وقال في ص 47 وهو ما عبر عنه مسلم في مقدمة صحيحه بالقول : "باب بيان أن الإسناد من الدين وأن الرواية لا تكون إلا عن الثقات وإن جرح الرواة بما هو فيهم جائز بل واجب وأنه ليس من الغيبة المحرمة بل من الذب عن الشريعة المكرمة "
وهذا الكلام للإمام النووي كما في شرحه على مسلم :
"باب بيان أن الإسناد من الدين ، وأن الرواية لا تكون إلا عن الثقات ، وأن جرح الرواة بما هو فيهم جائز، بل واجب ،وأنه ليس من الغيبة المحرمة ، بل من الذب عن الشريعة المكرمة ".
(شرح النووي على صحيح مسلم ج 1 ص 84 )
ومن المعلوم لدى طلاب علم الحديث المبتدئين فيه أن الإمام مسلم لم يبوب كتابه وإنما بوبه الشراح .
قال الإمام ابن الصلاح رحمه الله : " ثم إن مسلما رحمه الله وإيانا رتب كتابه على الأبواب ، فهو مبوب في الحقيقة ، ولكنه لم يذكر تراجم الأبواب ؛ لئلا يزداد حجم الكتاب ، أو لغير ذلك ".
(صيانة صحيح مسلم ص 101)
والنسخة المشهورة من صحيح مسلم المتداولة ؛ هي نسخة محمد فؤاد عبد الباقي .قد أدخل في صلب الكتاب تبويبات النووي ، كما فعل بعض النساخ للكتاب قديما . وهو فعل منتقد من أهل العلم .
قال الشيخ محمد بن الشيخ علي بن آدم الأتيوبي :
"لقد أساء في هذا الصنيع بعض من نسخ الكتاب ، منهم الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي ، حيث أدخل التراجم في صلب الكتاب ، فأوهم القارئ أنه من صنيع المصنف ، فبئسما صنع فليتنبه لهذا الخطأ " .
(قرة عين المحتاج في شرج مقدمة صحيح مسلم بن الحجاج 1/ 51 )
واتضح ذلك من خلال تبنيه لرأي قيل قبله وشاع عند المتأخرين ، وهو أن ابن حبان يوثق المجاهيل ، ويصحح أحاديثهم . مع أن كلام ابن حبان المبرئ له من هذه التهمة واضح .
قال في ص 205
"إن لابن حبان منهجا في التصحيح شذ فيه عن منهج أهل الحديث الآخرين فهو يقول بتوثيق المجهولين من الرواة "(22/54)
وهذا الكلام يرده كلام ابن حبان نفسه فقال مبينا أنه لا يوثق المجاهيل كما في ترجمة عبد الله بن المؤمل :
559 عبد الله بن المؤمل المخزومي شيخ من أهل مكة يروي عن أبي الزبير
"لا يجوز الاحتجاج بخبره إذا انفرد ؛لأنه لم يتبين عندنا عدالته فيقبل ما انفرد به ، وذاك أنه قليل الحديث لم يتهيأ اعتبار حديثه بحديث غيره ؛ لقلته فيحكم له بالعدالة ،أو الجرح ،ولا يتهيأ إطلاق العدالة على من ليس نعرفه بها يقينا ، فيقبل ما انفرد به ، فعسى نحل الحرام ، ونحرم الحلال برواية من ليس بعدل ، أو نقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل ، اعتمادا منا على رواية من ليس بعدل عندنا ،كما لا يتهيأ إطلاق الجرح على من ليس يستحقه بإحدى الأسباب التي ذكرناها من أنواع الجرح في أول الكتاب . وعائذ بالله من هذين الخصلتين أن نجرح العدل علم ، أو نعدل المجروح من غير يقين ،ونسأل الله الستر ".
المجروحين ج: 2 ص: 27 ـ المجروحين ج: 2 ص: 28) )
وقال أيضا :
"وأماشرطنا في نقلة ما أودعناه كتابنا هذا من السنن ، فإنا لم نحتج فيه إلا بحديث اجتمع في كل شيخ من رواته خمسة أشياء:
الأول العدالة في الدين بالستر الجميل.
والثاني الصدق في الحديث بالشهرة فيه.
والثالث العقل بما يحدث من الحديث .
والرابع العلم بما يحيل من معاني ما يروي .
والخامس المتعرى خبره عن التدليس . فكل من اجتمع فيه هذه الخصال الخمس، احتججنا بحديثه وبنينا الكتاب على روايته، وكل من تعرى عن خصلة من هذه الخصال الخمس لم نحتج به ، والعدالة في الإنسان : هو أن يكون أكثر أحواله طاعة الله ، لأنا متى ما لم نجعل العدل إلا من لم يوجد منه معصية بحال ؛ أدانا ذلك إلى أن ليس في الدنيا عدل ، إذ الناس لا تخلو أحوالهم من ورود خلل الشيطان فيها ، بل العدل من كان ظاهر أحوله طاعة الله ، والذي يخالف العدل من كان كثر أحواله معصية الله".
(صحيح ابن حبان 1 / 151)(22/55)
لكن المنهج الذي انتهجه ابن حبان : أنه أورد في كتابه الثقات كل من لا يعلم فيه جرحا .
قال الشيخ عبد الله الجديع : " وتحقيق : أن ابن حبان لمن تأمل كتابيه يجده إماما بصيرا بالنقلة ،يعرضهم على موازين النقد ، ويحرر أحوالهم في الرواية من خلال مروياتهم ، وهو ذاته منهج متقدمي الأئمة .
وهو في إيراده هذا الصنف من الرواة ( في الثقات )فمن أجل أنه جعل الأصل في كل راو لم يقف في روايته على ما يطعن فيه لأجله اللحاق بالثقات ، وإن كان من يكون ذك الراوي .
وحيث علمنا أن ابن حبان إذا لم يثبت عنده كون الراوي مجروحا فإنه يدخله في ( الثقات ) ،وأنه أدخل فيه من لا يعرفه ، فهذا منهج لا يعني أن من في كتابه من هؤلاء فهم ممن يحتج بهم ، بل فيهم من هو حجة ، وفيهم من هو دون ذلك ممن هو صالح للاعتبار ، والمستورون والمجهولون الذين لم يثبت عليهم فيما رووا حديث منكر يحتملون هم وزره ،فهؤلاء يعتبر بهم ، ويحتج بحديثهم لغيره ، وربما خرج حديثهم في " الصحاح " متابعة .
وهذا منهج لا يعرف فيه اختلاف من حيث الجملة .
ولم أر وجها لعيب ابن حبان بهذا خلافا لما جرى عليه طائفة من المتأخرين ؛ لأنا قد تبينا منهجه ، فغاية الأمر ألا نجعل من مجرد إيراده الراوي في ( الثقات ) صحة الاحتجاج به ، حتى ينضم إلى ذلك سائر شروط الاحتجاج .
والراوي يلحق بالثقات ولا يحتج به منهج قديم فهذا أبو حاتم الرازي مثلا على تشدده يقول في ( محل بن محرز ) " كان آخر من بقي من ثقات أصحاب إبراهيم ، ما بحديثه بأس ، ولا يحتج بحديثه ، كان شيخا مستورا ، أدخله البخاري في كتاب الضعفاء ، يحول من هناك ". وهذا يدل على أمور :
أولها يكون الرجل ثقة ، ولا يحتج به .
وثانيها : المستور ثقة ، ولا يحتج به .
ثالثها : من هذه صفته لا يلحق بالضعفاء .
(تحرير علوم الحديث 1/ 328 )
واتضح ذلك من خلال كلامه في الرجال عندما اتهم عكرمة بن عمار بالكذب .
قال في ص 111(22/56)
"هذا حديث معلول المتن ، وفي سنده متهم بالكذب ، رغم أنه في صحيح مسلم ، فقد أعله العديد من أهل العلم ، منهم ابن حزم وابن الجوزي اللذان جزما بإن الحديث موضوع ، واتهما أحد رواته (عكرمة بن عمار ) بالكذب " .
قال كاتب هذه السطور عفا الله عنه :
عكرمة بن عمار لم يتهمه أحد من أئمة الحديث بالكذب إطلاقا ، ونحن نقول أئمة الحديث فإن ابن حزم وإن كان إماما في كثير من العلوم إلا أنه لم يكن عالما بعلم الجرح والتعديل ولذلك كثر خطأه في الكلام على الرجال وابن حزم وحده هو الذي اتهم عكرمة بن عمار بالكذب وقد رد عليه ابن الصلاح ردا قويا كما سيأتي في ترجمة عكرمة .
أما حال عكرمة بن عمار فقد لخصها الذهبي بقوله :
عكرمة بن عمار الحنفي اليمامي ، عن الهرماس وله صحبة ، وعن طاووس ، وجماعة ، وعنه شعبة ، والقطان ،وعبد الرزاق ، ثقة إلا في يحيى بن أبي كثير فمضطرب ، وكان مجاب الدعوة مات 159 م 4
(الكاشف ج 2 /ص 33)
هذه خلاصة كلام أهل العلم فيه .
وقد فصل الحافظ ابن حجر كلامهم أهل العم فيه . ينظر
(تهذيب التهذيب ج 7 /ص 232 ـ تهذيب التهذيب ج 7 /ص 233)
وقال سبط بن العجلي :(22/57)
[534] "عكرمة بن عمار( خت م ع ) أبو عمار العجلي اليمامي. إمام ثقة . له ترجمة في الميزان وفي آخرها : وفي صحيح مسلم قد ساق له أصلا منكرا عن سماك الحنفي عن بن عباس ، في الثلاثة التي طلبها أبو سفيان انتهى. واعلم أن الحافظ أبا محمد بن حزم الظاهري قال : في روايته عنه أنه موضوع . قال : والآفة فيه من عكرمة بن عمار . وقد أنكر ابن الصلاح الحافظ أبو عمرو علي ابن حزم وبالغ في الشناعة عليه قال : "وهذا القول من جسارته ، فإنه كان هجوما على تخطئه الأئمة الكبار وإطلاق اللسان فيهم . قال : ولا نعلم أحدا من أئمة الحديث نسب عكرمة إلى وضع الحديث . وقد وثقه وكيع وابن معين وغيرهما ، وكان مجاب الدعوة انتهى . ولولا أن شرطي أن أذكر كل من وقفت عليه أنه وضع أو قيل فيه ذلك لما ذكرته والله أعلم "
(الكشف الحثيث ج 1 /ص 192)
وتضح ذلك من خلال نسبته لأهل الحديث القول بأن مجال الرواية مجال ظن ، وهو محض تقول على أهل الحديث .
قال :
"لقد انطلق أهل الحديث من التسليم بعدالة الرواية لدى جميع الصحابة، دون حاجة إلى البحث في خلفياتهم، وقد أحسنوا في ذلك، لأن مجال الرواية مجال ظني، ويكفي من تحصيل الظن بالصدق هنا غلبة الخير على جيل الصحابة، واستعظام الناس للكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الجيل ".
وخير من بحث هذه القضية بنوع من التفصيل شيخنا الشيخ حاتم الشريف وفقه الله لكل خير ، فقال ـ في كتابه الماتع " المنهج المقترح لفهم المصطلح "
وأنقل هنا خلاصة بحثه وأحيل القارئ إلى البحث إن أراد معرفة أدلته .(22/58)
قال حفظه الله : "فالأصل في ( خبر الآحاد) الذي يصححه المحدثون أنه يفيد ( العلم ) عندهم ، لأن تصحيح الحديث يقتضي عندهم : اعتماد غلبة الظن بصدق الخبر ، مع قرائن إثباته . لأن غلبة الظن تحصل بمجرد صحة السند ، أي بانتفاء العلل الظاهرة . أما انتفاء العلل الباطنة ، فهو قرائن الإثبات وعلامات مطابقة الخبر لواقع الحال ، وهو ( العلم ) .
والبحث يبدأ من ص 132 ـ 139لمن أحب مراجعته في (المنهج المقترح لفهم المصطلح)
بعد أن بينا مدى جهل الكاتب بقواعد علم الحديث النظرية ، نبين ما ترتب على ذلك من جهل بتطبيقها ، وهذا الجانب يتناول ثلاثة محاور الأول منها طريقة تخريجه للأحاديث ، والثاني منها حكمه عليها ، والثالث منها قلة الأمانة العلمية في نقله لكلام أهل العلم حول بعضها .
أولا تخرجه للأحاديث تخريج من لم يعرف كيفية التخريج فتارة يخرج من كتب التاريخ وتارة من كتب الشروح وتارة من كتب المجاميع أي الكتب التي جمعت كتبا معينة مع حذف أسانيدها ، وحتى عندما يخرج من الكتب الأصول لا تجد له منهجا معينا فتراه مثلا يخرج حديثا في صحيح مسلم من صحيح ابن حبان ولا يشير إلى أنه في مسلم ، وتراه مرة أخرى يخرج حديثا من الأصول ومعها الكتب لتي ليست أصولا فيقدمها عليها في التخريج .
فحديث كلاب الحوأب خرجه من سير أعلام النبلاء .
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم: كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب؟«.
حديث صحيح .انظر : سير أعلام النبلاء 2/177ـ 178
وأحد روايات قصة سعد بن أبي وقاص مع معاوي، أخرجه من فتح الباري .
وعند أبي يعلى عن سعد من وجه آخر لا بأس به قال: لو وضع المنشار على مفرقي على أن أسب عليا ما سببته أبدا«
فتح الباري 7/74
وحديث المغفرة لأهل بدر خرجه من شرح المباركفوري للترمذي وفتح الباري والتمهيد .
لن يدخل النار أحد شهد بدرا(22/59)
رواه أحمد بإسناد على شرط مسلم ، انظر المباركفوري : تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي 9/142وابن عبد البر : التمهيد لما في الموطإ من المعاني والأسانيد 6/355 وفتح الباري 7/305
وحديث قل الحق ولوكان مرا خرجه من مجمع الزوائد وهذا كما يعلم طلاب علم الحديث ليس تخريجا .
مجمع الزوائد 7/265 وقال الهيثمي : "رواه الطبراني في الصغير، والكبير بنحوه … ورجاله رجال الصحيح غير سلام أبي المنذر، وهو ثقة، ورواه البزار"
وحديث دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم الهداية أخرجه من ابن حبان مع أنه في مسلم دون أن يشير إلى ذلك .
"اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل،فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون.. اهدني لما اختُلف فيه من الحق، فإنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم"
صحيح ابن حبان 6/335
وحديث القضاة ، أخرجه من كتب أصلية ، وثانوية ، فمثلا كتاب الترمذي كتاب أصلى في التخريج فهو كتاب راية يروي بالإسناد ، وكتب البيهقي كتب تروي من كتب الرواية فهي كتب ثانوية في التخريج . فقدقدم الثانوي في التخريج على الأصلي .
"القضاة ثلاثة : قاضيان في النار، وقاض في الجنة. رجل علم الحق وقضى به فهو في الجنة، ورجل قضى للناس على جهل، فهو في النار، ورجل علم الحق وقضى بخلافه فهو في النار"
، وحديث "القضاة ثلاثة .." رواه بألفاظ مختلفة : الحاكم 4/101 والبيهقي في الكبرى 10/117 وفي الشعب 6/73 والترمذي 3/613 والطبراني في الأوسط 7/39 وفي الكبير 2/21
كل ما مر نماذج ، وليس هو جميع ما أخطأ فيه في طريقة التخريج ، بل كل تخريجاته من هذا المعجن .
وأما المحور الثاني وهو أخطاءه في حكمه على بعض الأحاديث .
إيراده لبعض الآثار والأحاديث الضعيفة ناسفا بذلك ما قرره في القاعدة الأولى من قواعده وهي التثبت في النقل والرواية ، وانساق مع ما حذر منه من خلط الوقائع بالمشاعر، والسكوت على الضعيف ما دام يؤيد الرأي .(22/60)
من ذلك قبوله لأثر عائشة في فقصة تسمية الناس القتال الأول بيوم الجمل .
قال عن عائشة في ص 137
"محمد بن قيس قال ذكر لعائشة يوم الجمل، قالت والناس يقولون يوم الجمل ؟ قالوا: نعم قالت : وددت أني جلست كما جلس أصحابي ، فكان أحب إلي من أن أكون ولدت من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة ، كلهم مثل عبد الرحمن بن هشام وعبد الله الزبير "
هذا الأثر قال عنه الحافظ بن حجر بعد أن ساقه
وفي سنده أبو معشر نجيح المدني وفيه ضعف
(فتح الباري ج 13 ص 55)
ومن الأخطاء الحديثية في الحكم على الحديث ، تصحيحه لقصة الوليد بن عقبة مع بن المصطلق .
وأنها سبب نزول قوله تعالى يأيها الذين آمنوا إنجاءكم فاسق بنبأ .
قال في ص 196 ـ 197
معلقا على تضعيف الأستاذ محب الدين الخطيب للقصة : "ويبدوا أن الشيخ الخطيب قد خانه الاستقراء فقد أخرج هذا الحديث أحمد وابن أبي حاتم والطبراني وابن منده وابن مردويه عن الحارث بن ضرار ، وهو صحابي ووالد أم المؤمنين جويرية ، كما أنه شاهد عيان، إذ هو سيد قبيلة بن المصطلق التي أرسل إليهم الوليد ، وهذا غير رواية أم سلمة ، وغير الأخبار الموقوفة التي ركز عليها الشيخ الخطيب ".
ونحن نقول إن العلم قد خان الكاتب هنا فإن هذه الرواية التي فرح بها مدارها على دينار والد عيس بن دينار وهو مجهول لا يعرف كما قال ابن معين . (تهذيب التهذيب 8/282 )
فالرواية ضعيفة إلا إذا كان الكاتب يريد أن يتبنى الرأي الذي نسبه لابن حبان وانتقده وهو تصحيح أحاديث المجاهيل .والقصة مخرجة
(مسند الإمام أحمد بن حنبل ج 4 ص 279) ـ (المعجم الكبير ج 3 ص 274)
(الآحاد والمثاني ج 4 ص 309 ـ)(22/61)
ومن الأحاديث التي أوردها في البحث وهي ضعيفة دون أن ينبه على ضعفها حديث علي رضي الله عليه في المسند " عن على رضي الله عنه قال قيل يا رسول الله من يؤمر بعدك قال إن تؤمروا أبا بكر رضي الله عنه تجدوه أمينا، زاهدا في الدنيا ،راغبا في الآخرة. وإن تؤمروا عمر رضي الله عنه تجدوه قويا أمينا لا يخاف في الله لومة لائم . وإن تؤمروا عليا رضي الله عنه ولا أراكم فاعلين تجدوه هاديا مهديا ، يأخذ بكم الطريق المستقيم "
(مسند الإمام أحمد بن حنبل ج 1 ص 108)
وهو حديث ضعيف ينظر كلام الدار قطني عليه في (العلل 3/ 216 )
(وابن الجوزي في العلل المتناهية 1/253 ) (والخطيب في تاريخ بغداد 3/ 302)
ومن الأحاديث الضعيفة التي أوردها في البحث مستشهدا بها ، حديث علي في قصة ضرب الوليد بن عقبة لزوجه، واستجارتها بالرسول صلى الله عليه وسلم وإجارته لها، وعدم اكتراث الوليد بذلك . وهذه القصة مخرجة (في مسند الإمام أحمد بن حنبل ج 1 ص 152)
(ومسند أبي يعلى ج 1 ص 253) ـ( مسند أبي يعلى ج 1 ص 289)
وهي ضعيفة ،مدارها على أبي مريم قيس أبو مريم الثقفي المدائني ، وهو مجهول .
انظر : الجرح والتعديل ج 7 /ص 106
تاريخ بغداد ج 12 /ص 455
التاريخ الكبير ج 7 /ص 151
ومن أخطائه الحديثية المتعلقة بالحكم على الأسانيد ، قبوله لقصة خبر أبي سفيان مع علي ولومه له على قبول تولي أبي بكر للخلافة .
والأثر ضعيف أخرجه عبد الرزاق "عن بن أبجر قال لما بويع لأبي بكر رضي الله عنه جاء أبو سفيان إلى علي فقال غلبكم على هذا الأمر أذل أهل بيت في قريش أما والله لأملأنها خيلا ورجالا قال فقلت مازلت عدوا للإسلام وأهله فما ضر ذلك الإسلام وأهله شيئا أنا رأينا أبا بكر لها أهلا"
(مصنف عبد الرزاق ج 5 ص 451)
وهو ضعيف منقطع من رواية ابن أبجر وهو من أتباع التابعين .
قال الحافظ ابن حجر(22/62)
عبد الملك ين سعيد بن حيان، بالتحتانية ، بن أبجر ، بموحدة جيم ، الكوفي ، ثقة عابد ، من السادسة .
تقريب التهذيب الترجمة رقم 4181
وقد بين الحافظ في مقدمة كتابه تقريب التهذيب أن أصحاب الطبقة السادسة "لم يثت لهم لقاء أحد من الصحابة .
التقريب ص 97
ومن أخطائه الحديثية المتعلقة بالحكم على الأحاديث تضعيفه لقصة مبايعة علي الأبي بكر في أول الأمر ، دون أي حجة . مع أن القصة صححها كثير من أهل العلم .
وسأنقل هنا كلام الحافظ ابن كثير على القصة قال ابن كثير رحمه الله : " عن ابي سعيد الخدري قال قبض رسول الله واجتمع الناس في دار سعد بن عبادة وفيهم أبو بكر وعمر، قال: فقام خطيب الأنصار فقال أتعلمون أن رسول الله كان من المهاجرين وخليفته من المهاجرين ، ونحن كنا أنصار رسول الله ونحن أنصار خليفته كما كنا أنصاره. قال : فقام عمر بن الخطاب فقال صدق قائلكم أما لو قلتم على غير هذا لم نبايعكم . وأخذ بيد أبي بكر وقال : هذا صاحبكم فبايعوه ، فبايعه عمر وبايعه المهاجرون والأنصار قال : فصعد أبو بكر المنبر فنظر في وجوه القوم فلم ير الزبري ،ر قال فدعا بالزبير فجاء فقال : قلت ابن عمة رسول الله وحواريه أردت أن تشق عصا المسلمين ؟ فقال : لا تثريب يا خليفة رسول الله فقام فبايعه ، ثم نظر في وجوه القوم فلم ير عليا فدعا بعلي بن أبي طالب فجاء فقال : قلت ابن عم رسول الله وختنه على ابنته أردت أن تشق عصا المسلمين ؟ قال : لا تثريب يا خليفة رسول الله فبايعه . هذا أو معناه . وقال أبو علي الحافظ سمعت محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول: جاءني مسلم بن الحجاج فسألني عن هذا الحديث فكتبته له في رقعة وقرأته عليه ، وهذا حديث يسوى بدنة،قلت بل يسوى بدرة وقد . .. وهذا إسناد صحيح محفوظ من حديث أبي نضرة المنذر بن مالك بن قطعة عن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري وفيه فائدة جليلة وهي مبايعة علي بن أبي طالب أمافي أول يوم أو في(22/63)
اليوم الثاني من الوفاة، وهذا حق فإن علي بن أبي طالب لم يفارق الصديق في وقت من الأوقات ولم ينقطع في صلاة من الصلوات خلفه كما سنذكره ، وخرج معه إلى ذي القصة لما خرج الصديق شاهرا سيفه يريد قتال أهل الردة كما سنبينه قريبا ، ولكن لما حصل من فاطمة رضي الله عنها عتب على الصديق بسبب ما كانت متوهمة من أنها تستحق ميراث رسول الله ولم تعلم بما أخبرها به الصديق رضي الله عنه أنه قال ," لا نورث ما تركنا فهو صدقة". فحجبها وغيرها من أزواجه وعمه عن الميراث بهذا النص الصريح كما سنبين ذلك في موضعه ، فسألته أن ينظر علي في صدقة الأرض التي بخيبر وفدك فلم يجبها إلى ذلك لأنه رأى أن حقا عليه أن يقوم في جميع ما كان يتولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو الصادق ، البار، الراشد، التابع للحق، رضي الله عنه، فحصل لها ـ وهي امرأة من البشر ليست براجية العصمة ـ عتب ، وتغضب ، ولم تكلم الصديق حتى ماتت ، واحتاج علي أن يراعي خاطرها بعض الشيء ، فلما ماتت بعد ستة أشهر من وفاة أبيها ؛ رأى علي أن يجدد البيعة مع أبي بكر رضي الله عنه ، كما سنذكره من الصحيحين وغيرهما ، فيما بعد إن شاء الله تعالى ،مع ما تقدم له من البيعة قبل دفن رسول الله صل الله عليه وسلم .
ويزيد ذلك صحة قول موسى بن عقبة في مغازيه عن سعد بن ابراهيم ، حدثني أبي أن أباه عبد الرحمن بن عوف كان مع عمر وأن محمد بن مسلمة كسر سيف الزبير . ثم خطب أبو بكر واعتذر إلى الناس وقال :" ما كنت حريصا على الإمارة يوما، ولا ليلة ، ولا سألتها في سر ولا علانية . " فقبل المهاجرون مقالته ، وقال علي والزبير :"ما غضبنا إلا لأنا أخرنا عن المشورة ، و إنا نرى أن أبا بكر أحق الناس بها ، إنه لصاحب الغار وإنا لنعرف شرفه وخبره ، ولقد أمره رسول الله أن يصلي بالناس وهو حي ".
إسناد جيد ولله الحمد والمنة "
(البداية والنهاية ج: 5 ص: 249)
الحديث قد صححه ابن كثير وبنى عليه .(22/64)
قلة الأمانة العليمة في نقله لكلام أهل العلم على الأحاديث والرجال .
تلا عب الكاتب عفا الله عنه بكلام الحافظ ابن حجر حول حديث أبي سعيد في مبايعة علي لأبي بكر في أول يوم أو اليوم الثاني ، وبتر منه ما لا يخدم فكرته ، وقول الحافظ ما لم يقل .
قال في ص 104 ـ 205
لقد كان في وسع الشيخ محب الدين والشيخ الاستانبولي الاستشهاد لرأيهما ـ على ما فيه من تكلف ـ بما ذكره بن حجر قال : " وقد صحح بن حبان وغيره من حديث أبي سعيد الخدري وغيره أن عليا بايع أبا بكر في أول الأمر "
يعني البيعة العامة التي كانت في المسجد في اليوم التالي لبيعة السقيفة . فهذه الرواية أقوى من روايات الطبري ، وإن كان يشوش عليها أمران:
تساهل بن حبان في تصحيحاته ، حتى أعرض معظم علماء الحديث والمعاصرين عن تصحيحاته .
.. وفي ترك بن حجر وهو الناقد المدقق العهدة على ابن حبان في هذا إشارة كافية إلى ضعف هذا الخبر " .
أنقل هنا كلام الحافظ ابن حجر ليتبين لعب الكاتب بنصه ثم أعقب عليه ببيان المآخذ على الكاتب في تصرفه في النص .
قال الحافظ :
"وقد تمسك الرافضة بتأخر علي عن بيعة أبي بكر إلى أن ماتت فاطمة ، وهذيانهم في ذلك مشهور وفي هذا الحديث ما يدفع في حجتهم ،ى وقد صحح ابن حبان وغيره من حديث أبي سعيد الخدري وغيره أن عليا بايع أبا بكر في أول الأمر ، وأما ما وقع في مسلم "عن الزهري أن رجلا قال له لم يبايع على أبا بكر حتى ماتت فاطمة قال :ولا أحد من بني هاشم "(22/65)
فقد ضعفه البيهقي بإن الزهري لم يسنده ، وأن الرواية الموصولة عن أبي سعيد أصح ، وجمع غيره بأنه بايعه بيعة ثانية مؤكدة للأولى لإزالة ما كان وقع بسبب الميراث ، كما تقدم وعلى هذا فيحمل قول الزهري لم يبايعه علي في تلك الأيام على إرادة الملازمة له والحضور عنده وما أشبه ذلك ، فإن في انقطاع مثله عن مثله ما يوهم من لا يعرف باطن الأمر أنه بسبب عدم الرضا بخلافته فأطلق من أطلق ذلك ، وبسبب ذلك أظهر على المبايعة التي بعد موت فاطمة عليها السلام لإزالة هذه الشبهة " .
(فتح الباري 7/495)
والمؤاخذات على تصرف الكاتب في هذا النص في نقطتين .
أولا لم يسق الكاتب النص في سياقه بل بتر منه ما أراد ليبني عليه حكمه وهو تضعيف الحافظ ابن حجر للحديث ، فسياق النص لا يخدم فكرة تضعيف ابن حجر للحديث ، إذ هو في سياق رده على الرافضة استدلالهم بحديث البخاري في تأخر علي رضي الله عنه في بيعة أبي بكر ؛ وأنه كان يطلب حقه في الإمامة التي أخذها منه أبو بكر والصحابة الآخرين ، ثم يستشهد الحافظ ابن حجر عليهم بالحديث الذي ذكر عن ابن حبان أنه صححه .
النقطة الثانية أن الحافظ لم يترك العهدة في تصحيح الحديث على ابن حبان كما زعم الكاتب ، بل في النص الذي نقل عنه الكاتب قال فيه " وقد صحح بن حبان وغيره" ويا سبحان الله أنا غابت هذه اللفظة عن الكاتب حتى يزعم أن الحافظ ترك العهدة على ابن حبان مع أنه ذكر معه غيره ،مما يدل على أن الحافظ لم يترك العهدة على ابن حبان وحده .
وقد ذكر الحافظ ابن حجر في الجزء الذي بتر الكاتب من كلامه تصحيح البيهقي للحديث ورده به كلام الزهري أن عليا وبني هاشم لم يبايعوا عليا مدة حيات فاطمة .(22/66)
وتصرف الحافظ مع الحديث يدل على تصحيحه له ، فلم يرده بحديث البخاري بل جمع بينها ولو كان ضعيفا عدنه لما جمع بينهما ، ولبين ضعفه ومعارضته لما في البخاري . والأصل في العالم إذا نقل عن أحد من أهل العلم تصحيح حديث ولم يتعقبه أنه موافق له في تصحيحه .
تنبيه لم أجد هذا الحديث في صحيح ابن حبان الذي بين أيدينا ، ولم يعزه له ابن كثير فلينتبه لذلك .
والحديث في ( المستدرك على الصحيحين ج 3 ص 80) ( سنن البيهقي الكبرى ج 8 ص 143 ).
ومن قلة أمانته العلمية في نقل كلام أهل العلم في الحديث ، إيهام القارئ أن ابن تيمية يضعف قصة مجادلة أبي بكر لسعد بن عبادة في قضية الإمارة وأنها في قريش واعتراف سعد بذلك.
فقال في ص 95
"وحين ما أورد بن تيمة حديث الحميري في بعض نسخ "المنهاج " صرح بإرساله كما تقتضيه الأمانة العلمية .."
نعم صرح ابن تيمية بإرساله ولكن صححه وبنى عليه أن سعدا بايع أبا بكر .
قال شيخ الإسلام ابن تيمة : "وهذا مرسل حسن ، ولعل حميدا أخذه عن بعض الصحابة الذين شهدوا ذلك ، وفيه فائدة جليلة جدا ، وهي أن سعد بن عبادة نزل عن مقامه الأول في دعوة الإمارة ، وأذعن للصديق بالإمارة ، فرضي الله عنهم أجمعين ".
(منهاج السنة 1/536)
ولما عرف الكاتب أنه غير أمين في نقله عن بن تيمة لم يعز هذا الكلام للمصدر الأصلي مع أنه بين يديه ، بل عزاه إلى المختصر .
ومن قلة أمانته العلمية في نقل كلام أهل العلم حول الحديث ، إيهام القارئ أن الترمذي يضعف حديث دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاوية "اللهم اجعله هاديا مهديا واهد به " والحق أن الترمذي قد أخرج الحديث من طريقين حسن واحدة منها ،وضعف الأخرى ، فكان المستحسن من باب الأمانة العلمية أن ينقل الكاتب الحكمين لا أن ينقل واحدا منهما ويدع الآخر .(22/67)
[3842] عن عبد الرحمن بن أبي عميرة وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لمعاوية اللهم اجعله هاديا مهديا واهد به قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب
سنن الترمذي ج 5 ص 687
[3843] عن أبي إدريس الخولاني قال لما عزل عمر بن الخطاب عمير بن سعد عن حمص ولى معاوية فقال الناس عزل عميرا وولى معاوية فقال عمير لا تذكروا معاوية إلا بخير فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اللهم أهد به قال أبو عيسى هذا حديث غريب قال وعمرو بن واقد يضعف
سنن الترمذي ج 5 ص 687
والحديث روه الإمام أحمد في المسند (4/216) و صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (3/236) وقال في الصحيحة ( 4 / 615 ) بعد أن ذكر طرقه : رجاله كلهم ثقات رجال مسلم ، فكان حقه أن يصحح .. وقال : وبالجملة فالحديث صحيح وهذه الطرق تزيده قوة على قوة ..
من قلة أما نته العلمية نسبته لفظة "ويح عما تقتله الفئة الباغية" للبخاري على الإطلاق دون أن يبين أن كثير من أهل العم أنكر أن تكون في البخاري وأنها لا توجد في أكثر نسخه .
قال في ص 143:
" ورواية البخاري للحديث لا تدع لبسا حول بغي أهل الشام في تلك الحرب "
قال الحافظ ابن حجر :(22/68)
"ولفظه "ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم" الحديث وأعلم أن هذه الزيادة لم يذكرها الحميدي في الجمع وقال : إن البخاري لم يذكرها أصلا ، وكذا قال أبو مسعود . قال : الحميدي : ولعلها لم تقع للبخاري ، أو وقعت فحذفها عمدا . قال : وقد أخرجها الإسماعيلي والبرقاني في هذا الحديث . قلت : ويظهر لي أن البخاري حذفها عمدا وذلك لنكتة خفية ، وهي أن أبا سعيد الخدري اعترف أنه لم يسمع هذه الزيادة من النبي صلى الله عليه وسلم فدل على أنها في هذه الرواية مدرجة ، والرواية التي بينت ذلك ليست على شرط البخاري ، وقد أخرجها البزار من طريق داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد فذكر الحديث في بناء المسجد وحملهم لبنة لبنة وفيه فقال أبو سعيد "فحدثني أصحابي ولم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : يا بن سمية تقتلك الفئة الباغية " أه
وبن سمية هو عمار وسمية اسم أمه . وهذا الإسناد على شرط مسلم ، وقد عين أبو سعيد من حدثه بذلك ، ففي مسلم والنسائي من طريق أبي سلمة عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال :"حدثني من هو خير مني أبو قتادة " فذكره فاقتصر البخاري على القدر الذي سمعه أبو سعيد من النبي صلى الله عليه وسلم دون غيره ، وهذا دال على دقة فهمه وتبحره في الاطلاع على علل الأحاديث "
(فتح الباري ج 1 ص 543)
وقال شيخ الإسلام :
"وكذلك حديث عمار بن ياسر تقتلك الفئة الباغية قد رواه مسلم في صحيحه من غير وجه ورواه البخاري لكن في كثير من النسخ لم يذكره تاما "
(منهاج السنة النبوية ج: 4 ص: 413)
وكذلك قلة الأمانة في نقل كلام أهل العلم في رواية الحسن عن سمرة ، وإيهام القارئ أن أهل العلم لم يختلفوا في قبولها .
قال في ص 188(22/69)
قلت" هذا الحديث الذي ضعفه ابن عربي هو صحيح أخرجه النسائي وأبو داود .. قال البخاري عن علي ابن المديني " سماع الحسن من سمرة صحيح " ، وأخذ بهذا الحديث . وقال البخاري : " أناأذهب إليه " . فلو لم يصح الحديث لما ذهب إليه هذان الإمامان، وحسبك بهما " .
والحق أن الأئمة اختلفوا في قبول رواية الحسن عن سمرة ولهم فيها خمسة أقوال .
قال الذهبي : " اختلف النقاد في الاحتجاج بنسخة الحسن عن سمرة ، وهي نحو خمسين حديثا .
(سير أعلام النبلاء 4/587)
المذهب الأول : النافون للسماع نفيا مطلقا :
قال شعبة بن الحجاج : " لم يسمع الحسن من سمرة "
(التاريخ لابن معين 4053)
(وفي إكمال تهذيب الكمال قال : في كتاب الأثرم : قلت لأبي عبد الله : ما تقول في سماع الحسن من سمرة ؟ فقال : قد أدخل بينه وبينه هياج بن عمران ، لا أراه سمع منه ، وكأنه ضعف حديث قريش .
وقال يحي بن معين في ( معرفة الرجال ) ، برواية ابن محرز : " لم يسمع الحسن من سمرة حرفا قط "
( 1 رقم 661)
وقال ابن المنذر يقال : الحسن لم يسمع من سمرة .
(الأوسط 3/117 )
وقال ابن حبان : "لم يسمع من سمرة شيئا "
(الإحسان رقم 1807 )
المذهب الثاني لم يسمع الحسن من سمرة وإنما يروي أحاديث سمرة وجادة من كتاب .
قال يحي بن سعيد القطان : " أحاديث سمرة التي يرويها الحسن عنه ، سمعنا أنها كتاب " .
(المعرف والتاريخ للفسوي 3/11)
وفي( المراسيل) لابن أبي حاتم ، أن بهز بن أسد سئل : "عن اعتماد الحسن ؟فقال : على كتب سمرة "
(رقم 95)
قال يحي ابن معين : " لم يسمع الحسن من سمرة شيئا ، وهو كتاب " .
التاريخ لابن معين (رقم 4094)
وقال البيهقي في حديث من أحاديث الحسن عن سمرة رضي الله عنه : "هو في معنى المرسل لأن الحسن أخذ من كتاب ، لا عن سماع " .
السنن الصعرى للبيهقي (رقم 1881)
المذهب الثالث لم يسمع من سمرة إلا حديث العقيقة .(22/70)
قال الدار قطني : " الحسن مختلف في سماعه من سمرة وقد سمع منه حديثا واحدا ، وهو حديث العقيقة ، فيما زعم قريش بن أنس ، عن حبيب بن شهيد " .
(سنن الدار قطني 1/336) وكذل قال ابن حزم . (المحلى 2/12 ـ 7/ 525 ـ 9/103)
المذهب الرابع لم يسمع منه إلا حديث العقيقة وحده ، والباقي يرويه وجادة .
قال النسائي : " الحسن عن سمرة كتاب ، لم يسمع الحسن من سمرة إلا حديث العقيقة ".
(المجتبى رقم 1380)
وقال : " الحسن عن سمرة : قيل إنه من صحيفة غير مسموعة ، إلا حديث العقيقة ؛ فإنه قيل للحسن : ممن سمعت حديث العقيقة ؟ قال : عن سمرة .
وليس كل أهل العلم يصححون هذه الرواية .. "
(السنن الكبرى رقم 6939) وكذا قال البزار وابن عبد البر وابن كثير وابن عساكر .
والمذهب الخامس هو من أثبت له السماع مطلقا وهو الذي ذكره الكاتب .
وهو قول البخاري وعلي ابن لمديني والترمذي ومسلم .
كل ما مر حول رواية الحسن عن سمرة استفده من البحث الماتع الذي عقده لها شيخنا الشريف حاتم العوني في كتابه الفذ ، (المرسل الخفي وعلاقته بالتدليس) مع اختصار وتصرف مني في النقل وإثبات المراجع ، وهو بحث يحق لك أن تصفه بأنه لم دع لقائل في هذه القضية مقالا ، فجمع أشتات المسألة من المراجع المطبوعة ، والمخطوطة وحقق القول فيها ، فهو العمري كما تقول العرب (قطعت جهينة قول كل خطيب) .
ومن قلة أمانته في نقل كلام أهل العلم حول الحديث محاولة إيهام القارئ بصحة أحاديث لعن الوليد، ومروان وذريته ، مع أن أهل العلم قد قالوا فيها قولتهم الصريحة المخالفة لما يريد الكاتب من إيهام القراء بصحتها .
قال ابن القيم :
" أحاديث ذم الوليد ،ومروان بن الحكم ، كذب "
المنار المنيف ص ( 117 )
التنبيه الثاني ـ بيان أن الكاتب لم يلتزم العلم أو العدل في أحكامه التاريخية .
في هذه الوقفة سنتناول أحكام المؤلف التاريخية ، ونرى مدى التزامه فيها بالعلم والعدل .(22/71)
أول خطأ تاريخي في الكتاب هو عنوانه الخلافات السياسية بين الصحابة .
والحق أنه لا خلاف سياسي بين الصحابة كما بين أهل العلم .
قال ابن حزم رحمه الله :
" قال أبو محمد : وأما أمر معاوية رضي الله عنه فبخلاف ذلك ولم يقاتله علي رضي الله عنه لامتناعه من بيعته لأنه كان يسعه في ذلك ما وسع ابن عمر وغيره لكن قاتله لامتناعه من إنفاذ أوامره في جميع أرض الشام ، وهو الإمام الواجبة طاعته فعلي المصيب في هذا، ولم ينكر معاوية قط فضل علي واستحقاقه الخلافة لكن اجتهاده أداه إلى أن رأى تقديم أخذ القود من قتلة عثمان رضي الله عنه على البيعة ، ورأى نفسه أحق بطلب دم عثمان والكلام فيه عن ولد عثمان وولد الحكم ابن أبي العاص لسنه ولقوته على الطلب بذلك ،كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الرحمن بن سهل أخا عبد الله بن سهل المقتول بخيبر بالسكوت ، وهو أخو المقتول وقال :" له كبر كبر" وروى : "الكبر الكبر" فسكت عبد الرحمن وتكلم محيصة وحويصة أبناء مسعود ، وهما أبنا عم المقتول لأنهما كان أسن من أخيه ،فلم يطلب معاوية من ذلك إلا ما كان له من الحق أن يطلبه ، وأصاب في ذلك للأثر الذي ذكرنا وإنما أخطأ في تقديمه ذلك على البيعة فقط ، فله أجر الاجتهاد في ذلك ولا إثم عليه فيما حرم من الإصابة كسائر المخطئين في اجتهادهم الذين أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم :"أن لهم أجرا واحدا وللمصيب أجرين ".
(الفصل في الملل ج: 4 ص: 124)
قال النووي رحمه الله :
"وأمامعاوية رضي الله عنه فهو من العدول الفضلاء ، والصحابة النجباء ، رضي الله عنه .(22/72)
وأما الحروب التي جرت فكانت لكل طائفة شبهة اعتقدت تصويب أنفسها بسببها ، وكلهم عدول رضي الله عنهم ، ومتأولون في حروبهم وغيرها ، ولم يخرج شئ من ذلك أحدا منهم عن العدالة ؛ لأنهم مجتهدون ، اختلفوا في مسائل من محل الاجتهاد ، كما يختلف المجتهدون بعدهم في مسائل من الدماء وغيرها ، ولا يلزم من ذلك نقص أحد منهم .
واعلم أن سبب تلك الحروب أن القضايا كانت مشتبهة ، فلشدة اشتباهها اختلف اجتهادهم ، وصاروا ثلاثة أقسام : قسم ظهر لهم بالاجتهاد أن الحق في هذا الطرف ، وأن مخالفه باغ ، فوجب عليهم نصرته ، وقتال الباغي عليه ،فيما اعتقدوه ففعلوا ذلك ،ولم يكن يحل لمن هذه صفته التأخر عن مساعدة إمام العدل في قتال البغاة في اعتقاده.
وقسم عكس هؤلاء ظهر لهم بالاجتهاد أن الحق في الطرف الآخر ، فوجب عليهم مساعدته وقتال الباغي عليه . وقسم ثالث اشتبهت عليهم القضية وتحيروا فيها ، ولم يظهر لهم ترجيح أحد الطرفين فاعتزلوا الفريقين وكان هذا الاعتزال هو الواجب في حقهم ؛ لأنه لا يحل الإقدام على قتال مسلم حتى يظهر أنه مستحق لذلك ، ولو ظهر لهؤلاء رجحان أحد الطرفين وأن الحق معه لما جاز لهم التأخر عن نصرته في قتال البغاة عليه فكلهم معذورون رضي الله عنهم .
ولهذا اتفق أهل الحق ومن يعتد به في الإجماع على قبول شهاداتهم ورواياتهم ، وكمال عدالتهم رضي الله عنهم أجمعين " .
(شرح النووي على صحيح مسلم 15 / 149)
قال شيخ الإسلام :
"فالقتال الذي كان في زمن علي لم يكن على الإمامة ، فإن أهل الجمل وصفين والنهروان لم يقاتلوا على نصب إمام غير علي، ولا كان معاوية يقول : أنا الإمام دون علي، ولا قال ذلك طلحة والزبير .(22/73)
فلم يكن أحد ممن قاتل عليا قبل الحكمين نصب إماما يقاتل علي طاعته ، فلم يكن شيء من هذا القتال على قاعدة من قواعد الإمامة المنازع فيها ،لم يكن أحد من المقاتلين يقاتل طعنا في خلافة الثلاثة ، ولا ادعاء للنص على غيرهم ، ولا طعنا في جواز خلافة علي ... "
(منهاج السنة النبوية 6 / 327)
ويقول عمر بن شبه : (( إن أحدا لم ينقل أن عائشة ومن معها نازعوا عليا في الخلافة ، ولا دعوا أحدا ليولوه الخلافة ، وإنما أنكروا على علي منعه من قتال قتلة عثمان وترك الاقتصاص منهم )) . ( أخبار البصرة لعمر بن شبه نقلا عن فتح الباري 13 / 56 ) .
قال الحافظ ابن حجر :
"وقد ذكر يحيى بن سليمان الجعفي أحد شيوخ البخاري في كتاب (صفين) في تأليفه بسند جيد عن أبي مسلم الخولاني أنه قال لمعاوية : أنت تنازع عليا في الخلافة أو أنت مثله ؟ قال لا ، وإني لأعلم أنه أفضل مني وأحق بالأمر ، ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوما وأنا ابن عمه ووليه أطلب بدمه ؟ فأتوا عليا فقولوا له يدفع لنا قتلة عثمان ، فأتوه فكلموه فقال يدخل في البيعة ويحاكمهم إلي فامتنع معاوية "
) ... (فتح الباري 13 /86
وفي مصنف ابن أبي شيبة بسند حسن
"عن أبي بردة قال قال معاوية ما قاتلت عليا إلا في أمر عثمان"
(مصنف ابن أبي شيبة 6 / 187)
ولم ينقض عجبي كيف لم ينقل الكاتب هذا الكلام الصحيح عن معاوية الصريح في أنه لم يقاتل علي من أجل الملك ؛ وإنما من أجل الطلب بالقصاص من قتلة عثمان.
ويقل نصوصا محتلملة في المعنى ، وبعضها مجهول التاريخ .
وهذا يؤكد على أن الكاتب وقع فيما حذر منه . في ص 48(22/74)
"الجهل بموضع الخلاف ، والتفريط في بحثه واستقرائه استقراء كافيا ، يحرر نقطة النزاع ، ويتحرى الصدق في الرواية ، وينقب عن خلفيات الوقائع وبواعثها . والخوض مع الجهل مخالفة لتحذير الخالق سبحانه : { ولا تقف ما ليس لك به علم .. كما هو مخالفة لحديث النبي صلى الله عليه وسلم حول القضاة الثلاثة ، حيث جعل القاضي بجهل في النار . "
ومن أخطائه التاريخية زعمه أن عثمان آثر قاربه بالمال ، والمناصب ، هي فرية طالما رددها المستشرقون ، وأذنابهم من مثقفي العرب الذين سرت في كتاباتهم سموم الثقافة الغربية .
وهذه الفرية يردها كلام عثمان رضي الله عنه كما عند الطبري " قالوا : إني أحب أهل بيتي وأعطيهم .. فأما حبي لهم ؛ لم يمل معهم إلى جور ، بل أحمل الحقوق عليهم ... وأما إعطاؤهم ؛ فإني لا أستحل أموال المسلمين لنفسي ، ولا لأحد من الناس ، وقد كنت أعطي العطية الكبيرة الرعية من صلب مالي أزمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبي بكر ، وعمر ، وأنا يومئذ شحيح حريص ، أفحين أتيت على أسنان أهل بيتي ، وفني عمري ، وودعت الذي في أهلي ؛ قال الملحدون ما قالوا ؟
تاريخ الطبري ( 5 / 356 )
والأمانة العلمية كانت تقتضي من الكاتب أ ن ينقل نقلا صحيحا صريحا واضحا لا لبس فيه يبين أن عثمان كان يستأثر هو وأقاربه بالثروة والمناصب دون المسلمين، وأنه كان يعطيهم من بيت مال المسلمين ما لا يستحقون ، أما الاتهام المجازف العاري عن الدليل فذاك من أخلاق أهل البهت والظلم والجهل، كحال المستشرقين ومن سار في ركابهم .
وأما فرية إيثارهم بالمناصب فلا تقف أما الحق الناصع الذي يبديه التاريخ ، فرجوعنا إلى التاريخ للبحث عن ولاة عثمان نجد أن عددهم أربعة وثلاثون ، وحصة أقاربه منها ست ولاة فقط ليسوا في وقت واحد ، فأين الإيثار المزعوم ثلاثة من هؤلاء الولاة ولاهم عمر .(22/75)
والسؤال المهم المفروض أن يطرح هل عثمان ولى هؤلاء لقرابتهم ؟ أم لكفاءتهم ؟ والتاريخ هو الذي يجيب .
الأول منهم وهو معاوية بن أبي سفيان .
قال شيخ الإسلام :
"ومعاوية ممن حسن إسلامه باتفاق أهل العلم . ولهذا ولاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه موضع أخيه يزيد بن أبي سفيان لما مات أخوه يزيد بالشام ، وكان يزيد بن أبي سفيان من خيار الناس ، وكان أحد الأمراء الذين بعثهم أبو بكر وعمر لفتح الشام : يزيد بن أبي سفيان ، وشرحبيل ابن حسنة ، وعمرو بن العاص ، مع أبي عبيدة بن الجراح ، وخالد بن الوليد ، فلما توفي يزيد بن أبي سفيان ولى عمر مكانه أخاه معاويه ، وعمر لم يكن تأخذه في الله لومة لائم ، وليس هو ممن يحابى في الولاية ، ولا كان ممن يحب أبا سفيان أباه ، بل كان من أعظم الناس عداوة لأبيه أبي سفيان قبل الإسلام ،حتى إنه لما جاء به العباس يوم فتح مكة كان عمر حريصا على قتله ، حتى جرى بينه وبين العباس نوع من المخاشنة بسبب بغض عمر لأبي سفيان . فتولية عمر لابنه معاوية ليس لها سبب دنيوي ، ولولا استحقاقه للإمارة لما أمره ، ثم إنه بقى في الشام عشرين سنة أميرا ، وعشرين سنة خليفة ، ورعيته من أشد الناس محبة له وموافقة له ، وهو من أعظم الناس إحسانا إليهم وتأليفا لقلوبهم"
(منهاج السنة النبوية 4 / 382)
ثانيا الوليد ابن عقبة .
أي انتقاد يوجه إلى عثمان في توليته للوليد ابن عقبة فيشترك فيه معه أبو بكر وعمر فكل منهم ولى الوليد .
فقد كان الوليد حامل الرسائل الحربية السرية التي كانت بين أبي بكر وخالد بن الوليد في وقعة المذار مع الفرس .
(تاريخ الطبري 4 / 168 )
وولاه صدقات قضاعة .
وولاه عمر الجريرة وصدقات تغلب .
(تاريخ الطبري 5/ 28 )(22/76)
وقد قال الإمام الشعبي ـ وهو من هو في علمه ودينه ـ عنه بعد أن ذكر له غزو مسلمة بن عبد الملك " كيف لو أدركتم الوليد ،وغزوه ، وإمارته ، إنه كان ليغزوا ، فينتهي إلى كذا ، وكذا ، ما نقض ، ولا انتقص عليه أحد حتى عزل عن عمله ".
وقد كان الوليد رضي الله عنه أحب الناس إلى الناس وأرفقهم بهم ، وقد مضى خمس سنين ، وليس في داره باب .
(تيسير الكريم المنان في سيرة عثمان ص 306)
ولما ظهر من الوليد ما يكره لم يحابه عثمان فأقام حكم الله فيه وعزله عن عمله .
سعيد ابن العاص .
لن نطيل في أمره سنقل كلمات للأمام الذهبي تبين حاله نكتفي بها .
قال الذهبي في ترجمة سعيد بن العاص : " كان أميرا شريفا ،جوادا ، ممدحا ، حليما ، وقورا ، ذا حزم، وعقل يصلح للخلافة .
(سير أعلام النبلاء 3 / 447)
عبد الله بن سعد بن أبي السرح .
ومنتقدي عثمان على توليته يلزمه نقد عمر فقد ولاه صعيد مصر ، لكن ما ذا يقول التاريخ عن عبد الله بن سعد بن أبي السرح ؟ .
قال المقريزي عنه : " ومكث أميرا مدة ولاية عثمان رضي الله عنه كلها محمودا في ولايته "
(الخطط 1/299 )
وقال عنه الذهبي : " لم يتعد ،ولا فعل ما ينقم عليه ، وكان أحد عقلاء الرجال ، وأجوادهم " .
(سير أعلام النبلاء 3/34 )
عبد الله بن عامر بن كريز .(22/77)
تكشف سيرة هذا الفتى عن فراسة عثمان في الولاة . هذا الشاب الذي ولاه عثمان وهو في الخامسة والعشرين كان أهلا لما ولي من عمل ، يحدثنا الدكتور أكرم ضياء الدين العمري عنه : " وقد قام هذا الوالي الشاب بإصلاحات كثيرة في نظم الري والزراعة بشق ترع والأنهار وتنظيم مدينة البصرة وتوسيع مسجدها وسوقها وتوفير المياه في طريق الحج لأهلها ، ازدهرت البصرة اقتصاديا ، وامتد نفوذ واليها إلى عمان والبحرين وسجستان وخراسان وفارس والأهواز ، حيث عين عبد الله بن عامر الولاة على هذه البلدان ، وقد حافظ عبد الله بن عامر على مكانته عند أهل البصرة حتى نهاية ولا يته مما يدل على مقدرة عالية في القيادة والسياسة رغم أنه تولى البصرة وهو في الخامسة والعشرين من عمره " .
(عصر الخلافة الراشدة ص 133)
ومن أهم أعماله الكبار قضاءه على دولة الفرس بقضائه على آخر ملكهم يزدرجرد فتلاشت بعده آمال الفرس في إعادة مملكتهم .
أما مروان فنؤجل الكلام عليه إلى وقفة مدرسة التشيع السني .
وبعد هذا النقل الواضح المبين أن عثمان لم يؤثر قرابته بالمناصب والأموال كما زعم الكاتب ، وأنه لم يول منهم إلا من كان أهلا للولاية ؛ تتلاشى مزاعم الكاتب عن أخطاء عثمان السياسية ، فهو بناها على هذا الزعم وبعد أن دك التاريخ الصحيح أساسه فلابد من سقوط ما بني عليه .
وتطير رياح الحقيقة في الهوى قوله في ص 122
" فتأول ابن تيمية لعثمان ليس مبنيا على تصويب لسياسات عثمان رضي الله عنه ، وإيثاره لأقاربه بالولايات والمال .. "
ومن أخطائه التاريخية تصوير معاوية رضي الله عنه على أنه ظالم مستبد ، جعل عليه أثم كل من جار واستبد . والتاريخ يقول غير ما ذكر الكاتب .
وعن الزهري قال : عمل معاوية بسيرة عمر بن الخطاب سنين لا يخرم منها شيئاً . السنة للخلال ( 1 /444 ) وقال المحقق إسناده صحيح .(22/78)
وقال ابن كثير في ترجمة معاوية رضي الله عنه : "وأجمعت الرعايا على بيعته في سنة إحدى وأربعين .. فلم يزل مستقلاً بالأمر في هذه المدة إلى هذه السنة التي كانت فيها وفاته ، والجهاد في بلاد العدو قائم وكلمة الله عالية ، والغنائم ترد إليه من أطراف الأرض ، والمسلمون معه في راحة وعدل وصفح وعفو ".
(البداية والنهاية 8 / 119 ) .
إذا فسنة معاوية هي العدل والجهاد هذا ما سنه أيام حكمه ، فالمستن به من كانت هذه سيرته ومن لم يستن به في هذا فلم يستن به .
نظرت أجلاء الصحابة لمعاوية .
ابن عمر .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال : ما رأيت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أسود - من السيادة – من معاوية ، فقيل : ولا أبوك ؟ قال : أبي عمر رحمه الله خير من معاوية ، وكان معاوية أسود منه . الخلال في السنة ( 1 / 443 ) والذهبي في السير ( 3 / 152 ) وابن كثير في البداية (8/ 137 ) .
ابن عباس .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : ما رأيت رجلاً كان أخلق للملك من معاوية ، كان الناس يردون منه على أرجاء واد رحب ، و لم يكن بالضيق الحصر العصعص المتغضب . رواه عبد الرزاق في المصنف (برقم 20985) بسند صحيح . وابن كثير في البداية ( 8 / 137 ) .
وفي صحيح البخاري برقم ( 3765 ) أنه قيل لابن عباس : هل لك في أمير معاوية فأنه ما أوتر إلا بواحدة ، قال : إنه فقيه .
ابن الزبير .
وعن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه أنه قال : لله در ابن هند – يعني معاوية رضي الله عنه – إناكنا لَنَفْرَقه – من الفَرَق : وهو الخوف والفزع – وما الليث على براثنه بأجرأ منه ، فيتفارق لنا ، وإن كنا لنخادعه وما ابن ليلة من أهل الأرض بأدهى منه ، فيتخادع لنا ، والله لوددت أنامُتعنا به مادام في هذا الجبل حَجَر ، وأشار إلىأبي قبيس . أورده ابن كثير في البداية ( 8 / 138 ) .(22/79)
وأما ما هول به من عهده بالخلافة ليزيد وجعل ذلك ذنبا لا يمكن أن يتأول لمعاوية ، وردة ارتد بها معاوية عن بعض الدين ، سببها بقايا الجاهلية العربية الأولى التي لم يتخلص منها معاوية ، وأضاف إليها ما تعلمه من جاهلية الروم في توريثهم الحكم لأولادهم .
فقال عنه في ص 80
تحت عنوان الإقرار بثقل الإرث الجاهلي .
"ولقد كان للأعراف الاجتماعية والتاريخية تأثيرا بالغا في إشعال الفتن السياسية بين الصحابة رضي الله عنهم وليس مما يستغرب أن يكون معاوية هو أول من حول الخلافة إلى ملك ، فقد أمضى شطر عمره في بيت السيادة في قريش ، وشطره الثاني على حدود دولة الروم ".
قال في رده على ابن تيمية قوله إن معاوية وعمرا لم يقاتلا من أجل الملك في ص 181
" لقد كان حري بابن تيمية هنا أن يعترف ـ كما فعل دائما ـ بالطبيعة المركبة للفتنة ، وباختلاط الشبهات والشهوات فيها ، ويقبل أن دوافع معاوية وعمرو لم تكن مجرد شبهة الاقتصاص للخليفة الشهيد ، بل خالطتها شهوة الملك وحب الدنيا" .
وقال ردا على ابن تيمية قوله المتقدم ص 178
" إن كل هذه النصوص تدل على أن معاوية سعى إلى الملك بالفعل وبالقول ، وصرح بمطامعه في قيادة الأمة دون لبس . فالقول بعد ذلك أنه لم ينازع عليا الخلافة ولا سعى إليها .. تكلف بارد كان الأولى بشيخ الإسلام ابن تيمية أن يتنزه عنه ".
على أن دور معاوية أكبر من مجرد الخروج على الجماعة ومنازعة الأمر أهله . فهو الذي أرسى نظام الملك بديلا عن دولة الخلافة ، فسن في الإسلام تلك السنة السيئة ، وفتح بها أبوابا من المظالم التي لم تتوقف ، ومن الدماء آلتي لم تجف منذ أربعة عشر قرنا ، وأخر بناء السلطة من إطار مبادئ الشرع : كالشورى والبيعة والعدل .. إلى منطق القوة وقانون الغاب ، وهو أمر لا يزال المسلون يعيشون مساوئه إلى اليوم .(22/80)
فسواء تأولنا لمعاوية في مواقفه خلال الفتنة أم لم نتأول ، فإن سلوكه السياسي اللاحق ليس مما يمكن التأويل له ، وهو سلوك كان أبعد على الإسلام و المسلمين من الفتنة ذاتها ، بل من أي حدث تاريخي خلال أربعة عشرة قرنا المنصرمة . فقد كانت الفتنة التي قادها معاوية هدما لأركان الخلافة الراشدة ، لكن ما فعله معاوية بعد الفتنة من توريث السلطة لابنه بالترغيب والترهيب كان أسوأ أثرا ، لأنه إرساء لبناء جديد منحرف على أنقاض تلك الخلافة ، وسد لأبواب استردادها . فليتكلف المتكلفون ما شاءوا في تأويلهم لما حدث أثناء الفتنة ، لكنهم لن يجدوا ما يتأولونه لما حدث بعد ذلك ، إذا كانوا حقا ممن يجعل قدسية المبادئ فوق مكانة الأشخاص . "
هذا الكلام ساقط جملة وتفصيلا وستعرف بعد منا قشته أنه لا يعدوا كونه تهويلا عاطفيا وتنميقا إنشائيا لا يستند إلى دليل من التاريخ والواقع .
أولا نبين الدافع الحقيقي لمعاوية أن يعهد بالخلافة ليزيد حتى تتضح الصورة ثم بعد ذلك نناقش دعاوى الكاتب دعوة دعوة
قال ابن خلدون : " الفصل الثلاثون في ولاية العهد(22/81)
اعلم أنا قدمنا الكلام في الإمامة ومشروعيتها لما فيها من المصلحة ، وأن حقيقتها للنظر في مصالح الأمة لدينهم ودنياهم ، فهو وليهم ، والأمين عليهم ، ينظر لهم ذلك في حياته ، ويتبع ذلك أن ينظر لهم بعد مماته ، ويقيم لهم من يتولى أمورهم كما كان هو يتولاها ، ويثقون بنظره لهم في ذلك كما وثقوا به فيما قبل ، وقد عرف ذلك من الشرع بإجماع الأمة على جوازه وانعقاده ، إذ وقع بعهد أبي بكر رضي الله عنه لعمر بمحضر من الصحابة وأجازوه ، وأوجبوا على أنفسهم به طاعة عمر رضي الله عنه وعنهم . وكذلك عهد عمر في الشورى إلى الستة بقية العشرة وجعل لهم أن يختاروا للمسلمين ففوض بعضهم إلى بعض حتى أفضى ذلك إلى عبد الرحمن بن عوف فاجتهد ،وناظر المسلمين فوجدهم متفقين على عثمان وعلى علي ، فآثر عثمان بالبيعة على ذلك لموافقته إياه على لزوم الاقتداء بالشيخين في كل ما يعن دون اجتهاده . فانعقد أمر عثمان لذلك ، وأوجبوا طاعته والملأ من الصحابة حاضرون للأولى والثانية ، ولم ينكره أحد منهم . فدل على أنهم متفقون على صحة هذا العهد عارفون بمشروعيته والإجماع حجة كما عرف .
ولايتهم الإمام في هذا الأمر وإن عهد إلى أبيه ، أو ابنه ،لأنه مأمون على النظر لهم في حياته فأولى أن لا يحتمل فيها تبعة بعد مماته ، خلافا لمن قال باتهامه في الولد ، والوالد ، أو لمن خصص التهمة بالولد ، دون الوالد ، فإنه بعيد عن الظنة في ذلك كله ، لا سيما إذا كانت هناك داعية تدعو إليه من إيثار مصلحة، أو توقع مفسدة ، فتنتفي الظنة في ذلك رأسا ، كما وقع في عهد معاوية لابنه يزيد وإن كان فعل معاوية مع وفاق الناس له حجة في الباب .(22/82)
والذي دعا معاوية لإيثار ابنه يزيد بالعهد دون من سواه إنما هو مراعاة المصلحة في اجتماع الناس واتفاق أهوائهم باتفاق أهل الحل والعقد عليه حينئذ من بني أمية ، إذ بنو أمية يومئذ لا يرضون سواهم ، وهم عصابة قريش وأهل الملة أجمع ، وأهل الغلب منهم ، فآثره بذلك دون غيره ممن يظن أنه أولى بها ، وعدل عن الفاضل إلى المفضول حرصا على الاتفاق واجتماع الأهواء الذي شأنه أهم عند الشارع، وإن كان لا يظن بمعاوية غير هذا ، فعدالته وصحبته مانعة من سوى ذلك ، وحضور أكابر الصحابة لذلك وسكوتهم عنه ، دليل على انتفاء الريب فيه . فليسوا ممن يأخذهم في الحق هوادة ، وليس معاوية ممن تأخذه العزة في قبول الحق ، فإنهم كلهم أجل من ذلك ، وعدالتهم مانعة منه . ...
ولا يعاب عليهم إيثار أبنائهم وإخوانهم وخروجهم عن سنن الخلفاء الأربعة في ذلك ، فشأنهم غير شأن أولئك الخلفاء ، فإنهم كانوا على حين لم تحدث طبيعة الملك ، وكان الوازع دينيا ، فعند كل أحد وازع من نفسه فعهدوا إلى من يرتضيه الدين ، فقط وآثروه على غيره ، ووكلوا كل من يسمو إلى ذلك إلى وازعه ، وأما من بعدهم من لدن معاوية فكانت العصبية قد أشرفت على غايتها من الملك ، والوازع الديني قد ضعف . واحتيج إلى الوازع السلطاني، والعصباني ، فلو عهد إلى غير من ترتضيه العصبية لردت ذلك العهد وانتقض أمره سريعا وصارت الجماعة إلى الفرقة ، والاختلاف .
سأل رجل عليا رضي الله عنه : ما بال المسلمين اختلفوا عليك ولم يختلفوا على أبي بكر وعمر ؟ فقال : لأن أبا بكر وعمر كانا واليين على مثلي ، وأنا اليوم وال على مثلك ، يشير إلى وازع الدين .(22/83)
أفلا ترى إلى المأمون لما عهد إلى علي بن موسى بن جعفر الصادق وسماه الرضا ؛كيف أنكرت العباسية ذلك ونقضوا بيعته ، وبايعوا لعمه إبراهيم بن المهدي ، وظهر من الهرج ، والخلاف ، وانقطاع السبل ، وتعدد الثوار والخوارج ، ما كاد أن يصطلم الأمر. حتى بادر المأمون من خراسان إلى بغداد ورد أمرهم لمعاهده ، فلا بد من اعتبار ذلك في العهد ، فالعصور تختلف باختلاف ما يحدث فيها من الأمور ، والقبائل ،والعصبيات ، وتختلف باختلاف المصالح ، ولكل واحد منها حكم يخصه لطفا من الله بعباده . وأما أن يكون القصد بالعهد حفظ التراث على الأبناء فليس من المقاصد الدينية " .
(مقدمة ابن خلدون ص210 ـ 211)
ونقلت كلام ابن خلدون مع طوله لأهميته وتبينه للقضية من جميع جوانبها .
ونستفيد من كلام ابن خلدون السابق منهجا مهما في دراسة حياة الصحابة ، هو أن الدارس لحياتهم لا بد أن يعلم أن منها ما هو محكم ومنها ما هو متشابه ، والمحكم منها ما دل عليه النص من عدالتهم وفضلهم وقصدهم الله بأفعالهم ، والمتشابه منها الفعل المحتمل أن يكن فعلهم له قصد به الله والدار الآخرة ، ويحتمل أن يكن من أخطاء البشر التي جبلوا عليها ، فالعمل هنا هو البناء على المحكم ، ورد المتشابه إليه وهذا ما فعله العلامة ابن خلدون عند ما تكلم عن ولاية العهد التي عهد بها معاوية لولده ، فوفق وأصاب الحق ، وأما الكاتب فترك المحكم وبنا على المتشابه فأخطأ في الحكم والتحليل .
وقد أشاد كثير من المؤرخين بفعل معاوية هذا وجعلوه من فضائله وحسن نظره للمسلمين منهم محمد علي كرد في كتابه : الإسلام والحضارة العربية ( 2 / 395 ) ، و إبراهيم شعوط في : أباطيل يجب أن تمحى من التاريخ ( ص 334 ) ، و يوسف العش في : الدولة الأموية ( ص 164 ) ، و مقال للدكتور : عمارة نجيب في مجلة الجندي المسلم ( ص 58 ) .(22/84)
وأما زعمه خروج معاوية عن مبادئ الشرع كالشورى والبيعة والعدل فهو أمر لايثبت أما الحقيقة التي تظهر للباحث المجد المنقب عن الحقائق بإخلاص وبدون حكم مسبق على الوقائع ، فالتاريخ يثبت أن معاوية استشار أهل الأمصار في تولية يزيد ؛ فوافقوا إلا نفرا قليلا من أهل الحجاز بين ابن خلدون سبب رفضهم للمبايعة .
يراجع تاريخ خليفة بن خياط ص 211 وتاريخ الإسلام للذهبي حوادث سنة 14 60 ص 22
وأما العدل فقد مر معك كلام ابن كثير عن عدل معاوية ، وكان يغرسه في يزيد ويسأله رضي الله عنه إذا وليت ما ذا ستفعل فكان يقول له : " ( كنت والله يا أبت عاملاً فيهم عمل عمر بن الخطاب ". ابن عاصم في الآحاد والمثاني ( 1 / 375 ) بسند حسن .
فأنت ترى أن العدل والتأكيد عليه كان ديدن معاوية ، ويزيد يأكد له حرصه عليه .
هل كان يزيد أهلا لما ولاه معاوية ، إن معاوية لم يول يزيد حتى عرفه وتأكد من إمكانياته في قيادة الأمة ، فقد أمره على أول جيش غزا به المسلمون عاصمة النصارى القسطنطينية ، وهو الجيش الذي أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه مغفور له ، وقد أظهر يزيد في قيادته لذلك الجيش مقدرة وكفاءة عالية على القيادة ، كان معه في ذلك الجيش عدد من كبار الصحابة من أمثال عبد الله بن الزبير و عبد الله بن عباس و أبو أيوب الأنصاري .
