ قالوا: أنت الله!! فخد لهم الأخاديد وأشعل فيها النيران، ثم عرضهم على النار، فقالوا: الآن تأكدنا أنك أنت الله؛ لأن رسول الله قال: (لا يعذب بالنار إلا رب النار) فأنت رب النار! هذه الفرقة فرقة السبئية ألهوا علي بن أبي طالب وقال علي من ذلك:
لما رأيت الأمر أمراً منكراً أججت ناري ودعوت قنبراً
وفرقة ألهت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي المحمدية، وفرقة ألهت آدم عليه الصلاة والسلام وقالوا: إن الألوهية انتقلت من آدم إلى الأنبياء، فآدم إله، ونوح إله، وتسلسلت الألوهية إلى أن وصلت إلى محمد عليه الصلاة والسلام، وبعد أن مات انتقلت الألوهية إلى علي بن أبي طالب، ومنه إلى الحسن، ومن الحسن إلى الحسين، إلى أن انتهت إلى جعفر بن محمد الذي يطلقون عليه جعفر الصادق.(31/165)
وخرجت طائفة تسمى الخطابية بلا حياء من الله ولا من البشر، في جموع غفيرة في زمنهم، وملئوا شوارع الكوفة قائلين: لبيك جعفراً! لبيك جعفراً! مكان: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، فقالوا: لبيك جعفراً! لبيك جعفراً! فهذا قول ثالث عند الشيعة في أمر الألوهية، فريق يدعي أن علياً هو الإله، وفريق يدعي أن محمداً هو الإله، وفريق يدعي أن الألوهية تسلسلت من آدم عليه الصلاة والسلام إلى الأنبياء إلى أن انتهت إلى جعفر بن محمد الذي هو جعفر الصادق بن محمد الباقر، وخرجوا ملبيين يقولون: لبيك جعفراً! لبيك جعفراً! وهؤلاء طائفة من الخطابية.
وفريق آخر ادعوا ألوهيات أُخر، وقد ادعى النبوة من يسمى أبو منصور العجلي حيث قال: إنه صعد إلى الرب، وأن الرب مسح على رأسه، فنزل من عند الرب يحل للناس الحرام ويحرم عليهم الحلال، ويأمرهم بإتيان المحارم وتزوج الأخوات والأمهات والبنات، زاعماً أن ربه أمره بذلك، وأحل لهم الدم والميتة ولحم الخنزير، وإذا سُئل عن الدم في قوله تعالى: ((حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ)) [المائدة:3] قال: إنها أسماء أشخاص!
كان هذا الرجل يلقب بالكسف ويكنى بأبي منصور العجلي، وأتباعه يتلون قوله تعالى: ((وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ)) [الطور:44]، ويتهكمون على من خالفهم ويقولون: هذا هو الكسف الذي سقط من السماء ليبشر الناس!
وطوائف أُخر ادعت لها أرباباً غير الله سبحانه وتعالى، كفرقة الكيسانية التي تبعت المختار بن أبي عبيد الثقفي الذي ادعى -أول ما خرج- نصرة آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه غاضب لظلم بني أمية لهم، فلما تبعه جمع غفير ادعى النبوة، فلما تبعه جمع غفير ادعى الإلهية! إلى أن قتل إلى غير رحمة الله عز وجل، لعنه الله.
موقف الشيعة من جبريل عليه السلام ما موقف هذه الفرق الشيعية من الملائكة؟(31/166)
لهم موقف خطير من ملائكة الرحمن، فهم يتهمون جبريل عليه الصلاة والسلام أنه قد خان؛ لأنه نزل بالرسالة على محمد صلى الله عليه وسلم، وفي الأصل أنها كانت لعلي، والتمست فرقة منهم له المعاذير، وقالت: إن جبريل معذور، وهذه الفرقة الأخيرة التي التمست لجبريل المعاذير سميت الغرابية، لماذا سميت الغرابية؟ لأنهم قالوا: إن محمداً كان أشبه بعلي من الغراب بالغراب، فلذلك أخطأ جبريل وهو معذور، ولعنته سائر فرق الشيعة!
وخفي على هؤلاء العميان -عميان البصر والبصيرة- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند نزول الرسالة عليه كان ابن أربعين سنة، وعلي صبي صغير رضي الله عنه، ورسول الله صلى عليه وسلم كان أبيض، وكان إلى الطول أقرب منه إلى القصر، أما علي بن أبي طالب فكان إلى القصر أقرب منه إلى الطول، ورسول الله كان له شعر، وعلي كان أصلع، ولم يكن له إلا شعرات في آخر رأسه رضي الله عنه، ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يكن أبجراً، وعلي بن أبي طالب كان أبجراً رضي الله عنه، أي: له كرش كما يسميه الناس، هذه صفات علي، فهل يخفى على جبريل الأمين صلى الله عليه وسلم حتى يخطئ في النزول؟ ثم هل يقره ربه على هذا الخطأ؟
الله سبحانه وصفه بالأمين كما قال عز وجل: ((نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ)) [الشعراء:193-195]، فالفرقة الغرابية جاءوا يوجهون هذا القول فوقعوا في كفر آخر! فلم يلعنوا جبريل؛ لأنه أخطأ، والخطأ مرفوع ما دام الشخص مجتهداً، ووقعوا في كفر آخر وهو تكذيب آيات الله سبحانه وتعالى، فهذا موقفهم من الملائكة.(31/167)
موقف الشيعة من القرآن موقفهم من القرآن الكريم أنه محرف! وألف رجل اسمه الطبرسي -وهو من علماء الشيعة- كتاباً سماه: فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب، وأتى فيه بآيات وقال: إنه كان في القرآن آيات فحرفت، وقد زعم أن الله قال -وليس الله بل شيطانه-: (يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والنبي والولي اللذين بعثناهما إليكم يهديانكم إلى صراط مستقيم) يقصد علي بن أبي طالب ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقالوا أيضاً: إن سورة الانشراح كان فيها: (ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك وجعلنا علياً صهرك)، وخفي على هؤلاء الحمقاء المجانين أن سورة الانشراح نزلت بمكة قبل أن يتزوج علي بن أبي طالب رضي الله عنه بفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم! فعلي تزوج بفاطمة رضي الله عنها في مدينة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وسورة الانشراح سورة مكية.
فضلاً عن إثباتهم التحريف الباطل، وادعائهم الكاذب بتحريف القرآن، وتأويلهم آيات القرآن على حسب ما يريدون، فأولوا الجبت والطاغوت بأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وأولوا البقرة في قوله تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً)) [البقرة:67] بأن البقرة هي عائشة زوج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فهذا موقفهم من كتاب الله سبحانه وتعالى.(31/168)
موقف الشيعة من الرسالات أما موقفهم من رسالات الله، فقد قالت فرقة منهم: بإيجاب النبوات بعد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقالوا: إن النبوة انتقلت لعلي بن أبي طالب، ومنه إلى الحسن، ومنه إلى الحسين رضي الله عنهم، ثم انتقلت إلى محمد ابن الحنفية، أي: أن النبوة في علي وفي أبنائه الثلاثة، وقالت فرقة منهم: بنبوة رجل يسمى بيان بن سمعان، وكان هذا الرجل المجرم مدعياً للنبوة ومتجلداً فيها، ومعه رجل آخر اسمه المغيرة بن سعيد، وقد أحرقهما خالد بن عبد الله القسري بالنار، فجاء المغيرة بن سعيد إلى النار، فتوجس منها، وجاء بيان بن سمعان فاحتضن النار بقوة، مظهراً التجلد والتثبت فأُحرق إلى غير رحمة الله، وسيده المغيرة بن سعيد جبن عن النار فأحرق بها رغم أنفه، فقال خالد القسري لا تباعهما: إنكم مجانين، كان الأولى أن تجعلوا الإمارة عليكم لبيان بن سمعان، وكانوا من حمقهم وخيبتهم وجهلهم يتلون قوله تعالى: (هذا بيان للناس ولينذروا به)، وينزلونها على نبيهم المزعوم!(31/169)
وجاء نبي آخر عندهم يسمى بعمير التبان، يقولون في عمير التبان: إنه كان إذا مسك التبن تحول له ذهباً، فعبدوه وألهوه من دون الله عز وجل، وكل فرقة ادعت نبياً يتبع من دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويفسرون قوله تعالى: ((مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ)) [الأحزاب:40] بأنه زينة النبيين؛ لأن الخاتم هو ما يتزين به، ويوردون على ذلك شبهاً مثل حديث: (إن مثلي ومثل الأنبياء قبلي كاللبنة أو كجدار نظر الناس إلى حسنه فرءوا الجدار طيباً إلا موطن لبنة فأنا اللبنة) فيقولون: إن محمداً عليه الصلاة والسلام هو خاتم النبيين أي: زينة النبيين، وليس معناه: أنه لا نبي بعده، وقد كذبوا الخبر الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنه لا نبي بعدي)، وقوله أيضاً: (بعثت أنا والساعة كهاتين)، فهذه دعواهم في مسائل الرسالات.(31/170)
الشيعة وعقيدة التناسخ أما دعواهم في مسائل العقائد، فيقولون في العقائد جملة أقوال، فمن عقائدهم عقيدة التناسخ، وفحواها أن الأرواح تتناسخ، يعني: إذا مت أنت انتقلت روحك إلى غيرك، قد يكون هذا الغير إنسان، وقد يكون حيوان، وقد يكون كلب، وقد يكون خنزير، وقد يكون سمكة، وقد يكون دودة، فإذا مت أنت تحولت روحك وتناسخت إلى جسم وهيكل غيرك، ويبنون على ذلك ترهات باطلة، أنهم يأتون ببغل وبحمار وبعنزة، فيضربون البغل ضرباً مبرحاً، مؤلماً غاية الألم، ويأتون بحمار كذلك، ويضربونه غاية الضرب، ويأتون العنزة الصغيرة ويضربونها ضرباً قاسياً، لماذا تفعلون ذلك؟ يقولون: إن روح أبا بكر تناسخت في هذا، وروح عمر تناسخت في ذاك، وروح عائشة تناسخت في هذه العنزة، وما هو ذنب هذا الحمار، وذنب هذا البغل، وذنب هذه العنزة، الذين اخترتموهم من دون البغال ومن دون الحمير ومن دون العنز؟ ما ذنب هؤلاء؟ ومن الذي أدراكم أن روح هؤلاء تناسخت في هؤلاء؟ هذه العقيدة عقيدة التناسخ موجودة ومتأصلة عند كثير من فرق الشيعة.(31/171)
الشيعة وعقيدة التقية تأتي عقيدة أخرى وهي عقيدة التقية، عقيدة التقية هذه فحواها أن الشخص يظهر ما لا يبطن، وأعملوها فراراً من البلاء الذي وقعوا فيه، والتعكير الذي عكر عليهم لما قالت فرقة منهم: إن أبا بكر اختلس الخلافة على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قالوا: إن رسول الله أوصى بالخلافة من بعده لعلي بن أبي طالب، وكذبوا في هذا الافتراء، ثم قالوا: إن أبا بكر اختلس الخلافة على علي، وإذا قلت لهم: لماذا سكت علي إذاً؟ قالوا: سكت علي تقية! وهذا أساس مذهب التقية! فرقة أخرى منهم لم ترض هذا المسلك، وقالت: كفر أبو بكر، وكفر عمر، وكفر عثمان، وكفر علي ؛ لأنه أقرهم، ثم أسلم علي لما تولى الخلافة؛ لأنه قَبِلها وأخذ حقه، وأمضى ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فنشأت عقيدة التقية التي بها يظهرون ما لا يبطنون، ويستحلون الكذب نصرة لمذهبهم، فإذا رءوا رأياً وضعوا له أحاديث عن رسول الله، واختلقوا له الأكاذيب ويروونه، فعقيدة التقية من العقائد التي لا تجعل أحداً من أهل الإسلام يصدقهم، وإذا ووجهوا بها: أنكروا ذلك، كما فعل ذلك ابن العلقمي ونصير الشرك والإلحاد الطوسي على ما سيأتي في قصتهما إن شاء الله.
ومن عقائدهم الزائغة أيضاً القول بفناء الجنة والنار، فيقولون: إن الجنة ستأتي عليها أزمنة وتنتهي هي وأهلها ومن فيها، وإن النار سيأتي عليها وقت تنتهي هي وأهلها ومن فيها!(31/172)
موقف الشيعة من عقيدة الرؤية ومن عقائدهم الزائغة أيضاً، القول بعدم رؤية الله عز وجل في الآخرة، فالكفار كما قال تعالى: ((كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ)) [المطففين:15]، أما المؤمنون فقد قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب، وسترون ربكم كما ترون الشمس في يوم صحو ليس دونها سحاب)، وقد قال الله سبحانه وتعالى: ((وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)) [القيامة:22-23]، وقال جمهور المفسرين في تفسير قوله عز وجل: ((لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ)) [يونس:26]: إن الزيادة هي النظر إلى وجه الله عز وجل يوم القيامة، فكانت هذه جملة من عقائدهم.
موقف الشيعة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما موقفهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم ينج منهم أحد من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، فما بين كافر وفاسق وفاجر، فريق منهم يطلق على عدد كبير من الصحابة الكفر، وفريق يقولون: ليسوا بكفار بل هم فسقة، والفاسق هو المجرم، هذا موقفهم من صحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ويدعون عليهم في صلاتهم، وفي كتب تشابه الكتب التي عند عامة المسلمين مثل: دلائل الخيرات، وإن كان دلائل الخيرات كتاب أكثره باطل بل جله بل كله باطل، ففي كتب الشيعة صلاة تسمى الصلاة العمرية أو اللعنية أو قريباً من هذا الاسم، يقولون: اللهم العن صنمي قريش، وجبتيهما، وطاغوتيهما، وابنتيهما، يقولون ذلك في أبي بكر وعمر وعائشة وحفصة أزواج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، هذا موقفهم من أصحاب رسول الله.(31/173)
كفروا أبا بكر كما كفروا عثمان بن عفان، كما كفروا وانتهكوا عرض عمر بن الخطاب أيما انتهاك، فضلاً عن تكفير سائر الصحابة، كعمرو بن العاص، ومعاوية بن أبي سفيان وغيرهم من صحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كان هذا موقفهم من أصحاب رسول الله، وما زال هذا هو موقفهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا.
موقف الشيعة من السنة أما موقفهم من السنة فهم بعيدون غاية البعد عن سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جملة أحاديث نقلها عنه أصحابه رضي الله عنهم، نقلها الصديق أبو بكر، ونقلها أمير المؤمنين الفاروق عمر، ونقلها ذو النورين عثمان بن عفان، ونقلها أبو هريرة، ونقلتها عائشة، ونقلها غير هؤلاء من أفاضل الصحابة كابن عمرو وابن عمر وغيرهم، وهم يكفرون هؤلاء الصحابة، إذا جئت تقول لهم: قال أبو هريرة يقولون: أبو هريرة كافر لا نقبل حديثه، فيردون سنة رسول الله من هذا المنطلق، إذا جئتهم بحديث يقول لك قائلهم: من الذي رواه؟ تقول له: أبو بكر ذلك الصديق الذي قال الله فيه: ((إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)) [التوبة:40]، فالله أثبت في كتابه أن أبا بكر صاحب للنبي صلى الله عليه وسلم، فيقولون: هو كذاب كافر مختلس للخلافة على أمير المؤمنين، هذا موقفهم من سنة رسول الله.(31/174)
فإذا كان هذا هو موقفهم من الصحابة، فهذا تدمير لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعها؛ لأن الصحابة هم الذين نقلوا لنا سنة نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وليس هذا فحسب بل هم الذين نقلوا لنا القرآن، هم الذين جمعوا القرآن من الرقاق ومن الصحف ومن الجلود فأثبتوه ورسموه على هذا النحو الميسر، الذي قال الله فيه: ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)) [الحجر:9] فإن طعنوا في أصحاب رسول الله فقد طعنوا في كتاب الله، وطعنوا في سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
ثم لما طعنوا في سنة رسول الله، بدءوا في افتراء أحاديث على رسول الله عليه الصلاة والسلام، وتقولوا أقاويل تؤيد باطلهم، مثل حديث: (أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى) فيقولون: إن أهل البيت كالسفينة لابد أن تركبها وإلا فإنك ستهلك، ويفترون على رسول الله عليه الصلاة والسلام الكذب ويقولون: (لما خلق الله الجنة ماتت ميتة فأنشأ الله لها الحسن في ركن والحسين في ركن فثبتاها) ويقولون: قال رسول الله: (خلقت أنا وعلي بن أبي طالب وزكريا ويحيى من طينة واحدة وعجينة واحدة)، ويقولون عن علي بن أبي طالب: (أنا الصديق من أبى فقد كفر)، ويفترون عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال في علي: (علي خير البشر من أبى فقد كفر) أي: من حاول تفضيل أبا بكر أو عمر على علي بن أبي طالب فقد كفر عندهم، وخرج من دين الإسلام.
هذا هو موقفهم من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولله الحمد أن كتبهم غير مسندة، وليست متصلة الأسانيد إلى رسول الله، إنما يقول قائلهم: بلغنا عن أجدادنا، بلغنا عن آبائنا، من الذي أبلغهم؟ الله أعلم، لم يذكر، فهي كلها أكاذيب، وكلها بلاغات لا تثبت بحال عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.(31/175)
موقف الشيعة من الحكومات المسلمة وما موقفهم من الحكومات المسلمة؟ ولسنا نعني بالحكومات المسلمة الموجودة الآن، إنما نعني بالحكومات المسلمة من عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى الآن. موقفهم من الحكومات المسلمة أنها لم تقم أي حكومة مسلمة من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الآن، إلا السنوات اليسيرة التي تولى فيها علي بن أبي طالب خلافة المسلمين وإمارة المسلمين، أما خلافة أبي بكر فهي عندهم كذب واختلاس، وكذلك خلافة عمر، وكذلك خلافة عثمان، حتى يطعنون عن صلاح الدين الأيوبي الذي حرر الله به بلاد المسلمين من أدناس الصليبيين الكفرة، فيطعنون فيه؛ لأنه كان له صولات وجولات على الشيعة في عدة جوانب، فيلحقونه بأصحاب رسول الله، وينال منهم نفس اللعن الذي يناله أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلا نبك على صلاح الدين إذا كانت الطامة أكبر من صلاح الدين، وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
فهم في هذا سلكوا مسلكاً غلبوا فيه اليهود والنصارى، فاليهود إذا ذكرت لهم حبراً من أحبارهم، أو النصارى إذا ذكرت لهم حوارياً من حواريي عيسى وقروه وبجلوه، أما هؤلاء فطعنوا في أصحاب نبيهم الذين هاجروا وتبوءوا الدار والإيمان من قبلهم، الذين تصدقوا بكل أموالهم لله عز وجل، الذين آثروا الآخرة على الدنيا، وآثروا ما عند الله على الزوجات، وعلى البنات والبنين، وعلى الضيعات، وعلى سائر من في الأرض، آثروا إرضاء رب العالمين على كل أحد.
فهذا موقف الشيعة من الحكومات، لا يقرون لأي حكومة بالإسلام إلا حكومة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبعد حكومة رسول الله حكومة علي بن أبي طالب.(31/176)
ومن ثم ناصبوا المسلمين العداء على مدار الزمان والمكان، فمنهم نصير الدين الطوسي، وليس نصيراً للدين بل نصير الشرك والإلحاد، كان يأتي بأبيات وقصائد للخليفة العباسي أثناء خلافته، ولما دخل هولاكو بلاد المسلمين كان في استقباله نصير الشرك والإلحاد الطوسي مع ابن العلقمي، ومع ابن أبي الحديد اليد اليمنى لابن العلقمي الوزير الشيعي الباطني الخائن، الذي أسلم زمام الخلافة العباسية لهولاكو، وجاء هولاكو بمن معه من المغول والتتار فاكتسحوا بلاد المسلمين وذبحوا الأبناء، وذبحوا البنات، وذبحوا الرجال، كما يُفعل الآن -بل أشد- بالمسلمين في بلاد البوسنة والهرسك، كانت المرأة من المغول ومن التتار تأتي إلى عشرين رجل أو إلى خمسين رجل وتقول لهم: ناموا فينامون، وتقول لهم: ابقوا على حالكم، فيبقون، وتذهب وتأتي بالسكين فتذبحهم جميعاً عن آخرهم ولا يتحرك منهم متحرك، وكان السبب في هذا كله نصير الشرك والإلحاد الطوسي ذلك الشيعي مع ابن العلقمي الوزير الرافضي، الذي كان يتستر بمبدأ التقية، ويتظاهر بأنه محسن إلى بني العباس، وبجانبه أيضاً ابن أبي الحديد.
هذه بعض مواقفهم المخزية في الإسلام والمسلمين، والحكومات المسلمة. كانوا يتسترون بمبدأ التقية، فإذا جاء العدو وتمكنوا من المسلمين مزقوا أهل السنة كل ممزق، وشتتوهم كل تشتيت، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
الشيعة وخرافة المهدي المنتظر وما موقفهم من المهدي المنتظر؟(31/177)
اختلفوا فيه أيما اختلاف، وضلوا فيه أيما ضلال، وكفر بعضهم بعضاً غاية التكفير بسبب الخلاف في ذلكم المهدي المنتظر، فقالت فرقة من فرق الإمامية -ومنها الاثنا عشرية التي في إيران حالياً-: إن المهدي المنتظر هو محمد بن الحسن الذي ينتهي نسبه إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقالوا: إن محمد بن الحسن هذا دخل السرداب، وسيخرج ليعيد العدل والقسط إلى البلاد وعلى العباد، بعد أن ملئت ظلماً وجوراً، وسينتصر من كل من آذى آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيعيد ويحيي الذين ظلموا آل بيت رسول الله، فيمزق شملهم ويفرق جمعهم.
ويقف على سردابه الإيرانيون الآن، يلطمون الخدود ويشقون الجيوب، رجالاً ونساءً وأطفالاً قائلين: يا محمد! يا مهدي! اخرج فقد ملئت الأرض ظلماً وجوراً، ويبكون وتسيل الدموع على خدودهم انتظاراً لهذا المهدي المنتظر، وفي الحقيقة أنه شخصية لا وجود لها من الأصل، لأن أبا هذه الشخصية المزعومة كان عقيماً، لا يولد له ولد، وأثبت ذلك العلويون الذين ينتهي نسبهم إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فهم يسطرون أنسابهم أباً عن جدٍ إلى رسول الله، فسطروا في الحسن هذا أنه لم يولد له، ولكن لكي تبقى الإمامة ادعوا أن أمه -أم محمد - ولدت ولداً وأخبأته عن الناس، فاختفى في السرداب، وكانت الأموال تجمع له، فيأخذها الذين على أبواب السرداب، فاختلفوا فيما بينهم، فجاء رجل اسمه محمد بن نصير وأراد أن يكون هو محمد بن الحسن ليتقاضى الأموال، فرفضوا ذلك رفضاً شديداً، فانفصل هو بفرقة سماها النصيرة لرفضهم أن يكون هو الخليفة، وأن يكون هو البواب على السرداب، قالوا: وكان على السرداب رجل زيات، له دكان، فكان على الأموال التي تأتي للسرداب، فانشق هو عليهم وأنشأ فرقة أخرى تسمى النصيرة، وأصبح له أتباع ألهوه كما ألهت فرق الشيعة غيره.(31/178)
هذا هو موقفهم من المهدي، وتقدم أن فرقة منهم تقول: إنه محمد ابن الحنفية، وهو حي الآن بجبل رضوى، عن يمينه أسد وعن يساره نمر وتحدثه الملائكة، وفرقة قالت: إنه محمد بن الحسن الذي ينتهي نسبه إلى علي بن أبي طالب، وفرقة ثالثة قالوا: إن المهدي هو جعفر بن محمد الملقب بالصادق، وهو الذي سيأتي ويعيد للناس العدل.
الشيعة وعقيدة الرجعة ومن عقائد كثير منهم الرجعة، والرجعة تقتضي أن بعض أئمتهم سيرجع مرة ثانية، واختلفوا في هؤلاء الذين سيرجعون أحياء مرة ثانية وينتصرون من كل من ظلمهم قبل أن تقوم الساعة.
موقف الشيعة من الفقه وفقههم ليس مبنياً على أحاديث ثابتة مسندة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل مبنية على التخاريف، فقد زلت أقدامهم في الفقه، وزلات الأقدام في الفقه لا تقارن بجانب الزلات العقائدية، فأباحوا نكاح تسع نسوة لقوله تعالى: ((مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ)) [النساء:3] فقالوا: إن الواو تقتضي الجمع، والواو لا تقتضي هنا الجمع؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الرجل الذي كان متزوجاً بعشر نسوة بمفارقة ست وإبقاء أربع، وإن كان هذا الحديث عليه بعض الكلام إلا أن إجماع المسلمين من أهل السنة والجماعة عليه، ثم أيضاً في فقههم إباحة نكاح المتعة، كما قال القائل:
ألا يا صاح فاخبرني بما قد جاء في المتعة
ومن قال حلال هي كمن قد قال بالرجعة
لها زوجان في طهرٍ وفي طهرٍ لها سبعة
فالمرأة تقابل الرجل وترتضيه فيعطيها مالاً، كما يفعل هذا الآن سفلة العراق وسفلة لبنان وسفلة إيران، يلتقي الرجل بالمرأة فيزني بها ويعطيها دراهم معدودة، ويفتتح المحل بهذا في الصباح الباكر حتى يبارك له بزعمه في رزقه من أول نهاره، فهذه من عقائدهم، وقد حرم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نكاح المتعة عام خيبر إلى الأبد.(31/179)
ومنهم طائفة الإسماعيلية، وهي إحدى طوائف الإمامية، وقد تقدم أن الإمامية خمس عشرة فرقة، والإسماعيلية فرقة منهم، ماذا تقول تلك الإسماعيلية؟ تقول بعض فرقها -وهم في اليمن قرب نجران-: إن الصلوات خمسين صلاة في اليوم والليلة؛ لأن الله افترضها كذلك، فعند كل فريضة عشر صلوات، وقبل أن تنتهي أنت من صلاة الظهر سيكون أحدهم قد صلى العشر الصلوات المكتوبة عليه بزعمه.
وفرقة قالت: لا، ليست هي بخمس صلوات ولا بخمسين، إنها تسع عشرة صلاة في اليوم والليلة، وعلى ذلك يصلون تسع عشرة صلاة في اليوم والليلة، وكل هذه من الأباطيل والترهات.
فضلاً عن ذلك افتراؤهم على أهل السنة والجماعة، إذ يقولون: إن من قال: آمين في الصلاة بطلت صلاته؛ لأن آمين عندهم كلام، والصلاة إذا تكلم فيها الشخص فقد بطلت صلاته، وإذا اُبتلي شيعي بأهل سنة بجواره وأحب أن يتقيهم وجاءت الصلاة وجاء التأمين فيها قال: آمِّينَ، مشدداً لها على أنها آية من قوله تعالى: ((وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ)) [المائدة:2] أي: ولا قاصدين البيت الحرام، ويقول فريق منهم: إن الضم يبطل الصلاة، والضم هو وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى في الصلاة، وهذه ليست بشيءٍ بجانب الطامات الكبرى في مسائل العقائد، ومسائل دعاء غير الله، ومسائل تلك القباب والمشاهد التي فُعلت للخميني بعد موته، وكانت قبل الخميني تفعل لهم كي يطاف بها ويتبرك بها، ويترك بيت الله العتيق، ويترك توحيد الله عز وجل، فإذا طاف طائف منهم بالبيت دعا واستغاث بعلي والحسن والحسين عند بيت الله الذي أمر الله أن ينقى ويطهر من الشرك كما قال الله سبحانه وتعالى: ((وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)) [البقرة:125].(31/180)
ومنهم فرقة يقال لهم: المكارمة أو البهرة، يأتون من بلاد الهند الزائغة إلى بلاد اليمن، ويتعرى إمامهم تماماً، كما ولدته أمه، ويُحمل على عرش له ثمانية أرجل، ويحمله ثمانية، ويقبلونه في كل جزء في جسمه قائلين تاليين: ((وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ)) [الحاقة:17].
الرد على دعاة التقريب بين أهل السنة والشيعة فأي تخريف أبعد من هذا التخريف؟ وأي حق مع فرق تطعن في أصحاب رسول الله؟ قد يقول قائل: هيا بنا نتعاون مع الشيعة كي ننصر الإسلام، كيف تتعاون مع رجل يكفر أبا بكر الصديق، ويكفر عمر بن الخطاب؟ إذا حدثته عن أبي هريرة قال لك: كذاب، أسقط لك حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأسقط لك كتاب ربك عز وجل، فكيف تلتئم مع مثل هذا الذي لا يوقر رباً ولا يوقر رسولاً ولا يوقر كتاب الله ولا يوقر صحابياً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم!!
من يرضى أن يسمع من يسب أبا بكر الصديق؟ هل يرضي مسلم أن يؤتى بتفسير ابن كثير ويرمى على الأرض ويقال: هذا ابن كثير لا يفهم شيئاً، اتركوا ابن كثير وابن قليل؟ هل يرضي مسلم أن يسمع هذا الكلام يا عباد الله؟! ويضع يده في يد شيعي بغيض يطعن في أصحاب رسول الله!(31/181)
كيف تكون بجانبه وقد طعن في سلفك الصالح، أبي بكر وعمر وعثمان وسائر أصحاب رسول الله باستثناء خمسة أو ما يقاربهم؟ الله عز وجل قال في كتابه الكريم: ((وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا)) [الحشر:10] أي: أن حال المؤمن الذي جاء من بعد الصحابة أنه دائماً يقول: ((رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا)) [الحشر:10]، فيأتي شيعي بغيض ويطعن فيهم ويلعنهم ويكفرهم، كيف نتعاون -يا عبد الله- مع من يخالف كتاب الله ويكذبه صراحة؟ هل هذا البغيض خير لك من الصديق أبي بكر؟: (إن من أحب قوماً حشر معهم) كما قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.(31/182)
قال الله سبحانه وتعالى: ((لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا)) [الفتح:18]، فهل سيسخط عليهم بعد أن رضي عنهم؟ وهل سيخون أبو بكر بعد تزكية الله له؟ هل ورد لنا أن أبا بكر قد خان -يا عباد الله- بعد أن رضي الله عنه؟! قال الله تعالى: ((وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ)) [التوبة:100]، ألم يكن أبو بكر من السابقين الأولين يا عباد الله؟! ألم يكن عمر من السابقين الأولين؟ ألم يعطِ أبو بكر ماله كله لرسول الله؟ ألم يهاجر أبو بكر من بلده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تاركاً بيته؟ وفيه يقول المصطفى عليه الصلاة والسلام: (لو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً)، ويبكي أبو بكر لما سمع مقالة رسول الله مستشعراً فراق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كيف بك يا عبد الله! تسمع طعناً في صحابي كعمر الذي فتح الله على يديه الفتوحات، ودخل الناس على يديه في دين الله أفواجاً، ويأتي بغيض سخيف يثني على أبي لؤلؤة المجوسي قاتل عمر بن الخطاب ويوقره ويقول: إنه بطل من الأبطال؛ لأنه قتل عمر بن الخطاب؟ كيف تضع يدك في يد زنديق مثل هذا الزنديق يا عبد الله؟!(31/183)
فالولاء والحب والبغض يجب أن يكون في الله: (فإن من أحب قوماً حشر معهم)، من أحب رسول الله عليه الصلاة والسلام وأصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام حشر معهم، ومن أحب المجوس، من أحب أبا لؤلؤة المجوسي، ومن أحب أتباع الزيغ والضلال حشر معهم يا عباد الله!، فاتقوا الله ربكم، وذبوا عن أعراض أصحاب نبيكم كما تذبون عن أعراض آبائكم وأعراض أجدادكم، قولوا: ((رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ)) [الحشر:10]، قولوا: ((لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ)) [الفتح:18]، رضي الله عنهم أجمعين وحشرنا الله مع صحابة نبيه الكريم عليه الصلاة والسلام، حشرنا الله معهم جميعاً في أعلى جنة الخلد، وقاتل الله الشيعة الملحدين الذين يذمون أصحاب النبي الأمين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
الأسئلة
حديث الكساء
السؤال: ما حال حديث: الكساء؟(31/184)
الجواب: الحديث ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخذ علياً وفاطمة والحسن والحسين وطرح عليهم الكساء، وهو حديث الكساء المشهور، وقال: (اللهم إن هؤلاء أهلي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً)، ولكن لا يمنع أن يدخل فيهم غيرهم، فإن الله سبحانه وتعالى قال: ((يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)) [الأحزاب:32-33] فدخل نساء رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في معنى الآل، وقال عليه الصلاة والسلام: (إنا آل محمد لا نأكل الصدقة)، فآل رسول الله منهم الحسن ومنهم الحسين ومنهم علي ومنهم فاطمة ومنهم أزواجه، ومنهم بنو العباس وغيرهم ممن حرمت عليهم الصدقة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
=========================
ابن سبأ..حقيقة لا خيال
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:(31/185)
فلقد اتفق المحدثون وأهل الجرح والتعديل والمؤرخون وأصحاب كتب الفرق والملل والنحل والطبقات والأدب، والكتب الخاصة في بعض فنون العلم على وجود شخصية خبيثة يهودية. تلك هي شخصية عبد الله بن سبأ الملقب بابن السوداء الذي قام بدور خطير. وبذر الشر المستطير بين المنافقين والشعوبيين ومن في نفسه أهواء وأغراض، أظهر الإسلام في عهد عثمان رضي الله عنه، وأظهر الصلاح والتقرب من علي رضي الله عنه ومحبته، وطاف بلاد المسلمين ليفتهم عن طاعة الأئمة، فبدأ بالحجاز ثم بالبصرة ثم الكوفة، ثم دخل دمشق فلم يقدر على ما يُريد عند أحد من أهل الشام. فأخرجوه فذهب إلى مصر واستقر بها، وأخذ يُراسل ويكاتب بعض المنافقين والحاقدين الناقمين على خليفة المسلمين، وجمع حوله الأعوان، ونظمهم وأخذ يبث بينهم معتقده الخبيث، وذر بهم على روح التمرد والإنكار حتى تجرؤوا على قتل ثالث الخلفاء وصهر المصطفى صلى الله عليه وسلم، جامع القرآن عثمان بن عفان، شهيد الدار رضي الله عنه وأرضاه. ولم يَرْعوْا حرمة حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبالوا بتلاوته للقرآن ولا الشهر الحرام.
ولم ينكر هذا من له حظْ من علم، ومسكة من عقل إلا في العصر الحاضر من هذا القرن، وهم نفرٌّ قليل ما بين مستشرق حاقد ومتابع لهم ومتقرب الزُلفى لمدارسهم وفكرهم من أبناء جلدتنا الذين يتكلمون بألسنتنا.
ومسلم جاهل أو منكر مكابر من بعض شيعة اليوم، وهؤلاء جميعاً جانبوا الحق الصريح وتمسكوا بأقوال متناقضة هي أوهى من بيت العنكبوت.
موقف المستشرقين
أما المستشرقون فأنكروه، وقالوا: إنه شخصيةٌ وهميةٌ تخيلها محدثوا القرن الثاني، ومن هؤلاء المستشرقين الذين أنكروه اليهودي الإنكليزي الدكتور برنارد لويس (LEWIS,B.)([1]) ويوليوس فلهوزن (WELLHAUSEN-J)([2]) اليهودي الألماني الذي بدأ دراسته باللاهوت. وفرييدلاندر (FRIEDLAENDER)([3])، الأمريكي والأمير كايتاني (CETANI)([4])، الإيطالي.(31/186)
ومن المعلوم عند العقلاء المنصفين أن ديننا وعقيدتنا وتاريخنا وما يتعلق بتراثنا لا يمكن أن نعتمد فيه على تقولات ودراسات هؤلاء الحاقدين الذين ينضوون تحت راية الحروب الصليبية بمنهج وأسلوب فكري، لا أسلوب السيف والبارود، ولو كانوا أصحاب نوايا صادقة لشرح الله صدورهم بالإيمان لما أطلعوا على صفاء الإسلام ونقاء ثوبه، ولكنهم كرسوا جهودهم وأفْنَوا حياتهم في إلقاء الشُبهات والشكوك والضلال والريب بكل ما يتعلق بالقرآن والسنة والعقائد والنظم الإسلامية والتاريخ الإسلامي.
ومعظم هؤلاء المستشرقين من القسس واليهود، وأعمالهم ومناهجهم تنظم ما بين الكنيسة ودوائر المخابرات ووزارات الخارجية إلا أفراداً هوايتهم العلمُ والبحثُ وهم قلةٌ قليلةٌ.
أتباع المستشرقين:
أما أتباع المستشرقين الذين خدعوا بهم وغرَّهم منهجهم العلميُّ المزعوم فيرددون ما يطرحون من أفكار ودراسات ويدندنون حول معتقداتهم لينالوا الزلفى منهم وعلى رأسهم الدكتور طه حسين([5])، الذي غُذّى حُجيرات مُخه بفكر المستشرقين حتى كان يقول: "إنني أفكرُ بالفرنسية وأكتبُ بالعربية"([6]).
ويكفيه خزياً أنه كان مطية لليهود. فدعاة الشيوعية في مصر في مطلع هذا العصر كانوا يهوداً وهم "هنري كوريل، وداؤول كوريل، وريمون أجيون" وكانوا هؤلاء وغيرهم يمولون الحركات الشيوعية بالمال وقيل بالجنس أيضاً.
وقد تعاقدوا مع الدكتور طه حسين على إصدار مجلة الكتاب المصري، وكان الدكتور طه حسين قد أعلن تأييدهُ لمفهوم اليهودية التلمودية باكرا حين أنكر وجود إبراهيم وإسماعيل وكذب القرآن والتوراة ولم يكن يُعرف في هذا الوقت الباكر أن ذلك تمهيدٌ لتحقيق أهداف الصهيونية([7])، وغير ذلك من الأفكار والضلالات التي لم يجرؤ حتى المستشرقون بالإفصاح والإعلان عنها ([8]).
---------------
([1]) انظر: أصول الإسماعيليين والإسماعيلية، تعريب خليل جلو وجاسم الرجب، ص(86-87).(31/187)
([2]) انظر: الخوارج والشيعة ترجمة الدكتور عبد الرحمن بدوي.
([3]) انظر: عبد الله بن سبأ والشيعة نشره في المجلة الأشورية (1909-1910).
([4]) انظر: أصول الإسماعيلية لبرنارد، ويرى بعض المستشرقين أن لابن سبأ حقيقة منهم: دينولد ألين نيكلسن (Reynlod Allen Nicholson) (ت:1945م) في كتابه تاريخ العرب الأدبي في الجاهلية وصدر الإسلام ترجمة د. صفاء خلوصي، ص (325). وإجناس كولد صِهَر (Ignaz Goldziger) (ت:1921م) في كتابه العقيدة والشريعة في الإسلام، ص (229)، وراجع تفصيل آراءهم في (رسالة عبد الله بن سبأ وأثره في إحداث الفتنة في صدر الإسلام) للشيخ سليمان بن حمد العودة التي نال بها شهادة الماجستير من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض عام (1402هـ 1982م)، ص (62-73)، وعبد الله بن سبأ في كتابات المستشرقين) من الفصل الثاني.
([5]) انظر: على وبنوه، ص (98-100) والفتنة الكبرى.
([6]) انظر: طه حسين للأستاذ/ أنور الجندي، ص (43-44).
([7]) انظر: المخططات التلمودية الصهيونية في غزو الفكر الإسلامي للأستاذ/ أنور الجندي، ص (80)، ط (2/1077م).
([8]) انظر: طه حسين للأستاذ/ أنور الجندي.
أضواء على طه حسين
ومن المعلوم عن طه حسين أن أباه جاء إلى صعيد مصر – مديرية المنيا- من بلدٍ غير معلوم من الغرب وكان يعملُ وزاناً في شركة يهودية للسكر، وطه حسين هو الذي تبنى إصدار قرار بتعيين الحاخام اليهودي (حاييم ناحوم أفندي) حينذاك عضواً في مجمع اللغة العربية في القاهرة ليكون عيناً على المفكرين ورجال اللغة، كما أنه عين عدداً من الأستاذة الأجانب في كلية الآداب أستوردهم، وبعضهم يهود وكلهم كانوا يحاربون الإسلام أو يشككون فيه.
وأول دكتوراه منحتها (كلية الآداب) في جامعة القاهرة تحت إشراف الدكتور طه حسين كانت بعنوان (القبائل اليهودية في البلاد العربية) تقدم بها (إسرائيل ولفنسون) عميد جامعة هادسا في تل أبيب الآن([1]).(31/188)
بعد هذه الأضواء التي تظهر لنا بوضوح ولاء الدكتور طه حسين لليهود لا نستغرب إنكاره لابن سبأ.
يقول طه حسين: إن أمر السبئية وصاحبهم ابن السوداء إنما كان مُتكلفاً منحولاً قد اخترُع بأضَرَة فحين كان الجدال بين الشيعة وغيرهم من الفرق الإسلامية، أراد خصوم الشيعة أن يدخلوا في أصول هذا المذهب عنصراً يهودياً إمعاناً في الكيد لهم والنيل منهم.. الخ كلامه ([2]).
أدلة الدكتور طه حسين:
ويستدل على ما ذهب إليه البلاذري لم يذكر شيئاً عن ابن السوداء ولا أصحابه في أمر عثمان.
ثم يستغرب الدكتور طه حسين كيف أن حادثة تحريق عليّ للذين ألَّهوه والتي ذكرها الطبري كيف لم يذكرها بعض المؤرخين ولم يُؤقتها، وإنما أهملوها إهمالاً تاماً؟!([3]).
الرد عليه:
أما عدم ذكر البلاذري لابن سبأ فلا يعني أسطورة وجوده؛ لأنه قد يذكر بعض المؤرخينَ ما لا يذكره البعضُ الآخر منهم، ثم هل التزم البلاذري بذكر كل الوقائِع والأحداث؟: وربما لو ذكر البلاذري أخبار ابن سبأ وأصحابه لقال البلاذري لا يعتمدُ على أخباره؛ لأنه غير متفق على توثيقه ([4]).
أما حادثة تحريق الإمام علي رضي الله عنه للذين ألُّهوه فسنذكرها في موقف الإمام على من عبد الله بن سبأ وأصحابه، حيث ذُكرتْ في أصح الكتب بعد كتاب الله عز وجل، وهذه الروايات تغني عن الروايات التاريخية.
إضافة إلى ذلك فقد ذُكرت في الكتب الموثقة عند الشيعة.
الدكتور محمد كامل حسين:
واعتبر الدكتور محمد كامل حسين قصة ابن سبأ أقرب إلى الخرافات منها إلى أي شيء آخر([5])، متابعاً في ذلك الدكتور طه حسين، ولم يذكر أي دليل لما يراه.
الدكتور حامد حفني داود:(31/189)
وكذلك يرى الدكتور حامد حفني داود رئيس قسم اللغة العربية بجامعة عين شمس أن ابن سبأ من أعظم الأخطاء التاريخية التي أفلتتْ من زمام الباحثين وغمَّ عليهم أمرها فلم يفقهوها ويفطنوا لها. هذه المفتريات التي افتروها على الشيعة حتى لفقوا عليهم قصة عبد الله بن سبأ فيما لفقوه واعتبروها مغمزا يغمزون به عليهم([6]).
الرد عليه:
والدكتور حامد هذا أحد المخدوعين بفكرة التقريب، بل أحدُ الدُعاة إليها، فلا يستغرب منه هذا الكلام مادام يتقربُ من المشككين بكتاب الله والطاعنينَ في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين ينالون من أمهات المؤمنين رضي الله عنهن أمثال مرتضى العسكري صاحب كتاب " خمسون ومائة صحابي مختلق) وكتاب (أحاديث أم المؤمنين عائشة).
-------------
([1]) انظر: مع رجال الفكر في القاهرة لمرضى العسكري، ص(166) ط الأولى (1394هـ/1974م) القاهرة.
([2]) انظر: علي وبنوه، لطه حسين، ص (98-100).
([3]) انظر: المصدر السابق.
([4]) انظر: ترجمة أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البلاذري، المتوفى سنة 279هـ، في معجم الأدباء لياقوت الحموي (5/92)، لسان الميزان (../322-323)، تهذيب تاريخ دمشق (2/109)، البداية والنهاية لابن كثير (11/65-66)، النجوم الزاهرة (3/83).
([5]) انظر: أدب مصر الفاطمية، ص (7).
([6]) انظر: التشيع ظاهرة طبيعية في إطار الدعوة الإسلامية، ص (18)، وكتاب: مع رجال الفكر في القاهرة لمرتضى العسكري، ص (93).
الشيعة الذين ينكرون ابن سبأ
أما الشيعة في العصر الحاضر فينكرون وجود ابن سبأ؛ والسبب الحقيقي لإنكارهم إياه عقيدته، التي بثها وتسربتْ إلى فِرق الشيعة حتى المتأخرة منها، وسنذكر أقوال وآراء المنكرين ثم نثبتُ وجوده وعقيدتُه من المصادر المعتمدة عند الشيعة.
محمد جواد مغنية وابن سبأ:(31/190)
عبد الله بن سبأ في نظر الشيخ جواد مغنية هو البطلُ الأسطوري الذي اعتمد عليه كل من نسب إلى الشيعة ما ليس له به علمٌ وتكلمَ عنهم جهلاً وخطأ أو نفاقاً وافتراء([1]).
مرتضى العسكري وابن سبأ:
وزعم مرتضى العسكرى أنه ناقش جميعَ من ذهبوا إلى وجود عبد الله بن سبأ وخرج بنتيجةٍ هي أنه ابن سبأ (شخصية وهمية خرافية ابتدعها واختلقها سيف بن عمر([2])، وصنف كتاباً خاصاً بابن سبأ بعنوان: "عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى).
الدكتور على الوردي وابن سبأ:
وأما الدكتور على الوردي صاحب (وعاظ السلاطين) فيرى أن ابن سبأ هو نفسهُ عمار بن ياسر ويستدل على ذلك بما يلي:
1- أن ابن سبأ كان يُكنى بابن السوداء ومثله في ذلك عمار.
2- كان عمار من أبٍ يماني، ومعنى هذا أنه كان من أبناء سبأ فكلُ يماني يَصحُ أن يقال عنه أنه ابن سبأ.
3- وعمار فوق ذلك كان شديد الحب لعلي بن أبي طالب يدعو له ويُحْرضُ الناسَ على بيعته في كل سبيل.
4- وقد ذهب عمار في أيام عثمان إلى مصر وأخذ يُحرّضُ الناس هناك على عثمان فضجَ الوالي منه وهمّ بالبطش به.
5- ويُنسب إلى ابن سبأ قوله: إن عثمان أخذ الخلافة بغير حقٍ وإن صاحبها الشرعي هو علي ابن أبي طالب.
6و7- قضايا تتعلق بدور عمار في حرب الجملِ، وفي علاقته مع أبي ذر الغفاري، ويستخلص الوردي أن ابن سبأ لم يكن سوى عمار بن ياسر، فقد كانت قريش تعتبر عماراً رأس الثورة على عثمان، ولكنها لم تشأ في أول الأمر أن تُصرح باسمه، فرمزتُ عنه بابن سبأ أو ابن السوداء، وتناقل الرواةُ هذا الرمز غافلين وهم لا يعرفون ماذا كان يجرى وراء الستار([3]).
ويقول الدكتور: ويبدوا أن هذه الشخصية العجيبة اخترعتْ اختراعاً وقد اخترعها أولئك الأغنياء الذين كانتْ الثورة موجهةُ ضدهم([4]).
الدكتور كامل الشيبي وابن سبأ:(31/191)
ثم يأتي بعد الوردي كاتبٌ آخر هو الدكتور مصطفى الشيبي الذي تابعَ الوردي في أوهامِه وخبطهِ العشوائي، وحاول أن يُعزّزَ ما ذهب إليه بإيراد نصوص تثبت القضايا التي وردتْ في محتوياته، وتابع كذلك الدكتور طه حسين في حرقِ الإمام علي رضي الله عنه للسبئية فيقول: أما قضية إحراق علي المزعوم للسبئية فإنه خبرٌ مختلق من أساسه ولم يرد على صورة فيها ثقةٌ في كتاب معتبرٍ منن كتب التاريخ.
ولعل أصل هذا الحادث يتصل بإحراق خالد بن عبد الله القسري (بياناً) وخمسة من أتباعه الغُلاة، ثم لما تقدم بها الزمن زُحزحتْ الحادثة إلى الأمام قليلاً حتى اتصلت بعلي ([5]).
الرد على الوردي والشيبي:
أما ما ذهب إليه الوردي وتابعُه الشيبي وغيرهُ بأن عبد الله بن سبأ هو نفسهُ عمار بن ياسر فكُتب الجرح والتعديل والرجال الموثقة عند الشيعة تردُ على هذا القول؛ وذلك أن كتبهم ذكرتْ ترجَمة عمار بن ياسر في أصحاب الإمام علي رضي الله عنه والرواة عنه، وتعدُه من الأركان الأربعة([6])، وذكرت ترجمة عبد الله بن سبأ وتذكر اللعنة عليه، وتمدح عماراً فكيف نجمع بين هاتين الترجمتين([7])؟.
وأما تحريق السبئية فسوف نذكر الأدلة الصحيحة في موقف الإمام منهم.
الدكتور عبد الله فياض وابن سبأ:
وكذلك أنكره الدكتور عبد الله فياض في كتابه "تاريخُ الإمامية وأسلافهم من الشيعة) وهو كتابٌ مطعمٌ بآراء المستشرقين، وكان المشرفُ عليه الدكتور قسطنطين زريق أحد أساتذة دائرةِ التاريخ بالجماعة الأمريكية ببيروت.(31/192)
يقول الدكتور فياض: يبدو أن ابن سبأ كان شخصيةً إلى الخيال أقربُ منها إلى الحقيقةِ، وأن دوره -إن كان له دورٌ- قد بُولغ فيه إلى درجةِ كبيرةٍ لأسباب دينية وسياسية، والأدلةُ على ضعفِ قصةِ ابن السوداء كثيرة([8])، ويستدل بما ذهب إليه مرتضى العسكري اتهام سيف بن عمر البرجمي (ت:170) باختلاف هذه الشخصية، ويزعُم التناقض والمبالغة في الروايات. ويعززُ موقفهُ برأي الوردي، ومتابعة الشيبي.
طالب الرفاعي وابن سبأ:
ويظهر بعد هؤلاء المدعو طالب الحسيني الرفاعي فيقول في حاشيتهِ على مقدمة محمد باقر لكتاب تاريخ الإمامية والتي طبعها تاجُر الكتب الخانجي بالقاهرة سنة 1397هـ/ 1977م باسم (التشيع ظاهرة طبيعية في إطار الدعوة الإسلامية) على أنه لو كان ابن سبأ هذا حقيقةُ تاريخيةُ ثابتةً فعلاً، فإنه كما سنذكره مفصلاً في مبحثٍ خاص به لا صلة إطلاقاً بين أفكاره وبين ما اشتملت عليه عقيدةُ الشيعة من الوصية لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ؛ لأنها قائمة على روايات في صحاح الفريقين من السنة والشيعةِ كما هي موجودة أيضاً في كتب الفريقين في التفسير والتاريخ وأصول الاعتقاد.
ومن ثم فالقول بأن التشيع نتيجةٌ من نتائج الفكرة السبئية –كما يدعي- رأي باطل([9]).
ولا يستغرب هذا الكلام من هذا الرجل الذي زعَم أن أول من قال بالرجعةِ عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ لأنه قال إن الرسول صلى الله عليه وسلم: لم يُمت ولنْ يموتَ، إضافة إلى افتراءاته وضلالاته وتزييفه للحقائق الثابتة الصحيحة.
الرد على الأقوال وعرض لمصادر ترجمة ابن سبأ:
هذه أقوال بعض شيعة العصر الحاضر، وكأنهم لم ينظروا في كتب عقائدهم وفرقهم، ومروياتهم ورجالهم وكتب الجرح والتعديل عندهم.(31/193)
وهذه طائفة من الكتب الموثّقةٍ عند الشيعة التي ذكرت عبد الله بن سبأ ومزاعمه وعقيدتُه، والتي حملتْ الإمام علياً رضي الله عنه وأهل بيته الطاهرين على تكذيب ابن سبأ والتبرؤ منه ومن أصحاب السبئية وما نسبه إلى أهل البيت.
أول من هذه المصادر المهمة النادرة التي ذكر فيها ابن سبأ: (رسالة الإرجاء) للحسن بن محمد بن الحنفية الفقيه الموثّق الذي كان يقول: من خلع أبا بكر وعمر فقد خلع السُّنّة. المتوفى سنة خمس وتسعين للهجرة([10])، والتي رواها عنه الثقاتُ من الرجال عند الشيعة.
ثانياً: كتاب الغارات لأبي إسحاق إبراهيم بن محمد سعيد بن هلال الثقفي الأصفهاني –الذي وثقه ابن طاووس- توفى في حدود 283هـ وكتابه (الغارات) طبع انجمن آثار ملي إيران.
ثالثاً: كتاب المقالات والفرق لسعد بن عبد الله الأشعري القمي المتوفى سنة 301هـ، وهو مطبوع في طهران سنة 1963هـ.
رابعاً: فرق الشيعة لأبي محمد الحسن بن موسى النوبختي من أعلام القرن الثالث الهجري، طبعة كاظم الكتبي في النجف عدة طبعات، وكذا طبعة المستشرق ريتر في استانبول/ 1931م.
خامساً: رجال الكشي لأبي عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي وهو معاصر لابن قولويه المتوفى سنة 369هـ، ط/ مؤسسة الأعلمي للمطبوعات كربلاء.
سادساً: رجالُ الطوسي لشيخ طائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي المتوفى سنة 460هـ، ط/ الأولى في النجف 1381هـ/ 1961م، نشر محمد كاظم الكتبي.
سابعاً: شرح ابن أبي الحديد لنهج البلاغة، لعز الدين أبي حامد عبد الحميد بن هبة الله المدائني الشهير بابن أبي الحديد المعتزلي الشيعي المتوفى سنة 656هـ، ط/ الأولى الميمنية 1326هـ وغيرها.
ثامناً: الرجال للحسن بن يوسف الحلى، المتوفى سنة 726هـ، طبعة طهران 1311هـ/ وطبعة النجف 1961م.
تاسعاً: روضات الجنات، لمحمد باقر الخوانساري المتوفى سنة 1315هـ، طبعة إيران 1307هـ.(31/194)
عاشراً: تنقيحُ المقال في أحوال الرجال للشيخ عبد الله المامقاني المتوفى سنة 1351هـ، طبعة النجف 1350هـ في المطبعة المرتضوية.
حادي عشر: قاموس الرجال لمحمد تقي التستري منشورات مركز نشر الكتاب طهران 1382هـ.
ثاني عشر: (روضة الصفا) تاريخ عند الشيعة معتمد بالفارسية (ج2/ص292)، طبعة إيران.
ثالث عشر: دائرة المعارف المسماة بمقتبس الأثر ومجدد ما دثر لمحمد حسين الأعلمي الحائري، ط/ 1388هـ/ 1968م في المطبعة العلمية بقم.
رابع عشر: الكنى والألقاب لعباس بن محمد رضا القمى، ت:1359هـ، ط/ العرفان صيدا.
هذا ما تيسر لنا من كتب القوم التي اطلعنا عليها، وهناك عدد كبير من كتبهم المخطوطة والمطبوعة فيها ذكر ابن سبأ والسبئية منها: (حلُّ الإشكال) لأحمد طاووس المتوفى سنة 673هـ.
و(الرجال) لابن داود المؤلف سنة 707هـ، و(التحرير الطاووسي) للحسن بن زين الدين العاملي، المتوفى سنة 1011هـ و(مجمع الرجال) للقهبائي المؤلف سنة 1016هـ، و(نقد الرجال) للتفرشي الذي ألفه سنة 1015هـ، و(جامع الرواة) للأردبيلي المؤلف سنة 1100هـ، و (موسوعة البحار) للمجلسي المتوفى سنة 1110هـ([11])، وابن شهر آشوب المتوفى سنة 588هـ([12])، وابن محمد طاهر العاملي (ت:1138هـ)([13]).
---------------
([1]) انظر: التشيع، ص (18).
([2]) انظر: المصدر السابق ص(18-19).
([3]) انظر: وعاظ السلاطين للدكتور علي الوردي، ص (274-278).
([4]) انظر: المصدر السابق، ص (151).
([5]) انظر: الصلة بين التصوف والتشيع، ص (41-45).
([6]) الأركان الأربعة هم: عمار بن ياسر، وحذيفة بن اليمان، وسلمان الفارسي، و جندب بن جنادة (أبو ذر) الغفار (فرق الشيعة) ص(36-37 و40) ط(1969م) الربعة.
([7]) انظر: بعض كتبهم مثلاً: رجال الطوسي، ص(46)، ص (51)، رجال الحلى، ص(469،255)، أحوال الرجال للكشي، وقاموس الرجال للتستري، وتنقيح المقال للمامقاني وغير ذلك.(31/195)
([8]) انظر: تاريخ الإمامية وأسلافهم من الشيعة، ص (92-100)، "(1975)، مؤسسة الأعلمي.
([9]) انظر: التشيع ظاهرة طبيعية، ص(20).
([10]) انظر: خلاصة تذهيب الكمال (1/220)، ط (1392)، (1972م) القاهرة، ورسالة الارجاء مخطوطة في دار الكتب الظاهرية في آخر كتاب الإيمان لمحمد بن يحيى العدني (243هـ)، مجموع(104)، وانظر: تاريخ التراث العربي (1/210)
([11]) انظر: بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ط(3) بيروت (25/286-287).
([12]) انظر: مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب (1/227ـ228)، ط/ النجف.
([13]) انظر: مقدمة مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار في تفسير القرآن، ص (62) وما بعدها، ط/مؤسسة مطبوعاتي إسماعيليان، إيران مم.
عقيدة ابن سبأ وضلالاته
بعد أن ذكرنا طائفةً من كتب الشيعةِ الموثّقة والمعتمد عندهم، نذكر أهم الأمور التي اعتقدها ابن سبأ وحمل أتباعه على الاعتقاد بها والدعوة إليها، وهكذا تسربتْ هذه الأفكارُ الضالةُ إلى فرق الشيعة؛ والسبب في استدلالنا في بيان معتقدِ هذا اليهودي من كتبهم ومن رواياتهم عن المعصومين عندهم:
لأنهم يقولون: "إن الاعتقاد بعصمةِ الأئمة جعل الأحاديث التي تصدر عنهم صحيحةٌ دون أن يشترطوا إيصال سندها إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما هو الحال عند أهل السنة([1]).
ويقولون أيضاً: (ولما كان الإمام معصوماً عند الإمامية فلا مجال للشك فيما يقول)([2]).
ويقول المامقاني: إن أحاديثنا كلها قطعية الصدور عن المعصوم([3]).
وكتاب المامقاني من أهم كتب الجرح والتعديل عندهم.
بعد هذه الأقوال التي تُلزم القوم بقبول الأخبار المروية في مصنفاتهم، نذكر أهم الضلالات التي نادى بها ابن سبأ وهي:
1- القول بالوصية: وهو أول من قال بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي، وأنه خليفته على أمته من بعده بالنص.
2- أول من أظهر البراءة من أعداء علي رضي الله عنه –بزعمه- وكاشفَ مخالفيه وحكم بكفرهم.(31/196)
والدليل على مقالته هذه ليس من تاريخ الطبري، ولا من طرق سيف بن عمر، بل ما رواه النوبختي والكشيّ والمامقاني والتستري، وغيرهم من مؤرخي الشيعة.
يقول النوبختي:"وحكى جماعةٌ من أهل العلم من أصحاب علي عليه السلام أن عبد الله بن سبأ كان يهودياً فأسلم ووالى علياً عليه السلام، وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون وصّى بعد موسى على نبينا وآله وعليهما السلام بالغلو. فقال في إسلامه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله في علي عليه السلام بمثل ذلك وهو أول من شهر القول بفرض إمامة علي عليه السلام وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه – يقول النوبختي- فمن هنا قال من خالف الشيعة إن أصل الرفض مأخوذ من اليهود"([4])، وفي هذا المقام نشير إلى أن فكرة الوصية التي اعتمد عليها ابن سبأ ذُكرتْ في التوراة في أصحاح (18) من سفر (تثنية الاشتراع) وفيه أنه لم يخلُ الزمان أبداً من نبي يخلفُ موسى ومن نوعه ولكل نبي خليفته إلى جانبه يعيشُ أثناء حياته.
ويقول النوبختي عند ذكره السبئية: أصحاب عبد الله بن سبأ وكان ممن أظهر الطعنَ على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم، وقال إن علياً عليه السلام أمره بذلك([5]).
2- كان أول من قال بألوهية وربوبية علي رضي الله عنه.
3- كان أول من ادعى النبوة من فِرق الشيعة الغُلاة.(31/197)
والدليل على ذلك ما رواه الكشي بسنده عن محمد بن قولويه القمي قال حدثني سعد بن عبد الله ابن أبي خلف القسي، قال حدثني محمد بن عثمان العبدي عن يونس بن عبد الرحمن عن عبد الله بن سنان، قال حدثني أبي عن أبي جعفر رضي الله عنه، أن عبد الله بن سبأ كان يدعي النبوة وزعم أن أمير المؤمنين رضي الله عنه، هو الله، -تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً- فبلغ ذلك أمير المؤمنين رضي الله عنه فدعاه وسأله فأقرّ بذلك، وقال: نعم أنت هو، وقد كان ألفى في روعي أنك أنت الله وأني نبيّ، فقال له أمير المؤمنين رضي الله عنه: ويلك قد سَخِرَ منك الشيطانُ فارجع عن هذا ثكلتك أمك وتُبْ، فأّبى فحبسه واستتابه ثلاثة أيام فلم يتب فأحرقه بالنار.
والصواب أنه نفاه إلى المدائن بعد أن شفع له على ما سنبينه في موقف الإمام منه، وقال –أي الإمام- أنّ الشيطان استهواه فكان يأتيه ويلقى في روعه ذلك([6]).
وروى الكشي بسنده أيضاً عن محمد بن قولويه قال: حدثني سعد بن عبد الله قال حدثني يعقوب بن يزيد ومحمد بن عيسى عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم قال: سمعت أبا عبد الله رضي الله عنه يقول وهو يحدث أصحابه بحديث عبد الله بن سبأ وما ادعى من الربوبية في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال: إنه لما ادعى ذلك استتابه أمير المؤمنين رضي الله عنه فأبى أن يتوب وأحرقه بالنار([7]).
5- كان ابن سبأ أول من أحدث القول برجعة علي رضي الله عنه إلى الدنيا بعد موته وبرجعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأول مكان أظهر فيه ابن سبأ مقالته هذه في مصر فكان يقول: العجبُ ممن يزعم أن عيسى يرجع ويكذّب برجوع محمد وقال الله عز وجل: ((إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ))، فمحمد أحق بالرجوع من عيسى فقيل ذلك عنه ووضع لهم الرجعة فتكلموا فيها([8]).(31/198)
فإن لم يرض القوم برواية ابن عساكر الثقة التي رواها في تاريخه وكذا غيره فاسمع ما قالته السبئية لمن أخبرهم بمقتل سيدنا علي رضي الله عنه ونعاه، قالوا له: "كذبت يا عدو الله لو جئتنا –والله- بدماغه ضربة فأقمت على قتله سبعين عدلاً ما صدّقناه ولعلمنا أنه لم يمت ولم يُقتل وأنه لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه ويملك الأرض.. الخ ([9]).
وهذا الخبر ذكره سعد بن عبد الله الأشعري القمي صاحب كتاب المقالات والفرق الذي هو موضع ثقة عند الشيعة، ونقل النوبختي في فرق الشيعة مقالة السبئية أيضاً وهي:"أن علياً لم يقتل ولم يمت ولا يقتل ولا يموت حتى يسوق العرب بعضاه ويملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملُئتْ ظلماً وجوراً"
بقي علينا في هذا المقام أن نعرف مفهوم عقيدة الرجعة عند الشيعة.
يقول محمد رضا المظفر: "إن الذي تذهب إليه الإمامية أخذاً بما جاء عن آل البيت عليهم السلام أن الله تعالى يُعيدُ قوماً من الأموات إلى الدنيا في صورهم التي كانوا عليها فيعزُّ فريقاً ويذلُّ فريقاً آخر، ويديلُ المحقين من المبطلين والمظلومين منهم من الظالمين، وذلك عند قيام مهدي آل محمد عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام، ولا يرجعُ إلا من علتْ درجته في الإيمان أو من بلغ من الفساد ثم يصيرون بعد ذلك إلى الموت، ومن بعده إلى النشور وما يستحقونه من الثواب أو العقاب كما حكى الله تعالى في قرآنه الكريم، تمنى هؤلاء المرتجعين الذين لم يصلحوا بالارتجاع فنالوا مقت الله أن يخرجوا ثالثاً لعلهم يصلحون: ((قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ))[غافر:11] ([10]).(31/199)
وروى القمي- وهو الثقة عندهم- بسنده إلى أبي عبد الله حيث فسر قوله تعالى: ((يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ)) [ق:42]بالرجعة، وقال صيحة القائم من السماء ذلك يوم الخروج قال هي: الرجعة ([11]).
واشترط الشيعة في الرجعة من محض الإيمان أو الكفر فيقول القمي: "حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن المفضل عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى: ((وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا)) [النمل:82] قال ليس أحد من المؤمنين قتل إلا يرجع حتى يموت ولا يرجع إلا من محض الإيمان محضاً ومن محض الكفر محضاً([12]).
والتفسير الصحيح لهذه الآية التي استدل بها المظفر ما روى عن ابن مسعود رضي الله عنه قوله: "هي مثل التي في البقرة ((وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ)) [البقرة:28] كانوا أمواتاً في أصلاب آبائهم ثم أخرجهم فأحياهم ثم يميتهم ثم يحييهم بعد الموت. أخرجه الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه([13]).
وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: كنتم أمواتاً قبل أن يخلقكم فهذه ميتة ثم أحياكم فهذه حياة، ثم يميتكم فترجعون إلى القبور فهذه ميتة أخرى ثم يبعثكم يوم القيامة فهذه حياة فهما ميتتان وحياتان فهو كقوله: ((كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)) [البقرة:28] ([14]).
6- ادعى ابن سبأ اليهودي أن علياً رضي الله عنه هو دابة الأرض وأنه هو الذي خلق الخلق وبسط الرزق.(31/200)
قال ابن عساكر: "روى الصادق عن آبائه الطاهرين عن جابر قال: لما بُويعَ علي رضي الله عنه خطب الناس فقام إليه عبد الله بن سبأ فقال له: أنت دابة الأرض فقال له: اتق الله، فقال له: أنت الملك. فقال اتق الله فقال: أنت خلقت الخلق وبسطت الرزق، فأمر بقتله فاجتمعت الرافضةُ فقالت: دَعْهُ وانْفِهِ إلى ساباط المدائن([15]).
فإن لم يرض القوم برواية الحافظ ابن عساكر نذكر بعض روايات كتبهم.. المعتمدة منها: ما رواه القمي في تفسيره الموثق عندهم، قال القمي: فأما قوله: ((وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً)) إلى قوله:((بآياتنا)) [النمل:82] فإنه حدثني أبي ابن أبي عمير عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أمير المؤمنين وهو نائم في المسجد قد جمع رملاً ووضع رأسه عليه فحركه برجله ثم قال له: قم يا دبة الله فقال: رجل من أصحابه: يا رسول الله أيسمى بعضنا بعضاً بهذا الاسم؟ فقال: لا والله ما هو إلا له خاصة وهو الدابة التي ذكر الله في كتابه ((وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآَيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ))[النمل:82]، ثم قال: يا علي إذا كان آخر الزمان أخرجك الله في أحسن صورة ومعك ميسم([16])، تسم به أعداءك، فقال رجل لأبي عبد الله عليه السلام: إن الناس يقولون هذه الدابة إنما تكلمهم؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام: كلمهم الله في نار جهنم إنما هو يكلمهم من الكلام ([17]).
ومنها ما رواه رواتهم الثقات عندهم عن علي رضي الله عنه أنه قال: "ولقد أعطيت الست علم المنايا والبلايا والوصايا وفصل الخطاب، وإني لصاحبُ الكرّات –أي الرجعات إلى الدنيا- ودولة الدول، وإني لصاحبُ العصا والميسم، والدابة التي تكلم الناس"([18]).(31/201)
وروى علي بن إبراهيم بن هاشم في تفسيره عن أبي عبد الله رضي الله عنه قال: قال رجل لعمار بن ياسر، يا أبا اليقظان آية في كتاب الله أفسدت قلبي، قال عمار: وأية آية هي، فقال: هذه الآية –أي: ((وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآَيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ)) [النمل:82].
فأية دابة الأرض هذه؟ قال عمار: والله ما أجلس ولا آكل ولا أشرب حتى أريكها، فجاء عمار مع الرجل إلى أمير المؤمنين رضي الله عنه وهو يأكل تمراً وزبداً فقال: يا أبا اليقظان هلم، فجلس عمار يأكل معه فتعجب الرجل منه فلما قام عمار قال الرجل: سبحانه الله حلفت أنك لا تأكل ولا تشرب حتى ترينيها، قال عمار: أريتكها إن كنت تعقل ([19]).
7- وقالت السبئية: إنهم لا يموتون وإنما يطيرون بعد مماتهم وسموا بـ(الطيارة) يقول ابن طاهر المقدسي: وأما السبئية فإنهم لهم الطيارة يزعمون أنهم لا يموتون وإنما موتهم طيران نفوسهم في الغلس([20]).
ولقد استخدم أئمة الجرح والتعديل من الشيعة هذه التسمية وهي من ألفاظهم في تجريح الرواة.
يقول الطوسي وهو أحد الأئمة الأثبات عند الشيعة في ترجمة نصر بن صباح يُكنى أبا القاسم من أهل بلخ – وبلخ في أفغانستان- لقي جلة من كان في عصره من المشايخ والعلماء، وروى عنهم إلا أنه قيل كان من (الطيارة) غالٍ([21]). ونصر بن الصباح هذا عده المامقاني من الأئمة الذين صنفوا في معرفة الرجال – أي عند الشيعة – وقال أي المامقاني في التعليقة: من تتبع الرجال يظهر عليه أن المشايخ قد أكثروا من النقل عنه على وجه الاعتماد وقد بلغ إلى حد لا مزيد عليه، وذكر له المامقاني كتاب معرفة الناقلين، وكتاب فرق الشيعة ([22]).(31/202)
8- وقال قوم من السبئية بانتقال روح القدس في الأئمة وقالوا: (بتناسخ الأرواح) يقول ابن طاهر المقدسي: ومن الطيارة (أي السبئية) قوم يزعمون أن روح القدس كانت في النبي كما كانت في عيسى ثم انتقلت إلى على ثم إلى الحسن ثم إلى الحسين ثم كذلك في الأئمة.
وعامة هؤلاء يقولون بالتناسخ والرجعة([23])، ولعل كتاب الحسن بن موسى النبوختي المسمي بـ(الرد على أصحاب التناسخ) صنفه النوبختي في الرد عليهم([24]).
9- وقالت: السبئية: هُدينا لوحي ضلّ عنه الناس وعلم خفي عنهم.
10- وقالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم تسعة أعشار الوحي، ولقد رد على مقالتهم هذه أحد أئمة أهل البيت وهو الحسن بن محمد بن الحنيفة في رسالته التي سماها بـ(الإرجاء) والتي رواها عنه الرجال الثقات عند الشيعة فيقول: ومن قول هذه السبئية هُدينا لوحي ضلّ عنه الناس، وعلمٍ خفي عنهم، وزعموا أن رسول اله صلى الله عليه وسلم وآله كتم تسعة أعشار الوحي. ولو كتم صلى الله عليه وآله شيئاً مما أنزل الله عليه لكتم شأن امرأة زيد، وقوله تعالى: ((تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ)) [تحريم:1]([25]). وقال الحافظ الجورجاني (ت 259هـ) عن أبن سبأ: زعم أن القرآن جزء من تسعة أجزاء وعلمه عند علي فنهاه علي بعدما همّ به ([26]).
11- وقالوا: إن علياً في السحاب، وإن الرعد صوته، والبرق سوطه، ومن سمع من هؤلاء صوت الرعد قال: عليك السلام يا أمير المؤمنين([27])، ولقد أشار إلى معتقدهم هذا إسحاق بن سويد العدوي في قصيدة له برئ فيها من الخوارج والروافض والقدرية، منها:
برئتُ من الخوارج لسْتُ منهم من الغزّال منهم ابن باب
ومن قومٍ إذا ذكروا علياً.. يُردُّون السّلام على السّحاب([28])(31/203)
وعقب الشيخ محي الدين عبد الحميد –رحمه الله- على هذا المعتقد بقوله: "ولا زلت أرى أطفال القاهرة يجرون وقت هطول الأمطار، ويصيحون في جريهم: (يا بركة على زودِ)([29])، أقول: ليس الأطفال فقط بل بعض الذين قال الله تعالى فيهم في آخر سورة الشعراء ((والشعراء يتبعهم الغاوون..)) منهم الشاعر محمد عبد المطلب في قصيدته العلوية التي ألقاها في سنة 1919هـ في الجامعة المصرية والتي – القصيدة – جاوزت الأربعمائة بيت:
أجَدّك ما النياق وما سرُاها تخوض بها المهامه والأكاما
وما قطرُ الدخان إذا استقلت بها النيران تضطرم اضطراما
فهب لي ذات أجنحة لعليّ بها ألقى على السُحاب الإماما([30])
وغير ذلك من المقالات والآراء الضالة.
------------
([1]) انظر: تاريخ الإمامية، ص (158).
([2]) المصدر السابق،ص (140).
([3]) انظر: تنقيح المقال (1/177).
([4]) انظر: فرق الشيعة للنوبختي، ص(44) ورجال الكشي (101) مؤسسة الأعلمي بكربلاء، وتنقيح المقال في أحوال الرجال للمامقاني، ط/ المرتضوية في النجف 1350هـ، ,قاموس الرجال (5/462).
([5]) انظر: فرق الشيعة، ص (44).
([6]) انظر: رجال الكشي، ص (98)، ط/ مؤسسة الأعلمي للمطبوعات كربلاء، وقاموس الرجال (5/461)، وتنقيح المقال في أحوال الرجال للمامقاني، ط/ المرتضوية في النجف (1350هـ) (2/183-184).
([7])انظر: المصادر السابقة، ص(99-100)، (2/183-184).
([8]) انظر: تاريخ دمشق مخطوط نسخة مصورة منه في معهد المخطوطات في جامعة الدول العربية رقم (602) تاريخ في ترجمة عبد الله بن سبأ، وكذا في تهذيب تاريخ دمشق لابن بدران (7/428)، وهذا النص في تاريخ الطبري أيضاً.
([9]) انظر: المقالات والفرق لسعد بن عبد الله الأشعري القمي، ت(301)، ص(31)،ط/ طهران (1963)، تحقيق الدكتور محمد جواد مشكور.
([10]) انظر: عقائد الإمامية لمحمد رضا المظفر، ط(2)، (1381هـ)، ص(67-68).
([11]) انظر: تفسير القمي (2/327).(31/204)
([12]) انظر: المرجع السابق (2/130/131).
([13]) انظر: الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي (5/347).
([14]) المرجع السابق.
([15]) انظر: تاريخ دمشق لابن عساكر مخطوط نسخة من مصورة في معهد المخطوطات في جامعة الدول العربية، رقم (602 تاريخ)، وتهذيب تاريخ دمشق (7/430).
([16]) الميسَم: المكواة أو الشيء الذي يُوسم به الدّواب. انظر: تهذيب اللغة (13/114)، والقاموس المحيط (4/188).
([17]) انظر: تفسير القمي (2/130/131).
([18]) انظر: بصائر الدرجات الكبرى لأبي جعفر محمد بن الحسن الصغار (ت290هـ) وهو من أصحاب الحسن العسكري (4/219-221)، وأصول الكافي، الأصول (1/198)، ط/ إيران، قال المجلسي في بحار الأنوار (26/142)، المنايا أي آجال الناس، والبلايا أي ما يمتحن الله به العباد من الأمراض والآفات، وفصل الخطاب =أي الخطاب الفاصل بين الحق والباطل وقال في (26/148)، وأنا صاحب الكرّات ودولة الدول: أي الحملات في الحروب والغلبة فيها أو المعنى أرجع إلى الدنيا مرات شتى وكانت غلبة الأنبياء على أعاديهم ونجاتهم من المهالك بسبب التوسل بنوري".
([19]) انظر: مجمع البيان في تفسير القرآن لأبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي من علماء الأمامية في القرآن السادس، (4/234)، العرفان صيدا (1355هـ/1937م)، وتفسير القمي (2/131).
([20]) انظر: البدء والتاريخ (5/129)، ط (1916م).
([21]) انظر: رجال الطوسي، ص (515).
([22]) انظر: مقياس الهداية ملحق تنقيح المقال للمامقاني، ص(121).
([23])انظر: البدء والتاريخ (5/129)، (1916).
([24]) انظر: مقدمة فرق الشيعة للنوبختي، (17) من الطبعة (1969م).
([25]) انظر: شرح ابن أبي الحديد (2/309)، الطبعة الميمنية (1326هـ).
([26]) انظر: ميزان الاعتدال (2/426).
([27]) انظر: الفرق بين الفرق، ص(234)، وذكر هذا المعتقد ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة (2/309).(31/205)
([28]) انظر: الفرق بين الفرق، ص (234)، والكامل في الأدب للمبرد (2/142).
([29]) انظر: مقالات الإسلاميين، ص (85).
([30]) انظر: في الأدب الحديث لعمر دسوقي (2/405)، (406)، والشاعر هو محمد بن عبد المطلب بن واصل، من جهينة ولد في باصونة (من قرى جرجا بمصر) وتعلم في الأزهر بالقاهرة وتخرج مدرساً ثم صار أستاذاً لأدب اللغة بقسم التخصص للأزهر، ومات القاهرة عام (1931م) وقد رثاه أكثر من ثلاثين شاعراً أو أديباً؟ انظر: الأعلام: (6/247).
موقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأهل بيته
قال علي رضي الله عنه: "سيهلك في صنفان محب مفْرط يذهب به الحب إلى غير الحق، ومبغض مفرط يذهب به البغض إلى غير الحق وخير الناس فِيَّ حالاً النمط الأوسط فألزموه السواد الأعظم فإن يد الله على الجماعة ([1]).
وهكذا شاء الله أن ينقسم الناس في علي رضي الله عنه إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: مبغض، وهؤلاء هم الذين تكلموا فيه بل غالى بعضهم فقالوا بكفره كالخوارج.
والقسم الثاني: أفرط في حبه وذهب به الإفراط إلى الغلو حتى جعلوه بمنزلة النبي بل ازدادوا في غيهم فقالوا بألوهيته:
وأما السواد الأعظم فهم أهل السنة والجماعة من السلف الصالح حتى الوقت الحاضر فهم الذين أحبوا علياً وآل بيته المحبة الشرعية، أحبوهم لمكانتهم من النبي صلى الله عليه وسلم.
ولقد جابه عليّ رضي الله عنه القسم الأول فقاتلهم بعد أن ناظرهم وأخباره معهم معروفة مسرودة في كتب التاريخ، ويزيد أن نرى موقفه هو وأهل بيته من ابن سبأ وأتباعه.(31/206)
لما أعلن ابن سبأ إسلامه وأخذ بظهر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويكسب قلوب فريق من الناس إليه أخذ يتقرب من علي بن أبي طالب ويظهر محبته له فلما اطمأن لذلك أخذ يكذب ويفتري على عليّ بن أبي طالب نفسه قال عامر الشعبي –وهو أحد كبار التابعين توفي 103هـ-: أول من كذب عبد الله بن سبأ وكان ابن السوداء يكذب على الله ورسوله وكان عليّ يقول مالي ولهذا الحميت الأسود (والحميت هو المتين من كل شيء)([2])، يعني ابن سبأ وكان يقع في أبي بكر وعمر([3]).
وروى ابن عساكر أيضاً أنه لما بلغ علي بن أبي طالب أن ابن السوداء ينتقص أبابكر وعمر دعا به، ودعا بالسيف وهمّ بقتله، فشفع فيه أناس فقال: والله لا يُساكنني في بلد أنا فيه، فسيره إلى المدائن ([4]).
وقال ابن عساكر أيضاً: روى الصادق –وهو أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق ولد سنة 83هـ في المدينة المنورة وتوفي فيها سنة 148هـ - وهو الإمام السادس المعصوم عند الشيعة، روى عن آبائه الطاهرين، عن جابر قال: لما بويع علي رضي الله عنه خطب الناس فقام إليه عبد الله بن سبأ فقال له أنت دابة الأرض([5])، فقال له: اتق الله، فقال له: أنت الملك، فقال: اتق الله، فقال له: أنت خلقت الخلق وبسطت الرزق، فأمر بقتله فاجتمعت الرافضة فقالت: دعه وانفِه إلى ساباط المدائن فإنك إن قتلته بالمدينة – يعني الكوفة – خرج أصحابه علينا وشيعته فنفاه إلى ساباط المدائن فثم القرامطة والرافضة، أي كانت بعد ذلك وبجهود ابن سبأ مركزاً يتجمعون فيه، قال: أي جابر – ثم قامت إليه طائفة وهم السبئية وكانوا أحد عشر رجلاً قال: ارجعوا فإني على ابن أبي طالب أبي مشهور وأمي مشهورة وأنا ابن عم محمد صلى الله عليه وسلم، فقالوا: لا نرجع دع داعيك، فأحرقهم في النار وقبورهم في صحراء أحد عشر مشهورة، فقال من بقى ممن لم يكشف رأسه منهم عليناً أنه إله، واحتجوا بقول ابن عباس لا يعذب بالنار إلا خالقها([6]).(31/207)
هذا موقف الإمام علي رضي الله عنه في ابن سبأ واتباعه، نفاه إلى المدائن وأحرق طائفة من اتباعه، ومن لم يقتنع الروايات والتي بعضها رواها أحد المعصومين عند القوم وأبى إلا المكابرة والعناد، نذكر له ما ورد في حرق هؤلاء في الروايات الصحيحة عند أهل السنة والجماعة وبعدها روايات القوم.
روى البخاري في صحيحه (في كتاب الجهاد، باب لا يعذب بعذاب الله) بسنده إلى عكرمة أن علياً رضي الله عنه حرق قوماً فبلغ ابن عباس فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تعذبوا بعذاب الله" ولقتلتهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من بدّل دينه فاقتلوه".
وروى البخاري (في صحيحه في كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم) بسنده إلى عكرمة نحوه وفيه قال: "أتى عليّ رضي الله عنه بزنادقة فأحرقهم"([7]).
ورواه كذلك أبو داود في سننه (في كتاب الحدود، باب الحكم فيمن ارتد) الحديث الأول بسنده إلى عكرمة بلفظ آخر وفي آخره فبلغ ذلك علياً فقال ويح ابن عباس، وروى كذلك النسائي في سننه([8]) نحوه.
ورواه الترمذي في الجامع (في كتاب الحدود، باب ما جاء في المرتد) وفي آخر، فبلغ ذلك علياً فقال: صدق ابن عباس: قال أبو عيسى، هذا حديث صحيح حسن، والعمل على هذا عند أهل العلم في المرتد([9]).
وروى البخاري أيضاً في صحيحه (في كتاب استتابه المرتدين والمعاندين وقتالهم) بسنده إلى عكرمة نحوه، وفيه قال أتى عليّ رضي الله عنه([10])، بزنادقة فأحرقهم.
وروى الطبراني في المعجم الأوسط من طريق سويد ابن غفلة "أن علياً بلغه أن قوماً ارتدوا عن الإسلام فبعث إليهم فأطعمهم ثم دعاهم إلى الإسلام فأبوا، فحفر حفيرة ثم أتى بهم فضرب أعناقهم ورماهم فيها ثم ألقى عليهم الخطب فأحرقهم ثم قال: صدق الله ورسوله"([11]).(31/208)
وفي الجزء الثالث من حديث أبي طاهر المخلص من طريق عبد الله بن شريك العامري عن أبيه قال: قيل لعلي إن هنا قوماً على باب المسجد يدعون أنك ربهم فدعاهم فقال لهم: ويلكم ما تقولون؟ قالوا: أنت ربنا وخالقنا ورازقنا، فقال: ويلكم إنما أنا عبد مثلكم آكل كما تأكلون وأشرب كما تشربون إن أطعت الله أثابني إن شاء الله وإن عصيته خشيته أن يعذبني فاتقوا الله وراجعوا فأبو، فلما كان الغد غدوا عليه فجاء قنبر فقال: قد والله رجعوا يقولون ذلك الكلام فقال: أدخلهم فقالوا كذلك فلما كان الثالث قال لئن قلتم ذلك لأقتلنّكم بأخبث قتلة فأبوا إلا ذلك فقال، يا قنبر ائتني بفعلة معهم مرورهم فخدَّ لهم أخدوداً بين باب المسجد والقصر وقال: احفروا فأبعدوا في الأرض وجاء بالحطب فطرحه بالنار في الأخدود وقال إني طارحكم فيها أو ترجعوا، فأبوا أن يرجعوا فقذف بهم حتى إذا احترقوا قال:
إني رأيت أمراً منكراً أو قدت ناري ودعوت قنبرا
وقال ابن حجر: هذا سند حسن ([12]).
إضافة إلى هذه الروايات، فقد روى الكليني في كتابه الكافي –الذي هو بمنزلة صحيح البخاري عند القوم، روى في كتاب الحدود في باب المرتد بسنده من طريقين عن أبي عبد الله أنه قال: أتى قوم أمير المؤمنين عليه السلام فقالوا: السلام عليك يا ربنا فاستتابهم فلم يتوبوا فحفر لهم حفيرة وأوقد فيها ناراً وحفر حفيرة أخرى إلى جانبها وأفضى ما بينهما فلما لم يتوبوا ألقاهم في الحفيرة وأوقد في الحفيرة الأخرى ناراً حتى ماتوا ([13]).(31/209)
ونقل المامقاني وهو فوق الثقة عند القوم بعض النصوص في ذم الغلاة ومنهم السبئية ما رواه محمد بن الحسن وعثمان بن حامد قالا حدثنا محمد بن يزداد عن محمد بن الحسين عن موسى بن بشار عن عبد الله بن شريك عن أبيه قال: بينا علي رضي الله عنه عند امرأته عن عترة وهي أم عمر إذ أتاه قنبر فقال: إن عشرة نفر بالباب يزعمون إنك ربهم فقال: أدخلهم قال فدخلوا عليه فقال ما تقولون. فقالوا: نقول إنك ربّنا وأنت الذي خلقتنا وأنت الذي رزقتنا فقال لهم، ويلكم لا تفعلوا إنما أنا مخلوق مثلكم، فأبوا فقال لهم: ويلكم ربي وربكم الله ويلكم توبوا وارجعوا، فقالوا: لا ن رجع عن مقالتنا أنت ربنا ترزقنا وأنت خلقتنا، فقال: قنبر؟ ائتني بالفعلة، فخرج قنبر فأتاه بعشرة رجال مع الزيل والمرور فأمرهم أن يحفروا لهم في الأرض فلما حفروا أخدوداً أمر بالحطب والنار فطرح فيه حتى صار ناراً تتوقد قال لهم: توبوا قالوا: لا نرجع فقذف عليّ بعضهم ثم قذف بقيتهم في النار قال عليّ:
إني إذا بصرت شيئاً منكراً أوقدت ناراً ودعوت قنبراً([14])
ويبدو أن علياً رضي الله عنه قد كرر عقابه لغير هؤلاء أيضاً، وهم الزط. فقد روى النسائي في سننه (المجتبى) عن أنس أن علياً أتي بناس من الزط يعبدون وثناً فأحرقهم، قال ابن عباس إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من بّل دينه فاقتلوه"([15]).
وأخرج ابن أبي شيبة من طريق قتادة (أن علياً أتى بناس من الزط يعبدون وثناً فأحرقهم" وحكم الحافظ ابن حجر هذا الحديث بالانقطاع ثم قال: فإن ثبت حُمل على قصة أخرى، فقد أخرج ابن أبي شيبة أيضاً من طريق أيوب عن النعمان أنه قال: شهدت علياً في الرحبة، فجاءه رجل فقال إن هنا أهل بيت لهم وثن في دار يعبدونه فقام يمشي إلى الدار فأخرجوا إليه بمثال رجل قال فألهب عليهم الدار"([16]).(31/210)
وروى الكشي في كتابه معرفة أخبار الرجال بعد ترجمة عبد الله بن سبأ تحت عنوان (في سبعين رجلاً من الزط الذين ادعوا الربوبية في أمير المؤمنين عليه السلام بسنده إلى أبي جعفر أنه قال: إن علياً عليه السلام لما فرغ من قتال أهل البصرة أتاه سبعون رجلاً من الزط فسلموا عليه وكلموه بلسانهم فرد عليهم بلسانهم، وقال لهم: إني لست كما قلتم أنا عبد الله مخلوق، قال فأبوا عليه وقالوا له أنت أنت هو فقال لهم: لئن لم ترجعوا عما قلتم فِيِّ وتتوبوا إلى الله تعالى لأقتلنكم. قال فأبوا أن يرجعوا أو يتوبوا. فأمر أن يحفر لهم آباراً فحُفرت ثم خرق بعضها إلى بعض ثم قذفهم فيها ثم طم رؤوسها ثم ألهم النار في بئر منها ليس فيها أحد فدخل الدخان عليهم فماتوا" وفي بحار الأنوار نقلاً عن مناقب آل أبي طالب فخدّ عليه السلام لهم أخاديد وأوقد ناراً فكان قنبر يحمل الرجل بعد الرجل على منكبه فيقذفه في النار ثم قال:
إني إذا أبصرت أمراً منكراً أوقدت ناراً ودعوت قنبراً
ثم احتفرت حفراً فحفراً وقنبر يحطم حطماً منكراً
وعقّب على هذا الخبر ابن شهر آشوب بقوله: "ثم أحيا ذلك رجل اسمه محمد بن نصير النميري البصري زعم أن الله تعالى لم يظهره إلا في هذا العصر وإنه عليّ وحده، فالشرذمة النصيرية ينتمون إليه: وهم قوم إباحية تركوا العبادات والشرعيات واستحلت المنهيّات والمحرّمات، ومن مقالهم أن اليهود على الحق ولسنا منهم، وإن النصارى على الحق ولسنا منهم"([17]).(31/211)
ومن المناسب ما دمنا نتكلم عن تحريق علي بن أبي طالب لأصحاب ابن سبأ والزنادقة أن نذكر حادثة أخرى ذكرها ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة يقول ابن أبي الحديد: "وروى أبو العباس أحمد بن عبيد بن عمار الثقفي عن محمد بن سليمان بن حبيب المصيصي المعروف بنوين: وروى أيضاً عن علي بن محمد النوفلي عن مشيخته (أن علياً عليه السلام مر بقوم وهم يأكلون في شهر رمضان نهاراً فقال أسفر أم مرضى قالوا: لا، ولا، واحدة منها، قال فمن أهل الكتاب أنتم فتعصمكم الذمة والجزية قالوا: لا، أنت أنت، يومئون إلى ربوبيته، فنزل عليه السلام عن فرسه فألصق خده بالأرض، وقال: ويلكم إنما أنا عبد من عبيد الله فاتقوا الله وارجعوا إلى الإسلام، فأبوا فدعاهم مراراً فأقاموا على كفرهم، فنهض إليهم وقال: شدوهم وثاقاً وعليّ بالفعلة والنار والحطب ثم أمر بحفر بئرين فحفرنا فجعل إحداهما سرباً والأخرى مكشوفة وألقى الحطب في المكشوفة وفتح بينهما فتحاً وألقى النار في الحطب فدخن عليهم وجعل يهتف بهم ويناشدهم ليرجعوا إلى الإسلام، فأبوا فأمرهم بالحطب والنار فألقى عليهم فأحرقوا فقال الشاعر:
لترم في المنية حيث شاءت إذا لم ترمني في الحفرتين
إذا ما حشنا حطباً بنار.. فذاك الموت نقداً غير دين
فلم يبرح عليه السلام حتى صاروا حمماً ([18]).
هذه هي الروايات التي وقفنا عليها في الأحاديث الصحيحة والحسنة والروايات التاريخية وكذلك من كتب القوم المتعلقة بالأصول والفقه والرجال والتاريخ التي تدل بكل وضوح على أن علياً رضي الله عنه قد حرق الزنادقة ومن اعتقد فيه الربوبية ومنهم أصحاب ابن سبأ الملعون.
أما هو فكما تذكر الروايات – سواء روايات أهل السنة الجماعة وروايات الشيعة – أن علياً رضي الله عنه اكتفى بنفيه إلى المدائن بعد أن شفع له الرافضة.(31/212)
قال النوبختي في كتابه الشيعة في ترجمة ابن سبأ: وكان ممن أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة، وتبرأ منهم وقال: إن علياً عليه السلام أمره بذلك، فأخذه على فسأله عن قوله هذا فأقر به، فأمر بقتله، فصاح الناس عليه يا أمير المؤمنين أتقتل رجلاً يدعو إلى حبكم أهل البيت وإلى ولايتك، والبراءة من أعدائك فصيره إلى المدائن([19]).
ابن سبأ يدعو في المدائن لدعوته
إن عبد الله بن سبأ وجد بعد نفيه مكاناً مناسباً لبث أفكاره وضلالاته بعد أن ابتعد من سيف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فأخذ ينظم أتباعه وينشر أفكاره بين جيش الإمام المرابط في المدائن، ولما جاءهم خبر استشهاد علي رضي الله عنه كذبه هو وأصحابه، ولنستمع للخبر كما يرويه الخطيب البغدادي بسنده إلى زحر بن قيس الجعفي الذي قال عنه علي رضي الله عنه: من سره أن ينظر إلى الشهيد الحي فلينظر إلى هذا – يقول زحر: بعثني عليّ على أربعمائة من أهل العراق وأمرنا أن ننزل المدائن رابطة قال فوالله إنا لجلوس عند غروب الشمس على الطريق إذ جاءنا رجل قد أعرق دابته قال فقلنا: من أين أقبلت؟ فقال من الكوفة فقلنا متى خرجت؟ قال: اليوم، قلنا فما الخبر؟ قال خرج أمير المؤمنين إلى الصلاة صلاة الفجر فابتدره ابن بجرة وابن ملجم فضربه أحدهما ضربة إن الرجل ليعيش مما هو أشد منها، ويموت مما هو أهون منها، قال ثم ذهب. فقال عبد الله بن وهب السبئي – ورفع يده إلى السماء-: الله أكبر، الله أكبر، قال: قلت له ما شأنك؟ قال: لو أخبرنا هذا أنه نظر إلى دماغه قد خرج عرفت أن أمير المؤمنين لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه.
وفي رواية الجاحظ في البيان والتبيين (لو جئتمونا بدماغه في مائة صرة لعلمنا أنه لا يموت حتى يذودكم بعصاه" ([20]).(31/213)
نعود لرواية الخطيب قال –أي زحر- فو الله ما مكثنا إلا تلك الليلة حتى جاءنا كتاب الحسن بن علي: من عبد الله حسن أمير المؤمنين إلى زحر بن قيس أما بعد: فخذ البيعة على من قبلك، قال: فقلنا أين ما قلت؟ قال: ما كنت أراه يموت" ([21]).
وقال الحسن بن موسى النوبختي: "ولما بلغ عبد الله بن سبأ نعي علي بالمدائن قال للذي نعاه: كذبت لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة وأقمت على قتله سبعين عدلاً لعلمنا أنه لم يمت ولم يقتل ولا يموت حتى يملك الأرض" ([22]).
رواية عبد الجبار الهمداني في موقف ابن سبأ
قال عبد الجبار الهمداني المعتزلي المتوفي سنة 415هـ عند كلامه عن موقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه من ابن سبأ والسبئية: "واستتابهم أمير المؤمنين فما تابوا فأحرقهم، وكانوا نفراً يسيراً، ونفى عبد الله بن سبأ عن الكوفة إلى المدائن، فلما قُتل أمير المؤمنين عليه السلام قيل لابن سبأ: قد قُتل ومات ودُفِن ما كنت تقول من مصيره إلى الشام؟ فقال: سمعته يقول: لا أموت حتى أركل برجلي من رحاب الكوفة فاستخرج منها السلام وأصير إلى دمشق فأهدهم مسجدها حجراً وأفعل وأفعل فلو جئتمونا بدماغه مسروداً لما صدقنا أنه قد مات، ولما افتضح بهت، وادعى على أمير المؤمنين ما لم يقله.
والشيعة الذين يقولون بقوله الآن بالكوفة كثير، وفي سوادها والعراق كله يقولون: أمير المؤمنين كان راضياً بقوله ويقول الذين حرقهم، وإنما أحرقهم لأنهم أظهروا السر، ثم أحياهم بعد ذلك قالوا: وإلا فقولوا لنا لمَ لم يحرق عبد الله بن سبأ؟ قلنا: عبد الله ما أقر عنده بما أقر أولئك، وإنما اتهمه فنفاه، ولو حرقه لما نفع ذلك معكم شيئاً، ولقلتم إنما حرقه لأنه أظهر السر" ([23]).
موقف أتباع عبد الله بن سبأ لما سمعوا بمقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
أما أتباع ابن سبأ فلم يكتفوا بالتكذيب بل ذهبوا إلى الكوفة معلنين ضلالات معلمهم وقائدهم ابن سبأ.(31/214)
فقد روى سعد بن عبد الله القمي صاحب المقالات والفرق وهو ثقة عند القوم "أن السبئية قالوا للذي نعاه: كذبت يا عدو الله لو جئتنا –والله- بدماغه ضربة فأقمت على قتله سبعين عدلاً ما صدقناك ولعلمنا أنه لم يمت ولم يُقتل وإنه لا يموت حتى يسوق العربَ بعصاه ويملك الأرض ثم مضوا من يومهم حتى أناخوا بباب عليّ فاستأذنوا عليه استئذان الواثق بحياته الطامع في الوصول إليه، فقال لهم من حضره من أهله وأصحابه وولده: سبحان الله، ما علمتم أن أمير المؤمنين قد استشهد؟ قالوا: إنا لنعلم أنه لم يُقتل ولا يموت حتى يسوق العرب بسيفه وسوطه كما قادهم بحجته وبرهانه، وإنه ليسمع النجوى ويعرف تحت الدثار الثقيل ويلمع في الظلام كما يلمع السيف الصقيل الحسام" ([24]).
وكان من هؤلاء رجل يقال له رشيد الهجري الذي صرح بمعتقده أمام عامر الشعبي، قال الشعبي: "دخلت عليه يوماً فقال: خرجت حاجاً فقلت: لأعهدن بأمير المؤمنين عهداً فأتيت بيت علي عليه السلام فقلت لإنسان: استأذن لي على أمير المؤمنين قال: أو ليس قد مات؟ قلت: قد مات فيكم والله إنه ليتنفس الآن تنفس الحي، فقال: أما إذ عرفت سر آل محمد فادخل، قال فدخلت على أمير المؤمنين وأنبأني بأشياء تكون، فقال له الشعبي: إن كنت كاذباً فلعنك الله، وبلغ الخبر زياداً –فبعث إلى رشيد الهجري فقطع لسانه وصلبه على باب دار عمرو بن حريث" ([25]).
ذكر الحافظ الذهبي هذا الخبر في تذكرة الحفاظ وفيه: فقلت: لإنسان استأذن لي على سيد المرسلين. فقال هو نائم، وهو يظن أني أعنى الحسن، فقلت: لست أعني الحسن إنما أعني أمير المؤمنين وإمام المتقين وقائد الغر المحجّلين. قال أو ليس قد مات؟ فقلت: أما والله إنه ليتنفس الآن بنفس حيّ ويعرف من الدثار الثقيل([26])؛ ولذلك كان عامر الشعبي يقول: ما كُذب على أحدٍ في هذه الأمة ما كذب على علي([27]). ورشيد هذا قال عنه ابن حبان: كان يؤمن بالرجعة([28]).(31/215)
وذكره الطوسي في ضمن أصحاب علي رضي الله عنه وسماه رشيد الهجري الرياش بن عدي الطائي([29]).
ويعتبر رشيد من أبواب الأئمة، كان باباً للحسين بن علي رضي الله عنهما([30]).
موقف أهل بيت النبي الكريم من ابن سبأ
وتصدى أهل بيت النبي الكريم لعبد الله بن سبأ كما تصدى له أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فكذّبوه وتبرؤوا من مقالاته وضلاله.
فقد روى الكشي بسنده عن محمد بن قولويه قال: حدثني سعد بن عبد الله قال: حدثنا يعقوب بن يزيد ومحمد بن عيسى عن علي بن مهزيار عن فضالة بن أيوب الأزدي عن أبان بن عثمان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول (لعن الله عبد الله بن سبأ إنه ادعى الربوبية في أمير المؤمنين وكان والله طائعاً، الويل لمن كذب علينا وإن قومنا يقولون فينا مالا نقول في أنفسنا نبرأ إلى الله منهم"([31]).
وروى الكشي بسنده أيضاً عن محمد بن قولويه قال: حدثني سعد بن عبد الله قال: حدثنا يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير وأحمد بن محمد بن عيسى عن أبيه والحسين بن سعد عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي حمزة الثمالي قال: قال علي بن الحسين رضي الله عنه: "لعن الله من كذب علينا إني ذكرت عبد الله بن سبأ فقامت كل شعرة في جسدي لقد ادعى أمراً عظيماً ماله لعنه الله كان عليّ عبداً لله صالحاً أخاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وما نال الكرامة من الله إلا بطاعته ولرسوله، وما نال رسول الله صلى الله عليه وسلم الكرامة إلا بطاعة الله" ([32]).(31/216)
وروى أيضاً الكشي بسنده عن محمد بن خالد الطيالسي عن ابن أبي نجران عن عبد الله بن سنان قال: قال: أبو عبد الله رضي الله عنه: "إنا أهل بيت صديقون لا نخلوا من كذاب يكذب علينا ويسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أصدق الناس لهجة وأصدق البرية كلها وكان مسيلمة يكذب عليه وكان أمير المؤمنين أصدق من برأ الله بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الذي يكذب عليه ويعمل في تكذيب صدقه ويفتري على الله الكذب عبد الله بن سبأ لعنه الله" ([33]).
هذه روايات الكشي عن أئمة أهل البيت.
ومن المعلوم أن كتاب الكشي المسمى بـ(معرفة الناقلين عن الأئمة الصادقين) عمد إليه إمام الشيعة الثقة الثبت عندهم (الطوسي) الذي يلقبونه بشيخ الطائفة المتوفى سنة 460هـ عمد إلى كتاب الكشي فهذبه وجرده من الزيادات والأغلاط وسماه بـ(اختيار الرجل) وأملاه على تلاميذه في المشهد في الغروي، وكان بدء إملائه يوم الثلاثاء 26 صفر سنة 456هـ نص على ذلك السيد رضى الدين علي بن طاووس في (فرج المهموم) نقلاً عن نسخة بخط الشيخ الطوسي المصرح فيها بأنها اختصار رجال كتاب الرجال لأبي عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي واختياره.
فالموجود في هذه الأزمنة من المخطوط منه والمطبوع سنة 1317هـ في بمبئي بل وفي زمان العلامة الحلى إنما هو اختيار الشيخ الطوسي لا رجال الكشي الأصل فإنه لم يوجد له أي أثر حتى اليوم([34]).
وبهذه النقول والنصوص الواضحة المنقولة من كتب القوم تتضح لنا حقيقة شخصية ابن سبأ اليهودي ومن طعن من الشيعة في ذلك فقد طعن في كتبهم التي نقلت لعنات الأئمة المعصومين عندهم على هذا اليهودي (ابن سبأ) ولا يجوز ولا يتصور أن تخرج اللعنات من المعصوم على مجهول، وكذلك لا يجوز في معتقد القوم تكذيب المعصوم.(31/217)
هذا ما تيسر لنا في إثبات هذه الشخصية، أما الكلام عن دوره في مقتل عثمان رضي الله عنه، ودوره في عهد علي رضي الله عنه، وأثره في فرق الشيعة، ورواة الأخبار فيحتاج إلى كتابة أخرى.
((رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)) ((رَبَّنَا آَمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ)).
------------
([1]) انظر: شرح نهج البلاغة (2/306).
([2]) انظر: القاموس المحيط (1/152)، ط(1952) القاهرة.
([3]) انظر: تاريخ دمشق المخطوطة المصورة في معهد المخطوطات رقم (602 تاريخ) في ترجمة عبد الله بن سبأ، وانظر: تهذيب تاريخ ابن عساكر (7/430).
([4]) انظر: المصدر السابق.
([5]) يشير إلى الآية الكريمة.
([6]) تاريخ دمشق لابن عساكر المخطوط، وانظر: تهذيب تاريخ ابن عساكر (7/430-431).
([7]) انظر: صحيح البخاري مع فتح الباري، ط/ السلفية (6/151).
([8]) انظر: سنن النسائي (المجتبى) (5/105)، الحكم في المرتد.
([9]) انظر: جامع الترمذي _(4/59)، مصطفى الحلبي (1395هـ/1975م).
([10]) انظر: صحيح البخاري مع فتح الباري، ط/السلفية (12/267)، وقال الحافظ بن حجر في النكت الظراف (5/108)، أخرجه ابن أبي شيبة عن عبد الرحيم بن سليمان عن عبد الرحمن بن عبيد عن أبيه قال: "كان الناس يأخذون العطاء والرزق مع الناس ويعبدون الأصنام في السر..." فذكر القصة، وأخرجها الحاكم في (تاريخ نيسابور) في ترجمة علي بن إبراهيم ف وجه آخر، وعقب الحافظ على قول النسائي في محمد بن بكر أحد الرواة بأنه ليس القوي قال ابن الحافظ) قد تابعه أبو قرة موسى بن طارق عن ابن جريج، وصححه ابن حبان من طريقه.
([11]) انظر: فتح الباري (12/271).
([12]) انظر: المصدر السابق.
([13]) انظر: الكافي للكليني (7/257-259).
([14]) انظر: مقياس الهداية، (3/89-90)، تنقيح المقال.(31/218)
([15]) انظر: سنن النسائي"المجتبى" (7/104)، الحكم في المرتد.
([16]) انظر: فتح الباري (12/270).
([17]) انظر: مناقب آل أبي طالب لابن شهر آثوب (1/227)، وبحار الأنوار (25/285).
([18]) انظر: شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد (2/308-309).
([19]) انظر: فرق الشيعة للنوبختي، ص(44) وقاموس الرجال (5/436).
([20]) انظر: البيان والتبيين للجاحظ (3/81)، ط(1968) القاهر.
([21]) انظر: تاريخ بغداد (8/488).
([22]) انظر: فرق الشيعة للنوبختي، ط/ النجف، ص(43)، وقاموس الرجال (5/463).
([23]) انظر: تثبيت دلائل النبوة (2/539-550).
([24]) انظر: المقالات والفرق لسعد بن عبد الله القمي (ت:301هـ)، ص(21)، ط/ طهران 1963م، تحقيق الدكتور محمد جواد مشكور.
([25]) انظر: المجروحين لابن البستى (1/298)، وانظر: ميزان الاعتدال (2/52).
([26]) انظر: تذكرة الحافظ (1/84)، ط/ أحياء التراث.
([27]) المرجع السابق. (1/82).
([28]) انظر: المجروحين (1/298)، وميزان الاعتدال (2/53).
([29]) انظر: رجال الطوسي (41).
([30]) انظر: العلويون فدائيوا الشيعة المجهولون لعلي عزيز العلوي، ص (31) الطبعة الأولى (1972م) والباب هو حلقة الوصل بين الشيعة والإمام.
([31]) انظر: رجال الكشي، ص(100) مؤسسة الأعلمي كربلاء، وتنقيح المقال في أحوال الرجال للمامقاني (2/183-184)، ط/ المرتضوية (1350هـ)، وقاموس الرجال (5/461).
([32]) المصادر السابق.
([33]) انظر: المصادر السابقة وقاموس الرجال (5/462).
([34]) انظر: رجال الطوسي، ص(62)، الأولى النجف (1381هـ/1961م).
====================
ماذا تعرف عن دين الشيعة؟
إن الحمد لله، نحمده و نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:(31/219)
فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أخي المطالع لهذا الموضوع! ينبغي أن تعرف أن الحديث هنا ليس عن الشيعة وإنما هو عن التشيع كمذهب ونحلة، وندعوك إلى الوقوف معنا بروح التجرد والإنصاف إلى هذا الموضوع.
الشيعة فيهم الجاهل وفيهم العالم، ولكن الموضوع أكبر من هذا بكثير، فنحن نريد أن نتكلم عن التشيع كتشيع، ولا نريد أن نتكلم عن الشيعة كأفراد، فموضوع الأفراد ليس هذا مجاله، وإنما المجال هو الكلام في التشيع ذاته لا في الأفراد الذين ينتمون إلى هذا المذهب أو هذا الدين أو هذه الملة، وإنما نتكلم -كما قلت- عن أصل هذا الدين أو أصل هذا التشيع.
الشيعة الإمامية: هم الذين يقولون بإمامة علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة بدون فصل، ويرون أن أبا بكر أغتصب الخلافة من علي، وأيضاً فعل ذلك عمر وعثمان.
*الصحابة عند الشيعة:
والصحابة عند الشيعة قسمين:
* القسم الأول: هم الذين أبا بكر وعمر وعثمان على تجنيهم على علي، وهؤلاء هم جل الصحابة.
* القسم الثاني: هم الذين لم يرضوا بهذا وخالفوا ذلك الأمر ورأوا أن أبا بكر وعمر وعثمان قد اغتصبوا الخلافة من علي وأن الخلافة لعلي، وهؤلاء قد اختلف الشيعة في أعدادهم أو أسمائهم ولكن أجمعوا على ثلاثة وهم: سلمان الفارسي رضي الله عنه، و المقداد بن الأسود رضي الله عنه، وأبو ذر الغفاري رضي الله عنه.
وقد جاءت روايات -كما سيأتي- أن الصحابة كلهم ذهبوا إلا ثلاثة هم: سلمان، والمقداد، وأبا ذر، وجاءت في بعض الروايات: ارتد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم إلا ثلاثة -وذكروا أولئك الثلاثة- ثم بعد ذلك يستثني عمار بن ياسر وبعض الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.(31/220)
فإذاً: الشيعة هم الذين يقولون بإمامة علي بن أبي طالب بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا فصل، ولكنهم بعد ذلك اختلفوا اختلافاً شديداً في الإمامة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعد أن اتفقوا على علي بن أبي طالب اختلفوا بعد علي وبعد الحسين وبعد جعفر اختلافاً شديداً، وكذلك بعد الحسن العسكري، والمشهور أيضاً أنهم تقريباً -بعد كل إمام يختلفون- ولكن أكبر هذه الخلافات التي وقعت بين الشيعة هي التي بعد علي مباشرة؛ لأن بعض الشيعة قالوا: إن علياً لم يمت و مازال باقياً رضي الله عنه، ولم يقولوا بإمامة الحسن بن علي بعد علي رضي الله عنه، ولكن جمهورهم ذهبوا إلى إمامة الحسن بعد علي بن أبي طالب وبعد الحسن واتفقوا على الحسين، وبعد الحسين اختلفوا أيضاً، وبعضهم قال بأن الإمامة انتهت عند الحسين، وبعضهم قال بإمامة محمد بن الحنفية، أي: وبعد على قالوا بإمامة محمد بن علي ثم بعد محمد قالوا بإمامة جعفر ولكن بعد جعفر اختلفوا فمنهم من قال بإمامة موسى وهم جمهور الشيعة، ومنهم من قال بإمامة إسماعيل بن جعفر وهم مجموعة من الشيعة الذين يسمون بالإسماعيلية، ومنهم من وقف في جعفر وقالوا: انتهت الإمامة عند جعفر وغير ذلك.
واختلفوا كذلك بعد الحسن العسكري: الذي هو الحسن بن علي الهادي اختلفوا في الإمامة بعده، فقال بعضهم: إن الإمامة وقفت عنده، وبعضهم قال بإمامة المنتظر الذي ادعوا أنه ولد الحسن العسكري، وبعضهم قال بإمامة أخيه جعفر؛ ولذلك يقول النوبختي وهو من علماء الشيعة يقول: (بعد الحسن اختلفت الشيعة على أربع عشرة فرقة)، هذا بعد الحسن فقط.(31/221)
وموضوع المنتظر عند الشيعة موجود في الكافي من ينكر ذلك، أي: ينكر وجود المنتظر، فهذا كتاب الكافي للشيعة أخذت منه هذه الرواية التي تقول: [[أن رجلاً من الأشعريين سأل أبا بكر فقال: فما خبر أخيه جعفر؟ -يقصدون جعفر أخا الحسن العسكري- فقال: ومن جعفر؟ تسأل عن خبره! أو يقرن بالحسن جعفر معلن الفسق، فاجر، ماجن، شريب للخمور، أقل من رأيته من الرجال، وأهتكه لنفسه، خفيف في نفسه، ولقد ورد على السلطان... إلى أن يقول: فلما اعتل الحسن بعث إلى أبي أن ابن الرضا قد اعتل فركض من ساعته فبادر إلى دار الخلافة، ثم رجع مستعجلاً ومعه خمسة من خدم أمير المؤمنين كلهم من ثقاته وخاصته فيهم تحرير، فأمر بلزوم دار الحسن وتعرف خبره وحاله، وبعث إلى نفر من المتطببين فأمره بالاختلاف إليه وتعهده صباحاً ومساءً... إلى قوله: وفتشوا الحجر وختم على جميع ما فيها، وطلبوا أثر ولده وجاءوا بنساء يعرفن الحمل، فدخلن إلى جواريه ينظرن إليهن، فذكر بعضهن أن هناك جارية بها حمل، فجعلت في حجرة، ووكل بها تحرير الخادم وأصحابه ونسوة معهم، ثم أخذوا بعد ذلك في تهيئته، وعطلت الأسواق، وركبت بنو هاشم والقواد وأبي وسائر الناس إلى جنازته، يقول: ثم غطي وجهه وأمر بحمله، فحمله من وسط داره ودفن فالبيت دفن فيه أبوه، فلما دفن أخذ السلطان والناس في طلب ولده وكثر التفتيش في المنازل والدور وتوقفوا عن قسمة ميراثه، ولم يعد يزل الذين وكلوا بخفض الجارية التي توهم عليها الحمل لازمين حتى تبين بطلان الحمل، فلما بطل الحمل عنهن قسم ميراثه بين أمه وأخيه جعفر]].
فهذا كتاب الكافي الذي هو الكتاب المعتمد عند الشيعة يقول لنا: إنه ليس هناك مهدي منتظر، أي: لم يولد للحسن أصلاً و لم يكن للحسن العسكري ولد؛ ولذلك قسم ميراث الحسن بين أمه وأخيه.
يقول النوبختي: (توفي الحسن بن علي سنة 260هـ ودفن في داره ولم ير له أثر ولم يعرف له ولد ظاهر).(31/222)
ويقول: (قسم ما ظهر من ميراثه أخوه جعفر وأمه وهي أم ولد، فافترق أصحابه بعده أربع عشرة فرقة) وقالت: الفرقة الثانية عشرة وهم الإمامية: لله حجة من ولد الحسن بن علي وهو وصي لأبيه. مع أنه فتش فلم يوجد له ولد. وهذا قاله النوبختي في كتاب فرق الشيعة صفحة (108).
*ومن معتقدات الشيعة المخالفة:
• ما هي معتقدات الشيعة التي خالفوا بها أهل السنة أو ما هي معتقدات الشيعة التي خالفوا بها المسلمين.
هذه المعتقدات كثيرة جداً ولعلي أذكر أهمها هنا:
المسألة الأولى: القول بالرجعة: والله تبارك وتعالى كذب القول بالرجعة في كتابه العزيز في ذكره حال الكافرين، (( قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ))[المؤمنون:99-100]، فالرجعة قد كذبها الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز، ولكن نجد أن الشيعة يقولون بالرجعة.
روى الكليني في الكافي عن علي رضي الله عنه أنه قال: [[ولقد أعطيت السنة علم المنايا، والبلايا، والوصايا، وفصل الخطاب، وإني لصاحب الكرات، ودولة الدول، وإني لصاحب العصا والميتمي والدابة التي تكلم الناس]]. هذا في الكافي الجزء الأول صفحة (198) قال محقق الكتاب علي أكبر الغفاري: (الكرات)، أي: الرجعات إلى الدنيا.
ولعلنا نذكر أسماء الأئمة كما يعتقد بهم الاثنا عشرية:
• علي بن أبي طالب.
• الحسن بن علي بن أبي طالب.
• الحسين بن علي بن أبي طالب.
• علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وهو الملقب بزين العابدين.
• محمد بن علي، وهو الملقب بالباقر.
• جعفر بن محمد، وهو الملقب بالصادق.
• موسى بن جعفر، وهو الملقب بالكاظم.
• علي، وهو الملقب بالرضا؛ علي الرضا.
• محمد، وهو محمد الجواد.
• علي، وهو علي الهادي.
• الحسن بن علي، وهو الملقب بالعسكري.(31/223)
• المنتظر، وله ألقاب كثيرة منها: الغائب، المنتظر، الخائف، وغيرها من الألقاب التي لقب بها.
وقبل أن أخوض في روايات الكليني في الكافي أود أن أنبه على أمر مهم جداً وهو: إن جميع هذه الروايات التي أذكرها هي كذب على هؤلاء الأئمة، فنحن ننزه علي بن أبي طالب والحسن، والحسين، وعلي بن الحسن، وجعفر، ومحمد، وموسى، وعلي، ومحمد الجواد، وكل هؤلاء ننزههم من هذه الأكاذيب، وندين الله بأن هذا كذب عليهم، وأنهم لم يقولوا مثل هذا الكلام، لكن القصد أن هذا هو الموجود في كتب الشيعة.
يروي الكليني في الكافي عن جعفر بن محمد –الذي هو الصادق– رضي الله عنه أنه قال: [[إن الله قال للملائكة: الزموا قبر الحسين حتى تروه قد خرج، فانصروه وابكوا عليه وعلى ما فاتكم من نصرته، فإنكم قد خصصتم بنصره والبكاء عليه، ثم يقول: فبكت الملائكة تعدياً وحزناً على ما فاتهم على نصرته، فإذا خرج يكونون من أنصاره (فإذا خرج) إذاً: سيعود إلى الدنيا مرة ثانية –فإذا خرج يكونون من أنصاره]] وذلك عند خروج المهدي المنتظر، فإنهم يروون أيضاً أنه إذا خرج المهدي المنتظر خرج معه جميع الأئمة السابقين. وهذه الرواية أخرجها الكليني في الكافي الجزء الأول صفحة (284).
هذا القول بالرجعة، فهذه مسألة عقائدية عظيمة جداً تخالف -كما ترون- كتاب الله تبارك وتعالى.
*اعتقاد الشيعة ردة جمهور الصحابة رضوان الله عليهم:
المسألة الثانية: القول بردة جمهور الصحابة.
روى الكليني في الكافي عن محمد بن علي -الذي هو الباقر- أنه قال: [[كان الناس أهل ردة بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة]]. وهذه في الروضة من الكافي صفحة (246).
وفيه أيضاً عن محمد بن علي رضي الله عنه أنه قال: [[المهاجرون والأنصار ذهبوا إلا ثلاثة]]. وهذه في الجزء الثاني صفحة (244).(31/224)
وروى الكليني في الكافي كذلك عن محمد بن جعفر أنه قال: [[ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: من ادعى إمامتنا من الله وليست له، ومن جحد إماماً من الله، ومن زعم أن لهما في الإسلام نصيب]] الضمير (لهما) يعود على أبي بكر وعمر، أي: ومن زعم أن لأبي بكر وعمر نصيب في الإسلام، فإن الله لا يكلمه ولا يزكيه وله عذاب أليم. وهذه الرواية في الكافي الجزء الأول صفحة (373).
المسألة الثالثة: القول بكفر الناس ما عدا الشيعة.
كل من عدا الشيعة فهو كافر، بل لم يتوقف الأمر على ذلك، بل كل من عدا الشيعة فهو كافر وولد زنا.
قال ابن بابويه رئيس المحدثين عندهم: (إن منكر الإمام الغائب أشد كفراً من إبليس) الذي ينكر الإمام الغائب أشد كفراً من إبليس. وهذا قاله في إكمال الدين. صفحة (13).
ويروي الكليني في الكافي عن محمد بن علي الباقر أنه قال: [[أن الناس كلهم أولاد بغايا ما خلا شيعتنا]]. وهذا في الروضة من الكافي. صفحة (239).
ويروي الكليني في الكافي عن الرضا أنه قال: [[ليس على ملة الإسلام غيرنا وغير شيعتنا]]. وهذا في الجزء الأول من الكافي (233).
ويروي الكليني في الكافي عن جعفر بن محمد الصادق أنه قال: [[إن الشيطان ليجيء حتى يقعد من المرأة كما يقعد الرجل منها ويحدث كما يحدث وينكح كما ينكح، فقال السائل: بأي شيء يعرف ذلك؟ بأي شيء نعرف بأن الشيطان نكح هذه المرأة أو الإنسان أي زوجها؟ قال: بحبنا وبغضنا، فمن أحبنا كان نطفة العبد، ومن أبغضنا كان نطفة الشيطان]]. وهذا ما قاله في الجزء الخامس من الكافي صفحة (502).(31/225)
وقال محدث الشيعة في زمنه نعمة الله الجزائري: [[إنا لا نجتمع معهم –أي: السنة- على إله ولا على نبي، ولا على إمام، وذلك لأنهم يقولون: إن ربهم الذي كان محمد نبيه وخليفته بعده أبو بكر. ونحن نقول: لا نقول بذلك الرب ولا بذلك النبي، بل نقول: إن الرب الذي خلق خليفة نبيه أبو بكر ليس ربنا ولا ذلك النبي نبينا]]. هذا قاله في الأنوار النعمانية في الجزء الثاني صفحة (278).
قال الحر العاملي: (السيد نعمة الله الجزائري فاضل، عالم، محقق، جليل القدر).
قال الخنساري: (كان من أعاظم علمائنا المتأخرين وأفاخم فضلائنا المتبحرين واحد عصره في العربية والأدب والفقه والحديث).
وهذه المقالة أيضاً قالها محمد التيجاني المعاصر قال: (الرب الذي يرضى أن يكون أبا بكر هو الخليفة بعد رسول الله ما نريد هذا الرب). وهذه قالها في محاضرة في لندن والشريط موجود.
*اعتقادهم بتحريف القرآن:
المسألة الرابعة: القول في تحريف القرآن.
الشيعة يقولون بتحريف القرآن الكريم أو نقول مذهب الشيعة يقول بتحريف القرآن، قال ابن حزم: ومن قول الإمامية كلها قديماً وحديثاً أن القرآن مبدل زيد فيه ما ليس منه، ونقص منه كثير، وبدل منه كثير، حاشا علي بن الحسين بن موسى (الشريف المرتضى) فهو الوحيد الذي لم يثبت عنه القول بتحريف القرآن. والأمر كما قال ابن حزم.
قال نعمة الله الجزائري -الذي ترجمنا له قريباً-: (الأخبار مستفيضة بل متواترة والتي تدل بصريحها على وقوع التحريف في القرآن كلاماً ومادة وإعراباً). قال هذا الكلام في الأنوار النعمانية الجزء الثاني صفحة (357).
وذهب إلى هذا القول الحر العاملي، ولا بأس أن نترجم له، فقد قال عنه الخنساري عن الحر العاملي: (كان من أعاظم فقهائنا المتأخرين وأفاخم نبلائنا المتبحرين).
وقال النوري: (العالم الفاضل المدقق، أفقه المحدثين، وأكمل الربانيين).(31/226)
يقول العاملي: (اعلم أن الحق الذي لا محيص عنه بحسب الأخبار المتوافرة الآتية وغيرها أن هذا القرآن الذي في أيدينا قد وقع فيه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء من التغيرات، وأسقط الذين جمعوه بعده كثيراً من الكلمات والآيات، ولقد قال بهذا القول القمي والكليني، ووافق جماعة من أصحابنا المفسرين كالعياشي والنعماني وخراش وغيرهم وهو مذهب أكثر محققي محدثي المتأخرين، وقول الشيخ الأجل أحمد بن أبي طالب الطبرسي كما ينادي في كتابه الاحتجاج , وقد نصره شيخنا العلامة باقر علوم أهل البيت في كتابه (بحار الأنوار) وعندي –مازال الكلام للحر العاملي– في وضوح صحة هذا القول بعد تتبع الأخبار وتفحص الآثار بحيث يمكن الحكم بكونه من ضروريات مذهب التشيع). وهذا في مرآة الأنوار المقدمة الثانية صفحة (36).
ومعنى هذا: أن القول بتحريف القرآن عند الحر العاملي من ضروريات مذهب التشيع.
وقال يوسف البحراني: (لا يخص ما في هذه الأخبار من الدلالة الصريحة والمقالة الفصيحة على ما اخترناه ووضوح ما قلناه، ولو تطرق الطعن إلى هذه الروايات على كثرتها وانتشارها لأمكن الطعن إلى أخبار الشريعة كاملاً كما لا تخفي -يقصد روايات التحريف- إذ الأصول واحدة، وكذا الطرق والرواة والمشايخ والنقلة، لعمري إذ القول بعدم التغيير والتبديل لا يخرج عن حسن الظن في الأمانة الكبرى، مع ظهور خيانتهم في الأمانة الأخرى -يقصد إمامة علي بن أبي طالب- التي هي أشد ضرراً على الدين) في الدرر النجفية صفحة (294).(31/227)
وقال عدنان البحراني: (الأخبار التي لا تحصى كثيرة، وقد تجاوزت حد التواتر، وليس في نقلها فائدة بعد شيوع القول بالتحريف والتغيير بين الفريقين –يقصد: السنة والشيعة- وكونه من المسلمات عند الصحابة والتابعين، بل وإجماع الفرقة المحقة -يقصد: إجماع الشيعة على أن القرآن محرف– يقول: وإجماع الفرقة المحقة وكونه من ضروريات مذهبهم وبه تظافرت أخبارهم). هذا في شموس الدرية صفحة (126).
وقال علي بن أحمد الكوفي: (وقد أجمع أهل النقل والآثار من الخاص والعام أن هذا الذي في أيدي الناس من القرآن ليس هذا القرآن كله). هذا قاله النوري الطبرسي في كتابه فصل الخطاب صفحة (27).
وقال الشيخ بحي مشهور تلميذ الكركي: (مع إجماع أهل القبلة من الخاص والعام أن هذا القرآن الذي في أيدي الناس ليس هو القرآن كله). فصل الخطاب صفحة (32).
وقال النوري الطبرسي صاحب كتاب فصل الخطاب: (من الأدلة على تحريف القرآن: فصاحته في بعض الفقرات البالغة). يقصد الفصاحة أنها بالغة وعظيمة جداً وتصل حد الإعجاز، وسخافة بعضها الآخر، أي: سخافة بعض الآيات.
وهذا النوري الطبرسي يقول في بداية كتابه المسمى: "فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب": (هذا كتاب لطيف وسفر شريف ويسمى.. بفصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب).
وقد ذكر كلاماً كثيراً في هذا الكتاب يدعي فيه التحريف في هذا الكتاب، وقد نقلت لكم بعضها:(31/228)
أولاً: نقل سورة الولاية المدعاة التي يدعي الشيعة أن الصحابة حذفوا هذه السورة من كتاب الله تبارك وتعالى وهي سورة الولاية، وقد ذكرها النوري الطبرسي في كتابه والسورة تقول: ((يأيها الذين آمنوا آمنوا بالنورين أنزلناهما يتلوانِ عليكم آياتي ويحذرانكم عذاب يوم عظيم، نوراً في بعضهما من بعض وأنا السميع العليم، إن الذين يوفون بعهد الله ورسوله في آيات لهم جنات النعيم، والذين كفروا من بعد ما آمنوا بنقضهم ميثاقهم وما عاهدهم الرسول عليه يقذفون في الجحيم، ظلموا أنفسهم وعصوا وصية الرسول، أولئك يسقون من حميم))... إلى قوله: ((يأيها الرسول بلغ إنذاري فسوف يعلمون، قد خسر الذين كانوا عن آياتي وحكمي معرضون، مثل الذين يوفون بعهدي إني جزيتهم جنات النعيم، إن الله لذو مغفرة وأجر عظيم، وإن علياً من المتقين، وإنا لنوفينه حقه يوم الدين، ما نحن عن ظلمه بغافلين، وكرمناه على أهلك أجمعين، فإنه وذريته لصابرون، وإن عدوهم إمام المجرمين، قل للذين كفروا بعدما آمنوا لطلبتم زينة الحياة الدنيا واستعجلتم بها ونسيتم ما وعدكم الله ورسوله ونقضتم العهود من بعد توكيدها، قد ضربنا لكم الأمثال لعلكم تهتدون)) إلى آخر هذه الترهات التي يدعون أنها سورة نزلت من عند الله تبارك وتعالى ولكن حذفها أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهذه ذكرها -أبو شهر آشوب وهو من علماء الشيعة وكذلك النور الطبرسي- وغيرهم.(31/229)
هذه آية الكرسي عند النوري الطبرسي لا كما هي في كتاب الله تبارك وتعالى، يقول: هي هكذا، قرأ أبو الحسن عليه السلام: ((له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى، عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم، من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه إلى...) إلى آخره، ويذكرها كذلك مرة ثانية ويقول: ((الله لا إله إلا هو لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى، عالم الغيب والشهادة فلا يظهر على غيبه أحداً من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم)) إلى قوله: ((هم فيها خالدون)).
وكذلك يقول: قرأها على أبي عبد الله عليه السلام: (( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ))[آل عمران:110]، فقال أبو عبد الله جعفر الصادق رضي الله عنه: [[خير أمة؟! يقتلون أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام؟! فقال: كيف أقرؤها إذاً؟ قال: ((كنتم خير أئمة)) ]]".
وكذلك هذه سورة الانشراح يقول: [[إنما نزلت عن أبي عبد الله عليه السلام: [[(( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ))[الشرح:5-6] يقول هكذا نزلت: ((ألم نشرح لك صدرك، ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك، ورفعنا لك ذكرك بعلي صهرك)) ]].
هذه بعض صور التحريفات، وهناك فهرس كامل، في كل سورة من سور القرآن من البقرة إلى سورة الإخلاص، وكل سورة ذكر صاحب هذا الكتاب النوري الطبرسي ما فيها من التحريف.
بقي أن نعرف من هو نوري الطبرسي الذي يقول بتحريف القرآن، أو ألف هذا الكتاب في إثبات تحريف القرآن كما يدعي؟
قال عباس القمي صاحب كتاب الكنى والألقاب: (وقد يطلق الطبرسي على شيخنا الأجل ثقة الإسلام الحاج ميرزا حسين بن العلامة محمد تقي النور الطبرسي صاحب مستدرك الوسائل، هو نفسه شيخ الإسلام والمسلمين، مروج علوم الأنبياء والمرسلين، الثقة الجليل والعالم الكامل).(31/230)
وقال آغابرزك الطهراني في ترجمة النور الطبرسي: (إمام أئمة الحديث والرجال في عصره وفي الأعصار المتأخرة، ومن أعاظم علماء الشيعة وكبار رجال الإسلام في هذا القرن).