فالتاريخ الصحيح يذكر عنه غير ما ذكر الكاتب .
روي البلاذري أن محمد بن علي بن أبي طالب - المعروف بابن الحنفية - دخل يوماً على يزيد بن معاوية بدمشق ليودعه بعد أن قضى عنده فترة من الوقت ، فقال له يزيد ، و كان له مكرماً : يا أبا القاسم ، إن كنت رأيت مني خُلُقاً تنكره نَزَعت عنه ، و أتيت الذي تُشير به علي ؟ فقال : والله لو رأيت منكراً ما وسعني إلاّ أن أنهاك عنه ، وأخبرك بالحق لله فيه ، لما أخذ الله على أهل العلم عن أن يبينوه للناس ولا يكتموه ، وما رأيت منك إلاّ خيراً . أنساب الأشراف للبلاذري (5/17) .(22/85)
و شهد له بحسن السيرة والسلوك حينما أراده بعض أهل المدينة على خلعه والخروج معهم ضده ، فيروي ابن كثير أن عبد الله بن مطيع – كان داعية لابن الزبير - مشى من المدينة هو و أصحابه إلى محمد ابن الحنفية فأرادوه على خلع يزيد فأبى عليهم ، فقال ابن مطيع : إن يزيد يشرب الخمر و يترك الصلاة و يتعدى حكم الكتاب ، فقال محمد ما رأيت منه ما تذكرون ، قد حضرته و أقمت عنده فرأيته مواظباً على الصلاة متحرياً للخير يسأل عن الفقه ملازماً للسنة ، قالوا : ذلك كان منه تصنعاً لك ، قال : و ما الذي خاف مني أو رجا حتى يظهر إليّ الخشوع ؟ ثم أفأطلعكم على ما تذكرون من شرب الخمر ، فلئن كان أطلعكم على ذلك فإنكم لشركاؤه ، و إن لم يكن أطلعكم فما يحل لكم أن تشهدوا بما لم تعلموا ، قالوا : أنه عندنا لحق و إن لم نكن رأيناه ، فقال لهم : أبى الله ذلك على أهل الشهادة ، و لست من أمركم في شيء .. الخ . البداية و النهاية (8/233) و تاريخ الإسلام – حوادث سنة 61-80هـ – (ص274) و حسن محمد الشيباني إسناده ، انظر مواقف المعارضة من خلافة يزيد بن معاوية (ص384) .
وقد شهد له ابن عباس رضي الله عنه بالفضيلة وبايعه ، كما في أنساب الأشراف ( 4 / 289 – 290 ) بسند حسن .
وما اتهمه به الكاتب من تناول المسكر يحتاج إلى دليل صحيح صريح من التاريخ ، فيزيد على العموم مسلم ، وأعراض المسلمين حفرة من حفر النار .
ونحن هنا لا نؤيد ما فعله معاوية من تولية العهد ليزيد وإنما قصدنا بيان أن هناك تأويلات صحيحة لما فعل معاوية رضي الله عنه ودوافع لها وجه من النظر .
ومن أخطائه التاريخية التي جانب فيها العلم والعدل تقيمه لشخصية أبي الغادية الصحابي الجليل .
في قوله :
"إن الذي يسوي بين عمار بن ياسر وبين قاتله أبي الغادية الجهني في العدالة وفي الاجتهاد المأجور صاحبه سواء أخطأ أم أصاب .. لهو ممن لا بصيرة لهم ."(22/86)
فهذا من فهمه العليل للعدالة ومن الأدلة على أنه جاهل بمباحث العدالة سواء المتعلقة بالصحابة أو الفقهية أو كلام أهل الحديث ، فإن هؤلاء مجمعون على أن العدالة متفاوتة .
قال القرطبي :
"وهكذا القول في الصحابة إن شاء الله تعالى اشتركوا في الصحبة ، ثم تباينوا في الفضائل ؛بما منحهم الله من المواهب ، والوسائل ،فهم متفاضلون بتلك من أن الكل شملتهم الصحبة والعدالة ، والثناء عليهم ، وحسبك بقوله الحق :" محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار " إلى آخر السورة . وقال :" وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها " ثم قال :" لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل " وقال :" لقد رضي الله من المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعم، وخص ، ونفى عنهم الشين والنقص . رضي الله عنهم أجمعين ونفعنا بحبهم آمين"
(تفسير القرطبي 3 / 264)
وأما أبو الغادية فهو ممن شهد بيعة الرضوان ، وأثنى الله عليه ، وأخبر أنه رضي عنه ،وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لا يدخل النار ، فلم يبق لأهل العلم والإيمان إلا أن يعتقدوا عدالته مادام أخبر بها الله ورسوله وإن وصفهم محمد بن المختار " ممن لا بصيرة لهم ."
قال ابن حزم :
"وعمار رضي الله عنه قتله أبو العادية يسار ابن سبع السلمي ، شهد بيعة الرضوان ، فهو من شهد الله له بأنه علم ما في قلبه ، وأنزل السكينة عليه ورضي عنه ، فأبو العادية رضي الله عنه متأول مجتهد مخطئ فيه باغ عليه مأجور أجرا واحدا ".
(الفصل في الملل 4 / 124 )
وكذلك اعتذر عنه الحافظ بن حجر فقال ردا على من طعن فيه :
"والظن بالصحابة في تلك الحروب أنهم كانوا فيها متأولين ، وللمجتهد المخطيء أجر ؛ وإذا ثبت هذا في حق آحاد الناس ، فثبوته للصحابة بالطريق الأولى" .
(الإصابة 7 / 312)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
"والذي قتل عمار بن ياسر هو أبو الغادية وقد قيل أنه من أهل بيعة الرضوان ، ذكر ذلك ابن حزم .(22/87)
فنحن نشهد لعمار بالجنة ، ولقاتله إن كان من أهل بيعة الرضوان بالجنة " .
(منهاج السنة النبوية 6 / 205)
فهؤلاء الأئمة ممن لا بصيرة لهم عند الكاتب على حد قوله :
"إن الذي يسوي بين عمار بن ياسر وبين قاتله أبي الغادية الجهني في العدالة وفي الاجتهاد المأجور صاحبه سواء أخطأ أم أصاب .. لهو ممن لا بصيرة لهم ."
ومن أخطائه التاريخية نفيه لابن سبإ وتشكيكه في وجوده والحق أن ابن سبإ حقيقة لم يشكك فيها إلا بعض المستشرقين ، ومن تتلمذ عليهم من زنادقة العرب وبعض ملا حدة الشيعة المعاصرين ، بغير برهان أتوا به إلا اتباع الهوى والتشكيك في مصادر التاريخ الإسلامي .فابن سبإ ذكرته جميع المصادر الإسلامية من تاريخية وأدبية وكتب المقالات تغص بأقواله وأقوال أتباعه من الفرقة السبئية ، وهو مذكو في كتب الأنساب .
وسنقف هنا و قفة متأنية نبين فيها من هو عبد الله بن سبإ وهل هو حقيقة أم خيال؟ ، ومن أثبت حقيقته ، ومن هو أول من نفى وجوده وما حجته ، و هل هي حجة ناهضة أم داحضة ، وأطلب من القارئ شيئا من الصبر والتيقظ ، والملاحظة ، وعدم العجلة وأخذ الأمور بجد وحزم لا بعجلة وطيش .
من هو عبد الله بن سبأ
هو عبد الله بن وهب سبأ اليهودي .(22/88)
ومعظم أهل العلم ينسبون ابن سبأ من جهة أبيه إلى سبأ ، فيقولون : ( عبد الله بن سبأ ) ، ومن هؤلاء البلاذري في أنساب الأشراف (3/382) ابن قتيبة في المعارف ( ص 622) و الطبري في التاريخ (4/340) وأبو الحسن الأشعري في مقالات الإسلاميين (1/86) ، والشهرستاني في الملل والنحل (1/174) ، والذهبي في الميزإن( 2/426) وابن حجر في لسان الميزان(3/290) ، وابن عبد ربه في العقد الفريد (2/405) و شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (28/483) ، وابن حبان في المجروحين ( 2/253) والجوزجاني في أحوال الرجال (ص38) و المقدسي في البدء والتاريخ (5/129) والخوارزمي في مفاتيح العلوم (ص 22) وابن حزم في الفصل في الملل والنحل ( 4/186) و الأسفرايني في التبصرة في الدين ( ص 108 ) وابن عساكر في تاريخ دمشق ( 29/3) ، والسمعاني في الأنساب (7/24) و ابن الأثير في اللّباب (2/98) ، و غيرهم الكثير . و من الرافضة : الناشئ الأكبر في مسائل الإمامة ( ص 22- 23 ) ، و الأشعري القمي في المقالات والفرق ( ص 20 ) و النوبختي في فرق الشيعة (ص 22 ) .
وبعض أهل العلم ينسبونه إلى أمه .
أما نسب ابن سبأ ( لأمه ) فهو من أم حبشية ، كما عند الطبري في التاريخ (4/326-327) و ابن حبيب في المحبر (ص 308 ) ، و لذلك فكثيراً ما يطلق عليه ( ابن السوداء ) ففي البيان والتبيين ( 3/81) : ( ... فلقيني ابن السوداء ) و في تاريخ الطبري ( 4/326) : ( و نزل ابن السوداء على حكيم بن جبلة في البصرة ) ، وفي تاريخ الإسلام للذهبي (2/122) : ( ولما خرج ابن السوداء إلى مصر ) ، و هم بهذا يتحدثون عن عبد الله بن سبأ ، و لذلك قال المقريزي في الخطط ( 2/356) : ( عبد الله بن وهب بن سبأ المعروف بابن السوداء ) ، وابن عساكر في تاريخ دمشق (29/8) من قول علي رضي الله عنه : ( من يعذرني من هذا الحميت الأسود الذي يكذب على الله ورسوله يعني ابن السوداء ) . و مثل هذا كثير ...(22/89)
ولهذا كان ابن سبأ أسود اللون أخذ السواد عن أمه .
ذكر ابن عساكر في تاريخه ( 29/7-8 ) : عن عمار الدهني قال : سمعت أبا الطفيل يقول : رأيت المسيب بن نجبة أتى به ملببة – أي ملازمه - يعني ابن السوداء و علي على المنبر ، فقال علي : ما شأنه؟ فقال : يكذب على الله وعلى رسوله ، و جاء من طريق زيد بن وهب عن علي قال : ما لي ومال هذا الحميت الأسود ، و من طريق سلمة قال : سمعت أبا الزعراء يحدث عن علي ، قال : ما لي ومال هذا الحميت الأسود ، و جاء أيضامن طريق زيد قال : قال علي بن أبي طالب : ما لي ولهذا الحميت الأسود ، يعني عبد الله بن سبأ وكان يقع في أبي بكر و عمر .
وأما قبيلته سبأ فقد اختلف العلماء من أي القبائل العربية هي فذكر بعضهم أنها من حمير وقال آخرون هي من همدان، قال بالقول الأول أنها من حمير ابن حزم والحموي ، وبالثاني أنها من همدان البلا رذي والأشعري والقمي والفرزدق .
كتابه الفصل في الملل والأهواء ( 5/46)
معجم البلدان لياقوت الحموي (2/306) .
أنساب الأشراف (5/240) ، و الأشعري القمي في المقالات والفرق (ص 20) ، والفرزدق في ديوانه( ص 242-243)
حقيقة وجود عبد الله بن سبأ أولا الأدلة على وجوده.
أخرج البخاري في صحيحه عن عكرمة .
[6524] عن عكرمة قال أتى علي رضي الله عنه بزنادقة فأحرقهم فبلغ ذلك بن عباس فقال لو كنت أنالم أحرقهم لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تعذبوا بعذاب الله ولقتلتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدل دينه فاقتلوه
) ... صحيح البخاري 6 / 2537)
لم يختلف المؤرخون و أصحاب كتب المقالات أن الذين حرقهم على هم أتباع عبد الله بن سبأ .
ذكر الجوزجاني أن السبئية غلت في الكفر فزعمت أن علياً إلهاً حتى حرقهم بالنار إنكاراً عليهم واستبصاراً في أمرهم حين يقول :
لما رأيت الأمر أمراً منكرا أججت ناري و دعوت قنبرا .
أحوال الرجال ( ص 38)(22/90)
و يقول ابن قتيبة: ( إن عبد الله بن سبأ ادّعى الربوبية لعلي ، فأحرق علي أصحابه بالنار .
تأويل مختلف الحديث ( ص 73)
قال الملطي : ( ففي عهد علي رضي الله عنه جاءت السبئية إليه وقالوا له : أنت أنت !! ، قال : من أنا؟ قالوا : الخالق البارئ ، فاستتابهم ، فلم يرجعوا ، فأوقد لهم ناراً عظيمة وأحرقهم .
التنبيه و الرد على أهل الأهواء و البدع ( ص 18)
و ذكر أبو حفص ابن شاهين أن علياً حرّق جماعة من غلاة الشيعة ونفى بعضهم ، و من المنفيين عبد الله بن سبأ . أورده ابن تيمية في منهاج السنة (1/7) .
و ذكر البغدادي في الفرق بين الفرق ( ص 15 و ما بعدها ) : أن فرقة السبئية أظهروا بدعتهم في زمان علي رضي الله عنه فأحرق قوماً منهم و نفى ابن سبأ إلى سباط المدائن إذ نهاه ابن عباس رضي الله عنهما عن قتله حينما بلغه غلوه فيه وأشار عليه بنفيه إلى المدائن حتى لا تختلف عليه أصحابه ، لاسيما و هو عازم على العودة إلى قتال أهل الشام .
قال ابن حزم : ( و القسم الثاني من الفرق الغالية الذين يقولون بالإلهية لغير الله عز وجل فأولهم قوم من أصحاب عبد الله بن سبأ الحميري لعنه الله ، أتوا إلى علي بن أبي طالب فقالوا مشافهة : أنت هو ، فقال لهم : ومن هو ؟ فقالوا : أنت الله ، فاستعظم الأمر و أمر بنار فأججت وأحرقهم بالنار ) .
(الفصل في الملل والنحل 4/186)
و يؤكد فخر الدين الرازي في كتابه اعتقادات فرق المسلمين والمشركين (ص 57) ، كغيره من أصحاب المقالات والفرق خبر إحراق علي لطائفة من السبئية .
وروى ابن أبي عمر العدني في كتاب الإيمان عن الحسن بن محمد بن الحنفية قوله :( و من خصومة هذه السبئية التي أدركنا ، إذ يقولون هُدينا لوحي ضل عنه الناس ) . كتاب الإيمان( ص 249) .(22/91)
وأكد ابن عبد ربه أن ابن سبأ و طائفته السبئية قد غلوّ في علي حينما قالوا : هو الله خالقنا ، كما غلت النصارى في المسيح ابن مريم عليه السلام . العقد الفريد ( 2/405) .
16 - و يذكر أبو الحسن الأشعري في مقالات الإسلاميين (1/85) عبد الله بن سبأ وطائفته من ضمن أصناف الغلاة ، إذ يزعمون أن علياً لم يمت ، و أنه سيرجع إلى الدنيا فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً .
و يذكر ابن حبان في كتاب المجروحين ( 2/253) : ( أن الكلبي سبئياً من أصحاب عبد الله بن سبأ ، من أولئك الذين يقولون : إن علياً لم يمت ، وأنه راجع إلى الدنيا قبل قيام الساعة ) .
18 – يقول المقدسي في كتابه البدء والتاريخ ( 5/129) : ( إن عبد الله بن سبأ قال للذي جاء ينعي إليه موت علي بن أبي طالب : لو جئتنا بدماغه في صرة لعلمنا أنه لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه ) .
يقول الأسفرايني في التبصرة في الدين ( ص 108) : ( إن ابن سبأ قال بنبوة علي في أول أمره ، ثم دعا إلى ألوهيته ، و دعا الخلق إلى ذلك فأجابته جماعة إلى ذلك في وقت علي ) .
و يتحدث الشهرستاني في الملل والنحل (2/116، 155) عن ابن سبأ فيقول : ( و منه انشعبت أصناف الغلاة ) ، و يقول في موضع آخر : ( إن ابن سبأ هو أول من أظهر القول بالنص بإمامة علي ) .
و يقول نشوان الحميري في كتابه الحور العين ( ص 154) : ( فقالت السبئية إن علياً حي لم يمت ، ولا يموت حتى يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ، و يردّ الناس على دين واحد قبل يوم القيامة ) .
و ذكر السّكْسَكي في كتابه البرهاني معرفة عقائد أهل الأديان: ( أن ابن سبأ و جماعته أول من قالوا بالرجعة إلى الدنيا بعد الموت ) .
و يذكر شيخ الإسلام ابن تيمية ( ت 727هـ ) أن أصل الرفض من المنافقين الزنادقة ، فإنه ابتدعه ابن سبأ الزنديق ، و أظهر الغلو في علي بدعوى الإمامة والنص عليه ، وادعى العصمة له . أنظر مجموع الفتاوى ( 4/435) و ( 28/483)(22/92)
و قد نقل الإمام الطبري في تفسيره (3/119) رأياً لقتادة بن دعامة السدوسي البصري ، في النص التالي : { فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون م تشابه منه ابتغاء الفتنة } [آل عمرإن7] ، و كان قتادة إذا قرأ هذه الآية قال : ( إن لم يكونوا الحرورية والسبئية فلا أدري ) .
وصار كل من يقول بهذه الأقوال الكفرية ينسب إلى ابن سبأ اليهودي .
و ينسب السمعاني في كتابه الأنساب ( 7/24) السبئية إلى عبد الله بن سبأ .
و ترجم ابن عساكر في تاريخه ( 29/3) لابن سبأ بقوله : عبد الله بن سبأ الذي تنسب إليه السبئية ، و هم الغلاة من الرافضة ، أصله من اليمن ، و كان يهودياً وأظهر الإسلام .
و يذكر ابن الأثير ( ت 630هـ ) في كتابه اللباب ( ص 2/98) ارتباط السبئية من حيث النسبة بعبد الله بن سبأ . كما وأنه أورد روايات الطبري بعد حذف أسانيدها في كتابه الكامل ( 3/114، 144، 147، 147، 154 إلى غيرها من الصفحات ) .
و يعرف الجُرجاني في كتابه التعريفات (ص 79) عبد الله بن سبأ بأنه رأس الطائفة السبئية .. و أن أصحابه عندما يسمعون الرعد يقولون : عليك السلام يا أمير المؤمنين .
وجاءت هذه النسبة أيضا على لسان أعشى همدان في ديوانه(ص 148) و تاريخ الطبري (6/83) و قد هجى المختار بن أبي عبيد الثقفي و أنصاره من أهل الكوفة بعدما فرّ مع أشراف قبائل الكوفة إلى البصرة بقوله :
شهدت عليكم أنكم سبئية * و أني بكم يا شرطة الكفر عارف
والفرزدق أيضايهجو في ديوانه( ص 242-243) ، أشارف العراق ومن انضم إلىثورة عبد الرحمن بن الأشعث في معركة دير الجماجم ، و يصفهم بالسبئية ، حيث يقول :(22/93)
كأن على دير الجماجم منهم * حصائد أو أعجاز نخل تَقَعّرا
تَعَرّفُ همدانية سبئية * و تُكره عينيها على ما تنكرا
رأته مع القتلى و غيّر بعلها * عليها تراب في دم قد تعفّرا
أراحوه من رأس وعينين كانتا * بعيدن طرفا بالخيانة أحزرا
من الناكثين العهد من سبئية * وأمازبيري من الذئب أغدرا
ولو أنهم إذ نافقوا كان منهم * يهوديهم كانوا بذلك أعذرا
و أكد السيوطي في كتابه لب الألباب في تحرير الأنساب ( 1/132) نسبة السبئية إلى عبد الله بن سبأ .
وقد ترجم لابن سبأ أهل العلم الذين اهتموا بالتراجم للرجال .
قال الذهبي في كتابه المغني في الضعفاء (1/339) و في الميزان(2/426) : ( عبد الله بن سبأ من غلاة الشيعة ، ضال مضل ) ، و ذكره أيضا في تاريخ الإسلام ( 2/122-123) .
وذكر الصفدي في كتبه الوافي بالوفيات (17/20) في ترجمة ابن سبأ : ( عبد الله بن سبأ رأس الطائفة السبئية .. قال لعلي أنت الإله ، فنفاه إلى المدائن ، فلما قتل علي رضي الله عنه زعم ابن سبأ أنه لم يمت لإن فيه جزءاً إلهياً وأن ابن ملجم إنما قتل شيطانا تصوّر بصورة علي ، و أن علياً في السحاب ، و الرعد صوته ، و البرق سوطه ، وأنه سينزل إلى الأرض ) .
و قد سرد الحافظ بن حجر في كتابه لسان الميزان( 3/290) أخبار ابن سبأ من غير طريق سيف بن عمر ، ثم قال : ( و أخبار عبد الله بن سبأ شهيرة في التواريخ ، و ليس له رواية و الحمد لله ) .
و ذكر العيني في كتابه عقد الجمان( 9/168) : ( إن ابن سبأ دخل مصر وطاف في كورها ، و أظهر الأمر بالمعروف ، و تكلم في الرجعة ، و قررها في قلوب المصريين .(22/94)
بعد أن جلنا جولة في كتب أهل العلم من أهل السنة ، رأينا من خلا لها إطباقهم على إثبات وجود شخصية عبد الله بن سبأ ، فلا بأس أن نجول جولة أخرى في كتب الشيعة نرى فيها موقفهم من وجود بن سبأ إثباتا أو نفيا ، وذلك أن أكثر النافين لوجوده في هذا العصر والمروجين لمقالة أنه خيال لا حقية هم الشيعة .
أورد الناشئ الأكبر في كتابه مسائل الإمامة ( ص 22-23 ) ما يلي : ( و فرقة زعموا أن علياً رضي الله عنه حي لم يمت ، و أنه لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه ، و هؤلاء هم السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ ، و كان عبد الله بن سبأ رجلاً من أهل صنعاء يهودياً .. و سكن المدائن .. ) .
و نقل القمي في كتابه المقالات و الفرق ( ص 20 طهرإن1963 م تحقيق الدكتور محمد جواد مشكور فيروي ) أن عبد الله بن سبأ أول من أظهر الطعن على أبي بكر و عمر و عثمان والصحابة ، و تبرأ منهم ، وادّعى أن علياً أمره بذلك . و ( أن السبئية قالوا للذي نعاه ( أي علي بن أبي طالب ) : كذبت ياعدو الله لو جئتنا والله بدماغه خربة فأقمت على قتله سبعين عدلاً ما صدقناك ولعلمنا أن لم يمت ولم يقتل وأن لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه ويملك الأرض ثم مضوا …)
و يتحدث النو بختي في كتابه فرق الشيعة ( ص 23 ) عن أخبار ابن سبأ فيذكر أنه لما بلغ ابن سبأ نعي علي بالمدائن ، قال للذي نعاه : كذبت لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة و أقمت على قتله سبعين عدلاً لعلمنا أنه لم يمت و لم يقتل ، و لا يموت حتى يملك الأرض.(22/95)
و يقول في ( ص 44 ) وحكى جماعة من أهل العلم من أصحاب علي عليه السلام أن عبدالله بن سبأ كان يهودياً فأسلم ووالى علياً عليه السلام وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون وصي بعد موسى على نبينا وآله وعليهما السلام بالغلو فقال في إسلامه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله في علي عليه السلام بمثل ذلك وهو أول من شهر القول بفرض إمامة علي عليه السلام وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه. يقول النوبختي : فمن هنا قال من خالف الشيعة إن أصل الرفض مأخوذ من اليهود.
و يقول أبو حاتم الرازي في كتابه الزينة في الكلمات الإسلامية ( ص 305 ) : ( إن عبد الله بن سبأ و من قال بقوله من السبئية كانوا يزعمون أن علياً هو الإله ، و أنه يحيي الموتى ، وادعوا غيبته بعد موته .
و روى الكشي في الرجال ( ص 98-99) بسنده إلى أبي جعفر محمد الباقر قوله : إن عبد الله بن سبأ كان يدّعي النبوة ، و يزعم أن أمير المؤمنين – عليه السلام – هو الله ، تعالى عن ذلك علواً كبيراً . و هناك أقوال مشابه عن جعفر الصادق و علي بن الحسين تلعن فيها عبد الله بن سبأ في ( ص 70 ، 100 ) من نفس الكتاب .
و يروي الكشي في ( رجال الكشي ص 98 ط مؤسسة الأعلمي للمطبوعات كربلاء ) بسنده إلى أبي جعفر ( أن عبدالله بن سبأ كان يدعي النبوة وزعم أن أمير المؤمنين هو الله تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا فبلغ ذلك أمير المؤمنين فدعاه وسأله فأقر بذلك وقال : نعم أنت هو وقد كان لقي في روعي أنك أنت الله وأني نبي فقال له أمير المؤمنين : ويلك قد سخر منك الشيطان فارجع عن هذا ثكلتك أمك وتب فأبى فحبسه واستتابه ثلاثة أيام فلم يتب فأحرقه بالنار والصواب أنه نفاه بالمدائن …)
و يذكر أبو جعفر الصدوق بن بابويه القمي في كتاب من لا يحضره الفقه ( 1/213) ، موقف ابن سبأ و هو يعترض على علي رضي الله عنه رفع اليدين إلى السماء أثناء الدعاء .(22/96)
و جاء عند الشيخ المفيد في كتاب شرح عقائد الصدور ( ص 257) ذكر الغلاة من المتظاهرين بالإسلام – يقصد السبئية – الذين نسبوا أمير المؤمنين علي والأئمة من ذريته إلى الألوهية والنبوة ، فحكم فيهم أمير المؤمنين بالقتل والتحريق بالنار .
و قال أبو جعفر الطوسي في كتبه تهذيب الأحكام ( 2/322) إن ابن سبأ رجع إلى الكفر وأظهر الغلو .
ابن شهر آشوب في مناقب آل أبي طالب (1/227-228 ) .
و ذكر ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ( 2/99) ما نصه : ( فلما قتل أمير المؤمنين – عليه السلام – أظهر ابن سبأ مقالته ، و صارت له طائفة و فرقه يصدقونه و يتبعونه .
و أشار الحسن بن علي الحلّي في كتابه الرجال (2/71) إلى ابن سبأ ضمن أصناف الضعفاء .
و يرى ابن المرتضى و هو من أئمة الشيعة الزيدية - ، أن أصل التشيع مرجعه إلى ابن سبأ ، لأنه أول من أحدث القول بالنص في الإمامة . تاج العروس لابن المرتضى ( ص 5 ، 6 ) .
و يرى الأردبيلي في كتاب جامع الرواة (1/485) أن ابن سبأ غال ملعون يزعم ألوهية علي و نبوته .
المجلسي في بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار (25/286-287 ) .
يقول نعمة الله الجزائري ( ت 1112هـ ) في كتابه الأنوار النعمانية ( 2/234) : ( قال عبد الله بن سبأ لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه أنت الإله حقاً فنفاه علي عليه السلام إلى المدائن و قيل أنه كان يهودياً فأسلم وكان في اليهودية يقول في يوشع بن نون و في موسى مثل ما قال في علي .
طاهر العاملي ( ت 1138هـ ) في مقدمة مرآة الأنوار و مشكاة الأسرار في تفسير القرآن(ص 62 ) .
و عند المامقاني ( ت 1323هـ ) في كتابه تنقيح المقال في أحوال الرجال (2/183) جاء ذكر ابن سبأ ضمن نقولات عدة ساقها المؤلف من مصادر شيعية متقدمة عليه .(22/97)
أمامحمد حسين المظفري ( ت 1369هـ ) و هو من الشيعة المعاصرين الذين لا ينكرون وجود ابن سبأ وإن كان ينفي أن يكون للشيعة به أي اتصال . تاريخ الشيعة ( ص 10 ) .
أماالخوانساري فقد جاء ذكر ابن سبأ عنده على لسان جعفر الصادق الذي لعن ابن سبأ لاتهامه بالكذب والتزوير . روضات الجنات (3/141) .
هكذا لم تماركتب الشيعة القديمة في وجود بن سبأ .
لذلك قال سعدي الهاشمي بعد أن نقل نقولا من كتب الشيعة فيها أخبار ابن سبأ ملزما بها من أنكره من الشيعة المعاصرين : ( و بهذه النقول والنصوص الواضحة المنقولة من كتب القوم ( الشيعة ) تتضح لنا حقيقة شخصية ابن سبأ اليهودي ، و من طعن من الشيعة في ذلك فقد طعن في كتبهم التي نقلت لعنات الأئمة المعصومين – عندهم – على هذا اليهودي ( ابن سبأ ) و لا يجوز و لا يتصور أن تخرج اللعنات من المعصوم على مجهول ، و كذلك لا يجوز في معتقد القوم تكذيب المعصوم ) . ابن سبأ حقيقة لا خيال ( ص 76 ) .
هذا قليل من كثير من كتب أهل العلم سنية وشيعية في إثبات شخصية عبد الله بن سبأ لا يمارون في ذلك ولا يشكون .
كما وأن هناك الكثير من المثبتين لهذه الشخصية من المعاصرين ، راجع للأهمية كتاب : العنصرية اليهودية وآثارها في المجمع الإسلامي و الموقف منها للدكتور أحمد بن عبد الله بن إبراهيم الزغيبي ( 2 / 530-531 ) ، حيث ذكر عدداً كبيراً من المثبتين لشخصية ابن سبأ من المعاصرين .
حجج من أنكر وجود عبد الله بن سبأ
حجة من أنكر ابن سبأ أن مصدر أخباره كلها من طريق سيف ابن عمر وقد تركه أئمة الحديث ، حتى وصل الحال بابن حبان إلى أن يتهمه بالزندقة .(22/98)
جوابا عن هذا الدليل نقول ما ادعاه النافون ليس صحيحا فأصل قصة ابن سبأ في البخاري كما مر في أول دليل للمثبتين ، ثانيا هناك سبع روايات في تاريخ دمشق لابن عساكر تروي قصصا لابن سبأ ليس في سندها سيف بن عمر ، ثالثا سيف بن عمر وإن كان متروكا في الحديث إلا أنه غير مدفوع في التاريخ .
يقول الذهبي في ميزان الاعتدال (2/255 ) : ( كان أخبارياً عارفاً ) . و يقول ابن حجر في تقريب التهذيب ( 1/344 ) : ( عمدة في التاريخ ) . أما اتهام ابن حبان لسيف بالزندقة فيجيب عنه ابن حجر في التقريب (1/344 ) بقوله : ( أفحش ابن حبان القول فيه ) .
حول رواية سيف ابن عمر للقصة ابن سبأ واتساقها مع الروايات الصحيحة يراجع كتاب: استشهاد عثمان و وقعة الجمل رواية سيف بن عمر ، للدكتور خالد بن محمد الغيث ( ص 19- 40 )
وحول دوره الخبيث في الفتنة الذي أنكره الكاتب ، يراجع كتاب : عبد الله بن سبأ و أثره في أحداث الفتنة في صدر الإسلام للدكتور سليمان العودة.
وقد استفدت في قضية ابن سبأ من بحث بعنوان عبد الله بن سبأ مؤسس دين الرافضة ، لا يوجد عليه اسم كاتب معين .
وأرى أن الكاتب متأثر بطه حسين في نفيه لابن سبإ .
فالناظر إلى قوله في ص 124 : " وقد وجد هؤلاء في شخصية عبد الله بن سبإ أحسن تفسير لكل ما جرى . لكن هؤلاء نسوا أنهم بذلك يغضون من قدر الصحابة رضي الله عنهم ـ من حيث لا يشعرون ـ حينما يصورونهم في صورة جماعة من المغفلين يتلاعب به يهودي مجهول النسب والأصل ، ويدفع بعضهم إلى قتال بعض دون علم منهم أو فطنة .. "
وقول طه حسين في كتاب الفتنة الكبرى ص 134
ولنكبر المسلمين في صدر الإسلام أن يعبث بدينهم وسياستهم وعقولهم ودولتهم رجل أقبل من صنعاء ، ...
من قرأ هذين النصين يجد تطابقا في المعنى وتشابها في اللفظ .(22/99)
الفصل الثالث ـ كشف بطلان ما موه به الكاتب في كتابه ، من التزام منهج ابن تيمية في كلامه على الصحابة .
التنبيه الأول ـ عرض موقف شيخ لإسلام من الخلاف الذي جرى بين الصحابة وجمعه من كتبه ، وإيضاح أنه لا يختلف عما عليه أهل السنة الآخرين .
في هذه الوقفة سنتناول موقف شيخ الإسلام من الصحابة ، وهل له موقف مخالف لأهل السنة والجماعة ، وهل الكاتب انتهج منهج شيخ الإسلام في الكتابة فيما يتعلق باختلاف الصحابة .
لا يختلف منهج شيخ الإسلام في تناوله لقضية الصحابة عن غيره من أهل العلم و السنة ؛ فهو يرى عدالة الصحابة العدالة الدينية ، ويرى الإمساك عما شجر بينهم وأنه هو منهج أهل السنة والجماعة .
فقال :
"وكذلك "نؤمن بالإمساك عما شجر بينهم " ونعلم أن بعض المنقول في ذلك كذب .
وهم كانوا مجتهدين إما مصيبين لهم أجران ؛ أو مثابين على عملهم الصالح مغفور لهم خطؤهم ، وما كان لهم من السيئات ـ وقد سبق لهم من الله الحسنى ـ فإن الله يغفرها لهم : إما بتوبة أو بحسنات ماحية ، أو مصائب مكفرة ؛ أو غير ذلك فإنهم خير قرون هذه الأمة كما قال صلى الله عليه وسلم : " خير القرون قرني الذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم" . وهذه خير أمة أخرجت للناس "
(مجموع الفتاوى 3 / 406)
وقال :
"ولهذا أوصوا بالإمساك عما شجر بينهم ، لأنا لا نسأل عن ذلك . كما قال عمر بن عبد العزيز :" تلك دماء طهر الله منها يدي فلا أحب أن أخضب بها لساني" وقال آخر : "تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون" (سورة البقرة 134)
لكن إذا ظهر مبتدع يقدح فيهم بالباطل ، فلا بد من الذب عنهم ، وذكر ما يبطل حجته بعلم وعدل".
(منهاج السنة النبوية 6 / 254)
وقال :(22/100)
"ولهذا كان من مذاهب أهل السنة الإمساك عما شجر بين الصحابة ، فإنه قد ثبتت فضائلهم،ووجبت موالاتهم ومحبتهم ، وما وقع منه ما يكون لهم فيه عذر يخفى على الإنسان ، ومنه ما تاب صاحبه منه ، ومنه ما يكون مغفورا . فالخوض فيما شجر يوقع في نفوس كثير من الناس بغضا وذما . ويكون هو في ذلك مخطئا ، بل عاصيا، فيضر نفسه ومن خاض معه في ذلك ، كما جرى لأكثر من تكلم في ذلك ؛ فإنهم تكلموا بكلام لا يحبه الله ولا رسوله : إما من ذم من لا يستحق الذم وإما من مدح أمور لا تستحق المدح ، ولهذا كان الإمساك طريقة أفاضل السلف" .
(منهاج السنة النبوية 4 / 448)
وأما ما يتعلق بالعدالة فقد بين شيخ الإسلام عدالة الصحابة بتفصيل شامل واضح فبين أنهم أفضل من آمن بالله فقال:
"والصحابة الذين يشهدون أن لا إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن القرآن حق ، هم أفضل من جاء بالصدق وصدق به بعد الأنبياء ."
(منهاج السنة النبوية 2 / 33 )
وأوضح أن هذا الفضل شامل لجميع الصحابة فقال :
" وقال تعالى : "وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون " ( سورة النور 55 )
فقد وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالاستخلاف ، كما وعدهم في تلك الآية مغفرة وأجرا عظيما ، والله لا يخلف الميعاد ، فدل ذلك على أن الذين استخلفهم كما استخلف الذين من قبلهم ومكن لهم دين الإسلام ، وهو الدين الذي ارتضاه لهم كما قال تعالى : " ورضيت لكم الإسلام دينا " ( سورة المائدة 3 ) وبدلهم من بعد خوفهم أمنا لهم منه المغفرة والأجر العظيم .(22/101)
وهذا يستدل به من وجهين : يستدل به على أن المستخلفين مؤمنون عملوا الصالحات لأن الوعد لهم لا لغيرهم ، ويستدل به على أن هؤلاء مغفور لهم ، ولهم مغفرة وأجر عظيم ؛ لأنهم آمنوا وعملوا الصالحات : فتناولتهم الآيتان آية النور وآية الفتح .
ومن المعلوم أن هذه النعوت منطبقة على الصحابة على زمن أبي بكر وعمر وعثمان ، فإنه إذ ذاك حصل الاستخلاف ، وتمكن الدين والأمن بعد الخوف لما قهروا فارس والروم ، وفتحوا الشام والعراق ومصر وخراسان وإفريقية ، ولما قتل عثمان وحصلت الفتنة لم يفتحوا شيئا من بلاد الكفار ، بل طمع فيهم الكفار بالشام وخراسان ، وكان بعضهم يخاف بعضا .
وحينئذ فقد دل القرآن على إيمان أبي بكر وعمر وعثمان ، ومن كان معهم في زمن الاستخلاف والتمكين والأمن . والذين كانوا في زمن الاستخلاف والتمكين والأمن وأدركوا زمن الفتنة ـكعلي وطلحة والزبير وأبي موسى الأشعري ومعاوية وعمرو بن العاص ـ دخلوا في الآية لأنهم استُخلِفوا ومُكِّنوا وأمنوا " .
(منهاج السنة النبوية 2 / 36 )
وقال :
" وفي الجملة كل ما في القرآن من خطاب المؤمنين والمتقين والمحسنين ومدحهم والثناء عليهم ، فهم أول من دخل في ذلك من هذه الأمة ، وأفضل من دخل في ذلك من هذه الأمة ،كما استفاض عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه أنه قال : "خير القرون القرن الذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم " .
(منهاج السنة النبوية 2 / 49)
وقال :
"فإنهم خير هذه الأمة ، كما تواترت بذلك الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال : " خير القرون القرن الذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم "(22/102)
وهم أفضل الأمة الوسط الشهداء على الناس ، الذين هداهم الله لما اختلف فيه من الحق بإذنه ، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ، فليسوا من المغضوب عليهم الذين يتبعون أهواءهم ، ولا من الضالين الجاهلين ، كما قسمهم هؤلاء المفترون إلى ضلال وغواة ، بل لهم كمال العلم وكمال القصد ، إذا لو لم يكن كذلك للزم أن لا تكون هذه الأمة خير الأمم ، وأن لا يكونوا خير الأمة وكلاهما خلاف الكتاب والسنة ...
والصحابة أكمل الأمة في ذلك بدلالة الكتاب والسنة والإجماع والاعتبار ، ولهذا لا تجد أحدا من أعيان الأمة إلا وهو معترف بفضل الصحابة عليه وعلى أمثاله ، وتجد من ينازع في ذلك كالرافضة من أجهل الناس " .
(منهاج السنة النبوية 2 / 79)
وبين عدالتهم عند أهل الحديث والفقه فقال :
"ولهذا كان الصحابة كلهم ثقات باتفاق أهل العلم بالحديث والفقه"
(منهاج السنة النبوية 2 / 457)
وقال :
" وخيار هذه الأمة هم الصحابة ، فلم يكن في الأمة أعظم اجتماعا على الهدى ودين الحق ، ولا أبعد عن التفرق والاختلاف منهم ...
وكما أنه لم يكن في القرون أكمل من قرن الصحابة ، فليس في الطوائف بعدهم أكمل من أتباعهم .
فكل من كان للحديث والسنة وآثار الصحابة أتبع كان أكمل ، وكانت تلك الطائفة أولى بالاجتماع والهدى والاعتصام بحبل الله وأبعد عن التفرق والاختلاف والفتنة " .
(منهاج السنة النبوية 6 / 366)
وقال :
"فالصحابة أعلم الأمة وأفقهها وأدينها ولهذا أحسن الشافعي رحمه الله في قوله : "هم فوقنا في كل علم وفقه ودين وهدى ، وفي كل سبب ينال به علم وهدى ، ورأيهم لنا خير من رأينا لأنفسنا " أو كلاما هذا معناه " .
(منهاج السنة النبوية 6 / 81 )
وحكم شيخ الإسلام على كل من لم يقل بعدالة الصحابة العدالة الدينة على ما فصل الشيخ وأوضح؛ أنه قائل بظلم وجهل .
فقال :(22/103)
" والله تعالى قد حرم القول بغير علم ، فكيف إذا كان المعروف ضد ما قاله ؟ فلو لم نكن نحن عالمين بأحوال الصحابة ،لم يجز أن نشهد عليهم بما لا نعلم من فساد القصد والجهل بالمستحق .
قال تعالى : "ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا "
(سورة الإسراء 36 )
وقال تعالى :"هاأنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم"
( سورة آل عمران 66 ) فكيف إذا كنا نعلم أنهم كانوا أكمل هذه الأمة عقلا وعلما ودينا؟ "
(منهاج السنة النبوية 2 / 76)
وقال :
"ما علم بالكتاب والسنة والنقل المتواتر ، من محاسن الصحابة وفضائلهم ، لا يجوز أن يدفع بنقول بعضها منقطع، وبعضها محرف ، وبعضها لا يقدح فيما علم ، فإن اليقين لا يزول بالشك ، ونحن قد تيقنا ما دل عليه الكتاب والسنة وإجماع السلف قبلنا ، وما يُصدق ذلك من المنقولات المتواترة من أدلة العقل ، من أن الصحابة رضي الله عنهم أفضل الخلق بعد الأنبياء ، فلا يقدح في هذا أمور مشكوك فيها فكيف إذا علم بطلانها ؟ " .
(منهاج السنة النبوية 6 / 305)
وجلى بوضوح لا يقبل التأويل أنهم جميعا من أهل الجنة ،وأن ما يروى عنهم من المآخذ أكثره كذب ، والباقي هم فيه مجتهدون معذورون ؛ ولكن كثير من الناس لا يدركون وجه اجتهادهم ، وعلى فرض أنه من الذنوب المحققة فهو مغفور لهم ، فصار الطعن عليهم به من الظلم والجهل .
قال :(22/104)
" فيقولون ما يذكر عن الصحابة من السيئات كثير منه كذب ، وكثير منه كانوا مجتهدين فيه ، ولكن لم يعرف كثير من الناس وجه اجتهادهم ، وما قدر أنه كان فيه ذنب من الذنوب لهم فهو مغفور لهم ؛ إما بتوبة ، وإما بحسنات ماحية ، وإما بمصائب مكفرة ، وإما بغير ذلك ، فإنه قد قام الدليل الذي يجب القول بموجبه أنهم من أهل الجنة ، فامتنع أن يفعلوا ما يوجب النار لا محالة ، وإذا لم يمت أحد منهم على موجب النار لم يقدح ما سوى ذلك في استحقاقهم للجنة .
ونحن قد علمنا أنهم من أهل الجنة ، ولو لم يعلم أن أولئك المعينين في الجنة لم يجز لنا أن نقدح في استحقاقهم للجنة بأمور لا نعلم أنها توجب النار، فإن هذا لا يجوز في آحاد المؤمنين الذين لم يعلم أنهم يدخلون الجنة ، ليس لنا أن نشهد لأحد منهم بالنار لأمور محتملة لا تدل على ذلك ، فكيف يجوز مثل ذلك في خيار المؤمنين ، والعلم بتفاصيل أحوال كل واحد منهم باطنا وظاهرا، وحسناته وسيئاته واجتهاداته ، أمر يتعذر علينا معرفته ؟ فكان كلامنا في ذلك كلاما فيما لا نعلمه ، والكلام بلا علم حرام .
فلهذا كان الإمساك عما شجر بين الصحابة خيرا من الخوض في ذلك بغير علم بحقيقة الأحوال ، إذ كان كثير من الخوض في ذلك ـ أو أكثره ـ كلاما بلا علم ، وهذا حرام لو لم يكن فيه هوى ومعارضة الحق المعلوم ، فكيف إذا كان كلاما بهوى يطلب فيه دفع الحق المعلوم ؟ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " القضاة ثلاثة قاضيان في النار وقاض في الجنة رجل علم الحق وقضى به فهو في الجنة ورجل علم الحق وقضى بخلافه فهو في النار ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار "
فإذا كان هذا في قضاء بين اثنين في قليل المال أو كثيره ، فكيف بالقضاء بين الصحابة في أمور كثيرة ؟(22/105)
فمن تكلم في هذا الباب بجهل أو بخلاف ما يعلم من الحق كان مستوجبا للوعيد ، ولو تكلم بحق لقصد اتباع الهوى لا لوجه الله تعالى ، أو يعارض به حقا آخر ، لكان أيضا مستوجبا للذم والعقاب .
ومن علم ما دل عليه القران والسنة من الثناء على القوم ، ورضا الله عنهم ، واستحقاقهم الجنة ، وأنهم خير هذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس ، لم يعارض هذا المتيقن المعلوم بأمور مشتبهة : منها ما لا يعلم صحته، ومنها ما يتبين كذبه ، ومنها ما لا يعلم كيف وقع ، ومنها ما يعلم عذر القوم فيه، ومنها ما يعلم توبتهم منه، ومنها ما يعلم أن لهم من الحسنات ما يغمره ، فمن سلك سبيل أهل السنة استقام قوله ، وكان من أهل الحق والاستقامة والاعتدال ، وإلا حصل في جهل وكذب وتناقض كحال هؤلاء الضلال ".
(منهاج السنة النبوية 4 / 310 )
وقال :
"ما ينقل عن الصحابة من المثالب فهو نوعان : أحدهما ما هو كذب : إما كذب كله ، وإما محرف قد دخله من الزيادة والنقصان ما يخرجه إلى الذم والطعن . وأكثر المنقول من المطاعن الصريحة هو من هذا الباب يرويها الكذابون المعروفون بالكذب ، مثل أبي مخنف لوط بن يحيى ، ومثل هشام بن محمد بن السائب الكلبي وأمثالهما من الكذابين...
النوع الثاني : ما هو صدق وأكثر هذه الأمور لهم فيها معاذير تخرجها عن أن تكون ذنوبا، وتجعلها من موارد الاجتهاد ، التي إن أصاب المجتهد فيها فله أجران وإن أخطأ فله أجر . وعامة المنقول الثابت عن الخلفاء الراشدين من هذا الباب ، وما قدر من هذه الأمور ذنبا محققا فإن ذلك لا يقدح فيما علم من فضائلهم وسوابقهم وكونهم من أهل الجنة " .
(منهاج السنة النبوية 5 / 81)
وقال :(22/106)
" نحن نبسط هذا وننبه بالأدنى على الأعلى ، فنقول كلام الذام للخلفاء ولغيرهم من الصحابة ـ من رافضي وغيره _ هو من باب الكلام في الأعراض، وفيه حق لله تعالى ، لما يتعلق به من الولاية والعداوة ، والحب والبغض ، وفيه حق للآدميين أيضا .
ومعلوم أنا إذا تكلمنا فيمن هو دون الصحابة ، مثل الملوك المختلفين على الملك ، والعلماء والمشايخ المختلفين في العلم والدين ، وجب أن يكون الكلام بعلم وعدل لا بجهل وظلم ،فإن العدل واجب لكل أحد على كل أحد في كل حال . والظلم محرم مطلقا لا يباح قط بحال " .
(منهاج السنة النبوية 5 / 126)
وقال :
"والله تعالى قد حرم ظلم المسلمين : أحيائهم وأمواتهم ، وحرم دماءهم وأموالهم وأعراضهم .
وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في حجة الوداع :" إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت ألا ليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع "
وقد قال تعالى : "والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا"
( سورة الأحزاب 58)
فمن آذى مؤمنا : حيا أو ميتا بغير ذنب يوجب ذلك ، فقد دخل في هذه الآية ومن كان مجتهدا لا إثم عليه ، فإذا آذاه مؤذ فقد آذاه بغير ما اكتسب ، ومن كان مذنبا ـ وقد تاب من ذنبه ، أو غفر له بسبب آخر بحيث لم يبق عليه عقوبة ـ فآذاه مؤذ ، فقد آذاه بغير ما اكتسب وإن حصل له بفعله مصيبة " .
(منهاج السنة النبوية 5 / 135)
وقال :
"لكن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين أعظم حرمة ، وأجل قدرا ، وأنزه أعراضا ،. وقد ثبت من فضائلهم خصوصا وعموما ما لم يثبت لغيرهم ، فلهذا كان كلام الذي فيه ذمهم على ما شجر بينهم أعظم إثما من الكلام في غيرهم" .
(منهاج السنة النبوية 5 / 147)(22/107)
وأوضح أن الصحابة غير معصومين من الخطأ والذنوب، ولكن هم بين أجر الاجتهاد ومغفرة الذنب فصار القادح عليهم بخطئهم منحرف عن طريق العلم والعدل .
فقال :
"والقاعدة الكلية في هذا أن لا نعتقد أن أحدا معصوم بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، بل الخلفاء وغير الخلفاء يجوز عليهم الخطأ ، والذنوب التي تقع منهم قد يتوبون منها ، وقد تكفر عنهم بحسناتهم الكثيرة ، وقد يبتلون أيضا بمصائب يكفر الله عنهم بها ...
فهذه القاعدة تغنينا أن نجعل كل ما فعل واحد منهم هو الواجب أو المستحب من غير حاجة بنا إلى ذلك والناس المنحرفون في هذا الباب صنفان : القادحون الذين يقدحون في الشخص بما يغفره الله له . والمادحون الذين يجعلون الأمور المغفورة من باب السعي المشكور" .
(منهاج السنة النبوية 6 / 196ـ 98)
وقال:" فائدة ومما ينبغي أن يعلم أنه وان كان المختار الإمساك عما شجر بين الصحابة والاستغفار للطائفتين جيمعيا وموالاتهم فليس من الواجب اعتقاد أن كل واحد من العسكر لم يكن إلا مجتهدا متأولا : كالعلماء بل فيهم المذنب والمسيء ، وفيهم المقصر في الاجتهاد لنوع من الهوى ، لكن إذا كانت السيئة في حسنات كثيرة كانت مرجوحة مغفورة .
وأهل السنة تحسن القول فيهم وتترحم عليهم ، وتستغفر لهم لكن لا يعتقدون العصمة من الإقرار على الذنوب، وعلى الخطأ في الاجتهاد ، إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ومن سواه فيجوز عليه الإقرار على الذنب والخطأ ، لكن هم كما قال تعالى :"أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم " الآية وفضائل الأعمال إنما هي بنتائجها وعواقبها لا بصورها "
(مجموع الفتاوى 4 / 434)
وهذه هي الأصول التي بين الشيخ أن من لم يراعيها في كلامه عن الصحابة وقع في ظلم وجهل في الكليات وكذب وجهل في الجزئيات .
فقال :(22/108)
"ونحن نذكر قاعدة جامعة في هذا الباب لهم ولسائر الأمة فنقول : لا بد أن يكون مع الإنسان أصول كلية يرد إليها الجزئيات ليتكلم بعلم وعدل ، ثم يعرف الجزيئات كيف وقعت وإلا فيبقى في كذب وجهل في الجزئيات وجهل وظلم في الكليات ، فيتولد فساد عظيم" .
(منهاج السنة النبوية 5 / 83)
و بين شيخ الإسلام رحمه الله أن من علامة سوء طوية الإنسان أن يكون في قلبه على الصحابة شيء .
فقال :
"ومن أعظم خبث القلوب أن يكون في قلب العبد غل لخيار المؤمنين ، وسادات أولياء الله بعد النبيين ولهذا لم يجعل الله تعالى في الفيء نصيبا لمن بعدهم، إلا الذين يقولون :" ربنا أغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف"
(منهاج السنة النبوية 1 / 22 )
وأوجب الانتصار لهم ممن تكلم فيهم . فقال :
" والواجب على كل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله أن يكون أصل قصده توحيد الله بعبادته وحده لا شريك له وطاعة رسوله ، يدور على ذلك ويتبعه أين وجده ، ويعلم أن أفضل الخلق بعد الأنبياء هم الصحابة ، فلا ينتصر لشخص انتصارا مطلقا عاما ، إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا لطائفة انتصارا مطلقا عاما إلا للصحابة رضي الله عنهم أجمعي .ن فإن الهدى يدور مع الرسول حيث دار ، ويدور مع أصحابه دون أصحاب غيره حيث داروا ؛ فإذا أجمعوا لم يجمعوا على خطأ قط ، بخلاف أصحاب عالم من العلماء فإنهم قد يجمعون على خطأ " .
(منهاج السنة النبوية 5 / 261)
هذا في الصحابة عموما أما آحاد الصحابة الذين تكلم عنهم شيخ الإسلام فبين فضلهم ورد الطعون الموجه إليهم .
فقد رد الطعون الموجهة إلى عثمان ، وبين أنها كذب وما كان فيها من حق لم يأل جهدا في تحر الحق فيه .
فقال :(22/109)
" وبعض المسلمين أنكر عليه بعض الأمور ، وكثير من ذلك يكون الصواب فيه مع عثمان ، وبعضه يكون فيه مجتهدا ، ومنه ما يكون المخالف له مجتهدا : إما مصيبا وإما مخطئا"
(منهاج السنة النبوية 6 / 297)
فقال :
النوع الثاني : ما هو صدق وأكثر هذه الأمور لهم فيها معاذير تخرجها عن أن تكون ذنوبا، وتجعلها من موارد الاجتهاد ، التي إن أصاب المجتهد فيها فله أجران وإن أخطأ فله أجر . وعامة المنقول الثابت عن الخلفاء الراشدين من هذا الباب ، وما قدر من هذه الأمور ذنبا محققا فإن ذلك لا يقدح فيما علم من فضائلهم وسوابقهم وكونهم من أهل الجنة " .
(منهاج السنة النبوية 5 / 81 )
و رد المفتريات المكذوبة عليه من طرف أعداء الصحابة فقال :
"وأما قوله وكان يؤثر أهله بالأموال الكثيرة من بيت المال حتى أنه دفع إلى أربعة نفر من قريش زوجهم بناته أربعمائة ألف دينار ودفع إلى مروان ألف ألف دينار "
فالجواب أولا أن يقال : أين النقل الثابت بهذا ؟ نعم كان يعطي أقاربه عطاء كثيرا ، ويعطي غير أقاربه أيضا، وكان محسنا إلى جميع المسلمين . وأما هذا القدر الكثير فيحتاج إلى نقل ثابت . ثم يقال :ثانيا: هذا من الكذب البين ، فإنه لا عثمان ولا غيره من الخلفاء الراشدين أعطوا أحدا ما يقارب هذا المبلغ".
(منهاج السنة النبوية 6 / 249)
وأضح أن عثمان لم يول بني أمية لأنهم قرابته بل لكفاءتهم لما ولاهم .
فقال
"فإن عثمان يقول إن بني أمية كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعملهم في حياته ، واستعملهم بعده من لا يتهم بقرابة : فيهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه وعمر رضي الله عنه ولا نعرف قبيلة من قبائل قريش فيها عمال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من بني عبد شمس ، لأنهم كانوا كثيرين وكان فيهم شرف وسؤدد "
(منهاج السنة النبوية 6 / 192)
ودافع عن ولاته وحدا واحدا فقال :(22/110)
"وكذلك قوله إنه استعمل سعيد بن العاص على الكوفة وظهر منه ما أدى إلى أن أخرجه أهل الكوفة منها " فيقال: مجرد إخراج أهل الكوفة لا يدل على ذنب يوجب ذاك ، فإن القوم كانوا يقومون على كل وال .
قد قاموا على سعد بن أبي وقاص ، وهو الذي فتح البلاد ، وكسر جنود كسرى ، وهو أحد أهل الشورى، ولم يتول عليهم نائب مثله. وقد شكوا غيره مثل عمار بن ياسر، وسعد بن أبي وقاص ، والمغيرة بن شعبة ، وغيرهم. ودعا عليهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : اللهم إنهم قد لبسوا علي فلبس عليهم "
(منهاج السنة النبوية 6 / 243)
وقال عن مراون :
"وليس مروان أولى بالفتنة والشر من محمد بن أبي بكر ، ولا هو أشهر بالعلم والدين منه . بل أخرج أهل الصحاح عدة أحاديث عن مروان ، وله قول مع أهل الفتيا ، واختلف في صحبته .
ومروان من أقران ابن الزبير ، فهو قد أدرك حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، ويمكن أنه رآه عام فتح مكة ، أو عام حجة الوداع ، والذين قالوا لم ير النبي صلى الله عليه وسلم قالوا إن أباه كان بالطائف ، فمات النبي صلى الله عليه وسلم وأبوه بالطائف ، وهو مع أبيه . ومن الناس من يقول إن النبي صلى الله عليه وسلم نفى أباه إلى الطائف ، وكثير من أهل العلم ينكر ذلك ، ويقول : إنه ذهب باختياره ، وإن نفيه ليس له إسناد .
وهذا إنما يكون بعد فتح مكة ، فقد كان أبوه بمكة مع سائر الطلقاء ، وكان هو قد قارب سن التمييز .
وأيضا فقد يكون أبوه حج مع الناس ، فرآه في حجة الوداع ، ولعله قدم إلى المدينة . فلا يمكن الجزم بنفي رؤيته للنبي صلى الله عليه وسلم .
وأما أقرانه كالمسور بن مخرمة ، وعبد الله بن الزبي ،ر فهؤلاء كانوا بالمدينة . وقد ثبت أنهم سمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم "
(منهاج السنة النبوية 6 / 245 ـ 642)
وقال عن معاوية :
"وأما قوله ولى معاوية الشام فأحدث من الفتن ما أحدثه "(22/111)
فالجواب : أن معاوية إنما ولاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما مات أخوه يزيد بن أبي سفيان ولاه عمر مكان أخيه . واستمر في ولاية عثمان، وزاده عثمان في الولاية وكانت سيرة معاوية مع رعيته من خيار سير الولاة ، وكانت رعيته يحبونه .
وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم وشرار أئمتكم الذين تبغضونه ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم "
وإنما ظهر الإحداث من معاوية في الفتنة لما قتل عثمان ، ولما قتل عثمان كانت الفتنة شاملة لأكثر الناس ، لم يختص بها معاوية ، بل كان معاوية أطلب للسلامة من كثير منهم ، وأبعد عن الشر من كثير منهم" .
(منهاج السنة النبوية 6 / 246 )
وقال عن عبد الله بن كريز :
"وأما قوله وولى عبد الله بن عامر البصرة ففعل من المناكير ما فعل "
فالجواب أن عبد الله بن عامر له من الحسنات والمحبة في قلوب الناس مالا ينكر، وإذا فعل منكرا فذنبه عليه . فمن قال إن عثمان رضي بالمنكر الذي فعله ؟ "
(منهاج السنة النبوية 6 / 248)
وبين أنه لم يحاب منهم أحدا في الله فلما شرب الوليد الخمر أقام عليه الحد وعزله عن عمله .
فقال :
"فيقال لا جرم طلبه وأقام عليه الحد بمشهد من علي بن أبي طالب ، وقال لعلي قم: فاضربه فأمر علي الحسن بضربه فامتنع وقال لعبد الله بن جعفر :قم فاضربه فضربه أربعين . ثم قال امسك ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين ، وأبو بكر أربعين ، وعمر ثمانين ، وكل سنة وهذا أحب إلي . رواه مسلم وغيره
فإذا أقام الحد برأي علي وأمره فقد فعل الواجب " .
(منهاج السنة النبوية 6 / 243)
رد الطعون في معاوية وعمر بن العاص مبينا أنهم من أهل الجنة وأن المنقول عنهم أكثره اجتهاد .
فقال :(22/112)
"وكان يزيد بن أبى سفيان على الشام ؛ إلى أن ولى عمر ؛ فمات يزيد بن أبى سفيان ؛ فاستعمل عمر معاوية مكان أخيه يزيد بن أبى سفيان ، وبقى معاوية على ولايته تمام خلافته ، وعمر ورعيته تشكره ، وتشكر سيرته فيهم ، وتواليه وتحبه لما رأوا من حلمه وعدله ؛ حتى أنه لم يشكه منهم مشتك ، ولا تظلمه منهم متظلم، .. وقد شهد معاوية ، وأخوه يزيد ، وسهيل بن عمرو ، والحارث بن هشام ، وغيرهم من مُسلمة الفتح مع النبي غزوة حنين، ودخلوا في قوله تعالى :" ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين " وكانوا من المؤمنين الذين أنزل الله سكينته عليهم مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وغزوة الطائف لما حاصروا الطائف ورماها بالمنجنيق ، وشهدوا النصارى بالشام ، وأنزل الله فيها سورة براءة ، وهي غزوة العسرة التي جهز فيها عثمان بن عفان رضي الله عنه جيش العسرة بألف بعير في سبيل الله تعالى فأعوزت وكملها بخمسين بعيرا فقال النبي :"ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم " ....
وهؤلاء المذكورون دخلوا في قوله تعالى :"لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك اعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى" فإن هؤلاء الطلقاء "مسلمة الفتح" هم ممن أنفق من بعد الفتح وقاتل ، وقد وعدهم الله الحسنى ، فإنهم أنفقوا بحنين والطائف ، وقاتلوا فيهما رضى الله عنهم .
وهم أيضا داخلون فيمن رضي الله عنه حيث قال تعالى:"والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه"
....(22/113)
وقد الله تعالى : (والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض " إلى قوله تعالى "والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم "
فهذه عامة .
وقال تعالى :"للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون والذين تبوؤا الدار الإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم "
فهذه الآية والتي قبلها: تتناول من دخل فيها بعد السابقين الأولين إلى يوم القيامة ؛ فكيف لا يدخل فيها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ الذين آمنوا به وجاهدوا معه؟. ...
وقد قال تعالى:"محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوارة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجر عظيما ". فهذا يتناول الذين آمنوا مع الرسول مطلقا "
(مجموع الفتاوى 4 / 457 ـ 462)
وقال :
" فلم يكن من ملوك المسلمين ملك خير من معاوية ، ولا كان الناس في زمان ملك من الملوك خيرا منهم في زمن معاوية ، إذا نسبت أيامه إلى أيام من بعده . وأما إذا نسبت إلى أيام أبي بكر وعمر ظهر التفاضل .(22/114)
وقد روى أبو بكر الأثرم ، ورواه ابن بطة من طريقه ، حدثنا محمد بن عمرو بن جبلة حدثنا محمد بن مروان، عن يونس ،عن قتادة قال ،" لو أصبحتم في مثل عمل معاوية لقال أكثركم هذا المهدي "
وكذلك رواه ابن بطة بإسناده الثابت من وجهين عن الأعمش عن مجاهد قال :" لو أدركتم معاوية لقلتم هذا المهدي "
ورواه الأثرم : حدثنا محمد بن حواش حدثنا أبو هريرة المكتب قال :"كنا عند الأعمش فذكروا عمر بن عبد العزيز وعدله "فقال :" الأعمش فكيف لو أدركتم معاوية ؟" قالوا : في حلمة ؟ قال لا والله بل في عدله .
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل :حدثني أبي ،حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي إسحاق قال : لما قدم معاوية فرض للناس على أعطيه آبائهم حتى انتهى إلي فأعطاني ثلاث مائة درهم .
وقال عبد الله : أخبرنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو أسامة ثنا الثقفي ، عن أبي إسحاق ، يعني السبيعي ، أنه ذكر معاوية فقال :لو أدركتموه أو أدركتم أيامه لقلتم كان المهدي .
وروى الأثرم ، حدثنا محمد بن العلاء ، عن أبي بكر بن عياش ، عن أبي إسحاق قال : ما رأيت بعده مثله . يعني معاوية .
وقال البغوي ، حدثنا سويد بن سعيد ، حدثنا ضمام بن إسماعيل ، عن أبي قيس ، قال :كان معاوية قد جعل في كل قبيل رجلا وكان رجل منا يكنى أبا يحيى ، يصبح كل يوم فيدور على المجالس : هل ولد فيكم الليلة ولد؟ هل حدث الليلة حدث ؟ هل نزل اليوم بكم نازل ؟ قال :فيقولون : نعم ، نزل رجل من أهل اليمن بعياله ، يسمونه وعياله ، فإذا فرغ من القبيل كله أتى الديوان ، فأوقع أسماءهم في الديوان .
وروى محمد بن عوف الطائي ، حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا أبن أبي مريم ،عن عطية بن قيس ،قال :سمعت معاوية بن أبي سفيان يخطبنا يقول :" إن في بيت مالكم فضلا بعد أعطياتكم ، وإني قاسمه بينكم ، فإن كان يأتينا فضل عاما قابلا قسمناه عليكم ، وإلا فلا عتبة علي ، فإنه ليس بمالي ، وإنما هو مال الله الذي أفاء عليكم "(22/115)
وفضائل معاوية في حسن السيرة والعدل والإحسان كثيرة .
وفي الصحيح أن رجلا قال : لابن عباس "هل لك في أمير المؤمنين معاوية؟ إنه أوتر بركعة ؟ قال :"أصاب إنه فقيه "
وروى البغوي في معجمه بإسناده ، ورواه ابن بطة من وجه آخر ، كلاهما عن سعيد بن عبد العزيز عن إسماعيل بن عبد الله بن أبي المهاجر ، عن قيس بن الحارث عن الصنابحي ، عن أبي الدرداء قال : "ما رأيت أحدا أشبه صلاة بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من إمامكم هذا " يعني معاوية .
فهذه شهادة الصحابة بفقهه ودينه ، والشاهد بالفقه ابن عباس ، وبحسن الصلاة أبو الدرداء ، وهما هما. والآثار الموافقة لهذا كثيرة "
(منهاج السنة النبوية 6 / 232)
وقارن ماذكرته لك عن شيخ الإسلام في دراسته لأحوال الصحابة وما ذكرته لك عن الكاتب لتدرك أن قول المؤلف في ص 40
" إن المنهج الذي ندعوا إليه في هذه الدراسة ، ونرى شيخ الإسلام ابن تيمية وبعض أهل الحديث خير من نظَّرله وطبقه .. "
مجرد ادعاء ينقضه الكلام السابق نقله عن شيخ الإسلام ابن تيمية .
وكذا قوله في ص 45
" أن كثيرا ممن ينتسبون إلى مدرسة شيخ الإسلام ـ هذه الأيام ـ يعلنون تبني منهجه في هذا الشأن ، ولم يدرسوا ما كتبه في هذا الشأن دراسة استقرائية مستوعبة ، ولم يدركوا خاصية الاتزان والاعتدال التي اتسم بها منهجه . فاشتط بعضهم في مجادلات مع الشيعة ، ودافعوا عن الحق بالباطل حينا ، قدموا صورة شوهاء للمبادئ السياسية الإسلامية أحيانا ، حرصا منهم على الدفاع عن الصحب الكرام . "
وبان أن الذي لم يدرس منهج شيخ الإسلام في تناول مسألة الصحابة والفتن التي وقعت بينهم هو الكاتب لا من ينتمي إلى مدرسة شيخ الإسلام .
وهذا الادعاء من المؤلف لم يقدم عليه دليلا ولا نموذجا من أحد من مدرسة شيخ الإسلام يصدق ما ادعاه .(22/116)
التنبيه الثاني ـ كشف ما ادعاه الكاتب على شيخ الإسلام من مسائل ، يردها كلام الشيخ حول تلك المسائل بعينها .
في هذه الوقفة سأتناول بعض ما ادعا الكاتب من أقوال ذكر أن شيخ الإسلام يقول بها ، ولكن بالرجوع إلى كلام شيخ الإسلام نجد غير ما ذكر المؤلف .
من ذلك قوله في ص 49
"ولم يجعل ابن تيمية مسألة "الكف عما شجر بين الصحابة " مسألة اعتقادية ـ كما فعل من لا يميز بين الوحي والتاريخ ـ وإنما بين أن جماع الأمر كله العلم والعدل ، فلا مانع عنده أن يخوض المسلم في ذلك " إن أمكن الكلام بينهما بعلم وعدل وإلا تكلم بما يعلم من فضلهما ودينهما وكان ما شجر بينهما وتنازعا فيه أمره إلى الله "
هذا الكلام تدليس واضح من الكاتب على القارئ واستخفاف بعقله وثقافته. فابن تيمية قد جعل الكف عما شجر بين الصحابة أصلا من أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة في أصغر كتبه وأكثرها انتشارا .
(العقيدة الواسطية )
قال شيخ الإسلام :
"ومن أصول أهل السنة والجماعة ؛ سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما وصفهم الله به في قوله تعالى :"والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم "
وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :" لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه "
ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائلهم ومراتبهم . ....
"ويمسكون عما شجر من الصحابة . ويقولون إن هذه الآثار المروية في مساوئهم منها ما هو كذب ، ومنها ما قد زيد فيه ونقص وغير عن وجهه ، والصحيح منه ما هم فيه معذورون ، إما مجتهدون مصيبون ، وأما مجتهدون مخطئون .(22/117)
وهم مع ذلك لا يعتقدون أن كل واحد من الصحابة معصوم عن كبائر الإثم وصغائره ؛ بل تجوز عليهم الذنوب في الجملة ، ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر عنهم إن صدر ، حتى إنه يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم ، لأن لهم من الحسنات التي تمحو السيئات مما ليس لمن بعدهم ، وقد ثبت بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أنهم خير القرون " " وأن المد من أحدهم إذا تصدق به كان أفضل من جبل أحد ذهبا ممن بعدهم" ثم إذا كان قد صدر من أحدهم ذنب فيكون قد تاب منه ، أو أتى بحسنات تمحوه ، أو غفر له بفضل سابقته ، أو بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم الذي هم أحق الناس بشفاعته ، أو ابتلي ببلاء في الدنيا كفر به عنه .