هذا الذي يؤلف كتاباً ويسميه: فصل الخطاب في إثبات تحريف الكتاب، هكذا يذكرونه ويثنون عليه!
*طعن الشيعة في عرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
المسألة الخامسة: الطعن في عرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد يستغرب البعض كيف يطعنون في عرض النبي صلى الله عليه وسلم.
يروون عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أنه قال: [[سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وليس له خادم غيري، وكان له لحاف ليس له لحاف غيره، ومعه عائشة، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينام بيني وبين عائشة وليس علينا ثلاثتنا لحاف غيره –لحاف واحد والرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالوسط وعن يمينه علي وعن يساره عائشة- يقول: فإذا قام لصلاة الليل يحط بيده اللحاف من وسطه بيني وبين عائشة حتى يمس اللحاف الفراش الذي تحتنا]] أي: النبي يقوم ويترك علياً وعائشة في فراش واحد وفي لحاف واحد! وهذا في بحار الأنوار الجزء رقم (40) صفحة رقم (2).
ويروون في الكافي أنه إذا وجد رجلاً مع امرأة في لحاف واحد جلدا حد الزنا، ثم يروون عن علي وعائشة أنهما كانا في فراش واحد وفي لحاف واحد وتحت نظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
*القول بالبداءة على الله:
القول بالبداء: أيضاً من الأشياء الخطيرة في معتقد الشيعة، القول بالبداء، والبداء هو أن يبدو لله تعالى شيء لم يكن عالماً به من قبل، وهذه من عقائد اليهود كما تعلمون وكما سيأتي.
قال السيد الطوسي في تعليقه على تفسير القمي: (وقال شيخنا الطوسي في العدة: وأما البداء فحقيقته في اللغة: الظهور، كما يقال: بدا لنا سور المدينة، وقد يستعمل في العلم بشيء بعد أن لم يكن حاصلاً). وهذا في تفسير القمي في الجزء الأول صفحة (39).(31/231)
وروى الكليني في الكافي عن زرارة عن جعفر بن محمد -الذي هو الصادق- أنه قال: [[ما عُبد الله بشيء مثل البداء]]، وستأتي الزيادة -إن شاء الله- في موضوع البداء. وهذه الرواية في الكافي الجزء الأول صفحة (146).
*عقيدة الشيعة في الأئمة الاثني عشر:
لا شك أن الشيعة غلوا في أئمتهم غلواً شديداً حتى رووا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أنه قال: [[والله لقد كنت مع إبراهيم في النار، وأنا الذي جعلتها برداً وسلاماً، وكنت مع نوح في السفينة وأنجيته من الغرق، وكنت مع موسى فعلمته التوراة، وكنت مع عيسى فأنطقته في المهد وعلمته الإنجيل، وكنت مع يوسف في الجب فأنجيته من كيد إخوته، وكنت مع سليمان على البساط وسخرت له الريح]]. هذه في الأنوار النعمانية الجزء الأول صفحة (31) والأنوار النعمانية من الكتب المعتمدة عند الشيعة.
وروى الكليني في الكافي عن جعفر بن محمد أنه قال: [[عندنا علم ما كان وما هو كائن إلى أن تقوم الساعة]]. وهذا في الجزء الأول صفحة (239).(31/232)
ويقول الكليني أيضاً: عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن عبد الله بن الحجال عن أحمد بن عمر الحلبي عن أبي بصير قال: [[دخلت على أبي عبد الله فقلت له: جعلت فداك، إني أسألك عن مسألة، هاهنا أحد يسمع كلامي؟ قال: فرفع أبو عبد الله -يعنون جعفر الصادق رضي الله عنه- ستراً بينه وبين بيت آخر فاطلع فيه، ثم قال: يا أبا محمد! سل عما بدا لك، قال: قلت: جعلت فداك، إن شيعتك يتحدثون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علم علياً عليه السلام باباً يفتح له منه ألف باب. قال: قلت هذا والله العلم، قال: فنكس ساعةً في الأرض ثم قال: إنه لعلم وما هو بذاك، ثم قال: يا أبا محمد! وإن عندنا الجامعة وما يدريهم ما الجامعة؟! قال: قلت: جعلت فداك، وما الجامعة؟ قال: صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإملائه، من فلق فيه، وخط على يمينه فيها كل حلال وحرام وكل شيء يحتاج الناس إليه حتى الأرشة في الخدش، وضرب بيده إلي وقال: تأذن لي يا أبا محمد، قال: قلت: جعلت فداك، إنما أنا لك فاصنع ما شئت، قال: فغمزني بيده -أي ضربه هكذا بيده- وقال: إرش هذا -يقصد العقوبة المقدرة عليه- موجود، قلت: هذا والله العلم قال: إنه لعلم وليس بذاك، ثم سكت ساعة، ثم قال: وإنا عندنا الجسر وما يدريهم ما الجسر؟ قال: قلت: وما الجسر؟ قال: وعاء من أدم، فيه علم النبيين والوصيين وعلم العلماء الذين مضوا من بني إسرائيل، قال: قلت: إن هذا لهو العلم، قال: إنه لعلم وليس بذاك، ثم سكت ساعة ثم قال: وإن عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام، وما يدريهم ما مصحف فاطمة، قال: قلت: وما مصحف فاطمة؟ قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله وما هو بذاك. قال: قلت: هذا والله العلم، قال: إنه لعلم وما هو بذاك، ثم سكت ساعة ثم قال: إنا عندنا علم والله العلم، قال: إنه لعلم وليس بذاك، قال قلت: جعلت فداك فأي العلم قال: ما يحدث بالليل والنهار، الأمر من بعد(31/233)
الأمر، والشيء من بعد الشيء إلى يوم القيامة]]. وهذا في الكافي الجزء الأول صفحة (239).
أما قوله: ثلاثة أضعاف مصحفكم، فقد جاء في روايات أخرى أن عدد آياته سبعة عشر ألف آية، وكلنا يعلم أن عدد آيات القرآن ستة آلاف وقليل، ولو ضربنا في ثلاثة لكان العدد كما ذكرت.
وروى الكليني أيضاً في الكافي عن أبي بصير أنه سأل جعفر بن محمد –أي الصادق-: [[أنتم تقدرون على أن تحيوا الموتى وتبرءوا العمى والأبرص؟ قال: نعم]]. وهذا في الكافي الجزء الأول صفحة (470).
وهذا كتاب "الدين بين السائل والمجيب" لسماحة المرجع المعظم الإمام المصلح الحاج ميرزا حسن الحارثي -طبع في الكويت- يقول بعد أن سئل السؤال التالي: (لما مرض النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرضه الذي توفي فيه أوصى إلى أخيه وابن عمه أمير المؤمنين علي عليه السلام: (إذا فاضت نفسي المقدسة بيدك فامسح بها وجهك، وإذا مت غسلني وكفني واعلم أن أول من يصلي علي الجبار جل جلاله، ثم أهل بيتي، ثم الملائكة، ثم الأمثل فالأمثل من أمتي) يقول السائل: فما معنى إفاضة النفس وتناولها بيد علي عليه السلام ومسحها بوجهه؟ ثم ما كيفية صلاة الجبار؟
فأجاب: النفس هنا معناها: الروح، يعني: خروج روحي من جسدي، فتبرك بها فامسح بها وجهك؛ ولأن روحه الزكية أفضل روح وأشرف روح بين الأرواح فهي مباركة طيبة هذا إذا كانت روحه البشرية، وأما إذا كانت النفس اللاهوتية -الرسول له نفس لاهوتية كقول النصارى عن عيسى عليه السلام- فهي التي تنتقل من معصوم إلى معصوم بعد وفاة كل منهم، وهي الملك المسدد الذي جاء في أخيارنا) وفي بعض الروايات: تتجسم كزبدة على شفتي الإمام عند وفاته فيتناولها الإمام من بعده بفمه فيأكلها وهي النفس لاهوتية. هكذا يقولون أو هذه عقيدة الشيعة في أئمتهم الاثني عشر.
*استحلال دماء وأموال أهل السنة:(31/234)
دماء أهل السنة وأموالهم حلال على الشيعة، ولكنهم ينتظرون الفرصة المناسبة، وخير مثال على ذلك ما قرأتموه في كتب التاريخ عن نصير الطوسي وكذلك ابن العلقمي وغيرهما.
فعن داود بن فرقد قال: قلت: لأبي عبد الله عليه السلام: [[ما تقول في قتل الناصب؟ قال: حلال الدم، ولكني أتقي عليك، فإن قدرت أن تقلب عليه حائطاً أو تغرقه في ماء لكي لا يشهد به عليك فافعل، قلت: فما ترى في ماله؟ قال: توه ما قدرت عليه]]. علل الشرائع، وفي الأنوار النعمانية الجزء الثاني صفحة (308).
والناصب كل من لم يكن شيعياً، فأنا وأنت وكل سني ناصبي عندهم، قال الشيخ حسين بن الشيخ آل عصفور الزراري البحراني في كتابه المحاكم النفسانية في أجوبة المسائل الخرسانية: (بل أخبارهم عليهم السلام تنادي بأن الناصب هو ما يقال له عندهم سنياً شاء أم أبى) وهذا في المحاكم النفسانية صفحة (147). ولذلك إمام النواصب: عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
ويروي الطوسي عن ابن عبد الله جعفر أنه قال: [[خذ مال الناصب حيث وجدته وادفع إلينا الخمس]]. في تهذيب الأحكام الجزء الرابع صفحة (122).
وقال الخميني: (والأقوى إلحاق الناصب بأهل الحرب في إباحة ما اغتنمنا منه وتعلق الخمس به) طبعاً قوله: (من أهل الحرب) معناها: ليست إباحة ماله فقط بل أيضاً النفس، ولكن ما ذكرها هنا، بل الظاهر جواز أخذ ماله أين وجد وبأي نحو كان، ووجوب إخراج الخمس. هذا ما قاله في تحرير الوسيلة، الجزء الأول: صفحة (352).
وروى الكليني عن جعفر بن محمد أنه قال: [[قال أبي -أي: محمد الباقر- أما ترضون أن تصلوا ويصلوا؛ فيقبل منكم ولا يقبل منهم؟ أما ترضون أن تزكوا ويزكوا، فيقبل منكم ولا يقبل منهم؟ أما ترضون أن تحجوا ويحجوا؛ فيقبل الله جل ذكره منكم ولا يقبل منهم؟ والله ما تقبل الصلاة إلا منكم، ولا الزكاة إلا منكم، ولا الحج إلا منكم، فاتقوا الله عز وجل فإنكم في هدنة]].(31/235)
فهم يرون الأمر هدنة فقط، فمتى انتهت هذه الهدنة انتهى كل شيء. وهذا قاله في الروضة من الكافي صفحة (198).
وروى المجلسي عن عبد الله جعفر بن محمد أنه سئل عن المنتظر: إذا خرج فما يكون من أهل الذمة عنده؟ -أي: اليهود والنصارى- قال: [[يسالمهم كما سالمهم رسول الله صلى الله عليه وآله، ويؤدون الجزية عن يد وهم صاغرون، قلت: فمن نصب لكم عداوة؟ فقال: لا يا أبا محمد ما لمن خالفنا في دولتنا من نصيب، إن الله قد أحل لنا دماءهم عند قيام قائمنا، فاليوم محرم علينا وعليكم ذلك فلا يغرنك أحد، إذا قام قائمنا انتقم لله ولرسوله ولنا أجمعين]]. وهذا في بحار الأنوار الجزء (48) صفحة (376).
وروى المجلسي أيضاً عن جعفر بن محمد أنه قال: [[ما بقي بيننا وبين العرب إلا الذبح، وأومأ بيده إلى حلقه]]. وهذا في بحار الأنوار جزء (52) صفحة (349).
هذه المعتقدات التي نجدها في كتب الشيعة كما نقلت لكم الآن من أين جاءت؟ الذي أدين الله تبارك وتعالى به أن هذه المعتقدات أو الدين أو المذهب الذي هو للشيعة هو مذهب دين ملفق أخذ شيئاً كثيراً من دين المسلمين وأخذ شيئاً من دين اليهود، وشيئاً من دين النصارى، وشيئاً من دين المجوس، وشيئاً من دين الهندوس والبوذيين وغيرهم، كما سيأتي الآن في بيان جذور معتقدات التشيع أو الشيعة.
*جذور معتقدات الشيعة:
أولاً: التحريف:
كلكم يعلم أن الله تبارك وتعالى قد ذكر في كتابه أن اليهود والنصارى حرفوا التوراة والإنجيل (( يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ))[المائدة:41]، والشيعة كما مر أيضاً أنهم ينقلون الإجماع على أن القرآن محرف، فمن أين أخذوا التحريف؟ من اليهود والنصارى.
ثانياً: عقيدة الطعن في الأنبياء:(31/236)
الكل يعلم أن اليهود يطعنون في أنبياء الله تبارك وتعالى، ونذكر لكم قصة، في التوراة: قالت اليهود: إن داود عليه السلام رأى امرأة تستحم وكانت جميلة جداً، وسئل عن المرأة فقيل: إنها امرأة أوريا -اسم زوجها أوريا- فأرسل داود عليه السلام زوجها إلى الحرب وقال: اجعلوه في وجه الحرب الشديدة، وارجعوا من ورائه فيضرب ويموت، ففعلوا فتزوج داود امرأته. هذا في صاموئيل الثاني صفحة (11).
والطعن في الأنبياء عند الشيعة: روى الكليني في الكافي :(أن نبي الله إسماعيل عليه السلام نظر إلى امرأة من حمير أعجبه جمالها، فسأل الله أن يزوجها إياه وكان لها بعل -امرأة متزوجة يتمنى أن يتزوجها- يقول: فقص الله على بعلها بالموت ثم تزوجت إسماعيل). وهذا في الكافي الجزء الثاني صفحة (311).
ثالثاً: عقيدة البداء:
قالت اليهود: وكان كلام الرب إلى صاموئيل قائلاً: ندمت أني قد جعلت شادا ملك؛ لأنه رجع من ورائي، ولم يقم كلامي. ندمت!! الله يقول: ندمت؟! وهذا في صاموئيل الأول صفحة (15).
وقالت اليهود: فحزن الرب أنه عمل الإنسان في الأرض وتأسف في قلبه، فقال: الرب أمحو عن وجه الأرض الإنسان الذي خلقته، الإنسان مع بهائم ودواب وطيور السماء؛ لأني حزنت أني عملتهم. وهذا في سفر التكوين الصفحة (6).
وأما البداء عن الشيعة فروى الكليني في الكافي عن أبي الحسن قال: [[نعم يا أبا هاشم! بدا لله في أبي محمد بعد أبي جعفر ما لم يكن يعرف له، كما بدا له في موسى بعد، مضي إسماعيل ما كشف به عن حاله، وهو كما حدثتك نفسك وإن كره المبطلون]]. هذا في الكافي الجزء الأول صفحة (327).
رابعاً: عقيدة التناسخ:(31/237)
تناسخ الأرواح عند الأديان السابقة، عند البراهمة عن باسديوا أنه قال: إن كنت بالقضاء السابق مؤمناً فعلم أنهم ليسوا ولا نحن نموت ولا ذاهبين ذهاباً لا رجوع فيه، فإن الأرواح غير مائتة ولا متغيرة، وإنما تتردد في الأبدان على تغاير الإنسان. يعني: إن الروح تنتقل من إنسان إلى إنسان.
انظر ما يقوله الشيعة عند زيارة القبور وعند البقيع بالذات يقولون لآل البيت هناك: (ولم تزالوا بعين الله ينسخكم في أصلاب كل مطهر، وينقلكم في أرحام المطهرات لم تدنسكم الجاهلية، تنتقل الأرواح كما نقلنا لكم النفس اللاهوتية). وهذا في الكافي الجزء الرابع صفحة (559).
وروي الكليني في الكافي عن محمد بن علي الباقر أنه قال: [[ليس يموت من بني أمية بيت إلا مسخ وزغاً]]. وهذا في الكافي الجزء الثامن صفحة (232).
يعني: كل من يموت من بني أمية يمسخ وزغاً، وهذه عقيدة التناسخ ليست من عقيدة المسلمين بل هي كما رأيتم عقيدة البراهمة.
خامساً: ادعاء الاصطفاء:
كلكم يعلم أن اليهود والنصارى يدعون أن الله تبارك وتعالى اصطفاهم: (( وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ))[المائدة:18]، وقالوا كذلك: (( وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً ))[البقرة:80]، وقالوا: (( وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى ))[البقرة:111].
ماذا قال الشيعة؟ قالت الشيعة: (ليس على ملة إبراهيم إلا الشيعة). وهذا في الروضة من الكافي صفحة (31).
وروى الكليني في الروضة من الكافي: [[أن رجلاً سأل علي بن أبي طالب عن الناس وعن أشباه الناس وعن النسناس، فقال: نحن الناس وأشباه الناس شيعتنا، والنسناس هم السواد الأعظم –أي: باقي من ينتسب إلى بني الإسلام وغيرهم- ثم قال: (( إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ))[الفرقان:44] ]]. وهذا في الروضة من الكافي صفحة (204).(31/238)
وروى الكليني في الكافي أيضاً عن محمد بن علي الباقر أنه قال: [[والله يا أبا حمزة أن الناس كلهم أولاد بغايا ما خلا شيعتنا]].
سادساً: القول بالرجعة:
من أين أتى الشيعة بالرجعة والقول بالرجعة؟ قال أحمد أمين: (وفكرة الرجعة أخذها ابن سبأ من اليهودية، فعندهم الآن النبي إلياس صعد إلى السماء وسيعود، فيعيدوا الدين والقانون). هذا في فجر الإسلام صفحة (270).
وفي كتاب العقائد الوثنية في الديانة النصرانية: ويعتقد الصينيون أن مخلصهم وحاميهم فشنو الذي ظهر فالناسوت باسم فشنا سيأتي ثانياً في الأيام الأخيرة. صفحة (106).
أما عند الشيعة روى الكليني في الكافي عن جعفر بن محمد أنه قال: [[إن الله قال للملائكة: الزموا قبر الحسين حتى تروه وقد خرج فانصروه، وابكوا عليه وعلى ما فاتكم من نصرته؛ فإنكم قد خصصتم بنصرته والبكاء عليه، فبكت الملائكة تعزياً وحزناً على ما فاتهم من نصرته، فإذا خرج يكونون أنصاره]]. الكافي الجزء الأول (ص:283).
قال المفيد وهو أحد أكابر علماء الرافضة: (واتفقت الإمامية على وجوب رجعة كثير من الأموات). هذا ما قاله في أوائل المقالات صفحة (51).
وقال الحر العاملي: (إنا مأمورون بالإقرار بالرجعة واعتقادها وتشديد الاعتراف بها فالأدعية والزيارات ويوم الجمعة وكل وقت). وهذا قاله في الإيقاض من الهجعة صفحة (64).
سابعاً: عقيدة الفداء:
عند النصارى مشهورة جداً أن عيسى عليه السلام فدى الناس بنفسه وكفر عنهم خطيئة آدم، وكل من عمل معصية فيكفيه أن يذهب إلى قس من القساوسة فيذكر له خطيئته ثم يدفع مبلغاً معيناً، ثم يقول له القس بعد ذلك: تحمل عنك عيسى. أي: يفديه. والفداء موجود أيضاً عند الشيعة وقد أخذوه من النصارى، فعندما أقول لكم: إن الدين ملفق أخذ من كل دين شيء، وهذا هو الذي أقول.(31/239)
روى الكليني في الكافي عن موسى بن جعفر إنه قال: [[إن الله عز وجل غضب على الشيعة فخيرني بنفسي أوهم فوقيتهم ولله بنفسي]]. هذا في الكافي الجزء الأول صفحة (260).
ثامناً: عقيدة الجهاد:
الجهاد ممنوع عند اليهود حتى يخرج المنتظر وهو الدجال، وأما عند الشيعة في عصر غيبة ولي الأمر وسلطان العصر عجل الله فرجه الشريف يقوم نوابه وهم الفقهاء الجامعون لشرائع الفتوى والقضاء مقامه في إجراء السياسات وسائر ما للإمام عليه السلام إلا البدأة بالجهاد. وهذا قيل في تحرير الوسيلة الجزء الأول صفحة (482).
وروى الكليني في الكافي عن بشير الدهان قال: [[قلت لأبي عبد الله –أي: جعفر الصادق رضي الله عنه-: إني رأيت في المنام أني قلت لك: إن القتال مع غير الإمام المفروض طاعته حرام مثل الميتة والدم ولحم الخنزير، فقلت لي: هو كذلك -هذا في المنام- فقال أبو عبد الله: هو كذلك.. هو كذلك]].
أي: بعد المنام أيضاً، ولذلك لا تجدهم يقاتلون مع المسلمين أبداً، ولم ينصروا المسلمين في معركة قط، واقرأ التاريخ إن شئت. وهذه الرواية في الكافي الجزء الخامس صفحة (23).
تاسعاً: الغلو:
النصارى غلو في عيسى عليه السلام حتى جعلوه إلهاً مع الله تبارك وتعالى، وقد ذكرنا لكم أن الغلو عند الشيعة أخذ من النصارى، وانظر إلى محمد حسين آل كاشف الغطاء ما يقول عن أئمته:
يا كعبة لله إن حجة لها الأملاك منه فعرشه ميقاتها
أنتم مشيئته التي خلقت بها الأشياء بل ذرأت بها ذراتها
أن فلوري قايل لكم إن لم أقل ما لم تقله في المسيح غلاتها
عاشراً: الوصي:
القول بالوصي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووصي بعد علي، ووصي بعد الحسين، ووصي بعد علي بن الحسين، وهكذا و هكذا، لا تخلوا الدنيا من وصي، من أين أتوا بهذا؟!(31/240)
قال البونختي -وهو من علماء الشيعة- قال ذلك في فرق الشيعة صفحة (42) قال:" (وحكى جماعة من أهل العلم من أصحاب علي عليه السلام أن عبد الله بن سبأ كان يهودياً فأسلم و ووالى علياً عليه السلام، وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون بعد موسى عليه السلام، فقال في إسلامه بعد وفاة النبي في علي مثل ذلك).
إذاً: هذه الوصايا أو الإمامة بعد كل إمام لابد من إمام ثانٍ يوصى به، وهذه أخذوها من اليهودية كما يقول عالمهم النوبختي.
استباحة دماء وأموال غيرهم، وهذه ذكرناها مفصلة، وقد أخذوها من اليهود والنصارى الذين يستبيحون دماء وأموال المسلمين.
حادي عشر: تعظيم القبور:
اليهود والنصارى قد اشتهر عنهم تعظيم القبور حتى أن النبي صلى الله عليه آله وسلم قال: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد). [أخرجه البخاري (فتح الباري) رقم (335)، ومسلم بشرح النووي (5/12)]
أما تعظيم القبور عند الشيعة فعجيب جداً! يرون أن الله تبارك وتعالى يبدأ بالنظر إلى زوار الحسين بن علي رضي الله عنهما عشية عرفة قبل نظره إلى أهل الموقف وتفسير ذلك قولهم: (أولئك أولاد زناة –أي: الذين في عرفة- وليس في هؤلاء أولاد زنا). هذا في الوافي المجلد الثاني الجزء الثامن صفحة (222).
ويروون عن جعفر بن محمد أنه سئل عمن ترك زيارة قبر الحسين من غير علة –أي: بدون عذر- فقال: [[هذا رجل من أهل النار]]. وهذا في وسائل الشيعة الجزء العاشر صفحة (336).
وانظروا إلى الطامة: ذكر المجلسي أنه يستحسن مع البعد استقبال القبر في الصلاة و استدبار الكعبة! وهذا يقوله المجلسي في بحار الأنوار الجزء (100) صفحة (135).
ومن هذا المجلسي؟ قال البحراني: (المجلسي شيخ الإسلام بدار السلطنة أصفهان، رئيساً فيها بالرئاستين الدينية والدنيوية) هذا الذي يقول: (الذي يبعد عن قبر الحسين يستقبل القبر ويستدبر الكعبة في الصلاة).(31/241)
جعل الواسطة بين الناس وبين ربهم تبارك وتعالى:
يقول الله تبارك وتعالى: (( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ))[البقرة:186] فلا وسيط بينه وبين عباده، ولكن عند الشيعة هناك واسطة كما عند النصارى، وقد أخذوا عنهم هذه المسألة.
هذا كتاب بين السائل والمجيب، والسؤال للحائري الإحقاقي، يقول السؤال: (ما حكم من يصلي ويصوم ويؤدي جميع الواجبات المطلوبة منه لله تبارك وتعالى دون تقليد مرجع معين، بل يقوم بعباداته كلها استناداً إلى ما يسمعه من فتاوى من جميع مراجع الشيعة الإمامية دون تفريق بين مجتهد وآخر؟
الجواب: يجب على كل مؤمن إذا بلغ حد الرشد أن يقلد فقيهاً عادلاً مجتهداً جامعاً لشرائط الاجتهاد ويعمل بفتواه بعصر الغيبة، وكذلك يجب على كل مؤمنة عاقلة، فلا عمل لمن لم يقلد ولا تقبل أعماله).
أي: بدون واسطة لا يقبل العمل؛ ولذلك في كتاب عقائد الإمامية: (من لم يصل رتبة الاجتهاد يجب عليه أن يقلد مجتهداً حياً معيناً وإلا فجميع عباداته باطلة ولا تقبل منه وإن صلى وصام وتعبد طول عمره). وهذا في عقائد الإمامية صفحة (55).
مسألة الغيبة:
الشيعة يقولون بأن ولد الحسن العسكري ولد وغاب وما زلنا ننتظره، وهذا ما يسمى بالغيبة، فمن أين أخذوا هذه العقيدة؟ ومن أين جاءوا بها؟
في كتاب "تثبيت دلائل النبوة" أن المجوس يدعون أن لهم منتظراً حياً باقياً من ولد (بشتاسس) يقال له: (أبشاوثن)، وأنه في حصن عظيم بين خراسان والصين.
والغيبة عند الشيعة أمر مجمع عليه لا خلاف فيه بينهم حتى قال قائلهم كثير عزة الشاعر المشهور مع أنه من الكيسانية الذين يؤمنون بعلي والحسن والحسين ومحمد بن الحنفية، قال:
ألا إن الأئمة من قريش ولاة الحق أربعة سواء
علي والثلاثة من بنيه هم الأسباط ليس بهم خفاء
فسبط سبط إيمان وبر وسبط غيبته كربلاء
وسبط لا يذوق الموت يقود الخيول يقدمها اللواء
تغيب ولا يرى عنا زماناً بربوة عند عسل وماء(31/242)
وهذا في كتاب الفرق بين الفرق صفحة (28).
وهم يدعون أن عنده أولاداً وذرية في الجزيرة الخضراء، ولكن أين الجزيرة الخضراء؟ العلم عند الله.
*مكانة كتاب الكافي عند علماء الشيعة:
هذه النقولات كما سمعتم نقلتها أو نقلت أكثرها من كتاب الكافي الذي هو العمدة عند الشيعة، وهذا الكتاب نقلت أقوال أهل العلم فيه:
يقول الطبرسي: (الكافي بين الكتب الأربعة كالشمس بين النجوم، وإذا تأمل المنصف استغنى عن ملاحظة حال أحد رجال السند المودعة فيه وتورثه الوثوقة ويحصل له الاطمئنان بصدودها وثبوتها وصحتها). وهذا في مستدرك الوسائل الجزء الثالث صفحة (532).
وقال الحر العاملي: (صحاب الكتب الأربعة وأمثالهم قال شهود بصحة أحاديث كتبهم وثبوتها، ونقلها من الأصول المجمع عليها، فإن كانوا ثقات تعين قبول قولهم ورايتهم ونقلهم). الوسائل الجزء (20) صفحة (104).
وقال شرف الدين الموسوي -عبد الحسين الموسوي-: (الكافي، والاستبصار، والتهذيب، ومن لا يحضره الفقيه متواترة مقطوع بصحة مضامينها).
أما قول بعض الشيعة أن الكافي ليس كله صحيح كما يشاع الآن، فهذا فقط للتهرب من هذه الطوام التي ذكرنا بعضها وإلا فهذا عبد الحسين شرف الدين وهو من علمائهم الأصوليين المعتمدين جداً صاحب كتاب المراجعات.
يقول: (الكافي، والاستبصار، والتهذيب، ومن لا يحضره الفقيه، متواترة مقطوع بصحة مضامينها، والكافي أقدمها، وأعظمها وأحسنها، وأتقنها) المراجعات مراجعة رقم (110).
وقال محمد الصادق الصدر في كتاب الشيعة صفحة (127): (والذي يجدر بالمطالعة بأن يقف عليه هو أن الشيعة وإن كانت مجمعة على اعتبار الكتب الأربعة وقائلها بصحة كل ما فيها من روايات).(31/243)
وقال علي أكبر الغفاري محقق كتاب الكافي: (وقد اتفق أهل الإمامة وجمهور الشيعة الاثني عشرية على تفضيل هذا الكتاب والأخذ به، والثقة بخبره، والاكتفاء بأحكامه، وهم مجمعون على الإقرار بارتفاع درجة وعلو قدره على أنه القطب الذي عليه مدار روايات الثقات المعروفين بالضبط والإتقان إلى اليوم وهو عندهم أجمل وأفضل من سائر أصول الحديث).
قال الشيخ المفيد: (الكافي هو من أجل كتب الشيعة وأكثرها فائدة). مقدمة الكافي صفحة (26).
قال سيد الكاشاني: (الكافي أشرفها -أي كتب الشيعة- وأوثقها وأتمها وأجمعها؛ لاشتماله على الأصول من بينها وخلوه من الفضول وشينها). مقدمة الكافي صفحة (27).
قال المجلسي: (كتاب الكافي أضبط الأصول وأجمعها وأحسن مؤلفات الفرقة الناجية وأعظمها). مقدمة الكافي صفحة (27).
قال محمد أمين استرابيدي أو الإستبارادي: (قد سمعنا من مشايخنا وعلمائنا أنه لم يصنف في الإسلام كتاب يوازيه أو يدانيه). مقدمة الكافي صفحة (27).
*من الروايات المستنكرة والمستبشعة في كتاب الكافي:
هذا كتاب الكافي الذي نقلنا منه جل أو كل معتقدات الشيعة، ولا بأس أيضاً أن نذكر لكم بعض الأمور المستنكرة والمستبشعة في هذا الكافي الذي رأيتم ثناء علماء الشيعة عليه.
روى الكليني في الروضة من الكافي صفحة (193): عن أبي عبد الله جعفر الصادق قال: [[لله قباب كثيرة، ألا إن خلف مغربكم هذا تسعة وثلاثون مغرباً، أرض بيضاء مملوءة حلق، يستضيئون بنوره، لم يعصوا الله عز وجل طرفة عين، ما يدرون خلق آدم أم لم يخلق، يبرءون من فلان وفلان]]، يقصدون: أبا بكر وعمر.
فانظر كيف أنهم لا يعرفون آدم ويتبرءون من أبي بكر وعمر!
قال القمي في تفسيره لقوله تعالى: (( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا ))[التحريم:10].(31/244)
قال: (والله ما عنا بقوله: (فَخَانَتَاهُمَا) إلا الفاحشة) -لكنه لا يتكلم عن امرأة لوط وامرأة نوح- وإنما يتكلم عن عائشة وحفصة، ولهذا قال: (وليقيمن الحد على عائشة، وكان طلحة يحبها، فلما أرادت أن تخرج إلى البصرة قال لها: فلان لا يحل لك أن تخرجي من غير محرم، فتزوجت طلحة).
وقال رجب البرسي في مشارق أنوار اليقين صفحة (86): (إن عائشة جمعت أربعين ديناراً من خيانة وفرقتها على مبغضي علي).
وقد مر بكم أنها نامت مع علي في فراش واحد، وفي كتاب بحار الأنوار: [[أن علياً جاء إلى النبي وهو جالس عند عائشة فجلس على فخذ عائشة، فقالت له عائشة: يا علي أما وجدت لاستك غير فخذي؟]].
وهذا العياشي في تفسيره لقول الله تبارك وتعالى: (( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ ))[آل عمران:144].
قال بالسند عن جعفر الصادق: [[تدرون مات النبي أو قتل، إن الله يقول: (أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ) فسمى قبل الموت إنهما سقتاه قبل الموت السم]] يقصد عائشة وحفصة.
هؤلاء الشيعة يعظمون أئمتهم ويجعلون نفوسهم لاهوتية وأنهم يعلمون الغيب ويتصرفون بالكون، ويدعون محبتهم وهم لا يحبونهم في حقيقة الأمر، فانظر إلى ما يروونه عنهم.
روى الكليني في الكافي الجزء السادس صفحة (497) عن عبيد الله الدابغي قال: (دخلت حماماً بالمدينة -المقصود به: حمام بخار- فإذا شيخ كبير وهو قيم الحمام، فقلت: يا شيخ! لمن هذا الحمام؟ قال: لأبي جعفر بن محمد بن علي بن الحسين -يعنون محمد الباقر رضي الله عنه-، فقلت: كان يدخله؟ قال: نعم. قلت: كيف كان يصنع؟ قال: كان يدخل فيبدأ فيقلي عانته وما يليها ثم يلف على طرف إحليله (ذكره) ويدعوني فأطلي سائر بدنه، فقلت له يوماً: الذي تكره أن أراه قد رأيته –أي: عورتك- قال: كلا، إن النمرة سترت)، يعني: أن الدهن ساتر العورة فأنت ما رأيت شيئاً.(31/245)
وروي كذلك في الكافي الجزء السادس صفحة (502): أن أبا جعفر كان يقول: [[من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر. قال: فدخل ذات يوم الحمام فتنور -يعنون أبا جعفر- فلما أطبقت النورة -النورة التي هي الدهن- على بدنه ألقى المئزر، فقال له مولى له: بأبي أنت وأمي، إنك لتوصينا بالمئزر ولزومه وقد ألقيته عن نفسك؟ قال: أما علمت أن النورة قد أطبقت العورة]].
وروى الكليني في الكافي في الجزء السادس صفحة (501) عن أبي الحسن الماضي قال: [[العورة عورتان: القبل والدبر، أما الدبر فمستور بالإليتين، فإذا سترت القضيب والبيضتين فقد سترت العورة]]. وفي رواية: [[وأما الدبر فقد سترته الإليتان وأما القبل فاستره بيدك]].
وفي الكافي أيضاً: عن أبي جعفر محمد الباقر أنه قال: [[للإمام عشر علامات، وحتى تعرف أن هذا إمام له عشر علامات: يولد مطهراً مختوناً، وإذا وقع على الأرض وقع على راحته رافعاً صوته بالشهادتين، تنام عينه ولا ينام قلبه، ولا يتثاءب ولا يتمطى، يرى من خلفه كما يرى من أمامه، ونجوه كرائحة المسك، والأرض موكة بستره، وابتلاعه وهو محدث إلى أن تنقضي أيامه]]. هذا في الكافي الجزء الأول صفحة (388).
وروى أيضاً في نفس الصفحة عن إسحاق بن جعفر عن أبيه: [[فإذا كانت الليلة التي تلد فيها ظهر لها في البيت نور تراه لا يراه غيرها إلا أبوه، فإذا ولدته ولدته قاعداً وتفتحت له حتى يخرج متربعاً، ثم يستدير بعد وقوعه إلى الأرض فلا يخطئ القبلة، حتى كانت بوجهه، ثم يعطس ثلاثاً ويشير بأصبعه بالتحميد، ويقع مسروراً مختوناً ورباعيتاه من فوق وأسفل، وناباه وضاحكاه، ومن بين يديه مثل سبيكة الذهب نور ويقيم يومه وليلته تسيل يداه ذهباً]].(31/246)
وفي روضة الواعظين صفحة (84): [[أنه لما ولد علي بن أبي طالب ذهب رسول لله صلى الله عليه وسلم إليه فرآه ماثلاً بين يده -في نفس الوقت الذي ولد فيه- يقول: رآه ماثلاً بين يديه واضعاً يده اليمنى بإذنه اليمنى وهو يأذن ويقيم بالحنفية ويشهد بوحدانية الله وبرسالته، وهو مولود ذلك اليوم، ثم قال لرسول الله: اقرأ فقال له صلوات الله وسلامه عليه: اقرأ، فقرأ التوراة والإنجيل والزبور والقرآن]].
روى الكليني في الكافي عن علي بن أبي طالب: [[أن حمار رسول الله صلى الله عليه وسلم –يعني: عفيرا- كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بأبي أنت وأمي -انظروا الإسناد- إن أبي حدثني عن أبيه عن جده عن أبيه أنه كان مع نوح في السفينة فقام إليه نوح فمسح على كفنه ثم قال يخرج من صلب هذا الحمار حمار يركبه سيد النبيين وخاتمهم، فالحمد لله الذي جعلني ذلك الحمار]]. الله المستعان! هذا الكتاب الذي قالوا فيه: لم يؤلف في الإسلام كتاب يوازيه أو يدانيه.
روى الكليني في الكافي في الجزء الرابع صفحة (580) عن أبي عبد الله قال لرجل لم يزر قبر علي: [[بئس ما صنعت لو لا أنك من شيعتنا ما نظرت إليك، ألا تزور من يزوره الأنبياء؟]].
وروى الكليني كذلك في الكافي في الجزء الأول صفحة (448) عن أبي عبد الله –أي: جعفر الصادق رضي الله عنه- قال: [[لما ولد النبي صلى الله عليه و آله وسلم مكث أياماً ليس له لبن، وليس له مرضعة ترضعه، فألقاه أبو طالب على ثدي حليمة السعدية، فدفعه إليها]]. أبو طالب هو الذي راضع النبي صلى الله عليه وسلم.
وروى الكليني في الكافي الجزء الأول صفحة (464) عن أبي عبد الله قال: [[لم يرضع الحسين من فاطمة ولا من أنثى! كان يؤتى به النبي صلى الله عليه وسلم فيضع إبهامه في فيه فيمص منها ما يكفيه لليومين والثلاثة، فنبت لحم الحسين من لحم رسول الله صلى لله عليه وآله وسلم ودمه]].(31/247)
لماذا الحسين؟ لا يذكرون الحسن إلا قليلا، ولماذا الإمامة في أولا د الحسين ولم تكن في أولاد الحسن أبداً؟
الإمامة كما تعلمون في أولاد الحسين، وكل شيء لأولاد الحسين وأكثر الأحاديث مدحاً للحسين، لماذا؟ كل هذا الأمر لأن زوجة الحسين هي شهربانو بنت يزدجرد وابنها علي بن الحسين، فيقول الشيعة: (اجتمعت الشجرة الهاشمية مع الشجرة الساتانية، فلذلك هم يحبون الحسين وأبناء الحسين؛ لأن أبناء الحسين أخوالهم المجوس، شهربانو بنت يزدجرد).
أمر آخر الشيعة يقول: إن السنة عندهم اختلافات، يختلفون كثيراً، انظروا ماذا يقول شيخ الطائفة الطوسي الذي يقولون عنه شيخ الطائفة يقول: (ذاكرني بعض الأصدقاء أبره الله ممن حقه علينا،بأحاديث أصحابنا -أيدهم الله ورحم السلف منهم- وما وقع فيها من الاختلاف والتباين والمنافاة والتضاد حتى لا يكاد يتفق خبر إلا وبإزائه ما يضاده ولا يسلم حديث إلا وفي مقابله ما ينافيه). هذا قاله في مقدمة التهذيب الأحكام.
*أقوال العلماء في الروافض:
بقيت مسألة أخيرة وهي: ما حكم هؤلاء؟
ألا تتفقون معي أن من يدين بهذه الأشياء ومن يقول هذا القول أنه ليس من المسلمين؟ ألا يحق لنا بعد هذا أن نقول: إن من دان بهذه الأمور فإنه غير مسلم؛ لأن هذه الأمور ليست من دين الإسلام؟ وأنه لا يحق لنا أن نقول: مذهب الشيعة بل نقول: دين الشيعة؟
الذي يدين بهذا لا يقال عنه مسلم بل هذا دين آخر غير الإسلام لا نعرفه أبداً، الذي نعرفه من دين الإسلام يخالف هذا كله، فنحن لا نكفر الشيعة بأعيانهم يهمنا هذا الأمر ولكن الذي يهمنا أن من يقول هذا الكلام لا شك أنه ليس بمسلم.
من يعتقد هذا الاعتقاد لا شك أنه ليس من دين الله تبارك وتعالى في شيء، وانظروا واسمعوا أقوال أهل العلم فيمن يدين بهذا الدين:
قال الإمام مالك: الذي يشتم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ليس له نصيب في الإسلام.(31/248)
وقال أيضاً: من يغتاظ من الصحابة فهو كافر بدليل آية الفتح: (( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ ))[الفتح:29]، ثم ماذا قال؟ ((لِيَغِيظَ بِهِمُ)) لم يقل ليغيظ بهم –ربهم- محمداً رسول الله والذين معه، وإنما قال: ((لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ)). وهذا في كتاب السنة للخلال الجزء الثاني صفحة (557).
وقال الإمام أحمد: من يشتم أبا بكر وعمر وعائشة ما أراهم على الإسلام. وهذا في كتاب السنة للخلال صفحة (558).
وقال: من شتم صحابياً أخاف عليه الكفر مثل الروافض، لا نأمن أن يكون مرق من الدين. وهذا أيضاً في كتاب السنة.
وقال الإمام أحمد أيضاً: وليست الرافضة من الإسلام في شيء. كتاب السنة للإمام أحمد في صفحة (82).
وقال الإمام أبو زرعة: إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاعلم أنه زنديق. كتاب الفرق بين الفرق صفحة (356).
وقال القاضي عياض: نقطع بتكفير غلاة الرافضة في قولهم: إن الأئمة أفضل من الأنبياء. كلام القاضي عياض في الإلماع . أقول: بل أوصلوهم إلى مرتبة الألوهية، يحيون ويميتون ويتصرفون بالكون، وعندهم علم الغيب.
وقال أبو حامد المقدسي: لا يمضي على ذي بصيرة من المسلمين أن أكثر ما قدمناه في الباب قبله من تكفير هذه الطائفة الرافضة على اختلاف أصنافها كفراً صريحاً، وعناء مع جهل قبيح لا يتوقف الواقف عليه من تكفيرهم والحكم عليهم بالمروق من دين الإسلام. هذا قاله في رسالة له في الرد على الرافضة صفحة (200).(31/249)
وقال الإمام الشوكاني: إن أصل دعوة الروافض كياد الدين ومخالفة الإسلام وبهذا يتبين أن كل رافضي خبيث يصير كافراً بتكفيره لصحابي واحد، فكيف بمن يكفر كل الصحابة واستثنى أفراداً قلة. هذا قاله في نثر الجوهر على حديث أبي ذر.
وقال الألوسي: ذهب معظم علماء ما وراء النهر إلى كفر الاثني عشرية. قاله في كتاب منهج السلامة.
وقال ابن باز: الرافضة الذين يسمون الإمامية والجعفرية والخمينية اليوم كفار خارجون عن ملة الإسلام.
بعد هذا كله لا شك أن من يعتقد هذه المعتقدات فإنه كافر.
قد يقول قائل: طيب الشيعة الموجودين الآن؟ فأقول: نحن لا نتكلم عن أفراد أبداً، بل نقول كما قال أئمة المسلمين: من يعتقد هذه المعتقدات فهو كافر.
إن جاءنا رجل وقال: أنا أعتقد هذه. قلنا له: أنت كافر ولكن ذلك بعد أن تقام عليه الحجة طبعاً، وهناك بعض الأمور التي قد لا تحتاج إلى إقامة حجة، فالقصد: أن كل من يدين بهذا الاعتقاد يقال عنه بأنه كافر.
فنحن نرحب بكل من دان بدين الله تبارك وتعالى، ونشمئز وننفر من كل من خالف هذا الدين. هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
========================
نكاح المتعة (نظرة قرآنية جديدة)
لو رجع المسلمون في كل أمر عظيم إلى كتاب الله الذي يثقون به ويطمئنون إلى حكمه ويكتفون به لما بقي بينهم خلاف.
فلنجعل القرآن العظيم مرجعنا ووسيلة اهتدائنا في هذا الأمر الخطير الذي يتعلق بأخص خصائص الإنسان المسلم عرضه ونسله وشرفه.
• مفتاح الاهتداء بالقرآن:
يقسم الله آيات كتابه إلى قسمين:
1- آيات محكمات لا اشتباه فيها ولا احتمال.
2- آيات متشابهات تحتمل أكثر من معنى.(31/250)
ولقد ذكر الله تعالى أن مرجعنا في المسائل الخطيرة هي الآيات المحكمات وحرم علينا اتباع غيرها من المتشابهات كما قال سبحانه: (( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ))[آل عمران:7]، ونحن امتثالاً لهذا التوجيه الإلهي سنجعل اعتمادنا على محكم القرآن الكريم دون متشابهه. وبهذا نضمن الوصول إلى بر الأمان بسلام، وسنجعل البحث في بابين:
الأول: نكاح المتعة في القرآن الكريم.
والثاني: نكاح المتعة في الروايات وفتاوى العلماء.
(1) نكاح المتعة في القرآن
كان النكاح المؤقت موجوداً عند اليهود والفرس وغيرهم وقد تسرب إلى المجتمع الجاهلي في الجزيرة فلما جاء الإسلام حرمه أول عهده في مكة بقوله تعالى في القرآن الذي نزل مرتين: (( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ))[المؤمنون:5-7]، [المعارج:29-31].
يتبين من هذا النص المكي أن (الأصل في الفروج الحرمة) وأما التحليل فاستثناء لابد من ذكره، فما سكت عنه فهو حرام، فقوله تعالى: (لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ) هذا هو الأصل، أي الحرمة "إلا" هذا هو الاستثناء ومحله: (أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) هذا هو المستثنى من التحريم، وهو نوعان من النكاح ما عداهما حرام، وحتى لا يدع الله مجالاً للاشتباه أو الالتباس نص على حرمة ما عداهما بقوله الصريح: (فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ) فكل فرج دونهما حرام سواء استبيح بالزنا أو المتعة أو الاستبضاع.. إلخ.(31/251)
هذا في مكة، أي أن المسلمين لم يمارسوا هذا النكاح في العهد المكي لحرمته. ولما هاجروا إلى المدينة لم تذكر الآيات النازلة فيها بخصوص النكاح إلا النوعين الأولين، الزواج الدائمي ونكاح المملوكة باليمين (الأمة). والتمتع بها ليست زوجة لعدم التوارث قال تعالى: (( وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ ... وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ.. ))[النساء:12] الآية. ولو كانت زوجة لورثت وأورثت. انظر الآيات في هذين النوعين في (البقرة /221، النور/32/33، الأحزاب/50/52، النساء/3).
في سورة النور قال تعالى: (( وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ )) إلى أن قال: (( وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ))[النور:32-33]، فأمر من لا يجد زوجة أو أمة ينكحها بالصبر والعفاف. وفيه تحريم ما عداهما. فلو كانت المتعة حلالاً لذكرها وقال: (وليستمتع)، لكنه لم يقل ذلك وإنما قال: (وَلْيَسْتَعْفِفِ) وهو لفظ يقتضي المنع لاسيما وأن (الأصل في الفروج الحرمة).
وفي سورة النساء جاء قوله تعالى: (( فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ ))[النساء:3]، وهذا هو الزواج الدائمي ثم قال: (( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً –أي الحرائر- أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ))[النساء:3].
فجعل مجال التخيير محصوراً في نكاح الحرة نكاحاً دائماً ونكاح الأمة، ولو كانت المتعة مشروعة لجعلها موضعاً للاختيار..(31/252)
ثم جاء قوله تعالى بعد ذكر محرمات النكاح: (( وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ))[النساء: 24]، إلى قوله: (( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ))[النساء:25].
وهذان: الزواج الدائم وملك اليمين. لو فسرنا الأول منهما بنكاح المتعة لما بقي للزواج الدائم الذي هو الأصل في النكاح ذكر في الآيات ! وهذا غير معقول وليس من سبب يلجئنا إلى القول به سوى ما اشتبه على البعض من لفظ (استمتعتم) وهو لا ينهض حجة لأنه متشابه.
• لفظ (استمتعتم) متشابه:
إن الاستدلال بالقرآن على مشروعية نكاح المتعة لا يصح؛ لأن الموضع الوحيد فيه الذي يحتجون به عليه لفظ متشابه وليس قطعي الدلالة محكماً.
ثم إن مسألة الفروج في الإسلام مسألة عظيمة جداً لا يمكن التساهل فيها أبداً بحيث يقبل فيها من الأدلة ما تشابه، وبما أنه لا يوجد نص واحد في القرآن صريح الدلالة على نكاح المتعة، فالقول بمشروعيته باطل لأنه اتباع للمتشابه.
** معنى (الاستمتاع) لغة:(31/253)
أصل الاستمتاع في اللغة التلذذ والانتفاع، وهذا قد يكون بالطعام كما في قوله تعالى: (( أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ ))[المائدة:96]، ومرة يكون باللباس كما في قوله تعالى: (( وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا ))[النحل:80]، ومرة يكون بالمال المدفوع إلى المطلقات: (( وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ ))[البقرة:236]، ومرة يكون بالجماع كما في قوله تعالى: (( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ )) أي جامعتم لأن الجماع أخص ما يتلذذ ويستمتع به. ولقد جاء لفظ (الاستمتاع) مشتقاته في القرآن الكريم ستين مرة لا علاقة لواحد منها بنكاح المتعة، كما في قوله تعالى: (( وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ))[الأنعام:128]، وقوله: (( قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ ))[إبراهيم:30]؛ لأن السياق يأبى ذلك وكذلك سياق آية النساء.
وعلى ذلك فما معنى الآية إذاً؟!
للمهر ثلاثة أحوال:
1- إذا حصل الطلاق قبل الدخول ولما يجدد المهر فمقداره غير معين، وإنما حسب قدرة الرجل كما قال تعالى: (( لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ ))[البقرة:236].
2- إذا حصل الصلاة وقد حدد المهر فللمطلق نصف المهر قال تعالى: (( وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ.. ))[البقرة:237].(31/254)
3- إذا تم الدخول وحدد المهر فهذا يجب المهر المحدد كله ولو طلق الرجل زوجته ولم يجامعها إلا مرة واحدة كما قال تعالى: (( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ))[النساء:24]، أي مهما كان الاستمتاع ولو بجماع واحد. والأجور هنا معناها المهور لأن الزواج عقد فيه أجر مقابل الاستمتاع بالمرأة والانتفاع بها كما قال تعالى: (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ ))[الأحزاب:50].
وهكذا سقط الاحتجاج بالآية على نكاح المتعة لأنه احتجاج بمتشابه.
وكذلك فإن سياق الآية يأباه وذلك من وجوه منها:
أ – إن الآيات لم تذكر إلا نوعين من النكاح:
أحدهما: ملك اليمين.
والآخر معبر: هذا المعبر عنه (بالاستمتاع) فإذا كان المقصود بالأخير نكاح المتعة فمعنى ذلك أن الزواج الدائم لا ذكر له في هذه الآيات وهذا غير معقول فلابد من حمل اللفظ عليه دون غيره.
ب- إن الله تعالى لما انتقل إلى ذكر ملك اليمين انتقل من الأصعب إلى الأسهل فقال: (( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ))[النساء:25]، وليس أصعب من نكاح الإماء إلا الزواج الدائم بالحرائر فإن نكاح المتعة أسهل أنواع الأنكحة فليس هو المقصود بالآية.
ج – ما ذكر الله تعالى من شروط لهذا النكاح في قوله: (( أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ))[النساء:24]، ونكاح المتعة ليس القصد منه إلا سفح الماء وقضاء الشهوة وليس فيه إحصان أو حفظ للمرأة لا نفسياً ولا جسدياً ولا أسرياً، وكذلك الرجل.
• خلو المجتمع الإسلامي النبوي من نكاح المتعة:(31/255)
لو كان نكاح المتعة يمارس في المجتمع الإسلامي على عهد النبي صلى الله عليه وسلم لصرح الله به في كتابه حتماً ولذكر مشروعيته أولاً، وفصل أحكامه ثانياً كما هو حال الزواج من الحرائر والإماء.
ولا شك -أيضاً- أنه لو كان مشروعاً لكانت ممارسته أكثر لسهولته فكيف يسكت القرآن عن هذا الأمر العظيم ويتكلم باستفاضة عن النوعين الآخرين وكلها مشتركة في معنى واحد هو النكاح؟!
لقد علم الله أن نكاح الإماء سيختفي من المجتمع ومع ذلك ذكره في كتابه ثماني مرات ولا زالت الآيات المتعلقة بشرعيته وأحكامه تتلى. بل ذكر الله ما هو أقل منه أهمية وخطراً كالخمر وذلك مراراً في القرآن وتدرج في تحريمه حتى انتهى منه. فكيف لا يذكر الله نكاح المتعة وهو أخطر وأهم وأكثر وقوعاً وأعم بلوى؟!
إن هذا ليس له إلا تفسير واحد هو أن هذا النكاح كان محرماً على المسلمين لم يمارسوه في مجتمعهم وذلك من أول الإسلام والمسلمون لا زالوا في مكة المكرمة كما جاء ذلك صريحاً في سورة المؤمنون والمعارج.
(2) نكاح المتعة في الروايات وفتاوى الفقهاء
أ- أول ما ينبغي الوقوف عنده رواية ابن عباس رضي الله عنه في سنن الترمذي أنه قال: [[إنما كانت المتعة أول الإسلام كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم فيها فتحفظ له متاعه وتصلح له شأنه حتى إذا نزلت الآية: (( إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ.. ))[المؤمنون:6] فكل فرج عدا هذين فهو حرام]].
وفيها أن المتعة حرمت في بداية الإسلام وأنها من أمور المجتمعات الجاهلية المشركة.
ب- في مسند الإمام أحمد أن رجلاً سأل ابن عمر رضي الله عنه عن المتعة فغضب وقال: [[والله! ما كنا على عهد رسول الله زنائين ولا مسافحين]] وهذا يعني خلو المجتمع النبوي من نكاح المتعة. وإلى هذا أشار الإمام النووي في شرح مسلم والسرخسي في المبسوط والشيخ مخلوف في صفوة البيان وغيرهم.(31/256)
ج- جميع الروايات الأخرى ليس فيها إلا الترخيص ثلاثة أيام فقط: مرة في خيبر ومرة في فتح مكة ثم حرمها النبي صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة وما من شك في أن خيبر أو مكة لم يكن فيها مسلمات في ذلك الوقت فالتمتع كان بنساء يهود أو المشركات وليس مع المسلمات في المجتمع المسلم، ولقصر المدة ولكونه خارج المجتمع المسلم لم ينزل فيه قرآن.
د- قد فهم ابن عباس أن الرخصة باقية للمضطر فعارضه كبار الصحابة ولم يعتبروا فتواه وأنكروا عليه بشدة كعلي بن أبي طالب رضي الله عنه حتى قال له: [[إنك رجل تائه، نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن متعة النساء يوم خيبر]] رواه مسلم. وكذلك أنكر عليه عبد الله بن الزبير رضي الله عنه ونقل الترمذي والبيقهي والطبراني أنه رجع عن فتواه أخيراً.
وابن عباس لم يحكم بإباحتها وإنما قال: [[هي كالميتة للمضطر]] وهذا يعني تحريمها عنده.
هـ- عن ابن عمر رضي الله عنه قال: [[لما ولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب الناس فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لنا في المتعة ثلاثاً ثم حرمها. والله! لا أعلم أحداً يتمتع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة إلا أن يأتيني بأربعة يشهدون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحلها بعد إذ حرمها]] رواه ابن ماجه.
وفيها أن عمر رضي الله عنه لم يحرم المتعة من عند نفسه وإنما نقل التحريم عن الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه. وإنما كانت لثلاثة أيام فقط ثم حرمت لا أنها كانت طيلة العهد المدني إلى خيبر أو فتح مكة كما هو شائع خطأ.
• فقهاء أهل البيت يجمعون على تحريم المتعة:
1- علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما في أغلب مصادر أهل السنة، وأما مصادر الشيعة فقد ورد ذلك عنه في:
أ- مسند الإمام زيد بن علي رضي الله عنه.
ب- تهذيب الأحكام للطوسي 7/251.
ج- الاستبصار للطوسي3/142.
د- وسائل الشيعة للعاملي4/441.
2- الإمام زيد رضي الله عنه.(31/257)
3- الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه كما في بحار الأنوار 100/318 أنه سئل عن المتعة فقال: [[ما تفعله عندنا إلا الفواجر]] وجاء في الروض النضير في فقه الزيدية أنه قال عنها: [[ذلك الزنا]].
4- الإمام محمد الباقر رضي الله عنه، قال عنها: [[هي الزنا بعينه]] كما في الروض النضير، وانظر في النهي عنها عن الأئمة كذلك كتاب الكافي للكليني5/449 و 5/453.
5- الإمام الحسن بن يحيى بن زيد فقيه أهل العراق في زمانه إذ نقل إجماع أهل البيت على النهي عنها كما في الروض النضير.
6- الروايات الأخرى في تحليلها عن الأئمة مكذوبة لتعارضها مع القرآن والسنة وإجماع الصحابة وفقهاء الأمة ومنهم فقهاء أهل البيت ولضعف أسانيدها كما أثبت ذلك المحققون.
7- لا يُعرف أن أحداً من أهل البيت –علمائهم وعامتهم وعلى مدى تاريخهم لاسيما القرون الثلاثة الأولى– كان ابن متعة، ولو كانوا يبيحونها أو يوجبونها لفعلها الكثير منهم ولأنجبوا منها بنين وبنات، وبما أن هذا غير حاصل –إذ لا تذكر كتب الأنساب من أمهاتهم إلا النوعين: الزوجة الحرة الدائمة أو الأمة– فهذا دليل قطعي على عدم فعلها من قبلهم وهو يستلزم تحريمهم إياها بلا شك، وبه يتبين كذب جميع الروايات المنقولة عنهم بإباحتها ولله الحمد.
• الخلاصة:
1- ليس في القرآن إلا تحريم نكاح المتعة.
2- خلو المجتمع النبوي المسلم من نكاح المتعة أما الترخيص فيه فكان لثلاثة أيام في خيبر وثلاثة أيام أخرى في مكة وكلاهما خارج المجتمع المسلم.
3- أجمع الصحابة على تحريمها بما فيهم علي وابن عباس.
4- أجمع فقهاء الأمة على تحريمها بما فيهم أهل البيت.
5- إن نكاح المتعة حرم منذ الأيام الأولى من عمر الإسلام وإن تحريمه مستمر إلى يوم القيامة ولا دليل على إباحته قط إلا المتشابهات أو المكذوب من الروايات.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب
=====================
التّقيّة .. الوجه الآخر(31/258)
فيصل نور
الإهداء
شر الأزمنة أن يتبجح الجاهل، وأن يسكت العاقل، ولكن القبة الجوفاء لا ترجع غير الصدى ... فإلى القباب غير الجوفاء أهدي كتابي.
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله0
أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار0
قال تعالى: لَتَجِدَنّ أَشَدَّ اُلنَّاسِ عَدَاوةً لِّلَذينَ آمَنوا الَيهُودَ والذِينَ أَشرَكُوا – المائدة 82.
فمنذ ان قدّم الله اليهود على الذين أشركوا في عداوتهم للمسلمين، عرفنا أنه لا بد من ان يقف اليهود ومن ورائهم كل قوى الظلام المنضوية تحت راياتهم من مجوس وهندوس وغيرهم من ملل الشرك في صف أعداء الإسلام ليطفئوا نوره .
ولم يتوان هؤلاء في إظهار عداوتهم، فقد فعلها طلائعهم في مهد الإسلام فهذا حُيَيّ بن أخطب أحد زعماء اليهود نظر إلى رسول الله وهو يقدَّم للقتل، ضمن من قتل من يهود بني قريظة، يقول: أما والله ما لُمتُ نفسي في عداوتك ولكنه من يخذل الله يُخذل 0
عرفها ابن أخطب وعرفها أذنابه يوم أن إنتكست راياتهم تحت سيوف الرعيل الأول من المسلمين وعرفها بعد ذلك المنضوون تحت رايات الشرك يوم أن إنكسرت شوكتهم وتوالت هزائمهم في القادسية واليرموك وفتح مصر وشمال افريقيا وفارس، وغيرها .
عرفوا أن هذا النور لن توقفه جحافلهم مهما بلغت ولن تصمد أمامه جيوشهم مهما قويت، فرأوا أن الكيد للإسلام بالحيلة أنجح، فبدءوا مخططاتهم في الخفاء، فكان إستشهاد الفاروق عمر، وعثمان ذي النورين، وعلي المرتضى ، تلك النجوم الزاهرة قادة الفتح الذين أذلوهم وأزالوهم وحضارتهم بأمجادها الزائلة أصلا بعد أن كانوا سادة الدنيا .(31/259)
ثم عمدوا إلى النيل من هذا الدين لإطفاء نوره، وأنى لهم ذلك والله يقول: يريِدُونَ لِيُطفِئوا نُورَ اللهِ بَأفواهِهِم وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَو كَرِهَ الكافِرُونَ – الصف 7.
فشرعوا في تشكيك المسلمين وفتنتهم عن دينهم، فكان أيسر السبل الى ذلك هو النفاق، بضاعتهم التي إشتهروا بها، فأظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر، قال تعالى: وَقَالَت طّاَِئفَة مِن أهلِ الكِتابِ آمِنوا بِالذِي اُنزِلَ عَلى الَّذِينَ آمنُوا وَجه النَّهارِ واكفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَهُم يَرجِعُونَ – آل عمران 72 .
فكان لهم إلى حد بعيد ما أرادوه، فمازال كيدهم في هذا الإتجاه يؤتي أكله ولكن إلى حين، وإنضوى تحتهم في نهجهم هذا كل الموتورين والحاقدين على هذا الدين فاستمرءوا اللعبة، قال تعالى: وَإذَا لَقُوا الذِينَ امَنُوا قاَلُوا آمنَّا وإِذَا خَلَوا إلى شَيَاطِينِهِم قَالُوا إناَّ مَعَكُم إِنمَّا نَحنُ مُستُهزِئُونُ – البقرة 14 .
فإنطلت أحابيلهم في هذا المنوال على بعض ضعاف النفوس الذين لم تشرأب نفوسهم حقيقة هذا الدين فأخرجوا من أخرجوا عن دائرة الإسلام، واجتهدوا في إبقاء من عجزوا عن الكيد له بمنأى عن سائر المسلمين فأصّلوا لهم أصولا وقعّدوا لهم قواعد ووضعوا لهم عقائد ماأنزل الله بها من سلطان، فميزتهم عن سائر بني جلدتهم، وشذوا بها عنهم، كل ذلك من خلال إظهار الإيمان وإبطان خلافه تارة، وأخرى بتقنعهم بولاءات شتى بإسم الدين كالتشيع لآل بيت النبي ، حيث وجدت هذه الدعوات صدى عند الكثيرين من الذين صادفت أهواءهم وأغراضهم .
فلما وجد أعداء الإسلام أن الكثير من عقائد المسلمين قد تسربت إلى هؤلاء الذين راموا إخراجهم عن دائرة الإسلام، عمدوا الى صرف كل ما تعارض مع مخططاتهم مما صدر عن الأئمة الذين تشيعوا لهم بإسم الإسلام، بحجة أن ذلك كان منهم تقيتة مبعثها القهر والظلم والإستبداد الذي حاق بهم من الحكام الذين تولّوا إمرة المؤمنين عبر التاريخ .(31/260)
فكان أن بقيت هذه الطوائف بسبب عقيدة التقية هذه، بعيدة عن إخوانهم في الدين فألتبس عليهم أمر دينهم وأختلط الحق بالباطل في أحكامهم فضاعت معالمها، وترسخ هذا الضياع بمرور الزمن في نفوسهم لتقاعس علمائها، فغدت ملاذاً آمناً لطلاب الدنيا الذين جعلوا هذه الرخصة هي جُل الدين لتيّسر لهم الأرضية التي تضمن بقائهم، ومعها مصالحهم من حطام الدنيا الزائلة0
ونحن ان شاء الله في هذا الكتاب سنتناول مسألة التقية عند المسلمين عامة وعند الشيعة خاصه بإعتبار أنها من ضروريات مذهبهم، ونبين حقيقتها، وذلك في بابين.
الاول تعريف التقية ومشروعيتها من الكتاب والسنة وأقوال علماء المسلمين من شيعة وسنة فيها، ثم بيان حقيقة التقية عند الشيعة ومنزلتها وجذورها التاريخية، ثم ذكر نماذج للتطبيقات العملية في ذلك.
والباب الآخر دراسة الأسس الروائية لمبدأ التقية عند الشيعة وبيان تهافت أسانيدها، ومن ثم تهافت الأصول التي بنى عليها علماء مذهب التشيع هذا المبدأ .
وأخيرا بيان تعارض وخلاف تقية القوم مع الكتاب والسنة0
ونسأل الله أن يوفقنا لما فيه الخير، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين0
فيصل نور
1419 هـ
الباب الأول -التعريف والمشروعية
في لسان العرب مادة وقى: إتَّقَيتُ الشيء وتَقَيُته أتقِيه تقَيً وتَقِيّةً وتِقاء: حَذِرته.
ويقول ابن الأثير: وأصل اتقى: إوتَقَى فقلبت الواو ياء لكسرة قبلها ثم أبدلت تاء وأُدغمت.
ومنه حديث على: كنا إذا احمر البأس اتقينا برسول الله ، أي جعلناه وقاية من العدو .
وقال الراغب الإصفهاني: الوقاية: حفظ الشيء مما يؤذيه ويضره، يقال وقيت الشيء، أقِيه وقاية ووَقَاء .
وفي المعجم الوسيط: ووقى الشيء وقيا ووقاية: صأنه عن الأذى وحماه .
والتقية الخشية والخوف .
ويقول ابن حجر: ومعنى التقية الحذر من إظهار ما في النفس من معتقد وغيره للغير، واصله وقية بوزن حمزة فَعلَة من الوقاية .
مشروعية التقية من الكتاب والسنة(31/261)
وأصل مشروعية التقية مأخوذ من كتاب الله وسنة نبيه :
يقول الله : لا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ – آل عمران 28
ويقول: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَأنه إِلاَمَن أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِاْلإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيم – النحل - 106
و في الحديث عن النبي قال: إن الله وضع – وفي لفظ: تجاوز – عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه .
أقوال علماء أهل السنة في آيات التقية
يقول ابن كثير في تفسير الآيات: أي من خاف في بعض البلدان والأوقات من شرهم –أي الكافرون- فله ان يتقيهم بظاهره لا بباطنه ونيته .(31/262)
وقال الثوري: قال ابن عباس: ليس التقية بالعمل إنما التقية باللسان، وكذا قال أبوالعالية وابوالشعثاء والضحاك والربيع بن أنس ويؤيد ما قالوه قولُ الله تعالى: من كَفَرَ بِالله مِن بَعدِ إيمأنه إلا مَن أكرِه وقلبه مطمئن بالإيمان، هو استثناء ممن كفر بلسأنه ووافق المشركين بلفظه مكرها لما ناله من ضرب وأذى وقلبه يأبى ما يقول وهو مطمئن بالإيمان بالله ورسوله، والآية نزلت في عمار بن ياسر حين عذبه المشركون حتى يكفر بمحمد فوافقهم على ذلك مكرها وجاء معتذرا إلى النبي ، فقال: كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئنا بالإيمان، فقال رسول الله : إن عادوا فعد، ولهذا اتفق العلماء على ان من أكره على الكفر يجوز له أن يوالي إبقاءً لمهجته ويجوز ان يأبى كما كان بلال يأبى عليهم ذلك وهم يفعلون فيه الأفاعيل ويأمرونه بالشرك بالله فيأبى عليهم ويقول: أحد أحد، ويقول: والله لم أعلم كلمة هي أغيظ لكم منها لقلتها، وكذلك حبيب بن زيد الأنصاري لما قال له مسيلمة الكذاب: اتشهد أني رسول الله؟ فيقول: لا اسمع، فلم يزل يقطعه إرباً إربا وهو ثابت على ذلك0
ويقول الشوكاني: إلا أن تتقوا منهم تقاة، دليل على جواز الموالاة لهم مع الخوف منهم ولكنها تكون ظاهراً لا باطنا وخالف في ذلك قوم من السلف فقالوا: لا تقية بعد أن أعز الله الإسلام0
ويقول القرطبي: قال معاذ بن جبل ومجاهد: كانت التقية في جدة الإسلام قبل قوة المسلمين فأما اليوم فقد أعز الله الإسلام ان يتقوا من عدوهم، وقال ابن عباس: هو ان يتكلم بلسأنه وقلبه مطمئن ولا يقتل ولا يأتي مأثما، وقال الحسن: التقية جائزة للإنسان إلى يوم القيامة، ولا تقية في القتل، وقيل: أن المؤمن إذا كان قائما بين الكفار فله ان يداريهم باللسان إذا كان خائفا على نفسه وقلبه مطمئن بالإيمان 0
والتقية لا تحل إلا مع خوف القتل أو القطع أو الإيذاء العظيم ومن أكره على الكفر فالصحيح ان له ان يتصلب ولا يجيب الى التلفظ بكلمة الكفر0(31/263)
وقال: اجمع أهل العلم على أن من أكره على الكفر حتى خشي على نفسه القتل أنه لا إثم عليه إن كفر وقلبه مطمئن بالإيمان ولا تبين منه زوجته ولا يحكم بحكم الكفر، هذا قول مالك والكوفيين والشافعي، غير محمد بن الحسن فأنه قال: إذا أظهر الشرك كان مرتدا في الظاهر، وفيما بينه وبين الله تعالى على الإسلام، وتبين منه إمراته ولا يصلى عليه ان مات، ولا يرث أباه إن مات مسلما0 وهذا قول يرده الكتاب والسنة 0
وقال: ذهبت طائفة من العلماء الى ان الرخصة انما جاءت في القول، وأما في الفعل فلا رخصة فيه، يروى هذا عن الحسن اليصري والأوزاعي وسحنون0 وقالت طائفة: الإكراه في الفعل والقول سواء إذا أسرّ الإيمان0
وقال: أجمع العلماء على أن من أكره على الكفر فأختار القتل أنه أعظم أجراً عند الله ممن إختار الرخصة، وقد قال رسول الله : قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه فما يصده ذلك عن دينه والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون 0
ويقول الخازن: التقية لا تكون إلا مع خوف القتل مع سلامة النية، قال تعالى: إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان، ثم هذه التقية رخصة 0
ويقول الزمخشري: رخص لهم في موالاتهم إذا خافوهم، والمراد بتلك الموالاة مخالفة ومعاشرة ظاهرة والقلب مطمئن بالعداوة والبغضاء وانتظار زوال المانع 0
ويقول الرازي: التقية انما تكون إذا كان الرجل في قوم كفار ويخاف منهم على نفسه وماله فيداريهم باللسان 0 وظاهر الآية يدل على أن التقية إنما تحل مع الكفار الغالبين، إلا أن مذهب الشافعي أن الحالة بين المسلمين إذا شاكلت الحالة بين المسلمين والمشركين حلت التقية محاماة عن النفس 0(31/264)
ويقول الآلوسي: في الآية دليل على مشروعية التقية وعرفوها بمحافظة النفس أو العرض أو المال من شر الأعداء، والعدو قسمان: الأول من كانت عداوته على اختلاف الدين كالكافر والمسلم والثاني من كانت عداوته مبنية على أغراض دنيوية كالمال والمتاع والملك والإمارة 0 وقال في الأول إن الحكم الشرعي فيه أن كل مؤمن وقع في محل لا يمكن أن يظهر دينه لتعرض المخالفين وجب عليه الهجرة إلى محل يقدر فيه على إظهار دينه ولا يجوز له أصلا أن يتقي ويخفي دينه ويتشبث بعذر الاستضعاف فإن أرض الله تعالى واسعة 0 والقسم الثاني: فقد اختلف العلماء في وجوب الهجرة وعدمه فيه 0
ويقول محمد رشيد رضا: وقد استدل بعضهم بالآية على جواز التقية وهي مايقال أو يفعل مخالفا للحق لأجل توقي الضرر ولهم فيها تعريفات وشروط وأحكام، وقيل: إنها مشروعة للمحافظة على النفس والعرض والمال 0 وقيل لا تجوز التقية لأجل المحافظة على المال وقيل انها خاصة بحال الضعف0 وقيل بل عامة وينقل عن الخوارج أنهم منعوا التقية في الدين مطلقا وإن أكره المؤمن وخاف القتل لأن الدين لا يقدم عليه شيء0 ويرد عليهم قوله تعالى: من كفر بالله من بعد إيمأنه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان 0 وقصارى ما تدل عليه الآية ان للمسلم أن يتقي ما يتقى من مضرة الكافرين 0 وقصارى ماتدل عليه آية سورة النحل – إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان – ما تقدم آنفا وكل ذلك من باب الرخص لأجل الضرورات العارضة لا من أصول الدين المتبعة دائما ولذلك كان من مسائل الإجماع وجوب الهجرة على المسلم من المكان الذي يخاف فيه إظهار دينه ويضطر فيه إلى التقية 0(31/265)
ويقول المراغي: ترك موالاة المؤمنين للكافرين حتم لازم في كل حال إلا في حال الخوف من شيء تتقونه منهم، فلكم حينئذ أن تتقوهم بقدر ما يبقى ذلك الشيء، إذ القاعدة الشرعية: ان درء المفاسد مقدم على جلب المصالح 0 ويقول في قوله تعالى: إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان، ويدخل في التقية مداراة الكفرة والظلمة والفسقة 0
وعلى هذه الأقوال سار بقية المفسرين والعلماء من أهل السنة والجماعة 0
إذن فالتقية رخصة يلجأ إليها المسلم إذا وقع تحت ظروف عصيبة جدا تصل الي حد إلقتل والإيذاء العظيم تضطره الى إظهار خلاف ما يبطن 0
وهي غالبا ما تكون مع الكفار، واتفقوا على هذا التصور العام، على خلاف يسير في بعض ما يتعلق بالمسألة كالقول بزوالها بعد عزة الإسلام، أو جوازها الي يوم القيامة، وافضلية اختيار العزيمة عليها في مواطن الإكراه، وكونها جائزة بين المسلمين إذا شاكلت الحالة بينهم الحالة بين المسلمين والكافرين، وغيرها مما مر بك، وهي لا تخرج في جميع احوالها عن كونها رخصة في حال الضرورة 0
أقوال علماء الشيعة في هذه الآيات
وننتقل الآن الى ذكر أقوال علماء الشيعة في تفسير الآيات السابقة ثم نشرع في بيان المقصود:
يقول القمي: هذه الآية رخصة ظاهرها خلاف باطنها يدان بظاهرها ولا يدان بباطنها إلا عند التقية، إن التقية رخصة للمؤمن
ويقول الطوسي: التقية الإظهار باللسان خلاف ما ينطوي عليه القلب للخوف على النفس إذا كان ما يبطنه هو الحق فإن كان ما يبطنه باطلا كان ذلك نفاقا، والتقية عندنا واجبة عند الخوف على النفس وقد روي رخصة في جواز الإفصاح بالحق(31/266)
ويقول الطبرسي: التقية الإظهار باللسان خلاف ما ينطوي عليه القلب للخوف على النفس، والمعنى أن يكون الكفار غالبين والمؤمنون مغلوبين فيخافهم المؤمن إن لم يظهر موافقتهم ولم يحسن العشرة معهم فعند ذلك يجوز له إظهار مودتهم بلسأنه ومداراتهم تقية منه ودفعا عن نفسه من غير أن يعتقد ذلك وفي ذلك الآية دلالة أن التقية جائزة في الدين عند الخوف على النفس .
وقال في جوامع الجامع: هذه رخصة في موالاتهم –الكفار- عند الخوف، والمراد بهذه الموالاة المخالفة الظاهرة والقلب مطمئن بالعداوة
ويقول الكاشاني: منع من موالاتهم ظاهرا وباطنا في الأوقات كلها إلا وقت المخافة فإن إظهار الموالاة حينئذ جائز بالمخالفة
ويقول شبر: إلا أن تتقوا منهم تقاة، تخافوا من جهتهم ما يجب اتقاؤه ورخص لهم إظهار موالاتهم إذا خافوهم مع إبطان عداوتهم وهي التقية التي تدين بها الإمامية
ويقول الجنابذي: ان خاف أحد من الكافرين على نفسه أو ماله أو عياله أو عرضه أو إخوأنه المؤمنين جاز له إظهار الموالاة مع الكافرين مخالفة لما في قلبه لا أنه يجوز موالاتهم حقيقة فإن التقية المشروعة المأمور بها ان تكون على خوف من معاشرك إن اطلع على ما في قلبك، فتظهر الموافقة له بما هو خلاف ما في قلبك
ويقول الحائري: مثل أن يكون المؤمن بينهم – أي الكافرين- ويخاف منهم فإن الموالاة حينئذ مع اطمئنان النفس بالعداوة والبغضاء وإنتظار زوال المانع فحينئذ لا بأس، وهذه رخصة فلو صبر حتى قتل كان أجره عظيما
ويقول الطباطبائي: التقرب من الغير خوفا بإظهار آثار التولي ظاهرا من غير عقد القلب على الحب والولاية ليس من التولي في شيء، وفي الآية دلالة ظاهرة على الرخصة في التقية على ما روي عن ائمة أهل البيت عليهم السلام كما تدل عليه الآية النازلة في قصة عمار وأبويه ياسر وسمية0(31/267)
ويقول السبزواري: إن من خالط الكفار وعايشهم، لا بأس له بأن يظهر مودتهم بلسأنه ومداراتهم تقية منهم ودفعا لضررهم عن نفسه من غير عقيدة بهم وبطريقتهم ومسلكهم، وقيل: التقية رخصة والإفصاح بالحق فضيلة وان قتل القائل، يشهد على ذلك قصة عمار ووالديه0
ويقول عبدالحميد المهاجر: الآية صريحة في أن الإسلام لا يسمح لك أن تتخذ الكافر وليا من دون المؤمنين00إلا إذا وجدت نفسك في مأزق لا تستطيع الخروج منه بغير إعلان التقية وهي أنك تقول شيئا أو تفعل شيئا بخلاف ماتعتقد من أجل الحفاظ على نفسك والإبقاء على حياتك
ويقول ناصر مكارم: إلا أن تتقوا منهم تقاة، هذا استثناء من الحكم المذكور، وهو إذا اقتضت الظروف فللمسلمين أن يظهروا الصداقة لغير المؤمنين الذين يخشون منهم على حياتهم0
وقال: أما إذا كانت التقية سببا في ترويج الباطل وضلالة الناس وإسناد الظلم فهي هنا حرام .
وعلى هذا المنوال سائر بقية المفسرين والعلماء من الشيعة في بيان المسألة، ويظهر مما سبق أنهم لا يختلفون مع أهل السنة والجماعة في مفهوم التقية كما مر ذكره .
وأضاف آخرون من القوم ان مجال التقية إنما هو حدود القضايا الشخصية الجزئية عند وجود الخوف على النفس والنفيس
وزعم البعض: أن التقية لا تدخل في باب العقائد عندهم لأنها إذن ورخصة تباح في بعض الحالات الخاصة التي حددتها كتب الفقهاء، ويعدون التقية من الفروع ولا ينزلونها منزلة العقائد لأنها رخصة
وأدعى آخرون منهم أنه لا مكان للتقية في زماننا هذا، ولا مسوغ لها ولا مبرر، وأنها اصبحت في خبر كان 0
حقيقة التقية عند الشيعة و منزلتها وبيان مشروعيتها عندهم في الأمن ودون توفر أسبابها
وبعد، لنشرع الآن في بيان المقصود، فنقول: إن حقيقة التقية ومقاصدها وممن تجوز عند الشيعة تختلف تماما عما مر بك آنفا، فبيانهم للتقية بهذه الصورة هو في ذاته أول تطبيق عملي للتقية، فهي تقية مركبهً إن صح التعبير، وإليك بيان ذلك:(31/268)
يعتقد الشيعة خلافا لما مر من أن التقية واجبة لا يجوز تركها إلى يوم القيامة، وأن تركها بمنزلة من ترك الصلاة، وأنها تسعة أعشار الدين، ومن ضروريات مذهب التشيع، ولا يتم الإيمان إلا بها، وليست رخصة في حال الضرورة كما مر، بل هي ضرورة في ذاتها وإنما تكون من مخالفيهم في المذهب0
يقول الصدوق: اعتقادنا في التقية أنها واجبة0 من تركها بمنزلة من ترك الصلاة، ولا يجوز رفعها إلى أن يخرج القائم، فمن تركها قبل خروجه فقد خرج عن دين الله وعن دين الإمامية وخالف الله ورسوله والأئمة
ويقول صاحب الهداية: والتقية واجبة لا يجوز تركها إلى أن يخرج القائم فمن تركها فقد دخل في نهي الله ونهي رسول الله والأئمة صلوات الله عليهم
ويقول العاملي: الأخبار متواترة صريحة في أن التقية باقية إلى أن يقوم القائم
ويقول الخميني: وترك التقية من الموبقات التي تلقي صاحبها قعر جهنم وهي توازي جحد النبوة والكفر بالله العظيم
وقد وضعوا على لسان النبي ، وأمير المؤمنين علي وبقية أئمة أهل البيت رحمهم الله ما يؤيد هذا الاعتقاد:
فرووا عن النبي أنه قال: تارك التقية كتارك الصلاة
ومثله عن الصادق رحمه الله أنه قال: لو قلت: إن تارك التقية كتارك الصلاة لكنت صادقا
ورووا: تارك التقية كافر
وعن رسول الله قال: التقية من دين الله ولا دين لمن لا تقية له والله لولا التقية ما عبد الله
ورووا عن علي أنه قال: التقية ديني ودين أهل بيتي
وعن الباقر رحمه الله أنه قال: التقية من ديني ودين آبائي، ولا إيمان – وفي لفظ ولا دين -لمن لا تقية له
وعن الصادق رحمه الله أنه قال: إن تسعة أعشار الدين في التقية، ولا دين لمن لا تقية له
وعنه ايضا أنه قال: إن التقية ترس المؤمن، والتقية حرز المؤمن، ولا إيمان لمن لا تقية له
وقوله: لا خير فيمن لا تقية له، ولا إيمان لمن لا تقية له .
وقوله: أبى الله لنا ولكم في دينه إلا التقية .(31/269)
وقوله: التقية من دين الله ، قلت – أي الراوي-: من دين الله؟ قال: أي والله من دين الله .
وقوله: لا دين لمن لا تقية له، وإن التقية لأوسع مما بين السماء والأرض، وقال: من يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يتكلم في دولة الباطل إلا بالتقية .
وقوله: يغفر الله للمؤمنين كل ذنب ويطهر منه الدنيا والآخرة ما خلا ذنبين: ترك التقية وتضييع حقوق الإخوان
ورووا عن الرضا رحمه الله أنه قال: لا دين لمن لا ورع له، ولا إيمان لمن لا تقية له، إن أكرمكم عند الله أعملكم بالتقية
ولم يقتصر الأمر على هذا بل وضعوا روايات ترغب في العمل بالتقية:
فرووا عن الرسول أنه قال: مثل مؤمن لا تقية له كمثل جسد لا راس له
وعن علي أنه قال: التقية من أفضل أعمال المؤمنين
وعن زين العابدين رحمه الله أنه سئل: من أكمل الناس في خصال الخير؟ قال: أعملهم بالتقية
وعن الباقر أنه قال للصادق رحمهما الله: ما خلق الله شيئا أقر لعين أبيك من التقية، والتقية جنة المؤمن .
وعنه أنه قال: أشرف أخلاق الأئمة والفاضلين من شيعتنا التقية
وعن الصادق أنه قال: ما عُبِدَ الله بشيءٍ احب إليه من الخبء، قيل: وما الخبء؟ قال: التقية
وعن سفيان بن سعيد، عن الصادق قال: يا سفيان عليك بالتقية فإنها سنة إبراهيم الخليل
وعنه أيضا قال: إنكم علي دين من كتمه أعزة الله ومن أذاعه أذله الله
وعن حبيب بن بشير عن الصادق قال: سمعت أبي بقول: لا والله ما على وجه الأرض شيء أحب إليَّ من التقية، يا حبيب أنه من كانت له تقية رفعه الله، يا حبيب من لم يكن له تقية وضعه الله
وعنه أيضا قال: استعمال التقية في دار التقية واجب، ولا حنث ولا كفارة على من حلف تقية(31/270)
وعنه أيضا أنه قال: يؤتى بالواحد من مقصري شيعتنا في أعماله بعد أن صان الولاية والتقية وحقوق إخوأنه ويوقف بإزائه ما بين مائة وأكثر من ذلك الى مائة ألف من النصاب – أي أهل السنة – فيقال له: هؤلاء فداؤك من النار، فيدخل هؤلاء المؤمنون الجنة وأولئك النصاب النار 0
ثم وضعوا روايات ترهب من ترك التقية قبل خروج المهدي المنتظر:
فعن الصادق أنه قال: ليس منا من لم يلزم التقية
وقال: إذا قام قائمنا سقطت التقية
وعن الرضا أنه قال: من ترك التقية قبل خروج قائمنا فليس منا
والطريف أن مهدي القوم نفسه في تقية كما يزعمون
وبهذا نكون قد وقفنا على شيئ من حقيقة التقية ومنزلتها عند الشيعة .
ولاشك أنك لا تجد أحداً من القوم يذكر عند كلامه عن التقية هذه الحقائق، فغالبا ما تراهم يرددون أقوال أهل السنة في المسألة ويظهرونها بأنها من المسلمات عند الفريقين وأنهم – أي الشيعة - لا يختلفون عن سائر فرق المسلمين في تعريف التقية من أنها رخصة وقتيه يلجأ إليها المسلم في حال الضرورة لرفع ضرر كبير يقع عليه ويؤدي به إلى النطق بكلمة الكفر أو إظهار خلاف ما يبطن شريطة أن يكون قلبه مطمئناً بالإيمان0
فالقوم إذن لا يرون في التقية أنها مشروعة في حال الضرورة، لذا تراهم قد وضعوا روايات تحث عليها من دون ان تتوفر أسبابها أو تكون قائمة كالخوف أو الإكراه، حتى تكون بذلك مسلكا فطريا عند الشيعة في حياتهم تصاحبهم حيث ذهبوا .
فرووا مثلا عن الصادق أنه قال: عليكم بالتقية فأنه ليس منا من لم يجعله شعاره ودثاره مع من يأمنه لتكون سجيته مع من يحذره
ورووا: اتق حيث لا يُتَّقى
ويذكر الخميني في معرض كلامه عن أقسام التقية أن منها التقية المداراتية وعرفها بقوله: وهو تحبيب المخالفين وجر مودتهم من غير خوف ضرر كما في التقية خوفا .(31/271)
فهو يؤكد خلاصة عقيدة التقية عند القوم من أنها لا تعلق لها بالضرر أو الخوف الذي من أجله شرعت التقية، بل قالها صراحةً ان التقية واجبة من المخالفين ولو كان مأمونا وغير خائف على نفسه وغيره
ويضيف آخر: وقد تكون التقية مداراةً من دون خوف وضرر فِعلِي لجلب مودة العامة والتحبيب بيننا وبينهم
ويقول آخر: ومنها التقية المستحبة وتكون في الموارد التي لا يتوجه فيها للإنسان ضرر فِعِلي وآني ولكن من الممكن ان يلحقه الضرر في المستقبل، كترك مداراة العامة ومعاشرتهم
وهكذا نجد ان شروط المشروعية كالخوف أو الضرر قد سقطت، وهي أصل جواز التقية، لنتبين شيئا فشيئا اختلاف تقية القوم عن مفهومها عند غيرهم من المسلمين0
الصفحة التالية
- أنظر هذا الحديث ايضا في: عوالي اللئالي، 1/98
- تفسير القمي، 1/108
- تفسير التبيان، 2/433
- مجمع البيان، 1/730
- جوامع الجامع، 1/167
- تفسير الصافي، 1/302
- تفسير شبر، 1/53
- بيان السعادة في مقامات العبادة، 1/255
- مقتنيات الدرر، 2/182
- تفسير الميزان، 3/153
- الجديد في تفسير القرآن، 2/39
- اعلموا أني فاطمة، 7/208
- الأمثل،2/333
- مع الشيعة الإمامية في عقائدهم، 94
- تاريخ الإمامية، 166 شبهات حول الشيعة، 25
- التفسير الكاشف، 2/44 الجوامع والفوارق بين السنة والشيعة، 227 مع الشيعة الإمامية في عقائدهم،لجعفر السبحاني، 95 الشيعة في الميزان، 52
- الاعتقادات، 114
- البحار، 75/421 المستدرك، 12/254
- مرآة الأنوار، 337
- المكاسب المحرمة، 2/162
- جامع الأخبار، 95 البحار، 75/412
- البحار، 50/181، 67/103، 75/414، 421 السرائر، 476 كشف الغمة، 3/252 الفقيه، 2/127 الوسائل، 10/131 المستدرك، 12/254،274 كشف الغمة، 2/389 تحف العقول، 483
- البحار، 87/347 فقه الرضا، 338
- المستدرك، 12/252
- المستدرك، 12/252(31/272)
- البحار، 13/158، 66/495، 67/103، 75/77،422،431، 80/300 الكافي، 2/219،224 العياشي، 1/166 مشكاة الأنوار، 42 دعائم الإسلام، 1/110 الوسائل، 16/204،210،236 المستدرك، 12/255، 16/68 جامع الأخبار، 95
- البحار، 66/486، 75/394،399،423، 79/172، 80/267 الخصال، 1/14 المحاسن، 259 الكافي، 1/217، 2/217 الوسائل، 16/204،215
- البحار 75/394، 437 قرب الإسناد، 17 نور الثقلين، 3/89 الكافي، 2/221 الوسائل، 16/227
- البحار، 75/397 المحاسن، 257 العلل، 51 المستدرك، 12/254
- الكافي، 2/218 البحار، 75/428
- العلل، 51 البحار، 75/425 الكافي، 2/217 الوسائل، 16/209،215 مشكاة الأنوار، 43
- البحار، 75/412 جامع الأخبار، 95 المستدرك، 12/256 مشكاة الأنوار، 42
- البحار، 68/163، 74/229، 75/409،415 تفسير العسكري، 128 وسائل الشيعة، 11/474، 16/223 جامع الأخبار، 95
- البحار، 75/395 كمال الدين، 346 نور الثقلين، 4/47 منتخب الأثر، 220
- تفسير العسكري، 320 الوسائل، 11/473 البحار، 74/229، 75/414 مستدرك الوسائل، 9/48 جامع الأخبار، 110
- البحار، 75/414 تفسير العسكري، 127 الوسائل، 11/473، 16/222 جامع الأخبار، 94
- البحار، 75/417 تفسير العسكري، 128
- الخصال، 1/14 البحار، 75/394،398،412، 432، 78/287 المحاسن، 258 جامع الأخبار، 95 الكافي، 2/220 التحف، 307 الوسائل، 16/204،211 مشكاة الأنوار، 43 المستدرك، 12/257،289
- البحار، 75/415 تفسير العسكري، 127
- البحار، 75/396 معاني الأخبار، 162 الوسائل، 16/207،219
- البحار، 13/135، 75/396 معاني الأخبار، 386 الوسائل، 16/208
- البحار، 75/397، 412 المحاسن، 257 جامع الأخبار، 110 الكافي، 2/222 الرسائل، للخميني 2/185
- البحار، 75/398، 426 المحاسن، 256 الكافي، 2/217 مشكاة الأنوار، 41
- البحار، 75/394، 395، 104/218 الخصال، 2/153 عيون أخبار الرضا، 2/124 الوسائل، 15/49،50، 16/210، 23/226(31/273)
- البحار، 8/44 تفسير العسكري، 242 البرهان، 2/325
- البحار، 75/395 أمالي الطوسي، 287 الوسائل، 11/466
- إثبات الهداة، 3/564 البحار، 24/47 كنزالفوائد، 282
- البحار، 75/411،396 كمال الدين، 346 نور الثقلين، 4/47 إثبات الهداة، 3/477، 567 جامع الأخبار، 95 منتخب الأثر، 220 الوسائل، 16/212 كشف الغمة، 2/524 مشكاة الأنوار، 43 كفاية الأثر، 274
- الفصول المختارة، 76
- البحار، 75/395 أمالي الطوسي، 299 الوسائل، 11/466
- البحار، 78/347 فقه الرضا، 338
- الرسائل، 2/174 ( حول اقسام التقية)
- الرسائل، 2/201
- بداية المعارف الإلهية، لمحسن الخرازي، 430
- أجوبة الشبهات، لدستغيب، 159
=========================0
الأخماس الشيعية والفريضة الشرعية
مقدمة كتاب الخمس بين الفريضة الشرعية والضريبة المالية
هذا الكتاب
إن كنت ممن قَيَّد لجامُ التقليد عقله، أو غطى ضباب التعصب بصيرته، فلا تضيع دقائق عمرك الثمينة في قراءته، فإنك لن تنتفع به ولست من المقصودين بتأليفه.
وأما إذا كنت ممن تذوق حلاوة العيش في ظلال قول رسولك الكريم وإمامك الحكيم محمد صلى الله عليه وآله وسلم: {الحكمة ضالة المؤمن أنَّى وجدها فهو أحقُّ بها} فاقرأه فإنه نافعك بإذن الله، ولن تضيع فيك جهود أيام وليال، بل... سنين من عمري الثمين.
المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي هدانا لمحكم كتابه وتنزيله ونجَّانا ممن ((فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ)) [آل عمران:7] والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله، الذي بعثه الله تعالى ليبين للناس ما نُزل إليهم ويحكم بينهم فيما اختلفوا فيه بقوله وفعله وتقريره.
وبعد:(31/274)
فهذه رسالة مختصرة في حكم (الخمس): هل هو فرض جعله الله في الأموال المغنومة من الكفار المحاربين؟ أم هو (ضريبة دخل) على مكاسب المسلمين المسالمين؟ وذلك بالأدلة النقلية الصحيحة والحجج العقلية الصريحة التي يفرضها المنطق ويسندها الواقع ويؤيدها التاريخ أضعها بين يدي كل مسلم متفتح العقل، حي الضمير، ينظر إلى الأمور ببصيرة نافذة، وعقلية محايدة ونية خالصة.
لعلّنا نفيق من سكرتنا، ونقوم من وهدتنا فتجتمع كلمتنا، وما ذلك على الله بعزيز.
المؤلف
1419هـ - 1998م
تمهيد
ورد ذكر (الخمس) في القرآن الكريم مرة واحدة فقط وذلك في سورة الأنفال في قوله تعالى: ((وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) [الأنفال:41] * ((إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ)) [الأنفال:42].(31/275)
ومن المعلوم أن سورة (الأنفال) كلها نزلت تعقيباً على معركة بدر الكبرى التي يسميها الله بـ(يوم الفرقان)، والتي هي أول معركة قادها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضد المشركين انتصر فيها المسلمون وغنموا أموال أعدائهم فاحتاجوا إلى معرفة كيفية تقسيمها وتصريفها بعد أن اختلفوا في ذلك وصاروا فريقين ورأيين مختلفين، كما أخبر الله عنهم في مطلع السورة بقوله: ((يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَنْفَالِ قُلْ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ)) [الأنفال:1].
ثم في وسط السورة نزلت آية الخمس تبين لهم وتحكم بينهم في ما اختلفوا فيه.
ثم السورة كلها حديث عن تلك المعركة الفاصلة وأحداثها والدروس المستخلصة منها.
وعلى هذا التقسيم سار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حياته كلها والخلفاء الراشدون من بعده- بما فيهم أمير المؤمنين علي عليه السلام في الأموال التي كانوا يظفرون بها من أعدائهم المحاربين.
ومن الناحية التاريخية، فإنه لا يعرف عن أحد منهم أنه كان يَفرض على مكاسب المسلمين وأموالهم شيئاً اسمه (الخمس)، بل ولا على أموال المسالمين من الكافرين -أهل الذمة- وإنما هي الزكاة والصدقات والخراج والجزية وأمثالها.
ومن خلال متابعتي لهذا الموضوع العلمية والميدانية، وتعرفي على أدلة الفريقين توصلت إلى حقائق مهمة جداً، قد يكون بعضها يكشف عنه النقاب لأول مرة! أحببتُ أن أضعها بين يدي إخواني المسلمين دون تفريق بين طائفة أو مذهب، بل خدمة للحق والحقيقة.
وسأبدأ بالكلام عن حكم خمس المكاسب في النصوص الواردة عن (الأئمة) في المصادر المعتمدة، واختلافه الواضح عنه في فتاوى الفقهاء، ثم أتكلم عن هذا الموضوع عموماً، وهل المقصود به في الآية الكريمة (آية الأنفال) خمس المكاسب أم خمس الغنائم؟ وذلك في الباب الثاني إن شاء الله تعالى.(31/276)
الباب الأول: خمس المكاسب بين أقوال (الأئمة) وفتاوى الفقهاء، الفصل الأول: حقائق خطيرة ومثيرة
من خلال دراستي لموضوع خمس المكاسب اكتشفت حقائق مهمة -في غاية الأهمية- ومع ذلك فهي -حسب علمي- مجهولة تماماً لدى جميع الذين يقومون بدفعه وأدائه إلى المجتهدين أو (السادة) المنتسبين إلى بيت أمير المؤمنين علي عليه السلام، وتأتي أهمية هذه الحقائق من كونها تحدث انقلاباً كاملاً في نظرة من يطلع عليها ومفهومه القديم (للخمس)، وسيكتشف لأول مرة الفرق الهائل بين التقاليد الموروثة والحقائق المجهولة! ولا يحتاج بعدها إلاَّ إلى شيء من الجرأة والاستقلالية في الرأي للتمرد على الموروث الخاطئ من أجل الحقيقة الصحيحة، من هذه الحقائق:
الحقيقة الأولى:
إن أداء خمس المكاسب إلى الفقيه لا يستند إلى أي دليل ولا أصل له بتاتاً في أي مصدر من المصادر الحديثية الشيعية المعتمدة([1])، وبعبارة أخرى أصرح وأوضح:
إن هذا الأمر لا يستند ولو إلى نص واحد أو دليل منقول عن الأئمة المعصومين الذين ينبغي أن يكون اعتماد المذهب عليهم ومرجع فتاوى علمائه -لاسيما في الأمور العظيمة- إليهم يدل -أو حتى يشير مجرد إشارة- إلى ما يفعله الكثير اليوم طبقاً إلى الفتاوى التي توجب على المقلد إعطاء خمس أرباحه وأمواله وكسبه إلى الفقيه، إذ لا وجود لهذا النص في أي مصدر من المصادر المعتمدة -كما أسلفت- فهل تصدّق؟!!
الحقيقة الثانية:
وهي أعظم وأعجب! وبقدر ما هي كذلك فهي مجهولة أو مستورة بحيث لا يعرفها أحدٌ من الجماهير التي تعتقد بوجوب دفع (الخمس)... هذه الحقيقة هي:
إن كثيراً من النصوص الواردة عن الأئمة تسقط (الخمس) عن الشيعة وتبيحه لهم -خصوصاً- في زمن الغيبة إلى حين ظهور المهدي المنتظر.
الحقيقة الثالثة:
وهي أعظم وأطم!! إن هذه النصوص تجعل حكم أداء الخمس للإمام ذاته وفي حالة حضوره الاستحباب أو التخيير بين الأداء وتركه وليس الوجوب.
الحقيقة الرابعة:(31/277)
وهي غريبة حقاً وملفتة للنظر بشكل مثير! إن أحداً من علماء المذهب الأقدمين الذين عليهم قام المذهب وتكون، كالشيخ المفيد (ت 413هـ) أو السيد المرتضى علم الهدى (ت 436هـ)، أو شيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي (ت 460هـ)، وغيرهم لم يذكر قط مسألة إعطاء الخمس إلى الفقهاء، بل ربما لم تخطر لهم على بال.
الحقيقة الخامسة:
وهي عجب في عجب!! تظهر هذه الحقيقة جلية بمجرد إجراء مقارنة سريعة بين حكم أداء الخمس للفقيه وأدائه للإمام، إذ يلاحظ التناقض التام بين الحكمين:
فمع أن الخمس -حسب النظرية الإمامية - هو حق الإمام إلا أن حكم أدائه إليه في كثير من الروايات المعتبرة الاستحباب وليس الوجوب -كما سيأتي من خلال عرض هذه الروايات لاحقاً- فكيف ارتقت درجة أدائه إلى الفقيه، فصار حكمه واجباً؟! في حين أن الفتوى التي أدخلت الفقيه في الموضوع إنما أدخلته بقياسات واجتهادات غايتها أن تجعل منه نائباً أو وكيلاً عن صاحب الحق (الإمام) لا أكثر.
فكيف تغير الحكم وارتفع من درجة الاستحباب إلى الوجوب مع أن المنطق يقضي في أن يكون -في أحسن أحواله- مشتركاً بينهما أي: مستحباً مع الالتفات إلى الفارق الكبير بين الفقيه وبين الإمام المعصوم في الدرجة والمنزلة فكان المفترض أن ينزل الحكم من الاستحباب إلى الإباحة وهذا هو الذي جاءت به كثير من النصوص عن الأئمة وقال به كثير من الفقهاء، والمقصود بالإباحة هنا أن صاحب المال يباح له التصرف بماله دون أن يطالب بأداء خمسه إلى أي جهة كانت.
الحقيقة السادسة:
إن نظرية الخمس في أصل تكوينها تجعل للإمام نفسه نصف الخمس، وهو حق الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وذي القربى. أما النصف الآخر فهو لليتامى والمساكين وابن السبيل من بني هاشم، يُعطى له أي الإمام ليفرقه فيهم لا ليأخذه لنفسه([2]).
إلا أن الواقع المشاهَد أن الفقيه يأخذ الخمس كله دون مراعاة هذه القسمة.(31/278)
فكيف؟! هل يباح للفقيه من الحقوق ما لا يباح للإمام ذاته؟! أم ماذا؟
الحقيقة السابعة:
إن نظرية الخمس في شكلها الأخير تقسم الخمس نصفين -كما أسلفت في الحقيقة السادسة- نصف للفقيه باعتباره نائباً عن الإمام، ونصف لفقراء بني هاشم (يتاماهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم) وليس للغني ذكر فيها.
وإذن فليس للأغنياء الذين ينتسبون إلى أهل البيت نصيب فيه؛ لأنهم ليسوا من صنف الفقهاء ولا من صنف الفقراء، فما يفعله هؤلاء من أخذ الأموال باسم الخمس بحجة النسب باطل لا يسنده دليل.
وهذه الحقيقة مجهولة من قبل عامة من يقوم بدفع (الخمس) إليهم إذ يدفعون تلك الأموال لكل من يدعي النسبة دون النظر إلى كونه غنياً أم فقيراً.
الحقيقة الثامنة:
وهكذا نصل إلى القول بأن إخراج (الخمس) وإعطاءه إلى الفقهاء لا يستند إلى أي نص عن أي إمام معصوم، وإنما هو فتوى مختلفٌ فيها لبعض -وليس جميع- الفقهاء المتأخرين -وليس المتقدمين-.
وقد اختلف الفقهاء فيها وفي تفصيلاتها كثيراً، من فقيه إلى فقيه، ومن زمان إلى زمان، وظلت هذه الفتوى تعاني من النقص ومن إجراءات التحوير والتطوير جيلاً بعد جيل، وقرناً بعد قرن، دون أن تستقر على صورة نهائية وإلى اليوم!! مما يجعل كل عارف بهذه الحقائق على يقين من عدم استناد هذه الفتوى إلى دليل.
-------------
([1]) هي الكتب الأربعة: الكافي للكليني، وفقيه من لا يحضره الفقيه لابن بابويه القمي، وتهذيب الأحكام، والاستبصار لشيخ الطائفة الطوسي.
([2]) انظر: النهاية في مجرد الفقه والفتاوى للطوسي (ص:265).
الفصل الثاني: الأدلة التفصيلية على الحقائق السابقة
النصوص الواردة عن الأئمة المعصومين في إسقاط الخمس:-
* عن أبي عبد الله عليه السلام -وقد سئل-: [[من أين دخل على الناس الزنا؟ قال: من قبل خمسنا أهل البيت. إلا شيعتنا الأطيبين فإنه محلل لهم لميلادهم]]([1]).(31/279)
في هذا النص يظهر واضحاً أن الإمام الصادق أباح الخمس لشيعته، وهذا مع وجوده وحضوره، وأن الشيعة غير ملزمين بدفعه من أجل أن يطيب ميلادهم، ولا يكونوا أبناء زنا إذا امتنعوا عن أدائه كبقية الناس من غير الشيعة الذين دخل عليهم الزنا بذلك!
* عن أحدهما عليه السلام قال: [[إن أشد ما فيه الناس يوم القيامة صاحب الخمس، فيقول: يا رب خمسي.
وقد طيَّبنا ذلك لشيعتنا لتطيبَ ولادتهم ولتزكوَ أولادهم]].([2]).
وقد رواه الطوسي في الاستبصار هكذا: [[إن أشد ما فيه الناس يوم القيامة أن يقوم صاحب الخمس فيقول: يا رب خمسي، وقد طيَّبنا ذلك لشيعتنا لتطيب ولادتهم وليزكو أولادهم]].([3]).
وهذا النص كسابقه في إباحة الخمس للشيعة وعدم إلزامهم به حتى في زمن حضور الإمام.
* عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى: [[((وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى)) [الأنفال:41]- قال: هي والله الإفادة يوماً بيوم إلا أن أبي جعل شيعته في حل ليزكوا]].([4]).
* عن أبي عبد الله عليه السلام قال: [[إن الناس كلهم يعيشون في فضل مظلمتنا، إلا أنَّا أحللنا شيعتنا من ذلك]].([5]).
والنصان الأخيران واضحا الدلالة على أن الأئمة قد أحلوا الخمس لشيعتهم وأسقطوه عنهم.
* عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- [[وهو يتحدث عن أنهار الدنيا الخمسة فما سقت أو استقت فهو لنا، وما كان لنا فهو لشيعتنا، وليس لعدوّنا منه شيءٌ إلا ما غصب عليه، وإن وليَّنا لفي أوسع مما بين ذه إلى ذه]] يعني: ما بين السماء والأرض.[6]
تأمّل قول الإمام: (ما كان لنا فهو لشيعتنا) أي: إن حق الإمام ملك لشيعته أباحه لهم. والمالك حُرٌّ في تصرفه بملكه، فإذا كان الإمام نفسه قد ملّك شيعته ما كان له من نصيب في الخمس فبأي حق يأتي من وضع نفسه وكيلاً عنه دون توكيل منه ليطالب بحقه الذي تنازل عنه، بل يشدد في المطالبة؟!.(31/280)
إذا كان لرجل على آخر دين تنازل له عنه والتنازل مكتوب في وثيقة مصدقة ومعتبرة، ثم مات الرجل فهل من حق ورثته المطالبة بالدين؟
أليست هذه الروايات وغيرها من أمثالها وثائق معتبرة يمكن إبرازها من قبل أي مسلم عند من يطالبه بشيء اسمه الخمس؟!
وإذا لم تكن هذه وثائق معتبرة فبأي رواية يمكن أن يكون الاعتبار؟ ولماذا يضرب بهذه الروايات عرض الحائط حتى كأنها لم توجد، ويؤخذ بغيرها من أمثالها؟! وتأمل-أيضاً- قوله عليه السلام: (وإن ولينا لفي أوسع مما بين ذه إلى ذه). أي: لا يجب عليه شيء إذ هو في سعة من أمره أوسع مما بين السماء والأرض!
* عن أبي عبد الله عليه السلام -وقد جاءه أحد أتباعه بمال فرده عليه وقال:- [[قد طيبناه لك وأحللناك فيه فضم إليك مالك وكل ما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون حتى يقوم قائمنا]].([7]).
وهذا تطبيق عملي للروايات السابقة في إباحة الخمس، وإذا جمعنا هذه الروايات إلى غيرها يتبين لنا أن الخمس مباح من قبل الإمام الصادق عليه السلام ومن بعده حتى يقوم القائم - أي المهدي المنتظر -، فمن أوجبه إذن، إذا كان الإمام نفسه قد أباحه؟!
* عن يونس بن يعقوب قال: [[كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فدخل عليه رجل من القماطين فقال: جعلت فداك تقع في أيدينا الأرباح والأموال وتجارات نعرف أن حقك فيها ثابت وإنا عن ذلك مقصرون، فقال عليه السلام: ما أنصفناكم أن كلفناكم ذلك اليوم]].([8]).
وهذا فيه أن التكليف بدفع الخمس ينافي الإنصاف!! هذا والإمام حاضر فكيف وقد غاب؟!
* عن علي بن مهزيار أنه قال: [[قرأت في كتاب لأبي جعفر عليه السلام إلى رجل يسأل أن يجعله في حل من مأكله ومشربه من الخمس فكتب عليه السلام بخطه: من أعوزه شيءٌ من حقي فهو في حل]].([9]).(31/281)
* جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام قال: [[يا أمير المؤمنين أصبت مالاً أغمضتُ فيه أفلي توبة؟ قال: ائت بخمسه، فأتاه بخمسه فقال: هولك، إن الرجل إذا تاب تاب مالُه معه]].([10]).
وقد بوَّب الطوسي في الاستبصار: (باب ما أباحوه لشيعتهم -عليهم السلام- من الخمس حال الغيبة)([11]) أورد تحته عدة روايات منها ما سبق ذكرها ومنها:
* عن أبي عبد الله عليه السلام قال: [[هذا لشيعتنا حلال الشاهد منهم والغائب، والميت منهم والحي ومن تولَّد منهم إلى يوم القيامة فهو لهم حلال]].([12]).
* عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: [[هلك الناس في بطونهم وفروجهم؛ لأنهم لم يؤدوا إلينا حقنا، ألا وإن شيعتنا من ذلك وآباءهم في حل]].([13]).
* وروى في موضع آخر الرواية التالية:- عن أبي عبد الله عليه السلام قال: {كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وكان ذلك له، ثم يقسم ما بقي خمسة أخماس، ثم يأخذ خمسه ثم يقسم أربعة أخماس بين الناس}.([14]).
وهذا يعني أن المغنم هو غنيمة الحرب خاصة؛ لأن أموال الناس ومكاسبهم وعقاراتهم لا ينطبق عليها هذا القول إذ هي لا يمكن -ولم يحدث- أن يؤتى بها ويأخذ منها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا غيره ما يعجبه ثم بعد ذلك يقسمها خمسة أقسام يأخذ واحداً منها ثم يقسم الأربعة الأقسام الأخرى بين الناس. وهذا ما جاء في رواية أخرى:
* عن عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: [[ليس الخمس إلا في الغنائم خاصة]].([15]).
* عن العبد الصالح عليه السلام: [[وله –أي: الإمام- نصف الخمس كاملاً، ونصف الخمس الباقي بين أهل بيته، فسهم ليتاماهم، وسهم لمساكينهم، وسهم لأبناء سبيلهم...]] وفي آخر الرواية يعود ليقول: [[وجعل للفقراء قرابة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم نصف الخمس]].([16]).(31/282)
فالخمس إذن نصفه للإمام -حسب هذه الرواية- ونصفه للفقراء (اليتامى والمساكين وأبناء السبيل) فليس للأغنياء فيه نصيب وإن كانوا من ذرية أهل البيت، وعلى هذا نص الفقهاء قديماً وحديثاً- كما سيأتي:
فهذه هي أقوال الأئمة وتوجيهاتهم في الروايات الواردة عنهم، فإن كان موضوع الخمس وأحكامه قد أسست على أقوال الأئمة، فهذه أقوالهم... وإن كانت أسست على شيء آخر فذلك شأن من أسسها والأئمة منه برآء، ولا علاقة لنا به ولا حجة له علينا، وهنا يحق لنا أن نتساءل ونقول: فمن أين نشأ القول بوجوب الخمس وأدائه إلى الفقيه؟! ومتى؟!!
هذا ما سأحاول الإجابة عنه من خلال استقراء أقوال فقهاء المذهب.
كبار الفقهاء يُسقطون الخمس أيضاً:-
لم يكن الحكم بإباحة الخمس وإسقاطه عن الشيعة، وعدم إلزامهم به قولاً للأئمة فقط -وإن كان هذا يكفي؛ لأن قول الإمام حجة -حسب قواعد المذهب- ولا اجتهاد مع النص أو قول الإمام، وإنما على هذا الحكم أيضاً كبار فقهاء المذهب ومشاهيره على مر التاريخ محتجين بهذه الروايات التي أسلفنا ذكرها مما يدل صراحة على اعتبارها عندهم.
من هؤلاء الفقهاء:
ا- العلامة أحمد الأردبيلي (ت 993هـ): الذي كان أبرز فقهاء عصره على الإطلاق حتى لُقب بالفقيه المقدس!!
يقول الأردبيلي: اعلم أن عموم الأخبار.. يدل على السقوط بالكلية في زمان الغيبة والحضور، بمعنى عدم الوجوب الحتمي... وهذه الأخبار هي التي دلت على السقوط حال الغيبة، وكون الإيصال مستحباً أي: زمن الحضور كما هو مذهب البعض مع ما مر من عدم تحقق الوجوب إلا قليلاً لعدم دليل قوي على الأرباح والمكاسب وعدم الغنيمة.([17]).
تأمل التشابه بين هذه الفتوى ونصوص الأئمة السابقة، وكيف يستدل على سقوط الخمس بالأخبار الواردة عن الأئمة.
2- محمد الباقر السبزواري (1018هـ-1090هـ):(31/283)
قال في ذخيرة المعاد: المستفاد من الأخبار الكثيرة في بحث الأرباح كصحيحة الحارث بن المغيرة النضري، وصحيحة الفضلاء وصحيحة زرارة وصحيحة علي بن مهزيار، وصحيحة ضريس وحسنة الفضيل، ورواية محمد بن مسلم ورواية داود بن كثير ورواية الحارث بن المغيرة ورواية معاد بن كثير، ورواية إسحاق بن يعقوب، ورواية عبد الله بن سنان، ورواية حكم مؤذن بني عبس، إباحة الخمس للشيعة.([18]).
وقد خير بين الإباحة وبين حفظ حصة الإمام إلى حين ظهوره أو قيام الفقيه بصرفه احتياطاً على سبيل الاستحباب لا الوجوب في موضع آخر([19]) مع ميله الشديد إلى الإباحة عملاً بالأخبار الواردة.
3- الشيخ محمد حسن النجفي (ت 1266هـ)([20]):
قال بعد استعراضه الأخبار التي تحلل الخمس للشيعة:
وكيف كان فسبر هذه الأخبار المعتبرة الكثيرة التي كادت تكون متواترة المشتملة على التعليل العجيب والسر الغريب يشرف الفقيه على القطع بإباحتهم عليهم السلام شيعتهم -زمن الغيبة بل والحضور الذي هو كالغيبة في قصور اليد وعدم بسطها- سائر حقوقهم عليهم السلام في الأنفال، بل وغيرها مما كان في أيديهم...
أما غير الشيعة فمحرم عليهم أشد تحريم وأبلغه ولا يدخل في أملاكهم شيء منها.([21]).
لاحظ كيف يستدل على الإباحة بالأخبار الواردة عن الأئمة ويصفها بأنها معتبرة، ويقول عن الإباحة في كلامه اللاحق أنها ثبتت شرعاً، إذ قال أيضاً:
صرح جماعة –أي: من الفقهاء- بأنه ثبت شرعاً إباحتهم عليهم السلام المناكح والمساكن والمتاجر في حال الغيبة وإن كان ذلك بأجمعه للإمام أو بعضه فإنه مباح ولا يجب إخراج حصة الموجودين من أرباب الخمس منه.([22]).
4- السيد محمد علي الطباطبائي (ت 1009هـ):(31/284)
قال- عن الخمس والأنفال في حال الغيبة-: الأصح إباحة الجميع كما نص عليه الشهيدان وجماعة، للأخبار الكثيرة المتضمنة لإباحة حقوقهم في حال الغيبة وكيف كان، فإن المستفاد من الأخبار المتقدمة إباحة حقوقهم عليهم السلام من جميع ذلك.([23]).
لاحظ كيف أن القائلين بالإباحة يحتجون لقولهم بالأخبار الواردة عن الأئمة، وكيف أن المخالفين لهم يغمضون أعينهم عنها!
5- الشهيد الثاني (911 هـ- 966هـ):
قال بإباحة الأنفال بشكل مطلق في حال الغيبة، وليس إباحة المناكح والمساكن والمتاجر فقط، وقال: إن الأصح هو ذلك.([24]).
6- العلامة سلار:
قال: إن الأئمة عليهم السلام قد أحلوا الخمس في زمان الغيبة كرماً وفضلاً للشيعة خاصة.([25]).
لاحظ تعبيره: إن الأئمة عليهم السلام قد أحلوا الخمس... إلخ.
7- الشيخ يحيى بن سعيد الحلي (601هـ-690هـ):
مال إلى إباحة الخمس وغيره للشيعة حال الغيبة كرماً من الأئمة وفضلاً، ولما استعرض اختلاف أقوال الفقهاء من الإباحة المطلقة إلى الحفظ والوصية والدفن والتفريق والصرف على الفقراء الصالحين عقَّب قائلاً: الله أعلم.([26]).
وإذن فالأئمة أباحوا الخمس كرماً وفضلاً، فبأي حق نوجب على الناس ما أباحه الأئمة أنفسهم؟!!
وقد قال جماعة من الفقهاء بإباحة خمس المناكح والمساكن والمتاجر حال الغيبة منهم:
8- شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي (ت 460هـ).([27])
9- المحقق الحلي نجم الدين جعفر بن الحسن (602هـ- 676هـ)([28]).
10- العلامة الحسن بن المطهر الحلي (ت 709 هـ).([29]).
11- القاضي ابن براج (المتوفى في منتصف القرن الخامس الهجري).([30]).
12- الشهيد الأول (ت 786هـ).([31])
--------------
([1]) أصول الكافي للكليني (1/546).
([2]) أصول الكافي للكليني (1/547)، وفقيه من لا يحضره الفقيه للقمي (2/22).
([3]) الاستبصار (2/57).
([4]) أصول الكافي للكليني (1/544).
([5]) فقيه من لا يحضره الفقيه للقمي (2/24).(31/285)
([6]) أصول الكافي (1/409).
([7]) أصول الكافي (1/408).
([8]) فقيه من لا يحضره الفقيه للقمي (2/23).
([9]) فقيه من لا يحضره الفقيه للقمي (2/23).
([10]) فقيه من لا يحضره الفقيه للقمي (2/23).
([11]) الاستبصار (2/57).
([12]) المصدر السابق (2/58).
([13]) أيضاً (2/59).
([14]) أيضاً (2/57).
([15]) أيضاً (2/56).
([16]) أصول الكافي (1/540، 542).
([17]) مجمع الفائدة والبرهان (4/355- 358).
([18]) ذخيرة المعاد (ص:292).
([19]) ذخيرة المعاد (ص:291).
([20]) لاحظ تاريخ الوفاة المتأخر: منتصف القرن الثالث عشر الهجري.
([21]) جواهر الكلام (16/141).
([22]) المصدر السابق (ص:145).
([23]) مدارك الأحكام (ص:344).
([24]) مسالك الأفهام (ص:68).
([25]) المراسم/ كتاب الخمس (ص:633).
([26]) الجامع للشرائع (ص:151).
([27]) النهاية في مجرد الفقه والفتاوى (ص:22).
([28]) شرائع الإسلام / كتاب الخمس (1/182-183).
([29]) تحرير الأحكام (ص:75).
([30]) الدروس الشرعية (ص:70).
([31]) الدروس الشرعية (ص:70).
الفصل الثالث: اضطراب نظرية الخمس واختلافها بين المتقدمين من الفقهاء والمتأخرين
ماذا عند الشيخ المفيد (413هـ)؟:-
وهو شيخ الطوسي الملقب بشيخ الطائفة، جاء في ترجمته في بداية كتاب الإرشاد ما يلي: (... خاطبه إمام العصر عجل الله فرجه في كتابه الأول: بالأخ السديد والمولى الرشيد، أيها المولى المخلص في ودنا الناصر لنا... إلخ، ويقول في الثاني: من عبد الله المرابط في سبيله إلى ملهم الحق ودليله، سلام عليك أيها العبد الصالح الناصر للحق الداعي إليه بكلمة الصدق... إلخ)([1]). وعلق المترجم على هذه الأقوال فقال: تعرف حينئذ أن من يتخذه حجة الزمن عليه السلام أخاً له ويعترف له بالصدق في الأقوال والرشد في الأمر هو فوق مستوى البشر بعد الحجج الأطهار([2]).(31/286)
يقول الشيخ المفيد: قد اختلف قوم من أصحابنا في ذلك –أي: الخمس- عند الغيبة وذهب كل فريق إلى مقال:
فمنهم من يسقط إخراجه لغيبة الإمام وما تقدم من الرخص فيه من الأخبار.
- وبعضهم يوجب كنزه –أي: دفنه- ويتأول خبراً ورد: إن الأرض تظهر كنوزها عند ظهور الإمام وإنه عليه السلام إذا قام دله الله على الكنوز فيأخذها من كل مكان.
- وبعضهم يرى صلة الذرية وفقراء الشيعة على طريق الاستصحاب.
- وبعضهم يرى عزله لصاحب الأمر، فإن خشي إدراك الموت قبل ظهوره وصى به إلى من يثق به في عقله وديانته حتى يسلم إلى الإمام إن أدرك قيامه وإلا أوصى به إلى من يقوم مقامه في الثقة والديانة، ثم على هذا الشرط إلى أن يظهر إمام الزمان.
وهذا القول عندي أوضح من جميع ما تقدم؛ لأن الخمس حق لغائب لم ترسم فيه قبل غيبته شيئاً يجب الانتهاء إليه فوجب حفظه إلى وقت إيابه... وإن ذهب ذاهب إلى ما ذكرناه من شطر الخمس الذي هو خالص الإمام وجعل الشطر الآخر لأيتام آل محمد وأبناء سبيلهم ومساكينهم على ما جاء في القرآن لم يبعد إصابته الحق في ذلك، بل كان على صواب.
وإنما اختلف أصحابنا في هذا الباب لعدم ما يلجأ إليه من صريح الألفاظ، وإنما عدم ذلك لموضع تغليظ المحنة مع إقامة الدليل بمقتضى العقل في الأمر من لزوم الأصول في حفظ التصرف في غير المملوك إلا بإذن المالك وحفظ الودائع لأهلها ورد الحقوق.([3]).
أول ما ينبغي أن يلاحظ أن القول الوحيد المستند إلى الأخبار الواردة عن الأئمة من بين كل الأقوال التي استعرضها الشيخ المفيد هو القول الأول الذي يسقط إخراج الخمس.
وأما باقي الأقوال فهي:
- إما عارية عن الدليل بالكلية أي: الدليل النقلي الذي يمثل قول الإمام. ويعترف الشيخ المفيد أن الخمس حق لغائب لم يرسم فيه قبل غيبته شيئاً يجب الانتهاء إليه!
- وإما مستندة إلى تأويل.
ويلاحظ أيضاً أن الفقيه أو السيد لا موقع لهما من إعراب هذه الأقوال جميعاً!(31/287)
كذلك يلاحظ -كما يعبر أحمد الكاتب - أن المفيد يكشف عن الحيرة في موضوع الخمس والغموض الذي يلفه، ويتحدث عن عدم وجود نصوص صريحة عن الإمام المهدي أو غيره عن حكم الخمس في عصر الغيبة.([4]).
وأخيراً أقول: كيف يمكن أن يقال بعدم وجود نصوص صريحة مع أنها موجودة في أمهات الكتب المعتمدة التي سبقت عصر المفيد، وهو نفسه أشار إليها عند حكايته القول الأول مما يدل على اطلاعه عليها!!.
قول الشيخ أبي جعفر الطوسي المتوفى سنة (460هـ):-
وهو صاحب كتابي الاستبصار وتهذيب الأحكام وهما اثنان من كتب أربعة عليها مدار المذهب، وكذلك هو صاحب كتابين من كتب أربعة عليها مدار المذهب في الرجال جاء في التعريف به في بداية كتاب النهاية: إمام الفرقة بعد الأئمة المعصومين، وعماد الشيعة في كل ما يتعلق بالمذهب والدين شيخ الطائفة على الإطلاق.
يقول الطوسي: أما في حال الغيبة فقد رخصوا لشيعتهم التصرف في حقوقهم من المناكح والمتاجر والمساكن، فأما ما عدا ذلك فلا يجوز لهم التصرف فيه على حال، وما يستحقونه من الأخماس في الكنوز وغيرها فقد اختلف قول أصحابنا فيه، وليس فيه نص معين، إلا أن كل واحد منهم قال قولاً يقتضيه الاحتياط:
- فقال بعضهم: إنه جار في حال الاستتار مجرى ما أبيح لنا من المناكح والمتاجر.
- وقال قوم: إنه يجب حفظه مادام الإنسان حياً فإذا حضرته الوفاة وصى به إلى من يثق به من إخوانه المؤمنين ليسلمه إلى صاحب الأمر إذا ظهر، أو يوصي به حسب ما وصى به إلى أن يصل إلى صاحب الأمر.
- وقال قوم: يجب دفنه لأن الأرضين تخرج كنوزها عند قيام القائم.
- وقال قوم: يجب أن يقسم الخمس ستة أقسام، فثلاثة أقسام للإمام يدفن أو يودع عند من يثق به، والثلاثة الأقسام الأخر يفرق على مستحقيه من أيتام آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومساكينهم وأبناء سبيلهم.(31/288)
وهذا مما ينبغي أن يكون العمل عليه، لأن هذه الثلاثة الأقسام مستحقها ظاهر، وإن كان المتولي لقبضها وتفريقها ليس بظاهر، كما أن مستحق الزكاة ظاهر، وإن كان المتولي لقبضها وتفريقها ليس بظاهر، ولا أحد يقول في الزكاة: إنه لا يجوز تسليمها إلى مستحقيها، ولو أن إنساناً استعمل الاحتياط وعمل على أحد الأقوال المقدم ذكرها من الدفن أو الوصاة لم يكن مأثوماً.([5]).
ملاحظات مهمة:
يلاحظ على هذه الفتوى/ أن الشيخ الطوسي -كشيخه المفيد - لم يذكر الفقهاء قط، لا في قبض الخمس، ولا تفريقه ولا عند الوصية إلى موثوق، ولا عند الدفن، بل صرح أن المتولي لتفريق الخمس ليس بظاهر –أي: غائب-، ولو كان يرى أن الفقهاء يتولون ذلك لما قال: إن المتولي لقبضها وتفريقها ليس بظاهر.
بل ذكر صراحة -عند ذكر الوصية- أن الذي يوصى إليه بالخمس هو من يثق به صاحب الخمس من إخوانه المؤمنين ولم يقل من الفقهاء!
ويلاحظ أيضاً: أن الشيخين الطوسي والمفيد لم يذكرا من بين جميع الأقوال التي ذكراها قولاً واحداً يشير إلى دفع الخمس إلى الفقيه أو السيد! وهذا يعني إجماع فقهاء المذهب الأقدمين على إغفال ذكرهما وإنهما لم يكونا واردين في حساب أولئك الفقهاء.
وكذلك يلاحظ أن جميع الأقوال لا تستند إلى أي نص عن الأئمة سوى القول الأول القاضي بإباحة الخمس وسقوط فرضيته..
ملاحظات أخرى:
وإذا رحنا نناقش الفتوى نقاشاً منطقياً عقلياً واقعياً، فإنا نجد أموراً خارجة عن كل ذلك مثل:
- أن يدفن إنسان عاقل خمس أمواله ومكاسبه وأرباحه طيلة حياته! أي: إن خمس أموال الأمة يذهب طعاماً للديدان والتراب! وهو أمر يتنافى مع المعقول، ولاشك في أن فاعله سفيه، يجب في حقه الحجر.
- أو أن يوصي به إلى ثقة وهو أمر خيالي غير واقعي، لا يمكن وجوده أو تحققه إلا تصوراً في الأذهان. وإلا فكيف يمكن أن يوصي بخمس أموال الأمة لتحفظ إلى قيام المهدي؟!.(31/289)
إن هذا يعني أن تعاقب بضعة أجيال يولّد فائضاً من المال يساوي أموال الأمة جميعاً في جيل واحد. وهذا الفائض المتراكم يجب أن يحفظ! فأين؟ وعند من؟ وفي أي مصرف؟!
فكيف وقد مضى على غيبة المهدي ألف ومئة عام وأكثر، أي: ما يساوي أربعين جيلاً!! فإذا بقي غائباً عشرة آلاف سنة أو عشرين أو إلى يوم الدين؟!
فهل الفقهاء الذين أفتوا بذلك كانوا يعنون ما يقولون أو يتخيلونه مجرد تخيل؟!
ولذلك قال الشيخ حسن الفريد في عصرنا الحالي (ت 1417هـ) ناقداً هذه الأقوال ومتأسفاً -كما يعبر أحمد الكاتب -: اختلف الأصحاب فيما يجب أو يجوز أن يصنع بسهم الإمام في عصر الغيبة على أقوال ليتهم لم يقولوا بها ولم ينحطوا بذلك عن شامخ مقامهم، وليت المتأخرين لم ينقلوا هذه الأقوال في مؤلفاتهم، ولعمري إني أجل فقه الشيعة عن نقل مثل القول بالدفن والوصية فيه.([6]).
ونفى الشيخ محمد النجفي (ت 1266هـ) وجود أي دليل على القول بالعزل والحفظ والوصية بالخمس إلى أن يظهر الإمام المهدي سوى ما أشار إليه المفيد: من كون الخمس حقاً لغائب لم يأمرنا ما نصنع فيه فيجب حفظه له كما في سائر الأمانات الشرعية.([7]).
فلم يبق -مما يقبله العقل- إلا القول الأول الذي ينص على الإباحة والسقوط، وهو الذي نطقت به الأخبار الواردة عن الأئمة، بإقرار الفقهاء أنفسهم وعمل بعضهم على أساسه.
وأنا لا أدري على أي فتوى كانت جماهير الشيعة تعمل طيلة القرون التي سبقت الفتوى بوجوب دفع (الخمس) إلى الفقيه!! لابد أن بعضهم عمل بالفتوى القائلة بالوصية، فهل وجد المتأخرون أموالاً متكدسة تراكمت بفعل تحولها من يد (ثقة مأمون) إلى (ثقة مأمون) جيلاً بعد جيل؟ وإن لم يجد أحد شيئاً من ذلك فأين كان مصير تلك الأموال التي أوصى بها أصحابها؟!(31/290)
وحتى تتكون صورة واضحة المعالم يظهر فيها الفرق الشاسع بين أقوال الفقهاء المتقدمين والمتأخرين -ليعلم القارئ علماً يقينياً أن المسألة برمتها رأي واجتهاد اضطربت فيه الأقوال واحتارت به العقول وزلت في مخاضته الأقدام دون استناد إلى دليل- أنقل فتوى زعيم الحوزة النجفية السيد أبي القاسم الخوئي مقتصراً عليها من بين فتاوى المتأخرين طلباً للاختصار.
فتوى زعيم الحوزة السيد أبي القاسم الخوئي:-
يقول السيد الخوئي: (يقسم الخمس في زماننا -زمان الغيبة- نصفين:
نصف لإمام العصر الحجة المنتظر، ونصف لبني هاشم، أيتامهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم...
وقال: يجوز استقلال المالك في توزيع النصف المذكور([8])، والأحوط استحباباً الدفع إلى الحاكم الشرعي أو استئذانه في الدفع إلى المستحق.
والنصف الراجع للإمام عليه السلام يرجع فيه في زمان الغيبة إلى نائبه وهو الفقيه المأمون العارف بمصارفه، إما بالدفع إليه أو الاستئذان منه.
ومصرفه ما يوثق برضاه عليه السلام بصرفه فيه كدفع ضرورات المؤمنين من السادات وغيرهم، والأحوط استحباباً نية التصدق به عنه، واللازم مراعاة الأهم فالأهم. ومن أهم مصارفه في هذا الزمان الذي قلَّ فيه الراشدون والمسترشدون إقامة دعائم الدين ورفع أعلامه وترويج الشرع المقدس ونشر قواعده وأحكامه ومؤونة أهل العلم الذين يصرفون أوقاتهم في تحصيل العلوم الدينية... والأحوط لزوماً مراجعة المرجع الأعلم المطلع على الجهات العامة.([9])
جدول مقارنة مختصرة بين فتوى الطوسي شيخ الطائفة والخوئي زعيم الحوزة
إن هذا التفصيل الذي يذكره الخوئي - غير معلوم للغالبية العظمى من العوام المقلدين، إذ يدفعون الخمس كله بقسميه، ويجعلونه قسماً واحداً يسلمونه إلى الفقيه على أنه واجب مطلقاً!
ومما ينبغي التنبيه عليه إن هذا الأمر مخالف جملة وتفصيلاً لفتوى الطوسي شيخ الطائفة على الإطلاق.
حق السادة:-(31/291)
ومما يلاحظ -وهو مما يستغرب جداً- أن الشيخ الطوسي والسيد الخوئي كليهما لم يجعلا لأغنياء السادة نصيباً في الخمس!! فالطوسي لا يذكر- آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم- إلا عند اليتامى والمساكين وأبناء السبيل. وهؤلاء كلهم ذوو حاجة، والخوئي يجعل من مصاريف الخمس دفع ضرورات المؤمنين من السادات وغيرهم.
والضرورة شيء أشد من الحاجة، وهذا معناه أن السيد لا حق له في الخمس إلا عند الضرورة والحاجة الماسة. وأن هذه الضرورة لا تخص السادة وحدهم وإنما تعم المؤمنين من السادات وغيرهم.
إن هذا الذي أقوله ليس استنتاجاً استخلصته من أقوال العلماء، وإنما هو ما نطقت به فتاواهم، والنصوص التي وردت عن الأئمة:
فقد مرَّ بنا -قبل قليل- قول الخوئي: يقسَّم الخمس في زماننا نصفين، نصف لإمام العصر ونصف لبني هاشم أيتامهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم... والنصف الراجع للإمام (ع) يرجع فيه في زمان الغيبة إلى نائبه وهو الفقيه المأمون.
أي: أن الخمس نصفه للفقيه ونصفه لفقراء بني هاشم فلم يبق لأغنيائهم شيء؛ لأنه موزع بين الفقيه والفقير.
وكون نصف الخمس يعطى للفقراء دون الأغنياء هو الذي جاء عن الأئمة، إذ يروي الكليني عن العبد الصالح عليه السلام أنه قال: [[ونصف الخمس الباقي بين أهل بيته، فسهم ليتاماهم، وسهم لمساكينهم، وسهم لأبناء سبيلهم...]] وفي آخر الرواية يعود ليقول: [[... وجعل للفقراء قرابة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم نصف الخمس]].([10]).
وهذا تنصيص على الفقراء دون الأغنياء.
وهذا كله يخالف الواقع المشاهد تماماً!! إذ إن السادة الذين يتولون أخذ الخمس هم من أكثر الناس غنى وترفاً!! ومسكينة هي الجماهير... فقد ضاعت عليها الحقيقة!!
وضاعت الحقيقة!:-(31/292)
وعلى أية حال فما قرأته وعاينته هو كلام زعيم الحوزة ومرجع الطائفة في العصر الحديث، وفتوى مؤسس الحوزة وشيخ الطائفة على الإطلاق، وبينهما من الفرق والاختلاف ما قد علمته وزيادة! فأين الحق؟! وعند من نعثر على الحقيقة؟! وأي منهما مذهبه وفتواه وكلامه يمثل قول المعصوم! أو الإمام جعفر الصادق عليه السلام وكلاهما إمامي اثنا عشري عقيدة، وجعفري فقهاً... والمذهب -كما أعلمونا- مؤسس جملة وتفصيلاً على أقوال الإمام جعفر الصادق عليه السلام.
فهل يصح في الأذهان أن الإمام جعفراً عليه السلام! متناقض إلى هذه الدرجة؟! أم إن المنطق يقضي بأن قوله في المسألة واحد، لاسيما إذا استحضرنا القول بعصمته عليه السلام، فأي القولين هو قوله؟ مع الانتباه إلى أن كل قول منهما هو نفسه عبارة عن مجموعة أقوال وترجيحات متناقضة!! ولا شك في أن الملايين وعلى مر مئات السنين عملوا بفتوى الشيخ الطوسي وأمثاله من الفقهاء، فلم يدفعوا أخماس أموالهم إلى أي فقيه أو سيد وماتوا على ذلك! فهل هؤلاء الذين يعيشون في زماننا ثم يموتون دون أن يدفعوا الخمس إلى أحد بريئو الذمة كأولئك؟! فعلام إذن يكلف الآخرون أنفسهم ويلزمونها به؟! أم إن أولئك الذين عملوا بفتوى الطوسي وأمثالهم هم وحدهم مسامحون وغيرهم آثمون مع أن كلا الفريقين مشترك في أمر واحد وهو عدم الدفع؟! أم إن كليهما آثم محاسب؟ فما ذنب الفريق الأول؟! أم ماذا؟!
وهل الطوسي كان على الحق والخوئي على الباطل؟ أم العكس؟ أم كلاهما على حق؟ أم على باطل؟ أم ماذا؟ أفتونا مأجورين!!
-----------------
([1]) الإرشاد للمفيد (ص:6)، ونسب المترجم الكتابين إلى كتاب الاحتجاج للطبرسي (ص:277) المصدر السابق..
([2]) المصدر السابق.
([3]) المقنعة للشيخ المفيد (ص:46).
([4]) تطور الفكر السياسي الشيعي من الشورى إلى ولاية الفقيه لأحمد الكاتب (ص:306).
([5]) النهاية في مجرد الفقه والفتاوى، (ص:200-201).(31/293)
([6]) رسالة في الخمس (ص:83-86).
([7]) جواهر الكلام (ص:165).
([8]) أي: النصف العائد لبني هاشم.
([9]) منهاج الصالحين (ص:347-349).
([10]) أصول الكافي (1/540، 542) وقد مر بنا هذا النص سابقاً.
الفصل الرابع: تطور نظرية الخمس عبر التاريخ
يقول الأستاذ أحمد الكاتب: لقد كانت نظرية -التقية والانتظار- تقول: إن الخمس من حق الإمام المعصوم، وإنه في عصر غيبة الإمام المهدي مباح للشيعة. وقد تم الانسحاب من هذه النظرية في هذا المجال في وقت مبكر، ولكن خطوة... خطوة...
1- الخطوة الأولى: وكانت الخطوة الأولى هي القول بوجوب الخمس في عصر الغيبة مع القول بدفنه أو الاحتفاظ به حتى ظهور المهدي أو الإيصاء به بعد الموت من واحد إلى واحد حتى يوم الظهور.([1]).
يلاحظ أن الجديد في الأمر هو انتقال حكم الخمس من الإباحة إلى الوجوب دون القول بصرفه إلى أحد لا فقيه ولا غيره، وإنما يعزل حق الإمام الغائب ليدفن أو يوصى به... وهذا لم يكن معروفاً من قبل.
2- وكانت الخطوة الثانية: إيداعه عند أمين من إخوانه المؤمنين دون اشتراط كونه فقيهاً.
3- والخطوة الثالثة: إيداعه عند أمين من فقهاء المذهب على سبيل الاستحباب والأولى.
وينبغي أن يلاحظ هنا أن القضية قضية إيداع لا أكثر. أي: أن الفقيه لا يحق له التصرف فيه، وإنما يحتفظ به إلى حين ظهور الإمام ما عدا نصيب الأصناف الثلاثة، فإنه يتولى عملية قسمته فيهم لا أكثر، لاسيما إذا كان المالك لا يحسن القسمة.
4- الخطوة الرابعة: فبعد أن كان إيداعه عند الفقيه على سبيل الاستحباب جاءت الخطوة الرابعة لتنقله إلى الوجوب.
يقول أحمد الكاتب: وكان القاضي ابن براج -المتوفى في منتصف القرن الخامس- أول من أشار إلى ضرورة إيداع سهم الإمام عند من يوثق بدينه وأمانته من فقهاء المذهب، وإيصائه بدفع ذلك إلى الإمام عليه السلام إن أدرك ظهوره وإن لم يدرك ظهوره وصى إلى غيره بذلك.([2]).(31/294)
وكان العلماء السابقون يوصون بإيداعه عند أمين، ولكنه ابن براج أضاف -من فقهاء المذهب- دون أن يشير إلى مستنده في ذلك، وقد جاء العلماء المتأخرون عنه فطوروا هذه المسألة شيئاً فشيئاً.([3]).
ولنا أن نسأل هنا: هل رأى أحد بعد أن تغير الزمان واختلفت الفتوى- أموالاً مكدسة عند الفقهاء أو غيرهم كانت قد تراكمت نتيجة العمل بالفتاوى القائلة بإيداعها عند أمين من فقهاء المذهب أو بقية المؤمنين؟! فأين مصير تلك الأموال التي أودعت عند أولئك الأمناء؟!!
5- الخطوة الخامسة: جواز أو وجوب إعطاء الخمس إلى الفقهاء لكي يقسموه([4]). يقول أحمد الكاتب: وربما كان أول من مال إلى جواز أو وجوب إعطاء الخمس إلى الفقهاء لكي يقسموه هو: ابن حمزة في القرن السادس في الوسيلة إلى نيل الفضيلة([5])، واعتبر ذلك أفضل من قيام صاحب الخمس بتوزيعه بنفسه خاصة إذا لم يكن يحسن القسمة.([6]).
ويقول أحمد الكاتب: ولم يترسخ هذا القول بقوة في أوساط الشيعة حتى إن عالماً كبيراً هو الشهيد الأول (الذي جاء بعد ذلك بقرنين) تردد فقال بالتخيير بين القولين القديم: الدفن والإيصاء، والجديد: الصرف...
وكذلك فعل المحقق الكركي الذي استقدمته الدولة الصفوية التي قامت في بلاد فارس في القرن العاشر الهجري، وظل على الرأي القديم الذي يقول بالتخيير بين صرف سهم الإمام المهدي أو حفظه إلى حين ظهوره.([7]).
وظلت هذه الفتوى تتردد في أوساط الفقهاء عدة قرون وظلت أقوالهم مضطربة ومتخالفة إلى اليوم، حتى إن السيد محسن الحكيم -المتوفى في أواخر القرن الرابع عشر الهجري- استشكل التصرف في سهم الإمام زمن الغيبة ثم استثنى بعد ذلك ما إذا أحرز رضاه عليه السلام –أي: الإمام الغائب- بصرفه في بعض الجهات التي يعلم رضاه بصرفه (فيها)... ولم يشترط مراجعة الحاكم الشرعي –أي: الفقيه-.([8]).
أي: إنه لم يوجب على المقلد إذا أحرز رضا الإمام إعطاء خمسه إلى الفقيه، بل يستطيع أن يتولاه بنفسه.(31/295)
حيرة الفقهاء المتأخرين في الذريعة التي تبرر أخذهم الخمس:-
وهكذا نصل إلى القول -متيقنين- أن نظرية إعطاء (الخمس) إلى الفقيه جاءت متأخرة ولم تكن معروفة عند المتقدمين، إلا أن بعض المتأخرين قالوا بها، وقد احتاروا في الذريعة أو المسوغ الشرعي الذي يبيح لهم ذلك. فمنهم من قال بإحراز رضا (الإمام) وذلك بصرفه في الوجوه الشرعية، أو بنية التصدق عنه، ومنهم من عكس هذا القول تماماً فسلب من (الإمام الغائب) حقه من الخمس، وجعل علة استحقاقه له القيام بواجبات (الإمامة) وبما أن الإمام غائب عن القيام بهذه الواجبات، فليس له شيء من (الخمس) وإنما الذي يستحقه القائم مقامه وهو الفقيه!
يقول الشيخ حسن الفريد (ت 1417هـ): إن مقتضى القاعدة سقوط النصف الذي هو للإمام عليه السلام إذ لاريب أنه إنما استحق ذلك بحق الرئاسة والإمامة، ولذا ينتقل هذا الحق إلى الذي يقوم بعده بالإمامة لا إلى ورثته، وإذا غاب عن الناس ولم يقم بالإمامة انتفت رئاسته خارجاً وينتفي حقه بانتفاء موضوعه.([9]).
واحتاروا أيضاً في نيابة الفقيه وولايته هل هي مطلقة؟ أم إن نيابته عن (الإمام) تقتصر على القضاء والإفتاء؟ فإن كانت نيابته قاصرة فكيف يمكن حساب حصته من الخمس على قدر مساحة نيابته؟!
أما السيد محمود الهاشمي فينتقد المنهج الذي سلكه الفقهاء في مسألة الخمس ويجعل أساس أقوالهم فيه الذوق والوجدان ولذلك اختلفوا حسب اختلاف أذواقهم وسلائقهم ويصرح قائلاً: وهذا كله لا أساس له، ولا يبقي إلا على قول واحد هو قول الشيخ حسن الفريد الذي يجعل من الخمس ملكاً لمنصب الإمامة والولاية الشرعية فيكون الولي الشرعي في كل زمان هو المتولي على صرفه قانوناً وشرعاً.([10]).
وفات السيد محمود الهاشمي أن قوله هذا كذلك لا أساس له إلا الذوق والوجدان.
شرعية الإنفاق لا تحلل حرمة المصدر (الكسب):-(31/296)
ولذلك يقول الدكتور موسى الموسوي: كم أتمنى أن يترفع الفقهاء والمجتهدون عن أموال الشيعة ولا يرتضون لأنفسهم أن يكونوا عالة عليهم بذريعة ما أنزل الله بها من سلطان.
إن بعض علماء الشيعة يدافع عن أخذهم الخمس من أموال الشيعة بأنها تصرف على المدارس الدينية والحوزات العلمية والشؤون المذهبية الأخرى. ولكن المناقشة ليست في أن تلك الأموال تصرف كيف؟ ولماذا؟ بل المناقشة أصولية وواقعية ومذهبية وهي أن تلك الأموال تؤخذ زوراً وبطلاناً من الناس وحتى إذا صرفت في سبيل الله فإنها غير شرعية لا يجوز التصرف فيها.([11]).
وهذا الكلام أو التأصيل لا غبار عليه فإن السارق لا ينقلب ماله حلالاً وإن أنفقه في الوجوه المحللة شرعاً؛ لأن أصله حرام، وكذلك الخمس لا يصح أن نناقش شرعيته بالمقلوب، فنقول: إنه يصرف في الوجوه الشرعية المذكورة إلا بعد إثبات شرعية مصدره وحلّية أخذه من الناس من قبل الفقيه، وهما –أي: الأخذ والإنفاق- أمران مختلفان تماماً وكون أحدهما حلالاً لا يحلل الآخر([12]) فقد يكسب الإنسان ماله من وجه حلال ويصرفه في حرام، فيتحمل إثم الصرف والإنفاق، وقد يكسب ماله من حرام وينفقه على عياله أو على مسجد أو فقير، يتحمل إثم كسبه ولا أجر له في إنفاقه إلا على مذهب أحد السراق، إذ قال: إنه يستطيع أن يسرق عشرة دنانير دون أن يكسب إثماً!! قيل له: كيف؟ قال: الحسنة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها، فأنفق ديناراً واحداً على فقير فأكسب عشر حسنات أمحو بها السيئات العشر من جراء السرقة ويصفو لي تسعة دنانير حلالاً زلالاً!! وكذلك (الخمس) وأخذه من قبل الفقهاء بلا فرق.(31/297)
ويقول الدكتور موسى الموسوي: لقد كان باستطاعة الفقهاء الشيعة أن يبنوا أنفسهم على الاكتفاء الذاتي، وأن يكون الفقيه معتمداً على نفسه شأنه شأن أرباب الصناعات الأخرى، كما أن باستطاعتهم الحصول على أموال لتنمية العلم والعلماء، ولكن باسم التبرعات والهبات لا باسم الواجب الشرعي وأوامر السماء.
ملخص تقريبي لتطور موضوع متولي الخمس عبر التاريخ:-
قام الشيخ أحمد الكاتب برسم صورة رائعة لمسلسل تطور الخمس ومتوليه عبر القرون، وهو عمل ليس باليسير لاضطراب أقوال الفقهاء وعدم اجتماعها على قول واحد في عصر واحد وتراجعها المستمر من وقت لآخر، وهذا ملخص ما قاله.([13]).
وهكذا نرى محاولات الخروج من تلك النظرية في باب الخمس قد ابتدأت منذ قرون وانتقلت عبر التاريخ من:
1- القول بإباحة الخمس.
2- إلى تجميده ودفنه وحفظه إلى حين ظهور المهدي وتسليمه له.
3- إلى القول بالوجوب... وإلى جانب هذا التطور في ذات الموضوع شاهدنا تطوراً آخر شمل موضوع (المتولي للخمس):
1- فبعد قول المفيد والطوسي في القرن الخامس: أن المتولي لقبض الخمس وتفريقه في عصر الغيبة ليس بظاهر لانعدام النص المعين.
2- قال القاضي ابن براج في أواسط القرن الخامس: بضرورة إيداع الخمس أمانة عند الفقهاء لدفعه إلى الإمام المهدي عند ظهوره.
3- ثم جاء ابن حمزة في القرن السادس: ففضل دفع الخمس إلى الفقيه ليتولى القسمة وأوجب ذلك إذا لم يكن المالك يحسن القسمة.
4- ثم جاء المحقق الحلي في القرن السابع: فأوجب تسليم حصة الإمام وهي نصف الخمس إلى من له الحكم بحق النيابة لمن يتولى صرف حصة الإمام في الأصناف الموجودين.
5- وأشار الشهيد الأول في القرن الثامن إلى ضرورة استئذان نائب الغيبة العدل الإمامي الجامع لصفات الفتوى إن اختار المكلف توزيع نصيب الإمام على الأصناف.
6- وأوكل المحقق الحلي في القرن العاشر: مهمة صرف حصة الإمام إلى الحاكم الشرعي...(31/298)
7- وأفتى محمد باقر السبزواري في القرن الحادي عشر: بتولية الفقيه العدل في عملية صرف الخمس في الأصناف الموجودين احتياطاً وتحدث عن نيابة الفقيه عن الإمام المهدي.
8- وتطور الحكم في القرن الثالث عشر إلى درجة أقوى حين أفتى الشيخ محمد حسن النجفي بقوة: بوجوب تولي الفقيه العادل صرف سهم الإمام.
9- وبالرغم من عدم إيمان السيد كاظم اليزدي بنظرية (ولاية الفقيه) في سائر أبواب الفقه إلا أنه التزم بهذه النظرية في مجال الخمس، وقال في مطلع القرن الرابع عشر: بضرورة إيصال سهم الإمام في زمان الغيبة إلى نائبه وهو المجتهد الجامع للشرائط أو الدفع إلى المستحقين لإذنه.
10- وتراجع السيد محسن الحكيم في أواخر القرن الرابع عشر الهجري، ولم ير حاجة إلى مراجعة الفقيه في صرف المالك حصة الإمام في جهة معينة إذا أحرز رضا الإمام عليه السلام إلا برأي ضعيف.
11- وقام الشيخ حسن الفريد في مطلع هذا القرن الخامس عشر بثورة في باب الخمس عندما سلب حق الخمس من الإمام المهدي لغيبته وعدم قيامه بمهام الإمامة، وقال بضرورة قيام واحد من الناس باستلام الخمس وتوزيعه من باب الحسبة. وهو تطور لم يخطر على بال أحد من قبل، إذ إن غاية ما كان يقوله الفقهاء -وإلى أزمنة متأخرة جداً- إن الفقيه يأخذ نصيب الإمام بوصفه نائباً عنه، أما التطور الأخير فيعطي الشرعية للفقيه بتولي ذلك لا بوصفه نائباً عن الإمام وإنما بصورة مستقلة باعتباره ولياً وزعيماً وحاكماً وإماماً كما يقول به الشيخ الفريد والسيد محمود الهاشمي.
من أين جاءت الفكرة؟:-(31/299)
نترك الجواب عن هذا السؤال للدكتور موسى الموسوي، وهو حفيد السيد أبي الحسن الأصفهاني، أحد مجتهدي ومراجع الحوزة النجفية يقول: لم تكن الشيعة حتى ذلك التاريخ -العصر العباسي- متماسكة بالمعنى المذهبي حتى تقوم بإعالة فقهائها، فكان تفسير الغنيمة بالأرباح خير ضمان لمعالجة العجز المالي الذي كان يقلق حياة فقهاء الشيعة وطلاب العلوم الدينية الشيعية آنذاك... وبعد أن أسست هذه البدعة أضيفت إليها أحكام مشددة لكي تحمل الشيعة على قبول إعطاء الخمس، وهو الأمر الذي ليس من السهل على أحد أن يرتضيه إلا بالوعيد! فدفع الضرائب في كل عصر ومصر في أي مجتمع يواجهه امتعاض من الناس، وبما أن فقهاء الشيعة لم تكن لهم السلطة لكي يرضخوا العامة على استخراج الخمس من أرباح مكاسبهم طوعاً ورغبة، فلذلك أضافوا إليها أحكاماً مشددة منها الدخول الأبدي في نار جهنم لمن لم يؤد حق الإمام، وعدم إقامة الصلاة في دار الشخص الذي لم يستخرج الخمس من ماله، أو الجلوس على مائدته وهكذا دواليك.
كما أن فقهاء الشيعة أفتوا بأن خمس الأرباح الذي هو من حق الإمام الغائب يجب تسليمه إلى المجتهدين والفقهاء الذين يمثلون الإمام.
وهكذا سرت هذه البدعة في المجتمع الشيعي تحصد أموال الشيعة في كل زمان ومكان، وكثير من الشيعة حتى هذا اليوم يدفع هذه الضريبة إلى مرجعه الديني، وذلك بعد أن يجلس الشخص المسكين أمام مرجعه صاغراً ويقبل يده بكل خشوع وخضوع ويكون فرحاً مستبشراً بأن مرجعه تفضل عليه وقبل منه حق الإمام.([14])
الخلاصة:-
إن أمراً لا وجود له في القرآن الكريم ولا السنة النبوية المطهرة، ولا ذكر له في أقوال الأئمة المعصومين، ولا إجماع عليه بين الفقهاء المتأخرين، ولم يرد على ألسنة الفقهاء المتقدمين! ما المسوغ الشرعي الذي يلجئ المسلم أو يحمله على الالتزام به؟!(31/300)
وهل يمكن لأي عالم من العلماء أن يثبت لمقلده وجوب أو شرعية إخراج خمس أرباحه ومكاسبه وأمواله وإعطائها له بعد اطلاع هذا المقلد على هذا الكلام؟!
التساؤل الأخير:-
قد يعترض معترض أو يتساءل قائلاً: أليس (الخمس) مذكوراً في القرآن؟ ألم يقل الله: ((وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ)) [الأنفال:41]؟!
إن الجواب عن هذا السؤال سيكون -إن شاء الله- موضوع الباب الثاني من هذا البحث، ولكن قبل ذلك أرى من المناسب تثبيت الملاحظة المهمة الآتية:
ما علاقة الفقيه بالآية؟!:-
إن الخمس المذكور في الآية هو الخمس بمعناه العام، وبغض النظر عن كون اللفظ يحتمل خمس المكاسب أم لا؟ فإن القائل بهذا الخمس، حتى يتسنى له الاحتجاج بالآية، عليه أن يثبت أولاً علاقة الفقيه بخمس المكاسب من الآية الكريمة نفسها لا من غيرها! أو بمعنى آخر عليه أن يجيب عن السؤال الآتي:
ما الذي أدخل الفقيه في موضوع الآية؟! وما الدليل القرآني الذي يلزم المسلم بدفع خمس أمواله ومكاسبه إلى الفقيه بالذات؟ وما مدى شرعية أخذ الفقيه لهذه الأموال؟ وبأي حق؟
كل هذا عليه أن يجيب عنه من خلال الآية نفسها حتى يتسنى له الاحتجاج بها. فإن ورود الخمس في الآية بمعناه العام شيء ودخول الفقيه في موضوعها شيء آخر تماماً، إنه معنى خاص زائد عن كون الخمس هنا خمس المكاسب أو الغنائم؟ والآية لا تشير إليه حتى مجرد إشارة، ولا يشم له منها أدنى رائحة! وقد ورد فيها ذكر ستة أصناف ليس من بينهم الفقيه... فما علاقته بالآية؟!
-----------------
([1]) تطور الفكر السياسي الشيعي.
([2]) المهذب (1/180).
([3]) تطور الفكر السياسي الشيعي (ص:352).
([4]) أيضاً.
([5]) (ص:682).
([6]) تطور الفكر السياسي الشيعي (ص:352).
([7]) تطور الفكر السياسي الشيعي (ص:353).(31/301)
([8]) مستمسك العروة الوثقى للسيد محسن الحكيم (9/584).
([9]) رسالة في الخمس (ص:83)، انظر: تطور الفكر السياسي الشيعي (ص:354).
([10]) كتاب الخمس (2/239)، انظر: تطور الفكر السياسي الشيعي (ص:356).
([11]) الشيعة والتصحيح (ص:68).
([12]) ولذلك جاء في الحديث الصحيح أن صاحب المال يسأل يوم القيامة عن ماله: (من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟).
([13]) تطور الفكر السياسي الشيعي (ص:356-358).
([14]) الشيعة والتصحيح (ص:67-68).
الباب الثاني: الخمس بين الغنائم والمكاسب، الفصل الأول: دلالة آية الخمس
قاعدة مهمة في شروط أدلة مهمات الشرع وضرورياته:
أقصد بمهمات الشرع وضرورياته كل أمر تتوقف عليه سعادة الإنسان في معاشه ومعاده، دينياً كان أم دنيوياً، كأصول الإيمان والعقيدة أو الأصول الشرعية العملية كالصلاة والزكاة والصيام والحج، أو بر الوالدين والإحسان إلى الخلق عموماً، أو الانتهاء عن الفواحش والمنكرات عموماً، كقتل النفس والزنا والربا وأمثالها.
إن هذه الأمور المهمة جميعاً، أقام القرآن على كل واحد منها أدلة واضحة قطعية الدلالة، غير قابلة للرد أو التأويل بحيث لا يمكن لأحد بعدها أن يتشكك فيه أو يتفلت من سلطان الحجة الذي يحاصره من كل جهة، ولا يمكن أيضاً أن يتطرق الظن إلى المقصود بها هل هو كذا أم كذا؟ بل هي نصوص لا تحتمل غير دلالة واحدة لا أكثر، اقرأ مثلاً في وجوب الصلاة والزكاة: ((وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ)) [البقرة:43].. ((وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ)) [الماعون:3] * ((فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ)) [الماعون:4].. ((وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ)) [فصلت:6] * ((الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ)) [فصلت:7].
وفي وجوب بر الوالدين: ((وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً)) [الإسراء:23] وأمثالها كثير.
وعن حرمة الربا: ((وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)) [البقرة:275] وأمثالها كثير.(31/302)
وحرمة الزنا: ((وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً)) [الإسراء:32] وأمثالها كثير... وهكذا...
وبهذا يكون الطريق مسدوداً أمام الراغبين في التفلت من التكاليف الشرعية والالتفاف عليها بالتأويل أو الإنكار؛ لأن النصوص الدالة عليها واضحة بينة لا تحتمل إلا وجهاً واحداً فقط!، وهذا معنى قوله تعالى: ((لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ)) [الحديد:25] أي: بالحجج الواضحات القاطعات، لاسيما الأمور المالية لتعلّق النفوس بها، فإذا لم تكن النصوص واضحة بيِّنة والأدلة قطعية محكمة وإلا حصل النزاع، وتفرق الناس، وتقطعت الأرحام وفسد الدين والدنيا.
وهذا هو السر في ورود أحكام الإرث ومقاديره مفصلة وبالأرقام في القرآن، كما في أوائل سورة النساء وآخرها.
فالإرث ورد أصله وكذلك تفصيله في القرآن بالنصوص القطعية الدلالة التي لا تحتمل إلا معنى واحداً محدداً.
بينما الصلاة مثلاً -وهي أعظم من المال- ثبتت شرعية أصلها في القرآن أما تفصيلاتها وتفريعاتها فغالبها ورد في السنة النبوية.
وإذن فالمسائل المهمة التي يتوقف عليها صلاح الإنسان في دنياه وأخراه لابد من أن تثبت بالنصوص القرآنية الواضحة القاطعة الدلالة، أي: التي لا تقبل تطرق الاحتمال إلى دلالتها على المعنى المراد، خصوصاً ما تعلق منها بالمسائل المالية الضرورية، وهكذا ثبت أصل الصلاة والزكاة والصيام والحج، وقبل ذلك أصول العقيدة في الشريعة الإسلامية.
فهل خمس المكاسب ثبت بمثل هذه الأدلة أي: النصوص القرآنية أولاً... القاطعة الدلالة ثانياً؟ كما ثبتت الزكاة والإرث وأمثالهما؟!
آية الخمس:-(31/303)
((وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) [الأنفال:41].
الموضع الوحيد:-
هذا هو الموضع الوحيد الذي ورد فيه لفظ الخمس في القرآن الكريم.
ولما كان المال الذي تعلق به الخمس في الآية هو الغنيمة ولا خلاف في إطلاق هذا اللفظ على المال الذي يغنم ويؤخذ من الكفار المحاربين، لذلك لم يختلف أحد في وجوب تخميس هذا النوع من المال لوضوح وقطعية دلالة اللفظ عليه، أما خمس المكاسب فأقل ما يقال في دلالة اللفظ عليه أنها -في أحسن أحوالها- ظنية.. وإذا أردنا الدقة فليس هناك إلا التشابه اللفظي ولو كان اللفظ قطعي الدلالة على خمس المكاسب لما حصل الاختلاف كما لم يختلف المسلمون جميعاً في دلالة قوله تعالى: ((قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ)) [المؤمنون:1] * ((الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ)) [المؤمنون:2] * ((وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ)) [المؤمنون:3] * ((وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ)) [المؤمنون:4] على شرعية الصلاة والزكاة.
ولا دلالة قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) [البقرة:183] على شرعية الصيام، ولا دلالة قوله تعالى: ((وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ)) [الأنفال:41] على شرعية تخميس مال الغنيمة المأخوذ من الكفار المحاربين، ولا دلالة أمثالها من الآيات القرآنية على الأمور العظيمة والمهمة في الشريعة.(31/304)
إن هذه الأمور لا يتركها الله عز وجل لاجتهاد المجتهدين وفهم الفقهاء؛ لأن الاجتهاد يؤدي إلى الاختلاف حتماً، ومثل هذه الأمور لا تحتمل الاختلاف كالأمور الفرعية من الدين، إن الاختلاف في الأمور المهمة يؤدي -ولابد- إلى الفرقة والفساد في الدنيا والدين، فكيف نصدق أن ضريبة مالية باهظة هائلة يفرضها الله على عباده ويعاقب على تركها أشد العقوبات، ثم لا يذكرها في كتابه أو يثبتها بدليل قطعي لا يقبل التأويل؟!
لماذا يشذ خمس المكاسب عن هذه القاعدة؟! مع أن الزكاة -وهي لا تعني كثيراً بالنسبة إليه- ثبتت بعشرات الآيات القرآنية؟! كيف؟!
مقارنة بين الزكاة وخمس المكاسب:-
تكرر ذكر الزكاة في كتاب الله تعالى في عشرات الآيات، بينما لم يرد لخمس المكاسب ذكر فيه مع أنه أضعاف أضعاف الزكاة، وضريبة بهذه الضخامة لابد وأن تستند -كما أسلفنا- إلى أدلة قطعية تمنع من التشكيك فيها أو التنصل منها، إذ كيف تريد مني تسليمك عشرين بالمئة من أموالي وأرباحي، أو من كل ألف أملكه مئتين؟ هكذا دون دليل واضح أو حجة بيِّنة؟!
هل يعقل في عالم الإنسان أو دين من الأديان أن الله جل وعلا يفرض على أغنيائنا ربع العشر من أموالهم أي: من كل أربعين واحداً (1/40) أو من كل مئة اثنين ونصفاً (5، 2%) فقط، إذا بلغت النصاب، وهو ما يعادل عشرين مثقالاً من الذهب مرة واحدة في العام فريضة سماها الزكاة فيقيم عليها عشرات من الآيات البينات، أدلة قاطعة في كتابه حتى لا يتقول متقول أو يشكك متشكك، ثم لا يفرض الخمس بمثل هذه الطريقة، بل لا يذكره ولو مرة واحدة مع أنه أضخم منها وأكبر أضعافاً مضاعفة؟! ثم هو غير مرتبط بوقت أو نصاب -إلا ما ندر- أو صنف من المال، إذ هو مفروض حتى على الدار التي تسكن وأثاثها وحاجات المطبخ، والهدية التي تهدى، بل السلعة التي خمست لكن زاد سعرها بعد التخميس فيخمس الزائد!
من يصدق هذا من العقلاء؟!!(31/305)
وإليك الأمثلة من فتاوى الفقهاء المتأخرين دليلاً على ما أقول:
بعض الفتاوى المتعلقة بالخمس:-
يتعلق الخمس بكل ما يفضل عن مؤونة سنته من أرباح وفوائد الصناعات والزراعات والتجارات والإجارات وحيازة المباحات، وكل فائدة مملوكة كالهبة والهدية والجائزة والمال الموصى به([1])، ومهر الزوجة إذا لم يكن الزوج قد دفع خمسه([2])، وكل ما يفضل في البيت من الأرز والدقيق والحنطة والشعير والسكر والشاي والنفط حتى الحطب والفحم والدهن والحلوى وغير ذلك من أمتعة البيت، حتى الكتب والثياب والفرش والأواني المعدة للطعام والشراب الزائدة عن الحاجة([3])، وتخمس أدوات العمل ومقتنيات المحال التجارية كل سنة إلا إذا أذن الفقيه، فإنها تخمس مرة واحدة ثم عند البيع تخمس مرة أخرى([4])، حتى شُغل الطالب الفقير في العطلة الصيفية([5]) والمال المعد للسفر.([6]).
وللمكلف أن يعين يوماً خاصاً في السنة أو يخمس كل ما يحصل عليه فوراً إذ يتعلق الخمس بالربح بمجرد حصوله وإن جاز تأخير الدفع إلى السنة احتياطاً للمؤونة([7])، وتخمس السيارة إذا اشتريت بمال غير مخمس.([8]).
وتخميس الدار واجب.([9]).
وإذا اشترى في السنة الأولى عرصة لبناء الدار وفي الثانية خشباً وفي الثالثة آجراً أو طابوقاً، فعلى المالك (الفقير) تخميس تلك الأعيان جميعاً.([10]).
وتخمس جميع الأعيان والأراضي([11]) وقطعة الأرض تخمس سواء كانت للاقتناء أم للتجارة ولا عبرة بمرور الحول ما دامت تخمس لأول مرة([12])، وكذلك الأرض التي توزعها الحكومة على المحتاجين الذين يعجزون عن بنائها لصعوبة حياتهم المعيشية، وإذا تأخر إكمال البناء لعدم قدرة المالك على بنائها خلال سنة وجب تخميس الأرض والبناء.([13]).(31/306)
ومن الأموال ما يخمس مرتين مثل: الهبة من واهب لا يخرج خمسه فيجب على الموهوب له تخميسها مرتين([14]) وكذلك المال المخلوط بالحرام يخمس مرتين: مرة للتحليل فيحل بإخراج خمسه، ومرة للمال المتبقي بعد إخراج خمس التحليل.([15]).
أي: إن المال الحرام يصير حلالاً بمجرد إخراج خمسه مع أن الزكاة وهي حق الله جل وعلا ليس لها هذه الميزة، فإنها لا تحل حراماً، فالحرام يظل حراماً ولا مخرج منه إلا بالتوبة بشروطها التي منها: إذا كان المال غصباً أو سرقة فلا توبة إلا لإرجاعه إلى صاحبه أو ترضيته.
ومن الأموال المحرمة التي يتعلق بها الخمس: ما يؤخذ من الكفار بغير القتال من غيلة أو سرقة أو ربا أو دعوى باطلة، ويسمَّى خمس الفائدة([16]) مع إن خمسها جزء منها وهي حرام كلها، فكيف يحل أخذه وأكله، وهو جزء من الحرام؟!
وإخراج الخمس أوجب من ركن الحج، فإنه إذا تردد الأمر بينه وبين تعطيل الحج، وجب إخراج الخمس وإن أدى ذلك إلى نقصان المال عن قيمة الاستطاعة.([17]).
وصلاة الذي لا يخمس في اللباس والمكان غير المخمس باطلة لا تقبل.([18]).
علماً أن هذه الأصناف جميعاً لا زكاة فيها شرعاً، إلا ما كان من عروض التجارة، ويشترط له حولان الحول وبلوغه النصاب، أو زرعاً إذا بلغ النصاب أيضاً، وعش رجباً تجد عجباً!
مثال.. كي تتضح المقارنة:-
لو افترضنا أن رجلاً يملك بيتاً وبستاناً وسيارة ومالاً على شكل نقد. فما مقدار الزكاة الواجبة عليه؟ وما مقدار الخمس؟
الزكاة:
البيت: لا زكاة عليه.
السيارة: كذلك لا زكاة عليها.
البستان: لا زكاة إلا على ثماره عند جنيها إذا بلغت النصاب.
النقود: إن لم تكن بالغة النصاب فلا زكاة عليها، والنصاب ما يعادل عشرين مثقالاً ذهباً.(31/307)
فلو فرضنا أن مثقال الذهب بخمسين ألف دينار، فينبغي أن يبلغ المال مليون دينار، ويحول عليه الحول (العام) حتى تجب فيه الزكاة، ومقدارها خمسة وعشرون ألف ديناراً فقط. فإن لم تبلغ النقود هذا المقدار، فإن هذا الرجل لا زكاة عليه رغم كونه يملك بيتاً وسيارة وبستاناً ومالاً! هذا بالنسبة للزكاة...
الخمس:
إذا فرضنا أن قيمة البيت ثلاثة ملايين، والبستان ثلاثة ملايين، والسيارة ثلاثة ملايين، وعند هذا الرجل قيمة النصاب أي: مليون ديناراً، فيكون المجموع عشرة ملايين ديناراً، خمسها يساوي مليونين!! أي: ما يعادل الزكاة الواجبة عليه ثمانين مرة فقط!! أي: إن هذا الرجل لو ظل يزكي أمواله ثمانين سنة، لما بلغ مقدار خمس واحد يدفعه مرة واحدة!! فهل تصورت الأمر على حقيقته المروعة؟! وقس على ذلك.
كل هذا ولا آية واحدة في القرآن كله تنص على هذا المبلغ الهائل بصراحة تقطع الظن أو تبلغ قريباً من ذلك!
بعض الآيات الواردة في الزكاة:-
قال تعالى: ((وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ)) [البقرة:43] ولم يقل: (وآتوا الخمس)!
وقال تعالى: ((وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ)) [البقرة:83] ولم يقل: (وآتوا الخمس)!
وقال تعالى: ((وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ)) [البقرة:110] ولم يقل: (وآتوا الخمس)!
وقال تعالى: ((وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ)) [البقرة:177] ولم يقل: (وآتى الخمس)!(31/308)
وقال تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)) [البقرة:277] ولم يذكر (الخمس)!
هذا كله في سورة واحدة جمعت كل شرائع الإسلام وأوامره ونواهيه، فأين (الخمس) منها؟!
وقال تعالى: ((وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ)) [الأعراف:156] ولم يقل: (ويؤتون الخمس)!
وقال تعالى: ((فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ)) [التوبة:5].
وقال تعالى: ((فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)) [التوبة:11] ولم يذكر (الخمس).
وقال عن نبيه عيسى عليه السلام: ((وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً)) [مريم:31]، ولم يوصه بالخمس!!
وقال عن إسماعيل عليه السلام: ((وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً)) [مريم:55]، ولم يذكر أنه كان يوصي أهله بالخمس.
وقال عن أنبيائه عليهم السلام: ((وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَةِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ)) [الأنبياء:73]، ولم يذكر أنه أوحى إليهم إيتاء شيء اسمه الخمس.
وقال تعالى عن صفة أمراء المسلمين: ((الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ)) [الحج:41] ولم يقل: وآتوا الخمس.
وعدم ورود الخمس هنا بالذات يستدعي النظر... لأن الآية تخاطب ولاة الأمر، فلو كان (الخمس) أمراً مشروعاً لما أغفل الله ذكره في هذا الموضع مع ذكره الزكاة.(31/309)
وقال عن المؤمنين جميعاً: ((قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ)) [المؤمنون:1] * ((الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ)) [المؤمنون:2] * ((وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ)) [المؤمنون:3] * ((وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ)) [المؤمنون:4] * وذكر أموراً أخرى، ولم يكن من بينها (الخمس).
وقال عن عُمَّار المساجد: ((رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ)) [النور:37] ولم يذكر (الخمس) مع ذكره التجارة والبيع وإنما ذكر الزكاة!
وقال عنهم أيضاً: ((إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ)) [التوبة:18].
وقال عن أمهات المؤمنين: ((وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)) [الأحزاب:33]، ولم يقل: (وآتين الخمس)!
وقال: ((وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ)) [فصلت:6] * ((الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ)) [فصلت:7]. ولم يقل: (الذين لا يؤتون الخمس)!
وقال: ((وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)) [البينة:5] ولم يذكر (الخمس).
وهكذا... وفي كل مرة في عشرات الآيات يتكرر ذكر الزكاة ولا يرد ذكر (الخمس) ولو مرة واحدة لا مقروناً معها ولا مستقلاً في غيرها من الآيات... فما وجه الحكمة في هذا السكوت لو كان الخمس مشروعاً ومراداً من الله؟!
كل الذي قاله تعالى، وطالب به عباده على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم ملخص في قوله تعالى: ((خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا)) [التوبة:103].
جدول مقارنة أخرى بين الزكاة والخُمس(31/310)
وحتى تكون صورة المقارنة واضحة لابد من ملاحظة أن النسبة العائدة للزكاة تتعلق بمقدار من المال أصغر بكثير من مقدار المال الذي تتعلق به نسبة الخمس وذلك للأسباب المبينة في الفقرات (2-6) من الجدول السابق، فلا يصح أن نقول: إن قيمة الخمس ثمانية أضعاف قيمة الزكاة على اعتبار أن نسبة 20% تعادل 2.5% ثماني مرات. بل الخمس أكبر من ذلك بكثير، مع أن الفارق بين مقدارين أحدهما أكبر من الآخر ثماني مرات كبير جداً، فكيف إذا كانت قيمة أحدهما تربو على الآخر عشرات المرات؟!
لقد تبين لنا من المثال المضروب قبل صفحات تحت عنوان (مثال كي تتضح المقارنة) أن قيمة الخمس في مال معين يمكن أن تكون أكبر من قيمة زكاته ثمانين مرة!!
مثال آخر:-
لو أن رجلاً أقرض رجلاً مبلغاً من المال قدره مئة ألف دينار، ثم أقرضه بعد ذلك مبلغاً آخر قدره مليون دينار، حتى إذا جاء أجل تسديد الدين وكان بين الرجلين مسافة تفصل بينهما، فأرسل الدائن إلى المدين يطالبه بتسديد المال، أفيعقل أن يقوم بإرسال ثلاثين أو أربعين رسالة يطالب فيها بالمبلغ الأول ليس في واحدة منها ذكر شيء عن المبلغ الثاني الذي هو عشرة أضعاف الأول؟! أم إن العكس هو المعقول والممكن أن يكون؟ بل ليس من السائغ عقلاً أن يرسل عشر رسائل -مثلاً- يطالب فيها بالمبلغ الأول ثلاثاً منها فقط فيها إشارة إلى المبلغ الثاني.
فإذا أرسل عشرين رسالة، واحدة منها فقط يذكر فيها المبلغ الثاني، هل هذا الرجل عاقل أم فاقد للذاكرة؟! أم ماذا؟!(31/311)
فكيف إذا كان أرسل أكثر من ثلاثين رسالة يطالب فيها بوضوح ومن دون لبس وبلهجة شديدة ومحذرة بتسديد المبلغ الأول، ورسالة واحدة مبهمة غير واضحة الدلالة في الحديث عن المبلغ الثاني، بل موضوعها الرئيس أمر آخر بعيد كل البعد عن موضوع الذين، صحيح أن فيها ذكراً للفظ مليون دينار، ولكن جاء في سياق الحديث عن شراء بيت مثلاً قيمته مليون دينار، وليس من علاقة بين الموضوعين إلا اللفظ. هل يُعقل هذا؟!
كذلك الحال مع الزكاة وخمس المكاسب في القرآن، فإن الله جل وعلا أنزل أكثر من ثلاثين آية عن الزكاة ولم ينزل آية واحدة عن خمس المكاسب! كل ما يمكن أن يقال آية واحدة مذكور فيها لفظ (الخمس) هذه الآية نزلت أساساً للحديث عن موضوع آخر، هو خمس الغنائم الذي لا يختلف أحد من أهل السنة أو الشيعة على أنه مقصود الآية.
مع أن الخمس أضعاف أضعاف الزكاة فلو كان مشروعاً لكان المعقول أن ينعكس الأمر فتكون آياته أضعاف أضعاف الآيات التي تتحدث عن الزكاة.
أما أن يكون الأمر بالمقلوب... فهذا لا يمكن لعاقل أن يتصوره إلا إذا انقلب عقله.
سبب نزول الآية:-
إن سورة الأنفال التي وردت فيها الآية أنزلها الله جل وعلا تعليقاً على معركة بدر الكبرى - هذه المعركة العظيمة الفاصلة التي سمى يومها يوم الفرقان، وبياناً لما فيها من دروس وعبر ومبادئ ووصايا وحكم وأوامر وزواجر وأحكام، منها كيفية تقسيم الأنفال أو الغنائم التي ينفلهما الله إياهما من المشركين، فأنزل الله هذه السورة وسمَّاها باسم هذه الأموال المغنومة (الأنفال)، وبدأها بذكر سؤال المؤمنين عن حكمها وكيفية قسمتها فقال: ((يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَنْفَالِ قُلْ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ)) [الأنفال:1].(31/312)
ثم ذكر أوصاف المؤمنين حقاً ثم أخذ ببيان أحداث المعركة من أول خروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من بيته إلى دخوله ساحة القتال إلى ذكر صور من القتال نفسه، وإنزال الملائكة ونصر المؤمنين وهزيمة الكافرين والوصية بإعداد القوة، وحكم الأسرى وفدائهم ودعوتهم إلى الإسلام إلى أن عاد في نهاية السورة إلى ما بدأها به من ذكر المؤمنين حقاً فأفصح عنهم وأعلن إنهم المهاجرون والأنصار: ((وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا)) [الأنفال:74].
وفي منتصف السورة تقريباً، ذكر حكم تقسيم الغنيمة والأصناف التي تقسم عليها ومقاديرها فقال: ((وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ)) [الأنفال:41] فما علاقة المكاسب والأرباح بالموضوع؟ حتى يكون لها خمس تتحدث عنه الآية؟!.
سياق الآية:-
من المعلوم أن سياق الكلام له علاقة أساسية في تفسيره ومعرفة معناه ومقصود المتكلم به.
فالكلمة الواحدة أو العبارة يكون لها معنى في موضع ومعنى آخر في موضع آخر بحسب موقعها من الكلام، أو حسب تركيب الكلام وترتيبه وحسب الموضوع الذي من أجله سيق الكلام، فإخراجها عن سياقها وموضوعها وحملها على أحد معانيها المحتملة عند الإطلاق دون قرينة أو علاقة بينهما يقتضيها السياق لا يكون إلا في كلام المجانين وهذيانات المجاذيب!.
فكيف يجوز أن نعامل كلام أحكم الحاكمين معاملة هذيان المجانين؟ فنخرج الآية من سياقها وموضوعها الذي هو كله حديث عن الجهاد والقتال إلى موضوع مغاير تماماً هو أموال المسالمين من المسلمين؟! إن الآية موضوعها الأموال المغنومة من الكفار المحاربين في ساحة القتال، لا أموال التجار والمتكسبين في أسواق المسالمين من المسلمين أو بيوتهم ومقتنياتهم!.
القرآن فرَّق بين المكاسب والغنائم:-(31/313)
لقد فرق الله تعالى في كتابه بين الكسب والغنيمة، وبين أن في الأول الزكاة والصدقة فقال: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الأَرْضِ)) [البقرة:267].
جاءت هذه الآية ضمن أربع عشرة آية تتحدث عن الإنفاق بدأت بقوله تعالى: ((مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ...)) [البقرة:261].
وانتهت بقوله تعالى: ((الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)) [البقرة:274] ثم ذكر الله بعدها سبع آيات عن الربا، وآيتين عن الدين، ثم ختم السورة بثلاث آيات، ولم يذكر قط أن في المكاسب شيئاً اسمه الخمس؛ لكنه في سورة الأنفال لما ذكر القتال بيَّن أن في غنائمه (الخمس)، فقال: ((وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ)) [الأنفال:41] فالخمس في الغنائم لا المكاسب، والله تعالى قادر -لو أراد- على أن يقول: (واعلموا أنما كسبتم من شيء فأن لله خمسه) لكنه لم يقل ذلك وإنما قال: ((وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ)) [الأنفال:41] فتأمل، وإياك واتباع ما تشابه منه.
الغنيمة في لغة القرآن:-
وردت الغنيمة في القرآن ست مرات فقط، أربع مرات بصيغة الفعل (غنم) ومرتين بصيغة الجمع (مغانم)، ولم ترد بصيغة اشتقاق أخرى غير هاتين الصيغتين.
وفي المواضع الستة -دون استثناء- ترد الغنيمة في معرض الحديث عن المال المأخوذ من الكفار في الحرب وليس في واحد منها قط الإشارة إلى ما يمتلكه المسلم أو يكتسبه من مال.
وهذه هي مواضع ورود الغنيمة في القرآن الكريم:(31/314)
1- ((سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً)) [الفتح:15] * ((قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنْ الأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ...)) [الفتح:16] إلى أن قال: ((لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً)) [الفتح:18].([19]).
2- ((وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً)) [الفتح:19]([20]).
3- ((وَعَدَكُمْ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً)) [الفتح:20].
4- ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً)) [النساء:94].([21]).(31/315)
5- ((مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) [الأنفال:67] * ((لَوْلا كِتَابٌ مِنْ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)) [الأنفال:68] * ((فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) [الأنفال:69].([22]).
6- وقال الرب جل وعلا في الآية (41) من السورة نفسها (الأنفال): ((وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ...)).
وإذن فلفظ الغنيمة لم يرد في القرآن إلا في غنائم الحرب التي تؤخذ من الكفار في ساحة القتال، أو فداء للأسرى، وفيها جاء ذكر الخمس مرة واحدة في القرآن. فمن أدخل الخمس على مكاسب المسلمين وتجاراتهم وممتلكاتهم -التي عظم الله حرمتها وحرَّم غنمها أو الاستيلاء عليها- فقد عامل أموالهم معاملة الغنيمة، والغنيمة هي: المال المأخوذ من أعداء الإسلام عن طريق الحرب والقتال، ولم ترد في القرآن في غير هذا المعنى قط، فمن أخذها من المسلمين فقد عامل المسلمين المسالمين معاملة الكفار المحاربين.
فمن قال بغير هذا فعليه بالدليل النقلي القاطع من القرآن، لا نرضى بغيره بدلاً؛ لأنه اشتمل على كل عظيم ومهم من شرائع الدين ولم يغادر منه شيئاً.
وهؤلاء المسلمون ليسوا خارجين عن الدين، ولا هم في حرب مع أهله أو قتال، فكيف تُخمَّس أموالهم؟!
اللفظ بين معناه اللغوي ومعناه الاصطلاحي:-
تنقسم الألفاظ الواردة في لغة الشرع -كما هي في لغة الناس- إلى قسمين:
1- منها ما يرد بالمعنى اللغوي العام مثل ألفاظ: الحمد والشكر، والرزق والنعمة، والغدو والرواح، والغنى والفقر، والفرح والحزن، والموت والحياة، إلى ما لا يحصى من الألفاظ.(31/316)
2- ومنها ما يرد بالمعنى الاصطلاحي الخاص، كألفاظ: الإيمان والنفاق، والإسلام والكفر، والصلاة والصيام والزكاة، والحج والجهاد، والفيء والغنيمة... إلخ.
والخلط بين موارد القسمين يؤدي إلى اللبس في فهم مقاصد الشرع الحكيم. فما ورد بالمعنى اللغوي لا ينبغي أن نحمله إلا على معناه اللغوي، وكذلك ما ورد بالمعنى الاصطلاحي لا يصح أن نحمله إلا على معناه الاصطلاحي، وإلا خرجنا عن مقصود الرب جل وعلا بكلامه وحرفنا الكلم عن مواضعه التي وضع لها، وهي طريقة المبطلين الذين ((فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ)) [آل عمران:7] فمثلاً قوله تعالى عن الصابرين عند المصيبة: ((أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ)) [البقرة:157] الصلاة هنا ليست هي الصلاة المصطلح عليها شرعاً والمطلوب أداؤها فرضاً من كل مسلم، والتي وردت في مثل قوله تعالى: ((وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ)) [البقرة:43] وإنما هي الصلاة بالمعنى اللغوي.
ولفظ (السنة) في قول تعالى: ((سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً)) [الأحزاب:62] غير المقصود به اصطلاحاً عند الفقهاء وهو المستحب، وإنما المقصود بها معناها اللغوي وهي الطريقة والقانون الكوني العام.
وإذا أردنا أن نضرب أمثلة على ما ورد من الألفاظ بالمعنى الاصطلاحي وليس اللغوي نأخذ مثلاً لفظ (الإيمان) فالإيمان لغة:(31/317)
التصديق مع الاطمئنان. أما (الإيمان) المقصود شرعاً فليس هو مطلق التصديق بأي شيء، كالتصديق بأن الشمس طالعة أو أن الكل أكبر من الجزء، وإنما هو التصديق الجازم بأمور معينة حددها الشرع مع انفعال القلب المؤدي إلى العمل: قال تعالى: ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ)) [الحجرات:15] وهذا اصطلاح شرعي يخصص المعنى اللغوي.
وكذلك لفظ (الرسول) في قوله تعالى: ((مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ)) [الفتح:29] فانه يختلف في معناه عن لفظ (الرسول) في قوله تعالى: ((فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ)) [يوسف:50] فالأول جاء بالمعنى الاصطلاحي والثاني بالمعنى اللغوي... وهكذا.
نعم!! توجد علاقة أساسية بين المعنى الاصطلاحي للفظ ومعناه اللغوي. فإنه لابد للمصطلح في اللغة من لفظ يناسبه يُشق منه ويُبنى عليه: ففي المثال الأخير لفظ (الرسول) معناه لغة: الشخص الذي يحمل رسالة من مُرسِل إلى مرسل إليه، وهو مقصود الآية الأخيرة، أما (الرسول) في الآية التي قبلها فإنما قصد به معناه الاصطلاحي وهو: من يختاره الله تعالى لتحمل رسالته وأدائها إلى خلقه، وهو يختلف عن معناه اللغوي وإن استند إليه.
وكذلك لفظ (الصلاة) و(الزكاة) و(الصوم) و(الحج)، و(الجهاد) و(الفيء) و(الغنيمة)... إلخ، جاءت في لغة الشرع بمعانيها الاصطلاحية المحددة المقيدة، فلا يصح تفسيرها بمعانيها اللغوية المطلقة، أو حملها على معاني اصطلاحية حادثة متأخرة لم تكن معروفة عند نزول القرآن، وإلاَّ وقعنا في فخ كبير نصبته لنا أيدي الزنادقة والغلاة من زمن بعيد.(31/318)
لقد قام هؤلاء -ومن وقت مبكر- بدور كبير وخطير من أجل تشويه الدين وإبطال أحكامه ومحو معالمه، وكان من أساليبهم في تحقيق ذلك: التلبيس على عوام الناس باتباع المتشابه ومنه الدخول من ثغرة الخلط بين المعاني اللغوية والمعاني الاصطلاحية للألفاظ حتى أخرجوها عن مقاصدها الشرعية ولبسوا على الناس أمر دينهم وبلبلوا أفكارهم، ومن أمثلة ما فعلوه أنهم أولوا (الصيام) بالإمساك عن إباحة سرهم اعتماداً على معناه في اللغة، وهو الإمساك وقالوا عن (الحج): إنه قصد زيارة شيخهم أو بيته أو مرقده على أساس أن الحج في اللغة هو قصد الشيء وهكذا..
وكذلك لفظ (الغنيمة): فإن أصل اشتقاقه اللغوي يدور حول الفوز بالشيء والظفر به، إلا أن (الغنيمة) التي وردت في النص القرآني أو على لسان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مصطلح شرعي محدد المعنى، معناه: (ما أخذ من الكفار قهراً بقتال أو إيجاف خيل أو ركاب).([23]).
وهذا يعني أن له شرطين:
1- أن يكون المأخوذ منه كافراً.
2- أن يؤخذ منه قهراً بواسطة القتال وما في معناه.
وكلا الأمرين مفقودان في أموال ومكاسب المسلمين، فلا هم كفار، ولا محاربون، ولا أخماسهم تؤخذ منهم قهراً.
وبما أن الغنيمة في نصوص الشرع جاءت بالمعنى الاصطلاحي فلا يصح إذن إطلاقها على كل ظفر بأي حال ليعم أو يشمل ما يمتلكه المسلم أو يكسبه أو يربحه بحجة إن اللفظ لغة يشمله، إن هذا القول يساوي -تماماً- إطلاق لفظ (الصلاة) على أي دعاء بأي كيفية كانت بحجة أن اللفظ لغة يشمله! إن هذا تلاعب بالألفاظ، واللعب بمسميات الشرع المقدس يرفضه الدين وتأباه اللغة، وهو مشابه -بالضبط- لما قام به الزنادقة الباطنيون -من قبل- من تأويل للعبادات والمسميات الشرعية.
هذا كله من ناحية، والناحية الأخرى المهمة جداً يوضحها الموضوع الآتي:
التنافر اللغوي بين خصوص لفظ (الغنيمة) وعموم لفظ (المكاسب):-(31/319)
قلنا: إنه لابد من علاقة بين المصطلح المشتق والأصل اللغوي المشتق منه، وهذه العلاقة لابد أن تكون متناسبة وليست متنافرة.
فالصلاة: نجد معناها الشرعي الاصطلاحي مناسباً تماماً لمعناها اللغوي الذي هو الدعاء. فإن الدعاء، إما دعاء طلب، أو دعاء تقرب، وقد يكون بالأقوال أو بالأفعال. والصلاة منقسمة بين أقوال وأفعال، فأدعيتها القولية إما أدعية سؤال وطلب مثل: ((اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)) [الفاتحة:6] وإما أدعية عبادة وتقرب مثل: ((الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)) [الفاتحة:2] أما أفعالها وحركاتها، فكلها دعاء وتذلل وتقرب، ولكن بلسان الحال لا لسان المقال.
وهذا التناسب اللغوي لابد أن يتوفر بين كل معنى اصطلاحي ومعناه اللغوي.
وكذلك الأمر بالنسبة للغنائم والمكاسب فإنه لابد من علاقة بينهما مناسبة لا يشوبها التنافر، وهذا غير موجود.
(فالغنيمة) يدور معناها اللغوي حول الظفر بالشيء وهو يستلزم وجود مقاومة من ضد تظفر به، وخصم يحاول الإمساك بما تريد الحصول عليه منه، ولذلك قيل: ظفر فلان بعدوّه، أي: انتصر عليه، وهو مشتق من (الظفر) وهو المخلب. قال الراغب الأصفهاني في مفردات ألفاظ القرآن: ظفره: أي نشب ظفره فيه، قال: ((مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ)) [الفتح:24] ا هـ.
وهذا هو السر اللغوي في إطلاق الشارع الحكيم لفظ الغنيمة لا غيره - على المال المأخوذ قهراً من الكفار المحاربين؛ لأنه مال مأخوذ على سبيل الظفر به من خصم مقاتل لا يرضى بتسليمه، فكأن الغانم أنشب ظفره فيه وانتزع ما انتزعه منه به.
ولذلك لا يطلق النفل على الغنيمة إلا إذا قصدنا واعتبرنا معنى الظفر والاستيلاء، قال الراغب في مفرداته عن النفل: قيل: هو الغنيمة بعينها، لكن اختلفت العبارة عنه لاختلاف الاعتبار، فإنه إذا اعتبر بكونه مظفوراً به، يقال له غنيمة. ا هـ.(31/320)
ولذلك لما قال تعالى -وهو يذكر هذه الأحوال المظفور بها من الكفار: ((يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَنْفَالِ)) [الأنفال:1] جاء الجواب عن هذا السؤال الذي هو عن الأموال المعبر عنها بلفظ (الأنفال): ((وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ)) [الأنفال:41] بلفظ (الغنيمة) لهذا الاعتبار.
وهذا المعنى لا يستقيم مع مطلق لفظ المكاسب فإن الكسب -كما يقول الراغب: ما يتحراه الإنسان مما فيه اجتلاب نفع وتحصيل حظ ككسب المال. ا هـ.
وهو معنى عام خصص منه الشرع ما يؤخذ من الكفار بالقوة بلفظ الغنيمة وأطلقه على ما يستحصل بالتراضي وبالطرق الشرعية من البيع والشراء وغيره دون وجود خصم يستحصل منه بالقسر والإكراه.
ولهذا جاء سياق ذكر المكاسب في القرآن مختلفاً عن سياق ذكر الأنفال والغنائم والفيء، فالأول جاء عند ذكر الإنفاق وتشبيهه بالزرع، وإن الحبة الواحدة منه تنبت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة، واستمر السياق يذكر شروط الإنفاق الطيب من عدم المنة والأذى ومن الإخلاص وعدم الرياء، وضرب لذلك أمثلة تتعلق بالمطر والتربة والنخيل والأعناب ثم قال: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ)) [البقرة:267].
ثم ذكر النذر وربطه بالإنفاق فقال: ((وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ)) [البقرة:270] ثم انتهت الآيات بالتحذير من الربا وهو نقيض الإنفاق والصدقة، ثم بعدها جاءت آية الدين. وكلها أمور متعلقة بالسلم ولا ذكر لخصومة فيها أو قتال.([24]).(31/321)
أما ذكر الأنفال والغنائم فقد جاء في سياق ذكر القتال وذلك في معركة بدر التي استغرق ذكرها سورة (الأنفال) كلها تقريباً، كذلك الفيء فقد جاء ذكره في سياق ذكر حصار بني النضير وذلك في سورة الحشر ويمكن لكل قارئ مراجعتها ليعلم الفرق بين السياقين.
وخلاصة القول: إن المكاسب غير المغانم.
وبما أن الخمس إنما هو خمس الغنائم، فالمكاسب إذن لا خمس فيها، لسبب بسيط جداً هو أنها ليست غنائم.
الغنيمة مال خاص مستقل:-
ومن أراد المزيد نقول له: إن الغنيمة وإن صح دخولها تحت مسمى المكاسب إلا إنه ليس كل كسب غنيمة؛ لأن الغنيمة كسب خاص له شروطه التي إن عدمت لم يصح تسميته بالغنيمة فإن ساغ لغة أن نقول: كل غنيمة كسب فلا يسوغ قولنا: كل كسب غنيمة.
كما تقول: كل ثوب لباس، ولكن ليس كل لباس ثوباً.
فإذا فرضت ضريبة على كل ثوب مثلاً، فليس من حق جابي الضرائب أن يأخذ ضريبة على السراويل أو غطاء الرأس على أساس أن الكل يدخل تحت مسمى اللباس، فيقول: بما أن الثوب لباس والسراويل لباس فلابد أن تكون الضريبة على الكل، فإننا سنقول له: صحيح إن كليهما لباس، ولكن الضريبة على لباس خاص هو الثوب، فلا ندفع إلا عن الثوب، وينتهي الإشكال إذا لم يكن عند الجابي مقاصد مبيتة فيحاول التلاعب بالألفاظ والالتفاف عليها.
وكذلك الغنيمة كسب خاص، فإذا فرض الشارع الحكيم عليها ضريبة شرعية مقدارها الخمس فلا يصح أن نعمم هذه الضريبة الخمس لتشمل كل كسب، غنيمة كان أم غيرها؛ لأن الخمس لم يعلقه القرآن ولم يضفه إلاَّ إلى الغنيمة التي هي كسب خاص، فهو إذن على الغنائم خاصة وليس على جميع أنواع الكسب، كما أن الضريبة في المثال السابق تعلقت بلباس خاص هو الثوب وليست في جميع أنواع اللباس.
وهؤلاء الذين علقوا (الخمس) بالمكاسب والأرباح وعموم الممتلكات تلاعبوا بالألفاظ قائلين:
بما أن كل غنيمة كسب، فإذن كل كسب غنيمة.(31/322)
وهو ممتنع وبذلك ينهار (خمس المكاسب) لانهيار سنده اللغوي، والله تعالى لا يعجز -لو كان في المكاسب خمس- أن يختار لهذه الفريضة لفظاً واضحاً محدداً يناسبها فيقول مثلاً: (واعلموا أنما كسبتم من شيء فأن لله خمسه)، لكن الله تعالى لم يقل ذلك وإنما قال: ((وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ)) [الأنفال:41].
الإمام الصادق عليه السلام يؤيد ما نقول:
وتعريف الغنائم بما عرفناها به جاء في أكثر من رواية عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام وقد مرت بنا:
فقد روى الطوسي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: {كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وكان ذلك له، ثم يقسم ما بقي خمسة أخماس، ثم يأخذ خمسه ثم يقسم أربعة أخماس بين الناس}.([25]).
وروي عن أبي عبد الله عليه السلام أيضاً قوله: [[ليس الخمس إلا في الغنائم خاصة]].([26]).
وكذلك جاء في أكثر من مصدر من المصادر التي تكلمت عن (الخمس). فقد عرفها السيد الخوئي هكذا:
الغنائم: المنقولة المأخوذة بالقتال من الكفار الذين يحل قتالهم.([27]).
وعرفها السيد محمد صادق الصدر فقال في تعريفها: الأموال والعيان المنقولة المأخوذة بالقتال من الكفار الذين يحل قتالههم).([28]).
والتعريفان متطابقان تماماً، وذكر السيد محمد صادق أيضاً أن (الخمس) يجب في سبعة أشياء هي:
1- الغنائم. 2- المعدن. 3- الكنز.... 7- ما يفضل عن مؤونة سنته.([29]).
ففرق بين الغنيمة وبين بقية الأموال فلم يجعلها من الغنيمة، وهذا يؤكد كلامنا بوضوح أن (الخمس) المتعلق بغير الغنيمة من الأرباح والمكاسب والمقتنيات لم يرد له ذكر في القرآن أبداً، وإذن لا دليل من القرآن يمكن أن يستدل به على خمس المكاسب وهو المطلوب.
بطلان التسمية (الخمس) من الأساس:-(31/323)
من الملاحظ على (الزكاة) أن نسبتها ونصابها يختلفان من مال إلى مال، فزكاة الذهب والنقد وعروض التجارة، مثلاً نسبتها ربع العشر أي: (1/40) ونصابها عشرون مثقالاً من الذهب أو ما يعادلها.
أما نصاب الفضة فمئتا درهم.
وأما زكاة الزروع فنصابها ستون صاعاً، وهو ما يقارب خمسمئة كيلو غرام، أما نسبتها فتتراوح ما بين العُشر ونصف العُشر. وزكاة الماشية يختلف نصابها ونسبتها في الغنم عنها في البقر وعنها في الإبل. وزكاة الفطر يختلف مقدارها والأعيان الذين تتعلق بهم عن الزكاة بمعناها العام... وهكذا.
ولا شك في أن هذا الاختلاف ينطوي على حكمة عظيمة ومصلحة كبيرة يراعيها الشارع الحكيم، لا تتحقق فيما لو تساوت النسبة في جميع أصناف المال.
فلماذا لم تختلف النسبة في ما يسمى بـ(الخمس) حسب صنف المال المتعلق به؟ إذ هي خمس المال في جميع أصنافه؟! وذلك يتناقض مع الحكمة الإلهية؛ لأن مبناها على تنوع النسبة حسب صنف المال لا على ثبوتها.
إن السبب في هذا الإشكال الكبير أنهم ورطوا أنفسهم وربطوا الموضوع بلفظ (الخمس) نفسه، وهو رقم محدد لا يقبل الزيادة ولا النقصان، ولذلك فهم مضطرون لتعميم النسبة ولا محيص لهم عن ذلك نظرياً وإن كانوا عملياً يتصرفون بالمقادير، حسب ما تسمح به الظروف -كما سيأتي إن شاء الله تعالى- وهو أمر غريب على طبيعة الدين وغير معروف من أحكامه الشرعية فإنه:
لا وجود في الشرع لشيء اسمه (الخمس):
إذ إن من الملاحظ أن الحقوق المالية المفروضة شرعاً لها أسماء في هذا الشرع، مثلاً: الصدقة والزكاة والخراج والنفقة والجزية والفيء والغنيمة، ولم نجد من بين هذه الأسماء شيئاً اسمه (الخمس) بهذه التسمية المطلقة المجردة من كل قيد أو إضافة!(31/324)
وإنما يوجد شيء اسمه (الغنيمة) لا تحل لمن غنمها إلا إذا أدى (خمسها). فـ(الخمس) مقيد بالغنيمة ومضاف إليها إضافة لا انفكاك له عنها فيقال: (خمس الغنيمة)، وهكذا جاء النص القرآني الوحيد: ((وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ)) [الأنفال:41] إذ ورد (الخمس) مقيداً ومضافاً إلى الضمير (الهاء) العائد إلى مال الغنيمة.
أما أن يوجد حق مالي شرعي له اسم مطلق كالزكاة والخراج... هو الخمس دون تقييد فهذا لا وجود له. وإذا قيل أحياناً (الخمس) فإن (الألف واللام)، تشير إلى المضاف المحذوف وهو (الغنيمة) فكيف ظهر هذا الاسم (الخمس) على صفحة الوجود وصار له كيان مستقل؟ وما الذي حصل؟
إن الذي حصل هو أنهم: حرروا باللفظ -أولاً- عن قيده وهو (الغنيمة) ثم استعملوه مجرداً حتى ذلت له الألسنة واعتادت عليه الأسماع فقيل: الخمس، وأكثروا من استعماله حتى اعتاد عليه الناس واعتقدوا وجود شيء مستقل اسمه (الخمس)! فلما حصل ذلك أضافوه إلى كل شيء مادام المفروض شرعاً -كما تصوروا- هو (الخمس). ووضعوا له الروايات المرعبة حتى يُلجئوا العامة إلى دفعه طوعاً، خوفاً من العقاب الأخروي أو هرباً من الازدراء الدنيوي الذي يلاحق كل من سولت له نفسه أمر التنصل عن أدائه، فرضخ كثير من الناس للأمر الواقع واستساغوا راغبين أم كارهين تخميس كل مال مهما كان نوعه غنيمة كان أم كسباً أم داراً أم أرضاً، بل تطور الأمر إلى درجة لا يتصورها أكثرهم وليس من السهل عليهم التصديق بوجودها إذ فرضوا (الخمس) حتى على أواني الطعام والشراب والملابس والأثاث والهدايا وحطب النار وكل شيء!!
مع أن كل واحد منا لا يحتاج إلى أكثر من الجرأة وشيء من التفكير المستقل من عقل متحرر من ربقة التقليد الأعمى ليعرف أن الدليل على كل هذا هو.. لاشيء!!.
الفيء والخمس.. وقفة مع سورة (الحشر):-(31/325)
الفيء: هو الغنائم التي يأخذها المسلمون من الكفار دون قتال، كالحصار ونحوه، قال تعالى: ((وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ)) [الحشر:6].
والذي يهمنا من الفيء عدة أمور منها:
ا- قسمته... فقد قسم الله جل وعلا بالضبط، فقال: ((مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ)) [الحشر:7].
وقال عن الخمس: ((وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ)) [الأنفال:41].
وتتجلى أهمية معرفة القسمة بما يلي:
2- ((كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ)) [الحشر:7]: ذكرت الآية السابقة من سورة الحشر أن تقسيم الفيء على المذكورين فيها إنما هو من أجل أن لا يتجمع عند طبقة واحدة من المجتمع وينحصر التداول به بين الأغنياء منهم فقط، فلا يصل إلى الفقير منه شيء، وذلك في قوله تعالى: ((مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ)) [الحشر:7].(31/326)
فجعل الفيء عدة حصص في عدة جهات، أن حصره في جهة واحدة فقط يؤدي إلى عكس مقصود الآية ومراد الرب من هذه القسمة، وقد أكد جل وعلا مراده وحذر من مخالفته تحذيراً شديداً فقال في نهاية الآية نفسها: ((وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)) [الحشر:7] فإذا حصر في جهة واحدة صارت هذه الجهة غنية -ولابد- وصار المال متجمعاً لدى طبقة الأغنياء يتداولونه بينهم، وكذلك شأن (الخمس) إذا خصصنا به جهة واحدة فإن ذلك يؤدي إلى النتيجة نفسها التي حذر الله منها، إذ تبرز في المجتمع طبقة غنية مترفة هم طبقة (رجال الدين) تتداول المال فيما بينها ولا يخرج منه شيء إلى المحتاجين.
وكل وضع ينتهي إلى أن يكون المال دولة بين الأغنياء وحدهم هو وضع يخالف النظرية الاقتصادية الإسلامية، ولابد أن تتولد من هذا الوضع أمور سيئة منها فساد هذه الطبقة التي كان المعول عليها في إصلاح أحوال الناس.
3- أيهما أكبر... الفيء أم الخمس؟
إن الفيء قليل الحدوث كما هو معروف من وقائع التاريخ، وأما في العصر الحاضر فيكاد ينعدم، بل هو معدوم لا وجود له.
أما خمس الأرباح والمكاسب فعلى العكس من ذلك إذ هو مورد هائل ودائم.
فإذا كان حصر الفيء في صنف واحد يؤدي إلى أن يكون المال ((دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ)) [الحشر:7] فماذا نقول في (الخمس)؟!! الجواب ما ترى لا ما تسمع! وانظر إلى الواقع ليغنيك عن مجلدات من الكلام!!
4- يتامى ومساكين وأبناء سبيل الأمة جميعاً:(31/327)
بعد الآية السابعة من سورة (الحشر) جاءت الآية الثامنة تفسرها وتبين هؤلاء الذين يستحقون الفيء وأنه: ((لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً)) [الحشر:8] أي: هو لهؤلاء الفقراء المهاجرين: ((وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)) [الحشر:9].
وهؤلاء هم الأنصار، و(الخصاصة) هي: الفقر والاحتياج الشديد. وفي السيرة النبوية: أن النبي أعطى الفيء -الذي جاء من يهود بني النضير والذي بسببه نزلت الآية السابقة- المهاجرين لفقرهم وثلاثة من الأنصار كانوا شديدي الفقر.
ثم ذكر الله صنفاً ثالثاً من مستحقي الفيء فقال: ((وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ)) [الحشر:10] أي: من بعد المهاجرين والأنصار وهم أجيال المسلمين إلى يوم القيامة متى وأينما وجد الفيء.
وهكذا جعل الله -جل وعلا- الفيء لجميع فقراء الأمة في جميع أجيالها دون حصره بذوي قربى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وحدهم، وهذا يعني أن قوله تعالى: ((وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ)) [الحشر:7] في الأنفال، المطابق لقوله تعالى: ((وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ)) [الأنفال:41] في خمس الغنيمة، ليس خاصاً بيتامى ومساكين وأبناء سبيل بني هاشم، وإنما هو عام في يتامى ومساكين وأبناء سبيل الأمة جميعاً، وليس من دليل على التخصيص إلا الظن والتحكم المحض!، وما نحتاجه هنا هو النص القطعي الدلالة الخالي من الاحتمال وهو معدوم تماماً.
فتأمل هذا فإنه كاف شاف بإذن الله!!(31/328)
وهكذا تبين أنه لا وجود لذكر خمس المكاسب ولا إعطائه إلى الفقيه في القرآن الكريم، بل هو مناقض لنصوصه وقواعده العامة.
-----------
([1]) منهاج الصالحين للسيد الخوئي (1/331).
([2]) الخمس بين السائل والمجيب للسيد محمد صادق الصدر (ص:9).
([3]) المصدر السابق (ص:13).
([4]) أيضاً (ص:33).
([5]) أيضاً (ص:32).
([6]) أيضاً (ص:35).
([7]) منهاج الصالحين للسيد الخوئي (1/346).
([8]) الخمس بين السائل والمجيب (ص:20).
([9]) أيضاً (ص:15، 32، 39).
([10]) منهاج الصالحين للسيد الخوئي (1/338).
([11]) الخمس بين السائل والمجيب (ص:31).
([12]) أيضاً (ص:30).
([13]) أيضاً (ص:18).
([14]) أيضاً (ص:11).
([15]) منهاج الصالحين للسيد الخوئي (1/331، 329).
([16]) أيضاً (1/325).
([17]) الخمس بين السائل والمجيب (ص:26).
([18]) أيضاً (ص:25).
([19]) وهو فتح خيبر، وقد كان بعد صلح الحديبية.
([20]) وهي مغانم خيبر.
([21]) أي: سافرتم وخرجتم للجهاد في سبيل الله لا تقولوا لمن سلم عليكم: إنما ألقيت التحية وسلمت تقية. والغنيمة هي ماله الذي يسلبونه إياه بعد قتله.
([22]) الفداء الذي يؤخذ من الأسير، وسُمِّي الفداء الذي يؤخذ من الأسير غنيمة، وبين أنه حلال بعد أن كفَّ الصحابة عن أخذه بعد نزول الآيتين (67 و68) فنزلت الآية (69) بياناً لحلية أخذه إذ هو من الغنيمة.
([23]) صفوة البيان لمعان القرآن.
([24]) انظر الآيات من آية رقم (261) إلى آية رقم (283) من سورة البقرة.
([25]) الاستبصار للطوسي (2/57).
([26]) الاستبصار للطوسي (2/56).
([27]) منهاج الصالحين للسيد الخوئي (1/325).
([28]) الخمس بين السائل والمجيب (ص:4).
([29]) المصدر السابق.
الفصل الثاني: خمس المكاسب في محكمة التاريخ
جباة الخمس:-(31/329)
يقول د. موسى الموسوي: إن تفسير الغنيمة بالأرباح من الأمور التي لا نجدها إلا عند فقهاء الشيعة، فالآية صريحة وواضحة في أن الخمس شرع في غنائم الحرب وليس في أرباح المكاسب. وأظهر دليل قاطع على أن الخمس لم يشرع في أرباح المكاسب هو سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسيرة الخلفاء من بعده بما فيهم الإمام علي عليه السلام وحتى سيرة أئمة الشيعة، حيث لم يذكر أرباب السير الذين كتبوا سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودونوا كل صغيرة وكبيرة عن سيرته وأوامره ونواهيه، أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان يرسل جباته إلى أسواق المدينة ليستخرج من أموالهم خمس الأرباح، مع أن أرباب السير يذكرون حتى أسامي الجباة الذين كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يرسلهم لاستخراج الزكاة من أموال المسلمين، والخلفاء الراشدين، بما فيهم الإمام علي لم يذكروا الناس بخمس الأرباح، أو أنهم أرسلوا الجباة لأخذ الخمس بخمس الأرباح، أو أنهم أرسلوا الجباة لأخذ الخمس.
وحياة الإمام علي معروفة في الكوفة فلم يحدث قط أن الإمام بعث الجباة إلى أسواق الكوفة ليأخذوا الخمس من الناس أو أنه طلب من عماله في أرجاء البلاد الإسلامية الواسعة التي كانت تحت إمرته أن يأخذوا الخمس من الناس ويرسلوها إلى بيت المال في الكوفة، كما أن مؤرخي الأئمة لم يذكروا قط إن الأئمة كانوا يطالبون الناس بالخمس أو أن أحداً قدم إليهم مالاً بهذا الاسم.([1]).
النبي صلى الله عليه وآله وسلم والخمس:-
هل حدث -ولو مرة واحدة في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم- أن النبي جمع خمس أموال المسلمين أو مكاسبهم واحتازها لنفسه؟
من ذكر ذلك؟
أين؟
ومتى؟
لماذا لم يفعله لو كان (الخمس) حقاً مشروعاً وواجباً مفروضاً على الأمة تجاه نبيها كما كان يفعل مع الزكاة، بل يقاتل من امتنع عن أدائها؟
أقارب النبي صلى الله عليه وآله وسلم والخمس:-(31/330)
هل عرف عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه أعطى علياً عليه السلام أو فاطمة عليها السلام أو إحدى بناته الأخريات عليهن السلام أو أحداً من أقاربه، كعمه عباس أو ابن عمه جعفر أو أحداً من أولادهم خمس أموال الرعية المسلمة؟
هل حدث هذا؟ متى؟ وأين؟ ومن ذكره؟ وأين سجله؟
ولو افترضنا أنه كان يقوم بجباية أخماس أموال الناس ليسلمها إلى أقاربه فماذا سيقول عنه المسلمون أو الكافرون؟ هل تتصور بماذا كانوا سيصفونه؟
قتال الصديق لمانعي الزكاة:-
قاتل الخليفة أبو بكر الصديق المرتدين ومانعي الزكاة على السواء، وقد ذكرت كتب الفقه والسير والتاريخ: أن هؤلاء امتنعوا عن دفع الزكاة، ولم تذكر أنهم امتنعوا عن أداء شيء اسمه (الخمس) مع أنه لو كان مشروعاً لكانوا يمتنعون عنه أيضاً مع الزكاة، فيكون من الأولى أن يقدم ذكره على ذكرها، فيقال: قتال مانعي الخمس؛ لأنه أكثر أو على الأقل أن يقال: قتلا مانعي الخمس والزكاة إذ الامتناع عنه أولى فالمطالبة به أوكد، والقتال عليه أوجب، وذكره أحرى.
أفيعقل أنهم امتنعوا عن الزكاة دون (الخمس)؟ أم إنهم امتنعوا عنه أيضاً؟ أو المؤرخين وكتاب السير والمغازي والفقهاء جميعاً تواطئوا -سامحهم الله- على إغفاله وإسقاطه من الحساب!!
أم أن المعقول أن أمراً كهذا لم يكن له وجود أصلاً، حتى يمتنعوا عن أدائه أو يطالب به أحد من خلق الله.
العباسيون و(الخمس):-
العباسيون هم أبناء العباس عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذريته، وهم من ذوي قربى النبي صلى الله عليه وآله وسلم دون خلاف، وهم داخلون في مسمى (ذي القربى) في الآية الكريمة، قطعاً قال الكليني: وهؤلاء الذين جعل الله لهم الخمس، هم قرابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذين ذكرهم الله فقال: ((وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ)) [الشعراء:214] وهم بنو عبد المطلب الذكر منهم والأنثى.([2]).(31/331)
وعباس أحد أبناء عبد المطلب العشرة، فالنص القرآني يشمله وذريته بالاتفاق على أي وجه من وجوه التفسير، وقد آلت إليهم الخلافة وصاروا ملوكاً وحاكمين لدولة الإسلام قروناً عديدة، فكانوا قادرين على حمل الناس على دفع (حقهم) من خمس المكاسب، لكنهم لم يفعلوا ذلك أبداً، ولم يذكر التاريخ شيئاً عن ذلك قط، فلماذا؟
هل جهلوا حقهم فلم يعرفوه؟ أم لم يكونوا عرباً فصعب عليهم تفسير القرآن واستشكلوه؟ أم عرفوا مالهم من حق لكنهم تركوه؟ فلماذا أيضاً؟!!. هل خوفاً؟ وبيدهم القوة، وحجتهم الشريعة - على فرض شرعيته.
أو ورعاً؟ أو رحمة بالناس؟ وهم متهمون بعدم الورع والرحمة من قبل القائلين بالخمس!!
وهل أحد أرحم بأحد من شرع الله؟ حاشا وكلا؟!
أم عفة وزهداً، أم ماذا؟!
إن الجواب الوحيد هو إن خمس المكاسب لا مشروعية له في الإسلام... ولذلك لم نجد دولة إسلامية عباسية أم علوية أم غيرها تنتمي إلى بني هاشم، فرضته على رعاياها، لاسيما وأن الظَّلمة في التاريخ مسلمين أم غيرهم لا يتورعون عن أكل أموال الناس بالباطل، تحت أية ذريعة أو اسم، فكيف يتورعون عن (الخمس)؟! لو كان مشروعاً ومحللاً مع أنهم لا يتورعون عن مثله أو ما هو دونه مع حرمته وإثارته الناس عليهم؟!
أفيترك المشروع لو كان مشروعاً إلى غيره وهو غير مشروع؟!
أيعقل أن يَعاف ظالم ماله الكثير عند غيره ليسلبه ما ليس له بحق وهو أقل ومقرون بالمخاطر والسمعة السيئة؟!
دول الشيعة و(الخمس):
لقد قامت دول عديدة وحكمت باسم (أهل البيت) ودانوا بالعقيدة الإمامية عموماً أو الإثني عشرية على الخصوص، كالدولة الفاطمية الإسماعيلية، والدولة الصفوية الإثني عشرية، وكان حكام هاتين الدولتين يدعون النسب العلوي وكذلك الدولة الجلائرية، وحكم البويهيون بغداد ردحاً من الزمن، لكن لم يعرف عن هؤلاء جميعاً أنهم قاموا بجباية خمس مكاسب الناس وتجاراتهم.
يقول الأستاذ أحمد الكاتب:(31/332)
(وبالرغم من قيام الدولة الجلائرية الشيعية في خراسان أيام الشهيد الأول([3]) واستعانتها به وطلبها منه المجيء إليها لتولي الجوانب الشرعية والتشريعية فإنه لم يطوّر هذه المسألة([4]) بما يخدم إدارة الدولة الشيعية التي تحتاج إلى المال لصرفها إلى المحتاجين والفقراء، وكذلك المحقق الكركي الذي استقدمته الدولة الصفوية التي قامت في بلاد فارس في القرن العاشر الهجري وظل على الرأي القديم الذي يقول بالتخيير بين صرف سهم الإمام المهدي أو حفظه إلى حين ظهوره.([5])
الفراعنة وخمس المكاسب:-
لقد خلا القرآن الكريم وخلت سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسيرته، وكذلك سيرة الخلفاء الراشدين وغيرهم من حكام المسلمين من ذكر (الخمس)، ولم نجد في تاريخ الإسلام ولا غيره ضريبة كانت تفرض على أموال الناس وتجاراتهم بهذا القدر.
إلا أن توراة اليهود تذكر أكثر من نص أن ملك مصر زمن النبي يوسف عليه السلام فرضه على شعب مصر بعد أن اشتد بهم الجوع، فاشتراهم واشترى أراضيهم فصاروا عبيداً له، ثم استعملهم في زراعتها على أن يكون له خمس الوارد ولهم أربعة أخماسه، وكلف وزيره يوسف بجبايته، إلا الكهنة (رجال الدين) فقد كانوا مستثنين -كما هو الحال اليوم-.(31/333)
جاء في (الكتاب المقدس) عند اليهود: (فاشترى يوسف كل أرض مصر لفرعون إذ باع المصريون كل واحد حقله؛ لأن الجوع اشتد عليهم فصارت الأرض لفرعون، وأما الشعب فنقلهم إلى المدن من أقصى حد مصر إلى أقصاه إلا أن أرض الكهنة لم يشترها إذ كانت للكهنة فريضة من قبل فرعون فأكلوا فريضتهم التي أعطاهم فرعون، لذلك لم يبيعوا أرضهم فقال يوسف للشعب: إني قد اشتريتكم اليوم وأرضكم لفرعون هو ذا لكم بذار فتزرعون الأرض ويكون عند الغلة أنكم تعطون خمساً لفرعون والأربعة أجزاء تكون لكم بذاراً للحقل وطعاماً لكم ولمن في بيوتكم وطعاماً لأولادكم، فقالوا: أحييتنا ليتنا نجد نعمة في عيني سيدي فنكون عبيداً لفرعون، فجعلها يوسف فرضاً على أرض مصر إلى هذا اليوم لفرعون الخمس، إلا أن أرض الكهنة وحدهم لم تصر لفرعون).([6]).
وقفة تأمل مع هذا النص:
في هذا النص من التوراة: إن فرعون -على طاغوتيته واستكباره- لم يستحل أخذ الخمس من مكاسب شعبه إلا بعد أن اشتراهم واشترى أراضيهم فصاروا عبيداً له وصارت أراضيهم ملكاً له كذلك! أي: إن فرعون حين أخذ الخمس منهم عاملهم معاملة (السيد) مع (العامة) من عبيده، بمعنى أن (الخمس) -في حس فرعون وشريعته- لا يؤديه إلا العبد المملوك تجاه سيده المالك!!
فهل شريعة فرعون أو إسرائيل أرحم وأرقى نظرة إلى الإنسان؟ وفي تلك الأزمنة البعيدة التي كانت البشرية فيها تعاني من التخلف الاجتماعي والنظرة القاصرة إلى الإنسان!! ومع ذلك اعتبرت إعطاء (الخمس) معناه أن المعطي قد صار عبداً لمن يعطيه!! فلم تستحل أخذه من الأحرار وإنما جعلت ذلك أمراً لا يليق إلا بالعبيد، فكيف تأتي -من بعد ذلك- شريعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم السماوية التي حررت البشرية من الظلم والاستعباد لتجعل من قيود العبودية أوسمة للأحرار!!
فأن يصفع أحدهم آخر بحذائه شيء مشين لا يمكن السكوت عليه، لكن الأدهى منه أن يجعل من ذلك فضيلة يشرفه بها!(31/334)
إلا إن الأدهى من ذلك كله، أن يقوم ذلك الإنسان الذليل بأداء واجب الشكر ومراسيم الاحترام تجاه من قام بصفعه بحذائه!
وفيه أيضاً: أن فرعون كان يستكثر على نفسه -رغم علو منزلته وسعة سلطانه وعظمة ملكه وشدة سطوته وجبروته- أن يأخذ خمس مكاسب الناس دون مقابل، ولهذا لم يفعل ذلك إلا بعد أن وجد نفسه قد اشتراهم واشترى أراضيهم بماله، وما ذاك إلا لعظمة هذه الضريبة -خمس ممتلكات الأمة وأرباحها- وضخامتها!!
واليوم يأتي من لم يدفع ديناراً ولا درهماً ولم يبذل جهداً ولا عرقاً ليقاسم الناس أموالهم فيأخذ خمسها مجاناً دون تردد أو حياء، بل هو المتفضل وصاحب المنة!!
وأخيراً... فإن سؤالاً يتلجلج في صدري: هل عبر إلينا (الخمس) من هناك وقمنا باستيراده من توراة اليهود وأحبارهم؟!
-------------
([1]) الشيعة والتصحيح (ص:66- 67).
([2]) أصول الكافي (1/540).
([3]) في القرن الثامن.
([4]) أي: الخمس فقد كان يقول بإباحة خمس المتاجر والمناكح والمساكن -وكم مر بنا- ويميل إلى حفظ نصيب (الإمام المهدي) بالوصية والدفن، وإن خيّر بينه وبين صرف العلماء له.
([5]) تطور الفكر السياسي الشيعي (ص:353).
([6]) الفصل السابع والأربعون من سفر التكوين/ الآيات (20-27)، وكذلك ورد (الخمس) في الفصل الحادي والأربعين/ آية (25).
الفصل الثالث: خمس المكاسب بين النظرية والتطبيق
بغض النظر عن بطلان نظرية (الخمس) وخطئها فإن الواقع يشهد تناقضاً صارخاً بين النظرية والتطبيق!(31/335)
إن المجتمع يعج بالكثير من الفقراء، بل المسحوقين، حتى من الذين ينتهي بهم النسب إلى عبد المطلب عموماً أو إلى أمير المؤمنين علي عليه السلام خصوصاً، بل إلى الحسن عليه السلام أو الحسين عليه السلام حصراً، ومع ذلك فلا ينالهم شيء من (الخمس) قليل ولا كثير!! وإنما هو دولة بين طبقة معينة دون الفقراء والمحتاجين الذين يعيشون في عوز وعسر حال وسوء أوضاع تتفطر لها أكباد الغيارى وقلوب المؤمنين، قد نسيهم تماماً أولئك الذين يحوزون القناطير المقنطرة من الذهب والفضة ويتبوءون القصور الفخمة والسرر المرفوعة والمراكب الفارهة ويديرون المؤسسات المالية الكبيرة داخل البلد وخارجه، لا يسألون عن أحوال إخوانهم في الدين وأتباعهم في المذهب ولا يرقبون الله فيهم!
فبأي حق يحرم هؤلاء المساكين وكثير منهم من ذوي قربى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟!
بل علاوة على ذلك، يقوم كثير من هؤلاء المساكين رغم حاجتهم بإعطاء أموالهم إلى أولئك الأغنياء المترفين!
لو كانوا جادين:-
إن الاعتقاد بأن (الخمس) من حق ذرية أهل البيت، وأقارب النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوجب على من يستلم هذه الأموال الهائلة أن يقوم بعمل إحصائية في كل حي من الأحياء لكل من يسكنه ممن ينتسب إلى أهل البيت لاسيما الفقراء منهم من أجل تقسيم (الخمس) عليهم، أو على الأقل سد حاجة المحتاجين منهم. وليس ذلك بمستحيل، أو عسير على من في حوزته تلك الأكداس المكدسة من الأموال - لو كانوا جادين في اعتقادهم.
وإذا كان هذا القول لا يجد أذناً واحدة يمكن أن تصغي إليه عند من يقوم فعلاً بحيازة هذه الأموال، فإننا نتوجه بالقول إلى أولئك المحرومين من إخواننا وأبناء جلدتنا: لماذا لا يطالبون بحقوقهم التي تمنحهم إياها فتاوى المذهب؟(31/336)
ألا يعلمون أن الفتوى التي تواطأ عليها متأخرو علماء المذهب تنص على: أن نصف الخمس وهو حق الله ورسوله والإمام الغائب يعطى للمجتهد، أما النصف الآخر فعليه أن يقسمه على فقراء الهاشميين واليتامى والمساكين منهم.([1]).
ومن مصارف النصف الذي يُعطى للمجتهد عامة الفقراء من أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فهل لهذه الفتوى تطبيق على أرض الواقع؟ وهل حقاً يوزع نصف (الخمس) على بني هاشم الذين منهم أبناء العباس، وأبناء جعفر وعقيل، أخوي أمير المؤمنين علي... وغيرهم؟ أم إن المجتهد يتصرف بالكل دون مراعاة هذه القسمة ودون سؤال أو رقابة أو مطالبة من أي أحد؟!!
ما هي علاقة المجتهد بـ(الخمس)؟:-
الواقع المشاهد، إن كل مجتهد يحق له استلام (الخمس) دون النظر إلى كونه ينتمي إلى بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم أم لا؟ بل دون النظر -حتى- في كونه عربياً أم أعجمياً، مع إن نص الآية يذكر قيد (ذي القربى) لا (ذي الفتوى)! فبأي حق يكون لهم نصيب فيه؟! وما علاقة الاجتهاد بالموضوع؟! إن الآية جعلت مناط الحكم وعلته (القربى) والنسب وليس العلم والاجتهاد، فكيف يناط (الخمس) ويعلق بغير مناطه؟!
ولنا أن نسأل: إذا كان المجتهد يفعل ذلك باعتباره نائباً عن (الإمام) في مسائل القضاء والإفتاء أو نيابة مطلقة، فهل كان الفقهاء في زمن الخليفة الراشد علي عليه السلام في المناطق البعيدة كالحجاز ومصر وخراسان يأخذون (خمس) مكاسب الناس في تلك الأمصار باعتبارهم نواباً عن (الإمام)؟!
والسؤال يطرح نفسه من باب أولى في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: فهل كان الفقهاء أو الأمراء في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو علي عليه السلام، أو أي زمن يأخذون خمس مكاسب الناس وأموالهم وتجاراتهم بصفتهم المستقلة، أم بصفتهم نواباً عن الإمام في الأماكن التي يغيب عنها ولا يستطيع أن يقوم بمهام الإمامة فيها بنفسه؟!(31/337)
والجواب الوحيد: النفي القطعي! وإذن ما علاقة المجتهد بـ(الخمس) وقد كانت العلاقة منتفية في زمن الأئمة، مع أن الفقيه أو الأمير يقوم بالدور نفسه والإمام غير قادر على إدارة البلاد وأداء مهام منصب الإمامة مباشرة في البلدان الغائبة عنه؟!
ولنا سؤال آخر: إذا كان المقلد يعطي (خمسه) إلى الفقيه، فلمن يعطي الفقيه (خمسه)، إذا لم يكن من ذرية (أهل البيت)؟ أو كان أعجمياً ليس بعربي؟!
هل هناك نص يستثنيه أو يعفيه من أداء هذا (الواجب)؟!
وإذا لم يكن المسلم مقلداً بل كان (محتاطاً أي: لا يأخذ برأي فقيه واحد... فهل إن الخمس ساقط عنه أم إنه يستطيع التصرف فيه كما يشاء؟!)([2]).
ومن الأدلة الواضحة على أنه لا علاقة بين المجتهد و(الخمس) تأخر ظهور فكرة إعطائه إلى المجتهد عدة قرون حتى تفتقت عنها الأذهان بعد طول نظر وشدة عناء وتفكير، إذ لو كانت العلاقة ظاهرة لما تأخرت الفتوى طيلة تلك الأزمنة المتطاولة، ولظهرت من أول يوم نزلت فيه الآية أو انتهى عنده عصر (الأئمة). إن هذه الفكرة إنما ولدتها الحاجة وأملتها الظروف وهي أوضح مثال على القول بأن (الحاجة أم الاختراع).
المجتهد لا يخمس ماله ولا يزكيه:-
لا يوجد أمر شرعي كلف الله تعالى به الأمة لوحدها دون نبيها صلى الله عليه وآله وسلم بل العكس هو الصحيح، إذ كلف الله تعالى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بأمور وأوجبها عليه مثل قيام الليل، جعلها نافلة مستحبة لبقية أفراد الأمة، وهكذا الزكاة والجهاد والحج والصيام الذي كان يواصل فيه اليومين والثلاثة دون فطور أو سحور، وهو أمر منهي عنه لغيره.
ولقد فرض الله تعالى الزكاة على عباده، ولم يسقطها عن أحد منهم حتى الأنبياء عليهم السلام!.(31/338)
قال تعالى: ((وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ)) [الأنبياء:73] وقال عن المؤمنين جميعاً ولم يستثن منهم لا علياً عليه السلام، ولا أحداً من أهل بيته: ((إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)) [المائدة:55].
أما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يكن يؤدي ما عليه من حقوق مالية تجاه الناس فحسب، بل فوق ذلك حرم على نفسه وأقربائه أموال الصدقة والزكاة -أوساخ الناس- فلم يحل لهم أخذها، وكان أهل بيته الكرام يزكون ويتصدقون ولا يأخذون من أحد من العالمين شيئاً!
والآن نأتي إلى الواقع لنراه مقلوباً تماماً، إذ إن المجتهدين يأخذون كل ما حل بأيديهم من جميع أصناف المال من الزكاة إلى الصدقة إلى النذور إلى (الخمس) إلى ما يسمونه بـ(الحقوق الشرعية) وأموال (المظالم)... إلخ، وفي المقابل لا يزكون أموالهم! وهل رأيت مجتهداً أو (سيداً) يزكي ماله؟! أين؟ ومتى؟
وهذا هو الواقع المر! فهل هذا الركن العظيم من أركان الإسلام مرفوع عنهم، وهل هناك أحد فوق القانون الإلهي؟!
يقول تعالى: ((وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ)) [فصلت:6] * ((الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ)) [فصلت:7].
وإذا قيل إن (الخمس) لا يجب على من كان من ذرية أهل البيت، فما حكمه بالنسبة للمجتهد من سواهم عربياً كان أم أعجمياً كما هو الغالب؟! هل رأيتم أحداً منهم يخمَّس أمواله ويضعها مع (الخمس) الذي يستلمه ليصرف الجميع في وجوهها؟! بل هو مع هذا كله لا يؤدي الزكاة الواجبة عليه!! بل وفوق ذلك هو يأخذ الزكاة مع أنها لا تحل له لأنه غني، بل قد يكون من (آل البيت) الذين حرمت عليهم أصلاً! فكيف؟!!
نسيان الزكاة:-(31/339)
لقد ألغى (الخمس) الاهتمام بالزكاة من الواقع، فلا تذكر كما يذكر الخمس، ولا يحرص عليها ولا يتحسس الناس لها وجوداً أو تأثيراً قط في كل المناطق المأهولة بمن يعتقد شرعية (الخمس)، وعامتهم لا يعرفون عن أحكامها البسيطة الواضحة شيئاً، قليلاً ولا كثيراً مع أن الله تعالى ملأ كتابه الكريم من ذكرها على عكس (الخمس)!!
ولعل السبب في ذلك -والله أعلم- أن مقدار الزكاة لا يعد شيئاً في مقابل (الخمس)، فإذا طولب صاحب المال بخمس ماله، كيف يمكن معه أن يطالب بأداء زكاته؟!
فالجمع بين (الخمس) والزكاة صعب على النفوس ومحرج للمعطي والآخذ. وإذن فعلى المجتهد أن يخير نفسه بين هذا وهذا، فإذا طالب بأحدهما فعليه أن ينسى الآخر أو يتناساه، ولا شك في أن الاختيار يقع على (الخمس)، ويتغافل عن الزكاة أو لا يذكرها بقوة فإن حصلت فبها ونعمت وإلا فـ(الخمس) يكفي وزيادة!
ولذلك فإن الواقع المشاهد أن المجتهد يصرح أحياناً بمسألة التخيير بين (الخمس) والزكاة دون تردد أو توقع أن أحداً سيسأله: هل إن إسقاط الواجبات الشرعية من حقه مع أنها مفروضة من قبل الله؟! وهل إذا حكم الله بأمر يحتاج حكمه ويفتقر إلى تعقيب معقب، مع أنه في كتابه يقول: ((وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ)) [الرعد:41]؟ وهل الفقيه مصدر تشريعي في مقابل مصادر الشرع الأخرى؟!
وهكذا نسيت الزكاة وعمي أمرها على سواد الناس فتركوا أداءها، بل لا يستشعرون وجوبها مع قيامهم بدفع الخمس ((وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً)) [الكهف:104].
ضريبة خيالية:-
إذا أضفنا (الخمس) إلى الزكاة والصدقة وغيرهما من الحقوق المالية المترتبة على المسلم يكون المجموع زهاء ربع المال!(31/340)
أي: أن المسلم هو الوحيد -من دون بقية الخلق وأجناس الأرض- الذي يُلزم بأداء ربع ماله ومكسبه ومقتنياته إلى دولته كي يتحلل من ذمته أمام ربه!! وحتى لو لم يكن سوى (الخمس)، فالخمس يعني خمس المال أو المكسب وهو قريب من الربع.
فهلا تصورت -والحالة هذه- مدى العنت والإرهاق والظلم الذي يتحمله المواطن تجاه دولة كهذه؟! بل.. هل يمكن لدولة مهما بلغت من الظلم والسطوة أن توقع بمواطنيها مثل هذا الجور؟! وهل يرضى مواطنو أي دولة يستشعرون الكرامة والحرية أن يرضخوا فيؤدوا (ضريبة دخل) بهذه الضخامة تحت أي ظرف؟ حتى لو كان ظرف حرب أو مجاعة شديدة أو حصار!
ولذلك فلا يُعرف في التاريخ أن ملكاً أو حاكماً عادلاً ولا ظالماً فرض مثل ذلك على شعبه، إلا ما جاء في التوراة عن ملك مصر زمن نبي الله يوسف عليه السلام من أنه فرض (الخمس) على المحاصيل الزراعية حين اجتاحت المجاعة شعب مصر، ولكن بعد أن اشترى الأرض وأهلها فصاروا له عبيداً -وقد سبق ذكر ذلك.
هذا إذا فرضنا أن الجهة التي يعطى لها (الخمس) دولة بحالها- كما يقول به بعض علماء المذهب- فكيف إذا كانت هذه الضريبة الخيالية تؤدى إلى أفراد معدودين لا دولة أو مؤسسة عامة، فماذا ستكون النتيجة؟! وإلى أي مدى يمكن أن يذهب بنا التصور والخيال؟!
فكيف إذا التفت إلى أن هؤلاء الأفراد المعدودين هم الذين يجب أن يكون الحاكم منهم، فيكونون هم أمراء المجتمع الإسلامي! أي: إن هذه الضريبة لا يستفيد منها إلا الحاكم وأفراد عشيرته الكبيرة، أي: العائلة المالكة فقط!! التي تمارس اليوم دور الإمارة و(السيادة) بأجلى صورها قبل تسلم مقاليد الحكم!
هل يمكن لحاكم في الكون أن يفرض على رعيته خمس مكاسبهم وأموالهم ومقتنياتهم له ولعشيرته فقط؟! وهل حدث مثل هذا في التاريخ؟!
وهل تصورت الآن الأمر على حقيقته وأبعاده البشعة؟! وإذن هل يمكن أن يكون ذلك ديناً منزلاً من عند الله؟(31/341)
إن هذا يستحيل أن يفعله أي حاكم مهما بلغ من الظلم والاستبداد أو الاستهتار بمقدرات شعبه وإرادته، فهل تعتقد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعله؟! فعل أمراً تعفف فرعون عنه؟!
أو هل تعتقد أن ذلك كان الواجب عليه أو على أي من خلفائه -وأهل بيته أن يفعلوه؟!
حقاً إنه لتشويه لا يليق بصورة هذا الدين العظيم ولا رسوله الكريم.
لازال البعض يدفع (الخمس)! لماذا؟:-
لازال بعض المتدينين -بل الكثيرون منهم- وإلى اليوم يزاولون دفع (الخمس)، فلماذا!
والجواب: إما أن يكون ذلك جهلاً منهم وحسن نية، إذ يتصورون أن (الأئمة) أمروا به أو أن نصوص الشرع تفرضه عليهم، دون أن يكلف أحد منهم نفسه يوماً ما ليراجع بنفسه النصوص والأدلة ويحكم بعقله الذاتي المستقل وإرادته المنعتقة عن القيود، بعيداً عن فتاوى الفقهاء في (رسائلهم العملية) المجردة عن الدليل، لاسيما وأن السواد الأعظم من المتدينين ذوي النوايا الطيبة، يتصور أن تقليد الفقهاء في كل شيء واجب محتم عليه وإلا كان معرضاً للعقاب الأخروي!
هكذا خيلوا له، وهكذا قيَّدوا عقله عن أن يفكر، وكبلوا إرادته عن أن تنطلق، وعصبوا عينه حتى لا تبصر الطريق! وكسروا الحاجز المقدس بين المعصوم الذي لا يخطئ، وبين الفقيه الذي يجوز عليه الخطأ والصواب، ولم يعد بينهما فرق حقيقي سوى الاسم، فإذا اعتقدت أن الفقيه لا يجوز الاعتراض عليه أو مخالفته فقد جعلت منه معصوماً! وهذا باطل!.
وقد يكون بعضهم يفعله بدافع التعصب المذهبي، وان كانت الغالبية تفعله بحسن نية مبنية على الجهل بحقائق الأمور ولكن -مع ذلك- تشعر أنهم يحسون في دواخلهم بثقل الوطأة وضخامة الحساب فترى الكثيرين قد تفلتوا منه أو احتالوا عليه وأقنعوا أنفسهم بأنهم يؤدون هذا (الواجب) مع أنهم في الحقيقة لا يقومون إلا بدفع جزء يسير منه! وهذا يتضح بالفقرة التالية:
صعوبة التطبيق ومهازل الواقع:-(31/342)
لما رأى القائمون على أمر (الخمس) واستغلاله صعوبة دفع مثل هذا المبلغ الهائل على النفس وتحرج الكثيرين وتفلتهم من ربقته، وهي حالة طبيعية جداً لا عيب فيها ولا شذوذ بل هي تعبير عن الفطرة الإنسانية السوية، فكم من بني آدم تسخو نفسه فتسمح له بأن يعطي خمس أمواله وأرباحه التي اكتسبها بعرق جبينه وكد يمينه ليأخذها منه من لم يبذل فيها جهداً ولا فكراً ولا قلقاً أو خوفاً من خسارة أو سرقة أو عقاب قانون ولا علاقة له باكتسابها من قريب ولا بعيد؟!!
حقاً إنه لأمر ثقيل جداً! يقول تعالى: ((وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ)) [محمد:36] * ((إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ)) [محمد:37].
فالله يعلم أن طاقة عبده في دفع أمواله محدودة؛ لأنه مجبول على حب المال: ((وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ)) [العاديات:8] فلابد أن يكون الطلب بحدود تتناسب وطاقته، وإلا بخل وامتنع وخرج من فمه ما لا يحمد ولا تثريب عليه في كل ذلك؛ لأنه تصرف بمقتضى الطبيعة البشرية التي خلقه الله تعالى عليها ((لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ)) [الروم:30].
لذلك لم يكلف الله عبده إلا ما يسع، بل دون وسعه بكثير وهو الزكاة التي لا تجب إلا على من ملك مالاً زائداً عن حاجته وبيته ومركبه يساوي قيمة عشرين مثقالاً من الذهب بشرط أن تمر على ذلك المال سنة كاملة، وكم نسبة الزكاة فيه؟ اثنان ونصف في المئة (2.5%) فقط، وهي نسبة قليلة جداً يستطيع أي إنسان دفعها. بل لو أن أي فقير كلف بها لما أرهقه ذلك!
ولذلك -في المقابل- امتنع عن دفع (الخمس) الكثيرون وتناسوه أو احتالوا عليه!(31/343)
فلما رأى المستفيدون ذلك وواجهوا الصعوبة العملية في تطبيق نظرية (الخمس) على الواقع صاروا يخففون في القضية حتى لا يقضوا على البقية الباقية منهم فما لا يدرك كله لا يترك بعضه أو جله، وعلى رأي المثل: (إذا أردت أن تُطاع فأمر بما يستطاع).
وهذه بعض الصور التي عشناها في الواقع الهزيل:
- كأن يكون حساب (الخمس) على أحدهم مئة ألف دينار فيأتي إلى المجتهد أو السيد فيقول: عليَّ مئة ألف، ولكني محتاج وليس معي إلا عشرون ألفاً فيجيبه: لا بأس هاتها ويعد قائلاً: عشرون ثم يرجعها إليه باعتباره قد وهبه إياها، ثم يأخذها ثانية قائلاً: أربعون... وهكذا ينتقل المبلغ بينهما عدة مرات إلى أن ينتهي العد إلى مئة! أرأيت؟!
وبعض مستلمي (الخمس) يتنافسون فيما بينهم على التنقيص من المبلغ فهذا ينقص أكثر من ذلك وهكذا... حتى صار من المتعارف عليه أن يقول القائل: أنا أدفع خمسي لفلان؛ لأنه يُنقص أكثر من سيد أو شيخ فلان.
أو يدفع بعضهم (الخمس) مرة واحدة في حياته وعن بعض أمواله، خصوصاً إذا كان غنياً فاحش الغنى فيسقطون عنه الزكاة بعد أن يخيروه بين الزكاة التي تؤخذ منه سنوياً طيلة حياته، وبين (الخمس) مرة واحدة وقد نقصوا له منه وخففوه كثيراً فيختار الثاني. ولا شك أن من يقبض (الخمس) مستفيد أيضاً فإن الدفع نقداً خير من التقسيط. وهكذا يفسدون على المسلم ركناً عظيماً من أركان الدين الخمسة متصوراً أن ذلك يعفيه عند الله وينجيه من حسابه يوم القيامة، وهكذا يتم التلاعب بشرع الله، فالله يقول ويأمر بشيء (والمفتي) يقول ويأمر بما يغايره ويلغيه فيجعل من نفسه رباً آخر تماماً كما قال تعالى: ((اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ)) [التوبة:31].
وهذا في الأمر والنهي والتشريع في مقابل شرع الله.(31/344)
إن القصد من كل هذا جمع المال ولذلك قال تعالى بعد الآية السابقة بعدة آيات: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنْ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ)) [التوبة:34].
------------
([1]) منهاج الصالحين للسيد الخوئي (1/347).
([2]) الشيعة والتصحيح للدكتور موسى الموسوي (ص:69).
الفصل الرابع: علماء الدين والمال
أكد القرآن الكريم على قضية مهمة جداً هي:
أن علماء الدين ودعاته من الأنبياء -عليهم السلام- وغيرهم لا يسألون الناس أجراً أو مالاً مقابل دعوتهم أو كونهم علماء، فليس في شرع الله الذي أنزله على مر العصور طبقة من (رجال الدين) تتكسب بدينها وتعتاش على أموال غيرها، إنما يوجد هذا عند أصحاب المناهج المخترعة والديانات المبدلة كالأحبار والرهبان الذين ((يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ)) [التوبة:34]، لقد تكرر ذكر هذه القضية المهمة كثيراً في القرآن وجاءت على لسان كل نبي بعثه الله تقريباً.
فهذا نوح عليه السلام يقول: ((فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى اللَّهِ)) [يونس:72]، ويقول: ((وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى اللَّهِ)) [هود:29]، بل قال: ((وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ)) [هود:31] حتى لا يغري الناس باتباعه طمعاً بالمال وزخارف الدنيا، فلا هو يسألهم مالاً ولا هو يعطيهم شيئاً، وذلك من أجل أن تظل الدعوة خالصة لله.(31/345)
ويقول هود عليه السلام لقومه: ((يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ)) [هود:51] وكان كل نبي يقول لقومه: ((وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ)) [الشعراء:109] جاءت هذه الآية مكررة خمس مرات في سورة الشعراء على لسان خمسة من الرسل نوح وهود وصالح ولوط وشعيب عليهم السلام، وأما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فما أكثر الآيات التي جاءت على لسانه تؤكد هذه القضية المهمة:
((قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى اللَّهِ)) [سبأ:47].
((قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ)) [الأنعام:90].
((قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً)) [الفرقان:57].
((أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)) [المؤمنون:72].
((أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ)) [الطور:40].
((قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)) [الشورى:23].
إلى غيرها من الآيات المشابهة.
ولما كان الدجالون الذين يتزيَّون بزي الدين وينطقون باسمه يكوِّنون -دائماً وأبداً- طبقة محترفة بالدين عليه تعتاش وباسمه تتأكّل وفي ظله ترتع وتتطفل فقد جعل الله جل ذكره أخذ أموال الناس باسم الدين علامة دالة على كل كذاب.
فكل من ادعى العلم والدين فنطق باسمه وتزيَّى برسمه ثم سأل الناس أموالهم فهو دعي لا يحل اتباعه، كما قال سبحانه: ((وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ)) [يس:20] * ((اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ)) [يس:21].(31/346)
وتأمل مدى تأصل الطبقة المحترفة بالدين في المجتمعات على مر التاريخ وكونها في كل جيل تجعل من نفسها بديلاً يخدع الناس ويصدهم عن سبيل الله وعن دعاته من الأنبياء والمصلحين الذين يتبعون منهاج الأنبياء فيدعون إلى الله ولا يأخذون على دعوتهم أجراً.
وحيثما يوجد الدين يوجد الاحتراف ويوجد كذلك الإخلاص، والفارق بين أهل هذا وأهل هذا هو طلب المال وكنزه: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنْ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)) [التوبة:34] * ((يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ)) [التوبة:35].
وهذا هو السر في أن كل نبي ينبه أمته على أنه على الحق بدليل كونه لا يسألهم أجراً كما هو ديدن المبطلين.
وعلى المنهاج ذاته سار أمير المؤمنين علي عليه السلام وأهل بيته من بعده فما كانوا يسألون الناس شيئاً، بل الناس كانوا يسألونهم.
ولكن... انظر إلى واقع (علماء الدين) اليوم الذين يدَّعون الانتساب إليه لترى الفرق الهائل والبون الشاسع بين ما عليه الأدعياء وما عليه أتباع الأنبياء!
يقول الدكتور موسى الموسوي:(31/347)
وعندما أكتب هذه السطور أعرف مجتهداً... لا يزال على قيد الحياة وقد ادخر من الخمس ما يجعله زميلاً لقارون الغابر أو القوارين المعاصرين، وهناك مجتهد شيعي في إيران قتل قبل سنوات معدودة كان قد أودع باسمه في المصارف مبلغاً يعادل عشرين مليون دولار أخذها من الناس طوعاً أو كرهاً باسم الخمس والحقوق الشرعية وبعد التي واللتيا ومحاكمات كثيرة استطاعت الحكومة الإيرانية وضع اليد على تلك الأموال كي لا يقتسمها الورثة فيما بينهم، هذه صورة محزنة من آثار بدعة الخمس التي تبناها فقهاء الشيعة.([1]).
بل منهم من بنى لنفسه وذريته من بعده مؤسسات مالية ضخمة خارج الوطن الذي من فقرائه وجهد أبنائه جمع تلك الأموال وبنى تلك المؤسسات.
لقد مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي على حفنات من شعير وخرج من الدنيا وهو فقير، وكذلك خرج منها الإمام الراشد والعبد الزاهد علي بن أبي طالب عليه السلام، وهؤلاء يخرجون منها وقد تركوا القناطير المقنطرة من الذهب والفضة والكنوز التي لا يعلم مقدارها وخزائنها إلا الله!!
الإسلام يحارب الاحتراف أو الارتزاق باسم الدين:-(31/348)
إن أعضاء الأسرة النبوية وأهل البيت الكرام وفي مقدمتهم وعلى رأسهم الإمام علي المرتضى عليه السلام وأولاده الأماجد إنما كانوا غيارى أشد الغيرة في الرحم الذي كان يصلهم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فما كانوا يستغلون هذه النسبة لمصالح دنيوية شأن أبناء أسر الزعماء الدينيين في الديانات والأمم الأخرى ممن ينالون تقديساً زائداً في كل حال ويعاملون من أتباعهم كشخصيات تفوق البشر، وكانوا بعيدين كل البعد عن كسب حطام الدنيا بأسمائهم، وبناء قصور الفخر على عظامهم، وما تتحدث عنه كتب التاريخ والسيرة من حكايات لآبائهم واستغنائهم وعزة أنفسهم تصور سيرتهم وسلوكهم تصويراً يختلف تماماً عن سيرة الطبقة المحترفة بالدين (من البراهمة والكهنة) في الديانات والملل الأخرى؛ فإنها تعتبر ذاتاً قدسية وعظمة عن طريق الولادة فهي لا تحتاج لكسب المعاش وتحقيق حاجات الحياة إلى بذل شيء من الجهد والسعي... دخل سيدنا الحسن بن علي عليه السلام السوق لحاجة يقضيها فساوم صاحب دكان في سلعة فأخبره بالسعر العام ثم علم أنه الحسن بن علي عليه السلام سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنقص في السعر إجلالاً له وإكراماً، ولكن الحسن بن علي عليه السلام لم يقبل منه ذلك وترك الحاجة وقال: [[إنني لا أرضى أن أستفيد من مكانتي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شيء تافه]].
ويقول جويرية بن أسماء -وهو من أخص خدم الإمام علي بن الحسين عليه السلام:
[[ما أكل علي بن الحسين عليه السلام بقرابته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم درهماً قط، وكان إذا سافر كتم نفسه، فقيل له في ذلك فقال: أنا أكره أن آخذ برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما لا أعطى به]].
لمن شرَّع الاقتصاد الإسلامي:-(31/349)
الناظر في التشريعات الاقتصادية الإسلامية كالزكاة والصدقة والفيء والخراج وخمس الغنائم يعرف أنها جاءت لمنفعة المجتمع كله، ولا يعرف أن الله شرع شيئاً لصالح فرد معين أو طبقة معينة، فكيف يشذ خمس المكاسب -إذا كان مشروعاً- عن هذه القاعدة فيكون لطبقة أو طبقتين من المجتمع؟! بل يكون سبباً أساسياً في تكوين الطبقية التي جاء الإسلام لهدمها؟!.
تأمين المعاش للأقارب من خصائص الملوك لا الأنبياء عليهم السلام:-
إن من عادة الملوك والظلمة من الحكام حيازة الأموال والمناصب وإعطاءها لمن لا يستحقها من الأهل والأقارب.
أما الأنبياء -عليهم السلام- فليس هذا من أخلاقهم وأفعالهم وعاداتهم، إنهم لم يكونوا يأخذون على دعوتهم من أحد ديناراً ولا درهماً، بل كان كل واحد يكرر على مسامع قومه: ((وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ)) [الشعراء:109].
أما نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقد خاطبه الله تعالى بقوله الكريم: ((وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنْ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ)) [الحجر:87] * ((لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ)) [الحجر:88] فبين أن عطاءه لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم إنما هو السبع المثاني (الفاتحة) والقرآن العظيم. وهو من العظمة والسعة بحيث يقطع نظر من أوتيه عن أن يمتد إلى متاع الدنيا مهما عظم واتسع ويقصر رغبته وغناه على ذلك العطاء الرباني الجليل.(31/350)
ولم يكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مشغولاً باله بمستقبل أهله وأقاربه ولا قلقاً أو مهموماً بما ستؤول إليه حالتهم المادية من بعده، فإن هذا لا يليق بعامة زهاد الأمة وصالحيها، فكيف بسيد المتوكلين العالمين بـ((إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)) [الذاريات:58] وأعظم المؤمنين العاملين بقول ربه: ((وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً)) [الطلاق:2] * ((وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)) [الطلاق:3]؟! أليس هو الذي كان يعلِّم أصحابه ويقول: [[إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب]]؟!
وفوق ذلك كان صلى الله عليه وآله وسلم على حالة شديدة من التقشف والزهد، وكذلك كان أهل بيته الأطهار وعلى رأسهم علي عليه السلام وفاطمة عليها السلام اللذين لم نعرف عنهما إلا الزهد والقناعة والتخفف من الدنيا ومتعتها.
إن القول بأن (الخمس) شُرِع لأقارب النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعكس هذه المقاصد ويظهر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته على صورة غير ما هم عليه في الحقيقة.
أمير المؤمنين علي عليه السلام يحرم على نفسه وأهله أموال المسلمين من الصدقات والزكوات والصِّلات:-(31/351)
تأمل هذا النص الذي جاء في نهج البلاغة([2]) عن أمير المؤمنين علي عليه السلام: [[والله لقد رأيت عقيلاً وقد أمدق حتى استماحني من بُركم صاعاً، ورأيت صبيانه شعث الشعور غبر الألوان من فقرهم كأنما سوِّدت وجوههم بالعظلم([3]) وعاودني مؤكداً وكرَّر عليّ القول مردداً فأصغيت إليه سمعي فظن أني أبيعه ديني وأتبع قياده مفارقاً طريقي فأحميت له حديدة ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها، فضج ضجيج ذي دنف من ألمها وكاد أن يحترق من ميسمها فقلت له: ثكلتك الثواكل يا عقيل، أتئن من حديدة أحماها إنسانها لِلَعِبِهِ وتجرني إلى نار سجرها جبارها لغضبه؟!
أتئن من الأذى ولا أئن من لظى؟!]].
قلت: كيف يصل عقيل وصبيانه وأهله -وهو أخو علي - إلى هذه الدرجة من الفقر يتردد مراراً على أخيه وقد شعثت شعور صبيانه واغبرت ألوانهم واسودَّت وجوههم من الجوع والإملاق ويعاود أخاه مؤكداً، ويكرر له القول مردداً من أجل كيلوين من الطحين؟! ويعاود ويكرر القول؟!
أيعقل هذا وخمس أرباح المسلمين وتجاراتهم وأموالهم تجبى إليهم من أطراف دولة الإسلام المترامية؟!! ثم يواصل أمير المؤمنين الزاهد التقي كلامه السابق قائلاً:
[[وأعجب من ذلك طارق طرقنا بملفوفة في وعائها ومعجونة شنئتها كأنما عجنت بريق حية أو قيئها فقلت: أصلة؟ أم صدقة؟ أم زكاة؟ فذلك محرم علينا أهل البيت.
فقال: لا ذا ولا ذاك ولكنها هدية.
فقلت: هبلتك الهبول أعن دين الله أتيتني لتخدعني؟!]].
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقدم أقرباءه في الخطر ويؤخرهم في المنافع:-
وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لدى جميع مناسبات الراحة والعطايا والجوائز والشرف يؤخر دائماً أقرباءه ويؤثر عليهم غيرهم خلافاً لعادة عامة الملوك والسلاطين وطريقة الحكام السياسيين.(31/352)
عن علي عليه السلام {أن فاطمة عليها السلام اشتكت ما تلقى من الرحى مما تطحن فبلغها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أُتي بغنيمة فأتته تسأل خادماً فلم توافقه فذكرت لعائشة فجاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت ذلك عائشة له فأتانا وقد دخلنا مضاجعنا فذهبنا لنقوم فقال: على مكانكما حتى وجدت برد قدميه على صدري فقال: ألا أدلكما على خير مما سألتماه؟ إذا أخذتما مضاجعكما فكبرا الله أربعاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين وسبحا ثلاثاً وثلاثين، فإن ذلك خير لكما مما سألتماه}([4]).
وفي رواية أخرى في هذه القصة وفيها: {والله لا أعطيكم وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم من الجوع، لا أجد ما أنفق عليهم، ولكن أبيعهم وأنفق عليهم أثمانهم}.([5])
أوساخ الناس:-
حرَّم النبي صلى الله عليه وآله وسلم الزكاة والصدقة على نفسه وأهل بيته؛ لأنها (أوساخ الناس) أراد الله أن يطهرهم منها وأحب لهم أن يترفعوا عنها، وجعل لهم عوضاً عنها حقاً في الخمس.
فإذا طبقنا هذه القاعدة وأنه على أساسها حرم الله على نبيه وأهله الزكاة، فلننظر أي خمس هذا الذي هو ليس من أوساخ الناس أحله الله لهم؟
الزكاة: تؤخذ من أموال المسلمين بنسبة واحد في الأربعين (1/40).
وخمس المكاسب: يؤخذ من أموال المسلمين أيضاً، ولكن بنسبة ثمانية في الأربعين (8/40).
فهل من فرق بينهما إلا في كمية الأوساخ؟! إذ تبلغ أوساخ (الخمس) أضعاف أضعاف أوساخ الزكاة!!
فهل يصح في الأذهان أن يطهرهم الله من الزكاة والصدقة لأنها وسخ ولا يطهرهم من (الخمس) هذا وهو كذلك بلا فرق قط سوى أنه يزيد عليها في كمية هذه الأوساخ؟! هل يصح أن تطهِّر ثوبك من رشاش ماء الطريق بماء المجاري أو المياه الثقيلة؟! هل يفعل ذلك عاقل؟!!
خمس الغنائم:-(31/353)
لقد أباح الله تعالى لنبيه وأهل بيته خمس الغنائم؛ لأنه يؤخذ عنوة وإرغاماً بحد السيف من الكفار الذين فقدوا أحقية ملكيته بمقاتلتهم أهل الإسلام فصار ملكاً للمسلمين يتصرفون فيه بأمر الله، فكان في الخمس حق لأهل البيت أمراً من الله لا تفضلاً وتكرماً من الناس، إذ لم يتملكه أحد من المسلمين قبلهم له فيه حق، ولا هو من الوسخ الذي يلقيه الناس عن أموالهم لتطيب وتزكو كما هو الحال في الزكاة التي قال الله عنها: ((خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا)) [التوبة:103].
فهو بهذا المعنى ليس من الوسخ الذي أراد الله تطهيرهم منه، أما خمس المكاسب فهو الوسخ بعينه أو هو عين الوسخ.
لأن المال حتى لا يكون وسخاً ينبغي أن لا يكون ملكاً لأحد يتفضل به على غيره وإلا فهو وسخ يُلقي به ذلك الغير إلى من يأخذه، وهذا المعنى موجود في الزكاة وموجود كذلك وأكثر في مكاسب الناس إذ هي ملكهم فما الفرق الذي جعل الزكاة وسخاً ولم يجعل خمس المكاسب كذلك وكلاهما خارج من عين واحدة؟!
الفرق بين خمس المكاسب وخمس الغنائم:-
خمس المكاسب يؤخذ من أموال المسلمين المسالمين وأرباحها فلا فرق بينه وبين الزكاة من هذه الناحية إلا في المقدار فإذا كانت الزكاة وسخاً فهو زيادة في الوسخ لا غير.
أما خمس الغنائم فيؤخذ من أموال الكفار المحاربين الذين سقطت ملكيتهم له بمحاربتهم المسلمين، فهو ليس ملكاً لأحد ولا فضل فيه لأحد على أحد حتى يكون وسخاً. إنما هو مال الله قال عنه في كتابه: ((يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَنْفَالِ قُلْ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ)) [الأنفال:1] شاء أن يقسمه هذا التقسيم الوارد في قوله الكريم بعد الآية السابقة بأربعين آية: ((وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ)) [الأنفال:41].(31/354)
فإذا أخذ أهل البيت منه شيئاً فإنهم لا يأخذونه من أحد وإنما يأخذونه من مال الله فلا منِّة لأحد عليهم سوى الله جلَّ وعلا.
وبهذا يظهر التوافق وعدم التناقض بين حرمان أهل البيت من الزكاة والصدقات وإعطائهم من خمس الغنائم.
وإلا لماذا يحرم الإسلام عليهم صدقات الناس ليبيح لهم أرباح مكاسبهم وأموالهم، ولا فرق بينهما؟!
تأمل هذا الكلام جيداً فإنه يكفي بإذن الله من غايته الحقيقية والبحث المجرد البعيد عن الذات.
أيهما أشر العشار؟ أم الخماس؟:-
جاء في نهج البلاغة([6]) عن علي عليه السلام أنه قال: [[طوبى للزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة، أولئك قوم اتخذوا الأرض بساطاً وترابها فراشاً وماءها طيباً والقرآن شعاراً والدعاء دثاراً، ثم قرضوا الدنيا قرضاً على منهاج المسيح -كحال آكلي الخمس اليوم!- يانوف إن داود عليه السلام قام في مثل هذه الساعة من الليل فقال: إنها ساعة لا يدعو فيها عبد إلا استجيب له إلا أن يكون عشاراً أو عريفاً أو شرطياً أو صاحب عربطة -وهي الطنبور- أو صاحب كوبة -وهي الطبل-]] ا هـ.
جاء في شرحه:
العريف: من يتجسس على أحوال الناس وأسرارهم فيكشفها لأميرهم مثلاً.
والشرطي: نسبة إلى الشرطة وهو أعوان الحكام (أي: الظالم).
والعشار: من يتولى أخذ أعشار الأموال وهو المكاس.
قلت هذه منزلة العشار عند الإمام علي عليه السلام وهذه حاله في بعده عن الله وعدم استجابته دعاءه، وقد جاء في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المرأة التي تابت وأقرت بالزنا فرجمت: {لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لقبل منه} وصاحب المكس هو: العشار فهذا حال من يأخذ أعشار أموال الناس!