فإذا كان هذا في الذنوب المحققة ، فكيف الأمور التي كانوا فيها مجتهدين : إن أصابوا فلهم أجران ، وإن أخطأوا فلهم أجر واحد والخطأ مغفور لهم ؟ ثم القدر الذي ينكر من فعل بعضهم قليل نزر ، مغفور في جنب فضائل القوم ومحاسنهم ، من الإيمان بالله ورسوله ، والجهاد في سبيله . والهجرة والنصرة ، والعلم النافع والعمل الصالح. ومن نظر في سيرة القوم بعلم وبصيرة ، وما من الله عليهم به من الفضائل علم يقينا أنهم خير الخلق بعد الأنبياء ، لا كان ولا يكون مثلهم وأنهم الصفوة من قرون هذه الأمة ، التي هي خير الأمم وأكرمها على الله ".
(مجموع الفتاوى 3/ 156 )
وهذا النص يبن عدم صدق الكاتب في قوله في ص 134
" وأما شيخ الإسلام ابن تيمية ، فلم يلزم نفسه بمذهب مخصوص ، بل خاض في الأمر عن دراية ، وتأول ـ من غير تكلف في الأغلب ـ في مواطن ، وانتقد نقدا صريحا في مواطن أخرى ، وعرف للرجال حقهم وللحق حقه . وتجنب التعميم والتهويل .. "(22/118)
وأما النص الذي أتى به الكاتب لشيخ الإسلام وظن أنه يؤيد ما نقله عن شيخ الإسلام، فهو نص اقتطعه الكاتب من سياقه الذي يوضح معناه ، ونحن موردوه لك إن شاء الله في سياقه الذي أورده فيه ابن تيمية ليتضح معناه ، بعد أن نورد منه ما احتج الكاتب به .
"إن أمكن الكلام بينهما بعلم وعدل وإلا تكلم بما يعلم من فضلهما ودينهما وكان ما شجر بينهما وتنازعا فيه أمره إلى الله "
هذا النص اقتنصه الكاتب من كلام طويل لشيخ الإسلام ابن تيمية يرد فيه فرية من مفتريات الرافضي الخبيث ابن المطهر الحلي على الصحابة ، وهي إفكه على ابن مسعود أنه كفر عثمان.
وأما قوله: " وكان ابن مسعود يطعن عليه ويكفره" هذا أفك ابن المطهر .
قال شيخ الإسلام :
" فالجواب أن هذا من الكذب البين على ابن مسعود ، فإن علماء أهل النقل يعلمون أن ابن مسعود ما كان يكفر عثمان ، بل لما ولى عثمان وذهب ابن مسعود إلى الكوفة قال :" ولينا أعلانا ذا فوق ولم نأل "
وكان عثمان في السنين الأول من ولايته لا ينقمون منه شيئا ولما كانت السنين الآخرة نقموا منه أشياء ، بعضها هم معذورون فيه ، وكثير منها كان عثمان هو المعذور فيه .
من جملة ذلك أمر ابن مسعود ؛ فإن ابن مسعود بقي في نفسه من أمر المصحف ن لما فوض كتابته إلى زيد ، دونه وأمر الصحابة أن يغسلوا مصاحفهم . وجمهور الصحابة كانوا مع عثمان على ابن مسعود ، وكان زيد بن ثابت قد انتدبه أبو بكر وعمر لجمع المصحف الصحف ، فندب عثمان من ندبه أبو بكر وعمر ، وكان زيد بن ثابت قد حفظ العرضة الأخيرة ، فكان اختيار تلك أحب إلى الصحابة ، فإن جبريل عارض النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن في العام الذي قبض فيه مرتين .
وأيضا فكان ابن مسعود أنكر على الوليد بن عقبة لما شرب الخمر ، وقد قدم ابن مسعود إلى المدينة ، وعرض عليه عثمان النكاح .(22/119)
وهؤلاء المبتدعة غرضهم التكفير أو التفسيق للخلفاء الثلاثة بأشياء لا يفسق بها واحد من الولاة ، فكيف يفسق بها أولئك ؟ ومعلوم أن مجرد قول الخصم في خصمه لا يوجب القدح في واحد منهما ، وكذلك كلام أحد المتشاجرين في الآخر .
ثم يقال بتقدير : أن يكون ابن مسعود طعن على عثمان رضي الله عنهما فليس جعل ذلك قدحا في عثمان بأولى من جعله قدحا في ابن مسعود . وإذا كان كل واحد منهما مجتهدا فيما قاله أثابه الله على حسناته وغفر له خطأه ن وإن كان صدر من أحدهما ذنب فقد علمنا أن كلا منهما ولى لله ، وأنه من أهل الجنة وأنه لا يدخل النار ، فذنب كل واحد منهما لا يعذبه الله عليه في الآخرة .
وعثمان أفضل من كل من تكلم فيه . هو أفضل من ابن مسعود وعمار وأبي ذر ومن غيرهم من وجوه كثيرة كما ثبت ، ذلك بالدلائل الكثيرة .
فليس جعل كلام المفضول قادحا في الفاضل بأولى من العكس ، بل إن أمكن الكلام بينهما بعلم وعدل ، وإلا تكلم بما يعلم من فضلهما ودينهما ، وكان ما شجر بينهما وتنازعا فيه أمره إلى الله ، ولهذا أوصوا بالإمساك عما شجر بينهم ، لأنالا نسأل عن ذلك كما قال عمر بن عبد العزيز :" تلك دماء طهر الله منها يدي فلا أحب أن أخضب بها لساني"
وقال آخر:" تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون (سورة البقرة 134 )
لكن إذا ظهر مبتدع يقدح فيهم بالباطل ، فلا بد من الذب عنهم ، وذكر ما يبطل حجته بعلم وعدل"
(منهاج السنة النبوية ج: 6 ص: 252 ـ 254)(22/120)
وأنت ترى أن شيخ الإسلام لا يؤصل لقضية الكلام في ما شجر بين الصحابة ،كما قصد في العقيدة الواسطية ، وإنما ذكر هنا مسألة معينة ؛ وهي أن هذا المتكلم ما دام تكلم في الصحابة كان الواجب عليه أن يتكلم بعلم وعدل ، ويبين ذلك استخدامه لضمير التثنية مما يدل على انه يتكلم عن كلام هذا المتكلم في ابن مسعود وعثمان ،ثم بين بعد ذلك أن السكوت عما شجر بينهم هو المطلوب ، ولكن وهي حالة الاستثناء إذا تكلم فيهم ، مبتدع كما فعل ابن المطهر لا بد من الرد عليه ودحض شبهه الباطلة التي يلقي على الناس . وهذا ما فعله رحمه الله في كتابه القيم (منهاج السنة )
فأين هذا مما ادعاه الكاتب من أن شيخ الإسلام لا يرى حرجا على المسلم أن يتكلم في ما شجر بين الصحابة ، ولماذا بتر الكاتب النص ولم يتركه حتى يفهم في سياقه؛ إن كان يؤيد ما ذكر .
تشخيص شيخ الإسلام للحرب بين الصحابة .
قال :
" قال حذيفة : ما أحد من الناس تدركه الفتنة إلا أنا أخافها عليه إلا محمد بن مسلمة ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" لا تضرك الفتنة "
قال أبو داود ، حدثنا عمرو بن مرزوق ، حدثنا شعبة ، عن الأشعث بن سليم ، عن أبي بردة ، عن ثعلبة بن ضبيعة ، قال :دخلنا على حذيفة فقال : "إني لأعرف رجلا لا تضره الفتن شيئا" قال فخرجنا فإذا فسطاط مضروب ، فدخلنا فإذا فيه محمد بن مسلمة ، فسألناه عن ذلك ، فقال :"ما أريد أن يشتمل علي شيء من أمصاركم حتى تجلى عما انجلت "
فهذا الحديث يبين أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن محمد بن مسلمة لا تضره الفتنة ، وهو ممن اعتزل في القتال فلم يقاتل لا مع علي ولا مع معاوية ، كما اعتزل سعد بن أبي وقاص ، وأسامة بن زيد ، وعبد الله ابن عمر ، وأبو بكرة، وعمران بن حصي ،ن وأكثر السابقين الأولين.(22/121)
وهذا يدل على أنه ليس هناك قتال واجب ولا مستحب ، إذ لو كان كذلك لم يكن ترك ذلك مما يمدح به الرجل ، بل كان من فعل الواجب أو المستجب أفضل ممن تركه ، ودل ذلك على أن القتال قتال فتنة .
كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم ،
والقائم فيها خير من الماشي، والماشي خير من الساعي ، والساعي خير من الموضع ، " وأمثال ذلك من الأحاديث الصحيحة التي تبين أن ترك القتال كان خيرا من فعله من الجانبين ، وعلى هذا جمهور أئمة أهل الحديث والسنة ؛ وهذا مذهب مالك والثوري وأحمد وغيرهم "
(منهاج السنة النبوية 1 / 542 )
وقال :
"والنصوص الثابته عن النبي صلى الله عليه وسلم تقتضي أن ترك القتال كان خيرا للطائفتين ، وأن القعود عن القتال كان خيرا من القيام فيه ، وأن عليا مع كونه أولى بالحق من معاوية وأقرب إلى الحق عن معاوية ، لو ترك القتال لكان أفضل وأصلح وخيرا .
وأهل السنة يترحمون على الجميع ويستغفرون لهم ، كما أمرهم الله تعالى بقوله :" والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبوقنا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين امنوا ربنا إنك رؤوف رحيم "
(منهاج السنة النبوية 4 / 389 )
وقال :
"ومنهم من يقول : كان الصواب أن لا يكون قتال ، وكان ترك القتال خيرا للطائفتين ، فليس في الاقتتال صواب، ولكن علي كان أقرب إلى الحق من معاوية ، والقتال قتال فتنة ليس بواجب ولا مستحب ، وكان ترك القتال خيرا للطائفتين ، مع أن عليا كان أولى بالحق .(22/122)
وهذا هو قول أحمد وأكثر أهل الحديث وأكثر أئمة الفقهاء ،وهو قول أكابر الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وهو قول عمران بن حصين رضي الله عنه ، وكان ينهى عن بيع السلاح في ذلك القتال ، ويقول هو بيع السلاح في الفتنة ، وهو قول أسامة بن زيد، ومحمد بن مسلمة ، وابن عمر ، وسعد بن أبي وقاص ، وأكثر من بقى من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم .
(منهاج السنة النبوية 4 / 448)
وبين أن تشخيصه لهذا القتال مبني على جمع جميع النصوص الواردة في الموضوع لا على نص واحد فقال :
"ولهذا كان قتال علي رضي الله عنه للخوارج ثابتا بالنصوص الصريحة ، وبإجماع الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وسائر علماء المسلمين . وأما قتال الجمل وصفين فكان قتال فتنة ، كرهه فضلاء الصحابة والتابعين له بإحسان وسائر العلماء ن كما دلت عليه النصوص . حتى الذين حضروه كانوا كارهين له "
(منهاج السنة النبوية 5 / 153 )
فقال :
"وأما قتال الجمل وصفين فقد ذكر علي رضي الله عنه أنه لم يكن معه نص من النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما كان رأيا. وأكثر الصحابة لم يوافقوه على هذا القتال ، بل أكثر أكابر الصحابة لم يقاتلوا : لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء ، كسعد بن أبي وقاص ، وابن عمر ، وأسامة بن زيد ، ومحمد بن مسلمة ، وأمثالهم من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ، مع أنهم معظمون لعلي ، يحبونه ، ويوالونه، ويقدمونه على من سواه ، ولا يرون أن أحدا أحق بالإمامة منه في زمنه ، لكن لم يوافقوه في رأيه في القتال .
وكان معهم نصوص سمعوها من النبي صلى الله عليه وسلم تدلهم على أن ترك القتال والدخول في الفتنة خير من القتال ، وفيها ما يقتضى النهي عن ذلك . والآثار بذلك كثيرة معروفة .(22/123)
وأما معاوية فلم يقاتل معه من السابقين الأولين المشهورين أحد، بل كان مع علي بعض السابقين، ولم يكن مع معاوية أحد ، وأكثرهم اعتزلوا الفتنة . وقيل كان مع معاوية بعض السابقين الأولين ، وإن قاتل عمار بن ياسر هو أبو الغادية ، وكان ممن بايع تحت الشجرة ، وهم السابقون الأولون ذكر ذلك ابن حزم وغيره "
(منهاج السنة النبوية 6 / 333)
وقال :
"فيقال : الذي ثبت بلا شك عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح أنه قال عن الحسن:" إن ابني هذا سيد وإن الله سيصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين"
وثبت عنه في الصحيح أنه كان يقعده وأسامه بن زيد على فخذه ويقول:" اللهم إني أحبهما فأحبهما وأحب من يحبهما "
وهذا يدل على أن ما فعله الحسن من ترك القتال على الإمامة، وقصد الإصلاح بين المسلمين كان محبوبا يحبه الله ورسوله ، ولم يكن ذلك مصيبة ، بل كان ذلك أحب إلى الله ورسول من اقتتال المسلمين ، ولهذا أحبه وأحب أسامه بن زيد ودعا لهما ، فإن كلاهما كان يكره القتال في الفتنة ، فأما أسامة فلم يقاتل لا مع علي ولا مع معاوية ، والحسن كان دائما يشير على علي بترك القتال ".
(منهاج السنة النبوية 4 / 39)
وهذا الكلام المتعدد من شيخ الإسلام في جعل جميع القتال الذي كان بين الصحابة قتال فتنة سواء ما كان منه في الجمل أو صفين ، يبين عدم صدق الكاتب في قوله في ص 135
" إن ابتعاد شيخ الإسلام عن أسلوب التعميم والتبسيط جعله يتعامل مع الفتنة من منطلق التمييز بين السابقين وغيرهم . وهو يميل إلى اعتماد القول القائل إن حرب " الجمل " كانت قتال فتنة ، وأن حرب " صفين " كانت قتالا بين أهل بغي وعدل . "
كما بين شيخ الإسلام أن القتال الذي حصل بين الصحابة لم يكن على الملك كما زعم الكاتب .
فقال :(22/124)
"فالقتال الذي كان في زمن علي لم يكن على الإمامة ، فإن أهل الجمل وصفين والنهروان لم يقاتلوا على نصب إمام غير علي ، ولا كان معاوية يقول : أنا الإمام دون على ، ولا قال ذلك طلحة والزبير.
فلم يكن أحد ممن قاتل عليا قبل الحكمين نصب إماما يقاتل علي طاعته ، فلم يكن شىء من هذا القتال على قاعدة من قواعد الإمامة المنازع فيها ،لم يكن أحد من المقاتلين يقاتل طعنا في خلافة الثلاثة ، ولا ادعاء للنص على غيرهم ، ولا طعنا في جواز خلافة علي ...
وإنما كان القتال قتال فتنة عند كثير من العلماء وعند كثير منهم هو من باب قتال أهل العدل والبغي وهو القتال بتأويل سائغ لطاعة غير الإمام لا على قاعدة دينية "
(منهاج السنة النبوية 6 / 327 )
وقال :
"معاوية لم يبايعه أحد لما مات عثمان على الإمامة ، ولا حين كان يقاتل عليا بايعه أحد على الإمامة ، ولا تسمى بأمير المؤمنين ولا سماه أحد بذلك ، ولا ادعى معاوية ولاية قبل حكم الحكمين . وعلي يسمى نفسه أمير المؤمنين في مدة خلافته والمسلمون معه يسمونه أمير المؤمنين ".
(منهاج السنة النبوية 6 / 330)
وبين أن الحرب بينهم كانت عن اجتهاد وطلب للحق وأنه لا يجوز لأحد أن يتهم أحدا منهم بالفسق بسبب تلك الحرب .
فقال :
"ولهذا اتفق أهل السنة على أنه لا تفسق واحدة من الطائفتين ، وإن قالوا في إحداهما ؛ إنهم كانوا بغاة لأنهم كانوا متأولين مجتهدين ، والمجتهد المخطىء لا يكفر ولا يفسق ، وإن تعمد البغي فهو ذنب من الذنوب ، والذنوب يرفع عقابها بأسباب متعددة : كالتوبة ، والحسنات الماحية ، والمصائب المكفرة ، وشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ودعاء المؤمنين وغير ذلك "
(منهاج السنة النبوية 4 / 394 )
وبين أن وصف أهل الشام في الحديث بأنهم بغاة لا ينافي كونهم مجتهدون .
فقال :(22/125)
"فيقال له : أولا : الباغي قد يكون متأولا معتقدا أنه على حق ، وقد يكون متعمدا يعلم أنه باغ ، وقد يكون بغيه مركبا من شبهة وشهوة ، وهو الغالب . وعلى كل تقدير فهذا لا يقدح فيما عليه أهل السنة ؛ فإنهم لا ينزهون معاوية ولا من هو أفضل منه من الذنوب ، فضلا عن تنزيههم عن الخطأ في الاجتهاد " .
(منهاج السنة النبوية 4 / 385 )
وقال :
" فإن قال الذاب عن علي : هؤلاء الذين قاتلهم علي كانوا بغاة ، فقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمار بن ياسر رضي الله عنه "تقتلك الفئة الباغية " وهم قتلوا عمارا . ..
وأما السلف والأئمة فيقول أكثرهم ،كأبي حنيفة ومالك وأحمد وغيرهم :لم يوجد شرط قتال الطائفة الباغية ؛ فإن الله لم يأمر بقتالها ابتداء ، بل أمر إذا اقتتلت طائفتان أن يصلح بينهما ، ثم إن بغت إحداهما على الأخرى قوتلت التي تبغي . وهؤلاء قوتلوا ابتداء قبل أن يبدؤوا بقتال " .
(منهاج السنة النبوية 4 / 390 )
وبين معنا الحديث الصحيح .
فقال :
"ولهذا كان القول الثالث في هذا الحديث _ حديث عمار_ إن قاتل عمار طائفة باغية ، ليس لهم أن يقاتلوا عليا، ولا يمتنعوا عن مبايعته وطاعته ، وإن لم يكن علي مأمورا بقتالهم ، ولا كان فرضا عليه قتالهم لمجرد امتناعهم عن طاعته ، مع كونهم ملتزمين شرائع الإسلام ، وإن كان كل من المقتتلتين متأولين . مسلمين مؤمنين ، وكلهم يستغفر لهم ويترحم عليهم ، عملا بقوله تعالى :"والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبوقنا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم "
(منهاج السنة النبوية 4 / 426 )
وبين أنه هناك أحاديث في مدح الطائفة الشامية كان ينبغي أ ن تظهر وتذكر ، ويجمع بينها وبين حدث ويح عمار تقتله الفئة الباغية .
قال :(22/126)
"فإذا دلت هذه النصوص على أن الطائفة القائمة بالحق من أمته التي لا يضرها خلاف المخالف ولا خذلان الخاذل هي بالشام كان هذا معارضا لقوله : "تقتل عمارا الفئة الباغية " ولقوله : "تقتلهم أولى الطائفتين بالحق" وهذا من حجة من يجعل الجميع سواء والجميع مصيبي ، ن أو يمسك عن الترجيح وهذا أقرب . وقد احتج به من هؤلاء على أولئك ، لكن هذا القول مرغوب عنه وهو من أقوال النواصب ، فهو مقابل بأقوال الشيعة والروافض، هؤلاء أهل الأهواء وإنما نتكلم هنا مع أهل العلم والعدل .
ولا ريب أن هذه النصوص لا بد من الجمع بينها والتأليف ، فيقال أما قوله :" لايزال أهل الغرب ظاهرين" ونحو ذلك مما يدل على ظهور أهل الشام وانتصارهم فهكذا وقع وهذا هو الأمر ؛ فإنهم ما زالوا ظاهرين منتصرين .
وأما قوله عليه السلام:"لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله" ومن هو ظاهر فلا يقتضي أن لا يكون فيهم من فيه بغي ومن غيره أولى بالحق منهم ، بل فيهم هذا وهذا .
وأما قوله :" تقتلهم أولى الطائفتين بالحق " فهذا دليل على أن عليا ومن معه كان أولى بالحق إذ ذاك من الطائفة الأخرى ، وإذا كان الشخص أو الطائفة مرجوحا في بعض الأحوال لم يمنع أن يكون قائما بأمر الله وأن يكون ظاهرا بالقيام بأمر الله عن طاعة الله ورسوله ، وقد يكون الفعل طاعة وغيره أطوع منه .
وأما كون بعضهم باغيا في بعض الأوقات ؛ مع كون بغيه خطأ مغفورا ، أو ذنبا مغفورا ، فهذا أيضا لا يمنع ما شهدت به النصوص ؛ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن جملة أهل الشام وعظمتهم ولا ريب أن جملتهم كانوا أرجح في عموم الأحوال .. و النصوص التي في كتاب الله وسنة رسوله وأصحابه في فضل الشام وأهل الغرب على نجد والعراق وسائر أهل المشرق أكثر من أن تذكر هنا ...(22/127)
والنبي صلى الله عليه وسلم ميز أهل الشام بالقيام بأمر الله دائما إلى آخر الدهر ، وبأن الطائفة المنصورة فيهم إلى آخر الدهر ، فهو إخبار عن أمر دائم مستمر فيهم مع الكثرة والقوة ، وهذا الوصف ليس لغير الشام من أرض الإسلام ؛ فإن الحجاز التي هي أصل الإيمان نقص في آخر الزمان : منها العلم والإيمان والنصر والجهاد ، وكذلك اليمن والعراق والمشرق .
وأما الشام فلم يزل فيها العلم والإيمان، ومن يقاتل عليه منصورا مؤيدا في كل وقت فهذا هذا والله أعلم . وهذا يبين رجحان الطائفة الشامية من بعض الوجوه مع أن عليا كان أولى بالحق ممن فارقه ، ومع أن عمارا قتلته الفئة الباغية كما جاءت به النصوص ، فعلينا أن نؤمن بكل ما جاء من عند الله ونقر بالحق كله ، ولا يكون لنا هوى ،ولا نتكلم بغير علم ؛ بل نسلك سبل العلم والعدل وذلك هو اتباع الكتاب والسنة ؛ فأما من تمسك ببعض الحق دون بعض فهذا منشأ الفرقة والاختلاف "
(مجموع الفتاوى 4 / 447)
وما قدمت عن شيخ الإسلام في الكلام عن الصحابة هو جل كلامه فيهم ، وما بقي منه لا يخرج عما ذكرته لك . ومن خلا له تدرك عدم صدق المؤلف في قوله في ص 44
" جهد شيخ الإسلام متميز من حيث الكم . فهو كتب في مناقشة الخلافات بين الصحابة رضي الله عنهم ما لم يكتبه غيره . ولا نعلم أيا من علماء الإسلام كتب في هذا الموضوع كتبا بحجم " منهاج السنة النبوية " بمجلداته التسعة ، أو في حجم المجلدات العديدة من " الفتاوى " التي خصصها ابن تيمية لهذا الموضوع . ..
نقول هذا كلام إنشائي تهويلي عار عن الدليل كأكثر كلام الكاتب في مؤلفه ،فإن شيخ الإسلام لم يخصص للكلام على الصحابة مجلدا واحدا من مجلدات الفتاوى فضلا عن عدة مجلدات بل هي فتاوى أجاب عنها في آخر الجزء الرابع ، أو ما ذكره من اعتقاد أهل السنة فيهم في العقيدة الواسطية في الجزء الثالث ، وما ذكره في الجزء الخامس والثلاثين في نحو ثلاثين صفحة .(22/128)
وأما منهاج السنة فلم يؤلفه شيخ الإسلام ابتداء وإنما ألفه انتصار للصحابة من افتراءات الشيعي الملحد ابن المطهر الحلي . وأكثره في وجوه العقائد من الأسماء والصفات والقدر وإثبات الخالق ، وفيه بحوث فقهية ، ورد لما قاله الرافضي من طعون على الصحابة ، وهو لا يعدل خمس الكتاب .
وقال في ص 46
" وإن ابن تيمية ميز بين الخلافة والملك بوضوح لم يسبقه إليه أحد ، وأعلن أ " خبره {صلى الله عليه وسلم } بانقصاء خلافة النبوة فيه ذم للملك والعيب له " وأن الملك " متضمن ترك بعض الدين الواجب " ورفض تفسير الاستخلاف الذي وقع من أبي بكر وعمر بما يخدم فكرة توريث السلطة كما سنرى فيما بعد .. وذلك هو الفصل بين المبدإ والشخص وبين الوحي والتاريخ الذي نقصده ."
كلام شيخ الإسلام الذي ذكره المؤلف لا يمثل النظرة الحقيقة لشيخ الإسلام في الموضوع فهو كلام اقتطعه من كلام لا يفهم إلا في سياقه جميعا ، وسيأتي كاملا في التنبيه على المصطلحات التي استخدمها الكاتب .
وهو أيضا لم يكن أمينا في ما نقله منه .
قال شيخ الإسلام :
" وأيضا فكون النبي صلى الله عليه وسلم استاء للملك بعد خلافة النبوة دليل على أنه متضمن ترك بعض الدين الواجب "
قال شيخ الإسلام :
" قلت فهذا يقتضي أن شوب الخلافة بالملك جائز في شريعتنا وأن ذلك لا ينافى العدالة وان كانت الخلافة المحضة افضل "
(مجموع الفتاوى 35 / 27 )
والكاتب كان يقصد بنقله الأول أن يوهم القارئ أن شيخ الإسلام يطعن في شرعية خلافة معاوية وغيره من ملوك الإسلام .
وأما ادعاءه أن شيخ الإسلام لم يسبقه أحد في التفريق بين الملك والخلافة فهو كلام لا يستحق الرد فجميع أهل العلم يفرقون بينهما .
ومن زيف ادعاءاته قوله في ص 77
" وقد علل شيخ الإسلام بعض الأحداث السياسية في ذلك العصر بثقل المواريث السياسية الجاهلية وكثافة معاييرها الاجتماعية العرفية "(22/129)
والمبين له النقل الذي نقله هو عن ابن تيمية " وفي الجملة جميع من نقل عنه من الأنصار وبني عبد مناف أنه طلب تولية غير أبي بكر لم يحتج بحجة شرعية ، ولا ذكر أن غير أبي بكر أحق وأفضل من أبي بكر . وإنما نشأ كلامه عن حب لقومه وقبيلته ، وإرادة منه أن تكون الإمامة في قبيلته . ومعلوم أن مثل هذا ليس من الأدلة الشرعية ، والطرق الدينية ، ولا هو مما أمر الله ورسوله المؤمنين باتباعه ، بل هو شعبة من الجاهلية ، ونوع عصبية للأنساب والقبائل ، ومما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم بهجره وإبطاله "
قلت :فهناك فرق هائل بين قول شيخ الإسلام "شعبة من الجاهلية " وقول الكاتب "بثقل المواريث السياسية الجاهلية وكثافة معاييرها الاجتماعية العرفية "
وابن تيمية ليس في مأمن أن يصب عليه الكاتب جام غضبه إذا خالف رأيه كغيره من أهل العلم الذين أصابهم حظ وافر من تنقصه لهم واتهامهم بالبعد عن العلم والعدل ، كشعبة وابن كثير وابن عساكر . فقال في حق ابن تيمة في ص 69
" فلا يعدم القارئ المتأمل ردود أفعال عنيفة أحيانا في كتابات شيخ الإسلام ، بعضها يرجع إلى عنف التهمة وشناعتها ، وبعضها يرجع إلى مزاج الشيخ وطبعه .
لماذا ابن تيمية .
بين المقدم للكتاب الغرض من تركيز الكاتب على ابن تيمية وادعائه أنه ينهج نفس منهجه في الكلام على الصحابة ، أن ذلك ليس اقتناعا بابن تيمة ومنهجه السلفي بل لغرض آخر وهو تجريد أهل السنة من أحد أقوى أسلحتهم التي يلجمون بها أهل البدع وهي كتابات شيخ الإسلام الرائدة في تفنيد شبههم . فأراد الأستاذ الشنقيطي أن يبين لهم أنهم ليسوا على منهج شيخ الإسلام على الأقل في هذه القضية ، وهي على كل حال دعوى أثبت هذا البحث أنها متهافتة وأن منهج شيخ الإسلام في الكلام عن الصحابة في وادي السنة وكلام الكاتب في وادي البدعة .
قال مقدم الكتاب ص 24 ( الغنوشي ) :(22/130)
" ورغم أن شيخ الإسلام رحمه الله وجزاه الله كل خير عن الإسلام وأهله أهل للتنويه والتقدير في أبواب كثيرة تفرد بالإبداع فيها، ومنها مسائل الاختلاف بين الأصحاب والأئمة ، إلا أنه أخذ يداخلني بعض الحرج من شدة تكثيف التمركز حول تراثه ، كأنه في كفة وبقية علماء الإسلام في كفة ، وقد يرجحهم .. وهي مبالغة قد تكون مفيدة للغرض الذي ابتغاه الأستاذ الشنقيطي في تجريد الغلو والتشدد من أهم أسلحته التي يستطيل بها على الأمة : سلاح علم الرواية وتراث شيخ الإسلام ابن تيمية .
فأن يجرد التشدد والتكفير والتفسير التآمري للتاريخ وشرعنة الاستبداد من هذين السلاحين ، خدمة لاجتماع والاعتدال والوسطية الشورى الديمقراطية ، فذلك فضل يحسب للأستاذ الشنقطي إذ هدي إليه .. "
ا
لفصل الرابع ـ المصطلحات التي استخدم الكاتب في كتابه .
وفيه تنبيهان .
مدرسة التشيع السني ، ورد ما ادعاه عليها .
في هذه الوقفة أتناول ما ذكر الكاتب عن مدرسة التشيع السني .
وصف الكاتب أصحاب التشيع السني بأنهم :
" مذهب المغالين في الدفاع ، المنفعلين بردة الفعل ، المتأولين للصحابة ولغير الصحابة ، بحق وبغير حق . وهذا الذي أدعوه " التشيع السني " . ويمثله ابن العربي وتلامذته المعاصرون " .
أقول ادعى ثم عجز عن إقامة البينة .
كتاب أبي بكر بن العربي كتاب جم الفائدة ، مزيف لكثير من الهراء الذي افترته الرافضة على الصحابة ، وبني أمية بالبرهان الناصع والحجة الدامغة ، وهو كتاب يخرج مع كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية الذي احتفى به الكاتب من مشكاة واحدة ، والكاتب لم يتعرض لفكرة الكتاب ، وهذا جور في الحكم فكان ينبغي أن يبين فكرة الكتاب وهي دفع سهام التنقص عن الصحابة .(22/131)
ولم نر في كتاب أبي بكر تأولا لأحد من الصحابة وغيرهم إلا ما أجمع عليه أهل السنة من التأول لأهل الجمل وصفين من الصحابة ، وهو تأويل لم ينفرد به أبو بكر ، بل يشاركه فيه جميع أهل العلم بمن فيهم شيخ الإسلام ابن تيمية الذي يمدح الكاتب منهج تناوله لقضية ما جرى بين الصحابة .
وأما القضايا الأخرى فهو قد أنكرها ، وفرق كبير بين التأويل والإنكار ، ولذلك لم يأت المؤلف بنص واحد لابن العربي تأول فيه لأحد ممن ذكر ، وإنما أتى بإنكاره لبعض القضايا التي يرى المؤلف أنه جانب الصواب في إنكارها .
فقال في ص 194:
" أنكر ابن العربي أن مروان ابن الحكم هو الذي قتل طلحة يوم الجمل .. "
نقول كان ما ذا ؟ لم يثبت عنده أنه قتله ، وأما ما نقله المؤلف من تصحيح ابن حجر والذهبي للقصة فلا يلزم ابن العربي فهو يتكل بمبلغ علمه ، فإن كان الأثر صحيحا فلم يبلغه من وجهه الصحيح ، أو كان اطلع على ما وقفا عليه ولم يصح عنده وهو أيضا معذور ، ومعروف لدى طلبة العلم أن مسألة التصحيح والتضعيف من موارد الاجتهاد فقد يصحح العالم سندا ويضعفه الآخر ، ولم ينفرد ابن العربي بإنكار قتل مروان لطلحة ، فهذا ابن كثير المؤرخ الثقة ، والمحدث الفحل ، يجنح إلى ما مال إليه أبو بكر بن العربي . فقال ـ وهو يتحدث عن موت طلحة ـ :
"ويقال إن الذي رماه بهذا السهم مروان بن الحكم . وقال: لأبان بن عثمان قد كفيتك رجلا من قتلة عثمان . وقد قيل إن الذي رماه غيره . وهذا عندي أقرب ، وإن كان الأول مشهورا والله أعلم"
(البداية والنهاية 7 / 248)
وإنكار أبي بكر لكلاب الحوأب ليس فيه تأول الأحد بحق ولا باطل ، فهو خارج عن موضع النقاش .
ثم هو لم ينفرد بإنكاره ، فقد أنكره إمام أهل الحديث في زمانه يحي بن سعيد القطان ، وطعن به في راويه قيس ابن أبي حازم .
قال الذهبي :(22/132)
" قيس بن أبي حازم أبو عبد الله البجلي ، تابعي كبير فاتته الصحبة بليال ، سمع أبا بكر وعمر ، وعنه بيان بن بشر ، وإسماعيل بن أبي خالد ، وخلق . وثقوه . وقال بن المديني عن يحيى بن سعيد منكر الحديث ثم ذكر له حديث كلاب الحوأب مات 98 ع "
(الكاشف 2 / 138)
أما ما ذكر من تضعيف أبي بكر بن العربي لقصة الوليد بن عقبة مع بني المصطلق فالصواب فيها مع أبي بكر كما بينا في وقفة الأخطاء الحديثية .
وأما قوله في ص 199:
" لكن الشيخ الخطيب أغفل أمرين هنا يقتضي البحث العلمي عدم إغفالهما .. "
وقد بينا في وقفة الأخطاء الحديثية أن المؤلف أغفل كلاما للترمذي على أحد طريقي الحديث كانت الأمانة العليمة تقتضي ذكره ، وبذكره يزول الاعتراض على الشيخ الخطيب ، وذلك أن الحديث إذا صح أحد طرقه جاز الاحتجاج به .
وأما اعتراضه على الشيخ الخطيب في قوله أن بيعة على بعد ستة أشهر هي البيعة الثانية فقد بينا أن هذا قول كثير من أهل العلم منهم ابن كثير والبيهقي وابن خزيمة ، وابن حجر .
وأما اعتراضه حول تقيم ابن العربي لمروان بن الحكم .
فالحق أن كل أهل العلم مع ابن العربي في ما قال عن مروان .
وقد مر كلام شيخ الإسلام في مروان .
قال الحافظ ابن حجر :
"مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي أبو عبد الملك ،وهو بن عم عثمان وكاتبه في خلافته ، يقال ولد بعد الهجرة بسنتين ، وقيل بأربع .(22/133)
وقال بن شاهين : "مات النبي صلى الله عليه وسلم وهو بن ثمان سنين " فيكون مولده بعد الهجرة بسنتين . قال وسمعت بن داود يقول :" ولد عام أحد " يعني سنة ثلاث . وقال :" بن أبي داود وقد كان في الفتح مميزا وفي حجة الوداع ، ولكن لا يدرى أسمع من النبي صلى الله عليه وسلم شيئا أم لا " وقال بن طاهر : ولد هو والمسور بن مخرمة بعد الهجرة بسنتين لا خلاف في ذلك . كذا قال . وهو مردود ،والخلاف ثابت ، وقصة إسلام أبيه ثابتة في الفتح ، لو ثبت أنه في ذلك السنة مولده لكان حينئذ مميزا ؛فيكون من شرط القسم الأول ، لكن لم أر من جزم بصحبته ن فكأنه لم يكن حينئذ مميزا ، ومن بعد الفتح أخرج أبوه إلى الطائف وهو معه ، فلم يثبت له أزيد من الرؤية . وأرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وروى عن غير واحد من الصحابة ".
(الإصابة 6 / 257 )
والمؤلف قد أقر بأنه ثقة في الرواية ، وقد قدمنا أن كل من كان ثقة في الرواية فهو ثقة في الدين ، فبطل تشغيبه على ابن العربي بتوثيقه لمروان .
وأما كونه فقيها ومعدودا في عداد أهل العلم ، فهذا كتاب مالك الموطأ الذي جمع فيه علم أهل المدينة ، قد ذكر فيه فقه مروان وفتاويه ، فلا ضير على ابن عربي في عده بعد ذلك من الفقهاء .
وأما ادعاءه أنه لم ير من شرفه برؤية النبي صلى الله عليه وسلم إلا الواقدي فهذا ابن حجر يثبتها له كما مر ، وكذا ابن تيبمية ، ويقول بأن من نفاها عنه ليس معه حجة يستراح إليها .
وأما قول ابن العربي عن مراون أنه صحابي فقول مشوهر عن بعض أهل العلم في مروان .
قال ابن كثير :
" وهو صحابي عند طائفة كثيرة؛ لأنه ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسم "
(البداية والنهاية 8 / 259 )
فجميع المسائل التي ذكرها الكاتب ليس فيها تأويل من ابن العربي بحق ولا بباطل ، وكلها خارجة عن صميم البحث الذي ادعاه .
التنبيه الثاني ـ المصطلحات الفلسفية التي عبر بها عن مسائل شرعية .(22/134)
في هذه الوقفة سنتناول المصطلحات التي استخدمها الكاتب في التعبير عن أمور شرعية لنرى مدى التزامه بالمصطلحات الشرعية ، التي يجب على الكاتب للمسلمين في أمور دينهم أن يلتزم بها كما قال شارح العقيد الطحاوية :
" التعبير عن الحق بالألفاظ الشرعية النبوية الإلهية ، هو سبيل أهل السنة والجماعة"
70 ـ 71 ص
وهذا ما سنرى أن المؤلف لم يلتزم به في كتابة . المصطلح الأول 000
1
المبدأ والشخص .
لفظ المبدأ ليس لفظا شرعيا ، وإنما هو لفظ فلسفي كان الأولى بالمؤلف وهو يكتب لأهل الإسلام عن دينهم أن يلتزم مصطلحات الشرع ، وهي عدم التقدم بين يدي الله ورسوله ، والرد عند التنازع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وتقديمهما على رأي كل من خالفهم في اجتهاد من أهل العلم كائنا من كان ، وهذا هو منهج أهل العلم قديما وحديثا .
وقد صاغ ذلك الإمام مالك رحمه الله في قاعدته الموفقة : " ما منا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر "
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :(22/135)
"وليس لأحد أن يتبع زلات العلماء ، كما ليس له أن يتكلم في أهل العلم والإيمان إلا بما هم له أهل؛ فإن الله تعالى عفا للمؤمنين عما أخطؤوا كما قال تعإلى:( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) قال الله :قد فعلت. وأمرنا أن نتبع ما أنزل إلينا من ربنا ولا نتبع من دونه أولياء، وأمرنا أن لا نطيع مخلوقا في معصية الخالق ، ونستغفر لإخواننا الذي سبقونا بالإيمان. فنقول: (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذي سبقونا بالإيمان )الآية .وهذا أمر واجب على المسلمين في كل ما كان يشبه هذا من الأمور. ونعظم أمره تعالى بالطاعة لله ورسوله؛ ونرعى حقوق المسلمين؛ لا سيما أهل العلم منهم ، كما أمر الله ورسوله. ومن عدل عن هذه الطريق فقد عدل عن اتباع الحجة إلى اتباع الهوى في التقليد، وآذى المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا: فهو من الظالمين. ومن عظم حرمات الله وأحسن إلى عباد الله كان من أولياء الله المتقين .والله سبحانه أعلم"
(مجموع الفتاوى 32 / 239)
2 التاريخ والوحي .
لم أفهم إطلاقا هذه الفقرة من الكتاب ولا ما أراد الكاتب منها ، فهو لم يشرح فكرته ولم يبينها، وإنما قال كلاما إنشائيا فلسفيا زاد المسألة تعقيدا ، وقربها من اللا معقول من المعقول .
فإن كان المقصود بالتاريخ ما سنه الخلفاء الراشدون من سياسة الحكم ، و فهم السلف الصالح للنص وتطبيقهم له فهذا بل اشك من الدين ومن اتباع سبيل المؤمنين ، فقد زكى الله فهمهم للنص وعملهم به في نصوص كثيرة ، تراجع في كلام أهل العلم في كتب العقائد ، وكتب الأصول عند كلامهم على الإجماع .
وإن أراد أن أهل العلم جعلوا التاريخ من مصادر الإسلام أو قدموه على النص فهذا كلام بلغ من وضوح البطلان حدا يكتفى بنقله عن رده .
3 الردة السياسية .(22/136)
هذا المصطلح مصطلح جديد ، جاء به الكاتب من كيسه ، وغير به مصطلحا شرعيا نصيا ورد في السنة ، وتداوله أهل العلم جيلا بعد جيل ، وهو مصطلح أئمة الجور والفسق ، ولهم أحكام مشهورة في كتب الفقه والعقائد .
كما أن حكام الردة لهم أحكام أخرى ، وهذ المصطلح يؤدي إلى لبس في القضية .
وما ادعاه الكاتب من خطورة الردة السياسية وهي " جور الحكام " وأنها لا تقل خطرا عن الردة العقدية ، يرده أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم المبينة لخطورة الردة العقدية ، فحكمت بحل دماء أهلها ، ونهت عن مقاتلة أئمة الجور وأوصت بالصبر على جوره ، وإنكار ما أتوا منه ومن غيره من المعاصي .
وللوقوف على فقه المسألة ينظر كتاب " الإمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة " للشيخ الدميجي . ص 490 ـ 548
وإن كان يقصد بالردة السياسية الملك ولا إخلاه إلا ذلك مقصده ، ومعنى ذلك أن الملك ليس من الإسلام ، وهذه قضية يطلقها كثيرا من تأثر بالديمقراطية الغربية الجاهلية ، ويريد من المسلمين أن يسيروا في ركابها . وأحسن من رأيت بين هذه القضية شيخ الإسلام ، الذي أراد الكاتب أن يوهم القراء أنه يميل معه .
قال شيخ الإسلام :
قاعدة
قال النبي صلى الله عليه و سلم : " خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم يؤتي الله ملكه أو الملك من يشاء " لفظ أبي داود من رواية عبد الوارث و العوام " تكون الخلافة ثلاثون عاما ثم يكون الملك" " تكون الخلافة ثلاثين سنة ثم تصير ملكا "(22/137)
و هو حديث مشهور من رواية حماد بن سلمة و عبد الوارث بن سعيد، و العوام بن حوشب، و غيره ، عن سعيد بن جمهان عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم ؛ و رواه أهل السنن: كأبي داود و غيره ، و اعتمد عليه الإمام أحمد و غيره في تقرير خلافة الخلفاء الراشدين الأربعة، و ثبته أحمد؛ و استدل به على من توقف في خلافة علي؛ من أجل افتراق الناس عليه ؛ حتى قال أحمد : من لم يربع بعلي في الخلافة فهو أضل من حمار أهله ؛و نهى عن مناكحته ، و هو متفق عليه بين الفقهاء، و علماء السنة و أهل المعرفة، و التصوف، و هو مذهب العامة .
وإنما يخالفهم في ذلك بعض أهل الأهواء ، من أهل الكلام و نحوهم : كالرافضة الطاعنين في خلافة الثلاثة ، أو الخوارج الطاعنين في خلافة الصهرين المنافيين : عثمان و علي ، أو بعض الناصبة النافين لخلافة علي، أو بعض الجهال من المتسننة الواقفين في خلافته ، ووفاة النبي صلى الله عليه و سلم كانت في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من هجرته ، و إلى عام ثلاثين سنة كان إصلاح ابن رسول الله صلى الله عليه و سلم الحسن بن علي السيد بين فئتين من المؤمنين بنزوله عن الأمر عام إحدى و أربعين في شهر جمادى الأولى ، وسمي "عام الجماعة" لاجتماع الناس على "معاوية" و هو أول الملوك .
وفي ا لحديث الذي رواه مسلم :" ستكون خلافة نبوة و رحمة ، ثم يكون ملك و رحمة ، ثم يكون ملك وجبرية ، ثم يكون ملك عضوض ".
و قال صلى الله عليه و سلم في الحديث المشهور في السنن و هو صحيح :" إنه من يعش منكم بعدى فسيرى اختلافا كثيرا ، عليكم بسنتي ، و سنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، تمسكوا بها ، و عضوا عليها بالنواجذ، و إياكم و محدثات الأمور ؛ فإن كل بدعة ضلالة ".
..(22/138)
وقد ذكرت في غير هذا الموضوع ، أن مصير الأمر إلى الملوك و نوابهم من الولاة ؛ و القضاة و الأمراء ، ليس لنقص فيهم فقط بل لنقص في الراعي و الرعية جميعا ؛ فإنه " كما تكونون: يول عليكم "
وقد قال الله تعالى : " و كذلك نولي بعض الظالمين بعضا "
و قد استفاض و تقرر في غير هذا الموضع ما قد أمر به صلى الله عليه و سلم ، من طاعة الأمراء في غير معصية الله ؛ و مناصحتهم ، و الصبر عليهم في حكمهم ، و قسمهم ؛ و الغزو معهم ،و الصلاة خلفهم ، و نحو ذلك من متابعتم في الحسنات التي لا يقوم بها إلا هم ؛ فإنه من " باب التعاون على البر و التقوى " و ما نهى عنه من تصديقهم بكذبهم ، و إعانتهم على ظلمهم و طاعتهم في معصية الله و نحو ذلك ؛ مما هو من "باب التعاون على الإثم و العدوان " ..
والغرض هنا بيان "جماع الحسنات و السيئات" الواقعة بعد خلافة النبوة : في الإمارة ، و في تركها ؛ فإنه مقام خطر ؛ و ذلك أن خبره بانقضاء "خلافة النبوة " فيه الذم للملك و العيب له ؛ لاسيما و في حديث أبى بكرة: أنه استاء للرؤيا ، وقال : "خلافة نبوة ثم يؤتي الله الملك من يشاء " ..
و تحقيق الأمر أن يقال : انتقال الأمر عن خلافة النبوة إلى الملك : إما أن يكون لعجز العباد عن خلافة النبوة، أو اجتهاد سائغ ، أو مع القدرة على ذلك علما وعملا ؛ فإن كان مع العجز علما أو عملا كان ذو الملك معذورا في ذلك . وإن كانت خلافة النبوة واجبة مع القدرة ؛ كما تسقط سائر الواجبات مع العجز ، كحال النجاشي لما أسلم وعجز عن إظهار ذلك في قومه بل حال يوسف الصديق تشبه ذلك من بعض الوجوه؛ لكن الملك كان جائزا لبعض الأنبياء كداود وسليمان ويوسف .
وإن كان مع القدرة علما وعملا ، وقدر أن خلافة النبوة مستحبة ليست واجبة وإن اختيار الملك جائز في شريعتنا كجوازه في غير شريعتنا : فهذا التقدير إذا فرض أنه حق فلا إثم على الملك العادل أيضا .(22/139)
وهذا الوجه قد ذكره القاضي أبو يعلى في (المعتمد) لما تكلم في تثبيت خلافة معاوية ، وبنى ذلك على ظهور إسلامه، وعدالته وحسن سيرته وأنه ثبتت إمامته بعد موت علي لما عقدها الحسن له ، وسمى ذلك "عام الجماعة" .. وذكر حديث عبدالله بن مسعود : "تدور رحى الإسلام على رأس خمس وثلاثين " ..
ثم عارض القاضي ذلك بقوله :" الخلافة ثلاثون سنة ، ثم تصير ملكا " قال السائل : فلما خص الخلافة بعده بثلاثين سنة : كان آخرها آخر أيام علي وأن بعد ذلك يكون ملكا : دل على أن ذلك ليس بخلافة ، فأجاب القاضي : بأنه يحتمل أن يكون المراد به "الخلافة" التي لا يشوبها ملك بعده" ثلاثون سنة" وهكذا كانت خلافة الخلفاء الأربعة . ومعاوية قد شابها الملك وليس هذا قادحا في خلافته ؛ كما أن ملك سليمان لم يقدح في نبوته، وان كان غيره من الأنبياء فقيرا .
قلت : فهذا يقتضي أن شوب الخلافة بالملك جائز في شريعتنا ، وأن ذلك لا ينافى العدالة ، وإن كانت الخلافة ألمحضة افضل . ...
(مجموع الفتاوى 35 / 18 ـ 35 )
بتصرف واختصار كبير .
4جدلية المثَلية والمثال
وهذا لشك مصطلح فلسفي لم يطلبه الله من العباد وإنما طلب منهم التقوى وبين حدود المطلوب منه وهو ما كان في مقدور البشر فقال : " فاتقوا الله ما استطعتم " وطلب منهم إذا زل أحدهم أن يبادر إلى التوبة . فقال تعالى: " وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات "
وهذا ما وصى به الرسول صلى الله عليه وسلم معاذا حين أرسله إلى اليمن فقال : " اتق الله حيث ما كنت وأتبع السيئة الحسنة "
المقصد الأساسي للكاتب من الكتاب هو نقد عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة وهذا هو أخطر ما في الكتاب ، ولعل متعجلا يقول أن هذا فهم فهمناه نحن لم يخطر على بال المؤلف ، نقول له على رسلك هذا ما صرح به أحد قراء الكتاب في عرضه له في موقع الجزيرة نت .
فقال :(22/140)
"على أن أطرف ما في الكتاب – وربما أصعبه تحقيقا أيضا- أنه ينسف القراءة السلفية لفتن القرن الأول الهجري، لكن بأسلوب وحِجاج سلفي!! فقد التزم المؤلف بمنهج كلاسيكي صارم، جعله يغترف أغلب مادة كتابه من كتب ابن تيمية، ويلتزم التزاما صارما بمنهج أهل الحديث في قبول الروايات التاريخية، لكنه توصل في ذات الوقت إلى نتائج هي أبعد ما تكون عن النتائج الراسخة لدى أتباع ابن تيمية من السلفيين المعاصرين، ولدى أساتذة وطلاب كليات الحديث في الجامعات الإسلامية اليوم. وهنا تكمن "حكمة" المؤلف، كما دعاها الأستاذ الغنوشي في ختام تقديمه للكتاب.
لعل كتاب "الخلافات السياسية بين الصحابة" يهز الرؤية السلفية لتاريخ صدر الإسلام، ويدفع السلفيين إلى مراجعة منطلقاتهم النظرية في وقت تواترت فيه الدعوة إلى ذلك، وتكاتف الضغط لتحقيقه، من جهات شتى وبدوافع شتى. وبقدر ما سيصدم الكتاب بعض الرؤى السلفية، فإنه يقدم لها خدمة جليلة وهو يفتح لها أبوابا لمراجعة ذاتها من داخل تراثها الخاص، قبل أن يتم إلزامها بذلك بقوة القانون أو قوة الحراب".
وقد بينا في وقفاتنا السابقة أن لمؤلف أبعد الناس عن منهج أهل الحديث وأجهلهم به ، وكذلك بينا أن ادعاءه الإلتزام بمنهج ابن تيمية كلام ينقضه واقع كلام ابن تيمية .
في الكتاب مساوئ منهجية كثيرة تقد م بعضها في بيان ما فيه من الأخطاء العلمية .
وفيه مع ذلك لاستخفاف بأهل العلم ووصف كل من خالف منهم المؤلف في رأيه أنه يجانب منهج العلم والعدل ، ولعل قاعدة الخلط بين الوقائع والمشاعر ، يتضح فيها ذلك بجلاء .
ومن أخطائه المنهجية ، كتابته بلغة صحفية بعيدة عن لغة العلم والتعقل ، بل بلغة تخاطب العاطفة بمسلمات ، كثير منها خاطئ ، بأسلوب منفعل .
ومن أخطائه المنهجية ، عدم استيفائه حجج من يناقش ، ويظهرهم كأنهم ناس يتكلمون بالهوى والجهل والظلم .(22/141)
ومن أخطائه المنهجية الادعاء العريض دون أدنى بينة ، وهذا واضح في كتابه ، إن لم نقل جل كتابه من هذا القبيل .
وما أشبه الكتاب وصاحبه بالذين يقول فيهم فقيد اللغة والأدب أبو فهر محمود شاكر رحمه الله :
" يوشك تاريخ الإسلام أن يصبح لهوا على الأسنة ، ولغوا في الصحف ، ومرتعا للظن المتسرع دون اليقين المتثبت ، وهدفا لكل متقحم على الحق بمثل جراءة الباطل ، ومخاضة يخوض فيها كل من ملك لسانا ينطق ، أو عقلا يفكر ، أو قلما يخط . وإنما ابتلي زماننا بهذا لأسباب كثيرة ، أولها : أن العصر الذي نعيش فيه يعجل الناس عن تحقيق معنى الدين نفسه في حقيقة قلوبهم . وآخرها : أن المسلمين في زماننا بلغوا من العجز والقلة والهوان على أنفسهم مبلغا مهّد لشياطين الإنس والجن مسالك كثيرة إلى مقر الغرور في بعض الأفئدة ، فسول لأصحابها فيما يسول أن فهموا الإسلام " فهما جديدا " فكان لهذه الكلمة سحرها حين مست مكان الغرور والكبرياء من نفوسهم ، واحتملهم هذا الغرور على أن يسيئوا الظن بما يفهمون من ماضيهم ، جله أو كله ، وخيل لهم سوء الظن أن ذلك هو طريق الحق لإحياء دين الله في نفوسهم وإقامة شريعته في أرضه . بمجرد النظرة الخاطفة المتعسفة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وفي تاريخ أسلافهم من المسلمين .
ولا أظن أنني أخطئ شيئا في التقدير إذا زعمت أن هذه النابتة ، لم يبتل الإسلام بمثلها قط ، على كثرة ما انتابه من النوابت المتتابعة على مدى عصوره كلها ؛ في حال بسه وسطوته ، وفي حال ضعفه وفترته . وهي عندي أخطر النوابت جميعا وأخوفها على دين الله ..
(مجلة المسلمون العدد الأول 1371 هـ ص 43 )
هذا بعض الملا حظات التي كتبتها على هذا الكتاب بعجل ، وفيه بعض الملاحظات الأخرى التي لم يسعف الوقت لتبيينها .
و الله أسأل السداد في القول والعمل ، والإصلاح أردت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب .
ا(22/142)
لفصل الخامس القواعد التي يجب على الكاتب عن حياة الصحابة التزامها .
وفيه التنبيهات الآتية .
ا ـ عدالة الصحابة العدالة الدينية .
في هذه القفة نتناول الأسس التي يجب على الكاتب عن حياة الصحابة أن يراعيها أثناء كتابته عنهم وهي ثلاث قواعد رئيسية .
الأولى منها : عدالة الصحابة وأنهم جميعا من أهل الجنة ، الثانية : وهي مبنية على الأخرى حسن الظن بهم ، الثالثة لابتعاد عن المصادر المعادية الأصلية والتبعية .
عدالة الصحابة العدالة الدينة دلت عليه نصوص كثيرة من الكتاب والسنة، وأجمع على ذلك أهل العلم ، وذكروه في جمل قطعيات الدين التي يجب على المسلم أن يعتقدها .
فمن الآيات الدالة على ذلك .
{محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم رُكعاً سُجدا يبتغون فضلاً من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مَثَلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سُوقه يُعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً} (سورة الفتح: 29).
وجه الدلالة من الآية على عدالة الصحابة العدالة الدينة ، أن الله تعالى أخبر أن كل الصحابة الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم متصفون بكل الأوصاف التي يحبها الله من بغض أعدائه وجهادهم وحب أوليائه وموالاتهم ، وعبادته سبحانه وتعالى ابتغاء مرضاته ، لا رياء ولا سمعة .
قال البغوي رحمه الله :(22/143)
" أشداء على الكفار غلاظ عليهم ، كالأسد على فريسته ، لا تأخذهم فيهم رأفة . "رحماء بينهم" متعاطفون متوادون بعضهم لبعض ، كالولد مع الوالد ، كما قال: " أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين " "تراهم ركعا سجدا" أخبر عن كثرة صلاتهم ،ومداومتهم عليها . " يبتغون فضلا من الله" أن يدخلهم الجنة ، "ورضوانا " أن يرضى عنهم ، "سيماهم " أي علامتهم ، "في وجوههم من أثر السجود" .
(تفسير البغوي 4/206)
قال القرطبي رحمه الله :
"وهذا مثل ضربه الله تعالى لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . يعني أنهم يكونون قليلا ثم يزدادون ويكثرون ، وهو صلى الله عليه وسلم حين بدأ بالدعاء إلى دينه ضعيفا، فأجابه الواحد بعد الواحد ، حتى قوي أمره ، كالزرع يبدو بعد البذر ضعيفا ، فيقوى حالا بعد حال حتى يغلظ نباته وأفراخه ، فكان هذا من أصح مثل وأقوى بيان ، وقال قتادة :مثل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في الإنجيل مكتوب أنه سيخرج من قوم ينبتون نبات الزرع يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر . "فآزره " أي قواه وأعانه وشده ، أي قوى الشطء الزرع . وقيل بالعكس أي قوى الزرع الشطء . وقراءة العامة "آزره " بالمد وقرأ ابن ذكوان وأبو حيوة وحميد بن قيس "فآزره" مقصورة مثل فعله والمعروف المد .
قال امرؤ القيس :
بمحنية قد آزر الضال نبتها**** مجر جيوش غانمين وخيب
"فاستوى على سوقه " على عوده الذي يقوم عليه . فيكون ساقا له . والسوق جمع الساق . "يعجب الزراع " أي يعجب هذا الزرع زراعه . وهو مثل كما بينا فالزرع محمد صلى الله عليه وسلم، والشطء أصحابه ، كانوا قليلا فكثروا ، وضعفاء فقووا ، قاله الضحاك وغيره . " ليغيظ بهم الكفار" اللام متعلقة بمحذوف أي : فعل الله هذا لمحمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه : "ليغيظ بهم الكفار"(22/144)
الرابعة قوله تعالى : "وعد الله الذين آمنوا " أي وعد الله هؤلاء الذين مع محمد ، وهم المؤمنون الذين أعمالهم صالحة . "مغفرة وأجرا عظيما" أي : ثوابا لا ينقطع ، وهو الجنة . وليست "من" في قوله "منهم" مبعضة لقوم من الصحابة دون قوم، ولكنها عامة ".
(تفسير القرطبي 16 /295 )
قال ابن كثير رحمه الله :
" يخبر تعالى عن محمد صلى الله عليه وسلم أنه رسوله حقا بلا شك ولا ريب فقال "محمد رسول الله " وهذا مبتدأ وخبر وهو مشتمل على كل وصف جميل ، ثم ثنى بالثناء على أصحابه رضي الله عنهم ، فقال : "والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم " كما قال عز وجل :" فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين " وهذه صفة المؤمنين أن يكون أحدهم شديدا عنيفا على الكفار ، رحيما برا بالأخيار ، غضوبا عبوسا في وجه الكافر ضحوكا بشوشا في وجه أخيه المؤمن كما قال تعالى :"يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة " .
(تفسير ابن كثير 4 / 204)
قال الشيخ السعدي رحمه الله :(22/145)
" يخبر تعالى عن نبيه : "محمد رسول الله والذين معه " من أصحابه من المهاجرين والأنصار ، أنهما بأكمل الصفات ، وأجل الأحوال . "وأنهم أشداء على الكفار" أي جادون ومجتهدون في نصرتهه ، وساعون في ذلك بغاية جهدهم ، فلم ير الكفار منهم إلا الغلظة والشدة . فلذلك ذل أعداؤهم لهم ، وانكسروا وقهرهم المسلمون . "رحماء بينهم" أي متحابون ،متراحمون ، متعاطفون ، كالجسد الواحد ، يحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه ، هذه معاملتهم مع الخلق . ... وأما معاملتهم مع الخالق فإنك "تراهم ركعا سجدا" أي وصفهم كثرة الصلاة ، التي أجل أركانها الركوع والسجود . "يبتغون" بتلك العبادة "فضلا من الله ورضوانا" أي هذا مقصودهم بلوغ رضا ربهم ، والوصول إلى ثوابه. "سيماهم في وجوههم من أثر السجود" أي قد أثرت العبادة ـ من كثرتها وحسنها ـ في وجوههم ، حتى استنارت . لما استنارت بالصلاة بواطنهم ، واستنارت بالجلال ظواهر هم . "ذلك" المذكور "مثلهم في التوراة" أي : هذا وصفهم ، الذي وصفهم الله به ، مذكور بالتوراة هكذا . "ومثلهم في الإنجيل" بوصف آخر ،وأنهم في كمالهم وتعاونهم ، "كزرع أخرج شطأه فآزره" أي أخرج أفراخه فوازرته فراخه ، في الثبات والاستواء . "فاستغلظ " ذلك الزرع ، أي : قوي وغلظ "فاستوى" أي : قوي واستقام "على سوقه" جمع ساق أي أصوله والمراد أنه قوي وقام على قضبانه . "يعجب الزراع" من كماله واستوائه ، وحسنه واعتداله . كذلك الصحابة رضي الله عنهم هم كالزرع ، في نفعهم للخلق ، واحتياج الناس إليهم ، فقوة إيمانهم وأعمالهم بمنزلة قوة عروق الزرع ، وسوقه . وكون الصغير والمتأخر إسلامه ، قد لحق الكبير السابق ،ووازره ، وعاونه على ما هو عليه ، من إقامة دين الله والدعوة إليه ، كالزرع الذي "أخرج شطأه فآزره فاستغلظ" ولهذا قال : "ليغيظ بهم الكفار" حين يرون اجتماعهم ،(22/146)
وشدتهم على أعداء دينهم ، وحين يتصادمون معهم في معارك النزال ، ومعامع القتال . " وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما " فالصحابة رضي الله عنهم ، الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح ، قد جمع الله لهم بين المغفرة ، التي من لوازمها وقاية شرور الدنيا والآخرة ، والأجر العظيم في الدنيا والآخرة ".
(تفسير السعدي 739 )
ولهذه الأوصاف الشريفة التي وصف الله بها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل ؛ كان أهل الكتاب الذين عندهم أثارة من علم الأنبياء إذا رأوا أحدا من أصحاب النيبي صلى الله عليه وسلم = يعظمونه ويعترفون أنهم أفضل من كل أصحاب الأنبياء المتقدمين .
قال ابن كثير رحمه الله
"الصحابة رضي الله عنهم خلصت نياتهم وحسنت أعمالهم فكل من نظر إليهم أعجبوه في سمتهم وهديهم .ثم ذكر عن مالك ابن أنس رحمه الله أنه قال: ((بلغني أن النصارى كانوا إذا رأوا الصحابة -رضي الله عنهم- الذين فتحوا الشام، يقولون: والله لهؤلاء خير من الحواريين فيما بلغنا. وصدقوا في ذلك؛ فان هذه الأمة معظمة في الكتب المتقدمة، وأعظهما وأفضلها أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد نوه الله تبارك وتعالىبذكرهم في الكتب المنزلة والأخبار المتداولة؛ ولهذا قال سبحانه وتعالىهنا: {ذلك مثلهم في التوراة}. ثم قال: {ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه} أي فراخه. {فآزره} أي: شده {فاستغلظ} أي: شب وطال. {فاستوى على سوقه يعجب الزراع} أي فكذلك أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آزروه وأيدوه ونصروه، فهو معهم كالشطء مع الزراع ليغيظ بهم الكفار))
(تفسير ابن كثير: 4/204)
الآية الثانية قوله تعالى:
{لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى} (سورة الحديد: 10).(22/147)
وجه الدلالة أن الله أخبر في هذه الآية الكريمة أن جميع الصحابة من أسلم قبل الفتح أو بعده قد قاموا بتقديم أعز ما يملكون لهذا الدين وهو المال والنفس، فأنفقوا أموالهم في سبيل نصرته ، وقدموا أنفسهم من أجل عزته وبهذا استحقوا جميعا كرامة الله لأوليائه وهي الجنة .
قال الزمخشري :
"وكلا وكل واحد من الفريقين وعد الله الحسنى أي المثوبة الحسن وهي الجنة مع تفاوت الدرجات"
) ... الكشاف /473)
قال الشيخ السعدي :
"أي: الذين أسلموا وقاتلوا وأنفقوا من قبل الفتح وبعده ،كلهم وعده الله الجنة ، وهذا يدل على فضل الصحابة كلهم ، رضي الله عنهم ، حيث شهد الله لهم بالإيمان ووعدهم الجنة " .
"تفسير السعدي 839)(22/148)
- ( (( - - - رضي الله عنه - - - { ((( - ( - - رضي الله عنه -((( - ( - (- رضي الله عنهم - - ( - ( - - - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - قرآن كريم ( - ( - ( - ( - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( المحتويات ( - ( - (- رضي الله عنه - - ( - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - (- عليه السلام - قرآن كريم ( تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((- رضي الله عنه - - ( تمهيد - رضي الله عنه - - الله - (( - ( - صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله ( - - - - - الله أكبر (- عليه السلام - قرآن كريم ((( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - (( - - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - { - - - ((( - - - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - درهم (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - ( المحتويات ( - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ( - ( - ( - ( - - - ((( - رضي الله عنه -((( - { - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صلى الله عليه وسلم -(( { قرآن كريم - رضي الله عنه - - - - - عليه السلام - - - } - - - - - صدق الله العظيم (- رضي الله عنهم - - - تمهيد { - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ( - ( - ( - - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم - - (- رضي الله عنه -( - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - - - رضي الله عنهم - - ( المحتويات ( - ( - - - ( { - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -((22/149)
- ( - - - - (( ( المحتويات ( - ( - - صلى الله عليه وسلم -( - (( - { - رضي الله عنهم - - - - رضي الله عنه - فهرس - - - - ( } تم بحمد الله } - قرآن كريم ( - - صلى الله عليه وسلم -( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - ( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - فهرس - - رضي الله عنه -( ( المحتويات ( - ( } (( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( قرآن كريم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - تمت - - - ( المحتويات ( - ( - ( { - ( - - (- رضي الله عنهم - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - قرآن كريم ( - - - ( { (( مقدمة ( - ((- رضي الله عنه - الله أكبر - درهم (((( - - - - صلى الله عليه وسلم -( - - ( ( المحتويات ( - - - قرآن كريم ( - ( - ((( - ( - - - ((( - ((( - { - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صلى الله عليه وسلم -(( - - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( المحتويات ( - ( - ((- رضي الله عنه - - - - قرآن كريم ( - قرآن كريم ( { - رضي الله عنه - - - - عليه السلام - - ( - - عليه السلام - - ( - (((( - - - - - جل جلاله - - - - - - جل جلاله -( الله أكبر (- عليه السلام - قرآن كريم ( - - { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ((( - { - - - - - رضي الله عنه - الله أكبر قرآن كريم ( { - رضي الله عنه - - - رضي الله عنهم - - ( صدق الله العظيم (- رضي الله عنهم - - - تمهيد { - - ( - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - رضي الله عنهم -(( - - صلى الله عليه وسلم - تم بحمد الله - (( - - عليه السلام - - ( - قرآن كريم(22/150)
( - ( - - رضي الله عنهم - - (( - رضي الله عنه -((( - { - ( - - } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( - - - - جل جلاله -( - - عليه السلام - - - رضي الله عنهم - - } الله أكبر ( { ( - - صلى الله عليه وسلم -((- عليه السلام - - ( - (( مقدمة { - (((( (
(الحشر 008-010)
هذه الآية بينت فضل الصحابة وأنهم آثر الله ورضاه ونصرة دينه على كل شيء ،فليس للمؤمن الصادق الإيمان أن يقول فيهم إلا ما أمره الله به :"ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا " .
أخرج الحاكم وصححه عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال: "الناس على ثلاث منازل، فمضت منزلتان، وبقيت واحدة، فأحسن ما أنتم عليه أن تكونوا بهذه المنزلة التي بقيت. قال: ثم قرأ: {للفقراء المهاجرين} إلى قوله: {رضوانا} فهؤلاء المهاجرون. وهذه منزلة قد مضت {والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم} إلى قوله: {ولو كان بهم خصاصة}. قال: هؤلاء الأنصار. وهذه منزلة قد مضت. ثم قرأ: {والذين جاءوا من بعدهم} إلى قوله: {ربنا إنك رءوف رحيم} قد مضت هاتان وبقيت هذه المنزلة، فأحسن ما أنتم كائنون عليه أن تكونوا بهذه المنزلة التي بقيت. يقول: أن تستغفروا لهم" رواه الحاكم 2/3484 وصححه ووافقه الذهبي).
قال ابن كثير رحمه الله :
"ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غل "ا أي بغضا وحسدا "للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم " وما أحسن ما استنبط الإمام مالك رحمه الله من هذه الآية الكريمة أن الرافضي الذي يسب الصحابة ليس له في مال الفيء نصيب لعدم اتصافه بما مدح الله به هؤلاء في قولهم ك "ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم"
(تفسير ابن كثير 4 / 340)(22/151)
قال ابن أبي العز في شرح العقيد الطحاوية ـ بعد سياق بعض الآيات الدالة على فضل الصحابة ـ :
" وهذه الآيات تتضمن الثناء على المهاجرين والأنصار ، وعلى الذين جاءوا من بعدهم ، يستغفرون لهم ويسألون الله أن لا يجعل في قلوبهم غلا لهم ، وتتضمن أن هؤلاء هم المستحقون للفيء ، فمن كان في قلبه غل للذين آمنوا ولم يستغفر لهم لا يستحق في الفيء نصيبا بنص القرءان ".
(شرح العقيدة الطحاوية 1 / 528 )
هذا غيض من فيض مما تضمنه القران من تعديل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والثناء عليهم .