فكيف هي حال من يأخذ (أخماسها)؟! والخمس ضعف العشر كما تقول لغة الرياضيات!! اللهم نسألك العافية.
---------------
([1]) الشيعة والتصحيح (ص:69).
([2]) (2/217-218).
([3]) صبغ أسود.
([4]) من لا يحضره الفقيه للقمي (1/321).(31/355)
([5]) المجازات النبوية للشريف الرضى (355).
([6]) (4/24).
خلاصة البحث
وبعد... فهذه أهم الحقائق التي توصلت إليها من خلال هذا البحث:
أولاً: إن تفسير قوله تعالى: ((وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى...)) [الأنفال:41] بأرباح المكاسب وتسليمها للفقهاء لا دليل عليه البتة.
1- لا من القرآن الكريم فإن الآية نفسها موضوعها غنائم الحرب التي تؤخذ قسراً من الكافرين لا مكاسب السلم التي تؤخذ فرضاً من المسلمين.
وأما علاقة خمس المكاسب بها فهي لفظية بحتة لا حقيقة لها.
2- ولا من السنة النبوية المطهرة إذ لم يرد من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا من فعله ولا تقريره.
3- ولم يرد عن أحد من الخلفاء الراشدين بما فيهم أمير المؤمنين علي عليه السلام.
4- ولا يوجد فيه أي نص عن الأئمة المعصومين في أي مصدر معتمد كالكافي للكليني أو من لا يحضره الفقيه للقمي، أو الاستبصار للطوسي وغيرها.
5- ولم يُفت به أي فقيه من الفقهاء المعتبرين المتقدمين كالشيخ المفيد والشيخ الطوسي والسيد المرتضى علم الهدى وغيرهم.
6- سقوط السند اللغوي لهذه التسمية (الخمس) من حيث تعلقها بالمكاسب.
7- سقوط السند الشرعي لهذه التسمية أيضاً.
ثانياً: وجود نصوص عديدة واردة عن (الأئمة) تنص على أن:
1- حكم الخمس وإعطائه للإمام المعصوم نفسه هو الاستحباب وليس الوجوب.
2- جواز تصرف صاحب (الخمس) به دون شرط الرجوع إلى الإمام متى احتاج إلى ذلك، ومراجعة الإمام إنما هي على سبيل الاستحباب غير الملزم.
3- بعض هذه النصوص تصرح أن الأئمة أباحوا الخمس لأتباعهم وأسقطوه عنهم مطلقاً تكرماً وتفضلاً.
4- وبعضها تنص على إباحته لهم حتى يقوم القائم الغائب.
5- لا يوجد أي نص يتعلق بالفقهاء وإدخالهم في موضوع الخمس.(31/356)
ثالثاً: إن فتوى إعطاء الخمس للفقيه إنما قال بها بعض الفقهاء المتأخرين دون المتقدمين وأن هذه الفتوى تمتاز بما يلي:
1- مختلف فيها ولا إجماع عليها.
2- عدم اعتمادها على أي نص عن الأئمة المعصومين أو القرآن الكريم أو السنة النبوية المطهرة.
3- اضطراب أقوال الفقهاء الذين اعتمدوها وحيرتها وترددها وتناقضها فيما بينها في أقوال الفقيه نفسه ومن فقيه إلى فقيه ومن زمان إلى زمان.
4- والأهم من ذلك كله تناقضها التام مع الأقوال الواردة عن الأئمة المعصومين.
5- عدم إمكانية تطبيقها على الواقع فهي خير مثال يمكن أن يضرب على تناقض النظرية مع التطبيق.
وبعد... فهذه أهم ما توصلت إليه من حقائق ونتائج أضعها بين يدي إخوتي وبني جلدتي ممن يحبون الحق ويبحثون عن الحقيقة ويتحلّون بالإنصاف ممن لازال -عن حسن نية وقصد وابتغاء للثواب والأجر- يرهق نفسه بدفع (الخمس)، أداء للأمانة الدينية والبحث العلمي المنصف المجرد، وبراً بالإخوة ونصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم، وتبصيراً للعقول النيرة المنعتقة من نير التقليد الأعمى اتباعاً للحق الأسنى والطريقة المثلى، والحجة الواضحة الناصعة والأدلة البينة الساطعة، ونشراً للوعي بين الجماهير العاقلة ذات النفوس الطيبة والعقلية المحايدة والإرادة الحرة المستقلة الفاعلة.
ويا رب! هذا الجهد وعليك التكلان، وأنت المستعان وبك المستغاث، ولا حول ولا قوة إلا بك.
المؤلف
جمادى الأولى 1419هـ- أيلول 1998م
مراجع البحث
1- القرآن الكريم.
2- أصول الكافي- للكليني الرازي ط طهران 1381 هـ.
3- الإرشاد- للشيخ المفيد ط الحيدرية النجف 1392- 1972.
4- تطور الفكر السياسي الشيعي من الشورى إلى ولاية الفقيه- الأستاذ أحمد الكاتب- الطبعة الأولى- 1997م.
5- الخمس بين السائل والمجيب -السيد محمد صادق الصدر ط 1418.
6- الاستبصار فيما اختلف من الأخبار- أبي جعفر الطوسي.(31/357)
7- الشيعة والتصحيح- للدكتور موسى الموسوي.
8- صفوة البيان لمعاني القرآن- للشيخ حسنين محمد مخلوف.
9- فقيه من لا يحضره الفقيه- القمي ط طهران.
10- الكتاب المقدس- العهد القديم.
11- منهاج الصالحين- للسيد أبي القاسم الخوئي مطبعة الديواني بغداد الطبعة التاسعة والعشرون.
12- مختار الصحاح- للرازي المركز العربي للثقافة والعلوم.
13- مفردات ألفاظ القرآن- للعلامة الراغب الأصفهاني المكتبة المرتضوية إيران.
14- النهاية في مجرد الفقه والفتاوى- لشيخ الطائفة الطوسي.
15- نهج البلاغة- بشرح محمد عبده ط دمشق.
=====================
مفهوم العصمة عند الشيعة
العصمة …العصمة …العصمة!!!
*عصمة الأنبياء عند الشيعة:
سؤال: ما هي العصمة؟ وما المقصود بها عند الشيعة؟!
الجواب باختصار: تعني العصمة أن الإمام معصوم من الذنوب كلها صغيرها وكبيرها، لا يزل عن الفتيا، ولا يخطئ في الجواب ولا يسهو ولا ينسى، ولا يلهو بشيء من أمر الدنيا. كما جاء في ميزان الحكمة (1/174).
وهذا هو رأي الشيعة بالنبي أيضاً كما في عقائد الإمامية (ص51) حيث قال: (ونعتقد أن الإمام كالنبي يجب أن يكون معصوماً من جميع الرذائل، ما ظهر منها وما بطن، كما يجب أن يكون معصوماً من السهو والخطأ والنسيان؛ لأن الأئمة حفظة الشرع والقوامون عليه حالهم في ذلك حال النبي).
وقبل أن ننطلق سوياً أقف معك وقفات مع عصمة الأنبياء فأقول:
لا يشك مؤمن ولا يرتاب عاقل فطن في أن الأنبياء هم أكرم الخلق وأكملهم، ودائماً ما نسمع: (أنه لا معصوم إلا الأنبياء) وهذا كلام سليم مسدد ولكنه ليس على إطلاقه!!(31/358)
لا تستغرب هذا ولا تتعجب من حديثي فمقصدي هو أن الأنبياء قد يقع منهم النسيان، وربما حصل منهم الخطأ، بل حتى صغائر الذنوب قد تقع، ولكنهم يسددون فيتوبون، فيكون الكمال في حقهم أكثر بعد التوبة، والحكم في ذلك كتاب الله أولاً ثم سنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك في أدلة واضحة بينة، فانظر إلى قوله عز وجل عن آدم: (( وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ ))[طه:115]. وقال الله مخاطباً الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ))[التحريم:1]. وانظر إلى عتاب الله للرسول صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً: (( عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ))[التوبة:43]. وكذلك يقول الله له: (( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ))[الفتح:1-2].
عفواً أيها القارئ الكريم: هل تأملت الآيات وعقلت معناها؟! أراك فعلت ذلك.
فتبين لك أن العصمة المطلقة من السهو والخطأ والنسيان وصغائر الذنوب لا تكون حتى للأنبياء، ولا تعجب من هذا فالحق أحق أن يتبع، وإن غلبتك عاطفتك فارجع إلى الآيات وحكم عقلك وإياك والهوى فإنه يعمي ويصم.
*تناقض الشيعة أنفسهم في عصمة الأئمة:(31/359)
بل إن هذه العقيدة أولاً، وهي العصمة من الذنب والخطأ والسهو والنسيان لم تكن عند الشيعة أنفسهم كما جاء في بحار الأنوار (ج25/ص350) حيث قيل للإمام الرضا وهو الإمام الثامن من الأئمة المعصومين عند الشيعة: [[إن في الكوفة قوماً يزعمون أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقع عليه السهو في صلاته، فقال: كذبوا -لعنهم الله- إن الذي لا يسهو هو الله الذي لا إله إلا هو]]. فتأمل يا رعاك الله رد الإمام الرضا الذي يدل على أن هذا القول إنما ظهر متأخراً عن عصر الأئمة.
وإليك كلام ابن بابويه من كتاب من لا يحضره الفقيه (ج1 ص234) حيث يقول: (إن الغلاة والمفوضة – لعنهم الله – ينكرون سهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقولون: لو جاز أن يسهو في الصلاة لجاز أن يسهو في التبليغ لأن الصلاة فريضة كما أن التبليغ فريضة… وليس سهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم كسهونا؛ لأن سهوه من الله عز وجل، وإنما أسهاه ليعلم أنه بشر مخلوق، فلا يتخذ رباً معبوداً دونه، وليعلم الناس بسهوه حكم السهو. وكان شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد يقول: أول درجة في الغلو نفي السهو عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم).
فأين هذا الكلام مما ورد في بحار الأنوار (ج25 ص350-351) من قول المجلسي: (إن أصحابنا الإمامية أجمعوا على عصمة الأئمة صلوات الله عليهم من الذنوب الصغيرة والكبيرة، عمداً وخطأً ونسياناً، من وقت ولادتهم إلى أن يلقوا الله عز وجل).
فبالله عليك أليس هذا تناقضاً واضحاً ومعارضة صريحة بين ما ورد هنا وهناك؟!
بل هو كذلك والله حتى عند المجلسي نفسه، فاقرأ قوله في بحار الأنوار (ج25 ص351)، حيث يقول: (المسألة في غاية الإشكال لدلالة كثير من الأخبار والآيات على صدور السهو عنهم، وإطباق الأصحاب إلا من شذ على عدم الجواز!!!).
*الأئمة واعترافهم بالخطأ والذنب:(31/360)
وتأمل أيها القارئ الفطن في سيرة أمير المؤمنين عليه السلام وانظر فيما قاله في نهج البلاغة (ص335): [[لا تخالطوني بالمصانعة، ولا تظنوا بي استثقالاً في حق قيل لي، ولا التماس إعظام النفس، فإنه من استثقل الحق أن يقال له، أو العدل أن يعرض عليه، كان العمل بهما أثقل عليه، فلا تكفوا عن مقالة بحق، أو مشورة بعدل، فإني لست في نفسي بفوق أن أخطئ ولا آمن ذلك من فعلي]].
كما أن الإمام علي عليه السلام بين أنه لا بد من وجود أمير تناط به مصالح البلاد والعباد، ولا يشترط فيه كونه معصوماً كما جاء في نهج البلاغة (ص82) حيث قال: [[لا بد للناس من أمير برٍ أو فاجر يعمل في إمرته المؤمن، ويجمع به الفيء، ويقاتل به العدو، وتأمن به السبل، ويؤخذ به للضعيف من القوي]].
ثم انظر إلى الإقرار بالذنب من أمير المؤمنين في نهج البلاغة (ص:104): [[اللهم اغفر لي ما أنت أعلم به مني، فإن عدت فعد علي بالمغفرة، اللهم اغفر لي ما وأيت من نفسي ولم تجد له وفاءً عندي، اللهم اغفر لي ما تقربت له إليك بلساني ثم خالفه قلبي، اللهم اغفر لي رمزات الألحاظ، وسقطات الألفاظ، وشهوات الجنان، وهفوات اللسان]].
فلو كان علي والأئمة معصومين لكان استغفارهم من ذنوبهم عبثاً.
وكل الأئمة قد نقل عنهم الاستغفار من الذنوب والمعاصي، فهذا أبو عبد الله يقول كما في بحار الأنوار (ج25 ص207): [[إنا لنذنب ونسيء ثم نتوب إلى الله متاباً]].
وهذا أبو الحسن موسى الكاظم يقول كما في بحار الأنوار أيضاً (ج25 ص203): [[رب عصيتك بلساني، ولو شئت وعزتك لأخرستني، وعصيتك ببصري ولو شئت لأكمهتني، وعصيتك بسمعي ولو شئت وعزتك لأصممتني]].
*تأويلات الشيعة لكلام الأئمة المعترفين بالذنب:(31/361)
إن كنت قد احترت بهذا الدعاء وكونه منافياً للعصمة فقد سبقك نفر كثير طأطأ بعضهم رأسه، وقبل على مضض مع عدم اقتناع، وسأل آخرون كما جاء في بحار الأنوار (ج25 ص203-205) حيث قال أحدهم: "كنت أفكر في معناه -أي الدعاء– وأقول: كيف يتنزل على ما تعتقده الشيعة من القول بالعصمة وما اتضح لي ما يدفع التردد الذي يوجبه؟!" ثم ذكر أنه سأل رضي الدين علي بن موسى بن طاوس عن هذا الإشكال فقال ابن طاوس: "إن الوزير مؤيد الدين العلقمي سألني عنه فقلت: كان يقول هذا ليعلم الناس".
ويبدو أن ابن العلقمي اقتنع بالجواب، ولكن صاحب الإشكال استدرك على جواب ابن طاوس وقال: "إني فكرت بعد ذلك فقلت: هذا كان يقوله في سجدته في الليل وليس عنده من يعلمه".
يقول: "ثم خطر ببالي جواب آخر وهو: أنه كان يقول ذلك على سبيل التواضع".
ولكن لم يقنعه هذا الجواب واستقر جواب السائل على أن اشتغالهم بالمباحات من المأكل والمشرب والتفرغ إلى النكاح يعدونه ذنباً ويعتقدونه خطيئة ويستغفرون الله منه".
ثم يذكر أن هذا هو الجواب الذي لا شيء بعده، ويتمنى حياة ابن العلقمي ليهديه إليه ويكشف حيرته به. ا.هـ
ولكن ألا ترى -أيها القارئ الكريم- أن هذا الجواب الأخير يتعارض مع ما نهى عنه الإسلام من الرهبانية ومن تحريم ما أحل الله: (( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ))[الأعراف:32].
وكيف يجعل الأئمة النكاح الذي هو من شرائع الإسلام ذنباً يستغفرون الله منه والله يقول: (( فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ ))[النساء:3] أم كيف يعتبرون الأكل والشرب معاصي والله يقول: (( كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ))[البقرة:57]؟!(31/362)
وإن أردت الجواب على هذه المعضلة، وهو ما يتفق مع واقع الأئمة وشرائع الإسلام هو بطلان دعوى العصمة بالصورة التي تراها الشيعة، وأن الأئمة ليسوا بمعصومين من الخطأ والنسيان، وهذا كما يتفق مع النصوص الشرعية فإنه ينسجم مع واقع الأئمة، وبه تتحقق إمكانية القدوة.
ومما يهدم أساس العصمة أيضاً الخلاف البين الواضح بين الأئمة أنفسهم، بل أحياناً بأجوبة مختلفة من إمام واحد مما كان سبباً لترك التشيع عند بعض الشيعة، ومن أوضح ذلك وأبينه ذلك التباين الواضح بين ما فعله الحسن وما فعله الحسين عليهما السلام؛ لأنه إن كان الذي فعله الحسن حقاً وصواباً من موادعته معاوية، وتسليمه له عند عجزه عن القيام بمحاربته، مع كثرة أنصار الحسن وقوتهم، فما فعله الحسين من محاربته يزيد بن معاوية مع قلة أنصار الحسين وضعفهم، وكثرة أصحاب يزيد حتى قتل وقتل أصحابه جميعاً باطل غير واجب؛ لأن الحسين كان أعذر في القعود من محاربة يزيد، وطلب الصلح والموادعة من الحسن، وفي القعود عن محاربة معاوية، وإن كان ما فعله الحسين حقاً صواباً من مجاهدته يزيد حتى قتل ولده وأصحابه فقعود الحسن وتركه مجاهدة معاوية وقتاله ومعه العدد الكثير باطل.
أيها القارئ الكريم:
لم أرد استقصاء هذه المسألة والإحاطة بها من كل جانب حتى لا أطيل عليك فتمل، وإنما هي إشارات وتنبيهات بعثتها إليك لتحكم عقلك فيها بأناة وصبر، ولا تجعل ما يقودك هو العاطفة التي تغلب على العقل وتغطيه.
وأذكرك ما أهلك أقواماً كثر: (( إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ ))[الزخرف:23].
وأربأ بك أن تكون كذلك.
ذكرى… ذكرى… ذكرى
أيها العزيز! إنك ستموت وحدك، وتبعث وحدك، وتجازى بما عملته وحدك، فالنجاة النجاة! (( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا ))[آل عمران:103]، فإنما هو التعلق بكتاب الله، وما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.(31/363)
سدد الله على درب الخير خطانا وخطاك، وجعلنا الله وإياك مباركين أينما كنا والحمد لله رب العالمين.
====================0
التوحيد عند الشيعة
الشيخ / عثمان الخميس
• الغاية من خلق الله تعالى للعباد:
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على إمام الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.
أما بعد:
فحياكم الله إخواني في الله جل وعلا، حيث اجتمعتم في هذه الغرفة من بلاد شتى، تجمعكم كلمة: لا إله إلا الله، التي أسأل الله تبارك وتعالى أن يحيينا وإياكم عليها، ويميتنا وإياكم عليها.
إخواني! أقول: إن الله سبحانه وتعالى إنما خلقنا وأوجدنا لغاية عظيمة، ألا وهي عبادته وحده لا شريك له، قال سبحانه وتعالى: (( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ))[الذاريات:56-58]، وذلك أن الله سبحانه وتعالى ما خلقنا عبثاً تعالى الله عن ذلك: (( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ))[المؤمنون:115-116] ولكن خلقنا –كما قلت- لغاية ألا وهي توحيده سبحانه وتعالى.
• أقسام التوحيد:
والتوحيد كما بينه الله في كتابه، وبينه النبي صلى الله عليه وسلم في سنته، ونص عليه علماؤنا ينقسم إلى قسمين: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وبعض أهل العلم يقسمه إلى ثلاثة أقسام، حيث يجعل توحيد الأسماء والصفات قسماً ثالثاً، ومن يجعله قسمين يجعل توحيد الأسماء والصفات داخلاً تحت توحيد الربوبية؛ لأنه يتكلم عن رب العزة تبارك وتعالى.(31/364)
فتوحيد الألوهية كما هو معلوم لديكم إن شاء الله هو إفراد الله سبحانه وتعالى بأفعال العباد: كالدعاء، والخوف، و الرجاء، والصلاة، والحج، وغيرها من الأمور التي يتقرب بها العبد إلى الله سبحانه وتعالى.
أما توحيد الربوبية فهو إفراد الله سبحانه وتعالى بأفعاله: كالخلق، والتدبير، والإحياء، والإماتة، والرزق، وتوحيد الأسماء والصفات -كما قلنا- هو داخل تحت توحيد الربوبية، وهو إثبات ما أثبته الله سبحانه وتعالى لنفسه من الصفات والأسماء من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تمثيل ولا تكييف، وكذا نفي ما نفاه الله سبحانه وتعالى عن نفسه.
والتوحيد دين جميع الرسل من عهد نوح صلوات الله وسلامه عليه إلى محمد صلوات الله وسلامه عليه، كل أنبياء الله ورسله إنما دعو إلى توحيد الله سبحانه وتعالى ونبذ الشرك، قال جل ذكره: (( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ))[النحل:36]، وقال جل ذكره: (( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ ))[الأنبياء:25].
• التوحيد عند الشيعة الإثني عشرية:
والتوحيد هو السبيل الوحيد للنجاة، فلا نجاة إلا به، قال جل ذكره: (( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ))[النساء:48]، وسيكون حديثنا في هذه الليلة عن هذه القضية العظيمة، ألا وهي قضية التوحيد، ولكن عند من؟ عند طائفة تنتسب إلى الإسلام يقال لها: الإثنا عشرية، أو الرافضة، أو الجعفرية، أو الإمامية، سميها ما شئت من التسميات التي ترضاها هذه الغرفة أو هذه الطائفة لنفسها.(31/365)
إن حديثنا كما قلت عن التوحيد عند هذه الطائفة، وسنتكلم ابتداءً عن توحيد الألوهية عندهم، ولا شك أن توحيد الألوهية يشتمل على أمور كثيرة منها: الدعاء، والاستغاثة، والاستعانة، والخوف، والرجاء، والنذر، والذبح، والاستعاذة، وغيرها كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
ومن نظر في كتب وحياة القوم يجد أن هذا التوحيد إنما هو حبر على ورق، بل ليس حبراً أيضاً، يجد أن هذا التوحيد مطموس عندهم إلا النزر اليسير منه، فلا حول ولا قوة إلا بالله!
• الشيعة وصرفهم الدعاء لغير الله:
أوله: الدعاء، (قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم الدعاء هو العبادة) وقال سبحانه وتعالى: (( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً ))[الجن:18] وقال جل ذكره: (( وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ))[غافر:60]، فقال: (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي) ولم يقل: (عن دعائي)؛ لأن الدعاء هو العبادة، وقال جل ذكره عمن يدعو غيره: (( لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ )) أي: لله وحده سبحانه وتعالى ويقول تعالى: (( وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ )) ثم قال سبحانه وتعالى: (( وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ ))[الرعد:14] فسماهم كافرين لأنهم صرفوا هذه العبادة لغيره جل وعلا، بينما يرجع الإنسان إلى كتب الشيعة فيرى أنهم يدعون غير الله سبحانه وتعالى، ويدعون الأئمة من دونه جل وعلا كما جاءت في الرواية في الوسائل في الجزء الرابع تحت رقم (1142): [[من دعا الله بنا أفلح، ومن دعا بغيرنا هلك واستهلك]].(31/366)
وأما التوسل بهم فهذا كثير جداً، وشيعة اليوم كما نرى أنهم يدعون غير الله سبحانه وتعالى في قولهم: يا علي! ويا حسين! ويا مهدي! وغير ذلك من الدعوات.
نعم. قلت: إنهم يدعون غير الله سبحانه وتعالى مباشرة كما سيأتي في كلامنا عن الاستغاثة والاستعاذة، وكذلك يتوسلون بما لم يجعله الله وسيلة، كالتوسل بالأموات مثلاً، ويجعلون واسطة بين الله سبحانه وتعالى وبين خلقه، يقولون: نريد منهم أن يقربونا إلى الله زلفى، ونريد شفاعتهم، ولو استقرأ الواحد منا كتاب الله جل وعلا وتدبره لوجد أن هذا الكلام هو عين كلام المشركين، الذين كانوا يدعون الملائكة والنبيين والصالحين وغيرهم من الأصنام التي جعلت من دون الله سبحانه وتعالى، قال سبحانه وتعالى: (( وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ))[يونس:18]، (( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ))[الزمر:3].(31/367)
واستمعوا ماذا يقولون عن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وكيف أنهم اتخذوا الوسائط بينهم وبين الله جل وعلا! فأخرج صاحب بحار الأنوار المجلسي عن علي بن الحسين زين العابدين [[أنه دخل عليه عبد الله بن عمر وقال: يا ابن الحسين! أنت تقول: إن يونس بن متى إنما لقي من الحوت ما لقي لأنه عرضت عليه ولاية جدك فتوقف عندها؟ فقال: بلى ثكلتك أمك، قال: فأرني آية ذلك إن كنت من الصادقين، فأمر بشد عينيه بعصابة وعيني بعصابة، ثم أمر بعد ساعة بفتح أعيننا –هذا الذي يروي الحديث: أبو حمزة الثمالي، الآن ربطت عينه وعين عبد الله بن عمر مع علي بن الحسين- يقول: ثم أمر بعد ساعة بفتح أعيننا، فإذا نحن على شاطئ البحر، تضرب أمواجه، فقال ابن عمر: يا سيدي! دمي في رقبتك، الله الله في نفسي، فقال: إيه، وأرنيه إن كنت من الصادقين، ثم قال: يا أيتها الحوت! قال: فأطلع الحوت رأسه من البحر مثل الجبل العظيم، وهو يقول: لبيك لبيك يا ولي الله، فقال: من أنت؟ قال: أنا حوت يونس يا سيدي، قال: أنبئنا بالخبر.
قال: يا سيدي! إن الله تعالى لم يبعث نبياً من آدم إلى أن صار جدك محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلا وقد عرض عليه ولايتكم أهل البيت، فمن قبلها من الأنبياء سلم وتخلص، ومن توقف عنها وتمنع في حملها لقي ما لقي آدم من المعصية، وما لقي نوح من الغرق، وما لقي إبراهيم من النار، وما لقي يوسف من الجب، وما لقي أيوب من البلاء، وما لقي داود من الخطيئة، إلى أن بعث الله يونس، فأوحى إليه]].
يعني: الآن هؤلاء جميع الأنبياء الذين ذكروا: آدم ونوح وإبراهيم وداود ونوح وأيوب ويوسف كل هؤلاء إنما لقوا ما لقوا بسبب تمنعهم عن قبول الولاية.(31/368)
يقول: [[إلى أن بعث الله يونس فأوحى الله إليه أن يا يونس تول أمير المؤمنين علياً، والأئمة الراشدين من صلبه، قال: كيف أتولى من لم أره ولم أعرفه؟ فأوحى الله إلي –هذا الذي يتكلم الحوت- أن التقمي يونس ولا توهني له عظماً، فمكث في بطني أربعين صباحاً يطوف معي البحار في ظلمات ثلاث ينادي: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، قد قبلت ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، والأئمة الراشدين من ولده، فلما أن آمن بولايتكم أمرني ربي فقذفته على ساحل البحر، فقال زين العابدين: ارجع أيها الحوت إلى وكرك واستوى الماء]]. هذا في بحار الأنوار في الجزء الحادي والستين (ص:53).
• الشيعة وإشراكهم في الألوهية:
كذلك من شرك الألوهية عندهم ما نسمعه عنهم، بل وما نراه في أشرطة الفيديو من طوافهم حول القبور، وممن هداه الله سبحانه وتعالى وعرف الخير ذكر من ذلك أشياء كثيرة، من أنهم يطوفون حول القبور ويسألون أصحاب القبور، وهذا دعاء توسل بعلي وهو في قبره، ماذا يقول صاحب الكتاب وهو ضياء الصالحين للجوهرجي، يقول: إذا جئت إلى علي –يعني: عند قبره- انكب على القبر فقبله وقل: أشهد أنك تسمع كلامي، وتشهد مقامي،وأشهد لك يا ولي الله بالبلاغ والأداء يا مولاي يا حجة الله! يا أمين الله! يا ولي الله! إن بيني وبين الله ذنوباً قد أثقلت ظهري، فبحق من ائتمنك على سره، واسترعاك أمر خلقه، وقرن طاعتك بطاعته، وموالاتك بموالاته كن لي شفيعاً، ومن النار مجيراً، وعلى الدهر ظهيراً، ثم انكب على القبر فقبله أيضاً وقال: يا ولي الله! يا باب حطة الله! وليك وزائرك واللائذ بقبرك.(31/369)
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من هذا الشرك الذي لا يمكن أن يقبله مسلم! والله سبحانه وتعالى يقول: (( ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ))[فاطر:13-14].
ولذلك عندهم لزيارة القبور مناسك، وطقوس يعملونها عند الزيارة، وعندهم أن الله تبارك وتعالى يزور قبر الحسين كما جاء في الكافي وفي مدينة المعاجز أنه قال أبو عبد الله لرجل: [[هل لك في قبر الحسين؟ قلت: أتزوره جعلت فداك؟ قال: وكيف لا أزوره والله يزوره في كل ليلة جمعة يهبط مع الملائكة إليه والأنبياء والأوصياء، ومحمد أفضل الأنبياء، ونحن أفضل الأوصياء؟1 فقال صفوان: جعلت فداك فأزوره في كل جمعة حتى أدرك زيارة الرب؟ قال: نعم يا صفوان الزم زيارة قبر الحسين]]. وهذا في مدينة المعاجز في الجزء الرابع (ص:208)
ويعظمون كربلاء لأجل ما فيها من قبر الحسين، ولذلك يروون أنه وقعت مخاصمة بين كربلاء ومكة الكعبة، فافتخرت الكعبة أنها بيت الله على كربلاء، فأوحى الله سبحانه وتعالى إليها –أيك إلى الكعبة- أن كفي، وقري، ما فضلت به فيما أعطيت أرض كربلاء إلا بمنزلة الإبرة غرست في البحر فحملت من ماء البحر، ولولا تربة كربلاء ما فضلتك، ولولا ما تضمنه أرض كربلاء ما خلقتك ولا خلقت البيت الذي به افتخرت، فقري واستقري وكوني ذنباً متواضعاً ذليلاً مهيناً غير مستنكف ولا مستكبر لأرض كربلاء، وإلا سخت بك وهويت بك في نار جهنم. والعياذ بالله! وهذا في بحار الأنوار في الجزء الثامن والتسعين (ص:107).(31/370)
ومن تعظيمهم للقبور والعياذ بالله ما جاء كذلك في هذا الكتاب الخبيث وهو بحار الأنوار في الجزء السابع والتسعين أيضاً عند كلامه عن القبور، يقول: للزيارة آداب:
أحدها: الغسل عند دخول المشهد والكون على طهارة، فلو أحدث أعاد الغسل، وذكر أن هذا قاله المفيد، وإتيانه بخضوع وخشوع بثياب طاهرة نظيفة جدد.
ثانيها: الوقوف على بابه والدعاء والاستئذان بالمأثور، فإن وجد خشوعاً ورقة دخل، وإلا فالأفضل له تحري زمان الرقة؛ لأن الغرض الأهم حضور القلب؛ ليلقى الرحمة النازلة من الرب، فإذا دخل قدم رجله اليمنى، وإذا خرج باليسرى.
وثالثها: الوقوف على الضريح ملاصقاً له أو غير ملاصق، وقد نص على الاتكاء على الضريح وتقبيله.
رابعها: استقبال وجه المزور و استدبار القبلة حال الزيارة، ثم يضع عليه خده الأيمن عند الفراغ من الزيارة، ويدعو متضرعاً، ثم يضع خده الأيسر، ويدعو الله سائلاً بحقه وحق صاحب القبر أن يجعله من أهل شفاعته، ويبالغ في الدعاء والإلحاح، ثم ينصرف إلى ما يلي الرأس، ثم يستقبل القبلة ويدعو.
خامسها: الزيارة بالمأثور وكيفية السلام.
سادسها: -وهي الطامة الكبرى- صلاة ركعتين للزيارة عند الفراغ، فإن كان زائراً للنبي صلى الله عليه وسلم ففي الروضة، وإن كان لأحد الأئمة صلى الله عليهم فعند رأسه، ولو صلاهما بمسجد المكان جاز، ورويت رخصة في صلاتهما إلى القبر ولو استدبر القبلة. يصلي مستدبر القبلة، كعبة غير كعبتنا، قبلة غير قبلتنا.
قال: ورويت ورويت رخصة في صلاتهما إلى القبر ولو استدبر القبلة وصلى جاز، وإن كان غير مستحسن إلا مع البعد.
سابعها: الدعاء بعد الركعتين.
ثامنها: تلاوة شيء من القرآن عند الضريح.
تاسعها: إحضار القلب في جميع أحواله.
عاشرها: التصدق على السدنة –هذا أهم شيء- والحفظة للمشهد بإكرامهم وإعظامهم.
حادي عشرها: أنه إذا انصرف من الزيارة إلى منزله استحب له العود إليها ما دام مقيماً.(31/371)
الثاني عشر: أن يكون الزائر بعد الزيارة خيراً منه قبلها.
الثالث عشر: تعجيل الخروج عند قضاء الوطر.
الرابع عشر: الصدقة على المحاويج بتلك البقعة.
• الشيعة وصرفهم الاستغاثة لغير الله:
كذلك من العبادة التي يصرفونها إلى غير الله تبارك وتعالى الاستغاثة، والله جل وعلا يقول: (( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ ))[الأنفال:9]، وكلنا نقول في صلاتنا: (( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ))[الفاتحة:5]، بينما نجد الاستغاثة عندهم خاصة إذا استغاثوا بفاطمة، ماذا يقولون في صلاة الاستغاثة؟
* صلاة الاستغاثة بفاطمة:
يقول: فصل: صلاة الاستغاثة بالبتول صلى الله عليها –البتول فاطمة رضي الله عنها- يقول: إذا كانت لك حاجة وضاق صدرك فصل ركعتين، ثم اسجد وقل مائة مرة: يا مولاتي يا فاطمة أغيثيني، ثم ضع خدك الأيمن على الأرض وقلها مائة مرة، ثم الأيسر كذلك، ثم عد إلى السجود وقلها مائة وعشر مرات، واذكر حاجتك تقضى. وهذا في الباقيات الصالحات للقمي (ص:82)، والله سبحانه وتعالى يقول: (( وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنْ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ))[الحج:31]، فهكذا يتعلقون بهؤلاء الأموات وهم غافلون عنهم! يدعونهم من دون الله! يلجئون إليهم إذا اشتدت بهم الكرب! إذا ضاق الأمر وضاق الصدر، ما فعل هذا كفار مكة، يقول الله سبحانه وتعالى: (( قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ ))[الأنعام:63] أي: الله سبحانه وتعالى (( تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنْ الشَّاكِرِينَ ))[الأنعام:63]، فإذا ضاقت بهم الأمور لجئوا إلى الله سبحانه وتعالى، وأما إذا كانت الأمور فيها سعة وراحة أشركوا بالله سبحانه وتعالى، أما هؤلاء فإنهم يشركون بالله سبحانه وتعالى في حال الرخاء وحال الشدة.(31/372)
* الاستغاثة بالمهدي المنتظر:
وهذا كتاب القصص العجيبة لإمامهم عبد الحسين دستغيب، ذكر فيه قصصاً كثيرة فيها من دعاء غير الله سبحانه وتعالى واللجوء إليه، وتفريج الكربات ما الله به عليم، فقال مثلاً من هذه القصص في شفاء المريض، وفيها أنه في الساعة التاسعة صباحاً يقول: حين استغثت بالإمام قائلاً: يا إمام الزمان –يعنون المهدي المتنظر- لقد كنت كل ليلة أربعاء أواظب على المثول بين يديك، ولكنني في الليلة الماضية لم أتمكن من المجيء، وأنا لم أرتكب ذنباً، فالغوث الغوث، وأخذت أبكي، ثم سهوت قليلاً، فرأيت في منامي سيداً وضع عصا في يدي، وقال لي: قم، قلت: لا أستطيع –لأنه مشلول- قال: أقول لك قم، قلت: لا أستطيع، فاقترب مني وأخذ بيدي، وساعدني على النهوض، وهنا أفقت من النوم ولاحظت أنني أستطيع تحريك رجلي، فجلست ثم قمت فتأكدت من قدرتي على الوقوف، وأخذت أرقص فرحاً كما يقال، ولكنني عدت ونمت خوفاً من أن تراني أمي على هذه الحال فتصيبها صدمة من شدة الفرح. وهذا في (ص:265).
* الرعاية الحسينية:
وذكر كذلك في (ص:102) يقول: رعاية حسينية، يقول: هذا هو الحاج محمد سوداكر الذي قضى في الهند سنوات عديدة، رجع مؤخراً إلى شيراز وهو يروي العديد من العجائب التي شاهدها أثناء وجوده هناك، من هذه العجائب أنه في أحد الأيام في بمباي باع رجل وثني من الهندوس عقاراً له في مكتب رسمي، واستلم المال من المشتري وخرج من المكتب، وهناك شخصان محتالان من الشيعة يكمنان له ليسلباه ماله، فأدرك الهندي ما يريدان، فأسرع إلى بيته واختبأ فوق شجرة كانت في وسطه، وجاء المحتالان ودخلا البيت، وفتشا عنه طويلاً، فلم يعثرا له على أثر، فأمسكا بزوجته وقالا لها: لقد رأيناه يدخل البيت ويجب أن تخبرينا بمكانه -هذا هنوسي!- فأنكرت المرأة أنها تعرف مكانه، فعذباها بقسوة، حتى اضطرت إلى الاعتراف، وقالت لهما: إذا أقسمتما لي بحق الحسين ألا تؤذياه أخبرتكما بمكانه.(31/373)
* هندوسية تسألهما أن يقسما بحق الحسين:
فقبل الوقحان بذلك، وأقسما بحق الحسين أنهما لن يصيباه بأذى إن هي قالت لهما أين هو، حينئذٍ أشارت المرأة إلى الجرة فصعداها ووجدا الهندي مختبئاً فيها، فأنزلاه وسرقا ماله، وقطعا رأسه خوفاً من أن يلاحقهما، ويفضح أمرهما، يقول: ولما رأت المرأة المسكينة ذلك رفعت رأسها نحو السماء وقالت -يا الله؟ لا- يا حسين! أنا لم أدل الشيعيين على زوجي إلا لأنهما أقسما لي بحقك، يا حسين الشيعة لقد أرشدتهما إلى زوجي اطمئناناً إلى قسمهما بك، يقول: وفجأة ظهر رجل أشار بإصبعه المباركة إلى رقبتي ذينك الشخصين، فانفصل رأساهما على الفور عن جسديهما ووقعا على الأرض.
انتهى؟ لا.
ثم أشار إلى رأس الهندي فاتصل على الفور ببدنه، وعاد حياً وغاب الرجل عن الأنظار.
ولم يستح هذا من هذه الكلمات حتى زادها كما يقال: زاد الطين بلة فقال: وبلغ الخبر المسئولين الرسميين فجاءوا وحققوا في الأمر، وتيقنوا من حدوث المعجزة الحسينية تلك، وأولمت الحكومة بالمناسبة وليمة كبيرة، إذ كان الشهر شهر محرم الحرام، وقررت نقل المشاركين في العزاء بالقطار مجاناً، وأسلم ذلك الهندي وجمع من أقربائه وتشيعوا.
انتهت القصة حسب ما ذكر في كتابه، ولكن الظاهر لها تكملة أن دولة الهند كلها تحولت شيعية مع هؤلاء الرؤساء كلهم، ولكن الآن يخفون ذلك تقية هندوسية.
وكذلك من استغاثتهم بغير الله سبحانه وتعالى أن شيخاً أصيب فقال: تألم الشيخ المذكور لذلك، وذهب إلى الحرم المطهر يشكو فاقته لأمير المؤمنين -ليس إلى الله وإنما إلى أمير المؤمنين- فقال: يا مولاي! أنا في جوارك، وملتجئ إليك، فأد عني ديني، يقول: وبعد عدة أيام يأتي شخص جهرمي ويعطي الشيخ كسياً فيه نقود ويقول: لقد كلفت بإيصال هذا الكيس إليك وهو لك.
أنا ما أقرأ القصص من أولها حتى لا أطيل عليكم، ولكن يكفينا منها هذه الإشارات. وهذا في القصص العجيبة (ص:105).(31/374)
وفي (ص:187) هذا ضياء التجار يقول: كنت عازماً على الذهاب إلى سامراء، فقلت له: تعال نذهب معاً إلى سامراء -يعني: إلى رجل صاحبي- ثم نتوجه إلى كربلاء بعد ذلك، فلم يقبل بالرغم من أني ألححت عليه كثيراً وقال: يجب أن أفي بنذري بأسرع ما يمكن، يقول: فوضعت أمامه قدراً من المال وقلت له: خذ منه ما شئت، فلم يأخذ منه شيئاً، لكنه أمام إصراري الشديد أخذ ثلاث قطع نقدية وذهب، ومنذ ذلك الوقت لم أر له وجهاً.
وفي أحد الأيام عندما كنت في النجف الأشرف، رأيت وأنا أجتاز الصحن المقدس جمعاً من الزوار، وقد أحاطوا بأحدهم، فاقتربت منهم فإذا بذلك الكربلائي رفيقي في السفر، وقد ربط عنقه بخرقة إلى شباك الرواق المطهر وهو يبكي، وشخص طهراني يقول له: أعطيك كل ما تريد، خذ إليك هذه النقود فلم يقبل، فاقتربت منه وقلت له: أيها الرفيق! ماذا تريد من حضرة الأمير عليه السلام؟ قم معي نذهب إلى المنزل وسوف أعطيك كل ما تريد، فلم يقبل وقال: إني لي إلى هذا العظيم حاجة لا يقدر عليها غيره! –يعني: حتى الله والعياذ بالله!- إن لي إلى هذا العظيم –يعني: صاحب القبر- حاجة لا يقدر عليها غيره، وأنا لن أخرج من هنا حتى آخذها، ولما رأيت ألا فائدة من إلحاحي عليه تركته وذهبت، وفي اليوم التالي رأيته في الصحن المقدس ضاحكاً فرحاً، وقال: أرأيت! لقد أخذت حاجتي، ثم مد يده إلى جيبه وأخرج حوالة وقال: لقد أخذتها من الإمام عليه السلام، يقول: فنظرت إليها فإذا بالرسوم على وجهها وظهرها وأعلاها وأسفلها متماثلة وهي مقروءة من كل الجهات –يعني: هذه الحوالة التي أخذها من الإمام صاحب القبر- وهذا عند قبر الكاظم كما يقول هذا الرجل.
* وفي العطاء الحسيني:(31/375)
وفي (ص:191) بعنوان: العطاء الحسيني، يقول الحاج محمد جعفر: كنت في إحدى السنوات قد أتيت لزيارة كربلاء برفقة المرحومة الوالدة، فمرضت رحمها الله وطال مرضها إلى أكثر من أربعين يوماً، ولهذا اضطررت لاقتراض المال الكثير، وفي تلك الفترة لم يصلني شيء لا من شيراز ولا عن طريق أخرى، فكان ماذا؟
يقول: فالتجأت إلى مولاي وأتيت الحرم المطهر، ووقفت في نفس ذلك المكان فوق الرأس المقدس وقلت: يا مولاي! أنت تعلم كم أنا في ضيق، وتعلم ما نزل بي، فكن عوناً لي على ما ألم بي، وخرجت من الحرم وما إن مشيت مسافة قليلة حتى أتاني نائب المرحوم: آية الله الميرزا محمد تقي الشيرازي وقال: أوصيت من قبل الميرزا بأن أعطيك كل ما يلزمك، قلت: إلى أي حد؟ قال: لم يحدد، بل حدد أنت ما يلزمك، فذكرت له حاجتي، فقدمها لي، وقضيت كل ديوني، وتأمنت جميع مصاريفي طوال الفترة التي كنت موجوداً فيها في كربلاء.
وهذا كتابهم مفاتيح الجنان في (ص:213) يقول في الدعاء أنك تقول: يا محمد! يا علي! يا علي! يا محمد! اكفياني فإنكما كافيان، وانصراني فإنكما ناصران، يا مولانا! يا صاحب الزمان! الغوث الغوث الغوث، أدركني أدركني أدركني! الساعة الساعة الساعة! العجل العجل العجل! يا أرحم الراحمين بحق محمد وآله الطاهرين.
هكذا يدعى غير الله سبحانه وتعالى!!!
• الشيعة وتقديسهم لطينة الحسين والإمام علي:
ثم كذلك من شرك الألوهية عندهم ما ذكره صاحب البحار في الجزء الواحد بعد المائة (ص:118) يقول: إذا خفت سلطاناً أو يغر سلطان فلا تخرجن من منزلك إلا ومعكم من طين قبر الحسين، ثم تقول: اللهم إني أخذته من قبر وليك، وابن وليك، فاجعله لي أمناً وحرزاً لما أخاف ولما لا أخاف.
وهذا كتاب مدينة المعاجز، يقول في هذا الكتاب: ومن خواص تربة علي رضي الله عنه إسقاط عذاب القبر، وترك محاسبة منكر ونكير للمدفون هناك كما وردت به الأخبار الصحيحة عن أهل البيت عليهم السلام.(31/376)
وأما قبر الحسين، وطينة الحسين وماذا تفعل طينة الحسين قال موسى الموسوي: كثير من الذين يسجدون على التربة يقبلونها ويتبركون بها، وفي بعض الأحيان يأكلون قليلاً من تربة كربلاء للشفاء.
ولست أدري متى دخلت هذه البدعة في صفوف الشيعة؟! فالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ما سجد قط على تربة كربلاء، ولا الإمام علي ولا الأئمة من بعده سجدوا على شيء اسمه تربة كربلاء، ولكن ماذا يعتقدون في هذه التربة؟!
عن جعفر الصادق أنه قال: [[طينة قبر الحسين شفاء من كل داء، وإذا أكلته تقول: باسم الله وبالله، اللهم اجعله رزقاً واسعاً، وعلماً نافعاً، وشفاء من كل داء]].
وعن محمد الباقر أنه قال: [[طينة قبر الحسين شفاء من كل داء، وأمان من كل خوف، وهو لما أخذ له]]. وبوب المجلسي أبواباً في البحار على تربة الحسين. وهذا في بحار الأنوار من (ص:118 إلى ص:131) في الجزء الثامن والتسعين.
• الشيعة وخوفهم ورجاؤهم بغير الله:(31/377)
وكذا من الشرك عندهم في الألوهية ما يقع عندهم من الخوف والرجاء من غير الله سبحانه وتعالى، والله جل وعلا يقول: (( فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ))[آل عمران:175] ويقول: (( فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ))[الكهف:110] وعندهم خوف السر، وخوف الرجاء، ورجاء السر من أصحاب القبور، ومن الغائبين، يخافونهم خوف السر، ويرجونهم رجاء السر، وهو الشرك المخرج من ملة الإسلام، وإذا سألت أي شيعي وقلت له: دير بالك لا يأتيك أبو الراس الحار، يعنون العباس بن علي بن أبي طالب أخا الحسين، أو لما يقولون عنه: إنه باب قضاء الحوائج، يرجونه رجاءً لا يرجونه الله جل وعلا، ويخافونه خوفاً لا يخافونه الله سبحانه وتعالى، وقد وقعت قصة لشخص أعرفه ذكر أنه كان عنده عامل لم يغسل سيارته في يوم من الأيام، يقول: فقلت له: لماذا لم تغسل السيارة؟ قال: غسلتها، قال: لم تغسلها، قال: غسلتها، قال: لم تغسلها، أنا وجدتها متسخة، قال: والله العظيم غسلتها، قال: لا تحلف بالله، قال: والله العظيم غسلتها، فقال له أخونا هذا: والعباس؟! فتوقف ذلك الشيعي، وانتظر قليلاً، ثم قال: هاه لم أغسلها، فقال له صاحبنا: أعوذ بالله! تحلف بالله كاذباً ولا تحلف بالعباس كاذباً؟ قال: لا هذا العباس يشور هذا أبو الراس الحار. هكذا يخافونهم أكثر مما يخافون الله سبحانه وتعالى.
ولا شك أن صاحبنا هذا قد أخطأ في تحليفه بالعباس، ولكنه عامي، وإنما كان يريد أن يعرف هل غسلها أو لم يغسلها.
• الشيعة وحلفهم بغير الله سبحانه:(31/378)
كذلك عندهم الحلف بغير الله سبحانه وتعالى، ويقول النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه: (من حلف بغير الله فقد أشرك)، فإذا كان هذا الحلف على غير جهة التعظيم فهو شرك أصغر، وإذا كان على جهة التعظيم فهو شرك أكبر مخرج من الملة، والذي يظهر من أحوالهم أنهم يحلفون بأئمتهم كعلي والحسين وعلي بن الحسين، والرضا، والزهراء، وغيرهم يحلفون بهم على جهة التعظيم، ولذلك كما قلنا قبل قليل: يحلف بالله كاذباً ولا يستطيع أن يحلف بغير الله من هؤلاء الذين يتبعوهم وهم بريئون منهم، لا يستطع أن يحلف حتى بالعباس فكيف بالحسين، فكيف بعلي رضي الله عنهم أجمعين؟!
• الشيعة والأسماء الشركية:
وكذا من شرك الألوهية عندهم ما نجده في أسمائهم: عبد الحسين، عبد علي، عبد الزهراء، عبد النبي، عبد الرسول، كل هذا من الشرك الأصغر، والله الذي لا إله إلا هو ما سمى الأئمة أبناءهم بهذه الأسماء، ما سمعنا أن جعفراً الصادق سمى أحد أبنائه عبد علي، أو عبد الرسول، أو عبد الحسين، أو عبد الزهراء، ولا نقرأ في تراجم تلامذتهم والرواة عنهم أحداً اسمه هكذا، وهم يحبون الأئمة أكثر من المتأخرين هؤلاء، زرارة ما سمى أولاده بعبد الصادق، ولا سمى ولده بعبد الباقر، ولا سمى ولده بعبد محمد ولا بعبد علي، ولا فعل ذلك أبو بصير ولا أبو حمزة الثمالي، ولا محمد بن مسلم، ولا جابر الجعفي، ولا غيرهم من أتباع الأئمة يزعم الشيعة الإثنا عشرية أنهم يحبون الأئمة حباً جماً، ومع هذا ما تسموا بهذه الأسماء، ولا أذن لهم الأئمة بذلك، بل هذا من الشرك الذي أحدثه المتأخرون.(31/379)
وما أحسن ما قال أحد العوام لما سأله شيعي عامي مثله، فقال له: أيهما أهدى نحن أم أنتم؟ فقال العامي السني: نحن أهدى سبيلاً، فقال له الشيعي: لماذا؟ قال: لأننا انتسبنا إلى فوق عبد الله عبد الرحمن عبد العزيز عبد الكريم ننتسب إلى فوق، وأنتم –وكان اسمه عبد الزهراء- إذا انتسبتم انتسبتم إلى أناس في قبورهم أموات: عبد الزهراء، عبد الحسين، عبد الرسول، عبد النبي، فسكت الشيعي ونظر إليه ملياً ثم قال: صحيح والله. وذكر لي بعضهم أن هذا الشيعي قد هداه الله بهذه الكلمة، والقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء.
وكذا من شرك الألوهية عندهم ما نراه من التمائم والرقى والحلق والخواتيم التي يعتقدون أنها تنفع وتضر بذاتها والعياذ بالله، فخاتم للرزق، وخاتم للمحبة، وخاتم للتوفيق، وخاتم للنجاة من الشرور، وغير ذلك من هذه الخواتيم التي يلبسونها، حتى إنهم ما تركوا شيئاً لله سبحانه وتعالى.
• السحر والكهانة عند الشيعة:
وكذا السحر والكهانة عندهم، فالسحر عندهم منتشر جداً، يدعون غير الله سبحانه وتعالى من الجن وغيرهم، ويستخدمون السحر، ويضعون المربعات والإكسات وغيرها كالخطوط المتقاطعة من السحر، ومن قرأ كتاب إكسير الدعوات لعبد الله بن محمد بن عباس الزاهد يجد الشيء العجاب في هذه الأمور! أرقام متداخلة متشابكة، وخطوط أراها الآن أمامي عجيبة جداً، كلها فيها سحر وشعوذة وشعبذة.
ومن دعائهم الجن واستخدامهم للسحر قولهم: بسم الله الرحمن الرحيم، هو هو هو هو –عشرين مرة هو- أراد الله إنه كيف هو هو، صف قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد. هذا الدعاء لمن يبول عند النوم والله المستعان!(31/380)
وغير ذلك كثير، فمن هذا عزائم الجن في إخراجهم وحرقهم، يقول: يكتب بماء المطر على جام، ثم يغسل بماء الورد، ويسقى المريض منه سبعة أيام، فإن الجني يحترق، تكتب: باسم الله، وبقدرة الله أحرقك الله! يا تابع فلان بن فلان، هه هه هه هه هه، إه إه إه، سه سه سه، لهو لهو لهو، أوه أوه أوه، باسم الله أحرقكم بشهاب ثاقب، أطفيك من نار ونحاس فلا تنتصران. وهكذا.
كذلك يقول هذا -من الشيء المجرب- لترحيل النمل: قوله الحق، وله الملك -لكن كل حرف مفصول عن الثاني- الله الله الله، وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا، ولنصبرن على ما آذيتمونا، وعلى الله فليتوكل المتوكلون، قالت نملة: يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون، آهيا، شراهيا، أدوناي، اللشدي، ارحل أيها النمل من هذا المكان بحق هذه الأسماء.
نعم وغير هذا كثير! حتى لا أطيل عليكم لعل هذا يكفي، المهم أن هذا من السحر والكهانة التي يستخدمونها، ومن أراد التفصيل والزيادة فليرجع إلى بحار الأنوار في جزء الدعاء، حيث ذكر السحر وكيفية تعلمه، والحرص عليه، ودعاء الجن، وغير ذلك من الأمور.
• من شرك الشيعة في الألوهية النذر لغير الله:
كذلك من شرك الألوهية عندهم النذر لغير الله، فهم ينذرون للأموات.. وللأولياء.. وللأئمة، والله سبحانه وتعالى يقول عن مريم: (( إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً ))[مريم:26] فلا يجوز للمسلم أن ينذر لغير الله سبحانه وتعالى، ولا أن يذبح، والله جل وعلا يقول: (( قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ))[الأنعام:162]، والنبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه يقول: (لعن الله من ذبح لغير الله) ومن يعرف الشيعة معرفة جيدة يجد أنهم يذبحون لغير الله سبحانه وتعالى، وينذرون لغير الله جل وعلا.
* الشرك المكفر عند الشيعة:(31/381)
هذا توحيدهم! هذه عبادتهم! هكذا يتعاملون مع أئمتهم، فما هو الشرك عندهم الذي يجب أن يحذره الإنسان، والذي حذره الله سبحانه وتعالى، ونهى الناس من الوقوع فيه؟ قول الله سبحانه وتعالى: (( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ))[الزمر:65] قالوا: أشركت في الولاية. وهذا في الكافي الجزء الأول (ص:427).
وفي تفسير القمي: لئن أمرت بولاية أحد مع ولاية علي من بعدك ليحبطن عملك، إذاً: الشرك عندهم الشرك في الولاية.
قول الله جل وعلا: (( أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ))[النمل:61] في البحار، في الجزء الثالث والعشرين (ص:391) تفسير الآية: إمام هدى مع إمام ضلالة (أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ) يعني: إمام هدى مع إمام ضلالة، فصار الإمام هو الله والعياذ بالله.
قول الله جل وعلا: (( ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ ))[غافر:12] في البحار الجزء الثالث والعشرين (ص:364) بأن لعلي ولاية، وإن يشرك به من ليست له ولاية تؤمنون، أي: كيف تكفرون بولاية علي وتشركون به غيره، قال المجلسي: اعلم أن إطلاق لفظ الشرك والكفر على من لم يعتقد إمامة أمير المؤمنين والأئمة من ولده وفضل عليهم غيرهم يدل على أنهم كفار مخلدون في النار، وهذا في الجزء الثالث والعشرين (ص:390).
هذا غيض من فيض بالنسبة لما عندهم من الشرك في توحيد الألوهية.
* توحيد الربوبية عند الشيعة:(31/382)
وأما توحيد الربوبية فنقول مستعينين بالله سبحانه وتعالى: إن توحيد الربوبية أمر مركوز في الفطر، لا يكاد ينازع فيه أحد من الناس، ولذلك كانت دعوة المرسلين تتركز على توحيد الألوهية، قال تعالى آمراً نبيه بأن يخاطب الكفار: (( قُلْ لِمَنْ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ * قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّا تُسْحَرُونَ ))[المؤمنون:84-89] إذاً: هم مقرون بتوحيد الربوبية أن الله هو الخالق الرازق سبحانه وتعالى، ولذلك جاء في الحديث -وإن كان فيه كلام في صحته ولكنه مشهور في السير- أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى والد عمران بن حصين، فقال له: (يا حصين! كم إله تعبد؟ قال: سبعة، ستة في الأرض وواحداً في السماء، قال: من الذي لرغبتك ورهبتك؟ قال: الذي في السماء، قال: فدع الذين في الأرض) .
إذاً: هم يعتقدون أن الذي يرغب ويلجأ إليه الرازق النافع الضار هو الله سبحانه وتعالى، هو الله، الملك الجبار المتصرف هو الله سبحانه وتعالى، فهل هذه هي عقيدة هؤلاء القوم؟! لنرى.
قال الخميني ممثلاً ضلال هذه الأمة، الضلال البعيد! حيث يقول: فإن للإمام مقاماً محموداً، ودرجة سامية، وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون، وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب، ولا نبي مرسل. وهذا في الحكومة الإسلامية (ص:52).
* الإمام علي يبعث رجلاً من قبره!!!(31/383)
أما توحيد الربوبية عندهم ومن كتبهم وهأنذا أقرأ لكم بعض عباراتهم، هذا في الكافي [[أن أمير المؤمنين له خئولة من بني مخزوم، وأن شاباً منهم أتاه فقال: يا خالي! إن أخي مات، وقد حزنت عليه حزناً شديداً، قال: فقال: تشتهي أن تراه؟ قال: بلى، قال: فأرني قبره، قال: فخرج معه ومعه بردة رسول الله صلى الله عليه وسلم متزراً بها، فلما انتهى إلى القبر تلملمت شفتاه ثم ركضه -أي: ضربه برجله- فخرج من قبره وهو يقول بلسان الفرس، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: ألم تمت وأنت رجل من العرب؟ -يعني: كيف تتكلم بلسان الفرس الآن وأنت رجل من العرب- قال: بلى، ولكنا متنا على سنة فلان وفلان، يعني: أبو بكر وعمر، فانقلبت ألسنتنا]]. وهذا في أصول الكافي الجزء الأول (ص:457).
* الإمام علي يحيي رجلاً ذبحه عمه!!
وهم يحيون الموتى وهذه قصة ذكرها محمد رضا الحكيمي في كتابه: سلوني قبل أن تفقدوني، يعني: أن هذه يقولها الإمام علي رضي الله عنه، يقول: عن ميثم التمار رضي الله عنه أنه قال: [[كنت بين يدي أمير المؤمنين علي عليه السلام في جامع الكوفة في جماعة من أصحابه وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو كأنه البدر بين الكواكب، إذ دخل علينا من باب المسجد رجل طويل عليه قباء، وقد اعتم بعمامة صفراء، وهو متقلد بسيفين، فدخل وبرك بغير سلام، -يعني: جلس بغير سلام- ولم ينطق بكلام، فتطاولت إليه الأعناق، ونظروا إليه بالآماق -يعني: الأعين- وقد وقف عليه الناس من جميع الآفاق، ومولانا أمير المؤمنين لا يرفع رأسه إليهم، فلما هدأت من الناس الحواس، أفصح عن لسانه بأنه حسام جذب عن غمده:
أيكم المجتبى في الشجاعة والمعمم في البراعة؟!
أيكم المولود في الحرم، والعالي في الشيم، والموصوف بالكرم؟!
أيكم الأصلع الرأس، والبطل الدعاس، والمضيق للأنفاس، والآخذ بالقصاص؟!
أيكم غصن أبي طالب الرقيق، وبطله المهيب، والسهم المصيب، والقسم النجيب؟!(31/384)
أيكم خليفة محمد الذي نصره في زمانه، واعتز به سلطانه وعظم به شأنه؟
عند ذلك رفع أمير المؤمنين رأسه إليه فقال: مالك يا أبا سعد بن الفضل بن الربيع بن مدركة بن نجيبة بن الصلت بن الحارث بن وعران بن الأشعث بن أبي السمع الرومي؟! اسأل عما شئت، أنا عيبة علم النبوة.
قال: بلغنا عنك أنك وصي رسول الله، وخليفته على قومه بعده، وأنك محل المشكلات، وأنا رسول إليك من ستين ألف رجل يقال لهم: العقيمة، قد حملوني ميتاً قد مات من مدة، وقد اختلفوا في سبب موته، وهو بباب المسجد، فإن أحييته علمنا أنك صادق نجيب الأصل، وتحققنا أنك حجة الله في أرضه، وخليفة محمد على قومه، وإن لم تقدر على ذلك رددناه على قومه، وعلمنا أنك تدعي غير الصواب، وتظهر من نفسك ما لا تقدر عليه، قال أمير المؤمنين عليه السلام: يا ميتم! اركب بعيره، وناد في شوارع الكوفة ومحالها: من أراد أن ينظر إلى ما أعطاه الله علياً أخا رسول الله وزوج ابنته من العلم الرباني فليخرج إلى النجف، فخرج الناس إلى النجف، فقال الإمام عليه السلام: يا ميتم! هات الأعرابي وصاحبه، فخرجت ورأيته راكباً تحت القبة التي فيها الميت، فأتيت بها إلى النجف، فعند ذلك قال علي عليه السلام: قولوا فينا ما ترون منا، وارووا عنا ما تشاهدوه منا، ثم قال: يا أعرابي! أبرك الجمل، وأخرج صاحبك أنت وجماعة من المسلمين، قال ميتم: فأخرجت تابوتاً وفيه وطء ديباج أخضر، وفيه غلام أول ما تم عذاره على خده بذوائب كذوائب لامرأة حسناء، فقال علي بن أبي طالب: كم لميتكم؟ يعني: كم يوم.(31/385)
قال أحدهم: واحد وأربعون يوماً، قال: ما سبب موته؟ فقال الأعرابي: يا فتى، إن أهله يريدون أن تحييه ليخبرهم من قتله؛ لأنه بات سالماً وأصبح مذبوحاً من أذنه إلى أذنه، ويطالب بدمه خمسون رجلاً، يقصد بعضهم بعضاً فاكشف الشك والريب يا أخا محمد، فقال الإمام عليه السلام: قتله عمه لأنه زوجه ابنته فخلاها وتزوج بغيرها، فقتله حنقاً عليه، قال الأعرابي: لسنا نقنع بقولك، فإنا نريد أن يشهد لنفسه عند أهله لترفع الفتنة والسيف والقتال.
يقول عند ذلك قام الإمام علي بن أبي طالب فحمد الله وأثنى عليه وذكر النبي، فصلى عليه وقال: يا أهل الكوفة! ما بقرة بني إسرائيل بأجل عند الله مني قدراً، وأنا أخو رسول الله، وإنها أحيت ميتاً بعد سبعة أيام، ثم دنا أمير المؤمنين من الميت وقال: إن بقرة بني إسرائيل ضرب ببعضها الميت فعاش، وأنا أضرب هذا الميت ببعضي لأن بعضي خير من البقرة كلها، ثم هزه برجله وقال له: قم بإذن الله يا مدرك بن حنظلة بن غسان بن بحير بن فهر بن فهر بن سلامة بن الطيب بن الأشعث، فها قد أحياك الله تعالى على يد علي بن أبي طالب.
قال ميثم التمار: فنهض غلام أضوأ من الشمس أضعافاً، ومن القمر أوصافاً، فقال: لبيك لبيك يا حجة الله على الأنام، المتفرد بالفضل والإنعام، فعند ذلك قال: يا غلام! من قتلك؟ قال: قتلني عمي الحارث بن غسان، فقال له الإمام: انطلق إلى قومك فأخبرهم بذلك.(31/386)
فقال: يا مولاي! لا حاجة بي إليهم، أخاف أن يقتلوني مرة أخرى ولا يكون عندي من يحييني، قال: فالتفت الإمام عليه السلام إلى صاحبه وقال: امض إلى أهلك فأخبرهم، قال: يا مولاي! والله لا أفارقك، بل أكون معك حتى يأتي الله بأجلي من عنده، فلعن الله من اتضح له الحق، وجعل بينه وبين الحق ستراً، ولم يزل بين يدي أمير المؤمنين حتى قتل بصفين، ثم أهل الكوفة رجعوا إلى الكوفة فاختلفوا أقوالاً فيه عليه السلام]]. هذا في سلوني قبل أن تفقدوني (ص:256 إلى 259) وآسف على الإطالة.
* الباقر يصنع فيلاً من طين يطير عليه!!
وفي مدينة المعاجز في الجزء الخامس (ص:10) عن شاذان بن عمر قال: حدثنا مرة بن قبيصة، قال: قال لي جابر بن يزيد الجعفي: رأيت مولاي الباقر وقد صنع فيلاً من طين، فركبه وطار في الهواء، حتى ذهب إلى مكة ورجع إلينا.
على الأقل يصنع نسراً أو شيئاً من الطيور التي تطير، الفيل!!
المهم قال: وطار في الهواء حتى ذهب إلى مكة ورجع عليه، فلم أصدق ذلك منه حتى رأيت الباقر عليه السلام، فقلت له: أخبرني جابر عنك بكذا وكذا، يقول: فصنع مثل ذلك فركب وحملني معه إلى مكة وردني.
من يريد يركب!! يا الله صفوا دور الله يجزاكم خير! وهذا الذي ذكرناه في الجزء الخامس (ص:10) من مدينة المعاجز.
* الإمام الصادق يمسخ رجلاً إلى كلب ثم يعيده!!(31/387)
وهذا علي بن أبي حمزة يقول: حججت مع الصادق عليه السلام وإذا نحن بأعرابي يقول: ما رأيت كاليوم أعظم سحراً من هذا –يعني: عملاً عمله الصادق- وذلك أنه ماذا فعل؟ نادى النخلة، قال: يا نخلة أطعمينا مما جعل الله فيك من رزق عباده، يقول: فنظرت إلى النخلة وقد تمايلت نحو الصادق وعليها أعذاقها وفيها الرطب، فقال: ادن وسم وكل، فأكلنا منها، فرآه أعرابي فقال: ما رأيت كاليوم أعظم سحراً من هذا! فقال الصادق: [[نحن ورثة الأنبياء ليس فينا ساحر ولا كاهن، بل ندعو الله فيجيب، وإن أحببت أن أدعو الله فيمسخك كلباً، فتهتدي إلى منزلك فتدخل عليهم فتبصبص لأهلك فعلت -إن شئت يعني- فقال الأعرابي لجهله: نعم افعل، قال: فدعا الله فصار كلباً في الوقت، ومضى على وجهه، فقال لي الصادق: اتبعه، قال: فتبعته حتى صار إلى حي، فدخل على منزله، فجعل يبصبص في أهله وولده، فأخذوا له العصا حتى أخرجوه، فانصرفت إلى الصادق فأخبرته بما كان، فبينما نحن في هذا الحديث إذ أقبل حتى وقف بين يدي الصادق وجعلت دموعه تسيل، وأقبل يتمرغ في التراب ويعوي، فرحمه فدعا له فصار أعرابياً، فقال له الصادق: هل آمنت يا أعرابي؟ قال: نعم ألفاً وألفاً]].
* الإمام الصادق يعيد معجزة إبراهيم في إحياء الطيور:(31/388)
وعن يونس بن ظبيان قال: كنت عند الصادق –في الصفحة نفسها- مع جماعة، قلت: قول الله لإبراهيم: (خذ أربعة من الطير فصرهن إليك) أكانت أربعة من أجناس مختلفة أو من جنس واحد؟ سؤال يسأل، قال: [[أتحبون أريكم مثله؟ قال: قلت نعم، قال: يا طاوس! فإذا طاوس طار إلى حضرته، فقال: يا غراب! فإذا غراب بين يديه، ثم قال: يا بازي! فإذا بازي بين يديه، ثم قال: يا حمامة! فإذا حمامة بين يديه، ثم أمر بذبحها كلها، وتقطيعها، ونتف ريشها، وأن يخلط ذلك كله بعضه ببعض، ثم أخذ برأس الطاووس فقال: يا طاووس! فرأينا لحمه وعظامه وريشه يتميز من غيره حتى التزق ذلك برأسه، وقام الطاووس بين يديه حياً، ثم صاح بالغراب فقام حياً، وبالبازي والحمامة فقامتا كذلك، حتى قامت كلها أحياء بين يديه]]. وهذا في كتاب: كشف الغمة في معرفة الأئمة للعلامة أبي الحسن عيسى الأربلي، علق عليه هاشم الرسولي، واهتم بطبعه علي الهاشمي كلهم اجتمعوا على هذه الكذبات وهذه التزويرات.
* الحسن بن علي يحول رجلاً وامرأته كل إلى غير جنسه!!
وهذه أيضاً يقول: إن رجلاً من أهل الشام أتى الحسن ومعه زوجته، فقال: يا ابن أبي تراب! -وذكر بعد ذلك كلاماً تنزهت عن ذكره- إن كنتم في دعواكم صادقين فحولني امرأة وحول امرأتي رجلاً كالمستهزئ في كلامه، فغضب عليه السلام ونظر إليه شزراً، وحرك شفتيه، ودعا بما لم نفهمه، ثم نظر إليهما وأحد النظر، فرجع الشامي إلى نفسه وأطرق خجلاً –يعني: انقلب مرأة- ووضع يده على وجهه ثم ولى مسرعاً، وأقبلت امرأته وقالت: إني صرت رجلاً، وذهبا حيناً من الزمن، ثم عادا وقد ولد لهما مولود.
يعني: المرأة جامعت الرجال، وأنجب الرجل.(31/389)
يقول: ثم عادا إليه وقد ولد لهما –يعني: طالما وهو حقيقة ليس سحراً- وتضرعا إلى الحسن تائبين ومعتذرين مما فرطا فيه، وطلبا منه انقلابهما إلى حالهما الأول، فأجابهما إلى ذلك، ورفع يديه وقال: [[اللهم إن كانا صادقين في توبتهما فتب عليهما وحولهما إلى ما كانا عليه فرجعا إلى ذلك، لا شك فيه ولا شبهة]]. هذا في مدينة المعاجز الجزء الثالث (ص:260).
* الإمام علي يتصف بصفات الله في القرآن!!
وينقلون عن علي رضي الله عنه أنه يقول: [[أنا الأول وأنا الآخر وأنا الظاهر وأنا الباطن، وأنا وراث الأرض]]. وهذا في رجال الكشي. والله سبحانه وتعالى يقول: (( هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ))[الحديد:3].
وهذا في أصول الكافي الجزء الثاني (ص:557) أن أمير المؤمنين علياً قال: [[أنا عين الله، وأنا يد الله، وأنا جنب الله، وأنا باب الله]]. وهذا في أصول الكافي الجزء الأول (ص:145)
وذكروا عنه أنه كان يقول: [[أنا عين الله، وأنا قلب الله الواعي، ولسان الله الناطق، وعين الله الناظرة، وأنا جنب الله، وأنا يد الله]]. وهذا في التوحيد لابن بابويه (ص:164).
وانظروا ماذا يقولون، يقول الكاشاني نقلاً عن ابن أبي الحديد:
والله لولا حيدر ما كانت الدنيا ولا جمع البرية مجمع
وإليه في يوم المعاد حسابنا وهو الملاذ غداً والمفزع
هذا كفر ما بعده كفر!!!
وأما غلوهم في أئمتهم فحدث ولا حرج، وأنا أذكر بعض ذلك، أي: بعض غلوهم في أئمتهم.(31/390)
أورد البحراني في تفسيره عن جابر بن يزيد الجعفي، عن الإمام العالم موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام، قال: [[إن الله تبارك وتعالى خلق نور محمد صلى الله عليه وسلم من نور اخترعه من نور عظمته وجلاله، وهو نور لاهوتيه الذي بدأ منه، وتجلى لموسى بن عمران لطلب رؤيته، فما ثبت ولا استقر، ولا طاقة له لرؤيته، حتى خر صعقاً مغشياً عليه، وكان ذلك النور نور محمد صلى الله عليه وسلم، فلما أراد أن يخلق محمداً صلى الله عليه وسلم منه قسم ذلك النور شطرين، فخلق من الشطر الأول محمداً صلى الله عليه وسلم، ومن الشطر الآخر علي بن أبي طالب، ولم يخلق من ذلك النور غيرهما، خلقهما بيده، ونفخ بنفسه، وصورهما على صورتهما، وجعلهما أمناء له، وجعل أحدهما نفسه، والآخر روحه، ولا يقوم أحد بغير صاحبه، ظاهرهما بشرية، وباطنهما لاهوتيه، وظهرا للخلق على هياكل ناسوتية، حتى يطيقوا رؤيتهما، وهو قوله تعالى: (( وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ ))[الأنعام:9]]]، هكذا يقول هؤلاء الكفرة الفجرة والعياذ بالله!!
* الإمام علي بن أبي طالب يثبت براءة امرأة من الزنا:
كذلك من غلوهم ما جاء في بحار الأنوار في الجزء الأربعين (ص:278) هذه قصة يعني طويلة لا بأس أن تطول عليكم قليلاً، لكنها فكاهية في نفس الوقت: يقول: عن عمار بن ياسر وزيد بن أرقم، قال: [[كنا بين يدي أمير المؤمنين، وكان يوم الإثنين لسبع عشرة خلت من صفر، وإذا بزعقة عظيمة أملأت المسامع، وكان على دكة القضاء، فقال: يا عمار! ائتني بذي الفقار، وكان وزنه سبعة أمنان وثلي منّ مكي، فجئت به فامتضاه من غمده وتركه على فخذه وقال: يا عمار! هذا يوم أكشف لأهل الغمة ليزداد المؤمن وفاقاً، والمخالف نفاقاً، يا عمار! ائت بمن على الباب، قال عمار: فخرجت فإذا على الباب امرأة في قبة على جمل، وهي تشتكي وتصيح: يا غيّاث المستغيثين.
طبعاً: غياث المستغيثين الله سبحانه وتعالى عندنا، أما عندهم فشيء آخر!!.(31/391)
وهي تقول: يا غياث المستغيثين! ويا بغية الطالبين! ويا كنز الراغبين! ويا ذا القوة المتين! ويا مطعم المسكين! ويا رازق العديم! ويا محيي كل عظم رميم! ويا قديم سبق قدمه كل قديم! ويا عون من ليس له عون ولا معين! يا قود من لا قود له! يا كنز من لا كنز له! إليك توجهت، وبوليك توسلت، وخليفة رسولك قصدت، فبيض وجهي، وفرج عني كربتي، وحولها ألف فارس بسيوف مسلولة، قوم لها وقوم عليها، فقلت: أجيبوا أمير المؤمنين، أجيبوا عيبة علم النبوة، قال: فنزلت المرأة من القبة ونزل القوم معها ودخلوا المسجد، فوقفت المرأة بين يدي أمير المؤمنين عليه السلام وقالت: يا مولاي! يا إمام المتقين! إليك أتيت، وإياك قصدت، فاكشف كربتي، وما بي من غمة، فإنك قادر على ذلك، وعالم بما كان وما يكون إلى يوم القيامة.
فعند ذلك قال: يا عمار! ناد في الكوفة: من أراد أن ينظر إلى ما أعطاه الله أخا رسول الله فليأت المسجد، قال: فاجتمع الناس حتى امتلأ المسجد، فقام أمير المؤمنين وقال: سلوني ما بدا لكم يا أهل الشام! فنهض من بينهم شيخ قد شاب، عليه بردة يمانية، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين! يا كنز الطالبين! يا مولاي! هذه الجارية ابنتي قد خطبها ملوك العرب، وقد نكست رأسي بين عشيرتي، وأنا موصوف بين العرب قد فضحتني في أهلي ورجالي؛ لأنها عاتق حامل –يعني: بكر وحامل في نفس الوقت، - وأنا فليس بن عفريس، لا تخمد لي نار، ولا يضام لي جار، وقد بقيت حائراً في أمري، فاكشف لي هذه الغمة، فإن الإمام خبير بالأمر، فهذه غمة عظيمة، لم أر مثلها ولا أعظم منها.
فقال أمير المؤمنين: ما تقولين يا جارية فيما قال أبوك؟(31/392)
قالت: يا أمير المؤمنين! أما قوله: إني عاتق صدق، وأما قوله: إني حامل، فوحقك يا مولاي ما علمت من نفسي خيانة قط، وإني أعلم أنك أعلم بي مني –والعياذ بالله- وإني ما كذبت فيما قلت، ففرج عني يا مولاي، قال عمار: فعند ذلك أخذ الإمام ذا الفقار وصعد المنبر فقال: الله أكبر الله أكبر! جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقاً، ثم قال علي: علي بداية الكوفة –يعني: المرأة التي تولد- فجاءت امرأة تسمى: لبناء، وهي قابلة نساء أهل الكوفة، فقال لها: اضربي بينك وبين الناس حجاباً، وانظري هذه الجارية عاتق حامل أم لا، ففعلت، ثم أمر به، ثم خرجت وقالت: نعم يا مولاي! هي عاتق حامل، فعند ذلك التفت الإمام إلى أبي الجارية وقال: يا أبا الغضب! ألست من قرية كذا وكذا من أعمال دمشق؟
قال: وما هذه القرية؟
قال: هي قرية تسمى أسعار.
قال: بلى يا مولاي، قال: ومن منكم يقدر على قطعة ثلج في هذه الساعة؟ يعني: من هذه القرية.
قال: يا مولاي! الثلج في بلادنا كثير، ولكن ما نقدر عليه هاهنا، فقال عليه السلام: بيننا وبينكم مئتان وخمسون فرسخاً، قال: نعم يا مولاي، ثم قال: يا أيها الناس! انظروا إلى ما أعطاه الله علياً من العلم النبوي، والذي أودعه الله ورسوله من العلم الرباني، فقال عمار: فمد علي يده من أعلى المنبر في الكوفة، وردها وإذا فيها قطعة من الثلج يقطر الماء منها.
يعني: مد يده ووصل إلى الشام وأتى بالثلج.
يقول: عند ذلك ضج الناس، وماج الجامع بأهله، فقال عليه السلام: اسكتوا، فلو شئت أتيت بجبالها، ثم قال: يا داية! خذي هذه القطعة من الثلج، واخرجي بالجارية من المسجد، واتركي تحتها طشداً، وضعي هذه القطعة مما يلي الفرج، وستري علقة وزنها سبعة ومائة وخمسون درهماً ودانقان بالضبط.(31/393)
فقالت: سمعاً وطاعة لله ولك يا مولاي، ثم أخذتها وخرجت بها من الجامع، فجاءت بطشد فوضعت الثلج على الموضع كما أمرها، فرمت علقة وزنتها الداية فوجدتها كما قال عليه السلام، فأقبلت الداية والجارية فوضعت العلقة بين يديه، ثم قال: يا أبا الغضب! خذ ابنتك فوالله ما زنت، وإنما دخلت الموضع الذي فيه الماء، فدخلت هذه العلقة في جوفها وهي بنت عشر سنين، وكبرت إلى الآن في بطنها، فنهض أبوها وهو يقول: أشهد أنك تعلم ما في الضمائر، وأنت باب الدين وعموده.
فضج الناس عند ذلك، وقالوا: يا أمير المؤمنين! لنا اليوم خمس سنين لم تمطر السماء علينا، قد أمسك عن الكوفة هذه المدة، وقد مسنا وأهلنا الضر، فاستسق لنا يا وارث محمد، عند ذلك قام في الحال وأشار بيده قبل السماء فسال الغيث حتى بقيت الكوفة غدراناً، فقالوا: يا أمير المؤمنين! كفينا وروينا، فتكلم بكلام فمضى الغيث وانقطع المطر، وطلعت الشمس]]، ولعن الله الشاك في فضل علي بن أبي طالب. هذا في بحار الأنوار، الجزء الأربعين (ص:278).
• هذا بعض غلوهم في أئمتهم!!
* علي بن الحسين يرد الشمس من مشرقها إلى مغربها والعكس!!
وهذا كتاب مدينة المعاجز الجزء الرابع (ص:258) عن سان بن قبيصة قال: شهدت علي بن الحسين وهو يقول: [[أنا أول من خلق الأرض، وأنا آخر من يملكها، فقلت له: يا ابن رسول الله! وما آية ذلك؟ قال: آية ذلك أن أرد الشمس من مغربها إلى مشرقها، ومن مشرقها إلى مغربها، فقيل له: افعل ذلك، ففعل]].
وقال علي بن الحسين: [[سألت الله ربي ثلاثاً فأعطاني: سألته أن يحل فيما حل في سميي من قبل –يعني: في علي أبيه- ففعل تعالى، وأن يرزقني العبادة ففعل]]، وأن يلهمني التقوى ففعل. يعني: مثلما رد الشمس حق علي أنا رديت الشمس أيضاً. وهذا في مدينة المعاجز الجزء الرابع (ص:258).
* الباقر يهز الخيط فتزلزل المدينة بأهلها!(31/394)
والآن في مدينة المعاجز في الجزء الخامس (ص:117) هذا جابر يقول: قال لي –أي: الباقر-: قال لي: [[خذ يا جابر طرف الخيط وامض رويداً -أعطاه خيطاً وقال: امش فيه- وإياك أن تحركه، قال: فأخذت طرف الخيط ومشيت رويداً، فقال عليه السلام: قف يا جابر، فوقفت، ثم حرك الخيط تحريكاً خفيفاً، ما ظننت أنه حركه من لينه، ثم قال صلوات الله عليه: ناولني طرف الخيط، فناولته وقلت: ما فعلت به يا سيدي؟
قال: ويحك انظر اخرج، انظر ما حال الناس، قال جابر: فخرجت من المسجد وإذا الناس في صياح، والصائح من كل جانب، وإذا بالمدينة قد تزلزلت زلزلة شديدة، وأخذتهم الرجفة والهدمة، وقد خربت أكثر دور المدينة، وهلك فيها أكثر من ثلاثين ألف رجل وامرأة دون الولدان، وإذا الناس في صياح وبكاء وعويل، وهم يقولون: إنا لله وإنا إليه راجعون! خربت دار فلان! وخرب أهلها! ورأيت الناس فزعين إلى مسجد رسول الله وهم يقولون: كانت هدمة عظيمة، وبعضهم يقول: كانت زلزلة، وبعضهم يقول: كيف لا نخسف وقد تركنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وظلم آل رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ليتزلزل بنا أشد من هذا وأعظم! قال جابر: فبقيت متحيراً أنظر إلى الناس حيارى يبكون فأبكاني بكاؤهم، وهم لا يدرون من أين أتو، فانطلقت إلى الباقر وقد حف به الناس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يقولون: يا ابن رسول الله! أما ترى إلى ما نزل بنا؟ فادع الله لنا، فقال لهم: افزعوا إلى الصلاة والدعاء والصدقة، ثم أخذ بيدي وسار بي فقال: ما حال الناس؟(31/395)
قلت: لا تسأل يا ابن رسول الله! خربت الدور والمساكن، وهلك الناس، ورأيتهم بحال لو رأيتهم رحمتهم، فقال: لا رحمهم الله، أما إنه قد بقيت عليك بقية، ولولا ذلك لم ترحم، ثم قال: سحقاً سحقاً بعداً بعداً للقوم الظالمين! والله لولا مخافة والدي لزدت في التحريك وأهلكتهم جميعاً]]، يعني: تحريكة الخيط هذه هي التي هزت المدينة، ...... الحوت الذي دخل خشم الحوت الكبير الذي يسوي الزلازل.
يقول: [[والله لولا مخافة والدي لزدت في التحريك وأهلكتهم أجمعين، فما أنزلونا وأوليائنا من أعدائنا من هذه المنزلة غيرهم، وجعلت أعلاها أسفلها –هكذا مكتوبة أوليائنا، وإلا هي أولياءنا- وكان لا يبقى فيها دار ولا جدار، ولكني أمرني مولاي أن أحرك تحريكاً ساكناً]]. إلى آخر هذه القصة الطويلة السخيفة التي ذكرت.
* الأئمة يحللون ويحرمون من دون الله!
بقي أن نعلم أ نهم يحللون ويحرمون من دون الله، وقد قال الله سبحانه وتعالى: (( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ))[الشورى:21]، وقال سبحانه وتعالى: (( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ ))[التوبة:31]، عن أبي جعفر قال: [[ من أحللنا له شيئاً أصابه من أعمال الظالمين فهو حلال، لأن الأئمة مفوض إليهم، فما أحلوا فهو حلال، وما حرموا فهو حرام ]]. وهذا في البحار الجزء الخامس (ص:334).(31/396)
وهذا موسى بن أشيم قال: [[دخلت على أبي عبد الله فسألته عن مسألة، فأجابني فيها بجواب، فأنا جالس إذ دخل رجل فسأله عنها بعينها، فأجابه بخلاف ما أجابني، فدخل رجل آخر فأجابه بعينها، فأجابه بخلاف ما أجابني وخلاف ما أجاب صاحبي، ففزعت من ذلك وعظم علي، فلما خرج القوم نظر إلي وقال: يا ابن أشيم! إن الله فوض إلى داود أمر ملكه، فقال: (( هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ))[ص:39] وفوض إلى محمد أمر دينه فقال: (( وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ))[الحشر:7] وإن الله فوض إلى الأئمة منا وإلينا ما فوض إلى محمد فلا تجزع]] وهذا في البحار 23 (ص:185).
طبعاً: لم يذكر آية لأنه لا يوجد دليل على هذا الهراء.
ولهذا يقول الخميني في كتابه: زبدة الأربعين: اعلم أيها الحبيب أن أهل بيت العصمة عليهم السلام يشاركون النبي صلى الله عليه وسلم في مقامه الروحاني الغيبي قبل خلق العالم، وأنوارهم كانت تسبح وتقدس منذ ذلك الحين، وهذا يفوق قدرة استيعاب الإنسان حتى من الناحية العلمية، ورد في النص الشريف: (يا محمد! إن الله تبارك وتعالى لم يزل منفرداً بوحدانيته، ثم خلق محمداً وعلياً وفاطمة، فمكثوا ألف دهر، ثم خلق جميع الأشياء، فأشهدهم خلقها، وأجرى طاعتهم عليها، وفوض أمورها إليهم، فهم يحلون ما يشاءون، أو يحرمون ما يشاءون، ولم يشاءوا إلا ما يشاء الله تعالى، ثم قال: يا محمد! هذه الديانة التي من تقدمها مرق، ومن تخلف عنها محق، ومن لزمها لحق، خذها إليك يا محمد).(31/397)
ولذلك يقول محمد حسين آل كاشف الغطاء في كتابه أصل الشيعة: إن حكمة التدرج اقتضت بيان جملة من الأحكام وكتمان جملة، ولكنه سلام الله عليه –أي: علي- أودعها عند أوصيائه كل وصي يعهد بها إلى الآخر، ينشرها في الوقت المناسب لها حسب الحكمة، من عام يخصص، أو مطلق يقيد، أو مجمل يبين إلى أمثال ذلك، وقد يذكر النبي صلى الله عليه وسلم عاماً ويذكره بعد برهة من حياته، وقد لا يذكره أصلاً، بل يودعه عند وصيه.
إذاً: الأئمة مازالوا يشرعون بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم يقيدون المطلق ويخصصون العام.
هذا ما ذكرناه عن شرك الألوهية وشرك الربوبية عند القوم، ثم يدعون بعد ذلك أنهم موحدون، لا شك أن هذا هو الشرك بعينه، فنسأل الله تبارك وتعالى أن يهدي ضالهم، أو أن يأخذهم أخذ عزيز مقتدر، أن يهديهم إلى الصواب، وأن يتركوا ما هم عليه من الضلال، هذه الشركيات التي تنتن رائحتها من يقرؤها وتؤذي أنفه، وتؤذي من حواليه، وأنا أعلم علم اليقين أني آذيت الكثيرين منكم بذكرأمثال هذه الأخبار، ولكن:
عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه ومن لا يعرف الشر من الخير يقع فيه
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، والله أعلى وأعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
========================
سياحة في أوثق كتب الشيعة
الشيخ/ عثمان الخميس
• منزلة الكليني عند علماء الشيعة:
الحمد لله فالق الحب والنوى، فالق الإصباح والنور، إله الأولين والآخرين، وخالق الخلق أجمعين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:(31/398)
فقد قاد الأعاجم التشيع في زمن الدولة البويثية، وذلك في القرن الرابع الهجري، ونسبوا إلى آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس لهم من الشركيات والكذب والطامات التي سنسمعها إن شاء الله تبارك وتعالى في هذه الليلة، وللأسف صدقهم الناس فيما نسبوه إليهم، وخير مثال على هذا ما بأيدينا في هذه الليلة وهو كتاب الكافي الذي يعتبر صحيحاً كله عند غالبية علماء الشيعة الإثني عشرية، ومن لا يصححه كله يقر بأنه أصح كتاب عندهم، فهو بالاتفاق لا يوازيه أي كتاب من كتب هذه الفرقة الضالة.
ومؤلف هذا الكتاب هو أحد هؤلاء الأعاجم وهو محمد بن يعقوب الكليني، علماً بأن هذا الكتاب لم يؤلفه علي بن أبي طالب، ولا أحد من أبنائه، وإنما ألفه هذا الأعجمي ونسبه إليهم كذباً وزوراً، وبدون إسناد، عن محمد بن الحسن قال: قلت لأبي جعفر الثاني: جعلت فداك، إن مشايخنا رووا عن أبي جعفر وأبي عبد الله، وكانت التقية شديدة، فكتموا كتبهم ولم ترو عنهم، فلما ماتوا صارت الكتب إلينا، فقال: حدثوا بها، فإنها حق. هكذا يقولون: حدثوا فيها فإنها حق، إذاً: لا توجد عندهم أسانيد متصلة إلى جعفر الصادق، ولا إلى أبيه محمد الباقر، فضلاً عن أن تكون لهم أسانيد متصلة بالحسن والحسين، وعلي بن أبي طالب، فضلاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويزعمون أنهم بسبب التقية فعلوا ذلك، مع ادعائهم في الوقت نفسه أنه ما استطاع الشيعة أن يظهروا علمهم إلا زمن جعفر الصادق؛ لأن التقية زالت، وهكذا نجد هذه التناقضات التي لا تنتهي أبداً.
وهذه المؤلفات -ومنها هذا المؤلف أعني كتاب الكافي- ترسخ التفرقة، وتدعو إلى الشعوبية والعنصرية، وتستحل الدماء والأعراض والأموال باسم أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ظناً منهم أنها ثابتة عنهم، وهذا لا شك أنه كذب وزور.(31/399)
الكليني: هو محمد بن يعقوب الكليني، ولد في مدينة كلين وهي في إيران، وهو يقال له: الكليني ويقال له: الرازي كذلك، ويعرف أيضاً بالسلسلي البغدادي أبو جعفر الأعور، وكان شيخ الشيعة في وقته بالري وجههم كذلك، وكان مجلسه مثابة أكابر العلماء الراحلين في طلب العلم، كانوا يحضرون حلقته لمذاكرته ومفاوضته والتفقه عليه، وكان عالماً متعمقاً محدثاً ثقة حجة عدلاً شديد القول عندهم، يعد عندهم من أفاضل حملة الأدب، وفحول أهل العلم، وشيوخ رجال الفقه، وكبار أئمة الإسلام، مضافاً إلى أنه عندهم من الأبدال في الزهد والعبادة والمعرفة، والتأله والإخلاص، هذا الرجل -الذي هو الكليني- قال عنه النجاشي: شيخ أصحابنا في وقته ووجههم، وكان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم، وقال الطوسي: ثقة عارف بالأخبار، وقال ابن طاوس: الشيخ المتفق على ثقته وأمانته محمد بن يعقوب الكليني، وعده الطيمي من مجددي الأمة على رأس تلك المائة يعني: المائة الرابعة.
هذا الكليني مشهور عندهم، كما قال الميرزا عبد الله الأفندي بأنه ثقة الإسلام، فإذا قيل: ثقة الإسلام قالوا: هو الكليني، قال أسد الله الششتري: ثقة الإسلام، وقدوة الأنام، وعلم الأعلام، المقدم المعظم عند الخاص والعام الشيخ: أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني.
هذا محمد بن يعقوب الكليني المتوفى سنة تسع وعشرين وثلاثمائة من الهجرة على خلاف عندهم في تحديد سنة وفاته، هذا الرجل جمع كتاباً يقال له الكافي: ويعتبر كتاب الكافي عند الشيعة الإثني عشرية أصح كتاب في الوجود، وهناك من علمائهم من نقل الإجماع على صحته كله، وقد أنكر أن يكون الكافي صحيحاً كله بعض علماء الشيعة، وذلك لما رأوا فيه من الطامات التي لا تحتمل.
وعلى كل حال: هو أحسن كتبهم وأصحها بلا خلاف فيما أعلم، وأنقل الآن كلام علمائهم في هذا الكتاب بعد أن نقلت كلام علمائهم في مؤلف هذا الكتاب.
• منزلة الكافي عند علماء الشيعة:(31/400)
قال النوري الطبرسي صاحب المستدرك: الكافي بين الكتب الأربعة، والكتب الأربعة هي: الكافي، والاستبصار والتهذيب، ومن لا يحضره الفقيه، أو فقيه من لا يحضره الفقيه، هذه تسمى الكتب الأربعة التي هي معتمد الشيعة في دينهم، قال الطبرسي: الكافي بين الكتب الأربعة كالشمس بين النجوم، وإذا تأمل المنصف استغنى عن ملاحظة آحاد رجال السند المودعة فيه، وتورثه الوثوقة، ويحصل له الاطمئنان بصدورها وثبوتها وصحتها. هذا في مستدرك الوسائل في الجزء الثالث (ص:532).
وقال الحر العاملي: أصحاب الكتب الأربعة وأمثالهم قد شهدوا بصحة أحاديث كتبهم وثبوتها، ونقلها من الأصول المجمع عليها، فإن كانوا ثقات تعين قبول قولهم وروايتهم ونقلهم. وهذا قاله في الوسائل العشرين (ص:104)
وقال شرف الدين الموسوي عبد الحسين صاحب المراجعات: الكافي، والاستبصار، والتهذيب، ومن لا يحضره الفقيه –يعني: الكتب الأربعة- متواترة مقطوع بصحة مضامينها، والكافي أقدمها وأعظمها وأحسنها وأتقنها. وهذا في المراجعات مراجعة رقم (110).
وقال محمد صادق الصدر: والذي يجدر بالمطالعة أن يقف عليه –يعني: القارئ- هو أن الشيعة وإن كانت مجمعة على اعتبار الكتب الأربعة، وقائلة بصحة كل ما فيها من روايات، غير أنها لا تطلق عليها الصحاح، كما فعل ذلك إخوانهم من أهل السنة. وهذا في كتابه الشيعة (ص:127).
بل إن مؤلف الكتاب وهو الكليني قال عن سبب تأليف كتابه، قال للسائل: وقلت: إنك تحب أن يكون عندك كتاب كاف يجمع من جميع فنون علم الدين، ما يكتفي به المتعلم، ويرجع إليه المسترشد، ويأخذ منه من يريد علم الدين والعمل به بالآثار الصحيحة عن الصادقين. وهذا موجود في مقدمة الكافي (ص:24).
ولذلك قال المحقق النائيني عندهم: إن المناقشة في إسناد روايات الكافي حرفة العاجز. وهذا موجود في كتاب الانتصار للنائيني في صحة الكافي (ص:8) لعلي أبي الحسن.(31/401)
وأما محقق كتاب الكافي علي أكبر الغفاري فقال: اتفق أهل الإمامة وجمهور الشيعة على تفضيل هذا الكتاب، والأخذ به، والثقة بخبره، والاكتفاء بأحكامه، وهم مجمعون على الإقرار بارتفاع درجته وعلو قدره، على أنه القطب الذي عليه مدار روايات الثقات المعروفين بالضبط والإتقان إلى اليوم، وهو عندهم أجمل وأفضل من سائر أصول الحديث. وهذا في مقدمة الكافي (ص: 26).
وقال المفيد: الكافي هو من أجل كتب الشيعة وأكثرها فائدة. وهذا في مقدمة الكافي أيضاً (ص:26).
وقال الفيض الكاشاني عن كتب الشيعة: الكافي أشرفها وأوثقها وأتمها وأجمعها لاشتماله على الأصول من بينها، وخلوه من الفضول وشينها. وهذا قاله في مقدمة الكافي (ص: 27).
وقال المجلسي: كتاب الكافي أطلق الأصول وأجمعها، وأحسن مؤلفات الفرقة الناجية وأعظمها. وهذا في مقدمة الكافي (ص:27).
وقال محمد أمين الاسترابادي: وقد سمعنا من مشايخنا وعلمائنا أنه لم يصنف في الإسلام كتاب يوازيه أو يدانيه. وهذا في مقدمة الكافي (ص:27).
وقال عباس القمي: الكافي هو أجل الكتب الإسلامية، وأعظم المصنفات الإمامية، والذي لم يعمل للإمامية مثله. وهذا في الكنى والألقاب في الجزء الثاني (ص:98).
إذاً: كلام الشيعة عندما يقولون: ليس بصحيح كله، بل فيه ما هو صحيح، وما هو ضعيف، إنما هو للخروج من إلزامات أهل السنة لهم، بل من إلزامات الشيعة الذين يؤمنون بالكافي كله كالإخباريين وغيرهم والشيخية، لكن مع هذا قد بينا أنه حتى على التنزل وعلى القول بأن الكافي ليس صحيحاً كله، فهو بإجماع الشيعة أصح كتاب عندهم، وأحسن مؤلفاتهم، ولا يوجد كتاب يوازيه لا عند الشيعة فقط، بل في الإسلام كله، ولذلك يقول تيجانيهم المعاصر: ويكفيك أن تعرف مثلاً أن أعظم كتاب عندهم -يعني: الشيعة وهو أصول الكافي- يقولون: بأن فيه آلاف الأحاديث المكذوبة، هذا قاله في كتاب: فاسألوا أهل الذكر (ص:34).
• ما ينقد به على الشيعة في كتاب الكليني:(31/402)
إذا عرفنا مكانة هذا الكتاب ومنزلته عندهم نأتي الآن إلى اختيار أو إلى سياحة في عالم هذا الكتاب، وسأقتصر في هذه الليلة على المهازل والطامات التي وردت في الكافي، ولو قصدت التوسع وذكر جميع مهازلهم لرجعت إلى كتب أخرى مثل الأنوار النعمانية، وبحار الأنوار، وسلوني قبل أن تفقدوني، ومدينة المعاجز، وزهر البيع، وغيرها من كتبهم المعتبرة عندهم، ولكني قصدت إلى أصح كتاب عندهم، فأخرجت ما وجدت فيه من الأمور التي لا يمكن أبداً أن تصدر عن عاقل، فضلاً عن أن تنسب إلى آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وإلى رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، ولو ذكرت ما فيه غيره من الكتب لوجدتم العجب العجاب، ولكن لما كان القصد الاختصار سأكتفي بما ورد في كتاب الكافي، بل ببعض ما ورد في هذا الكتاب، والله المستعان.
أولاً: أسانيد هذا الكتاب ورجال إسناده:
روى الكليني في الكافي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه أخبر أن عفيراً حمار الرسول صلى الله عليه وسلم انتحر، فقال علي: [[إن ذلك الحمار كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: بأبي أنت وأمي إن أبي حدثني، عن أبيه عن جده عن أبيه، أنه كان مع نوح في السفينة، فقام إليه نوح عليه السلام، فمسح على كفله ثم قال: يخرج من صلب هذا الحمار حمار يركبه سيد النبيين وخاتمهم، فالحمد لله الذي جعلني ذلك الحمار]]. وهذا في الجزء الأول (ص:237)،
ونسخة الكافي التي أقرأ منها هي بتحقيق علي أكبر الغفاري طبع في دار الأضواء في بيروت لبنان الطبعة سنة (1405هـ - 1985م) هذا الكتاب هو الذي أقرأ أنا منه، وعندما أعزو فإنما أعزو إليه.(31/403)
ذكرنا هذا الحديث الذي يرويه الكليني بالإسناد، وإسناده كما ترون كله حمير، والعجيب في هذا الإسناد أنه في أعظم كتاب له، وليس في الإسناد حمير بل هو مسلسل بالحمير، وعفير يروي عن أبيه عن جده عن جد أبيه، فكرم الله تبارك وتعالى علياً من أن يروي عن حمار عن آبائه، أما من الناحية الحديثية فللحديث أكثر من علة:
أولاً: الإسناد فيه مجاهيل، وذلك أن أولئك الحمير لا ندري هل هم ثقاة حفاظ أم لا! ولم أجد من ترجم لهؤلاء الحمير، ولعل القارئ الكريم يبحث معي في تراجم هؤلاء الحمير في كتاب حياة الحيوان للدميري، أو كتاب الحيوان للجاحظ لعلنا نصل إلى شيء هناك.
ثانياً: كيف يقول الحمار لرسول الله صلى الله عليه وآله سلم: بأبي أنت وأمي؟! ومن أبوه ومن أمه حتى يفدي بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! وهذا لا شك أنه طعن في رسول الله صلى الله عليه وآله سلم كما لا يخفى، بل وإسفاف وقلة أدب ممن ينسب مثل هذا الكلام إلى سيد الخلق صلوات الله وسلامه عليه، أنه حمار يقول له: بأبي أنت وأمي.
ثم إن هذا الحديث فيه متهم بالكذب، وهو جد والده، أعني: جد والد الحمار عفير، وذلك أنه قطعاً لم يدرك نوحاً عليه السلام، وهو يدعي أن نوحاً مسح على كفله، هذا بالنسبة لأسانيد هذا الكتاب.
• نسبة البداء إلى الله سبحانه وتعالى:
أما بالنسبة لما يتخلله ذلك الكتاب من المهازل أيضاً فنسبة البداء إلى الله سبحانه وتعالى: فعن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام أنهما قالا: [[ إن الناس لما كذبوا برسول الله صلى الله عليه وسلم هم الله تبارك وتعالى بهلاك أهل الأرض، إلا علياً فما سواه، بقوله: (( فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ ))[الذاريات:54]، يقول: ثم بدا له -أي: بدا لله سبحانه وتعالى- فرحم المؤمنين، ثم قال لنبيه: (( وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ))[الذاريات:55] ]]. وهذا في روضة الكافي في (ص:78).(31/404)
• الطعن في كتاب الله سبحانه وتعالى:
كذلك من طاماتهم طعنهم في كتاب الله جل وعلا في هذا الكتاب أعني: كتاب الكافي، فعن أبي جعفر قال: [[ ما ادعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كله إلا كذاب، ما جمعه وحفظه كما أنزله الله إلا علي والأئمة من بعده ]] وهذا في الجزء الأول (ص:228).
وقيل لأبي الحسن عليه السلام: [[ إنا نسمع الآيات في القرآن ليس هي عندنا كما نسمعها، ولا نحسن أن نقرأها كما بلغنا عنكم، فهل نأثم؟ قال: لا، اقرءوا كما تعلمتم فسيجيئكم من يعلمكم ]] وهذا في الكافي الجزء الثاني (ص: 619).
• تحريفات آيات القرآن في كتاب الكافي:
أما تحريفهم أو ادعاؤهم لتحريف كتاب الله تبارك وتعالى، فعن سالم بن سلمة قال: قرأ رجل على أبي عبد الله وأنا أستمع حروفاً من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس، فقال أبو عبد الله: [[ كف عن هذه القراءة، اقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم، فإذا قام القائم قرأ كتاب الله على حده، وأخرج المصحف الذي كتبه عليه ]] وهذا الكافي الجزء الثاني (ص:633).
وعن أبي عبد الله جعفر الصادق قال: [[ وإن عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام، وما يدريهم ما مصحف فاطمة! فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد ]]. وهذا في الكافي الجزء الأول (ص:239).
وهذه نبذ من تحريفاتهم، قال أبو بصير لأبي عبد الله: [[ جعلت فداك! قول الله سبحانه وتعالى: (سأل سائل بعذاب واقع، للكافرين بولاية علي ليس له دافع) إنا لا نقرؤها هكذا؟ فقال: هكذا والله نزل بها جبريل على محمد، وهكذا هو والله مثبت في مصحف فاطمة ]] عندما يقول لكم: مصحف فاطمة ليس قرآناً كذب وزور، يقول: هكذا هي في مصحف فاطمة. وهذا في الكافي الجزء الثامن (ص:49) والجزء الثامن هو روضة الكافي.(31/405)
وعن أبي عبد الله قال: [[ إن القرآن الذي جاء به جبريل إلى محمد صلى الله عليه وسلم سبعة عشر ألف آية ]] وهذا في الكافي الجزء الثاني (ص: 634) وهذا لا شك أنه يعادل القرآن ثلاث مرات تقريباً، فهو إذاً مصحف فاطمة الذي يدعون.
وبوب الكليني في كتاب الكافي باباً بعنوان: لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة عليهم السلام.
وأما تحريفاتهم لكتاب الله تعالى فأقرأ لكم نبذاً منها:
عن زيد بن الجهم قال: [[قرأ أبو عبد الله: (أن تكون أئمة هي أزكى من أئمة) قلت: جعلت فداك أئمة أو أمة؟ -هي أمة! الآية أمة! (( أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ ))[النحل:92]- قال: جعلت فداك: أئمة؟ قال: إي والله أئمة، قال قلت: فإنا نقرأ (أَرْبَى) -(( أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ ))[النحل:92]-؟ قال: وما أربى؟! وأومأ بيده فطرحها]]. الجزء الأول (ص:292).
وعن أبي عبد الله في قول الله عز وجل: [[ومن يطع الله ورسوله في ولاية علي وولاية الأئمة من بعدي فقد فاز فوزاً عظيماً]] هكذا نزلت. الجزء الأول (ص:414).
وعن أبي عبد الله في قوله تعالى: [[ ولقد عهدنا إلى آدم من قبل كلمات في محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ذريتهم فنسي ولم نجد له عزماً) هكذا والله نزلت على محمد ]]. وهذا في الجزء الأول (ص: 416).
وعن أبي جعفر قال: [[ نزل جبريل بهذه الآية على محمد هكذا: (بئس ما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل إليه في علي بغياً) ]]. وهذا في الجزء الأول (ص: 417).
وعن أبي عبد الله قال: [[ نزل جبريل على محمد بهذه الآية هكذا: (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا في علي فائتوا بسورة من مثله) ]]. وهذا في الجزء الأول (ص: 417).
طبعاً! لا شك أن هذا القرآن كله مكذوب على أبي عبد الله كما قلنا في بداية حديثنا، وهو جعفر الصادق، ومكذوب على أبي جعفر وهو محمد الباقر، وغيرهم من أئمة آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم.(31/406)
وعن علي الرضا: [[ في قوله تعالى: (كبر على المشركين بولاية علي ما تدعوهم إليه يا محمد في ولاية علي) ]] هكذا في الكتاب مخطوطة. الجزء الأول (ص: 418).
وعن الباقر قال: [[ نزل جبريل بهذه الآية على محمد هكذا: (فبدل الذين ظلموا آل محمد حقهم قولاً غير الذي قيل لهم) ]]. في الجزء الأول (ص: 423).
[[ قرأ رجل عند أبي عبد الله: (( وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ))[التوبة:105]، فقال: ليس هكذا، إنما هي: (والمأمونون) فنحن المأمونون) ]]. وهذا في الجزء الأول (ص:424).
وعن أبي الحسن الرضا قال: [[ أنزل إليه: (إلا بلاغاً من الله ورسالته في علي) فقال السائل: هذا تنزيل؟ قال: نعم، ثم قرأ: (وذرني والمكذبين بوصيك أولي النعمة ومهلهم قليلاً) قال السائل: إن هذا تنزيل؟ قال: نعم]]. وهذا في الجزء الأول (ص: 434).
هذه نبذ من التحريفات وإلا لو جلسنا هذه الليلة كلها في قراءة ما جاء في هذا الكتاب الخبيث من التحريف وادعاء ما ليس في كتاب الله أنه من كتاب الله لأخذنا الوقت كله، ولكن لعل في هذا تنبيه وكفاية.
• الحرص على مخالفة أهل السنة:
عن أبي عبد الله قال: [[ أيما رجل كان بينه وبين أخ له مماراة في حق، فدعاه إلى رجل من إخوانه –أي: من الشيعة- ليحكم بينه وبينه فأبى إلا أن يرافعه إلى هؤلاء –يعني: أهل السنة- كان بمنزلة الذين قال الله عز وجل فيهم: (( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ ))[النساء:60] ]]. هذا في الكافي الجزء السابع (ص:411).(31/407)
أما في غير الكافي مما يؤكد هذه القضية فعندهم ما جاء عن أبي عبد الله جعفر الصادق أنه قال: [[ إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فأعرضوهما على كتاب الله، فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فردوه، فإن لم تجدوا في كتاب الله فأعرضوهما على أخبار العامة –العامة هم أهل السنة، وانتبهوا ماذا يقول!- فما وافق أخبارهم فذروه، وما خالف أخبارهم فخذوه ]]. وهذا في الوسائل قلنا: الحرص على مخالفة أهل السنة وذكرنا رواية أبي عبد الله في الجزء السابع (ص: 411).
عن علي بن أسباط قال: قلت للرضا عليه السلام: [[ يحدث الأمر لا أجد بداً من معرفته، وليس في البلد الذي أنا فيه أحد أستفتيه من مواليك؟ قال: فقال عليه السلام: ائت فقيه البلد –يعني: من أهل السنة- فاستفته في أمرك، فإن أفتاك بشيء فخذ بخلافه، فإن الحق فيه ]] وهذا في بحار الأنوار في الجزء الثاني (ص:233) هذا الكلام هل يقوله عاقل فضلاً عن أن يقوله مسلم؟! ولذلك قال الخميني: وعلى أي حال لا إشكال في أن مخالفة العامة من مرجحات باب التعارض. وهذا قاله في الرسائل الجزء الثاني (ص:83).
• إثبات الأئمة الكذب والنفاق في الشيعة:
أما الكذب عندهم مما جاء في الكافي، قال جعفر الصادق: [[ رحم الله عبداً حببنا إلى الناس ولم يبغضنا إليهم، أما والله لو يروون محاسن كلامنا لكانوا به أعز، وما استطاع أحد أن يتعلق عليهم بشيء، ولكن أحدهم يسمع الكلمة فيحط عليها عشراً ]]. وهذا في الكافي الجزء الثامن (ص: 192).
وقال جعفر الصادق: [[ إن ممن ينتحل هذا الأمر ليكذب حتى إن الشيطان ليحتاج إلى كذبه ]]. وهذا في الجزء الثامن (212).
وأما خارج الكافي فهذا جعفر الصادق يقول: [[ لو قام قائمنا بدأ بكذابي الشيعة فقتلهم ]]. وهذا عند الكشي (ص:252).
وقال الباقر: [[ لو كان الناس كلهم لنا شيعة لكان ثلاثة أرباعهم لنا شكاكاً، والربع الآخر أحمق ]]. وهذا في رجال الكشي (ص:179).(31/408)
وقال جعفر الصادق: [[ ما أنزل الله آية في المنافقين إلا وهي فيمن ينتحل التشيع ]]. وهذا في رجال الكشي (ص:154).
وقال موسى الكاظم: [[ لو امتحنتهم –يعني: الشيعة- لما وجدتهم إلا مرتدين، ولو تمحصتهم لما خلص من الألف واحد ]] وهذا في فروع الكافي الجزء الثامن (107) وفروع الكافي يعني: غير الأصول؛ لأن الكافي هذا ينقسم إلى ثلاثة أقسام: إلى أصول وهما الجزء الأول والثاني، وإلى فروع وهي الأجزاء من الثالث إلى السابع، ثم الروضة وهي الجزء الثامن من الكافي، فأحياناً أنا أقول: الأصول أو الفروع أو الروضة فالقصد أن هذه هي كتبهم أصول وفروع وروضة.
والآن نبدأ بما في هذا الكتاب كما قلنا من المهازل والطامات التي لا يمكن أبداً أن يقبلها إنسان يلتزم بدين، ولا يقبل أبداً أن يكون هذا الكتاب هو أصح كتاب في هذا المذهب أو في هذا الدين أو في هذا المعتقد، إذا كان يقبل أن يكون هذا الكتاب عمدته وأن يكون مرجعه فعلى مثل هذا الإنسان السلام، وأنا كما قلت ما ذكرت كل شيء لأمور: أهمها ضيق الوقت، لا أعني وقتي أنا ولكن وقتكم أنتم، ولعل ما سأذكره طويل، ومع هذا لعله إن شاء الله تبارك وتعالى نفع وفائدة وعبرة لمن يعتبر.
روى الكليني في الكافي عن حبابة الوالدية، قالت: قلت لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: [[ ما دلالة الإمامة يرحمك الله؟ قال: ائتيني بتلك الحصاة، وأشار بيده إلى حصاة –حصاة صغيرة- تقول: فأتيته بها، فطبع لي فيها بخاتمه، ثم قال لي: يا حبابة! إذا ادعى مدعي الإمامة فقدر أن يطبع كما رأيتي –يعني: يطبع كما أطبع أنا- فهو إمام مفترض الطاعة، والإمام لا يعزب عنه شيء يريده ]] يعني: كل شيء يريده يستطيعه.(31/409)
قالت: فأتيت الحسن بن علي فطبع لي، ثم أتيت الحسين فطبع لي، قالت: ثم أتيت علي بن الحسين وقد بلغ بي الكبر إلى أن أرعشت، وأنا أعد يومئذٍ مائة وثلاث عشرة سنة، عمرها مائة وثلاث عشرة سنة، تقول: فرأيته راكعاً وساجداً ومشغولاً بالعبادة، فيئست من الدلالة، تقول: فأومأ إلي بالسبابة، أشار إليها بأصبعه السبابة، فعاد إلي شبابي، رجعت بنتاً، ثم طبع لها، ثم قالت: أتيت أبا جعفر محمد الباقر تقول: فطبع لي، ثم أتيت أبا الحسن موسى فطبع لي، ثم أتيت أبا عبد الله فطبع لي، ثم أتيت الرضا فطبع لي، هكذا تقول، وهذا في الكافي الجزء الأول (ص: 346).
عن أبي بصير قال: [[ دخلت على أبي عبد الله، فقلت: جعلت فداك، إني أسألك عن مسألة، هاهنا أحد يسمع كلامي؟ قال: فرفع أبو عبد الله ستراً بينه وبين بيت آخر، فاطلع فيه ثم قال: سل عما بدا لك، قال: قلت: جعلت فداك، إن شيعتك يتحدثون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علم علياً عليه السلام باباً يفتح منه ألف باب، قال: فقال: يا أبا محمد! علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علياً عليه السلام ألف باب يفتح من كل باب ألف باب، قال: قلت: هذا والله العلم، قال: فسكت ساعة ثم قال: إنه لعلم وما هو بذاك، ثم قال: يا أبا محمد! وإن عندنا الجامعة، وما يدريهم ما الجامعة! قال: قلت: جعلت فداك وما الجامعة؟ قال: صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإملائه من فرق فيه، وخط علي بيمينه، فيها كل حلال وحرام، وكل شيء يحتاج إليه الناس، حتى الأرش بالخدش –الذي هو التعويض- وضرب بيده إلي فقال: تأذن لي يا أبا محمد؟ قال: جعلت فداك إنما أنا لك فاصنع ما شئت، قال: فغمزني بيده، يعنيِ: ضربه بأصبعه بيده، وقال: حتى أرش هذه -يعني: موجود- قال: قلت: هذا والله العلم، قال: إنه لعلم ولي بذاك.(31/410)
ثم سكت ساعة ثم قال: وإن عندنا الجفر، وما يدريهم ما الجفر! قال قلت: وما الجفر؟ قال: إناء من أدم فيه علم النبييين والموصيين وعلم العلماء الذين مضوا من بني إسرائيل، قلت: إن هذا هو العلم، قال: إنه العلم وليس بذاك.
ثم سكت ساعة ثم قال: وإن عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام وما يدريهم ما مصحف فاطمة! قال: قلت: وما مصحف فاطمة؟ قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد، قال: قلت: هذا والله العلم، قال: إنه لعلم وما هو بذاك.
ثم سكت ساعة ثم قال: إن عندنا علم ما كان وعلم ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة، قال: قلت: جعلت فداك هذا والله العلم، قال: إنه لعلم وليس بذاك، قال: قلت: جعلت فداك فأي شيء العلم؟ قال: ما يحدث بالليل والنهار الأمر من بعد الأمر، والشيء من بعد الشيء إلى يوم القيامة ]]. وهذا في الجزء الأول (239).
وأقول بدون تعليق!!
• علامات الإمام عند الشيعة حين ولادته:
هذه رواية عن أبي جعفر محمد الباقر أنه قال: [[ للإمام عشر علامات يعرف بها الإمام:
أولاً: يولد مطهراً مختوناً، وإذا وقع على الأرض وقع على راحته يعني: على يديه، رافعاً صوته بالشهادتين أول ما يولد، لا يجنب، تنام عينه ولا ينام قلبه، لا يتثاءب، لا يتمطى، يرى من خلفه كما يرى من أمامه، نجوه –يعني: البراز- كرائحة المسك، والأرض موكلة بستره وابتلاعه، وإذا لبس درع رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت عليه وفقاً، وإذا لبسها غيره من الناس طويل أو قصير زادت عليه شبراً، وهو محدث إلى أن تنقضي أيامه ]]. وهذا في الجزء الأول (ص: 388).(31/411)
وعن إسحاق بن جعفر عن أبيه: [[ فإذا كانت الليلة التي تلد فيها –أي: أم الإمام- ظهر لها في البيت نور تراه، لا يراه غيرها إلا أبوه، فإذا ولدته –اسمعوا وعوا!- ولدته قاعداً، وتفتحت له حتى يخرج متربعاً، يستدير بعد وقوعه إلى الأرض فلا يخطئ القبلة حيث كانت، ثم يعطس ثلاثاً، ويشير بإصبعه بالتحميد، ويقع مسروراً مختوناً، ورباعيتاه أسنانه من فوق وأسفل، وناباه وضاحكاه موجودة، ومن بين يديه مثل سبيكة الذهب نور، ويقيم يومه وليلته تسيل يداه ذهباً ]].
قد سمعتم هذا؟ بماذا يذكركم هذا؟! أما ذكركم بالرسوم المتحركة؟!! ولذلك في روضة الواعظين في صفحة (84) لما ولد علي بن أبي طالب ذهب رسول الله إليه ولكنه رآه ماثلاً بين يديه، واضعاً يده اليمنى في أذنه اليمنى، وهو يؤذن ويقيم بالحنيفية، ويشهد بوحدانية الله وبرسالته، وهو موجود في ذلك اليوم، ثم قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أقرأ؟ فقال له: اقرأ، فقرأ التوراة والإنجيل والزبور والقرآن. طبعاً نسبه ... إبراهيم، والعجيب أن هذا قبل نزول القرآن!!
• الكسوف والخسوف الذي ذكره الأئمة:(31/412)
كذلك جاء في هذا الكتاب في حديث طويل أن علي بن الحسين قال: [[ فإذا كثرت ذنوب العباد وأراد الله أن يستعتبهم بآية من آياته أمر الملك الموكل في الفلك أو في الفَلَك أن يزيل الفلك الذي عليه مجاري الشمس والقمر والنجوم والكواكب، فيأمر الملك أولئك السبعين ألف ملك أن يزيلوه عن مجاريه، قال: فيزيلونه فتصير الشمس في ذلك البحر الذي يجري في الفلك، قال: فيطمس ضوؤها، ويتغير لونها، فإذا أراد الله أن يعظم الآية طمست الشمس في البحر على ما يحب الله أن يخوف خلقه بالآية، قال: وذلك عند انكساف الشمس، قال: وكذلك يفعل بالقمر، فإذا أراد أن يجليها أي: يردها إلى مجراها، أمر الملك الموكل بالفلك أن يرد الفلك إلى مجراه، فيرد الفلك فترجع الشمس إلى مجراها ]] هذا هو الكسوف والخسوف. وهذا في روضة الكافي يعني: في الجزء الثامن (ص:70).
هذا الكلام يذكرنا بما كان عند النصارى في أناجيلهم من أمور تخالف الواقع والحق، كقولهم أن الأرض مركز الكون كما في التوراة العهد القديم، وغير ذلك من الأمور التي لا يصدقها عاقل، ولما رأوا أن هذا الكلام يخالف العلم الذي توصلوا إليه كذبوا تلك الكتب وردوها، وعلموا أن هذا من وضع البشر، فتركوا ذلك الباطل وأخذوا الحق الذي وجدوه في العلم، ثم صارت لهم ردة فعل قوية فنبذوا الإنجيل كله حقه وباطله، والمحرفون ما خطر ببالهم أن العلم سيتطور حتى يصل إلى الكون فيفحمهم، وكذلك الحال بالنسبة للكليني وأصحابه الذين ألفوا هذه الكذبات؛ لأنه في ذلك الزمان ما كان يمكن لأحد أن يصل إلى مثل هذه المعلومات، فغروا أتباعهم عن الكون وما يحدث فيه، ولما تطور العلم تبين كذب ما لفقوه، ولكن لم رجع النصارى عن الباطل ولم يرجع الشيعة إلى الآن؟!! سؤال محير جداً لم أجد له جواباً، فلعل بعضكم أن يوجد هذا الجواب.(31/413)
وهذه من مهازل هذا الكتاب، روى الكليني عن أبي عبد الله قال: [[ ما في الفيل شيء إلا في البعوضة مثله، وفضل البعوض على الفيل بالجناحين ]] يعني: البعوضة فيها أشياء أكثر من الفيل كزيادة الجناحين! وهذا في الجزء الثامن (ص: 208).
• الزلازل وأسبابها:
عن أبي عبد الله: [[ أن الحوت الذي يحمل الأرض أسر في نفسه أنه إنما يحمل الأرض بقوته، فأرسل الله تعالى إليه حوتاً أصغر من شبر، وأكبر من فتر، فدخلت هذه الحوت –يعني: السمكة الصغيرة- في خياشيمه فصاعقه، فمكث بذلك –يعني: الحوت الكبير الذي يحمل الأرض- أربعين يوماً، ثم إن الله عز وجل رؤف به ورحمه، وأخرج ذلك الحوت الصغير، فإذا أراد الله عز وجل بأرض زلزلة بعث ذلك الحوت الصغير إلى الحوت الكبير الذي يحمل الأرض، فإذا رآه اضطرب فتزلزت الأرض ]] هذا علم جديد. وهذا في الجزء الثامن (ص212).
عن أبي عبد الله قال: [[ إن الريح مسجونة تحت هذا الركن الشامي –يعني: في الكعبة- فإذا أراد الله عز وجل أن يخرج منها شيئاً أخرجه إما جنوب فجنوب، وإما شمال فشمال، وصبا فصبا، ودبور فدبور، قال: من آية ذلك أنك لا تزال ترى هذا الركن متحركاً أبداً في الشتاء والصيف والليل والنهار ]]. هذا في الروضة الجزء الثامن (ص: 227). وما رأيناه متحركاً أبداً!!
• عقيدة الفداء عند الشيعة:
كلنا أو جلنا يعرف عقيدة خبيثة من عقائد النصارى وهي ما تسمى بعقيدة الفداء، يزعمون فيها أن عيسى فدى الناس بنفسه من خطيئة آدم، والأسف نجد أن هذه العقيدة موجودة عند الشيعة الإثني عشرية، روى الكليني في الكافي عن أبي الحسن موسى أنه قال: [[ إن الله عز وجل غضب على الشيعة فخيرني نفسي أو هم، فوقيتهم والله بنفسي ]]. وهذا في الجزء الأول (ص:260).
• الأئمة يعلمون علم ما يكون وما هو كائن:(31/414)
عن جعفر الصادق قال: [[ علينا عين –يقول لأصحابه- علينا عين لا أحد يرانا؟ قال سيف التمار: فالتفتنا يمنة ويسرة فلم نرى أحداً، فقلنا: ليس علينا عين، فقال:ورب الكعبة ورب البنية –يعني: الكعبة- ثلاث مرات لو كنت بين موسى والخضر لأخبرتهما أني أعلم منهما، ولأنبأتهما بما ليس في أيديهما، لأن موسى والخضر عليهما السلام أعطيا علم ما كان، ولم يعطيا علم ما يكون، وما هو كائن حتى تقوم الساعة، وقد ورثناه عن رسول الله وراثة ]]. وهذا في الجزء الأول (ص: 260).
• علي بن أبي طالب يخبر عن غيبة المهدي:
عن علي بن أبي طالب [[ أنه سئل عن مدة غيبة المهدي؟ فقال: ستة أيام، أو ستة أشهر، أو ست سنين ]] وهذا في الجزء الأول (338) هذا علي يقول عن غيبة المهدي، قلت: تدعي الشيعة أن المهدي دخل السرداب سنة ستين ومائتين، ونحن الآن في ثلاثة وعشرين وأربعمائة وألف، وبمسألة حسابية بسيطة يتبين لنا أنه مر على دخول السرداب ثلاث وستون ومائة وألف سنة، ويقول عنها أنها ست سنوات، وإلى الآن لم يخرج.
• فضل العمائم في كتاب الكليني!
روى الكليني كذلك في الكافي الجزء الأول (507) عن أبي هاشم الجعفري قال: [[ شكوت إلى أبي محمد عليه السلام الحاجة، يقول: فحك بسوطه الأرض، قال: وأحسبه غطاه بمنديل ورفع المنديل وأخرج خمسمائة دينار، فقال: يا أبا هاشم! خذ واعذرنا ]] ما شاء الله أئمة سحرة! والله ما كانوا كذلك ولكنهم يكذبون عليهم.
وهذا باب الفضائل، وهو باب عجيب في الفضائل، هذا فضل العمامة، عن أبي عبد الله قال: [[ من خرج من منزلة معتماً تحت حنكه يريد سفراً لم يصبه في سفره سرق ولا حرق ولا مكروه ]]. وهذا في الجزء الخامس (ص:461).
• فضل النعال في كتاب الكليني:(31/415)
اسمعوا فضل النعال، خاصة الذين يلبسون الأحذية في أوروبا وأمريكا! عن أبي عبد الله أنه قال لرجل: [[ مالك وللنعل السوداء! أما علمت أنها تضر بالبصر، وترخي الذكر، وهي بأغلى الثمن من غيرها، ما لبسها أحد إلا اختال فيها ]]. وهذا في الجزء السادس (ص:465).
وفي الصفحة نفسها عن حنان بن سدير قال: دخلت على أبي عبد الله وفي رجلي نعل سوداء، فقال: [[ يا حنان! مالك وللسوداء! أما علمت أن فيها ثلاث خصال، تضعف البصر، وترخي الذكر، وتورث الهم، قال: فقلت: فما ألبس من النعال؟ قال: عليك بالصفراء، فإن فيها ثلاث خصال: تجلو البصر، وتشد الذكر، وتدرأ الهم، وهي مع ذلك من لباس النبيين ]] أهذا يقوله أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم؟!!
عن أبي عبد الله أنه قال: [[ لبس الخف يزيد في قوة البصر ]] هذا ما عرفه الأطباء! وهذا في الجزء السادس (ص: 466)
وقال: [[ لبس الخف أمان من السل ]] في الصفحة نفسها، وقال: [[ إدمان الخف يقي ميتة السوء ]]. وهذا في الجزء السادس (ص:467).
هذا أصح كتاب عندهم وأحسن كتاب عندهم، ولم يؤلف في الإسلام مثله!!
• فضل الخضاب!
أما الخضاب فاسمعوا ماذا قالوا عن الخضاب، يعني: تخضيب اللحية أو الشعر بالحناء، عن رسول الله أنه قال: { إن في الخضاب أربع عشرة خصلة: يطرد الريح في الأذنين، ويجلو الغشاء عن البصر، ويلين الخياشيم، ويطيب النكهة، ويشد اللثة، ويذهب بالغشيان، ويقل وسوسة الشيطان، وتفرح به الملائكة، ويستبشر به المؤمن، ويغيظ به الكافر، وهو زينة، وهو طيب وبراءة في قبره، ويستحي منه منكر ونكير } هذا الخضاب. وهذا في الجزء السادس (ص: 482).
• الكافي وتقليم الأظفار:(31/416)
روى الكليني في الجزء السادس (ص: 491) عن أبي جعفر قال: [[ من أخذ من أظفاره وشاربه كل جمعة، وقال حين يأخذ: باسم الله وبالله، وعلى سنة محمد رسول الله، لم يسقط منه قلامة ولا جزازة إلا كتب الله له بها عتق نسمة، ولا يمرض إلا المرض الذي يموت فيه ]] وأيضاً جاء في الجزء السادس (ص:490) أنه قال: [[ تقليم الأظفار يوم الجمعة يؤمن من الجذام والبصر والعمى]].
• فضل الرمان:
في الكافي الجزء السادس (ص: 353) عن أبي عبد الله قال: [[ ما من رمانة إلا وفيها حبة من الجنة، فإذا أكلها الكافر بعث الله عز وجل إليه ملكاً فانتزعها منه ]] وفي الصفحة نفسها عن أبي عبد الله: [[ من أكل حبة من رمان أمرضت شيطان الوسوسة أربعين يوماً ]] يعني: الذي يأكل رمانة كاملة يصير نبياً. يقول في الصفحة نفسها: عن يزيد بن عبد الملك قال: بالله يا يزيد أيما مؤمن أكل رمانة حتى يستوفيها أذهب الله عز وجل الشيطان عن إنارة قلبه أربعين صباحاً، ومن أكل اثنتين أذهب الله عز وجل الشيطان عن إنارة قلبه مائة يوم، ومن أكل ثلاثاً حتى يستوفيها أذهب الله عز وجل الشيطان عن إنارة قلبه سنة، ومن أذهب الله الشيطان عن إنارة قلبه سنة لم يذنب، ومن لم يذنب دخل الجنة. هذا بالنسبة للرمان.
• أنهار كافرة وأنهار مؤمنة ولا ينتهي العجب!
روى الكليني في الكافي الجزء السادس (391) عن أبي الحسن عليه السلام قال: [[ نهران مؤمنان ونهران كافران: فأما المؤمنان فالفرات والنيل، وأما الكافران فدجلة ونهر بلخ ]] نسي المسسيبي وسيحان وجيحان فما أدري لعلها في منزلة بين المنزلتين!!(31/417)
انظروا ماذا يقول في هذا الكتاب وذلك في الجزء الثامن (ص: 239) عن مسألة خطيرة جداً مسألة تمس الأعراض، عن أبي جعفر محمد الباقر أنه قال: [[ والله يا أبا حمزة! إن الناس كلهم أولاد بغايا ما خلا شيعتنا ]] كل الناس أولاد زنا إلا الشيعة، ثم يشرح هذه الرواية في رواية أخرى في الجزء الخامس (ص: 502) عن أبي عبد الله قال: [[ إن الشيطان ليجيء حتى يقعد من المرأة كما يقعد الرجل منها، ويحدث كما يحدث، وينكح كما ينكح، قال أبو بصير: بأي شيء يعرف ذلك -بأي شيء نعرف أن الذي نكح هذه المرأة وجامعها الشيطان أو زوجها، كيف نعرف ذلك؟- قال: بحبنا وبغضنا، فمن أحبنا كان نطفة العبد، ومن أبغضنا كان نطفة الشيطان ]] نحن الآن لا نريد النطفة نريد يعني: حتى الشيطان جامع، يعني: من يؤمن بهذا الكتاب يعتقد أن الشيطان يجامع زوجته معه، لكن النطفة تخرج منه هو، لكن الشيطان يجامع والعياذ بالله؟! وهذا لا شك أنه لا يعتقده إلا إنسان فاجر.
• علاج من يعمل عمل قوم لوط:(31/418)
روى الكليني في الكافي في الجزء الخامس (ص: 550) عن عمر بن يزيد قال: كنت عند أبي عبد الله وعنده رجل، فقال له: [[ جعلت فداك، إني أحب الصبيان، فقال أبو عبد الله: فتصنع ماذا؟ قال: أحملهم على ظهري، فوضع أبو عبد الله يده على جبهته وولى وجهه عنه، فبكى الرجل، فنظر إليه أبو عبد الله كأنه رحمه فقال: إذا أتيت بلدك فاشتر جزوراً سميناً –جزوراً يعني: ناقة- واعقله عقالاً شديداً، وخذ السيف فاضرب السنام ضربة تقشر عنه الجلدة، واجلس عليه بحرارته ]] لأن هذا الإنسان مخنث يحب أن الصبيان يأتونه ويجامعونه مجامعة النساء والعياذ بالله! عند الشيعة، وإلا فالرجال ما يأتوا النساء في الدبر، الشاهد أنه يحب أن يأتيه الرجال في دبره، يجعلهم على ظهره، قال: خذ سيفاً واضرب سنام الجزور واقشر الجلدة ثم اجلس عليها بحرارتها، أي: حرارة جسد البعير، قال عمر: [[ فقال الرجل: فأتيت بلدي، فاشتريت جزوراً فعقلته -يعني: ربطته- عقالاً شديداً وأخذت السيف فضربت به السنام ضربة وقشرت عنه الجلد، وجلست عليه بحرارته، فسقط مني على ظهر البعير شبه الوزغ، أصغر من الوزغ وسكن ما بي ]] هذا كان داخل مكان ليس بطيب!! وهذا قلنا: في الجزء الخامس (550).
• بشارة من الكليني في الكافي للأكراد:
في الكافي الجزء الخامس (158) عن أبي الربيع الشافي قال: سألت أبا عبد الله فقلت: [[ إن عندنا قوماً من الأكراد، وإنهم لا يزالون يجيئون بالبيع فنخالطهم ونبايعهم –يعني: فيه مشكلة؟- فقال: يا أبا الربيع! لا تخالطوهم، فإن الأكراد حي من أحياء الجن، كشف الله عنهم الغطاء، فلا تخالطوهم ]] هذا بالنسبة للأكراد، هذه هدية من الكليني للأكراد.
• صفة خلق بنت آدم عند الشيعة:(31/419)
عن علي بن أبي طالب أنه قال: [[ يا أيها الناس! إن البغي -يعني: الظلم- يقود صاحبه إلى النار، وإن أول من بغى على الله عناق بنت آدم، فأول قتيل قتله الله عناق بنت آدم، وكان مجلسها جريداً في جريد، وكان لها عشرون إصبعاً، في كل إصبع ظفران مثل المنجلين، فسلط الله عليها أسداً كالفيل، وأسداً كالبعير، ونسراً كالبغل، فقتلنها، وقد قتل الله الجبابرة على أفضل أحوالهم وآمن ما كانوا ]].
لا شك أن هذه الحكاية تضحك الثكلى! وإذا كانت هذه بنت آدم وهذه صورتها لها عشرون إصبع! في الإصبع ظفران وكل ظفر مثل المنجلين! والمنجل الذي يقص به الزرع، إذا كان هذه بنت آدم فكيف تكون صورة آدم عليه السلام، والله تعالى يقول: (( لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ))[التين:4]؟!
ودارون يقول: أصل الإنسان كان قرداً، والشيعة يقولون: هذا شكل بنت آدم فمن نصدق الله أم دارون أم الشيعة؟!!
ودعوني أسألكم سؤالاً: إذا ولد للإنسان من امرأته توأم، وأحدهما خرج قبل أخيه بخمس دقائق، فيكنى بمن خرج قبل أم بمن خرج بعد، من يكون الأكبر الذي خرج قبل أم الذي خرج بعد يكون هو الأكبر؟
انظروا ماذا يقول:
روى الكليني في الكافي في الجزء السادس (ص: 53) أنه أصاب رجل غلامين في بطن، يعني: أمه، فهنأه أبو عبد الله، فقال: أيهما الأكبر؟ أبو عبد الله يسأل الرجل. فقال: الذي خرج أولاً، فقال أبو عبد الله: لا، الذي خرج آخراً هو الأكبر، أما تعلم أنها حملت بذاك أولاً، وأن هذا دخل على ذاك فلم يمكنه أن يخرج حتى خرج الذي قبله؟ يعني: الثاني دخل قبل فسكر عليه وطلع، فهذا موقف سيارات ليس رحم امرأة. يعني: هذه أشياء أنا حقيقة أقرؤها عليكم وتشمئز نفسي من قراءتها، لكن ما أدري ما أقول! وأنا أريد أن أحذر من هذا الكتاب حقيقة، ولا أدري كيف يقبل بعض العقلاء أن يكون هذا الكتاب هو أصح كتاب عندهم، يعني: إذا كان هذا أصح كتاب فماذا نقول عن بقية الكتب؟!(31/420)
• الطعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم!
اسمعوا هذه الرواية! وأنا أتوب إلى الله وأستغفره من هذه الرواية، عن أبي عبد الله قال: { أتى النبي رجل فقال: يا رسول الله! إنس أحمل أعظم ما يحمل الرجال -يعني: العضو التناسلي والعياذ بالله كبير!- فهل يصلح لي أن آتي بعض مالي من البهائم ناقة أو حمارة، فإن النساء لا يقوين على ما عندي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تبارك وتعالى لم يخلقك حتى خلق لك ما يحتملك من شكلك، فانصرف الرجل، ولم يلبث أن عاد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له مثل مقالته أول مرة -يعني: اشتكى مرة ثانية- فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأين أنت من السوداء العطنطة –طبعاً المعلق هنا علي أكبر الغفاري يقول: الطويلة العنق مع حسن القوام، يقول هكذا معنى العطنطة- قال: فانصرف الرجل فلم يلبث أن عاد فقال: يا رسول الله! أشهد أنك رسول الله حقاً، إني طلبت ما أمرتني به فوقعت على شكلي مما يحتملني، وقد أقنعني ذلك }.
أهكذا يقال عن رسول الله؟!
أليس هذا إسفافاً وطعناً؟!
أهكذا يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم والعياذ بالله؟! وهذه الرواية في الجزء الخامس (ص:336).
الرواية الثانية: اسمعوا أيضاً هذه الرواية القبيحة في الجزء الخامس (ص:496): عن إسحاق بن إبراهيم الجعفي قال: سمعت أبا عبد الله يقول: { إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخل بيت أم سلمة، فشم ريحاً طيبة، فقال: أتتكم الحولاء –امرأة-؟ فقالت: هي ذا تشكو زوجها –يعني: موجودة ولكن جاءت تشتكي من زوجها- فخرجت عليه الحولاء فقالت: بأبي أنت وأمي! –تقول للرسول صلى الله عليه وسلم- إن زوجي عني معرض –ما يأتيها ما يجامعها- فقال: زيديه يا حولاء –يعني: تعطري وتطيبي حتى يأتيك- قالت: ما أترك شيئاً طيباً مما أتطيب له به وهو معرض عني.
انظروا ماذا قال صلى الله عليه وسلم؟!!(31/421)
قال: أما لو يدري ما له بإقباله عليك، قالت: وما له بإقباله عليَّ؟ قال: أما إنه إذا أقبل اكتنفه ملكان –يعني: جاء يجامع ومعه ملكان- فكان كالشاهر سيفه في سبيل الله، فإذا هو جامع تحات عنه الذنوب كما يتحات ورق الشجر، فإذا هو اغتسل انسلخ من الذنوب } الله المستعان!!
يعني: من الطرائف أنني سمعت بعض المشايخ يذكر هذه الرواية، ثم علق عليها بقوله: هذا يقوله رسول الله؟! هذا ما يقول إلا رجل قاعد وعنده بطلين عرق، ويتكلم مثل هذا الكلام، لا يمكن أن يخرج هذا الكلام من فيِّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبداً.
• دواء السعال:
عن أبي عبد الله قال: [[ المرأة الجميلة تقطع البلغم، والمرأة السوداء تهيج المرة السوداء ]] هذا في الجزء الخامس (ص:336) مع الاعتذار للسود، والاعتذار ليس مني، وإنما من الكليني لأني ما لي ذنب، فناقل الكفر ليس بكافر.
كذلك يروون أن النبي صلى الله عليه وسلم واستمعوا لهذا الكلام! هل يمكن أن يخرج مثل هذا الكلام من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! بل هل يمكن أن يخرج هذا الكلام من رجل صالح؟! [[ كان النبي إذا أراد أن يخطب امرأة –يعني: يتزوج امرأة- أرسل من يخطبها، وقال للمبعوثة –التي تخطب له- شمي ليتها، يعني: صفحة الرقبة، فإن طيب ليتها طيب عرفها، وانظري كعبها، فإن درم كعبها عظم كعثبها ]] وهذا في الجزء الخامس (ص:335) تدرون ما هو الكعثب؟! الكعثب الفرج، أيقول رسول الله هذا للخاطبة! امرأة تريد أن تخطب له يقول: اذهبي انظري المرأة وكذا.. فإذا كعبها زين فإن فرجها زين! أيقول مثل هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم! أيقبل هذا الشيعة والعياذ بالله؟!!
• حث الأئمة على الدعارة والفساد بزعم الشيعة:
عن أبي عبد الله قال: [[ تزوج اليهودية والنصرانية أفضل من أن تتزوج الناصبية ]] والناصبية يعني: السنية. وهذا في الجزء الخامس (ص:351).(31/422)
وعن أبي عبد الله أنه قال: [[ إذا زوج الرجل عبده أمته ثم اشتهاها ]] مصيبة! يعني: رجل عنده عبد وأمة، زوجهما من بعض، ثم هذا الرجل اشتهى هذه الأمة، يقول: [[ ثم اشتهاها قال للعبد: اعتزلها، فإذا طمثت وطئها، ثم يردها عليه إذا شاء ]]. وهذا في الجزء الخامس (ص:481).
عن محمد الباقر قال: [[ إن فيما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً أنه قال: يا علي! لا تجامع أهلك في أول ليلة من الهلال، ولا في ليلة النصف، ولا في آخر ليلة، فإنه يتخوف على ولد من يفعل ذلك الخبل ]]. وهذا في الجزء الخامس (ص:499).
عن صفوان بن يحيى قال: قلت للرضا: [[ إن رجلاً من مواليك أمرني أن أسألك عن مسألة هابك واستحيا منك أن يسألك، قال: وما هي؟ قلت: الرجل يأتي امرأته في دبرها؟ قال: ذلك له، قال: قلت له: فأنت تفعل ذلك؟ قال: إنا لا نفعل ذلك ]]. وهذا في الجزء الخامس (ص:540).
عن أبي عبد الله قال: [[ لا بأس أن ينام الرجل بين أمتين وحرتين، إنما .............. ]] يعني: عورات تكشف إسفاف ما بعده إسفاف! ودعارة ما بعدها دعارة! النساء متعريات ورجل بينهن والعياذ بالله. وهذا في الجزء الخامس (ص:560).
عن أبي عبد الله قال: [[ إن جبريل هبط على النبي صلى الله عليه وسلم بصحفة من الجنة فيها هريسة، فقال: يا محمد! هذه عملها لك الحور العين فكلها أنت وعلي وذريتكما، فإنها لا يصلح أن يأكلها غيركم، فجلس رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين فأكلوا، وأعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم في المباضعة من تلك الأكلة قوة أربعين رجلاً، فكان إذا شاء غشي نساءه كلهن في ليلة واحدة ]]. وهذا في الجزء الخامس (ص:565).
وحتى نلطف الجو نذكر لكم هذه الطرفة من الكافي وما أكثر طرائفه:
• طعن الشيعة في آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم:(31/423)
عن أبي عبد الله قال: [[ إن رجلاً أتى بامرأته إلى عمر، فقال: إن امرأتي هذه سوداء، وأنا أسود، وإنها ولدت غلاماً أبيض ]] يعني: يشتكي يقول: امرأتي سوداء وأنا أسود والولد أبيض.. كيف؟ يقول: [[ وإنها ولدت غلاماً أبيض؟ فقال لمن بحضرته: ما ترون، ما رأيكم؟ فقالوا: نرى أن ترجمها –هذا عمر يعني، قال للناس: ما رأيكم؟ فقالوا: ترجمها- فإنها سوداء وزوجها أسود وولدها أبيض، قال: فجاء أمير المؤمنين عليه السلام وقد وجه بها لترجم، فقال: ما حالكما؟ -يعني: يقول للمرأة والرجل- فحدثاه، فقال للأسود –يعني: للرجل الأسود-: أتتهم امرأتك؟ قال: لا، قال: فأتيتها وهي طامث؟ -يعني: وهي حائض- قال: قد قالت لي في ليلة من الليالي: إني طامث، فظننت أنها تتقي البرد -يعني: ما تريد تغتسل- فوقعت عليها، فالتفت للمرأة وقال لها: هل أتاك وأنت طامث؟ قالت: نعم، سله قد حرجت عليه وأبيت –يعني: قلت له: لا تأتيني أنا طامث حائض لا تجامعني- قال: فانطلقا –براءة- فإنه ابنكما، وإنما غلب الدم النطفة فابيض، ولو قد تحرك اسود، فلما أيفع اسود ]] يقول: هذا ولد لأنه جاءها في آخر الطمث فالدم يصير مصوفراً، فالكدرة هذه والصفرة تكون آخر الحيض، فهو جامعها في هذا الوقت، فجاء الولد أبيض، فأنتم اصبروا عليه حتى يكبر وسيرجع أسود، يقول: (فلما أيفع اسود) لما صار شاباً رجع أسود.
لكن هذا المشكلة وهي: أن الحائض لا تحمل، ما طرأ هذا على الكليني!!!
عن أبي عبد الله قال: [[ إن الحسن قال: إن لله مدينتين ]] وهذه أيضاً من الطرائف، ونحن ما قصدنا الطرائف، لكن قصدنا أن هذه الأخبار تافهة، كيف تكون في أصح كتاب عندهم لم يؤلف في الإسلام كتاب يوازيه أو يدانيه؟؟! وأنا في رأيي: أنه في غير الإسلام أيضاً ألف كتاب يوازيه أو يدانيه!!(31/424)
عن أبي عبد الله قال: [[ إن الحسن قال –الحسن بن علي بن أبي طالب-: إن لله مدينتين، إحداهما بالمشرق والأخرى بالمغرب عليهما سور من حديد، وعلى كل واحد منهما ألف ألف مصراع، وفيهما سبعون ألف ألف لغة ]] يعني: كل مدينة من هذه المدن فيها ألف ألف لغة، معناه: سبعون مليون لغة [[ يتكلم كل أهل لغة بخلاف لغة صاحبها ]] يعني: سبعون مليون لغة كل لغة غير الثانية تماماً، يقول: [[ وأنا أعرف جميع اللغات وما فيهما وما بينهما ]] أي: ما في هاتين المدينتين، وما بينهما [[ وما عليهما حجة غيري وغير الحسين أخي ]]. وهذا في الجزء الأول (462).
طرفة أخرى:
عن محمد بن مسلم قال: [[ كنت عند أبي جعفر يوماً إذا وقع زوج ورشان ]] –طيور، الورش طير- يقول: [[ وقع زوج ورشان على الحائط، وهدلا هديلهما –يعني: صوتا بصوتيهما- يقول: فرد عليهما أبو جعفر كلامهما ساعة ]] صار حديث الآن بين الطيور وبين أبي جعفر محمد الباقر برأه الله من هذا الكلام.
يقول: [[ ثم نهضا، فلما طارا على الحائط هدل الذكر على الأنثى ساعة، ثم نهضا فقلت: جعلت فداك ما هذا الطير؟ قال: يا ابن مسلم! كل شيء خلقه الله من طير أو بهيمة أو شيء فيه روح فهو أسمع لنا وأطوع من ابن آدم، إن هذا الورشان ظن بامرأته –اتهم زوجته يعني: الطيور الذكر والأنثى كالرجل والزوجة- فحلفت له ما فعلت –قالت له: والله أنا بريئة، والله إنك ظالمني- فحلفت له ما فعلت، فقالت له: ترضى بمحمد بن علي حكماً بيننا؟ قال: فرضي بي، فأخبرته أنه لها ظالم فصدقها ]]. وهذا في الجزء الأول (ص:471).
فالحمد لله وله المنة فربما ضاعت أنساب الطيور الآن.
هذا الطعن في آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، بل وفي الناس كلهم:
قال أبو عبد الله: [[ نحن وبنو هاشم وشيعتنا العرب وسائر الناس أعراب ]]. وهذا في الجزء الثامن (ص:147).(31/425)
وهذا موسى الكاظم يقول: [[ الناس ثلاثة: عربي ومولى وعلج، فنحن العرب، وشيعتنا الموالي، ومن لم يكن على ما نحن عليه فهو علج، فقال له رجل من قريش: تقول هذا يا أبا الحسن فأين أفخاذ قريش والعرب؟ قال أبو الحسن: هو ما قلت لك ]]. وهذا في الجزء الثامن (ص:190).
هذا في الجزء السادس من الكافي في (ص: 497) يقول: عن عبيد الله الدابغي قال: دخلت حماماً بالمدينة، فإذا شيخ كبير وهو قيم الحمام، فقلت: يا شيخ! لمن هذا الحمام؟ قال: لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين عليهما السلام، فقلت: كان يدخله؟ قال: نعم، قلت: كيف كان يصنع؟ قال: كان يدخل فيبدأ فيطلي عانته وما يليها، ثم يلف على طرف إحليله –يعني: رأس الذكر- ويدعوني فأطلي سائر بدنه، فقلت له يوماً من الأيام: الذي تكره أن أراه قد رأيته –يعني: رأيت عورتك- قال: كلا، إن النورة سترته) يعني: الجبس الذي يوضع على الجسد والذي يلفه على إحليله والله المستعان!
وعن أبي الحسن الرضا قال: [[ العورة عورتان: القبل والدبر –يعني: الفخذ عادي، فالذي يلبس مايوه يغطي القبل والدبر يكفي هكذا فهمتم؟ أنا هكذا فهمت، لكن فهمي خطأ طبعاً، لماذا؟ قال: (أما الدبر فمستور بالأليتين) يعني: الدبر ما فيه حرج فهو مستور بالإليتين يقول: (فإذا سترت القضيب والبيضتين فقد سترت العورة ]]. وهذا في الجزء السادس (ص:501).
• إباحة النظر إلى عورات الآخرين!
عن أبي عبد الله أنه قال: [[ النظر إلى عورة من ليس بمسلم مثل نظرك إلى عورة الحمار ]]. وهذا في الجزء السادس (ص:501). يعني: عورات غير المسلمين يجوز النظر إليها ما فيه حرج كما ينظر الإنسان إلى الحمار!(31/426)
ومن طعنهم أيضاً في آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما رووه عن جعفر الصادق أنه قال عن تزويج أم كلثوم بنت علي لعمر قال: [[ إن ذلك فرج غصبناه ]] وهذا في الجزء الخامس (ص:346). وفي رواية أخرى: [[ أنه لما خطب عمر أم كلثوم بنت علي قال له أمير المؤمنين: إنها صبية يعني: صغيرة، فلقي عمر العباس، فقال له: ما لي، أبي بأس؟ قال: وما ذاك؟ قال: خطبت إلى ابن أخيك فردني، أما والله لأغورن زمزم، ولا أدع لكم مكرمة إلا هدمتها، ولأقيمن عليه شاهدين –يعني: علي- بأنه سرق، ولأقطعن يمينه، فأتاه العباس فأخبره وسأله أن يجعل الأمر إليه، فجعله إليه ]]. وهذا في الصفحة نفسها والجزء نفسه.
• ضياع الشيعة قبل وجود الباقر:
عن أبي عبد الله قال: [[ كانت الشيعة قبل أن يكون أبو جعفر وهم لا يعرفون مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم، حتى كان أبو جعفر، ففتح لهم وبين لهم مناسك حجهم، وحلالهم وحرامهم ]]. الجزء الثاني (ص:20) وقبل أبي جعفر علي بن الحسين والحسن والحسين وعلي بن أبي طالب فهؤلاء ماذا كانوا يفعلون؟! لا أدري!
وهذا السدير الصيرفي يقول: عن أبي عبدالله أنه قال له: [[ والله يا سدير! لو كان لي شيعة بعدد هذه الجداء –الجداء: التيوس- ما وسعني القعود، قال السدير: فنزلنا وصلينا، فلما فرغنا من الصلاة عطفت على الجداء فعددتها فإذا هي سبعة عشر فقط ]]. وهذا في الجزء الثاني (ص:243).
وهذا في الجزء الرابع (ص:185) عن أبي عبد الله أنه قال: [[ كان الحجر –يعني: الأسود- ملكاً من عظماء الملائكة عند الله ]].
وهذا أيضاً في الحج يقول: [[ المحرم –وانظروا إلى الفقه الأعوج - يمسك أنفه عن الريح الطيبة –ما يجوز إذا مر بريح طيبة ولا يمسك أنفه من الريح المنتنة ]]. وهذا في الجزء الرابع (ص:354) عذاب عذبوا أنفسهم به.(31/427)
وهذه رواية يرويها الكليني عن أبي عبد الله، ومشكلة الكليني أنه كان في زمن قديم، لو كان إلى الآن ممكن تكون كذبات على مستوى رفيع، يقول: عن أبي عبد الله قال: [[ إن للرحم أربعة سبل، أي سبيل سلك منه الماء كان منه الولد، واحد واثنان وثلاثة وأربعة، ولا يكون إلى سبيل أكثر من واحد ]] وقد حصلت واقعة ولاد، أمرأة في الكويت ولدت تسعة توائم، فهذه ما أظن أنها مرت على الكليني.
• اسمعوا هذه المهازل:
عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: [[ الفيل مسخ -لماذا؟- قال: كان ملكاً زناءً، والذئب مسخ -لماذا؟- كان أعرابياً ديوثاً، والأرنب مسخ -لماذا؟- كانت امرأة تخون زوجها، ولا تغتسل من الحيض، والوطواط مسخ، كان يسرق تمور الناس، والقردة والخنازير قوم من بني إسرائيل اعتدوا في السبت، والجريت والضب فرقة من بني إسرائيل لم يؤمنوا حيث نزلت المائدة على عيسى ابن مريم فتاهوا فوقعت فرقة في البحر وفرقة في البر، والفأر هي الفويسقة، والعقرب كان نماماً، والدب والزنبور كان لحماً يسرق في الميزان ]] في الأربعاء الجاي إن شاء الله تجيبوا لنا الأسد والنمر إن شاء الله والثعلب وانظروا ماذا كانوا على أساس ننظر هؤلاء مسخ من أين.
** أكل الكباب يذهب الصفرة من الوجه!!
الكافي أيضاً يذكر لنا قضايا غريبة، يقول: عن موسى قال: قال لي أبو الحسن الأول: [[ ما لي أراك مصفراً؟ قلت له: وعك أصابني، فقال لي: كل اللحم، فأكلته، ثم رآني بعد جمعة وأنا على حالي مصفراً، فقال لي: ألم آمرك بأكل اللحم؟ قلت: والله ما أكلت غيره منذ أمرتني، قال: كيف تأكله؟ قلت: طبيخاً، قال: لا، كله كباباً، فأكلته ثم أرسل إلي ودعان بعد الجمعة فإذا الدم قد عاد في وجهي، فقال: الآن نعم ]].
** إبليس أول من بايع أبا بكر على المنبر!(31/428)
وهذا في الجزء الثامن أيضاً من الطرائف المحزنة المبكية المضحكة في نفس الوقت، هذا علي يقول لسلمان الفارسي رضي الله عنهما: [[ يا سلمان! هل تدري من أول من بايع أبا بكر على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: لا أدري، إلا أني رأيت في ظلة بني ساعدة حين خصمت الأنصار، وكان أول من بايعه بشير بن سعد وأبو عبيدة بن الجراح ثم عمر، ثم سالم، قال: لست أسألك عن هذا، ولكن: تدري أول من بايعه حين صعد على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: لا، ولكني رأيت شيخاً كبيراً متوكئاً على عصاه بين عينيه سجادة شديد التشمير، صعد إليه أول من صعد، وهو يبكي ويقول: الحمد لله الذي لم يمتني من الدنيا حتى رأيتك في هذا المكان ابسط يدك، ثم نزل فبايعه، ثم نزل فخرج من المسجد، فقال علي عليه السلام: أتدري من هو؟ قلت: لا، ولقد ساءتني مقالته كأنه شامت برسول الله صلى الله عليه وسلم ]]. وهذا في الجزء الثامن (ص:284).
سؤال: من هو هذا؟
إبليس! نعم يقصد أنه هو أول من بايع أبا بكر الصديق.
** توزيع الأخلاق على أعضاء الأجسام!
عن أبي عبد الله قال: [[ الحزم في القلب، والرحمة والغلظة في الكبد، والحياء في الرئة ]]. الجزء الثامن (ص:165).
** الله هو الذي سمى الرافضة بهذا الاسم!!!
وهذا في الجزء الثامن (ص: 28) أنه قال أبو بصير لجعفر الصادق: [[ جعلت فداك! فإنا قد نبذنا نبذاً انكسرت له ظهورنا، وماتت له أفئدتنا، واستحلت له الولاة دماءنا في حديث رواه له فقهاؤهم، قال: فقال أبو عبد الله: الرافضة –يعني: اسم الرافضة هو الذي يضايقكم؟- قال: قلت نعم، قال: لا والله ما هم سموكم الرافضة، ولكن الله سماكم به، أما علمت يا أبا محمد أن سبعين رجلاً.. ]] قصة طويلة، الشاهد أن الله هو الذي سماهم الرافضة، يعني: رفضوا الباطل هذه ترقيعة.
** طين مصر يورث الدياثة!(31/429)
وهذه رسالة إلى المصريين الشيعة أو إلى المصريين السنة المتعاطفين مع الشيعة، يقولون: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { لا تغسلوا رءوسكم بطين مصر، فإنه يذهب بالغيرة ويورث الدياثة } طين مصر يذهب بالغيرة ويورث الدياثة! في الجزء السادس (ص:501).
** الصفات المشتركة بين الديكة والأنبياء!!
قال أبو عبد الله: [[ الديك الأبيض صديقي وصديق كل مؤمن ]] وهذا في الجزء السادس (ص:550) وقال كذلك في الجزء السادس (ص:550) انظروا إلى هذه المقارنة الجميلة، قال: [[ في الديك خمس خصال من خصال الأنبياء: السخاء، والشجاعة، والقناعة، والمعرفة بأوقات الصلوات، وكثرة الطروقة، والغيرة ]] هذه صفات الديك.
إذاً: الصفات المشتركة بين الديكة والأنبياء: سخاء! شجاعة! قناعة! معرفة بأوقات الصلوات! كثرة الطروقة والغيرة! الطروقة يعني: الجماع.
هذه عن أبي عبد الله قال: [[ القليل يبدءون الكثير بالسلام ]] أظن ما في إشكال في هذه، وهذا حق أن القليل يبدءون الكثير بالسلام زيادة [[ والراكب يبدأ الماشي ]] معقول أيضاً الراكب يبدأ الماشي بالسلام، قال: [[ وأصحاب البغال يبدءون أصحاب الحمير، وأصحاب الخيل يبدءون أصحاب البغال ]] ولكم أن تعلقوا بعد ذلك: المرسيدس يسلمون على البي إم! وهكذا.
** الحسين أرضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم!!
من الأخبار الطريفة المضحكة المبكية:
عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: [[ لم يرضع الحسين من فاطمة، ولا من أنثى، كان يؤتى به النبي صلى الله عليه وسلم فيضع إبهامه في فيه، فيمص منها ما يكفيه لليومين والثلاث، فنبت لحم الحسين من لحم رسول الله ودمه ]]. وهذا في الجزء الأول (ص:465).
إذاً: من الذي أرضع الحسين؟ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أبو طالب أرضع النبي صلى الله عليه وسلم من ثديه!!
الطامة:(31/430)
عن أبي عبد الله قال: [[ لما ولد النبي صلى الله عليه وسلم مكث أياماً ليس له لبن، فألقاه أبو طالب على ثدي نفسه، فأنزل الله فيه لبناً، فرضع منه أياماً حتى وقع أبو طالب على حليمة السعدية فدفعه إليها ]]. الجزء الأول (ص:448).
يا جماعة الخير! ما هذا الكلام! أبو طالب هو الذي أرضع النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون علي عماً لفاطمة، كيف تزوجها؟ إسفاف! هذا أحسن كتاب في الدنيا، لم يؤلف كتاب في الإسلام كتاب يوازيه أو يدانيه والعياذ بالله!!
** تكفير من عدا الشيعة:
عن الرضا قال: [[ ليس على ملة الإسلام غيرنا وغير شيعتنا ]]. وهذا في الجزء الأول (ص:223).
عن أبي عبد الله قال: [[ إن الملائكة سألت الله في نصرته –أي: الحسين- فأذن لها، ومكثت تستعد للقتال وتتأهب لذلك حتى قتل ]] يعني: هي تستعد وقتل الحسين وهي ما انتهت من الاستعداد، فنزلت وقد انقطعت مدته وقتل، [[ فقالت الملائكة: يا رب! أذنت لنا في الانحدار، وأذنت لنا في نصرته، فانحدرنا وقد قبضته –يعني: ما أدركناه، ما لحقناه- فأوحى الله إليهم: أن الزموا قبره حتى تروه قد خرج، فانصروه وابكوا عليه، وعلى ما فاتكم من نصرته، فإنكم قد خصصتم بنصرته والبكاء عليه، فبكت الملائكة تعزياً وحزناً على ما فاتهم من نصرته، فإذا خرج يكونون أنصاره ]]. وهذا في الجزء الأول (ص:283).
لكن المشكلة الآن الملائكة تفرقوا، بعضهم ذهب مصر، وبعضهم ذهب سوريا، وبعضهم ذهب العراق، وبعضهم سمعت الآن في أفغانستان أن فيه قبر للحسين، فما يدرون أين قبر الحسين الآن!!!
** فضل زيارة قبل الحسين يوم عرفة!!
عن أبي عبد الله قال: [[ إن المؤمن إذا أتى قبر الحسين يوم عرفة -ما فيه حج.. إلى قبر الحسين- واغتسل من الفرات، ثم توجه إليه كتب الله له بكل خطوة حجة بمناسكها ولا أعلمه إلا قال: وغزوة ]] الراوي دقيق في هذه الرواية!! هذا في الجزء الرابع (ص:580).
** زيارة الله وملائكته لقبر الحسين!!
الطامة:(31/431)
عن يونس القسري قال: [[ دخلت المدينة فأتيت أبا عبد الله قلت: جعلت فداك! أتيتك ولم أزر أمير المؤمنين –يعني: في قبره- قال: بئس ما صنعت، لولا أنك من شيعتنا ما نظرت إليك، ألا تزور من يزوره الله مع الملائكة، ويزوره الأنبياء ويزوره المؤمنون ]]. الجزء الرابع (ص:580).
الله يزور قبر عليه والعياذ بالله!!
وهذا موقفهم من أهل السنة بشكل عام عن خالد القلالسي، قال: [[ قلت لأبي عبد الله: ألقى الذمي فيصافحني ماذا أصنع؟ قال: امسحها بالتراب وبالحائط، قال: قلت: فالناصب؟ قال: اغسلها ]] وعن أبي عبد الله: [[ أنه كره سؤر ولد الزنا، وسؤر اليهودي والنصراني والمشرك، وكل من خالف الإسلام، وكان أشد ذلك عنده سؤر الناصب ]]. وهذا في الجزء الثالث (ص:11).
وعن أبي عبد الله قال: [[ لا تغتسل في البئر التي تجتمع فيها غسالة الحمام، فإن فيها غسالة ولد الزنا، وهو لا يطهر إلا سبعة آباء، وفيها غسالة الناصب وهو شرهما، إن الله لم يخلق خلقاً شراً من الكلب، وإن الناصب أهون على الله من الكلب ]]. وهذا في الجزء الثالث (ص:14).
إننا في مثل هذه الروايات لا نتهم أهل البيت لا شك في ذلك، بل ندافع عن أهل البيت عن هذا الإسفاف الذي ينسبه إليهم أمثال الكليني وغيره.
عن أبي عبد الله قال: [[ أهل الشام شر من أهل الروم، وأهل المدينة شر من أهل مكة، وأهل مكة يكفرون بالله جهرة ]] وهذا في الجزء الثاني (409) وفي الصفحة التي بعدها يقول: [[ إن أهل المدينة أخبث من أهل مكة أخبث منهم سبعين ضعفاً ]] هكذا يقولون عن أنصار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعن الذين هاجروا في سبيل الله عز وجل!
• موقف الشيعة من الصحابة!(31/432)
أما الصحابة فحدث ولا حرج، فهذا الكليني في الروضة يعني: في الجزء الثامن (ص:193) يروي عن أبي عبد الله جعفر الصادق أنه قال: [[ لله قباب كثيرة، ألا إن خلف مغربكم هذا تسعة وثلاثون مغرباً، أرضاً بيضاء مملوءة خلقاً، يستضيئون بنوره، لم يعصوا الله طرفة عين، ما يدرون خلق آدم أو لم يخلق ]] إذاً: ما هؤلاء تسعة وثلاثون مغرباً، كلها مملوءة خلقاً؟! نحن مغرب واحد، وهؤلاء التسعة والثلاثون مغرباً، يعني: أكثر منا بكثير، يقول: ما يدرون خلق آدم أو لم يخلق؟!
ثم قال: [[ يبرءون من فلان وفلان ]] يعنون: أبا بكر وعمر. هذا في الكافي في الروضة الجزء الثامن (ص:193)، ولكن للإضافة فقط نذكر هذا من الأنوار النعمانية لنعمة الله الجزائري يقول: (قد وردت في أخبار الخاصة -يعني: الشيعة- أن الشيطان يغل بسبعين غلا ًمن حديد جهنم، ويساق إلى المحشر فينظر ويرى رجلاً أمامه يقوده ملائكة العذاب، وفي عنقه مائة وعشرون غلاً من أغلال جهنم) هل هو فرعون، أم أبو جهل، أم أبو لهب، أم النمرود؟!
قال: (فيدنو الشيطان إليه، فيقول: ما فعل الشقي حتى زاد علي في العذاب، وأنا أغويت الخلق وأوردتهم موارد الهلاك؟! قال: فيقول عمر: ما فعلت شيئاً سوى أني غصبت خلافة علي بن أبي طالب) صار عمر هذا الرجل! وهذا أيضاً الجزائري يقول: (إن عمر كان مصاباً بداء في دبره لا يهدأ إلا بماء الرجال). وهذا في الأنوار النعمانية الجزء الأول (ص:63) والرواية الأولى في الأنوار النعمانية الجزء الأول (ص:81).(31/433)
وهذه رواية أيضاً خارج الكافي -بعض تكفيرات الصحابة عندهم- عن علي قال: [[ ألا إن أئمة الكفر خمسة: طلحة والزبير ومعاوية وعمرو بن العاص وأبو موسى الأشعري ]] وهذا في الشافي للإمام المرتضى (ص:287) وقالوا: (إن أم طلحة بن عبيد الله كانت لها راية بمكة، وإنها استبضعت بأبي سفيان فوقع عليها، وتزوجها عبيد الله والد طلحة، فجاءت بطلحة لستة أشهر، فاختصما فاختارت عبيد الله). وهذا في الأنوار النعمانية الجزء الأول (ص:65).
وقالوا عن علي بن أبي طالب أنه قال لسعد بن أبي وقاص: [[ ما في رأسك ولحيتك شعرة إلا وفي أصلها شيطان جالس ]]. وهذا في الأمالي للصدوق (ص:133).
أخيراً نقول: هذه كلمة أوجهها لمن ينتسب إلى هذا الدين: الذي نقلت عنه مثل هذا الإسفاف ومثل هذا الخبث ينتسب إلى هذا الدين، ويعتقد أنه من عند الله تبارك وتعالى، ويدين بأن هذا الكتاب هو أصح كتاب عندهم، وليس له أن يدين غير ذلك؛ لأنه بإجماع الشيعة أنه ليس عندهم كتاب مثل هذا الكتاب أبداً، بل هذا أصح كتاب عندهم على الإطلاق، وإن كان الكلام الذي يدور بينهم: هل هو صحيح كله أو بعضه صحيح وبعضه ضعيف؟! ولكن في النهاية هم متفقون أنه أصح كتبهم، ونجد فيه مثل هذا الكلام! هل تقبل أن تكون في دين هذا هو مرجعك الأول والأخير، وهذا هو أصح كتاب عندك؟؟!(31/434)
فنقول: اتقوا الله سبحانه وتعالى، والرجوع إلى الحق لا شك أنه أفضل وأعظم من التمادي في الباطل، وأنا والله الذي لا إله إلا هو كما أني سعيد بأن يعرف الناس ما في هذا الكتاب من باطل وضلال إلا أني كذلك حزين بما ألقيته على آذنكم من كلام تشمئز منه النفوس الطاهرة الطيبة أن تسمع مثل هذا الكلام، وأن ينسب مثل هذا اللغط إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإلى أئمة أهل البيت رضوان الله تبارك وتعالى عليهم، وأسأل الله تبارك وتعالى أن يرينا جميعاً الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
إن كان هناك إفادات أو ملاحظات فأنا على أتم الاستعداد لسماعها، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأسئلة:
** حكم أذان الشيعة وطرح أحمد الدعيج في التاريخ:
السؤال: ما رأيك في أذان الشيعة هل هو صحيح؟
والسؤال الثاني: وما رأيك في الشيخ أحمد يوسف الدعيج، في التاريخ العثماني، بارك الله فيك؟
الجواب: بالنسبة لأذان الشيعة لا شك أنه فيه هذه الزيادة هي: أشهد أن علياً ولي الله، وكذلك زيادة: حي على خير العمل، هذه كلها زيادات باطلة لم تثبت، بل حتى الشيعة أنفسهم يقولون: إنها تذكر استحباباً ولا يجوز أن تعتبر من الأذان، وإنما هي عناد لأهل السنة، حسبما أفهم أنا من كلامهم، ولكن هم ينصون ويصرحون أنها ليست من الأذان، ومن اعتقد أنها من الأذان بطل أذانه، هكذا يقولون.
أما بالنسبة لأحمد هو الدعيج جيد إن شاء الله تعالى نحسبه كذلك والله حسيبه، رجل ما شاء الله متمكن من التاريخ، وطرحه جيد، وما شاء الله معلومات طيبة جداً في التاريخ، وأنا أتكلم طبعاً عن التفصيلات الدقيقة التي ذكرها، ولكن هو من أهل هذا الشأن، وهو له كلام طيب في هذا الموضوع، وأنا أنصح بالاستماع إليه حقيقة.
** حقيقة مصحف فاطمة عند الشيعة:(31/435)
السؤال: بسم الله الرحمن الرحيم، الله يجزيك خيراً يا شيخ، إن شاء الله ينفع الله بك ويجعل كلماتك في موازين أعمالك، لا أطيل عليكم يا شيخ! أتمنى أن تنزل هذه الفضائح والغرائب في كتيب حتى تقرؤه الناس ويستفيدون منه، ويكون موثقاً، ويكون إن شاء الله علماً موروثاً لمن خلفك، ويكون صدقة جارية.
أما الثاني: ما هي قصة مصحف فاطمة، كثيراً ما نسمع من الشيعة يتبرءون من مصحف فاطمة، وبعضهم يقول: عندنا مصحف فاطمة، هذا الاقتراح وهذا السؤال.
ولي أمنية ثالثة التي أختم فيها: أتمنى أمنية من الروافض الموجودين معنا في هذه الغرفة ألا يتكبرون على الحق، من أراد الحق وسمعه فليتبعه، ومن تكبر فإن الله غني عن العالمين، ولكن أرجوك يا شيخ أن توجه نصيحة لهؤلاء الموجودين معنا في هذه الغرفة، ......................
الجواب: نعم، بالنسبة من أن يكون هذا الكلام في كتيب، والله أنت قلت هذا الكلام، وعندي أحد الإخوة تكفل أنه إن شاء الله يفرغ هذا الشريط، ويجمع هذه الأمور إن شاء الله تعالى في كتيب، لعل الله سبحانه وتعالى أن ينفع بها.
أما بالنسبة لكلامك عن الرافضة أن الله يهديهم، نسأل الله تبارك وتعالى أن يهديهم، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يهدي جميع من ضل عن السبيل، وأن يريه الحق حقاً ويرزقه اتباعه.
وأما مصحف فاطمة فهذه تضاربت آراؤهم فيه، فبعضهم يقول: إن هذا إخبار عن وقائع ستحدث أخبر بها الوحي ملك من الملائكة جاء إلى فاطمة وأخبرها بهذا، وبعضهم يقول: جبريل، وبعضهم يقول: هو قرآن، وبعضهم.. يعني: الأقوال متضاربة فيه كثيراً جداً جداً، وفي الحقيقة لا يوجد شيء اسمه مصحف فاطمة، فكله كذب، وكل يطلع من رأسه، خبراً فهي أكاذيب ملفقة كل منهم يكذب شيئاً منها، ولكن لا يوجد عندهم شيء اسمه مصحف فاطمة وليس ملموساً عندهم ما أعرف أن هذا الشيء موجوداً عندهم، ولا يجرءون أن يفعلوا هذا الأمر.(31/436)
السؤال: أنا عندي بس تعقيب قليل على مصحف فاطمة، الإمام الصادق يقول: (ما فيه من قرآنكم شيء)، في الكافي نفسه، وموجود في الاستبصار، وموجود في صحيح البخاري أنه مصحف فاطمة سلام الله عليها، أنه لما كانت تنزل الآية على رسول الله كان الإمام علي سلام الله عليه يكتبها ويكتب الشرح معها، يعني: نحن ما نقول: عندنا قرآن، ولكن نقول: عندنا مصحف هو تفسير القرآن الذي موجود بين أيدينا وكان الإمام علي يكتب القرآن، وأنا استنبطت من كلامك يا شيخ عثمان أنه ما عندك تأكيد كامل على أنه مصحف فاطمة وأظنه موجوداً عندك، إذا هو موجود عندك في الكافي، أنه مجرد تفسير للقرآن الكريم، ويتفضل الشيخ إلى كلمته، شكراً.
الجواب: أولاً: بالنسبة لمصحف فاطمة في تسميته فهم يسمونه مصحفاً، هذا أمر.
ثانياً: قولهم: إنه تفسير يعني: فاطمة تفسر القرآن الكريم، طيب! أين هذا التفسير؟! لماذا لم يوجد هذا التفسير؟! ولماذا سمي بمصحف فاطمة وهي يأتيها الملك ويخبرها إياه إذا كان تفسيراً؟! لكن بعضهم يقول: هو إخبار بالغيب، يعني: أمور من الأحداث التي ستحدث أخبرها الملك إياها في هذا المصحف، وبعضهم يقول كما تقول أنت الآن إنه تفسير، وفي الرواية التي قرأناها وهي عن أبي بصير في قوله تعالى: (سأل سائل بعذاب واقع للكافرين بولاية علي ليس له دافع) قال أبو بصير: قلت لأبي عبد الله: [[ جعلت فداك: إنا لا نقرأ هكذا، قال: هكذا والله نزل بها جبريل على محمد، وهكذا والله هو مثبت في مصحف فاطمة ]] وهذا في الكافي الجزء الثامن (ص:49).(31/437)
فنحن لا نقول: إن هناك مصحفاً لفاطمة رضي الله عنها، نقول: لا يوجد هذا المصحف، هذا كلام مكذوب عليها، وهي بريئة منه، لكن الشيعة الذين يعتقدون أن القرآن محرف زعموا أن هناك قرآناً عند علي يختلف عن القرآن الذي عندنا، وزعموا أن هناك قرآناً لفاطمة يختلف عن القرآن الذي عندنا، وكذلك هذا القرآن ذهب إلى الحسن والحسين وهكذا عند المهدي المنتظر، فنحن لا نريد مصحف فاطمة، نحن نريد قضية واحدة فقط، هل هذا القرآن الموجود الآن؟ هل هو الذي أتى به جبريل إلى محمد صلى الله عليه وسلم أم أنه ناقص كما يدعي الشيعة الإثنا عشرية؟
هذه هي القضية الأساسية، قضية أن فاطمة لوحدها أو غيرها هذا موضوع آخر، ولذلك أنه جاء في الأخبار أنهم عليهم السلام أمروا شيعتهم بقراءة هذا القرآن الموجود في الصلاة وغيرها، والعمل بأحكامه حتى يظهر مولانا صاحب الزمان، فيرتفع هذا القرآن من أيدينا إلى السماء، ويخرج القرآن الذي ألفه أمير المؤمنين عليه السلام، فيقرأ ويعمل بأحكامه، وهذا الكلام قاله نعمة الله الجزائري في الجزء الثاني (ص:363).
فالقصد أن الشيعة مع مصحف فاطمة هم مضطربون أصلاً، بعضهم يقول: إنه تفسير، وبعضهم يقول: إنه أخبار غيبية، وبعضهم يقول: تسلية كان يسلي بها الملك فاطمة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، وبعضهم يذكر آيات ويقول: إنها من مصحف فاطمة، فنحن لا ندعي شيئا؛ لأنا لا نعلم شيئاً عن هذا المصحف، ولا نعتقد ثبوته أصلاً، ونجزم يقيناً أنه مكذوب عليها رضي الله عنها، وإلا لو كان تفسيراً لماذا لم يخرج هذا التفسير؟ أين هو؟ لماذا الآن يوجد تفسير الطباطبائي وتفسير الطوسي، وتفسير الطبرسي وتفسير شبر وغيره؟ أين تفسير فاطمة؟ أين تفسير أهل البيت؟! أين تفسير علي؟! أين تفسير جعفر الصادق؟
في هذه الكتب أقوالهم متضاربة في هذه التفاسير.
وكلاً يدعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذاك
والله أعلى وأعلم.(31/438)
السؤال: جزى الله شيخنا الخميس خير الجزاء، والله يبارك فيك، ويهدي جميع الإخوان إلى جادة الحق وإلى سواء السبيل إن شاء الله.
الآن المداخلة لي ستكون في عزاء أحد الشهداء الذين سقطوا اليوم في بلدة طوبار، أخونا اسمه نصر الجرار، هذا الأخ قبل عام ونصف اليهود فجروا سيارته فبترت ساقاه، وبترت إحدى يديه، الآن تذكرون جميعاً المعركة ...... .... للمجاهدين في مخيم جنين، أخونا أبى إلا أن يشارك مع الإخوة، وعندما سئل: أنت بيد واحدة وليس لك رجلان ماذا تفعل؟ قال: لن أتوانا عن تشجيع المجاهدين، وأبث فيهم روح الجهاد، فهكذا كان، وبسبب القصف فإذا بأحد الجدران يسقط عليه فتبتر طرفه الأخيرة، يعني: أصبح بدون رجلين ويدين، اليوم أخونا هذا قصفوا بيته بأربعة صواريخ فاستشهد، فحسبنا الله ونعم الوكيل، والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم، ادعوا لإخوانكم بالتثبيت، وجزى الله جميع الإخوان وخاصة شيخنا عثمان خير الجزاء، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
.............. أن أسمع الإخوة إياه، وأرجو من الإخوة من الآدونية أن أقدم هذا الأخ لإذاعة مثل هذا الخبر، بارك الله فيكم، وجزاكم الله خيراً، وتقبل الله ..... عنده إن شاء الله عز وجل.
مقترح يقدم للشيخ: أن يجعل إحدى محاضراته ما يذكره الرافضة في مساوئ آل البيت هؤلاء الذين يدعون حبهم وولاءهم كيف يتنقصونهم وكيف يطعنون فيهم؟ وكيف يقولون فيهم ما لا يجوز أن يقال في آل بيت النبوية، وجزاكم الله خيراً؟
الجواب: أولاً: أسأل الله تبارك وتعالى أن يتقبل أخانا الفلسطيني وأن يكرمه سبحانه وتعالى عنده بمغفرة ورضوان، نسأل الله تبارك وتعالى أن يوفق إخواننا الفلسطينيين إلى كل خير، وأن يعينهم على أعداء الله وأعداء الدين اليهود لعنهم الله تبارك وتعالى.(31/439)
أما بالنسبة لسؤال الأخ: فنعم، هذا موجود في شريط: الشيعة وآل البيت، مبين فيه تماماً موقف الشيعة من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ولعل الله إن يسر أن نذكر هنا كذلك.
** تعريف بمحمد ابن الحنفية:
أحد الإخوة سأل عن محمد بن الحنفية من يكون؟
محمد بن الحنفية هو: محمد بن علي بن أبي طالب أخي الحسن والحسين، وهو مذكور في كتب الشيعة، مذكور في الكافي ومذكور في كشف الغمة وفي البحار، ومقاتل الطالبين وكل الكتب التي ترجمت لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ذكرت محمد بن الحنفية رضي الله عنه ورحمه.
** عقيدتنا في كتاب الكافي:
السؤال: أريد أن أسأل فضيلة الشيخ سؤالين فقط باختصار:
الأول: كتاب الكافي للزنديق الكليني قبحه الله وأخزاه أريد أن أسأل الآن نسمع رجال التجريح الذين ...... من الروافض يقولون: هذا الكتاب ليس موثقاً كله، وبعضهم يقول: بأن ثلثه ضعيف، والآخر ما زال في قيد الدراسة، والباقي صحيح، فالآن ما سمعنا هذا إلا في البالكوك، ما نسمع ....... ولكن هل في علماء الروافض اليوم من يقول: بأن في الكتاب ضعيف أو صحيح أو أنه ليس موثقاً.
الأمر الآخر: أنا أسأل عن كتاب نهج البلاغة، وهو من الكتب ....... والكتب المعظمة لديهم..........
الجواب: نعم، أولاً: لن أزعجكم ولن أتعبكم في ذكر أقوال العلماء الذين صححوه والذين ضعفوه، هذا الكلام كما يقولون عندنا: خيره مأخوذ، ماشي.. سلمنا يعني: أن الكافي ليس صحيحاً عندهم، لكن هل عندهم كتاب أصح منه؟ هذه هي القضية الأساسية الآن، لا نريد قضية أنه هل هو صحيح كله أو بعضه؟ هل عندهم كتاب أصح من الكافي؟ هل عندهم كتاب أحسن من الكافي؟ من من علماء الشيعة قال: إن عندهم كتاب أحسن من الكافي؟ نحن نقول: إذا كان هذا أحسن ما عندكم فلا بارك الله فيما عندكم، إذا كان هذا الكتاب هو أحسن شيء عندكم، فهذه شهادة عليكم شهدتم بها على أنفسكم.(31/440)
فقضية هل هو جميعه صحيح أو بعضه صحيح أو كذا.. هذا كلام مأخوذ خيره، نحن نعتقد أن كله باطل، وكله كذب وزور وبهتان، هذه عقيدتنا في هذا الكتاب، لكن نحن نقول: هم يعتقدون هذا الكتاب ويأخذون بما فيه، هذا الكتاب علماء الشيعة الكبار كلهم أو جلهم يقولون بصحة هذا الكتاب، ونقلت لكم أقوال علمائهم.
بل إن الكليني صاحب الكتاب نص في مقدمة الكتاب على أنه صحيح كله، هذا نص الكليني أنه جمع فيه الصحيحين فقط، فقضية هل هو كله صحيح أو غير صحيح أنا أتصور أن هذه قضية ثانوية لا تقدم ولا تؤخر،، ولا نهتم بها أصلاً، ولكن هو كما قال التيجاني: يضعفون ثلثيه ويقولون: مكذوب، ويعتقدون أنه أفضل كتاب عندهم، نحن نقول: هذا الكتاب كله كذب، وهو أحسن كتبكم باعترافكم، وهذا يكفينا أن أحسن كتبكم ثلاثة أضعافه كذب، فيبقى الذي بعده تسعة أعشاره كذب، ثمانية أعشاره كذب، تسعة أعشار ونصف كله كذب، عشرة أعشار كذب، عشرة أعشار ونصف كله كذب، يعني: أكثر من أصل الكتاب كذب، هذا يكفينا ونحن يكفينا أنه أصح كتاب عندكم، هل يستطيع علماء الشيعة الآن الذين يتكلمون ويدندنون حول قضية الكافي أنه ليس كله صحيح، أن يوجدوا كتاباً أحسن منه؟ هل عندكم كتاب أحسن من كتاب الكافي ألف في الإسلام أو عند الشيعة الإثني عشرية أو عند الدروز أو عند العلويين أو عند القرامطة؟ ائتونا بأصح كتاب عندكم من كلام علمائكم تقولون فيه: الكتاب أصح من الكافي، وإلا فعقيدتنا في الكافي هذا أنه باطل، ولا شك في هذا أبداً، ومن قرأ كتاب: كسر الصنم يعرف هذه الحقيقة ويرى وضوحها تماماً، فلذلك نحن نقول: اعتبروه غير صحيح، واعتبروا أنكم محققون، هذا أمر نوافكم فيه ولا مانع ونسلم، ولكن للأسف هذا أصح كتبكم، فعلى البقية السلام، وعفا الله عنها جميعاً.
ولذلك قلنا: إن البرقعي نسف الكتاب كله، فقتل بسبب ذلك.
** الشيعة واتهامهم عائشة أم المؤمنين بالزنا:(31/441)
السؤال: الشيعة يتهمون أم المؤمنين عائشة بالزنا والعياذ بالله! وقضية حادثة الإفك التي وقعت كانت في أيام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وقد اتهم عائشة عبد الله بن أبي بن سلول، فهل تعتقد أن الشيعة اتهموا السيدة عائشة بالزنا في حين أنهم ررووا هذه الروايات المروية عن صحابة رسول الله وأولهم عبد الله بن أبي بن سلول الذي كان رأس المنافقين في المدينة، والصحابة الموجودين الآخرين؟
الجواب: أولاً عبد الله بن أبي بن سلول ليس صحابياً هذا رأس المنافقين، وليس صحابياً هذا أمر.(31/442)
الأمر الثاني: نعم الشيعة يتهمون عائشة، وقد لا يكون كل الشيعة والله أعلم بحال كل شخص منهم، لكن كتب الشيعة نعم، كلها تتهم أم المؤمنين بالزنا والعياذ بالله! ولذلك قول الله تبارك وتعالى: (( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا ))[التحريم:10] هذا يقولون: مثل ضربه الله لعائشة وحفصة رضي الله عنهما، وقد فسر الشيعة الزنا أو الخيانة هنا بارتكاب الفاحشة، فهذا القمي علي بن إبراهيم في تفسيره لهذه الآية قال: والله ما عنى بقوله: (فخانتاهما) إلا الفاحشة، وليقيمن الحد على فلانة فيما أتت في طريق كذا، يعني: عائشة في طريق لما ذهبت إلى البصرة في الجمل. وكان فلان يحبها يعنون: طلحة بن عبيد الله، فلما أرادت أن تخرج قال لها فلان: يعني: عبد الله بن الزبير: لا يحل لك أن تخرجي من غير محرم، فزوجت نفسها من فلان يعني: تزوجت بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم من طلحة والعياذ بالله! وكذلك يروون كما في مشارق أنوار اليقين لرجب البرسي وذلك في (ص:86) يقول هذا الخبيث: إن عائشة جمعت أربعين ديناراً من خيانة، وفرقتها على مبغضي علي. هكذا يروون هذا،ولذلك نحن عندما يكفرهم أهل السنة؛ لأنهم يكذبون الله سبحانه وتعالى عندما يقول: (( الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ ))[النور:26] فيتهمون عائشة بأنها خبيثة والعياذ بالله، وأنها تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون طعناً في الرسول وطعناً في الله وكفراً به سبحانه وتعالى، ولذلك الشيعة يقولون هذا الكلام، لكن قد تقول: ليس كلهم يقولون هذا الكلام أقول لك: نعم، لعله كذلك، ونسأل الله ذلك، نسأل الله أن يسكت جميعهم عن هذا الكلام، نحن لا نحب أبداً أن الشيعة يقولون مثل هذا الكلام، ولا نحب أن اليهود يقولون مثل هذا الكلام، هذا الكلام خطير جداً، لا نحب أن يقوله أحد عن أم المؤمنين(31/443)
عائشة رضي الله عنها.
لكن على كل حال الكلام موجود، وفي كتب الشيعة المعتدة، ولا شك أنه كلام باطل، وأنا أطلب منك كما أطلب من غيرك أن تتبرأ من مثل هذا الكلام.
نعم. أنا الآن يحدثني الأخ يقول: نسي، بعض غرف الشيعة يكتبون كتابة: أن عائشة زانية، هكذا يكتبون في غرفة الحق وغيرها، ومن كبارهم يكتبون أن عائشة زانية والعياذ بالله، وهذه مصيبة، نحن نحذر من هذا الكلام وهو باطل لا شك فيه.
** ما سمي بالكافي من كتب أهل السنة:
السؤال: سؤالي لك يا شيخ حفظك الله: صاحب كتاب: لله ثم للتاريخ، قيل: إنه قتل، فيا ليتك يكون عندك علم فتخبرنا عن صاحب هذا الكتاب، هل هو ما زال موجوداً، وهل ممكن أن يأتي إلى إحدى غرف البالتوك لأهل السنة والجماعة.
وسؤال آخر: طلب مني أحد الإخوة أن أسألك: هل هناك كتاب آخر اسمه الكافي أم لا، وجزاك الله خيراً.
الجواب: أولاً: أحبك الله الذي أحببتنا فيه، ثم بالنسبة لمؤلف كتاب: لله ثم للتاريخ هل قتل أم لا والله ما أدري الله أعلم، ما أعرف الرجل حتى أعرف هل قتل أم لا، إن كان قتل فأسال الله تبارك وتعالى له الرحمة جل وعلا، وإن كان حياً نسأل الله تبارك وتعالى له التوفيق والسداد.
يقول: هل هناك كتاب اسمه الكافي؟
نعم يوجد الكافي في فقه الإمام أحمد لابن قدامة، كافي أهل السنة، ما فيه هذه الخزعبلات والطامات، وأيضاً يوجد لابن عبد البر الكافي لكن غير كافيهم هذا.
ذكر في جريدة الرأي العام أنه قتل في بغداد، آه نعم، ذكر أنه في رجل معمم قال محمد البصيري وكيل بحر العلوم في لبنان: قال: إنه رجل شيعي في بغداد، وإنه معمم، هكذا قالوا عنه، وهذا في رأي العام في 4/7/2001م كتب هذا الكلام، الله أعلم قتل أم لا العلم عند الله سبحانه وتعالى. نعم.(31/444)
السؤال: جزاك الله خير يا شيخ، لكن للإضافة .... الشقي قال: أنه عنده ......أن الشيخ كان موجود في مصر، وهذا الكلام من حوالي أسبوع تقريباً أو عشرة أيام، وأنه في انتظار أن يأتيه على ما أعتقد في انجلترا أو في دولة أوروبية، ....... عندما يحدث لقاء معه سيكون في غرفة السرداب بإذن الله عز وجل، هل الأخ بصرى عراق موجود، ...... الأخ الحبيب، وانتظرتك من الأسبوع الماضي إلى الآن ولم ترسل أي شيء، فلعلك يا أخ بصرة الشيخ عثمان .......... لعلك تأخذ ....... وتتكلم مع الشيخ.
يا شيخ عثمان هذا الأخ هداه الله عز وجل وهو من العراق، ويريد يبحث عن الحق إن شاء الله، تفضل يا أخي الحبيب............
** شيعي يتبرأ من مذهب الشيعة ويعلن توبته:
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مع تحياتي وسلامي للموجودين في هذه الغرفة وخاصة الشيخ المعقول، خاصة أعني أنه شيخ علم وأخ مطلع في الإسلام.
إني أقول أمامكم: إن من يسب الصحابة وأمهات المؤمنين كافر كافر كافر لو حمل الكعبة على رأسه! وأقول: كنت شيعياً في السابق ومن العراق من البصرة والآن أعيش في كندا يعني: في بلاد الغرب، والله إني تبرأت من هذا المذهب -مذهب الرافضة- الذي يسب ويشتم، المذهب الذي ينتسب إليه هؤلاء العلماء، وأكثرهم فرس وأكثرهم لا يفقهون في الإسلام شيئاً، هؤلاء العلماء المسلمون عند الرافضة آية الله والمرجع الأعلى أنا أسأل سؤالاً: ما هو الذي زادوا في الإسلام غير البدع والخدع وضلالة الناس؟ هؤلاء وحتى العرب معهم من يهتدي منهم ضال إلى يوم الدين.
وأزيدكم علماً أن السيد محمد حسين الطباطبائي أعلن عن الروافض أن سب عمر بن الخطاب رضي الله عنه أو الادعاء بأن عمر اعتدى على الزهراء هذا غير صحيح في الإسلام، وجعل منه الرافضة الآن عدواً وكلهم من إيران وحاربوه وقالوا عنه: إنه ضال مضل، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ عثمان:
بسم الله الرحمن الرحيم(31/445)
لا شك أن الله تبارك وتعالى يمن بفضله على من يشاء من عباده: (( يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلْ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ ))[الحجرات:17]، فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والحمد لله الذي لا إله إلا هو على أن هداك أخي في الله تبارك وتعالى إلى الحق، ونسأل الله أن يثبتنا وإياك ومن يسمع عليه، وأن يوفقنا وإياكم جميعاً إلى ما يحبه ويرضاه. أحسنت يا أخي.
** أصح الكتب عند أهل السنة والجماعة:
السؤال: يوجد هنا واحد من الشيعة وهو أبو أحمد، من الشيعة نريد أن نسمع منه، تفضل يا أبا أحمد اللاقط معك.
السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، إن شاء الله سؤالي يكون مختصراً، هل هناك من هذه الكتب صحيح؟! نحن نقول: لا يوجد كتاب صحيح بعد القرآن الكريم الموجود من الله سبحانه وتعالى، ولكن هل أنته تقسم بالله أن ما جاء في كتبكم روايات صحيحة؟ فبارك الله فيك جاوب.
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
أولاً: ما يحتاج أني أقسم بالله تبارك وتعالى، وإنما أحدثك بدون قسم، لأنني لا أدين بالكذب أصلاً حتى أحتاج إلى القسم.
أما بالنسبة لقولك: إنكم لا تعتقدون أن كتاباً صحيحاً كله، هذا موضوع آخر قلناه قبل قليل، نحن لا يهمنا ماذا يمكن أن تعتقدوا أنه صحيح كله أو لا، هذا موضوع آخر وإن كان جل علمائكم يعتقدون صحته، بل الكتب الأربعة جميعاً، لكن هذا لا يهمنا، ويكفينا أن هذا الكافي هو أصح كتبكم، فإذا كان هذا هو أصح كتبكم فعلى الباقي السلام.(31/446)
أما بالنسبة لكتب أهل السنة والجماعة ففيها الصحيح والضعيف، وفيها الكتب التي ألفت في الموضوعات، عندنا الكتب ألفت في الصحيح فقط وهما الصحيحان البخاري ومسلم، وقد أجمعت الأمة -أعني علماءها- على صحة ما في البخاري ومسلم، وأما بالنسبة لغير البخاري ومسلم ينظر في أسانيدها ففيها الصحيح وفيها الضعيف، وبعضها أغلبه صحيح، وبعضها نصفه صحيح، وبعضها ربعه وهكذا تتفاوت هذه الكتب بحسبها، ولو سألتني عن كتاب كتاب لأجبتكم فيما أعلم إن شاء الله تعالى.
وهناك كتب ألفت في الأحاديث الموضوعة، كالموضوعات لابن الجوزي وغيره من أهل العلم كالشوكاني وابن القيم، ألفوا كتباً في الأحاديث المكذوبة والأحاديث الضعيفة كالسلسلة الضعيفة للشيخ الألباني، فألفوا كتباً في الأحاديث الموضوعة والضعيفة؛ لبيانها وتجليتها للناس، نحن لا نقول: كل كتبنا صحيحة، لكن فيها الصحيح وفيها الضعيف، فما صح نقبله وما ضعف نرده، لكن عندنا كتابان وهما البخاري ومسلم، نعتقد بصحة كل ما فيهما، هذا بالنسبة لكتبنا، وبدون قسم إن شاء الله تعالى، وما عندنا شيء نخفيه حتى تحلفنا بالله تبارك وتعالى، الحمد لله الأمر عندنا واضح وجلي، ولا نخفي شيئاً لا عنك ولا عن غيرك.
** العلاقة بين الشيعة والصوفية:
السؤال: جزاك الله خيراً يا شيخ وبارك الله فيك، سؤالي: نجد علاقة قوية بين الشيعة والصوفية حتى إننا نجد الآن في البالتوك الشيخ الصوفي هذا المعروف حسن السقاف وهو يلقي محاضرته في إحدى الغرف الشيعية في كل ليلة جمعة، وهذه الليلة قبل أن نبدأ في الدرس وهي تسخط وتسب وتذم صحابة رسول الله، وبعد انتهاء الدرس وهي تذم وتسخط في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويا ليت الشيخ إن كان يعرف عن هذا الرجل حسن السقاف فيخبرنا عن ذلك، وبارك الله فيك وجزاك الله خير.
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم(31/447)
لا شك أن العلاقة بين الصوفية والشيعة علاقة قوية جداً، ومن أهم ما يجمع هاتين الفرقتين هو بغض أهل السنة والجماعة والكيد لهم، هذا أقل ما يجمعهم وأظهر ما يجمعهم كذلك في نفس الوقت.
وهناك رسالة دكتوراه للدكتور صلاح إسماعيل في العلاقة بين الشيعة والصوفية، فهما حقيقة وجهان لعملة واحدة، وبينهما تقارب شديد جداً، ولذلك أهل البدع يميل بعضهم إلى بعض، وينصر بعضهم بعضاً في سبيل الطعن في أهل السنة ورد أقاويلهم، وهذا السقاف لاشك أنه من رءوس أهل البدع هناك، وأمر طبيعي أن يجتمع مع الشيعة في الطعن في أهل السنة، والله أعلى وأعلم.
** سائل يطلب من الشيخ أن يذكر بعض مواقفه مع الشيعة:
السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بارك الله فيك شيخنا الكريم، ولعلي ليس عندي سؤال، ولكن لي طلبان، أن تدعو إن شاء الله لإخوانك المسلمين القائمين على هذه الغرفة.
الطلب الآخر: كما عودتنا في أشرطتك أن تقص علينا آخر ما جابهت به الروافض، فنريد آخر الحكايات والطرف بارك الله فيك وجزاك الله خيراً.
الجواب: أولاً: حياك الله يا أخي، ثانياً: بالنسبة للإخوة القائمين على هذه الغرفة لا شك أنهم يقومون بجهد جيد وظاهر، نسأل الله تبارك وتعالى لهم التوفيق.
وأما قصصي مع الشيعة ما عندي حقيقة قصص كثيرة حتى أقصها عليكم، وما جئت لأقص القصص، لكن لعله إن شاء الله في وقت آخر لأن ما بقي من الوقت إلا ثلاث دقائق، أسمع فيها فائدة وأستفيد منكم، ولعل هذا يكون في وقت آخر أنسب من هذا الوقت من حيث سعة الوقت وسعة الموضوع، ويكفي الآن أن تحدثت إليكم أكثر من ساعتين وأتعبتكم في هذا الحديث، فلعلكم ترتاحون قليلاً إن شاء الله تعالى، ونسمع إن شاء الله إما آخر سؤال أو سؤالين جزاكم الله خير.
** برقية شكر للشيخ:(31/448)
السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الشيخ عثمان: والله إني أشهد الله أني أحبك في الله، وأتمنى أني أشوفك تصلي ......... ، نقول: لإخواننا الشيعة أو عموم الشيعة الموجودين أو السنة: اللهم اجعلنا ممن قلت فيهم: (( وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ))[الحجر:47].
عندي مائة وخمسون سؤالاً، ولا أدري كيف تشتت أفكاري وضاعت، وأنا قاعد أقرى في الكتب .......، الشيخ عثمان، ربي يكتب لي أني أشوفك وأسلم عليك، وحبيت أني أشكرك على المحاضرة هذه، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
** الكافي الموجود في الشبكة:
السؤال: كتاب الكافي الموجود على الشبكة لا يحوي على أحاديث التحريف، هل حرفوها أيضاً؟
الجواب: نعم. بالنسبة للكافي الموجود على الشبكة، أنا ما أدري عنه، أنا أتكلم على الكافي الموجود أمامي، ذكرت لكم طبعته دار الأضواء في بيروت، لكن الموجود على الشبكة لا أدري من وضعه، وهل غيروا فيه وبدلوا؟! الله أعلم، هذه مواقع الشيعة وهم غير مؤتمنين حقيقة في نقل هذه الكتب، يزورون في الكتب ويزيدون وينقصون، هم غير مؤتمنين، لكن الكتاب الموجود المطبوع هو فيه كل ما ذكرت، لذلك أنا ما ذكرت شيئاً إلا بالجزء والصفحة، وكل ما ذكرت ذكرت جزءه وصفحته، وبينته بياناً واضحاً.
وأقول للذي قبلك: أحبك الله الذي أحببتنا فيه، وأشكركم جميعاً على هذه الاستضافة، وعلى هذه الكلمات الطيبة الرقيقة التي سمعتها منكم، نسأل الله تبارك وتعالى أن يجمعنا وإياكم في جنات النعيم، وأن يهدينا جميعاً إلى صراطه المستقيم، وإن شاء الله تبارك وتعالى غداً هناك درس في غرفة حامل المسك، عن موضوع الشيعة، لكن ما أدري أيش الموضوع، تقريباً هو كيفية دعوتهم في الساعة التاسعة ليلاً إن شاء الله تعالى، وأريد أن أتكلم مع أبي دجانة إن شاء الله في برافيت مدة دقيقتين فقط ثم نرجع إليكم إن شاء الله تعالى.
*****************(31/449)
الباب التاسع- الغلو في الأئمة
بطلان نسبة القبر في النجف إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه
*إبطال ابن تيمية نسبة كثير من المشاهد:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
إن من الدعاوى العريضةِ التي يتشدقُ بها الشيعةُ الإماميةُ: نسبةَ القبرِ الذي في النجفِ أنهُ قبرُ الخليفةِ الرابعِ عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللهُ عنه، وهذه الدعوةُ تحتاجُ إلى دليلٍ وبرهانٍ، والأعجبُ من ذلك أن يغترَ بعض عوامِ أهل السنةِ بمثلِ هذا الأمرِ، بل قد يكون من المسلماتِ عندهم! وفي هذا البحثِ المتواضعِ نقفُ مع نسفِ هذه الدعوى من أساسها، وذلك من خلالِ كتبِ التاريخِ، وكلامِ العلماءِ الثقاتِ، وأسألُ اللهَ أن ينفعَ بهِ.
مقدمة:
امتلأت كثيرٌ من بلادِ المسلمين بالمشاهدِ التي تنسبُ إلى الأنبياءِ والصحابةِ زوراً وكذباً، وقد كذب نسبةَ كثيرٍ منها شيخُ الإسلام ابنُ تيميةِ فقال في "اقتضاء الصراط المستقيم" (2/651): فمن هذه الأمكنةِ ما يظنُ أنه قبرُ نبي أو رجلٍ صالحٍ، وليس كذلك، أو يظن أنه مقام له، وليس كذلك.
فأما ما كان قبراً له أو مقاماً، فهذا من النوعِ الثاني، وهذا بابٌ واسعٌ أذكرُ بعض أعيانهِ:
فمن ذلك: عدةُ أمكنةٍ بدمشق، مثلُ: مشهدٍ لأبي بنِ كعبٍ خارج البابِ الشرقي، ولا خلاف بين أهلِ العلمِ أن أبي بنَ كعبٍ إنما توفي بالمدينة ولم يمت بدمشق. واللهُ أعلمُ قبرُ من هو؛ لكنه ليس بقبرِ أبي بنِ كعب صاحبِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم بلا شك.
وكذلك مكانٌ بالحائطِ القبلي بجامعِ دمشق يقال: إن فيه قبرَ هود عليه السلام، وما علمتُ أحداً من أهلِ العلمِ ذكر أن هوداً النبي مات بدمشق، بل قد قيل إنه مات باليمن، وقيل بمكة، فإن مبعثه كان باليمن، ومهاجره بعد هلاكِ قومهِ كان إلى مكة فأما الشام فلا دارهُ ولا مهاجرهُ، فموته بها والحال هذه مع أن أهلَ العلمِ لم يذكروهُ بل ذكروا خلافه في غاية البعدِ.(31/450)
وكذلك مشهدٌ خارج الباب الغربي من دمشق يقالُ: إنه قبرُ أويس القرني، وما علمتُ أن أحداً ذكر أن أويساً مات بدمشق، ولا هو متوجهٌ أيضاً ؛ فإن أويساً قدم من اليمن إلى أرضِ العراقِ. وقد قيل: إنه قتل بصفين، وقيل: إنه مات بنواحي أرضِ فارس، وقيل غيرُ ذلك. فأما الشامُ فما ذكر أنه قدم إليها فضلا عن المماتِ بها.
ومن ذلك أيضاً: قبرٌ يقالُ له: قبرُ أمِ سلمةَ زوجِ النبي صلى الله عليه وسلم، ولا خلاف أنها رضي الله عنها ماتت بالمدينة لا بالشام، ولم تقدم الشام أيضاً، فإن أمَ سلمةَ زوجَ النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن تسافر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. بل لعلها أم سلمة أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية، فإن أهلَ الشامِ كشهرِ بنِ حوشب ونحوه كانوا إذا حدثوا عنها قالوا: أمُ سلمةَ. وهي بنت عمِ معاذ بنِ جبل، وهي من أعيانِ الصحابياتِ، ومن ذواتِ الفقهِ والدينِ منهن. أو لعلها أمُ سلمةَ امرأة يزيد بن معاوية، وهو بعيدٌ، فإن هذه ليست مشهورةً بعلمٍ ولا دينٍ، وما أكثر الغلط في هذه الأشياءِ وأمثالها من جهةِ الأسماءِ المشتركةِ أو المغيرةَ.
ومن ذلك: مشهدٌ بقاهرةِ مصر يقال: إن فيه رأسَ الحسينِ رضي الله عنه، وأصلهُ: أنهُ كان بعسقلان مشهد يقال: إن فيه رأسَ الحسين، فحمل فيما قيل الرأسُ من هناك إلى مصر، وهو باطلٌ باتفاقِ أهلِ العلمِ؛ لم يقل أحدٌ من أهلِ العلمِ إن رأسَ الحسين كان بعسقلان، بل فيه أقوالٌ ليس هذا منها، فإنه حمل رأسهُ إلى قدام عبيد الله بنِ زياد بالكوفة، حتى روي له عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يغيظه، وبعضُ الناسِ يذكرُ أن الروايةَ كانت أمام يزيد بنِ معاويةَ بالشامِ، ولا يثبتُ ذلك، فإن الصحابةَ المسمين في الحديث إنما كانوا بالعراق. وكذلك مقابرٌ كثيرةٌ لأسماءِ رجال معروفين قد علم أنها ليست بمقابرهم" ا.هـ.(31/451)
وهناك مشاهدُ أخرى لا نريدُ إطالة الحديثِ عنها، والذي يهمنا ما نحنُ بصددهِ هل يثبتُ قبرُ علي بنِ طالب رضي اللهُ عنه في النجف؟ ولنا مع هذه المشاهد مقال آخر إن شاء الله.
*أَيَنَ دُفِنَ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ؟:
إن مقتلَ الخليفةِ الرابعِ علي رضي اللهُ عنه كان فاجعةً عظيمةً، ولذا لن أتطرق إلى قصةِ مقتلِ علي بنِ أبي طالب رضي الله عنه، وكلنا يعلمُ أن الذي قتل علياً رضي اللهُ عنه هو عبدُ الرحمن بنُ ملجم المُرادِيُّ أحدُ الخوارجِ، وقد أفرد له الإمامُ الذهبيُّ في "السير -السيرة النبوية-" (3/287) ترجمةً فقال في بدايتها: خارجيٌّ مُقترٍ، قاتل علي رضي الله عنه... وهو عند الخوارجِ من أفضلِ الأمةِ، وكذلك تُعَظِّمُهُ النُّصَيْريَّةُ.
وقال الفقيه أبو محمد بن حزم: "يقولون إن ابنَ ملجم أفضلُ أهلِ الأرضِ خلَّص روحَ اللاهوت من ظلمةِ الجسدِ وكدره. فاعجبوا يا مسلمين لهذا الجنون... وابنُ ملجم عند الروافض أشقى الخلق في الآخرةِ. وهو عندنا أهل السنةِ ممن نرجو له النارَ، ونجوزُ أن اللهَ يتجاوزُ عنه، لا كما يقول الخوارجُ والروافضُ فيه، وحكمه حُكمُ قاتلِ عثمان، وقاتلِ الزبير، وقاتل طلحة، وقاتل سعيد بن جبير، وقاتل عمار، وقاتل خارجة، وقاتل الحسين، فكلُّ هؤلاءِ نبرأ منهم ونبغضهم في اللهِ، ونكلُ أمورهم إلى الله عز وجل" ا.هـ.
فهذا هو موقفُ الطوائفِ من عبدِ الرحمن بنِ ملجم.
بعد هذا الاستطرادِ نرجع إلى دفنِ علي بن أبي طالب بعد أن قتله عبدُ الرحمن بن ملجم، وقد فصلت كتبُ السير والتاريخ ومنها: "البداية والنهاية" للإمامِ ابنِ كثير، ونقل ابنُ كثيرٍ أقوالاً في دفن علي بنِ أبي طالب.(31/452)
قال ابن كثير في "البداية والنهاية" (7/342-343) عند ذكرِ الأقوالِ في مكانِ دفنِ علي بن أبي طالب: "والمقصودُ أن علياً رضي اللهُ عنه لما مات صلى عليه ابنُهُ الحسنُ، فكبر عليه تسعَ تكبيراتٍ، ودفن بدارِ الإمارةِ بالكوفةِ؛ خوفاً عليه من الخوارجِ أن ينبشوا عن جثتهِ، هذا هو المشهورُ. ومن قال: إنهُ حُمل على راحلتِهِ، فذهبت به فلا يُدرى أين ذهبت، فقد أخطأ وتكلف ما لا علم لهُ بهِ، ولا يسيغهُ عقلٌ ولا شرعٌ، وما يعتقدهُ كثيرٌ من جهلةِ الروافضِ من أن قبرهُ بمشهدِ النجفِ فلا دليل على ذلك ولا أصل له، ويقالُ: إنما ذاك قبرُ المغيرةَ بنِ شعبةََ حكاه الخطيبُ البغداديُ عن أبي نعيم الحافظ، عن أبي بكر الطلحي، عن محمد بن عبد الله الحضرمي الحافظ، هو مطين، أنه قال: "لو علمت الشيعةُ قبرَ هذا الذي يعظمونه بالنجفِ لرجموهُ بالحجارةِ، هذا قبرُ المغيرةَ بنِ شعبةَ ".
وقد قيل: إن علياً دفن قبلي المسجدِ الجامعِ من الكوفةِ. قالهُ الواقدي. والمشهورُ أنهُ بدارِ الإمارةِ. وقيل: بحائطِ جامعِ الكوفةِ. وقد حكى الخطيبُ البغدادي عن أبي نعيم الفضلِ بنِ دكين أن الحسنَ والحسينَ حولاه فنقلاهُ إلى المدينةِ فدفناه بالبقيعِ عند قبرِ زوجتهِ فاطمةَ أمهما.
وقيل: إنهم لما حملوهُ على البعيرِ ضل منهم، فأخذته طيئ يظنونه مالاً، فلما رأوا أن الذي في الصندوقِ ميتٌ، ولم يعرفوا من هو دفنوا الصندوقَ بما فيه، فلا يعلمُ أحدٌ أين قبره. حكاه الخطيبُ أيضاً، وروى الحافظُ ابنُ عساكر، عن الحسنِ بنِ علي قال: [[دفنتُ علياً في حجرةٍ من دورِ آل جعدةَ]].(31/453)
وعن عبدِ الملكِ بنِ عمير قال: لما حفر خالدُ بنُ عبدِ اللهِ أساسَ دارِ ابنهِ يزيد استخرجوا شيخاً مدفوناً أبيضَ الرأسِ واللحيةِ، كأنما دفن بالأمس، فهم بإحراقهِ، ثم صرفه اللهُ عن ذلك إلى غيرهِ، فاستدعى بقباطى فلفهُ فيها، وطيبهُ وتركه مكانهُ. قالوا: وذلك المكانُ بحذاءِ بابِ الوراقين مما يلي قبلةَ المسجدِ في بيتِ إسكاف، وما يكاد يقرُ في ذلك الموضعِ أحدٌ إلا انتقل منه. وعن جعفر بنِ محمد الصادق قال: [[صُلي على علي ليلاً، ودفن بالكوفةِ، وعمي موضع قبرهِ، ولكنه عند قصرِ الإمارةِ]].
وقال ابنُ الكلبي: شهد دفنه في الليلِ الحسنُ، والحسينُ، وابنُ الحنفيةِ، وعبدُ الله بنُ جعفر، وغيرُهم من أهلِ بيتهم، فدفنوه في ظاهرِ الكوفةِ وعموا قبرهُ ؛ خيفةً عليه من الخوارجِ وغيرهم. ا.هـ
وسُئل شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ في "الفتاوى"(4/498 – 526) سؤالاً اخترتُ منه ما يهم مسألتنا والجواب عنه نصهُ: هَلْ صَحَّ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْحَدِيثِ أَوْ مَنْ يُقْتَدَى بِهِ فِي دِينِ الإِسْلَامِ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: [[إذَا أَنَا مُتّ فَأَرْكِبُونِي فَوْقَ نَاقَتِي وَسَيِّبُونِي فَأَيْنَمَا بَرَكَتْ ادْفِنُونِي]]. فَسَارَتْ وَلَمْ يَعْلَمْ أَحَدٌ قَبْرَهُ؟ فَهَلْ صَحَّ ذَلِكَ أَمْ لا؟ وَهَلْ عَرَفَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَيْنَ دُفِنَ أَمْ لَا؟ وَمَا كَانَ سَبَبُ قَتْلِهِ؟ وَفِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ؟ وَمَنْ قَتَلَهُ؟(31/454)
فأجاب: ... وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي مَوْضِعِ قَبْرِهِ، وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ دُفِنَ بِقَصْرِ الْإِمَارَةِ بِالْكُوفَةِ ؛ وَأَنَّهُ أُخْفِيَ قَبْرُهُ لِئَلَّا يَنْبُشَهُ الْخَوَارِجُ الَّذِينَ كَانُوا يُكَفِّرُونَهُ وَيَسْتَحِلُّونَ قَتْلَهُ ؛ فَإِنَّ الَّذِي قَتَلَهُ وَاحِدٌ مِنْ الْخَوَارِجِ وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُلْجِمٍ المرادي وَكَانَ قَدْ تَعَاهَدَ هُوَ وَآخَرَانِ عَلَى قَتْلِ عَلِيٍّ، وَقَتْلِ مُعَاوِيَةَ، وَقَتْلِ عَمْرِو بْنِ العاص؛ فَإِنَّهُمْ يُكَفِّرُونَ هَؤُلَاءِ كُلَّهُمْ وَكُلَّ مَنْ لَا يُوَافِقُهُمْ عَلَى أَهْوَائِهِمْ... وَأَمَّا الْمَشْهَدُ الَّذِي بِالنَّجَفِ فَأَهْلُ الْمَعْرِفَةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِقَبْرِ عَلِيٍّ بَلْ قِيلَ: إنَّهُ قَبْرُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَذْكُرُ أَنَّ هَذَا قَبْرُ عَلِيٍّ وَلَا يَقْصِدُهُ أَحَدٌ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ ؛ مَعَ كَثْرَةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ وَالشِّيعَةِ وَغَيْرِهِمْ وَحُكْمِهِمْ بِالْكُوفَةِ. ا.هـ
وقال أيضاً (27/446): وَأَمَّا مَشْهَدُ عَلِيٍّ فَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ قَبْرَهُ ؛ بَلْ قَدْ قِيلَ: إنَّهُ قَبْرُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ. ا.هـ(31/455)
وقال أيضاً (27/493–494): وَمِنْهَا قَبْرُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الَّذِي بِبَاطِنِ النَّجَفِ؛ فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ عَلِيًّا دُفِنَ بِقَصْرِ الْإِمَارَةِ بِالْكُوفَةِ كَمَا دُفِنَ مُعَاوِيَةُ بِقَصْرِ الْإِمَارَةِ مِنْ الشَّامِ، وَدُفِنَ عَمْرٌو بِقَصْرِ الْإِمَارَةِ خَوْفًا عَلَيْهِمْ مِنْ الْخَوَارِجِ أَنْ يَنْبُشُوا قُبُورَهُمْ ؛ وَلَكِنْ قِيلَ: إنَّ الَّذِي بِالنَّجَفِ قَبْرُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَذْكُرُ أَنَّهُ قَبْرُ عَلِيٍّ وَلَا يَقْصِدُهُ أَحَدٌ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ. ا.هـ
فخلاصةُ القولِ: إن علي بنَ أبي طالب دفن في قصرِ الإمارةِ، وهو المشهورُ والمعروفُ، وأما مشهده في بالنجفِ والذي تدعي الرافضة أنه قبرهُ فلا يعقلُ تاريخياً.
*أَوْلُ مَن ادَعَى نِسْبَةَ القَبْرِ فِي النَّجَفِ لِعَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ:
قد يُطرحُ سؤالٌ: مَنْ أولُ من نشر أن المشهدَ الذي بالنجفِ هو قبرُ علي بنِ طالب؟
بين العلماءُ أولَ من فرى فرية قبر علي في النجف، وكان من تولى كبر هذا الكذب هي دولة بني بويه، وبالتحديد حسن بن بويه الديلمي.
وإليك أخي أقوال العلماء في ذلك:
قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ في "الفتاوى"(4/502): "وَإِنَّمَا اتَّخَذُوا ذَلِكَ مَشْهَدًا فِي مُلْكِ بَنِي بويه -الْأَعَاجِمِ- بَعْدَ مَوْتِ عَلِيٍّ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ، وَرَوَوْا حِكَايَةً فِيهَا: أَنَّ الرَّشِيدَ كَانَ يَأْتِي إلَى تِلْكَ وَأَشْيَاءَ لَا تَقُومُ بِهَا حُجَّةٌ ". ا.هـ(31/456)
وقال أيضاً (27/446–447): وَذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا أُظْهِرَ –أي: قبر علي- بَعْدَ نَحْوِ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ مِنْ مَوْتِ عَلِيٍّ فِي إمَارَةِ بَنِي بويه، وَذَكَرُوا أَنَّ أَصْلَ ذَلِكَ حِكَايَةٌ بَلَغَتْهُمْ عَنْ الرَّشِيدِ أَنَّهُ أَتَى إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ وَجَعَلَ يَعْتَذِرُ إلَى مَنْ فِيهِ مِمَّا جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذُرِّيَّةِ عَلِيٍّ، وَبِمِثْلِ هَذِهِ الْحِكَايَةِ لَا يَقُومُ شَيْءٌ، فَالرَّشِيدُ أَيْضًا لَا عِلْمَ لَهُ بِذَلِكَ.
وَلَعَلَّ هَذِهِ الْحِكَايَةَ إنْ صَحَّتْ عَنْهُ فَقَدْ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ كَمَا قِيلَ لِغَيْرِهِ، وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ يَقُولُونَ: إنَّ عَلِيًّا إنَّمَا دُفِنَ فِي قَصْرِ الْإِمَارَةِ بِالْكُوفَةِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ، وَهَكَذَا هُوَ السُّنَّةُ ؛ فَإِنَّ حَمْلَ مَيِّتٍ مِنْ الْكُوفَةِ إلَى مَكَانٍ بَعِيدٍ لَيْسَ فِيهِ فَضِيلَةُ أَمْرٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ؛ فَلَا يُظَنُّ بِآلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُمْ فَعَلُوا بِهِ ذَلِكَ، وَلَا يَظُنُّهُ أَيْضًا أَنَّ ذَلِكَ خَفِيَ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ ثَلَاثُمِائَةِ سَنَةٍ حَتَّى أَظْهَرَهُ قَوْمٌ مِنْ الْأَعَاجِمِ الْجُهَّالِ ذَوِي الْأَهْوَاءِ. ا.هـ(31/457)
وقال الذهبي في "السير"(16/250): عند ترجمةِ حسنِ بنِ بُوَيْه الدَّيْلَمِيُّ: "نُقلَ أَنَّهُ لَمَّا احتُضرَ مَا انطلقَ لساَنُهُ إِلاَّ بِقَولِهِ تَعَالَى: (( مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ))[الحاقة:28-29]، وَمَاتَ بعلَّةِ الصَّرَعِ، وَكَانَ شِيْعِيّاً جَلِداً أظهرَ بِالنَّجفِ قَبْراً زَعَمَ أَنَّهُ قَبْرُ الإِمَامِ عَلِيٍّ، وَبنَى عَلَيْهِ المَشْهَدَ، وَأَقَامَ شعَارَ الرَّفْضِ، وَمأْتمَ عَاشُورَاءَ، وَالاعتزَالَ، وَأَنشَأَ بِبَغْدَادَ البيمَارِستَانَ العَضُدِيَّ وَهُوَ كَاملٌ فِي مَعْنَاهُ، لكنَّهُ تَلاَشَى الآنَ". ا.هـ
وأما الشيعة فإنهم يذكرون رواياتٍ لإثبات أنه قبرُ علي بن أبي طالب فيقولون: يُروى في قصة اكتشاف قبر الإمام علي (عليه السلام) كما يذكر صاحب (إرشاد القلوب): عن صفوان الجمال قال: لما وافيت مولاي الصادق (عليه السلام) الغري -يعني النجف الأشرف- حيث أحضر المنصور العباسي الإمام من المدينة إلى الكوفة عاصمة العباسيين قبل بناء بغداد، قال الإمام الصادق (عليه السلام) لي: [[يا صفوان! أنخ الناقة، فإن هذا حرم جدي أمير المؤمنين (عليه السلام)، فأنختها فنزل الإمام، واغتسل وغيّر ثوبه إلى أن قال: بلغنا القبر فوقف الإمام الصادق (عليه السلام) ونظر يمنة ويسرة ثم أرسل دمعة، وقال: إنّا لله وإنا إليه راجعون. ثم قال: السلام عليكم أيها الوصي البر التقي. السلام عليكم أيها النبأ العظيم. ثم انكب الإمام على القبر وقال: بأبي أنت وأمي يا أمير المؤمنين يا نور الله التام.. إلى آخر الزيارة. قال صفوان الجمال قلت: يا سيدي! أتأذن لي أن أخبر أصحابك من أهل الكوفة فقال: نعم. وأعطاني دراهم فأصلحت القبر وبنيت فوقه كوّة]].(31/458)
وبقيت معرفة قبر الإمام مقتصرة على نفر من المقربين الخواص لأهل البيت (عليهم السلام). حتى ظهر بشكل علني وبدأ يزوره الناس في أيام الخليفة العباسي هارون الرشيد، حيث يُروى في (إرشاد القلوب) عن عبد الله بن حازم يقول: [[خرجنا يوماً مع الرشيد في الكوفة للصيد فصرنا إلى ناحية الغريّ فرأينا ظباءً فأرسلنا عليها الصقور والكلاب فحاولتها ساعة ثم لجأت الظباء إلى أكمة فسقطت عليها، وفزعت الصقور ناحية وارتدت الكلاب، فتعجب الرشيد من ذلك، ثم إن الظباء هبطت من الأكمة فتراجعت عنها الكلاب والصقور ففعلت ذلك ثلاثاً فقال الرشيد: آتوني بأكبر رجل في الكوفة، فجيء برجل شيخ من بني سعد، فقال له: ما هذه؟ قال: إن أعطيتني الأمان أبلغتك، قال: لك عهد الله وميثاقه ألاّ أهيجك ولا أوذيك، فقال: أخبرني أبي عن أجداده أن هذه الأكمة قبر علي بن أبي طالب (عليه السلام)، جعله الله حرماً لا يأوي إليه أحد إلاّ أمن.
فنزل هارون الرشيد ودعا بماء فتوضأ وصلى عند الأكمة وتمرّغ عليها فجعل يبكي وأمر ببناء على القبر وجعل له أربعة أبواب وعلق بعض المقربين إليه من حاشيته -ويبدو أنه كان من أصحاب الحظوة- بقوله: (تفعل بقبره هذا وتحبس أولاده) وكان هذا سنة 170هـ، وكان أول بناء على القبر وإعلان عنه]]. ا.هـ
وصاحبُ كتاب "إرشاد القلوب"هو أبو محمد حسنُ بن أبي الحسن محمد الديلمي الشيعي (ت 760 )، وهو في مجلدين كما أشار إلى ذلك صاحب كتاب "هداية العارفين"(ص:228)، وهو كتاب يرجع إليه الشيعة كثيراً.
وربما قول شيخ الإسلام: "وَذَكَرُوا أَنَّ أَصْلَ ذَلِكَ حِكَايَةٌ بَلَغَتْهُمْ عَنْ الرَّشِيدِ أَنَّهُ أَتَى إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ وَجَعَلَ يَعْتَذِرُ إلَى مَنْ فِيهِ مِمَّا جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذُرِّيَّةِ عَلِيٍّ ". هو ما أورده الديلمي آنفا في "إرشاد القلوب"، والله أعلم.
*قُبُورٌ تُنْسَبُ إِلى عَلِيَّ بنِ أَبِي طَالِبٍ:(31/459)
قد يعجبُ البعضُ عندما يعلمُ أن هناك قبوراً تنسبُ إلى علي بنِ أبي طالب في بلادٍ أخرى غير النجف، وهذا أمر لا يصدقهُ عاقلٌ، ولنأخذ بعضاً مما نسب إلى علي بنِ أبي طالب.
فهذا لقاءٌ مع سفيرِ طالبان في دولة الإمارات عزيز الرحمن عبد الأحد وهو سفير طالبان، وذلك قبل إغلاق الإمارات للسفارة. وقد تم هذا اللقاء بتاريخ (12/11/2001).
س: يذكرُ بعضُ أعداءِ حكومةِ طالبان الإسلامية أن أميرها وعلماءها من عبدةِ القبورِ والأصنامِ، فما صحة هذه الأخبار؟
ج: والله المفروض أن هذا السؤال لا يَرد، خاصة بعد تدمير طالبان للأصنام الموجودة في بميان بأفغانستان، فقد هدموها، وكذلك وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قامت بدور كبير جدًا في إصلاح المجتمع، كذلك قامت طالبان بهدم المزارات وتدميرها، وكذلك منع قيام الأعياد التي كان المسلمون يحتفلون بها، خاصة في مزار شريف التي يُذكر أن بها قبر علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهذا غير معروف تاريخيًا، وقد كان الأفغان يطوفون حول هذه المزارات ويقيمون لها في كل سنة أعياداً محددة.. كل هذه هدمتها طالبان ومنعت الأعياد، حتى لم يبق في الوقت الحالي أي آثار لهذه الأعياد. ا.هـ.
ووجدتُ في موقعِ المرتضى على "الشبكةِ "مشاهد آل البيت الآطايب في فلسطين بقلم: عبد الله مخلص، عضو مجمع اللغة العربية بدمشق (ت 1947). ما يلي:
* مشهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الرملة:
في ضاحية مدينة الرملة -وهي تقع بين بيت المقدس ويافا- وعلى قارعة الطريق المؤدي إلى مدينة «لد» وفي يسارها كرم مغروس بالأشجار المختلفة يستغله الوقف الإسلامي بتأجيره من الراغبين، وهو مقيد بسجلات الأوقاف باسم وقف الإمام علي.
ففي هذا الكرم قبة تحتها قبر ينسب للإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه.(31/460)
وفي منتصف الطريق السلطاني بين بيت المقدس ويافا وفي موضع يسمى باب الواد مقام بني بالحجارة غير مسقوف يقال له مقام الإمام علي، ولكن هذا المقام وذلك المشهد لم يذكرهما أحد من الرحالين المسلمين أو غيرهم، إلا أن أعياناً موقوفة في أراضي مدينة الرملة تستثمرها إدارة الأوقاف في مدينة يافا.
* مقام علي بن أبي طالب في نابلس:
في مدينة نابلس مدفن واسع الجنبات يسمى رجال العامود، يقع على الجادة السابلة من النابلس إلى بيت المقدس وعليه أبنية وقباب، وفي هذا المدفن مقام ينسب إلى سيدنا علي بن أبي طالب، وصفه عبد الغني النابلسي المتوفى سنة 1143 الهجرية في رحلته المسماة (الحضرة الأنسية في الرحلة القدسية) فقال: [[ثم دخلنا إلى مكان في داخل المدفن ينزل إليه بدرج يقال له: مقام الإمام علي رضي الله عنه، فيه محراب وعليه جلالة ومهابة، فلعله رؤي هناك إما في المنام وإما في اليقظة باعتبار التجلي في عالم الأوهام، فوقفنا ودعونا الله تعالى ثم خرجنا إلى تلك الجبانة فزرنا ما فيها من القبور وحصلنا -إن شاء الله- على كمال الأجور]].
* مشهد علي بن أبي طالب في عكا:
ذكر الهروي وياقوت الحموي أنه كان على عين البقرة في مدينة عكا مشهد يُنسب إلى علي بن أبي طالب كرم الله وجهه حاول الفرنج تحويله إلى كنيسة فلم يفلحوا وعاد بعد ذلك مسجداً للمسلمين. قلنا: ولا يوجد الآن على العين المذكورة مشهد أو مسجد.
فهل يُعقلُ أن علي بنَ أبي طالب له كل هذه المشاهد؟! سبحانك هذا بهتانٌ عظيمٌ؟
*فتوى للشيخ: سليمان العلوان:
وأختمُ بهذه الفتوى للشيخِ سليمانَ بنِ ناصر العلوان بخصوص مسألتنا:
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته(31/461)
تناقلت بعض وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، وبعض الصحف مناشدة أهل النجف بتعظيم وحماية الأماكن المقدسة كقبر علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فهل يثبت أن قبر علي بالنجف؟ وما حكم الإسلام في تقديس القبور والبناء عليها؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ المكرم حفظه الله تعالى
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
لم يثبت أن قبر علي بن أبي طالب رضي الله عنه في النجف، ولا قاله أحد من الأئمة، وقد دلت الأدلة والوقائع على خلافه.
• وأكثر الأئمة على أنه قتل بالكوفة، ودفن في هذه الأرض، وهذا قول أبي جعفر محمد بن علي الباقر ومحمد بن سعد، والعجلي.
وقد قيل بأنه دفن في قصر الإمارة خوفاً عليه من الخوارج أن ينبشوا عن جثته، واختار هذا شيخ الإسلام ابن تيمية، والحافظ ابن كثير، وقال عن هذا القول بأنه هو المشهور، وقال: ومن قال: إنه حمل على راحلته فذهبت به فلا يدرى أين ذهب، فقد أخطأ، وتكلف ما لا علم له به، ولا يسيغه عقل ولا شرع، وقيل: إنه دفن قبلي المسجد الجامع من الكوفة، قاله الواقدي، قال ابن كثير: والمشهور: بدار الإمارة.
• وقالت طائفة: قتل بالكوفة ودفن بالمدينة، وقد قال بذلك شريك، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وقال: إن الحسن والحسين حولاه فنقلاه إلى المدينة فدفناه بالبقيع عند قبر فاطمة.
• وقيل: إنهم حملوه على بعير ضل منهم فأخذته طي يظنونه مالاً، فلما رأوا أن الذي في الصندوق ميت ولم يعرفوه دفنوا الصندوق بما فيه فلا يعلم أحد أين قبره.
• وزعمت الرافضة أنه مدفون في النجف، وهذا كذب وليس له أصل، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في منهاج السنة: ومثل من يظن من الجهال أن قبر علي بباطن النجف. وأهل العلم -بالكوفة وغيرها- يعلمون بطلان هذا، ويعلمون أن علياً ومعاوية وعمرو بن العاص كل منهم دفن في قصر الإمارة ببلده، خوفاً عليه من الخوارج أن ينبشوه.(31/462)
وقال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية: وما يعتقده كثير من جهلة الروافض من أن قبره بمشهد النجف فلا دليل على ذلك، ولا أصل له، ويقال: إنما ذاك قبر المغيرة بن شعبة، حكاه الخطيب البغدادي عن أبي نعيم الحافظ عن أبي بكر الطلحي عن محمد بن عبد الله الحضرمي الحافظ، عن مطر أنه قال: لو علمت الشيعة قبر هذا الذي يعظمونه بالنجف لرجموه بالحجارة، هذا قبر المغيرة بن شعبة.
وقبور المسلمين يجب احترامها، وحمايتها من عبث الجهال والطغام، وأهل البدع والشرك، فلا يجوز الجلوس عليها؛ لما روى مسلم في صحيحه من طريق ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه) رواه مسلم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده، خير له من أن يجلس على قبر) رواه مسلم في صحيحه من طريق سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
ويحرم البناء على القبور؛ لما جاء في الصحيحين من طريق ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهما قالا: (لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك: لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) متفق على صحته.
وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن يبعث الرجال للنظر في القبور فتهدم المخالفة للسنة، قال أبو الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب: [[ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ألا تدع تمثالاً إلا طمسته ولا قبراً مشرفاً إلا سويته]] رواه مسلم من طريق حبيب بن أبي ثابت، عن أبي وائل، عن أبي الهياج.(31/463)
وتحرم الصلاة إلى القبور؛ لما روى مسلم في صحيحه من طريق واثلة بن الأسقع عن أبي مرثد الغنوي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها).
ونُهي عن المشي بالنعال بين القبور، فقد روى أحمد وأبوداود والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه من طريق الأسود بن شيبان، عن خالد بن سمير، عن بشير بن نهيك، عن بشير بن الخصاصية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى رجلاً يمشى في نعلين بين القبور فقال: (يا صاحب السبتيتين ألقهما ) وحكى ابن عبد الهادي في المحرر عن أحمد أنه قال: إسناده جيد.
ونقل ابن قدامة في المغني عن أحمد أنه قال: إسناد حديث بشير بن الخصاصية جيد أذهب إليه إلا من علة، وأكثر أهل العلم لا يرون بذلك بأساً.
قال عبد الرحمن بن مهدي: كنت أكون مع عبد الله بن عثمان في الجنائز، فلما بلغ المقابر، حدثته بهذا الحديث، فقال: حديث جيد، ورجل ثقة، ثم خلع نعليه فمشى بين القبور، وصححه الحاكم، وحسنه النووي في المجموع.
ولا يجوز تحري الدعاء عند القبور، أو إسراجها، أو نبشها بدون ضرورة، وأكبر من ذلك: الطواف على القبور، ودعاء أصحابها من دون الله تعالى، فهذا من الشرك بالله الذي لا يغفره تعالى إلا بالتوبة. قال تعالى: (( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ))[النساء:48] وقال تعالى: (( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ))[المائدة:72].(31/464)
وإن في تعظيم القبور من المفاسد العظمية التي لا يعلمها إلا الله تعالى ما يغضب لأجله كل من في قلبه وقار وتعظيم لله تعالى، وغيرة على التوحيد، وتهجين، وتقبيح للشرك، وبسبب تعظيمها سلبت حرية كثير من البشرية إلى الاسترقاق للمخلوقين وأسرتهم تلك التصورات الضالة، والعقائد الفاسدة، فهم في غيهم يعمهون.
أخوكم: سليمان بن ناصر العلوان
20/2/1424هـ
وفي الختامِ: أسألُ اللهَ أن ينفعَ بهذا البحثِ المتواضعِ، وأرجو من كلِ من يقرأ هذا المقال وكان لديهِ تعقيبٌ أو تنبيهٌ أو إضافةٌ فلا يبخلُ بما لديه، وله مني الشكرُ الجزيلُ، ومن اللهِ الأجرُ الجميلُ.
كتبه: عبد الله زقيل 5 رجب 1424هـ
=========================
خرافات الشيعة
ما يورث البرص
عَنْ أَبِى عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَقُولُ ألا لا يَسْتَلْقِيَنَّ أَحَدُكُمْ فِى الْحَمَّامِ فَإِنَّهُ يُذِيبُ شَحْمَ الْكُلْيَتَيْنِ وَلا يَدْلُكَنَّ رِجْلَيْهِ بِالْخَزَفِ فَإِنَّهُ يُورِثُ الْجُذَامَ (الكافي6/500).
الشبع يورث البرص
عَنْ أَبِى عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ الْأَكْلُ عَلَى الشِّبَعِ يُورِثُ الْبَرَصَ (الكافي6/269).
الاغتسال بإناء من فخار مصر يجعلك ديوثا
عَنْ أَبِى الْحَسَنِ الرِّضَا قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ وَ ذَكَرَ مِصْرَ فَقَالَ قَالَ النَّبِىُّ ص لَا تَأْكُلُوا فِى فَخَّارِهَا وَ لَا تَغْسِلُوا رُءُوسَكُمْ بِطِينِهَا فَإِنَّهُ يَذْهَبُ بِالْغَيْرَةِ وَ يُورِثُ الدِّيَاثَةَ» (الكافي6/386 و501).
لزوم الحمام يورث السل
عن أبي الحسن الرضا قال « وَإِيَّاكَ أَنْ تُدْمِنَهُ فَإِنَّ إِدْمَانَهُ يُورِثُ السِّلَّ» (الكافي6/497).
استعمال السواك في الحمام يورث مرض الأسنان
وَ يُكْرَهُ السِّوَاكُ فِى الْحَمَّامِ لِأَنَّهُ يُورِثُ وَبَاءَ الْأَسْنَانِ (من لايحضره الفقيه1/53).
بول الأئمة وغائطهم سبب دخول الجنة(31/465)
ليس في بول الأئمة وغائطهم استخباث ولا نتن ولا قذارة بل هما كالمسك الأذفر، بل من شرب بولهم وغائطهم ودمهم يحرم الله عليه النار واستوجب دخول الجنة) (أنوار الولاية لآية الله الآخوند ملا زين العابدين الكلبايكاني 1409هـ – ص 440).
أكل الجزر يسخن الكليتين ويقيم الذكر
هكذا حكاها الكيني عن أبي عبد الله (الكافي6/372) يسخن الكليتين ويقيم الذكر ويعين على الجماع.
أكل البطيخ يورث الفالج
عَنِ الرِّضَا ع قَالَ الْبِطِّيخُ عَلَى الرِّيقِ يُورِثُ الْفَالِجَ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْهُ (الكافي6/361).
شرب الماء من الليل يورث الماء الأصفر
عن أبي عبد الله قال « وشرب الماء من قيام بالليل يورث الماء الأصفر» (الكافي6/383).
الكلام أثناء الجماع يورث الخرس
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع اتَّقُوا الْكَلَامَ عِنْدَ مُلْتَقَى الْخِتَانَيْنِ فَإِنَّهُ يُورِثُ الْخَرَسَ» (الكافي5/498).
النظر إلى فرج المرأة يورث العمى
وكَرِهَ النَّظَرَ إِلَى فُرُوجِ النِّسَاءِ وَ قَالَ يُورِثُ الْعَمَى وَ كَرِهَ الْكَلَامَ عِنْدَ الْجِمَاعِ وَ قَالَ يُورِثُ الْخَرَسَ (من لا يحضره الفقيه3/556).
كلوا السداب لتخرج عقولكم من السرداب
رووا عن أبي الحسن أنه قال « كلوا السداب فإنه يزيد في العقل» (الكافي6/367) (والسداب هو الفيجن).
رمضان اسم من أسماء الله الحسنى
قالوا: إن رمضان اسم من أسماء الله الحسنى (الكافي4/69 من لا يحضره الفقيه 2/172 وسائل الشيعة7/269 و10/319 –320 مستدرك الوسائل7/438).
آه من أسماء الله
عن أبي عبد الله أنه كان يقول « آه اسم من أسماء الله الحسنى. فمن قال آه: فقد استغاث بالله» (مستدرك الوسائل2/148).
أسماء عجيبة للملائكة
يدعي الشيعة وجود ملك من الملائكة اسمه فطرس!!! عصى الله ثم بعد تفاصيل وأكاذيب كثيرة انتهى حاله إلى قبول توبته بعدما ذهب إلى قبر الحسين وتمرغ به.(31/466)
وهناك ملك آخر اسمه صرصائيل مكتوب على كتفه: تزويج النور من النور (أي علي بفاطمة).
وعن زين العابدين قال إن لله ملكاً يقال له خرقائيل له ثمانية عشر ألف جناح، ما بين الجناح إلى الجناح خمسمائة عام" ["البرهان" ج2 ص327].
وهذا الكافي يتحفنا باسم ملك آخر اسمه منصور لا يزال يزور قبر الحسين (4/583).
فساء وضراط الأئمة كريح المسك
قال أبو جعفر " للإمام عشر علامات: يولد مطهرا مختونا وإذا وقع على الأرض وقع على راحته رافعا صوته بالشهادتين ولا يجنب، وتنام عينه ولا ينام قلبه، ولا يتثاءب ولا يتمطى ويرى من خلفه كما يرى من أمامه، ونجوه (فساؤه وضراطه وغائطه) كريح المسك (الكافي 1/319 كتاب الحجة – باب مواليد الأئمة).
المهدي يظهر عريانا
روى الشيخ الطوسي والنعماني عن الإمام الرضى عليه السلام (أن من علامات ظهور المهدي أنه سيظهر عاريا أمام قرص الشمس) حق اليقين لمحمد الباقر المجلسي ص347.
يجوز النظر إلى المحرم من خلال المرآة
أجازوا النظر إلى فرج الخنثى للتأكد أيهما أسبق من أجل الميراث. فقالوا: ينظر إلى المرآة فيرى شبحا» يعني يرون شبح الفرج وليس الفرج نفسه. (الكافي7/158 وسائل الشيعة26/290 بحار الأنوار60/388).
آخر ما وصلنا من الخرافات الجديدة
قال الكليني نهى رسول الله ( (قال المحقق: أو نهى أمير المؤمنين) عن أكل لحم الفحل وقت اغتلامه» (6/261). فصار من شروط ذبح الفحل وأكله أن لا يكون متورطا في الشهوة مع أنثاه.
روى ابن بابويه القمي عن أبي عبد الله أنه قال « أربعة لا يشبعن من أربعة، الأرض من المطر، والعين من النظر، والأنثى من الذكر" ["كتاب الخصال" ج1 ص221].(31/467)
وروى ابن بابويه أيضا عن أبي عبد الله أنه رأى رجلا وعليه نعل سوداء، فقال : مالك ولبس نعل سوداء؟ أما علمت أن فيها ثلاث خصال؟ قلت : وما هي جعلت فداك؟ قال : تضعف البصر وترخي الذكر وتورث الهم، وهي مع ذلك لباس الجبارين، عليك بلبس نعل صفراء، فيها ثلاث خصال، قال : قلت : وما هي؟ قال : تحد البصر وتشد الذكر وتنفي الهم" [كتاب الخصال لابن بابويه القمي باب الثلاثة ج1 ص99].
عن علي بن الحسين الملقب بزين العابدين أنه قال إن لله ملكاً يقال له خرقائيل له ثمانية عشر ألف جناح، ما بين الجناح إلى الجناح خمسمائة عام" ["البرهان" ج2 ص327].(31/468)
روى الجزائري عن البرسي قوله « أن جبرئيل جاء إلى رسول الله فقال: يا رسول الله إن علياً لما رفع السيف ليضرب به مرحباً، أمر الله سبحانه إسرافيل وميكائيل أن يقبضا عضده في الهواء حتى لا يضرب بكل قوته، ومع هذا قسمه نصفين وكذا ما عليه من الحديد وكذا فرسه ووصل السيف إلى طبقات الأرض، فقال لي الله سبحانه يا جبرئيل بادر إلى تحت الأرض، وامنع سيف علي عن الوصول إلى ثور الأرض حتى لا تقلب الأرض، فمضيت فأمسكته، فكان على جناحي أثقل من مدائن قوم لوط، وهي سبع مدائن، قلعتها من الأرض السابعة، ورفعتها فوق ريشة واحدة من جناحي إلى قرب السماء، وبقيت منتظراً الأمر إلى وقت السحر حتى أمرني الله بقلبها، فما وجدت لها ثقلاً كثقل سيف علي،. . . وفي ذلك اليوم أيضاً لما فتح الحصن وأسروا نسائهم كانت فيهم صفية بنت ملك الحصن فأتت النبي وفي وجهها أثر شجة، فسألها النبي عنها، فقالت أن علياً لما أتى الحصن وتعسر عليه أخذه، أتى إلى برج من بروجه، فنهزه فاهتز الحصن كله وكل من كان فوق مرتفع سقط منه، وأنا كنت جالسة فوق سريري فهويت من عليه فأصابني السرير، فقال لها النبي يا صفية إن علياً لما غضب وهز الحصن غضب الله لغضب علي فزلزل السماوات كلها حتى خافت الملائكة ووقعوا على وجوههم، وكفى به شجاعة ربانية، وأما باب خيبر فقد كان أربعون رجلاً يتعاونون على سده وقت الليل ولما دخل (علي) الحصن طار ترسه من يده من كثرة الضرب، فقلع الباب وكان في يده بمنزلة الترس يتقاتل فهو في يده حتى فتح الله عليه" ["الأنوار النعمانية" للسيد نعمة الله الجزائري].
الطائر الخارج من المنخر(31/469)
عن أبي عبد الله قال "من عطس ثم وضع يده على قصبة أنفه ثم قال: الحمد لله رب العالمين الحمد لله حمدا كثيرا كما هو أهله وصلى الله على محمد النبي الأمي وآله وسلم: خرج من منخره الأيسر طائر أصغر من الجراد وأكبر من الذباب حتى يسير تحت العرش يستغفر الله له إلى يوم القيامة" (الكافي 2/481).
الله يوكل الشياطين بحماية قارئ آية الكرسي
عن أبي عبد الله قال " من قرأ عند منامه آية الكرسي ثلاث مرات والآية التي في آل عمران (شهد الله أنه لا اله إلا هو والملائكة) وآية السخرة وآية السجدة وُكِّل به شيطانان يحميانه من مردة الشياطين" (الكافي 2/392 كتاب الدعاء باب الدعاء عند النوم والانتباه).
مرويات الحمار عفير
عن أمير المؤمنين علي أنه قال " إن أول شيء من الدواب توفي: [هو] عفير [حمار رسول الله] توفي ساعة قبضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قطع خطامه ثم مر يركض حتى أتى بئر بني خطمة بقباء فرمى بنفسه فيها فكانت قبره. قال: إن ذلك الحمار كلّم رسول الله فقال: بأبي أنت وأمي، إن أبي حدثني عن أبيه عن جده عن أبيه أنه كان مع نوح في السفينة فقام إليه نوح فمسح على كفله ثم قال: يخرج من صُلب هذا الحمار يركبه سيد النبيين وخاتمهم. قال عفير: فالحمد لله الذي جعلني ذلك الحمار" (الكافي 1/184 كتاب الحجة : باب ما عند الأئمة من سلاح رسول الله).
علي يضرب نهر الفرات بقضيب
يقول زين الدين البياضي في صراطه المستقيم (1/20 و 107ط الأولى المطبعة الحيدرية نشر المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية) » لما رجع – علي - من صفين كلم الفرات فاضطربت وسمع الناس صوتها بالشهادتين والإقرار له بالخلافة وفي رواية عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام أنه ضربها بقضيب فانفجرت وسلمت عليه حيتانها وأقرت له بأنه الحجة«.
الحسن يتكلم سبعين مليون لغة(31/470)
عن أبي عبد الله أن الحسن قال » إن لله مدينتين، إحداهما بالمشرق والأخرى بالمغرب. وفيها سبعون ألف ألف لغة. يتكلم كل لغة بخلاف لغة صاحبها. وأنا أعرف جميع تلك اللغات (الكافي 1/384-385 كتاب الحجة. باب مولد الحسن بن علي).
أكل التراب شفاء من كل داء
عن أبي الحسن قال « كُلُّ طِينٍ حَرَامٌ مِثْلُ الْمَيْتَةِ وَ الدَّمِ وَ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ إلا طِينَ قَبْرِ الْحُسَيْنِ فَإِنَّ فِيهِ شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ وَ لَكِنْ لا يُكْثَرُ مِنْهُ وَ فِيهِ أَمَانٌ مِنْ كُلِّ خَوْفٍ» (الكافي3/378).
وجاء في مفاتيح الجنان » لا يجوز مطلقا على المشهور بين العلماء أكل شيء من التراب أو الطين إلا تربة الحسين المقدسة استشفاء من دون قصد الإلتذاذ بها بقدر الحمصة. والأحوط أن لا يزيد قدرها على العدسة، ويحسن أن يضع التربة في فمه ثم يشرب جرعة من الماء ويقول: اللهم اجعله رزقا واسعا وعلما نافعا وشفاء من كل داء وسقم« (مفاتيح الجنان547).
لكن أكل الطين يورث النفاق (من هنا جاءت التقية)
عَنْ أَبِى عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ أَكْلُ الطِّينِ يُورِثُ النِّفَاقَ (الكافي2/265).
عَنْ أَبِى جَعْفَرٍ ع قَالَ « أَكْثَرُ مَصَائِدِ الشَّيْطَانِ أَكْلُ الطِّينِ وَ هُوَ يُورِثُ السُّقْمَ فِى الْجِسْمِ وَ يُهَيِّجُ الدَّاءَ وَ مَنْ أَكَلَ طِيناً فَضَعُفَ عَنْ قُوَّتِهِ الَّتِى كَانَتْ قَبْلَ أَنْ يَأْكُلَهُ وَ ضَعُفَ عَنِ الْعَمَلِ الَّذِى كَانَ يَعْمَلُهُ قَبْلَ أَنْ يَأْكُلَهُ حُوسِبَ عَلَى مَا بَيْنَ قُوَّتِهِ وَ ضَعْفِهِ وَ عُذِّبَ عَلَيْهِ» (الكافي6/266).
كيف يذهب وجع العين
» التوسل بالإمام موسى عليه السلام ينفع لوجع العين« (الباقيات الصالحات745 ملحق بمفاتيح الجنان).
أسماء الأيام أسماء الرسول وأهل البيت(31/471)
» السبت اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم والأحد أمير المؤمنين عليه السلام والإثنان الحسن والحسين عليهما السلام والثلاثاء علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد عليهم السلام، والأربعاء موسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وأنا، والخميس ابني الحسين عليه السلام والجمعة ابن ابني وإليه تجتمع عصابة الحق« (مفاتيح الجنان86).
مع أنهم صرحوا بأن اسم الأحد إسم من أسماء الله تعالى. (وسائل الشيعة11/350).
أكل الجبن عند أول كل شهر يقضي الحوائج
» روي أن من يعتد أكل الجبن رأس الشهر أوشك أن لا تُردّ له حاجة« (مفاتيح الجنان366).
ما يعمل للنسيان:
» وليدمن أكل الزبيب على الريق.. وليجتنب ما يورث النسيان وهو أكل التفاح الحامض والكزبرة الخضراء، والجبن، والبول في الماء الواقف، والمشي بين امرأتين، وإلقاء القملة الحية على الأرض، والنظر إلى المصلوب والمرور بين القطار على الجمل« (دعوات منتخبة من كتاب الكافي ملحق بمفاتيح الجنان ص802).
قال الكليني « عن أبي الحسن قال: أكل التفاح والكزبرة يورث النسيان» (الكافي6/366).
أكل الرمان من آداب وأعمال يوم الجمعة:
»أن يأكل الرمان كما كان يعمل الصادق في كل ليلة من ليالي الجمعة والأحسن أن يجعل الأكل عند النوم فقد روي أن من أكل الرمان عند النوم أمن في نفسه إلى الصباح وينبغي أن يبسط لأكل الرمان منديلاً يحتفظ بما يتساقط من حبه فيجمعه ويأكله وكما ينبغي أن لا يشرك أحداً في رمانته« (مفاتيح الجنان60).
ومن اعمال يوم الجمعة » أكل الرمان على الريق وأكل سبعة أوراق من الهندباء قبل الزوال. وعن موسى بن جعفر عليهما السلام قال: من أكل رمانة يوم الجمعة على الريق نورت قلبه أربعين صباحاً فإن أكل رمانتين فثمانين يوماً فإن أكل ثلاثاً فمائة وعشرين يوماً وطردت عنه وسوست الشيطان ومن طردت عنه وسوست الشيطان لم يعص الله ومن لم يعص الله أدخله الله الجنة« (مفاتيح الجنان64).(31/472)
ومن آداب وأعمال يوم الجمعة
» أن يقص شاربه ويقلم أظفاره فذلك يزيد في الرزق.. ويوجب الأمن من الجنون والجذام والبرص« (مفاتيح الجنان63-64).
الإمام يتكلم جميع لغات المخلوقات
عن أبي حمزة نصير الخادم قال » سمعت أبا محمد غير مرة يكلم غلمانه بلغاتهم: تُركٍ ورومٍ وصقالبة. فأقبل علي فقال: إن الله تبارك وتعالى يعطيه (أي الإمام الحجة) اللغات ومعرفة الأنساب والحوادث« (الكافي 1/426 كتاب الحجة. باب مولد الحسن بن علي).
الحسين يرضع من إصبع النبي ولسانه
عن أبي عبد الله قال » لم يرضع الحسين من فاطمة عليها السلام ولا من أنثى. كان يؤتى به النبي ( فيضع إبهامه في فيه. فيمص منها ما يكفيه اليومين والثلاث« (الكافي 1/386 كتاب الحجة. باب مولد الحسين بن علي).
عن أبي الحسن أن النبي ( كان يؤتى به الحسين فيلقمه لسانه فيمصه فيجتزئ به. ولم يرتضع من أنثى« (الكافي 1/387 كتاب الحجة. باب مولد الحسين).
وينكرون على أبي هريرة أنه روى عن النبي ( ستة آلاف حديثا، أما أن يتكلم الحسن سبعين مليون لغة مع أن لغات العالم لا تبلغ في عالمنا هذا العدد حتى وإن أضفنا إليهم لغات الحشرات. ويكون للملك أربع وعشرون وجها وأن تكون طبيعة فاطمة رضي الله عنها مختلفة عما ابتلى به سائر النساء وأن يرضع نبينا من ثدي أبي طالب لا أم طالب وأن يرضع الحسين من أصبع النبي ولسانه فهذا معقول عند الشيعة.
وهكذا يستغرب الشيعة أن يضرب موسى الملك ويتعاملون مع نصوصنا تعامل المستشرقين واللاعقلانيين. ولكن ماذا عن رضاع النبي ( من ثدي أبي طالب ورضاع الحسين من إصبع النبي ( ولسانه: هل هذا من العقل؟
سيقول لك الشيعة: من قال لك أننا نسلم بكل ما في كتاب الكافي فإن فيه الصحيح والضعيف.
والجواب:
أولا: هذا يتعارض مع ما قاله كبار علماء الشيعة من أن مضامين نصوص الكافي متواترة مقطوع بصحتها وهي أحسن الكتب الأربعة وأتقنها.(31/473)
نحن معشر أهل السنة قد صححنا أسانيد مصادر عقيدتنا فإذا صح عندنا السند بواسطة الراوي الثقة إلى النبي ( أخذنا به ولا نبالي باعتراض معترض. أما أنتم معشر الشيعة فماذا تنتظرون؟ مضى على تأليف كتاب الكافي ما يقارب الألف سنة فهلا تحققتم من الأسانيد؟ هذا ما لا يمكن للشيعة فعله لأن
النبي يرضع من ثدي عمه أبي طالب
عن أبي عبد الله قال » لما ولد النبي ( مكث أياما ليس له لبن. فألقاه أبو طالب على ثدي نفسه. فأنزل الله فيه لبنا فرضع منه أياما حتى وقع أبو طالب على حليمة السعدية فدفعه إليها« (الكافي 1/373 كتاب الحجة. باب مولد النبي ( ووفاته).
الوالدان هما العلم
عن الأصبغ بن نباتة أنه سأل أمير المؤمنين عن قوله تعالى ( أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير( قال: الوالدان اللذان أوجب الله لهما الشكر. هما اللذان ولدا العلم. ( وإن جاهداك على أن تشرك بي( يقول في الوصية: وتعدل عمن أمرت بطاعته فلا تطعهما ولا تسمع قولهما« (الكافي 1/354 كتاب الحجة. باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية).
في هذه الرواية تحريف واضح لكلام الله. حيث أخرج الآية عن معناها المتعلق ببر الوالدين الى معنى آخر. وبينما يحث الله على طاعتهما إلا إذا دعا ولدهما إلى الشرك يجعل الله الشرك في طاعة إمام مع أئمة أهل البيت.
النبي دانيال يهدد الله بالعصيان
عن أبي جعفر قال: " إن الله عز وجل أوحى إلى داود عليه السلام أن ائت عبدي دانيال فقل له: إنك عصيتني فغفرت لك وعصيتني فغفرت لك وعصيتني فغفرت لك، فإن أنت عصيتني الرابعة لم أغفر لك... فلما كان في السحر قام دانيال فناجى ربه فقال: فوعزتك لئن لم تعصمني لأعصينك ثم لأعصينك ثم لأعصينك" (الكافي 2/316 كتاب الإيمان والكفر باب التوبة).(31/474)
كيف يقبل الشيعة الاعتقاد بعصمة الإمام مع أن أمهات كتبهم تطعن في أنبياء كهذه الرواية التي تزعم أن نبيا من أنبياء الله يخاطب الله بهذه الجرأة قائلا لأعصينك يا رب ثم لأعصينك ثم لأعصينك…!!!
قال رجل لأمير المؤمنين: "يا أمير المؤمنين إن في بطني ماءً أصفر فهل من شفاء؟ قال: أكتب على بطنك آية الكرسي وتغسلها وتشربها وتجعلها ذخيرة في بطنك فتبرأ بإذن الله عز وجل. ففعل الرجل فبرأ " (الكافي 2/457 كتاب فضل القرآن: بدون باب).
ماذا تقول عند القهقهة
عن أبي جعفر قال "إذا قهقهت فقل حين تفرغ: اللهم لا تمقتني" (الكافي 2/487 باب الدعابة والضحك).
الصلاة على الآل تغني عن دعاء الله
عن أبي عبد الله قال "إن العبد ليكون له الحاجة إلى الله عز وجل فيبدأ بالثناء على الله والصلاة على محمد وآل محمد حتى ينسى حاجته فيقضيها الله له من غير أن يسأله إياها " (الكافي 2/363 كتاب الدعاء باب الاشتغال بذكر الله عز وجل).
النوران يتزوجان
عن أبي الحسن » بينما رسول الله ( جالس إذ دخل عليه ملك له أربعة وعشرون وجها. فقال له رسول الله ( : حبيبي جبرئيل لم أرك في مثل هذه الصورة، قال الملك: لست بجبرئيل. يا محمد. بعثني الله عز وجل أن أزوج النور من النور. قال: من ممن؟ قال: فاطمة من علي. قال: فلما ولى الملك إذا بين كتفيه : محمد رسول الله علي وصيه. فقال رسول الله ( منذ كم كُتِبَ هذا بين كتفيك؟ فقال: من قبل أن يخلق الله آدم باثنين وعشرين ألف عام« (الكافي 1/383 كتاب الحجة. باب مولد الزهراء عليها السلام).
وهكذا يكون أمر الولاية عند مهما إلى درجة أن يكتب ذلك على ظهر الملك غير أنه لا ينزل ولا آية واحدة صريحة في القرآن تنص على أن عليا وصي الله !
مرج البحرين يلتقيان أي علي وفاطمة
تفسير الميزان (ج19 تفسير سورة الرحمن وتفسير القمي2/345وتفسير نور الثقلين5/197).
فاطمة منزهة عن الحيض(31/475)
عن أبي الحسن قال » إن بنات الأنبياء لا يطمثن « (الكافي 1/381 كتاب الحجة. باب مولد الزهراء فاطمة عليها السلام).
عن أبي جعفر قال » لما ولدت فاطمة عليه السلام أوحى الله إلى ملك فأنطق به لسان محمد ( فسماها فاطمة ثم قال: إني فطمتكِ بالعلم وفطمتكِ من الطمث. قال أبو جعفر: والله لقد فطمها عن الطمث في الميثاق« (الكافي 1/382 كتاب الحجة. باب مولد الزهراء عليها السلام).
التفريق بين الضوء والظلام لإقامة الحد
وروى المجلسي بحار الأنوار (40/2 دار إحياء التراث العربي_ بيروت) قال علي سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس له خادم غيري وكان له لحاف ليس له لحاف غيره ومعه عائشة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام بيني وبين عائشة ليس علينا ثلاثتنا لحاف غيره فإذا قام إلى صلاة الليل يحط بيده اللحاف من وسطه بيني وبين عائشة حتى يمس اللحاف الفراش الذي تحتنا» (كتاب سليم بن قيس" ص221 بحار الأنوار38/297 و314 و40/1).
مع أنهم رووا عن أبي عبد الله أنه فتى فيمن يوجد مع امرأة تحت لحاف واحد أنهما يجلدان مئة جلدة (الكافي7/182 تهذيب الأحكام10/40 الاستبصار4/213 وسائل الشيعة20/348 مستدرك الوسائل 14/339 باب تحريم الخلوة بامرأة أجنبية تحت لحاف واحد. بحار الأنوار73/130 و76/57-93 فقيه من لا يحضره الفقيه4/23). فيلزمهم استحقاق علي وعائشة لهذا الحد عليهما.
لكن حضرة المجلسي فرق بين الليل والنهار فزعم أنه إذا وجد رجل مع امرأة ليلا تحت لحاف واحد فلا حد عليهما وأما في النهار فيقام عليهما الحد (بحار الأنوار76/94).
النزاع على الإمامة بين المعصومين
لقد لجأ الرافضة إلى إثبات إمامة أئمتهم بالشعوذات وفنون السحر والخرافات. و لو كانت عندهم الوصيه وعندهم النص و إليهم الاشارة لما التجوا للخرافات والسحر والشعوذة.
الإمام زين العابدين:(31/476)
قالت امرأة من شيعة علي بن الحسين الملقب (زين العابدين) « جئت إلى علي بن الحسين وقد بلغت من العمر عتيا، وقد بلغ بي العمر الكبر الى أن أرعشت وأنا أعد يومئذ مائه وثلاث عشره سنه، فرأيته راكعا وساجدا أو مشغولا بالعبادة فيئست من الدلاله فأومأ الي بالسبابه فعاد الى شبابي» (الكافي1/347 باب مايفصل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر الامامة).
الإمام الحسين:
قالوا « لما قتل الحسين ارسل محمد بن الحنفيه الى علي بن الحسين وقال له: قتل ابوك رضي الله عنه وصلى على روحه ولم يوص وأنا عمك وصنو أبيك، وولادتي من علي عليه السلام في سني وقديمي أحق بها منك في حداثتك، فلا تنازعني في الوصيه ولا الامامه ولاتحاجني.. فرد عليه علي بن الحسين: إنطلق بنا إلى الحجر الأسود حتى نتحاكم عليه ونسأله عن ذلك، فانطلقا حتى أتيا الحجر الأسود، فقال علي بن الحسين لمحمد بن الحنفية: أبدأ أنت فابتهل الى الله عز وجل وسله أن ينطق لك الحجر، ثم سل. فابتهل محمد في الدعاء وسأل الله، ثم دعا الحجر فلم يجبه ... ثم دعا الله علي بن الحسين عليهما السلام ... فتحرك الحجر حتى كاد أن يزول عن موضعه، ثم أنطقه الله عز وجل بلسان عربي مبين، فقال: اللهم ان الوصيه والامامه الى علي بن الحسين» (الكافي1/348 إعلام الورى للطبرسي 258 و259).