ورحم الله الشيخ الإمام حافظ حكمي إذ يقول :
"فكلهم في محكم القرآن***أثنى عليهم خالق الأكوان(22/152)
في مواضع من كتابه (كالفتح) أي سورة الفتح من أولها إلى آخرها و سورة (الحديد) كقوله تعالى فيها: " فآمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه " إلى قوله :" وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السماوات والأرض لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقتلوا وكلا وعد الله الحسنى " (الحديد 10 الآيات ) و سورة (القتال) كقوله تعالى :"والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم " ( محمد 3 الآيات) و سورة (الحشر) إلى آخرها ، وقد رتب تعالى فيها الصحابة على منازلهم وتفاضلهم ثم أر دفهم بذكر التابعين فقال تعالى :"للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم " ( الحشر 8 10) أخرج الله بهده الآية وغيرها شاتم الصحابة من جميع الفرق الذين في قلوبهم غل لهم إلى يوم القيامة ولهذا منعهم كثير من الأئمة الفيء ،وحرموه عليهم .(22/153)
في سورة (التوبة )و سورة( الأنفال) بكمالها تارة في الثناء عليهم وتارة في تحذيرهم من عدوهم ووصف المشركين والمنافقين بأنواعهم وسماهم ليحذروهم ، وتارة في حثهم على الطاعة والجماعة والجهاد في سبيل الله والإثخان في الكفار والثبات لهم عند لقائهم إياهم وعدم فرارهم منهم ، ووعده تعالى إياهم بالنصر على عدوهم، وتارة بتذكيرهم بنعم الله عليهم وامتن عليهم أنه هداهم للإسلام وجنبهم السبل المضلة ، وألف بين قلوبهم وآواهم وأيدهم بنصرة بعد إذ كانوا مستضعفين أذلة .
وتارة يخبرهم ويهيجهم ويشوقهم بما أعد لهم في الدار الآخرة على قيامهم بطاعته تعالى وطاعة رسوله ، وجهادهم بأموالهم في سبيله وله الحمد والمنة . وغير ذلك من سور القرآن وآياته كذلك في (التوراة الكتاب المنزل على موسى عليه السلام ) (و الإنجيل الكتاب المنزل على عيسى عليه السلام ) "صفاتهم" التي جعلهم الله عليها معلومة التفصيل كما أخبر الله تعالى عن ذلك بقوله عز :"وجل محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة . ( الفتح 29 ) هنا تم الكلام ثم قال تعالى :"ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما " ( الفتح 29) وتقدم قول الأسقف لعمر ووصفه الخلفاء رضي الله عنهم وغير ذلك .
وذكرهم بالمناقب الجمة والفضائل الكثيرة في سنة المختار محمد صلى الله عليه وسلم عموما وخصوصا من الأحاديث الصحاح والحسان ".
(معارج القبول 3 / 1204)
و الأدلة على عدالة الصحابة من السنة كثيرة نذكر منها بعضا على سبيل الاختصار تبعا للمنهجية للتي اخترتها في هذا البحث .
قال البخاري في صحيحه :
"بسم الله الرحمن الرحيم كتاب فضائل الصحابة(22/154)
باب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم ومن صحب النبي صلى الله عليه سلم أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه
[3449] عن عمرو قال سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول حدثنا أبو سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقولون فيكم من صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فيقولون نعم . فيفتح لهم . ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقال : هل فيكم من صاحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فيقولون نعم . فيفتح لهم . ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقال : هل فيكم من صاحب من صاحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فيقولون نعم . فيفتح لهم ".
صحيح البخاري (3 /1335)
وجه الدلالة من الحديث على عدالة الصحابة أنهم بلغوا من القرب من الله بأعمالهم الصالحة درجة ينزل بسبها النصر على الجيش الذي يكونون فيه وكذلك من تمثل ما كانوا عليه من العم النافع والعمل الصالح من تلامذتهم وتلامذة تلامذتهم .
3451 عن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم . ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته . "
قال إبراهيم وكانوا يضربوننا على الشهادة والعهد ونحن صغار .
صحيح البخاري (3 /1335)
وجه الدلالة من هذا الحديث على عدالة الصحابة العدالة الدينية ، هو ما صرح به رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم خير المؤمنين هم وأتباعهم وأتباع أتباعهم .(22/155)
[2531] عن أبي بردة عن أبيه قال صلينا المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا لو جلسنا حتى نصلى معه العشاء قال فجلسنا فخرج علينا فقال :" ما زلتم هاهنا ؟ قلنا : يا رسول الله صلينا معك المغرب ثم قلنا نجلس حتى نصلى معك العشاء . قال أحسنتم أو أصبتم . قال : فرفع رأسه إلى السماء وكان كثيرا مما يرفع رأسه إلى السماء . فقال : النجوم آمنة للسماء ، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأناآمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون ، وأصحابي آمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون ".
(صحيح مسلم 4 / 1961)
وجه الدلالة من الحديث على عدالة الصحابة العدالة الدينية أن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل فهمهم للدين علما وعملا عاصما لمن اتبعه من الضلال فما داموا في الأمة يعلمونها الدين الصحيح ويردون ضلال المضلين فإذا ماتوا بدأ أهل الضلال ينشرون فهم الباطل للدين ويضلون به الناس .
قال الإمام النووي :
"قوله صلى الله عليه وسلم : "وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون " معناه من ظهور البدع ، والحوادث في الدين، والفتن فيه ، وطلوع قرن الشيطان ، وظهور الروم وغيرهم عليهم ، وانتهاك المدينة ومكة ، وغير ذلك . وهذه كلها من معجزاته صلى الله عليه وسلم" .
(شرح النووي على صحيح مسلم 16 /83)
[3470] عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم :" لا تسبوا أصحابي فلوا إن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه " .
(صحيح البخاري 3 / 1343)
وجه الدلالة من الحديث على عدالة الصحابة العدالة الدينة أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن التعرض لهم بسوء ، وأخبر أن العامل ممن جاء بعدهم مهما عمل من العمل ؛ لا يدرك فضلهم ولا يقرب منه .
قال النووي رحمه الله :(22/156)
"قوله صلى الله عليه وسلم : "لا تسبوا أصحابي فوالدي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه " ... ومعناه لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ ثوابه في ذلك ثواب نفقة أحد أصحابي مدا ولا نصف مد . قال القاضي : ويؤيد هذا ما قدمناه في أول باب فضائل الصحابة عن الجمهور من تفضيل الصحابة كلهم على جميع من بعدهم ، وسبب تفضيل نفقتهم أنها كانت في وقت الضرورة وضيق الحال، بخلاف غيرهم ، ولأن إنفاقهم كان في نصرته صلى الله عليه وسلم وحمايته ، وذلك معدوم بعده ، وكذا جهادهم وسائر طاعاتهم . وقد قال الله تعالى :"لا يستوى منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة " الآية هذا كله مع ما كان في أنفسهم من الشفقة ، والتودد، والخشوع ، والتواضع ، والإيثار ، والجهاد في الله حق جهاده ، وفضيلة الصحبة ولو لحظة لا يوازيها عمل ، ولا تنال درجتها بشيء . والفضائل لا تؤخذ بقياس ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء "
(شرح النووي على صحيح مسلم 16 / 93 )
[32417] عن واثلة بن الأسقع قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تزالون بخير ما دام فيكم من رآني وصاحبني، والله لا تزالون بخير ما دام فيكم من رأى من رآني وصاحب من صاحبني " .
إسناده صحيح .
(مصنف ابن أبي شيبة 6 /405 )
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بعد أن ذكر بعض الأحاديث المتقدم ذكرها : "وهذه الأحاديث مستفيضة بل متواترة في فضائل الصحابة والثناء عليهم وتفضيل قرنهم على من بعدهم من القرون ، والقدح فيهم قدح في القرءان والسنة "
. مجموع الفتاوى ( 4 / 430 )
قال ابن كثير رحمه الله :(22/157)
"والأحاديث في فضل الصحابة رضي الله عنهم والنهي عن التعرض لهم بمساويهم كثيرة ويكفيهم ثناء الله عليهم ورضاه عنهم . ثم قال تبارك وتعالى :"وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم " من هذه لبيان الجنس "مغفرة " أي لذنوبهم "وأجرا عظيما" أي ثوابا جزيلا ورزقا كريما ، ووعد الله حق وصدق ، ولا يخلف ، ولا يبدل . وكل من اقتفى أثر الصحابة رضي الله عنهم فهو في حكمهم ، ولهم الفضل ، والسبق ، والكمال الذي لا يلحقهم فيه أحد من هذه الأمة رضي الله عنهم ، وأرضاهم ، وجعل جنات الفردوس مأواهم وقد فعل "
تفسير ابن كثير (4 / 206)
كلام أهل العلم في عدالة الصحابة والثناء عليهم.
قال الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : "إن الله نظر إلى قلوب العباد ، فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد ، فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته ، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم ، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد ، فجعلهم وزراء نبيه ، يقاتلون على دينه ، فما رأى المسلمون حسناً فهو عند الله حسن ، وما رأوا سيئاً فهو عند الله سيئ " .
المسند ( 1 / 379 ) .
وفي (السنة للخلال )
766 أخبرنا أبو بكر المروذي قال سمعت زهيرا يقول حدثنا عبد الرزاق قال سمعت معمرا يقول "أصحاب محمد عليه السلام أصابتهم نفحة من النبوة " .
(السنة للخلال 2 / 480 )
فيها أيضا
756 وأخبرنا أبو بكر المروذي قال سمعت أبا عبدالله وذكر له أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "رحمهم الله أجمعين "
قال الطحاوي في عقيدته :
"ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نفرط في حب أحد منهم ، ولا نتبرأ من أحد منهم ، ونبغض من يبغضهم ، وبغير الخير يذكرهم . ولا نذكرهم إلا بخير . وحبهم دين وإيمان وإحسان ، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان " .
(شرح العقيدة الطحاوية 528)
قال ابن بطة :(22/158)
"وكل الصحابة أئمة مأمونون غير متهمين في الدين ، وقد أثنى الله ورسوله على جميعهم ، وتعبدنا بتوقيرهم وتعظيمهم وموالاتهم والتبري من كل من ينقص أحدا منهم ، رضي الله عنهم أجمعين" .
(الأبانة 260)
قال الغزالي :
"واعتقاد أهل السنة تزكية جميع الصحابة والثناء عليهم كما أثنى الله سبحانه وتعالى ورسوله عليهم . وما جرى بين معاوية وعلي رضي الله عنهما كان مبنيا على الاجتهاد لا منازعة من معاوية في الإمامة ، إذ ظن علي رضي الله عنه أن تسليم قتلة عثمان مع كثرة عشائرهم واختلاطهم بالعسكر يؤدي إلى اضطراب أمر الإمامة في بدايتها فرأى التأخير أصوب ، وظن معاوية أن تأخير أمرهم مع عظم جنايتهم يوجب الإعزاء بالأئمة ويعرض الدماء للسفك ، وقد قال أفاضل العلماء كل مجتهد مصيب وقال قائلون المصيب واحد ".
(قواعد العقائد 227)
قال السفارين رحمه الله :
وليس في الأمة كالصحابة *** في الفضل والمعروف والإصابة
فإنهم قد شاهدوا المختارا ***وعاينوا الأسرار والأنوارا
وجاهدوا في الله حتى بانا*** دين الهدى وقد سما الأديانا
وقد أتى في محكم التنزيل*** من فضلهم ما يشفي للغليل
وفي الأحاديث وفي الآثار*** وفي كلام القوم والأشعار
ما قد ربا من أن يحيط نظمي*** عن بعضه فاقنع وخذ عن علم
(العقيدة السفارينية 88)
ب ـ إحسان الظن بالصحابة .
الوقفة الثانية إحسان الظن بالصحابة،وهي مبنية على الوقفة التي قبلها؛لإن العدل الأصل في أفعاله الخير والصلاح فإذا رئي منه خالف ذلك فلا بد من استصحاب الأصل وهو أنه لا يريد بفعله إلا الخير إلى أن يظهر من فعله ما لا يقبل أي تأويل .
وقد أكد علماؤنا هذه النقطة وطبقوها .
قال ابن أبي زيد : (( والإمساك عما شجر بينهم ، وأنهم أحق الناس أن يلتمس لهم أحسن المخارج ، ويظن بهم أحسن المذاهب )) .
مقدمة رسالة بن أبي زيد ص8 طبعة جامعة الإمام .
قال الأشعري :
"الإجماع الثامن والأربعون(22/159)
وأجمعوا على الكف عن ذكر الصحابة ـ عليهم السلام ـ إلا بخير ما يذكرون به ، وعلى أنهم أحق أن ينشر محاسنهم ، ويلتمس لأفعالهم أفضل المخارج ، وأن نظن بهم أحسن الظن" .
(رسالة إلى أهل الثغر 1 / 303)
قال أبو نعيم : (( فالإمساك عن ذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكر زللهم ، ونشر محاسنهم ومناقبهم ، وصرف أمورهم إلى أجمل الوجوه ، من أمارات المؤمنين المتبعين لهم بإحسإن، الذين مدحهم الله عز وجل بقوله : { والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان)) .
قال الغزالي :
"وأن يعتقد فضل الصحابة رضي الله عنهم وترتيبهم وأن أفضل الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم علي رضي الله عنهم ، وأن يحسن الظن بجميع الصحابة ويثنى عليهم كما أثنى الله عز وجل ورسوله وعليهم أجمعين فكل ذلك مما وردت به الأخبار وشهدت به الآثار فمن اعتقد جميع ذلك موقنا به كان من أهل الحق ، وعصابة السنة ، وفارق رهط الضلال وحزب البدعة " .
(قواعد العقائد 70)
قال الآمدي :
"الواجب أن يحسن الظن بأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأن يكف عما جرا بينهم ، وألا يحمل شئ مما فعلوه أو قالوه إلا على وجهة الخير وحسن القصد ، وسلامة الاعتقاد ، وأنه مستند إلى الاجتهاد ؛ لما استقر في الأسماع ، وتمهد في الطباع ، ووردت به الأخبار والآثار ، متواترة وآحاد ، من غرر الكتاب، والسنة ، واتفاق الأمة على مدحهم ، والثناء عليهم بفضلهم ، مما هو في اشتهاره يغنى عن إظهاره ، وأن أكثر ما ورد في حقهم من الأفعال الشنيعة ، والأمور الخارجة عن حكم الشريعة ، فلا أصل لها إلا تخر صات أهل الأهواء ، وتصنعات الأعداء ، كالروافض والخوارج وغيرهم من السفساف ، ومن لا خلاق له من الأطراف .(22/160)
وما ثبت نقله ولا سبيل إلى الطعن فيه ، فما كان يسوغ فيه الاحتمال ، والتأويل فيه بحال ، فالواجب أن يحمل على أحسن الاحتمالات ، وأن ينزل على أشرف التنزيلات ، وإلا الكف عنه ، والانقباض منه، وأن يعتقد أن له تأويلا لم يوصل إليه ، ولم يوقف عليه ، إذ هو الأليق بأرباب الديانات ، وأصحاب المروءات ، وأسلم من الوقوع في الزلات ، ولكون سكوت الإنسان عما لا يلزمه الكلام فيه أرجى له من أن يخوض فيما لا يعنيه ، لا سيما إذا احتمل ذلك الزلل والوقوع بالظن والرجم بالغيب في الخطل " .
(غاية المرام ج: 390 )
وقال ابن دقيق العيد : (( وما نقل عنهم فيما شجر بينهم واختلفوا فيه ، فمنه ما هو باطل وكذب ، فلا يلتفت إليه ، وما كان صحيحا أولناه تأويلا حسنا ، لإن الثناء عليهم من الله سابق ، وما ذكر من الكلام اللاحق محتمل للتأويل ، والمشكوك والموهوم لا يبطل المحق المعلوم )) . ( أصحاب رسول الله ومذاهب الناس فيهم لعبد العزيز العجلإنص360 ) .
بواسطة كتاب اعتقاد أهل السنة في الصحابة .
قال القحطاني :
قل خير قول في صحابة أحمد*** وامدح جميع الآل والنسوان
دع ما جرى بين الصحابة في الوغى*** بسيوفهم يوم التقى الجمعان
فقتيلهم منهم وقاتلهم لهم**** وكلاهما في الحشر مرحومان
والله يوم الحشر ينزع كل ما*** تحوي صدورهم من الأضغان
(نونية القحطاني 23)
ولعل من أسباب مجانبة الكاتب للصواب في بحثه ابتعاده عن هاتين الركيزتين .
الركيزة الثالثة .
ج ـ الابتعاد عن المصادر المعادية ، الأصلية ، والتبعية .(22/161)
لابتعاد عن المصادر المعادية للصحابة مما كتبه عنهم أعداء هذا الدين من الرافضة والمستشرقين وعلمانيي وزنادقة العرب ، الساعين في إقناع المجتمعات المسلمة أن تترك دينها بشتى الوسائل وكان من هذه الوسائل محاولة إقناعها أن الدين خرافة لا يمكن أن يتحقق في الواقع ، ولما كان الصحابة في أعين المجتمعات المسلمة هم المثال الحي للتدين الصحيح وأنهم قد بلغوا فيه الغاية الممكنة للبشر ، فلابد عند هؤلاء الشياطين من إقناع هذه المجتمعات بأن هذا الذي يذكر عن الصحابة خرافة ، فتختلق من أجل هذا المبدأ الخبيث الأكاذيب في مثالب الصحابة ، وتفسير أعمالهم إلى أسوأ احتمال ، من تكالب على الدنيا ، وحرص عليها وعلى لذاتها كغيرهم من البشر .
قال الشيخ محمد قطب حفظه الله :
" وهذه الأمة ـ أو قل بالتحديد قرونها المفضلة الأولى ـ قامت بتطبيق مثالي لهذا الدين في عالم الواقع ، فارتفعت إلى عالم المثال ـ مع بشريتها الكاملة ـ وأثبتت في الوقت ذاته واقعية هذا الدين ، وقابليته للتطبيق في عالم الواقع .
وتلك هي القيمة الحقيقة لهذه الفترة من التاريخ .
إن هذه الأجيال الأولى ـ وخاصة الجيل الأول الفريد ـ قد لا يتكرر مرة أخرى في واقع الأرض . ولكنها تبقى مع ذلك رصيدا واقعيا لهذه الأمة في جميع أجيالها ، يحفزها على محاولة العودة إلى تطبيق الإسلام . وهذه المحاولة ذاتها عمل إيجابي مثمر ، ولو لم يصل إلى كل النتيجة المطلوبة .
تصور إنسانا عند سفح جبل ، يعلم يقينا إن هناك من صعد هذا الجبل إلى قمته ، فهو يحاول أن يصعد مثله ، وقد يصل إلى منتصفه وقد يصل إلى ربعه ، وقد يفلس جهده بعد أن يرقى بضع درجات ...
وتصور إنسانا آخر وقف على سفح جبل يتطلع إلى قمته وهو يقول في نفسه : إن هذا مستحيل مستحيل أن يفكر إنسان في صعود هذا الجبل الشاهق ، فلنكف عن التطلع ، ولنرض بالبقاء في السفح أيهما أنفع للبشرية ؟ وأيهما أفضل في ذات نفسه ؟(22/162)
ثم .. أي دور يؤده ذلك الذي صعد إلى القمة أول مرة ، في حياة كل الذين يجيئون بعده ، ويحاولون أن يصعدوا مثله ، ولو وصلوا إلى المنتصف ، ولو إلى ربع الطريق .. ولو أفلس جهدهم بعد رقي بعض الدرجات ؟
إنه دور ضخم في عالم الواقع ..
ولهذا نحتفي حفاوة بالغة بذلك الجيل الفريد ، وبتلك القرون المفضلة ،لأنها المدد الحي الذي يدفع الأجيال كلها إلى محاولة الصعود ، بدلا من أن تتنتكس إلى أسفل ، وتخلد إلى الأرض عند السفح وربما كان هذا هو السبب الذي يجعل المستشرقين يجهدون أنفسهم لمحاولة تشويه تلك الفترة بالذات ، لعلهم يطفئون بريقها ، ويحجبون نورها عن الأجيال المتأخرة لكي لا تفكر أبدا في معاودة الصعود من جديد :
" يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله تم نوره ولو كره الكافرون " . ( الصف آية : 8 )
كيف نكتب التاريخ الإسلام ص 88
قال الإمام الذهبي رحمه الله مؤكدا هذه القضية وهي الابتعاد عن المصادر المعادية للصحابة :
"فأما ما تنقله الرافضة وأهل البدع في كتبهم من ذلك ، فلا نعرج عليه ولا كرامة ، فأكثره باطل ، وكذب وافتراء ، فدأب الروافض رواية الأباطيل ، أو رد ما في الصحاح والمسانيد . ومتى إفاقة من به سكران"
(سير أعلام النبلاء 10 / 92)
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العلمين . وصلى الله على المبعوث رحمة للعالمين ، وعلى آله وأصحابه ومن اقتفى أثرهم إلى يوم الدين .(22/163)
التنبيه والتحذير من الشر المستطير
بحث في حقيقة الرافضة
---
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله ناصر الحق ومعليه، وقامع الباطل ومرديه، قال جل وعلا: {بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون}، وقال سبحانه: {وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا}، الحمد لله، كتب الفلاح لأوليائه، وأوجب الخسارة على أعدائه، قال سبحانه: {إن الأبرار لفي نعيم، وإن الفجار لفي جحيم}، وقال سبحانه: {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار}.
أحمده جل وعلا حمداً كثيراً طيباً مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا، وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أصحابه وإخوانه الصادقين المتقين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا...
أما بعد ...
أخي المسلم:
إنه ومع الأسف الشديد، يوجد من مسلمي هذا العصر، من يجهل حقيقة الرافضة، فيعدهم إخوانا، ويحسبهم أنصارا، ويطمئن لهم، ويأمن جانبهم، ويصدق أقوالهم وادعاءاتهم، ويعتقد أن الفرق بيننا وبينهم، فرق خفيف ويسير، وأن الخلاف معهم ليس إلا على أمور فرعية فقهية، وربما خدع البعض بما يجري من محاولات للتقريب بين أهل السنة وطائفة الرافضة، طائفة الرفض والشر.
أخي المسلم:(23/1)
لاشك أنك تعرف أن دولة إيران هي قاعدة الرافضة، وأن لهم وجودا في جزيرة العرب ودول الخليج وغيرها، لذا كان لزاما علينا ، التنبه لهم، والحذر منهم، وخصوصا أنهم في هذا العصر، قد صار لهم نشاط كبير، وجهود كثيرة، في محاولة نشر مذهبهم، فينبغي أخذ الحيطة، ويجب العمل على نشر مذهب أهل السنة في كل بلد، وبكل طريقة نافعة مجدية، والحقيقة المرة هي: أن الرفض قد ".. أطل على كل بلد من بلاد الإسلام وغيرها، بوجهه الكريه، وكشر عن أنيابه الكالحة، وألقى حبائله أمام من لا يعرف حقيقته، مظهرا غير ما يبطن، ديدن كل منافق مفسد ختال، فاغتر به من يجهل حقيقته..."(1)، وخدع به من لا يعرف عقيدته، بل إن الرافضة في هذا العصر، قد انتشروا في أماكن كثيرة، وفي بلدان عديدة، قريبة وبعيدة ، مسلمة وكافرة، ثم إنه قد صار لهم حكم ودولة، وسلطة وقوة، وأظهروا بالأقوال حرصهم على الدين، وعلى نصرة المستضعفين من المسلمين وحاولوا التقرب لأهل السنة، والتودد إليهم، وجهدوا في سبيل كسب ودهم وثقتهم، وإخفاء الحقيقة عنهم، حقيقة مذهبهم، وعقائدهم، ومكرهم وخداعهم، وحقدهم الأسود على أهل السنة، وإن شئت معرفة حقيقة هذا القول، فانظر إلى كل دولة حكمها الرافضة، أو تقلدوا فيها مناصب عالية، سواء فيما مضى من الزمان أو في عصرنا الحاضر ، انظر إلى أحوال أهل السنة فيها ، لاشك أنك ستجد أن هؤلاء الرافضة الأشرار الفجار، قد ساموهم سوء العذاب (2).
ومن أجل هذا الخطر المحدق، والأمر المقلق، وجب التنبيه والتحذير، وكذا التعريف ببعض عقائد القوم، وأقوال أئمة السلف الصالح فيهم، لئلا يغتر بهم من لا يعرفهم، ولكي يفيق ويستيقظ من كان مخدوعا بضلالاتهم، وكذبهم ومكرهم وخداعهم.
ولله در القائل فيهم:
فلم أر ودهم إلا خداعا ... ولم أر دينهم إلا نفاقا (3)
أخي المسلم:(23/2)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته- عن الرافضة: "... فإنهم (4) أعظم ذوي الأهواء جهلا وظلما ، يعادون خيار أولياء الله تعالى بعد النبيين، من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه، ويوالون الكفار والمنافقين من اليهود والنصارى والمشركين، وأصناف الملحدين، كالنصيرية، والإسماعيلية، وغيرهم من الضالين..." (5). وقال: "... كانوا من أعظم الناس عداوة للمسلمين، ومعاونة للكافرين،" وهكذا معاونتهم لليهود أمر شهير، حتى جعلهم الناس لهم كالحمير.."(6).
أخي المسلم:
احذر كل الحذر أن تصدق الجعجعة الإعلامية للرافضة، فلا يخدعنك تباكيهم على المسجد الأقصى، وإظهارهم الجزع والحزن والألم لما يقع للمسلمين، واعلم أنهم في حقيقة الأمر، وواقع الحال، أعداء لأهل السنة، أولياء للكفار، لا يتورعون أبدا عن إشعال نار الفتنة بين المسلمين، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله-: "... واعلم أن الصحابة- رضي الله عنهم-، كانوا أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، وأن أصل كل فتنة وبلية هم الشيعة ومن انضوى إليهم، وكثير من السيوف التي سلت في الإسلام إنما كانت من جهتهم، واعلم أن أصلهم ومادتهم منافقون، اختلقوا الأكاذيب، وابتدعوا آراء فاسدة، ليفسدوا بها دين الإسلام، ويستزلوا بها من ليس من أولي الأحلام... " (7).
يقول القحطاني (8)- رحمه الله-:
لا تعتقد دين الروافض إنهم ... أهل المحال وحزبة الشيطان
ويقول:
إن الروافض شر من وطئ الحصى ... من كل إنس ناطق أو جان(23/3)
ويقول شيخ الإسلام: "…وأما الرافضة، فأصل بدعتهم زندقة وإلحاد، وتعمد الكذب فيهم كثير، وهم يقرون بذلك، حيث يقولون، ديننا التقية وهو أن يقول أحدهم بلسانه خلاف ما في قلبه، وهذا هو الكذب والنفاق، ويدعون مع هذا أنهم هم المؤمنون دون غيرهم من أهل الملة، ويصفون السابقين الأولين بالردة والنفاق، فهم في ذلك كما قيل: (رمتني بدائها وانسلت)، إذ ليس في المظاهرين للإسلام أقرب إلى النفاق والردة منهم، ولا يوجد المرتدون والمنافقون في طائفة أكثر مما يوجد فيهم ..."(9)، وقال: "... وقد علم أنه كان بساحل الشام جبل كبير، فيه ألوف من الرافضة، يسفكون دماء الناس، ويأخذون أموالهم وقتلوا خلقا عظيما وأخذوا أموالهم، ولما انكسر المسلمون سنة غازان، أخذوا الخيل والسلاح والأسرى، وباعوهم للكفار النصارى بقبرص، وأخذوا من مر بهم من الجند وكانوا أضر على المسلمين من جميع الأعداء..." (10).
وقال -رحمه الله-: ".. فما أذكره في هذا الكتاب من ذم الرافضة، وبيان كذبهم وجهلهم، قليل من كثير مما أعرفه منهم، ولهم شر كثير لا أعرف تفصيله.." (11).
وقال أسكنه الله فسيح جناته-: "والعلماء دائما يذكرون أن الذي ابتدع الرفض، كان زنديقا ملحدا ، مقصوده إفساد دين الإسلام، ولهذا صار الرفض مأوى الزنادقة الملحدين من الغالية والمعطلة، كالنصيرية والإسماعيلية ونحوهم، وأول الفكرة آخر العمل، فالذي ابتدع الرفض كان مقصوده إفساد دين الإسلام، ونقض عراه، وقلعه بعروشه آخرا، لكن صار يظهر منه ما يكنه من ذلك، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون، وهذا معروف عن ابن سبأ وأتباعه، وهو الذي ابتدع النص في علي (12)، وابتدع أنه معصوم، فالرافضة الإمامية هم أتباع المرتدين وغلمان الملحدين، وورثه المنافقين، وإن لم يكونوا أعيان المرتدين الملحدين... " (13).(23/4)
وقال- رحمه الله تعالى-: ".. والرافضة من أجهل الناس بدين الإسلام، وليس للإسلام منهم شيء يختصون به، إلا ما يسر عدو الإسلام ويسوء وليه، فأيامهم في الإسلام كلها سود، وأعرف الناس بعيوبهم وممادحهم، أهل السنة"(14).
وقال: "... ولو ذكرت بعض ما عرفته منهم بالمباشرة ونقل الثقات، وما رأيته في كتبهم، لاحتاج ذلك إلى كتاب كبير... " (15).
وقال:"...الرافضة ليس لهم سعي إلا في هدم الإسلام، ونقض عراه ، وإفساد قواعده.... "(16).
وقال- رحمه الله تعالى-: ".. والله يعلم أني مع كثرة بحثي وتطلعي إلى معرفة أقوال الناس ومذاهبهم، ما علمت رجلا له في الأمة لسان صدق، يتهم بمذهب الإمامية، فضلا عن أن يقال: إنه يعتقده في الباطن..."(17).
أخي المسلم:
إني أرجو أن لا أطيل الكلام كثيرا، وأسأل الله أن ينفع بما ذكرت وما سأذكر ، ولذا فسأقتصر على بعض العقائد عندهم، والعاقل خصيم نفسه، والحق أبلج، والهداية من رب العالمين.
هذه الحقائق أرويها وأسردها وأسأل الله عونا كي أجليها وأكشف الستر عن شر يراد بنا فافهم هديت لما أوردته فيها
أخي المسلم:
نصرة للحق، وقياما ببعض الواجب، ونصحا للأمة وإيقاظا للنائمين، وتنبيها للغافلين، كتبت هذه المذكرة، وسطر القلم هذه الكلمات، التي أسأل الله جل وعلا أن ينفع بها، وأن يجعلها في ميزان الحسنات، فاللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى أله وصحبه وسلم.
---
(1) مقدمة مختصر منهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية/ اختصره الشيخ عبد الله الغنيمان.
(2) انظر على سبيل المثال كتاب أحوال أهل السنة في إيران/ لعبد الله بن محمد الغريب/ في سلسلة وجاء دور المجوس، وكتاب أحوال أهل السنة في إيران/ لعبد الحق الأصفهاني.
(3) كتاب الشيعة وأهل البيت/إحسان إلهي ظهير/ ص 206.
(4) أي الرافضة.
(5) مختصر منهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية/ ص 12/ الجزء الأول.(23/5)
(6) نفس المصدر السابق ونفس الصفحة.
(7) نفس المصدر السابق/ ص 560/ الجزء الثاني.
(8) في نونيته وهي مطبوعة.
(9) مختصر منهاج السنة/ ص 26/ الجزء الأول.
(10) نفس المصدر السابق/ ص 394/ الجزء الأول.
(11) نفس المصدر السابق / ص 394/ الجزء الأول.
(12) أي في ولاية علي وكونه الإمام والخليفة بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
(13) مختصر منهاج السنة/ ص ا 70/ الجزء الثاني
(14)المصدر السابق/ ص781- 782/ الجزء الثاني.
(15) المصدر السابق/ ص 782/ الجزء الثاني.
(16) المصدر السابق/ ص 781/ الجزء الثاني.
(17) المصدر السابق/ ص ه 20/ الجزء الأول.
---
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه.. وبعد...
أخي المسلم:
إن من عقائد الرافضة، ما يسمونه بالتقية، وهي الكذب والنفاق، بمعنى أنهم يكذبون وينافقون ويمكرون ويخادعون، ويسمون فعلهم هذا بالتقية، ويجعلونه من أصول دينهم، لذا فإن مما يجدر الاهتمام به، والالتفات إليه، والتفطن له، أن الرافضة يتميزون عن غيرهم من الفرق الضالة بميزة الكذب والنفاق وشهادة الزور، فالرافضة يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم، ويظهرون خلاف ما يبطنون، وأنت يا عبد الله.. لو بحثت وتقصيت فلن تجد على هذه الأرض طائفة أو فئة، تعطي الكذب قداسة، وتعظمه وتعلي قدره، وتجعله دينا غير طائفة الرافضة، فهم أكذب الناس، ورأس مال الرافضي التقية- الكذب-.
جاء في كتاب الاعتقادات لابن بابويه القمي وهو من رؤوس الرافضة: "... التقية واجبة لا يجوز رفعها إلى أن يقوم القائم، ومن تركها قبل خروجه فقد خرج عن دين الإمامية، وخالف الله ورسوله والأئمة" (1).
وجاء في كتاب أصول الكافي للكيني وهو من رؤوس الرافضة: ".. عن أبي عمر الأعجمي قال: قال لي أبو عبد الله- عليه السلام-: يا أبا عمر إن تسعة أعشار الدين في التقية، ولا دين لمن لا تقية له..."(2).(23/6)
ويوجد في كتاب أصول الكافي للكليني الرافضي، باب مستقل عن التقية (3)، فالتقية عندهم لها فضل عظيم، ومقام عالي رفيع، ونستفيد من النص السابق في فضل التقية عندهم، أن الرافضي الملتزم بالمذهب، لابد أن يكون مكثرا من الكذب، طبعا على أهل السنة على وجه الخصوص، فإذا حدثك الرافضي بعشر كلمات، فينبغي أن تكون تسعة منها مكذوبة على الأقل، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله-: ".. وقد اتفق أهل العلم بالنقل والرواية والإسناد على أن الرافضة أكذب الطوائف، والكذب فيهم قديم، ولهذا كان أئمة الإسلام يعلمون امتيازهم بكثرة الكذب..." (4) ...، وسئل الإمام مالك- رحمه الله- عن الرافضة فقال: "لا تكلمهم ولا ترو عنهم، فإنهم يكذبون " (5).
وقال الإمام الشافعي- رحمه الله-:"لم أر أحدا أشهد بالزور من الرافضة" (6)، وقال الأعمش- رحمه الله-: "أدركت الناس وما يسمونهم إلا الكذابين" (7).
ولله در القائل:
إن الروافض قوم لا خلاق لهم ... من أجهل الناس في علم وأكذبه(8)
____________________________
(1) كتاب بين الشيعة وأهل السنة/ إحسان إلهي ظهير/ ص196.
(2) كتاب تعريف بمذهب الشيعة الإمامية/ د. محمد أحمد التركماني/ص 94 وكتاب حقيقة الخلاف بن علماء الشيعة وجمهور علماء المسلمين/ الندوة العالمية
للشباب الإسلامي/ص 26.
(3) كتاب الثورة الإيرانية في ميزان الإسلام/ محمد منظور نعماني/ ص177.
(4)، (5) مختصر منهاج السنة/ لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله/ ص 25.
(6)،(7) مختصر منهاج السنة/ لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله/ ص 25.
(8) وجاء دور المجوس/ عبد الله محمد الغريب/ الجزء الأول/ ص 148.
---
أخي المسلم:(23/7)
وإن من عقائد الرافضة، أن كتاب الله جل وعلا قد حرف وغير، وهذه هي حقيقة عقيدة القوم في كتاب الله، وقد لا يصدق بعض أهل السنة هذه الحقيقة، يقول أحد رؤوس الرافضة وهو نعمة الله الجزائري: "إن الأخبار الدالة على هذا-أي التحريف في القرآن- تزيد على ألفي حديث ..."(1) ، ويقول أيضا: "إن الأصحاب قد أطبقوا على صحة الأخبار المستفيضة، بل المتواترة، الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن " (2)، وقال رافضي آخر وهو هاشم البحراني في مقدمة تفسيره (البرهان): "وعندي يقين من وضوح صحة هذا القول- بتحريف القرآن وتغييره- بعد تتبع الأخبار ، وتفحص الآثار بحيث يمكن الحكم بكونه من ضروريات مذهب التشيع" (3)، وقال أيضا: "اعلم أن الحق الذي لامحيص عنه بحسب الأخبار المتواتر الآتية وغيرها أن هذا القرآن الذي في أيدينا قد وقع فيه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء من التغييرات، وأسقط الذين جمعوه كثيرا من الكلمات والآيات، وأن هذا القرآن المحفوظ عما ذكر الموافق لما أنزله الله تعالى: ما جمعه إلا علي عليه السلام، حفظه إلى أن وصل إلى ابنه الحسن عليه السلام وهكذا إلى أن انتهى إلى القائم عليه السلام، وهو اليوم عنده صلوات الله عليه" (4) ، بل لقد ألف أحد رؤوس الضلالة عندهم ويدعى النوري الطبرسي، كتابا أسماه (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب) حشد فيه مئات الروايات الملفقة والمكذوبة التي يستدل بها على زعمه وباطله.
ومن رواياتهم الكاذبة:
ما جاء في كتاب الكافي لأحد الرافضة المضلين وهو الكليني: "ما ادعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كله كما أنزل إلا كذاب، وما جمعه وحفظه كما أنزله الله تعالى إلا علي بن أبي طالب عليه السلام والأئمة من بعده عليهم السلام" (5).(23/8)
وفيه أيضا: "عن أبي بصير قال: دخلت على أبي عبد الله.. إلى أن قال أبو عبد الله..أي جعفر..: وإن عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام.. قال: قلت "وما مصحف فاطمة..؟ قال فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات... والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد" (6).
أخي المسلم: يقول الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله-: "ومن اعتقد عدم صحة حفظه- أي القرآن- من الإسقاط، واعتقد ما ليس منه أنه منه فقد كفر" (7). وقد يقول قائل: ربما تكون هذه العقيدة في القرآن الكريم، عند بعض الشيعة فقط، وجوابا على هذا يقال: نعم وجد منهم من ينكر هذه العقيدة، ولكنهم قلة، فلم ينكرها من علمائهم المتقدمين سوى أربعة لا خامس لهم، ذكر ذلك صاحب، فصل الخطاب..." (8)، يقول إحسان إلهي ظهير- رحمه الله-: ".. ولم ينكر هذه العقيدة، من أنكر منهم إلا مداراة للمسلمين وتقية وخداعا لأهل السنة، وسدا لباب المطاعن..."(9).
يقول أحد رؤوس الرافضة ويدعى أحمد سلطان: "إن علماء الشيعة الذين أنكروا التحريف في القرآن لا يحمل إنكارهم إلا على التقية.."(10).
هذا وإن مما يدل على أن الرافضة يعتقدون بتحريف القرآن، أنهم مجمعون على خيانة الصحابة، وبشكل أخص أبو بكر وعمر وعثمان- رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين- والذي يتبادر إلى الذهن هنا، هو كيف نظن أنهم يعتقدون بصحة القرآن وسلامته وعدم تحريفه، علما بأن الذين قاموا بجمعه هم في عقيدة الرافضة خونة.
ثم إن مما يدل أيضا على أنهم يعتقدون بالتحريف والتغيير في القرآن الكريم، أنهم في أدعيتهم بعد لعنهم أبي بكر وعمر وابنتيهما وأتباعهما، يقولون "اللهم العنهم بعدد كل آية حرفوها"(11) ويقولون "وقلبا دينك وحرفا كتابك" (12) وقد وافق على هذا الدعاء، وارتضى صيغته، وصادق على ما فيه، ووثقه مجموعة من رؤوس الرافضة الضالين المضلين، منهم:
ا- آية الله العظمى: محسن حكيم طبطبائي.
2- آية الله العظمى: أبو القاسم الخوئي.(23/9)
3- آية الله العظمى: روح الله الخميني.
4- آية الله العظمى: محمود الحسيني الشابرودي.
5- آية الله العظمى: محمد كاظم شر يعتمداري.
6- مصدقة عالي جناب سيد العلماء علامة سيد علي نقي النقوي مجتهد لكنهو.
ودعائهم هذا لا يستطيع إنكاره أحد، لأنه مطبوع ومتداول، والإطلاع عليه سهل ميسور.
____________________________
(1) كتاب الشيعة والقرآن/ إحسان إلهي ظهير/ ص92.
(2) كاب الشيعة وتحريف القرآن/ محمد مال الله/ ص57.
(3) كتاب بين الشيعة وأهل السنة/ إحسان إلهي ظهير/ص97.
(4) المصدر السابق/ ص108.
(5) كتاب حقيقة الخلاف بين الشيعة وجمهور علماء السنة/الندوة العالمية للشباب الإسلامي/ ص8.
(6) كتاب الشيعة في التصور الإسلامي/ علي عمر فريج/ ص27.
(7) رسالة في الرد على الرافضة/ الشيخ محمد بن عبد الوهاب/ ص 15.
(8) كتاب الثورة الإيرانية في ميزان الإسلام/ محمد منظور نعماني/ ص197.
(9) كتاب بين الشيعة وأهل السنة/ إحسان إلهي ظهير/ص98.
(10) المصدر السابق/ ص102- 103.
(11)، (12) كتاب الخطوط العريضة/ محب الدين الخطيب/ ص47.
---
أخي المسلم:
وقد ترد على الإنسان خاطرة، وينقدح في ذهنه سؤال، فحواه.. إننا نراهم يقرءون هذا القرآن ويتلونه، فكيف يفعلون ذلك مع اعتقادهم بتحريفه وتغييره، ويجيب على هذا رافضي مضل، هو نعمة الله الجزائري في كتابه الأنوار النعمانية، يقول: ".. فإن قلت: كيف جازت القراءة في هذا القرآن مع ما لحقه من التغيير؟
قلت: قد روي في الأخبار أنهم- أي الأئمة- عليهم السلام، قد أمروا شيعتهم بقراءتهم هذا القرآن الموجود بأيدي الناس، في الصلاة وغيرها، والعمل بأحكامه، حتى يظهر مولانا صاحب الزمان، فيرتفع هذا القرآن من أيدي الناس إلى السماء، ويخرج القرآن الذي ألفه أمير المؤمنين عليه السلام فيقرأ ويعمل بأحكامه.. والأخبار الواردة في هذا المضمون كثيرة جدا" (1).
فيا عبد الله اقرأ وتمعن وتدبر وافهم.
____________________________(23/10)
(1) كتاب بين الشيعة وأهل السنة/ إحسان إلهي ظهير/ ص107- 108.
---
أخي المسلم:
وأن من عقائد الرافضة، سب الصحابة وتكفيرهم كافة "فكتب الشيعة تكفر عامة الصحابة كافة، لم ينج من التكفير سوى عدد قليل منهم لا تزيد عدتهم على سبعة" (1).
"روى الكشي وهو من رؤوس الرافضة عن جعفر أنه قال: "لما مات النبي صلى الله عليه وسلم ارتد الصحابة كلهم إلا أربعة، المقداد، وحذيفة، وسلمان، وأبوذر- رضي الله عنهم- فقيل له : كيف حال عمار بن ياسر، قال: حاص حيصة ثم رجع" (2).
"وروى رافضي آخر هو الكليني عن ابن جعفر عليه السلام: كان الناس أهل ردة بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة، فقلت: من الثلاثة؟ فقال المقداد بن الأسود، وأبوذر الغفاري، وسلمان الفارسي" (3).
"وفي كتب الشيعة عن الباقر والصادق (4): ثلاثة لا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، من ادعى إمامة ليست له، من جحد إماما من عند الله، من زعم أن أبا بكر وعمر لهما نصيب في الإسلام " (5).(23/11)
"ورووا كذبا أن عليا بعدما جمع القرآن عرضه على المهاجرين والأنصار، فلما فتحه أبو بكر خرج في أول صفحة فتحها فضائح القوم، فردوه إلى علي وقالوا: لا حاجة لنا به... " (6)، وأنت يا عبد الله إذا دققت النظر لن تجد كتابا من كتبهم إلا وفيه السب والشتم والطعن في الصحابة- رضي الله عنهم أجمعين- يقول من زار بلاد الرافضة: ".. وأول شيء سمعته، وأكره شيء أنكرته في بلاد الشيعة، هو لعن الصديق والفاروق وأمهات المؤمنين: السيدة عائشة والسيدة حفصة، ولعن العصر الأول كافة، في كل خطبة وفي كل حفلة ومجلس، في البدء والنهاية، وفي ديابيج الكتب والرسائل، وفي أدعية الزيارات كلها، حتى في الأسقية، ما كان يسقي ساق إلا ويلعن، وما كان يشرب شارب إلا ويلعن، وأول كل حركة وكل عمل، هو الصلاة على محمد وآل محمد، واللعن على الصديق والفاروق وعثمان الذين غصبوا حق أهل البيت وظلموهم- بزعمهم الكاذب-،... وهو عندهم أعرف معروف، يلتذ به الخطيب، ويفرح عنده السامع، وترتاح له الجماعة، و لا ترى في مجلس أثر ارتياح إلا إذا أخذ الخطيب فيه، كأن الجماعة لا تسمع إلا إياه، ولا تفهم غيره" (7)، وللعن الصحابة عندهم أجور عظيمة وكبيرة.
"ففي مفاتيح ملا صالح عن السجاد- عليه السلام-، من قال: (اللهم العن الجبت والطاغوت) (8) كل غداة مرة واحدة، كتب الله له سبعين ألف حسنة، ومحي عنه سبعين ألف سيئة، ورفع له سبعين ألف درجة، وعن حمزة النيشابوري أنه قال: ذكرت ذلك لأبي جعفر الباقر- عليه السلام- فقال: ويقضي له سبعون ألف ألف حاجة، إن الله واسع كريم، فلما مضى أبو جعفر- عليه السلام- قلت لأبي عبد الله- عليه السلام- سمعت جدك وأباك كذا، قال- عليه السلام- أيسرك أن أزيدك، فقلت: إي والله جعلت فداك، فقال: كل من لعنهما كل غداة مرة واحد-، لم يكتب عليه ذنب ذلك اليوم حتى يمسي، ومن لعنهما في المساء لم يكتب عليه ذنب حتى يصبح "(9).
أخي المسلم:(23/12)
"كتب أحد رؤوس الرافضة الضالين المضلين ويدعى العاملي في كتابه الصراط المستقيم- عامله الله بما يستحق- كتب يقول: "إن قول الله تعالى (أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم)، يقول: إنها نزلت في أبي بكر وعمر وعثمان (10) - رضي الله عنهم-، وكتب في أبي بكر- رضي الله عنه- على لسان رافضي مثله يقول:
قالوا أبو بكر خليفة أحمد ... كذبوا عليه ومنزل القرآن
ماكان تيمي له بخليفة ... بل كان ذاك خليفة الشيطان (11)
وكتب في أبي بكر وعمر- رضي الله عنهما- يقول:
وكل ما كان من جور ومن فتن ففي رقابهما في النار طوقان (12)
وكتب عليه من الله ما يستحق يقول:"ما كان لعثمان اسم على أفواه الناس إلا الكافر" (13).(23/13)
وكتب الرافضي الكبير ويدعى المجلسي في كتابه "حق اليقين"، باب في بيان كفر أبي بكر وعمر، وكتب تحت هذا الباب "ومن المعلوم أن حضرة فاطمة وحضرة الأمير عليهما السلام، كانا يعدان أبا بكر وعمر منافقين، ظالمين، غاصبين، كما كانا يعدانهما كاذبين، ومدعين خلاف الحق، وعاقين للإمام " (14)، وكتب الرافضي الأردبيلي، كتابا أسماه حديقة الشيعة، خصص قسما منه للطعن واللعن والتفسيق والتكفير لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك، أنه كتب تحت باب مطاعن الخلفاء الثلاثة يقول: "إن الخلفاء الثلاثة تخلفوا عن جيش أسامة، وخالفوا أمر النبي في متابعته فكفروا، فاستحقوا بكفرهم اللعن " (15)، وكتب تحت عنوان "مطاعن عمر خاصة" يقول: "إن لعمر مطاعن لا تنحصر في التقرير ولا التحرير" (16) وكتب تحت عنوان "مطاعن عثمان خاصة" يقول: "إن عثمان كان على الباطل ملعونا" (17)، وكتب الرافضي الضال المضل المجلسي، في كتابه حق اليقين يقول: "والدليل على أن عثمان كان يعده أمير المؤمنين كافرا، أن تركه ونعشه يأكله الكلاب، وقد ذهبت بإحدى رجليه، وبقي جسده ثلاثة أيام مرميا كالكلاب في المزبلة تأكله الكلاب، ولم يصلي علي عليه" (18) نستغفر الله ونتوب إليه من هذه الكلمات الفاجرة القبيحة الآثمة، وإن قوما يعدون هذا وأمثاله علماء لهم وقدوات لقوم خاسرون، وأيضا قالوا في كتاب لهم اسمه الزهراء:"أن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- كان مبتلى بداء لا يشفيه إلا ماء الرجال " (19).(23/14)
وكذلك يا عبد الله، فإن الرافضة عليهم من الله ما يستحقون قد وجهوا الشتائم واللعنات إلى عائشة وحفصة- أمهات المؤمنين رضي الله عنهن- ولأجل عدم الإطالة نقتصر على ما سبق ذكره من رواياتهم، وأود أن أنبه إلى أن للرافضة أدعية يتواصون بها فيما بينهم، تحتوي على لعن الصحابة، وسائر الأمة، من ذلك ما أقرها عدد من رؤوس الضلالة فيهم- كما ورد في صفحة سابقة- فيقولون في بعض أدعيتهم: ".. اللهم العن صنمي قريش، وجبتيهما وطاغوتيهما وإفكيهما، وابنتيهما، اللذين خالفا أمرك، وأنكرا وحيك، وعصيا رسولك، وقلبا دينك، وحرفا كتابك،..." (20)، وقد وضع الرافضة أجورا عظيمة لمن يلتزم بأدعيتهم، ويسب ويشتم ويلعن، وعلى هذا فما على الرافضي إذا أراد الفردوس الأعلى، إلا أن يستغرق في لعن خير هذه الأمة بعد نبيها، وكذا يلعن سائر أهل السنة، وفي الحقيقة هذا هو دينهم، دين الكذب واللعن، والسب والشتم، (لكم دينكم ولي دين)، (أولئك حزب الشيطان، ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون).
____________________________
(1) الوشيعة في نقد عقائد الشيعة/ موسى جار الله/ ص 102.
(2) رسالة في الرد على الرافضة/ للشيخ محمد بن عبد الوهاب/ ص 12- 13.
(3) بطلان عقائد الشيعة/ محمد عبد الستار التونسوي/ ص60.
(4) ارجع إلى كتاب البداية والنهاية لابن كثير- رحمه الله- وذلك في أثناء كلامه عن سيرة أبو جعفر الباقر - رحمه الله- بعد قوله "ودخلت سنة خمس عشرة ومائة" لتعلم أن الباقر وابنه جعفر- رحمهما الله- بريئان مما تنسبه بهم طائفة الرافضة.
(5) الوشيعة في نقد عقائد الشيعة/ موسى جار الله/ ص 102.
(6) بطلان عقائد الشيعة/ محمد عبد الستار التونسوي/ ص 32.
(7) الوشيعة في نقد عقائد الشيعة/ موسى جار الله/ ص27.
(8) يقصدون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما.
(9) ضياء الصالحين/ محمد صالح الجوهرجي/ وهو رافضي/ ص 532- 533/ تحت عنوان، "فيما يقال عند النوم".(23/15)
(10) الشيعة وأهل البيت/ إحسان إلهي ظهير/ص193.
(11) المصدر السابق /ص 192.
(12) الشيعة وأهل البيت/ ص 193.
(13) المصدر السابق/ ص 193.
(14) المصدر السابق/ ص 199.
(15) المصدر السابق/ ص197.
(16) المصدر السابق/ ص197.
(17) المصدر السابق/ ص197.
(18) المصدر السابق/ ص 204.
(19) الخطوط العريضة/ تقديم وتعليق/ محمد مال الله/ص18.
(20) الشيعة في التصور الإسلامي/ علي عمر فرج /ص71.
---
أخي المسلم:
وإن من عقائد الرافضة، تكفير أهل السنة ومعاداتهم وبغضهم، واستباحة دمائهم وأموالهم، "فلقد صرحت كتب الشيعة أن دم الناصب وماله حلال".. والناصب على حسب بيان كتب الشيعة، من يقدم أبو بكر وعمر على علي أو يعتقد إمامتهما (1).
وفي كتاب السنة له- للإمام أحمد بن حنبل- ورسالة الاصطخري عنه قال:".. وأما الرافضة: فإنهم يسمون أهل السنة ناصبة. (وكذبت الرافضة بل هم أولى بهذا، لانتصابهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسب والشتم، وقالوا فيهم بغير الحق، ونسبوهم إلى غير العدل، كفرا وظلما وجرأة على الله عز وجل، واستخفافا بحق الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهم أولى بالتعبير والانتقام منهم، وهم فيما يزعمون ينتحلون حب آل محمد صلى الله عليه وسلم ، وكذبوا ، بل هم المبغضون لآل محمد صلى الله عليه وسلم ، دون الناس، إنما الشيعة لآل محمد المتقون، أهل السنة والأثر، من كانوا وحيث كانوا، الذين يحبون آل محمد صلى الله عليه وسلم ، وجميع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، ولا يذكرون أحدا منهم بسوء، ولا عيب ولا منقصة، فمن ذكر أحدا من أصحاب محمد عليه السلام بسوء، أو طعن عليهم، أو تبرأ من أحد منهم، أو سبهم، أو عرض بعيبهم، فهو رافضي خبيث مخبث)..."(2).(23/16)
"وقد نقل في مستطرفات السرائر من مكاتبات محمد بن علي بن عيسى أبا الحسن الثالث- عليه السلام- قال: كتبت إليه أسأله عن الناصب هل أحتاج في امتحانه إلى أكثر من تقديمه الجبت والطاغوت، واعتقاده بإمامتهما؟ فرجع الجواب: من كان على هذا فهو ناصب" (3)، "وحكم الناصب- أي عند الرافضة- عندهم أنه كافر نجس، وأنه شر من اليهودي والنصراني والمجوسي"(4)، يقول ابن القيم- رحمه الله- (5):
وكذاك أعداء الرسول وصحبه وهم الروافض أخبث الحيوان
نصبوا العداوة للصحابة ثم سمّوا بالنواصب شيعة الرحمن ويقول ابن تيمية- رحمه الله- (6):
إن كان نصبا حب صحب محمد ... فليشهد الثقلان أني ناصبي
فإذا عرفت يا عبد الله أنهم يقصدون بالناصبي، من كان من أهل السنة، وما دام هذا اسم السني وحكمه عندهم، فاعلم وقد علمت، أنهم قد أحلوا دمه وماله وكل ما يملكه، يقول الخميني الرافضي الهالك في كتابه تحرير الوسيلة: "والأقوى إلحاق الناصب بأهل الحرب، في إباحة ما اغتنم منهم، وتعلق الخمس به، بل الظاهر جواز أخذ ماله أينما وجد، وبأي نحو كان، ووجوب إخراج خمسه" (7)، "والرافضي إذا استطاع بطريقة ما، الاستيلاء على أموال السني، ولو قبل قيام قائمهم، فإن ذلك حلال على شرط أداء الخمس إلى نائب الإمام، لأنه يقوم مقامه في غيبته، عن حفص البختري، عن أبي عبد الله- عليه السلام- قال: خذ مال الناصب حيثما وجدته وادفع إلينا بالخمس، وفي رواية أخرى، مال الناصب وكل شيء يملكه حلال، (8).(23/17)
وفي كتاب علل الشرائع للرافضي ابن بابويه "عن داود بن فرقد قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام-: ما تقول في قتل الناصب؟ قال: حلال الدم، ولكني اتقي عليك فإن قدرت أن تقلب عليه حائطا أو تغرقه في ماء لكي لا يشهد به عليك فافعل"(9)، وقال آخر مجيبا لمن سأله، وناصحا له، "أشفق إن قتلته ظاهرا أن تسأل لم قتلته؟ ولا تجد السبيل إلى تثبيت حجة، ولا يمكنك إدلاء الحجة، فتدفع ذلك عن نفسك، فيسفك دم مؤمن من أوليائنا بدم كافر، وعليكم بالاغتيال"(10) فيا أيها السني، أعطاك الله عقلا ففكر، واحذر من الاغتيال، فلقد ذكر في كتاب رجال الكشي للرافضة، أن رافضيا رفع تقريرا إلى أحد رؤوس الرافضة يخبره أنه تمكن وحتى ذلك الوقت، من قتل ثلاثة عشر مسلما لا ذنب لهم إلا أنهم من أهل السنة، ويعتز هذا الرافضي ويفتخر، ويصف كيف استطاع أن يقضي عليهم فيقول: ".. منهم من كنت أصعد سطحه بسلم حتى أقتله، ومنهم من دعوته بالليل على بابه فإذا خرج علي قتلته " (11) وبناء على ما تقدم ذكره فخذوا حذركم، ثم خذوا حذركم، ثم خذوا حذركم.
____________________________
(1) الوشيعة في نقد عقائد الشيعة/ موسى جار الله/ ص 105.
(2) المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد بن حنبل في العقيدة/ جمع عبد الإله الأحمدي/ ص361/ الجزء الثاني.
(3) موقف الشيعة من أهل السنة/ محمد مال الله/ ص26.
(4) المصدر السابق/ ص 22.
(5)، (6) شرح القصيدة النونية- لابن القيم- شرحها محمد خيل هراس/ الجزء الأول /ص 404-405
(7) وجاء دور المجوس/ عبد الله محمد الغريب/الجزء الأول/ ص 186.
(8) موقف الشيعة من أهل السنة/ محمد مال الله/ ص41.
(9)، (10)، (11) بروتوكولات آيات قم / عبد الله الغفاري/ ص86- 87.
---
أخي المسلم:(23/18)
إن الرافضة تعتبر جميع الحكومات التي قامت من عهد الصديق - رضي الله عنه- ، حتى عصرنا الحاضر، عدا فترة حكم علي- رضي الله عنه، تعدها حكومات باطلة، لأنها بزعمهم اغتصبت الأمر، وحالت دون تولي الأئمة المعصومين - بزعمهم- ونوابهم زمام الحكم، فكل حكم عدا حكم الرافضة فهو عندهم حكم الطاغوت، و"حكومات الدول الإسلامية وقضاتها وكل علمائها عند الشيعة طواغيت، ومن تحاكم إلى الطاغوت وحكم له الطاغوت، فإن أخذه فإنما يأخذه سحتا، وإن كان حقه في الواقع ثابتا له، لأنه يأخذه بحكم الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به، ويحرم على الشيعة أن تتحاكم إلى الطاغوت، وكل راية ترفع قبل قيام القائم، فصاحبها طاغوت يعبد من دون الله" (1).
ويقول الخميني الرافضي: "والآن لننظر ماذا تقوله هذه- الرواية- المقبولة وما المقصود منها،.. عن عمر بن حنظلة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة، أيحل ذلك؟ قال: من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت، وما يحكم له فإنما يأخذه سحتا وإن كان حقا ثابتا له، لأنه أخذه بحكم الطاغوت، وما أمر الله أن يكفر به، قال الله تعالى: (يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به)، قلت: كيف يصنعان؟ قال: ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا.. فليرضوا به حكما ، فإني قد جعلته عليكم حاكما... " (2).
ويقول الخميني الرافضي: "... متناسين بأننا نعرف بأنهم إنما يسيرون وراء وحوش نجد، وحداة البعران في الرياض، ممن يعدون من أسوأ المخلوقات البشرية.. " (3)، ويقول: ".. لذا فإنهم اضطروا إلى التقليد الأعمى للوهابيين، الذين هم مجموعة من رعاة الإبل المجردين من أي علم ومدنية.. " (4).
____________________________
(1) الحكومة الإسلامية/ للخميني الرافضي/ ص77.(23/19)
(2)، (3) كشف الأسرار/ للخميني الرافضي/ ص20.
(4) الوشيعة في نقد عقائد الشيعة/ موسى جار الله/ ص 105.
---
فانظر يا عبد الله إلى وصفهم لكل حكم غير حكمهم بأنه حكم طاغوتي غير شرعي، وانظر إلى شدة حقدهم وبغضهم لأهل السنة، وقد يقول قائل: إننا نرى الرافضة، يعيشون معنا وبيننا، ويشاركوننا في بعض الأعمال، وقد يتقلدون مناصب عالية، وكذا يدرسون في مدارسنا، بل وبعضهم يدرسوننا، ونحن لا نرى منهم بغضا ظاهرا جليا واضحا لنا أو لحكوماتنا؟ والجواب عن ذلك أن يقال: قد سبق ذكر بعض نصوصهم في بغض أهل السنة وعداوتهم، أضف إلى ذلك أمرا مهما، ألا وهو أن الرافضة يصرحون بأنه إذا كانت الغاية والهدف من الدخول في تلك الحكومات، إعمال معاول الهدم والتخريب فيها ، ومساعدة أعداء الإسلام في النيل منها، فهذا ليس جائزا عندهم فحسب، بل ويترتب عليه الأجر والثواب، ومما يوضح ذلك ويبينه، قول الخميني الرافضي الهالك: "... ويشعر الناس بالخسارة أيضا بفقدان نصير الدين الطوسي، والعلامة، وأضرابهم، ممن قدم خدمات جليلة للإسلام " (1).
يقول ابن القيم الجوزية- رحمه الله-: "نصير الشرك والكفر، والملحد وزير الملاحدة النصير الطوسي، وزير هولاكو، شفى نفسه من أتباع الرسول وأهل دينه، فعرضهم على السيف..." (2)، وأيضا ".. قصة ابن العلقمي الرافضي، الذي استوزره المستعصم أربع عشرة سنة، مشهورة معروفة، فلقد كان هذا الرافضي من أهم أسباب سقوط دولة الخلافة في بغداد، واستيلاء التتار عليها كما هو معلوم من كتب التاريخ، وقد أثنى الروافض علي صنيعه هذا، وعدوه من أعظم مناقبه"(3) ، ولا تنس أخي أن الطوسي وابن العلقمي مجرمين مسئولين عن قتل الآلاف المؤلفة من أهل السنة.
____________________________
(1) الحكومة الإسلامية/ للخميني الرافضي/ ص108.
(2) إغاثة اللهفان/ ابن قيم الجوزية/ الجزء الثاني/ ص287.
(3) بروتوكولات آيات قم/ د.عبد الله الغفاري/ ص97.
---
أخي المسلم:(23/20)
إن الرافضة ".. حين يعيشون في دول سنية، أو دول لا تدين بمعتقدهم، يتجه جهدهم إلى العمل والتخطيط للتمكين لمذهبهم وبني جنسهم، وإلحاق الضرر بغيرهم، ومن يقرأ ما فعله ابن يقطين- الرافضي- بالمساجين المساكين، ويرى محاولات الروافض الدائبة في التسلل إلى أجهزة الأمن، من مخابرات وشرطة ومباحث، وكذلك التغلغل في جيوش الدول الإسلامية، يعرف أن هدفهم من ذلك ليس خدمة الدولة ولا الدفاع عنها ضد أعدائها، ولكن استغلال هذه الأجهزة في العدوان على المسلمين ونصرة الرافضة ومذهبهم كلما لاحت لهم الفرصة...، (1)، والرافضة ".. في سبيل الوصول لأغراضهم، قد يدخلون في الجهات الأمنية في الدولة الإسلامية، ليتمكنوا بواسطة ذلك من التسلط على عباد الله الصالحين، وإلحاق الضرر والأذى بمخالفيهم، ولذا فإن شيخهم وآيتهم- ضالهم ومضلهم- نعمة الله الجزائري، يذكر أن أحد أفرادهم وصل إلى منصب وزارة في عهد هارون الرشيد، ويدعى علي بن يقطين، وقد أثنى- الرافضي- الخميني في كتابه "الحكومة الإسلامية" على هذا الرجل لدخوله الشكلي، كما يعبر في الدولة الإسلامية لنصرة الإسلام والمسلمين- يعني الرافضة ومذهبهم- " (2)، "ويقول الرافضي نعمة الله الجزائري في كتابه الأنوار النعمانية: إن علي بن يقطين، وهو وزير الرشيد قد اجتمع في حبسه جماعة من المخالفين- أي أهل السنة- فأمر غلمانه وهدموا أسقف المحبس على المحبوسين، فماتوا كلهم، وكانوا خمسمائة رجل تقريبا" (3) ، "فانظر كيف يعيشون في وسط المسلمين، ويتسمون باسم الإسلام، وهم يتحينون أدنى فرصة للقتل، وهذه اعترافاتهم تشهد بآثارهم السوداء " (4) ولا يخفى على أحد صنع الرافضة القرامطة، من قتلهم للحجيج، واقتلاعهم للحجر الأسود ، فقد "هجم القرمطي أبو طاهر عام 317 هـ على الحجاج يوم التروية في منى ، ونهب أموال الحجيج وقتل الحجاج حتى في المسجد الحرام، وفي البيت نفسه، ورمى القتلى في بئر زمزم حتى امتلأت بالجثث، وخلع باب(23/21)
الكعبة، ووقف يلعب بسيفه على بابها، وخلع الحجر الأسود وأخذه معه إلى بلده- هجر-.. " (5)، كما لا ننسى ما فعله بنو بويه لما تمكنوا وصارت لهم سلطة ونفوذ، هؤلاء الرافضة "يكفينا في وصف عهدهم البغيض قول الإمام الذهبي- رحمه الله-: "... وضاع أمر الإسلام بدولة بني بويه" (6).
لله ما فعل الروافض إنهم ... عون لكل مخرب هدام (7)
____________________
(1) بروتوكولات آيات قم/ د.عبد الله الغفاري/ ص97.
(2) المصدر السابق/ س 90.
(3) المصدر السابق/ ص91.
(4) المصدر السابق/ ص 93.
(5) القرامطة/ محمود شاكر / ص68.
(6) الخمينية وريثة الحركات الحاقدة والأفكار الفاسدة/ وليد الأعظمي/ ص 39.
(7) تبديد الظلام وتنبيه النيام إلى خطر التشيع على المسلمين والإسلام/ إبراهيم الجبهان/ ص 219.
---
أخي المسلم:
وفي عصرنا الحاضر، قامت للرافضة دولة، وصار لهم حكم وصوله، وأصبح لهم سلطة، وغدت لهم كلمة، وارتفعت لهم راية، فماذا كان، وماذا جرى، لقد نكلوا بأهل السنة أيما تنكيل، وأقاموا لهم المذابح والمجازر، وصب عليهم العذاب صبا، وكثر فيهم القتل، فلم تكن تمضي ليلة واحدة بغير إعدام، (1)، وقد امتلأت سجون إيران بأهل السنة، رجالا ونساءا، بل يا عبد الله، لقد وصل حقدهم البغيض، وإجرامهم الرهيب، إلى أن حراس ثورتهم الشيطانية الرافضية، كانوا يغتصبون البنت العذراء البكر قبل إعدامها، وليس لها ولمثيلاتها ذنب سوى أنهن من أهل السنة، ".. ومن أشد العذاب النفسي لإنسان لم تنطمس إنسانيته، أن يرى أخاه الإنسان... يقتل ظلما، أو يرى أختا يعتدى على عرضها، وتهتك حرمتها ثم تقتل مظلومة، وهو لا يملك أن يدافع عنه أو عنها..."(2).(23/22)
يقول أحدهم: "... وفجأة علت صرخات نساء من الزنازين المجاورة، فلم يملك الأخوة أنفسهم من البكاء، لأنهم لم يكونوا يستطيعون إنقاذ أولئك المسكينات من أيدي أولئك الذئاب المفترسة، فلما أصبحنا سألنا رجلا كان يأتينا بالطعام، وهو من النادمين، الذين تسميهم الحكومة بالتوابين، عن سبب الحادث، فتأوه ثم قال: لقد رأيت أسوأ من هذا بكثير، والسبب أن الشيعة يعتقدون أنه لا يجوز إعدام الأبكار، فإذا أريد أن تعدم بكر عقد عليها لأحد الحراس عقد متعة، وبعد الاعتداء عليها يعدمونها... " (3) فتيات كثر، يعتدى على أعراضهن، وتهتك حرماتهن، ثم يقتلن مظلومات، إنه والله حقد أعمى في قلوب سوداء.
باسم التشيع والولاء تغلغلت زمر اليهود وملة الأعجام لا تحسبوا أن الخداع وزوركم في هذه الأزمان والأيام ينسي رجال المسلمين فعالكم يا عصبة الأرجاس والآثام (4)
أخي المسلم:
"يقول رؤساء الحكومة- الرافضية- وزعماؤها: إن لم نستطع قلع جذور أهل السنة في إيران، فعلينا أن لا نسمح لهم أن يكونوا متمسكين بدينهم وعقيدتهم وقالوا: نحن اتخذنا برامج لنزيل أهل السنة من إيران في خلال خمسين سنة آتية" (5).
إن أهل السنة في إيران، مضطهدين ومضيق عليهم فهم ".. يعيشون مثل الأسرى، وفي مدينة طهران التي يسكنها سبعة ملايين نسمة، لا يوجد بها مسجد واحد لأهل السنة، بالرغم من وجود اثني عشر معبدا للنصارى، وأربعة لليهود، بخلاف معابد المجوس..."(6). فأين الحريصين على نصرة إخوانهم، وتتبع أحوالهم، وأين دعاة التقريب بين السنة وطائفة عن هذا الواقع المر الأليم..(23/23)
"وهذه طهران عاصمة إيران، يعيش فيها أكثر من ثلاثمائة ألف من أهل السنة، ولا يوجد لهم حتى الآن مسجد واحد.. " (7) ، هذا ولقد "... اهتمت إيران عبر كل حكامها بالرافضة في دول الخليج وغيره، فاعتبرت نفسها حامية لهم، مطالبة بحقوقهم، مدافعة عنهم، أما أهل السنة في إيران، فلم يسمعوا أحدا يتكلم باسمهم، وقد عجز حتى السفراء العرب عن إقامة مسجد لله في طهران، سواء في أيام الشاه الجديد الخميني- أو القديم- في حين يملك الرافضة في بلدان الخليج العربي مساجد عامرة زاخرة، ومآتم (حسينيات)، يدبرون فيها المؤامرات للكيد لأهل السنة، ويسبون فيها أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، دون حراك من أحد.. " (8).