الإمام موسى بن جعفر:(31/477)
ونقلوا عن موسى بن جعفر أنه لما حصل خلاف بينه وبين أخيه عبد الله وكان أكبر ولد جعفر ــ خلاف بالامامه أمر موسى بجمع حطب في وسط الدار وأرسل الى أخيه عبد الله يسأله أن يصير اليه، فلما صار اليه ومع موسى جماعه من الإمامية، فلما جلس موسى أمر بطرح النار في الحطب فاحترق ولا يعلم الناس السبب فيه حتى صار الحطب كله جمرا ً ثم قام موسى وجلس بثيابه في وسط النار وأقبل يحدث الناس ساعة ثم قام فنفض ثوبه ورجع الى المجلس، فقال لأخيه عبد الله: إن كنت تزعم أنك الإمام بعد أبيك فاجلس في ذلك المجلس» (كشف الغمه للأربلي ج3/73).
وذكر الكليني قصه أخرى لاثبات امامه موسى بن جعفر و أحقيته بها من أخوته الكبار بأن شخصا جاء الى موسى بن جعفر فسأله عن الامام من هو؟
فقال: ان أخبرتك تقبل ؟
قال: بلى جعلت فداك
قال: أنا هو
قال: فشئ أستدل به
قال: أذهب الى تلك الشجره ـ وأشار بيده الى أم غيلان ـ فقل لها : يقول لك موسى بن جعفر : أقبلي
قال: فأتيتها فرأيتها والله تخد الأرض خدا حتى وقفت بين يديه ، ثم أشار اليها فرجعت» (الأصول من الكافي 1/253 وإعلام الورى للطبرسي ص302).
الإمام محمد بن علي الرضا:
أثبت الروافض إمامه محمد بن علي الرضا أنه جاء اليه شخص فقال : والله اني أريد أن أسألك مسأله واني والله لأستحيي من ذلك فقال لي: أنا أخبرك قبل أن تسألني، تسألني عن الامام؟ فقلت: هو والله هذا فقال: أنا هو فقلت: علامة؟ فكان في يده عصا فنطقت و قالت: إن مولاي امام هذا الزمان وهو الحجة» (أصول الكافي1/353).
وهكذا عارض القوم أصولهم بأن الإمامه لا تثبت إلا بالنص و الإشارة و لا يكون الإمام إلا منصوصاً عليه مشارا إليه من قبل الذي قبله.
خرافات الشيعة
حد العورة عند الشيعة.(31/478)
قال الكركي « إذا سترت القضيب والبيضتين فقد سترت العورة» (الكافي6/501 تهذيب الأحكام1/374). والدبر: نفس المخرج، وليست الأليتان، ولا الفخذ منها، لقول الصادق عليه السلام: (الفخذ ليس من العورة» وروى الصدوق أن الباقر عليه السلام كان يطلي عورته ويلف الازار على الإحليل فيطلي غيره سائر بدنه» (جامع المقاصد للمحقق الكركي2/94 المعتبر للحلي 1/122 منتهى الطلب 1/39 للحلي تحرير الأحكام 1/202 للحلي مدارك الأحكام 3/191 للسيد محمد العاملي ذخيرة المعاد للمحقق السبزواري الحدائق الناضرة2/5).
عن أبي الحسن الماضي قال: العورة عورتان: القبل والدبر. الدبر مستور بالأليتين، فإذا سترت القضيب والأليتين فقد سترت العورة. ولأن ما عداهما ليس محل الحدث. فلا يكون عورة كالساق» (الكافي 6/501 تهذيب الأحكام1/374 وسائل الشيعة1/365 منتهى الطلب 4/269 الخلاف للطوسي1/396 المعتبر للحلي 1/122).
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: « الفخذ ليست من العورة » (تهذيب الأحكام1/374 وسائل الشيعة1/365).
« والدبر نفس المخرج وليست الأليتان ولا الفخذ منها» (جامع المقاصد للمحقق الكركي2/94).
ولهذا كان الباقر يطلي عانته ثم يلف إزاره على طرف إحليله ويدعو قيّم الحمام فيطلي سائر بدنه» (الفقيه 1/117 وسائل الشيعة1/378 كتاب الطهارة للخوئي3/356 كتاب الطهارة1/422 للأنصاري).
علي وغيره يطيرون في السحاب.
يروي هاشم البحراني عن علي عليه السلام أنه ركب السحاب فدارت به سبع أرضين (مدينة المعاجز1/542). وأن جماعة يزيد بن معاوية أتوا الى علي بن الحسين ليقتلوه فوجدوه ركب السحاب (مدينة المعاجز4/256).
وكذلك المجلسي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله ركب السحاب فطار (بحار الأنوار39/138 و148 تفسير فرات510 ).
ويروي الطباطبائي أن الله سخر لعلي السحاب فكان يسير في الأرض شرقا وغربا (تفسير الميزان 13/372 للطباطبائي).
الرعد والبرق من تدبير علي ومشيئته.(31/479)
عن عبد الله بن القاسم بن سماعة بن مهران قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فأرعدت السماء وأبرقت فقال أبو عبد الله عليه السلام: ما كان من هذا الرعد فإنه من أمر صاحبكم. قلت: من صاحبنا؟ قال: أمير المؤمنين عليه السلام (الاختصاص للمفيد ص327 بحار الأنوار27/33).
تلقين الميت أسماء الأئمة.
« أن يلقن الميت الشهادتين وأسماء الأئمة عند وضعه في القبر قبل تشريج اللبن عليه ، فيقول الملقن: يا فلان ابن فلان أذكر العهد الذي خرجت عليه من دار الدنيا : شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله وأن عليا أمير المؤمنين والحسن والحسين - ويذكر الأئمة إلى آخرهم أئمتك أئمة الهدى الأبرار» (النهاية ص38 للطوسي المبسوط للطوسي1/186 مصباح المتجهد ص20).
ما يورث البرص.
عَنْ أَبِى عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَقُولُ ألا لا يَسْتَلْقِيَنَّ أَحَدُكُمْ فِى الْحَمَّامِ فَإِنَّهُ يُذِيبُ شَحْمَ الْكُلْيَتَيْنِ وَلا يَدْلُكَنَّ رِجْلَيْهِ بِالْخَزَفِ فَإِنَّهُ يُورِثُ الْجُذَامَ (الكافي6/500).
الشبع يورث البرص.
عَنْ أَبِى عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ الْأَكْلُ عَلَى الشِّبَعِ يُورِثُ الْبَرَصَ (الكافي6/269).
الاغتسال بإناء من فخار مصر يجعلك ديوثا.
عَنْ أَبِى الْحَسَنِ الرِّضَا قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ وَ ذَكَرَ مِصْرَ فَقَالَ قَالَ النَّبِىُّ ص لَا تَأْكُلُوا فِى فَخَّارِهَا وَ لَا تَغْسِلُوا رُءُوسَكُمْ بِطِينِهَا فَإِنَّهُ يَذْهَبُ بِالْغَيْرَةِ وَ يُورِثُ الدِّيَاثَةَ» (الكافي6/386 و501).
لزوم الحمام يورث السل.
عن أبي الحسن الرضا قال « وَإِيَّاكَ أَنْ تُدْمِنَهُ فَإِنَّ إِدْمَانَهُ يُورِثُ السِّلَّ» (الكافي6/497).
استعمال السواك في الحمام يورث مرض الأسنان.
وَ يُكْرَهُ السِّوَاكُ فِى الْحَمَّامِ لِأَنَّهُ يُورِثُ وَبَاءَ الْأَسْنَانِ (من لايحضره الفقيه1/53).(31/480)
بول الأئمة وغائطهم سبب دخول الجنة.
ليس في بول الأئمة وغائطهم استخباث ولا نتن ولا قذارة بل هما كالمسك الأذفر، بل من شرب بولهم وغائطهم ودمهم يحرم الله عليه النار واستوجب دخول الجنة) (أنوار الولاية لآية الله الآخوند ملا زين العابدين الكلبايكاني 1409هـ – ص 440).
أكل الجزر يسخن الكليتين ويقيم الذكر.
هكذا حكاها الكيني عن أبي عبد الله (الكافي6/372) يسخن الكليتين ويقيم الذكر ويعين على الجماع.
أكل البطيخ يورث الفالج.
عَنِ الرِّضَا ع قَالَ الْبِطِّيخُ عَلَى الرِّيقِ يُورِثُ الْفَالِجَ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْهُ (الكافي6/361).
شرب الماء من الليل يورث الماء الأصفر.
عن أبي عبد الله قال « وشرب الماء من قيام بالليل يورث الماء الأصفر» (الكافي6/383).
الكلام أثناء الجماع يورث الخرس.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع اتَّقُوا الْكَلَامَ عِنْدَ مُلْتَقَى الْخِتَانَيْنِ فَإِنَّهُ يُورِثُ الْخَرَسَ» (الكافي5/498).
النظر إلى فرج المرأة يورث العمى.
وكَرِهَ النَّظَرَ إِلَى فُرُوجِ النِّسَاءِ وَ قَالَ يُورِثُ الْعَمَى وَ كَرِهَ الْكَلَامَ عِنْدَ الْجِمَاعِ وَ قَالَ يُورِثُ الْخَرَسَ (من لا يحضره الفقيه3/556).
كلوا السداب لتخرج عقولكم من السرداب.
رووا عن أبي الحسن أنه قال « كلوا السداب فإنه يزيد في العقل» (الكافي6/367) (والسداب هو الفيجن).
رمضان اسم من أسماء الله الحسنى.
قالوا: إن رمضان اسم من أسماء الله الحسنى (الكافي4/69 من لا يحضره الفقيه 2/172 وسائل الشيعة7/269 و10/319 –320 مستدرك الوسائل7/438).
آه من أسماء الله.
عن أبي عبد الله أنه كان يقول « آه اسم من أسماء الله الحسنى. فمن قال آه: فقد استغاث بالله» (بحار الأنوار78/202 و90/393 التوحيد للصدوق ص219 تفسير نور الثقلين للحويزي 1/12 نور البراهين لنعمة الله الجزائري1/516 مستدرك الوسائل2/148 معاني الأخبار للصدوق ص354).(31/481)
أسماء عجيبة للملائكة.
يدعي الشيعة وجود ملك من الملائكة اسمه فطرس!!! عصى الله ثم بعد تفاصيل وأكاذيب كثيرة انتهى حاله إلى قبول توبته بعدما ذهب إلى قبر الحسين وتمرغ به.
وهناك ملك آخر اسمه صرصائيل مكتوب على كتفه: تزويج النور من النور (أي علي بفاطمة).
وعن زين العابدين قال إن لله ملكاً يقال له خرقائيل له ثمانية عشر ألف جناح، ما بين الجناح إلى الجناح خمسمائة عام" ["البرهان" ج2 ص327].
وهذا الكافي يتحفنا باسم ملك آخر اسمه منصور لا يزال يزور قبر الحسين (4/583).
فساء وضراط الأئمة كريح المسك.
قال أبو جعفر " للإمام عشر علامات: يولد مطهرا مختونا وإذا وقع على الأرض وقع على راحته رافعا صوته بالشهادتين ولا يجنب، وتنام عينه ولا ينام قلبه، ولا يتثاءب ولا يتمطى ويرى من خلفه كما يرى من أمامه، ونجوه (فساؤه وضراطه وغائطه) كريح المسك (الكافي 1/319 كتاب الحجة – باب مواليد الأئمة).
المهدي يظهر عريانا.
روى الشيخ الطوسي والنعماني عن الإمام الرضى عليه السلام (أن من علامات ظهور المهدي أنه سيظهر عاريا أمام قرص الشمس) حق اليقين لمحمد الباقر المجلسي ص347.
يجوز النظر إلى المحرم من خلال المرآة.
أجازوا النظر إلى فرج الخنثى للتأكد أيهما أسبق من أجل الميراث. فقالوا: ينظر إلى المرآة فيرى شبحا» يعني يرون شبح الفرج وليس الفرج نفسه. (الكافي7/158 وسائل الشيعة26/290 بحار الأنوار60/388).
لا تذبح الفحل أثناء جماعه.
قال الكليني نهى رسول الله ( (قال المحقق: أو نهى أمير المؤمنين) عن أكل لحم الفحل وقت اغتلامه» (6/261). فصار من شروط ذبح الفحل وأكله أن لا يكون متورطا في الشهوة مع أنثاه.
روى ابن بابويه القمي عن أبي عبد الله أنه قال « أربعة لا يشبعن من أربعة، الأرض من المطر، والعين من النظر، والأنثى من الذكر" ["كتاب الخصال" ج1 ص221].(31/482)
وروى ابن بابويه أيضا عن أبي عبد الله أنه رأى رجلا وعليه نعل سوداء، فقال : مالك ولبس نعل سوداء؟ أما علمت أن فيها ثلاث خصال؟ قلت : وما هي جعلت فداك؟ قال : تضعف البصر وترخي الذكر وتورث الهم، وهي مع ذلك لباس الجبارين، عليك بلبس نعل صفراء، فيها ثلاث خصال، قال : قلت : وما هي؟ قال : تحد البصر وتشد الذكر وتنفي الهم" [كتاب الخصال لابن بابويه القمي باب الثلاثة ج1 ص99].
عن علي بن الحسين الملقب بزين العابدين أنه قال إن لله ملكاً يقال له خرقائيل له ثمانية عشر ألف جناح، ما بين الجناح إلى الجناح خمسمائة عام" ["البرهان" ج2 ص327].(31/483)
روى الجزائري عن البرسي قوله « أن جبرئيل جاء إلى رسول الله فقال: يا رسول الله إن علياً لما رفع السيف ليضرب به مرحباً، أمر الله سبحانه إسرافيل وميكائيل أن يقبضا عضده في الهواء حتى لا يضرب بكل قوته، ومع هذا قسمه نصفين وكذا ما عليه من الحديد وكذا فرسه ووصل السيف إلى طبقات الأرض، فقال لي الله سبحانه يا جبرئيل بادر إلى تحت الأرض، وامنع سيف علي عن الوصول إلى ثور الأرض حتى لا تقلب الأرض، فمضيت فأمسكته، فكان على جناحي أثقل من مدائن قوم لوط، وهي سبع مدائن، قلعتها من الأرض السابعة، ورفعتها فوق ريشة واحدة من جناحي إلى قرب السماء، وبقيت منتظراً الأمر إلى وقت السحر حتى أمرني الله بقلبها، فما وجدت لها ثقلاً كثقل سيف علي،. . . وفي ذلك اليوم أيضاً لما فتح الحصن وأسروا نسائهم كانت فيهم صفية بنت ملك الحصن فأتت النبي وفي وجهها أثر شجة، فسألها النبي عنها، فقالت أن علياً لما أتى الحصن وتعسر عليه أخذه، أتى إلى برج من بروجه، فنهزه فاهتز الحصن كله وكل من كان فوق مرتفع سقط منه، وأنا كنت جالسة فوق سريري فهويت من عليه فأصابني السرير، فقال لها النبي يا صفية إن علياً لما غضب وهز الحصن غضب الله لغضب علي فزلزل السماوات كلها حتى خافت الملائكة ووقعوا على وجوههم، وكفى به شجاعة ربانية، وأما باب خيبر فقد كان أربعون رجلاً يتعاونون على سده وقت الليل ولما دخل (علي) الحصن طار ترسه من يده من كثرة الضرب، فقلع الباب وكان في يده بمنزلة الترس يتقاتل فهو في يده حتى فتح الله عليه" ["الأنوار النعمانية" للسيد نعمة الله الجزائري].
الطائر الخارج من المنخر.(31/484)
عن أبي عبد الله قال "من عطس ثم وضع يده على قصبة أنفه ثم قال: الحمد لله رب العالمين الحمد لله حمدا كثيرا كما هو أهله وصلى الله على محمد النبي الأمي وآله وسلم: خرج من منخره الأيسر طائر أصغر من الجراد وأكبر من الذباب حتى يسير تحت العرش يستغفر الله له إلى يوم القيامة" (الكافي 2/481).
الله يوكل الشياطين بحماية قارئ آية الكرسي.
عن أبي عبد الله قال " من قرأ عند منامه آية الكرسي ثلاث مرات والآية التي في آل عمران (شهد الله أنه لا اله إلا هو والملائكة) وآية السخرة وآية السجدة وُكِّل به شيطانان يحميانه من مردة الشياطين" (الكافي 2/392 كتاب الدعاء باب الدعاء عند النوم والانتباه).
مرويات الحمار عفير.
عن أمير المؤمنين علي أنه قال " إن أول شيء من الدواب توفي: [هو] عفير [حمار رسول الله] توفي ساعة قبضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قطع خطامه ثم مر يركض حتى أتى بئر بني خطمة بقباء فرمى بنفسه فيها فكانت قبره. قال: إن ذلك الحمار كلّم رسول الله فقال: بأبي أنت وأمي، إن أبي حدثني عن أبيه عن جده عن أبيه أنه كان مع نوح في السفينة فقام إليه نوح فمسح على كفله ثم قال: يخرج من صُلب هذا الحمار يركبه سيد النبيين وخاتمهم. قال عفير: فالحمد لله الذي جعلني ذلك الحمار" (الكافي 1/184 كتاب الحجة : باب ما عند الأئمة من سلاح رسول الله).
علي يضرب نهر الفرات بقضيب.
يقول زين الدين البياضي في صراطه المستقيم (1/20 و 107ط الأولى المطبعة الحيدرية نشر المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية) » لما رجع – علي - من صفين كلم الفرات فاضطربت وسمع الناس صوتها بالشهادتين والإقرار له بالخلافة وفي رواية عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام أنه ضربها بقضيب فانفجرت وسلمت عليه حيتانها وأقرت له بأنه الحجة«.
الحسن يتكلم سبعين مليون لغة.(31/485)
عن أبي عبد الله أن الحسن قال » إن لله مدينتين، إحداهما بالمشرق والأخرى بالمغرب. وفيها سبعون ألف ألف لغة. يتكلم كل لغة بخلاف لغة صاحبها. وأنا أعرف جميع تلك اللغات (الكافي 1/384-385 كتاب الحجة. باب مولد الحسن بن علي).
أكل التراب شفاء من كل داء.
عن أبي الحسن قال « كُلُّ طِينٍ حَرَامٌ مِثْلُ الْمَيْتَةِ وَ الدَّمِ وَ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ إلا طِينَ قَبْرِ الْحُسَيْنِ فَإِنَّ فِيهِ شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ وَ لَكِنْ لا يُكْثَرُ مِنْهُ وَ فِيهِ أَمَانٌ مِنْ كُلِّ خَوْفٍ» (الكافي3/378).
وجاء في مفاتيح الجنان » لا يجوز مطلقا على المشهور بين العلماء أكل شيء من التراب أو الطين إلا تربة الحسين المقدسة استشفاء من دون قصد الإلتذاذ بها بقدر الحمصة. والأحوط أن لا يزيد قدرها على العدسة، ويحسن أن يضع التربة في فمه ثم يشرب جرعة من الماء ويقول: اللهم اجعله رزقا واسعا وعلما نافعا وشفاء من كل داء وسقم« (مفاتيح الجنان547).
لكن أكل الطين يورث النفاق (من هنا جاءت التقية).
عَنْ أَبِى عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ أَكْلُ الطِّينِ يُورِثُ النِّفَاقَ (الكافي2/265).
عَنْ أَبِى جَعْفَرٍ ع قَالَ « أَكْثَرُ مَصَائِدِ الشَّيْطَانِ أَكْلُ الطِّينِ وَ هُوَ يُورِثُ السُّقْمَ فِى الْجِسْمِ وَ يُهَيِّجُ الدَّاءَ وَ مَنْ أَكَلَ طِيناً فَضَعُفَ عَنْ قُوَّتِهِ الَّتِى كَانَتْ قَبْلَ أَنْ يَأْكُلَهُ وَ ضَعُفَ عَنِ الْعَمَلِ الَّذِى كَانَ يَعْمَلُهُ قَبْلَ أَنْ يَأْكُلَهُ حُوسِبَ عَلَى مَا بَيْنَ قُوَّتِهِ وَ ضَعْفِهِ وَ عُذِّبَ عَلَيْهِ» (الكافي6/266).
كيف يذهب وجع العين.
» التوسل بالإمام موسى عليه السلام ينفع لوجع العين« (الباقيات الصالحات745 ملحق بمفاتيح الجنان).
أسماء الأيام أسماء الرسول وأهل البيت.(31/486)
» السبت اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم والأحد أمير المؤمنين عليه السلام والإثنان الحسن والحسين عليهما السلام والثلاثاء علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد عليهم السلام، والأربعاء موسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وأنا، والخميس ابني الحسين عليه السلام والجمعة ابن ابني وإليه تجتمع عصابة الحق« (مفاتيح الجنان86).
مع أنهم صرحوا بأن اسم الأحد إسم من أسماء الله تعالى. (وسائل الشيعة11/350).
أكل الجبن عند أول كل شهر يقضي الحوائج.
» روي أن من يعتد أكل الجبن رأس الشهر أوشك أن لا تُردّ له حاجة« (مفاتيح الجنان366).
ما يعمل للنسيان؟؟
» وليدمن أكل الزبيب على الريق.. وليجتنب ما يورث النسيان وهو أكل التفاح الحامض والكزبرة الخضراء، والجبن، والبول في الماء الواقف، والمشي بين امرأتين، وإلقاء القملة الحية على الأرض، والنظر إلى المصلوب والمرور بين القطار على الجمل« (دعوات منتخبة من كتاب الكافي ملحق بمفاتيح الجنان ص802).
قال الكليني « عن أبي الحسن قال: أكل التفاح والكزبرة يورث النسيان» (الكافي6/366).
أكل الرمان من آداب وأعمال يوم الجمعة!!!!
»أن يأكل الرمان كما كان يعمل الصادق في كل ليلة من ليالي الجمعة والأحسن أن يجعل الأكل عند النوم فقد روي أن من أكل الرمان عند النوم أمن في نفسه إلى الصباح وينبغي أن يبسط لأكل الرمان منديلاً يحتفظ بما يتساقط من حبه فيجمعه ويأكله وكما ينبغي أن لا يشرك أحداً في رمانته« (مفاتيح الجنان60).
ومن اعمال يوم الجمعة » أكل الرمان على الريق وأكل سبعة أوراق من الهندباء قبل الزوال. وعن موسى بن جعفر عليهما السلام قال: من أكل رمانة يوم الجمعة على الريق نورت قلبه أربعين صباحاً فإن أكل رمانتين فثمانين يوماً فإن أكل ثلاثاً فمائة وعشرين يوماً وطردت عنه وسوست الشيطان ومن طردت عنه وسوست الشيطان لم يعص الله ومن لم يعص الله أدخله الله الجنة« (مفاتيح الجنان64).(31/487)
مايزيد في الرزق!!!!!
» أن يقص شاربه ويقلم أظفاره فذلك يزيد في الرزق.. ويوجب الأمن من الجنون والجذام والبرص« (مفاتيح الجنان63-64).
الإمام يتكلم جميع لغات المخلوقات.
عن أبي حمزة نصير الخادم قال » سمعت أبا محمد غير مرة يكلم غلمانه بلغاتهم: تُركٍ ورومٍ وصقالبة. فأقبل علي فقال: إن الله تبارك وتعالى يعطيه (أي الإمام الحجة) اللغات ومعرفة الأنساب والحوادث« (الكافي 1/426 كتاب الحجة. باب مولد الحسن بن علي).
الحسين يرضع من إصبع النبي ولسانه.
عن أبي عبد الله قال » لم يرضع الحسين من فاطمة عليها السلام ولا من أنثى. كان يؤتى به النبي صلى الله عليه وسلم فيضع إبهامه في فيه. فيمص منها ما يكفيه اليومين والثلاث« (الكافي 1/386 كتاب الحجة. باب مولد الحسين بن علي).
عن أبي الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤتى به الحسين فيلقمه لسانه فيمصه فيجتزئ به. ولم يرتضع من أنثى« (الكافي 1/387 كتاب الحجة. باب مولد الحسين).
وينكرون على أبي هريرة أنه روى عن النبي ( ستة آلاف حديثا، أما أن يتكلم الحسن سبعين مليون لغة مع أن لغات العالم لا تبلغ في عالمنا هذا العدد حتى وإن أضفنا إليهم لغات الحشرات. ويكون للملك أربع وعشرون وجها وأن تكون طبيعة فاطمة رضي الله عنها مختلفة عما ابتلى به سائر النساء وأن يرضع نبينا من ثدي أبي طالب لا أم طالب وأن يرضع الحسين من أصبع النبي ولسانه فهذا معقول عند الشيعة.
وهكذا يستغرب الشيعة أن يضرب موسى الملك ويتعاملون مع نصوصنا تعامل المستشرقين واللاعقلانيين. ولكن ماذا عن رضاع النبي صلى الله عليه وسلم من ثدي أبي طالب ورضاع الحسين من إصبع النبي صلى الله عليه وسلم ولسانه: هل هذا من العقل؟
سيقول لك الشيعة: من قال لك أننا نسلم بكل ما في كتاب الكافي فإن فيه الصحيح والضعيف.
والجواب:(31/488)
أولا: هذا يتعارض مع ما قاله كبار علماء الشيعة من أن مضامين نصوص الكافي متواترة مقطوع بصحتها وهي أحسن الكتب الأربعة وأتقنها.
نحن معشر أهل السنة قد صححنا أسانيد مصادر عقيدتنا فإذا صح عندنا السند بواسطة الراوي الثقة إلى النبي ( أخذنا به ولا نبالي باعتراض معترض. أما أنتم معشر الشيعة فماذا تنتظرون؟ مضى على تأليف كتاب الكافي ما يقارب الألف سنة فهلا تحققتم من الأسانيد؟ هذا ما لا يمكن للشيعة فعله لأن
النبي يرضع من ثدي عمه أبي طالب.
عن أبي عبد الله قال » لما ولد النبي صلى الله عليه وسلم مكث أياما ليس له لبن. فألقاه أبو طالب على ثدي نفسه. فأنزل الله فيه لبنا فرضع منه أياما حتى وقع أبو طالب على حليمة السعدية فدفعه إليها« (الكافي 1/373 كتاب الحجة. باب مولد النبي ( ووفاته).
الوالدان هما العلم.
عن الأصبغ بن نباتة أنه سأل أمير المؤمنين عن قوله تعالى ( أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير( قال: الوالدان اللذان أوجب الله لهما الشكر. هما اللذان ولدا العلم. ( وإن جاهداك على أن تشرك بي( يقول في الوصية: وتعدل عمن أمرت بطاعته فلا تطعهما ولا تسمع قولهما« (الكافي 1/354 كتاب الحجة. باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية).
في هذه الرواية تحريف واضح لكلام الله. حيث أخرج الآية عن معناها المتعلق ببر الوالدين الى معنى آخر. وبينما يحث الله على طاعتهما إلا إذا دعا ولدهما إلى الشرك يجعل الله الشرك في طاعة إمام مع أئمة أهل البيت.
النبي دانيال يهدد الله بالعصيان.
عن أبي جعفر قال: " إن الله عز وجل أوحى إلى داود عليه السلام أن ائت عبدي دانيال فقل له: إنك عصيتني فغفرت لك وعصيتني فغفرت لك وعصيتني فغفرت لك، فإن أنت عصيتني الرابعة لم أغفر لك... فلما كان في السحر قام دانيال فناجى ربه فقال: فوعزتك لئن لم تعصمني لأعصينك ثم لأعصينك ثم لأعصينك" (الكافي 2/316 كتاب الإيمان والكفر باب التوبة).(31/489)
كيف يقبل الشيعة الاعتقاد بعصمة الإمام مع أن أمهات كتبهم تطعن في أنبياء كهذه الرواية التي تزعم أن نبيا من أنبياء الله يخاطب الله بهذه الجرأة قائلا لأعصينك يا رب ثم لأعصينك ثم لأعصينك…!!!
قال رجل لأمير المؤمنين: "يا أمير المؤمنين إن في بطني ماءً أصفر فهل من شفاء؟ قال: أكتب على بطنك آية الكرسي وتغسلها وتشربها وتجعلها ذخيرة في بطنك فتبرأ بإذن الله عز وجل. ففعل الرجل فبرأ " (الكافي 2/457 كتاب فضل القرآن: بدون باب).
ماذا تقول عند القهقهة.
عن أبي جعفر قال "إذا قهقهت فقل حين تفرغ: اللهم لا تمقتني" (الكافي 2/487 باب الدعابة والضحك).
الصلاة على الآل تغني عن دعاء الله.
عن أبي عبد الله قال "إن العبد ليكون له الحاجة إلى الله عز وجل فيبدأ بالثناء على الله والصلاة على محمد وآل محمد حتى ينسى حاجته فيقضيها الله له من غير أن يسأله إياها " (الكافي 2/363 كتاب الدعاء باب الاشتغال بذكر الله عز وجل).
النوران يتزوجان.
عن أبي الحسن » بينما رسول صلى الله عليه وسلم جالس إذ دخل عليه ملك له أربعة وعشرون وجها. فقال له رسول الله ( : حبيبي جبرئيل لم أرك في مثل هذه الصورة، قال الملك: لست بجبرئيل. يا محمد. بعثني الله عز وجل أن أزوج النور من النور. قال: من ممن؟ قال: فاطمة من علي. قال: فلما ولى الملك إذا بين كتفيه : محمد رسول الله علي وصيه. فقال رسول الله تعالى منذ كم كُتِبَ هذا بين كتفيك؟ فقال: من قبل أن يخلق الله آدم باثنين وعشرين ألف عام« (الكافي 1/383 كتاب الحجة. باب مولد الزهراء عليها السلام).
وهكذا يكون أمر الولاية عند مهما إلى درجة أن يكتب ذلك على ظهر الملك غير أنه لا ينزل ولا آية واحدة صريحة في القرآن تنص على أن عليا وصي الله !
مرج البحرين يلتقيان أي علي وفاطمة.
تفسير الميزان (ج19 تفسير سورة الرحمن وتفسير القمي2/345وتفسير نور الثقلين5/197).
فاطمة منزهة عن الحيض.(31/490)
عن أبي الحسن قال » إن بنات الأنبياء لا يطمثن « (الكافي 1/381 كتاب الحجة. باب مولد الزهراء فاطمة عليها السلام).
عن أبي جعفر قال » لما ولدت فاطمة عليه السلام أوحى الله إلى ملك فأنطق به لسان محمد ( فسماها فاطمة ثم قال: إني فطمتكِ بالعلم وفطمتكِ من الطمث. قال أبو جعفر: والله لقد فطمها عن الطمث في الميثاق« (الكافي 1/382 كتاب الحجة. باب مولد الزهراء عليها السلام).
التفريق بين الضوء والظلام لإقامة الحد.
وروى المجلسي بحار الأنوار (40/2 دار إحياء التراث العربي_ بيروت) قال علي سافرت مع رسول الله عليه وسلم ليس له خادم غيري وكان له لحاف ليس له لحاف غيره ومعه عائشة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام بيني وبين عائشة ليس علينا ثلاثتنا لحاف غيره فإذا قام إلى صلاة الليل يحط بيده اللحاف من وسطه بيني وبين عائشة حتى يمس اللحاف الفراش الذي تحتنا» (كتاب سليم بن قيس" ص221 بحار الأنوار38/297 و314 و40/1).
مع أنهم رووا عن أبي عبد الله أنه فتى فيمن يوجد مع امرأة تحت لحاف واحد أنهما يجلدان مئة جلدة (الكافي7/182 تهذيب الأحكام10/40 الاستبصار4/213 وسائل الشيعة20/348 مستدرك الوسائل 14/339 باب تحريم الخلوة بامرأة أجنبية تحت لحاف واحد. بحار الأنوار73/130 و76/57-93 فقيه من لا يحضره الفقيه4/23). فيلزمهم استحقاق علي وعائشة لهذا الحد عليهما.
لكن حضرة المجلسي فرق بين الليل والنهار فزعم أنه إذا وجد رجل مع امرأة ليلا تحت لحاف واحد فلا حد عليهما وأما في النهار فيقام عليهما الحد (بحار الأنوار76/94).
النزاع على الإمامة بين المعصومين.
لقد لجأ الرافضة إلى إثبات إمامة أئمتهم بالشعوذات وفنون السحر والخرافات. و لو كانت عندهم الوصيه وعندهم النص و إليهم الاشارة لما التجوا للخرافات والسحر والشعوذة.
الإمام زين العابدين.(31/491)
قالت امرأة من شيعة علي بن الحسين الملقب (زين العابدين) « جئت إلى علي بن الحسين وقد بلغت من العمر عتيا، وقد بلغ بي العمر الكبر الى أن أرعشت وأنا أعد يومئذ مائه وثلاث عشره سنه، فرأيته راكعا وساجدا أو مشغولا بالعبادة فيئست من الدلاله فأومأ الي بالسبابه فعاد الى شبابي» (الكافي1/347 باب مايفصل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر الامامة).
الإمام الحسين.
قالوا « لما قتل الحسين ارسل محمد بن الحنفيه الى علي بن الحسين وقال له: قتل ابوك رضي الله عنه وصلى على روحه ولم يوص وأنا عمك وصنو أبيك، وولادتي من علي عليه السلام في سني وقديمي أحق بها منك في حداثتك، فلا تنازعني في الوصيه ولا الامامه ولاتحاجني.. فرد عليه علي بن الحسين: إنطلق بنا إلى الحجر الأسود حتى نتحاكم عليه ونسأله عن ذلك، فانطلقا حتى أتيا الحجر الأسود، فقال علي بن الحسين لمحمد بن الحنفية: أبدأ أنت فابتهل الى الله عز وجل وسله أن ينطق لك الحجر، ثم سل. فابتهل محمد في الدعاء وسأل الله، ثم دعا الحجر فلم يجبه ... ثم دعا الله علي بن الحسين عليهما السلام ... فتحرك الحجر حتى كاد أن يزول عن موضعه، ثم أنطقه الله عز وجل بلسان عربي مبين، فقال: اللهم ان الوصيه والامامه الى علي بن الحسين» (الكافي1/348 إعلام الورى للطبرسي 258 و259).
الإمام موسى بن جعفر.(31/492)
ونقلوا عن موسى بن جعفر أنه لما حصل خلاف بينه وبين أخيه عبد الله وكان أكبر ولد جعفر ــ خلاف بالامامه أمر موسى بجمع حطب في وسط الدار وأرسل الى أخيه عبد الله يسأله أن يصير اليه، فلما صار اليه ومع موسى جماعه من الإمامية، فلما جلس موسى أمر بطرح النار في الحطب فاحترق ولا يعلم الناس السبب فيه حتى صار الحطب كله جمرا ً ثم قام موسى وجلس بثيابه في وسط النار وأقبل يحدث الناس ساعة ثم قام فنفض ثوبه ورجع الى المجلس، فقال لأخيه عبد الله: إن كنت تزعم أنك الإمام بعد أبيك فاجلس في ذلك المجلس» (كشف الغمه للأربلي ج3/73).
وذكر الكليني قصه أخرى لاثبات امامه موسى بن جعفر و أحقيته بها من أخوته الكبار بأن شخصا جاء الى موسى بن جعفر فسأله عن الامام من هو؟
فقال: ان أخبرتك تقبل ؟
قال: بلى جعلت فداك
قال: أنا هو .
قال: فشئ أستدل به ؟
قال: أذهب الى تلك الشجره ـ وأشار بيده الى أم غيلان ـ فقل لها : يقول لك موسى بن جعفر : أقبلي
قال: فأتيتها فرأيتها والله تخد الأرض خدا حتى وقفت بين يديه ، ثم أشار اليها فرجعت» (الأصول من الكافي 1/253 وإعلام الورى للطبرسي ص302).
الإمام محمد بن علي الرضا.
أثبت الروافض إمامه محمد بن علي الرضا أنه جاء اليه شخص فقال : والله اني أريد أن أسألك مسأله واني والله لأستحيي من ذلك فقال لي: أنا أخبرك قبل أن تسألني، تسألني عن الامام؟ فقلت: هو والله هذا فقال: أنا هو فقلت: علامة؟ فكان في يده عصا فنطقت و قالت: إن مولاي امام هذا الزمان وهو الحجة» (أصول الكافي1/353).
وهكذا عارض القوم أصولهم بأن الإمامه لا تثبت إلا بالنص و الإشارة و لا يكون الإمام إلا منصوصاً عليه مشارا إليه من قبل الذي قبله.
عبدالرحمن دمشيقة
=========================
الباب العاشر- الحسينيات
الشيعة والحسينيات
عبدالله بن عبدالعزيز
بسم الله الرحمن الرحيم(31/493)
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده لله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحد لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
(( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون )).
(( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا )) .
(( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله فقد فاز فوزا عظيما )).
أما بعد . . . بان أصدق الحديث كتاب الله ، وأحسن الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثه بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
وبعد ... إن علماء الشيعة أخذوا على عاتقهم العهد على نثر التشيع والعمل على ترويجه،" والبغي على غيره، فما من وسيلة إلا واستخدموها ولا من طريق إلا وسلكوه ، طبعوا الكتب وروجوها ووزعوها بالمجان وأرسلوها علماءهم ودعاتهم إلى كافة الأقطار، استغلوا حاجات المعسرين واستفادوا من ذوي النفوس المريضة من الكتاب وكل من باع آخرته بدنياه ليكتبوا ما يريدون، كل هذا من أجل نصرة المذهب وترويجه بين العوام .
وموضوع هذه الرسالة استغلالهم لمقتل (الحسين بن علي رضي الله عنه ) لإثارة عواطف العوام والتدليس عليهم بنقولات زائفة وأخبار كاذبة ليصلوا بها إلى ما يريدون مم تزييف الدين ، والطعن في أصحاب النبي ولعن خير أمة أخرجت للناس .
أولا : آل البيت يذمون الشيعة :
إن الحق الذي لا ريب فيه هو ثبوت الجريمة على الشيعة فهم الذين غدروا بالحسين رضي الله عنه، دعوه إلى الكوفة ، وتخلوا عنه فقد صرخ رضي الله عنه في وجوههم قائلا :(31/494)
( تبا لكم أيتها الجماعة وترحا وبؤسا لكم ، حين استصرختمونا ولهين، فاستصرخناكم موجفين، فشحذتم علينا سيفا كان في أيدينا وحمشتم علينا نار أضرمناها على عدوكم وعدونا ، فأصبحتم إلبا على أوليائهم ويدا لأعدائكم ... ولا ذنب كان منا إليكم فهلا لكم الويلات إذ كرهتمونا والسيف مشيم والجأش طامن ، والرآي لم يستحصف ، ولكنكم أسرعتم إلى بيعتنا كطيرة الدبا، وتهافتم إليها الفراش ثم نقضتموها سفها وضلة . .. أجل والله خذل فيكم معروف نبتت عليه أصولكم وأنذرت عليه عروقكم ، فكنتم أخبث ثمر شجر للناظر وأكلة للغاصب ، ألا لعنة الله على الظالمين الناكثين الذين ينقضون الإيمان بعد توكيدها . . . ) (1) .
وتقول فاطمة الصغرى وهي من أهل البيت الذين يتباكى عليهم الشيعة بكاء التماسيح : ( أما بعد، يا أهل الكوفة يا أهل المكر والغدر والخيلاء إنا أهل بيت ابتلانا الله بكم وابتلاكم بنا فجعل بلاءنا حسنا) (2) .
ومثلهما الإمام السجاد علي بن الحسين رضي الله عنهما وهو الإمام الرابع المعصوم عند الشيعة حيث يقول : ( هيهات هيهات أيها الغدرة المكرة حيل بيتم وبين شهوات أنفسكم ، أتريدون أن تأتوا إليّ كما أتيتم إلى آبائي من قبل) (3) .
أما إلامام الحسن رضي الله عنه فقد فضل (معاوية رضي الله عنه) على هؤلاء الشيعة الغدرة المكرة حيث يقول : ( أرى والله معاوية خير لي من هؤلاء يزعمون أنهم لي شيعة ابتغوا قتلي وانتخبوا ثقلي وأخذوا مالي، والله لئن أخذ مني معاوية عهدا أحقن به دمي وأؤمن في أهلي ، خير من أن يقتلوني فيضيع أهل بيتي وأهلي ولو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوني إليه سلما ..) (4) .(31/495)
ويقول الإمام علي رضي الله عنه : ( لم وددت والله أن معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم أخذ مني عشرة منكم وأعطاني رجلا منهم يا أهل الكوفة منيت منكم بثلاث واثنين صم ذوو أسماع ، وبكم ذوو كل عمي ذوو أبصار لا أحرار صدق عند اللقاء ولا إخوان ثقة عند البلاء ، تربت أيديم يا أشباه الإبل غاب عنها رعاتها ، كلما جمعت من جانب تفرقت من جانب آخر000) (5) .
فهذا رأي آهل البيت رضي الله عنهم في الشيعة ، وإنهم يرون أنهم مكرة خونة غدرة نقلناه لك من مصدرين (شيعيين مهمين) هما (الاحتجاج) و(نهج البلاغة) مضافا إلى هذا ما رواه عمدتهم في الجرح والتعديل ( أبو عمرو الكشي) بسنده عن الإمام الصادق(ع) قال: ( ما أنزل الله سبحانه آية في المنافقين إلا وهي فبمن ينتحل التشيع ) (6) .
ويقول الإمام الصادق عليه السلام : ( لو قام قائمنا بدأ بكذابي شيعتتا فقتلهم ) (7) .
ويقول الإمام الصادق أيضا : ( أن ممن ينتحل هذا الأمر-( أي التشيع)- لمن هو شر من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا ) (8).
ويقول الباقر عليه السلام : ( لو كان الناس كلهم لنا شيعة لكان ثلاثة أرباعهم لنا شكاكا والربع الآخر أحمق ) (9) .
ويقول الإمام الرضا عليه السلام : ( إن ممن ينتحل مودتنا أهل البيت من هو أشد فتنة على شيعتنا من الدجال ) (10) .
روى ثقة إسلامهم (محمد بن يعقوب الكيني ) بسنده عن موسى بن بكر الواسطي قال : (قال لي أبو الحسن عليه السلام ) :
لو ميزت شيعتي لم أجدهم إلا واضعة، ولو امتحنتهم لما وجدتهم إلا مرتدين، ولو تمحصتهم لما خلص من الألف واحد ) (11) .
فأين نصيب هؤلاء من الطعم ؟!!
ولماذا يتجاهل ( الشيعة) ما فعله أسلافهم ، وكأن شيثا من غدرهم ومكرهم وتخاذلهم لم يكن ؟
ولماذا يتجاهلون ذم آهل البيت (رضي الله عنهم ) لهم ؟
الشيعة يستحدثون بدعة النياحة واللطم :(31/496)
هذا وقد ألف داعيتهم ( عبد الحسين شرف الدين الموسوي ) كتابا سماه ( المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة ) حاول فيه كعادته في مؤلفاته الدفاع عن البدع والخرافات التي يتعبد بها الشيعة ومنها المآتم كما يفهم من عنوان الكتاب. نعم حاول أن يثبت جواز إقامة المآتم من بكاء النبي على ابنه إبراهيم (12) لقد ذرفت عين النبي ولكن:
هل فعل النبي ، ما تفعله الشيعة في مآتم ؟ وهل جعل النبي من موت عمه حمزة رضي الله عنه وغيره مناسبة سنوية يجتمع فيها كل عام ويتفنن باكيا أو متباكيا لكي يبكي الحاضرون كما يفعل علماء الشيعة وخطباؤهم قي الحسينيات ؟
وهل كان النبي يوزع شراب " الفيمتو " و " الشاهي " و "التدخين " في ذكرى مقتل أو موت من ذكرهم هذا المؤلف ؟
ويقول (عبد الحسين الموسوي) : ( وقد استمرت سيرة الأمة على الندب والعويل وأمروا أوليائهم لإقامة مآتم الحزن على الحسين جيلا بعد جيل) (13) .
ويقول وهو يرد على من عاب على ( الشيعة) نياحهم وعويلهم : (ولو علم اللائم الأحمق بما في حزننا على أهل البيت من النصرة لهم والحرب الطاحنة لأعدائهم لخشع أمام حزننا الطويل(14) ولأكبر الحكمة المقصودة من هذا النوح والعويل ولاذ عن الأسرار في استمرارنا على ذلك في كل جيل 000) (15) .
قلنا: هذا النوح والعويل منهي عنه شرعا برواياتنا ورواياتكم ، وأنا أذكر الروايات التي تحضرني من كتب الشيعة :( الأولى) : قال: ( محمد بن علي بن الحسين) الملقب عند ( الشيعة)
بالصدوق : من ألفاظ رسول الله التي لم يسبق إليها : النياحة من عمل الجاهلية (16) .
( الثاني ) : ما رواه الإمام الصادق عن آبائه عليهم السلام في حديث المناهي قال : ( نهى رسول الله وآله عن الرنة عند المصيبة ونهى عن النياحة والاستماع إليها ) (17) .
فالشيعي آثم لنياحة واستماعه النياح فليحذر .(31/497)
( الثالث ): عن رسول الله وآله قال: (صوتان ملعونان يبغضهما الله أعوال عند مصيبة وصوت عند نعمة، يعني " النوح والغناء) (18) .
( الرابعة): ما جاء عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ( لا يصلح الصياح على الميت ولا ينبغي، ولكن الناس لا يعرفون ) (19) .
(الخامسة): في كتاب الإمام علي عليه السلام إلى رفاعة بن شداد ( وإياك والنوح على الميت ببلد يكون صوت لك به سلطان(20).
( السادسة) :عن الصادق عليه السلام قال:( من ضرب يده عل فخذه عند المصيبة حبط أجره ) (21) .
(السابعة): عن أبي عبد الله عليه السلام :( لا ينبغي الصياح على الميت ولا تشق الثياب ) (22) .
( الثامنة ) : قوله لفاطمة حين قُتل ( جعفر بن أبي طالب): ( لا تدعي بذل ولا ثُكل ولا حزن وما قلت فقد صدقت)(23).
( التاسعة ) : عن أيا سعيد أن رسول الله وآله ( لعن النائحة والمستمعة) (24) .
( العاشرة ): عن أبي جعفر عليه السلام قال: ( أشد الجزع الصراخ بالويل والعويل ولطم الوجه والصدر، وجز الشعر من النواصي، ومن أقام النواحة فقد ترك الصبر، وأخذ في غير الطريقة ) (25) .
أما النهي عن اللطم ففيه أحاديث وردت من طرق الشيعة منكرة عليهم ما يفعلونه في الحسينيات والمآتم :
( الأول): ما عن أبي المقدام قال : ( سمعت أبا الحسن وأبا جعفر عليهما السلام يقول في قول الله عز وجل:(( ولا يعصينك في معروف )) قال: إن رسول الله وآله لفاطمة عليها السلام: إذا أنا مُت فلا تخمشي عليّ وجها ولا ترخي عليّ شعرا ولا تنادي بالويل ولا تقيمن عليّ نائحة، قال : ثم قال : هذا هو (المعروف) الذي قال الله عز وجل (( ولا يعصينك في معروف)) (26) .
( الثانية): عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل (( ولا يعصينك في معروف)) قال: ( المعروف أن لا يشققن جيبا ولا يلطمن وجها ولا يدعون ويلا ولا يقمن عند القبر) (27) .(31/498)
(الثالثة): ما سبق إيراده عن أبي جعفر عليه السلام قال: ( أشد الجزع الصراخ بالويل والعويل ولطم الوجه والصدر وحز الشعر من النواصي ) (28) .
(الرابع): قول الحسين عليه السلام لأخته زينب: ( يا أختاه أقسمت عليك فأبري قسمي، لا تشقي عليّ جيبا جيبا ولا تخمشي عليّ وجها، ولا تدعي عليّ بالويل والثبور إذا هلكت) (29) .
( الخامسة) : قوله : ( ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب) (30) .
( ويقوم ( الشيعة) بلبس السواد في محرم حدادا على (الحسين ) رضي الله عنه ، جاهلين أو متجاهلين قول الإمام علي عليه السلام فيما، به أصحابه: ( لا تلبسوا السواد فإنه لباس فرعون) (31) .
وما أجاب به الإمام الصادق عندما سئل عن الصلاة في القلنسوة السوداء فقال: ( لا تصل فيها فإنها لباس أهل النار) (32) .
وفي رواية عن الإمام الصادق : ( ولا يقيمن عند قبر ولا يسودن ثوبا ولا ينشرن شعرا (33) .
وفي رواية عن الصادق عن رسول الله : ( لا تلطمن خدا ولا تخمشن وجها، ولا تنتفن شعرا، ولا تشققن جيبا، ولا تسودن ثوبا (34) .
وقد سمعت خطيبا شيعيا باكستانيا يدافع عن اللطم محتجا بقول الله عز وجل: (( فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم )) الذاريات الآية 29 .
نجيب عليه بالآتي :
(أولا): على فرض أن الآية كما فسرها الخطيب المذكور لا يفهم من مدلولها أن الله سبحانه وتعلى امتدح عملها فهو على غرار قولها كما في الآية (( وقالت عجوز عقيم )) الذي لم يقره الشرع والذي بشرها بغلام لم تكن تحلم به .
(ثانيا) : إن الشيعي المذكور تجاهل تفسير أئمته للآية :
ففي تفسير ( القمي): ( في صرة : أي في جماعة فصكت وجهها : أي غطته لما بشرها ) (35) .
وقال أبو علي ( الفضل بن الحسن الشيعي): (فصكت وجهها: أي جمعت أصابعها فضربت جبينها تعجبا)(36)
وقال الملا محسن الملقب ( بالفيض الكاشاني) : ( فصكت وجهها : قيل فلطمت بأطراف الأصابع جبهتها فعل المتعجب(37) .(31/499)
(ثالثا) : لعدم أمانة الخطيب المذكور لم يورد الروايات (الشيعية) التي أوردناها هنا علما بأنه أورد الآية المذكورة للتشكيك في الحديث الصحيح (ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية) (38) .
ألم يقف هذا الخطيب على ما رواه خاتمة مجتهديهم ( الملا محمد باقر المجلسي ) عن الصادق عن آبائه عليهم السلام أن رسول الله وآله نهى عن الرنة عند المصيبة ونهى عن النياحة والاستماع إليها ونهى عن تصفيق الوجه (39) .
وأين المذكور من وصية جعفر بن محمد عليهما السلام عندما احتضر فقال : ( لا يلطمن عليّ خد ولا يشقن عليّ جيب ) (40) .
وأين هو من قول الرسول وآله عندما سئل عما يحبط الأجر في المصيبة ؟ فقال وآله : ( تصفيق الرجل بيمينه على شماله والصبر عند الصدمة الأولى، من رضي فله السخط) (41) .
فإذا كان تصفيق الرجل بيمينه على شماله يحبط الأجر فدخول لطم الخدود وشق الجيوب في هذا التحريم من باب أولى .
أجهل ما رواه المجلسي (الشيعي) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ( ثلاثة لا أدري أيهم أعظم جرما، الذي يمشي خلف جنازة في مصيبة غيره بغير رداء أو الذي يضرب يده على فخذه عند المصيبة أو الذي يقول : ارفقوا به 000 ) (42) .
الشيعة يفضلون زيارة القبور على الحج :
وتدرج بهم الغلو إلى الاعتقاد بأفضلية زيارة قبره في كربلاء على الحج فعن أبي عبد الله عليه السلام قال :
( من زار قبر " الحسين " يوم عرفة كتب الله له ألف ألف " حجة " مع القائم عليه السلام وألف ألف : عمرو " مه رسول الله ، وعتق ألف نسمة وحملان ألف فرس في سبيل الله، وسماه الله عز وجل عبدي الصديق آمن بموعدي، وقالت الملائكة : فلان صديق زكاه الله من فوق عرشه ، وسمي في الأرض كروبيا ) (43) .
وفي رواية قال أبو عبد الله عليه السلام : ( من أتى قبر الحسين عارفا بحقه كان كمن حج مائة حجة) (44).(31/500)
والشيعي الذي لا يمكنه حظه من زيارة قبر الحسين عليه أن يحج إحدى وعشرين حجة لكي ينال هذه الدرجة فعن حذيفة بن منصور قال : قال أبو عبد الله عليه السلام :
( كم حججت ؟ قلت : تسع عشرة . فقال : أما إنك لو أتممت إحدى وعشرين حجة لكتب لك كمن زار قبر الحسين بن علي عليهم السلام ) (45) .
وعن أبا عبد الله عليه السلام قال : ( من زار قبر أبا عبد الله عليه السلام كتب الله له ثمانين حجة مبرورة ) (46) .
والروايات في هذا المعنى المنحرف كثيرة جدا عندهم منها ما يتضمن الاستغناء عن (الحج) فالذي لا يستطيع الحج يكفيه زيارة قبر (الحسين) فعن أبي عبد الله عليه السلام قال : ( إذا أردت الحج ولم يتهيأ لك، فائت قبر الحسين فإنها تكتب لك حجة، وإذا أردت العمرة ولم يتهيأ لك فإئت قبر الحسين فإنها تكتب لك عمرة (47) .
وفي هذا يقول علامتهم آية الله السيد عبد لحسين دستغيب : ( لقد جعل رب العالمين لطفا بعباده قبر الحسين عليه السلام بدلا من حج بيت الله الحرام ليتمسك به من لم يوفق إلى الحج بل إن ثوابه لبعض المؤمنين وهم الذين يراعون شرائط الزيارة أكثر من ثواب الحج كما صريح الروايات الواردة في هذا المعنى) (48) .
بل إن الله ينظر إلى زوار الحسين يوم عرفة قبل أن ينظر إلى أهل عرفات ، فعن أبا عبد الله عليه السلام قال : -أي الراوي –
( قلت له : إن الله يبدأ بالنظر إلى زوار الحسين عليه السلام عشية عرفة قبل نظره إلى أهل الموقف ؟
فقال : نعم ، قلت : وكيف ذلك ؟
قال: لأن في أولئك أولاد زناء وليس في هؤلاء أولاد زناء)(49)
وفي رواية : ( إن الله ينظر إلى زوار قبر الحسين نظر الرحمة في يوم عرفة فبل نضره إلى أهل عرفات (50) .
هذه أحاديث مكذوبة لا نشك في بطلانها وزيفها وقلة حياء من عجنها وحماقة وسخافة من تمسك بها ، كيف لا وقد صح عن الني أنه قال : ( لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى (51) .(32/1)
وفي رواية عن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول : ( لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : ممجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى ) (52) .
فإن قيل: لعل الشيعة لا تعترف بهذين الحديثين وعليه هل بالإمكان إلزامهم ؟
قلنا : لقد ورد هنا الحديث من طرقهم (محرفا) فقد روى شيخهم الصدوق والحر العاملي والمجلسي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : ( لا تشدوا الرحال إلا ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجد رسول الله وآله ومسجد الكوفة ) (53) .
وكما ترى فلفظه (محرف) عند الشيعة ، أعني روايتهم له ، وعلى فرض صحته باللفظ الذي أخرجه الصدوق ونقله العاملي والمجلسي فهو مبطل لما يقوم به (الشيعة) من شد رحالهم إلى (مشهد) و(النجف ) و(مقام زينب ) وغيره من مقابرهم وأضرحتهم ومشاهدهم والتي منها قبر الحسين (رضي الله عنه) في كربلاء والذي يعادل ثمانين حجة كما في رواياتهم .
والسؤال المحير للشيعة هو : إذا كانت هذه منزلة زيارة الحسين وأنها تعادل عشرين أو ثمانين حجة فلماذا لم يتطرق لها كتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ؟!!
لقد أنكر البعض وبحسن النية ما يقال عن الشيعة في هذه المسألة وأمثالها، ولم يصدقوا تعظيم الشيعة للقبور وتفضيل زيارتها والعكوف عليها والطواف حولها على الحج ، فها هي أحاديثهم تشهد عليهم، فالمرء الذي لا يتمكن من زيارة الحسين عليه أن يحج عشرين حجة أو ثمانين حتى يبلغ فضيلة زيارة الحسين .
إننا نحذر مثل هؤلاء مذكرينهم بقول النبي : ( لا تتخذوا قبري قبلة ولا مسجدا ، فإن الله عز وجل لعن اليهود حيث اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) (54) .
افتراؤهم في تربة كربلاء :
كما أنهم جعلوا للسجود على التربة الحسينية خاصية فريدة منها ما رووه عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ( إن السجود على تربة أبي عبد الله عليه السلام يخرق الحجب السبع) (55) .(32/2)
ومنها إنه ينور إلى الأرضين السبعة فعن الصادق (ع) قال: ( ان السجود على طين قبر الحسين ينور إلى الأرضين السبعة)(56)
وبهذا تبين كذب من ادعى منهم أنهم لا يسجدون على التربة الحسينية إلا احتياطا وخوفا من عدم نضافة الأرض أو المكان الذي يضعون فوقه التربة ، وهذا ادعاء باطل لأن السجود يجب أن يكون على الأعضاء السبعة في حين نجد الشيعي يسجد بعضو واحد على التربة، فأين باقي الأعضاء السبعة وقد ورد عن الإمام الصادق فيما رواه الكليني في الكافي (3/333 والحر العاملي في وسائل الشيعة (4/955) أنه قال: ( لا صلاة لمن لم يصيب أنفه ما يصيب جبينه) .
وما رواه الشيخ طائفة الشيعة أبو جعفر الطوسي في كتابيه الاستبصار (1/327) وتهذيب الأحكام (2/298) عن علي عليه السلام قال : ( لا تجزي صلاة لا يصيب الأنف ما يصيب الجبهة ) .
كما أخرجه الحر العاملي في وسائل الشيعة (4/954) .
إضافة إلى ذلك يرى الشيعة بأن الذي يحمل سبحة هذه التربة يكتب مسبحا وإن لم يسبح وذلك في رواية لهم عن الصادق (ع) قال: ( ... ومن كانت معه سبحة من طين قبر الحسين كتب مسبحا وإن لم يسبح )(57) .
والسبب في هذا حسب ما يعتقدونه أن أرض (كربلاء) أطهر بقاع الأرض عندهم ، وإنها أرض مشرفة مقدسة خلقها الله يوم خلقها مكرمة معظمة حيث ينسبون إلى النبي أنه قال: (هي أطهر بقاع الأرض وأعظمها حرمة وإنها لمن بطحاء الجنة)(58) .
ومنها إنه شفاء للشيعة، فعن أبي عبد الله (ع) قال : ( إن الله عز وجل جعلها شفاء لشيعتنا وأوليائنا ) (59) .
عن سعد بن سعد قال: ( سألت الرضا عليه السلام عن الطين الذي يؤكل تأكله الناس ؟ فقال : كل طين حرام كالميتة والدم وما أهل لغير الله به ما خلا طين قبر الحسين عليه السلام فإنه شاء من كل داء ) (60) .
وعن أبا عبد الله عليه السلام قال : ( في طين قبر الحسين عليه السلام الشفاء من كل داء وهو الدواء الأكبر) (61) .(32/3)
السنة صيام عاشوراء لا شق الجيب ولا لطم الوجه فيه :
وما دمنا في موضوع (عاشوراء ) وما يتعلق به ، فلا بد هنا أن نشير الى أن أهل السنة يرون الفضيلة فيه بصيامه ، لا بلطم الخدود وشق الجيوب والنياحة : عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ما رأيت النبي يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء ، وهذا الشهر يعني شهر رمضان (62) .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله قدم المدينة فوجد اليهود صياما يوم عاشوراء فقال لهم رسول الله : ( ما هذا اليوم الذي تصومونه ؟ فقال : هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وغرق فرعون وقومه فصامه موسى شكرا فنحن نصومه .
فقال رسول الله : ( فنحن أحق وأولى بموسى منكم . فصامه رسول الله وأمر بصيامه ) (63) .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حين صام رسول الله يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: يا رسول الله : إنه يوم يعظمه اليهود والنصارى؟ فقال رسول الله : لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع (64) .
ومن طرق الشيعه: عن أبي عبد لله عليه السلام عن أبيه أن عليا عليهما السلام قال: ( صوموا العاشوراء (هكذا) التاسع والعاشر فإنه يكفر ذنوب سنة) (65) .
وعن أبي الحسن عليه السلام قال : ( صام رسول الله وآله يوم عاشوراء ) (66) .
وعن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال: ( صيام يوم عاشوراء كفارة سنة ) (67) .
فالواجب على الشيعة أن تترك النياحة في عاشوراء وأن ترفض !قامة المآتم والحسينيات لأن النبي وآله صام عاشوراء والإمام علي رضي الله عنه أمر بصيامه والإمام الباقر قال: ( صيام عاشوراء كفارة سنة ) .
ولم يقل إقامة المآتم في عاشوراء كفارة سنة ، فهل اكتشفت فضيلة إقامة المآتم التي فاتت على النبي ؟!!
ولماذا لم يقل : إن يوم عاشوراء هو اليوم الذي يقتل فيه ابني (الحسين) فعليكم بإمامة المآتم والحسينيات فيه ؟!!(32/4)
هذا ما يسر الله لي كتابته في هذه العجالة نسأل الله العلي القدير أن ينفع به وأن يجعله ذخرا لنا يوم نلقاه .
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم .
المؤلف
--------------
(1) الاحتجاج للطبرسي 2/24 .
(2) الاحتجاج للطبرسي 2/27 .
(3) الاحتجاج للطبرسي 2/32 .
(4) الاحتجاج للطبرسي 2/10 .
(5) نهج البلاغة 1/188 – 190 .
(6) رجال الكشي ص 254 .
(7) رجال الكشي ص 253 .
(8) رجال الكشي ص 252.
(9) رجال الكشي ص 179 .
(10) وسائل الشيعة 11/441 .
(11) 228الكافي 8/228 .
(12) راجع ص11 وما بعدها من مجالسه الفاخرة !!
(13) المجالس الفاخرة ص 17 .
(14) قال النبي " عينان لا تمسهما النار أبدا عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله ".
فلماذا لم يقل " وعين بكت في المآتم والحسينيات .
(15) المجالس الفاخرة ص36 – 37 .
(16) وسائل الشيعة 12/915، بحار الأنوار 82/103.
(17) وسائل الشيعة 2/915.
(18) مستدرك الوسائل للنوري 1/144، بحار الأنوار 82/101.
(19) الكافي 3/226 ، الوافي 12/88، وسائل الشيعة 2/916 .
(20) مستدرك الوسائل 1/144 .
(21) وسائل الشيعة 2/914 .
(22) الكافي 3/225 ، وسائل الشيعة 2/916 .
(23) من لا يحضره الفقيه 1/112، الوافي 13/88، وسائل الشيعة 2/915.
(24) مستدرك الوسائل 1/144 .
(25) الكافي 3/223 ، وسائل الشيعة 2/915، بحار الأنوار 82/76 .
(26) وسائل الشيعة 2/915-916، مستدرك الوسائل 1/144.
(27) تفسير نور الثقلين 5/308، مستدرك الوسائل 1/144.
(28) كررنا إيراده تعلقها بالنياحة وتعلقها هنا باللطم فلاحظ .
(29) مستدرك الوسائل 1 /144.
(30) المصدر نفسه .
(31) من لا يحضره الفقيه 11/163، وسائل الشيعة2/287.
(32) من لا يضره الفقيه 1/162، وسائل الشيعة 2/281.
(33) تفسير نور الثقلين 5/308، مستدرك الوسائل 1/124 .
(34) تفسير الصافي 5/166، تفسير نور الثقلين 5/307 .
(35) تفسير القمي 2/330.
(36) مجمع البيان 27/16.(32/5)
(37) تفسير الصافي 5/71.
(38) صحيح الجامع الصغير5/102 .
(39) بحار الأنوار 82/104 .
(40) بحار الأنوار 82/101
(41) بحار الأنوار 82/93 .
(42) بحار الأنوار 82/79 .
(43) وسائل الشيعة 10/360 .
(54) رواية شيعية تدين ما هم عليه وقد ناقشناهم في مسألة حكم القبور والمشاهد في فصل مستقل من كتاب آخر لنا في هذا الموضوع .
(55) وسائل الشيعة2/608، تحرير الوسيلة 1/149 .
(56) وسائل الشيعة 2/607 .
(44) وسائل الشيعة 10/350.
(45) وسائل الشيعة 10/350 .
(64) وسائل الشيعة 10/350 .
(47) وسائل الشيعة 10/332 .
(48) الثورة الحسينية ص15
(49) وسائل الشيعة 10/361 .
(50) الثورة الحسينية ص 15
(51) صحيح جامع الصغير 6/155 .
(52) أحكام الجنائز ص 225 .
(53) الخصال ص 143 ، وسائل الشيعة 3/525، بحار الأنوار 99/ 240
(57) وسائل الشيعة 3/608، السجود على التربة الحسينية ص 34.
(58) السجود على التربة الحسينية ص25
(59) بحار الأنوار 101/118 .
(60) بحار الأنوار 101/120 .
(61) بحار الأنوار101/122 .
(62) مشكاة المصابيح 1/634 .
(63) مشكاة المصابيح 1/638 .
(64) مشكاة المصابيح 1/634.
(65) الاستبصار 2/134.
(66) المصدر نفسه .
(67) المصدر نفسه .
*******************
الفهرس العام
تهميد حول نشأة الشيعة وجذورها التاريخية ... 4
آراء غير الشيعة في نشأة التشيع: ... 14
أصل التشيع ( أو أثر الفلسفات القديمة في المذهب الشيعي ) ... 26
الباب الأول- الإمامة والولاية ... 34
الإمامة .. الدعاوى والبينات ... 34
• منزلة الإمامة عند الرافضة: ... 34
** زعم الرافضي أن الإمامة من أهم أصول الدين ** ... 35
** ثبوت خلافة الخلفاء الراشدين ** ... 39
** دعوى أن مذهب الإمامية واجب الاتباع ** ... 41
** العصمة بين الأنبياء والأئمة ** ... 43
** نقض دعوى أن الإمامية هم الفرقة الناجية ** ... 44(32/6)
** إبطال دعوى الإمامية أنهم أخذوا مذهبهم عن الأئمة المعصومين ** ... 46
• ** دفع افتراءات عن زين العابدين والباقر والصادق ** ... 50
• ** موسى بن جعفر الكاظم ** ... 50
• ** علي بن موسى الرضا ** ... 51
• ** محمد الجواد ** ... 52
• ** علي بن محمد الهادي ** ... 52
• **محمد بن الحسن المنتظر** ... 54
نقض الآيات التي استدل بها الرافضي على إثبات الإمامة والأفضلية ... 58
الرد على الشيعة في وجوب الإمامة لآل البيت ... 81
الإمامة بين السنة والشيعة ... 88
• تفنيد أباطيل الشيعة في الإمامة: ... 89
رد أباطيل الشيعة في مسألة الإمامة ... 96
بطلان استدلال الشيعة بحديث الكساء على إمامة علي وعصمة آل البيت ... 106
بطلان استدلال الشيعة بحديث: (يكون بعدي اثنا عشر خليفة..) ... 116
حديث : (الإنذار يوم الدار) ... 131
الباب الثاني- تحريف القرآن ... 140
موقف علماء الشيعة من القرآن ... 140
أصل الإسلام المهجور والمكروه من قبل الشيعة ... 154
الطفل الإيراني المعجزة... والثقل الأكبر ... 162
أين أنت من القرآن؟؟؟ ... 170
تحريف القرآن... وردم يأجوج ومأجوج ... 190
الشيعة والقرآن ... 206
** دعوى التقريب بين السنة والشيعة وعدم الاختلاف ** ... 218
** اعتقاد الشيعة في القرآن الكريم ** ... 219
• فرية نقص القرآن وسورة الولاية: ... 224
نماذج من تحريفات الشيعة لألفاظ القرآن الصريحة ... 225
نثر الكنان في بيان تحريف الشيعة للقرآن ... 241
الباب الثالث- الطعن في الصحابة رضي الله عنهم ... 258
شهادة الخميني في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ... 258
مقدمة ... 258
خميني الفرقة... وخمائن الوحدة: ... 259
موقف الخميني من الصحابة ... 260
الخميني وتصريحاته في النيل من رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة: ... 261
تكفير الخميني لأبي بكر وعمر في كشف الأسرار: ... 262
(دعا صنمي قرش) ... 264(32/7)
تكفير الخميني لعثمان بن عفان رضي الله عنه: ... 266
الصحابة من زمرة المنافقين: ... 266
الخميني الطائفي ... 268
الدين الرسمي لإيران الإسلام والمذهب الجعفري: ... 268
شروط رئيس الدولة عند الخميني: ... 269
طهران خالية من مساجد السنة: ... 269
بعض عقائد وأفكار الخميني ... 270
كف العصابة عما شجر بين الصحابة ... 273
المقدمة ... 273
فصل/ في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ... 274
فصل/ في اعتقادنا في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ... 277
فصل/ ذكر أقوال أهل السنة في الكف عما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم ... 278
نصيحة مهمة ... 286
فتوحات معاوية بن أبي سفيان .. بين البخس والإنصاف ... 291
*مقدمة: ... 291
*اسمه ونسبه: ... 291
الشيعة المعاصرون والصحابة ... 302
الصحابة والمنافقون في صدر الإسلام (سمات وإشارات - شبهات وردود) ... 307
الفصل الأول: كيف ميز القرآن بين الصحابة والمنافقين؟ ... 314
المبحث الأول -الآيات الصريحة في وجود فئتين (صحابة ومنافقين) ... 314
المبحث الثاني -الثناء على الصحابة وبيان صفاتهم وتفاضلهم ... 315
المبحث الثالث -ذم المنافقين وبيان حقيقتهم وما تنطوي عليه نفوسهم ... 317
المبحث الرابع -موقف الشيعة من آيات الثناء على الصحابة ... 323
الفصل الثاني: مفهوم الصحابة والعدالة في الإسلام ... 331
المبحث الأول -مفهوم الصحبة ... 331
المبحث الثاني -مفهوم العدالة ... 332
الفصل الثالث: شبهات حول الصحابة ... 336
المبحث الأول -حديث الحوض ... 336
المبحث الثاني -الطعن فيمن فَرَّ يوم أحد من الصحابة رضي الله عنهم ... 340
المبحث الثالث -مظلومية الزهراء رضي الله عنها ... 342
المبحث الرابع -عمر وزواجه من أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب ... 347
المبحث الخامس -شبهة حول زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ... 349
الفصل الرابع - ... 354
المبحث الأول-الصحابة والنّص على الإمامة ... 354(32/8)
المبحث الثاني -الإمامة بين النص والعقل والواقع ... 361
مسك الختام ... 368
الوصائل والتصافي بين آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم ... 369
مقدمة كتاب رحماء بينهم ... 369
من صفات أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ... 372
المبحث الأول : دلالة التسمية ... 375
\المبحث الثاني : المصاهر ... 379
المبحث الثالث : دلالة الثناء ... 385
موقف أهل السنة من آل البيت عليهم السلام ... 389
أولاً: حق المحبة والموالاة: ... 391
ثانياً: حق الصلاة عليهم: ... 392
ثالثاً: حق الخمس: ... 392
موقف أهل السنة والجماعة من النواصب ... 394
المصاهرات بين البيت الهاشمي وبين بقية العشرة المبشرين بالجنة ... 397
الخاتمة ... 398
فداء وحسن بلاء ..صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ... 400
الفصل الأول: من مهام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ... 401
تأملات ... 404
حقائق ... 408
خاتمة الفصل الأول ... 410
الفصل الثاني: بعض المواقف التي عاشها الرسول صلى الله عليه وسلم مع أصحابه الكرام ... 411
استقبال الوفود: ... 419
تقسيمات المجتمع من خلال السورة: ... 423
قبل الختام: ... 424
الخاتمة ... 425
ثناء السنة والقرآن على صحابة الرحمن ... 427
مقدمة كتاب ما قاله الثقلان في أولياء الرحمن ... 427
المدخل ... 428
المبحث الأول: تعريف لفظ (الصحابة) ... 430
المبحث الثاني: ثناء الثقلين على الصحابة رضي الله عنهم ... 434
المطلب الأول: ثناء الثقلين على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: ... 435
المطلب الثاني: ثناء الثقلين على الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم: ... 444
المطلب الثالث: ثناء الثقلين على المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم ... 446
المطلب الرابع: ثناء الثقلين على أهل بدر رضي الله عنهم: ... 452
المطلب الخامس: ثناء الثقلين على من أنفق وقاتل قبل الفتح وبعده: ... 453(32/9)
المبحث الثالث: كيف ظهرت الفتنة بين الصحابة رضي الله عنهم؟ ... 457
المبحث الرابع: المؤامرة ضد الإسلام والمسلمين ... 467
المبحث الخامس: الموقف الصحيح (الحق) من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ... 477
المبحث السادس: الأسماء والمصاهرات بين الصحابة رضي الله عنهم والآل عليهم السلام ... 480
المبحث السابع: سؤال وجواب ... 491
قبل الختام: شجون عابرة ... 529
فضائل الصحابة وخطر الشيعة ... 538
** أسباب المقام الرفيع الذي اعتلاه الصحابة ** ... 538
**من أصول أهل السنة تجاه الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين** ... 540
** موقف الرافضة من الصحابة والمسلمين ** ... 541
** الرافضة يعادون المسلمين ويوالون أعداءهم ** ... 543
** وقفات هادئة مع أشرطة قصص من التاريخ ** ... 545
** منهج أهل السنة والجماعة فيما شجر بين الصحابة ** ... 546
** أعداء الله وتشويههم لتاريخ المسلمين ** ... 549
** خدعة التقريب بين السنة والشيعة وتورط الداعين إليها ** ... 554
** شروط وضوابط الإمساك عما بين الصحابة ** ... 558
** مآخذ على طارق السويدان في أشرطته المتحدثة عن الصحابة ** ... 559
الباب الرابع- المهدي المنتظر ... 568
نسخ عقيدة الإمام المعصوم وعودته عند الشيعة الجعفرية الرافضة ... 568
المبحث الأول/ في عصمة أئمة الشيعة الرافضة وأدلتها والرد عليها ... 569
المبحث الثاني/ في ولاية الفقيه وأدلتها ... 582
الخاتمة ... 589
المهدي المنتظر.. الحقيقة والخرافة ... 591
من هو المهدي المنتظر؟ ... 591
*عقيدة الشيعة في المهدي: ... 593
*أدلة الشيعة على وجود المهدي: ... 593
*اختلاف الشيعة في المهدي: ... 594
*بطلان وجود ولد للحسن العسكري: ... 598
المهدي المنتظر عند الشيعة ... 599
*اختلاف الشيعة في اسم المهدي: ... 599
*اختلافهم في أم المهدي: ... 599
*اختلافهم في تاريخ ولادة المهدي: ... 600
*أشهر الروايات في ولادة المهدي: ... 601(32/10)
*تضارب الروايات في مدة غيبة المهدي: ... 602
*سبب الخلاف في مدة غياب المهدي: ... 604
*ممن ادعى نيابة المهدي؟ ... 608
*أدلة تدل على كذب من ادعى نيابة المهدي: ... 608
*روايات مولد المهدي حديثياً وهي ست عشرة رواية: ... 613
*قصة المهدي مع الأسود الضارية: ... 613
الباب الخامس -تزييف التقريب ... 626
التبشير بالتشيع ... 626
تنبيهات مهمة ... 627
وحدة المصدر في التلقِّي والتمذهب ... 628
دعوة التقريب ... 630
تاريخها: ... 630
مراحل دعوة التقريب ... 631
وسائل نشر الرفض والتشيع: ... 646
الطريق لوحدة المسلمين والتحذير من البدعة الكبرى: التقريب بين الحق والباطل ... 650
حقيقة وحجم الصراع بين الأجنحة الثلاثة ... 657
أضواء على الخطة السرية دراسة في الأسلوب الجديد لتصدير الثورة الإيرانية ... 667
تصدير الثورة في مفهومها الجديد !!! ... 672
ثانيا - الوقيعة بين أهل السنة والحكام : ... 682
ثالثاً - استغلال القانون في تنفيذ الخطة : ... 683
رابعاً - تطبيقات جزئية للخطة: ... 687
الدستور الإيراني والوحدة الإسلامية ... 689
مهلاً يا دعاة التقريب ... 699
إطلالة على دعوى التقريب: ... 699
السنة هم النواصب عند الشيعة: ... 700
نصوص ركنية الولاية عند الشيعة الإمامية: ... 701
الشهادتان ليستا ركناً مهماً من أركان الإيمان: ... 702
الصواب في مخالفة أهل السنة في الأحكام: ... 702
الباب السادس- آل البيت عليهم السلام ... 704
الغلو في بعض القرابة وجفاء في الأنبياء والصحابة ... 704
حقوق أهل البيت بين السنة والبدعة ... 722
مقدمة الرسالة ... 726
وحدة المسلمين بالكتاب والسنة ... 728
أهل البيت وخصائصهم ... 730
سب الصحابة... حرام على ال البيت وغيرهم: ... 733
جهل الشيعة بمذهب الامام علي ... 735
عوامل الضلال ... 737
اهل الاستقامة... عند المصيبة ... 741
بدع وضلالات ... 744
النذور للمشاهد والمساجد: ... 747(32/11)
شذى الياسمين في فضائل أمهات المؤمنين ... 759
الفضائل العامة ... 765
الفضائل الخاصة بكل واحدة منهن ... 766
الدعوة في حياة أمهات المؤمنين ... 782
لمحات عامة عن أمهات المؤمنين ... 784
ترتيب أمهات المؤمنين من حيث روايتهن للحديث النبوي الشريف ... 785
جدول يبين ترتيب أمهات المؤمنين من حيث روايتهن للحديث النبوي الشريف ... 789
شجرة الذرية النبوية المباركة - ذرية النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ... 790
خاتمة ... 791
الإمام جعفر الصادق .. بين الرافضة وشيخ الإسلام ... 791
وصايا من الدكتور سعود الهاشمي القرشي إلى عامة الشيعة ... 804
من فضائل أهل البيت .. المدعي والمحق ... 808
آل البيت .. من هم.. فضائلهم.. واجبنا نحوهم ... 813
آل البيت بين الأدعياء والمحقين .. الشيعة ومحمد بن عبد الوهاب ... 833
تنزيه آل البيت وعدم ذمهم أو انتقاصهم ... 848
النواصب.. أهل شر وجهل وظلم ... 850
علي رضي الله عنه رابع الخلفاء الراشدين المهديين ... 859
محبة أهل البيت واجبة ... 860
فضل أهل البيت وعلو مكانتهم عند أهل السنة والجماعة ... 877
مقدمة كتاب فضل أهل البيت وعلو مكانتهم عند أهل السنة والجماعة ... 877
الفصل الأول: من هم أهل البيت؟ ... 879
الفصل الثاني: مجمل عقيدة أهل السنة والجماعة في أهل البيت ... 882
الفصل الثالث: فضائل أهل البيت في القرآن الكريم ... 883
الفصل الرابع: فضائل أهل البيت في السنة المطهرة ... 885
الفصل السادس: ثناء بعض أهل العلم على جماعة من الصحابة من أهل البيت ... 894
فضائل آل بيت النبوة ... 916
• علو منزلة أهل بيت النبوة: ... 916
• صحة نسبة الحسن والحسين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: ... 917
• فضائل الحسن والحسين: ... 918
• فضائل علي بن أبي طالب: ... 919
• فضائل فاطمة رضي الله عنها: ... 922
• من هم أهل بيت النبوة؟ ... 923
• من تشملهم الفضائل من أهل البيت: ... 923(32/12)
• من سب الصحابة لا نصيب له من فضائل أهل البيت: ... 925
• أهل السنة وحبهم الشرعي لأهل البيت: ... 926
• مجموعة نصائح لأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم: ... 929
• تنبيه في الخلاف بين معاوية وعلي: ... 931
جهود آل البيت رضي الله عنهم في الدعوة إلى الله ... 932
الباب السابع- الشيعة والسنة ... 958
الخطة السرية لآيات الشيعة في إيران ... 958
حوار هادئ مع صديقي الشيعي ... 969
عائشة رضي الله عنها: مسلمة أم كافرة؟ ... 974
جيل مثالي.. ولكنه كافر.. ومرتد..! ... 977
من فتح البلاد.. وحرر العباد؟ ... 982
منزلة النبي صلى الله عليه وسلم.. ومنزلة الأئمة الأطهار ... 985
الإمامة.. أين نجدها في القرآن الكريم؟ ... 988
شجاعة علي.. وكسر ضلع فاطمة ... 990
عمر عدو علي.. ولكنه زوج ابنته ... 992
تسمية الأبناء بأسماء الأعداء!! ... 994
الله يترضى.. والشيعة يلعنون؟؟ ... 1000
الإفراط في الحب.. والإفراط في البغض ... 1003
الاتباع الأعمى لعلماء الدين ... 1005
تأملات في كتاب نهج البلاغة ... 1016
الجمع والفرق بين السنة والشيعة ... 1035
فرق الاعتقاد بين أهل السنة والشيعة ... 1042
الباب الثامن - من عقائد الشيعة الشنيعة ... 1053
أباطيل الشيعة ... 1053
ابن سبأ..حقيقة لا خيال ... 1071
موقف المستشرقين ... 1072
أضواء على طه حسين ... 1074
الشيعة الذين ينكرون ابن سبأ ... 1076
عقيدة ابن سبأ وضلالاته ... 1082
موقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأهل بيته ... 1091
موقف أهل بيت النبي الكريم من ابن سبأ ... 1100
ماذا تعرف عن دين الشيعة؟ ... 1104
نكاح المتعة (نظرة قرآنية جديدة) ... 1133
التّقيّة .. الوجه الآخر ... 1141
الباب الأول -التعريف والمشروعية ... 1144
الأخماس الشيعية والفريضة الشرعية ... 1157
الفصل الثاني: الأدلة التفصيلية على الحقائق السابقة ... 1162(32/13)
الفصل الثالث: اضطراب نظرية الخمس واختلافها بين المتقدمين من الفقهاء والمتأخرين ... 1170
الفصل الرابع: تطور نظرية الخمس عبر التاريخ ... 1178
الباب الثاني: الخمس بين الغنائم والمكاسب، الفصل الأول: دلالة آية الخمس ... 1187
الفصل الثاني: خمس المكاسب في محكمة التاريخ ... 1212
الفصل الثالث: خمس المكاسب بين النظرية والتطبيق ... 1218
الفصل الرابع: علماء الدين والمال ... 1227
لمن شرَّع الاقتصاد الإسلامي:- ... 1230
خلاصة البحث ... 1236
مفهوم العصمة عند الشيعة ... 1239
*عصمة الأنبياء عند الشيعة: ... 1239
*الأئمة واعترافهم بالخطأ والذنب: ... 1241
*تأويلات الشيعة لكلام الأئمة المعترفين بالذنب: ... 1242
التوحيد عند الشيعة ... 1244
سياحة في أوثق كتب الشيعة ... 1272
الباب التاسع- الغلو في الأئمة ... 1320
بطلان نسبة القبر في النجف إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه ... 1320
خرافات الشيعة ... 1332
الباب العاشر- الحسينيات ... 1361
الشيعة والحسينيات ... 1361(32/14)
الرد
على شبهات
من أجاز الاحتفال بالمولد
جمع/ أبي معاذ السلفي
sasb@ayna.com
المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين،
أما بعد:
فإن من البدع المنتشرة بين أوساط كثير من الناس؛ ما يمسى بالاحتفال بالمولد النبوي،
وقد كتب كثير من أهل العلم قديما وحديثاً عدة كتب ورسائل وفتاوى في التحذير من هذه البدعة؛ فجزاهم الله خير الجزاء على ما بينوا ونصحوا.
ولقد وفقني الله عزوجل- وله الحمد والمنة - في جمع بعض الفوائد التي وقفت عليها والمتعلقة بالرد على الشبهات التي يثيرها من يقول بجواز الاحتفال بالمولد.
فأحببت نشر ما قمت بجمعه، لعل يكون في ذلك فائدة لي ولمن يطلع عليه.
سائلاً الله أن يجعل أعمالي خالصة لوجهه الكريم، موافقه لسنة نبينا محمد(.
وأرجو ممن كان عنده ملاحظة أو فائدة ألا يبخل بها على أخيه وجزاكم الله خيراً.
وصلى الله على نبينا وقدوتنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
* * *
الفصل الأول:
بيان أن الاحتفال بالمولد النبوي لم يقع من السلف الصالح وأنه من البدع
اتفق أهل العلم ممن قال بجواز الاحتفال بالمولد ومن قال بعدم جواز الاحتفال به على أن السلف الصالح رضي الله عنهم لم يحتفلوا به ومن تصريحاتهم بذلك ما يلي:(33/1)
1- قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - عن الاحتفال بالمولدالنبوي في "اقتضاء الصراط المستقيم"(2/619):(لم يفعله السلف، مع قيام المقتضى له وعدم المانع منه، ولو كان هذا خيراً محضا، أو راجحاً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله ( وتعظيماً له منا، وهم على الخير أحرص، وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره، وإحياء سنّته باطناً وظاهراً، ونشر ما بعث به، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان، فإن هذه طريقة السابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار،والذين اتبعوهم بإحسان) اهـ.
2- قال الإمام تاج الدين عمر بن سالم اللخمي المشهور بالفاكهاني- رحمه الله - في "المورد في عمل المولد"(ص20-21):(لا أعلم لهذا المولد أصلا في كتاب ولا سنة، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بِدعة).
3- قال العلامة ابن الحاج - رحمه الله - في "المدخل" (2/312) نقلاً من "القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل" للعلامة الأنصاري رحمه الله (ص57):(فإن خلا - أي عمل المولد- منه - أي من السماع - وعمل طعاماً فقط، ونوى به المولد ودعا إليه الاخوان،
وسلم من كل ما تقدم ذكره - أي من المفاسد- فهو بدعة بنفس نيته فقط، إذ إن ذلك زيادة
في الدين ليس من عمل السلف الماضين، وإتباع السلف أولى بل أوجب من أن يزيد نية مخالفة لما كانوا عليه، لأنهم أشد الناس اتباعاً لسنة رسول الله (، وتعظيماً له ولسنته (، ولهم قدم السبق في المبادرة إلى ذلك، ولم ينقل عن أحد منهم أنه نوى المولد، ونحن لهم تبع، فيسعنا ما وسعهم... الخ).(33/2)
4- قال العلامة عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - في "حكم الاحتفال بالمولد النبوي وغيره" ضمن "أربع رسائل في التحذير من البدع" (ص3):(الرسول ( لم يفعله - أي المولد النبوي -، ولا خلفاؤه الراشدون، ولا غيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم، ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة، وهم أعلم الناس بالسنة، وأكمل حباً لرسول الله ( ومتابعة لشرعه ممن بعدهم... الخ).
5- وقال الشيخ محمد بن عبد السلام الشقيري في "السنن والمبتدعات المتعلقة بالأذكار والصلوات" (ص138-139):(فاتخاذ مولده موسماً والاحتفال به بدعة منكرة ضلالة لم يرد بها شرع ولا عقل، ولو كان في هذا خير كيف يغفل عنه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر الصحابة والتابعون وتابعوهم والأئمة وأتباعهم؟).
وفيما يلي أنقل أقوالاً لبعض من يرى مشروعية الاحتفال بالمولد يتضح من خلالها كذلك أن الرسول ( لم يحتفل بالمولد وأنه لم يكن من فعل السلف:
1- قال السيوطي - رحمه الله - في "حسن المقصد"ضمن "الحاوي للفتاوى" (1/189):
(أول من أحدث فعل ذلك - أي فعل المولد- صاحب إربل الملك المظفر).
2- قال أبو شامة - رحمه الله - في "الباعث على إنكار البدع والحوادث" (ص95):
(ومن أحسن! ما ابتدع في زماننا من هذا القبيل: ما كان يفعل بمدينة إربل جبرها الله تعالى كل عام في اليوم الموافق ليوم مولد النبي ( من الصدقات والمعروف، وإظهار الزينة والسرور... الخ).
3- قال الإمام السخاوي - رحمه الله - نقلاً من "المورد الروي في المولد النبوي" لملا علي قارى (ص12):(أصل عمل المولد الشريف لم ينقل عن أحد من السلف الصالح في القرون الثلاثة الفاضلة، وإنما حدث بعدها بالمقاصد الحسنة).
4- قال محمد بن علوي المالكي في "حول الاحتفال بالمولد" (ص19):(فالاحتفال بالمولد وإن لم يكن في عهده (، فهو بدعة، ولكنها حسنة لاندراجها تحت الأدلة الشرعية،والقواعد الكلية).(33/3)
5- قال يوسف الرفاعي في "الرد المحكم المنيع" (ص153):(إن اجتماع الناس على سماع قصة المولد النبوي الشريف، أمر استحدث بعد عصر النبوة، بل ما ظهر إلا في أوائل القرن السادس الهجري)!.
(وبهذه النقول يتضح أن السلف الصالح لم يحتفلوا بمولد النبي ( بل تركوه، وما تركوه
لا يمكن أن يكون تركهم إياه إلا لكونه لا خير فيه كما أوضحه ابن الحاج في "المدخل"
( 4/278)؛ حيث قال بصدد استنكاره لصلاة الرغائب ما نصه:(ما حدث بعد السلف رضي الله عنهم لا يخلو إما أن يكونوا علموه وعلموا أنه موافق للشريعة ولم يعملوا به؟!
ومعاذ الله أن يكون ذلك، إذ إنه يلزم منه تنقيصهم وتفضيل من بعدهم عليهم، ومعلوم أنهم
أكمل الناس في كل شيء وأشدهم اتباعاً.
وإما أن يكونوا علموه وتركوا العمل به؟ ولم يتركوه إلا لموجب أوجب تركه، فكيف يمكن فعله؟! هذا مما لا يتعلل.
وإما أن يكونوا لم يعلموه فيكون من ادعى علمه بعدهم أعلم منهم وافضل واعرف بوجوه البر وأحرص عليها!
ولو كان ذلك خيراً لعلموه ولظهر لهم ومعلوم أنهم أعقل الناس وأعلمهم…الخ).
وفيه دليل من ناحية أخرى على أن ما تركه السلف الصالح لابد أن يكون النبي ( قد تركه وتركه ( للشيء مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه سنة كما ان فعله سنة فمن استحب فعل ما تركه النبي ( كان كمن استحب ترك ما فعله ولا فرق)(1).
ولا يقول قائل ما هو الدليل على أن الرسول ( وصحابته رضي الله عنهم لم يحتفلوا بالمولد لأنه لو وقع لنقل إلينا، ولذكره من يحتفل بالمولد النبوي لأن الحجة تكون حينئذ أقوى.
ومما يدل كذلك على أن السلف الصالح لم يحتفلوا بيوم المولد النبوي اختلافهم في تحديد اليوم الذي ولد فيه النبي (، وقد بسط الكلام على ذلك الخلاف الإمام ابن كثير في "البداية والنهاية" ( 2/260 - 261).
* * *
الفصل الثاني:
__________
(1) القول الفصل" (ص58-59) للعلامة اسماعيل الأنصاري رحمه الله.(33/4)
إثبات أن الفاطميين أول من احتفل بالموالد
وهذا الفصل مختصر من "القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل" للعلامة إسماعيل الأنصاري رحمه الله (ص64-72):
1 - قال تقي الدين المقريزي - رحمه الله - في "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار"
(1/490)؛ تحت عنوان "ذكر الأيام التي كان الخلفاء الفاطميون يتخذونها أعياداً ومواسم تتسع بها أحوال الرعية وتكثر نعمهم":(كان للخلفاء الفاطميين في طول السنة أعياد ومواسم، وهي موسم رأس السنة وموسم أول العام، ويوم عاشوراء، ومولد النبي (، ومولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومولد الحسن ومولد الحسين عليهما السلام، ومولد فاطمة الزهراء عليها السلام، ومولد الخليفة الحاضر، وليلة أول رجب، وليلة نصفه، وليلة أول شعبان، وليلة نصفه...) اهـ.
2 - وقال مفتي الديار المصرية سابقاً الشيخ محمد بن بخيت المطيعي في "أحسن الكلام فيما يتعلق بالسنة والبدعة من الأحكام" (ص44):(مما أحدث وكثر السؤال عنه الموالد، فنقول: إن أول من أحدثها بالقاهرة الخلفاء الفاطميون، وأولهم المعز لدين الله.. الخ).
3 - وقال الشيخ علي محفوظ - رحمه الله - وهو من كبار علماء مصر- في "الإبداع في
مضار الابتداع" (ص251):(قيل أول من أحدثها - أي الموالد- بالقاهرة الخلفاء الفاطميون
في القرن الرابع، فابتدعوا ستة موالد: المولد النبوي، ومولد الإمام علي - رضي الله عنه -، ومولد السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها، ومولد الحسن والحسين رضي الله عنهما، ومولد
الخليفة الحاضر... الخ).(33/5)
4 - وقال الدكتوران حسن إبراهيم حسن مدير جامعة أسيوط سابقاً وطه أحمد شرف مفتش المواد الاجتماعية بوزارة التربية والتعليم في كتابهما "المعز لدين الله" (ص284) تحت عنوان "الحفلات والأعياد":(ان المعز كان يشترك مع رعاياه في الاحتفال بعيد رأس السنة الهجرية، ومولد النبي (، وليلة أول رجب ونصفه، وأول شعبان ونصفه، وموسم غرة رمضان، حتى لا يثير نفوس السنيين! ويقرب مسافة الخلف بين المبادئ السنية والعقائد الشيعية!! وكذلك كان المعز لدين الله يستغل هذه الأعياد التي كان زخر بها عهده في نشر خصائص المذهب الإسماعيلي وعقائده!! لذلك كان يحتفل بيوم عاشوراء ليحيي فيها ذكرى الحسين رضي الله عنه، كما كان يحي ذكرى مولد كثير من الأئمة، وذكرى مولد الخليفة القائم بالأمر، وهكذا اتخذ المعز من الاحتفال بهذه الأعياد وسيلة لجذب رعاياه إليه ونشر مبادئ المذهب الإسماعيلي) اهـ.
* * *
الفصل الثالث:
بيان كذب من يزعم أن من ينكر الاحتفال بالمولد بأنه مبغض
للرسول ( ومكفر لمن يحضر ذلك الاحتفال
لقد أشاع الكثير ممن يقيمون الاحتفال بالمولد النبوي أن من ينكر هذا الاحتفال إنما هو يكره الرسول (!! وهذا من الكذب الصريح!
كما أشاعوا أن من ينكر ذلك الاحتفال يعتبره شركاً اكبر!
وأن من يحتفل بالمولد يعتبر مشركاً! وهذا أيضاً كذب صريح!!
وإليك أخي القارىء بعض أقوال أولئك المحتفلين حول هذا الأمر وبيان كذبهم في ذلك:
1- قال يوسف الرفاعي في " الرد المحكم المنيع" (ص15- 16) وهو يشير إلى مقال له نشره في جريدة السياسة الكويتية:(وكان عنوان وموضوع مقالي (الرد على الشيخ عبدالعزيز بن باز) عندما هاجم الاحتفال بالمولد النبوي واعتبره شركاً وبدعة … الخ).(33/6)
2- قال راشد المريخي في "إعلام النبيل" (ص17- 18):(وإذا احتفل أحد بليلة مولده ( تعظيما له وإقامة لأبهة الإسلام قالوا: هذا مشرك … فنعوذ بالله من ناشئة تكفر الأمة بمدح النبي ( أو الاحتفال بمولده) انتهى باختصار.
ولبيان كذب أولئك أنقل فيما يلي بعض أقوال المنكرين للاحتفال بالمولد وتصريحهم أن إنكارهم للمولد هو بسبب انه بدعة وليس شركاً:
قال الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز - رحمه الله - في "مجموع فتاوى ومقالات
متنوعة" (2/380):(كتبت منذ أيام مقالاً يتضمن جواب سؤال عن حكم الاحتفال بالمولد،
وأوضحت فيه أن الاحتفال بها من البدع المحدثة في الدين.
وقد نشر المقال في الصحف المحلية السعودية وأذيع من الإذاعة.
ثم علمت بعد ذلك أن إذاعة لندن نقلت عني في إذاعتها الصباحية أني أقول بأن الاحتفال بالموالد كفر.
فتعين علي إيضاح الحقيقة للقراء فأقول إن ما ذكرته هيئة الإذاعة البريطانية في إذاعتها الصباحية في لندن منذ أيام عني أني أقول بأن الاحتفال بالموالد كفر، كذب لا أساس له من الصحة وكل من يطلع على مقالي يعرف ذلك.
وإني لآسف كثيراً لإذاعة عالمية يحترمها الكثير من الناس ثم تقدم هي أو مراسلوها على الكذب الصريح.
وهذا بلا شك يوجب على القراء التثبت في كل ما تنقله هذه الإذاعة خشية أن يكون كذباً كما جرى في هذا الموضوع... الخ).
2- قال الشيخ أبو بكر الجزائري - حفظه الله - في "الإنصاف فيما قيل في المولد من الغلو والإجحاف" (ص76):(إن مثل هذه البدعة - أي بدعة الاحتفال بالمولد النبوي - لا تكفر فاعلها ولا من يحضرها، ووصم المسلم بالكفر والشرك أمر غير هين).(33/7)
3- وقال أيضاً (ص5) من المصدر السابق:(يشاع بين المسلمين أن الذين ينكرون بدعة المولد هم أناس يبغضون الرسول ( ولا يحبونه، وهذه جريمة قبيحة كيف تصدر من عبد يؤمن بالله واليوم الآخر؟ إذ بغض الرسول ( أو عدم حبه كفر بواح لا يبقى لصاحبه أية نسبة إلى الإسلام والعياذ بالله تعالى) اهـ.
4- قال الشيخ علي بن حسن الحلبي - حفظه الله - في تعليقه على "المورد في عمل المولد" للفاكهاني (ص19):(يظن بعض الجهلة في زماننا أن الذين لا يجيزون عمل المولد والاحتفال به لا يحبون النبي (، وهذا ظن آثم، ورأي كاسد، إذ المحبة وصدقها تكون في الاتباع الصحيح للنبي (، كما قال تعالى: { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } ]آل عمران:31[) اهـ.
* * *
الفصل الرابع:
الرد على الشبهات التي اعتمد عليها من قال بمشروعية
الاحتفال بالمولد النبوي
لقد استدل من يرى مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي ببعض الشبه؛ وفي هذا الفصل اذكر تلك الشبه مع ردود العلماء عليها.
ولكن قبل ذكر الشبه التي استند إليها من يقول بجواز إقامة الموالد؛ أنقل تنبيه مهم لأهل العلم متعلق باستدلال أهل البدع على بدعهم عموماً، وقد ذكره الشيخ علي الحلبي في "علم أصول البدع" (ص137-145) حيث قال:
(يستدل كثير من الناس بالنصوص العامة لتمشية بدعهم، والتدليل على واقعهم!
وفي هذا خطأ كبير، يناقض قاعدة مهمةً في علم الأصول، سيأتي تقريرها - بعد - إن شاء الله.
فمثلاً: لو أن عدداً من الناس قَدِموا مسجداً للصلاة فيه، فما إن دخلوا؛ حتى اقترح أحدهم عليهم أن يصلوا تحية المسجد جماعة!!
فجابهه بعض أصحابه بالإنكار و الرد!!
فاستدل عليهم المقترِح بحديث: { صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل } !!(33/8)
فافترقوا رأيين!!
بعضهم وافق على هذا الاستدلال، والبعض الآخر خالف؛ لأن هذا الدليل إنما مورده في
غير هذا المقام! فما هو القول الفصل؟
قال الإمام ابن تيمية في "مقدمة في أصول التفسير" (ص8-9):(يجب أن يعلم أن النبي ( بين لأصحابه معاني القرآن كما بين لهم ألفاظه، فقوله تعالى: { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ
مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ } ]النحل:44[ يتناول هذا وهذا، وقد قال أبو عبد الرحمن السلمي حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن - كعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما - أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي ( عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن و العلم جميعاً.
ولهذا كانوا يبقون مدة في حفظ السورة.
وقال أنس: كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جلَّ في أعيننا.
وأقام ابن عمر على حفظ البقرة عدة سنين – قيل ثمان سنين – ذكره مالك.
وذلك أن الله تعالى قال: { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِه } ]ص:29[ وقال:
{ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآن } ]النساء:82[ وقال: { أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ } ]المؤمنون:68[.
وتدبر الكلام بدون فهم معانيه لا يمكن.
وكذلك قال تعالى: { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } ]يوسف:2[، وعقل الكلام متضمن لفهمه ومن المعلوم أن كل كلام فالمقصود منه فهم معانيه دون مجرد ألفاظه، فالقرآن أولى بذلك.
وأيضاً فالعادة تمنع أن يقرأ قوم كتاباً في فن من العلم كالطب والحساب ولا يستشرحوه
فكيف بكلام الله الذي هو عصمتهم وبه نجاتهم وسعادتهم وقيام دينهم ودنياهم؟) اهـ.(33/9)
وقال الإمام الشاطبي في "الموافقات" (3/72) رداً على من يستدل بالأدلة العامة على خلاف فهم السلف؛ والدعاء إلى العمل به على غير الوجه الذي مضوا عليه في العمل به ماملخصه:(لو كان دليلاً عليه؛ لم يعزب عن فهم الصحابة والتابعين ثم يفهمه هؤلاء، فعمل الأولين كيف كان مصادم لمقتضى هذا المفهوم ومعارِض له، ولو كان ترك العمل.
فما عمل به المتأخرون من هذا القسم مخالف لإجماعِ الأولين، وكل من خالف الإجماع؛ فهو مخطئ، وأمة محمد ( لا تجتمع على ضلالةٍ، فما كانوا عليه من فعلٍ أو تركٍ؛ فهو السنة
والأمر المعتبر، وهو الهدى، وليس ثم إلاَ صواب أو خطأ فكل من خالف السلف الأولين؛ فهو على خطأ، وهذا كافٍ… ومن هنالك لم يسمع أهل السنة دعوى الرافضة: أن النبي ( نص على علي أنه الخليفة بعده؛ لأن عمل كافة الصحابة على خلافه دليل على بطلانه أو عدمِ اعتباره؛ لأن الصحابة لا تجتمع على خطا.
وكثيراً ما تجد أهل البدعِ والضلالة يستدلون بالكتاب والسنة؛ يحملونهما مذاهبهم، ويغبرون بمشتبهاتهما على العامة، ويظَنون أنهم على شيء).
ثم قال (3/77):(فلهذا كله؛ يجب على كل ناظر في الدليل الشرعي مراعاة ما فهم منه الأولون، وما كانوا عليه في العمل به؛ فهو أحرى بالصواب، وأقوم في العلم والعمل).
وقال الإمام الحافظ ابن عبد الهادي - رحمه الله - في "الصارم المنكي في الرد على السبكي" (ص318):(ولا يجوز إحداث تأويل في آيةٍ أو سنةٍ لم يكن على عهد السلف
ولا عرفوه ولا بينوه للأمة؛ فإن هذا يتضمن أنهم جهِلوا الحق في هذا، وضلوا عنه، واهتدى
إليه هذا المعترض المستأخر) اهـ.
وقال الإمام ابن القيم - رحمه الله - في "الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة"
(2/128مختصره):(إن إحداث القول في تفسير كتاب الله الذي كان السلف والأئمة على خلافه يستلزم أحد أمرين:(33/10)
إما أن يكون خطأ في نفسه، أو تكون أقوال السلف المخالفة له خطأ ولا يشك عاقل أنه أولى بالغلط والخطأ من قول السلَف).
إلا عند ساقطٍ رقيعٍ يقول في مثل هذا المقام: "نحن رجال وهم رجال"!!
فمثل هذا المغرور قد سقطَ معه الخطاب، وسد في وجهه الباب!!
والله الهادي إلى نهج الصواب!
قلت - مازال الكلام للشيخ علي الحلبي-: فإذا وضحت هذه القاعدة ظهر لك أي الفريقين أهدى في المثال الذي صدرنا لك الكلام به!
إذ ذاك الدليل العام لم يجرِ عليه عمل السلف رضي الله عنهم أو فهمهم؛ استدلالاً به على الجماعة في غيرِ الوارد؛ كالفرائض أو التراويح ونحوهما.
فهو جرى - إذاً - على جزءٍ من أجزاء عمومه لا على جميع أجزائه.
ومثال آخر تطبيقي سلفي:
روى أبو داود في "سننه" (رقم 538) بسند حسن عن مجاهد؛ قال:(كنت مع ابن عمر،
فثوب رجل في الظهرِ أو العصر، فقال: اخرج بنا؛ فإن هذه بدعة)!
و( معنى التثويب: هؤلاء الَذين يقومون على أبواب المساجد، فينادون: الصلاة؛ الصلاة) كما قال الطرطوشي في "الحوادث والبدع" (ص149).
فلو جاء أحد قائلاً: هل من ضيرٍ على من ذكر بالصلاة والله سبحانه يقول: { وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ } ]الذريات:55[؟! لما قبل قوله، بل رد عليه فهمه، إذ لم يفهم السلف رضي الله عنهم من هذه الآية هذا الإطلاق وهذا العموم، ومعلوم عن ابن عمر رضي الله عنهما شدة اتباعه، ودقة التزامه.
ومثال آخر وهو ما رواه الترمذي، والحاكم وغيرهما عن نافع أن رجلاً عطس إلى جنب ابن عمر رضي الله عنهما، فقال: الحمد لله، والسلام على رسوله قال ابن عمر:(وأنا أقول: الحمد لله والسلام على رسول الله وليس هكذا علمنا رسول الله (، علمنا أن نقول: الحمد لله على كل حالٍ) .(33/11)
فقد أنكر ابن عمر رضي الله عنهما على هذا الرجل مع أن عموم قولِ الله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } ]الأحزاب:56[ تدخل فيه تلك الصلاة!
ولكن، ما هكذا فهمها الصحابة فمن بعدهم وما هكذا طبقها السلف الصالح رضي الله عنهم، وفهمهم أولى، ومرتبتهم أعلى.
ورحم الله الإمام الأوزاعي حيث قال:(اصبر نفسك على السنة، وقف حيث وقف القوم، وقل بما قالوا، وكف عما كفوا عنه، واسلك سبيل سلفك الصالح؛ فإنه يسعك ما وسعهم).
وعليه؛ نقول:"الحذر الحذر من مخالفة الأولين! فلو كان ثَمَّ فضل ما؛ لكان الأولون أحق به، والله المستعان ") انتهى كلام الشيخ علي الحلبي حفظه الله بتصرف يسير.
فكن أخي القارئ على ذكر لهذا الكلام لان مناقشة الشبهات ستكون في البداية بالإحالة
عليه غالباً.
وبعد بيان ما سبق؛ أذكر الشبه التي اعتمد عليها من قال بجواز الاحتفال بالمولد مع ردود أهل العلم عليها بالتفصيل، علماً أني في بعض الشبه أكتفي بنقل الشبهة دون الإحالة على مرجع لانتشار هذه الشبهة أما إذا كان هناك خطأ آخر متعلق بالشبهة فسوف أنقل من ذكر الشبهة وأنقل كلام أهل العلم في الرد على كلامه.
الشبهة الأولى:قوله تعالى: { قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ }
]يونس:58[.
حيث يفسر بعضهم الرحمة هنا بالرسول (!
الجواب:
أولاً: يفهم الجواب مما سبق (ص11-16).
ثانياً:(قد فسر هذه الآية الكريمة كبار المفسرين، كابن جرير وابن كثير والبغوي و القرطبي وابن العربي وغيرهم، ولم يكن في تفسير واحد منهم أن المقصود بالرحمة في هذه الآية(33/12)
رسول الله (، وإنما المقصود بالفضل والرحمة المفروح بهما ما عنته الآية السابقة لهذه الآية، وهو قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ } ]يونس:57[ ذلك هو القرآن الكريم.
فقد قال ابن كثير في "تفسيره" (2/421):( { وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ } ]يونس:57[ أي: يحصل به الهداية والرحمة من الله تعالى، وإنما ذلك للمؤمنين به، والمصدقين الموقنين بما فيه، كقوله تعالى: { وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً }
]الاسراء:82[ وقوله: { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ } ]فصلت:44[ وقوله: { قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ } ]يونس:58[ أي بهذا الذي جاءهم من الله من الهدى ودين الحق، فليفرحوا فإنه أولى ما يفرحون به) اهـ.
وقال ابن جرير:(يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (: قل يا محمد لهؤلاء المكذبين بك، وبما أنزل
إليك من عند ربك: بفضل الله؛ أيها الناس الذي تفضل به عليكم وهو الإسلام، فبينه لكم
ودعاكم إليه، وبرحمته التي رحمكم بها فأنزلها إليكم، فعلمكم ما لم تكونوا تعلمون من كتابه،
فبصركم بها معالم دينكم؛ وذلك القرآن.
{ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ } يقول: فإن الإسلام الذي دعاهم إليه والقرآن الذي أنزله عليهم، خير مما يجمعون من حطام الدنيا وأموالها وكنوزها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل) اهـ.
وقال القرطبي:قال أبو سعيد الخدري و ابن عباس رضي الله عنهما:(قل فضل الله القرآن، ورحمته الإسلام)، وعنهما أيضا:(فضل الله القرآن، ورحمته أن جعلكم من أهله).(33/13)
وعن الحسن والضحاك ومجاهد وقتادة:(فضل الله الإيمان ورحمته القرآن) على العكس من القول الأول) اهـ)(1).
وقد قال ابن القيم - رحمه الله - في "اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة
والجهمية "(ص38) في تفسير قوله تعالى: { قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا } :
(وقد دارت أقوال السلف على أن فضل الله ورحمته - أي في هذه الآية - الإسلام والسنة) اهـ.
ثالثاً:(إن الرحمة للناس لم تكن بولادة النبي (، وإنما كانت ببعثه وإرساله إليهم، وعلى هذا تدل النصوص من الكتاب والسنة.
أما الكتاب فقول الله تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } ]الانبياء:107[ فنص على أن الرحمة للعالمين إنما كانت في إرساله (، ولم يتعرض لذكر ولادته.
وأما السنة ففي "صحيح مسلم" عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قيل: يا رسول الله
ادع علَى المشركين.قال: { إني لم أبعث لعاناً.وإنما بعثت رحمة } .
وروى الإمام أحمد وأبو داود بإسناد حسن عن سلمان - رضي الله عنه - أن رسول الله ( خطب فقال: { أيما رجل من أمتي سببته سبة أو لعنته لعنة في غضبي فإنما أنا من ولد آدم أغضب كما يغضبون وإنما بعثني رحمة للعالمين فاجعلها عليهم صلاة يوم القيامة } )(2).
* * *
الشبهة الثانية: قوله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } ]الأحزاب: 56[.
ويقولون ان المولد يحث على الصلاة على الرسول (.
الجواب:
أولاً: يفهم الجواب مما سبق (ص11-16).
__________
(1) حوارمع المالكي"للشيخ عبد الله بن منيع (52-54) بتصرف.
(2) الرد القوي على الرفاعي والمجهول وابن علوي وبيان أخطائهم في المولد النبوي" للشيخ حمود التويجري رحمه الله (ص66).(33/14)
ثانياً:(يستحب الإكثار من الصلاة على النبي ( في كل وقت لما رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله (: { صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا.. } وقد حث النبي ( على الإكثار من الصلاة عليه في أوقات معينه كيوم الجمعة وبعد الأذان وعند ذكره ( إلى غير تلك الأوقات ومع ذلك
لم يأمر أو يحث على الصلاة عليه في ليلة مولده فيعمل بما أمر به رسول الله (، ويرد ما لم يأمر به لأن النبي ( قال: { من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد } )(1).
* * *
الشبهة الثالثة: يقولون ان الله كرم بعض الأماكن المرتبطة بالأنبياء مثل مقام إبراهيم ( حيث قال الله تعالى: { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً } ]البقرة:125[ وهذا فيه حث على الاهتمام بكل ما يتعلق بالأنبياء ومنها الاهتمام بيوم مولد النبي (.
الجواب:
أولاً: يفهم الجواب عن هذا الاستدلال مما سبق (ص11-16).
ثانياً:(ان العبادات مبناها على التوقيف والإتباع لا على الرأي والابتداع. فما عظمه الله ورسوله ( من زمان أو مكان فانه يستحق التعظيم وما لا فلا.
والله تبارك وتعالى قد أمر عباده أن يتخذوا من مقام إبراهيم مصلى و لم يأمرهم أن يتخذوا يوم مولد النبي ( عيداً ويبتدعوا فيه بدعاً لم يؤمروا بها)(2).
وقد صح عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما أنه كان يستلم أركان الكعبة الأربعة فقال له ابن عباس رضي الله عنهما:(إنه لا يستلم هذان الركنان).
فقال معاوية - رضي الله عنه -:(ليس شيءٌ من البيت مهجوراً) رواه البخاري ومسلم والترمذي وأحمد.
وزاد أحمد:(فقال ابن عباس رضي الله عنهما: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } ]الأحزاب:21[ فقال معاوية - رضي الله عنه - :(صدقت).
* * *
__________
(1) الرد القوي" (ص70-71).
(2) الرد القوي" (ص83)بتصرف.(33/15)
الشبهة الرابعة: أن النبي ( كان يصوم يوم الاثنين فلما سئل عن ذلك قال: { ذلك يوم ولدت فيه وأنزل علي فيه } رواه أحمد ومسلم وأبو داود.
استدل به محمد المالكي في "حول الاحتفال بالمولد" (ص10).
حيث قال:(أنه ( كان يعظّم يوم مولده، ويشكر الله تعالى فيه على نعمته الكبرى عليه، وتفضله عليه بالوجود لهذا الوجود، إذ سعد به كل موجود، وكان يعبر عن ذلك التعظيم بالصيام كما جاء في الحديث عن أبي قتادة:(أن النبي ( سئل عن صوم يوم الاثنين فقال:
{ ذلك يوم ولدت فيه وأنزل علي فيه } ) رواه الإمام مسلم في "الصحيح" في كتاب الصيام.
وهذا في معنى الاحتفال به إلا أن الصورة مختلفة ولكن المعنى موجود سواء كان ذلك بصيام أو إطعام طعام أو اجتماع على ذكر أو صلاة على النبي ( أو سماع شمائله الشريفة) انتهى.
الجواب:
أولاً: يفهم الجواب عن هذا الاستدلال مما سبق (ص11-16).
ثانياً:(إذا كان المراد من إقامة المولد هو شكر الله تعالى على نعمة ولادة الرسول ( فيه فإن المعقول والمنقول يحتم أن يكون الشكر من نوع ما شكر الرسول ( ربه وهو الصوم؛
لأن الرسول ( لا يختار إلا ما هو أفضل، وعليه فلنصم كما صام، وإذا سئلنا قلنا: إنه يوم
ولد فيه نبينا فنحن نصومه شكرا لله تعالى.
ثالثا: أن الرسول ( لم يصم يوم ولادته وهو اليوم الثاني عشر من ربيع الأول إن صح
أنه ذلك، وإنما صام يوم الاثنين الذي يتكرر مجيئه في كل شهر.
رابعاً: هل النبي ( لما صام يوم الاثنين شكراً على نعمة الإيجاد والإمداد وهو تكريمه
ببعثته إلى الناس كافة بشيراً ونذيراً أضاف إلى الصيام احتفالاً كاحتفال أرباب الموالد من
تجمعات ومدائح؟
والجواب: لا، وإنما اكتفى بالصيام فقط إذاً ألا يكفي الأمة ما كفى نبيها، ويسعها
ما وسعه؟ وهل يقدر عاقل أن يقول: لا؟(33/16)
وإذاً فلم ألافتيات على الشارع والتقدم بالزيادة عليه، والله يقول: { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } ]الحشر:7[ ويقول: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } ]الحجرات:1[ ورسوله ( يقول: { إياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالَة } )(1).
وحال من قال بجواز إقامة المولد زيادة على صيام يوم الاثنين الثابت في السنة يشبه حال من صلى سنة المغرب مثلاً ثلاث أو أربع ركعات بحجة أنه أتى بالركعتين التي ثبتت بالسنة ثم أضاف إليها ركعتين زيادة في الخير!!.
خامساً:(أن النبي ( لم يكن يخص اليوم الثاني عشر من ربيع الأول إن صح أن ذلك هو يوم مولده بالصيام ولا بشيء من الأعمال دون سائر الأيام ولو كان يعظم يوم مولده، كما يزعمون لكان يتخذ ذلك اليوم عيداً في كل سنة، أو كان يخصه بالصيام أو بشيء من الأعمال دون سائر الأيام.
وفي عدم تخصيصه بشيء من الأعمال دون سائر الأيام دليل على أنه لم يكن يفضله على
غيره وقد قال تعالى: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ } ]الأحزاب:21[)(2).
سادساً:(أما قول المالكي عن صيام الرسول ( يوم الاثنين:(وهذا في معنى الاحتفال به، إلا أن الصورة مختلفة، ولكن المعنى موجود) فالجواب عنه يفهم من الجواب عن السؤال التالي:
هل يجوز لنا أن نقول: أن مشروعية الصلاة في الأوقات الخمسة تعني مشروعية الصلاة في الجملة، وأنه يجوز لنا أن نحدث وقتا أو وقتين زيادة على الصلوات الخمس المكتوبة؟
__________
(1) الإنصاف فيما قيل في المولدمن الغلو والإجحاف"لأبي بكر الجزائري(ص64-66) بتصرف.
(2) الرد القوي"(61-62) بتصرف.(33/17)
وأنه يجوز لنا أن نقول: أن مشروعية صيام رمضان، تعني مشروعية الصيام في الجملة!
وأنه يجوز لنا أن نحدث صيام شهر آخر غير رمضان على سبيل الوجوب؟
هل يجوز لنا أن نقول: أن مشروعية الحج في زمان مخصوص، تعني مشروعيته في الجملة، وأنه يجوز لنا أن نقول: بتوسعة وقت الحج طوال العام كالعمرة تخفيفا على الأمة وتوسعة عليها؟
إننا حينما نقول بذلك لا نقول بأن الصورة مختلفة، بل الصلاة هي الصلاة، والصوم هو الصوم، والحج هو الحج، إلا أن الجديد في ذلك الزيادة على المشروع فقط.
يلزم المالكي أن يقول: بجواز ذلك كما قال: بأن صيام رسول الله ( يوم مولده، يدل على
جواز إقامة الاحتفال بذكرى المولد)(1).
الشبهة الخامسة: ما ثبت في "الصحيحين" ان النبي ( لما قدم المدينة رأى اليهود تصوم عاشوراء فقال: { ما هذا؟ } قالوا:(يوم صالح نجى الله فيه موسى وبني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى) فقال: { أنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه } .
ورد الاستدلال بهذا الحديث في جواب للحافظ ابن حجر العسقلاني عن سؤال وجه إليه
عن عمل المولد حسبما ذكره السيوطي في "حسن المقصد في عمل المولد" ضمن "الحاوي للفتاوى" (1/196) حيث جاء فيه:(أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة ولكنها مع ذلك قد اشتملت على محاسن وضدها فمن تحرى في عملها المحاسن وتجنب ضدها كان بدعة حسنة وإلا فلا.
وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت وهو ما ثبت في "الصحيحين" (ثم ذكر الحديث)
__________
(1) حوار مع المالكي" ( 50-51) بتصرف.(33/18)
فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما من به في يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نقمة ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة والشكر لله يحصل بأنواع العبادة كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة. وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي نبي الرحمة في ذلك اليوم وعلى هذا فينبغي أن يتحرى اليوم بعينه حتى يطابق قصة موسى في يوم عاشوراء.
ومن لم يلاحظ ذلك لا يبالي بعمل المولد في أي يوم من الشهر بل توسع قوم فنقلوه إلى يوم من
السنة وفيه ما فيه… إلى آخر كلامه).
وقد نقل محمد بن علوي المالكي كلام الإمام ابن حجر مختصراً في "البيان والتعريف"
(ص10-11) وقال في رسالته "حول الاحتفال بالمولد" (ص11-12):(أن النبي (كان
يلاحظ ارتباط الزمان بالحوادث الدينية العظمى التي مضت وانقضت فإذا جاء الزمان الذي
وقعت فيه كان فرصة لتذكّرها وتعظيم يومها، لأجلها ولأنه ظرف لها.
وقد أصّل ( هذه القاعدة بنفسه كما صرح في الحديث (ثم ذكر حديث صيام يوم
عاشوراء)) اهـ.
الجواب:
أولاً: يفهم مما سبق (ص11-16).
ثانياً:(أن المحاسن التي وردت في فتوى الحافظ أن من تحراها في عمل المولد وتجنب ضدها كان عمل المولد بدعة حسنة لا تعد هي بنفسها من البدع وإنما البدعة فيها جعل ذلك الاجتماع المخصوص بالهيئة المخصوصة في الوقت المخصوص واعتبار ذلك العمل من قبيل شعائر الإسلام التي لا تثبت إلا بنص من كتاب أو سنة بحيث يظن العوام الجاهلون بالسنن أن
عمل المولد من أعمال القرب المطلوبة شرعا!.
وعمل المولد بهذه القيود بدعة سيئة وجناية على دين الله وزيادة فيه تعد من شرع
ما لم يأذن به الله ومن الافتراء على الله والقول في دينه بغير علم.(33/19)
ثم أن حديث صوم يوم عاشوراء لنجاة موسى عليه السلام فيه وإغراق فرعون فيه ليس فيه سوى أن النبي (صامه وأمر بصومه دون زيادة على ذلك) (1).
ثالثاً: أن الشرط الذي أشترطه الحافظ ابن حجر للاحتفال بالمولد النبوي وهو تحري ذلك اليوم بعينه حتى يطابق قصة موسى عليه السلام لا يلتزمه كثير ممن تبعوه في الاستدلال بهذا الحديث على مشروعية الاحتفال بالمولد فقد قال محمد بن علوي المالكي في "حول الاحتفال بالمولد"(ص6):(أننا لا نقول بسنية الاحتفال بالمولد المذكور في ليلة مخصوصة بل من اعتقد ذلك فقد ابتدع في الدين، لأن ذكره ( والتعلق به يجب أن يكون في كل حين، ويجب أن تمتلئ به النفوس … الخ).
وعلى كلامه فإن الإمام ابن حجر العسقلاني يكون قد وقع في الابتداع في الدين فإنه خصص الاحتفال بيوم واحد في العام كما هو واضح في كلامه السابق!.
رابعاً:(ان الرسول ( قد صام يوم عاشوراء وحث على صيامه فكان صيامه سنة وسكت عن يوم ولادته الذي هو الثاني عشر من ربيع الأول كما يقول به اكثر المحتفلين فلم يشرع فيه شيئاً فوجب أن نسكت كذلك، ولا نحاول أن نشرع فيه صياماً ولا قياماً فضلاً
عن احتفالاً)(2).
ثم أقول للمالكي حيث أجاز الاحتفال بالمولد في أي يوم:
هل يجوز أن نصوم أو نعمل أي عمل صالح في أي يوم غير يوم عاشورا شكراً لله لأنه نجى موسى عليه السلام وقومه من فرعون؟! وما هو ثواب ذلك ؟!.
__________
(1) القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل" للعلامة إسماعيل الأنصاري رحمه الله (ص78-79) بتصرف.
(2) الإنصاف فيما قيل في المولد"(ص63) بتصرف.(33/20)
وأما بالنسبة لقول المالكي:(ان النبي (كان يلاحظ ارتباط الزمان بالحوادث الدينية العظمى التي مضت وانقضت فإذا جاء الزمان الذي وقعت فيه كان فرصة لتذكرها وتعظيم يومها لاجلها ولأنه ظرف لها)؛ فقد أجاب عنه الشيخ التويجري رحمه الله في "الرد القوي"(ص68-69) بقوله:(ان من أعظم الأمور التي وقعت في زمن النبي (، مجيء الملك إليه بالنبوة وهو في غار حراء وتعليمه أول سورة { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } ]العلق:1[.
ومن أعظم الأمور أيضاً الإسراء به إلى بيت المقدس والعروج به إلى السموات السبع
وما فوقها وتكليم الرب تبارك وتعالى له وفرضه الصلوات الخمس، ومن أعظم الأمور أيضاً
هجرته ( إلى المدينة، ومن أعظم الأمور أيضاً وقعة بدر وفتح مكة، ولم يرد عنه ( أنه
كان يعمل الاجتماع لتذكر شيء من هذه الأمور العظيمة وتعظيم أيامها.
ولو كانت قاعدة ابن علوي التي توهمها وابتكرها صحيحة لكان النبي ( يهتم بأوقات هذه الأمور العظيمة ويعقد الاجتماعات لتذكرها وتعظيم أيامها.
وفي تركه ( ذلك أبلغ رد على مزاعم ابن علوي وغيره وتقولهم على النبي () انتهى بتصرف واختصار.
* * *
الشبهة السادسة: ما جاء عن عروة أنه قال في ثويبة مولاة أبي لهب: وكان أبولهب أعتقها فأرضعت النبي ( فلما مات أبو لهب أريه بعض أهله بشر حيبة قال له: ماذا لقيت؟ قال أبو لهب: لم ألق بعدكم غير أني سقيت في هذه بعتاقتي ثويبة .
استدل محمد بن علوي المالكي بهذه القصة في رسالته "حول الاحتفال بالمولد" (ص8) حيث قال:(أن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف تعبير عن الفرح والسرور بالمصطفى ( وقد انتفع به الكافر..
فقد جاء في البخاري أنه يخفَف عن أبي لهب كل يوم اثنين بسبب عتقه لثويبة جاريته لما بشرته بولادة المصطفى (...(33/21)
وهذه القصة رواها البخاري في "الصحيح" في (كتاب النكاح) ونقلها الحافظ ابن حجر في "الفتح" … وهي وإن كانت مرسلة إلا أنها مقبولة لأجل نقل البخاري لها واعتماد العلماء من الحفاظ لذلك ولكونها في المناقب والخصائص لا في الحلال والحرام وطلاب العلم يعرفون الفرق في الاستدلال بالحديث بين المناقب والأحكام وأما انتفاع الكفار بأعمالهم ففيه كلام بين العلماء ليس هذا محل بسطه، والأصل فيه ما جاء في الصحيح من التخفيف عن أبي طالب بطلب رسول الله () انتهى باختصار.
الجواب:
أولاً: يفهم مما جاء في (ص11-16).
ثانياً:(ان هذا الخبر لا يجوز الاستدلال به لأمور:
أولاً: أنه مرسل كما يتبين من سياقه عند البخاري في باب { وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ }
{ ويحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب } من صحيحه فقد قال:(حدثنا الحكم بن نافع أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني عروة بن الزبير أن زينب ابنة أبي سلمة أخبرته أن
أم حبيبة بنت أبي سفيان أخبرتها أنها قالت:(يا رسول الله انكِحْ أختي بنت أبي سفيان، فقال: { أو تحبين ذلك؟ } فقلت: نعم، لست لك بمخليةٍ، وأحب من شاركني في خيرٍ أختي.
فقال النبي (: { إن ذلك لا يحل لي } .
قلت: فإنا نحدث أنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة.قال: بنت أم سلمة؟
قلت: نعم.فقال: { لو أنها لم تكن ربيبتي في حجري ماحلت لي. إنها لاَبنة أخي من الرضاعة.أرضعتني وأبا سلمة ثويبة فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن } .
قال عروة: وثويبة مولاة لأبي لهبٍ وكان أبو لهبٍ أعتقها فأرضعت النبي (، فلما مات
أبو لهب أريه بعض أهله بشر حِيبةٍ، قال له: ماذا لقيت؟
قال أبو لهب: لم ألق بعدكم. غير أني سقيت في هذه بعتاقتي ثويبة ").
ولهذا قال الحافظ ابن حجر"فتح الباري" (9/49):(إن الخبر - أي المتعلق بتلك القضية - مرسل أرسله عروة ولم يذكر من حدثه به...الخ).(33/22)
وبهذا نعلم انه لا يجوز الاستدلال بهذا الخبر لأنه مرسل، والمرسل من قسم الضعيف لأننا
لا نعلم صدق من أخبر عروة بذلك الخبر؛ والبخاري رحمه الله لم يشترط الصحة في كتابه
إلا على الأحاديث المتصلة السند.
ثانياً: أن ذلك الخبر لو كان موصولاً لا حجة فيه لأنه رؤيا منام ورؤيا المنام لا يثبت بها
حكم شرعي ذكر ذلك أيضا الحافظ ابن حجر.
وقد قال علوي بن عباس المالكي - والد محمد المالكي - في "نفحات الإسلام من البلد الحرام" (ص164-165) والذي جمع مواضيعه ورتبه محمد المالكي نفسه؛ أثناء إنكاره القصة المشهورة الباطلة عن الشيخ أحمد خادم الحجرة النبوية:(النبي ( قد بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وترك للناس شريعة واحدة لا تحتاج إلى تتميم برؤيا في المنام، والرؤيا المنامة ليست طريقاً للتشريع ولا مستنداً لحكم شرعي أصلاً لأن النائم لا يضبط لغفلته بمنامه
فكيف يعتمد على رؤياه...الخ).
ثالثاً: أن ما في مرسل عروة هذا من أن إعتاق أبي لهب ثويبة كان قبل إرضاعها النبي - صلى الله عليه وسلم - يخالف ما عند أهل السير من أن إعتاق أبى لهب إياها كان بعد ذلك الإرضاع بدهر طويل كما ذكر الحافظ ابن حجر في " الفتح" (9/48) وأوضحه في " الإصابة في تمييز الصحابة"
(4/250) والحافظ ابن عبدالبر في "الاستيعاب في أسماء الأصحاب" (1/12) والحافظ
ابن الجوزي في "الوفا بأحوال المصطفى" (1/106).(33/23)
رابعاً: أن هذا الخبر مخالف لظاهر القرآن كما أوضحه الحافظ ابن حجر في "الفتح" حيث قال في كلامه عليه (9/49):(وفي الحديث دلالة على أن الكافر قد ينفعه العمل الصالح في الآخرة؛ لكنه مخالف لظاهر القرآن، قال الله تعالى { وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً } ]الفرقان:23[) ثم نقل عن حاشية ابن المنير أن ما في ذلك المرسل من اعتبار طاعة الكافر مع كفره محال لأن شرط الطاعة أن تقع بقصد صحيح وذلك مفقود مع الكافر.
فإعتاق أبى لهب لثويبة ما دام الأمر كذلك لم يكن قربة معتبرة فإن قيل إن قصة إعتاق
أبى لهب ثويبة مخصوصة من ذلك كقصة أبى طالب قلنا: إن تخفيف العذاب عن أبى طالب ثبت بنص صحيح عن النبي (وأما ما وقع لأبى لهب في ذلك المرسل فمستنده مجرد كلام لأبى لهب في المنام فشتان ما بين الأمرين)(1).
يضاف إلى ذلك ان تخفيف العذاب عن أبي طالب كان بسبب شفاعة الرسول ( كما قال الرسول (: { لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلي منها دماغه } .
خامساً:(ان الفرح الذي فرحه أبو لهب بمولود لأخيه فرح طبيعي لا تعبدي، إذ كل إنسان يفرح بالمولود يولد له، أو لأحد إخوانه أو أقاربه، والفرح إن لم يكن لله لا يثاب عليه فاعله، وهذا يضعف هذه الرواية و يبطلها)(2).
سادساً:(لم يجيء في هذه الرواية مع ضعفها أنه يخفف عن أبي لهب العذاب كل إثنين
ولا أن أبا لهب أعتق ثويبة من أجل بشارتها إياه بولادة المصطفى (، فكل هذا من التقول على البخاري)(3).