أخي المسلم:
هذا قليل من كثير، ولكن اعلم أن الرافضة إذا كانوا ضعفاء أخلدوا إلي الأمن، وأظهروا المودة والمحبة لأهل السنة، فإذا قويت شوكتهم عاثوا فيهم قتلا
واضطهادا، واغتصابا وإجراما، وقلب صفحات التاريخ وانظر إلى الواقع، وسيتضح لك خذلانهم للمسلمين، وتآمرهم عليهم كلما حدثت لهم حادثه ووقعت لهم كارثة، وحلت بهم نائبة. فيا عبد الله:
أعرفت الآن معنى أن ترى حاقدا يلبس جلد الثعلب
وفي نهاية المطاف، أدعوك أخي إلى إمعان النظر، وإعمال الفكر ، فيما يقوله الرافضي الضال المضل المقدم عند قومه، وهو نعمة الله الجزائري، يقول في كتابه الأنوار النعمانية: "إننا لم نجتمع معهم- أي مع أهل السنة- على الله ولا على نبي، ولا على إمام، وذلك أنهم يقولون: إن ربهم هو الذي كان محمدا صلى الله عليه وسلم نبيه، وخليفته بعده أبو بكر، ونحن- أي الرافضة- لا نقول بهذا الرب، ولا بذلك النبي، إن الرب الذي خليفة نبيه أبو بكر ، ليس ربنا، ولا ذلك النبي نبينا" (9).
____________________________
(1) وجاء دور المجوس/ الجزء الثالث/ أحوال أهل السنة في إيران/ عبد الله الغريب/ ص 212.
(2) المصدر السابق/ ص 212.
(3) المصدر السابق/ ص 213.(23/24)
(4) تبديد الظلام/ الجبهان/ ص 221.
(5) أحوال أهل السنة في إيران/ عبد الحق الأصفهاني/ ص45-73.
(6)أحوال أهل السنة في إيران/عبد الله بن محمد الغريب ص201.
(7) أحوال أهل السنة في إيران/ عبد الحق الأصفهاني/ ص 69.
(8) المرجع السابق/ ص7.
(9) موقف الشيعة من أهل السنة/ محمد مال الله/ ص 29.
---
أخي المسلم:
وفي عصرنا الحاضر، قامت للرافضة دولة، وصار لهم حكم وصوله، وأصبح لهم سلطة، وغدت لهم كلمة، وارتفعت لهم راية، فماذا كان، وماذا جرى، لقد نكلوا بأهل السنة أيما تنكيل، وأقاموا لهم المذابح والمجازر، وصب عليهم العذاب صبا، وكثر فيهم القتل، فلم تكن تمضي ليلة واحدة بغير إعدام، (1)، وقد امتلأت سجون إيران بأهل السنة، رجالا ونساءا، بل يا عبد الله، لقد وصل حقدهم البغيض، وإجرامهم الرهيب، إلى أن حراس ثورتهم الشيطانية الرافضية، كانوا يغتصبون البنت العذراء البكر قبل إعدامها، وليس لها ولمثيلاتها ذنب سوى أنهن من أهل السنة، ".. ومن أشد العذاب النفسي لإنسان لم تنطمس إنسانيته، أن يرى أخاه الإنسان... يقتل ظلما، أو يرى أختا يعتدى على عرضها، وتهتك حرمتها ثم تقتل مظلومة، وهو لا يملك أن يدافع عنه أو عنها..."(2).
يقول أحدهم: "... وفجأة علت صرخات نساء من الزنازين المجاورة، فلم يملك الأخوة أنفسهم من البكاء، لأنهم لم يكونوا يستطيعون إنقاذ أولئك المسكينات من أيدي أولئك الذئاب المفترسة، فلما أصبحنا سألنا رجلا كان يأتينا بالطعام، وهو من النادمين، الذين تسميهم الحكومة بالتوابين، عن سبب الحادث، فتأوه ثم قال: لقد رأيت أسوأ من هذا بكثير، والسبب أن الشيعة يعتقدون أنه لا يجوز إعدام الأبكار، فإذا أريد أن تعدم بكر عقد عليها لأحد الحراس عقد متعة، وبعد الاعتداء عليها يعدمونها... " (3) فتيات كثر، يعتدى على أعراضهن، وتهتك حرماتهن، ثم يقتلن مظلومات، إنه والله حقد أعمى في قلوب سوداء.(23/25)
باسم التشيع والولاء تغلغلت زمر اليهود وملة الأعجام لا تحسبوا أن الخداع وزوركم في هذه الأزمان والأيام ينسي رجال المسلمين فعالكم يا عصبة الأرجاس والآثام (4)
أخي المسلم:
"يقول رؤساء الحكومة- الرافضية- وزعماؤها: إن لم نستطع قلع جذور أهل السنة في إيران، فعلينا أن لا نسمح لهم أن يكونوا متمسكين بدينهم وعقيدتهم وقالوا: نحن اتخذنا برامج لنزيل أهل السنة من إيران في خلال خمسين سنة آتية" (5).
إن أهل السنة في إيران، مضطهدين ومضيق عليهم فهم ".. يعيشون مثل الأسرى، وفي مدينة طهران التي يسكنها سبعة ملايين نسمة، لا يوجد بها مسجد واحد لأهل السنة، بالرغم من وجود اثني عشر معبدا للنصارى، وأربعة لليهود، بخلاف معابد المجوس..."(6). فأين الحريصين على نصرة إخوانهم، وتتبع أحوالهم، وأين دعاة التقريب بين السنة وطائفة عن هذا الواقع المر الأليم..
"وهذه طهران عاصمة إيران، يعيش فيها أكثر من ثلاثمائة ألف من أهل السنة، ولا يوجد لهم حتى الآن مسجد واحد.. " (7) ، هذا ولقد "... اهتمت إيران عبر كل حكامها بالرافضة في دول الخليج وغيره، فاعتبرت نفسها حامية لهم، مطالبة بحقوقهم، مدافعة عنهم، أما أهل السنة في إيران، فلم يسمعوا أحدا يتكلم باسمهم، وقد عجز حتى السفراء العرب عن إقامة مسجد لله في طهران، سواء في أيام الشاه الجديد الخميني- أو القديم- في حين يملك الرافضة في بلدان الخليج العربي مساجد عامرة زاخرة، ومآتم (حسينيات)، يدبرون فيها المؤامرات للكيد لأهل السنة، ويسبون فيها أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، دون حراك من أحد.. " (8).
أخي المسلم:
هذا قليل من كثير، ولكن اعلم أن الرافضة إذا كانوا ضعفاء أخلدوا إلي الأمن، وأظهروا المودة والمحبة لأهل السنة، فإذا قويت شوكتهم عاثوا فيهم قتلا(23/26)
واضطهادا، واغتصابا وإجراما، وقلب صفحات التاريخ وانظر إلى الواقع، وسيتضح لك خذلانهم للمسلمين، وتآمرهم عليهم كلما حدثت لهم حادثه ووقعت لهم كارثة، وحلت بهم نائبة. فيا عبد الله:
أعرفت الآن معنى أن ترى حاقدا يلبس جلد الثعلب
وفي نهاية المطاف، أدعوك أخي إلى إمعان النظر، وإعمال الفكر ، فيما يقوله الرافضي الضال المضل المقدم عند قومه، وهو نعمة الله الجزائري، يقول في كتابه الأنوار النعمانية: "إننا لم نجتمع معهم- أي مع أهل السنة- على الله ولا على نبي، ولا على إمام، وذلك أنهم يقولون: إن ربهم هو الذي كان محمدا صلى الله عليه وسلم نبيه، وخليفته بعده أبو بكر، ونحن- أي الرافضة- لا نقول بهذا الرب، ولا بذلك النبي، إن الرب الذي خليفة نبيه أبو بكر ، ليس ربنا، ولا ذلك النبي نبينا" (9).
فيا عبد الله، اعلم أن الرافضة أعداء دوما وأبدا لأهل السنة حيثما كانوا..
قال تعالى: (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد).
ختاما...
أخي المسلم:
أدعوك إلى البحث والتقصي، ومعرفة عقائد الرافضة أو بعضها.
وأسأل الله جل وعلا أن يهدينا صراطه المستقيم، وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، قال تعالى:"ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ".
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
____________________________
(1) وجاء دور المجوس/ الجزء الثالث/ أحوال أهل السنة في إيران/ عبد الله الغريب/ ص 212.
(2) المصدر السابق/ ص 212.
(3) المصدر السابق/ ص 213.
(4) تبديد الظلام/ الجبهان/ ص 221.
(5) أحوال أهل السنة في إيران/ عبد الحق الأصفهاني/ ص45-73.
(6)أحوال أهل السنة في إيران/عبد الله بن محمد الغريب ص201.
(7) أحوال أهل السنة في إيران/ عبد الحق الأصفهاني/ ص 69.(23/27)
(8) المرجع السابق/ ص7.
(9) موقف الشيعة من أهل السنة/ محمد مال الله/ ص 29.
---
رجوع(23/28)
الحجج السلفية في الرد على
آراء
ابن فرحان المالكي البدعية
رد على كتابه " قراءة في كتب العقائد "
تقديم
فضيلة الشيخ / عبد المحسن العبيكان
إعداد
عبد العزيز بن ريس الريس
مقدمة
فضيلة الشيخ/ عبد المحسن العبيكان
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الذي جعله الله رحمة للعالمين، وقدوة للمهتدين، وعلى آله وصحابته الغر الميامين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد
فقد اطلعت على الرسالة المسماة " الحجج السلفية في الرد على آراء ابن فرحان المالكي البدعية " والتي قام بتأليفها صاحب الفضيلة الأخ الشيخ عبد العزيز بن ريس آل ريس ولقد أجاد وأفاد، وبلغ الغاية في المراد، فنسأل الله الكريم لنا وله التوفيق والسداد، والإعانة من رب العباد، والسير على نهج خير هادٍ صلى الله عليه وسلم .
فلقد دحض شبه وأباطيل هذا الرجل المسمى ابن فرحان المالكي الذي أراد تمييع العقيدة السلفية، وتشويه سمعة رجال الملة الحنيفية، وما أبداه من آراء لا تعدو أن تكون سوى هدم لعقيدة التوحيد، ونيل من أئمة التقوى والدين القويم، وإني أنصح بقراءة هذه الرسالة، وعدم الالتفات إلى آراء ذلك المضلل، والله الهادي إلى سواء السبيل، وهو المستعان وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا به، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه .(24/1)
قاله الفقير إلى الله
عبد المحسن بن ناصر آل عبيكان
29 / 3 / 1423 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد :
فإن عقيدة أهل السنة والجماعة السلفيين عقيدة موروثة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فأهلها الجامعون للحق كله دون غيرهم؛ لأن سيماهم الاتباع والتحذير من الابتداع، فمعتقدهم هو معتقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه – رضي الله عنهم – وليس لهم رأس وإنما إمامهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف غيرهم من الطوائف، فإن رأس الجهمية جهم بن صفوان الذي أخذ معتقده عن الجعد بن درهم، ورأس المعتزلة واصل بن عطاء، ورأس الأشاعرة أبو الحسن الأشعري، ورأس الماتريدية أبو منصور الماتريدي وهكذا… ، وبقي أهل السنة السلفيون هكذا يتوارثون معتقدهم جيلاً بعد جيل، وأمة بعد أمة، مصداقاً لما ثبت في الصحيحين عن معاوية بن أبي سفيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس".(24/2)
وما إن يلبس ملبس الحق بالباطل، أو يعترض معترض على معتقدهم الأثري، إلا وتراهم لميدان المعركة متسابقين، ولكشف زيف الملبس مبدعين، ولرد اعتراضه بالنقل والعقل متقنين مذهلين، وهذا من نصرة الله وتأييده لهم، كما قال تعالى { إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ } ومن حفظه لدينه الحق قال { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } . وهم في هذا محتسبون متقربون، بل يعدونه أزكى أعمالهم عند مليكهم وأنفسها.
فلما امتنع قبائل من العرب عن دفع الزكاة، وتردد طائفة من الصحابة عن قتالهم؛ لكونهم يشهدون أن لا إله إلا الله، قام الصديق قومته، ورد ما اشتبه على أصحابه بنور الهدى وفرقان الوحي، وقاتل – مسدداً منصوراً - هؤلاء المرتدين حتى حفظ الله به الدين .
ولما قويت شوكة المعتزلة، وصاروا يأوون إلى ركن السلطان، وامتحنوا الناس على الكفر – وهو القول بأن القرآن مخلوق – تعذيباً وسجناً وقتلاً تدرع أئمة السنة بالصبر، ولبسوا لامة اليقين، وكان على رأسهم الإمام أحمد بن حنبل، فنصر الله به الدين، حتى صار يطلق على كل ذي معتقد سلفي حنبليٌّ، وعلى العقيدة السلفية عقيدةٌ حنبليةٌ، نسبة إلى هذا الإمام الصابر الذي نصر الله به السنة. وهكذا حال أهل السنة في كل عصر ومصر تجاه أهل البدعة، فأهل البدعة يهدمون ويفسدون، وأهل السنة يبنون ويصلحون، فلله درهم ما أصبرهم وأقواهم على كشف الشبه وردها، وأرحمهم وأنفعهم للخلق، فبجهادهم المقدام لأهل البدع، وحمايتهم المستميتة للشرع من كل دخيل أجنبي عليه صاروا أولياء الله وأحباءه فهم شامة الزمان، وحسنة بين الأنام جعلنا الله بفضله وكرمه منهم .(24/3)
وفي هذا العصر طلع علينا حسن بن فرحان المالكي – وما أكثر طلائعه المنحرفة سواء المسموعة أو المقروءة – بكتاب عنوانه "قراءة في كتب العقائد المذهب الحنبلي نموذجاً " فحشد فيه أموراً عظاماً، ومصائب جساماً من سب وشتم واتنقاص وافتراء وجهل على أئمة الدعوة السلفية وعقيدتهم المرضية .
وقد أراد بقوله: عقيدة الحنابلة، أي: عقيدة السلف الصالح كما صرح بذلك فقال: وكان أهل الحديث المسمون فيما بعد بالسلفية أو الحنابلة ا.هـ(1) وقال: وهذا لا يتعارض مع نقدي لأخطاء المسلمين أو السنة أو السلفية أو الحنابلة، ولا يتناقض مع الاعتراف بما عند المذاهب الأخرى من حق ا.هـ(2) وقال: وكان الحنابلة يسمون أنفسهم (أهل السنة والجماعة) أو ( أتباع السلف الصالح) مدعين السير على منهجهم ا.هـ(3)
وحتى تعرف حقيقة قدحه لعقيدة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأتباعهم، وحتى لا تظن أخاك متقولاً عليه، فإليك طرفاً من قدحه المقدوح، وطعنه المطعون، الراجع على راسمه وزابره بالخسران؛ لأن مصدره الافتراء المحض أو الجهل بنوعيه المشينين، فمن دعاويه :
أن الغالب على كتب العقيدة السلفية الباطل من الهوى والظلم والجهل فقال في كتب العقائد ومنها كتب العقائد السنية: -: وكتب العقيدة رغم ما فيها من حق قليل إلا أن فيها الكثير من الباطل بل هو الغالب عليها – ثم قال – وغير ذلك من الهوى والظلم والجهل سواء كان ذلك في كتب العقائد عند الشيعة أو السنة أو الإباضية ...ا.هـ(4).
__________
(1) ص 95 .
(2) ص17 .
(3) ص99 .
(4) ص28 .(24/4)
أن كل عيب تُذَم به العقائدُ الأخرى ففي عقيدة السلف مثله، بل فيها من التناقض الذي لا مثيل له فقال –مخصصاً كتب العقائد السلفية من بين العقائد الأخرى-: فكتب الأحكام والآداب بل والتاريخ والأدب والجغرافيا .. وسائر العلوم ليس فيها شيء من التناقض الواضح الموجود في كتب العقيدة – ثم قال – أما تناقضات كتب العقيدة بين النظريات التي تدعو إليها والمخالفات التطبيقية التي تمارسها فلم أجد له مثيلاً إلى الآن . وإلى الآن لم أجد وصفاً نذم به الآخرين إلا وهو فينا كما لم أجد وصفاً لفرقة من الفرق تذم به فرقة أخرى إلا وهو فيها . ا.هـ(1) وقال : لكن التناقض من سماتنا وما ذممنا المعتزلة والأشاعرة بعيب في مكان إلا ارتكبناه في مكان آخر، ولا نبالي بهذا التناقض أو لا نعقله ولا نعقل ماذا نفعل . ا.هـ(2) .
أن عقيدة السلف متأثرة بالكفار فقال: وهذا التأثر – أي بالكفار – لم تسلم منه فرقة من الفرق الإسلامية بما فيها السلفية كما سيأتي . ا.هـ(3) .
أن عقيدة الأشاعرة والمعتزلة خير من عقيدة الحنابلة؛ لأن عقيدتهم بحسب ما يهوون فقال: : لكنني أقول في الخلاصة هنا إنني لم أجد غلاة الحنابلة ينهون عن شيء إلا ارتكبوه عندما يريدون ولم يأمروا بأمر إلا خالفوه عندما يريدون ذلك، وهذه مصيبة عامة لا تكاد تنجو منها فرقة من فرق المسلمين للأسف لكنها في غلاة الحنابلة تبدو أكثر وضوحاً من الأشاعرة والمعتزلة على الأقل .ا.هـ(4) .
__________
(1) حاشية ص 30 .
(2) ص163 .
(3) ص86 .
(4) ص136 .(24/5)
أن عقيدة السلف جامعة لكثير من العيوب الكبيرة كالكذب، وتفضيل الكفار على المسلمين، وتزهيد المسلمين في عودتهم إلى القرآن الكريم ونشر الأقوال الشاذة . فقال: وقد احتوت كتب العقائد – ومن أبرزها عقائد الحنابلة -على كثير من العيوب الكبيرة التي لا تزال تفتك بالأمة ولعل من أبرزها – ثم ذكر من هذه العيوب- الكذب ، تفضيل الكفار على المسلمين ، التناقض ، التزهيد من العودة للقرآن الكريم مع المبالغة في نشر أقوال العلماء الشاذة – إلى أن قال – وغير ذلك من الأمراض التي نعلمها ابناءنا في المدارس والجامعات فيخرجون فاقدين لأهلية التفكير الصحيح وجاهلين أبرز أسس العدل والإنصاف، ثم نستغرب بعد هذا كله لماذا هذا التوتر في المجتمع الإسلامي!!ا.هـ(1)
وقد تمادى في قدحه وطعنه حتى طال أئمة الدين السابقين واللاحقين منه شيء كثير، وتهمتهم المخولة له تسفيههم واستنقاصهم أنهم على عقيدة سلفية عقيدة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام فيا ترى من بدأ بقدحه ؟ بدأ بالخليفتين الراشدين أبي بكر وعمر فقال: لكن السبب في بيعتهم أبا بكر وتركهم علياً أن علياً لم يكن موجوداً في السقيفة أثناء المجادلة والمناظرة مع الأنصار، وربما لو كان موجوداً لتم له الأمر – ثم قال – فهذا يضعف عندهم شرعية البيعة – لأبي بكر – ويجعلها أشبه ما تكون بالقهر والغلبة التي تتنافى مع الشورى المأمور بها شرعاً { وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ } الشورى: من الآية38)) .ا.هـ(2) وقال مستنقصاً عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – في سياق تعظيم ومدح علي – رضي الله عنه –: إضافة أن علياً كان أكثر جهاداً ونكاية في المشركين من عمر إذ قتل العشرات بينما عمر لم يقتل إلا واحداً فقط .ا.هـ (3)، وقد شكك في أفضلية أبي بكر على علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – (4) مع كون أفضليته مجمعاً عليها والأدلة عليها كثيرة .
__________
(1) ص104
(2) ص 48 .
(3) ص51 .
(4) ص80.(24/6)
ولما كان عند المالكي تشيع وغلو في آل البيت – كما سيأتي إثباته – صار يرمي المعتدلين السائرين على الصراط المستقيم بأنهم نواصب أي ناصبوا آل البيت العداء، كما رمى بذلك طائفة من الصحابة كخال المؤمنين معاوية بن أبي سفيان، والمغيرة بن شعبة، وطائفة آخرين من العلماء المرضيين وهو في ذلك كله كذاب أشر – كما سيأتي بيانه – فقال:وكان من أبرز النواصب بالشام ثم عدد جماعة منهم معاوية بن أبي سفيان والمغيرة بن شعبة – ثم قال – وابن كثير – رحمه الله – (كان فيه نصب إلى حد كبير ) والذهبي ( إلى حد ما ) أما ابن تيمية ( إلى حد لا ينكره باحث منصف ) فاشتهر عنه النصب وكتبه تشهد بذلك، ثم عد ابن بطة وابن حامد والبربهاري وابن أبي يعلى . – ثم قال – وكاد النصب أن ينتهي من الشام لولا ابن تيمية سامحه الله الذي أحياه في بداية القرن الثامن في كثير من أقواله ورسائله كان من آخرها كتابه (منهاج السنة) الذي ملأه بالأفكار الشامية المتحاملة على علي المدافعة بالباطل عن معاوية وزاد الطين بله دعواه بأن ذلك هو (عقيدة أهل السنة والجماعة !!) ا.هـ (1) . وقال: ثم تتابع علماء الشام كابن تيمية وابن كثير وابن القيم – وأشدهم ابن تيمية – على التوجس من فضائل علي وأهل بيته وتضعيف الأحاديث الصحيحة في فضلهم مع المبالغة في مدح غيرهم…!! ا.هـ(2).
وقد خصص الإمام أحمد بن حنبل وابنه عبد الله والإمام ابن تيمية وشيخنا العلامة صالح بن فوزان الفوزان في مواطن من كتابه بالقدح والذم، بل وبالكذب عليهم كما سيأتي ذكره، والرد عليه – إن شاء الله -.
وبعد أن عرفت إجحافه وظلمه للمعتقد السلفي وأئمته فما موقفه من رؤوس البدع والضلالة كالجهم بن صفوان مؤسس المعتقد الجهمي وغيلان الدمشقي رأس المعتقد القدري ؟ بل وما موقفه من المعتقدات المنحرفة كالشيعة والمعتزلة والأشاعرة ؟
__________
(1) ص 65.
(2) ص 176 .(24/7)
قال: وقد كان غيلان – أي الدمشقي القدري – يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وينكر على بني أمية سياستهم المالية ورفض نظريتهم في الخلافة وحرض على الثورة عليهم فلذلك قتله هشام بن عبد الملك شر قتله مظهراً للناس بأنه قتله لأجل البدعة والضلالة!! وليس لأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر!! وقد نسب إلى غيلان رأس القدرية أمور منها: - ثم قال – والأفكار الثلاثة الأخيرة أرقت بني أمية ومن ناصرهم من علماء أهل السنة ولذلك لا تستغرب وصفهم للقدرية بأنهم مجوس هذه الأمة وروايتهم في ذلك الأحاديث!! ا.هـ(1) . وزعم أن الجهم بن صفوان رأس الجهمية النفاة لأسماء الله وصفاته كان من الدعاة للكتاب والسنة وتحقيق العدالة ا.هـ(2). ومن قرأ ما دوّنه أئمة السنة الموثوقون علم أن الجهم بن صفوان من أعظم الناس هدماً للكتاب والسنة، واعتداء على ذات الباري سبحانه فقد جرد الرب سبحانه من أسماء حسنى وصفات عُلى، وانتقص صفاته فزعم أن كلامه مخلوق ..الخ
وقال – أيضاً -: وكان المخالفون للحنابلة أكثر تعظيماً للقرآن واستدلالاً به منهم ا.هـ (3) .
__________
(1) ص 86 - 87.
(2) ص89 .
(3) ص164 .(24/8)
وزعم أن أئمة السلف مجسمة ومشبهة للخالق الباري بالمخلوق الفاني فقال: لما قام تيار جهم بن صفوان بنفي الصفات قام الحنابلة والسلفية فجسموا ا.هـ (1) وقال: يدل على ذلك اجتماعهم في التجسيم والتشبيه ا.هـ(2) . وقال : فتلك الفرق والطوائف ( الجهمية والقدرية والشيعة والمعتزلة ) كانت في الجملة طوائف إسلامية تدعو للكتاب والسنة وتنادي برفع الظلم ونشر العدالة هذه كلمة أبتغي بها وجه الله وقد سبقني لها كل من قرأ بإنصاف عن هذه الطوائف ا.هـ (3) وقال: إن لهم – أي المعتزلة – فضلاً عظيماً في الرد على الزنادقة الذين انتشروا في بداية العصر العباسي وقد كان دعاتهم يجوبون آفاق الدولة الإسلامية يدعون إلى الله عز وجل ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فأسلم على أيديهم الآلاف من البشر ويكاد يتفق دارسوا التاريخ على إثبات دورهم الكبير في صد شبه الملحدين والزنادقة الذين كان لهم صولة كبيرة في العصر العباسي الأول. لكن المعتزلة مثل غيرهم من الفرق أصابوا في أشياء وأخطأوا في أشياء لكنهم في الجملة لا يستغنى عنهم ولا عن تراثهم وعلومهم وهم مسلمون متدينون بدين الإسلام باطناً وظاهراً وهذا يوجب لهم حق الإسلام كما لا يخفى على عاقل . ا.هـ (4)، وقال: ولذلك كان أكثر بل كل التيارات التي نصمها بالبدعة كالجهمية والقدرية والمعتزلة والشيعة والزيدية وغيرهم وكل هؤلاء كانوا من الدعاة إلى تحكيم كتاب الله وتحقيق العدالة وكانوا من الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر لكن غلاة السلفية ومنهم غلاة الحنابلة كان لهم ارتباط قوي بالثقافة الشامية التي لا ترى في هؤلاء إلا دعاة فتنة!! وأنهم مجوس الأمة!! ا.هـ(5) .
__________
(1) ص 159 .
(2) ص 95 وانظر ص 98 .
(3) ص90 .
(4) ص94 .
(5) ص 90 .(24/9)
ومن مغالطاته وهواه المكشوف أنه عظم المأمون الخليفة العباسي الذي امتحن الناس على الكفر الأكبر وهو القول بخلق القرآن فقال: وكان من أعدل ملوك بني العباس وأكثرهم علماً ا.هـ(1). كذبت بل كان ظالماً امتحن أئمة الإسلام والمسلمين على الكفر، وعذب وسجن من شاء الله منهم، قال مؤرخ الإسلام الإمام الذهبي: وكان شيعياً(2) – ثم قال – أما مسألة القرآن، فما رجع عنها، وصمم على امتحان العلماء في سنة ثماني عشرة وشدد عليهم، فأخذه الله ا.هـ (3). أما المتوكل الذي رفع المحنة والظلم عن أئمة الإسلام فجعله مبتدعاً ظالماً .
فعجباً أفيحظى الصحابة كأبي بكر وعمر ومعاوية بن أبي سفيان والمغيرة بن شعبة وأئمة الهدى كأحمد وابنه عبد الله وابن تيمية وابن القيم وابن كثير ومحمد بن عبد الوهاب وشيخنا صالح الفوزان بالذم والقدح ، وغيلان الدمشقي القدري - مستنقص علم الله وتقديره -، والجهم بن صفوان البدعي - نافي صفات الله - بالمدح والثناء؟
إن التطفيف في الكيل والميزان ظلم وجناية إذا كان في الأموال وفي حق عامة الناس، فكيف به في الأديان والمعتقدات، ومع سادات الأولياء من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ؟
__________
(1) ص135 .
(2) سير أعلام النبلاء (10/281) .
(3) السير (10/ 283) .(24/10)
فلما رأيت حسن بن فرحان المالكي قد ظلم أئمة السنة ، وجنى على عقيدة السلف التي هي عقيدة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين سالكاً في ذلك مسلك لبس الحق بالباطل تارة، وتارة مسلك البهتان والكذب الصراح، استعنت المولى نصرة للدين، وكشفاً لشبهة الملبسين، ورداً لظلم المجحفين، وفضحاً لأقوال الكاذبين، وتعرية لجهل المتعالمين، وإنكاراً للتطفيف في الحكم على العالمين، وجهاداً ضد المبتدعين، وذوداً لحياض معتقد السلفيين في الرد على كتاب " قراءة في كتب العقائد المذهب الحنبلي نموذجاً " وأسميت هذا الرد "الحجج السلفية في الرد على أراء ابن فرحان المالكي البدعية" ورتبت هذا الرد على ما يلي :
الرد على أهل البدع من أعظم إنكار المنكر .
التمهيد بعشرة أسس علمية .
التعقيب على كتاب قراءة في كتب العقائد بأحد عشر تعقيباً .
تبرئة أئمة السنة السلفية من مطاعن ابن فرحان المالكي البدعية .
مَنْ ابن فرحان المالكي في ميزان السلف .
خاتمة .
وفي أواخر هذه المقدمة، أبشر القارئ أن شيخنا العلامة محدث المدينة النبوية المدرس في الحرم النبوي/ عبد المحسن بن حمد العباد البدر – حفظه الله - قد رد على أباطيل المالكي المتعلقة بالصحابة في كتاب أسماه " الانتصار للصحابة الأخيار في رد أباطيل حسن المالكي، فحوى كتابه هذا حججاً سلفية، وبراهين علمية، وأدلة شرعية، أظهر الله به الحق المبين، وأزهق به الباطل المشين، فصار بشرى يتناقله أهل الإيمان ويتسابق عليه أهل البرهان، جازاه الله الفردوس الأعلى في الجنان.
تنبيه / لن أتعرض للدفاع عن الصحابة الذين خصهم المالكي بقدحه وتنقصه؛ لأن شيخنا العلامة عبد المحسن العباد في كتابه المذكور آنفاً قد شفى وكفى .
الرد على أهل البدع من أعظم إنكار المنكر /(24/11)
كثيرٌ من المسلمين يقومون – ولله الحمد – بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر استجابة لربهم القائل { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ } (آل عمران: من الآية110) والقائل { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ } (آل عمران: من الآية104) ) ولنبيهم القائل في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد – رضي الله عنه -:" من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان " ولفظ "المنكر" في الآيتين عام لكون الألف واللام لاستغراق الجنس، وأيضاً لفظ " منكراً" في الحديث عام؛ لكونه نكرة في سياق الشرط. فدل هذا أن كل منكر صغير أو كبير يجب إنكاره . قال الإمام ابن تيمية: وأما المنكر الذي نهى الله عنه ورسوله فأعظمه الشرك بالله، وهو أن يدعو مع الله إلهاً آخر كالشمس والقمر والكواكب، أو كملك من الملائكة، أو نبي من الأنبياء، أو رجل من الصالحين، أو أحد من الجن، أو تماثيل هؤلاء أو قبورهم، أو غير ذلك مما يدعى من دون الله تعالى، أو يستغاث به، أو يسجد له. فكل هذا وأشباهه من الشرك الذي حرمه الله على لسان جميع رسله. ومن المنكر كل ما حرمه الله، كقتل النفس بغير الحق، وأكل أموال الناس بالباطل، بالغصب أو الربا أو الميسر، والبيوع والمعاملات التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك قطيعة الرحم، وعقوق الوالدين، وتطفيف المكيال والميزان، والبغي . وكذلك العبادات المبتدعة التي لم يشرعها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وغير ذلك ا.هـ(1) .
__________
(1) رسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ص16-17 .(24/12)
ومن المعلوم لأهل العلم أن المنكرات درجات، فما كان منكراً شبهاتياً كالبدع، فهو أعظم مما كان منكراً شهوانياً كالزنى واللواط، مع أن كليهما من الكبائر. ومع ذلك فإن بعض المسلمين إذا علم بمنكر شهواني هاجت نفسه حتى تبلغ أوجها، واشتدت حماسته حتى تبلغ أقصاها، وهذا خير، لكن إذا علم بمنكر شبهاتي من البدع لم تر الحماسة نفسها، بل لعله يكتفي من الرأس بالهز، ومن اللسان بالاسترجاع. وهذا خطأ شنيع مخالف للأدلة الشرعية، ولما عليه سلف الأمة الزكية، بل إن لسلف الأمة الذين هم خير القرون كلاماً شديداً في البدع أعظم بكثير من المعاصي الشهوانية بل وسهلوا في المعاصي الشهوانية لا مطلقاً، وإنما مقارنة بالبدع، قال الإمام البربهاري: وإذا رأيت الرجل من أهل السنة رديء الطريق والمذهب، فاسقاً فاجراً صاحب معاصي ضالاً وهو على السنة؛ فاصحبه، واجلس معه، فإنه ليس يضرك معصيته، وإذا رأيت الرجل مجتهداً في العبادة متقشفاً محترقاً بالعبادة صاحب هوى، فلا تجالسه، ولا تقعد معه، ولا تسمع كلامه، ولا تمش معه في طريق، فإني لا آمن أن تستحلي طريقته؛ فتهلك معه. ورأى يونس بن عبيد ابنه وقد خرج من عند صاحب هوى فقال:" يا بني من أين جئت؟ قال: من عند فلان، قال: يا بني! لأن أراك خرجت من بيت خنثى، أحب إلي من أن أراك تخرج من بيت فلان وفلان، ولأن تلقى الله يا بني زانياً فاسقاً سارقاً خائناً، أحب إلي من أن تلقاه بقول فلان وفلان " ألا ترى أن يونس بن عبيد قد علم أن الخنثى لا يضل ابنه عن دينه، وأن صاحب البدعة يضله حتى يكفر ؟!ا.هـ(1)
__________
(1) شرح السنة ص114-116 .(24/13)
وقال الإمام الشافعي – رحمه الله -: لأن يلقى الله العبد بكل ذنب ما خلا الشرك خير من أن يلقاه بشيء من الهوى ا.هـ(1) وقال الإمام أحمد – رحمه الله – :وقبور أهل السنة من أهل الكبائر روضة، وقبور أهل البدعة من الزهاد حفرة ، فساق أهل السنة أولياء الله، وزهاد أهل البدعة أعداء الله ا.هـ(2) وقال أرطاة بن المنذر: لأن يكون ابني فاسقاً من الفساق أحب إلي من أن يكون صاحب هوى ا.هـ(3) وقال سعيد بن جبير: لأن يصحب ابني فاسقاً شاطراً سنياً أحب إلي من أن يصحب عابداً مبتدعاً ا.هـ(4) وقال ابن تيمية: أهل البدع شر من أهل المعاصي الشهوانية بالسنة والإجماع ا.هـ(5) وقال ابن القيم: بل ما أكثر من يتعبد الله بما حرمه الله عليه، ويعتقد أنه طاعة وقربة، وحاله في ذلك شر من حال من يعتقد ذلك معصية وإثماً، كأصحاب السماع الشعري الذين يتقربون به إلى الله تعالى، ويظنون أنهم من أولياء الرحمن، وهم في الحقيقة من أولياء الشيطان ا .هـ(6) وإن آخر هذه الأمة لن يصلح إلا بما صلح به أولها. فيا شباب الاستقامة ويا شيب الهداية عودوا لما كان عليه سلفكم، وأشهروا راية الرد على المخالف حفظاً للشرع وتنقية للصف، وأعرضوا صفحاً عما يتحجج به العاطفيون الجاهلون من أن جمع الأمة على اعوجاج مقدم على الصدع بكلمة الحق في المبتدعة اللجاج، فبهذا خالفوا هدي أسلافهم، ووقعوا في شباك الشيطان وحبائله الذي غررهم بالكثرة، ونسي هؤلاء لجهلهم قوله تعالى { وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً } (التوبة: من الآية25)) وتناسوا لعاطفتهم المفرطة أن النصر معلق بإقامة الدين على هدي السلف الصالحين كما جاء
__________
(1) أخرجه البيهقي في الاعتقاد ص 158 .
(2) طبقات الحنابلة (1/ 184):
(3) الشرح والإبانة عن أصول الديانة رقم( 87)
(4) المرجع السابق رقم(89) .
(5) مجموع الفتاوى ( 20/ 103) .
(6) إغاثة اللهفان (2/ 181 ) .(24/14)
من عند الله رب العالمين ، قال تعالى { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً } (النور: من الآية55)) وهذا وعد من الله، ووعده لا يخلف كما قال تعالى { وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ } (الروم:6) .
التمهيد بعشرة أسس علمية /
قد جمعت من كلام أئمة السنة الذين هم أعلام الهدى، ومصابيح الدجى، أسساً علمية، مدعمة بالأدلة الشرعية، والقواعد المرعية، مفيدة في الرد على المبتدعة المتطاولين على أهل السنة عموماً – وما أكثرهم لا كثرهم الله -، وعلى ابن فرحان المالكي خصوصاً :(24/15)
الأساس الأول / أننا مأمورون عند التنازع والاختلاف بالرجوع إلى الكتاب والسنة الصحيحة لمعرفة الحق من الباطل، والصواب من الخطأ، قال تعالى { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِالَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِر } النساء: من الآية59) وقال { وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ } (الشورى: من الآية10)) فإذا استبان الحق من الباطل، والخطأ من الصواب، فلا يسع المسلم إلا الانقياد والتسليم مطرحاً عقله وهواه قال تعالى { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ } (الأحزاب: من الآية36) وقال تعالى { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً } (النساء:65) فإن لم يفعل ذلك فهو ممن اتبع هواه قال تعالى { فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُم } (القصص: من الآية50) والأهواء تفسد الأديان وتردي بأصحابها النيران؛ لذا حذر السلف منها، قال الشعبي: إنما سميت الأهواء لأنها تهوي بصاحبها في النار(1) قال مجاهد: ما أدري أي النعمتين عليَّ أعظم أن هداني للإسلام، أو عافاني من هذه الأهواء .(2)
ومن مقتضى التسليم للكتاب والسنة الصحيحة أن كل ما دلا على أنه حجة فهو حجة كالإجماع - على ما سيأتي – والقياس الصحيح (الميزان) وهكذا ...، ومن رد الاحتجاج بما دل الكتاب والسنة على أنه حجة فقد رد الكتاب والسنة .
__________
(1) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي رقم ( 229) .
(2) أخرجه الدارمي في السنن رقم 321 . وأبو نعيم في الحلية ( 3/ 293) .(24/16)
الأساس الثاني / العقيدة من الدين فهي داخلة في عموم قوله تعالى { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً } (المائدة: من الآية3) وفي عموم ما ثبت في صحيح مسلم من حديث عمر لما جاء جبريل وسأل عن الإسلام والإيمان والإحسان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم " ونحوه في الصحيحين من حديث أبي هريرة، فإن الدين ما بين أمور اعتقادية ( كإثبات الصفات الحسنى لله ) أو عملية ( كالصلاة والزكاة ) . فعلى هذا كل ما يثبت به الدين تثبت به العقيدة؛ لأنها منه، والدين يثبت بالأدلة اليقينية القطعية ( كالقرآن والسنة المتواترة ) والأدلة المفيدة غلبة الظن (كصحيح السنة مما ليس متواتراً ) فإن الشريعة علقت أحكاماً على غلبة الظن كحديث ابن مسعود المتفق عليه :" فليتحر الصواب فليتم عليه " وحديث أبي هريرة في صحيح مسلم :" إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً " فإن بقاءه في الصلاة بعد الشك راجع إلى غلبة الظن .، بل وسمَّت الجميع علماً كما قال تعالى { فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ } (الممتحنة: من الآية10)وعلمنا بالإيمان ممن يدعيه ليس يقيناً وإنما راجع إلى غلبة الظن (1)، وأيضاً اتباع الأرجح إما في التصحيح والتضعيف، أو في دلالة المتن ، من اتباع الأحسن الذي أمر الله بالأخذ به وهو العلم كما قال تعالى { وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ } (الزمر: من الآية55) قال ابن تيمية: وهو أن كل ما أمر الله تعالى به فإنما أمر بالعلم – ثم قال – فلا بد أن ينتهي الأمر إلى رجحان معلوم عنده فيكون متبعاً لما علم أنه أرجح، وهذا اتباع للعلم لا للظن وهو اتباع الأحسن،
__________
(1) انظر مجموع الفتاوى ( 4/370) .(24/17)
كما قال { فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا } (لأعراف: من الآية145)وقال { الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } (الزمر: من الآية18) وقال { وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ } (الزمر: من الآية55)) فإذا كان أحد الدليلين هو الأرجح فاتباعه هو الأحسن، وهذا معلوم ا.هـ (1).
وغالط بعض المبتدعة واشترط في النصوص التي يحتج بها في العقائد أن تكون كلها قطعية يقينية لا من الظن الغالب، وهذا خطأ لأوجه كثيرة بسطها أهل العلم والإيمان أكتفي منها بثلاثة أوجه:
أنه ثبت في الصحيحين عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل معاذاً إلى اليمن فقال:" إنك تقدم على قوم أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله عز وجل ...الحديث " وجه الدلالة / أن خبر معاذ - رضي الله عنه – ليس خبراً متواتراً ومع ذلك اكتفى به رسول الله صلى الله عليه وسلم في تقرير العقيدة .فدل هذا على أن غلبة الظن كاف لإقامة الحجة في العقائد .
أنه ثبت – كما سبق – أن العقيدة من الدين فهي تثبت بما ثبت به عموم وباقي الدين، فمن أراد التفريق فعليه بالدليل الذي تثبت قدماه عند الاحتجاج ولا مناص .
أن الأمور العملية التي ليست عقدية تتضمن اعتقاداً، فمثلاً التسوك هو أمر عملي لكنه عقدي أيضاً؛ لأنه يتضمن اعتقاد استحبابه ؛ فإن التسوك من غير اعتقاد استحبابه لا يعد من الأمور الشرعية، فبهذا يتبين أن قبولهم للأدلة المفيدة الظن الغالب في الأمور العملية دون الاعتقادية تناقض لا مفر منه .
__________
(1) مجموع الفتاوى (13/ 114) .(24/18)
تنبيه : درج المتكلمون وتبعهم بعض أهل السنة إلى تعريف الاعتقاد بأنه حكم الذهن الجازم فإن طابق الواقع فصحيح وإلا ففاسد. وهذا التعريف خطأ ومزلة قدم، وهو لوثة كلامية دخلت علينا من أهل البدع، وذلك أن مقتضاه ألا يحتج في العقيدة إلا باليقينيات القطعيات دون ما كان من الظن الغالب – وقد سبق رده -، قال ابن تيمية: وأما قوله: هل يكفي في ذلك ما يصل إليه المجتهد من غلبة الظن أو لا بد من الوصول إلى القطع؟ فيقال: الصواب في ذلك التفصيل، فإنه وإن كان طوائف من أهل الكلام يزعمون أن المسائل الخبرية التي قد يسمونها مسائل الأصول يجب القطع فيها جميعاً، ولا يجوز الاستدلال فيها بغير دليل يفيد اليقين، وقد يوجبون القطع فيها كلها على كل أحد. فهذا الذي قالوه على اطلاقه وعمومه: خطأ مخالف للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها.ا.هـ(1)
فائدتان /
الفائدة الأولى / قال ابن تيمية: وأن تخصيص لفظ العلم بالقطعيات اصطلاح المتكلمين ...ا.هـ(2) .
__________
(1) مجموع الفتاوى (3/ 313 ) وانظر (4/ 370) .
(2) الاستقامة (1/54 ) .(24/19)
الفائدة الثانية / قد أطلق الشرع الظن بمعنى اليقين كما قال تعالى { الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ } (البقرة:46) ، وأطلقه بمعنى الظن المرجوح ( الوهم) كقوله تعالى { إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً } (لنجم: من الآية28) ، وأطلقه بمعنى الشك كقوله { مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً } (الكهف: من الآية35) وقوله { وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ } (البقرة: من الآية78)(1). ولم يأت ذم في شرع الله لمن اتبع الظن الغالب، وإنما جاء الذم في كتاب الله لمن اتبع الظن بمعنى الوهم في مقابل رد النصوص الشرعية كما قال تعالى { إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً } (النجم: من الآية28)(2)
الأساس الثالث / معرفة معنى الإجماع، وأقسامه، وبعض المهمات المتعلقة به . فإن من أهم الأدلة الشرعية التي بها تهدم قواعد وأصول الطوائف البدعية الإجماع، لذا كان المبتدعة ومن تأثر بهم تجاهه – في الجملة – قسمين:
القسم الأول / أنكره ولم يعتبره حجة، وأول هؤلاء وعلى رأسهم النظام المعتزلي، قال ابن قدامة: إن هذه الأحاديث لم تزل مشهورة بين الصحابة والتابعين يتمسكون بها في إثبات الإجماع، ولا يظهر فيه أحد خلافاً إلى زمن النظام ا.هـ(3)
__________
(1) انظر قواطع الأدلة للسمعاني (1/19) والعدة في أصول الفقه لأبي يعلى (1/ 83 ) .
(2) انظر الأنوار الكاشفة للمحدث الأصولي المعلمي ص139 .
(3) روضة الناظر ( 2/448) . قال ابن تيمية (11/341 ) : الإجماع وهو متفق عليه بين عامة المسلمين من الفقهاء والصوفية وأهل الحديث والكلام وغيرهم في الجملة، وأنكره بعض أهل البدع من المعتزلة والشيعة .ا.هـ(24/20)
القسم الثاني / لم ينكره صراحة لكن جعله كالمستحيل كما قال أبو بكر الباقلاني: لا ينعقد الإجماع مع مخالفة العوام . وتابعه الآمدي فقال: ذهب الأكثرون إلى أنه لا اعتبار بموافقة العامي من أهل الملة في انعقاد الإجماع . ولا بمخالفته . واعتبره الأقلون . وإليه ميل القاضي أبي بكر الباقلاني وهو المختار ا.هـ(1) . وهذا القول يؤدي إلى نفي وجود الإجماع وإبطاله لذا قال ابن قدامة: وهذا القول يرجع إلى إبطال الإجماع: إذ لا يتصور قول الأمة كلهم في حادثة واحدة ا.هـ (2) .
__________
(1) الإحكام في أصول الأحكام (1/284) . ورد هذا القول أبو الخطاب الكلوذاني في كتاب التمهيد (3/251) فقال: إن العامة ومن ينتسب يجب عليهم تقليد المجتهدين من العلماء، ولا يجوز لهم الانفراد عنهم برأيه، فإذا أجمعت الأمة على شيء ، كان ذلك حكماً لازماً للعامة، فدخلوا فيه تبعاً، وصار إجماعاً لأن الإجماع إنما يكون حجة معصومة عن دليل، ولا يصح من العامة إقامة الدليل، فلا اعتبار بهم في ذلك وصاروا كالصبيان والمجانين ا.هـ
(2) روضة الناظر ( 2/451) .(24/21)
ومن ذلك قول جمع من الأصوليين: إن الصحابي إذا قال قولاً ، ولو انتشر ، وسكت الباقون عنه فإنه ليس إجماعاً ولا حجة وهذا من الإجماع السكوتي الذي لا يحتج به . كما قال الغزالي: مسألة: إذا أفتى بعض الصحابة بفتوى وسكت الآخرون لم ينعقد الإجماع ولا ينسب إلى ساكت قول – ثم قال – والمختار أنه ليس بإجماع ولا حجة ا.هـ (1) ، ثم أورد احتمالات نظرية تمنع من الاحتجاج به ، وعند النظر والتحقيق يتضح أنها لا تقوى على إسقاط الاحتجاج به وإنما غاية ما تفيد أنها تجعل الاحتجاج بإجماع الصحابة السكوتي من الظن الغالب كما قال ابن القيم: وذلك يفيد ظناً غالباً قوياً على أن الصواب في قوله دون ما خالفة من أقوال من بعده، وليس المطلوب إلا الظن الغالب، والعمل به متعين ا.هـ(2) وما كان كذلك فهو دليل في شرع الله، لذا رد ابن قدامة قول الغزالي في المستصفى وناقش ما أورده من احتمالات واحدة واحدة (3).
__________
(1) المستصفى ص151 . يلاحظ أن الغزالي عمم ولم يفرق بين الاشتهار وعدمه ، وأيضاً عمم في الصحابة وغيرهم لذا في ثنايا كلامه مثل بالصحابة .
(2) أعلام الموقعين (4/ 148 ) .
(3) روضة الناظر (2/494 ) .(24/22)
وقد أطال الإمام المحقق ابن قيم الجوزية في تأكيد أن ما اشتهر إجماع وحجة فقال: وإن لم يخالف الصحابي صحابياً آخر فإما أن يشتهر قوله في الصحابة أو لا يشتهر، فإن اشتهر فالذي عليه جماهير الطوائف من الفقهاء أنه إجماع وحجة، وقالت طائفة منهم: هو حجة وليس بإجماع، وقالت شرذمة من المتكلمين وبعض الفقهاء المتأخرين: لا يكون إجماعاً ولا حجة، وإن لم يشتهر قوله أو لم يعلم هل اشتهر أم لا فاختلف الناس: هل يكون حجة أم لا؟ فالذي عليه جمهور الأمة أنه حجة هذا قول جمهور الحنفية، صرح به محمد بن الحسن، وذكر عن أبي حنيفة نصاً، وهو مذهب مالك وأصحابه، وتصرفه في موطئه دليل عليه، وهو قول إسحاق بن راهويه وأبي عبيد ، وهو منصوص الإمام أحمد في غير موضع عنه واختيار جمهور أصحابه، وهو منصوص الشافعي في القديم والجديد – ثم قال – وذهب بعض المتأخرين من الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة وأكثر المتكلمين إلى أنه ليس بحجة ا.هـ (1) .
واشتراط نطق الجميع متعذر وهذا يؤدي إلى تعذر وقوع الإجماع ، قال ابن قدامة: ومن وجه آخر: أنه لو لم يكن هذا إجماعاً لتعذر وجود الإجماع؛ إذ لم ينقل إلينا في مسألة واحدة قول كل عالم في العصر مصرحاً به ا.هـ(2).
وبعد أن تبين موقف أهل البدع ومن تأثر بهم من الإجماع، فإليك أربع مسائل مهمة تتعلق بالإجماع:
__________
(1) أعلام الموقعين ( 4/120 ) .
(2) روضة الناظر (2/ 495 ) وانظر أعلام الموقعين (4/ 127) .(24/23)
المسألة الأولى / الإجماع في قوة ثبوته ليس على درجة واحدة، لكن أقله ما كان من الظن الغالب، قال ابن تيمية: والإجماع نوعان: قطعي . فهذا لا سبيل إلى أن يعلم إجماع قطعي على خلاف النص. وأما الظني فهو الإجماع الاقراري والاستقرائي – ثم قال – وتنازعوا في الإجماع: هل هو حجة قطعية أو ظنية؟ والتحقيق أن قطعيه قطعي وظنيه ظني ، والله أعلم ا.هـ (1) وقال: الإجماع هل هو قطعي الدلالة أو ظني الدلالة؟ فإن من الناس من يطلق الإثبات بهذا أو هذا، ومنهم من يطلق النفي لهذا ولهذا . والصواب التفصيل بين ما يقطع به من الإجماع، ويعلم يقيناً أنه ليس فيه منازع من المؤمنين أصلاً؛ فهذا يجب القطع بأنه حق؛ وهذا لابد أن يكون مما بين فيه الرسول الهدى؛ كما قد بسط هذا في موضع آخر ا.هـ (2) .
__________
(1) مجموع الفتاوى ( 19/ 267 ، 270 ) .
(2) مجموع الفتاوى ( 7 / 39 ) .(24/24)
المسألة الثانية / لا تجمع الأمة على حكم إلا ولهذا الحكم مستند من الشرع علمه من علمه، وجهله من جهله. قال الآمدي: اتفق الكل على أن الأمة لا تجتمع على الحكم إلا عن مأخذ ومستند يوجب اجتماعها خلافاً لطائفة شاذة، فإنهم قالوا بجواز انعقاد الإجماع عن توفيق لا توقيف بأن يوفقهم الله تعالى لاختيار الصواب من غير مستند. ا.هـ (1) قال ابن تيمية: وذلك لأن كل ما أجمع عليه المسلمون فإنه يكون منصوصاً عن الرسول – ثم قال – فلا يوجد قط مسألة مجمع عليها إلا وفيها بيان من الرسول ولكن قد يخفى ذلك على بعض الناس ويعلم الإجماع فيستدل به – ثم قال – فإن ما دل عليه الإجماع فقد دل عليه الكتاب والسنة، وما دل عليه القرآن فعن الرسول أخذ، فالكتاب والسنة كلاهما مأخوذ عنه، ولا يوجد مسألة يتفق الإجماع عليها إلا وفيها نص . – ثم قال – لكن استقرأنا موارد الإجماع فوجدناها كلها منصوصة، وكثير من العلماء لم يعلم النص، وقد وافق الجماعة ا.هـ (2) .
ومما يؤكد أن الإجماع لا يكون إلا مستنداً للشرع أن أول من تكلم بحل أو حرمة المسألة المجمع عليها كالصحابي مثلاً لايخلو من حالتين: أن يكون مستنده الشرع، أو الهامات مجردة عن نصوص، والثاني باطل قطعاً؛ لأن الله تعالى يقول { ولا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } (الاسراء:36)
وقال { وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ } (البقرة: من الآية169) فالمتقول بلا نص قال على الله بغير علم، فإذا كان الاحتمال الثاني باطلاً فما بني عليه فباطل، ولم يبق إلا الاحتمال الأول وهو المطلوب .
__________
(1) الإحكام ( 1/ 322- 323 ) .
(2) مجموع الفتاوى ( 19 / 194 ) وانظر (7 / 39 ) .(24/25)
المسألة الثالثة / إذا أجمع العلماء على قول فمعنى هذا أن ما أجمعوا عليه هو الحق دون غيره، والحق لا يتعدد، فإذا أحدث أحد قولاً ثانياً فهذا القول المحدث ساقط مردود؛ لكونه مخالفاً للإجماع، ولأنه من جملة المحدثات التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهم رد " متفق عليه من حديث عائشة واللفظ لمسلم. وإلى هذا ذهب جمهور العلماء ونسبه بعضهم إلى أئمة المذاهب الأربعة (1) . قال ابن تيمية: وإذا ذكروا نزاع المتأخرين لم يكن بمجرد ذلك أن يجعل هذه من مسائل الاجتهاد التي يكون كل قول من تلك الأقوال سائغاً لم يخالف إجماعاً؛ لأن كثيراً من أصول المتأخرين محدث مبتدع في الإسلام، مسبوق بإجماع السلف على خلافه، والنزاع الحادث بعد إجماع السلف خطأ قطعاً، كخلاف الخوارج والرافضة والقدرية والمرجئة، ممن قد اشتهرت لهم أقوال خالفوا فيها النصوص المستفيضة، المعلومة وإجماع الصحابة . ا.هـ(2) . ومن ذلك إحداث قول ملفق من أقوال أهل العلم؛ لأنه يلزم من تجويز مثل هذا القول الملفق أن يكون هناك خير ليس موجوداً فيمن سلف، وأنه ليس هناك طائفة منصورة قائمة بالحق (3). أما الاستدلال بما لم يستدل به من قبله فالباب فيه واسع مع الحذر .
__________
(1) راجع روضة الناظر ا( 2/ 488) والبحر المحيط ( 4/540) .
(2) مجموع الفتاوى ( 13/ 26 ) .
(3) عزا بعضهم إلى بعض أهل العلم القول بجواز التلفيق بناء على أن لهؤلاء أقوالاً ملفقة . وهذا لا يصح لأن الذي لفق في مسألة قد يكون خطأ منه من غير علم بواقع الحال، قال عطاء: وأضعف العلم أيضاً علم النظر، أن يقول الرجل: رأيت فلاناً يفعل كذا ولعله قد فعله ساهياً ا.هـ جامع بيان العلم وفضله ص778 .(24/26)
فائدة / بناء على ما سبق ، ذكر ابن تيمية أن كل قول تفردت به الظاهرية فهو خطأ لا يعول عليه، قال – رحمه الله : وكذلك أهل الظاهر كل قول انفردوا به عن سائر الأمة فهو خطأ، وأما ما انفردوا به عن الأربعة وهو صواب فقد قاله غيرهم من السلف. ا.هـ(1) لأن المذهب الظاهري لم ينشأ إلا في القرن الثالث، فإذا انفرد بقول دون الأمة فهو محدث، ومثل هذا الأقوال التي ينفرد بها المتأخرون من أصحاب المذاهب الأربعة عن الأمة .
المسألة الرابعة / ظن بعضهم أن أهل الحديث لا يحتجون بالإجماع لأجل أن الإمام أحمد قال في رواية ابنه عبد الله: من ادعى الإجماع فهو كاذب، لعل الناس اختلفوا، هذه دعوى بشر المريسي والأصم، ولكن يقول: لا نعلم للناس اختلافاً إذ لم يبلغه، وقال في رواية المروزي: كيف يجوز للرجل أن يقول: أجمعوا، إذا سمعتهم يقولون: أجمعوا فاتهمهم، لو قال: إني لا أعلم مخالفاً كان أسلم، وقال في رواية أبي طالب: هذا كذب ما أعلمه أن الناس مجمعون، لكن يقول: ما أعلم فيه اختلافاً، فهو أحسن من قوله إجماع الناس، وقال في رواية أبي الحارث، لا ينبغي لأحد أن يدعي الإجماع، لعل الناس اختلفوا (2). وهذا الظن خطأ لما يلي:
__________
(1) منهاج السنة (5/ 178) .
(2) كتاب الصلاة لابن القيم ص93 وأعلام الموقعين (1/30)(2/228) والمحلى لابن حزم (3/246) .(24/27)
1/ أن الإمام أحمد نفسه احتج بالإجماع في عدة مسائل من ذلك قوله: الدم لم يختلف الناس فيه – يعني في نجاسته(1) ، وقوله في قوله تعالى { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } (لأعراف:204) أجمع العلماء على أنها في الصلاة (2) ، وقوله في رواية الحسن بن ثواب: أذهب في التكبير من غداة يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق، فقيل له: إلى أي شيء تذهب؟ قال: بالإجماع ا.هـ(3)
2/ أنه نص على حجية الإجماع فقال – رحمه الله – في رواية عبد الله وأبي الحارث في الصحابة إذا اختلفوا لم يخرج من أقاويلهم: أرأيت إن أجمعوا، له أن يخرج من أقاويلهم؟ هذا قول خبيث، قو ل أهل البدع، لا ينبغي أن يخرج من أقاويل الصحابة إذا اختلفوا ا.هـ(4) .
بعد أن تبين أن الإمام أحمد لا ينكر الإجماع فما توجيه كلامه السابق ؟ اختلف العلماء في توجيهه :
قال ابن حزم: صدق أحمد – رضي الله عنه – من ادعى الإجماع فيما لا يقين عنده بأنه قول جميع أهل الإسلام بلا شك في أحد منهم: فقد كذب على الأمة كلها وقطع بظنه عليهم، وقد قال عليه السلام:" الظن أكذب الحديث " ا.هـ(5).
__________
(1) إغاثة اللهفان (1/151) شرح العمدة لابن تيمية (1/105) .
(2) مجموع الفتاوى (23/269) وانظر المسودة ص316. راجع كتاب القراءة خلف الإمام للبيهقي .
(3) العدة في أصول الفقه لأبي يعلى (4/ 1061) .
(4) العدة في أصول الفقه (4/1059) .
(5) المحلى ( 3/ 246) .(24/28)
وقال أبو يعلى الفراء: وظاهر هذا الكلام أنه قد منع صحة الإجماع، وليس ذلك على ظاهره، وإنما قال هذا على طريق الورع، نحو أن يكون هناك خلاف لم يبلغه. أو قال هذا في حق من ليس له معرفة بخلاف السلف؛ لأنه قد أطلق القول بصحة الإجماع في رواية عبد الله وأبي الحارث ..ا.هـ (1) وقال ابن تيمية:الذي أنكره أحمد دعوى إجماع المخالفين بعد الصحابة، أو بعدهم، وبعد التابعين، أو بعد القرون الثلاثة المحمودة، ولا يكاد يوجد في كلامه احتجاج بإجماع بعد عصر التابعين أو بعد القرون الثلاثة، مع أن صغار التابعين أدركوا القرن الثالث، وكلامه في إجماع كل عصر إنما هو في التابعين، ثم هذا منه نهي عن دعوى الإجماع العام النطقي، وهو كالإجماع السكوتي، أو إجماع الجمهور من غير علم بالمخالف. ا.هـ(2) وقال ابن القيم: ونصوص رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل عند الإمام أحمد وسائر أئمة الحديث من أن يقدموا عليها توهم إجماع مضمونه عدم العلم بالمخالف، ولو ساغ لتعطلت النصوص ، وساغ لكل من لم يعلم مخالفاً في حكم مسألة أن يقدم جهله بالمخالف على النصوص؛ فهذا هو الذي أنكره الإمام أحمد والشافعي من دعوى الإجماع، لا ما يظنه بعض الناس أنه استبعاد لوجوده . ا.هـ (3) .
والقول بأن الإمام أحمد أراد هذا في حق من ليس له معرفة بالأقوال فتعجل وحكى الإجماع قوي، كما قال أبو يعلى وقريب منه ما ذكره ابن القيم، وقد يقال: إن الإمام أحمد أراد بنفيه لإجماع ما بعد القرون المفضلة إذ بعدهم يستحيل استقراء أقوال أهل العلم لاتساع الخلاف. وعلى كلٍ فليس لأحد أن يقول في مسألة بقول إلا وله فيها إمام، كما قال الإمام أحمد – رحمه الله -(4) .
__________
(1) العدة (4/ 1060 ) .
(2) المسودة ص 316.
(3) أعلام الموقعين ( 1/ 30) .
(4) انظر أعلام الموقعين(4/266) المدخل لابن بدران ص119.(24/29)
الأساس الرابع / قد دلّ الكتاب والسنة – اللذان هما المرجع عند التنازع – أن فهم السلف لنصوص الكتاب والسنة حجة يجب الرجوع إليه، والأدلة على ذلك ما يلي :
1/ قوله تعالى { وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً } (النساء:115) وجه الدلالة / رتب الله سبحانه الوعيد على مشاقة الرسول صلى الله عليه وسلم، واتباع غير سبيل المؤمنين، فلو لم تكن مخالفة سبيل المؤمنين سبباً من أسباب الوعيد، لكان ذكره لغواً تعالى الله وتقدس؛ وأول المؤمنين دخولاً في هذه الآية هم الصحابة الكرام، فالمأثور عنهم هو الحق الذي يجب اتباعه، فلا يصح لأحد من التابعين مخالفته ومن وافقهم من التابعين فهو سائر على سبيل المؤمنين الممتدح وهكذا ...
أما إذا لم ينقل عن الصحابة الكرام شيء، ونقل عن التابعين الأخيار، فإن السبيل سبيلهم؛ لأن الله بحكمته وعدله لم يكن ليخفي الحق، ويظهر الباطل وقد قال نبيه صلى الله عليه وسلم :" لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين…" أخرجه مسلم عن ثوبان ونحوه في الصحيحين عن معاوية والمغيرة بن شعبة، وقال:" من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " متفق عليه من حديث عائشة واللفظ للبخاري، فمن خالف وأحدث فهماً أو اتبع فهماً محدثاً خلاف ما عليه الأوائل من السلف الصالح في الفهم، فما فهم أو اتبع مردود . وإذا تدبرت علمت أن كل دليل على حجية الإجماع، دليل على حجية فهم السلف؛ فإنهم إذا فهموا فهماً من غير مخالف منهم، فهو إجماع منهم على هذا الفهم .
2/ عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ..." متفق عليه ، وجاء نحوه من حديث عمران بن حصين متفق عليه، وفي صحيح مسلم نحوه من حديث عائشة وأبي هريرة .(24/30)
فثبت بهذه النصوص خيريتهم على من بعدهم، فلا يكون من بعدهم ظافراً بخير ليس عندهم وإلا لصار من بعدهم خيراً منهم من هذا الوجه، والرسول صلى الله عليه وسلم أثبت لهم الخيرية المطلقة من كل وجه على من بعدهم، فدل هذا أن فهمهم للنصوص متعين، قال ابن القيم: فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن خير القرون قرنه مطلقاً، وذلك يقتضي تقديمهم في كل باب من أبواب الخير، وإلا لو كانوا خيراً من بعض الوجوه، فلا يكونون خير القرون مطلقاً، فلو جاز أن يخطئ الرجل منهم في حكم وسائرهم لم يفتوا بالصواب – وإنما ظفر بالصواب من بعدهم وأخطأوا هم – لزم أن يكون ذلك القرن خيراً منهم من ذلك الوجه؛ لأن القرن المشتمل على الصواب خير من القرن المشتمل على الخطأ في ذلك الفن، ثم هذا يتعدد في مسائل عديدة ا.هـ(1)
3/ عن أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون " رواه مسلم، قال ابن القيم: وجه الاستدلال بالحديث أنه جعل نسبة أصحابه إلى من بعدهم كنسبته إلى أصحابه، وكنسبة النجوم إلى السماء، ومن المعلوم أن هذا التشبيه يعطي من وجوب اهتداء الأمة بهم ما هو نظير اهتدائهم بنبيهم صلى الله عليه وسلم ونظير اهتداء أهل الأرض بالنجوم ، وأيضاً فإنه جعل بقاءهم بين الأمة أمنة لهم، وحرزاً من الشر وأسبابه، فلو جاز أن يخطئوا فيما أفتوا به ويظفر به من بعدهم لكان الظافرون بالحق أمنة للصحابة وحرزاً لهم، وهذا من المحال .ا.هـ(2) .
__________
(1) أعلام الموقعين (4/ 136) وانظر ما ذكره ابن تيمية في مقدمة الفتوى الحموية .
(2) أعلام الموقعين ( 4/137 )(24/31)
4/ عن العرباض بن سارية قال: صلى بنا رسول الله ذات يوم ثم أقبل علينا، فوعظنا موعظة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله: كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا؟ فقال:" أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبداً حبشياً، فإنه من يعش منكم بعدي فسير اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة "(1) أخرجه أبو داود واللفظ له والترمذي وصححه وصححه أبو نعيم والبزار وابن عبدالبر (2). قال ابن القيم: وهذا حديث حسن، إسناده لا بأس به، فقرن سنة خلفائه بسنته، وأمر باتباعها كما أمر باتباع سنته، وبالغ في الأمر بها حتى أمر بأن يعض عليها بالنواجذ، وهذا يتناول ما أفتوا به وسنوه للأمة وإن لم يتقدم من نبيهم فيه شيء، وإلا كان ذلك سنته، ويتناول ما أفتى به جميعهم أو أكثرهم أو بعضهم لأنه علق ذلك بما سنّه الخلفاء الراشدون، ومعلوم أنهم لم يسنوا ذلك وهم خلفاء في آن واحد، فعلم أن ما سنه كل واحد منهم في وقته فهو من سنة الخلفاء الراشدين ا.هـ (3) .
__________
(1) وقع في الأربعين النووية هذا الحديث بلفظ" وإن تأمر عليكم عبد" قال الألباني – رحمه الله – في تعليقه على هذا الحديث من الإرواء: تنبيه: لم أر في جميع هذه الطرق اللفظ الذي في الكتاب " وإن تأمر " وكلهم قالوا " وإن عبداً حبشياً " وله شاهد من حديث أنس مرفوعاً " اسمعوا وأطيعوا، وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة" أخرجه البخاري ا.هـ الإرواء (8/109) الحديث رقم 2455.
(2) انظر جامع العلوم والحكم الحديث الثامن والعشرين ، وجامع بيان العلم وفضله(2/1165 ) .
(3) أعلام الموقعين ( 4/ 140) .(24/32)
5/ عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" لن يزال قوم من أمتي ظاهرين على الناس، حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون" متفق عليه واللفظ لمسلم . ونحوه في الصحيحين عن معاوية، وفي مسلم عن ثوبان وجابر بن سمرة وجابر بن عبد الله وعقبة بن عامر وسعد بن أبي وقاص نحوه . وجه الدلالة / أن هذا الحديث المتواتر(1) دال على أن أهل الحق القائمين به موجودون منذ عهد الصحابة إلى قيام الساعة، فإذا رأيت في أمر شرعي عقدي أو أمر شرعي منهجي قولين: أحدهما عليه المتقدمون دون الآخر، فاشدد يدك على ما عليه المتقدمون فإنه الحق؛ لأنهم هم الطائفة المنصورة الظاهرون على الحق قديماً وأبداً إلى قبيل قيام الساعة؛ فإن الحق قديم وباقٍ إلى قبيل قيام الساعة بخلاف ما عداه من الأفهام فإنها حادثة بعد، قال ابن القيم: أنهم إذا قالوا قولاً أو بعضهم ثم خالفهم مخالف من غيرهم كان مبتدياً لذلك القول ومبتدعاً له – ثم قال – وقول من جاء بعدهم يخالفهم من محدثات الأمور فلا يجوز اتباعهم ا.هـ(2) .
والأدلة المقررة لهذا الأصل كثيرة متظافرة وأقوال أهل العلم في تقرير هذا كثيرة أكتفي بثلاثة :
قال الأوزاعي: عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس، وإياك وآراء الرجال، وإن زخرفوه لك بالقول " أخرجه الخطيب البغدادي والآجري وابن عبد البر .
قال الإمام أحمد: أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء بهم " رواه اللالكائي (3).
__________
(1) عده متواتراً الإمام ابن تيمية في الاقتضاء (1/69) وجلال الدين السيوطي في كتاب قطف الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة رقم (81) .
(2) أعلام الموقعين (4/ 150) .
(3) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (1/ 156) رقم (317) .(24/33)
قال ابن تيمية: إنما المتبع في إثبات أحكام الله: كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسبيل السابقين أو الأولين، لا يجوز إثبات حكم شرعي بدون هذه الأصول الثلاثة، نصاً واستنباطاً بحال ا.هـ(1) .
الأساس الخامس / أن طائفة أهل السنة والجماعة السلفيين جمعوا الحق كله، أما من عداهم فعندهم من الحق بقدر موافقتهم لهم .
هذا الأساس العظيم يتضح بإدراك الأسس السابقة إدراكاً صحيحاً لا غبش فيه لا سيما الأساس الثالث والرابع؛ وذلك أن إمام السلفيين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده الذين هم الصحابة، وهم على الحق الذي أرشدهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن جاء بعدهم وسار على هديهم المبين وهم أهل السنة والجماعة السلفيون وهكذا إلى يومنا هذا فعلامتهم التي بها يعرفون، وميزانهم الذي به يقيسون غيرهم هو الاتباع لا الابتداع، فمن كان كذلك فهو من أهل السنة والجماعة السلفيين، وإلا فهو من أهل البدع الهالكين على قدر بدعته، قال أبو الدرداء:" اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة، إنك إن تتبع خير من أن تبتدع، ولن تخطئ الطريق ما اتبعت الأثر" (2) .
__________
(1) الاقتضاء ( 2/ 693) .
(2) رواه المروزي في السنة رقم (102) .(24/34)
قال أبو المظفر السمعاني: وشعار أهل السنة اتباعهم السلف الصالح وتركهم كل ما هو مبتدع محدث ا.هـ(1) ، وقال: إن كل فريق من المبتدعة إنما يدعي أن الذي يعتقده هو ما كان عليه رسول الله لأنهم كلهم يدعون شريعة الإسلام ملتزمون في شعائرها يرون أن ما جاء به محمد هو الحق غير أن الطرق تفرقت بهم بعد ذلك وأحدثوا في الدين ما لم يأذن به الله ورسوله فزعم كل فريق أنه هو المتمسك بشريعة الإسلام وأن الحق الذي قام به رسول الله هو الذي يعتقده وينتحله غير أن الله تعالى أبى أن يكون الحق والعقيدة الصحيحة إلا مع أهل الحديث والآثار لأنهم أخذوا دينهم وعقائدهم خلفاً عن سلف وقرناً عن قرن إلى أن انتهوا إلى التابعين وأخذه التابعون عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا طريق إلى معرفة ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس من الدين المستقيم والصراط القويم إلا هذا الطريق الذي سلكه أصحاب الحديث ا.هـ(2) ، ولأجل تمسكهم بالكتاب والسنة، وما عليه الصحابة صارت أقوالهم في الاعتقاد واحدة لا تباين بينها، ولا اختلاف. قال أبو المظفر السمعاني: ومما يدل على أن أهل الحديث هم على الحق أنك لو طالعت جميع كتبهم المصنفة من أولهم إلى آخرهم قديمهم وحديثهم مع اختلاف بلدانهم وزمانهم وتباعد ما بينهم في الديار وسكون كل واحد منهم قطراً من الأقطار وجدتهم في بيان الاعتقاد على وتيرة واحدة ونمط واحد يجرون فيه على طريقة لا يحيدون عنها ولا يميلون فيها قولهم في ذلك واحد وفعلهم واحد لا ترى بينهم اختلافاً ولا تفرقاً في شيء ما وإن قلّ، بل لو جمعت جميع ما جرى على ألسنتهم ونقلوه عن سلفهم وجدته كأنه جاء من قلب واحد وجرى على لسان واحد، وهل على الحق دليل أبين من هذا، قال الله تعالى { أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ
__________
(1) الانتصار لأصحاب الحديث ص31 .
(2) الانتصار ص43 .(24/35)
وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً } (النساء:82) وقال تعالى { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً } (آل عمران: من الآية103)، وأما إذا نظرت إلى الأهواء والبدع رأيتهم متفرقين مختلفين وشيعاً وأحزاباً لا تكاد تجد اثنين منهم على طريقة واحدة في الاعتقاد يبدع بعضهم بعضاً بل يرتقون إلى التكفير يكفر الابن أباه والرجل أخاه والجار جاره، تراهم أبداً في تنازع وتباغض واختلاف تنقضي أعمارهم ولما تتفق كلماتهم تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون، أو ما سمعت أن المعتزلة مع اجتماعهم في هذا اللقب يكفر البغداديون منهم البصريين، والبصريون منهم البغداديين، ويكفر أصحاب أبي علي الجبائي ابنه أبا هاشم وأصحاب أبي هاشم يكفرون أباه أبا علي وكذلك سائر رؤوسهم وأرباب المقالات منهم إذا تدبرت أقوالهم رأيتهم متفرقين يكفر بعضهم بعضاً ويتبرأ بعضهم من بعض، وكذلك الخوارج والروافض فيما بينهم، وسائر المبتدعة بمثابتهم. وهل على الباطل دليل أظهر من هذا؟ قال تعالى { إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ } (الأنعام: من الآية159) وكان السبب في اتفاق أهل الحديث أنهم أخذوا الدين من الكتاب والسنة وطريق النقل فأورثهم الاتفاق والائتلاف وأهل البدعة أخذوا الدين من المعقولات والآراء فأورثهم الافتراق والاختلاف...ا.هـ (1)
__________
(1) الانتصار ص45 .(24/36)
وعلى هذا فذام السلفيين ذام لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لأن هدي السلفيين الذي هم عليه هو هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ومن خالف هذا الهدي وادعى أنه سلفي فدعواه مردودة؛ فإن العبرة بواقع الحال لا بدعوى اللسان كمثل هذا المالكي الطعان .
وبهذا تعلم لماذا جمع السلفيون الحق كله، وغيرهم لهم نصيب من الحق بقدر قربهم إليهم . ويحسن ههنا الإشارة إلى أمور:
الأمر الأول/ أن أهل السنة أهل اجتماع، وأهل البدع أهل افتراق؛ وذلك أن الناس زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه على الهدي النبوي، ومن خرج عن ذلك من أهل البدع في عهد التابعين ومن بعدهم فهم دعاة للافتراق عما كان عليه الجماعة المرضية. فإذا رأيت الرجل يدعو الناس إلى ما كان عليه الرسول وأصحابه، فاعلم أنه داعية اجتماع، فهو يرد المتفرقين إلى ما كانت عليه الجماعة الأولى، وقد ذكر المفسرون أن أهل الأهواء والبدع هم الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً، وأنهم المتبعون للسبل المضلة .(24/37)
الأمر الثاني / ليس لأهل السنة السلفيين مرجع إلا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسبيل السابقين الأولين – كما تقدم – وليس لهم رأس إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف غيرهم من الطوائف والأحزاب المحدثة، كالجهمية فإن رأسهم الجهم بن صفوان، والمعتزلة فإن رأسهم واصل بن عطاء وهكذا .. قال ابن القيم: ومنها- أي علامات أهل الحديث- أنهم لا ينتسبون إلى مقالة معينة ولا إلى شخص معين غير الرسول فليس لهم لقب يعرفون به ولا نسبة ينتسبون إليها، إذا انتسب سواهم إلى المقالات المحدثة وأربابها كما قال بعض أئمة أهل السنة، وقد سئل عنها فقال: السنة ما لا اسم له سوى السنة، وأهل البدع ينتسبون إلى المقالة تارة كالقدرية والمرجئة، وإلى القائل تارة كالهاشمية والنجارية والضراوية، وإلى الفعل تارة كالخوارج والروافض ، وأهل السنة بريئون من هذه النسب كلها، وإنما نسبتهم إلى الحديث والسنة ا.هـ(1).
__________
(1) مختصر الصواعق ص500 .(24/38)
الأمر الثالث / من كان على الحق فهو الجماعة الحقة الممدوحة شرعاً، ولو كان وحده ومن خالف الحق فهو مخالف للجماعة، ولو كانوا ألوفاً، فالعبرة بموافقة الجماعة الأولى لا بالكثرة لأن كل من خالف الجماعة الأولى فهو مبتدع ضال زائغ عن الحق قال أبو عصمة: سألت أبا حنيفة من أهل الجماعة ؟ قال: من فضل أبا بكر وعمر، وأحب علياً وعثمان، وآمن بالقدر خيره وشره من الله، ومسح على الخفين، ولم يكفر مؤمناً بذنب، ولم يتكلم في الله بشيء ا.هـ (1) ففسر أبو حنيفة الجماعة باتباع الحق. وقال عمرو بن ميمون: فقيل لعبد الله بن مسعود: وكيف لنا بالجماعة ؟ فقال لي: يا عمرو بن ميمون إن جمهور الجماعة هي التي تفارق الجماعة؟! إنما الجماعة ما وافق طاعة الله وإن كنت وحدك ا.هـ(2). قال ابن القيم: واعلم أن الإجماع والحجة والسواد الأعظم هو العالم صاحب الحق، وإن كان وحده، وإن خالفه أهل الأرض، قال عمرو بن ميمون الأودي: صحبت معاذاً باليمن، فما فارقته حتى واريته في التراب بالشام، ثم صحبت من بعده أفقه الناس عبد الله بن مسعود فسمعته يقول: عليكم بالجماعة، فإن يد الله مع الجماعة، ثم سمعته يوماً من الأيام وهو يقول: سيولي عليكم ولاة يؤخرون الصلاة عن مواقيتها، فصلوا الصلاة لميقاتها؛ فهي الفريضة، وصلوا معهم فإنها لكم نافلة، قال: قلت: يا أصحاب محمد ما أدري ما تحدثون، قال: وما ذاك؟ قلت: تأمرني بالجماعة وتحضني عليها ثم تقول لي: صل الصلاة وحدك وهي الفريضة، وصل مع الجماعة وهي نافلة قال: يا عمرو بن ميمون قد كنت أظنك من أفقه أهل هذه القرية، أتدري ما الجماعة؟ قلت: لا ، قال: إن جمهور الجماعة هم الذين فارقوا الجماعة! الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك. وفي لفظ آخر: فضرب على فخذي وقال: ويحك إن جمهور الناس فارقوا الجماعة، وإن الجماعة ما وافق
__________
(1) الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد للبيهقي ص107 .
(2) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي (1/109) .(24/39)
طاعة الله تعالى . وقال نعيم بن حماد: إذا فسدت الجماعة فعليك بما كانت عليه الجماعة قبل أن تفسد، وإن كنت وحدك، فإنك أنت الجماعة حينئذ، ذكرهما البيهقي وغيره . وقال بعض أئمة الحديث وقد ذكر له السواد الأعظم، فقال: أتدري ما السواد الأعظم ؟ هو محمد بن أسلم الطوسي وأصحابه. فمسخ المختلفون الذين جعلوا السواد والحجة والجماعة هم الجمهور، وجعلوهم عياراً على السنة، وجعلوا السنة بدعة، والمعروف منكراً لقلة أهله وتفردهم في الأعصار والأمصار، وقالوا: من شذ شذ الله به في النار، وما عرف المختلفون أن الشاذ ما خالف الحق وإن كان الناس كلهم عليه إلا واحداً منهم فهم الشاذون، وقد شذ الناس كلهم زمن أحمد بن حنبل إلا نفراً يسيراً، فكانوا هم الجماعة، وكانت القضاة حينئذ والمفتون والخليفة وأتباعه كلهم هم الشاذون، وكان الإمام أحمد وحده هو الجماعة، ولما لم يتحمل هذا عقول الناس قالوا للخليفة: يا أمير المؤمنين أتكون أنت وقضاتك وولاتك والفقهاء والمفتون كلهم على الباطل وأحمد وحده هو على الحق؟ فلم يتسع علمه لذلك، فأخذه بالسياط والعقوبة بعد الحبس الطويل، فلا إله إلا الله، ما أشبه الليلة بالبارحة، وهي السبيل المَهْيَع لأهل السنة والجماعة حتى يلقوا ربهم، مضى عليها سلفهم، وينتظرها خلفهم { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً } (الأحزاب:23) ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . ا.هـ(1)
__________
(1) أعلام الموقعين (3/ 409- 410 ) وانظر إغاثة اللهفان (1/ 70) .(24/40)
الأساس السادس / أهل السنة السلفيون يعتمدون – كما سبق – على الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح، ويدعمون كلامهم بالنقل عن العلماء الموثوقين؛ لأن عقيدتهم موروثة منقولة عمن سبق؛ لذا إذا قرروا قولاً في المعتقد بالأدلة الشرعية نسبوه إلى من سبق من العلماء، وهذا لا يعني بحال أنهم يحتجون بأقوال هؤلاء الرجال؛ فإن كلماتهم منثورة وعلى الأوراق مسطورة في تقرير أن أقوال الأئمة والعلماء لا يحتج بها وإذا عارضت دليلاً شرعياً فإنها ترد على قائلها، ولا يحل الاحتجاج بها. قال الإمام مالك والإمام أحمد: ليس أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ويؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم ا.هـ ونسب هذا القول لابن عباس ومجاهد (1).
وقال الإمام الشافعي: أجمع الناس على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس(2) .
__________
(1) انظر جامع بيان العلم وفضله ، وأصول الأحكام لابن حزم (6/ 145 ، 179 ) ومسائل أبي داود، وفتاوى السبكي (1/148) وصفة الصلاة للألباني ص49 .
(2) أعلام الموقعين (2/263) ومدارج السالكين(2/335) والروح ص246 .(24/41)
تنبيه/ لا يوجد عالم معصوم جامع لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، بل كل عالم تخفى عليه شيء من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن تيمية: وأما إحاطة واحد بجميع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا لا يمكن ادعاؤه قط ، واعتبر ذلك بالخلفاء الراشدين الذين هم أعلم الأمة بأمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته وأحواله، خصوصاً الصديق رضي الله عنه ؛ الذي لم يكن يفارقه حضراً ولا سفراً، بل كان يكون معه في غالب الأوقات، حتى إنه يسمر عنده بالليل في أمور المسلمين. وكذلك عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – فإنه صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يقول: دخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر، ثم مع ذلك لما سئل أبو بكر – رضي الله عنه- عن ميراث الجدة قال: مالك في كتاب الله شيء، وما علمت لك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من شيء، ولكن اسأل الناس ! فسألهم، فقام المغيرة بن شعبة ومحمد بن مسلمة فشهدا أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس ، وقد بلغ هذه السنة عمران بن حصين أيضاً، وليس هؤلاء الثلاثة مثل أبي بكر وغيره من الخلفاء، ثم قد اختصوا بعلم هذه السنة التي قد اتفقت الأمة على العمل بها . وكذلك عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – لم يكن يعلم سنة الاستئذان، حتى أخبره بها أبو موسى واستشهد بالأنصار، وعمر أعلم ممن حدثه بهذه السنة .– ثم قال – فمن اعتقد أن كل حديث صحيح قد بلغ كل واحد من الأئمة أو إماماً معيناً فهو مخطئ خطأ فاحشاً قبيحاً ا.هـ(1) إلا أن علماء السنة في دينهم وتقريراتهم العلمية لا يخرجون عمن سبق بقول محدث، فهم متبعون في عقيدتهم ( التي هي مبنية على النقل المحض والتسليم ) لذا الخلاف فيها قليل، ومن أخطأ منهم فخطؤه عليه لا ينسب إلى معتقد أهل السنة السلفيين . وهم – أيضاً – متبعون في المسائل الفقهية لا يخرجون عن أقوال سلفهم – كما سبق – إلا أن الخلاف في
__________
(1) مجموع الفتاوى (20 / 233 ، 238) .(24/42)
المسائل الفقهية كثير، لكون الشريعة جعلت فيها مجالاً للاجتهاد أكثر فعليه سمحت للخلاف فيها أكثر من غيرها كما ثبت في الصحيحين واللفظ للبخاري عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم الأحزاب:" لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة " فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيهم، وقال بعضهم: بل نصلي، لم يرد منا ذلك ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف واحداً منهم " وسبب كثرة الخلاف في هذا النوع أن للاجتهاد فيه مجالاً كثيراً .
الأساس السابع / المسائل الشرعية الخلافية نوعان:
النوع الأول / لا ينكر ولا يعنف فيه على القائل، ولا يلزم بتركه، أما القول نفسه فللمجتهد المخالف أن يبين ضعفه وكونه مرجوحاً، هذا النوع هو المسمى عند العلماء بالمسائل الاجتهادية. وهو كل قول لم يخالف إجماعاً أو سنة ظاهرة صريحة .(24/43)
النوع الثاني / ينكر ويعنف فيه على القائل، ويلزمه من له ولاية بتركه، والقول نفسه يرد ويبدع، وهذا النوع هو المسمى عند العلماء بالمسائل الخلافية، وهو كل قول يخالف إجماعاً أو سنة ظاهرة صريحة، قال ابن مفلح: وقال – أي ابن تيمية – في كتاب " بطلان التحليل – قولهم: ومسائل الخلاف لا إنكار فيها ليس بصحيح، فإن الإنكار إما أن يتوجه إلى القول بالحكم أو العمل: أما الأول فإن كان القول يخالف سنة أو إجماعاً قديماً وجب إنكاره وفاقاً، وإن لم يكن كذلك فإنه ينكر، بمعنى بيان ضعفه عند من يقول المصيب واحد وهم عامة السلف والفقهاء . وأما العمل إذا كان على خلاف سنة أو إجماع، وجب إنكاره أيضاً بحسب درجات الإنكار كما ذكرنا من حديث شارب النبيذ المختلف فيه، وكما ينقض حكم الحاكم إذا خالف سنة، وإن كان قد اتبع بعض العلماء، وأما إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع، وللاجتهاد فيه مساغ، فلا ينكر على من عمل بها مجتهداً أو مقلداً. وإنما دخل هذا اللبس من جهة أن القائل يعتقد أن مسائل الخلاف هي مسائل الاجتهاد، كما اعتقد ذلك طوائف من الناس. والصواب الذي عليه الأئمة أن مسائل الاجتهاد، ما لم يكن فيها دليل يجب العمل به وجوباً ظاهراً مثل حديث صحيح لا معارض له من جنسه فيسوغ – إذا عدم ذلك – الاجتهاد لتعارض الأدلة المقاربة، أو لخفاء الأدلة فيها .ا.هـ (1) قال أبو المظفر السمعاني: فأما الضرب الذي لا يسوغ فيه الاختلاف، كأصول الديانات من التوحيد وصفات الباري عز اسمه، وهي تكون على وجه واحد، لا يجوز فيه الاختلاف، وكذلك فروع الديانات التي يعلم وجوبها بدليل مقطوع به، مثل الصلاة والزكاة والصوم والحج، وكذلك المناهي الثابتة بدليل مقطوع به، فلا يجوز اختلاف القول في شيء من ذلك . فأما الذي يسوغ فيه الاختلاف، وهي فروع الديانات إذا استخرجت أحكامها بأمارات
__________
(1) الآداب الشرعية (1/ 191 ) وانظر كتاب إقامة الدليل على إبطال التحليل ص 181 .(24/44)
الاجتهاد ومعاني الاستنباط، فاختلاف العلماء فيه مسوغ، ولكل واحد منهم أن يعمل فيه بما يؤدي إليه اجتهاده ا.هـ(1)
وقال ابن القيم: وهذا يرد قول من قال: لا إنكار في المسائل المختلف فيها، وهذا خلاف إجماع الأئمة، ولا يعلم إمام من أئمة الإسلام قال ذلك…ا.هـ(2) وقال النووي: ثم العلماء إنما ينكرون ما أجمع عليه أما المختلف فيه فلا إنكار فيه .- ثم قال – لكن إن ندبه على جهة النصيحة إلى الخروج من الخلاف فهو حسن محبوب مندوب إلى فعله برفق ا.هـ(3)
تنبيه / إذا فهمت ما سلف عرفت أن المخالفين في الباب طائفتان :
الأولى / شددت على مخالفها في كل مسألة متنازع فيها حتى عاملت المسائل الاجتهادية معاملة المسائل الخلافية وهذا خطأ كما تقدم .
__________
(1) قواطع الأدلة في أصول الفقه ( 5/ 62) .
(2) أعلام الموقعين ( 3/ 299) .
(3) شرح مسلم (2/23) .(24/45)
الثانية / سهلت وتميعت وعاملت المسائل الخلافية معاملة المسائل الاجتهادية، فلم تنكر على من وقع في مسألة خلافية بزعم أن لكلٍ وجهة نظر. ومن مرادفات هذه العبارة ذم التوجه الأحادي أو ذم تقسيم الأمور إلى أسود وأبيض . وهذه الطائفة مخطئة وإنما يصح كلامها هذا في المسائل الاجتهادية لا المسائل الخلافية، ثم من لوازم كلامهم عدم الرد على المبتدعة من الجهمية والمعتزلة والشيعة والأشاعرة وهكذا …، ولا يُلزم أحدٌ باعتقاد سلف الأمة . وهذا – وللأسف – هو ما طبقه عملياً حسن البنا(1)
__________
(1) يحسن ههنا إبانة أمرين مهمين: موقف علمائئنا من هذه القاعدة، وبعض مزالق حسن البنا – رحمه الله – العقدية : الأول/ موقف علمائنا من هذه القاعدة : كسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ( مجموع الفتاوى (3/ 58) ) والشيخ محمد بن صالح العثيمين ( الصحوة الإسلامبة ضوابط وتوجيهات (1/218-219) والشيخ محمد ناصر الدين الألباني ( مجلة الفرقان الكويتية عدد 77 ص 22 ) وانظر كتاب زجر المتهاون بضرر قاعدة المعذرة والتعاون للشيخ حمد العثمان ، تقريظ الشيخ عبد المحسن العباد ومراجعة الشيخ صالح الفوزان .
الثاني / بعض مزالق حسن البنا / أنه صوفي بايع على الطريقة الحصفية (كتابه مذكرات الدعوة والداعية ص ( 25-28 ، 32 )) . ويرى شد الرحال إلى بعض القبور ( مذكرات الدعوة ص 33 ). وموالاة اليهود والنصارى بزعم أن الدين الإسلامي الحنيف لا يعاديهم ديناً وأنهم إخوان لنا وأن عداوتنا مع اليهود عداوة أرض فحسب (كتاب الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ ( 1/ 409) وكتاب في قافلة الإخوان المسلمين (1/ 194، 262 ) وكتاب حسن البنا مواقف في الدعوةوالتربية ص120، 163 )، وهو من دعاة القومية العربية (كتاب حسن البنا مبادئ وأصول في مؤتمرات خاصة ص63-64) ومن دعاة التقريب مع الشيعة (كتاب موقف علماء المسلمين من الشيعة والثورة الإسلامية ص13 وما بعده ، وكتاب ذكريات لا مذكرات ص 249-250)(24/46)
وإخوانه المسمون بجماعة الإخوان المسلمين انطلاقاً من قاعدة:نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه .
الأساس الثامن/ إثبات أهل السنة السلفيين الأسماء والصفات ( الذاتية والفعلية) لله لا يعني التشبيه، بل هو إثبات خاص يليق بجلال الله وعظيم سلطانه على غرار قوله تعالى { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } (الشورى: من الآية11). قال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي: فقلنا لهذا المعارض المدلس بالتشنيع: أما قولك: إن كيفية هذه الصفات وتشبيهها بما هو موجود في الخلق خطأ، فإنا لا نقول: إنه خطأ كما قلت، بل هو عندنا كفر، ونحن لكيفيتها وتشبيهها بما هو موجود في الخلق أشد أنفاً منكم، غير أنا كما لا نشبهها ولا نكيفها لا نكفر بها، ولا نكذب ولا نبطلها بتأويل الضلال، كما أبطلها إمامك المريسي في أماكن من كتابك، سنبينها لمن غفل عنها ممن حواليك من الأغمار إن شاء الله تعالى ا.هـ(1) ويوضح ذلك عدة مسالك أقتصر على ثلاثة منها :
المسلك الأول / أن أهل السنة نفوا عن أنفسهم التشبيه بل كفروا المشبهة المجسمة.
__________
(1) نقض عثمان بن سعيد على المريسي الجهمي ص 54 .(24/47)
قال أبو القاسم اللالكائي: سياق ما روي في تكفير المشبهة ثم روى بسنده عن علي بن عاصم قال: تكلم داود الجواربي في التشبيه فاجتمع فيها أهل واسط منهم: محمد بن يزيد وخالد الطحان وهشيم وغيرهم فأتوا الأمير وأخبروه بمقالته فأجمعوا على سفك دمه . فمات في أيامه فلم يصل عليه علماء أهل واسط . وروى بسنده عن يزيد بن هارون قال في الجهمية: يستتابون: إن الجهمية غلت ففرغت في غلوها إلى أن نفت وإن المشبهة غلت ففرغت في غلوها حتى مثلت . فالجهمية يستتابون والمشبهة – كذى – رماهم بأمر عظيم . وروى بإسناده عن نعيم بن حماد قال: من شبه الله بشيء من خلقه فقد كفر ومن أنكر ما وصف الله به نفسه فقد كفر فليس ما وصف الله به نفسه ورسوله تشبيه . وروى عن إسحاق بن راهويه أنه قال: من وصف الله فشبه صفاته بصفات أحد من خلق الله فهو كافر بالله العظيم لأنه وصف بصفاته إنما هو استسلام لأمر الله ولما سن الرسول . ا.هـ (1)
فهل يكون مشبهاً من كانت هذه أقواله ؟!
المسلك الثاني / أن أهل السنة نفوا علمهم بكيفيات الصفات وبدعوا من سأل عنها فضلاً عن الخوض فيها ، فلو كانوا مشبهين صفات الخالق بالمخلوق لعلموا كنه صفات الخالق ؛ لأنها كصفات المخلوقين المعلومة للبشر .
__________
(1) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم (3/ 528) .(24/48)
روى اللالكائي بإسناده عن الوليد بن مسلم قال: سألت الأوزاعي وسفيان الثوري ومالك بن أنس والليث بن سعد عن هذه الأحاديث التي فيها الرؤية فقالوا: أمروها بلا كيف ا.هـ(1) وروى اللالكائي والبيهقي عن سفيان بن عيينة قال: سئل ربيعة عن قوله: { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } (طه:5) كيف استوى؟ قال: الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول ومن الله الرسالة وعلى الرسول البلاغ وعلينا التصديق ا.هـ (2) وروى اللالكائي والبيهقي عن مالك نحوه . قال ابن تيمية: وهذا الجواب ثابت عن ربيعة شيخ مالك وقد روى هذا الجواب عن أم سلمة – رضي الله عنها – موقوفاً ومرفوعاً ولكن ليس إسناده مما يعتمد عليه، وهكذا سائر الأئمة قولهم يوافق قول مالك ا.هـ (3) . وقال الذهبي: هذا القول محفوظ عن جماعة كربيعة الرأي ومالك الإمام وأبي جعفر الترمذي، فأما أم سلمة فلا يصح … ا.هـ(4) وقال: هذا ثابت عن مالك، وتقدم نحوه عن ربيعة شيخ مالك، وهو قول أهل السنة قاطبة ا.هـ (5) .
المسلك الثالث / أن أهل السنة جعلوا من علامات أهل البدع رميهم لهم بأنهم مشبهة ومجسمة، فلو كانوا كذلك لما عابوا صنيع أهل البدع .
__________
(1) 3/531) .
(2) اللالكائي ( 3/ 398 ) والبيهقي في الأسماء والصفات ( 2/ 306) .
(3) الفتاوى ( 5/ 365 ) .
(4) العلو ( 1/ 630) .
(5) العلو (2/ 954 ) .(24/49)
روى اللالكائي عن إسحاق بن راهويه أنه قال: علامة جهم وأصحابه دعواهم على أهل الجماعة، وما أولعوا به من الكذب أنهم مشبهة بل هم المعطلة، ولو جاز أن يقال لهم: هم المشبهة لاحتمل ذلك ...ا.هـ (1) . وروى اللالكائي عن الإمام أبي حاتم أنه قال: وعلامة الزنادقة: تسميتهم أهل السنة حشوية، يريدون إبطال الآثار، وعلامة الجهمية: تسميتهم أهل السنة مشبهة ا.هـ (2) وقال الإمام أبو محمد البربهاري: وإن سمعت الرجل يقول: فلان مشبه، وفلان يتكلم في التشبيه، فاتهمه واعلم أنه جهمي ا.هـ (3)
الأساس التاسع / أهل الأهواء والبدع يعمدون إلى الكلام المتشابه المجمل دون البين المفصل لخديعة الجهال .
بسلوك أهل البدع هذا المسلك غرروا بالجهال، ولبسوا عليهم الحق بالباطل، فما إن يأتي السلفي ويبين المجمل من كلامهم، ويحكم المتشابه من قولهم، إلا وتراهم مفلسين منقلبين خاسرين كما قال تعالى { أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ } (النور: من الآية39) . قال ابن تيمية: وما يذكرون من الألفاظ المجملة، فإني أبينه وأفصله، لأن أهل الأهواء، كما قال الإمام أحمد في الرد على الزنادقة والجهمية فيما شكت فيه من متشابه القرآن وتأولت غير تأويله، قال – ثم ذكر نقلاً عن الإمام أحمد في وصف أهل البدع -: مختلفون في الكتاب، مجتمعون على مفارقة الكتاب، يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم، فنعوذ بالله من فتن المضلين. فقد أخبر أن أهل البدع والأهواء يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم ا.هـ(4)
__________
(1) 3/ 532 ) .
(2) 1/ 179) .
(3) شرح السنة ص 109 .
(4) التسعينية (1/ 215) .(24/50)
الأساس العاشر/ أسماء الله وصفاته توقيفية، فيثبت منها ما أثبته الكتاب والسنة الصحيحة، وينفى منها ما نفاه الكتاب والسنة الصحيحة، وما لم يثبت ولم ينف فلا ننفيه ولا نثبته بل نكل علمه إلى الله، فمن نفى ما لم ينفه الله، أو أثبت ما لم يثبته الله، فهو قائل على الله بغير علم، قال تعالى { وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } (الإسراء:36) وقال { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ } (الأعراف:33)(24/51)
قال حنبل بن إسحاق: سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل عن الأحاديث التي تروى عن النبي صلى الله عليه وسلم :" إن الله ينزل إلى السماء الدنيا "؟ فقال أبو عبد الله: نؤمن بها ونصدق بها ولا نرد شيئاً منها إذا كانت أسانيد صحاح، ولا نرد على رسول الله قوله، ونعلم أن ما جاء به الرسول حق حتى قلت لأبي عبد الله: ينزل الله إلى سماء الدنيا قال: قلت: نزوله بعلمه بماذا ؟ فقال لي: اسكت عن هذا، مالك ولهذا، امض الحديث على ما روي بلا كيف ولا حد إنما جاءت به الآثار وبما جاء به الكتاب . قال الله عز وجل { فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ } (النحل: من الآية74) ينزل كيف يشاء بعلمه وقدرته وعظمته أحاط بكل شيء علماً لا يبلغ قدره واصف، ولا ينأى عنه هرب هارب ا.هـ (1) . وقال الإمام أحمد: لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله لا يتجاوز القرآن والحديث ا.هـ(2) وقال ابن خزيمة: لست أحتج في شيء من صفات خالقي عز وجل إلا بما هو مسطور في الكتاب أو منقول عن النبي صلى الله عليه وسلم بالأسانيد الصحيحة الثابتة ا.هـ(3) قال الإمام أبو عثمان إسماعيل الصابوني – رحمه الله -: إن أصحاب الحديث المتمسكين بالكتاب والسنة – حفظ الله أحياءهم ورحم أمواتهم – يشهدون لله تعالى بالوحدانية، وللرسول صلى الله عليه وسلم بالرسالة والنبوة، ويعرفون ربهم عز وجل بصفاته التي نطق بها وحيه وتنزيله، أو شهد له بها رسوله صلى الله عليه وسلم على ما وردت الأخبار الصحاح به، ونقلته العدول الثقات عنه، ويثبتون له جل جلاله منها ما أثبت لنفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم – ثم قال – وكذلك يقولون في جميع الصفات التي نزل بذكرها القرآن، ووردت بها الأخبار الصحاح من السمع والبصر …ا.هـ(4) وقال ابن قدامة – رحمه
__________
(1) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/ 453 ) .
(2) مجموع الفتاوى (5/26) .
(3) كتاب التوحيد (1/ 51 ) .
(4) كتاب عقيدة السلف وأصحاب الحديث ص3 .(24/52)
الله –: وكل ما جاء في القرآن، أو صح عن المصطفى عليه السلام من صفات الرحمن، وجب الإيمان به، وتلقيه بالتسليم والقبول – ثم قال – فهذا وما أشبهه مما صح سنده، وعدلت رواته، نؤمن به، ولا نرده، ولا نجحده،…ا.هـ(1) قال ابن تيمية: ثم القول الشامل في جميع هذا الباب: أن يوصف الله بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله، وبما وصفه به السابقون، الأولون لا يتجاوز القرآن والحديث– ثم قال – ومذهب السلف: أنهم يصفون الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، ونعلم أن ما وصف الله به من ذلك فهو حق ليس فيه لغز ولا أحاجي؛ بل معناه يعرف من حيث يعرف مقصود المتكلم بكلامه؛ لاسيما إذا كان المتكلم أعلم الخلق بما يقول، وأفصح الخلق في بيان العلم، وأفصح الخلق في البيان والتعريف، والدلالة والإرشاد ا.هـ(2) . وقال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – في رده على الصابوني المعاصر: ثم ذكر الصابوني - هداه الله – تنزيه الله سبحانه عن الجسم والحدقة والصماخ واللسان والحنجرة وهذا ليس بمذهب أهل السنة، بل هو من أقوال أهل الكلام المذموم وتكلفهم، فإن أهل السنة لا ينفون عن الله إلا ما نفاه عن نفسه أو نفاه رسوله صلى الله عليه وسلم ولا يثبتون له إلا ما أثبته لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم ولم يرد في النصوص نفي هذه الأمور ولا إثباتها فالواجب الكف عنها وعدم التعرض لها بنفي ولا إثبات ا.هـ(3)
فإذا تقرر أنهم في هذا الباب ما بين ثلاث حالات :
__________
(1) لمعة الاعتقاد ص4 .
(2) مجموع الفتاوى ( 5/ 26 ) . وانظر لمعة الاعتقاد لابن قدامة ، وشأن الدعاء للخطابي ص111 ، وبدائع الفوائد (1/ 162 ) والجواب الصحيح (5/7) ومجموع الفتاوى لابن تيمية (9 / 301 ) ولوامع الأنوار للسفاريني (1/ 124) والقواعد المثلى للشيخ ابن عثيمين ص13 .
(3) مجلة البحوث الإسلامية (10/ 279) .(24/53)
الأولى / الإثبات لما أثبته الله وصح عن رسوله صلى الله عليه وسلم .
الثانية / النفي لما نفاه الله وصح عن رسوله صلى الله عليه وسلم .
الثالثة / التوقف؛ وذلك بأن لا ينفوا ما لم ينفه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يثبتوا ما لم يثبته الله ورسوله صلى الله عليه وسلم . ويخطئ البعض فتراه ينفي ما لم يره مثبتاً في الكتاب والسنة الصحيحة، وهذا خطأ لأنه قول على الله بغير علم ، لذا لم يقل السلف أن ما لم يثبت بالكتاب أو السنة الصحيحة ينفى، ولو كان عدم ثبوت الصفة في الكتاب أو السنة الصحيحة يقتضي النفي لبينه سلف الأمة .
تنبيه / قَصْرُ أئمة السلف هذا الباب على الكتاب والسنة برهان على أنهم لا يعتبرون ضعيفها دليلاً؛ لأن الحديث الضعيف ليس حجة، فهو من الشك أو الظن المرجوح، فكيف وقد صرحوا في عباراتهم باعتماد الحديث الصحيح – كما سبق – ويزيد هذا يقيناً – أيضاً – أنهم في باب الأحكام الفقهية لم يعتبروا إلا ما ثبت دون غيره كما قال الشافعي للإمام أحمد: أنتم أعلم بالرجال مني، فإذا كان الحديث الصحيح؛ فأعلموني به أي شيء يكون: كوفياً أو بصرياً أو شامياً، حتى أذهب إليه إذا كان صحيحاً ا.هـ(1) .
وقال: إذا صح الحديث فهو مذهبي ا.هـ(2) حتى إن الرجل عندهم إذا لم يعرف صحيح الحديث من ضعيفه لا يسمى عالماً، كما قال الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه: إن العالم إذا لم يعرف الصحيح والسقيم، والناسخ والمنسوخ من الحديث لا يسمى عالماً ا.هـ (3) .
فإن قيل: كيف الجمع بين هذا وصنيعهم في كتب الاعتقاد من إيراد الأحاديث الضعيفة ؟
فيقال: إن كتب الاعتقاد ما بين أن تروى الأحاديث والآثار بإسنادها أو لا . فإن كانت تروى بأسانيدها فالجواب من أوجه:
__________
(1) أخرجه أبو نعيم في الحلية (9/106 ) وابن الجوزي في مناقب الإمام أحمد ص499 وصححه الألباني في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ص 52 .
(2) المجموع للنووي (1/ 63 ) .
(3) معرفة علوم الحديث للحاكم ص 60 .(24/54)
1- أن هذا على قاعدة العلماء المعروفة وهي: أن من أسند فقد أحالك (1) ولا يلزم مثل هذا أن يبين صحيحها من سقيمها، ولا أن يقتصر على صحيحها .
2- أن إيراد الأحاديث والآثار الضعيفة بأسانيدها مفيد؛ وذلك بأن يعلم الناظر أنه ضعيف، أو قد يكون من جنس ما يختلف في تصحيحها وتضعيفها، واعتبار الشواهد بها فإلغاؤها يسد الباب على الآخرين الذين قد يخالفون في الحكم .
3- أن في بعض الأحاديث الضعيفة ما يصلح أن يكون امتحاناً لمن كان ضعيف التسليم في هذا الباب فما إن يرى الحديث المتضمن لصفة إلا وينكر هذه الصفة استبشاعاً لها. فبهذا ضعف التسليم عنده، وفرق عند أهل السنة بين عدم إثبات الصفة لضعف الحديث من جهة الإسناد عند المجتهد، وعدم إثبات الحديث استبشاعاً للصفة؛ لأن ما لم يثبت صفة من جهة الصناعة الحديثة لا يُثبت لله لكن لا ينفى ولا يستنكر – كما تقدم – لأن النفي يفتقر إلى دليل، كما أن الإثبات يفتقر إلى دليل .
روى عبد الله في السنة أثراً من طريق عبد الله بن خليفة عن عمر – رضي الله عنه – قال :" إذا جلس الرب عز وجل على الكرسي " فاقشعر رجل سماه أبي عند وكيع فغضب وكيع وقال :" أدركنا الأعمش وسفيان يحدثون بهذه الأحاديث لا ينكرونها " (2).
__________
(1) انظر التمهيد (1/4) جامع التحصيل ص34 تدريب الراوي (1/163) فتح المغيث (1/162 ) .
(2) السنة (1/ 302) رقم ( 587) .(24/55)
وقال المروذي: سألت أبا عبد الله ( أحمد بن حنبل ) عن عبد الله التيمي فقال: صدوق، وقد كتبت عنه من الرقائق، ولكن حكي عنه أنه ذكر حديث الضحك فقال: مثل الزرع الضحك وهذا كلام الجهمية، قلت: ما تقول في حديث ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر :" فضحك حتى بدت ( يعني لهواته وأضراسه) قال: هذا يشنع به، قلت: فقد حدثت به، قال: ما أعلم أنى حدثت به إلا محمد بن داود يعني المصيصي؛ وذلك أنه طلب إليّ فيه، قلت: أفليس العلماء تلقته بالقبول؟ قال: بلى ا.هـ (1)
فقوله: يشنع به مع إقرار أن العلماء تلقوه بالقبول دليل على أن السلف لم يستنكروه بل شنعوا به على المبتدعة . وقوله: إنه لم يحدث به إلا المصيصي دليل على عدم صحته عنده - والله أعلم .
قال أبو يعلى: قال الخلال: إنما نروي هذا الحديث، وإن كان في إسناده شيء، تصحيحاً لغيره؛ ولأن الجهمية تنكره ا.هـ(2). فأثر عمر – رضي الله عنه – ضعيف لأن عبد الله بن خليفة لا يكاد يعرف كما قال الذهبي(3) وحديث جابر في اللهات والأضراس ضعيف لا يثبت بهذه الزيادة، فإن المحفوظ من حديث جابر في صحيح مسلم وغيره بدونها .
أما إذا كانت كتب الاعتقاد لا تروى بأسانيدها فالجواب ما يلي :
__________
(1) إبطال التأويلات لأخبار الصفات (1/ 218) .
(2) إبطال التأويلات (1/ 141 ) .
(3) الميزان رقم (4290) .(24/56)
1/ أن التضعيف والتصحيح في كثير من صوره تختلف فيه أنظار العالمين به، فليس قول أحد قاضياً على قول الآخر، فقد يكون الحديث الضعيف عندك من هذا النوع الذي يخالفك فيه المصنف لمخالفته في توثيق من تختار ضعفه، أو لكونه وقف على طريق لم تقف عليه . قال ابن تيمية: ولا يقولن قائل: إن الأحاديث قد دونت وجمعت، فخفاؤها – والحال هذه – بعيد . لأن هذه الدواوين المشهورة في السنن إنما جمعت بعد انقراض الأئمة المتبوعين - رحمهم الله -. ومع هذا فلا يجوز أن يدعى انحصار حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في دواوين معينة. ثم لو فرض انحصار حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليس كل ما في الكتب يعلمه العالم. ولا يكاد ذلك يحصل لأحد. بل قد يكون عند الرجل الدواوين الكثيرة، وهو لا يحيط بما فيها. بل الذين كانوا قبل جمع هذه الدواوين كانوا أعلم بالسنة من المتأخرين بكثير. لأن كثيراً مما بلغهم – وصح عندهم – قد لا يبلغنا إلا عن مجهول، أو بإسناد منقطع، أو لا يبلغنا بالكلية. فلقد كانت دواوينهم صدورهم التي تحوي أضعاف ما في الدواوين . وهذا أمر لا يشك فيه من علم بالقضية ا.هـ(1)
2/ أن إيراد الحديث الضعيف قد يكون من قبيل الخطأ الذي وقع فيه المصنف؛ فإن آحاد أهل السنة ليسوا معصومين، وإنما هم معصومون فيما يجمعون عليه؛ لأنهم أخذوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه كما تقدم . ولعل من هذا القبيل ما عاب به بعضهم أبا يعلى الفراء في كتابه إبطال التأويلات لإيراده الأحاديث الضعيفة (2).
3/ أن في بعض الأحاديث الضعيفة ما يصلح أن يكون امتحاناً لمن كان ضعيف التسليم في هذا الباب... وقد تقدم في الوجه الثالث من الكلام على كتب العقائد المسندة فليراجع .
__________
(1) رفع الملام عن الأئمة الأعلام ص10 – 11 .
(2) انظر درء التعارض (5/ 238 ) .(24/57)
بعد هذه الأسس العشرة، التي هي بوابة الرد على ابن فرحان المالكي، فإني أبدأ – بتوفيق الله – في بيان ظلمه وجنايته وجهله تجاه كتب العقائد السلفية وأئمتها الذين هم مصابيح الدجى وأعلام الهدى، لترى بعيني رأسك وتعقل بقلبك، وتلمس بيدك ظلمه وجنايته وجهله، بل –وللأسف– كذبه. وقد سلكت في ذلك مسلك الاختصار.
التعقيبات الأحد عشر :
قد بلغت عدد التعقيبات على ضلالاته وجهالاته أحد عشر تعقيباً وإليكها تعقيباً تعقيباً:
التعقيب الأول / أنكر تقسيم التوحيد إلى أقسام ثلاثة: ربوبية وألوهية وأسماء وصفات، وزعم أنه تقسيم مبتدع فقال: والتفريق نفسه تفريق مبتدع ليس في كتاب الله ولا سنة رسوله ولم يقل بهذا التفريق أحد من الصحابة ولا التابعين ا.هـ(1) .
فإن تعجب فاعجب لمثل هذا التقرير العاطل الباطل الدال – لزاماً – على جهل المالكي بضابط البدعة، أو جهله بحقيقة هذا التقسيم، أو بكلا الأمرين. وهذا ليس ببعيد عن رجل لم يفهم المعتقد السلفي الواضح في تقريراته وأدلته، فزاد على جهله به أن عاد ناقداً وذاماً له فصدق في حقه:
وكم من عائبٍ قولاً صحيحاً وآفته من الفهم السقيم
وإليك التدليل على جهله بأحد هذين الأمرين، أو كليهما ؛ وذلك من وجهين:
__________
(1) ص116 .(24/58)
1/ أن من شروط المحدث حتى يكون بدعة أن يكون مقتضى ( أي سبب ) فعله موجوداً في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ولم يفعلوا، أما إذا لم يكن مقتضى الفعل موجوداً ثم وجد المقتضى بعد ذلك ففعل ما هو كذلك ليس بدعة، وذلك مثل جمع أبي بكر وعمر للمصحف خشية ذهابه، فمقتضى ( أي سبب ) هذا الفعل ليس موجوداً في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه بين أظهرهم فلا يخشى ذهاب القرآن فلا داعي لجمعه، لكن بعد موته خشي ذهابه، لذا أدرك أبو بكر بفقهه الدقيق ضرورة الجمع حتى لا يذهب(1) . ومثله يقال في تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام، ومن تقسيم العلم الشرعي إلى فقه وتوحيد وتفسير، وتقسيم علوم الآلة إلى أصول الفقه ومصطلح الحديث وأصول التفسير وهكذا … فإن المراد منه تقريب العلم وتسهيله، وهذا كله لم يكن مقتضى (سبب) إيجادها موجوداً في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة، وإنما وجد بعدُ؛ وذلك لأن الأقوال المنسوبة للعلم كثرت، فإن العلم كلما بعد عن عهد النبوة كثر الكلام فيه، وهؤلاء المتكلمون ما بين مصيبين أومخطئين، وكل منهم يدلل على صحة قوله بالنسبة لمخالفه وهكذا … ذكر عن علي – رضي الله عنه – أنه قال:" العلم نقطة كثرها الجاهلون " (2) ، وأيضاً مما زاد كمية العلم شرح العلماء لكلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وكلام من سبقهم لتقريب العلم وتسهيله على المبتدئ، وهذا خير – ولله الحمد -، وأيضاً مما زاده الرد على المخالفين من المبتدعة الضالين، فإن هذا مطلب شرعي واجب تمايز به أهل الحق عمن عداهم، مع
__________
(1) انظر اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 598 ) وحقيقة البدعة ( 2/183) وأصول البدع ص225 وقواعد معرفة البدع ص33 .
(2) فإن قيل: لما لا يصفى العلم الموروث من غيره؟ فيقال: تصفيته في كثير منه اجتهادي قابل للخطأ والزلل، ولا يصح للمجتهد أن يقلد غيره فمن ثم لزم كل مجتهدٍ دراسة هذا كله لتميز الراجح من الرجيح والموروث من غيره .(24/59)
كونه مكثراً للعلم إلا أنه ضروري لتنقية ميراث النبوة مما هو دخيل عليه. ومع تضاعف كمية المنسوب للعلم زمناً بعد زمن فإن أذهاننا – في الجملة – خملت وحفظنا ضعف بالنسبة لمن قبلنا .
وذكر الإمام ابن القيم عن الصحابة كلاماً يفيد في بيان الفارق بين الصحابة ومن بعدهم، ومثل هذا من بعض الوجوه يصلح للتفريق بين من بعد الصحابة بالنسبة لمن بعدهم وهكذا ... قال – رحمه الله-: فالعربية طبيعتهم وسليقتهم، والمعاني الصحيحة مركوزة في فطرهم وعقولهم، ولا حاجة بهم إلى النظر في الإسناد وأحوال الرواة وعلل الحديث والجرح والتعديل، ولا إلى النظر في قواعد الأصول وأوضاع الأصوليين، بل قد غنوا عن ذلك كله، فليس في حقهم إلا أمران، أحدهما: قال الله تعالى كذا، وقال رسوله كذا، والثاني: معناه كذا وكذا، وهم أسعد الناس بهاتين المقدمتين، وأحظى الأمة بهما، فقواهم متوفرة مجتمعة عليهما وأما المتأخرون فقواهم متفرقة وهمهم متشعبة، فالعربية وتوابعها قد أخذت من قوى أذهانهم شعبة، والأصول وقواعدها قد أخذت منها شعبة، وعلم الإسناد وأحوال الرواة قد أخذ منها شعبة، وفكرهم في كلام مصنفيهم وشيوخهم على اختلافهم وما أرادوا به قد أخذ منها شعبة، إلى غير ذلك من الأمور، فإذا وصلوا إلى النصوص النبوية إن كان لهم همم تسافر إليها وصلوا إليها بقلوب وأذهان قد كلت من السير في غيرها، وأوهن قواهم مواصلة السرى في سواها، فأدركوا من النصوص ومعانيها بحسب تلك القوة، وهذا أمر يحس به الناظر في مسألة إذا استعمل قوى ذهنه في غيرها، ثم صار إليها وافاها بذهن كالّ وقوة ضعيفة ا.هـ(1) فإذا عرفت ما سبق تقريره عرفت أن الموجب لهذا التقسيم تقريب العلم، وأن الداعي له لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لذا لم يفعلوه، ومثل هذا لا يوصف بالبدعة إلا عند من يهرف بما لا يعرف .
__________
(1) أعلام الموقعين (4/ 149) .(24/60)
2/ ليس في تقسيم العلوم إلى ما سبق، أو التوحيد إلى أقسامه الثلاثة أي ضرر ؛ لأنه تقسيم استقراء لما هو مذكور في الكتاب والسنة، وليس فيه إيجاد شيء لم يكن موجوداً .
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: وقد دلّ استقراء القرآن العظيم على أن توحيد الله ينقسم إلى ثلاثة أقسام ا.هـ . وقال الشيخ بكر أبو زيد: هذا التقسيم الاستقرائي لدى متقدمي علماء السلف أشار إليه ابن مندة وابن جرير الطبري وغيرهما، وقرره شيخا الإسلام ابن تيمية وابن القيم، وقرره الزبيدي في تاج العروس وشيخنا الشنقيطي في أضواء البيان في آخرين رحم الله الجميع، وهو استقراء تام لنصوص الشرع، وهو مطرد لدى أهل كل فن ،كما في استقراء النحاة كلام العرب إلى اسم وفعل وحرف، والعرب لم تفه بهذا، ولم يعتب على النحاة في ذلك عاتب، وهكذا من أنواع الاستقراء ا.هـ(1) فبان لك – إن شاء الله – أن هذا التقسيم من المصالح المرسلة لا البدع المحدثة، والخلط بينهما يؤدي إلى تجويز البدع أو تحريم المصالح المرسلة قال الشاطبي: فإن كثيراً من الناس عدو أكثر المصالح المرسلة بدعاً، ونسبوها إلى الصحابة والتابعين، وجعلوها حجة فيما ذهبوا إليه من اختراع العبادات ا.هـ(2)
- التعقيب الثاني / قال : وهذا التفريق هو الذي جعل مقلدي ابن تيمية يزعمون ( أن الله لم يبعث الرسل إلا من أجل توحيد الألوهية أما توحيد الربوبية فقد أقر به الكفار!!) ونسوا أن فرعون قال { أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى } (النازعات: من الآية24) وقوله { يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي } (القصص: من الآية38) وأن صاحب إبراهيم قال { أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ } (البقرة: من الآية258)ا.هـ (3) في كلامه هذا عدة جهالات من أوجه :
__________
(1) التحذير من مختصرات الصابوني ص30 . وانظر كتاب القول السديد في الرد على من أنكر تقسيم التوحيد للشيخ عبد الرزاق العباد البدر .
(2) الاعتصام ( 2/ 607 ) .
(3) ص116 .(24/61)
الوجه الأول / أن كلامه هذا يؤكد جهله بمعنى التقسيم الثلاثي لأنواع التوحيد، وذلك أن غاية ما في هذا التقسيم إبراز لما هو موجود في الكتاب والسنة وتقريبه لا إحداث أقسام جديدة فقوله تعالى { أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ } (لأعراف: من الآية54)راجع إلى توحيد الربوبية الذي هو إقرار بأفعاله ، وقوله تعالى { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً } (النساء: من الآية36)راجع إلى توحيد الألوهية الذي معناه : إفراد الله بالعبادة دون أحد سواه، وقوله تعالى { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى } (لأعراف: من الآية180)راجع إلى توحيد الأسماء والصفات الذي هو إثبات أسماء الله وصفاته من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، فإذا تبين هذا تبين أن هذا التقسيم لا يحدث شيئاً . وما يحصل بسببه هو حاصل قبل إبرازه وتقسيمه والله يحبه؛ لأنه موجود قبل ذكر هذه الأقسام في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
الوجه الثاني / أنه يوهم بكلامه أن الإمام ابن تيمية تفرد بهذا التقسيم، وهذا يدل على جهله وقلة اطلاعه، وإلا فإن هذا التقسيم معروف عن جماعة من أهل العلم كأبي حنيفة وصاحبه أبي يوسف وابن بطة وابن مندة وغيرهم – كما تراه في كتاب القول السديد في الرد على من أنكر تقسيم التوحيد - ثم على فرض أن ابن تيمية انفرد بهذا التقسيم، فما الضير بما أن هذه الأقسام الثلاثة موجودة في كتاب الله ؟ لاسيما والإمام ابن تيمية معروف بالاستقراء وسعة الاطلاع لنصوص الوحيين وبالأخص ما يتعلق بعلم التوحيد .(24/62)
الوجه الثالث/ يكابر هذا الجهول في رد ما قرره القرآن الكريم كثيراً من أن كفار قريش كانوا مقرين بتوحيد الربوبية، وزاد على جهله الكذب على مثل الإمام أبي العباس ابن تيمية – رحمه الله – ولا غرابة؛ فإن الرجل كلما علت إمامته في السنة كثر أعداؤه من أهل البدعة، وهذه محمدة لهذا الإمام لا مذمة، قال ابن تيمية: وهذا التوحيد – أي الربوبية - كان يقر به المشركون الذين قال الله عنهم { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ } (لقمان: من الآية25) وقال تعالى { قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ.سَيَقُولُونَ لِلَّهِ } (المؤمنون:86) وقال عنهم { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ } (يوسف:106) قال طائفة من السلف: يقول لهم من خلق السماوات والأرض ؟ فيقولون : الله، وهم مع هذا يعبدون غيره. وإنما التوحيد الذي أمر الله به العباد هو توحيد الألوهية، المتضمن لتوحيد الربوبية بأن يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً، فيكون الدين كله لله، ولا يخاف إلا الله، ولا يدعى إلا الله، ويكون الله أحب إلى العبد من كل شيء، فيحبون لله، ويبغضون لله، ويعبدون الله، ويتوكلون عليه – ثم قال – فالتوحيد الأول – أي الأسماء والصفات -: يتضمن إثبات نعوت الكمال لله، بإثبات أسمائه الحسنى، وما تتضمنه من صفاته . والثاني : يتضمن إخلاص الدين له كما قال { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } (التوبة: من الآية31)فالأول: براءة من التعطيل، والثاني: براءة من الشرك . وأصل الشرك: إما التعطيل مثل تعطيل فرعون موسى، والذي حاج إبراهيم في ربه خصم إبراهيم، والدجال مسيح الضلال خصم مسيح الهدى عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم، وإما الإشراك وهو كثير في الأمم أكثر من التعطيل، وأهله(24/63)
خصوم جمهور الأنبياء. وفي خصوم إبراهيم ومحمد صلى الله عليه وسلم معطلة ومشركة. لكن التعطيل المحض للذات قليل، وأما الكثير فهو تعطيل صفات الكمال، وهو مستلزم لتعطيل الذات ا.هـ (1) وقال: والمشركون كانوا يقرون بهذا التوحيد الذي هو نفي خالقين، لم يكن مشركو العرب تنازع فيه. ولهذا قال الله لهم { أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (النحل:17) فكانوا يعترفون بأن آلهتهم لا تخلق . ولهذا ذكر الله تعالى هذا التقرير بعد قوله ( قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ . سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ . قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ . سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ . قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ . سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ .بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ . مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ . عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } (المؤمنون:84 - 92) ولم يكن إشراكهم أنهم جعلوهم خالقين، بل أن جعلوهم وسائط في العبادة، فاتخذوهم شفعاء، وقالوا: إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى . كما قال الله تعالى عنهم { وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } (يونس:18)
__________
(1) منهاج السنة النبوية (3 / 289) .(24/64)
ا.هـ(1) وقال : ومعلوم أن أحداً من الخلق لم يزعم أن الأنبياء والأحبار والرهبان أو المسيح بن مريم شاركوا الله في خلق السماوات والأرض، بل ولا زعم أحد من الناس أن العالم له صانعان متكافئان في الصفات والأفعال، بل ولا أثبت أحد من بني آدم إلهاً مساوياً لله في جميع صفاته، بل عامة المشركين بالله مقرون بأنه ليس شريكه مثله، بل عامتهم مقرون أن الشريك مملوك له سواء كان ملكاً أو نبياً أو كوكباً أو صنماً، كما كان مشركو العرب يقولون في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك، إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك، فأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوحيد، فقال:" لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك ". وقد ذكر أرباب المقالات ما جمعوا من مقالات الأولين والآخرين في الملل والنحل والأراء والديانات، فلم ينقلوا عن أحد إثبات شريك مشارك له في خلق جميع المخلوقات، ولا مماثل له في جميع الصفات، بل من أعظم ما نقلوا في ذلك قول الثنوية، الذين يقولون بالأصلين: النور والظلمة، وأن النور خلق الخير، والظلمة خلقت الشر، ثم ذكروا لهم في الظلمة قولين: أحدهما: أنها محدثة، فتكون من جملة المخلوقات له، والثاني: أنها قديمة، لكنها لم تفعل إلا الشر، فكانت ناقصة في ذاتها وصفاتها ومفعولاتها عن النور. – ثم قال- ومعلوم أن المشركين من العرب الذين بعث إليهم محمد صلى الله عليه وسلم أولاً لم يكونوا يخالفونه في هذا، بل كانوا يقرون بأن الله خالق كل شيء، حتى إنهم كانوا مقرين بالقدر أيضاً، وهم مع هذا مشركون . وقد تبين أنه ليس في العالم من ينازع في أصل هذا الشرك، ولكن غاية ما يقال: إن من الناس من جعل بعض الموجودات خلقاً لغير الله، كالقدرية وغيرهم، لكن هؤلاء يقرون بأن الله خالق العباد وخالق قدرتهم، وإن قالوا: إنهم خالقوا أفعالهم . – ثم قال – فأما من أنكر الصانع فذلك جاحد معطل للصانع،
__________
(1) منهاج السنة (3/330 ) .(24/65)
كالقول الذي أظهره فرعون، والكلام الآن مع المشركين بالله المقرين بوجوده، فإذاً هذا التوحيد الذي قرروه لا ينازعهم فيه هؤلاء المشركون، بل يقرون به مع أنهم مشركون، كما ثبت بالكتاب والسنة والإجماع، وكما علم بالاضطرار من دين الإسلام. ا.هـ(1) وقال: وأشهر من عرف تجاهله وتظاهره بإنكار الصانع فرعون، وقد كان مستيقناً في الباطن، كما قال له موسى { قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ } (الاسراء: من الآية102) وقال تعالى عنه وعن قومه { وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً } (النمل: من الآية14) ا.هـ (2) .
من كلام ابن تيمية السابق والأدلة التي أوردها يتبين أن كفار قريش كانوا مقرين بتوحيد الربوبية، وإن كان في الكفار المعادين لإبراهيم عليه السلام من أنكر الربوبية، لكن ليسوا من كفار قريش، فابن تيمية لم يعمم كلامه، وإنما كلامه في كفار قريش. ثم هؤلاء المنكرون لوجوده قلة، وإنكارهم مكابرة، وإلا فهم مستيقنون به في أنفسهم . وقد ذكر ابن كثير أن ملك بابل نمرود بن كنعان الذي حاج إبراهيم عليه السلام كان معانداً مكابراً (3).
__________
(1) التدمرية ص 176 .
(2) درء تعارض العقل والنقل (8/38) .
(3) التفسير (1/686 ) .(24/66)
ومن عجيب أمر هذا المالكي أنه نسب إلى ابن تيمية تكفير المسلمين ودافع هذه الفرية الجهل والظلم، أما الجهل: فهو عدم معرفته الفرق بين النوع والعين – كما سيأتي -، أما الظلم: فهو مخالفته لكلام ابن تيمية الصريح في بيان حاله لما قال – رحمه الله - : هذا مع أني دائماً ومن جالسني يعلم ذلك مني: أني من أعظم الناس نهياً عن أن ينسب معين إلى تكفير، وتفسيق، ومعصية، إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافراً تارة، وفاسقاً أخرى، وعاصياً أخرى، وإني أقرر أن الله قد غفر لهذه الأمة خطأها: وذلك يعم الخطأ في المسائل الخبرية القولية والمسائل العملية ا.هـ(1)
وقال: ولهذا كنت أقول للجهمية من الحلولية والنفاة الذين نفوا أن الله تعالى فوق العرش لما وقعت محنتهم: أنا لو وافقتكم كنت كافراً لأني أعلم أن قولكم كفر، وأنتم عندي لا تكفرون لأنكم جهال، وكان هذا خطاباً لعلمائهم وقضاتهم وشيوخهم وأمرائهم ا.هـ(2) .
بعد أن عرفت – أيها القارئ – ابن تيمية وأنه من أقل الناس تكفيراً للمعين، وشدة إعذاره للمخالف، فلماذا يصر المالكي على افترائه، والتقول عليه؟ ولماذا لا نراه يتسلط على الرافضة مكفرة الصحابة ومكفرة أكثر المسلمين عياناً لا نوعاً فحسب؟ أدع الجواب للقارئ العارف بحال المالكي .
التعقيب الثالث / قوله : وهذا التفريق والاستنتاجات السابقة جرأت مقلدي ابن تيمية – رحمه الله وسامحه- على تكفير المسلمين الذين حصل لهم خطأ في الاعتقاد وكان الأولى أن يخطأوا أو يبدعوا – إن ثبت عليهم ذلك – لا أن يتهموا بالشرك وهم قائمون بأركان الإسلام وأركان الإيمان ا.هـ(3) في كلامه هذا جهالات عظام من أوجه :
__________
(1) مجموع الفتاوى ( 3/ 229) .
(2) الرد على البكري ص260 .
(3) ص 117 .(24/67)
الوجه الأول / جعل هذا التقسيم سبباً في تكفير المسلمين عند مقلدي ابن تيمية – على حد قوله – من البهتان، وذلك أنه قد سبق بيان أن مدلول هذا التقسيم موجود في كتاب الله ويعرفه كل أهل العلم، فلا يصح تخصيص مقلدي ابن تيمية به لاسيما وقد نطق بهذا التقسيم من هو أقدم من ابن تيمية كما سبق، والذي دعاه إلى تخصيص من سماهم مقلدي ابن تيمية مرض في قلبه يعرفه من عرف حال هذا المالكي الظلوم .
الوجه الثاني / أن جهل المالكي أو ظلمه هو الذي جعله يعتبر هذا التقسيم الثلاثي سبباً في تكفير المسلمين، فأين يا ظلوم من كفر المسلمين؟ وإن من كفر من وقع في شرك الربوبية أو الألوهية أو الأسماء والصفات تكفير نوع أو تكفير عين لمن توافرت في حقه الشروط وانتفت عنه الموانع فهو مكفر من كفره الشرع لأن الشرع كفره، ومن كفر بناء على دليل شرعي صحيح فهذه من محامده، لأنه استجاب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وإنما يذم من خالف ذلك كهذا المالكي الجهول.(24/68)
الوجه الثالث / لم يبين المالكي من مقلدو ابن تيمية حتى ننظر في مصداق قوله – لاسيما وهو ممن لا يوثق بنقله ولا بفهمه لما سبق – وإلا فالذي يعرف ابن تيمية يعرف أنه لم ينفرد بمعتقده في توحيد الربوبية والألوهية والأسماء والصفات، بل إنه – رحمه الله – دعا لما كان عليه السلف الصالح كما قال في صدر العقيدة التي كتبها لرجل بواسط: أما بعد فهذا اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة أهل السنة والجماعة ...ا.هـ وقال:ما جمعت إلا عقيدة السلف الصالح جميعهم، ليس للإمام أحمد اختصاص بهذا، والإمام أحمد إنما هو مبلغ العلم الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، ولو قال أحمد من تلقاء نفسه ما لم يجئ به الرسول لم نقبله، وهذه عقيدة محمد صلى الله عليه وسلم !! وقلت مرات: قد أمهلت كل من خالفني في شيء منها ثلاث سنين، فإن جاء بحرف واحد عن أحد القرون الثلاثة – التي أثنى عليها النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال:" خير القرون القرن الذي بعثت فيه، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم " – يخالف ما ذكرته فأنا أرجع عن ذلك ا.هـ(1) . فالمالكي مطالب ببيان من يقصد بمقلدي ابن تيمية، وإلا فإن الكلام بالمجملات التي هي طريقة أهل البدع لا تسمن ولا تغني من جوع .
الوجه الرابع / قرر المالكي الجهول أن من كان قائماً بأركان الإسلام وأركان الإيمان لا يكفر، ولو وقع في مكفر، وههنا وقع في خطأين :
الأول : أنه تصور رجلاً قائماً بأركان الإسلام وأركان الإيمان حقيقة مع وقوعه في الكفر والشرك الأكبر، وهذا ممتنع شرعاً؛ لأن القيام بهذه الأمور لا يجتمع مع الكفر والشرك الأكبرين؛ فإنهما نقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان .
__________
(1) مجموع الفتاوى (3/169) وانظر ( 3/189، 358) .(24/69)
الثاني: أنه على فرض قيام المسلم بهذه الأمور فإنه بمجرد وقوعه في الكفر تحبط أعماله كلها ولا تنفعه ويصير كافراً مرتداً بعد كونه مسلماً كما قال تعالى { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } (الزمر: من الآية65) وقال { وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } (الأنعام: من الآية88) .
الوجه الخامس/ لا يفرق ابن فرحان المالكي بين تكفير العمل، وتكفير العامل، وبعبارة أخرى: بين تكفير النوع وتكفير العين، فلما رأى كلام الإمام ابن تيمية وأئمة السنة في تكفير أعمال ظنهم يكفرون كل معين يعمل بهذه الأعمال، وهذا من الجهل والتقول عليهم، فإن هؤلاء الأئمة لا يحكمون على عمل بأنه كفر إلا بدليل شرعي معتبر، وإذا وجد معين عمل بهذا المكفر لم يكفروه حتى تتوافر في حقه الشروط وتنتفي عنه الموانع، قال ابن تيمية: : وسبب هذا التنازع تعارض الأدلة فإنهم يرون أدلة توجب إلحاق أحكام الكفر بهم ، ثم إنهم يرون من الأعيان الذين قالوا تلك المقالات من قام به من الإيمان ما يمتنع أن يكون كافراً ، فيتعارض عندهم الدليلان ، وحقيقة الأمر أنهم أصابهم في ألفاظ العموم في كلام الأئمة ما أصاب الأولين في ألفاظ العموم في نصوص الشارع ، كلما رأوهم قالوا : من قال كذا فهو كافر ، اعتقد المستمع أن هذا اللفظ شامل لكل من قاله ، ولم يتدبروا أن التكفير له شروط وموانع قد تنتفي في حق المعين ، وأن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع ، يبين هذا أن الإمام أحمد وعامة الأئمة الذين أطلقوا هذه العمومات لم يكفروا أكثر من تكلم بهذا الكلام بعينه . فإن الإمام أحمد – مثلاً – قد باشر الجهمية الذين دعوه إلى خلق القرآن ونفي الصفات وامتحنوه وسائر علماء وقته وفتنوا المؤمنين والمؤمنات الذين لم يوافقوهم على التجهم بالضرب والحبس والقتل والعزل عن الولايات وقطع الأرزاق(24/70)
ورد الشهادة وترك تخليصهم من أيدي العدو ؛ بحيث كان كثير من أولي الأمر إذ ذاك من الجهمية من الولاة والقضاة وغيرهم : يكفرون كل من لم يكن جهمياً موافقاً لهم على نفي الصفات مثل القول بخلق القرآن – ثم قال – ومعلوم أن هذا من أغلظ التجهم ؛ فإن الدعاء إلى المقالة أعظم من قولها وإثابة قائلها وعقوبة تاركها أعظم من مجرد الدعاء إليها والعقوبة بالقتل لقائلها أعظم من العقوبة بالضرب . ثم إن الإمام أحمد دعا للخليفة وغيره ممن ضربه وحبسه واستغفر لهم وحللهم مما فعلوه به من الظلم والدعاء إلى القول الذي هو كفر ولو كانوا مرتدين عن الإسلام لم يجز الاستغفار لهم فإن الاستغفار للكفار لا يجوز بالكتاب والسنة والإجماع ، وهذه الأقوال والأعمال منه ومن غيره من الأئمة صريحة في أنهم لم يكفروا المعينين من الجهمية الذين كانوا يقولون : القرآن مخلوق ، وإن الله لا يرى في الآخرة – ثم قال – أو يحمل الأمر على التفصيل . فيقال : من كفّر بعينه فلقيام الدليل على أنه وجدت فيه شروط التكفير وانتفت موانعه ومن لم يكفره بعينه فلنتفاء ذلك في حقه هذا مع إطلاق قوله بالتكفير على سبيل العموم . والدليل على هذا الأصل : الكتاب والسنة والإجماع والاعتبار ا.هـ(1) وقال : فهذا الكلام يمهد أصلين عظيمين … - ثم قال – والأصل الثاني: أن التكفير العام – كالوعيد العام – يجب القول بإطلاقه وعمومه . وأما الحكم على المعين بأنه كافر أو مشهود له بالنار : فهذا يقف على الدليل المعين، فإن الحكم يقف على ثبوت شروطه وانتفاء موانعه ا.هـ(2)
__________
(1) مجموع الفتاوى (12/487) .