سابعاً:(لم يثبت من طريق صحيح أن أبا لهب فرح بولادة النبي (، ولا أن ثويبة بشرته بولادته، فكل هذا لم يثبت، ومن ادعى ثبوت شيء من ذلك فعليه إقامة الدليل على
__________
(1) القول الفصل" (ص84- 87) بتصرف.
(2) الإنصاف فيما قيل في المولد"(ص60).
(3) الرد القوي" (ص56) بتصرف.
(4):المصدر السابق بتصرف.(33/24)
ما ادعاه.ولن يجد إلى الدليل الصحيح سبيلاً)(1).
ثامناً:قول المالكي:(وهذه القصة رواها البخاري في "الصحيح" في كتاب النكاح ونقلها
الحافظ ابن حجر في "الفتح" - إلى ان قال - وهي وان كانت مرسلة الا أنها مقبولة لأجل نقل البخاري لها واعتماد العلماء من الحفاظ لذلك ولكونها في المناقب والخصائص لا في الحلال والحرام وطلاب العلم يعرفون الفرق في الاستدلال بالحديث بين المناقب والأحكام.
وأما انتفاع الكفار بأعمالهم ففيه كلام بين العلماء ليس هذا بسطه والأصل فيه ما جاء في الصحيح من التخفيف عن أبي طالب بطلب رسول الله () يثير عندي بعض الأسئلة وهي:
من أين نقل الحافظ ابن حجر هذه القصة في "الفتح"؟!
ولماذا أورد المالكي هذه القصة؟!
إن كتاب الحافظ ابن حجر "فتح الباري" إنما هو شرح للأحاديث والآثار الواردة في "صحيح البخاري"، فما معنى التفريق بين إخراج البخاري لهذه القصة في "صحيحه" وبين نقل ابن حجر لها في "الفتح"؟! أم ان المقصود تكثير المصادر ليوهم السذج؟
ثم إن المالكي إنما أورد هذه القصة ليستدل بها على جواز بل سنية الاحتفال بالمولد كما مر معنا سابقاً، فما معنى قوله عن هذه القصة:(أنها مقبولة لأجل نقل البخاري لها واعتماد العلماء من الحفاظ لذلك ولكونها في المناقب والخصائص لا في الحلال والحرام وطلاب العلم
يعرفون الفرق في الاستدلال بالحديث بين المناقب والأحكام)؟!
هل يقصد انه لا يريد ذكر هذه القصة لبيان حلال أو حرام وإنما لبيان للمناقب
والخصائص؟ فما فائدة ذكرها كدليل على جواز الاحتفال بالمولد؟
وأما بالنسبة إلى تخفيف العذاب عن الكافر فقد مر معنا قول ابن حجر في ذلك واستدلاله(33/25)
بالآية، والأصل في ذلك تلك الآية بالإضافة إلى بعض الأحاديث الصحيحة ومنها ما جاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت:(يا رسول الله إن ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين، فهل ذلك نافعه؟ قال: { لا ينفعه إنه لم يقل يوماً رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين } .
فهذا هو الأصل، وقد قال محمد بن علوي المالكي نفسه في "شرح منظومة الورقات"
( ص28) في باب النهي:(الكفار داخلون في الخطاب بجميع فروع الشريعة فهم مخاطبون بها مع انتفاء شرطها وهو الإسلام فيعذبون حينئذ على أمرين: على ترك الفروع وعلى ترك الإسلام الذي بدونه فروع الشريعة ممنوعة لا تصح ومع كونهم مخاطبين بالفروع إلا أنها لا تصح منهم إذا فعلوها إلا بالإسلام) اهـ.
أما تخفيف العذاب عن أبي طالب فإنه مستثنى من هذا الأصل وذلك بسبب شفاعة ( كما مر معنا وباعتراف المالكي!.
* * *
الشبهة السابعة: قول الرسول ( في فضل يوم الجمعة : { إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض } رواه أبو داود.
استدل بهذا محمد المالكي في " حول الاحتفال" (ص14)حيث قال:(يؤخذ من قوله (في فضل يوم الجمعة، وعدّ مزاياه: { وفيه خلق آدم } تشريف الزمان الذي ثبت أنه ميلاد لأي نبي كان من الأنبياء عليهم السلام فكيف باليوم الذي ولد فيه أفضل النبيين وأشرف المرسلين.
ولا يختص هذا التعظيم بذلك اليوم بعينه بل يكون له خصوصاً ولنوعه عموماً مهما تكرر
كما والحال في يوم الجمعة، شكراً للنعمة، وإظهاراً لمزية النبوة وإحياءً للحوادث التاريخية).
الجواب:
أولاً: يفهم الجواب مما سبق (ص11-16).
ثانياً:(جاءت النصوص الشرعية الصريحة الثابتة بفضل يوم الجمعة، واعتباره أحد أعياد المسلمين، واختصاصه بخصائص ليست لغيره، فنحن نقف مع النصوص الشرعية حيث وقفت، ونسير معها حيث اتجهت: { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا }(33/26)
]الحشر:7[ ولا نبيح لأنفسنا أن نشرع تفضيل يوم بعينه، لم يرد النص بتفضيله، إذ لو كان خيراً لشرع لنا تفضيله، كما شرع لنا تفضيل يوم الجمعة { وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً } ]مريم:64[.
ولو جاءت نصوص شرعية تنص على فضل يوم ذكرى ميلاد رسول الله (، لكنا بتوفيق
الله وهدايته أسرع الناس إلى اعتبار ذلك والأخذ به، امتثالا لقوله تعالى: { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ } )(1).
ثالثاً:(أن النبي ( لم يكن يخص يوم الجمعة بشيء من نوافل الأعمال وقد نهى عن تخصيصه بالصيام وعن تخصيص ليلة الجمعة بالقيام ففي "صحيح مسلم" عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن
النبي ( قال: { لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم } .
وإذا كان النبي ( لم يخص يوم الجمعة بشيء من نوافل الأعمال من أجل آدم عليه السلام قد خلق فيه فأي متعلق لابن علوي وغيره في ذكر ذلك الاستدلال به على جواز الاحتفال بالمولد)(2).
رابعاً:(لماذا نهى رسول الله ( عن صيام يوم الجمعة تطوعاً وحده؟
ولماذا لم يقل إثر إخباره أو فيما بعد: فأقيموا لأبيكم وأبي عيد وجود، أو حلقة ذكر بمناسبة الذكرى نتدارس فيها نعم الله على خلقه، ونذكر فيها العامة، وتكون سنة لمن بعدنا؟ كما يقول بما يشبه هذا بعض المتأخرين.
وهل يمكن أن يجرؤ الشك على أن يوحى لنا بأن محمداً ( ذا الخلق العظيم محبته لأبيه آدم عليه السلام قاصرة أو معدومة؟)(3).
خامساً: أما بالنسبة لقول المالكي:(ولا يختص هذا التعظيم بذلك اليوم بعينه، بل يكون له خصوصاً ولنوعه عموماً).
فقد أجاب عنه الشيخ عبدالله بن منيع في "حوار مع المالكي"(ص88) بقوله:(إن هذا
__________
(1) وار مع المالكي" (ص87).
(2) الرد القوي"(ص82) بتصرف.
(3) العقلية الإسلامية وفكرة المولد" لعلي العيسى (ص64-65) بتصرف.(33/27)
القول يقتضي أن نقيس في العبادات، ولا يخفى ما عليه أهل العلم من علماء الأصول و فقهاء الأمة، ممن يقولون بالقياس من أنهم يمنعون القياس في العبادات، لأن القياس مبني على اتحاد المقيس والمقيس عليه في العلة، والعبادات مبناها على التوقيف والتعبد، سواء كانت علة التشريع ظاهرة أو خفية، فلا يجوز أن نقيس على أصل مشروعية الصلاة بتشريع صلاة سادسة بين الفجر والظهر مثلاً، ولا بتشريع صيام آخر بعد رمضان أو قبله، ولا بزيادة ركعة أو أكثر على ركعات صلاة من الصلوات الخمس، بحجة أن التشريع في الصلوات أو في الصيام أو في غيرهما من أنواع العبادة لها خصوصاً ولنوعها عموماً.
إن الله حينما فضل يوم الجمعة على غيره من الأيام الأخرى، وتحدث رسول الله ( بما يدل على ذلك التفضيل و يؤكده قادر على تفضيل غيره من الأيام،كيوم مولد الرسول (، أو بعثته أو هجرته، ويعطي عباده نصوصاً صريحة من قوله تعالى، أو قول رسوله الأمين (، في تفضيل ذلك اليوم كما هو الحال في يوم الجمعة، و في ليلة القدر) انتهى كلامه باختصار.
* * *
الشبهة الثامنة: ما أخرجه البيهقي عن انس - رضي الله عنه -: { أن النبي (عق عن نفسه بعد
النبوة } .
خرج السيوطي في "حسن المقصد في عمل المولد" عمل المولد عليه ولفظه:(قلت قد ظهر لي تخريجه - أي عمل المولد - على أصل آخر وهو ما أخرجه البيهقي عن انس رضي الله عنه: { أن النبي ( عق عن نفسه بعد النبوة } مع أنه قد ورد أن جده عبد المطلب عق عنه في سابع ولادته، والعقيقة لا تعاد مرة ثانية فيحمل ذلك على أن الذي فعله النبي (
اظهار للشكر على إيجاد الله إياه رحمة للعالمين وتشريع لأمته كما كان يصلي على نفسه لذلك
فيستحب لنا أيضا إظهار الشكر بمولده) إلى آخر كلامه، كما استدل بهذا الحديث محمد المالكي في "البيان والتعريف" (ص11).
الجواب:(33/28)
أولاً:(ان تخريج السيوطي عمل المولد النبوي على هذا الحديث ساقط لعدم ثبوت ذلك الحديث عند أهل العلم.
فقد قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في (كتاب العقيقة) من"تلخيص الحبير" (4/147):
(قوله - أي الرافعي- روى أنه (عق عن نفسه بعد النبوة البيهقي من حديث قتادة
عن انس وقال: منكر؛ وفيه عبدالله ابن محرر وهو ضعيف جداً، وقال عبد الرزاق إنما تكلموا فيه لأجل هذا الحديث، قال البيهقي وروى من وجه آخر عن قتادة ومن وجه آخر عن انس وليس بشيء.
قلت - القائل ابن حجر العسقلاني - أما الوجه الآخر عن قتادة فلم أره مرفوعاً وإنما ورد
أنه كان يفتي به كما حكاه ابن عبد البر بل جزم البزار وغيره بتفرد عبدالله بن محرر به عن قتادة.
وأما الوجه الآخر عن انس فأخرجه أبو الشيخ في الأضاحي وابن أيمن في مصنفه والخلال من طريق عبدالله بن المثنى عن ثمامة بن عبدالله بن انس عن أبيه وقال النووي في "شرح المهذب" هذا حديث باطل) اهـ.
كما ضعفه في "فتح الباري" (9/509).
وقال الإمام النووي - رحمه الله - في "المجموع شرح المهذب" (8/412) في ( باب العقيقة) :(أما الحديث الذي ذكره - أي الشيرازي - في عق النبي ( عن نفسه فرواه البيهقي بإسناده عن عبدالله بن محرر بالحاء المهملة والراء المكررة عن قتادة عن انس { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عق عنه نفسه بعد النبوة } وهذا حديث باطل، قال البيهقي هو حديث منكر، وروى البيهقي بإسناده عن عبد الرزاق قال:(إنما تركوا عبدالله بن محرر بسبب هذا الحديث)، قال البيهقي: وقد روى هذا الحديث من وجه آخر عن قتادة، ومن وجه آخر عن انس وليس بشيء، فهو حديث باطل وعبدالله بن محرر ضعيف متفق على ضعفه قال الحفاظ هو - أي عبدالله بن محرر- متروك) اهـ.
وقال الحافظ الذهبي في ترجمة عبدالله بن محرر من "ميزان الاعتدال في نقد الرجال":(33/29)
(من بلاياه - أي عبدالله بن محرر- روى عن قتادة عن انس (أن النبي ( عق عن نفسه بعدما بعث) رواه شيخان عنه) اهـ.
وقال البزار:(تفرد به عبدالله بن المحرر وهو ضعيف جداً إنما يكتب عنه ما لا يوجد عند
غيره) ورد هذا في ( باب قضاء العقيقة) من كتاب "كشف الأستار عن زوائد البزار"
للحافظ الهيثمي.
وقال البيهقي في (باب العقيقة سنة) من" السنن الكبرى" (9/300):(قال عبدالزاق إنما تركوا عبدالله ابن محرر لحال هذا الحديث وقد روى من وجه آخر عن قتادة ومن آخر عن انس وليس بشيء). انتهى كلام البيهقي الذي عزا إليه السيوطي ذلك الحديث الذي ادعى أنه ظهر له تخريج عمل المولد عليه وقد أساء السيوطي التصرف حيث لم يذكر كلام البيهقي في الحديث بل تركه ليوهم من يقرأ تخريجه أنه صالح للاستدلال به.
وقال ابن القيم - رحمه الله - في "تحفة المودود بأحكام المولود" (ص57):(قال أحمد: عبدالله بن المحرر عن قتادة عن أنس: { أنَّ النبي ( عقَّ عن نفسه } ، منكر، وضعف عبدالله بن محرر.
وفي "مصنف عبدالرزاق" أنبأنا عبدالله بن محرر عن قتادة عن أنس، انَّ النبي ( عقَّ عن نفسه بعد النبوة، قال عبدالرزاق: إنما تركوا ابن محرر لهذا الحديث) انتهى كلام ابن القيم باختصار.
وقال الزرقاني في "شرح المواهب اللدنية" (1/140) تعليقاً على قول السيوطي السابق:
(تعقبه النجم بأنه حديث منكر كما قاله الحافظ بل قال - أي النووي - في "شرح المهذب"
(إنه حديث باطل) فالتخريج عليه ساقط) انتهى كلام الزرقاني.
كما ضعف هذا الحديث الإمام مالك كما في (كتاب العقيقة) من "المقدمات الممهدات لبيان ما اقتضته رسوم المدونة من الأحكام" لابن رشد (2/15).
كما ضعف راويه عبدالله بن محرر ابن حبان في "كتاب المجروحين" (2/29))(1).
__________
(1) القول الفصل"(ص80-84) بتصرف.(33/30)
ثانياً:(هل ثبت أن العقيقة كانت مشروعة لأهل الجاهلية وهم يعملون بها حتى نقول إن عبدالمطلب قد عق عن ابن ولده؟
وهل أعمال أهل الجاهلية يعتد بها في الإسلام؟ حتى نقول إذا عق النبي ( عن نفسه شكراً لا قياماً بسنة العقيقة، إذا قد عق عنه؟
سبحان الله ما أعجب هذا الاستدلال وما أغربه، وهل إذا ثبت أن النبي ( ذبح شاة
شكراً لله تعالى على نعمة إيجاده وإمداده يلزم من ذلك اتخاذ يوم ولادته ( عيداً للناس؟
و لما لم يدعُ إلى ذلك رسول الله ( ويبين للناس ماذا يجب عليهم فيه من أقوال وأعمال؟
كما بين ذلك في عيدي الفطر والأضحى.
أنسي ذلك أم كتمه، وهو المأمور بالبلاغ؟
سبحانك اللهم إن رسولك ( ما نسي ولا كتم ولكن الإنسان كان أكثر شيء جدلاً)(1).
* * *
الشبهة التاسعة: ان جبريل عليه السلام طلب ليلة الإسراء والمعراج من النبي(، أن يصلي ركعتين ببيت لحم، ثم قال:(أتدري أين صليت؟ صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى عليه السلام).
استدل به محمد علوي المالكي في "حول الاحتفال" (ص14-15).
الجواب:
أولاً: قال العلامة الأنصاري - رحمه الله - في "القول الفصل" (ص138-145):(إن أمر جبريل عليه السلام الرسول ( بذلك ورد من رواية شداد ابن أوس وانس بن مالك وأبي هريرة رضي الله عنهم لقصة الإسراء لكنه مستنكر كما يتبين فيما يلي:
أ- أما رواية شداد بن أوس - رضي الله عنه - فقد قال الإمام الترمذي: حدثنا إسحاق بن
__________
(1) الإنصاف فيما قيل في المولد"(ص61 –62) .(33/31)
إبراهيم بن العلاء بن الضحاك الزبيدي حدثنا عمرو بن الحارث عن عبدالله بن سالم الأشعري عن محمد بن الوليد بن عامر الزبيدي حدثنا أبو الوليد بن عبد الرحمن عن جبير بن نفير حدثنا شداد بن أوس قال: قلنا: يا رسول الله كيف أسري بك قال:( … (فذكر فيه) ثم بلغنا أرضا بدت لنا قصور فقال (أي جبريل عليه السلام): انزل فنزلت فقال صل. فصليت ثم ركبنا فقال أتدري أين صليت؟ قلت: الله أعلم. قال: صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى بن مريم …) الخ.
ومن طريق الترمذي هذا بسنده ومتنه روى البيهقي هذه الرواية كما بينه ابن كثير في تفسيره وهذه الرواية تكلم فيها الحافظان الذهبي وابن كثير متعقبين بكلامهما قول البيهقي في
إسنادها (هذا إسناد صحيح).
فقد قال الحافظ الذهبي في "تاريخ الإسلام" (1/142) بعد إيراد كلام البيهقي هذا في
إسنادها:(قلت: ابن زبريق - أي إسحاق بن إبراهيم بن العلاء الزبيدي - تكلم فيه النسائي) اهـ.
وقال في ترجمته من "ميزان الاعتدال" (1/181) إن النسائي قال ليس بثقة ثم قال
أبو داود ليس بشيء وكذبه محدث حمص محمد ابن عوف الطائي.
تعقب الذهبي بهذا قول أبي حاتم في ابن زبريق:(لا بأس به سمعت ابن معين يثني عليه).
وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره لسورة الإسراء بعد إيراده حديث شداد بن أوس هذا من طريق الترمذي:(رواه البيهقي من طريقين عن أبي إسماعيل الترمذي به) ثم قال بعد تمامه: (هذا إسناد صحيح قال وقد روى هذا الحديث عن شداد بن أوس بطوله الإمام أبو محمد
عبد الرحمن بن أبي حاتم في تفسيره عن أبيه عن إسحاق بن إبراهيم بن العلاء الزبيدي به)
ذكر ابن كثير هذا كله ثم قال:(ولا شك أن هذا الحديث أعني الحديث المروي عن شداد بن أوس مشتمل على أشياء منها ما هو صحيح كما ذكره البيهقي ومنها ما هو منكر كالصلاة في بيت لحم وسؤال الصديق عن نعت بيت المقدس وغير ذلك والله أعلم) اهـ.(33/32)
وأما رواية أنس - رضي الله عنه - لهذا الحديث فعند النسائي في كتاب الصلاة تحت عنوان فرض الصلاة في (1/221) من "المجتبى" قال:(اخبرنا عمرو ابن هشام قال حدثنا مخلد هو ابن الحسين عن سعيد بن عبدالعزيز قال حدثنا يزيد ابن أبي مالك قال حدثنا أنس بن مالك أن رسول الله ( قال:(ثم ذكر الحديث وفيه):(ثم قال: نزل فصل فنزلت فصليت فقال أتدري أين صليت؟ صليت ببت لحم حيث ولد عيسى عليه السلام …) الخ.
ومن طريق "المجتبى"للنسائي هذا أورد ابن كثير هذه الرواية في "تفسيره" (3/6) ضمن أحاديث الإسراء وقال في (ص5):(فيها غرابة ونكارة جداً).
وقال في "الفصول في اختصار سيرة الرسول" في حديث انس هذا الذي رواه النسائي في "المجتبى":(غريب منكر جداً وإسناده مقارب وفي الأحاديث الصحيحة ما يدل على نكارته والله أعلم) اهـ.
وأما رواية أبي هريرة - رضي الله عنه - لهذا الحديث فعند ابن حبان في "المجروحين" (1/187-188) في ترجمة بكر بن زياد الباهلي قال أبو حاتم بن حبان بعد أن ذكر أنه شيخ دجال يضع الحديث على الثقات لا يحل ذكره في الكتب الا على سبيل القدح فيه قال:(روى أي - بكر بن زياد الباهلي - بكر بن زياد عن عبدالله بن المبارك عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن أبي هريرة (ثم ذكر الحديث) وهذا شيء لا يشك عوام أصحاب الحديث أنه موضوع فكيف البُزَّل في هذا الشأن) انتهى كلام ابن حبان.
وقد تلقى كلام ابن حبان في بكر بن زياد الباهلي هذا ابن الجوزي في "الموضوعات"
(1/ 113-114)، والسبكي في "شفاء السقام"(ص133)، والذهبي في "ميزان الاعتدال"
(1/345)، والشوكاني في "الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة" (ص441).
وقال ابن كثير في "الفصول في اختصار سيرة الرسول" (ص122) بعد أن ذكر حديث انس(33/33)
المتقدم وذكر انه غريب منكر جداً قال:(وكذلك الحديث الذي تفرد به بكر بن زياد الباهلي المتروك عن عبدالله بن المبارك عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي ( قال: { ليلة أسري بي قال جبريل هذا قبر أبيك إبراهيم انزل
فصل فيه } لا يثبت أيضا لحال بكر بن زياد المذكور) اهـ.
وقال شيخ الاسلام ابن تيمية في "تفسير سورة الإخلاص" (ص169):(الذي يرويه بعضهم في حديث الإسراء أنه قيل للنبي ( هذه طيبة انزل فصل فنزل فصلى هذا مكان أبيك انزل فصل كذب موضوع؛ لم يصل النبي ( تلك الليلة الا في المسجد الأقصى خاصة كما ثبت ذلك في الصحيح ولا نزل إلا فيه) اهـ.
وقال ابن القيم في"زاد المعاد" :(قد قيل انه - أي النبي ( - نزل ببيت لحم و صلى فيه ولم يصح ذلك عنه ألبته) اهـ.
هذا كلام أولئك العلماء في روايات أمر جبريل عليه السلام النبي ( وبه يتضح بطلان
دعوى الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان"(2/50-51):(ان الموضوع من حديث بكر بن زياد هو من قوله ( ثم أتى الصخرة) وأما باقيه فقد جاء في طريق أخرى فيها الصلاة ببيت لحم وردت من حديث شداد بن أوس) اهـ) انتهى كلام العلامة الأنصاري رحمه الله بتصرف.
وقال الشيخ حمود التويجري - رحمه الله - عن رواية انس - رضي الله عنه - لهذا الحديث "الرد القوي" (ص86):(رواه النسائي في سننه عن عمرو بن هشام عن مخلد - وهو ابن يزيد القرشي - عن سعيد بن عبدالعزيز عن يزيد بن أبي مالك عن انس بن مالك رضي الله عنه، وقد قال الحافظ ابن حجر في كل من يزيد ومخلد أنه صدوق له أوهام.
وقال الذهبي في "الميزان" يزيد بن أبي مالك صاحب تدليس وإرسال عمن لم يدرك، وقال يعقوب الفسوي يزيد بن أبي مالك فيه لين، وقال الذهبي أيضا في ترجمة مخلد بن يزيد القرشي صدوق مشهور روى حديثا في الصلاة مرسلا فوصله قال أبو داود مخلد شيخ إنما رواه(33/34)
الناس مرسلاً وقال الحافظ ابن حجر في ترجمة مخلد بن يزيد القرشي من "تهذيب التهذيب"
قال الأثرم عن أحمد لا بأس به وكان يهم وقال الساجي: كان يهم ثم ذكر ابن حجر من أوهامه حديثاً وصله وهو مرسل.
وهذا مما يدعو إلى التوقف في قبول الحديث لأنه يحتمل أن يكون قد وقع فيه وهم من أحد الرجلين.ولهذا قال الحافظ ابن كثير إن فيه غرابة ونكارة جداً) اهـ.
ثانياً:(روى الإمام أحمد وأبو داود الطيالسي بإسناد صحيح عن حذيفة بن اليمان
رضي الله عنهما أن رسول الله ( قال: { أتيت بالبراق وهو دابة أبيض فوق الحمار ودون البغل فلم نزايل ظهره أنا وجبريل حتى انتهينا إلى بيت المقدس } الحديث وقد رواه الترمذي وقال:(هذا حديث حسن صحيح) وصححه أيضا ابن حبان والحاكم والذهبي.
وفي قوله ( : { فلم نزايل ظهره أنا وجبريل حتى انتهينا إلى بيت المقدس } أبلغ رد على ما جاء في حديث انس وشداد بن أوس وأبي هريرة رضي الله عنهم، ولو ثبت أن النبي ( صلى ليلة الإسراء وهو ذاهب إلى بيت المقدس في بيت لحم لم يكن في ذلك ما يؤيد بدعة المولد ولا غيرها من البدع، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر أمته بتعظيم بيت لحم ولم يأمرهم بالصلاة فيه ولم يكن أحد من الصحابة رضي الله عنهم يعظم بيت لحم ويصلي فيه.
والخير كل الخير في اتباع ما كان عليه رسول الله ( وأصحابه رضي الله عنهم، والشر كل
الشر في مخالفتهم والأخذ بالبدع وتعظيمها وتعظيم أهلها وإطراح الأحاديث الصحيحة في ذم
المحدثات والتحذير منها)(1).
الشبهة العاشرة: أن شعراء الصحابة كانوا يقولون قصائد المدح في الرسول ( مثل كعب بن زهير وحسان بن ثابت؛ فكان يرضى عملهم؛ ويكافئهم على ذلك بالصلات والطيبات.
استدل بهذا هاشم الرفاعي في مقاله كما في " الرد القوي" (ص78) للتويجري، واستدل به أيضاً الحميري في "بلوغ المأمول" (ص49-52).
الجواب:
__________
(1) الرد القوي" (ص87-88).(33/35)
(لم يذكر عن أحد من شعراء الصحابة رضي الله عنهم، أنه كان يتقرب إلى الله بإنشاد القصائد في ليلة المولد وإنما كان إنشادهم في الغالب عند وقوع الفتوح والظفر بالأعداء، وعلى هذا فليس إنشاد كعب بن زهير وحسان بن ثابت وغيرهما من شعراء الصحابة رضي الله عنهم بين يدي النبي ( ما يتعلق به الرفاعي وغيره في تأييد بدعة المولد)(1).
* * *
الشبهة الحادية عشر: أن الموالد اجتماع ذكر وصدقة ومدح وتعظيم للجناب النبوي وهذه أمور مطلوبة شرعاً وممدوحة وجاءت الآثار الصحيحة بها وبالحث عليها.
الجواب:
أولاً: يفهم الجواب مما سبق (ص11-16).
ثانياً: قال العلامة إسماعيل الأنصاري - رحمه الله - في "القول الفصل":(الجواب عن هذه الشبهة بأمور أحدها: ما أوضحه السيد رشيد رضا في الجزء الخامس من "الفتاوى" وهو أن الإنكار على إقامة المولد وإن كان يحتوي على بعض الأمور المشروعة يرجع إلى ذلك الاجتماع المخصوص بتلك الهيئة المخصوصة في الوقت المخصوص وإلى اعتبار ذلك العمل من شعائر الإسلام التي لا تثبت إلا بنص الشارع بحيث يظن العوام والجاهلون بالسنن أن عمل المولد من أعمال القرب المطلوبة شرعاً.
وعمل المولد بهذه القيود بدعة سيئة وجناية على دين الله وزيادة فيه تعد من شرع
ما لم يأذن به الله ومن الافتراء على الله والقول في دينه بغير علم.
__________
(1) الرد القوي" (ص79) بتصرف.(33/36)
قال العلامة ابن الحاج - رحمه الله - في "المدخل"(2/312):(فإن خلا - أي عمل المولد - منه - أي من السماع - وعمل طعاماً فقط، ونوى به المولد ودعا إليه الاخوان، وسلم من كل ما تقدم ذكره - أي من المفاسد- فهو بدعة بنفس نيته فقط، إذ إن ذلك زيادة في الدين ليس من عمل السلف الماضين، وإتباع السلف أولى بل أوجب من أن يزيد نية مخالفة لما كانوا عليه، لأنهم أشد الناس اتباعاً لسنة رسول الله (، وتعظيما له ولسنته (، ولهم قدم السبق في المبادرة إلى ذلك، ولم ينقل عن أحد منهم أنه نوى المولد، ونحن لهم تبع، فيسعنا
ما وسعهم...الخ).
وقال أيضاً فيمن اقتصر في عمل المولد على إطعام الاخوان ليس إلا ونوى بذلك المولد:
(هذا - أي قراءة البخاري عوضاً عن تلك الأعمال بنية المولد- وإن كانت قراءة الحديث في نفسها من أكبر القرب والعبادات وفيها البركة العظيمة والخير الكثير لكن إذا فعل ذلك بشرطه اللائق به على الوجه الشرعي كما ينبغي لا بنية المولد ألا ترى أن الصلاة من أعظم القرب إلى الله تعالى ومع ذلك فلو فعلها إنسان في غير الوقت المشروع لها لكان مذموماً مخالفاً فإذا كانت الصلاة بهذه المثابة فما بالك بغيرها)) انتهى النقل عن"القول الفصل" باختصار.
فالأعمال الصالحة لا تقبل إلا بشرطين كما قال أهل العلم: الإخلاص ومتابعة الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
* * *
الشبهة الثانية عشر: أن الاحتفال بالمولد النبوي أمر استحسنه العلماء وجرى به العمل في كل صقع فهو مطلوب شرعاً للقاعدة المأخوذة من أثر ابن مسعود رضي الله عنه:(ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن وما رآه المسلمون قبيحاً فهو عند الله قبيح).
ورد الاستدلال بهذا في رسالة محمد بن علوي المالكي "حول الاحتفال" (ص15).
كما يورد البعض أقوال لبعض أهل العلم صرحوا فيها بجواز الاحتفال بالمولد!
الجواب:(33/37)
أولاً: أن المقصود بقول ابن مسعود - رضي الله عنه - الصحابة لأنه قال هذا القول استدلالاً على إجماع الصحابة على اختيار أبىبكر الصديق - رضي الله عنه - للخلافة.
ومن توسع في الاستدلال بهذا الأثر قصد به الإجماع، (فقد بوب له جماعةٌ من أهل الحديث في "باب الإجماع" ، كما في "كشف الأستار عن زوائد البزار" (1/81)، و "مجمع الزوائد" (1/177)، وغيرهما.
واستدل به كثير من العلماء على الإجماع:
قال ابن كثير: "وهذا الأثر فيه حكايةُ إجماعٍ عن الصحابة في تقديم الصديق، والأمر كما قاله ابن مسعودٍ".
وقال ابن القيم في "الفروسية" (ص60) بعد إيراده، رداً على المستدلين به: "في هذا الأثر دليل على أن ما أجمع عليه المسلمون ورأوه حسناً؛ فهو عند الله حسن، لا ما رآه بعضهم! فهو حجة عليكم".
وقال ابن قدامة في "روضة الناظر"(ص86): " الخبر دليل على أن الإجماع حجة،
ولا خلف فيه".
وقال الشاطبي في "الاعتصام" (2/655):(إن ظاهره يدل على أن ما رآه المسلمون بجملتهم حسناً؛ فهو حسنٌ، والأمة لا تجتمع على باطلٍ، فاجتماعهم على حسن شيءٍ يدل على حسنه شرعاً؛ لأن الإجماع يتضمن دليلاً شرعياً")(1).
وقال الإمام ابن حزم في "الإحكام في أصول الأحكام" (6/197): بعد أن ذكر أثر ابن مسعود رضي الله عنه:( فهذا هو الإجماع الذي لا يجوز خلافه لو تيقن، وليس ما رآه بعض المسلمين أولى بالاتباع مما رآه غيرهم من المسلمين، ولو كان ذلك لكنا مأمورين بالشيء وضده، وبفعل شيء وتركه معاً، وهذا محال لا سبيل إليه) اهـ.
وقال العز بن عبد السلام في"فتاوى العز بن عبد السلام"(ص379): "إن صح الحديث عن رسول الله (، فالمراد بالمسلمين أهل الإجماع" اهـ.
__________
(1) علم أصول البدع" لعلي الحلبي (ص131-133) بتصرف.(33/38)
ثانياً: قال الإمام ابن تيمية في "اقتضاء الصراط المستقيم" (2/613- 614) في كلامه على المواسم المبتدعة من موالد وغيرها:(إذا فعلها قوم ذوو فضل ودين فقد تركها في زمان هؤلاء، معتقداً لكراهتها، وأنكرها قوم إن لم يكونوا أفضل ممن فعلها؛ فليسوا دونهم. ولو كانوا دونهم في الفضل فقد تنازع فيها أولو الأمر، فترد إلى الله والرسول.وكتاب الله وسنة رسوله مع من كرهها، لا مع من رخص فيها.
ثم عامة المتقدمين، الذين هم أفضل من المتأخرين؛ مع هؤلاء) اهـ.
ثالثاً: قال العلامة ابن منيع - حفظه الله - في "حوار مع المالكي" (ص90):(نقول للمالكي وأمثاله من أول من استحسن المولد من العلماء، هل هم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟
قطعاً: لا..
هل هم التابعون؟
قطعاً: لا..
هل هم تابعو التابعين؟
قطعاً: لا...
هل هم قادة القرامطة والفاطميين والرافضة بمختلف طوائفهم ونحلهم؟
اللهم: نعم..
هل هم أهل الطرق الصوفية؟
اللهم: نعم) انتهى كلامه بتصرف.
(فهل نقبل أمرا أتى به شر من وطأ الحصا، القرامطة والفاطميون وغيرهم، ممن يشهد التاريخ الإسلامي بتدنيسهم محيا الإسلام، ونترك ما عليه أصحاب القرون الثلاثة المفضلة، من صحابة وتابعين وعلماء إجلاء، لهم أقداحهم المعلاة في العلم والتقى، والصلاح والاستقامة وسلامة المعتقد، ودقة النظر وصدق الاتباع والاقتداء بمن أمرنا الله تعالى أن نجعله أسوة لنا وقدوة لمسالكنا وهو رسولنا وحبيبنا ونبينا محمد ()(1).
* * *
الشبهة الثالثة عشر: دعوى تلقي الأوامر النبوية بالاحتفال بذلك اليوم في المنام!
فقد ورد في مقدمة مولد محمد عثمان الميرغني المسمى" الأسرار الربانية"(ص7):
__________
(1) حوار مع المالكي" (ص57).(33/39)
(رأيت في تلك الليلة النبي (رؤية مناميه، ورؤيته حق كما أورد عنه ثقات الرواة بطرق الإحصان، فأمرني أن أصنف مولداً وأجعل إحدى قافيتيه هآءً بهية، والأخرى نوناً كما فعلت لأنها نصف دائرة الأكوان وبشرني أنه يحضر في قراءته إذا قرىء فسطرت ليتشرف به كلما تلي حكاية نوميه وأنه يستجاب الدعاء عند ذكر الولادة وعند الفراغ منه فنسأل الله الغفران) انتهى.
الجواب:
(أن الاعتماد على دعوى تلقي أوامر نبوية في المنام بالاحتفال بالمولد النبوي فلا يعتبر لأن الرؤيا في المنام لا تثبت بها سنة لم تثبت ولا تبطل بها سنة ثبتت كما بينه أهل العلم.
فقد قال الإمام النووي في شرح قول مسلم في "الكشف عن معايب رواة الحديث" من "صحيحه " (1/115):(لا يجوز إثبات حكم شرعي به - أي بالرؤيا المناميه - لأن حالة النوم ليست حالة ضبط وتحقيق لما يسمعه الرائي وقد اتفقوا على أن من شرط من تقبل روايته وشهادته أن يكون متيقظاً لا مغفلاً، ولا سيئ الحفظ ولا كثير الخطأ ولا مختل الضبط والنائم ليس بهذه الصفة فلم تقبل روايته لاختلال ضبطه.
هذا كله في منام يتعلق بإثبات حكم على خلاف مايحكم به الولاة.
أما إذا رأى النبي (يأمره بفعل ما هو مندوب إليه أو ينهاه عن منهي عنه أو يرشده إلى
فعل مصلحة فلا خلاف في استحباب العمل على وفقه لأن ذلك ليس حكماً بمجرد المنام
بل بما تقرر من أصل ذلك الشيء والله أعلم) اهـ.
وقال ابن الحاج في "المدخل" (4/302–304):(ليحذر مما يقع لبعض الناس في هذا الزمان وهو أن من يرى النبي (في منامه فيأمره بشيء أو ينهاه عن شيء ينتبه من نومه فيقدم على فعله أو تركه بمجرد المنام دون أن يعرضه على كتاب الله وسنة رسول الله ( وعلى قواعد السلف رضي الله عنهم قال تعالى في كتابه العزيز: { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ } ]النساء:59[.(33/40)
ومعنى قوله: { فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ } أي إلى كتاب الله تعالى، ومعنى قوله: { وَالرَّسُول } أي إلى الرسول في حياته وإلى سنته بعد وفاته على ما قاله العلماء رحمة الله عليهم وإن كانت رؤيا النبي ( حقا لا شك فيها لقوله (: { ومن رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي } على اختلاف الروايات، لكن لم يكلف الله تعالى عباده بشيء مما يقع لهم في منامهم؛ قال (: { رفع القلم عن ثلاثة } وعد منهم { النائم حتى يستيقظ } لأنه إذا كان نائماً فليس من أهل التكليف فلا يعمل بشيء يراه في نومه.
هذا وجه؛ ووجه ثان وهو أن العلم والرواية لا يوخذان إلا من متيقظ حاضر العقل والنائم ليس كذلك.
ووجه ثالث: وهو أن العمل بالمنام مخالف لقول صاحب الشريعة صلوات الله عليه وسلامه حيث قال: { تركت فيكم الثقلين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله و سنتي } فجعل ( النجاة من الضلالة في التمسك بهذين الثقلين فقط لا ثالث لهما.ومن اعتمد على ما يراه في نومه فقد زاد لهما ثالث فعلى هذا من رأى النبي (في منامه وأمره بشيء أو نهاه عن شيء
فيتعين عليه عرض ذلك على الكتاب والسنة إذ إنه (إنما كلف أمته باتباعهما وقد قال
(: { فيبلغ الشاهد الغائب } إلى ان قال:(فإذا عرضها على شريعته ( فإن وافقتها علم أن الرؤيا حق وأن الكلام حق وتبقى الرؤيا تأنيساً له وإن خالفتها علم ان الرؤيا حق وأن الكلام الذي وقع له فيها ألقاه الشيطان له في ذهنه والنفس الأمارة لأنهما يوسوسان له في حال يقظته فكيف في حال نومه … الخ).
وقال الإمام الشاطبي في "الاعتصام" (1/ 209):(الرؤيا من غير الأنبياء لا يحكم بها شرعاً على حال إلا أن تعرض على ما في أيدينا من الأحكام الشرعية فإن سوغتها عمل بمقتضاها وإلا وجب تركها والإعراض عنها وإنما فائدتها البشارة أو النذارة خاصة وأما استفادة الأحكام فلا) اهـ.(33/41)
وقال الإمام ابن كثير في " البداية والنهاية" (1/94) تعليقاً على ما ذكره الحافظ ابن عساكر في ترجمة أحمد بن كثير أنه رأى النبي ( وأبابكر وعمر وهابيل واستحلف هابيل أن هذا
- أي الدم الموجود بالمكان الذي يقال - بأنه هو الذي قتل فيه قابيل أخاه هابيل المسمى بمغارة الدم بدمشق - دمه - أي هابيل - فحلف له وذكر أنه سأل الله تعالى أن يجعل هذا المكان يستجاب عنده الدعاء فأجابه إلى ذلك وصدقه في ذلك رسول الله ( وقال إنه وأبا بكر وعمر يزورون هذا المكان في كل يوم خميس) قال ابن كثير تعليقاً على ذلك ما نصه: (هذا منام لو صح عن أحمد بن كثير هذا لم يترتب عليه حكم شرعي) اهـ)(1).
وقد نقلت فيما سبق أثناء الرد على من استدل بقصة تخفيف العذاب عن أبي لهب
الضعيفة كلاماً لعلوي بن عباس المالكي- والد محمد المالكي- في "نفحات الإسلام من البلد الحرام"والذي جمع مواضيعه ورتبه محمد بن علوي المالكي نفسه (ص164-165) حول عدم شرعية أخذ الأحكام من المنامات.
* * *
الشبهة الرابعة عشر: قول السخاوي رحمه الله في "التبر المسبوك" (ص14):(إذا كان أهل الصليب اتخذوا ليلة مولد نبيهم عيداً أكبر فأهل الإسلام أولى بالتكريم وأجدر).
استدل بهذا القول هاشم الرفاعي في مقاله كما في"الرد القوي" للتويجري (ص25).
الجواب:
(لا شك أن الاحتفال بالمولد النبوي واتخاذه عيداً مبني على التشبه بالنصارى في اتخاذهم مولد المسيح عيداً.
وهذا مصداق ما ثبت عن النبي ( أنه قال: { لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر
وذراعاً بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه.قلنا: يارسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟ } رواه البخاري ومسلم وأحمد.
__________
(1) القول الفصل" (ص)باختصار.(33/42)
وإذا عُلم أن عيد المولد مبني على التشبه بالنصارى فليُعلم أيضاً أن التشبه بالنصارى وغيرهم من المشركين حرام شديد التحريم لقول النبي (: { من تشبه بقوم فهو منهم } رواه أحمد وأبو داود)(1).
وقد تعقب هذا القول الملا علي القارئ في "المورد الروي في المولد النبوي" ( ص16) بقوله:
(قلت لكن يرد عليه أنا مأمورون بمخالفة أهل الكتاب).
* * *
الشبهة الخامسة عشر: أن الاحتفال بالمولد يعتبر إحياء لذكرى الرسول ( وهذا مشروع في الإسلام.
استدل بذلك محمد بن علوي المالكي في "حول الاحتفال بالمولد" (ص20) حيث قال:
(إن الاحتفال بالمولد إحياء لذكرى المصطفى ( وذلك مشروع عندنا في الإسلام، فأنت ترى أن أكثر أعمال الحج إنما هي إحياء لذكريات مشهودة ومواقف محمودة... الخ).
الجواب:
أولاً:(النبي (قد قال الله في حقه: { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } ]الشرح:4[ فذكره مرفوع في الأذان والإقامة والخطب والصلوات وفي التشهد والصلاة عليه وفي قراءة الحديث واتباع
ماجاء به، فهو أجل من أن تكون ذكراه سنوية فقط، ولكن الأمر كما قال السيد رشيد رضا في كتابه "ذكرى المولد النبوي" قال - أي السيد رشيد رضا-:(إن من طباع البشر أن يبالغوا في مظاهر تعظيم أئمة الدين أو الدنيا في طور ضعفهم - أي البشر - في أمر الدين أو الدنيا؛ لأن هذا التعظيم لا مشقة فيه على النفس، فيجعلونه بدلاً مما يجب عليهم من الأعمال الشاقة التي يقوم بها أمر الدين أو الدنيا، و إنما التعظيم الحقيقي بطاعة المعظم، والنصح له، والقيام بالأعمال التي يقوم بها أمره ويعتز دينه إن كان رسولاً، وملكه إن كان ملكاً.
__________
(1) الرد القوي" (ص25-26) باختصار.(33/43)
وقد كان السلف الصالح أشد ممن بعدهم تعظيما للنبي ( ثم للخلفاء، وناهيك ببذل أموالهم وأنفسهم في هذا السبيل، ولكنهم دون أهل هذه القرون التي ضاع فيها الدين في مظاهر التعظيم اللساني، ولا شك أن الرسول الأعظم ( أحق الخلق بكل تعظيم، وليس من
التعظيم الحق له أن نبتدع في دينه بزيادة أو نقص أو تبديل أو تغيير لأجل تعظيمه به، وحسن
النية لا يبيح الابتداع في الدين فقد كان جل ما أحدث أهل الملل قبلنا من التغيير في دينهم
عن حسن نية، ومازالوا يبتدعون بقصد التعظيم وحسن النية حتى صارت أديانهم غير
ما جاءت به رسلهم، ولو تساهل سلفنا الصالح كما تساهلوا، وكما تساهل الخلف الذين اتبعوا سننهم شبراً بشبر وذراعاً بذراع لضاع أصل ديننا أيضاً، ولكن السلف الصالح
حفظوا لنا الأصل فالواجب علينا أن نرجع إليه، ونعض عليه بالنواجذ) اهـ.
هذا مع أن الاحتفال بالمولد النبوي إذا كان بطريق القياس على الاحتفالات بالرؤساء صار
النبي - صلى الله عليه وسلم - ملحقاً بغيره وهذا ما لا يرضاه عاقل)(1).
ثانياً:(ما زعمه المالكي وغيره من أن الاجتماع في المولد لإحياء ذكرى المصطفى (، أمر مشروع في الإسلام فهو من التقوّل على الله وعلى رسوله (، فإن الله تعالى لم يشرع الاجتماع لإحياء ذكرى المصطفى ( لا في يوم المولد ولا في غيره من الأيام، ولم يشرع ذلك رسول الله ( لا بقوله ولا بفعله)(2).
ثالثاً:(من أكبر الخطأ أيضاً زعم ابن علوي وغيره أن أعمال الحج هي إحياء لذكريات مشهودة إلى آخر كلامه الذي تقدم ذكره.
وهذا الخطأ مردود بقول الرسول (: { إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة
ورمي الحجار لإقامة ذكر الله } رواه أبو داود و الترمذي و قال الترمذي حديث حسن
__________
(1) حكم الاحتفال بالمولد النبوي والرد على من أجازه" للشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله (ص29-30).
(2) الرد القوي" (ص101). (3): المصدر السابق (103).(33/44)
صحيح)(1) .
الفصل الخامس:
القيام عند ذكر ولادته ( وزعمهم أنه يخروج إلى الدنيا
أثناء قراءة قصص المولد
(حثت القصص التي تقرأ بمناسبة الاحتفال بالمولد على القيام عند ذكر ولادة النبي (
وخروجه إلى الدنيا ومما جاء فيها من ذلك ما يلي:
1- قال البرزنجي في "مولده" (ص77):(قد استحسن القيام عند ذكر مولده الشريف أئمة ذوو رِواية و روية فطوبى لمن كان تعظيمه ( غاية مرامه ومرماه).
2 - قال الشيخ محمد بن محمد العزب في "مولده"(ص11):
ولذكر مولده يسن قيامنا أدباً لدى أهل العلوم تأكدا
وقد ذكر في توجيه ذلك عدة أشياء:
أحدها: أنه للترحيب بالنبي ( الذي يعتقد أولئك القائمون أنه يحضر بجسده الشريف
مجلس الاحتفال بالمولد وقد يوضع له البخور والطيب في ذلك المجلس على أساس أنه يتطيب ويتبخر كما يوضع له الماء على أساس أنه يشرب منه.
الثاني: أن القيام الذي يقع هو لحضور روح النبي ( في تلك اللحظة وهذا هو الذي اختاره محمد بن علوي المالكي في "حول الاحتفال بالمولد" بعد جزمه بأن القول بأن النبي ( يحضر المولد بجسده الشريف باطل فقد قال (ص26):(إننا نعتقد أنه ( حي حياة برزخية كاملة لائقة بمقامه، وبمقتضى تلك الحياة الكاملة العليا تكون روحه جوالة سياحة في ملكوت الله
سبحانه وتعالى ويمكن أن تحضر مجالس الخير ومشاهد النور والعلم وكذلك أرواح خلص
المؤمنين من أتباعه، وقد قال مالك: بلغني أن الروح مرسلة تذهب حيث شاءت، وقال سلمان الفارسي: أرواح المؤمنين في برزخ من الأرض تذهب حيث شاءت كذا في "الروح" لابن القيم (ص144)).
الثالث: أن ذلك القيام لتشخيص ذات النبي (.
جاء ذلك في نظم "مولد البرزنجي" ونصه:
وقد سن أهل العلم والفضل والتقى قياماً على الأقدام مع حسن إمعان
بتشخيص ذات المصطفى وهو حاضر بأي مقام فيه يذكر بل داني(33/45)
وفي تفسير ذلك التشخيص يقول محمد بن علوي المالكي في"حول الاحتفال بالمولد"(ص30-31):(فالناس يقومون احتراماً وتقديراً لهذا التصور الواقع في نفوسهم عن شخصية ذلك الرسول العظيم مستشعرين جلال الموقف وعظمة المقام هو أمر عادي كما تقدم ويكون استحضار الذاكر ذلك موجباً لزيادة تعظيمه ().
الرابع: أن ذلك القيام هو لتعظيم النبي (.
ذكر ذلك بعض الموجهين لذلك القيام من دون بيان، وقد وصل الأمر ببعض القائلين بهذا إلى تكفير تارك القيام كما بينه محمد علي بن حسين المالكي في "تهذيب الفروق والقواعد السنية في الأسرار الفقهية" (4/277) حيث ذكر أن المولى أبا السعود قال:(إنه - أي القيام عند ذكر مولد النبي ( - في تلك القصص قد اشتهر في تعظيمه ( واعتيد في ذلك فعدم
فعله يوجب عدم الاكتراث بالنبي ( وامتهانه فيكون كفراً مخالفاً لوجوب تعظيمه ().
ولم يتعقب محمد علي بن حسين المالكي ذلك إلا بقوله:(أي ان لاحظ من لم يفعله تحقيره (
بذلك وإلا فهو معصية) اهـ.
ومن الواضح أن تعظيم النبي ( إنما يكون بما شرع تعظيمه به وهذا القيام غير مشروع.
الخامس: أن ذلك القيام مقيس على القيام الذي وقع من الشيخ علي بن عبد الكافي السبكي حينما سمع قول الصرصري في قصيدته التي أولها:
قليل لمدح المصطفى الخط بالذهب.
قوله: وأن ينهض الأشراف عند سماعه.
وقد ذكر قصته ابنه التاج أبو نصر عبد الوهاب في ترجمة والده من كتابه "طبقات الشافعية الكبرى" (6/174) حيث قال:(حضر- أي والده- مرة ختمة بالجامع الأموي! وحضرت القضاة وأعيان البلد بين يديه وهو جالس في محراب الصحابة فأنشد المنشد قصيدة الصرصري التي أولها:قليل لمدح المصطفى الخط بالذهب.(33/46)
فلما قال: وأن ينهض الأشراف عند سماعه.. البيت؛ حصلت للشيخ حالة وقام واقفاً للحال فاحتاج الناس كلهم أن يقوموا فقاموا أجمعون)، وممن ذكر هذا التوجيه أحمد زيني دحلان في "السيرة النبوية والآثار المحمدية" (1/45) وعلي بن برهان الحلبي في "السيرة الحلبية" (1/100).
هذه المسالك التي ذكرها أولئك في توجيه ذلك القيام بعد استعراضها نجيب عن كل مسلك منها فنقول وبالله التوفيق:
أما دعوى حضور النبي ( الاحتفال بجسده الشريف فأساسها دعوى خاطئة لجماعة من المتصوفة تعلقوا بما رواه البخاري ان الرسول ( قال: { من رآني في المنامِ فسيراني في اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي } ؛ فزعموا أنهم رأوا النبي ( في المنام ثم رأوه بعد ذلك في اليقظة وسألوه عن أشياء كانوا منها متخوفين فأرشدهم إلى طريق تفريجها فجاء الأمر كذلك، وقد تحمس لهذه الدعوى ابن أبي جمرة وابن الحاج والسيوطي ومحمد عليش، واستنكرها المحققون من أهل العلم الذين نذكرهم وعباراتهم فيما يلي:
1 - القاضي أبو بكر بن العربي قال:(شذ بعض الصالحين فزعم أنها - أي رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد موته - تقع بعيني الرأس حقيقة) نقل ذلك عنه الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري"(12/384).
2 - الإمام أبو العباس أحمد بن عمر القرطبي في "المفهم لشرح صحيح مسلم" ذكر هذا القول وتعقبه بقوله:(وهذا يدرك فساده بأوائل العقول ويلزم عليه أن لا يراه أحد إلا على صورته التي مات عليها وأن يراه رائيان في آن واحد في مكانين وأن يحيا الآن ويخرج من قبره ويمشي في الأسواق ويخاطب الناس ويخاطبوه ويلزم من ذلك أن يخلو قبره من جسده ولا يبقى من قبره فيه شيء فيزار مجرد القبر ويسلم على غائب لأنه جائز أن يرى في الليل والنهار مع اتصال الأوقات على حقيقته في غير قبره.(33/47)
وهذه جهالات لا يلتزم بها من له أدنى مسكة من عقل) وإلى كلام القرطبي هذا أشار الحافظ ابن حجر في "الفتح" بذكره اشتداد إنكار القرطبي على من قال:(من رآه في المنام فقد رأى حقيقته ثم يراها كذلك في اليقظة).
3 - شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالة "العبادات الشرعية والفرق بينها وبين البدعية":
(منهم من يظن أن النبي ( خرج من الحجرة وكلمه وجعلوا هذا من كراماته ومنهم من
يعتقد أنه إذا سأل المقبور أجابه.
وبعضهم كان يحكي أن ابن منده كان إذا أشكل عليه حديث جاء إلى الحجرة النبوية ودخل فسأل النبي ( عن ذلك فأجابه، وآخر من أهل المغرب حصل له مثل ذلك وجعل ذلك من كراماته حتى قال ابن عبد البر لمن ظن ذلك: ويحك أترى هذا أفضل من السابقين الأولين من المهاجرين و الأنصار فهل في هؤلاء من سأل النبي ( بعد الموت وأجابه وقد تنازع الصحابة في أشياء فهلا سألوا النبي ( فأجابهم، وهذه ابنته فاطمة تنازع في ميراثها فهلا سألته فأجابها؟).
وحكاية ابن منده التي أشار إليها ابن تيمية رحمه الله في هذا الكلام ذكرها الحافظ الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (17/37-38) في ترجمة أبى عبد الله محمد بن أبى يعقوب إسحاق بن الحافظ أبى عبد الله محمد بن يحي بن منده وقال الذهبي فيها:(هذه حكاية نكتبها للتعجب).
وقال في إسنادها:(إسنادها منقطع) اهـ.
4 - قال الحافظ الذهبي في ترجمة الربيع بن محمود المارديني في "ميزان الاعتدال في نقد الرجال":(دجال مفتر ادعى الصحبة والتعمير في سنة تسع وتسعين وخمسمائة وكان قد سمع من ابن عساكر عام بضع وستين).
يعني الحافظ الذهبي بالصحبة التي ادعاها الربيع ما جاء عنه أنه رأى النبي ( في النوم وهو
بالمدينة الشريفة فقال له: أفلحت دنيا وأخرى، فادعى بعد أن استيقظ أنه سمعه وهو يقول ذلك.
ذكر ذلك الحافظ ابن حجر العسقلاني في "الإصابة في تمييز الصحابة"(1/513).(33/48)
5- الحافظ ابن كثير ذكر في ترجمة أحمد بن محمد بن محمد أبى الفتح الطوسي الغزالي في "البداية والنهاية" (12/196) أن ابن الجوزي أورد أشياء منكرة من كلامه منها أنه – أي أبا الفتح الطوسي - كان كلما أشكل عليه شيء رأى رسول الله ( في اليقظة فسأله عن ذلك فدله على الصواب، وأقر ابن كثير ابن الجوزي على عد هذا من منكرات أبى الفتح الطوسي، وابن الجوزي ذكر هذا في كتابه "القصاص والمذكرين" (ص156).
6- ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (12/385) أن ابن أبى جمرة نقل عن جماعة من المتصوفة أنهم رأوا النبي ( في المنام ثم رأوه بعد ذلك في اليقظة وسألوه عن أشياء كانوا منها متخوفين فأرشدهم إلى طريق تفريجها فجاء الأمر كذلك ثم تعقب الحافظ ذلك بقوله:(وهذا مشكل جداً ولو حمل على ظاهره لكان هؤلاء صحابة ولأمكن بقاء الصحبة إلى يوم القيامة ويعكر عليه أن جمعاً جماً رأوه في المنام ثم لم يذكر واحد منهم أنه رآه في اليقظة وخبر الصادق لا يتخلف).
7- قال السخاوي في رؤية النبي ( في اليقظة بعد موته:(لم يصل إلينا ذلك - أي ادعاء وقوعها - عن أحد من الصحابة ولا عمن بعدهم وقد اشتد حزن فاطمة عليه (حتى ماتت كمداً بعده بستة أشهر على الصحيح وبيتها مجاور لضريحه الشريف ولم تنقل عنها
رؤيته في المدة التي تأخرتها عنه) نقل ذلك القسطلاني في "المواهب اللدنية" (5/295) عن السخاوي.
كما جاء عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على جلالة قدره وعظمة شأنه أنه كان يظهر الحزن
على عدم معرفته ببعض المسائل الفقهية فيقول:( ثلاث وددت أن رسول الله ( لم يفارقنا حتى يعهد إلينا عهداً.: الجد، والكلالة، وأبواب من أبواب الرِبا) متفق عليه.
فلو كان يظهر لأحد بعد موته لظهر لعمر الفاروق وقال له: لا تحزن حكمها كذا وكذا.
8- وقال ملا علي قاري في "جمع الوسائل شرح الشمائل للترمذي" (2/238):(إنه أي(33/49)
ما دعاه المتصوفة من رؤية النبي ( في اليقظة بعد موته لو كان له حقيقة لكان يجب العمل
بما سمعوه منه ( من أمر ونهي وإثبات ونفي ومن المعلوم أنه لا يجوز ذلك إجماعاً كما لا يجوز بما يقع حال المنام ولو كان الرائي من أكابر الأنام وقد صرح المازري وغيره بأن من رآه يأمر بقتل من يحرم قتله كان هذا من الصفات المتخيلة لا المرئية) انتهى كلام الملا علي قاري وفيه فائدة أخرى هي حكايته الإجماع على عدم جواز العمل بما يدعى من يزعم أنه رأى النبي ( في اليقظة أنه سمع منه أمر أو نهي أو إثبات أو نفي، وفي حكايته الإجماع على ذلك الرد على قول الزرقاني في "شرح المواهب اللدنية" (7/29) ما نصه:(لو رآه يقظة - أي بعد موته - صلى الله عليه وسلم -- وأمره بشيء وجب عليه العمل به لنفسه ولا يعد صحابياً وينبغي أن يجب على من صدقه العمل به قاله شيخنا).
9- قال العلامة رشيد رضا في "فتاويه" (6/2385):(صرح بعض العلماء المحققين بأن دعوى رؤية النبي ( بعد موته في اليقظة والأخذ عنه دعوى باطلة واستدلوا على ذلك بأن
أولى الناس بها لو كانت مما يقع ابنته سيدة النساء وخلفاؤه الراشدون وسائر أصحابه العلماء
وقد وقعوا في مشكلات وخلاف أفضى بعضه إلى المغاضبة وبعضه إلى القتال فلو كان (
يظهر لأحد ويعلمه ويرشده بعد موته لظهر لبنته فاطمة عليها السلام وأخبرها بصدق خليفته
أبى بكر- رضي الله عنه - فيما روى عنه من أن الأنبياء لا يورثون وكذا للأقرب والأحب إليه من آله وأصحابه ثم لمن بعدهم من الأئمة الذين أخذ اكثر أمته دينهم عنهم ولم يدع أحد منهم ذلك وإنما ادعاه بعض غلاة الصوفية بعد خير القرون وغيرهم من العلماء الذين تغلب عليهم تخيلات الصوفية فمن العلماء من جزم بأن من ذلك ما هو كذب مفترى وأن الصادق من أهل هذه الدعوى من خيل إليه في حال غيبة أو ما يسمى"بين النوم واليقظة" أنه رآه ( فخال أنه رآه حقيقة على قول الشاعر: ومثلك من تخيل ثم خالا.(33/50)
والدليل على صحة القول بأن ما يدعونه كذب أو تخيل ما يروونه عنه ( في هذه الرؤية. وبعض الرؤى المنامية مما تختلف باختلاف معارفهم وأفكارهم ومشاربهم وعقائدهم وكون بعضه مخالفاً لنص كتاب الله وما ثبت من سنته ( ثبوتاً قطعياً ومنه ما هو كفر صريح بإجماع المسلمين نعم إن منهم من يجلهم العارف بما روى من أخبار استقامتهم أن يدعوا هذه الدعوى افتراء وكذبا على رسول الله (، ولكن غلبة التخيل على المنهمكين في رياضاتهم وخلواتهم لا عصمة منها لأحد وكثيراً ما تقضي إلى جنون) اهـ)(1).
10- قال الشيخ عبد الحي بن محمد اللكنوي - رحمه الله - في "الآثار المرفوعة في الأخبار الموضوعة" (ص46):(ومنها - أي من القصص المختلقة الموضوعة - ما يذكرونه من أن النبي ( يحضر بنفسه في مجالس وعظ مولده عند ذكر مولده وبنوا عليه القيام عند ذكر
المولد تعظيماً وإكراماً.
وهذا أيضا من الأباطيل لم يثبت ذلك بدليل، ومجرد الاحتمال والإمكان خارج عن حد البيان).
11- قال الشيخ عبدالعزيز بن باز- رحمه الله - في "حكم الاحتفال بالمولد النبوي": (بعضهم يظن أن رسول الله ( يحضر المولد؛ ولهذا يقومون له محيين ومرحبين، وهذا من أعظم الباطل وأقبح الجهل، فإن الرسول ( لا يخرج من قبره قبل يوم القيامة، ولا يتصل بأحد من الناس، ولا يحضر اجتماعاتهم، بل هو مقيم في قبره إلى يوم القيامة، وروحه في أعلى عليين عند ربه في دار الكرامة، كما قال الله تعالى في سورة المؤمنون: { ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ } ]المؤمنون:15- 16[، وقال النبي (: { أنا أول من تنشق الأرض عنه يوم القيامة ولا فخر. وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر } عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام.
__________
(1) من بداية الفصل إلى هنا نقلاً من "القول الفصل" (ص302-312) باختصار.(33/51)
فهذه الآية الكريمة والحديث الشريف وما جاء في معناهما من الآيات والأحاديث، كلها تدل على أن النبي ( وغيره من الأموات إنما يخرجون من قبورهم يوم القيامة … الخ).
12- قال عبد الفتاح أبو غدة (1) في تعليقه على "المصنوع في معرفة الحديث الموضوع" لعلي قاري - رحمه الله - (ص273):(ومن غريب ما وقفتُ عليه بصَدَدِ (التصحيح الكشفي) و(التضعيف الكشفي): ما أورده الشيخ إسماعيل العجلوني الدمشقي في مقدمة كتابه "كشف الخفاء ومزيل الإلباس"(1/9-10)، على سبيل الإقرار والاعتداد به! قال:(والحكم على الحديث بالوضع والصحة أو غيرهما، إنما بحسب الظاهرِ للمحدثين،
باعتبار الإسناد أو غيره، لا باعتبار نفس الأمرِ والقطع، لجواز أن يكون الصحيح مثلاً باعتبار
نظر المحدث: موضوعاً أو ضعيفاً في نفس الأمر، وبالعكس. نعم المتواتر مطلقاً قطعي النسبة لرسول الله ( اتفاقاً.
ومع كون الحديث يحتمل ذلك، فيعمل بمقتضى ما يثبت عند المحدثين، ويترتب عليه الحكم الشرعي المستفاد منه للمستنبطين.
وفي "الفتوحات المكية"! للشيخ الأكبر قدس سره الأنور!!، ما حاصله: فرب حديث يكون صحيحاً من طريق رواته يحصل لهذا المكاشف أنه غير صحيح لسؤاله لرسول الله (فيعَلم وضعه، ويترك العمل به وإن عمل به أهل النقل لصحة طريقه.
ورب حديثٍ ترِك العمل به لضعف طريقه، من أجل وضاع في رواته، يكون صحيحاً في نفس الأمر، لسماعِ المكاشف له من الروح حين إلقائه على رسول الله () انتهى.
قال عبد الفتاح - أبو غدة -: هذا ما نقله العجلوني وسكت عليه واعتمده!
__________
(1) وابو غدة إنما نقلت كلامه حجة على اتباعه الصوفية وإلا ففي كتبه كثير من الضلال وقد رد عليه العلامة الألباني رحمه الله في "كشف النقاب" و في مقدمة " شرح العقيدة الطحاوية " كما رد عليه العلامة بكر ابو زيد في " براءة أهل السنة من الوقيعة في علماء السنة " وقدم لهذه الرسالة العلامة عبدالعزيز بن باز رحمه الله.(33/52)
ولا يكاد ينقضي عجبي من صنيعه هذا!
وهو المحدث الذي شرح "صحيح البخاري"، كيف استساغ قبول هذا الكلام الذي تهدر به علوم المحدثين، وقواعد الحديث والدين؟ و يصبح به أمر التصحيح والتضعيف من علماء الحديث شيئاً لا معنى له بالنسبة إلى من يقول: إنه مكاشَف أو يَرى نفسه أنه مكاشَف! ومتى كان لثبوت السنة المطهرة مصدران: النقل الصحيح من المحدثين والكشف من المكاشفين؟!
فحذارِ أن تغتر بهذا، والله يتولاك ويرعاك) اهـ.
وللشيخ محمد أحمد لوح - حفظه الله - كلاماً مهماً حول رواية { من رآني في المنام فسيراني في اليقظة } في "تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي" (2/39 –52) أنقله فيما يلي:
قال حفظه الله:(أما رواية: { من رآني في المنام فسيراني في اليقظة } لابد من إلقاء ضوء كاشف على الحديث رواية ودراية حتى نعرف قدر هذا اللفظ الذي استدل به أولئك على إمكانية رؤية النبي ( في اليقظة:
1- أما الحديث فقد رواه اثنا عشر من أصحاب رسول الله ( أو يزيد، مما يدل على شيوعه واستفاضته.
2- أن ثمانية من أئمة الحديث المصنفين اهتموا بهذا الحديث فأخرجوه في كتبهم مما يؤكد اهتمامهم به وفهمهم لمدلوله. ومع ذلك لم يبوب له أحد منهم بقوله مثلاً: باب في إمكان رؤية النبي ( في اليقظة، ولو فهموا منه ذلك لبوبوا به أو بعضهم على الأقل؛ لأنه أعظم من كل ما ترجموا به تلك الأبواب.
3- أن المواضع التي أخرجوا فيها هذا الحديث بلغ (44) موضعاً، ومع كثرة هذه المواضع
لم يرد في أي موضع لفظ { فسيراني في اليقظة } بالجزم إلا في إحدى روايات البخاري عن أبي هريرة.
أما بقية الروايات فألفاظها: { فقد رآني } أو { فقد رأى الحق } أو { فكأنما رآني في اليقظة } أو { فسيراني في اليقظة أو فكأنما رآني في اليقظة } بالشك.
وبالنظر في ألفاظ الحديث ورواياته نجد ملاحظات على لفظ { فسيراني في اليقظة }(33/53)
لا ريب أنها تقلل من قيمة الاستدلال بها وهذه الملاحظات هي:
أولاً: أن البخاري أخرج الحديث في ستة مواضع من صحيحه: ثلاثة منها من حديث أبي هريرة، وليس فيها لفظ { فسيراني في اليقظة } إلا في موضع واحد.
ثانياً: أن كلا من مسلم (حديث رقم 2266)، وأبي داود (حديث رقم 5023)، و أحمد
(5/306)، أخرجوا الحديث بإسناد البخاري الذي فيه اللفظ المذكور بلفظ { فسيراني في اليقظة. أو لكأنما رآني في اليقظة } وهذا الشك من الراوي يدل على أن المحفوظ إنما هو لفظ { فكأنما رآني } أو { فقد رآني } لأن كلا منهما ورد في روايات كثيرة بالجزم وليس فيها شيء شك فيه الراوي.
وعند الترجيح ينبغي تقديم رواية الجزم على رواية الشك.
ثالثاً: إذا علمنا أنه لم يرد عند مسلم ولا عند أبي داود غير رواية الشك أدركنا مدى تدليس السيوطي حين قال في "تنوير الحلك":(وتمسكت بالحديث الصحيح الوارد في ذلك: أخرج البخاري ومسلم وأبو داود عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (: { من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي } ) فأوهم أن مسلماً وأبا داود أخرجا الحديث برواية الجزم، وأغفل جميع روايات البخاري الأخرى التي خلت من هذا اللفظ.
رابعاً: ذكر الحافظ ابن حجر في "الفتح" (12/400) أنه وقع عند الإسماعيلي في الطريق المذكورة { فقد رآني في اليقظة } بدل قوله: { فسيراني } .
وهذه الأمور مجتمعة تفيد شذوذ هذا اللفظ، ولعل الحافظ ابن حجر أشار إلى ذلك ضمناً حين قال:(وشذ بعض الصالحين فزعم أنها تقع - يعني الرؤية- بعيني الرأس حقيقة).
ونقل عن المازري قوله:(إن كان المحفوظ { فكأنما رآني في اليقظة } فمعناه ظاهر).
هذا ما يتعلق بالحديث رواية، وإن تعجب فعجب استدلال هؤلاء بهذا اللفظ الشاذ على تقرير إمكان رؤية النبي ( في اليقظة ووقوعها مع اتفاقهم على: أن حديث الآحاد لا يحتج به في العقيدة.(33/54)
أما ما يتعلق به دراية فنقول: لو فرضنا أن هذا اللفظ { فسيراني } هو المحفوظ فإن العلماء المحققين لم يحملوه على المعنى الذي حمله عليه الصوفية.
قال النووي في شرحه (15/26):(فيه أقوال: أحدها: أن يراد به أهل عصره، ومعناه: أن من رآه في النوم ولم يكن هاجر يوفقه الله للهجرة ورؤيته ( في اليقظة عياناً.
وثانيها: أنه يرى تصديق تلك الرؤيا في اليقظة في الدار الآخرة؛ لأنه يراه في الآخرة جميع أمته.
وثالثها: أنه يراه في الآخرة رؤية خاصة في القرب منه وحصول شفاعته ونحو ذلك).
ونقل الحافظ ابن حجر هذه الأقوال بعدما ذكر القول بحمله على الرؤية بالعين المجردة وحكم على القائلين به بالشذوذ.
وجملة القول أن إدعاء إمكان رؤيته ( في اليقظة ووقوعها مذهب ضعيف مرجوح وذلك من وجوه:
الوجه الأول: اختلاف القائلين به في المقصود بالرؤية، وهل هي رؤية لذاته ( على
الحقيقة، أورؤية لمثال لها، نقله السيوطي في "نوير الحلك" ضمن "الحاوي للفتاوى" (2/263)
ثم قال:(الذين رأيتهم من أرباب الأحوال يقولون بالثاني، وبه صرح الغزالي فقال: ليس المراد أنه
يرى جسمه وبدنه بل يرى مثالاً له).
ثم نقل عن ابن العربي واستحسن قوله:(رؤية النبي ( بصفته المعلومة إدراك على الحقيقة ورؤيته على غير صفته إدراك للمثال) ثم قال السيوطي:(ولا يمتنع رؤية ذاته الشريفة بجسده وروحه؛ وذلك لأنه ( وسائر الأنبياء أحياء ردت إليهم أرواحهم بعد ما قبضوا وأذن لهم بالخروج من قبورهم والتصرف في الملكوت العلوي والسفلي)!!.
أقول: إذا كان أرباب الأحوال الذين رآهم السيوطي - على كثرتهم - يقولون إن النبي (
لا يرى بروحه وجسمه بل يرى مثال له فقط، فكيف يدافع السيوطي عنهم ويخالفهم في الوقت نفسه؟
الوجه الثاني: أنهم اختلفوا أيضاً هل هذه الرؤية تكون بالقلب أو بالبصر؟
أشار السيوطي إلى ذلك ثم اضطرب اضطراياً شديداً حين قال في نفس المصدر:(أكثر(33/55)
ما تقع رؤية النبي ( في اليقظة بالقلب ثم يترقى إلى أن يرى بالبصر) فإلى هنا يبدو أنه قصد الجمع بين القولين، ثم قال:(لكن ليست الرؤية البصرية كالرؤية المتعارفة عند الناس من رؤية بعضهم لبعض، وإنما هي جمعية حالية وحالة برزخية وأمر وجداني …).
الوجه الثالث: أن بعض كبار الصوفية ينفي وقوع رؤية النبي ( في اليقظة.
فيقول أبو القاسم القشيري في "الرسالة القشيرية" (باب رؤيا القوم) (ص368):(وقال
بعضهم: في النوم معان ليست في اليقظة، منها: أنه يرى المصطفى ( والصحابة والسلف
الماضين في النوم ولا يراهم في اليقظة) اهـ.
وقد يقول قائل: إن هذا نقله القشيري عن بعضهم ولا ندري هل هم من الصوفية أو من غيرهم؟
والجواب: أ- أن القشيري نفسه من كبار الصوفية وقد نقل العبارة وأقرها.
ب- أنه لا ينقل في رسالته مثل هذا الكلام إلا عن الصوفية، حيث ذكر في مقدمة كتابه أنه إنما يذكر سير شيوخ التصوف وآدابهم ..وما أشاروا إليه من مواجيدهم، وأكده في الخاتمة.
الوجه الرابع: أن هذه العقيدة مخالفة لإجماع أهل السنة والجماعة وهي خاصة بأهل البدعة، قال ابن حزم في "مراتب الإجماع"(ص176):(واتفقوا أن محمداً عليه السلام وجميع أصحابه لا يرجعون إلى الدنيا إلا حين يبعثون مع جميع الناس).
الوجه الخامس: أنه يلزم من القول بإمكان رؤيته في اليقظة ووقوعها لوازم باطلة قد ذكرتها
أثناء نقل أقوال أهل العلم في هذا الموضوع.
وأخيراً: نقل السيوطي عن بعض أهل العلم احتجاجه على حياة الأنبياء بأن النبي (
اجتمع بهم ليلة الإسراء في بيت المقدس.
ومقصده أن ما دام هذا ممكناً في حق النبي ( معهم فيمكن أن يكون جائزاً في حق أولياء
أمته معه، فيرونه في اليقظة. والجواب على هذه الشبهة أن يقال:
أولاً: ليس النزاع في حياة الأنبياء في قبورهم ولا في اجتماع النبي ( بهم ليلة الإسراء(33/56)
ولا صلاته بهم إماماً، فإن ذلك كله ثابت رواية، فيجب على جميع المؤمنين التصديق به.
ثانياً: أن مما يجب أن يعلم أن حياة الأنبياء في قبورهم حياة برزخية لا نعلم كيف هي،
وحكمها كحكم غيرها من المغيبات، نؤمن بها ولا نشتغل بكيفيتها، ولكننا نجزم بأنها مخالفة
لحياتنا الدنيا.
ثالثاً: أن الذي أخبرنا بأنه اجتمع بالأنبياء ليلة الإسراء هو الصادق المصدوق الذي يجب على كل مؤمن أن يصدقه في كل ما أخبر به من المغيبات دقيقها وجليلها، ولذا آمنا بما أخبرنا به واعتقدناه عقيدة لا يتطرق إليها شك إن شاء الله تعالى.
أما من جاءنا بخبر وقوع رؤية النبي ( في اليقظة فمجموعة من الدراويش خالفت الكتاب والسنة والإجماع والمعقول، فلم يجز - ولا أقول فلم يجب - أن نصدقهم في دعواهم تلك.
بل وجب على كل موحد ذاب عن حمى التوحيد أن يردها بما استطاع لأنه باب يؤدي فتحه إلى ضلال عظيم وخراب للأديان والعقول ويفتح باب التشريع من جديد، ولا حول ولا قوة
إلا بالله.والله أعلم) انتهى كلام الشيخ محمد أحمد لوح جزاه الله خيراً بتصرف.
ولمزيد من الفائدة انظر كتاب "المصادر العامة للتلقي عند الصوفية عرضاً ونقداً" للشيخ
صادق سليم صادق (ص405-430) وكتاب "تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي" للشيخ
محمد أحمد لوح (2/36-52)، وكتاب "خصائص المصطفى بين الغلو والجفاء" تأليف الصادق بن محمد بن إبراهيم، وكتاب "رؤيا الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقظة ومناماً ضوابطها وشروطها" للشيخ الأمين الحاج محمد أحمد.
وأما دعوى أن الذي يحضر مجلس المولد هو روحانية النبي ( فالرد عليها يستفاد من الجواب السابق وهو أن ابنة الرسول ( وصحابته رضي الله عنهم أجمعين هم أولى الناس بهذه المزية العظيمة لو حصلت ولم يدعي أحد منهم هذه الدعوى.
وأما قول الإمام مالك: "بلغني أن الروح مرسلة تذهب حيث شاءت" فالجواب عنه بما يلي:(33/57)
أولاً: ما صحة نسبة هذا القول إلى الإمام مالك؟
ثانياً: هل قول الإمام مالك حجة، وخصوصاً أن قوله هذا في مسألة متعلقة بالغيب فهي من مسائل العقيدة؟
وكثير ممن يستدل بقول الإمام مالك هذا ومنهم محمد علوي الم(1)لكي يقولون بعدم حجية حديث الآحاد في العقيدة وان كان في "صحيح البخاري" أو "صحيح مسلم"!!.
ثالثاً:(أن قول الإمام مالك هذا ليس المراد به ما ادعاه محمد بن علوي المالكي من أن الأرواح جوالة يمكن أن تحضر مجالس الخير ومشاهد النور بل المراد به بيان سرعة انتقال أرواح المؤمنين الموتى من العرش إلى الثرى ثم انتقالها من الثرى إلى مكانها كما بينه ابن القيم في نفس كتاب "الروح" !!.
وأما ما روي عن سلمان الفارسي أنه قال:(أرواح المؤمنين في برزخ من الأرض تذهب حيث شاءت) فقد فسره ابن القيم في كتابه"الروح" بما نصه:(وأما قول من قال إن أرواح المؤمنين في برزخ من الأرض تذهب حيث شاءت فهذا مروي عن سلمان الفارسي والبرزخ هو الحاجز بين شيئين وكأن سلمان أراد بها في أرض بين الدنيا والآخرة مرسلة هناك تذهب حيث شاءت) قال (وهذا قول قوي فإنها قد فارقت الدنيا ولم تلج الآخرة بل هي في برزخ بينهما فأرواح المؤمنين في برزخ واسع فيه الروح و الريحان والنعيم وأرواح الكفار في برزخ
ضيق فيه الغم والعذاب قال تعالى: { وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } ]المؤمنون:100[
فالبرزخ هنا ما بين الدنيا والآخرة و أصله الحاجز بين الشيئين) اهـ).
(وقد جاء في سنن ابن ماجة والترمذي عن جابر ابن عبدالله قال: لما قتل عبدالله بن عمرو بن حرام يوم أحد، قال رسول الله (: { ياجابر أَلا أخبرك ما قال الله لإبيك }
قلت: بلَى.
قال: { ما كلم الله أَحداً إلا من وراء حجابٍ، وكلم أَباك كفَاحاً، فَقَال: يا عبد الله تمن علي أعطك. قال: يا رب تحيينِي فأقتل فيك ثانية.
__________
(1) : نقلا من "القول الفصل" (ص315) بتصرف.(33/58)
قال: إنه سبق مني أنهم إلَيها لا يرجِعون.
قال: يا رب فأبلغ من ورائي، فأنزل الله هذه الآية: { وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ } ]آل عمران:169[ الآية كلها } ؛ وحسنه الألباني في "صحيح سنن ابن ماجة" (2/392-393).
وقد أخبر الرسول ( عن مستقر أرواح الشهداء كما في "صحيح مسلم" عن مسروق
قال:(سألنا عبد الله هو ابن مسعود عن هذه الآية: { وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } ]آل عمران :169[ قَال: أما إنا قد سألنا عن ذلك.
فقال: { ارواحهم في جوف طير خضر. لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت } . ثم تأوي إلى تلك القناديل... الخ "
وأخبر ( عن أرواح المؤمنين الصالحين فقال: { إِنما نسمة المسلم طَير يعلَق بشجرِ الجنة حتى يرجعهُ الله تبارك وتعالى إِلَى جسده يوم يبعثهُ } رواه أحمد والنسائي وابن ماجة ومالك.
وأما اعتبار ذلك القيام الذي يقع عند ذكر وضع النبي ( وخروجه إلى الدنيا في قصص
المولد من تعظيم الرسول ( فقد جزم الشامي والهيتمي ورشيد رضا بأنه غير صحيح وأنه بدعة لا يعذر من يفعلها من الخواص وصرح الشيخ محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي بأنه محرم وفيما يلي نصوصهم:
قال الشيخ محمد الشامي في "سيرته" (1/415):(جرت عادة كثير من المحبين إذا سمعوا بذكر وضعه ( أن يقوموا تعظيما له ( وهذا القيام بدعة لا أصل لها).(33/59)
وقال ابن حجر الهيتمي في "الفتاوى الحديثية" (ص58) بصدد كلامه عن الوثوب عند قراءة قوله تعالى: { أَتَى أَمْرُ اللَّهِ } ]النحل:1[ واعتباره إياه بدعة بعد زوال سبب الوثوب عند نزوله وهو الفزع الذي زال بنزول { فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ } كما ذكره الواحدي، فلا ينبغي فعله بعد زواله لما فيه من إيهام العامة ندبه؛ قال بعد استنكاره ذلك الوثوب ما نصه:(ونظير ذلك فعل كثير عند ذكر مولده ( ووضع أمه له من القيام وهو أيضا بدعة لم يرد فيه شيء على أن الناس إنما يفعلون ذلك تعظيماً له ( فالعوام معذورون لذلك بخلاف الخواص) اهـ.
وقال رشيد رضا في جوابه عن تلقين العلويين في جاوه الناس أن من لم يقم أثناء حفلات
المولدعند سماعه (مرحبا بالنبي) الخ فهو كافر قال في "فتاويه" (5/2113) ما نصه:
(أما القيام عند ذكر وضع أمه ( وإنشاد بعض الشعراء أو الأغاني في ذلك فهو من جملة هذه البدع وقد صرح بذلك الفقيه ابن حجر المكي الشافعي الذي يعتمد هؤلاء العلويين على كتبه في دينهم (ثم نقل كلام ابن حجر الهيتمي السابق)) اهـ.
وقال الشيخ محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي الفاسي في كتابه "الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي" (1/93):(ومنه - أي من الاستحسان المحرم - أيضا القيام عند ذكر الولادة
النبوية مع ورود النص بل النصوص الصريحة بالنهي عنه انظر رسالتنا "صفاء المورد في عدم القيام عند سماع المولد" ورسالتنا "الحق المبين في الرد على من رد عليها" وهو صاحب "حجة المنذرين") اهـ.
وأما قول الصرصري في قصيدته:
وأن ينهض الأشراف عند سماعه قياماً صفوفاً أو جثياً على الركب(33/60)
فليس بدليل شرعي على صنيع السبكي فضلاً عن قياس القيام أثناء قراءة بعض القصص التي تقرأ في الاحتفال بالمولد النبوي على قيام السبكي وليس الصرصري ممن يؤخذ بقوله في مثل هذا وشعره يقع منه أحياناً ما لا يرضي كما بينه شيخ الإسلام ابن تيمية في "الرد على البكري") (1).
وحجة من أنكر هذا القيام هو ما جاء عن أنس - رضي الله عنه - أنه قال:(لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله (، قال: وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك).
* * *
الفصل السادس:
ما ترتب على الاحتفال بذلك اليوم من أمور خطيرة ومفاسد كثيرة
هذا الفصل مختصر من"القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل " للشيخ إسماعيل الأنصاري رحمه الله (ص172-183) بتصرف.
(ترتب على الاحتفال باليوم الذي يقال بأنه يوافق يوم المولد النبوي أمور خطيرة ومفاسد كثيرة، ومن هذه الأمور الخطيرة التي ترتبت عليه:
أولاً: اعتبار الاحتفال بالمولد من الأمور المستحبة في الدين بل والواجبة عند البعض!
1 - قال محمد بن علوي المالكي في "حول الاحتفال بالمولد النبوي" (ص15-16):
(أن المولد اشتمل على اجتماع وذكر وصدقة ومدح وتعظيم للجناب النبوي فهو سنة، وهذه أمور مطلوبة شرعاً وممدوحة، وجاءت الآثار الصحيحة بها وبالحث عليها) اهـ.
2 - قال عيسى الحميري في " بلوغ المأمول في حكم الإحتفاء والاحتفال بمولد الرسول"
(ص30) بعد أن قال أن القران عرض لنا قصص لكثير من الأنبياء:(وبذلك يستدل بصحة
استحباب الاحتفال بمولده () اهـ.
3 - وقال أيضاً في نفس المصدر (ص55) بعد أن أورد حديث استدل به على جواز الاحتفال بالمولد:(يفهم منه استحباب ذكر النعمة والاحتفاء والاحتفال بأيامها... الخ).
4 - وقال محمد بن أحمد الخزرجي في"القول البديع في الرد على القائلين بالتبديع"(ص29):
__________
(1) قلاً من"القول الفصل" بتصرف.(33/61)
(للعلماء في مولد النبي ( كتب وسوف نبين استحباب قراءة المولد لقوله تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } ]الانبياء:107[ ) اهـ.
5 - قال مصطفى عبد القادر عطا في مقدمته لكتاب "حسن المقصد في عمل المولد" للسيوطي طبعة دار الكتب العلمية في بيروت (ص9) نقلاً عن مقدمة الشيخ علي الحلبي
لـ "المورد في عمل المولد" للفاكهاني (ص12-13)؛ بعد كلام:(.. كل هذا يوجبُ علينا الاحتفال به – أي بالمولد النبوي - … !!).
تنبيه:
قال محمد بن علوي المالكي في "حول الاحتفال بالمولد النبوي" (ص6):(أننا نقول بجواز الاحتفال بالمولد الشريف والاجتماع لسماع سيرته والصلاة والسلام عليه وسماع المدائح التي تقال في حقه، وإطعام الطعام، وإدخال السرور على قلوب الأمة).
وقال يوسف الرفاعي في "الرد المحكم المنيع" (ص153):(إن احتفالات المسلمين بذكرى المسلمين بذكرى مولده ( والمناسبات المشابهة لا تسمى بدعة قبل كل شيء. لأن أحداً من القائمين على أمرها لا يعتقد أنها جزء من جوهر الدين وأنها داخلة في قوامه وصلبه، بحيث إذا أهملت ارتكب المهملون على ذلك وزراً. وإنما هي نشاطات اجتماعية يتوخى منها تحقيق خير ديني).
وقد أجاب فضيلة الشيخ عبد الله بن منيع - حفظه الله - على هذا القول في "حوار مع المالكي" (ص26–27) بما يلي:
(إن قول محمد المالكي هذا يدل على أنه لا يرى مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي، لأن مشروعية الأمر تعني وجوبه أو استحبابه، وبالتالي إثابة فاعله وعقوبة تاركه إن كان واجباً، وإذا كان مستحباً فيثاب عليه فاعله ولا يعاقب تاركه، أما جواز ذلك فمعناه إباحته فلا إثابة على فعل ولا عقوبة على ترك.
ولكن من خلال ما نقلته من أقواله السابقة وغيرها مما سأذكره فيما بعد إن شاء الله؛ نجده يقول بمشروعية ذلك ويؤكده حيث أشار إلى القول بسنية الاحتفال بالمولد في ليلة غير مخصوصة!!.(33/62)
فإن قال بإباحة الاحتفال بالمولد من غير أن يكون واجباً أو مسنوناً ألزمناه بالتناقض في قوله على ما سبق إيضاحه، وإن قال بمشروعيتها على سبيل الاستحباب أو الوجوب طالبناه بمستنده على ذلك من كتاب الله تعالى أو من سنة رسوله محمد ( من قول أو فعل أو تقرير، أو من عمل الصحابة الذين هم أولى بالنبي (.
وأما ما ادعاه أن له استنباطات تدل على مشروعية الاحتفال بالمولد مما ذكره في كثير من كتبه فقد ناقشها العلماء وردوا عليه وعلى غيره ممن يستدل بها) انتهى بتصرف.
أما بالنسبة لقول الرفاعي:(إن احتفالات المسلمين بذكرى مولده ( والمناسبات المشابهة، لا تسمى بدعة قبل كل شيء) فمردود بقول المالكي في "حول الاحتفال"(ص19) و" الذخائر" (ص320-321):(فالاحتفال بالمولد و إن لم يكن في عهده ( فهو بدعة، ولكنها حسنة).
أما قوله:(لأن أحداً من القائمين على أمرها لا يعتقد أنها جزء من جوهر الدين وأنها داخلة في قوامه وصلبه، بحيث إذا أهملت ارتكب المهملون على ذلك وزراً) فمردود بأقوال السيوطي والمالكي والحميري وغيرهم السابقة والتي يقولون فيها بإثابة من يقيم الموالد وأنهم يعدونها من الدين.
ثانياً: صدور أوامر من بعض الولاة في العصور المتأخرة بتصيير ذلك اليوم عيداً وورود
تصريحات من بعض أهل العلم المشجعين على الاحتفال بذلك اليوم باعتباره عيداً وعلى
سبيل التمثيل لذلك لا الحصر أورد ما يلي:
1- ما ورد في "الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصا" (2/43) للشيخ أحمد السلاوي ونصه:(في سنة إحدى وسبعين وستمائة أمر السلطان يوسف بن يعقوب بن عبد الحق بعمل المولد النبوي وتعظيمه والاحتفال به وصيره عيداً من الأعياد في جميع بلاده وذلك في شهر ربيع الأول من السنة المذكورة).
2 - ما جاء في "الإعلام بأعلام بيت الله الحرام" للشيخ قطب الدين الحنفي (ص196):(33/63)
(كيف لا يفرح المؤمنون بليلة ظهر فيها أشرف الأنبياء والمرسلين ( وكيف لا يجعلونه عيداً من أكبر أعيادهم).
وعلى أساس اعتبار ذلك اليوم عيداً أفتى ابن عباد وابن عاشر بمنع صومه! كما بينه الشيخ محمد بن محمد الطرابلسي المعروف بالحطاب في "مواهب الجليل شرح مختصر خليل "
حيث قال:(قال الشيخ زروق في شرح القرطبية صيام يوم المولد كرهه بعض من قرب عصره ممن صح علمه وورعه! قال: إنه من أعياد المسلمين فينبغي أن لا يصام فيه وكان شيخنا أبو عبدالله القورى يذكر ذلك كثيراً ويستحسنه. انتهى.
قلت - القائل الحطاب - لعله - أي زروق - يعني ابن عباد فقد قال في رسائله الكبرى ما نصه (وأما المولد فالذي يظهر لي أنه عيد من أعياد المسلمين وموسم من مواسمهم وكل ما يفعل فيه مما يقتضيه وجود الفرح والسرور بذلك المولد المبارك من إيقاد الشمع وإمتاع البصر والسمع والتزين بلبس فاخر الثياب وركوب فاره الدواب أمر مباح لا ينكر على أحد قياساً على غيره من أوقات الفرح.
والحكم بكون هذه الأشياء بدعة في هذا الوقت الذي ظهر فيه سر الوجود وارتفع فيه علم الشهود وانقشع فيه ظلام الكفر والجحود وادعاء أن هذا الزمان ليس من المواسم الشرعية لأهل الإيمان ومقارنة ذلك بالنيروز والمهرجان أمر مستثقل تشمئز منه القلوب السليمة وتدفعه الآراء المستقيمة.
ولقد كنت فيما خلا من الزمان خرجت في يوم مولد إلى ساحل البحر فاتفق أن وجدت هناك سيدي الحاج ابن عاشر رحمه الله وجماعة من أصحابه وقد أخرج بعضهم طعاماً مختلفا ليأكلوه هناك فلما قدموه لذلك أرادوا مني مشاركتهم في الأكل وكنت إذ ذاك صائماً فقلت لهم: إنني صائم، فنظر الي سيدى الحاج نظرة منكرة، وقال لي ما معناه: إن هذا اليوم يوم فرح و سرور ويستقبح في مثله الصيام بمنزلة العيد فتأملت كلامه فوجدته حقا! وكأنني كنت نائماً فأيقظني)) اهـ.(33/64)
وقد اغتر بهذه الفتوى الخاطئة الشيخ محمد بن عرفة الدسوقي حيث قال في "حاشيته على شرح الدردير لمختصر خليل" (1/474) في باب الصيام:(تنبيه: من جملة الصيام المكروه كما قاله بعضهم صوم يوم المولد المحمدي إلحاقاً له بالأعياد) اهـ.
ولا شك في أن اعتبار ذلك اليوم عيداً بدعة، كما لا شك في أن منع صوم اليوم الموافق ليوم المولد النبوي لو كان معلوماً مخالف لما خرجه مسلم في "صحيحه" من حديث أبى قتادة الأنصاري - رضي الله عنه - أن النبي ( سئل عن صيام يوم الاثنين فقال: { ذلك يوم ولدت فيه وأُنْزِلَ علي
فيه } فإن في إجابة النبي ( إشارة إلى استحباب صوم يوم الاثنين لأنه اليوم الذي
ولد فيه - صلى الله عليه وسلم - لا كراهة ذلك كما أفتى به هؤلاء والله المستعان.
ثالثاً: دعوى أن من صادف في ذلك اليوم الساعة التي ظهر فيها نبينا محمد( يسأل
الله فيها شيئاً أعطاه إياه قياساً على ساعة يوم الجمعة التي صح فيها عن النبي ( أنه
لا يصادفها عبد مسلم يسأل الله تعالى فيها شيئاً إلا أعطاه إياه!.
فقد قال القسطلاني في "المواهب اللدنية"(1/132):(إذا كان يوم الجمعة الذي خلق فيه آدم عليه السلام خص بساعة لا يصادفها عبد مسلم يسأل الله فيها خيراً إلا أعطاه إياه
فما بالك بالساعة التي ولد فيها سيد المرسلين () اهـ.
وعبر عن ذلك المعنى محمد بن علوي المالكي في"حول الاحتفال" (ص14) بقوله:(يؤخذ من قوله ( في فضل يوم الجمعة وعد مزاياه: { فيه خلق آدم عليه السلام } تشريف الزمان الذي ثبت أنه ميلاد لأي نبي كان من الأنبياء عليهم السلام فكيف باليوم الذي ولد فيه أفضل النبيين وأشرف المرسلين.ولا يختص هذا التعظيم بذلك اليوم بعينه بل يكون له خصوصاً ولنوعه عموماً مهما تكرر كما هو الحال في يوم الجمعة شكراً للنعمة وإظهاراً لمزية النبوة).(33/65)
وقد تعقب الزرقاني في "شرحه للمواهب اللدنية" (1/132- 133) القسطلاني في إيراده لذلك بقوله:(إن أراد - إي القسطلاني - أن في ذلك اليوم ومثله إلى يوم القيامة ساعة كساعة الجمعة أو أفضل فدليله هذا لا ينتج ذلك وإن أراد عين تلك الساعة فساعة الجمعة لم تكن موجودة حينئذ وإنما جاء تفضيلها في الأحاديث الصحيحة بعد ذلك بمدة فلم يمكن اجتماعهما حتى يفاضل بينهما وتلك انقضت وهذه باقية إلى اليوم وقد نص الشارع عليها ولم يتعرض لساعة مولده ولا لأمثالها فوجب علينا الاقتصار على ما جاءنا عنه ولا نبتدع شيئاً من عند نفوسنا القاصرة عن إدراكه إلا بتوقيف) انتهى كلام الزرقاني وقد أجاد فيه.
رابعاً: من الأمور الخطيرة التي ترتبت على الاحتفال بالمولد دعوى أن ليلة المولد النبوي أفضل من ليلة القدر!!
وهي دعوى ذكرها القسطلاني في "المواهب اللدنية" (1/135-136) بعد أن تكلم عن الاختلاف في وقت ولادة النبي ( هل هو في النهار أم في الليل حيث قال:(فإن قلت إذا قلنا بأنه عليه السلام ولد ليلاً فأيهما أفضل ليلة القدر أو ليلة مولده عليه السلام؟
أجيب: بأن ليلة مولده عليه السلام أفضل من ليلة القدر من وجوه ثلاثة!!
أحدها: أن ليلة المولد ليلة ظهوره ( وليلة القدر معطاة له.
وما شرف بظهور ذات المشرف من أجله أشرف مما شرف بسبب ما أعطيه ولا نزاع في ذلك فكانت ليلة المولد أفضل من ليلة القدر.
الثاني: أن ليلة القدر شرفت بنزول الملائكة فيها؛ وليلة المولد شرفت بظهوره (.
ومن شرفت به ليلة المولد أفضل ممن شرفت بهم ليلة القدر على الأصح المرتضى، فتكون ليلة المولد أفضل.
الثالث: أن ليلة القدر وقع فيها التفضيل على أمة محمد ( وليلة المولد الشريف وقع التفضيل فيها على سائر الموجودات فهو الذي بعثه الله عز وجل رحمة للعالمين فعمت به النعمة على جميع الخلائق فكانت ليلة المولد أعم نفعاً فكانت أفضل).(33/66)
وقد نقل كلام القسطلاني هذا مقراً له محمد بن علوي المالكي في "الذخائر المحمدية".
وقد تعقب هذه الدعوى الشيخ الزرقاني في "شرح المواهب اللدنية" (1/136) بقوله:
(وهذا الذي ساقه المصنف - يعني القسطلاني - وأقره متعقب، قال الشهاب الهيتمي: فيه إجمال واستدلال بما لا ينتج المدعى!
لأنه إن أريد أن تلك الليلة ومثلها من كل سنة إلى يوم القيامة أفضل من ليلة القدر فهذه الأدلة لا تنتج ذلك كما هو جلي وإن أريد عين تلك الليلة فليلة القدر لم تكن موجودة إذ ذاك وإنما أتى فضلها في الأحاديث الصحيحة على سائر ليالي السنة بعد الولادة بمدة فلم يمكن اجتماعهما حتى يتأتى بينهما تفضيل وتلك انقضت وهذه باقية إلى اليوم وقد نص الشارع على أفضليتها ولم يتعرض لليلة مولده ولا لأمثالها بالتفضيل أصلاً!
فوجب علينا أن نقتصر على ما جاء عنه ولا نبتدع شيئاً من عند نفوسنا القاصرة عن إدراكه إلا بتوقيف منه ( على أنا وإن سلمنا أفضلية ليلة مولده لم يكن له فائدة!
إذ لا فائدة في تفضيل الأزمنة الا بفضل العمل فيها.
وأما تفضيل ذات الزمن لا يكون بكون العمل فيه فليس له كبير فائدة) قال الزرقاني بعد إيراد كلام الهيتمي هذا:(هو وجيه).
وتعقب أيضا الملا علي القارى تلك الدعوى فقال في "المورد الروي" (ص52):(أغرب القسطلاني وقال: ليلة مولده ( أفضل من ليلة القدر من وجوه ثلاثة ذكرها حيث لا يفيد الإطلاق مع أن الأفضلية ليست إلا لكون العبادة فيها أفضل بشهادة النص القرآني: { لَيْلَةُ الْقَدْرِ
خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ } ]القدر:3[ ولا تعرف هذه الأفضلية لليلة مولده ( لا من الكتاب
ولا من السنة ولا عن أحد من علماء هذه الأمة).(33/67)
يؤيد ذلك التعقب ما جاء عن قتادة في تفسير قوله تعالى: { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } ]التوبة:36[ فقد جاء عن قتادة في تفسير هذه الآية ما نصه:(إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزراً من الظلم فيما سواها وإن كان الظلم على كل حال عظيماً ولكن الله يعظم من أمره ما يشاء).
وقال:(إن الله اصطفى صفايا من خلقه؛ اصطفى من الملائكة رسلاً ومن الناس رسلاً، واصطفى من الكلام ذكره، واصطفى من الأرض المساجد، واصطفى من الشهور رمضان والأشهر الحرم، واصطفى من الأيام يوم الجمعة، واصطفى من الليالي ليلة القدر فعظموا ماعظم الله فإنما تعظيم الأمور بما عظمها الله به عند أهل الفهم وأهل العقل) هكذا أورده ابن كثير في تفسير الآية المذكورة و عزاه السيوطي في "الدر المنثور في التفسير بالمأثور" إلى ابن المنذر وابن أبى حاتم وأبى الشيخ.
ثم أن ما أسس عليه القول بتفضيل ليلة المولد النبوي على ليلة القدر وهو تقدير كون ولادة
النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلاً غير موافق لما روى مسلم في "صحيحه" عن أبي قتادة الأنصاري في حديث طويل و لفظه: وسئل عن صوم يوم الاثنين؟
قال: { ذلك يوم ولدت فيه وأنزل علي فيه } فإن هذا الحديث يدل أوضح دلالة على أن النبي ( ولد نهاراً لقوله: { ذلك يوم ولدت فيه } وقد رجح القسطلاني نفسه هذا!
وليس للقول بأن النبي ( ولد ليلاً مستند ثابت.
ومن عدم تأمل محمد بن علوي المالكي ذلك استساغ التعليق على كلام الملا علي قاري في
تعليقه على "المورد الروي" الآنف الذكر بقوله:(أما نفس ليلة مولده التي مضت وانقضت(33/68)
فهي أفضل من ألف ليلة من ليالي القدر لأن ليلة القدر من بركاتها وأما ليلة المولد من كل عام الموافق ليلة المولد التي مضت فصحيح أنها لا تعرف لها هذه الفضيلة)!
فإن تفضيله ليلة المولد التي مضت على ألف ليلة من ليالي القدر يحتاج إلى الدليل كما يحتاج إليه تفضيل الليلة الموافقة لتلك الليلة التي وافق على أنها لا تعرف لها الفضيلة التي ثبتت لليلة القدر ولو تمسك في كل واحدة من الليلتين بقوله تعالى: { لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ } ]القدر:3[ لم يتورط فيما تورط فيه.
* * *
الخاتمة
هذا ما وفقني الله لجمعه من أقوال أهل العلم في الرد على شبهات من أجاز المولد، اسأل الله أن ينفعني ومن يطلع عليه بما فيه.
كما أسأل الله أن يجزي علمائنا خير الجزاء على ما قاموا به من بياناً للحق ورداً للباطل وأن يجعل ذلك في ميزان حسناتهم.
كما أسأله أن يهدي ضال المسلمين إلى اتباع السنة وترك البدعة.
وصلى الله على نبينا وقدوتنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد ألا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
الفهرس
المقدمة
الفصل الأول: بيان أن الاحتفال بالمولد لم يقع من السلف الصالح وأنه من البدع
الفصل الثاني: إثبات أن الفاطميين أول من احتفل بالموالد
الفصل الثالث: بيان كذب من يزعم أن من ينكر الاحتفال بالمولد بأنه مبغض
للرسول ( ومكفر لمن يحضر ذلك الاحتفال
الفصل الرابع: الرد على شبهات من أجاز الاحتفال بالمولد
تنبيه مهم حول وجوب اتباع فهم السلف لنصوص الوحي
الشبهة الأول: قوله تعالى: { قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ } .
الشبهة الثانية: قوله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } .(33/69)
الشبهة الثالثة: يقولون إن الله كرم بعض الأماكن المرتبطة بالأنبياء مثل مقام إبراهيم (؛ وهذا فيه حث على الاهتمام بكل ما يتعلق بالأنبياء ومنها الاهتمام بيوم مولد النبي (.
الشبهة الرابعة: أن النبي ( كان يصوم يوم الاثنين فلما سئل عن ذلك قال: { ذلك يوم ولدت فيه وأنزل علي فيه } .
الشبهة الخامسة: صيام يوم عاشوراء
الشبهة السادسة: قصة تخفيف العذاب عن أبي لهب بسبب اعتاقه لثويبة عندما بشرته بولادة الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
الشبهة السابعة: قول الرسول ( في فضل يوم الجمعة: { إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض } رواه أبو داود.
الشبهة الثامنة: ما أخرجه البيهقي عن أنس رضي الله عنه: { أن النبي (عق عن نفسه بعد النبوة } .
الشبهة التاسعة: أن جبريل عليه السلام طلب ليلة الإسراء والمعراج من النبي(، أن يصلي ركعتين ببيت لحم حيث ولد عيسى عليه السلام.
الشبهة العاشرة: أن شعراء الصحابة كانوا يقولون قصائد المدح في الرسول( ؛ فكان يرضى عملهم؛ ويكافئهم على ذلك بالصلات والطيبات.
الشبهة الحادية عشر: أن الموالد اجتماع ذكر وصدقة ومدح وتعظيم للجناب النبوي وهذه أمور مطلوبة شرعاً وممدوحة وجاءت الآثار الصحيحة بها وبالحث عليها.
الشبهة الثانية عشر: أن الاحتفال بالمولد النبوي أمر استحسنه العلماء وجرى به العمل في كل صقع فهو مطلوب شرعاً.
الشبهة الثالثة عشر: دعوى تلقي الأوامر النبوية بالاحتفال بذلك اليوم في المنام!
الشبهة الرابعة عشر: قول السخاوي:(إذا كان أهل الصليب اتخذوا ليلة مولد نبيهم عيداً أكبر فأهل الإسلام أولى بالتكريم وأجدر).
الشبهة الخامسة عشر: أن الاحتفال بالمولد يعتبر إحياء لذكرى الرسول ( وهذا مشروع في الإسلام.
الفصل الخامس: القيام عند ذكر ولادته ( وزعمهم أنه يخروج إلى الدنيا أثناء قراءة قصص المولد.(33/70)
الفصل السادس:ما ترتب على الاحتفال بذلك اليوم من أمور خطيرة ومفاسد كثيرة.
المفسدة الأولى: اعتبار الاحتفال بالمولد من الأمور المستحبة في الدين بل والواجبة عند البعض!
المفسدة الثانية: أعتبار ذلك اليوم يوم عيد!
المفسدة الثالثة: زعمهم أن في ذلك اليوم ساعة إجابة قياساً على يوم الجمعة!
المفسدة الرابعة: دعوى أن ليلة المولد النبوي أفضل من ليلة القدر!!
الخاتمة
الفهرس(33/71)
الرد على من أجاز الاحتفال بالمولد النبوي
الشيخ حامد بن عبدالله العلي
*** الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد :
*** فقد أرسل إلي سائل ، اعتراضا لبعض المتحمسين لبدعة المولد ، على من يحرم هذه البدعة من العلماء المحققين ، وقد تضمن كلام المعترض ، خلطا في المسائل والدلائل ، وخروجا عن موضع النزاع ، واستدلالا بأمور لا يصح الاستدلال بها ، إما بسبب ضعف طريق الثبوت ، أو خطأ في وجه الدلالة ، مع ما في اعتراضه من الخروج عن حدود الأدب ، وادعاء أمور لم يقلها القائلون بأن المولد بدعة ، وهم عامة علماء أهل السنة.
ـــــــــــــــ
*** كما أوهم المعترض أن القائلين بتحريم المولد ، يتهمون من يفعل هذه البدعة ، بأنهم زنادقة ، لان أول من أحدث هذه البدعة هم زنادقة الباطنية الفاطميين .
*** مع أنه ليس ثمة تلازم بين الأمرين ، فكثير من العادات المنتشرة بين المسلمين اليوم ، أصلها من عادات النصارى ، وقد وقع فيها المسلمون ، كما ورد في الحديث قال صلى الله عليه وسلم ( لتتبعن سنن الذين من قبلكم ) متفق عليه من حديث أبى سعيد الخدري رضي الله عنه ، مع أنه لا يحكم على من قلد النصارى في تلك العادات بأنه صار نصرانيا ، فكذلك لا يحكم على من قلد زنادقة الفاطميين في بدعة المولد بأنه زنديق .
*** كما أنه لاتلازم بين وقوع الشخص في البدعة ، وكونه ضالا آثما ، فقد ذكر العلماء أن الفاضل قد يفعل البدعة ، ويكون مأجورا على نيته ، وحسن قصده ، معذورا بتأويله ، والبحث ليس في حكم من يفعل المولد ، وإنما في حكم فعله في حد ذاته ، هل هو موافق لقواعد الشرع ، متفق مع نصوصه ، أم بدعة وإحداث في الدين ، وأما الحكم على فاعله ، فهذا قد يكون مأجورا ، وقد يكون مأزورا ، وقد يكون معذورا بجهله ، وقد يكون رجلا صالحا أخطأ في اجتهاده ، وقد يكون زنديقا ، فليس البحث في هذا أصلا.(34/1)
*** كما قال شيخ الإسلام ابن تيميه : ( وكذلك ما يحدثه بعض الناس ، إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام ، وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيما له ، والله قد يثيبهم على المحبة والاجتهاد ، لا على البدع : من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيدا مع اختلاف الناس في مولده ، فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضي له ، وعدم المانع منه ، ولو كان هذا خيرا محضا ، أو راجحا ، لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا ، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيما له منا ) اقتضاء الصراط 295
*** ومن عجائب المعترض أنه زعم أن الإمام ابن كثير أثنى على أحد الملوك لعمله المولد ، ثم جعل ثناء ابن كثير عليه ، مناقضا لقول من قال من العلماء إن أول من أحدث الاحتفال بالمولد النبوي هم الزنادقة الفاطميون العبيديون في المائة الرابعة .
قال المعترض : قال ابن كثير : ("..الملك المظفر أبو سعيد كوكيري، أحد الأجواد والسادات الكبراء والملوك الأمجاد، له آثار حسنة (وانظر إلى قوله آثار حسنة) وكان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالاً هائلاً، وكان مع ذلك شهما ً شجاعاً فاتكاًعاقلاً عالماً عادلاً، رحمه الله وأحسن مثواه.." إلى ان قال "..وكان يصرف في المولد ثلاثمائة ألف دينار" اهـ.
فانظر رحمك الله إلى هذا المدح والثناء عليه من ابن كثير إذ أنه وصفه بأنه
عالم، عادل، شهم ، شجاع، إلى قوله : رحمه الله وأحسن مثواه، ولم يقل: زنديق، فاجر، فاسق، مرتكب الفواحش والموبقات ) انتهى كلام المعترض .
*** والجواب : أن الإمام ابن كثير في كتابه البداية والنهاية ، ينقل التاريخ ، ولايعني نقله لحدث تاريخي ، أنه يقر ما فيه ، وأما ثناؤه على صفات الملك الحميدة ، فلا يتناقض مع كون المولد بدعة ، فالشخص قد يجمع بين الصواب و الخطأ ، والسنة والبدعة .(34/2)
*** وهذا الملك (كوكبري) كانت لديه بدع أخرى أيضا ، كما قال ابن كثير في المصدر نفسه ( ويعمل للصوفية سماعا من الظهر إلى الفجر يرقص بنفسه معهم ) انتهى ، مع ما له أيضا من الخير والإحسان والبر والجهاد .
*** هذا مع أنه قد يمدح بعض الملوك أو السلاطين لاعمال يقومون بها ، هي مذمومة لو فعلها غيرهم ، والبدعة قد يفعلها جهلة الملوك ، بحسن قصد ، فيثابون على قصدهم الحسن ، وإن كان ما فعلوه بدعة يجب النهي عنها .
*** كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : ( فتعظيم المولد واتخاذه موسما قد يفعله بعض الناس ، ويكون له فيه أجر عظيم ، لحسن قصده وتعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما قدمت لك أنه يحسن من بعض الناس ، ما يستقبح من المؤمن المسدد ، ولهذا قيل للإمام أحمد عن بعض الأمراء : إنه أنفق على مصحف ألف دينار ، ونحو ذلك فقال دعه ، فهذا أفضل ما أنفق فيه الذهب ، أو كما قال ، مع أن مذهبه : أن زخرفة المصاحف مكروهة ، وقد تأول بعض الأصحاب أنه انفقها في تجديد الورق والخط ) اقتضاء الصراط ص 297
*** فحتى لو فرض أن الإمام ابن كثير أثنى على الملك الذي احتفل بالمولد ، فلما يتضمنه ذلك من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم ومحبته ، وهذا قليل في الملوك ، فحسن من هذا الوجه الثناء به على ذلك الملك ، وإن كان قد يستقبح من المؤمن المسدد ، مع أن هذا لايعني إقرار الإمام ابن كثير بدعة المولد ، بل ثناؤه كان على حسن قصد الملك ، لا على بدعة المولد .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
***هذا وقد اتفق السلف الصالح على ذم البدع ، والنهي عنها والتحذير منها ، وأما ما ورد عن بعض الصحابة أو العلماء من استحسان بعض البدع ، فالمقصود الإطلاق اللغوي ، وليس المعنى الشرعي .(34/3)
*** وقال ابن رجب ( فكل من أحدث شيئا ونسبه إلى الدين ، ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه ، فهو ضلالة والدين بريء منه ، وسواء في ذلك مسائل الاعتقادات أو الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة ، وأما ما وقع في كلام السلف من استحسان بعض البدع ، فإنما ذلك في البدع اللغوية لا الشرعية ، فمن ذلك قول عمر ـ رضي الله عنه ـ لما جمع الناس في قيام رمضان على إمام واحد في المسجد وخرج ورآهم يصلون كذلك ، فقال : ( نعمت البدعة هذه ) جامع العلوم والحكم ص 252
*** وقال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله : ( كل ما لم يشرع من الدين فهو ضلاله ، وما سمي بدعة ، وثبت حسنه ، بأدلة الشرع فأحد الأمرين فيه لازم ، إما أن يقال ليس ببدعة في الدين ، وإن كان يسمى بدعة من حيث اللغة كما قال نعمت البدعة هذه ) مجموع الفتاوى 10/471 ـ 22/
234
*** وقال الشاطبي في معرض رده على المستحسن للبدع بقول عمر رضي الله عنه ، فقال ( إنما سماها بدعة باعتبار ظاهر الحال من حيث تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واتفق أن لم تقع في زمان أبي بكر رضي الله عنه ، لأنها بدعة في المعنى ) الاعتصام 1/195
*** وكذلك قصد الشافعي عندما قال ( المحدثات من الأمور ضربان : ما أحدث يخالف كتابا أو سنة أو أثرا أو إجماعا ، فهذه البدعة ضلالة ، وما أحدث لا خلاف فيه لواحد من هذا ، فهذه محدثة غير مذمومة ـ قد قال عمر رضي الله عنه في قيام رمضان نعمت البدعة هذه ، يعني إنها محدثة لم تكن ، وإن كانت فليس فيها رد لما مضى ) ابن عساكر في تبيين كذب المفتري ص 97
*** يقصد البدعة في اللغة ، وليس الإحداث في الدين ، ويدل على هذا أن الإمام الشافعي نفسه يقول ( وهذا يدل على أنه ليس لاحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول إلا بالاستدلال إلى أن قال : ولا يقول بما استحسن ، فإن القول بما استحسن شيء يحدثه لا على مثال سبق ) الرسالة 504(34/4)
*** وأما الإمام العز بن عبد السلام رحمه الله ، الذي قسم البدع إلى خمسة أقسام واجبة ومحرمة ومندوبة ومكروهة ومباحة ، فهو إنما نظر إلى العمل من حيث وجه الإحداث فيه ، وكونه أمرا مبتدأ ، سواء كان عبادة أو غيرها ، ولهذا فقد أدخل المصالح المرسلة في هذا التقسيم .
*** وقول النبي صلى الله عليه وسلم ( كل بدعة ضلالة ) قاعدة كلية عامة تستغرق ، جميع جزيئات وأفراد البدع ، لان لفظ كل من الفاظ العموم ، وقد ذكر أهل اللغة أن فائدة لفظ كل هو رفع احتمال التخصيص إذا جاء مضافا إلى نكره ، أو جاء للتأكيد.
*** ولان كل عند أهل اللغة والأصول لاتدخل إلا على ذي جزئيات وأجزاء ، ومدلولها في الموضعين الإحاطة بكل فرد من الجزئيات أو الأجزاء .
***ولأنها إذا أضيفت إلى نكره كما في قوله تعالى : ( كل امرئ بما كسب رهين ) و( كل شيء فعلوه في الزبر ) و( وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ) و( كل نفس ذائقة الموت ) فإنها تدل على العموم المستغرق لسائر الجزئيات وتكون نصا في كل فرد دلت عليه تلك النكرة ، مفردا كان أو تثنية أو جمعا ، ويكون الاستغراق للجزئيات بمعنى أن الحكم ثابت لكل جزء من جزيئات النكرة ، وإذا طبقنا هذا على حديث ( كل بدعة ضلالة ) فإنه يعني أنه لايمكن أن تخرج أي بدعة عن وصف الضلال ، كما لاتخرج أي نفس عن كونها ذائقة الموت ، وكل إنسان عن كونه طائره في عنقه .
ــــــــــــــــــــــــــــ(34/5)
***وأما ما نقله المعترض من أن بعض العلماء قسموا البدع إلى حسنة وسيئة على غير معنى اللغوي بالبدعة ، فلاحجة في قول أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، بل الحجة في كلام الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وكذلك احتجاجه بقول من قال بجواز الاحتفال بالمولد ـ مثل الإمام السيوطي وغيره ـ لاحجة فيه ، بل هو مخالف للأدلة ، وما كان عليه الصحابة ، والقرون المفضلة ، ولا يلزم من ذلك الطعن على من أجازه من العلماء ، ورميهم بالبدعة والضلالة ، كما تقدم إيضاح ذلك.
ـــــــــــــــــــ
***والبدع أقسام :
@ منها بدع اعتقادية : كإنكار القدر وتعطيل الصفات أو تأويلها ، وجعل الإيمان مجرد القول والاعتقاد ونحو ذلك .
@ ومنها بدع قلبيه : كالخوف من صاحب القبر الفلاني ، ورجائه أو الخشية منه ونحو ذلك .
@ ومنها بدع قوليه : كالذكر المبتدع عند الصوفية ودعاء الموتى والاستغاثة بالمقبورين ونحو ذلك .
@ ومنها بدع بدنية : كصلاة الرغائب ، والجثو أو السجود للولي الفلاني ، وقصد المشاهد والمقامات المبتدعة ، وإقامة الموالد ونحو ذلك .
@ ومنها بدع مالية : كإخراج الخمس للإمام عند الرافضة والإسماعيلية والإنفاق على بناء الأضرحة وتشييدها ونحو ذلك .
ــــــــــــــــــــــــــــــ
*** ومن عجائب ما ذكره المعترض ، أنه قرر أن كل ما له أصل في الشرع ، فلا يكون بدعة بحال من الأحوال ، وهذا يعود بالأبطال على قول النبي صلى الله عليه وسلم ( كل بدعة ضلالة ) لان غالب أصحاب البدع إنما يستدلون بما له أصل في الشرع ، ولكنهم ينزلون النصوص غير منازلها ، كما قال تعالى ( يتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ) .
ــــــــــــــــــــــــ(34/6)
*** ومن الأمثلة على هذا ما أحدثته الطرق الصوفية من الأذكار والصلوات التي ما أنزل الله بها من سلطان ، زاعمين أن أصل ذلك موجود في الشرع ، وهو الآيات والأحاديث التي ندبت إلى ذكر الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .
@ فأحدثوا صلاة احمد البدوي : ( اللهم صل على نور الأنوار، وسر الأسرار ، وترياق الاغيار ) أفضل الصلوات ص 84
@ وصلاة الدسوقي : ( اللهم صل على الذات المحمدية ، اللطيفة الاحدية ، شمس سماء الأسرار ، ومظهر الأنوار ، ومركز مدار الجلال ، وقطب فلك الجمال ) المصدر السابق ص 85
@ وصلاة محي الدين بن عربي : ( اللهم أفض صلة صلواتك ، على أول التعينات المفاضة من العماء الرباني ، وآخر التنزلات المضافة إلى النوع الإنساني ، المهاجر من مكة ، كان الله ولم يكن معه شيء ثاني .... ) المصدر السابق 86
@ وصلاة الشاذلي ، وصلاة البكري ، والصلوات الزاهرة ( اللهم صل على الجمال الأنفس ، والنور الأقدس ، والحبيب من حيث الهوية ، والمراد في اللاهوتية .. ) المصدر السابق ص 131
ــــــــــــــــــــــــــــ
*** وهكذا فتحوا الباب لكل بدعة وبلاء ، فابتدعت كل طائفة المحدثات ، وضيعوا سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، بين تلك الأهواء .(34/7)
***وابتدعو لهم طرقا صوفية ، اتخذوا فيها دين الله تعالى هزوا ولعبا ، وصار ذكر الله تعالى ، صياح وزعيق كزعيق المجانين ، مثل الطريقة النقشبدنية التي أحدثت أسرع طريقة ذكر للوصول إلى الجذبة ( أي يجذبه الله تعالى إليه ) وخلاصتها : يدير المريد وجهه إلى اليمين حتى يصبح ذقنه فوق كتفه اليمنى ، ويلفظ كلمة ( لا ) ثم يدير وجهه بسرعة إلى الإمام ويضع ذقنه على صدره ، ويلفظ كلمة إله ، ثم يدير وجهه بسرعة أيضا إلى اليسار ، حتى تكون ذقنه فوق كتفه اليسرى ، ويلفظ كلمة إلا ، ثم يدير وجهه بسرعة دائما ، إلى الإمام ويضع ذقنه فوق صدره ، ويلفظ كلمة الله ، ويعيد الكرة ، ويقولون إن القيام بهذه العملية واحدا وعشرين مرة ، يمكن يوصل إلى الجذبة !!
ـــــــــــــــــــــــــ
***ثم زادوا البدع ، فأحدثوا الذكر مع الرقص ، ولهذا فالصوفية تنقسم إلى قسمين :
@الصوفية الجالسة .
@ والصوفية الراقصة .
***والصوفية الجالسة تنقسم إلى قسمين :
@ الجالسة الصامتة .
@ والجالسة الصائته .
*** فالصامتة يقرؤون أورادهم جلوسا صامتين ، كالنقشبندية والخوفية ، وقد يجهرون بعض الاحيان ، وقد يقفون حسب توجيه الشيخ .
*** والصائته ، يقرؤون أصواتهم جلوسا مع الجهر بالصوت ، كالتيجانية والنعمتللاهية ، وقد يقفون ويرقصون حسب توجيهات الشيخ .
*** وأما الصوفية الراقصة ، وعليها أكثر الطرق ، وكلها صائته ، فهم يبدؤون الحضرة في اكثر الاحيان جلوسا ، ثم ينهضون للقفز والرقص ، وقد يصاحب قفزهم الطبول والزمور والدفوف .
*** وأحدثت كل طريقة من الطرق ، أساليب مبتكرة للرقص والذكر ، وانتشر الأمر عليهم ، وكثرة الطرق وتفرعت ، وتحولت إلى ضلالات وظلمات بعضها فوق بعض.
*** وكل هذا من شؤم البدع ، وما جلبته على المسلمين من الضلال المبين .
ــــــــــــــــــــــــــ(34/8)
*** والمقصود أن المعترض زعم أن الصحابة رضي الله عنهم قد زادوا في الدين أمورا ، مستدلا بذلك على أن الزيادة فيه جائزة ، مما يفتح باب كل بدعة وضلالة ، فيزاد في الدين ، وينقص ، ويبدل بغير ضابط ، سوى ظن المبتدع أن فعله راجع إلى أصل شرعي ، وكفى بهذا الصنيع ضلالا مبينا .
*** وقد احتج بأن الصديق رضي الله عنه جمع المصحف ، بأن عثمان رضي الله عنه ، زاد الأذان الثالث يوم الجمعة ، وأن عمر رضي الله عنه أخر مقام إبراهيم ، وأن عليا رضي الله عنه انشأ صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من عند نفسه ، وأن ابن عمر رضي الله عنهما زاد البسملة في التشهد ، وزاد في التلبية ألفاظا ، وأن ابن مسعود رضي الله عنه زاد بعد (ورحمة الله وبركاته) في التشهد ( السلام علينا من ربنا ) .
*** والجواب :
أما جمع الصديق رضي الله عنه للمصحف ، و زيادة عثمان رضي الله عنه لاذان الجمعة وتأخير عمر رضي الله عنه للمقام ، فإن هذه سنة الخلفاء الراشدين المهديين ، الذين أمرنا بالأخذ بسنتهم ، فالأخذ بسنتهم أخذ بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، فهي مكملة لها ، فرع عليها ، كما قال صلى الله عليه وسلم ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ) رواه أحمد والترمذي وأبو داود من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه .
*** وقد جاء في المدونة ( في قطع شجر الحرم ) كتاب الحج : ( قال مالك : بلغني أن عمر رضي الله عنه لما ولي حج ودخل مكة آخر المقام إلى موضعه ، الذي هو فيه اليوم ، وكان ملتصقا بالبيت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وعهد أبي بكر وقبل ذلك ، وكان قدموه في الجاهلية مخافة أن يذهب به السيل ، فلما ولي عمر أخرج أخيوطه كانت في خزانة الكعبة ، قد كانوا قاسوا بها ما بين موضعه وبين البيت ، إذ قدموه مخافة السيل ، فقاسه عمر ، فأخره إلى موضعه اليوم ، فهذا موضعه الذي كان في الجاهلية وعلى عهد إبراهيم عليه السلام ) انتهى(34/9)
*** فعلى هذه الرواية يكون عمر رضي الله عنه قد رد المقام إلى ما كان عليه في زمن إبراهيم عليه السلام ، وقد ذكر العلماء أنه أخره رضي الله عنه لئلا يطأه الناس بأقدامهم ، ولتوسعة المكان للطائفين .
*** وأما ما ورد عن ابن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما في صيغ التشهد ، فهذا إن صح إسناده ، فهو في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، والعلماء متفقون على أن جواز كل التشهدات التي وردت عن الصحابة ، لأنها كلها ـ إن صح الإسناد ـ محمولة على سماعها من النبي صلى الله عليه وسلم ، لان أفعال الصلاة وأقوالها توفيقية ، وما ورد عن الصحابة رضي الله عنهم في ذلك مع صحة إسناده ، فهو داخل في هذه القاعدة ، وليس هو من الإحداث في الدين .
*** ومعلوم أن الصحابة كانوا أشد الناس حرصا على الائتساء بالنبي صلى الله عليه وسلم في كل أقواله وأفعاله ، فكيف بالصلاة التي هي أعظم أركان الدين ، فكانوا لا يفعلون شيئا فيها إلا اقتداء به صلى الله عليه وسلم .
*** والعجب من استدلال المعترض بأن الصحابة زادوا على صيغ التشهد ، على جواز الزيادة في الدين ، فهل هو يجيز لكل من يشتهي إضافة صيغة تشهد ، أن يضيفها إلى كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، فتصبح أقوال الصلاة نهبا للأهواء ؟! فهذا مخالف لاجماع العلماء ، ويقتضي بطلان فائدة قول النبي صلى الله عليه وسلم ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) رواه البخاري وغيره من حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه .
*** وأما زعمه المعترض أن عليا رضي الله عنه أنشأ صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من عند نفسه ، وعلمها الناس ، فلا يصح ذلك عنه رضي الله عنه ، مع أنه ـ حتى لو صح ـ فإن ما يعلمه الصحابة للتابعين ، في الأمور التي لامدخل للعقل فيها ، هو في حكم الرفع ، أي محمول على سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا أمر متقرر لانزاع فيه .
ــــــــــــــــــــــــــــ(34/10)
*** هذا وقد سبق أن أرسل سائل سؤالا قال فيه : لماذا صار الاحتفال بالمولد بدعة لانه لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، مع أن تنقيط المصحف أيضا لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن بدعة ، أرجو بيان الفرق ؟
*** والجواب :
*** من المعلوم أن السنة في تعريف العلماء هي ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو ترك ، وزاد من زاد من العلماء الصفة الخلقية والخلقيه ، وتفصيل ذلك في كتب الأصول ومصطلح الحديث .
*** وهل الترك من الفعل ، فيه خلاف ، وبعض العلماء يجعل الترك من الفعل ، لان الترك لا يكون سنة إلا إذا كان مقصودا ، وهو الكف عن فعل الشيء ، والكف فعل ، لانه امتناع مع قصد ، ولهذا قيل الأصح أن يقال الكف ، لأنه ترك يتضمن قصدا ، وليس مجرد الغفلة عن فعل الشيء.
*** والكف عن فعل شيء ، لا يتحقق إلا بعد وجود الداعي إلى فعله ، فيكف الإنسان عن فعله ، فيدل على أنه تركه عمدا ، قاصدا لتركه .
*** فإذا كان هذا النوع من التروك من النبي صلى الله عليه وسلم ، كان من سنته ، لان سنته هي فعل ما فعل ، وترك ما تركه قاصدا تركه مع قيام الداعي إلى فعله .
*** لكنه إن كان في أمور العادات ، فلا يستدل بالترك على التحريم ، بل على الإباحة ، أما إن كان في شأن العبادة ، فإن الترك يدل على تحريم الفعل ، لان الأصل في العبادات التوقيف ، فقد دلت النصوص على أن الله تعالى لا يعبد إلا بما شرع ، وسيأتي إيضاح هذه النقطة .
هذا إذا تركه مع وجوده في زمن النبوة ، وتوفر الداعي إلى فعله ، أما إن لم يتوفر الداعي إلى فعله ، أو لم يكن موجودا في زمنه صلى الله عليه وسلم ، فلا يكون مجرد تركه صلى الله عليه وسلم سنة .(34/11)
*** مثل تركه الطواف في الطابق الثاني في الحج ، ومثل تركه مكبرات الصوت للآذان ، فالأول لم يتوفر الداعي إلى فعله ، والثاني لم يكن موجودا في زمنه ، ولهذا لم يكن فعل هذا ، أو ذاك ، بدعة .
ــــــــــــــــــــــ
*** وبهذا يعلم أنه إن كان الفعل الذي تركه صلى الله عليه وسلم ، في شؤون العبادة ، فإن تركه إياه يدل على أنه لم يؤذن له في التعبد لله تعالى به ، وتعبدنا به إذن ، هو البدعة التي قال صلى الله عليه وسلم عنها ( وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ) رواه أحمد وأبو داود والترمذي من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه ، وقال ( من أحدث في امرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها .
ـــــــــــــــــــ
*** فالبدعة هي التعبد لله تعالى بما ليس على هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك يكون ـ أعني وقوع التعبد على غير الهدي النبوي ـ بفعل ما تركه النبي قاصدا تركه ، مع قيام الداعي إلى فعله .
*** أوترك ما فعله صلى الله عليه وسلم قاصدا بفعله التقرب إلى الله تعالى وبيان حدود العبادة .
*** فالقسم الأول هو : فعل ما تركه صلى الله عليه وسلم قاصدا مع قيام الداعي إلى فعله في شؤون العبادة .
***والقسم الثاني : ترك ما فعله صلى الله عليه وسلم تقربا إلى الله تعالى مبينا حدود العبادة .
***ومن الأمثلة على الأول إضافة ألفاظ إلى الأذان ، حتى لو كانت أذكارا مستحبة ، كإضافة التسبيح والتحميد ، أو إضافة ( أشهد أن عليا ولي الله ) أ و ( حي على خير العمل ) كما تفعل الرافضة ، أو إضافة الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم جهرا مع قول المؤذن ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ترك ذلك ، مع وجود الداعي إلى فعله ، ولكنه تركه ، فعلمنا أنه غير متعبد به ، وأن فعله يصدق عليه أنه إحداث في الدين .
***ومن الأمثلة أيضا إحداث أذان لصلاة العيد ، أو لصلاة الكسوف ، ونحو ذلك .(34/12)
***ومن الأمثلة على الثاني أي ترك ما فعله صلى الله عليه وسلم ، إنقاص الأذان بترك بعض ألفاظه .
***وقد يجتمع في البدعة ، فعل وترك ، وذلك في تغيير هيئة العبادة عما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم .
***مثل ترك الخطبة بعد صلاة العيد ، وفعلها قبل صلاة العيد ، كما فعل مروان بن الحكم ، كما روى أبو داود (أخرج مروان المنبر في يوم عيد فبدأ بالخطبة قبل الصلاة فقام رجل فقال يا مروان خالفت السنة أخرجت المنبر في يوم عيد ولم يكن يخرج فيه وبدأت بالخطبة قبل الصلاة فقال أبو سعيد الخدري من هذا قالوا فلان بن فلان فقال أما هذا فقد قضى ما عليه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من رأى منكرا فاستطاع أن يغيره بيده فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) ورواه مسلم ( أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان فقام إليه رجل فقال الصلاة قبل الخطبة فقال قد ترك ما هنالك فقال أبو سعيد أما هذا فقد قضى ما عليه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) وهو في صحيح البخاري بألفاظ أخرى .
***ففي هذه المثال ، فعلت بدعتان ، بدعة ترك ، وبدعة فعل ، بدعة ترك الخطبة بعد صلاة العيد ، وبدعة فعلها قبل صلاة العيد .
***ولهذا قال من قال من العلماء إنه ما من بدعة إلا وتميت سنة ، لأنها تثمر ترك سنة النبي صلى الله عليه وسلم أيضا .(34/13)
***والحاصل أن ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم مع وجود الداعي إلى فعله في زمنه ، في شؤون العبادة ، فإنما تركه لبيان حدود العبادة ، وهو من تمام بيانه الذي ذكره الله تعالى في قوله (وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إلا لتبين لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) ، وحينئذ فلا يجوز فعله ، وهو من معنى الإحداث في الدين .
***أما ما تركه لانه لم يكن ثمة داع إلى فعله ، أو كان من قبيل الوسائل التي لا تقصد بذاتها ، فلا يكون فعله من باب الإحداث في الدين .
***ومثال الأول ترك النبي صلى الله عليه و سلم جمع القرآن مكتوبا في الصحف ، لانه لم يكن ثمة حاجة إليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد كان الحفاظ متوافرين ، والقرآن محفوظ في صدورهم .
***وإنما جاءت الحاجة في زمن الصديق ، كما روى البخاري :(34/14)
***أن زيد بن ثابت رضي الله عنه أرسل إلي أبو بكر ، مقتل أهل اليمامة ، فإذا عمر بن الخطاب عنده ، قال أبو بكر رضي الله عنه ، إن عمر أتاني فقال إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن ، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن ، قلت لعمر كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال عمر هذا والله خير فلم يزل عمر ، يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر ، قال زيد قال أبو بكر إنك رجل شاب عاقل ، لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتتبع القرآن فاجمعه فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن قلت كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال هو والله خير فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري ، لم أجدها مع أحد غيره ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم ) حتى خاتمة براءة فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حياته ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنه .
***وإنما لم يكن جمع القرآن في الصحف بدعة، لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يتركه كفا عن فعله قاصدا التعبد لله تعالى بذلك ، وإنما تركه لانه لم يكن ثمة داع لفعله في زمنه صلى الله عليه وسلم ، فلم يكن فعله بعد النبي صلى الله عليه وسلم بدعة إذن .(34/15)
***قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله : ( البدعة في الدين هي مالم يشرعه الله ورسوله ، وهو مالم يأمر به أمر إيجاب ولا استحباب ، فأما ما أمر به أمر إيجاب أو استحباب وعلم الأمر بالأدلة الشرعية ، فهو من الدين الذي شرعه الله ـ إلى أن قال ـ سواء كان هذا مفعولا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أو لم يكن ) مجموع الفتاوى 4/107ـ 108
***وقال أيضا : ( السنة هي ما قام الدليل الشرعي عليه بأنه طاعة لله ورسوله ، سواء فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فعل على زمانه ، أو لم يفعله ولم يفعل على زمانه ، لعدم المقتضي حينئذ لفعله أو وجود المانع منه ، ...... فما سنه الخلفاء الراشدون ليس بدعة شرعية ينهى عنها ، وإن كان يسمى في اللغة بدعة فكونه ابتدئ ) مجموع الفتاوى 21/317ـ 319
***ومثل هذا تنقيط المصحف ، فإن القرآن كان محفوظا في الصدور في زمن النبوة ، وكان يقرؤه العرب الفصحاء بسليقتهم لا يحتاجون إلى تنقيط ، ولم يكن ثمة داع لتنقيطه ، لانه لم يكن مجموعا في صحف أصلا ، وإنما احتيج إلى تنقيط المصحف بعد ذلك ، عندما انتشرت العجمة ، وقل في الناس حفظ القرآن في الصدور ، ولهذا فإن تنقيطه عند قيام الحاجة إلى ذلك ، لا يكون بدعة .
***وأيضا فإنه وسيلة لتصحيح القراءة ، وباب الوسائل غير توقيفي ، فيجوز استعمال الوسائل التي تحقق مقاصد الشريعة ، حتى لو لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، مثل مكبرات الصوت للآذان والصلاة ، ومثل نقل العلوم الشريعة بوسائل الاتصال الحديثة ، ومثل استعمال لغة الإشارة لتفهيم الصم تعاليم الإسلام ، ونحو ذلك من الوسائل الكثيرة التي لا تحصى ، والتي لا يقصد بها التعبد بذاتها على أنها عبادة ، وإنما تتخذ وسائل فحسب ، وكلما طرأت وسيلة أفضل منها تركت سابقتها ، مما يدل على أنه لا يقصد التعبد بها لذاتها ، فمثل هذا لا يدخل في باب الابتداع في الدين .
ــــــــــــــــــــــــ(34/16)
***وهذا بخلاف الاحتفال بالمولد ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم تركه مع إمكان فعله في زمنه ، ووجود الداعي إلى ذلك ، فلم يكن أحد يحب النبي صلى الله عليه وسلم كما يحب الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم ، ومع ذلك لم يشرع لهم الاحتفال بمولده ، فدل على أنه قصد هذا الترك ، وأن فعله بدعة .
***وقد شرع لهم التعبد لله تعالى بتعظيم عيد الأضحى والفطر ويوم الجمعة ، كما شرع لهم أيضا ترك التعبد بتعظيم يوم الثاني عشر من ربيع الأول ، أو تخصيصه بشيء من العبادات ، فالواجب اتباع هديه في الأمرين ، في الفعل والترك .
***وهذا من تمام الائتساء به ، كما قال تعالى ( ولكم في رسول الله أسوة حسنة ) وقال تعالى ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) .
*** مع أنه تكرر عليه يوم مولده منذ بعثته ، ثلاث وعشرون مرة ، في ثلاث وعشرين سنة ، مدة رسالته صلى الله عليه وسلم ، غير أنه لم يحتفل ولا مرة واحدة بمولده صلى الله عليه وسلم .
***ثم جاء الخلفاء الراشدون ، فتركوا أيضا الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم ، ومضى على هذا الترك القرون المفضلة ، حتى جاء الفاطميون الباطنيون الرافضة فأحدثوا هذه البدعة ، فهم أول من أحدث بدعة الاحتفال بالمولد النبوي ، فكيف تقاس هذه البدعة ، على مسألة تنقيط المصحف ، وما بينهما كما بين المشرقين .
***وكيف ندع ـ ليت شعري ـ هدي النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين ، وصحابته الكرام ، ونستبدله ببدعة أحدثتها أضل فرقة ، فحق للعقلاء إن فعلنا ذلك ، أن يتمثلوا فينا بقول الشاعر :
نزلوا بمكة في قبائل هاشم *** ونزلت بالبيداء أبعد منزل(34/17)
***والخلاصة : أن بدعة الاحتفال بالمولد النبوي ، محدثة على غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وأما تنقيط المصحف فوسيلة لتعليم القراءة الصحيحة ، ولم تفعل في زمنه صلى الله عليه وسلم لعدم الحاجة إليها ، وليس لان النبي صلى الله عليه وسلم قد تركها قاصدا ذلك ، تعبدا لله تعالى بتركها .
***وأخيرا نختم بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ، وقد بين فيه أن دين الإسلام ، قائم على أصلين .
قال :
فَصْلٌ : الْعِبَادَاتُ مَبْنَاهَا عَلَى الشَّرْعِ وَالاتِّبَاعِ لا عَلَى الْهَوَى وَالابْتِدَاعِ
فَإِنَّ الإسلام مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ .
وَالثَّانِي : أَنْ نَعْبُدَهُ بِمَا شَرَعَهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا نَعْبُدَهُ بالأهواء وَالْبِدَعِ .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأمر فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُون ، إنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ...الآية )
وَقَالَ تَعَالَى : { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّه )
. فَلَيْسَ لاحَدِ أَنْ يَعْبُدَ اللَّهَ إلا بما شَرَعَهُ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَاجِبٍ وَمُسْتَحَبٍّ لا يَعْبُدُهُ بالأمور الْمُبْتَدَعَةِ كَمَا ثَبَتَ فِي السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ العرباض بْنِ سَارِيَةَ " قَالَ " التِّرْمِذِيُّ " : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ . وَفِي مُسْلِمٍ " أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ : ) خَيْرُ الْكَلامِ كَلامُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَرُّ الأمور مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ (انتهى كلام شيخ الإسلام .(34/18)
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم(34/19)
الفصل الأول
حقائق عن الأذان
معنى الأذان
ان تحديد معاني الألفاظ والمصطلحات هو أمر ضروري جداً في أي بحث وحوار لما في ذلك من استبعاد الكثير من عوامل الاختلاف التي قد تنجم نتيجة الفهم المتباين لها ومن هنا فقد كان لا بد لنا قبل الخوض في تفصيلات وتفريعات هذا الموضوع ان نحدد المراد من لفظة الأذان وسننطلق في هذا التحديد من قوله تعالى :
{ وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ } (المائدة/58)
والنداء هنا كما فسره العلماء هو ( الأذان ) .
والأذان : لغةً الإعلام . وشرعاً كما قال العلامة الحلي في التذكرة هو :
الإعلام بأوقات الصلاة بألفاظ مخصوصة .
قال الشيخ محمد جواد مغنية :
الأذان في اللغة الإعلام ، وفي الشريعة أذكار مخصوصة تشير إلى دخول وقت الصلاة ، وتعلن عن أهم شعار من شعائر الإسلام والمسلمين ، وبه يُعرفون عن غيرهم فأية طائفة تنسب نفسها إلى الإسلام ولا تعلن من على المآذن نداء لا إله إلا الله، محمد رسول الله ، فهي كاذبة في دعواها .
ثم نقل مغنية عن جماعة من علماء المسلمين قولهم :
إن الأذان على قلة ألفاظه يشتمل على مسائل العقيدة الإسلامية لأنه :
1-بدأ بـ ( الله أكبر ) وهو يتضمن وجود الله وكماله .
2-وثنى بـ ( لا إله إلا الله ) وهو إقرار بالتوحيد ونفي الشرك .
3-ثم ثلث بأن ( محمداً رسول الله ) وهو اعتراف له بالرسالة .
4-ثم بـ ( حي على الصلاة ) وهي دعوة إلى عمود الدين .
5-ثم الدعوة إلى الهداية والفلاح .
6-ثم الحث على الأعمال الخيرة وأكّد ذلك بالتكرار(1).
حكم الأذان والإقامة عند العلماء
لا خلاف بين المسلمين في مشروعية الأذان وانه لا ينبغي لأي أحد ان يتركه إلا ان أنظار العلماء تفاوتت في كونه سنة أو واجباً واليك بعض أقوالهم :
__________
(1) فقه الإمام جعفر الصادق / محمد جواد مغنية ج1 ص173 ](35/1)
1- شيخ الطائفة الطوسي في كتابه النهاية :
إذ قال : { الأذان والإقامة سنتان مؤكدتان في جميع الفرائض من الصلوات الخمس ، لا ينبغي تركها مع الاختيار ، وأشدهما تأكيداً في صلاة الغداة والمغرب 000}
ويقول أيضاً : { ولا يجوز ترك الأذان والإقامة معاً في صلاة الجماعة فمن تركهما فلا جماعة له ، ومن أذّن وأقام ليصلي وحده ثم جاءه قوم وأرادوا أن يصلوا جماعة فعليه إعادة الأذان والإقامة معاً 000}(1)
2- كاظم الطبطبائي اليزدي في العروة الوثقى :
قال : { لا إشكال تأكد رجحانهما في الفرائض اليومية ، أداء ، وقضاء ، جماعة وفرادى ، حضراً وسفراً ، للرجال والنساء ، وذهب بعض العلماء إلى وجوبهما ، وخصه بعضهم بصلاة المغرب والصبح وبعضهم بصلاة الجماعة وجعلهما شرطاً في صحتها ، وبعضهم جعلهما شرطاً في حصول ثواب الجماعة ، والأقوى استحباب الأذان مطلقاً والأحوط عدم ترك الإقامة للرجال في غير موارد السقوط وغير حال الاستعجال والسفر وضيق الوقت }(2)
3- السيد عبد الأعلى السبزواري في كتابه منهاج الصالحين :
قال : { يستحب الأذان والإقامة استحبابا مؤكداً في الفرائض اليومية أداءً ، وقضاءً ، حضراً ، وسفراً ، في الصحة والمرض ، للجامع والمنفرد رجلاً كان أم امرأة ، ويتأكدان في الأدائية منها ، وخصوصاً المغرب والغداة ، وأشدهما تأكد الإقامة خصوصاً للرجال … } (3)
فضل الأذان والمؤذنين
بعد أن تبين لنا حكم الأذان بصورة موجزة بقي علينا أن نبين فضل الأذان والمؤذنين من خلال روايات أهل البيت - عليه السلام - وإليك بعض هذه الروايات :
__________
(1) النهاية في مجرد الفقه والفتاوى / الطوسي ص 64 ]
(2) العروة الوثقى/ كاظم اليزدي - بتعليقة أربعة من العلماء ج1 ص457 ]
(3) منهاج الصالحين / عبد الأعلى السبزواري ج1 ص135 ](35/2)
1- عن أبي عبد الله - عليه السلام - قال : إذا قمت إلى صلاة فريضة فأذِّن وأقم ، وافصل بين الأذان والإقامة بقعود أو بكلام أو بتسبيح(1).
2- عن محمد بن مسلم قال : قال لي أبو عبد الله - عليه السلام - إنك إذا أذَّنت وأقمت صلى خلفك صفان من الملائكة ، وإن أقمت إقامة بغير أذان صلى خلفك صف واحد.(2)
3- عن محمد بن مروان قال سمعت أبا عبد الله - عليه السلام - يقول : المؤذن يغفر له مد صوته ويشهد له كل شيء سمعه(3).
4- عن أبي عبد الله - عليه السلام - قال : كان طول حائط مسجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قامة ، فكان يقول لبلال إذا دخل الوقت يابلال أعل فوق الجدار وارفع صوتك بالأذان فإن الله قد وكَّل بالأذان ريحاً ترفعه إلى السماء وان الملائكة إذا سمعوا الأذان من أهل الأرض قالوا هذه أصوات أمة محمد- صلى الله عليه وسلم - بتوحيد الله - عز وجل - ويستغفرون لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - حتى يفرغوا من تلك الصلاة(4).
5- عن أبي عبد الله - عليه السلام - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من أذّن في مصر من أمصار المسلمين سنة وجبت له الجنة (5).
6- عن أبي عبد الله - عليه السلام - قال : ثلاث في الجنة على المسك الأذفر : مؤذن أذَّن احتسابا ، وإمام أمَّ قوماً وهم به راضون ، ومملوك يطيع الله ويطيع مواليه.
الفصل الثاني
خلو الأذان من الشهادة الثالثة
عند الأئمة والعلماء
__________
(1) فقيه من لا يحضره الفقيه / الصدوق ج1 ص185 ] [ تهذيب الأحكام / الطوسي ج2 ص49 ]
(2) الفقيه / ج1 ص92 ] [ تهذيب الأحكام / ج2 ص52 ]
(3) تهذيب الأحكام / ج2 ص52 ] [ الكافي / ج1 ص307 ]
(4) تهذيب الأحكام / ج2 ص58 ] [ فروع الكافي / ج3 ص307 ] [ وسائل الشيعة / ج2ص616]
(5) تهذيب الأحكام / ج2 ص53 ] [ الفقيه / ج1 ص92 ] [ ثواب الأعمال / ص18 ](35/3)
ان الأمر الخطير والمهم في بحثنا هذا هو أنك سوف تتطلع على أمور ربما كنت تعد صحتها وثبوتها من المسلمات التي لا يختلف فيها اثنان لكنك وبمجرد تصفحك لهذا البحث ستجد ان كثيرا من تلك المسلمات قد بنيت على شفا جرف هار وقاعدة رخوة سرعان ما يسقط ما بني عليها ، ومن تلك المسلمات الشهادة الثالثة في الأذان ( أشهد ان عليا ولي الله ) هذه اللفظة التي ألف سماعها الكبير ونشأ عليها الصغير .
فتعال معي عزيزي القارئ بعد أن تترك الهوى خلفك لنقوم بجولة استقرائية لمرويات أهل البيت وأقوال علماء الشيعة الواردة بصدد بيان ألفاظ الأذان لأقف بك عند حقيقة طالما غيبت عنك ألا وهي (( أن لا وجود للشهادة الثالثة في الأذان الوارد عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأهل بيته - عليه السلام - )) وإليك بعض تلك الروايات .
روايات الأئمة لا تذكر الشهادة الثالثة
الرواية الأولى :
الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن عبد الله بن سنان قال : سألت أبا عبد الله - عليه السلام - عن الأذان فقال : تقول الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله الله ، أشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله ، حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على الفلاح ، حي على خير العمل ، حي على خير العمل ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، لا إله إلا الله (1).
الرواية الثانية :
محمد بن علي بن محبوب ، عن علي بن السندي ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن زرارة والفضيل بن يسار ، عن أبي جعفر- عليه السلام - قال : لما أسري برسول الله صلى الله عليه وآله … وصف الملائكة والنبيون خلف رسول الله صلى الله عليه وآله قال :
__________
(1) الاستبصار / ج1 ص305 ] [ التهذيب / ج1 ص150 ](35/4)
فقلنا له كيف إذن ، فقال الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله ، أشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله ، حي علي الصلاة ، حي الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على الفلاح ، حي على خير العمل ، حي على خير العمل ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، لا إله إلا الله ، والإقامة مثلها إلا أن فيها قد قامت الصلاة بين حي على خير العمل ، حي على خير العمل وبين الله أكبر ، الله أكبر فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وآله بلالاً فلم يزل يؤذن بها حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وآله(1).
الرواية الثالثة :
عن أحمد بن محمد ، عن الحسين عن فضالة ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي بكر الحضرمي ، عن أبي عبد الله - عليه السلام - وكليب الأسدي عن أبي عبد الله - عليه السلام - أنه حكى لهما ( الأذان والإقامة ) فقال : الله أكبر ، الله أكبر، الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله ، أشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله ، حي على الصلاة ، حي على الصلاة، حي على الفلاح ، حي على الفلاح ، حي على خير العمل ، حي على خير العمل ، الله أكبر، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، والإقامة كذلك(2).
الرواية الرابعة :
__________
(1) الاستبصار / ج1 ص305 ] [ التهذيب / ج1 ص151 ] [ وسائل الشيعة /ج4 ص644 ]
(2) الاستبصار / ج1 ص358 ] [ وسائل الشيعة / ج4 ص644 ](35/5)
الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن حماد بن عثمان ، عن إسحاق بن عمار ، عن المعلى ابن خنيس قال : سمعت أبا عبد الله - عليه السلام - يؤذن فقال : الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله ، أشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله ، حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح حي على الفلاح، حي على خير العمل ، حي على خير العمل ( حتى فرغ من الأذان وقال في آخره ) الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله(1) .
الرواية الخامسة :
عن النضر، عن عبد الله بن سنان قال : سألت أبا عبد الله - عليه السلام - عن الأذان فقال :
تقول الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمداً رسول الله ، أشهد أن محمداً رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الصلاة، حي على الفلاح ، حي على الفلاح ، حي على خير العمل ، حي على خير العمل ، الله أكبر ، الله أكبر، لا إله إلا الله ، لا إله إلا الله.(2)
الرواية السادسة :
عن فضالة ، عن حماد بن عثمان ، عن إسحاق بن عمار ، عن المعلى بن خنيس قال: سمعت أبا عبد الله - عليه السلام - يؤذن فقال : الله أكبر الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمداً رسول الله ، أشهد أن محمداً رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على الفلاح ، حي على خير العمل ، حي على خير العمل ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، لا إله إلا الله .
__________
(1) الاستبصار / ج1 ص306 ][ التهذيب / ج1 ص151 ][ وسائل الشيعة / ج4 ص643 ]
(2) وسائل الشيعة / ج4 ص 643 ](35/6)
وبالإسناد مثله إلا أنه ترك حي على خير العمل وقال مكانه حتى فرغ من الأذان وقال في آخره الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، لا إله إلا الله(1) .
الرواية السابعة :
ورد في فقه الرضا عنه - عليه السلام - قال :
اعلم رحمك الله أن الأذان ثمانية عشر كلمة ، والإقامة سبعة عشر كلمة قال : والأذان أن يقول الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ،أشهد أن محمداً رسول الله ، أشهد أن محمداً رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على الفلاح ، حي على خير العمل ، حي على خير العمل ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، لا إله إلا الله مرتين في آخر الأذان وفي آخر الإقامة مرة واحدة إلى أن قال والإقامة أن تقول الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمداً رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على الفلاح ، حي على خير العمل ، حي على خير العمل ، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله مرة واحدة (2) .
الرواية الثامنة :
__________
(1) وسائل الشيعة / ج4 ص642 ]
(2) فقه الرضا / ج2 ص11 ] [ مستدرك الوسائل / ج4 ص641 ](35/7)
وورد في ( معاني الأخبار وكتاب التوحيد ) عن أحمد بن محمد الحاكم المقري عن محمد بن جعفر الجرحاني ، عن محمد بن الحسن الموصلين ، عن محمد بن عاصم الطريفي ، عن عياش بن زيد ، عن أبيه يزيد بن الحسن ، عن موسى بن جعفر ، عن آبائه عن علي - عليه السلام - في حديث تفسير الأذان أنه قال فيه : الله أكبر ، الله أكبر ، أكبر، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح، حي على الفلاح ، الله اكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، لا إله إلا الله ، وقد ذكر في الإقامة : قد قامت الصلاة .
قال الصدوق ، إنما ترك الراوي حي على خير العمل للتقية(1) .
وقد جمع الحر العاملي في وسائله في باب كيفية الأذان والإقامة وعدد فصولهما ، ما ورد عن الأئمة من أحاديث في كتب الشيعة المختلفة فبلغت (25) حديثاً تخلو جميعها من ذكر الشهادة الثالثة ( اشهد أن علياً ولي الله ) .
فهذه أذن الروايات التي وردت عن الأئمة من كتب الشيعة المعتمدة فهل تجد فيها ذكراً للشهادة الثالثة وأنا أدعوك أيها القارئ الكريم لتعيد النظر فيها كرَّة بعد أخرى فإنك يقيناً لن تجد في كل كتب الشيعة حديثاً واحداً - ولو كان موضوعاً أو مكذوباً - فيه ذكر للشهادة الثالثة ، فالرجاء من كل شيعي يرى غير رأينا ويعتقد بخلاف ما ذهبنا إليه أن يدلنا على حديث واحد فقط فيه ذكر للشهادة الثالثة ، واني على يقين انه لو قام بالبحث والتنقيب فانه لن يجد ذلك حتى في أضعف كتبهم .
وسنعزز صحة هذه الحقيقة الخطيرة بأقوال علماء الشيعة التي اتفقت مع روايات الأئمة على خلو الأذان من الشهادة الثالثة .
إجماع فقهاء الإمامية على أن الشهادة الثالثة ليست جزءاً من الأذان والإقامة
__________
(1) وسائل الشيعة / الحر العاملي ج4 ص648 ](35/8)
قبل أن نورد أقوال العلماء في عدم ورود الشهادة الثالثة في الأذان احب هنا أن أذكر كلمة لفضيلة السيد محمد العاملي الكاظمي عضو ديوان النشر والترجمة والتأليف التابع لجامعة مدينة العلم للإمام الخالصي الكبير والتي ذكرها في كتاب الاعتصام بحبل الله مضافاً إليها كلمة مدير ديوان جامعة مدينة العلم الواردة في الكتاب نفسه(1) أجعلها كالمقدمة لهذا المبحث لا سيما وأنها تحتوي على ضوابط تحدد لنا مفهومي السنة والبدعة وأثر البدعة السيء في الدين ، فلك عزيزي القارئ مجمل ما كتبا :
إن كل شيء لم يسنه الرسول - صلى الله عليه وسلم - من العبادات فإحداثه بعده بدعة ، ففي حديث عن أمير المؤمنين علي - عليه السلام - :
أنه جاءه رجل وسأله عن السنة والبدعة والجماعة والفرقة فقال :
السنة ما سنَّه رسول الله والبدعة ما أحدث بعده ، والجماعة أهل الحق وإن كانوا قليلاً والفرقة أهل الباطل وإن كانوا كثيراً .
وعليه فالبدعة ما كان على خلاف سنة الرسول بأي نحو من أنحاء المخالفة وكلها محرمة.
وفي حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
كل بدعة ضلالة وكل ضلالة سبيلها إلى النار(2).
وتتبع كل ما حُكم بكونه بدعة سنجده على خلاف السنة كتقديم خطبتي العيد على صلاتها ….. .
ان أي تغيير في العبادة بما جاء به الرسول الأعظم - صلى الله عليه وسلم - يعد بدعة وحراماً.
__________
(1) ان جميع ما سطر من كلام ورد شبهات في كتابي هذا على لسان السيد محمد العاملي الكاظمي ، جاء نتيجة طلب من الشيعة لبيان حكم الشهادة الثالثة بعد اشتهار فتوى آية الله محمد مهدي الخالصي في الشهادة الثالثة وعدها من البدع .
(2) الفصول المهمة في اصول الأئمة / الحر العاملي ص 203 – المؤلف ](35/9)
ففي الأذان مثلا إذا قدمت الشهادة في التوحيد على التكبير أو زيد التكبير أو نقص منه كان بدعة ولا يستلزم عدم التغيير إنكار ما غير فتقديم ( أشهد أن لا إله إلا الله ) على قول ( الله أكبر ) حرام وان قول ( أشهد أن لا إله إلا الله ) ثلاث مرات مع أنه حرام لا يلزم منه إنكار التوحيد .
ومن ذلك حرمة قول ( أشهد أن علياً ولي الله ) في الأذان فهو حرام لعدم وروده عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا أحد من أهل بيته - عليه السلام - .
وهو كما لو أضاف المؤذن أثناء الأذان سبحان الله ، أو لا حول ولا قوة ألا بالله مع شرعيتها خارج الأذان .
ولا يلزم من ذلك إنكار ولاية علي - عليه السلام - لأن ما لا يذكر في الأذان من وجوب الصلاة ، والصوم ، والإقرار بالميعاد ، وغير ذلك لا يستلزم إنكار الصلاة والصوم والميعاد ، بل الأذان محدود بحدود حددها الرسول - صلى الله عليه وسلم - كما جاء به الوحي من رب العالمين ، ولا يجوز تعدي تلك الحدود حتى ولو كانت بكلمة حق ، لأن الفرائض والسنن جاءت محدودة عن الله تعالى وقام رسوله الكريم - صلى الله عليه وسلم - بتنفيذها وتطبيقها وأمر أمته أن يعملوا بها ويسيروا على هداها ، ويسمعوا ويطيعوا.
فليس لأحد من علماء الدين وبقية المسلمين أن يزيدوا أو ينقصوا شيئاً من هذه الفرائض والأحكام ، لأنهم جميعهم مكلفون بالتنفيذ والتطبيق وأن التشريع من الله تعالى، وعلى الرسول التبليغ فالأحكام التي بلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - بها أمته هي أحكام إلهية جاءت نصوصها في القرآن الكريم والسنة النبوية ولا يمكن تفسيرها أو تأويلها حسب الأهواء والرغبات .
ولا يجوز تحويرها وتحريفها في سبيل العنعنات والنزعات .
وليست هي قصائد شعرية ليجري عليها التشطير والتخميس .
وليست أحكام الإسلام وعلومه وفرائضه كالمستحضرات الطبية يضيف الطبيب اللاحق على ما استحضره الطبيب السابق .(35/10)
أو يرفع قسماً منها لغرض التقوية أو التخفيف من مفعولها .
أو إصلاح تلك المستحضرات حسبما يرتئيه هو .
ولا كالمخترعات الصناعية فيأتي المهندس اللاحق فيضيف إلى ما اخترعه المهندس السابق ويزيد وينقص حتى يوصل المخترع إلى درجة الكمال .
بل ان أحكام الشريعة الإسلامية جاءت محدودة بحدود لا يمكن أن يتعداها أحد، وأقيمت على قواعد لا يجوز تحويل قاعدة منها ولا إضافة قاعدة إليها ، ولنضرب على ذلك مثلا: فالأذان ، جاءت صيغته بعبارات محدودة معينة ، كبقية الأعمال والأحكام في العبادة ، فما زيد أو نقص منه كان بدعة وتشريعاً في الدين .
فالتشريع لا يجوز لغير النبي - صلى الله عليه وسلم - والنبي - صلى الله عليه وسلم - لا يأتي بتشريع إلا بوحي من رب العالمين كما قال الله تعالى : { إن هو إلا وحي يوحى } (النجم /4)
ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعين من بعده مشرعاً ، بل قال لا نبي بعدي .
حلال محمد حلال إلى يوم القيامة ، وحرام محمد حرام إلى يوم القيامة لأنه جاء بشريعة هي خاتمة الشرائع .
وكمل الله له الدين وأتم عليه نعمته فقال تعالى :
{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً } (المائدة/3) . فالزيادة والنقصان في الأذان وغيره يعدان تشريعاً ، وما لم يشرع فهو بدعة… .انتهى(1) .
وقد أجمع فقهاء الشيعة الإمامية ، على أن كل زيادة أو نقصان في الأذان والإقامة (هو أمر مبتدع ) يؤدي إلى بطلانهما ويأثم من اعتقد جزئية تلك الزيادة واعتبرها فصلا فيهما ومن هذا المنطلق أجمع الفقهاء على أن الشهادة الثالثة ليست جزءاً من الأذان والإقامة .
__________
(1) الاعتصام بحبل الله / منشورات ديوان النشر والترجمة والتأليف التابع لجامعة مدينة العلم للإمام الخالصي الكبير في الكاظمية ص 17 – إصدار سنة 1955م - بتصرف ](35/11)
وهنا أهيب بالقارئ الكريم ان يراجع الكتب الفقهية سواء الاستدلالية منها أو الرسائل العملية ، فانه لا محالة سيجد أن كل من ذكر فصول الأذان والإقامة فانه لم يذكر فيهما الشهادة الثالثة بل وتجده قد صرح بعدم جزئيتهما فيهما وهذه جملة من الكتب القديمة والحديثة كمثال على هذه الحقيقة .
أقوال فقهاء الأمامية
1 -شيخ الطائفة الطوسي :
قال : فأما ما روي من شواذ الأخبار من قول أن علياً ولي الله وآل محمد خير البرية فمما لا يجوز عليه في الأذان والإقامة فمن عمل به كان مخطئاً (1) .
وقال في المبسوط:
فأما قول اشهد ان علياً أمير المؤمنين وال محمد خير البرية على ما ورد في شواذ الأخبار فليس بمعمول عليه في الأذان ولو فعله الإنسان لم يأثم به ، غير انه ليس من فضيلة الأذان ولا كمال فصوله(2).
2 -الشهيدان الأول والثاني :
جاء في اللمعة الدمشقية وشرحها للشهيدين الأول والثاني(3) ما نصه:
لا يجوز اعتقاد شرعية غير هذه الفصول في الأذان والإقامة ، كالشهادة بالولاية لعلي - عليه السلام - وأن محمداً وآله خير البرية أو خير البشر وإن كان الواقع كذلك فما كل واقع حقا يجوز إدخاله في العبادات الموظفة شرعا المحدودة من الله تعالى فيكون إدخال ذلك فيها بدعة وتشريعا ، كما لو زاد في الصلاة ركعة أو تشهداً ونحو ذلك من العبادات وبالجملة فذلك من أحكام الأيمان لا من فصول الأذان ,
ويقول الشهيد الأول :
__________
(1) النهاية في مجرد الفقه والفتاوى / الطوسي ص69 ]
(2) المبسوط / الطوسي ج1 ص99 ]
(3) الأول : [ محمد بن جمال الدين مكي العاملي ] ، الثاني : [ زين الدين العاملي ] وهما من كبار علماء الشيعة الأمامية في جبل عامل جنوب لبنان في القرنين السابع والعاشر الهجريين .(35/12)
قال الصدوق ان ذلك من وضع المفوضة وهم طائفة من الغلاة (1).
3-المقدس الأردبيلي :
قال الاردبيلي ناقلاً كلام الصدوق :
وقال مصنف هذا الكتاب (رض) هذا هو الأذان الصحيح لا يزاد ولا ينقص منه ، والمفوضة لعنهم الله قد وضعوا أخباراً وزادوا في الأذان محمد وآل محمد خير البرية مرتين ، وفي بعض رواياتهم بعد أشهد أن محمدا رسول الله وأشهد أن علياً أمير المؤمنين حقاً مرتين.
ولا شك في أن عليا ولي الله وأنه أمير المؤمنين حقاً ، وأن محمداً وآله صلوات الله عليهم خير البرية ، ولكن ليس ذلك في أصل الأذان وإنما ذكرت ليعرف بهذه الزيادة المتهمون بالتفويض والمدلسون أنفسهم في جملتنا . ثم علق المقدس الأردبيلي على ذلك قائلاً :
فينبغي اتباعه لأنه الحق ولهذا يشنع على الثاني(2) بالتغيير في الأذان الذي كان في زمانه صلى الله عليه وسلم ، فلا ينبغي ارتكاب مثله مع التشنيع عليه (3)
4-محمد محسن الفيض الكاشاني :
وهو صاحب كتاب الوافي الذي يعتبر من الكتب المعتمدة عند الشيعة الأمامية ، وصاحب تفسير الصافي إذ قال :
__________
(1) مرجعية المرحلة وغبار التغيير / الشيخ جعفر الشاخوري ص 180 ] [ الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية / الشهيد الأول ج1ص573 باب الأذان والإقامة ]
(2) يقصد بالثاني عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حيث يزعم الشيعة أنه أضاف إلى الأذان الصلاة خير من النوم ]
(3) مرجعية المرحلة وغبار التغيير / الشاخوري ص 180 ] [ مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان / المولى أحمد الأردبيلي ج2 ص181 ](35/13)
في كتابه مفاتيح الشرائع في معرض تعداد ما يكره في الأذان والإقامة وكذا غير ذلك من الكلام ( يقصد أن علياً ولي الله ) وان كان حقا بل كان من أحكام الإيمان لأن ذلك مخالف للسنة فإن اعتقد شرعا فهو حرام(1) .
5-الشهيد الثاني :
فقد ذكر في كتابه مسالك الإفهام ، الذي هو شرح لكتاب شرائع الإسلام للمحقق الحلي ، بعد أن ذكر فصول الأذان والإقامة ولم يتعرض للشهادة الثالثة قال في جملة أحكامها معلقاً على حكم المحقق الحلي بكراهية قول التثويب في الأذان قال - أي الشهيد - :
بل الأصح التحريم لأن الأذان والإقامة سنتان متلقيات من الشرع كسائر العبادات والزيادة فيهما تشريع محرم كما يحرم زيادة ( محمد وآله خير البرية ) وإن كانوا عليهم السلام خير البرية ومنه يفهم حكم الشهادة الثالثة فإنها محرمة لأنها لم ترد في السنة (2).
6-الشيخ محمد جواد مغنية :
قال في كتابه فقه الإمام الصادق عرض واستدلال :
ثبت بالإجماع أن الإمام الصادق كان يؤذن هكذا 000 الله أكبر ، الله أكبر … أشهد أن لا إله إلا الله … أشهد أن محمداً رسول الله … حي على الصلاة … حي على الفلاح… حي على خير العمل… الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله .
ثم ذكر الأذان دون ذكر الشهادة الثالثة .
إلى أن قال :
واتفقوا جميعاً - أي علماء الأمامية - على أن قول أشهد أن علياً ولي الله ليس من فصول الأذان وأجزائه ، وأن من أتى به بنية أنه من الأذان فقد أبدع في الدين وأدخل فيه ما هو خارج عنه.
وقال أيضاً :
ومن أحب أن يطلع على أقوال كبار العلماء وإنكارهم ذلك فعليه بالجزء الرابع من مستمسك الحكيم ( فصل الأذان والإقامة ) فإنه نقل منها طرفاً غير يسير .
__________
(1) مرجعية المرحلة وغبار التغيير / الشيخ جعفر الشاخوري ص 181 ] [ مفاتيح الشرائع / المولى محمد محسن الفيض الكاشاني ج1 ص 118 ]
(2) الاعتصام بحبل الله / ص 48 ](35/14)
ثم قال : ونكتفي نحن بما جاء في اللمعة الدمشقية وشرحها للشهيدين ، وهذا هو بنصه الحرفي :
لا يجوز اعتقاد شرعية غير هذه الفصول في الأذان والإقامة ، كالشهادة بالولاية لعلي - عليه السلام - وأن محمداً وآله خير البرية أو خير البشر وإن كان الواقع كذلك فما كل واقع حقا يجوز إدخاله في العبادات الموظفة شرعا المحدودة من الله تعالى فيكون إدخال ذلك فيها بدعة وتشريعا ، كما لو زاد في الصلاة ركعة أو تشهداً ونحو ذلك من العبادات وبالجملة فذلك من أحكام الأيمان لا من فصول الأذان ، قال الصدوق : ان ذلك من وضع المفوضة ، وهم طائفة من الغلاة (1).
7-السيد البروجردي :
قال في كتابه المسائل الفقهية بعد أن عدد فصول الأذان من غير ذكر للشهادة الثالثة ما نصه:
والشهادة بالولاية لعلي - عليه السلام - ليست جزءاً من الأذان ، ولكن لا بأس بالإتيان بها بقصد الرجحان في نفسها أو بعد الشهادة بالرسالة كأمر مستقل عن الأذان ، ويحرم الإتيان بها بقصد الجزئية من الأذان ، وكذا يحرم الأذان كله ويبطل لو قصد منها ومن باقي أجزاء الأذان أن الكل أذان أي قصد المجموع بما هو سواء كان القصد من أول الأذان أو في أثنائه(2)
8-محمد حسين فضل الله :
يقول عن الشهادة الثالثة في الأذان :
إن الفقهاء أجمعوا على أنها ليست جزءاً من الأذان والإقامة ، واعتقاد جزئيتها تشريع محرم ، وقد ذهب بعضهم إلى استحبابها في الأذان والإقامة ولكن لم يثبت عندي استحبابها غير أن قولها فيهما لا يوجب بطلانهما .
__________
(1) ففه الإمام الصادق / محمد جواد مغنية ج1 ص175 ]
(2) الاعتصام بحبل الله / ص49] [ المسائل الفقهية / البروجردي ج1 ص385 ](35/15)
وإن كان الأحوط تركها في الإقامة لاحتمال كون الإقامة جزءاً من الصلاة مما يفرض أن يكون فيها كلام خارج عن الصلاة ، كما أنني لا أجد مصلحة شرعية في إدخال أي عنصر جديد في الصلاة في مقدماتها وأفعالها ، لأن ذلك قد يؤدي إلى مفاسد كثيرة ونحن نتفق مع الشهيد الثاني في قوله في معرض الرفض لإدخال الشهادة بالولاية لعلي- عليه السلام - في الأذان ، ( إن الشهادة لعلي بالولاية من حقائق الإيمان لا من فصول الأذان ) انتهى قول محمد حسين فضل الله (1).
عبر آية الله مرتضى العاملي عن رأي محمد حسين فضل الله بالشهادة الثالثة فقال :
انه يعتبر ان في قول اشهد ان علياً ولي الله في الإقامة مفاسد كثيرة ، حيث يقول وهو يتحدث عنها :
لا أجد مصلحة شرعية في إدخال أي عنصر جديد في الصلاة ، في مقدماتها وأفعالها، لان ذلك قد يؤدي إلى مفاسد كثيرة(2).
9-الشيخ محمد مهدي الخالصي :
نقل الشيخ همام الدباغ في كتابه الإمام المجاهد محمد مهدي الخالصي في الشهادة الثالثة بأنه :
كان يرى أن البدعة تبقى والاثم يقع سواء نوى صاحب الزيادة الجزئية أم لم ينو ، وأن النية هنا لا تغير من الموضوع شيئا ، كمن يصلي نافلة الصبح ثلاث ركعات مع النية بأن الركعة الثالثة ليست جزءاً من تلك الصلاة ، علماً بأن الصلاة والإقامة عبادة والعبادات في الإسلام توقيفية لا يجوز تعديها بزيادة أو نقصان .
لهذا كان يتوقف وينهى عن إضافة أي فصل أو ذكر أي جزء لم يرد به النص وأنه لا فرق في كون هذه الزيادة من الأمور الإعتقادية كالشهادة بالولاية لعلي أو غيرها لأن الأذان حكم شرعي لذاته .
__________
(1) المسائل الفقهية / محمد حسين فضل الله ج2 ص123 ]
(2) لماذا كتاب مأساة الزهراء / آية الله السيد جعفر مرتضى العاملي ص 76 ](35/16)
ولقد اشتبه على بعض العوام ، أو شبه عليهم ، بأن عدم ذكر شيء في الأذان يعني إنكاره أو رفض الاعتقاد به وإلا فإن كل مسلم يعتقد بالمعاد ، والحساب ، والعقاب ، والثواب ، والجنة ، والنار ، وغيرها من العقائد فعدم ذكرها في الأذان والإقامة لا يعني أبداً إنكارها أو عدم الاعتقاد بها ، وكذلك كل مؤمن يعتقد بولاية الإمام علي - عليه السلام - ويشهد له بذلك وعدم الإتيان بتلك الشهادة فيهما لا يعني إنكار الولاية لعلي والواجب اتباع النص ولما لم يرد على الإتيان بهذه الشهادة نص في الأذان فلا يجوز الإتيان بها وإن كانت حقاً وعقيدة (1)
ومما نقل عن محمد مهدي الخالصي وأبيه الإمام الخالصي الكبير :
ان علماء الشيعة الإمامية مجمعون من زمان أئمتهم المعصومين في أخبارهم المتواترة إلى هذا الزمان على تجريد الأذان من كلمة اشهد ان علياً ولي الله ولم يخالف فيه أحد ، ولم يتفرد به سماحة الإمام الخالصي وان الذين زادوا هذه الكلمة هم الغلاة والمفوضة لعنهم الله وان الإمام الخالصي كان يصرح بذلك في أيام شبابه حتى انه أذن يوماً في قبيلة ( آل أبو دراج ) .
وكان الإمام الخالصي الكبير الشيخ محمد مهدي الخالصي قدس سره يؤم الناس ، وذلك في أخريات الدولة العثمانية ، فاعترض رجل يظهر انه من شيخية البصرة فطرد ، ولما سأل القائد العام نوري الدين بك سماحة الإمام الخالصي أوضح له ان هذه الزيادة من بدع الغلاة وان علماء الإمامية مجمعون على ان جعلها جزءاً من الأذان حرام .
ولما كان سماحة الإمام الخالصي في إيران رفعها من الأذان ، ولما ورد سماحة الإمام الخالصي إلى العراق من إيران منعها في أول أذان أقيم له(2) .
__________
(1) كتاب الإمام المجاهد محمد الخالصي / تأليف الشيخ همام الدباغ ص 95 ]
(2) الاعتصام بحبل الله / منشورات ديوان النشر والترجمة والتأليف التابع لجامعة مدينة العلم للإمام الخالصي الكبير في الكاظمية ص 17 ](35/17)
10- الشيخ جعفر آل كاشف الغطاء :
نقل الشيخ محمد العاملي الكاظمي قول الشيخ جعفر آل كاشف الغطاء في كتابه كشف الغطاء وهو من أكابر العلماء واليه تنتمي الأسرة الحاضرة المعروفة بآل كاشف الغطاء ، حيث قال في كتابه هذا عند ذكر الأذان ما نصه :
وليس من الأذان قول أشهد أن علياً ولي الله أو أن محمداً وآله خير البرية مرتين مرتين وأن علياً أمير المؤمنين حقا لأنه من وضع المفوضة لعنهم الله على ما قاله الصدوق :
إنما روي منه أن علياً ولي الله وأن محمداً وآله خير البشر أو البرية من شواذ الأخبار لا يعمل عليه .
وما في المبسوط من أن قول أشهد أن علياً أمير المؤمنين وآل محمد خير البرية من الشاذ لا يعول عليه .
وما في المنتهى ما روي من أن قول أن علياً ولي الله وآل محمد خير البرية من الأذان من الشاذ لا يعول عليه.
ثم ان خروجه من الأذان من المقطوع به بإجماع الأمامية من غير نكير حتى لم يذكره ذاكر بكتاب ولا قال به أحد من قدماء الأصحاب ولأنه وضع لشعائر الإسلام دون الإيمان ولذا ترك فيه ذكر باقي الأئمة - عليه السلام -.
ولان أمير المؤمنين - عليه السلام - حين نزوله كان رعية للنبي فلا يذكر على المنابر ، ولأن ثبوت الوجوب للصلاة المأمور بها موقوف على التوحيد والنبوة فقط على انه لو كان ظاهرا في مبدأ الإسلام لكان في مبدأ النبوة من الفترة ما كان في الختام.
ومن حاول جعله من شعائر الإيمان ، فما لزم به لذلك يلزمه ذكر الأئمة عليهم السلام وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - مكرراً من الله في نصبه للخلافة والنبي يستعفى حذراً من المنافقين حتى جاء التشديد من رب العالمين ، ولأنه لو كان من فصول الأذان لنقل بالتواتر في هذا الزمان ولم يخف على أحد من آحاد نوع الإنسان وإنما هو من وضع المفوضة الكفار المستوجبين الخلود في النار .(35/18)
ولعل المفوضة أرادوا أن الله تعالى فوض الخلق إلى علي فساعده على الخلق فكان ولياً ومعيناً فمن أتى بذلك قاصداً به التأدين فقد شرع في الدين ، ومن قصده جزءاً من الأذان في الابتداء بطل أذانه بتمامه ، لكن صفة الولاية ليس لها مزيد شرفية لكثرة معانيها ، فلا امتياز لها إلا مع قرينة إرادة معنى التصرف والتسلط فيها كالاقتران مع الله ورسوله في الآية الكريمة ونحوه ، لأن جميع المؤمنين أولياء الله، فلو بدل بالخليفة بلا فصل ، أو بقول أمير المؤمنين ، أو بقول حجة الله تعالى ، أو بقول أفضل الخلق بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحوها كان أولى وأبعد عن توهم العوام أنه من فصول الأذان .
ثم قوله ان علياً ولي الله مع ترك لفظ أشهد أبعد عن الشبهة ، ولو قيل بعد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله على محمد سيد المرسلين وخليفته بلا فصل علي ولي الله أمير المؤمنين لكان بعيداً عن الإيهام وأجمع لصفات التعظيم والاحترام(1).
11-كاظم اليزدي الطبطبائي :
قال في العروة الوثقى ما نصه : وأما الشهادة لعلي بالولاية وامرة المؤمنين فليست جزءا منهما - الأذان والإقامة - ولم يتعرض لاستحباب إكمال الشهادتين بالشهادة الثالثة ولم يذكر الشهادة الثالثة في الأذان ، وقد أمضى فتوى العروة الوثقى كل من :
1-السيد أبو الحسن الأصفهاني .
2- السيد ضياء الدين العراقي .
3 - السيد الأغا حسين البروجردي .
4- السيد الأراكي .
5- السيد الخوئي .
6- السيد الكلبايكياني(2).
__________
(1) الاعتصام بحبل الله / ص50 – 52 ] [ كشف الغطاء / جعفر آل كاشف الغطاء ص227 ]
(2) الاعتصام بحبل الله / ص49] [ العروة الوثقى /كاظم اليزدي ج1 ص458 ](35/19)
12-هناك عدد كبير من المراجع والعلماء الكبار يحتاطون في الإقامة لشبهة أنها جزء من الصلاة كما أن سيرة العلماء الذين جاؤوا بعد الغيبة إلى عهود متأخرة على عدم الإتيان . وهذه بعض الرسائل العملية التي ذكرت الأذان والإقامة ولم تذكر الشهادة الثالثة جزءا منهما ، أو ذكر استحبابها كأمر مستقل خارج عنهما :
1 - الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر في كتابه نجاة العباد .
2 - محمد تقي الشيرازي في الرسالة المنطقية على فتواه .
3- مهدي الخالصي في الشريعة السمحاء ووافقه الشيخ محمد رضا آل ياسين .
4- السيد الحيدري في رسالته .
5- السيد حسن الصدر في كتاب المسائل المهمة .
6- السيد أحمد كاشف الغطاء في سفينة النجاة (1).
13-الحر العاملي في كتابه وسائل الشيعة :
فقد ذكر في كتابه وسائل الشيعة - وهو من كتب الحديث المعتمدة عند الشيعة الإمامية - (25) حديثاً عن أئمة أهل البيت عن كيفية الأذان والإقامة ولا يوجد في هذه الأحاديث أي ذكر للشهادة الثالثة(2).
14-العلامة الحلي :
في كتابه ( المختصر النافع ) :
يذكر الأذان والإقامة دون ذكر الشهادة الثالثة (3).
15 -محمد باقر الصدر :
في كتابه ( الفتاوى الواضحة باب الأذان والإقامة ) :
يذكر الأذان الصحيح دون ذكر الشهادة الثالثة (4).
16-العلامة ابن إدريس :
في كتابه ( السرائر ) :
ذكر الأذان والإقامة ولم يذكر الشهادة الثالثة(5) .
17-العلامة المحقق :
في كتابه ( الشرائع ) :
ذكر الأذان والإقامة ولم يذكر الشهادة الثالثة(6) .
18-العلامة الحلي :
في كتابه ( التبصر ) :
__________
(1) الاعتصام بحبل الله / ص 48 ]
(2) وسائل الشيعة / الحر العاملي ج4 ص642 ]
(3) المختصر النافع / العلامة الحلي ص 53 ]
(4) الفتاوى الواضحة / محمد باقر الصدر ج1 ص385 ]
(5) السرائر / ابن إدريس ص136 ]
(6) الشرائع / المحقق الحلي ص 32 ](35/20)
ذكر الأذان والإقامة ولم يذكر الشهادة الثالثة(1) .
19-العلامة الحلي :
في كتابه منتهى المطلب قال :
وأما ما روي في الشاذ من قوله أن عليا ولي الله وأن محمدا خير البرية فمما لا يعول عليه ، قال الشيخ – الطوسي - في المبسوط : فإن فعله لم يكن آثما وقال في النهاية : كان مخطئا(2) .
20- محمد العاملي الكاظمي :
لقد وردت الأحاديث الكثيرة الصحيحة عن النبي من طريق أهل بيت العصمة ، في بيان فصول الأذان والإقامة ولم تذكر فيها الشهادة لعلي بالولاية وإمرة المؤمنين وكذا لأهل البيت عليهم السلام وأجمع على ذلك أهل الحديث وأصحاب الكتب الأربعة، كتاب الكافي لشيخ المحدثين الكليني ، من لا يحضره الفقيه لرئيس المحدثين الصدوق، كتابي التهذيب والاستبصار لشيخ الطائفة ، وهذه الكتب عند الشيعة كالصحاح عند أهل السنة، وكذلك كتاب الوسائل للحر العاملي ، الذي هو الآن مرجع علماء الشيعة في استنباط الأحكام الشرعية فقد عقد باباً في بيان فصول الأذان والإقامة وجملة من أحكامها وروى في ذلك نحو من خمسة وعشرين حديثاً ولم يأت منها في ذكر الشهادة الثالثة(3) .
21- الشيخ عبد الجليل القزويني :
ان الشهادة الثالثة بدعة ، والاعتقاد بها معصية ، وان قائلها ملعون مغضوب عليه(4) .
22-محمد محمد صادق الصدر :
قال عن الشهادة الثالثة :
ملخص الحال فيها إنها ليست جزءاً من الأذان ، ولم تكن موجودة في ردح طويل من عصر المعصومين .
__________
(1) كتاب التبصر / العلامة الحلي ص89 ]
(2) منتهى المطلب في تحقيق المذهب / العلامة الحلي ج 4ص 381]
(3) الاعتصام بحبل الله / ص 47 ]
(4) الشهادة الثالثة المقدسة / الشيخ عبد الحليم الغزي ص 89](35/21)
وان قصد الجزئية للأذان أو الإقامة أو لغيرها فهو كاذب على الله ورسوله ، وهو من التشريع المحرم كما انه ليس عليها ألان آية ولا رواية بعينها تدلنا على استحبابها، ومن الصحيح ان آذان بلال لم تكن فيه الشهادة الثالثة(1) .
23- محمد التيجاني السماوي :
قال في كتابه كل الحلول عند آل الرسول :
ان ما ينتقد عليه الشيعة اليوم هو زيادة جزء في الأذان والإقامة بقولهم :
( أشهد أن علياً ولي الله ) فهم مجمعون على أن ذلك ليس جزءاً من الأذان ولا جزءاً من الإقامة ، ولم يكن على عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومجمعون أيضاً على القول بأنه يبطل الأذان والإقامة إذا قيل بنية الجزئية ، هذا ما يقوله علماء الشيعة ومراجعهم .
وما دام الحق هو رائدنا وقول الله ورسوله هو قولنا ورضاهما هو هدفنا ومبتغانا ، وما دمنا نواجه نقد بعض العلماء من إخواننا فلا بد أن نستحسن من غيرنا ما نستحسنه من أنفسنا وأن نستقبح منها ما نستقبحه من غيرنا .
وإذا كنا في ما سبق من أبحاث انتقدنا عمر بن الخطاب واستكثرنا عليه زيادته في الأذان فصل ( الصلاة خير من النوم ) وحذفه منه فصل ( حي على خير العمل ) .
وقلنا بأن ذلك باطل ولا يصح شرعاً لأنه بدعة لم تكن موجودة على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ولم نقتنع بقول ( أهل السنة والجماعة ) بأن ذلك يذكر استحباباً في صلاة الفجر فقط عندما يكون الإنسان في أعز نومه وألذ راحته فيقال له :
( الصلاة خير من النوم ) لحثه على القيام والإستعداد لاداء فريضة الصلاة مع العلم أنه كلام جميل يحاول تبرير المسألة والدفاع عنها .غير أننا رفضناه لأن النصوص لا تخضع للآراء والأهواء وما تشتهيه الأنفس وقلنا :( ما لم يفعله رسول الله فهو بدعة )
__________
(1) السفير الخامس / عباس الزيدي ص 287 – 290 ](35/22)
وعلى هذا نقول للشيعة أيضاً نفس الكلام ونحتج عليهم بنفس الحجة فلا يمكن أن تكون الباء عندنا حرف جر وعند غيرنا همزة وصل !.
وعلى هذا نعترف بأن جزء ( أشهد أن علياً ولي الله ) هو زائد لأنه لم يقله رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ولم يأمر به ولم يفعله الأئمة الطاهرون من أهل البيت عليهم السلام .
ولو فعلوه أو أمروا به لوجدنا لذلك بعض المخارج والتعليلات ، ولو فعلوه أو أمروا به لما جاز لعلماء الشيعة ومراجعهم أن يبطلوا الأذان والإقامة إّذا ذكر ذلك الفصل بنية الجزئية كما تقدم ذكره .والإنصاف والعدل يقتضي منا أن نقول كلمة الحق ، لا أن نستنكر على ( أهل السنة ) بشيء ونأتي نحن مثله . { أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب } (البقرة / 44) وقد قال لي قائل منهم : ياأخي لا تخلط بين ( الصلاة خير من النوم ) وبين ( أشهد أن علياً ولي الله ) ! .
قلت : وما الفرق ؟ فالصلاة خير من النوم حقاً ، وعلي ولي الله حقاً ، ولكن هي أجزاء أُضيفت وما فعله رسول الله- صلى الله عليه وسلم - .
قال : ولكن ولاية الإمام علي نزل بها القرآن وأنت نفسك اعترفت بذلك في كتابك الأول ( ثم اهتديت ) . قلت : فاللوم على رسول الله- صلى الله عليه وسلم - الذي لم يجعلها في الأذان رغم نزول القرآن بها ، فليس كل ما نزل به القرآن يؤذن به للصلاة !!
وليس اعترافي أنا بنزولها في القرآن يكسبها شرعية الإضافة في الأذان والإقامة !.
فهل يصح أن يؤذن أحد بقوله مثلاً :
أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن آدم صفوة الله ، وأشهد أن نوحاً نبي الله ، وأشهد أن إبراهيم خليل الله ، وأشهد أن موسى كليم الله، وأشهد أن عيسى روح الله ، وأشهد أن محمداً حبيب الله ؟ فكل هذا صحيح لأنه نزل به القرآن .(35/23)
ولكن لا يجوز لنا أن نؤذن به لأن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - علمنا كيفية الأذان بالشهادتين فقط فقال ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً رسول الله ، فعلينا أن نمتثل لقول الله تعالى : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } (الحشر / 7) . صحيح أن بعض العلماء من الشيعة لا يذكرون في الأذان ولا في الإقامة بأن علياً ولي الله ، وقد صليت مع بعضهم ولم أسمعهم يذكرونه وقد يذكرون ذلك في قلوبهم فذاك أمر آخر .
ولكن هناك من الشيعة الذين يشككون في إخلاص وعقيدة من لا يذكر ذلك في الأذان والإقامة . اقتنع خصمي والحمد لله وإن صارحني بأنه لا يقدر على تركها لأن لسانه تعود على ذلك منذ نعومة أظافره .
أقول قولي هذا وأنا على يقين من أن بعض الشيعة سوف لا يعجبهم هذا ، لأن الإنسان بطبعه عدو ما جهل ، ولأن رضى الناس غاية لا تدرك ….(1)(2)
__________
(1) كل الحلول عند آل الرسول / محمد التيجاني السماوي ص181 - 185 ]
(2) أثارت أقوال التيجاني هذه غضب علماء الشيعة :
قال السيد هاشم الهاشمي :
وقد لا يكون غريباً على ساحتنا ان تظهر عينات من قبيل موسى الموسوي ، أو احمد الكاتب وإضرابهم من الشخصيات المغمورة التي تثير بين الحين والأخر شبهات الوهابية في قالب خاص .
كما لا نستبعد ان يطالب بعض المستبصرين وحديثي العهد بالتشيع – يقصد به التيجاني - في بعض مؤلفاتهم الأخيرة بإلغاء الشهادة الثالثة ، والتخلي عن مظاهر العزاء الحسيني .
[ حوار مع فضل الله حول الزهراء / السيد هاشم الهاشمي ص 8 ]
ورد السؤال الأتي إلى السيد محمد محمد صادق الصدر :
في هذه الفترة نزل إلى الأسواق المؤلف الأخير( كل الحلول عند آل الرسول ) للدكتور التيجاني وقد تعرض المؤلف إلى الشهادة الثالثة وأنكرها باعتبارها من الزوائد على المذهب الذي يجب تنقيته من هكذا أمور فما رأي سماحتكم بذلك .
فأجاب السيد على هذا السؤال - وسيرد بنصه في نهاية الكتاب – بعد كلام ما يلي :
وأنا كنت أقول إلى وقت قريب بأننا لو عملنا للتيجاني تمثالاً من ذهب لكان قليلاً في حقه ولكنني أستطيع ألان ان اسحب هذه المبالغة من كلامي غفر الله لنا وله …. .
[ السفير الخامس / عباس الزيدي المياحي ص 289 ](35/24)
.
24 – الدكتور حسين المدرسي الطباطبائي :
قال : تغلغلت بعض أفكار وبدع المفوضة واتخذت لها مكاناً في نظام المذهب الشيعي، وكمثال على ذلك : إضافة الشهادة الثالثة إلى الأذان ، وهي التي يصرح الشيخ الصدوق بانها من بدعهم وشعاراتهم ، والتي أصبحت شعاراً وتقليداً للشيعة بالرغم من اعتراض أو عدم موافقة الكثير من فقهاء الشيعة .
ثم قال محقق الكتاب الشيخ محمد سليمان :
يبدو ان إضافة الشهادة الثالثة لم تكن مذكورة في الأذان قبل ان يأمر بها الشاه إسماعيل الصفوي عام ( 907 هـ ) ، أما ما نقل التنوخي في نشوار المحاضرة :عن أبي الفرج الأصفهاني قوله ( سمعت رجلاً من القطعية يؤذن الله اكبر ، اشهد ان لا اله إلا الله ، اشهد ان محمداً رسول الله ، اشهد ان علياً ولي الله ، محمد وعلي خير البشر فمن أبى فقد كفر ) فالظاهر انه يشير إلى هذا المسلك عند المفوضه ، والصدوق أيضاً ينسب لهم العبارة الثانية ) .
فقد قيل حينها : ان الشهادة هي سنة شيعية مهجورة منذ خمسة قرون ، وبعد قرن من الزمان شاعت هذه الشهادة في الأذان لدرجة ان من لا يقولها يتهم بالتسنن ، حتى ان الفقهاء الذين يعترضون عليها من الناحية الفقهية اثروا السكوت والتقية خوفاً من سوء تفسير العوام لموقفهم ، ولكن بعد قرن آخر من الزمان عاد كثير من الشيعة إلى عدم ذكرها ، ربما بسبب تغير الظروف السياسية ، ويذكر الميرزا محمد الإخباري في رسالته الشهادة بالولاية ان فقيه الشيعة الكبير الشيخ جعفر كاشف الغطاء أرسل إلى فتحلي شاه القاجاري يطلب منه منع الشهادة الثالثة في الأذان ، وفي النصف الثاني من نفس القرن حاول علماء الهند الشيعة ان يقنعوا الشيعة بحذفها إلا انهم فشلوا(1).
__________
(1) تطور المباني الفكرية للتشيع في القرون الثلاثة الأولى/ حسين المدرسي الطباطبائي ص 73 ](35/25)
ما تقدم هو استعراض يسير لبعض أقوال علماء الشيعة المنكرين للشهادة الثالثة في الأذان ، وان ما ذكرته هنا من أسماء هؤلاء الأعلام لم يكن على وجه التتبع والاستقصاء وانما هو بقدر ما سمح لنا الوقت به والمتابعة والبحث ، ولربما تركت أسماء آخرين لعدم توافر تمام كتبهم عندي .
أقول :
هلم معي أيها القارئ نسائل علماء الشيعة عن هذه الكتب التي نقلت منها أليست هي مراجع الشيعة ؟ أليس هؤلاء أعلامهم وأئمتهم ؟ أليس من واجب الباحث ان يراجع تلكم الكتب ثم ينقض ويبرم ، ويزن ويرجح ؟ فالحق أحق ان يتبع .
وظهر لنا مما تقدم من أقوال ألائمة والعلماء أن الصيغة الصحيحة للأذان خالية من ذكر الشهادة الثالثة وهذه حقيقة خطيرة جداً حري بالشيعي أن يقف عندها طويلاً ليتأملها لأنها من الدين الذي سنسأل عنه يوم القيامة وهل اتبعنا فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم - والأئمة أم تركنا هديهم ولسان حالنا يقول :
{ إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ } (الزخرف/ 23)
سؤال وجواب
وقبل أن نختم هذا الفصل يجدر بنا أن نذكر سؤالاً مهماً ربما يجول في فكر القارئ بعد وقوفه على هذه الحقيقة الخطيرة وهو :
سؤال
إذا كانت صيغة الأذان الصحيحة الواردة عن الأئمة خالية من ذكر الشهادة الثالثة كما صرح بذلك العلماء فمن هو أول من فعل هذه البدعة بإدخال الشهادة الثالثة في الأذان ؟
الجواب
الذي يجيبنا على هذا السؤال ويكشف لنا هذه الحقيقة الخطيرة هو رئيس المحدثين عند الشيعة الأمامية الذي يلقب بالصدوق(1)
__________
(1) أبو جعفر محمد بن علي بن الحسن بن موسى بن بابوية القمي المعروف (بالصدوق) المتوفى سنة 381 هـ ومن مؤلفاته :
من لا يحضره الفقيه ، الخصال ، ثواب الأعمال وعقاب الأعمال ، أمالي الصدوق ، علل الشرائع ، إكمال الدين ، عيون أخبار الرضا ، معاني الأخبار ، صفات الشيعة وفضائل الشيعة .
قال الطوسي :
ابن بابويه القمي جليل القدر يكنى أبا جعفر ، كان جليلا حافظا للأحاديث ، بصيرا بالرجال ناقدا للأخبار ، لم ير في القميين مثله في حفظه وكثرة علمه ، له نحو من ثلاثمائة مصنف … وذكر منها : كتاب دعائم الإسلام ، وكتاب المقنع ، وكتاب المرشد ، وكتاب الفضائل وغيرهم .
وقال المجلسي :
ابن بابويه القمي أبو جعفر الصدوق ، أمره في العلم ، والفهم ، والثقافة ، والفقاهة ، والجلالة ، والوثاقه ، وكثرة التصنيف ، وجودة التأليف ، فوق أن تحيطه الأقلام ويحويه البيان ، وقد بالغ في إطرائه والثناء عليه كل من تأخر عنه ، وفي مقدمتهم الرجالي الكبير النجاشي حيث قال في رجاله :
محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي أبو جعفر نزيل الري ، شيخنا وفقيهنا ووجه الطائفة بخراسان ، وكان ورد بغداد سنة خمس وخمسين وثلاثمائة وسمع منه شيوخ الطائفة وهو حديث السن .
وقال المجلسي موثقاً الكتب التي أعتمد عليها في تأليف موسوعة بحار الأنوار ومنها كتب الصدوق :
اعلم أن أكثر الكتب التي اعتمدنا في النقل عنها مشهورة معلومة الانتساب إلى مؤلفيها ككتب الصدوق رحمه الله فإنها سوى : الهداية ، وصفات الشيعة ، وفضائل الشيعة، ومصادقة الإخوان ، وفضائل الأشهر ، لا تقتصر في الاشتهار عن الكتب الأربعة التي عليها المدار في هذه الإعصار وهي داخلة في إجازتنا ، ونقل منها من تأخر عن الصدوق من الأفاضل الأخيار .
قال السيد محمد مهدي بحر العلوم في رجاله :
أبو جعفر شيخ مشايخ الشيعة ، وركن من أركان الشريعة رئيس المحدثين ، ولد بدعاء صاحب الأمر والعصر - عليه السلام - ونال بذلك عظيم الفضل والفخر ، ووصفه الإمام - عليه السلام - في التوقيع الخارج من الناحية المقدسة بأنه:
فقيه خير مبارك ينفع الله به ، فعمت بركته الأنام وانتفع به الخاص والعام ، وبقيت أثاره ومصنفاته مدى الأيام ، وعم الانتفاع بفقهه وحديثه ، فقهاء الأصحاب ومن لا يحضره الفقيه من العوام .
وقال : وذكره علماء الفن وقالوا :
شيخنا وفقيهنا ووجه الطائفة بخراسان ، جليل القدر بصير بالفقه والرجال ، ناقد للأخبار، حفظه ، لم ير في القميين مثله في حفظه وسعة علمه وكثرة تصانيفه ، واجمع الأصحاب على نقل أقواله واعتبار مذاهبه في الإجماع والنزاع ، وقبول قوله في التوثيق والتعديل، والتعويل على كتبه خصوصاً كتاب من لا يحضره الفقيه فانه أحد الكتب الأربعة التي هي في الاشتهار والاعتبار كالشمس في رابعة النهار ، وأحاديثه معدودة في الصحاح من غير خلاف ولا توقف أحد ، ومن الأصحاب من يذهب إلى ترجيح أحاديث الفقيه على غيره من الكتب الأربعة نظراً إلى زيادة حفظ الصدوق ، وحسن ضبطه وتثبته في الرواية ، وتأخر كتابه عن الكافي وضمانه في صحة ما يورده .
[ رجال السيد بحر العلوم / محمد مهدي بحر العلوم ج3 ص 292 – 300 ](35/26)
وهو ابن بابويه القمي فقد ذكر لنا رواية عن أبي عبد الله الصادق - عليه السلام - في كتابه ( فقيه من لا يحضره الفقيه ) يذكر فيها فصول الأذان فقال : روى أبو بكر الحضرمي وكليب الأسدي عن أبي عبد الله - عليه السلام - أنه حكى لهما الأذان فقال :
الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا اله إلا الله ، أشهد أن لا اله إلا الله ، أشهد أن محمداً رسول الله ، أشهد أن محمداً رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على الفلاح ، حي على خير العمل ، حي على خير العمل ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا اله إلا الله ، لا اله إلا الله ، والإقامة كذلك .
ولا بأس أن يقال في صلاة الغداة على أثر حي على خير العمل ، (( الصلاة خير من النوم )) مرتين للتقية .
وقال مصنف هذا الكتاب - الشيخ الصدوق - ( هذا هو الأذان الصحيح لا يزاد فيه ولا ينقص منه ، والمفوضة(1)
__________
(1) المفوضة : فرقة ضالة قالت بأن الله خلق محمداً صلى الله عليه وسلم وفوض إليه خلق الدنيا فهو خلق الخلائق ، وقيل : بل فوض ذلك إلى علي - عليه السلام - .
عن أبي هاشم الجعفري قال : سألت أبا الحسن الرضا - عليه السلام - عن الغلاة والمفوضة فقال :
الغلاة كفار والمفوضة مشركون من جالسهم ، أو خالطهم ، أو واكلهم أو واصلهم ، أو زوجهم ، أو تزوج إليهم ، أو أمنهم ، أو ائتمنهم على أمانة ، أو صدق حديثهم ، أو أعانهم بشطر كلمة ، خرج من ولاية الله عز وجل وولاية الرسول - صلى الله عليه وسلم - وولايتنا أهل البيت.
[ البحار / المجلسي ج 25 ص 272 ح 19 ]
تأمل أخي القارئ قول الرضا :
[ من شاطرهم بشطر كلمة خرج من ولاية الله عز وجل وولاية الرسول ] وقارنه بفعل الشيعة اليوم ، فستجدهم قد أعانوهم وشاطروهم بجملة كاملة وليس بشطر كلمة ، فالأمر جد خطير والاثم عظيم بحق من أدخل الشهادة الثالثة في الأذان .(35/27)
لعنهم الله قد وضعوا أخباراً وزادوا في الأذان (( محمد وآل محمد خير البرية )) مرتين ، وفي بعض رواياتهم بعد أشهد أن محمد رسول الله (( أشهد أن عليا ولي الله )) مرتين ، ومنهم من روى بدل ذلك (( أشهد أن عليا أمير المؤمنين حقا )) مرتين .
ولا شك في أن عليا ولي الله وأنه أمير المؤمنين حقاً وأن محمداً وآله صلوات الله عليهم خير البرية ، ولكن ليس ذلك في أصل الأذان ، وإنما ذكر ذلك ليعرف بهذه الزيادة المتهمون بالتفويض ، المدلسون أنفسهم في جملتنا.(1)(2)
اذن هذه هي الحقيقة الخطيرة التي كشفها لنا الصدوق في تحديد أول من فعل هذه البدعة وهم المفوضة الغلاة . ونظراً لتقدم الصدوق ووثاقته عد كلامه هذا أصلاً يرجع إليه ولذلك ذكره جمله من العلماء الاعلام كالحر العاملي في الوسائل ، والشيخ محمد حسن في الجواهر ، والحكيم في مستمسك العروة وأشار إليه الشهيد الثاني وكاشف الغطاء.
وهكذا ومن ثنايا هذا العرض المبسط ظهر لك خطورة الابتداع في الدين بإدخال ما ليس منه فيه ، فان لم يكن بعقلك باس فستسلم معي ان الأذان بصورته التي ينادى به ألان في الحسينيات إنما هو أذان مبتدع لم يقل به السلف من الرسول وال بيته ، وإذا لم تكن عزيزي القارىء الشيعي قد خسرت نفسك وبقي فيها مكان للأنصاف وشعور بحب السلامة فعليك ان تعترف بالداء لتبحث عن الدواء ، ولا داء إلا ما نزل بالعقول من الجهالة ، وران على القلوب من الضلالة .
{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } (ق/37)
الفصل الثالث
البدعة وآثارها الموبقة
__________
(1) من لا يحضره الفقيه / الصدوق ج1 ص 203 ]
(2) قال المامقاني :
ان ما يعتبر غلواً عند الشيعة الماضين اصبح اليوم من ضروريات المذهب.
[ تنقيح المقال / المامقاني ج3 ص 23 ](35/28)
لما كان موضوع الابتداع في الدين ذا اثر سيء على الفرد والجماعة في المجتمع المسلم أحببنا هنا ان نقدم بين يدي البحث مقدمة في بيان البدعة وأثرها عند الشيعة حتى لو اقتضى ذلك إلى إطالة هذا البحث لان الغرض من كل ذلك تهيئة الأفكار إلى قبول ما سوف نعرضه عليها من حقائق الدين .
فالابتداع هو الوليد الشرعي للجهل ولولا الأخير ما حيي له عود ولولا العادة ما امتد له عرق فالابتداع شجرة خبيثة ثراها الجهالة وسقياها الخيال وعراقتها الاعتياد فحذار – أيها الشيعي – من الابتداع في الدين فان ذلك محرم بكلام الله وكلام رسوله وكلام الأئمة من بعده وسوف نكتفي هنا بما سطره العالم الشيعي آية الله جعفر السبحاني في كتابه البدعة مفهومها حدها وآثارها : إذ قال(1) :
(أولاً) البدعة في الكتاب
البدعة في الدين من كبائر المعاصي وعظائم المحرمات ، دل على حرمتها الكتاب والسنة ، وقد أوعد صاحبها النار على لسان النبي الأكرم - صلى الله عليه وسلم - وما هذا إلا لأن المبتدع ينازع سلطان الله تبارك وتعالى في التشريع والتقنين ، ويتدخل في دينه ويشرع ما لم يشرعه الدين ، فيزيد عليه شيئاً وينقص منه شيئاً في مجالي العقيدة والشريعة ، كل ذلك افتراء على الله .
بعث النبي الأكرم - صلى الله عليه وسلم - بحبل الله المتين وأمر المسلمين الاعتصام به ونهى عن التفرق وقال :
{ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً } (آل عمران:103)
__________
(1) بتصرف نقلاً عن كتاب البدعة مفهومها حدها وآثارها / جعفر السبحاني ص 5 –30 ](35/29)
ولكن المبتدع يستهدف حبل الله المتين ليوهنه ويخرجه من متانته بما يزيد عليه أو ينقص منه ، وبفعله هذا يجعل من الأمة الواحدة أُمماً شتى ، يبغض بعضهم بعضاً ويلعن بعضهم بعضاً ، فيتحولون إلى شيع وطوائف متفرقين ، فرائس للشيطان وأذنابه، على خلاف ما كانوا عليه في عصر الرسالة .
إن المسلمين بعد ان طال عليهم الآمد تفرقوا إلى أُمم ومذاهب مختلفة ولم يكن ذلك إلا اثر تلاعب المبتدعين في الدين والشريعة بإدخال ما ليس من الدين في الدين وكان عملهم تحويراً لصميم العقيدة الإسلامية وشريعتها ، فلولا البدعة والمبتدعون وانتحال المبطلين لكانت الأُمة الإسلامية أمة واحدة ، لها سيادتها على جميع الأُمم والشعوب في المعمورة ، وما قصم ظهورهم إلا دبيب المبتدع ببدعته بينهم ، فشتتهم وفرقهم بعدما كانوا صامدين كالجبل الأشم .
إن صراط النجاة في الإسلام هو صراط واحد مستقيم دعا إليه المؤمنين عامة فقال تعالى : { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } (الأنعام:153)
قد أمر المسلمون أن يدعوا الله سبحانه أن يثبتهم على هذا الصراط كي لا ينحرفوا يميناً وشمالاً كما قال سبحانه: { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } (الفاتحة:6)
ولكن المبتدع يسوق الناس إلى سبل منحرفة لا تنتهي بالسعادة التي أرادها الله سبحانه لعباده.
إن حق التشريع والتقنين لله تبارك وتعالى وقد استأثر به فقال :
{ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ } ( يوسف :40)
والمراد من الحكم هو التشريع بقرينة قوله :
{ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ } ( يوسف :40)(35/30)
وقال : { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ } ( الشورى :21)
فالبدعة هو تشريك الناس في ذلك الحق المستأثر ، ودفع زمام الدين إلى أصحاب الأهواء كي يتلاعبوا في الشريعة كيفما شاءوا ، وكيفما اقتضت مصلحتهم ومصلحة أسيادهم وأربابهم ، فذلك الحق المستأثر يقتضي ألا يتدخل أحد في سلطان الله وحظيرته .
قال سبحانه : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِينا } ( الأحزاب : 36)
إن المبتدع يتصرف في التشريع الإسلامي فيجعل منه حلالاً وحراماً بدون إذن منه سبحانه يقول سبحانه :
{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ } (يونس:59)
والآية واردة في عمل المشركين ، حيث جعلوا ما أنزل الله لهم من الرزق بعضه حراماً وبعضه حلالاً فحرموا السائبة ، والبحيرة ، والوصيلة ، ونحوها فرد عليهم سبحانه فقال : { آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ } (يونس:59)
أي أنه لم يأذن لكم في شيء من ذلك ، بل أنتم تكذبون على الله ثم يهددهم بالعذاب فيقول : { وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ } (يونس:60)
ويؤكد في آية أُخرى فيقول : { وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ } (النحل:116)(35/31)
إن أصحاب الأهواء في كل زمان حتى في عصر الرسالة كانوا يقترحون على النبي الأكرم - صلى الله عليه وسلم - أن يغير دينه ويأتي بقرآن غير هذا ، حتى يكون مطابقاً لما تستهويه أنفسهم فأمر الله سبحانه أن يرد اقتراحهم بقوله :
{ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } (يونس:15)
وكان في عصر الرسالة من كان يتقدم على الله ورسوله لا مشياً وإنما تقديماً لفكرته على الوحي فنزل الوحي يشجب ذلك ويقول :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } (الحجرات:1)
إن الكذب من المحرمات الموبقة التي أوعد الله عليها النار ، والبدعة أفحش من الكذب، قال سبحانه :
{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } (الأنعام:21)
فالمبتدع يظهر بزي المحق عند المسلمين فيفتري على الله تعالى دون أن يكشفه الناس فيضلهم عن الصراط المستقيم .
إن لله في كل واقعة حكماً إلهياً لا يتبدل ولا يتغير إلى يوم القيامة ، فإذا حكم الحاكم وفق ذلك الحكم فهو حاكم عادل معتمد على منصة الحق ، إلا أن المبتدع يحكم على خلاف ذلك الحق فيصفه سبحانه بكونه كافراً وظالماً وفاسقاً .
قال سبحانه : { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } ( المائدة /44)
وقال سبحانه: { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون } ( المائدة/ 45)
وقال تعالى : { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون } ( المائدة /47)
فما حال إنسان يحكم عليه القرآن بالكفر تارة ، والظلم ثانياً ، والفسق ثالثاً ؟(35/32)
فهل ترجى له النجاة بعد أن أضل كثيراً من الناس ، وشق صفوف كثير من المسلمين ، وجعل السبيل الواحد سبلاً كثيرة تضلهم إلى مهاوي الهالكين .
( ثانياً ) التحذير من البدعة كما جاء في روايات النبي - صلى الله عليه وسلم - والأئمة
1-روى الكليني عن محمد بن جمهور رفعه قال : قال رسول الله :
إذا ظهرت البدعة في أُمتي فليظهر العالم علمه ، فمن لم يفعل فعليه لعنة الله.
2- وبهذا الإسناد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
من أتى ذا بدعة فعظمه فإنما يسعى في هدم الإسلام.
3- وبهذا الإسناد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
أبى الله لصاحب البدعة بالتوبة .
قيل : يارسول الله وكيف ذلك ؟ قال : إنه أُشرب في قلبه حبها.
4-روى محمد بن مسلم عن أبي جعفر - عليه السلام - قال : خطب أمير المؤمنين - عليه السلام - بالناس فقال :
أيها الناس إنما بدء وقوع الفتن ، أهواء تتبع ، وأحكام تبتدع ، يخالف فيها كتاب الله ، يتولى فيها الرجال رجالاً ، فلو أن الباطل خلص من مزاج الحق لم يخف على المرتادين ، ولو أن الحق خلص من لبس الباطل انقطعت عنه ألسن المعاندين ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان فهناك يستولي الشيطان على أوليائه ، وينجو الذين سبقت لهم من الله الحسنى.
5- روى الحسن بن محبوب رفعه إلى أمير المؤمنين - عليه السلام -أنه قال:
إن من أبغض الخلق إلى الله عز وجل لرجلين : رجل وكله الله إلى نفسه فهو جائر عن قصد السبيل ، مشغوف بكلام بدعة ، قد لهج بالصوم والصلاة فهو فتنة لمن افتتن به ، ضال عن هدى من كان قبله ، مضل لمن اقتدى به في حياته وبعد موته ، حمال خطايا غيره ، رهن بخطيئته(1).
6- روى عمر بن يزيد عن الإمام الصادق- عليه السلام - أنه قال :
__________
(1) الأحاديث 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - الكافي / الكليني ج1 -ص 54 –55 باب البدع ](35/33)
لا تصحبوا أهل البدع ولا تجالسوهم فتصيروا عند الناس كواحد منهم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : المرء على دين خليله وقرينه(1).
7- وروى داود بن سرحان عن الإمام الصادق - عليه السلام - قال :
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم ، وأكثروا من سبهم والقول فيهم والوقيع ، …(2) .
وعنه - صلى الله عليه وسلم - قال : أدنى الشرك ان يبتدع الرجل راياً فيحب عليه ويبغض عليه(3) .
8- قال أمير المؤمنين - عليه السلام - :
ما اختلفت دعوتان إلا كانت إحداهما ضلالة(4) .
9- وقال أيضاً - عليه السلام - :
ما أًحدث بدعة الا ترك سنة فاتقوا البدع وألزموا المهيع إن عوازم الامور أفضلها وإن محدثاتها شرارها(5).
10-وقال الصادق - عليه السلام - :من تبسم في وجه مبتدع فقد أعان على هدم دينه(6).
11 –وقال أيضاً :
من مشى إلى صاحب بدعة فوقره فقد مشى في هدم الإسلام(7).
12- روي مرفوعاً عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :
عليكم بسنة ، فعمل قليل في سنة خير من عمل كثير في بدعة(8).
13- جاء في نهج البلاغة في ذم البدعة ما يلي :
فاعلم أن أفضل عباد الله عند الله إمام عادل هُدي وهدى فأقام سنة معلومة وأمات بدعة مجهولة ، وأن شر الناس عند الله إمام جائر ضل وضل به، فأمات سنة مأخوذة وأحيا بدعة متروكة(9).
14- وقال :
__________
(1) الكافي / الكليني ج2 ص 375 ]
(2) الكافي / الكليني ج2 ص 375 ]
(3) ثواب الأعمال / الصدوق ص 304 ]
(4) البحار / المجلسي ج2 ص 264 ح 14 ]
(5) البحار / المجلسي ج2 ص 264 ح 15 ]
(6) البحار / المجلسي ج4 ص 23 الطبعة القديمة ]
(7) البحار / المجلسي ج2 ص 304 ح 45 ]
(8) البحار / المجلسي ج2 ص 261 ح 3 ]
(9) نهج البلاغة / الشريف الرضي الخطبة 164 ](35/34)
أوه على إخواني الذين تلوا القرآن فاحكموه وتدبروا الفرض فأقاموه ، أحيوا السنة وأماتوا البدعة(1).
15 - وقال أيضاً:
إنما الناس رجلان : متبع شرعة ، ومبتدع بدعة(2).
16-وقال :
طوبى لمن ذل في نفسه وطاب كسبه إلى أن قال : وعزل عن الناس شره ووسعته السنة ولم ينسب إلى البدعة(3).
17- وعنه - عليه السلام - :
أيها الناس انما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع وأحكام تبتدع يخالف فيها كتاب الله يقلد فيها رجال رجالاً على غير دين الله(4).
18- وعنه قال :
ان الله بعث رسولاً هادياً بكتاب ناطق وامر قائم ، لا يهلك عنه إلا هالك ، وان
المبتدعات المشبهات هن المهلكات إلا ما حفظ الله منها(5).
19- وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
أبى الله لصاحب البدعة بالتوبة(6) .
20- عن الصادقين انهما قالا :
إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه ، فان لم يفعل سلب نور الأيمان(7).
21-قال - صلى الله عليه وسلم - :
لا يقبل قول إلا بعمل ، ولا يقبل قول وعمل إلا بنية ، ولا يقبل قول وعمل ونية إلا بإصابة السنة(8) .
22-وقال - صلى الله عليه وسلم - :
ألا وكل بدعة ضلالة ، ألا وكل ضلالة في النار(9).
وقال السبحاني : هذا قسم مما وقفنا عليه من الروايات ، وهي كثيرة يفوتنا حصرها ونكتفي بهذا المقدار .
( ثالثاً ) البدعة في أقوال علماء الإمامية
1- قال السيد المرتضى : البدعة :
__________
(1) نهج البلاغة / الشريف الرضي الخطبة 182 ]
(2) نهج البلاغة / الشريف الرضي الخطبة 176 ]
(3) نهج البلاغة / الشريف الرضي – فسم الحكم الخطبة 123 ]
(4) نهج البلاغة / الشريف الرضي الخطبة 50 ]
(5) نهج البلاغة / الشريف الرضي الخطبة 169 ]
(6) علل الشرائع / الصدوق ص 492 ]
(7) وسائل الشيعة / الحر العاملي ج11 ص 510 ]
(8) بحار الأنوار / المجلسي ج2 باب 32 ح2 ص 261 ]
(9) بحار الأنوار / المجلسي ج2 باب 32 ح12 ص 263 ](35/35)
الزيادة في الدين أو نقصان منه من إسناد إلى الدين(1).
2 - قال العلامة في المختلف :
كل موضع لم يشرع فيه الأذان فإنه يكون بدعة(2).
3- قال الطريحي : البدعة :
الحدث في الدين وما ليس له أصل في كتاب ولا سنة ، وإنما سميت بدعة لأن قائلها ابتدع هو ، والبِدَع- بالكسر والفتح- جمع بدعة ومنه الحديث : ( من توضأ ثلاثاً فقد أبدع ) أي فعل خلاف السنة لأن ما لم يكن في زمنه- صلى الله عليه وسلم - فهو بدعة(3) .
4 - وقال المجلسي : البدعة في الشرع :
ما حدث بعد الرسول- صلى الله عليه وسلم - ولم يرد فيه نص ، وما يفعل منها على وجه العموم إذا قصد كونها مطلوبة على الخصوص كان بدعة ، كما أن الصلاة خير موضوع ويستحب فعلها في كل وقت ، ولو عين ركعات مخصوصة على وجه الخصوص في وقت معين صارت بدعة ، وكما إذا عين أحد سبعين تهليله في وقت مخصوص على أنها مطلوبة للشارع في خصوص هذا الوقت بلا نص ورد فيها كانت بدعة ، وبالجملة إحداث أمر في الشريعة لم يرد فيها نص بدعة سواء كانت أصلها مبتدعة أو خصوصيتها مبتدعة، ثم ذكر كلام الشهيد عن قواعده(4).
5- وقال المحدث البحراني :
الظاهر المتبادر من البدعة لا سيما بالنسبة إلى العبادات إنما هو المحرم ، ولما رواه الشيخ الطوسي عن زرارة ومحمد بن مسلم والفضيل عن الصادقين- عليه السلام - :
ان كل بدعة ضلالة وكل ضلالة سبيلها النار(5).
6- وقال المحقق الاشتياني : البدعة :
إدخال ما علم أنه ليس من الدين في الدين ولكن يفعله بأنه أمر به الشارع(6) .
وقال أيضاً : البدعة : إدخال ما لم يعلم أنه من الدين في الدين(7).
__________
(1) الشريف المرتضى / الرسائل ج3 ص 83 ]
(2) العلامة الحلي / المختلف ج2 ص131 ]
(3) الطريحي النجفي / مجمع البحرين ج1 مادة بدع ]
(4) المجلسي / البحار ج74 ص202-203 ]
(5) الحدائق / يوسف البحراني ج10 ص180 ]
(6) فوائد الأصول / المحقق النائيني ج2 ص 130 ]
(7) نفس المصدر ](35/36)
7- وقال السيد محسن الأمين : البدعة :
إدخال ما ليس من الدين في الدين كإباحة محرم أو تحريم مباح ، أو إيجاب ما ليس بواجب أو ندبة ، أو نحو ذلك(1) ,
أقول :
يقيناً انك – عزيزي الشيعي – تحب لنفسك النجاة يوم لا ينفع مال ولا بنون ، ويقيناً انك لن تحقق ما تحبه إلا بنبذك للبدع واتباعك للكتاب والسنة ، وسلوكك لطريقهما، أما ان تسلك طريق المفوضة والمبتدعه فجزماً انك لن تصل إلى هدفك وليس دعواك بأنك مؤمن وبأنك محب لاهل البيت بكافية لتحقيق ما تصبو إليه ، فالإيمان ليس بالتمني ولكن هو بالتحلي .
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها ان السفينة لا تجري على اليبس
فالبدار البدار قبل ان يكون لسان مقالك يوم المعاد .
{ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } (المؤمنون:99 - 100)
الفصل الثالث
تبريرات العلماء على إدخال الشهادة الثالثة ودحضها من قبل الكاظمي
تبريرات واهية
ذكرنا فيما تقدم من كلام عدم شرعية الشهادة الثالثة ، وعدم جزئيتها في الأذان ودللنا على ذلك بما أوردناه من مرويات الأئمة فضلاً عن أقوال الفقهاء المجمعة على القول بعدم شرعيتها وأنها من فعل المفوضة الغلاة الملعونين ، وسنتطرق في هذا الفصل لبعض التبريرات الواهية التي حاولت ان تجمل ما يفعله الشيعة اليوم من إدخال ألفاظ وأقوال ومنها الشهادة الثالثة – إلى الأذان – وان تجد لذلك مخارجاً وحيلاً تسوغ لهم هذا الفعل وسوف نقف بك أيها القارئ عند جملة من تلك التبريرات مع ما ينقضها بلسان عالم شيعي ، وكفى الله المؤمنين القتال .
__________
(1) كشف الارتياب / الأمين العاملي ص143 ](35/37)
فقد حدد السيد ( محمد العاملي الكاظمي) في كتاب الاعتصام بحبل الله بعضاً من تلك التبريرات وتعرض لبطلانها فقال :
1 ـ التبرير الأول / التسامح بذكرها في الأذان والإقامة :
بعد أن قام إجماع العلماء على عدم جزئية الشهادة الثالثة فيهما ، قال بعضهم أنه لا حرج في ذكرها مع عدم قصد جزئيتها وهذا القول لمثل الشهيد الثاني في ( شرح اللمعة ص60 ) قال في هذا الكتاب ما نصهً .
ولا تجوز اعتقاد شرعية غير هذه الفصول في الأذان والإقامة والتشهد بالولاية لعلي وأن محمداً وآله خير البرية أو خير البشر ، وإن كان الواقع كذلك فما كل واقع حقاً يجوز إدخاله في العبادات الموظفة شرعاً المحدودة من الله تعالى ، فيكون إدخال ذلك فيها بدعة وتشريعاً كما لو زاد في الصلاة ركعة أو تشهداً ونحو ذلك من العبادات وبالجملة فذلك من أحكام الإيمان لا من فصول الأذان .
قال الشهيد الثاني : قال الصدوق :
إن إدخال ذلك فيه من وضع المفوضة وهم طائفة من الغلاة ولو فعل هذه الزيادة أو أحدها بنية أنه منه أثم في اعتقاده - انتهى كلامه.
ثم يعلق الشيخ على هذا القول :
وهو وإن أفتى بأنه لا حرج في إتيانها مع عدم اعتقاد جزئيتها وأنه لا يبطل الأذان بها ، لكن هذا لا يفيد الملتزمين بها المصرين عليها لأن التزامهم وإصرارهم دليل على أنهم اعتقدوا أن بها خصوصية ومزية لا يقدرون على تركها ، فهل أنهم أدركوا ما لم يدركه الشارع المقدس فالتزموا بما لم يأمر به أعوذ بالله من هذا الهوى المتبع . انتهى .(1)
2-التبرير الثاني / القول باستحباب الشهادة الثالثة :
__________
(1) الاعتصام بحبل الله / ص 50 – 52 ](35/38)
قال بعض المتأخرين من العلماء باستحباب إكمال الشهادتين بالشهادة لعلي بالولاية أو إمرة المؤمنين ( والشهادتان هما الشهادة لله بالوحدانية وللرسول بالرسالة ) وهذا لا علاقة له في فصول الأذان والإقامة باعترافهم فهو أمر خارج عنهما ، وقالوا ان الأذان والإقامة أحد موارد هذا الاستحباب والذي يظهر أنهم تكلفوا هذه الفتوى وتكلفوا دليلها لما رأوا من التزام العوام بهذه الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة ولم نعرف قائلاً بهذا الاستحباب من المتقدمين ، واستدل لمن قال بهذا الاستحباب بخبر لا يقوم به حجة على المدعي وهو الخبر المروي في الاحتجاج للطبرسي .
عن الإمام الصادق - عليه السلام - :
إذا قال أحدكم لا إله إلا الله محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فليقل علي أمير المؤمنين .
يقول الشيخ معلقاً على هذا القول :
أولاً :
لو سلمنا هذا الاستحباب لكان اللازم الاقتصار على مورد النص وهو قول علي أمير المؤمنين في مورد قال فيه لا إله إلا الله محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وأين هذا من قول أشهد أن علياً ولي الله وأولاده المعصومين أولياء الله أو حجج الله ونحو ذلك من الأقوال بعد ذكر الشهادتين في الأذان والإقامة ؟ أنظر إلى الهوى كيف لا يقر له قرار فهو مضطرب لأنه لم يستند إلى ركن وثيق وأهله مضطربون لا قرار لهم وهذا شأن كل ذي هوى .
{ بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ } (قّ:5)
ثانياً :
إن من قال بهذا الاستحباب ( إكمال الشهادتين بالشهادة لعلي - عليه السلام - ) ما يمنعه من أن يعمل به في تشهد الصلاة ، لأن فيه ذكر الشهادتين فيستحب على رأيه إكمالهما بالشهادة لعلي- عليه السلام - فيقول في تشهده ( أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، وأشهد أن علياً ولي الله أو أمير المؤمنين ).(35/39)
{ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْض } (البقرة/85)
ثالثاً :
يكفي من قال بهذا الاستحباب أن يأتي بالمستحب وهو قول ( علي ولي الله أو أمير المؤمنين ) مرة واحدة فلماذا يؤتى بها مرتين على منهاج فصول الأذان في التعداد والكيفية فما الذي حملهم على ذلك ؟ نعم حملهم على ذلك اتباع الهوى والشهوات وتنفيذ الرغبات لا تنفيذ أمر الله أعوذ بالله من الزيغ .
رابعاً :
إن عملهم هذا في الأذان والإقامة على خلاف سنة الرسول صلى الله عليه وسلم والأئمة عليهم السلام إذ لم يعهد منهم عمل ذلك فالقول باستحبابه هو جرأة عليهم وطعن بهم ولو كان مستحبا ما تركوه(1) .انتهى .
أقول:
عندما نتكلم عن الإتيان بالشهادة الثالثة بقصد الجزئية المستحبة - والاستحباب حكم من الأحكام الشرعية - لابد والحالة هذه ان يكون للمفتي دليله على الفتوى بالاستحباب ، وإلا لكانت فتواه تقولاً على الله بلا علم والله سبحانه وتعالى يقول :
{ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ } (الحاقة:44- 46) ،
وقال تعالى :
{ وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } ( الإسراء: من الآية36)
فضلا عن خصوصية الأذان وكون الأذان توقيفياً .
ففي مسألتنا مشكلتان يجب حلهما :
المشكلة الأولى:
إن المؤذن القائل بالشهادة الثالثة في الأذان بقصد الجزئية المستحبة ، يحتاج إلى دليل قائم على الاستحباب ، وإلا ففتواه بالاستحباب أو عمله هذا يكون محرماً ، لأنها ستكون دعوى بلا دليل ، والشاعر يقول :
والدعاوى ان لم تقيموا عليها بينات فأبناؤها أدعياء
__________
(1) الاعتصام بحبل الله / ص 53 - 55 ](35/40)
وسيكون حالها كسائر المستحبات في غير الأذان ، فكما لو أن مفتياً أفتى باستحباب شيء بلا دليل وهذا لا يجوز فكذلك لا يجوز القول باستحباب النطق بالشهادة الثالثة لأنها أيضاً بلا دليل .
المشكلة الثانية :
تكمن في خصوص الأذان ، إذ ان الأذان هو أمر توقيفي فزيادة شيء فيه أو إنقاص شيء منه هو تصرف في الشريعة ، وهذا الفعل بدعة ، فيلزم على القائل بالجزئية الاستحبابية أو المستحبة إقامة الدليل والا وصم بالابتداع .
3- التبرير الثالث / إنها رمز للتشيع :
قد أدى قول بعض متأخري فقهاء الإمامية في جواز الإتيان بالشهادة الثالثة في الأذان إلى حدوث منازعات ومهاترات كلامية بينهم وبين القائلين بعدمها ممن ساروا على نهج الفقهاء المتقدمين الذين كانوا يرون عدم شرعية التلفظ بهذه الزيادات وعد قائليها من المفوضة الملعونين على لسان الأئمة والفقهاء المتقدمين .
ولعل ما سطره محمد العاملي الكاظمي في كتاب ( الاعتصام بحبل الله ) من ردود ومناقشات رد فيها على السيد محسن الحكيم نيابة عن شيخه آية الله محمد مهدي الخالصي ما يرسم لنا صورة واضحة لذلك الواقع المعاش في زوايا الحوزات والمنتديات الشيعية ، حيث قال :
( وسيأتي قريباً ما سأكتبه في تزييف فتوى الحكيم في هذا المقام وأنا تلميذ الخالصي بل اقل تلامذته ليعرف من ذلك مقام الحكيم في الفتيا واستنباط الأحكام الشرعية ) .
فرد على فتوى الحكيم من عشرين وجها ، ولا ادري لو رد آية الله الخالصي بنفسه على هذه الفتاوى فكيف سوف يكون الرد ؟ ومن كم وجه ؟
فهذا يعكس صورة جلية واضحة لما أشرنا إليه من خلاف ، وتمزق ، وتشرذم ، بين فقهاء الإمامية في هذه المسألة .(35/41)
لقد ساق الكاظمي في كتابه المذكور أنفاً سؤالين وردا إلى الحكيم حول الشهادة الثالثة ومدى شرعيتها وقد أجاب عنهما الأخير جواباً لم يشف غليل الكاظمي ولم يرو ظمأه فكر عليهما مذيلاً إياهما بالردود الناقضة لهما واليك نص السؤالين كما أوردهما الكاظمي مع الرد .
الفتوى الأولى
سؤال
سماحة حجة الإسلام والمسلمين الإمام السيد محسن الحكيم حفظه الله ، ما يقول سماحة مولانا أدام الله ظله على الإسلام والمسلمين في الشهادة الثالثة في الأذان بصورة متصلة وأجركم على المولى جل علا . ( قاسم سالم البياتي 12 رمضان 1374هـ ) .
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم وله الحمد :
الشهادة الأولى لله تعالى بالوحدانية ، والشهادة الثانية الشهادة للنبي بالرسالة، والشهادة الثالثة الشهادة لعلي عليه السلام بالولاية ، وهذه الشهادة الثالثة يستحب ضمها إلى الشهادتين في كل مورد جيء بهما في الأذان وغيره من الموارد عدا الصلاة، وقد واظب عليها الشيعة في الأذان مواظبة تامة حتى صارت رمزا إلى التشيع ، بحيث يكون الأذان الخالي منها دليلاً على كون المؤذن من أبناء السنة ، والذي يأتي بها في الأذان لا يأتي بها بعنوان الجزئية من الأذان وإنما يأتي بها بعنوان الاستحباب، لما ذكرنا أنه يستحب ضمها إلى الشهادة للنبي بالرسالة ولأجل ذلك لا تكون بدعة ولا ضلالة ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . ( السيد محسن الحكيم الطباطبائي) .
الفتوى الثانية
سؤال
بسم الله الرحمن الرحيم وله الحمد وحده سماحة حجة الإسلام السيد محسن الحكيم حفظه الله .
تفضلتم فأجبتم على استفتاء للأخ قاسم سالم البياتي حول الشهادة الثالثة وقد جاء :
( وهذه الشهادة الثالثة يستحب ضمها إلى الشهادتين في كل مورد جيء بهما في الأذان وغيره من الموارد عدا الصلاة 000) أفتونا مأجورين حفظكم الله .(35/42)
1- عن سبب ودليل استحباب ذكرها في أذان الصلاة عدا كونها شعاراً للشيعة دون السنة.
2- سبب عدم استحبابها بعد الشهادتين في التشهد في الصلاة إذا أردتم بقولكم عدا الصلاة أي عدا التشهد في الصلاة .
3- وهل هناك من يقول بالشهادة الثالثة في التشهد عند الصلاة فقد التبس علينا فهم ( عدا الصلاة ) معنى ، وعلة ، ودليل .
أرجو التفضل بالجواب ولكم الأجر والثواب والداعي لكم بالخير.
( السيد مهدي العطار 26 رمضان سنة 1374 )
الجواب
بسم الله تعالى :
1-الدليل الرواية التي رواها الطبرسي في الاحتجاج الكتاب المشهور المسمى باحتجاج الطبرسي ، وهي رواية القاسم بن معاوية عن الصادق - عليه السلام -:
((إذا قال أحدكم لا إله إلا الله محمد رسول فليقل علي أمير المؤمنين )) .
وهذه الرواية لا تختص بالأذان وقد فهم منها أن المراد الإعلان منصب أمير المؤمنين- عليه السلام - سواء كان بهذا اللفظ أو بمثل علي ولي الله أو علي حجة الله أو نحو ذلك.
2-السبب أن هذا القول من كلام الآدميين فلا يجوز في الصلاة ، وربما يرى بعض العلماء أن هذا القول من الذكر مثل لا الله إلا الله فلا يضر في الصلاة لكن هذا الرأي ضعيف .
3- قد سبق في الجواب السابق أن بعض العلماء يرى أن قول علي ولي الله أو علي أمير المؤمنين من قبيل الذكر فلا يضر وقوعه في أثناء الصلاة ، والأظهر أنه ليس من الذكر فلا يجوز وقوعه في الصلاة والله سبحانه العالم العاصم وهو حسبنا ونعم الوكيل .
ردود محمد العاملي الكاظمي على فتاوى محسن الحكيم
وهنا يرد الشيخ الكاظمي على فتاوى محسن الحكيم ويفندها من عشرين وجهاً فيقول:
المناقشة
إننا لا نبغي من وراء مناقشتنا هذه إلا أن نرى الحق حقاً فنتبعه والباطل باطلاً فنجتنبه ونشهد الله على ذلك فنذكر الأمور التالية :
أولاً :(35/43)
إن خلو الأذان من كلمة (( أشهد أن علياً ولي الله )) وأمثالها من ضروريات الدين ومنكر ضروري الدين كافر بإجماع المسلمين ومخالفه فاسق .
وقولنا ضروري من ضروريات الدين يدل عليه خلو أحاديث الأذان المتواترة من طرق الشيعة ، ومن طرق أهل السنة من هذه الكلمة وهذه الأحاديث كلها دليل قاطع على عدم جواز الإتيان بها في الأذان لأن الأذان عبادة والعبادة توقيفية وكل عبادة لم يرد بها نص فهي حرام وبدعة .
ثانياً :
إن العلماء أطبقوا من صدر الإسلام إلى اليوم على أن هذه الشهادة الثالثة ليست جزءاً من الأذان ، ومنهم السيد الحكيم فإن السيد اليزدي في العروة الوثقى بعد ذكر الأذان قال :
وأما الشهادة لعلي بالولاية وإمرة المؤمنين فليست جزءاً منهما .
فعلق السيد الحكيم عليها بقوله :
بلا خلاف ولا إشكال .
واعترف بذلك أن الشهادة الثالثة ليست جزءاً ، ونقل عدم الخلاف من العلماء في ذلك.
فإذا قامت ضرورة الدين وعلم أطباق العلماء على عدم الجزئية فأي دليل يدل على جواز إتيانها لا بقصد الجزئية أو استحبابه أنبي جاء بعد النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - فأوحي إليه ما لم يوح إلى خاتم النبيين .
نعوذ بالله من هذا الضلال المبين .
ثالثاً :
قال السيد الحكيم في جواب السؤال الأول ( وقد واظب عليها الشيعة مواظبة تامة حتى صارت رمزا للتشيع )
وهذا القول تخرص في مقابل النص ، لأن علماء الشيعة جميعا صرحوا بأنها ليست من الأذان فكيف يواظبون مواظبة تامة على ذكر ما ليس من الأذان في الأذان وكيف يكون رمزا للتشيع ما أنكروه ونفوه ، أعوذ بالله أن يكون ما لم يأذن به النبي رمزا للشيعة .
{ قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ } (يونس / 59)
رابعاً :
ذكر الفقهاء وعلماء الأصول أن الدليل الشرعي هو الكتاب والسنة وزاد بعض الأصوليين دليل العقل والإجماع .
والسيد الحكيم زاد دليلاً خامساً هو رمز التشيع .(35/44)
أهكذا تستنبط الأحكام الشرعية ؟!
خامساً :
كيف يرضى الحكيم بعد إقراره أن ( الشهادة الثالثة ) لم تكن في زمان النبي أن تكون رمزا للشيعة ، فيعترف بأن رمز الشيعة ما لم يجيء به النبي ويصدق تهمة النواصب للشيعة بأنهم مبتدعون مخالفون للنبي ، ونحن نصرح بالحق والحقيقة هي أن علماء الشيعة يستحيل أن يخالفوا النبي في فتوى فضلاً عن أن تكون مخالفة النبي رمزا لهم وأن هذه البدعة من مختصات المفوضة ، والشيخية مفوضة هذا العصر .
سادساً :
إن الصدوق ( قدس سره ) وهو شيخ علماء الشيعة منذ ألف سنة تقريبا وكتابه ( من لا يحضره الفقيه ) أحد الكتب الأربعة التي يرجع إليها الشيعة في استنباط الأحكام ونقل الأحاديث وهو (( كالبخاري عند أهل السنة )) .
يصرح في كتابه هذا بأن الشهادة الثالثة من وضع المفوضة لعنهم الله والمفوضة كما يعلمه كل أحد أصروا على مذهبهم في هذا الزمان ، ويسمون اليوم باسم الشيخية .
ومع تصريح الصدوق كيف يركن إلى قول السيد الحكيم إنها رمز للشيعة وهو يعترف أن الصدوق أقرب إلى زمن الأئمة وأعرف بمذهب أهل البيت منه ومن جميع علماء هذا العصر .
سابعاً :
استند السيد الحكيم في فتواه إلى احتجاج الطبرسي ، وأصغر المحصلين من أهل العلم يعلم أن احتجاج الطبرسي لم يكن مرجعاً في الفتاوى الشرعية لأن أكثر أخباره مراسيل عارية من السند كما اعترف هو به في صدر كتابه .
ثامناً :
لا يشتبه على أصاغر طلاب العلوم الدينية أن احتجاج الطبرسي لا يقابل بكتاب الفقيه للصدوق لأن كتاب الصدوق هو المرجع في الفقه فكيف يستند إليه الحكيم ويترك كتاب الفقيه .
تاسعاً :
الخبر الذي استند إليه لم يروه غير الاحتجاج وقد رواه مرسلا وعبارته هكذا :
روى القاسم بن معاوية قال : قلت لأبي عبد الله …الخ(35/45)
وبين الطبرسي صاحب الاحتجاج والصادق - عليه السلام - 432 سنة لأن وفاة الصادق - عليه السلام - كانت سنة (150 هـ ) ووفاة الطبرسي كانت سنة ( 588هـ ) فكيف يستند إليه السيد الحكيم في قبال ضرورة الدين .
عاشراً :
إن القاسم بن معاوية لا يوجد له اسم في كتب الرجال ولا في كتب الفقه إلا في كتاب احتجاج الطبرسي فلم يعرف حاله ومن هو ولو أرانا السيد الحكيم في كتب الرجال أو الفقه راويا يسمى القاسم بن معاوية أسلمنا له قوله فكيف يعتمد على راو مجهول في قبال الأحاديث المتواترة وإجماع المسلمين وضرورة الدين ، ولا يصح للسيد الحكيم أن يقول أنه يوجد في الرواة ( القاسم بن يزيد بن معاوية العجلي ) فإن القاسم بن يزيد بن معاوية غير القاسم بن معاوية والقاسم بن يزيد لم يرو هذا الخبر.
أحد عشر :
في هذا الخبر على تقدير صحته دلالة واضحة على أن المراد منه غير الأذان فإنه يقول : إذا قال أحدكم لا إله إلا الله محمد رسول الله فليقل علي أمير المؤمنين، والأذان ليس قول أحدنا بل هو قول الله الواصل إلينا بواسطة رسول الله ، فكيف يشمل الأذان ونحن لا ننفي استحباب قول علي أمير المؤمنين بعد قول لا إله إلا الله محمد رسول .
لكن لا في الأذان الذي هو ليس قولنا لأنه من حدود الله التي لا يسوغ تعديها .
أثنى عشر :
في هذا الخبر ورد فليقل علي أمير المؤمنين وينبغي الاقتصار على هذه اللفظة وهي غير (( أشهد أن علياً ولي الله )) بلفظ الشهادة وتكريرها مرتين كما تكرر الشهادة مرتين على الطريقة التي يؤذن فيها بالتوحيد والرسالة .
فلو صدقنا هذا الخبر وقلنا بشموله للأذان تنزلا فينبغي الاقتصار على لفظ (( علي أمير المؤمنين )) وتجاوز هذه الجملة إلى (( أشهد أن علياً ولي الله )) ليس في هذا الخبر ولا غيره وهو البدعة .(35/46)
قال السيد الحكيم : وهذه الرواية لا تختص بالأذان وقد فهم منها أن المراد الإعلان بمنصب أمير المؤمنين عليه السلام سواء كان بهذا اللفظ أو بمثل ( علي ولي الله أو علي حجة الله أو نحو ذلك ) .
أقول – أي الخالصي - قد بينا أن لفظة أحدكم في الحديث دالة على أن المراد بها غير الأذان ، ولو فرض عدم دلالتها فتسرية قال أحدكم إلى الأذان وقول فليقل أمير المؤمنين إلى قول أشهد أن علياً ولي الله وأشهد أن علياً حجة الله لا يقتضيه اللفظ وهو قياس وفقهاء الشيعة لا يعملون بالقياس وهو من مختصات الإمام أبي حنيفة وأهل الرأي من أصحابه ومع ذلك فإن أبا حنيفة لا يعمل بمثل هذا القياس لأن القياس عنده حجة إذا أعوزت النصوص ولا يعمل بالقياس إذا وجد نص .
والسيد الحكيم عمل (( بالقياس ))
1- مع وجود خمسة وعشرين حديثاً عن أئمة أهل البيت على خلافه.
2- وأطباق كلمة المسلمين من الشيعة وغيرهم على نفيه .
3- وقيام الضرورة من الدين على رده .
أهكذا يكون استنباط الأحكام الشرعية ؟
ثلاثة عشر :
يقول السيد الحكيم في فتواه إن كلمة أشهد أن علياً ولي الله من كلام الآدميين فلا يجوز في الصلاة .
وقد أطبق علماء الشيعة استنادا إلى الروايات عن أهل البيت - عليه السلام - على أن الكلام في أثناء الأذان والإقامة مكروه فكيف يقول باستحباب المكروه .
قال المحقق الفيض الكاشاني في مفاتيحه عند ذكر مكروهات الأذان والإقامة ما نصه:
يكره الكلام خلالهما الأذان والإقامة ويتأكد في الإقامة للصحيح وغيره وقيل بتحريمه منها وهو شاذ إلى أن قال ومن كلام المكروه الترجيع ، إلى أن قال وكذا غير ذلك من الكلام وإن كان حقاً بل كان من أحكام الإيمان لأن ذلك كله مخالف للسنة فإن اعتقده شرعاً فهو حرام .
فلينظر المتدبر إلى هذا التهافت والتناقض في قول السيد الحكيم .
أربعة عشر :(35/47)
إذا اعترف السيد الحكيم بأن الشهادة الثالثة من كلام الآدميين ثبت كونها بدعة في الأذان وحراما ولان قول الآدميين مكروه في الأذان إذا اتفق ، أما الالتزام بقول للآدميين في الأذان على صورة الأذان وشكله فهو بدعة لأنه إدخال قول الآدميين في قول الله على سبيل الإلزام .
خمسة عشر :
إذا كانت هذه الشهادة من قول الآدميين كما اعترف به السيد الحكيم ، فما معنى القول بالاستحباب وهل رأيت قول آدمي مستحباً في عبادة موقوفة من الله مستحبة كانت أم واجبة .
أهكذا يكون الفقيه ؟
ستة عشر :
يقول السيد الحكيم بحيث يكون الأذان الخالي منها دليلاً على أن المؤذن من أبناء السنة .
هب ان الأمر كما يقول أفيكون هذا دليلاً على الاستحباب والاستحباب يحتاج إلى أمر من الشارع لا إلى هوى وتعصب .
فيقول باستحباب شيء للتعصب على أهل السنة وقد قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم كل عصبية في النار .
على أن هذا مخالف لقول الصدوق فإنه قال إن الأذان المشتمل على مثل هذه الكلمة دليل على أن المؤذن من أبناء (المفوضة) وأبناء السنة مسلمون وأبناء المفوضة مشركون ، كما ذكرنا ذلك في عقائد الشيخية لعنهم الله .
سبعة عشر :
ذكر السيد الحكيم في جواب السؤال الأول البدعة والضلالة ولم يسأل عنها فما غرضه من ذلك نحيل فهم هذا إلى القارئ ليعرف أن السيد الحكيم ماذا يريد أطعناً وإثارة فتنة أو جواب مسألة فقهية .
ثمانية عشر :
هب أنا سلمنا للسيد الحكيم قوله فالأمر دائر في الشهادة الثالثة في الأذان بين الحرمة كما قول الصدوق وجمهور العلماء المتقدمين ، أو الجواز أو الاستحباب كما يقول بعض متأخري المتأخرين ، وإذا دار الأمر بين الاستحباب والحرمة فإن الاحتياط يقتضي الترك لأن في الترك أمناً من العقاب على كل حال وفي الإتيان بها احتمالا للعقاب على تقدير الحرمه فطريق السلامة والنجاة تركها .(35/48)
وكم من مورد اتفق للسيد الحكيم في رسالته من هذا القبيل فقال بالاحتياط ولا أدري ما الذي حمله هنا على القول بالاستحباب جزماً من دون تحرج ولا إشارة إلى الاحتياط إلا يدل هذا على شيء في نفسه ؟
تسعة عشر :
قد عرفت حال خبر الاحتجاج وأنه مرسل ، مجهول الراوي ، غير دال على المطلوب وقد استدل به السيد الحكيم .
القرآن في آيات الجمعة هو القرآن ، وبماذا نصف القرآن وآياته واضحات بينات صريحة الدلالة مؤكدة بالتأكيدات الشديدة وقد ترك السيد الحكيم العمل بها ونفى وجود الجمعة بل قال بحرمتها ، في هذا الزمان بتاتا .
فيا لله للإسلام .
القرآن لا يعمل به لتخرصات واهية وخبر الاحتجاج مع ما فيه يعمل به في قبال ضرورة الدين وإجماع المسلمين والأحاديث المتواترة .
اللهم إليك المشتكى .
عشرين :
أصدر السيد الحكيم هذه الفتوى وطاف دعاته سهل العراق وحزنه يحملون الرايات السود يموهون على البسطاء في أمر هب أنه مستحب فلا يستحق مهاجمة من لا يعمل بمستحب مثل هذه المهاجمة وسئل السيد الحكيم عن الشيوعية والشيوعيين مراراً وهم ينكرون وجود الله وإرسال الرسل والشرائع ويستبيحون كل محرم ويهزؤون بالأديان كلها فلم يجب ، مع شدة الإلحاح والإصرار، فما حمله على الإسراع بالجواب هنا وترك الجواب هناك ؟
اللهم أنت تعلم حال عبادك .
{ قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ? } ( الأنبياء:112)
انتهى رد الشيخ الكاظمي على أجوبة محسن الحكيم (1).
ثم يقول في كتاب الاعتصام بحبل الله(2) لما انتهينا من طبع الكتاب جاءنا منشوران من النجف الأشرف أحدهما بإمضاء الهيئة العلمية وهذان المنشوران يذكران الشذوذ الكثير ، وضعف الاستدلال ، والمخالفات للموازين الشرعية التي توجد في فتاوى السيد الحكيم .
__________
(1) الاعتصام بحبل الله / ص78-87 ]
(2) الاعتصام بحبل الله / ص90 ](35/49)
وجاء كتيب بإمضاء ثلاثة من أكابر علماء النجف يذكرون فيه بطلان الأذان والصلاة إذا أتى بالشهادة الثالثة في الأذان والإقامة وقد عنون هذا الكتاب باسم (( أشهد أن عليا ولي الله )) وقد طبعت جميعها في مطابع النجف الأشرف وانتشرت من هناك .
انتهى كلامه .
أقول :
وشهد شاهد من أهلها .
وكفى الله المؤمنين القتال .
بعد ان قدمنا النص الكامل لفتاوى الحكيم مذيلة بالرد الدقيق والشامل للكاظمي – من غير زيادة ولا نقصان - اعتقد ان ليس ثمة ما يقال بعد ، فالأمر واضح ليس به خفاء إلا على من أعمى الله بصيرته وبصره .
إذا لم يكن للمرء عين صحيحة فلا غرو ان يرتاب والصبح مسفر
*******
هذا هو الحق ليس به خفاء فدعني من بنيات الطريق
فالشهادة الثالثة أذن بدعة لا اصل لها في الدين ، بل هي - وكما قرأنا - من فعل الغلاة المفوضة الملعونين ولولا ترداد السنة الجهلة المغفلين وبعض من المنتفعين، وتناقل الشيعة في الحسينيات والجوامع لها مستحسنين ، وتجرئ بعض ذوي العمائم في زماننا على عدها من الدين وأنها رمز للتشيع لاهل البيت الاكرمين ، لولا ذلك لما تكلمنا بهذا الكلام ولعددنا أقوالهم من سقطات الأقلام وهفوات الأحلام فلم نثبتها في قرطاس ولا ذكرنا بها من نسيها من الناس .
ولعل من العسير على القارئ الذي كانت سيرته التلفظ بالشهادة الثالثة أن يترك مذهباً نشأ عليه منذ نعومة أظفاره ، بل ونشأ عليه قومه ولكن لما كان الحق أحق أن يتبع ، كان لابد عليك عزيزي القارئ ان تدرس المسألة من جديد على ضوء أدلتها وبعد ان تتجرد من الهوى والعصبية ، وبعد ان تتخلى عن قناعاتك السابقة المبنية على التقليد الأعمى وعند ذلك فقط سيتجلى لك الحق بأجلى مظاهره ويسهل عليك عندها قبوله.(35/50)
ولن تبالي بما يقال عنك ما دمت مستيقناً أنك على الحق وانك متبع للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأهل بيته في تركك لهذه الزيادة وعندها هنيئاً لك بالاتباع والنجاة من الوقوع في خطر الابتداع .
عزيزي القارئ الشيعي ، كل ما تقدم من كلام كان فيمن أراد زيادة قول ( اشهد ان علياً ولي الله ) ورأيت كيف استفحل النزاع بين المراجع بخصوص هذه المسألة ما بين منكر لذلك وهم الجمهور الأعظم ، وما بين مثبت لتلك الزيادة وهم الشواذ الذين لا يعول عليهم .
أقول كل ذلك الخلاف كان بخصوص بعض جملة مضافة إلى ألفاظ الأذان ، ولكننا اليوم نرى الحسينيات ودور العبادة الشيعية كأنها في سباق محموم ، حيث تجد ألفاظاً كثيرة مضافة إلى الأذان بقدر ألفاظه بل واكثر من ذلك ، وتجد اختلاف الحسينيات في ذكر تلك الألفاظ وتنويعها الأمر الذي جعلنا نترحم على أيام المفوضة الذين لعنهم الأئمة وعلماء الشيعة وقالوا بكفرهم ، فهم بالنسبة إلى شيعة زماننا اقل غلواً وابتداعاً .
إذ أن المفوضة أضافوا إلى الأذان أشهد أن علياً ولي الله فقط أما اليوم فنسمع للأذان مقدمة ونهاية لا نعرف من أين أتت ، وبأي حديث عن الأئمة وردت .
ثم إنهم لم يقتصروا على ذكر علي- رضي الله عنه - وإنما أضافوا إليه بقية الأئمة المعصومين الإثنى عشر ، بإضافة عبارة وأولاده المعصومين حجج الله فأصبح النداء:
اشهد أن علياً وأولاده المعصومين حجج الله .
ومما ينبغي ان يعلم ان المفوضة وهم أصحاب هذه البدعة لم يجرؤوا على إضافة ما زاده المتأخرون الذين تفننوا في هذه الإضافات حتى اصبح لعلي صفتان في الأذان بأنه ولي الله ، وحجة الله ، وللنبي - صلى الله عليه وسلم - صفة واحدة وهي انه رسول الله .
ولا ادري لم استحق قوم اللعنة لانهم زادوا محمداً وال محمد خير البرية ولم يستحق هذه اللعنة من زاد اشهد أن علياً وأولاده المعصومين حجج الله التي لا يقول بها أحد غير الشيعة .(35/51)
ولا نعرف ماذا تخبئ لنا الأيام القادمة من إضافات .
واليك نص الأذان الذي يرفع الآن في الجوامع والحسينيات كل يوم لترى كم هي الإضافات التي لحقت بالأذان والله المستعان .
أذان اليوم
زيادة
أعوذ بالله من شر الشيطان الرجيم .
بسم الله الرحمن الرحيم .
إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً .
اللهم صلي على محمد وآل محمد.
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.
ولله الحمد .
الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر.
أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله .
أشهد أن محمداً رسول الله ، صلى الله عليه وأله .
أشهد أن محمداً رسول الله ، صلى الله عليه وأله .
زيادة
أشهد أن علياً ولي الله .
أشهد أن علياً وأولاده المعصومين حجج الله.
حي على الصلاة ، حي على الصلاة .
حي على الفلاح ، حي على الفلاح .
حي على خير العمل ، حي على خير العمل .
الله أكبر ، الله أكبر.
لا إله إلا الله ، لا إله إلا الله.
زيادة
إلى أرواح المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات ومن مات على الإيمان اهدي ثواب سورة الفاتحة قبلها الصلاة على محمد وآل محمد ، اللهم صل على محمد وآل محمد .
هذا نموذج واحد من نماذج الأذان الذي يرفع في المساجد والحسينيات إذ إننا وكما قلنا نجد أن لكل مؤذن عباراته الخاصة التي يختلف بها عن الآخرين فالإضافات لا تعد ولا تحصى وهي متروكة إلى مزاج كل مؤذن (1)
__________
(1) يقول الشيخ محمد سند في كتابه الشهادة الثالثة سبب الايمان ام جزء الاذان :
ان الاذان الذي يرفع اليوم في اذربيجان الشيعية الدولة المستقلة عن الدولة الروسية يذكر فيه اسماء جميع الائمة الاثنى عشر وليس علياً فقط .
[ الشهادة الثالثة سبب الايمان ام جزء الاذان / الشيخ محمد سند ص23](35/52)
.
الفصل الرابع
الطعن على المخالفين
شنشنة نعرفها من اخزم
ليس ثمة خلاف في ان الخبر ما دام انه خبر فهو يحتمل التصديق والتكذيب وان قائله معرض لان يقال له أنت صادق أو يقال له أنت كاذب ، وهذه قاعدة عامة يسري حكمها على الجميع حاشا الله ورسوله .
ولما كان ذلك كذلك فليس بدعا ان يرد على أي كان قوله اذا لم يكن للقول دليل يعضده أو حجة ينتهض بها ، وليس من الغريب ان ترى الكتاب والباحثين بله العلماء يرد بعضهم قول بعض ، وينقض بعضهم قول الأخر ما دام انهم يرون ان شروط قبول القول غير متوافرة فيه على ما يعرف ذلك في كتب آداب البحث والمناظرة .
وهذا الأمر – أي الردود بالحجج والبراهين – أمر لا يمثل شيئا خارجاً عن المألوف وانما الشيء الغريب وغير المألوف هو ان يكتب المرء كتاباً بغية الرد على الخصم فيعمد في سبيل ذلك إلى استخدام أسلوب التشهير بألفاظ وعبارات تصطك الأذان من سماعها كعبارات التكفير أو التفسيق أو الخروج عن الدين والمذهب وهذا الأسلوب مع غرابته أسلوب قديم مطروق واعتاد سلوكه كل من عجز عن مقارعة خصمه بالحجة والدليل والبرهان .
وسوف ندلل في ثنايا هذا البحث كيف ان الشيعة قد سلكوا هذا المسلك فوصفوا خصومهم ومعارضيهم بالنعوت المنفرة والأسماء التي من شأنها ان تهيج وتثير الغوغاء على من وصموهم بتلك النعوت وسوف أتدرج بك أيها القارئ في عرض هذه القضية كي تكون على دراية وخبرة بأساليب القوم وابدأ معك من مسألتنا التي نبحث فيها وهي قضية ( الشهادة الثالثة ) ثم اعرج بك على نماذج ممن سقطوا من قبل الشيعة فأقول :(35/53)
وقع تحت يدي كتاب بعنوان الشهادة الثالثة في الأذان بحث وتعليق لمؤلفه جاسم آل كلكاوي ومن تصفحي لهذا الكتاب وجدت انه قد ألفه للرد على محمد مهدي الخالصي، فقلت ان القوم ربما شعروا بضعف حجتهم وأدلتهم في هذه المسألة ، وظننت أنني سأشهد مناظرات ، ومساجلات ، ومسائل ومباحث ، ربما كانت غائبة عن ذهن الخالصي والكاظمي وعن ذهن من يرى رأيه في المسألة ، ولكن سرعان ما خاب ظني في هذا الكتاب الذي وجدته لم يخصص في حقيقة الأمر للرد على أقوال الخالصي بقدر ما خصص للرد على الخالصي نفسه مستخدما ذلك الأسلوب الذي أشرنا إليه من قبل فالمؤلف -اعني جاسم أل كلكاوي- أتى بالدليل نفسه الذي اعتمده الحكيم ونقضه الكاظمي وهو رواية الاحتجاج للطبرسي حيث قال :
عن الطبرسي عن أبي عبد لله - عليه السلام - قال :
إذا قال أحدكم لا إله إلا الله محمد رسول الله فليقل علي أمير المؤمنين ولي الله (1).
وكأن الخالصي والكاظمي كانا في واد ومؤلفنا كان في واد أخر ويمكن ان نعطي للرجل عذره إذا علمنا ان التعصب يذهب بالعقول فلا يكون همه سوى الانتصار لفكرته التي يحملها حتى وان كانت تلك الفكرة نفسها قد تم نقضها من قبل واما بقية الكتاب فلم نعثر فيه إلا على الاتهامات والطعونات واليك بعضاً منها :
إن الخالصي وأراءه المضطربة تعتبر المعول الذي ثلم وحدة الصفوف وصدع كيان ألفتها.
فاحتضن الاستعمار محمد الخالصي مستغلاً نفوذ والده الديني ، وشهرته العالمية ، فأبدى هذا نشاطاً ملموساً وكون شبكة جاسوسية تخدم مصالح الاستعمار في إيران.
الخالصي يفصل بين زوجين لقاء دراهم بخسة .
وبديهياً إن الخالصي سينشرح عندما نتطرق إلى ذكريات صباه مع حسناء زرا دشت .
إتخذ الخالصي من الدين ذريعة لابتزاز الأموال .
أحد الأطباء الذين باشروا الخالصي بعد فحوص قال إن الخالصي مجنون.
__________
(1) الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة بحث وتعليق / جاسم أل كلكاوي ص5-22](35/54)
علماء النجف وكربلاء يعزون فتواه المخالفة لضروريات الدين إلى الجنون.
إعتصمت به شرذمة من أصحاب السوابق والهاربين من وجه العدالة وعدة من المجاذيب(1) .
أقول :
قد تظن أيها القارئ ان ما سقته إليك من اتهامات وطعونات هي حالة فردية لشخص واحد ، ومثل هذه الحالة لا ينبغي بالباحث المنصف ان يعممها على بقية الشيعة فيشملهم بهذا الحكم ، إلا أني أقول لك جازما انه يمكن تعميم هذا الاتهام وهذه الحالة على كل الشيعة فما من أحد خرج بفتوى أو كلمة تخالف مقررات الحوزة الا وكان نصيبه كنصيب الخالصي أو اكثر فلك ان تسمع اتهامات بالجاسوسية ، أو الجنون، أو الجنس ، أو سرقة الأموال ، أو الوهابية ، أضافةً إلى رميه بالكفر، والسب، واللعن ، وقد تصل إلى حد القتل .
وهذا كان حال موسى الموسوي(2)
__________
(1) الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة بحث وتعليق / جاسم أل كلكاوي ص18 ]
(2) موسى الموسوي :
[ حصل على درجة الاجتهاد من الحوزة الدينية في النجف ، جده هو آية الله أبو الحسن الأصفهاني المرجع الشيعي الأعلى في النجف ، له مؤلفات عديدة منها ، الشيعة والتصحيح، وياشيعة العالم استيقضوا ، وكتاب الثورة البائسة ، وغيرها من الكتب ]
ذكر الدكتور علاء الدين القزويني في رده على كتاب موسى الموسوي (الشيعة والتصحيح) عدة اتهامات تمس شخص موسى الموسوي وقبل ان نورد قوله واتهاماته ، اطلب منك أيها القارئ ان تتأمل ماهية تلك الاتهامات فهي فضلاً عن كونها لا يقوم عليها دليل فهي لا تليق بالردود العلمية إلى درجة انه اتهمه بجريمة اللواط واليك نص كلامه :
* كان الدكتور شاباً نزقاً مترفاً أنفق كل ما لديه من مال بذخاً وترفاً خلال برهة من الزمن وكان يحضر مجالس اللهو والشرب ويرتاد الفنادق والمقاهي بعمامته وعباءته غالباً .
* لجأ إلى تحرير الصكوك المزيفة حتى وصلت المبالغ التي حصل عليها بهذا الطريق أكثر من مليون تومان .
* كان الموسوي يتقاضى مرتباً مجزياً من السافاك وكذلك من مؤسسة بهلوي .
* قدم الموسوي تعهداته في التعاون مع نظام الشاه .
* يشاع أن الدكتور الموسوي قام بإعمال غير مشروعة مع بعض الرجال أمثال ……. نظراً لما يتمتع به من حسن وجمال .
[ مع الدكتور موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح / الدكتور علاء الدين السيد أمير محمد القزويني ص23](35/55)