(2) 12/497) .(24/71)
تنبيه / إذا تبين لك أن هذا المالكي يجهل مسلمات وبدهيات مسائل توحيد الألوهية القائمة على الأدلة المتواترة من الكتاب والسنة عجِبْتَ كيف سمحت له نفسه أن يتطاول بظلم وبغي وافتراء على كتاب من خيرة ما كتب الإمام المجدد المصلح محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – ألا وهو كتاب كشف الشبهات، لكن إذا عرفت مَنْ المالكي؟ وما قدر فهمه؟ وإلى أي حد بلغ به الجهل في مسائل التوحيد، لم تستنكر صدور مثل هذا منه. وكما قيل: لا يبلغ الأعداء من الجاهل ما يبلغ الجاهل من نفسه .
التعقيب الرابع / يذم المالكي الحنابلة كثيراً في كتابه ويردد قوله: إنه مذهب قائم على الاجتهاد، وأنهم لم يجمعوا الحق كله، بل عند مخالفيهم من الحق ما ليس عندهم والعكس. وذم المالكي للحنابلة هو من جملة الكلام بالمجمل، ولبس الحق بالباطل ليلتبس الحال على الجهال، وهذه هي طريقة أهل البدع كما سبق تقريره في الأساس التاسع . وإلا فإن ذم الحنابلة له حالتان:
1- أنه يريد المذهب الحنبلي الفقهي قسيم الحنفية والمالكية والشافعية، فما ذكر من أنهم لم يجمعوا الحق، وأن عند غيرهم من الشافعية حقاً ليس عندهم فهذا صحيح معروف، وهكذا بقية المذاهب الفقهية الإسلامية كالمالكية والحنفية والظاهرية . لكن ذم الحنابلة والقدح فيهم خطأ؛ لأن مجتهديهم في هذه المسائل الفقهية ما بين مصيب له أجران، أو مخطئ له أجر واحد، كما ثبت في الصحيحين عن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر " ثم لماذا يخصص الحنابلة من بين المذاهب الأخرى الفقهية.(24/72)
2- أنه يريد الحنابلة في المعتقد، وهم المسمون بالسلفية وأهل الحديث، فهؤلاء جمعوا الحق كله فيما لم يختلف فيه السلف الصالح، فمخالفهم على الباطل يقيناً؛ لأن هؤلاء على طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه كما سبق تقريره في الأساس الخامس. وليس هؤلاء قسيماً للشافعية والمالكية والحنفية والظاهرية، بل إن كل من كان سلفياً فهو حنبلي بهذا المعنى؛ لذا لما أراد أبو الحسن الأشعري التوبة من عقيدته الاعتزالية إلى عقيدة السلفيين قال: فإن قال لنا قائل: قد أنكرتم قول المعتزلة والقدرية والجهمية والحرورية والرافضة والمرجئة، فعرفونا قولكم الذي به تقولون، وديانتكم التي بها تدينون. قيل له: قولنا الذي نقول به، وديانتنا التي ندين بها: التمسك بكتاب ربنا عز وجل، وبسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، وما روي عن السادة الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون، وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل نضر الله وجهه، ورفع درجته، وأجزل مثوبته، قائلون، ولمن خالف قوله مجانبون، لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل، الذي أبان الله به الحق، عند ظهور الضلال، وأوضح به المنهاج، وقمع به بدع المبتدعين، وزيغ الزائغين وشك الشاكين، فرحمة الله عليه من إمام مقدم، وجليل معظم، وكبير مفخم، وعلى جميع أئمة المسلمين ا.هـ(1) . فأبو الحسن الأشعري انتسب إلى الحنابلة مذهباً عقدياً لا مذهباً فقهياً؛ لذا بين أنه مغاير للمعتزلة والقدرية والجهمية والرافضة، وهذه مذاهب عقدية لا فقهية . وأبان في ثنايا كلامه سبب الانتساب إلى معتقد أحمد بن حنبل مع أنه ذكر أنه على معتقد رسول الله صلى الله عليه سلم وأصحابه والتابعين وهؤلاء سابقون للإمام أحمد، والسبب هو أن الإمام أحمد نصر الله به السنة في وقت تقهقر كثير من أئمة المسلمين. قال ابن تيمية: وكلام الإمام أحمد في هذا الباب جار على كلام من تقدم من أئمة الهدى، ليس له
__________
(1) الإبانة ص 43 .(24/73)
قول ابتدعه ولكن أظهر السنة وبينها، وذب عنها وبين حال مخالفيها، وجاهد عليها، وصبر على الأذى فيها لما أظهرت الأهواء والبدع، وقد قال الله تعالى { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ } (السجدة:24) ، فالصبر واليقين بهما تنال الإمامة في الدين، فلما قام بذلك قرنت باسمه من الإمامة في السنة ما شهر به وصار متبوعاً لمن بعده، كما كان تابعاً لمن قبله. وإلا فالسنة هي ما تلقاه الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتلقاه عنهم التابعون ثم تابعوهم إلى يوم القيامة وإن كان بعض الأئمة بها أعلم وعليها أصبر . والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم ا.هـ(1) .
فقول المالكي أو غيره في الحنابلة أنه مذهب قائم على الاجتهاد وأن فيه حقاً وصواباً وهكذا… لا يقبل إذا عنى به الحنابلة معتقداً – كما سبق - . وبالفعل هذا ما صنعه المالكي فإنه يقدح في الحنابلة معتقداً لا مذهباً فقهياً، يلبس على الدهماء بأنه يريد الحنابلة مذهباً فقهياً فقال: وكان أهل الحديث المسمّون فيما بعد بالسلفية أو الحنابلة ا.هـ(2) وقال: وهذا لا يتعارض مع نقدي لأخطاء المسلمين أو السنة أو السلفية أو الحنابلة، ولا يتناقض مع الاعتراف بما عند المذاهب الأخرى من حق ا.هـ(3) وقال: وكان الحنابلة يسمون أنفسهم (أهل السنة والجماعة ) أو ( أتباع السلف الصالح) مدعين السير على منهجهم، لكن لا يقر لهم بذلك مخالفوهم من الشافعية والحنفية والمالكية والظاهرية فضلاً عن المعتزلة والشيعة ا.هـ(4) أرأيت كيف خلط بين الحنابلة بالمعنيين، وألبس الحق بالباطل ليتمكن من الطعن في المعتقد السلفي الحق. فعاقبة مكره راجعة عليه كما قال تعالى { وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ } (فاطر: من الآية43).
__________
(1) مجموع الفتاوى (3/ 358 ) .
(2) ص95 .
(3) ص17 .
(4) ص99 .(24/74)
التعقيب الخامس / لما علم المبتدعة ومنهم هذا المالكي أن الاحتجاج بفهم السلف الصالح يقتضي الحكم على مذاهبهم كلها بأنها باطلة مردودة غير مقبولة لكونها مذاهب مبتدعة سعوا جاهدين في رد الاحتجاج به أو التشكيك في صلاحيته . قال المالكي: بدعة اشتراط فهم السلف – ثم قال – ترى أصحاب العقائد وأخص هنا أصحاب السلفية يشترطون شروطاً ليس في كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليقطعوا به كل آمال الاتفاق . فالله عز وجل أرشدنا عند اختلافنا مع المسلمين أن نرجع للكتاب والسنة لقوله تعالى { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } (النساء: من الآية59) ا.هـ(1) وقال: وهكذا أصبح المصطلح ( مصطلح السلف الصالح) مصطلح عائم يدور مع المذهبية أينما كانت ا.هـ(2) وقد سبق وأن أبنت في الأساس الرابع أن فهم السلف حجة في الشريعة، دلنا على ذلك كتاب ربنا وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم اللذان أمرنا برد النزاع إليهما، و أبنت هناك أن أهل البدع لا يتمسكون بفهم السلف الصالح؛ لأن (مقتضى) كونهم أهل بدع ينافي اتباع السلف؛ فهم طوائف مبتدعة، والسلف وأتباعهم متبعون لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا مبتدعون، وذكرت أنه وإن وجد أحد من المبتدعة يدعي اتباع السلف؛ فإنه يُحَجُّ بمذهب السلف الذي يدعي اتباعهم في ترك بدعته التي هو قائم عليها ، وبهذا كله تدرك أن محاولة المبتدعة، ومنهم المالكي في إسقاط حجية فهم السلف، لم تزدهم إلا خبالاً وانكشافاً لمخالفتهم الشديدة للكتاب والسنة الصحيحة .
__________
(1) ص178 .
(2) ص22 .(24/75)
التعقيب السادس / ومن عجيب تعالم المالكي أنه أدى به إلى القول بأن لفظة ( عقيدة ) بدعة محدثة فقال: أيضاً لم ترد (العقيدة ) في حديث صحيح، ولا حسن، ولا ضعيف، ولا موضوع ا.هـ(1) وقال: ولأن هذا اللفظ مبتدع وليس له أصل شرعي لا في كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ا.هـ(2) وقد سبق في التعقيب الأول تأصيل معنى البدعة، وأنه لا يشترط في هذه الألفاظ الاتباع لأنها من المصالح المرسلة لا من البدع المحدثة فليراجع، لذا لم يسبق المالكي – فيما أعلم - أحد في تبديع هذا اللفظ من العلماء المعتبرين . وهل يبدع المالكي تقسيم علوم الآلة إلى علم مصطلح الحديث وأصول الفقه وأصول التفسير ؟ وهل يبدع تقسيم العلوم الشرعية إلى فقه وتوحيد وتفسير؟ هذا ما لا أظنه. فلماذا - إذاً- خصص لفظ العقيدة بالتبديع؟ .
التعقيب السابع/ قد نقلت في أوائل هذا الرد – الذي أسأل الله أن يحق به الحق ويبطل به الباطل – شيئاً من كلمات المالكي في وصف كتب السلف بأنها كتب تجسيم. وقد سبق أن أبنت في الأساس الثامن أن السلف الصالح بريئون من هذه الفرية، بل وذكروا بأنه لا يرميهم بها إلا من كان معطلاً، وصدقوا، أماتني الله على عقيدتهم، وإلا فهل إثبات الصفات الثابتة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم تشبيه؟ متى كان إثبات اليدين والسمع والبصر والنزول إثباتاً على مراد الله ومراد رسول الله صلى الله عليه وسلم تشبيهاً ؟ وقد أورد المالكي أمثلة أراد بها إلصاق تهمة التشبيه بالسلف الصالح، وأنى له ذلك، وهم الذين أنكروا التشبيه غاية الإنكار، ومنعوا الخوض في الكيفيات؛ لذا لا يوجد في أمثلته التي أوردها من كلام السلف شيء يتعلق بكيفية صفات الله، فعاد هذا الباغي الخاسر خاسئاً، وصدق في حقه:
كناطح صخرة يوماً ليوهنها فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
__________
(1) ص33 .
(2) ص36 .(24/76)
قال ابن خزيمة: فهل يخطر – يا ذوي الحجا – ببال عاقل مركب فيه العقل، يفهم لغة العرب، ويعرف خطابها، ويعلم التشبيه، أن هذا الوجه شبيه بذالك الوجه؟ وهل ها هنا – أيها العقلاء – تشبيه وجه ربنا – جل ثناؤه – الذي هو كما وصفنا وبينا صفته من الكتاب والسنة بتشبيه وجوه بني آدم، التي ذكرناها ووصفناها ؟ غير اتفاق اسم الوجه، وإيقاع اسم الوجه على وجه بني آدم، كما سمى الله وجهه وجهاً، ولو كان تشبيهاً من علمائنا لكان كل قائل: أن لبني آدم وجهاً وللخنازير والقردة والكلاب والسباع والحمير والبغال والحيات والعقارب وجوهاً، قد شبه وجوه بني آدم بوجوه الخنازير والقردة والكلاب وغيرها مما ذكرت . ولست أحسب أن أعقل الجهمية المعطلة عند نفسه، لو قال له أكرم الناس عليه: وجهك يشبه وجه الخنزير والقرد والدب والكلب والحمار والبغل ونحو هذا إلا غضب؛ لأنه خرج من سوء الأدب في الفحش في المنطق من الشتم للمشبه وجهه بوجه ما ذكرنا، ولعله بعد يقذفه ويقذف أبويه . ولست أحسب أن عاقلاً يسمع هذا القائل المشبه وجه ابن آدم بوجوه ما ذكرنا إلا ويرميه بالكذب والزور والبهت أو بالعته والخبل، أو يحكم عليه بزوال العقل، ورفع القلم، لتشبيه وجه ابن آدم بوجوه ما ذكرنا . فتفكروا يا ذوي الألباب: أوجوه ما ذكرنا أقرب شبهاً بوجوه بني آدم أو وجه خالقنا بوجوه بني آدم؟ فإذا لم تطلق العرب تشبيه وجوه بني آدم بوجوه ما ذكرنا من السباع – واسم الوجه قد يقع على جميع وجوهها كما يقع اسم الوجه على وجوه بني آدم – فكيف يلزم أن يقال لنا: أنتم مشبهة ؟ ا.هـ(1)
__________
(1) كتاب التوحيد (1/ 54 ) .(24/77)
التعقيب الثامن / قدح المالكي في كتب العقائد؛ لأنه يوجد بها أحاديث ضعيفة ومكذوبة تتعلق بالصفات تفيد التجسيم والتشبيه (1). وقد سبق بيان هذا في الأساس العاشر فراجعه تعلم أنه قد انكشف حال المالكي بمعايير السلف، وتبين أن لديه في هذا الباب خللاً كغيره من أبواب الاعتقاد. فالحمد لله أولاً وآخراً من قبل ومن بعد.
التعقيب التاسع / قد وصف المالكي بعض الأحاديث بأن فيها تجسيماً، وأن هذا في كتب الحنابلة. لأجل هذه الدعوى أقف مع بعضها حتى أريك أنه لا تجسيم فيها إلا عند المبتدعة أهل التعطيل :
الحديث الأول / قال: وروى عبد الله بن أحمد بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم :" أن الله عز وجل يجلس على الكرسي فما يفضل من الكرسي إلا قيد أربع أصابع، وأن له أطيطاً كأطيط الرحل إذا ركب ". وهذا الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه تجسيم واضح . ا.هـ(2) وهذا الحديث– كما قال – لا يصح؛ لأن في إسناده عبد الله بن خليفة، وقد قال الذهبي: لا يكاد يعرف – كما سبق – ورجح يحيى بن معين الوجه المرسل(3) .
لكن أين التشبيه والتجسيم المزعوم فيه؟ أيريد أن إثبات صفة الجلوس يقتضي التشبيه؟ – إذاً – فليصرح أن إثبات صفة الاستواء لله المذكورة في سبع مواضع من القرآن تقتضي التشبيه؛ لأن المانع الذي يوجد في قلب المعطل من إثبات الجلوس هو نفسه متحقق في صفة الاستواء . ثم ليعلم السلفيون أن من معاني الاستواء الاستقرار . قال ابن القيم في الكافية الشافية :
فلهم عبارات عليه أربع قد حصلت للفارس الطعان
وهي استقر وقد علا وكذلك ار تفع الذي ما فيه من نكران
وكذا قد صعد الذي هو رابع وأبو عبيدة صاحب الشيباني
يختار هذا القول في تفسيره أدرى من الجهمي بالقرآن
__________
(1) ص122 .
(2) ص122 .
(3) تاريخ الدوري (2/303) .(24/78)
وهذا الحديث خرجه غير عبد الله بن أحمد في السنة كابن خزيمة في كتاب التوحيد(1)، وابن جرير في تفسيره والدار قطني في الصفات (2)، وقد ساق ابن القيم عدة أحاديث فيها إثبات صفة القعود والجلوس فلتراجع(3).
الحديث الثاني / قال : روى عبد الله بن أحمد – وساق إسناده – عن أبي عطاف قال: " كتب الله التوراة لموسى عليه السلام بيده وهو مسند ظهره إلى الصخرة في ألواح در فسمع صريف القلم ليس بينه وبينه إلا الحجاب " أقول: فهذا من الإسرائيليات المكذوبة أو خزعبلات العوام وتوهمات الأعراب ا.هـ(4) مثل هذا ليس حجة يحتج به، ولا دليلاً يعتمد عليه، وقوله: وهو مسند ظهره…الخ إما أنه يعود على الله سبحانه، أو على موسى عليه السلام؛ فإن كان يعود على الله سبحانه فلا إشكال فيه ولو كان ثابتاً لآمنا به إيماناً يليق بجلال الله وعظيم سلطانه، مثله مثل الاستواء تماماً، بل لعل الاستواء عند أهل التعطيل أشنع . إما إذا كان يعود على موسى عليه السلام فحتى أهل التعطيل لا يستشكلونه، وهذا المالكي المعطل هوّل واندفع وجزم أنه كذب إن كان من الإسرائيليات، فخالف لجهله ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أنه قال:" لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم " .
الحديث الثالث / قال: وروى ابن أحمد أيضاً بإسناده عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه على كرسي من ذهب تحمله أربعة من الملائكة ملك في صورة رجل وملك في صورة أسد وملك في صورة ثور وملك في صورة نسر في روضة خضراء دونه فراش من ذهب " !! أقول: هذا الأثر مكذوب على ابن عباس وفيه تجسيم ا.هـ(5)
__________
(1) 1/245) .
(2) رقم (35) .
(3) اجتماع الجيوش الإسلامية ص 108- 109 .
(4) ص122 .
(5) ص123 .(24/79)
أخرج هذا الأثر غير الإمام عبد الله بن أحمد كابن أبي شيبة(1) ، وابن خزيمة(2)، والآجري (3) فإن ثبت سماع عبد الله بن أبي سلمة الماجشون من ابن عمر، وثبت تصريح ابن اسحاق بالسماع، فالأثر صحيح ولا إشكال فيه. وليس له علاقة بالتشبيه لا من قريب ولا من بعيد، فإنه وصف كيفية المخلوقات كالكرسي والملائكة الحاملة للعرش لا الباري سبحانه، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه إلا رؤيا منام لا رؤيا عيان يقظان، ورؤيته المنامية ليست على صورة الله سبحانه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث عمر بن ثابت الأنصاري عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:"تعلموا أنه لن يرى أحد منكم ربه عز وجل حتى يموت " رواه مسلم . ومثل هذا لو كان فيه تشبيه فهو إلى الصورة المرئية لا إلى صورة الله الحقيقية . قال ابن تيمية: هذا مع أن عامة ما فيه من تأويل الأحاديث الصحيحة هي تأويلات المريسي وأمثاله من الجهمية. وقد يكون الحديث مناماً كحديث رؤية ربه في أحسن صورة، فيجعلونه يقظة، ويجعلونه ليلة المعراج، ثم يتأولونه ا.هـ(4) .
__________
(1) كتاب العرش رقم (38 ) .
(2) كتاب التوحيد (1/483 ) .
(3) الشريعة (3/ 1543 ) .
(4) درء تعارض العقل والنقل (5/237) وانظر رد الدارمي على المريسي ص457 والأسماء والصفات للبيهقي (2/369 ) .(24/80)
تنبيه / لم يختلف الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه عياناً ببصره. قال ابن القيم: وقد حكى عثمان بن سعيد الدارمي في كتاب الرد له، إجماع الصحابة على أنه صلى الله عليه وسلم لم ير ربه ليلة المعراج، وبعضهم استثنى ابن عباس من ذلك، وشيخنا ( أي ابن تيمية ) يقول: ليس ذلك بخلاف في الحقيقة. فإن ابن عباس لم يقل رآه بعيني رأسه، وعليه اعتمد أحمد في إحدى الروايتين حيث قال: أنه صلى الله عليه وسلم رآه عز وجل ولم يقل بعيني رأسه، ولفظ أحمد كلفظ ابن عباس – رضي الله عنهما – ويدل على صحة ما قاله شيخنا في معنى حديث أبي ذر – رضي الله عنه – قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: حجابه النور . فهذا النور هو – والله أعلم – النور المذكور في حديث أبي ذر – رضي الله عنه – رأيت نوراً .ا.هـ(1)
الحديث الرابع / قال: وروى عبد الله بن أحمد أيضاً بإسناده عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: "لما كلم موسى عليه السلام ربه عز وجل كان عليه جبة صوف وعمامة صوف ونعلان من جلد حمار غير زكي" وقد أخرج هذا الأثر الآجري في الشريعة وابن بطة وهما من الحنابلة، والأثر مكذوب على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفيه تجسيم يلزم منه استهانة بالذات الإلهية لكن لازم القول ليس بقول وقد يقول البعض إن هذا يريد منه القائل وصفاً لموسى لا لله عز وجل، أقول: أرجو ذلك ولكن يعكر على هذا الاعتذار أن سياق الآثار في الباب كله إثبات صفات الله عز وجل – ثم قال – ولا فائدة لهم هنا في ذكر لبس موسى فإن هذا مما لا دخل له بالعقيدة ولا السنة !! ا.هـ (2) .
__________
(1) اجتماع الجيوش الإسلامية ص48 . وانظر مجموع الفتاوى (2/ 335 ) (6/509) ومجموعة الرسائل (1/112) والدرء(8/42) ونقض التأسيس (3/455) وزاد المعاد (3/37) .
(2) ص124 .(24/81)
أراد المالكي أن يلبس على القراء بأن الحنابلة ( قسيم الشافعية وبقية المذاهب الفقهية ) تفردوا بإخراج هذا الحديث ليقوي دعواه بأنهم مجسمة، لكن – ولله الحمد – كان سعيه هذا مردوداً، ولأهل البصائر مكشوفاً؛ فإن هذا الحديث خرجه أهل السنة السلفيون قبل ولادة عبد الله بن الإمام أحمد كسعيد بن منصور(1)، وأخرجه غير الحنابلة كالترمذي(2)، والحاكم في المستدرك(3)، وابن جرير في تفسيره (4) . وقد بين الإمام ابن جرير أن اللابس للجبة والعمامة والنعلين هو موسى عليه السلام، وحكم على الحديث بالضعف، وضعفه الذهبي في تلخيصه للمستدرك. وقد جزم المالكي بأن الإمام عبد الله بن أحمد أورده على أن الله هو اللابس بدلالة أنه لو لم يكن كذلك لما رواه في كتاب من كتب العقيدة. وهذا الاعتراض باطل عاطل؛ لأن الحديث متعلق بالصفات وإن لم تكن فيه ذكر الجبة والعمامة والنعلين، وهو إثبات صفة كلام الله لموسى عليه السلام. فهل بعد هذا يدرك القراء الكرام مدى استيعاب المالكي العقلي وفهمه؟!
الحديث الخامس / قال: وأنه ينزل كل عشية ما بين المغرب والعصر ينظر لأعمال بني آدم ا.هـ(5)
قد أورد المالكي المعطل هذا مثالاً على التجسيم والتشبيه الموجود في كتب الحنابلة، وهذا مما يؤكد أن المالكي معطل غالٍ في التعطيل، وإلا فما الفرق بين هذا وحديث أبي هريرة المتفق على صحته من أنه سبحانه ينزل كل ليلة إذا بقي الثلث الآخر من الليل فيقول: هل من داع فأستجيب له ... الحديث؟
__________
(1) 5/152 ) .
(2) 1734 ) .
(3) 1/81 ) .
(4) 16 / 109 ) .
(5) ص 125 .(24/82)
وإن طالت بكم حياة سترون كيف أن المالكي يشنع على هذه الأحاديث، قال الإمام البربهاري في شرح السنة: وإذا ظهر لك من إنسان شيء من البدع، فاحذره؛ فإن الذي أخفى عنك أكثر مما أظهر ا.هـ وقال: مثل أصحاب البدع مثل العقارب، يدفنون رؤوسهم وأبدانهم في التراب، ويخرجون أذنابهم فإذا تمكنوا لدغوا. وكذلك أهل البدع هم مختفون بين الناس فإذا تمكنوا بلّغوا ما يريدون ا.هـ(1).
__________
(1) طبقات الحنابلة (2/44) والمنهج الأحمد (2/ 37 ) .(24/83)
الحديث السادس / قال: وأن هذه الرياح من نفس الرحمن ا.هـ (1) يعني ما رواه عبد الله بن الإمام أحمد بسنده عن أبي بن كعب قال:" لا تسبوا الريح فإنها من نفس الرحمن " فهم المالكي لجهله أو لسوء طويته أو لكليهما أن المراد بالنفس نفس تخرج من الله، وقد سبق المالكي إلى هذا الظن الكذوب أشياخه المعطلة وعلى رأسهم بشر المريسي، فرد عليه الإمام عثمان بن سعيد الدارمي فقال – رحمه الله– في نقضه:فممن سمعت أيها المعارض أن هذا نفس يخرج من جوف الله تعالى، وهذا الحديث معروف معقول المعنى، جهلت معناه، فصرفته إلى غيره مما لم نر أحداً يقوله، أو يذهب إليه، إنما فسره العلماء على الروح الذي يأتي بها الريح من نحو اليمن، لأن مهب الريح من هناك من عندهم، فأما أن يقول أحد: هو نفس يخرج من جوف الرحمن، فما سمعنا أحداً يقوله قبلك، وأدنى ما عليك في الكذب أن ترمي قوماً مشنعاً عليهم، ثم لا تقدر أن تثبته عليهم، وهذا كقول النبي صلى الله عليه وسلم :" الإيمان يمان والحكمة يمانية " أي أنه جاء من قبل مكة ا.هـ(2) وقال أبو يعلى: اعلم أن شيخنا أبا عبد الله ذكر هذا الحديث في كتابه، وامتنع أن يكون على ظاهره في أن الريح صفة ترجع إلى الذات، والأمر على ما قاله، ويكون معناه أن الريح مما يفرج الله عز وجل بها عن المكروب والمغموم، فيكون معنى النفس معنى التنفيس وذلك معروف في قولهم: نفست عن فلان، أي فرجت عنه، وكلمت زيداً في التنفيس عن غريمه، ويقال نفس الله عن فلان كربة أي فرج عنه، وروي في الخبر" من نفس عن مكروب كربة نفس الله عنه كربة يوم القيامة "، وروى في الخبر أن الله فرج عن نبيه بالريح يوم الأحزاب فقال سبحانه { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا } (الأحزاب: من الآية9) .ا.هـ(3)
__________
(1) ص126 .
(2) 2 / 686 ) .
(3) إبطال التأويلات (1/250 ) وانظر الأسماء والصفات للبيهقي (2 / 391) ومجموع الفتاوى (6/ 398 ) والقواعد المثلى للشيخ ابن عثيمين ص51 وسلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني (3/ 216 ) .(24/84)
تنبيه / مما يؤسف ويؤلم كل سني سلفي، ويفرح ويسعد كل بدعي خلفي ما قام به محقق كتاب السنة للإمام عبد الله بن أحمد بن حنبل محمد بن سعيد القحطاني – هداه الله – في تحقيقه لهذا الكتاب العظيم؛ إذ سود على الكتاب حواشي وتعليقات يعيب فيها على الإمام عبد الله بن أحمد إيراده لبعض الأحاديث والآثار لزعمه أن فيها تجسيماً وتشبيهاً. وقد استفاد من كلامه هذا أهل البدع كالمالكي وغيره كما في شبكة الإنترنت؛ لذا كان لزاماً الإشارة إلى أن في تعليقاته أخطاء وافق فيها أهل البدع، وأهل السنة السلفيون بريئون منها. ومن ذلك قوله – سامحه الله – على قول ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ربه على كرسي من ذهب تحمله أربعة من الملائكة …الحديث – وقد سبق رد كلام المالكي عليه -: ثم هو دخول في الكيفية وهو على خلاف مذهب السلف الذي يقرر أن الكلام في كيفية الذات أو الصفات من الأمور البدعية ا.هـ(1) أين الكلام عن كيفية صفة الله ؟ راجع ما سبق ذكره من الرد على المالكي .
وقال على أثر أبي عطاف أن الله كتب التوراة لموسى وهو مسند ظهره ...الأثر- وقد سبق رد كلام المالكي عليه -: هذا من الإسرائيليات المقطوع ببطلانها ...ا.هـ(2)سبحان الله ما موجب البطلان ؟ وهل في الأثر تجسيم؟ راجع الرد على كلام المالكي . وقال على قول خالد بن معدان:" إن الرحمن سبحانه وتعالى ليثقل على حملة العرش..."الأثر: والذي أراه أن هذا كلام في كيفية الصفة ...ا.هـ(3) قل لي بربك أين الكلام في كيفية الصفة؟ والذي يظهر أنه لضعف الإثبات عنده صار يعد إثبات صفة من الصفات خوضاً في الكيفيات .
__________
(1) 1/ 176 ).
(2) 1 / 294) .
(3) 2 / 455 ) .(24/85)
وقال: ثم هو دخول في الكيفية والكلام فيها مخالف لصريح مذهب السلف، بل هذا الكلام أقرب إلى الفكر البرهيمي منه إلى غيره كما هو معلوم في ديانة البراهمة ا.هـ(1) وقال: وهذا الأثر يقال فيه ما قيل فيما شاكله، وهو أن الكلام في كيفية الصفة ليس من مذهب السلف ا.هـ(2) .
فهذا الكلام ومثله مما تركت ذكره دليل على ضعف الإثبات عنده، وقد تقدم قول وكيع والإمام أحمد بن حنبل فيمن استنكر مثل هذا، وكان ينبغي للقحطاني قبل تعجله في زعمه أن بكتاب السنة تجسيماً أن يتساءل: أين سلف الأمة والمحققون من السلفيين عن نقد هذا الكتاب ؟ كيف يجمعون على الثناء عليه، والوصاية به من غير نكير، بل جعلوه مرجعاً من مراجع كتب الاعتقاد، وفيه ما فيه من التجسيم ؟ ولو تروى لعلم أن ما نقده لم ينفرد به عبد الله في كتاب السنة، بل وغيره من أهل السنة يروونه في كتب الاعتقاد، فأين هم عما فطن له لو كان حقاً؟
ومن نافلة القول أن تعلم أن القحطاني خلّط في تصحيحه وتضعيفه لأحاديث وآثار الكتاب(3) .
__________
(1) 2/ 475 ) .
(2) 2/525 ) .
(3) وقد استدرك عليه سماحة شيخنا العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز – رحمه الله – عدة أحاديث كما هو مثبت على نسخة الشيخ الخاصة، وقد حظيت على صورة من تعليقاته – رحمه الله – كما حظي القحطاني على صورة - أيضاً -، ومن المذهل المدهش أن محمد بن سعيد القحطاني قد صحح بعض أخطائه الحديثية التي استدركها عليه الشيخ – رحمه الله – في طبعة السنة الأخيرة من غير عزو إليه إلا في موضع واحد فقط رقم (1197) دون بقية المواضع، فلماذا لم يعز العلم إلى أهله لا سيما من مثل هذا الإمام الجبل؟ أهو التعالم؟ أم حرمان البركة؟ . ومما أفادني القيم على مكتبة الشيخ الخاصة أنه لم يقرأ على الشيخ تعليقات القحطاني العقدية وإنما اقتصر على التعليقات الحديثية.(24/86)
وأنبه الإخوة بأن لهذا المحقق تحقيقاً على كتاب الرسالة الوافية لأبي عمرو الداني، وقد عظم في المقدمة هذا الكتاب وجعله من خيرة كتب أهل السنة، فكان مما قال: فكان هذا الإمام علماً من أعلام أهل السنة والجماعة ا.هـ(1) بعد أن تذمر من انتشار الأشاعرة في علماء القراءات . وقال: أن هذه الرسالة من أروع ما قرأت واطلعت عليه في كتب العقيدة، حيث لا يوجد فيها كلمة واحدة من مصطلحات علم الكلام ا.هـ(2) وقال: إخراج هذه الرسالة برهان ساطع على اتفاق أهل السنة والجماعة في أمور العقيدة ا.هـ(3)، وقال: وأدعوه تبارك وتعالى أن ينفع بهذه الرسالة العظيمة، وأن تكون زاداً لطلاب العلم في معرفة الدين الحق ا.هـ(4) وقال: اعتماده اعتماداً كلياً على نصوص الوحيين في كل مسألة عرض لها، وفي نفس الوقت ابتعد ابتعاداً كلياً عن مصطلحات علم الكلام والفلسفة ا.هـ(5)، وقال أيضاً: من الثابت لدى المتأمل في تاريخ الفرق أن توحيد الأسماء والصفات هو أكثر أنواع التوحيد التي وقع فيها الخلاف، ولهذا حرص المصنف- رحمه الله – على إثبات ما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، فكل صفة ورد النص الشرعي بها أثبتها وساق أدلتها، ومن ذلك كلامه في النزول، والاستواء، والعلو، والغضب، والرضا وغير ذلك مما تجده في ثنايا هذه الرسالة القيمة ا.هـ(6) وقال: لذا أهيب بكل غيور على دينه وعقيدته أن يحرص عليها ويعلمها لمن حوله، وأن يجعلها طلاب العلم والعلماء في طليعة ما يدرسونه لطلابهم في مسائل الاعتقاد ا.هـ(7)
وبعد مدحه وثنائه وتبجيله لهذا الكتاب الذي يجعل من لا دراية له يقبل على تحفظه واعتقاد ما فيه، تجد أن المؤلف كتب الكتاب مقرراً عقيدة أهل البدع كالأشاعرة . وإليك شيئاً من تقريرات أبي عمرو الداني لتعرف حقيقة الحال:
__________
(1) ص8 .
(2) ص8 .
(3) ص9 .
(4) ص10 .
(5) ص28 .
(6) ص28 .
(7) ص31 .(24/87)
1- قال – رحمه الله - : أن أول ما افترضه الله تعالى على جميع العباد إذا بلغوا حد التكليف: النظر في آياته، والاعتبار بمقدوراته ا.هـ(1).
2- قال: إن الله تعالى لم يزل مريداً، وشائياً، ومحباً، وراضياً، وساخطاً، وموالياً، ومعادياً، ورحيماً، ورحماناً، وأن جميع هذه الصفات راجعة إلى إرادته في عباده ومشيئته في خلقه ا.هـ(2) وقال: ومشيئته تبارك وتعالى، ومحبته، ورضاه، ورحمته وغضبه، وسخطه، وولايته، وعداوته هو أجمع راجع إلى إرادته ا.هـ(3) .
3- قال: واستواؤه جل جلاله: علوه بغير كيفية، ولا تحديد ، ولا مجاورة، ولا مماسة ا.هـ(4)
4- قال: ونزوله تبارك وتعالى كيف شاء، لا حد تكييف ولا وصف بانتقال، ولا زوال. وقال بعض أصحابنا: ينزل أمره تبارك وتعالى، واحتج بقوله عز وجل { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ } (الطلاق: من الآية12) وكذا روى حبيب عن مالك بن أنس - رحمه الله - . ا.هـ(5) وحبيب هذا قال النسائي: أحاديثه كلها موضوعة عن مالك وغيره . وانظر كلام ابن القيم في مختصر الصواعق (6).
5- قال: ومعنى قوله { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } (الذريات:56) الخصوص يريد بعضهم وهم الذين علم أنهم يعبدونه، لأنه قال في آية أخرى { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ } (لأعراف: من الآية179) ومن ذرأه لجهنم لم يخلقه لعبادته ا.هـ(7) وكلام أبي عمرو الداني هذا مبني على عقيدة الجبر عند الأشاعرة، فجعل اللام موجبة ؛ لأن الإرادة عندهم الكونية دون الشرعية، وقول أهل السنة أن اللام غائية وأن إرادة الله عبادة العباد له إرادة شرعية لا كونية يلزم وقوعها (8).
__________
(1) ص44 .
(2) ص50 .
(3) ص64 .
(4) 53 . وانظر ص 59 .
(5) ص 57 .
(6) ص 391 .
(7) ص 67 .
(8) وانظر ص 72 .(24/88)
قال: ومن قولهم: إن كلام الله صفة لذاته لم يزل ولا يزال موصوفاً به ا.هـ(1)
وهذا مبني على عقيدة الأشاعرة وهي: أن كلام الله صفة ذاتية لا فعلية، لذا هي عندهم صفات قديمة لا تتجدد آحادها بحسب الحوادث . وهذا ما قرره أبو عمرو الداني نفسه في أرجوزته التي أثنى عليها المحقق نفسه – كما في المقدمة - إذ قال:
كلامه وقوله قديم وهو فوق عرشه العظيم
قال: ورؤيته تعالى بغير حد ولا نهاية ولا مقابلة ولا محادة ا.هـ(2) ومؤدى هذا كما يعلم أهل السنة إنكار الرؤية .
8- قال: فإن قال قائل: فما الإيمان عند المتكلمين من أصحابكم؟ قلت: التصديق كما قدمناه أولاً، ودللنا على صحته. فإن قال: وما الطاعات عندهم ؟ قلنا: شرائع الإيمان، بدليل قوله تعالى في غير موضع { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } (البقرة: من الآية277) فوصفهم بالإيمان ووصفهم بعمل الصالحات، فدل على أن الأعمال الصالحة شرائع الإيمان، وأن الإيمان هو التصديق . فإن قال: تأويل ابن عباس والبراء لقوله { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ } (البقرة: من الآية143)يعني صلاتكم، يدل على أن الإيمان: الطاعات، وأن كل طاعة إيمان ؟ قلت: ليس بدال على ذلك؛ إذ ممكن أن يحمل ذلك على التوسع، فلذلك سمينا الصلاة إيماناً إذ كانت من شرائع الإيمان ، وبالله التوفيق ا.هـ(3) هذا منه إرجاء فإن الأشاعرة في باب الإيمان مرجئة، فالإيمان عندهم التصديق، وليس العمل منه، أما أهل السنة السلفيون فالإيمان عندهم: قول وعمل واعتقاد يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية. والكفر عندهم يكون بالقول كالسب والاستهزاء والقول بأن الله ثالث ثلاثة، والعمل كإهانة المصحف وقتل النبي والسجود للأصنام، والاعتقاد كاعتقاد أن أحداً غير الله يعلم الغيب .
__________
(1) ص 69 .
(2) ص78 .
(3) ص 82 .(24/89)
9- قال: والخلق عاجزون غير مستطيعين إلا شيئاً قدره الله تعالى . والاستطاعة مع الفعل لا قبله، بدليل أنها سبب له، يوجد الفعل بوجودها، ويعدم بعدمها، والكل عاجزون عن طاعته إلا بتوفيقه، وغير قادرين على معصيته إلا بتقديره ا.هـ(1) وفي هذا تقرير لعقيدة الجبر؛ فإن الأشاعرة في باب القدر جبرية .أما أهل السنة السلفيون فالاستطاعة عندهم نوعان: قبل الفعل، ومع الفعل .
وإني لأهيب بأهل السنة أن يتبرؤوا من هذه التحقيقات حماية وذوداً عن المعتقد السلفي، وأهيب بمحمد بن سعيد القحطاني أن يتراجع ويعلن تراجعه، قال تعالى { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا } (البقرة: من الآية160) . وقد بُشّرتُ بأن الكتاب طُبع طبعة جديدة لمحقق آخر سليم مما وقع فيه القحطاني، بل واستدرك على أبي عمرو الداني فليتأكد.
التعقيب العاشر / قال: من سمات كتب العقائد عند غلاة الحنابلة أنهم يتساهلون مع اليهود والنصارى ويفضلون مخالطتهم ومآكلتهم على إخوانهم المسلمين. نقل البربهاري أثراً ص139 يقول( آكل مع يهودي ونصراني ولا آكل مع مبتدع) !!(2)
__________
(1) ص145 .
(2) ص 167 .(24/90)
هذا الذي عابه المالكي على سلف الأمة هو من مناقبهم ومحاسنهم؛ لأنهم في ذلك متبعون للأسوة الحسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ رجاء ما عند الله القائل { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ } (الأحزاب:21) ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شدد على المبتدعة كالخوارج المسلمين بإجماع الصحابة(1)، وحظ على قتلهم بخلاف غيرهم من الكفار كالمعاهدين الذين روى عبد الله بن عمرو فيهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاماً " رواه البخاري .
__________
(1) منهاج السنة (5/ 247-248) مجموع الفتاوى (7/217- 218) وقرره الخطابي راجع فتح الباري (12/ 300 ) .(24/91)
فمما جاء في حق الخوارج ما أخرجه الشيخان عن عليّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم عند الله يوم القيامة " . وقد فهم الصحابة الكرام هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاموا به خير قيام، كما ثبت أن عمر بن الخطاب جلد صبيغ بن عسل العراقي (1) . قال ابن تيمية: وكذلك أمر عمر – رضي الله عنه – المسلمين بهجر صبيغ بن عسل التميمي، لما رآه من الذين يتبعون ما تشابه من الكتاب، إلى أن مضى عليه حول، وتبين صدقه في التوبة، فأمر المسلمين بمراجعته. فبهذا ونحوه رأى المسلمون أن يهجروا من ظهرت عليه علامات الزيع من المظهرين للبدع، الداعين إليها . ا.هـ(2) وقال:وعمر – رضي الله عنه – نفى صبيغ بن عسل التميمي لما أظهر اتباع المتشابه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، وضربه، وأمر المسلمين بهجره سنة بعد أن أظهر التوبة، فلما تاب أمر المسلمين بكلامه . وبهذا أخذ أحمد وغيره في الداعي إلى البدعة إذا تاب يؤجل سنة، كما أجل عمر صبيغاً ا.هـ(3) .
إليك أمثلة من كلامهم الشديد على المبتدعة :
__________
(1) أخرجه الآجري في الشريعة (152 ) بإسناد صحيح، وصحح إسناده ابن حجر في الإصابة (5/169) .
(2) مجموع الفتاوى ( 24 / 174- 175 ) .
(3) منهاج السنة ( 6 / 354 ) .(24/92)
قال شريك بن عبد الله النخعي: لئن يكون في كل قبيلة حمار أحب إلي من أن يكون فيها رجل من أصحاب أبي فلان رجل كان مبتدعاً ا.هـ(1) وقال مالك بن أنس: لا تسلم على أهل الأهواء ولا تجالسهم إلا أن تغلظ عليهم، ولا يعاد مريضهم، ولا تحدث عنهم الأحاديث ا.هـ(2) وقال سفيان الثوري: من أصغى بسمعه إلى صاحب بدعة وهو يعلم أنه صاحب بدعة خرج من عصمة الله ووكل إلى نفسه ا.هـ(3).
وقال الفضيل بن عياض: لأن آكل عند اليهودي والنصراني أحب إليّ من أن آكل عند صاحب بدعة، فإني إذا أكلت عندهما لا يقتدى بي، وإذا أكلت عند صاحب بدعة اقتدى بي الناس، أحب أن يكون بيني وبين صاحب بدعة حصن من حديد ا.هـ(4) .
تنبيه / إن أئمة السلف يشددون على المبتدعة أشد من شدتهم على الكفار من حيث التعامل في الدنيا والتحذير منهم، وإن كان المبتدع في الآخرة خيراً من الكافر؛ لأن المبتدع لا يزال مسلماً، وسبب تشديد السلف أن المبتدع يخشى من ضرره على الإسلام والمسلمين أكثر من الكافر؛ لأنه يتكلم باسم الدين. ومثله يغتر به من لا علم عنده؛ لأنه مسلم؛ ولأنه يمزج الباطل بشيء من الحق، أما الكافر فلا يقبل كلامه في الإسلام لكون كفره معلوماً ظاهراً فلا يغتر به .
فالمالكي دلس على القراء، وأوهمهم أن هذا خاص بالحنابلة، وقد أبنت لك أن هذا عام في أهل السنة كلهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته إلى يومنا هذا، وليس للحنابلة فيه اختصاص، وبهذا تنكشف تدليسات المالكي، ويعود تدبيره تدميراً عليه { قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ } (يونس:58) .
__________
(1) الإبانة لابن بطة ( 2/469 ) .
(2) الجامع للقيرواني ص125 .
(3) أبو نعيم في الحلية ( 7/ 26، 34 ) .
(4) أبو نعيم ( 8 / 103 ) .(24/93)
التعقيب الحادي عشر / قد شكك المالكي الجهول في حجية إجماع أهل السنة دون أهل البدعة مدعياً أنه قد يشترط في حجية الإجماع أن يجتمع أهل البدعة مع أهل السنة. أشار لذلك في كتابه قراءة في كتب العقائد(1)، وأوضح ذلك أكثر في كتابه "الصحابة بين الصحبة اللغوية والصحبة الشرعية" (2) . وهذا – إن كان منه بحسن نية لا سوء طوية – دليل على جهله الشديد بمعنى الإجماع، ومعنى أهل السنة السلفيين، راجع الأساس الثالث والأساس الخامس لتعرف أنه جمع بين جهل مظلم وتعالم مؤلم، إن لم يكن متعمداً هدم السنة باسمها والسلفية برسمها .
فصل / تبرئة أئمة السنة السلفية من مطاعن ابن فرحان المالكي البدعية :
قد ذكرت في أوائل هذا الرد طرفاً من سباب وشتائم المالكي لأئمة السنة الماضين والمعاصرين، ورميه كثيراً منهم ببدعة النصب، وهي نصب العداء لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كذباً وزوراً، بل وافترى على بعضهم افتراء صريحاً لا يقبل تأويلاً إلا أن الكذب الصراح طبعه وهو المنفق لبضاعته الكاسدة، كل ذلك حباً للعلو في الأرض أو الإفساد فيها أو كليهما ، قال تعالى { تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } (القصص:83).
بدأ المالكي بالقدح في أبي بكر وعمر وجماعة من الصحابة، ولن أشتغل برد هذا؛ لأن شيخنا العلامة محدث المدينة النبوية عبد المحسن العباد – حفظه الله – قد قام بهذا خير قيام، وأيضاً قد تناول المالكي السباب جمعاً كثيراً من علماء السنة بالقدح والذم، لذا سأقتصر في الدفاع عن طائفة منهم متغايرة أزمانهم، وبه يعلم ما في باقي كلام المالكي من جور وظلم، وهم: الإمام أحمد بن حنبل، والإمام أحمد بن تيمية، والشيخ العلامة صالح الفوزان .
__________
(1) ص160 .
(2) ص59-61 .(24/94)
أولاً / الإمام أحمد بن حنبل : قد وصف المالكي الإمام أحمد بن حنبل بأنه غالٍ في التكفير؛ لأنه يكفر من قال: بأن القرآن مخلوق، وتجاهل المالكي أن الكتاب والسنة الصحيحة وإجماع المسلمين على كفر من قال بأن القرآن مخلوق .
أما الأدلة من الكتاب /
قوله تعالى { أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ } (لأعراف: من الآية54)، فعطف الأمر على الخلق يدل أنهما متغايران؛ لأن الأصل في العطف أن يقتضي المغايرة. فالخلق فعله، والأمر قوله، ويؤكد هذا أن الخلق لا يكون إلا بالأمر كما قال تعالى { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } (يّس:82) فبكلمة (كن) كان المخلوق، فأول مخلوق كان بكلمة ( كن )، فدل هذا على أن كلام الله غير مخلوق، والله جعل القرآن كلامه فقال { وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ } (التوبة:6) وهو القرآن ، فمن زعم أن القرآن مخلوق فهو كافر؛ لأنه مكذب لكلام الله . هذا ما قرره غير واحد من أئمة الإسلام منهم سفيان بن عيينة والبخاري(1) ، ونقله اللالكائي عن جماعة(2) .
__________
(1) خلق أفعال العباد ص 30 .
(2) 2/217) .(24/95)
ومن الحجج على أن القرآن كلام الله غير مخلوق ما ذكره الإمام الدارمي حيث قال: لا يحق لمخلوق يؤمن بالله واليوم الآخر أن يدعي الربوبية، ويدعو الخلق إلى عبادته فيقول { إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا } (طه: من الآية14)و { إِنِّي أَنَا رَبُّكَ } (طه: من الآية12) { وَأَنَا اخْتَرْتُكَ } (طه: من الآية13) { وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي. اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي } (طه:41- 42) { إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى } (طه: من الآية46) { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } (الذريات:56) { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ . وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ } (يّس:60- 61) . قد علم الخلق إلا من أضله الله أنه لا حق لأحد أن يقول هذا وما أشبهه غير الخالق، بل القائل به والداعي إلى عبادته غير الله كافر كفرعون الذي قال { أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى } (النازعات: من الآية24)والمجيب له والمؤمن بدعواه أكفر وأكذب . ا.هـ(1) وهذا ما ذكره سليمان بن داود الهاشمي (2).
* أما الأدلة من السنة الصحيحة /
__________
(1) الرد على الجهمية ص 155 .
(2) خلق أفعال العباد ص 17 .(24/96)
ما ثبت في صحيح مسلم من حديث خولة بنت حكيم أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" من نزل منزلاً ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق . لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك " فالاستعاذة من كل شر أمر خاص بالله لا يقدر عليه إلا هو ، فصرفه لغير الله شرك أكبر، فدل هذا على أن كلمات الله صفته غير مخلوقة . قال نعيم بن حماد الخزاعي: لا يستعاذ بالمخلوق، ولا بكلام العباد والجن والإنس والملائكة، وفي هذا دليل أن كلام الله غير مخلوق، وأن سواه مخلوق ا.هـ(1) .
أما الإجماع /
فلم ينفرد الحنابلة ولا الإمام أحمد بتكفير القائل بأن القرآن مخلوق، بل أجمع على هذا الأئمة قبل الإمام أحمد وبعده. قال أبو عثمان الصابوني: ويشهد أصحاب الحديث، ويعتقدون: أن القرآن كلام الله وكتابه، وخطابه ووحيه وتنزيله غير مخلوق، ومن قال بخلقه واعتقده فهو كافر عندهم ا.هـ(2)
__________
(1) خلق أفعال العباد ص 132 .
(2) عقيدة أصحاب الحديث ص5 .(24/97)
وقال اللالكائي: قالوا كلهم: القرآن كلام الله غير مخلوق، ومن قال مخلوق فهو كافر. فهؤلاء خمس مائة وخمسون نفساً أو أكثر من التابعين وأتباع التابعين والأئمة المرضيين سوى الصحابة الخيرين على اختلاف الأعصار ومضي السنين والأعوام. وفيهم نحو من مائة إمام ممن أخذ الناس بقولهم وتدينوا بمذاهبهم. ولو اشتغلت بنقل قول المحدثين لبلغت أسماؤهم ألوفاً كثيرة . لكني اختصرت وحذفت الأسانيد للاختصار ونقلت عن هؤلاء عصراً بعد عصر لا ينكر عليهم منكر، ومن أنكر قولهم استتابوه أو أمروا بقتله أو نفيه أو صلبه . ولا خلاف بين الأمة أن أول من قال: القرآن مخلوق " جعد بن درهم " في سني نيف وعشرين ثم " جهم بن صفوان " ا.هـ(1) وقال ابن القيم: فالكلام عندهم مخلوق، والرب لم يقم به عندهم كلام ولا أمر ولا نهي، وهؤلاء الذين اتفق السلف وأئمة الإسلام على تكفيرهم ا.هـ(2)
فمحاولة المالكي المدلس التدليس على القراء بأن الإمام أحمد تفرد بتكفير القائل بخلق القرآن؛ ولأجل ذلك جعله غالياً في التكفير محاولة مفضوحة لدى كل عالم وما أحسن ما قال الإمام البخاري: وإني لأستجهل من لا يكفرهم إلا من لا يعرف كفرهم ا.هـ(3)
اعلم أيها السني السلفي أن طعن المالكي على الإمام أحمد بأنه غالٍ في التكفير – لأنه كفر من قال إن القرآن مخلوق - طعن على أئمة السلف كلهم ومعتقدهم، بل لازمه طعن في القرآن والسنة، لأن فيهما تقرير أن القرآن كلام الله غير مخلوق – كما سبق – فانظر لنفسك ما أنت عازم عليه تجاه ضلالات المالكي .
__________
(1) شرح أصول السنة (2/ 312 ) .
(2) مختصر الصواعق ص293 . وانظر ص 256 .
(3) خلق أفعال العباد ص13 .(24/98)
ثانياً / الإمام ابن تيمية : قد رمى المالكي الإمام ابن تيمية ببدعة النصب وهي: العداء لآل البيت، وزعم أن كتاب ابن تيمية " منهاج السنة" مليىء بالأفكار المتحاملة على علي المدافعة بالباطل عن معاوية ...الخ ما سبق نقله عنه في أوائل هذا الرد . وبما أنه خص كتاب" منهاج السنة" بمعاداة علي - رضي الله عنه – وآل البيت فإليك من الكتاب نفسه ما يدل على كذبه وبهته .
قال – رحمه الله -: وعلي – رضي الله عنه – كان قد بايعه أهل الكوفة، ولم يكن في وقته أحق منه بالخلافة، وهو خليفة راشد تجب طاعته – ثم قال – يدل على أن علياً وأصحابه أدنى إلى الحق من معاوية وأصحابه، فلا يكون معاوية وأصحابه في قتالهم لعليّ أدنى إلى الحق . ا.هـ(1) وقال: لكن هذا الحديث من أحسن ما يحتج به على النواصب الذين يتبرؤون منه ولا يتولونه ولا يحبونه، بل قد يكفرونه أو يفسقونه كالخوارج؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم شهد له بأنه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ا.هـ(2)، وقرر أن حب عليّ واجب(3) ، وقال- مبيناً أن علياً أفضل أهل زمانه بعد عثمان -: ولهذا لم يتول بعد عثمان خير منه ( أي علي ) ولا أحسن سيرة، ولا تولى بعد علي خير منه، ولا تولى ملك من ملوك المسلمين أحسن سيرة من معاوية - رضي الله عنه -، كما ذكر الناس سيرته وفضائله ا.هـ (4) وقال: ومعلوم بإجماع المسلمين أنه ( أي معاوية ) ليس قريباً من عثمان وعلي فضلاً عن أبي بكر وعمر ا.هـ(5) وقال: وعلي – رضي الله عنه – لم يقاتل أحداً على إمامة من قاتله، ولا قاتله أحد على إمامته نفسه، ولا ادعى أحد قط في زمن خلافته أنه أحق بالإمامة منه: لا عائشة، ولا طلحة، ولا الزبير، ولا معاوية وأصحابه، ولا الخوارج، بل كل الأمة كانوا معترفين بفضل عليّ وسابقته بعد قتل عثمان، وأنه لم يبق في الصحابة من يماثله في زمن خلافته – ثم قال– وكذلك عليّ: لم
__________
(1) 4 / 413 ) .
(2) 5/44) .
(3) 5/ 72) .
(4) 6/ 150) .
(5) 6/236) .(24/99)
يتخاصم طائفتان في أن غيره أحق بالإمامة منه ا.هـ(1) وقال: وليس في الصحابة بعدهم من هو أفضل منه ( أي علي بن أبي طالب ) ولا تنازع طائفة من المسلمين بعد خلافة عثمان في أنه ليس في جيش عليّ أفضل منه. لم تفضل طائفة معروفة عليه طلحة والزبير، فضلاً أن يفضل عليه معاوية ا.هـ(2) .
وبعد هذه النقول الواضحة في الثناء على عليّ – رضي الله عنه – وتفضيله على معاوية – رضي الله عنه -، وفي ذمه للناصبة المبتدعة المبغضين لعلي وآل بيته، بل وإيجابه حب علي – رضي الله عنه -، وأنه أفضل أهل الأرض في زمن خلافته يتبين لك أمران :
الأول / أن هذا المالكي كذاب أشر لا يعتد بقوله، ولا يصدق في نقله.
الثاني / أن المالكي شيعي، أو فيه تشيع؛ لذا من لم يوافقه على غلوه في علي – رضي الله عنه – وآل البيت وصفه بأنه معاد لهم .
__________
(1) 6/ 328 ) .
(2) 6/330) .(24/100)
ثالثاً / الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان – حفظه الله - : كان الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله – ولا زال – ولله الحمد – صارماً مسلولاً على المبتدعة أفراداً وجماعات بلسانه وقلمه، فقد رد على محمد قطب وكتابه المقرر للمرحلة الثانوية(1) سابقاً ، ومحمد بن علي الصابوني المعاصر (2) ، وسالم البهنساوي وادعائه أن حسناً البنا سلفي، وذكر في ثنايا الرد أخطاء عقدية لحسن البنا، أما الجماعات فرد الشيخ – حفظه الله – على جماعة الإخوان المسلمين والتبليغ، فقال: ومن آخر ما نعايشه – الآن- من وفود أفكار غريبة مشوهة إلى بلادنا باسم الدعوة، على أيدي جماعات تتسمى بأسماء مختلفة مثل: جماعة الإخوان المسلمين، وجماعة التبليغ، وجماعة كذا وكذا، وهدفها واحد، وهو أن تزيح دعوة التوحيد وتحل محلها، وفي الواقع أن مقصود هذه الجماعات لا يختلف عن مقصود من سبقهم من أعداء هذه الدعوة المباركة، كلهم يريدون القضاء عليها – لكن الاختلاف اختلاف خطط فقط – وإلا لو كانت هذه الجماعات حقاً تريد الدعوة إلى الله فلماذا تتعدى بلادها التي وفدت إلينا منها، وهي أحوج ما تكون إلى الدعوة والإصلاح؟ تتعداها وتغزوا بلاد التوحيد تريد تغيير مسارها الإصلاحي إلى مسار معوج، وتريد التغرير بشبابها، وإيقاع الفتنة والعداوة بينهم – ثم قال -: وإذا كانت هذه الجماعات قد غررت ببعض شبابنا، فتأثروا بأفكارها، وتنكروا لمجتمعهم، وتشككوا في قاداتهم وعلمائهم، وانطفأت الغيرة على العقيدة فيهم، فتركوا الاهتمام بها وصاروا يهرفون بما لا يعرفون، وينعقون بما يسمعون. فإن في هذه البلاد – ولله الحمد – رجالاً يغارون لدينهم ويدافعون عن عقيدتهم، ويردون كيد الأعداء في نحورهم، ولا ينخدعون بالأسماء البراقة، ولا يتأثرون بالحماس الكاذب ا.هـ(3).
__________
(1) البيان لأخطاء بعض الكتاب ص 24 .
(2) المرجع نفسه ص 33 .
(3) حقيقة الدعوة إلى الله ص3 ،4 .(24/101)
فلكونه – حفظه الله – رأساً في نصرة السنة وقمع البدعة، فإن أهل البدع لا يحبونه، ويحاولون استنقاصه ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، خلافاً لأهل السنة فإنهم يحبونه، ويدعون له علانية وسراً، وينافحون عنه ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، وتشنيع المبتدعة على أهل السنة قديم، وهو في الواقع لا يزيد أهل السنة إلا رفعة وعزاً، قال ابن تيمية: وهكذا رأيت الجاحظ، قد شنع على حماد بن سلمة ومعاذ بن معاذ قاضي البصرة بما لم يشنع به على غيرهما؛ لأن حماداً كان معتنياً بجمع أحاديث الصفات وإظهارها، ومعاذاً لما تولى القضاء رد شهادة الجهمية والقدرية، فلم يقبل شهادة المعتزلة، ورفعوا عليه إلى الرشيد، فلما اجتمع به حمده على ذلك وعظمه؛ فلأجل معاداتهم لمثل هؤلاء، الذين هم أئمة في السنة، يشنعون عليهم بما إذا حقق لم يوجد مقتضياً لذم ا.هـ(1)
ومن المبتدعة الذين رد عليهم الشيخ قبل أكثر من عشر سنوات حسن بن فرحان المالكي(2) فكان مما قال: وقد حمدت الله تعالى كثيراً حيث صدق ما قلته من تجنيه على الكتابين" زاد المستقنع" و" منهاج السنة" وتبوئه منزلة لم يصل إليها... ا.هـ
وصدق القائل : إذا قالت حذام فصدقوها فإن القول ما قالت حذام
__________
(1) التسعينية ( 2/ 375 ).
(2) مجلة اليمامة العدد ( 1187 ) بتاريخ 26/6/1412هـ والعدد ( 1191) بتاريخ 25/ 7/ 1412هـ(24/102)
قدح المالكي في الشيخ صالح الفوزان فقال: ولعل من أبرز آثار العقيدة على الجرح والتعديل عند الحنابلة تضعيف ثقات المخالفين وتوثيق ضعفاء الموافقين ومن ذلك: - ثم قال – تضعيف الكبار من أئمة الأشاعرة كالبيهقي يضعفه من الحنابلة المعاصرين الشيخ صالح الفوزان!! ويزعم أنه لا يوثق بنقله في العقيدة!! وهذا ما لم يسبق إليه الشيخ وإلى الآن لا أدري كيف تجرأ على هذا القول ؟! ا.هـ(1) فانظر كم في كلامه من سوء الأدب والجهل، أما سوء الأدب فظاهر، أما الجهل فقوله: وهذا لم يسبق إليه الشيخ ا.هـ وهذا من المالكي تحيل وتلون على طريقة أهل البدع وإلا متى كنت تعظم من سبق حتى لا تأتي بما لم تسبق إليه ؟ وكل ما قررته في كتابك هذا مما خالفت فيه أهل السنة هو مما لم ترع فيه من سبق – كما تقدم -. ومطالبتك الشيخ بسلفه في مثل هذا دليل على جهلك بما هو مشهور بين أهل العلم بالحديث من أن طائفة منهم لا يقبلون رواية المبتدع فيما يؤيد بدعته، وهو ما اختاره الحافظ ابن حجر فقال: وقيل: يقبل من لم يكن داعية إلى بدعته؛ لأن تزيين بدعته قد يحمله على تحريف الروايات وتسويتها على ما يقتضيه مذهبه، وهذا في الأصح – ثم قال – إلا إن روى ما يقوي بدعته فيرد عى المذهب المختار ا.هـ(2) .
__________
(1) قراءة في كتب العقائد ص 132 .
(2) نزهة النظر ص 137 .(24/103)
وقد كان المالكي ذكر نحو هذا محرفاً – قديماً – في مجلة اليمامة ورد عليه الشيخ صالح الفوزان حيث قال: ثالثاً : قوله: إنني قلت إن الإمام البيهقي لا يوثق في نقله. أقول: هو قد كذب عليّ وهو لم ينقل كلامي بنصه حتى يعرف القراء المناسبة التي ذكرت فيها المؤاخذة على الإمام البيهقي – رحمه الله -، وهذا نص كلامي في معرض ردي على الدكتور البوطي حيث قلت: ما نسبه إلى الإمام أحمد – يعني من تأويل { وَجَاءَ رَبُّكَ } (الفجر: من الآية22) ( بجاء أمر ربك ) لم يثبت عنه ولم يوثقه من كتب الإمام أو كتب أصحابه، وذكر البيهقي لذلك لا يعتمد ؛ لأن البيهقي – رحمه الله – عنده شيء من تأويل الصفات فلا يوثق بنقله في هذا الباب لأنه ربما يتساهل في النقل . هذا نص كلامي، قلت لا يوثق بنقله في هذا الباب أي باب الصفات، وعللت ذلك. ولم أقل لا يوثق بنقله مطلقاً كما توهمه عبارة المالكي تزويراً وتشنيعاً ا.هـ(1) وللإمام ابن تيمية كلام قريب من كلام الشيخ صالح الفوزان، قال –رحمه الله -: ولهذا اعتمد الحافظ أبو بكر البيهقي في كتابه الذي صنفه في مناقب الإمام أحمد – لما ذكر اعتقاده – اعتمد على ما نقله من كلام أبي الفضل عبد الواحد بن أبي الحسن التميمي . وله في هذا الباب مصنف ذكر فيه من اعتقاد أحمد ما فهمه، ولم يذكر فيه ألفاظه، وإنما ذكر جمل الاعتقاد بلفظ نفسه، وجعل يقول:" وكان أبو عبد الله " وهو بمنزلة من يصنف كتاباً في الفقه على رأي بعض الأئمة، ويذكر مذهبه بحسب ما فهمه ورآه، وإن كان غيره بمذهب ذلك الإمام أعلم منه بألفاظه وأفهم لمقاصده؛ فإن الناس في نقل مذاهب الأئمة قد يكونون بمنزلتهم في نقل الشريعة. ومن المعلوم: أن أحدهم يقول: حكم الله كذا، أو حكم الشريعة كذا بحسب ما اعتقده عن صاحب الشريعة، بحسب ما بلغه وفهمه، وإن كان غيره أعلم بأقوال صاحب الشريعة وأعماله وأفهم لمراده ا.هـ(2)
__________
(1) العدد (1191 ) .
(2) مجموع الفتاوى (4/ 167-168) .(24/104)
فصل/ من ابن فرحان المالكي في ميزان السلف ؟
يذكر غير واحد بأن المالكي شيعي زيدي متستر، وهذا شيء نراه في كتبه من أوجه :
الوجه الأول / أنه شديد الطعن على كتب السلف وأئمة السلف، وهذا ما لم يكن منه للزيدية .
الوجه الثاني / أنه غالٍ في علي – رضي الله عنه – كما تقدم؛ لذا لم يرض بعدل أهل السنة في آل البيت، فقدح في الأئمة، واستنقص كتبهم والمقررات الدراسية في بلادنا السلفية .
الوجه الثالث / أنه غالٍ في الطعن على معاوية – رضي الله عنه – وبني أمية – كما تقدم - .
الوجه الرابع / أنه عظم المأمون الشيعي، وشدد القدح على المتوكل المتهم بالنصب تهمة شكك فيها الإمام الذهبي كما في السير.
الوجه الخامس / أنه صب جام غضبه على كتاب منهاج السنة الذي هو فريد في الرد على الشيعة والرافضة .
الوجه السادس / أنه يعظم صالحاً المقبلي وأمثاله المتأثرين بمذهب الزيدية إن لم يكونوا زيوداً .
وعلى كل فهو – من خلال كتبه – يتمذهب بمذهب الشيعة من سب الصحابة والغلو في آل البيت، والطعن في أئمة السنة، وكتبهم الاعتقادية وهكذا...، فهو كافٍ في نسبته للشيعة، وإن لم ينتسب إليهم؛ لأن العبرة بواقع الحال لا بدعوى اللسان، وإلا فإن المالكي ومن فعل فعله على ميزان السلف القسط له ألقاب وأسماء معروفة أقتصر على سبعة منها :
الأول / أنه رافضي: قال الإمام البربهاري: إذا سمعت الرجل يقول: فلان ناصبي، فاعلم أنه رافضي ا.هـ(1) وقال أبو زرعة وأبو حاتم: وعلامة الرافضة تسميتهم أهل السنة ناصبة ا.هـ(2)
الثاني / أنه جهمي معطل : قال الإمام البربهاري: إذا سمعت الرجل يقول: فلان مشبه، وفلان يتكلم في التشبيه، فاتهمه، واعلم أنه جهمي ا.هـ(3) وتقدم قول إسحاق بن راهويه وأبي حاتم وأبي زرعة .
__________
(1) شرح السنة ص 109 .
(2) اللالكائي ( 1 / 179 ) .
(3) شرح السنة ص109 .(24/105)
الثالث / أنه زنديق / قال أبو زرعة: إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق؛ وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، الجرح بهم أولى وهم زنادقة ا.هـ(1)
الرابع / أنه متهم على الإسلام : قال الميموني: قال الإمام أحمد بن حنبل / يا أبا الحسن، إذا رأيت رجلاً يذكر أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوء فاتهمه على الإسلام ا.هـ .
الخامس / أنه صاحب هوى ( مبتدع ) : قال سفيان بن عيينة: من نطق في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلمة، فهو صاحب هوى ا.هـ(2) وقال الإمام علي بن المديني: ومن تنقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أبغضه لحدث كان منه، أو ذكر مساوئه فهو مبتدع، حتى يترحم عليهم جميعاً، فيكون قلبه لهم سليماً ا.هـ(3) ، وقال أبو زرعة وأبو حاتم – رحمهما الله -: وعلامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر ا.هـ(4). ولعل المالكي لم يترك أحداً من أهل الأثر إلا وذمه، وقدح فيه، كما نقلت بعض كلامه في أوائل هذا الرد .
__________
(1) الكفاية في علم الرواية ص 49 ، وانظر تهذيب الكمال ( 19/ 96 ) .
(2) شرح السنة للبربهاري ص 69 .
(3) شرح أصول اعتقاد أهل السنة لللالكائي (1/ 169 ) .
(4) شرح أصول اعتقاد أهل السنة ( 1/ 179) .(24/106)
السادس / أنه ليس من أهل السنة والجماعة : سئل سهل بن عبد الله التستري: متى يعلم الرجل أنه على السنة والجماعة؟ قال: إذا عرف من نفسه عشر خصال: لا يترك الجماعة، ولا يسب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يخرج على هذه الأمة بالسيف، ولا يكذب بالقدر، ولا يشك في الإيمان، ولا يماري في الدين، ولا يترك الصلاة على من يموت من أهل القبلة بالذنب ، ولا يترك المسح على الخفين، ولا يترك الجماعة خلف كل وال جار أو عدل. ا.هـ(1)
السابع / أنه جاهل: قال أمير المؤمنين في الحديث الإمام البخاري : وإني لأستجهل من لا يكفرهم ( القائلين بخلق القرآن) إلا من لا يعرف كفرهم ا.هـ(2).
خاتمة:
وبعد أن عرفت أيها المسلم السلفي شيئاً يسيراً مما عند ابن فرحان المالكي في كتاب ( قراءة في كتب العقائد )، فضلاً عن باقي كتبه . فالله الله القيام بواجبك تجاهه وهو ما يلي :
1/ التحذير منه ونشر الردود عليه.
2/ اطلاع العلماء وطلاب العلم على بدعه ومخالفاته .
3/ اطلاع المسئولين على خططه ومؤامراته في هدم السنة والمعتقد .
4/ رفع أمره لولاة أمرنا، وإيقافهم على مساعيه في هدم الدعوة السلفية الإصلاحية في هذا البلد التي قامت على يد الإمامين المجددين محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب – رحمهما الله - .
وسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عبد العزيز بن ريس الريس
الفهارس
- تقدم فضيلة الشيخ/ عبد المحسن العبيكان 2
- مقدمة الكتاب 4
- مجمل الدعاوى الباطلة لحسن بن فرحان المالكي 6
__________
(1) شرح أصول اعتقاد أهل السنة ( 1/ 183) .
(2) خلق أفعال العباد ص13 .(24/107)
- قدح المالكي وطعنه في أئمة الدين ابتداء بالخليفتين الراشدين أبي بكر وعمر ثم من بعدهم من الصحابة والتابعين وبقية أئمة الدين 8
- رمي المالكي طائفة من الصحابة والعلماء بالنصب كفعل الشيعة 9
- ثناء المالكي على أهل البدع والضلال ( الجهمية، الشيعة، المعتزلة ، الأشاعرة) 10
- الرد على أهل البدع من إنكار المنكر وإليك البرهان 15
- كلام السلف في التحذير من البدع أعظم بكثير من المعاصي الشهوانية وإليك الأمثلة 16
- التمهيد بعشرة أسس علمية في الرد على المبتدعة عموماً وابن فرحان خصوصاً
- الأساس الأول: الرجوع إلى الكتاب والسنة عند التنازع والاختلاف، وكل ما دل على أنه حجة ( كالإجماع والقياس ) 19
- الأساس الثاني: العقيدة من الدين فكل ما يثبت به الدين تثبت به العقيدة لأنها منه 20
- بيان غلط بعض المبتدعة في اشتراط أن تكون النصوص التي يحتج بها في العقيدة قطعية يقينية من ثلاثة أوجه 21
- تنبيه: خطأ من عرف الاعتقاد بأنه حكم الذهن الجازم فإن طابق الواقع فصحيح وإلا ففاسد 22
- فائدتان: 1/ قال ابن تيمية: تخصيص العلم بالقطعيات اصطلاح المتكلمين.
2/ أطلق الشرع الظن بمعنى اليقين، وأطلقه بمعنى الظن المرجوح ( الوهم) وأطلقه بمعنى الشك 23
- لم يأت ذم من الشرع لمن اتبع الظن الغالب 23(24/108)
- الأساس الثالث: معرفة الإجماع وأقسامه وبعض المهمات المتعلقة به 24
- المبتدعة تجاه الإجماع في الجملة قسمان 24
- 1/ منهم من أنكره ولم يعتبره حجة وعلى رأسهم النظام المعتزلي .
2/ ومنهم من لم ينكره لكن جعله كالمستحيل كالباقلاني والآمدي 25
- إن الصحابي إذا قال قولاً سواء انتشر أم لا فإنه إجماع وحجة خلافاً للغزالي ( ابن القيم ) 25
- أربع مسائل مهمة تتعلق بالإجماع : 1/ الإجماع في قوة ثبوته ليس على درجة واحدة لكن أقله ما كان من الظن الغالب وكلام ابن تيمية في ذلك 26
- 2/ لا تجمع الأمة على حكم إلا ولهذا الحكم مستند من الشرع علمه من علمه وجهله من جهله ولم يخالف في ذلك إلا شواذ 26
- إذا أجمع العلماء على قول فمعنى هذا أن ما أجمعوا عليه هو الحق دون غيره لأن الحق واحد لا يتعدد 28
- فائدة/ كل قول تفرد به الظاهرية فهو خطأ لا يعول عليه ومثله الأقوال التي يتفرد بها المتأخرون من أصحاب المذهب الأربعة عن الأمة 29
- 4/ ظن بعضهم أن أهل الحديث لا يحتجون بالإجماع لقول أحمد بن حنبل: من ادعى الإجماع فهو كاذب لعل الناس اختلفوا . وهذا خطأ لما يلي:
أ/ أن الإمام أحمد احتج بالإجماع في عدة مسائل 30
- ب/ أنه نص على حجية الإجماع 31
- توجيه العلماء لكلام الإمام أحمد 31
- الأساس الرابع: الاستدلال من الكتاب والسنة على أن فهم السلف لنصوص الكتاب والسنة حجة يجب الرجوع إليه 32(24/109)
- أقوال أهل العلم في تقرير ذلك 37
- الأساس الخامس: أن أهل السنة والجماعة السلفيين جمعوا الحق كله 37
- ( الإتباع لا الابتداع) علامة أهل السنة والجماعة السلفيين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن جاء بعدهم إلى يومنا هذا 37
- أمور مهمة تتعلق بأهل السنة السلفيين: الأول/ أنهم أهل اجتماع، وأهل البدع أهل افتراق 40
- الثاني/ ليس لهم مرجع إلا كتاب الله وسنة رسوله وسبيل السابقين الأولين وليس لهم رأس إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف غيرهم 41
- الثالث/ من كان على الحق فهو الجماعة الممدوحة شرعاً ولو كان وحده 41
- الأساس السادس: أهل السنة السلفيون يدعمون كلامهم الثابت بالدليل بالنقل عن العلماء الموثوقين إذا لم يخالف دليلاً شرعياً 44
- تنبيه/ لا يوجد عالم معصوم جامع سنة النبي صلى الله عليه وسلم وكلام ابن تيمية في ذلك 44
- المسائل الشرعية الخلافية نوعان 46
- المخالفون في الباب طائفتان 48
- التنبيه على بعض مزالق ( حسن البنا) العقدية ( في الحاشية) 48
- إثبات أهل السنة الأسماء والصفات ( الذاتية والفعلية) لله لا يعني التشبيه، توضيح ذلك بعدة مسالك 49
- الأساس التاسع: أهل الأهواء والبدع يعمدون إلى الكلام المتشابه المجمل دون البين المفصل لخديعة الجهال 52
- الأساس العاشر: أسماء الله وصفاته توقيفية 53(24/110)
- لأهل السنة في باب الأسماء والصفات ثلاث حالات 56
- السبب في إيراد الأئمة الأحاديث الضعيفة في كتب الاعتقاد 57
- التعقيبات الإحدى عشرة على ضلالات وجهالات المالكي: 61
- التعقيب الأول: زعمه أن تقسيم التوحيد إلى أقسام ثلاثة بدعة 61
- التعقيب الثاني: انتقاد المالكي على ابن تيمية وغيره حيث قال: إنهم يزعمون أن الله لم يبعث الرسل إلا من أجل توحيد الألوهية أما توحيد الربوبية فقد أقره الكفار، وفي كلامه عدة جهالات من أوجه 65
- 1/ أن كلامه يؤكد جهله بمعنى التقسيم الثلاثي لأنواع التوحيد 65
-2/ أنه يوهم بكلامه أن ابن تيمية تفرد بهذا التقسيم 66
- 3/ رد ما قرره القرآن كثيراً من أن كفار قريش كانوا مقرين بهذه المسألة 66
- إن كلام ابن تيمية في كفار قريش وهو لم يعمم، والمنكرون لوجود الله قلة 70
- 4/ افتراء ابن فرحان على ابن تيمية حيث نسب إليه تكفير المسلمين ودافع هذه الفرية: الجهل والظلم 70
- التعقيب الثالث: زعم المالكي أن التفريق بين أنواع التوحيد الثلاثة جرأ مقلدي ابن تيمية إلى تكفير المسلمين، وفي كلامه جهالات عظام من أوجه 71
- لا يفرق المالكي بين تكفير النوع وتكفير العين 73
- المالكي يتطاول على كتاب كشف الشبهات 75
- التعقيب الرابع: يذم المالكي الحنابلة كثيراً في كتابه وهو من جملة الكلام بالمجمل على طريقة أهل البدع 76
- المالكي يقدح في الحنابلة معتقداً لا مذهباً فقهياً 78
- التعقيب الخامس: المالكي يجعل اشتراط فهم السلف بدعة في الدين 79(24/111)
- التعقيب السادس: المالكي يزعم أن لفظة ( عقيدة) بدعة محدثة 80
- التعقيب السابع: المالكي يصف كتب السلف بأنها كتب التجسيم 80
- التعقيب الثامن: قدح المالكي في كتب العقائد لأنه يوجد بها أحاديث ضعيفة مكذوبة تتعلق بالصفات 82
- التعقيب التاسع: وصف المالكي بعض الأحاديث بأن فيها تجسيماً 83
- وقفات مع بعض الأحاديث التي ذكرها المالكي حتى ترى أنه لا تجسيم فيها إلا عند المبتدعة 83
- تنبيه: لم يختلف الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه عياناً ببصره وحكى الدارمي إجماع الصحابة على أنه لم ير ربه في ليلة المعراج 86
- تنبيه/ وقفات مع ما قام به محقق كتاب السنة للإمام عبد الله بن الإمام أحمد ( محمد بن سعيد القحطاني) من الحواشي والتعليقات 90
- وقفات مع تحقيق محمد بن سعيد القحطاني لكتاب الرسالة الوافية لأبي عمرو الداني وما فيه من أخطاء 92
- أبو عمرو الداني يقرر عقيدة أهل البدع في كتابه والقحطاني يبجله 93
- التعقيب العاشر: انتقاد المالكي – بزعمه – على غلاة الحنابلة تساهلهم مع اليهود 96
- من محاسن السلف شدتهم على المبتدعة 97
- أمثلة من كلمات السلف الشديدة على المبتدعة 98
- تنبيه/ سبب شدة السلف على المبتدعة أشد من الكفار مع أنهم خير منهم في الآخرة 99(24/112)
- التعقيب الحادي عشر: تشكيك المالكي الجهول في حجية إجماع أهل السنة دون أهل البدعة 99
- فصل/ تبرئة أئمة السنة السلفيين من مطاعن ابن فرحان المالكي البدعية 100
- وصف المالكي الإمام أحمد بن حنبل بأنه غالٍ في التكفير 101
- الأدلة من الكتاب والسنة الصحيحة وإجماع المسلمين على كفر من قال" بأن القرآن مخلوق" 101
- رمي المالكي الإمام ابن تيمية ببدعة النصب (العداء لآل البيت) وأنه متحامل على عليّ – رضي الله عنه - 104
- الشيخ الفوزان رأسٌ في نصر السنة وقمع البدعة 106
- افتراءالمالكي علىالشيخ/صالح الفوزان ورميه بأنه لا يوثق بنقله في العقيدة 108
- من ابن فرحان المالكي في ميزان السلف؟ 111
- خاتمة 114
- الفهارس 115
تم بحمد الله
سلسة الرسائل العلمية للمؤلف
الألباني وموقفه من الإرجاء .
ابن تيمية وجماعة التبليغ .
مخالفات في التوحيد .
الحجج السلفية في الرد على آراء ابن فرحان المالكي البدعية .(24/113)
مختصر كتاب
الخمس
بين الفريضة الشرعية والضريبة المالية
السيد علاء عباس الموسوي
المقدمة
الحمد لله على توفيقه
والحمد له على أن هيأ للحق قلوبا تقبله ، وتؤثره على ما سواه رغم الشبهات وكثرة المغريات !
فلله الحمد مرة أخرى ... وأخرى ...
ولكي تعم الفائدة ، وتنتشر الحقيقة والكلمة الرائدة ارتأيت - كما أشار علي - بعض الفضلاء – أن أختصره ، وأحذف منه بعض المباحث – على أهميتها – تيسيرا لقراءته وتسهيلا لنشره ومداولته .
على أن هذا المختصر لا يغني عن الكتاب الأم لما فيه من فوائد جمة ومباحث قيمة كالمبحث اللغوي فإنه مبحث أصيل مبتكر إلا أنني حذفته – كما حذفت غيره – تحقيقا لتلك المقاصد .
أسأل الله تعالى أن يوفق لما فيه خير البلاد والعباد في المعاش والمعاد . آمين .
المؤلف
الباب الأول
خمس المكاسب
بين أقوال ( الأئمة ) وفتاوى الفقهاء
الفصل الأول
حقائق خطيرة ومثيرة
من خلال دراستي لموضوع خمس المكاسب اكتشفت حقائق مهمة – في غاية الأهمية- ومع ذلك فهي – حسب علمي – مجهولة تماما لدى جميع الذين يقومون بدفعه وأدائه إلى المجتهدين أو (السادة) المنتسبين إلى بيت أمير المؤمنين علي (ع) وتأتي أهمية هذه الحقائق من كونها تحدث انقلابا كاملا في نظرة من يطلع عليها ومفهومه القديم (للخمس) وسيكتشف لأول مرة الفرق الهائل بين التقاليد الموروثة ، والحقائق المجهولة ! ولا يحتاج بعدها إلا إلى شيء من الجرأة والاستقلالية في الرأي للتمرد على الموروث الخاطئ من أجل الحقيقة الصحيحة . من هذه الحقائق :
الحقيقة الأولى :(25/1)
إن هذا الأمر لا يستند ولو إلى نص واحد أو دليل منقول عن ( الأئمة المعصومين ) الذي ينبغي أن يكون اعتماد ( المذهب ) عليهم ومرجع فتاوى علمائه - لا سيما في الأمور العظيمة – إليهم يدل أو يشير – حتى مجرد إشارة – إلى ما يفعله الكثير اليوم طبقا إلى الفتاوى التي توجب على المقلد إعطاء خمس أرباحه وأمواله وكسبه إلى الفقيه ، إذ لا وجود لهذا النص في أي مصدر من المصادر المعتمدة – كما أسلفت – فهل تصدق ؟!!
الحقيقة الثانية :
وهي أعظم وأعجب ! وبقدر ما هي كذلك فهي مجهولة أو مستورة بحيث لا يعرفها أحد من الجماهير التي تعتقد بوجوب دفع ( الخمس ) .. هذه الحقيقة هي :
إن كثيرا من النصوص الواردة عن ( الأئمة ) تسقط ( الخمس ) عن الشيعة وتبيحه لهم - خصوصا – في زمن ( الغيبة ) إلى حين ظهور ( المهدي المنتظر ) .
(1) هي الكتب الأربعة : الكافي للكليني ، وفقيه من لا يحضره الفقيه لابن بابويه القمي ، وتهذيب الأحكام والاستبصار لشيخ الطائفة الطوسي .
إن هذه النصوص تجعل حكم أداء ( الخمس ) ل ( الإمام ) نفسه وفي حال حضوره الاستحباب أو التخيير بين الأداء وتركه وليس الوجوب .
الحقيقة الرابعة : وهي غريبة حقا وملفتة للنظر بشكل مثير !!
إن أحدا من علماء ( المذهب ) الأقدمين الذين عليهم قام المذهب وتكون كالشيخ المفيد ( ت 413هـ ) أو السيد المرتضى علم الهدى ( ت 436 هـ ) أو شيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي ( ت 460هـ ) وغيرهم لم يذكر قط مسألة إعطاء ( الخمس ) إلى الفقهاء ، بل ربما لم تخطر لهم على بال .
تظهر هذه الحقيقة جلية بمجرد إجراء مقارنة سريعة بين حكم أداء ( الخمس ) للفقيه وأدائه ( للإمام ) ، إذ يلاحظ التناقض التام بين الحكمين :(25/2)
فمع ان ( الخمس ) - حسب النظرية الإمامية – هو حق ( الإمام ) إلا ان حكم أدائه إليه في كثير من الروايات المعتبرة الاستحباب وليس الوجوب - كما سيأتي من خلال عرض الروايات لاحقا – فكيف ارتقت درجة أدائه إلى الفقيه فصار حكما واجبا !! في حين أن الفتوى التي أدخلت الفقيه في الموضوع إنما أدخلته بقياسات واجتهادات غايتها أن تجعل منه نائبا أو وكيلا عن صاحب الحق ( الإمام ) لا أكثر .
فكيف تغير الحكم وارتفع من درجة الاستحباب إلى الوجوب مع ان المنطق يقضي بأن يكون - في أحسن أحواله – مشتركا بينهما أي مستحبا مع الالتفات إلى الفارق الكبير بين الفقيه وبين ( الإمام المعصوم ) في الدرجة والمنزلة فكان المفترض أن ينزل الحكم من الاستحباب إلى الإباحة وهذا هو الذي جاءت به كثير من النصوص عن ( الأئمة ) وقال به كثير من الفقهاء . والمقصود بالإباحة هنا ان صاحب المال يباح له التصرف بماله دون أن يطالب بأداء ( خمسه ) إلى أي جهة كانت .
الحقيقة السادسة :
إلا أن الواقع المشاهد ان الفقيه يأخذ ( الخمس ) كله دون مراعاة هذه القسمة . فكيف ؟! هل يباح للفقيه من الحقوق ما لا يباح ل ( الإمام ) نفسه ؟! أم ماذا ؟!
الحقيقة السابعة :
ان نظرية ( الخمس ) في شكلها الأخير تقسم ( الخمس ) نصفين - كما أسلفت في الحقيقة السادسة – نصف للفقيه باعتباره نائبا عن ( الإمام ) ، ونصف لفقراء بني هاشم (يتاماهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم ) وليس للغني ذكر فيها .
وإذن فليس للأغنياء الذين ينتسبون إلى أهل البيت نصيب فيه لأنهم ليسوا من صنف الفقهاء ولا من صنف الفقراء . فما يفعله هؤلاء من أخذ الأموال باسم ( الخمس ) بحجة النسب باطل لا يسنده دليل .
وهذه الحقيقة مجهولة من قبل عامة من يقوم بدفع ( الخمس ) إليهم إذ يدفعون تلك الأموال لكل من يدعي النسبة دون النظر إلى كونه غنيا أو فقيرا .
الحقيقة الثامنة :(25/3)
وهكذا نصل إلى القول بأن إخراج ( الخمس ) وإعطاءه إلى الفقهاء لا يستند إلى أي نص عن أي ( إمام معصوم ) ، وإنما هو فتوى مختلف فيها لبعض - وليس جميع – الفقهاء المتأخرين – وليس المتقدمين - .
وقد اختلف الفقهاء فيها وفي تفصيلاتها كثيرا ، من فقيه إلى فقيه ، ومن زمان إلى زمان ، وظلت هذه الفتوى تعاني من النقص ومن إجراءات التحوير والتطوير جيلا بعد جيل وقرنا بعد قرن دون أن تستقر على صورة نهائية وإلى اليوم ! مما يجعل كل عارف
بهذه الحقائق على يقين من عدم استناد هذه الفتوى إلى دليل .
(1) انظر ( النهاية في مجرد الفقه والفتاوى ) للطوسي ص 265 .
الفصل الثاني
الأدلة التفصيلية على الحقائق السابقة
1- النصوص الواردة عن ( الأئمة المعصومين ) في إسقاط ( الخمس )
- عن أبي عبد الله (ع) – وقد سئل - : من أين دخل على الناس الزنا ؟ قال : من قبل خمسنا أهل البيت . إلا شيعتنا الأطيبين فإنه محلل لهم لميلادهم . (1)
في هذا النص يظهر واضحا أن الإمام الصادق أباح ( الخمس ) لشيعته ، وهذا مع وجوده وحضوره ، وان الشيعة غير ملزمين بدفعه من أجل أن يطيب ميلادهم ولا يكونوا أبناء زنا إذا امتنعوا عن أدائه كبقية الناس من غير الشيعة الذين دخل عليهم الزنا بذلك !
- عن أحدهما (ع) قال : إن أشد ما فيه الناس يوم القيامة صاحب الخمس ، فيقول : يا رب خمسي .
وقد طيبنا ذلك لشيعتنا لتطيب ولادتهم ولتزكو أولادهم . (2)
وقد رواه الطوسي في الاستبصار هكذا : إن أشد ما فيه الناس يوم القيامة ان يقوم صاحب ( الخمس ) فيقول : يا رب خمسي وقد طيبنا ذلك لشيعتنا لتطيب ولادتهم وليزكو أولادهم . (3)
وهذا النص كسابقه في إباحة ( الخمس ) للشيعة وعدم إلزامهم به حتى في زمن حضور ( الإمام ) .(25/4)
- عن أبي عبد الله (ع) – في قوله تعالى : (( واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى )) - قال : هي – والله – الإفادة يوما بيوم إلا أن أبي جعل شيعته في حل ليزكوا . (4)
(1) أصول الكافي للكليني 1/546 .
(2) أصول الكافي للكليني 1/547 وفقيه من لا يحضره الفقيه للقمي 2/22 .
(3) الاستبصار 2/57
(4) أصول الكافي للكليني 1/544
- عن أبي عبد الله (ع) قال : ان الناس كلهم يعيشون في فضل مظلمتنا ، إلا أنا أحللنا شيعتنا من ذلك . (1)
والنصان الأخيران واضحا الدلالة على ان ( الأئمة ) قد أحلوا ( الخمس ) لشيعتهم وأسقطوه عنهم .
- عن أبي عبد الله (ع) قال :- وهو يتحدث عن أنهار الدنيا الخمسة – فما سقت او استقت فهو لنا ، وما كان لنا فهو لشيعتنا وليس لعدونا منه شيء إلا ما غصب عليه وان ولينا لفي أوسع مما بين ذه وذه ، يعني ما بين السماء والأرض . (2)
تأمل قول ( الإمام) : ( ما كان لنا فهو لشيعتنا ) أي ان حق ( الإمام ) ملك لشيعته أباحه لهم . والمالك حر في تصرفه بملكه . فإذا كان ( الإمام ) نفسه قد ملك شيعته ما كان له من نصيب في ( الخمس ) فبأي حق يأتي من وضع نفسه وكيلا عنه دو ن توكيل منه ليطالب بحقه الذي تنازل عنه بل يشدد في المطالبة ؟!
إذا كان لرجل على آخر دين تنازل عنه والتنازل مكتوب في وثيقة مصدقة ومعتبرة ثم مات الرجل فهل من حق ورثته المطالبة بالدين ؟
أليست هذه الروايات وغيرها من أمثالها وثائق معتبرة يمكن إبرازها من قبل أي مسلم عند من يطالبه بشيء اسمه ( الخمس ) ؟!
وإذا لم تكن هذه وثائق معتبرة فبأي رواية يمكن أن يكون الاعتبار ؟ ولماذا يضرب بهذه الروايات عرض الحائط حتى كأنها لم توجد ، ويؤخذ بغيرها من أمثالها ؟! وتأمل – أيضا – قوله (ع) : ( وإن ولينا لفي أوسع مما بين ذه وذه ) أي لا يجب عليه شيء إذ هو في سعة من أمره أكبر مما بين السماء والأرض !(25/5)
- عن أبي عبد الله (ع) وقد جاءه أحد أتباعه بمال فرده عليه وقال – قد طيبناه لك وأحللناك فيه فضم إليك مالك وكل ما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون حتى يقوم قائمنا (3) .
(1) فقيه من لا يحضره الفقيه للقمي 2/24
(2) أصول الكافي 1/409
(3) أصول الكافي 1/408
وهذا تطبيق عملي للروايات السابقة في إباحة ( الخمس ) وإذا جمعنا الروايات إلى غيرها يتبين لنا أن ( الخمس ) مباح من قبل الإمام الصادق ومن بعده حتى يقوم القائم ( أي المهدي المنتظر ) ، فمن أوجبه إذن إذا كان ( الإمام ) نفسه قد أباحه ؟!
- عن يونس بن يعقوب قال : كنت عند أبي عبد الله (ع) فدخل عليه رجل من القماطين فقال : جعلت فداك في أيدينا الأرباح والأموال وتجارات نعرف حقك فيها ثابت وأنا عن ذلك مقصرون . فقال (ع) ما أنصفناكم ان كلفناكم ذلك اليوم . (1)
وهذا فيه ان التكليف بدفع ( الخمس ) ينافي الإنصاف !! هذا و ( الإمام ) حاضر فكيف وقد غاب ؟!
- عن علي بن مهزيار أنه قال : قرأت في كتاب لأبي جعفر (ع) إلى رجل يسأله أن يجعله في حل من مأكله ومشربه من الخمس فكتب (ع) بخطه : من أعوز شيء من حقي فهو في حل . (2)
- جاء رجل إلى أمير المؤمنين (ع) قال : يا أمير المؤمنين أصبت مالا أغمضت فيه أفلي توبة ؟ قال : أئتني بخمسه ، فأتاه بخمسه فقال : هو لك ، ان الرجل إذا تاب تاب ماله معه . (3)
وقد بوب الطوسي في الاستبصار : ( باب ما أباحوه لشيعتهم عليهم السلام من الخمس حال الغيبة ) (4) أورد تحته عدة روايات منها ما سبق ذكرها ومنها :
- عن أبي عبد الله (ع) قال : هذا لشيعتنا حلال الشاهد منهم والغائب ، والميت منهم والحي ومن تولد منهم إلى يوم القيامة فهو لهم حلال (5) .
(1) فقيه من لا يحضره الفقيه للقمي 2/23
(2) فقيه من لا يحضره الفقيه 2/23
(3) المصدر السابق 2/22
(4) الاستبصار 2/57
(5) المصدر السابق 2/58(25/6)
- عن أبي جعفر (ع) قال : أمير المؤمنين (ع) هلك الناس في بطونهم وفروجهم لأنهم لم يؤدوا إلينا حقنا ، ألا وإن شيعتنا من ذلك وآباءهم في حل . (1)
- وروى في موضع آخر الرواية التالية : عن أبي عبد الله (ع) قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وكان ذلك له ثم يقسم ما بقي خمسة أخماس ثم يأخذ خمسه ثم يقسم أربعة أخماس بين الناس . (2)
وهذا يعني أن المغنم هو غنيمة الحرب خاصة لأن أموال الناس ومكاسبهم وعقاراتهم لا ينطبق عليها هذا القول إذ هي لا يمكن – ولم يحدث – أن يؤتى بها ويأخذ منها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا غيره ما يعجبه ثم بعد ذلك يقسمها خمسة أقسام يأخذ واحدا منها ثم يقسم الأربعة أقسام الأخرى بين الناس . وهذا ما جاء في رواية أخرى :
- عن عبد الله بن سنان قال : سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : ليس إلا في الغنائم خاصة . (3)
- عن العبد الصالح (ع) : ( وله – أي الإمام – نصف الخمس كاملا ونصف الخمس الباقي بين أهل بيته فسهم ليتاماهم وسهم لمساكينهم وسهم لأبناء سبيلهم ... ) وفي آخر الرواية يعود ليقول : ( وجعل للفقراء في قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم نصف الخمس) (4) .
ف ( الخمس ) إذن نصفه ل ( الإمام ) – حسب هذه الرواية – ونصفه للفقراء ( اليتامى والمساكين وابن السبيل ) فليس للأغنياء فيه نصيب وإن كانوا من ذرية أهل البيت ، وعلى هذا نص الفقهاء قديما وحديثا – كما سيأتي – وبعد ..(25/7)
فهذه أقوال ( الأئمة ) وتوجيهاتهم في الروايات الواردة عنهم فإن كان موضوع ( الخمس ) وأحكامه قد أسست على أقوال ( الأئمة ) ، فهذه أقوالهم .. وإن كانت أسست على شيء آخر فذلك شأن من أسسها و ( الأئمة ) منه برءاء ، فهو وشأنه لا
(1) الاستبصار 2/59
(2) أيضا 2/57
(3) أيضا 2/56
(4) أصول الكافي 1/540،542
علاقة لنا به ولا حجة له علينا . وهنا يحق لنا أن نتساءل ونقول : فمن أين نشأ القول بوجوب ( الخمس ) وأدائه إلى الفقيه ؟! ومتى ؟!
هذا ما سأحاول الإجابة عنه من خلال استقراء أقوال فقهاء المذهب .
2- كبار الفقهاء يسقطون ( الخمس ) أيضا
لم يكن الحكم بإباحة ( الخمس ) وإسقاطه عن الشيعة ، وعدم إلزامهم به قولا ( للأئمة ) فقط - وان كان هذا يكفي لأن قول ( الإمام ) حجة – حسب قواعد المذاهب ولا اجتهاد مع النص أو قول ( الإمام ) – وإنما على هذا الحكم أيضا كبار فقهاء المذهب ومشاهيره على مر التاريخ محتجين بهذه الروايات التي أسلفنا ذكرها مما يدل صراحة على اعتبارها عندهم .
من هؤلاء الفقهاء : (1)
العلامة أحمد الأردبيلي ( ت 993 هـ ) :
الذي كان أبرز فقهاء عصره على الإطلاق حتى لقب بالفقيه المقدس !!
يقول الأردبيلي : ( اعلم أن عموم الأخبار .. يدل على السقوط بالكلية في زمان الغيبة والحضور ، بمعنى عدم الوجوب الحتمي .. وهذه الأخبار هي التي دلت على السقوط حال الغيبة ، وكون الإيصال مستحبا ( أي زمن الحضور ) كما هو مذهب البعض مع ما مر من عدم تحقق الوجوب إلا قليلا لعدم دليل قوي على الأرباح والمكاسب وعدم الغنيمة ) (2) .
تأمل التشابه بين هذه الفتوى ونصوص ( الأئمة ) السابقة ، وكيف يستدل على سقوط ( الخمس ) بالأخبار الواردة عن ( الأئمة ) .
محمد الباقر السبزواري ( 1018هـ – 1090 هـ ) :
قال في ( ذخيرة المعاد ) : ( المستفاد من الأخبار الكثيرة في بحث الأرباح كصحيحة(25/8)
(1) هذه الاستشهادات في –عمومها- ملخصة عن كتاب ( تطور الفكر السياسي الشيعي من الشورى إلى ولاية الفقيه ) لأحمد الكاتب في مباحثه الخاصة ب ( الخمس ) من ص 305 – ص 313 و ص 352 – ص 358 .
(2) مجمع الفائدة والبرهان 4/355-358
الحارث بن المغيرة النضري ، وصحيحة الفضلاء وصحيحة زرارة وصحيحة علي بن مهيار ، وصحيحة ضريس وحسنة الفضيل ، ورواية محمد بن مسلم ورواية داود بن كثير ورواية الحرث بن المغيرة ورواية معاذ بن كثير ، ورواية اسحق بن يعقوب ، ورواية عبد الله بن سنان ، ورواية حكم مؤذن بني عبس ، إباحة الخمس للشيعة ) (1)
وقد خير بين الإباحة وبين حفظ حصة ( الإمام ) إلى حين ظهوره أو قيام الفقيه بصرفه احتياطا على سبيل الاستحباب لا الوجوب في موضع آخر (2) مع ميله الشديد إلى الإباحة عملا بالأخبار الواردة .
الشيخ محمد حسن النجفي ( ت 1266 هـ ) (3) .
السيد محمد علي الطباطبائي ( ت 1009 هـ ) .
الشهيد الثاني ( 911هـ –966 هـ ) .
العلامة سلار .
الشيخ يحيى بن سعيد الحلي ( 601هـ – 690 هـ ) .
وقد قال جماعة من الفقهاء بإباحة ( خمس ) المناكح والمساكن والمتاجر حال الغيبة منهم :
شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي ( ت 460 هـ ) . (4)
المحقق الحلي نجم الدين جعفر بن الحسن ( 602هـ – 676 هـ ) (5) .
العلامة الحسن بن المطهر الحلي ( ت 709 هـ ) . (6) .
القاضي ابن براج ( المتوفي في منتصف القرن الخامس الهجري ) (7) .
الشهيد الأول ( ت 786هـ ) (8) .
(1) ذخيرة المعاد ص 292
(2) ذخيرة المعاد ص 291
(3) لا حظ تاريخ الوفاة المتأخر : منتصف القرن الثالث عشر الهجري !
(4) النهاية في مجرد الفقه والفتاوى ص 200 .
(5) شرائع الإسلام / كتاب الخمس 1/182 –183
(6) تحرير الأحكام ص 75
(7) المهذب 1/180
(8) الدروس الشرعية ص 70
الفصل الثالث
اضطراب نظرية ( الخمس )
واختلافها بين المتقدمين من الفقهاء والمتأخرين(25/9)
قول الشيخ أبي جعفر الطوسي المتوفى سنة ( 460 هـ ) :
وهو صاحب كتابي ( الاستبصار ) و ( تهذيب الأحكام ) وهما اثنان من كتب أربعة عليها مدار المذهب في الرواية ، وكذلك هو صاحب كتابين من كتب أربعة عليها مدار المذهب في ( الرجال ) جاء في التعريف به في بداية كتاب ( النهاية ) ( إمام الفرقة بعد الأئمة المعصومين ، وعماد الشيعة في كل ما يتعلق بالمذهب والدين شيخ الطائفة على الإطلاق ) .
يقول الطوسي : ( أما في حال الغيبة فقد رخصوا لشيعتهم التصرف في حقوقهم من المناكح والمتاجر والمساكن فأما ما عدا ذلك فلا يجوز لهم التصرف فيه على حال . وما يستحقونه من الأخماس في الكنوز وغيرها فقد اختلف قول أصحابنا فيه ، وليس فيه نص معين ، إلا ان كل واحد منهم قال قولا يقتضيه الاحتياط :
- فقال بعضهم : انه جار في حال الاستتار مجرى ما أبيح لنا من المناكح والمتاجر .
- وقال قوم : انه يجب حفظه ما دام الإنسان حيا فإذا حضرته الوفاة وصى به إلى من يثق به من إخوانه ليسلمه إلى صاحب الأمر إذا ظهر ، أو يوصي به حسب ما وصى به إلى أن يصل إلى صاحب الأمر .
- وقال قوم : يجب دفنه لأن الأرضين تخرج كنوزها عند قيام القائم
- وقال قوم : يجب أن يقسم الخمس ستة أقسام ، فثلاثة أقسام للإمام يدفن أو يودع عند من يثق به ، والثلاثة الاقسام الأخر يفرق على مستحقيه من أيتام آل محمد (ص) ومساكينهم وأبناء سبيلهم .
وهذا مما ينبغي أن يكون العمل عليه ، لأن هذه الثلاثة الأقسام مستحقها ظاهر ، وان كان المتولي لقبضها وتفريقها ليس بظاهر ، كما ان مستحق الزكاة ظاهر وان كان المتولي لقبضبها وتفريقها ليس بظاهر ، ولا أحد يقول في الزكاة انه لا يجوز تسليمها إلى مستحقيها .
ولو أن إنسانا استعمل الاحتياط وعمل على أحد الأقوال المقدم ذكرها من الدفن أو الوصاة لم يكن مأثوما ) (1) .
ملاحظات مهمة :(25/10)
يلاحظ على هذه الفتوى ان الشيخ الطوسي لم يذكر الفقهاء قط لا في قبض ( الخمس ) ، ولا تفريقه ولا عند الوصية إلى موثوق ، ولا عند الدفن ، بل صرح ان المتولي لتفريق ( الخمس ) ليس بظاهر ( أي غائب ) ، ولو كان يرى ان الفقهاء يتولون ذلك لما قال ( ان المتولي لقبضها وتفريقها ليس بظاهر ) .
بل ذكر صراحة – عند ذكر الوصية – ان الذي يوصى إليه ب ( الخمس ) هو من يثق به صاحب ( الخمس ) من ( إخوانه المؤمنين ) ولم يقل ( من الفقهاء ) !
ويلاحظ أيضا : أن الشيخ لم يذكر من بين جميع الأقوال التي ذكرها قولا واحدا يشير إلى دفع ( الخمس ) إلى الفقيه أو ( السيد ) ! وكذلك جميع الفقهاء الذين تكلموا عن ( الخمس ) في تلك الأزمنة وهذا يعني إجماع فقهاء المذاهب الأقدمين على إغفال ذكرهما وأنهما واردين في حساب أولئك الفقهاء .
وكذلك يلاحظ ان جميع الأقوال لا تستند إلى أي نص عن ( الأئمة ) سوى القول الأول القاضي بإباحة ( الخمس ) وسقوط فرضيته .
وأنا لا أدري على أي فتوى كانت جماهير الشيعة تعمل طيلة القرون التي سبقت الفتوى بوجوب دفع ( الخمس ) إلى الفقيه !! لا بد ان بعضهم عمل بالفتوى القائلة بالوصية ، فهل وجد المتأخرون أموالا متكدسة تراكمت بفعل تحولها من يد ( ثقة مأمون) إلى ( ثقة مأمون ) جيلا بعد جيل ؟ وان لم يجد أحد شيئا من ذلك فأين كان مصير تلك الأموال التي أوصى بها أصحابها ؟!
وحتى تتكون صورة واضحة المعالم يظهر فيها الفرق الشاسع بين أقوال الفقهاء المتقدمين والمتأخرين – ليعلم القارئ علما يقينيا ان المسألة برمتها رأي واجتهاد اضطربت فيه الأقوال واحتارت به العقول وزلت في مخاضته الأقدام دون استناد إلى دليل – انقل
(1) النهاية في مجرد الفقه والفتاوى ص 200-201 .
فتوى زعيم الحوزة السيد أبي القاسم الخوئي :
يقول السيد الخوئي : ( يقسم الخمس في زماننا – زمان الغيبة – نصفين :(25/11)
نصف لإمام العصر الحجة المنتظر ، ونصف لبني هاشم : أيتامهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم ...
وقال : يجوز استقلال المالك في توزيع النصف المذكور ، والأحوط استحبابا الدفع إلى الحاكم الشرعي أو استئذانه في الدفع إلى المستحق .
والنصف الراجع إلى الإمام (ع) يرجع فيه في زمان الغيبة إلى نائبه وهو الفقيه المأمون العارف بمصارفه ، إما بالدفع إليه أو الاستئذان منه .
(1) منهاج الصالحين / العبادات ص 347-349 مطبعة الديواني – بغداد – ط التاسعة والعشرون .
بين الطوسي والخوئي :
الطوسي
الخوئي
1- يذكر الطوسي إباحة ( الخمس ) وسقوطه مطلقا كقول من بين الأقوال الأربعة التي كان عليها فقهاء المذاهب .
2- يقسم الطوسي ( الخمس ) قسمين :
- قسم مصدره مكاسب وأرباح التجارات والمساكن والمناكح يختار هو إباحته وإسقاطه .
- والقسم الآخر هو الذي يرد مما تبقى من أنواع المال ( الكنوز وغيرها كما يعبر الطوسي ) وهذا يرجح قسمته أيضا نصفين :
3- النصف الذي هو حق ( الإمام الغائب ) لا يجيز التصرف به لأي كان ، بل إما يدفن أو يوصى به .. ونصف آخر هو لبني هاشم ، أيتامهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم مرجعه إلى المالك مع ترجيح قسمته عليهم من قبله .
4- لم يذكر الطوسي المتولي لتوزيع النصف الآخر ، ولم يرد ذكر الفقيه في كل تفاصيل الفتوى أبدا بل صرح ان المتولي لذلك ليس بظاهر ، أي انه حصر الولاية في (الإمام الغائب ) وليس الفقيه .
1- لم يتطرق الخوئي إلى حكم الإباحة بل المفهوم من كلامه إطلاق الوجوب .
2- لا وجود لهذا التقسيم عند الخوئي ، وإنما يقسم ( الخمس ) كله - دون استثناء – أرباح التجارات والمساكن والمناكح – إلى نصفين أي انه يوجب تخميس المتاجر والمساكن والمناكح خلافا لشيخ الطائفة .(25/12)
3- الخوئي لا يذكر مسألة الدفن أو الوصية فيما يخص حق الإمام إطلاقا وإنما يذكر تسليمه إلى الفقيه المأمون ليصرفه في الوجوه التي يعلم رضا الإمام الغائب عنها أو استئذانه من قبل المالك لصرفه في مصارفه .
4- بينما هنا يظهر دور الفقيه بوضوح ليتولى استلام ( الخمس ) بنصفيه مع التفريق في الحكم بين نصف ( الإمام ) ونصف الأصناف الثلاثة . إذ أجاز استقلال المالك في توزيع نصيب الأصناف الثلاثة وجعل على سبيل الأحوط استحبابا تسليمه إلى الفقيه ( الحاكم الشرعي كما يعبر عنه الخوئي ) أو استئذانه في التوزيع على المستحقين ، بينما جعل حكم نصيب (الإمام الغائب ) ان يدفع إلى الفقيه على سبيل الأحوط لزوما ( أي وجوبا ) أو استئذانه فهناك الحكم هو الاستحباب وهنا الوجوب وكلاهما على سبيل الاحتياط .
لاحظ كيف ان فتوى الخوئي مخالفة جملة وتفصيلا لفتوى الطوسي ( شيخ الطائفة على الإطلاق ) .
حق ( السادة ) :
ومما يلاحظ – وهو مما يستغرب جدا – ان الشيخ الطوسي والسيد الخوئي كليهما لم يجعلا لأغنياء ( السادة ) نصيبا في ( الخمس ) !! فالطوسي لا يذكر - آل محمد (ص) – إلا عند اليتامى والمساكين وابن السبيل . وهؤلاء كلهم ذوو حاجة والخوئي يجعل من مصاريف ( الخمس ) ( دفع ضرورات المؤمنين من السادة وغيرهم ) .
والضرورة شيء أشد من الحاجة ، وهذا معناه ان ( السيد ) لا حق له في ( الخمس ) إلا عند الضرورة والحاجة الماسة . وان هذه الضرورة لا تخص ( السادة ) وحدهم وإنما تعم ( المؤمنين من السادات وغيرهم ) على حد تعبير الخوئي .
وضاعت الحقيقة !!(25/13)
وعلى أية حال فما قرأته وعاينته هو كلام زعيم الحوزة ومرجع الطائفة في العصر الحديث ، وفتوى ومؤسس الحوزة وشيخ الطائفة على الإطلاق ، وبينهما من الفرق والاختلاف ما قد علمته وزيادة ! فأين الحق ؟! وعند من نعثر على الحقيقة ؟! وأي منهما مذهبه وفتواه وكلامه يمثل قول ( المعصوم ) أو ( الإمام ) جعفر الصادق (ع) وكلاهما إمامي اثنا عشري عقيدة ، وجعفري فقها .. والمذهب – كما أعلمونا – مؤسس جملة وتفصيلا على أقوال الإمام جعفر الصادق (ع) .
فهل يصح في الأذهان ان الإمام جعفر (ع) متناقض إلى هذه الدرجة ؟!أم أن المنطق يقضي بأن قوله في المسألة واحد لا سيما إذا استحضرنا القول ب ( عصمته ) (ع) . فأي القولين هو قوله ؟ مع الانتباه إلى أن كل قول منهما هو نفسه عبارة عن مجموعة أقوال وترجيحات متناقضة !! ولا شك في ان الملايين وعلى مر مئات السنين عملوا بفتوى الشيخ الطوسي وأمثاله من الفقهاء ، فلم يدفعوا ( أخماس ) أموالهم إلى أي فقيه أو (سيد) وماتوا على ذلك ! فهل هؤلاء الذين يعيشون في زماننا ثم يموتون دون أن يدفعوا ( الخمس) إلى أحد بريئو الذمة كأولئك ؟! فعلام إذن يكلف الآخرون أنفسهم ويلزمونها به ؟! أم إن أولئك الذين عملوا بفتوى الطوسي وأمثالهم هم وحدهم مسامحون وغيرهم آثمون مع ان كلا الفريقين مشترك في أمر واحد هو عدم الدفع ؟! أم ان كليهما آثم محاسب ؟ فما ذنب الفريق الأول ؟! أم ماذا ؟!
وهل الطوسي كان على الحق والخوئي على الباطل ؟ أم العكس ؟ أم كلاهما على حق ؟ أم على باطل ؟ أم ماذا أفتونا مأجورين !!
من أين جاءت الفكرة ؟
ان السبب الوحيد الذي أدى إلى ميلاد فكرة إعطاء خمس المكاسب إلى الفقيه هو الحاجة المادية التي فرضتها طموحات الفقهاء للوصول إلى غايات لا يمكن تحقيقها عن طريق الموارد الشرعية المعتادة كالاكتساب الشخصي وأموال الزكاة والصدقات والتبرعات أو الهبات والأوقاف وما شابه .(25/14)
فلا بد من إيجاد مورد آخر كبير . ولا بد لهذا المورد من غطاء شرعي يضمن وجوده واستمراره ( فكان تفسير الغنيمة بالأرباح خير ضمان لمعالجة العجز المالي الذي كان يقلق حياة أولئك الفقهاء وطلاب العلوم الدينية ) (1) . إلا ان فرض مثل هذه الضريبة لم يكن في أول أمره سهلا تقبله لدى الناس ، لذلك احتار الفقهاء في الأزمنة المتقدمة في كيفية وضع صيغة مقبولة باسم الشرع للخلاص من النظرية الأولى التي تقول بأن التصرف في ( الخمس ) من حق ( الإمام ) وحده والتي على أساسها كان كبار فقهاء المذهب كالشيخ المفيد والشيخ الطوسي يفتون بسقوطه عن التكاليف في زمن ( الغيبة ) أو دفنه أو الوصية به إلى موثوق لحين قيام ( المهدي ) … الخ ، فجاءت أقوالهم وفتاواهم مختلفة ومضطربة ومترددة تعبر عن هذه الحيرة ولكنها كانت تتطور شيئا فشيئا حسب التسلسل الزمني وخطوة خطوة إلى أن وصلت إلى ما هي عليه اليوم بعد أن مرت بسلسلة طويلة من إجراءات التحوير والتطوير استغرقت عدة قرون من الزمان !
لمحة عن تضارب أقوال الفقهاء وتطورها عبر الزمن :
1- فبعد قول الشيخ المفيد ( ت 413هـ ) والشيخ الطوسي ( ت 460هـ ) ان المتولي لقبض ( الخمس ) وتفريقه – أي استلامه وتوزيعه – ليس بظاهر لعدم وجود نص
(1) الشيعة والتصحيح ص 63 للدكتور موسى الموسوي .
شرعي يعينه ولذلك لم يذكر أحدا بعينه لا فقيها ولا غيره يتولى استلام ( الخمس ) أو صرفه .
2- جاء القاضي ابن براج في أواسط القرن الخامس الهجري ليقول بضرورة إيداع (الخمس) كأمانة عند الفقهاء تحفظ لحين ظهور ( المهدي ) الذي سيتولى قبضها .
بمعنى انه ليس من حق الفقهاء التصرف في ( الخمس ) لا لحاجتها الشخصية ولا في أي وجه آخر من وجوه الصرف .(25/15)
ولا شك ان أحدا من الخلق لم يجد بعد موت أولئك الفقهاء أموالا محفوظة باسم ( المهدي ) لا سيما بعد تغير الفتوى مما يدل أو يرجح أنهم تصرفوا فيها وجعلوا من استلامها باسم الوديعة أو الأمانة غطاء شرعيا للاستيلاء عليها !
3- ثم جاء ابن حمزة في القرن السادس لتتقدم النظرية إلى الإمام خطوة فيها شيء من الجرأة وشيء من الحياء إذ قال ابن حمزة ب ( تفضيل ) دفع ( الخمس ) إلى الفقيه ليتولى قسمته و ( أوجب ) ذلك إذا لم يكن المالك يحسن القسمة .
تأمل كيف تم نقل الخطوات إلى الإمام خطوة خطوة !
فبعد أن قالوا بأن الفقيه يستلم ( الخمس ) ليحتفظ به كأمانة لحين خروج ( المهدي ) انتقلوا خطوة أخرى فأجازوا للفقيه استلامه وقسمته على سبيل الاستحباب والتفضيل ! ولا شك ان الفرق هائل بين الاحتفاظ به كأمانة لحين مجيء صاحبه ( المهدي ) وبين قسمته وتوزيعه .
أما إذا لم يكن المالك يحسن القسمة فيجب عليه في هذه الحال أن يدفعه إلى الفقيه الذي ( يحسن ) القسمة ( والضرب أيضا ) . وهذه خطوة ونصف لا خطوة واحدة .
4- ثم جاء المحقق الحلي في القرن السابع فخطى الخطوة المهمة ألا وهي ( إيجاب ) تسليم حصة ( الإمام ) – وهي نصف الخمس – إلى ( من له الحكم بحق النيابة ) لكي يتولى صرف حصة ( الإمام ) في الأصناف الموجودين .
5- وأشار الشهيد الأول في القرن الثامن إلى ضرورة استئذان نائب الغيبة العدل الإمامي الجامع لصفات الفتوى إن اختار المكلف توزيع نصيب ( الإمام ) على الأصناف .
6- وأوكل المحقق الكركي في القرن العاشر مهمة صرف حصة ( الإمام ) إلى الحاكم الشرعي أي الفقيه .
7- وأفتى محمد باقر السبزواري في القرن الحادي عشر بتولية الفقيه العدل في عملية صرف ( الخمس ) في الأصناف الموجودين احتياطا وتحدث عن نيابة الفقيه عن ( الإمام المهدي ) .
8- وأفتى الشيخ محمد حسن النجفي في القرن الثالث عشر بقوة بوجوب تولي الفقيه العادل صرف سهم ( الإمام ) .(25/16)
9- وفي القرن الرابع عشر الهجري قال السيد كاظم اليزدي بضرورة إيصال سهم (الإمام) في زمان الغيبة إلى (نائبه ) وهو المجتهد الجامع للشرائط أو الدفع إلى المستحقين بإذنه . والعجيب انه لا يؤمن بنظرية ( ولاية الفقيه ) في سائر أبواب الفقه لكن طبقها في مجال ( الخمس ) دون بقية الأبواب !!
10- وتراجع السيد محسن الحكيم في أواخر القرن الرابع عشر الهجري إذ لم ير حاجة إلى مراجعة الفقيه أو استئذانه في صرف المالك حصة ( الإمام ) في جهة معينة إذا رأى أنه أحرز رضا ( الإمام ) إلا برأي ضعيف .
11- وفي مطلع هذا القرن ( الخامس عشر الهجري ) جاء الشيخ حسن الفريد برأي جديد وقام في باب ( الخمس ) بثورة عندما سلب حق ( الخمس ) من ( الإمام المهدي ) بسبب غيبته وعدم قيامه بواجبه في أداء مهام ( الإمامة ) ، وقال بضرورة قيام واحد من الناس باستلامه وتوزيعه من باب الحسبة والاستقلال التام لا من باب النيابة . (1)
يلاحظ أن هذه الفتاوى والأقوال الفقهية تمتاز بالاضطراب والتضارب والتطور وأحيانا الارتداد ، والأهم من ذلك عدم استنادها في إدخال الفقيه في موضوع ( الخمس ) إلى أي مستند شرعي من الكتاب أو السنة أو أقوال ( الأئمة ) !
وهذا هو السر في اضطرابها واختلافها لأنها بشرية المصدر مخترعة أملتها الحاجة فهي تتغير وجودا وعدما وإيجابا واستحبابا واحتياطا وجوازا ... الخ حسب الظروف !
(1) تطور الفكر السياسي الشيعي ، ص 356-358 لأحمد الكاتب .
إسدال الستار على الروايات المبيحة ل ( الخمس )
في الوقت نفسه قاموا بإسدال الستار والتكتم على جميع الروايات التي تسقط أداء ( الخمس ) عن المكلف - والتي سبق ذكرها في أول الكتاب – أو تحريفها وبترها مع اختراع روايات جديدة مغايرة لم يكن لها ذكر في المصادر المتقدمة مستغلين جهل الناس وثقتهم المطلقة !(25/17)
والرواية لها نهاية تقول : ( وقد طيبنا ذلك لشيعتنا لتطيب ولادتهم ولتزكو أولادهم ) (2) إلا ان الفقيه اكتفى بشرطها الأول لأن الرواية بتمامها تؤدي إلى إسقاط ( الخمس ) عن الشيعة وهو لا يريده ! ثم قال : وقال أبو عبد الله (ع) : ( أتدري من أين دخل على الناس الزنا ؟ فقلت : لا أدري فقال : من قبل خمسنا أهل البيت ) (3) وصنع في هذه الرواية كما صنع بالرواية الأولى إذ بترها عن شطرها الثاني الذي يستثني الشيعة من هذا الحكم وهذا نصه : ( إلا شيعتنا الأطيبين فإنه محلل لهم لميلادهم ) (4) .
وهذا أعلى أنواع التحريف إذ يؤدي إلى عكس المقصود مما يدل على فقدان الأمانة العلمية وعدم الشعور بالمسؤولية الدينية التي ينص عليها قوله سبحانه وتعالى : (( وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا يه ثمنا قليلا فبئس ما يشترون )) آل عمران /187 .
(1) الخمس بين السائل والمجيب ، ص3 للسيد محمد محمد صادق الصدر .
(2) أصول الكافي للكليني 1/547 وفقيه من لا يحضره الفقيه للقمي 2/22 والاستبصار للطوسي 2/57 .
(3) الخمس بين السائل والمجيب ص3.
(4) أصول الكافي 1/546 .
ثم جاء بهاتين الروايتين المخترعتين وأقول : ( مخترعتين ) لأني نقبت عنهما فلم أجد لهما ذكرا في المصادر الروائية القديمة الأربعة !! قال إمام العصر عجل الله فرجه الشريف : ( من أكل من مالنا شيئا – إنما يأكل – في بطنه نارا وسيصلى سعيرا ) وقال عجل الله فرجه : ( لعنة الله والملائكة والناس أجمعين على من أكل من مالنا درهما حراما ) (1) .(25/18)
دون إسناد ولا نسبة لمصدر ولا تحقيق ! ان كتاب الكافي للكليني هو المصدر الوحيد الذي ألف في الفترة التي يمكن ل ( المهدي ) ان يتصل فيها بالناس عن طريق نوابه والتي سميت ب ( الغيبة الصغرى ) فلو كان قد قال هذا القول فلا بد ان نجده في كتاب الكافي فإذا وجدناه في مصدر آخر متأخر فإنما الإسناد إليه والنقل منه !
وهكذا تبين ان استلام الفقيه لخمس مكاسب الناس إنما تم بأقاويل وفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان !
شرعية المصرف لا تحلل حرمة المصدر
( ان بعض علماء الشيعة يدافع عن أخذهم الخمس من أموال الشيعة بأنها تصرف على المدارس الدينية والحوزات العلمية والشؤون المذهبية الأخرى .
ولكن المناقشة ليست في : ان تلك الأموال تصرف كيف ؟ ولماذا ؟ بل المناقشة أصولية وواقعية ومذهبية وهي :
إن تلك الأموال تؤخذ زورا وبطلانا من الناس وحتى إذا صرفت في سبيل الله فإنها غير شرعية لا يجوز التصرف فيها ) (2)
إن السارق لا ينقلب ماله المسروق حلالا وان أنفقه في وجوه محللة شرعا لأن أصله ومصدره حرام ، فلا يصح ان نقول ما دام المال ينفق في وجوه شرعية فهو حلال ما لم نثبت حلية مصدره الذي اكتسب منه . وكذلك ( الخمس ) لا يصح ان نناقش شرعية استيلاء الفقهاء عليه بالمقلوب فنقول : انه شرعي لأنه يصرف على طلبة العلم وشؤون المذهب ... الخ إنما علينا ان نثبت أولا شرعية مصدره أي مدى حلية أخذه من قبل
(1) الخمس بين السائل والمجيب ص3 .
(2) الشيعة والتصحيح للدكتور موسى الموسوي ص 68 .
وقد يدعي إنسان ما ان له حقا في مال إنسان آخر فإذا أخذه أنفقه على مسجد ، فإن لم يكن هذا الإدعاء صحيحا فإن ذلك لا يعفيه من تبعة إثم كسبه الباطل لأنه حصل بدعوى كاذبة باطلة وكذلك أخذ ( الخمس ) من قبل الفقيه سواء بسواء .
الخلاصة :(25/19)
إن أمرا لا وجود له في القرآن ولا السنة النبوية ولا ذكر له في أقوال ( الأئمة ) ولم يرد على ألسنة الفقهاء المتقدمين ولا إجماع عليه بين المتأخرين ما المسوغ الشرعي الذي يلجئ المسلم أو يحمله على الالتزام به ؟!!
التساؤل الأخير
قد يسأل أحدهم فيقول : أليس ( الخمس ) مذكور في القرآن ؟
ألم يقل الله (( واعلموا إنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل )) الأنفال /41
ان الجواب على هذا السؤال هو موضوع الباب الثاني من هذا الكتاب ولكن قبل أن أدخل فيه أرى من المناسب أن أثبت الملاحظة المهمة الآتية وأسأل السؤال الآتي :
ما علاقة الفقيه بالآية ؟!
ان الخمس المذكور في الآية الكريمة هو الخمس بمعناه العام ، وبغض النظر عن كونه محصورا في الغنائم خاصة أم يتعدى إلى المكاسب فإن الفقيه الذي يتولى أخذ ( الخمس ) وحيازته احتجاجا بالآية عليه ان يكشف لنا عن وجه علاقته هو بخمس مكاسب الناس وأموالهم من الآية نفسها وإلا فانه يفتقر إلى الدليل القرآني على ما يقول وهذا يكفي عن الموضوع كليا .
(1) لذلك جاء في الحديث الصحيح عن النبي (ص) ان صاحب المال يسأل يوم القيامة عن ماله من أين اكتسبه ؟ و فيم أنفقه ؟
أو بمعنى آخر : عليه أن يجيب عن الأسئلة المحرجة الآتية :
ما الذي أدخل حضرة الفقيه في الآية التالية ؟!
وما الدليل القرآني الذي يجعلني ملزما شرعا بأداء خمس أموالي ومقتنياتي ومكاسبي إلى الفقيه بالذات ؟!
وما مدى شرعية أخذه لهذه الأموال ؟! وبأي حق ؟!
كل هذه الأسئلة عليه أن يجيب عنها من خلال الآية نفسها حتى يتسنى له الاحتجاج بها فإن ورود الخمس في الآية بمعناه العام شيء ودخول الفقيه في موضوعها شيء آخر مغاير تماما !
انه معنى خاص زائد عن معنى كون الخمس المذكور هو خمس المكاسب أم خمس الغنائم خاصة .(25/20)
والآية لا تشير إليه حتى مجرد إشارة ولا يشم منها أدنى رائحة وقد ورد فيها ذكر ستة أصناف ليس من بينها حضرة الفقيه !
فما علاقته بها ؟!!
وأخيرا نقول للفقيه ان أعيتك الحيل في أن تجد لك جوابا من الآية نفسها فأمامك القرآن كله وفيه أكثر من ستة آلاف وستمائة آية فإن استطعت أن تثبت نفسك من خلالها فافعل !!
الباب الثاني
الخمس
بين المكاسب والغنائم
الفصل الأول
دلالة آية الخمس
تمهيد :
قاعدة مهمة في شروط أدلة مهمات الشرع وضرورياته :
أقصد بمهمات الشرع وضرورياته كل أمر تتوقف عليه سعادة الإنسان في معاشه ومعاده ، دينيا كان أم دنيويا ، كأصول الإيمان والعقيدة أو الأصول الشرعية العملية كالصلاة والزكاة والصيام والحج ، أو بر الوالدين والإحسان إلى الخلق عموما ، أو الانتهاء عن الفواحش والمنكرات عموما ، كقتل النفس والزنا والربا وأمثالها .
ان هذه الأمور المهمة جميعا ، أقام القرآن على كل واحدة منها أدلة واضحة قطعية الدلالة ، غير قابلة للرد أو التأويل بحيث لا يمكن لأحد بعدها ان يتشكك فيه أو ينفلت من سلطان الحجة الذي يحاصره من كل جهة . ولا يمكن أيضا ان يتطرق الظن إلى المقصود بها هل هو كذا أم كذا ؟ بل هي نصوص لا تحتمل غير دلالة واحدة لا أكثر ، اقرأ مثلا في وجوب الصلاة والزكاة : (( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة )) البقرة /43 ((فويل للمصلين . الذين هم عن صلاتهم ساهون )) الماعون /3-4 ، (( وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة )) فصلت /6-7 .
وفي وجوب بر الوالدين : (( وبالوالدين إحسانا )) الإسراء /23 وأمثالها كثير ..
وعن حرمة الربا : (( وأحل الله البيع وحرم الربا )) البقرة / 275 وأمثالها كثير ..
وحرمة الزنا : (( ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا )) الإسراء /32 وأمثالها كثير .. وهكذا ..(25/21)
وبهذا يكون الطريق مسدودا أمام الراغبين في التفلت من التكاليف الشرعية والالتفاف عليها بالتأويل أو الإنكار ، لأن النصوص الدالة عليها واضحة بينة لا تحتمل إلا وجها واحدا فقط ! وهذا معنى قوله تعالى : (( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات )) الحديد /25 ، أي بالحجج الواضحات القاطعات . لا سيما الأمور المالية لتعلق النفوس بها فإذا لم تكن النصوص واضحة بينة والأدلة قطعية محكمة وإلا حصل النزاع ، وتفرق الناس وتقطعت الأرحام وفسد الدين والدنيا ..
وهذا هو السر في ورود أحكام الإرث ومقاديره مفصلة وبالأرقام في القرآن كما في أوائل سورة النساء وآخرها .
فالإرث ورد أصله وكذلك تفصيله في القرآن بالنصوص القطعية الدلالة التي لا تحتمل إلا معنى واحدا محددا .
فالمسائل المهمة التي يتوقف عليها صلاح الإنسان في دنياه وأخراه لا بد من أن تثبت بالنصوص القرآنية الواضحة القاطعة الدلالة أي التي لا تقبل تطرق الاحتمال إلى دلالتها على المعنى المراد خصوصا ما تعلق منها بالمسائل المالية الضرورية . وهكذا ثبت أصل الصلاة والزكاة والصيام والحج ، وقبل ذلك أصول العقيدة في الشريعة الإسلامية .
فهل ( خمس المكاسب ) ثبت بمثل هذه الأدلة أي النصوص القرآنية أولا القاطعة الدلالة ثانيا ؟ كما ثبتت الزكاة والإرث وأمثالها ؟!
آية الخمس :
(( واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ، ان كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير )) الأنفال /41 .
الموضع الوحيد :
هذا هو الموضع الوحيد الذي ورد فيه لفظ ( الخمس ) في القرآن الكريم .(25/22)
ولما كان المال الذي تعلق به الخمس في الآية هو الغنيمة ولا خلاف في إطلاق هذا اللفظ على المال الذي يغنم ويؤخذ من الكفار المحاربين ، لذلك لم يختلف أحد في وجوب تخميس هذا النوع من المال لوضوح وقطعية اللفظ عليه ، أما ( خمس المكاسب ) فأقل ما يقال في دلالة اللفظ عليه أنها – في أحسن أحوالها – ظنية .. وإذا أردنا الدقة فليس من دلالة إلا التشابه اللفظي ولو كان اللفظ قطعي الدلالة على ( خمس المكاسب ) لما حصل الاختلاف كما لم يختلف المسلمون جميعا في دلالة قوله تعالى (( قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون . والذين هم عن اللغو معرضون . والذين هم للزكاة فاعلون )) المؤمنون /1-4 على شرعية الصلاة والزكاة .
ولا دلالة قوله تعالى (( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون )) البقرة /183 على شرعية الصيام ولا دلالة قوله تعالى (( واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه ... )) الآية ، على شرعية تخميس مال الغنيمة المأخوذة من الكفار المحاربين . ولا دلالة أمثالها من الآيات القرآنية على الأمور العظيمة والمهمة في الشريعة .
ان هذه الأمور لا يتركها الله عز وجل لاجتهاد المجتهدين ولا أمزجة المتفقهين لأن الاجتهاد يؤدي إلى الاختلاف حتما . ومثل هذه الأمور لا تحتمل الاختلاف كالأمور الفرعية من الدين ، ان الاختلاف في الأمور المهمة يؤدي – ولا بد – إلى الفرقة والفساد في الدنيا والدين ، فكيف نصدق أن ضريبة مالية باهضة هائلة يفرضها الله على عباده ويعاقب على تركها أشد العقوبات ، ثم لا يذكرها في كتابه أو يثبتها بدليل قطعي لا يقبل التأويل؟!
لماذا يشذ ( خمس المكاسب ) عن هذه القاعدة ؟! مع ان الزكاة – وهي لا تعني كثيرا بالنسبة إليه – ثبتت بعشرات الآيات القرآنية ؟! كيف ؟!
مقارنة بين الزكاة وخمس المكاسب(25/23)
تكرر ذكر الزكاة في كتاب الله تعالى في عشرات الآيات ، بينما لم يرد لخمس المكاسب ذكر فيه مع أنه أضعاف الزكاة . وضريبة بهذه الضخامة لا بد وأن تستند – كما أسلفنا – إلى أدلة قطعية تمنع من التشكيك فيها أو التنصل منها . إذ كيف تريد مني تسليمك عشرين بالمائة من أموالي وأرباحي ، أو من كل ألف أملكه مئتين ؟ هكذا دون دليل واضح أو حجة بينة ؟!
كيف يعقل في عالم الإنسان أو دين من الأديان ان الله عز وجل وعلا يفرض على أغنيائنا ربع العشر من أموالهم أي من كل أربعين واحدا (1/40) أو من كل مائة اثنين ونصفا (2.5%) فقط إذا بلغت النصاب ، وهو ما يعادل عشرين مثقالا من الذهب مرة واحدة في العام فريضة سماها الزكاة ، فيقيم عليها عشرات من الآيات البينات ، أدلة قاطعة في كتابه حتى لا يتقول متقول أو يشك متشكك ، ثم لا يفرض ( الخمس ) بمثل هذه الطريقة بل ولا يذكره ولو مرة واحدة مع انه أضخم منها وأكبر أضعافا مضاعفة ؟! ثم هو غير مرتبط بوقت أو نصاب – إلا ما ندر – أو صنف من المال ، إذ هو مفروض حتى على الدار التي تسكن وأثاثها وحاجات المطبخ ، والهدية التي تهدى ، بل السلعة التي خمست لكن زاد سعرها بعد التخميس فيخمس الزائد !
من يصدق هذا من العقلاء ؟!!
مثال كي تتضح المقارنة :
لو افترضنا أن رجلا يمتلك بيتا وبستانا وسيارة ومالا على شكل نقد . فما مقدار الزكاة الواجبة عليه ؟ وما مقدار ( الخمس ) ؟
الزكاة :
البيت : لا زكاة عليه .
السيارة : كذلك لا زكاة عليها .
البستان : لا زكاة إلا على ثماره عند جنيها إذا بلغت النصاب .
النقود : إن لم تكن بالغة النصاب فلا زكاة عليها والنصاب ما يعادل عشرين مثقال ذهب.(25/24)
فلو فرضنا ان مثقال الذهب بخمسين ألف دينار ، فينبغي أن يبلغ المال مليون دينار ويحول عليه ( العام ) حتى تجب فيه الزكاة ، ومقدارها خمسة وعشرون ألف دينار فقط . فإن لم تبلغ النقود هذا المقدار ، فإن هذا الرجل لا زكاة عليه رغم كونه يمتلك بيتا وسيارة وبستانا ومالا ! هذا بالنسبة للزكاة .. أما :
الخمس :
إذا فرضنا أن قيمة كل من البيت والبستان والسيارة ثلاثة ملايين وعند هذا الرجل قيمة النصاب أي مليون دينار ، فيكون المجموع عشرة ملايين دينار . خمسها يساوي مليونين !! أي ما يعادل الزكاة الواجبة عليه ثمانين مرة ( فقط !! ) أي ان هذا الرجل لو ظل يزكي أمواله ثمانين سنة ، لما بلغ مقدار ( خمس ) واحد يدفعه مرة واحدة !! هذا في أقل الأحوال ! وإلا فلو كان ثمن البيت خمسين مليونا وكذا البستان والسيارة فإن الخمس يبلغ ثلاثين مليونا أي ما يعادل الزكاة أكثر من ألف مرة !! وإن زدتم زدنا ! فهل تصورت الأمر على حقيقته المروعة ؟! وقس على ذلك .
كل هذا ولا آية واحدة في القرآن كله تنص على هذا المبلغ الهائل بصراحة تقطع الظن أو تبلغ قريبا منه !!
بعض الآيات الواردة في الزكاة :
قال تعالى : (( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأركعوا مع الراكعين )) البقرة /43 ولم يقل ( وآتوا الخمس ) !
وقال تعالى (( وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة واتوا الزكاة )) البقرة /83 ، ولم يقل : ( وآتوا الخمس ) !
وقال تعالى (( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله )) البقرة /110 ، ولم يقل : ( وآتوا الخمس ) !
وقال تعالى : (( ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة )) البقرة /177 ، ولم يقل ( وآتى الخمس ) !
وقال تعالى : (( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم )) البقرة /227 ، ولم يذكر ( الخمس ) !(25/25)
هذا كله في سورة واحدة جمعت كل شرائع الإسلام وأوامره ونواهيه ، فأين (الخمس) منها ؟!
وقال تعالى : (( ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة )) الأعراف /156 ، ولم يقل : ( ويؤتون الخمس ) !
وقال تعالى : (( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم )) التوبة /51
وقال تعالى : (( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين )) التوبة /11 ، ولم يذكر ( الخمس ) .
وقال عن نبيه عيسى عليه السلام : (( وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا )) مريم /31 ، ولم يوصه ب ( الخمس ) !
وقال عن اسماعيل عليه السلام : (( وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا )) مريم /55 ، ولم يذكر أنه كان يوصي أهله ب ( الخمس ) .
وقال عن أنبيائه عليهم السلام : (( وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة )) الأنبياء /73 ، ولم يذكر أنه أوحى إليهم إيتاء شيء اسمه ( الخمس ) .
وقال تعالى عن صفة أمراء المسلمين : (( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر )) الحج /41 . ولم يقل ( وآتوا الخمس ).
وعدم ورود ( الخمس ) هنا بالذات يستدعي النظر .. لأن الآية تخاطب ولاة الأمر ، فلو كان ( الخمس ) أمرا مشروعا لما أغفل الله ذكره في هذا الموضع مع ذكره الزكاة .
وقال عن المؤمنين جميعا : (( قد أفلح المؤمنون . الذين هم في صلاتهم خاشعون . والذين هم عن اللغو معرضون . والذين هم للزكاة فاعلون ))9 المؤمنون / 1-4 ، وذكر أمورا أخرى ولم يكن من بينها ( الخمس ) .
وقال عن عمارة المساجد : (( رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة )) النور /37 ، ولم يذكر ( الخمس ) مع ذكره التجارة والبيع وإنما ذكر الزكاة !(25/26)
وقال عنهم أيضا : (( إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله )) التوبة /18 .
وقال عن أمهات المؤمنين ( رضي الله عنهن ) : (( وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله )) الأحزاب /33 ، ولم يق : ( وآتين الخمس ) !
وقال : (( وويل للمشركين . الذين لا يؤتون الزكاة )) فصلت /6-7 ولم يقل (الذين لا يؤتون الخمس ) .
وقال (( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة )) البينة /5 ، ولم يذكر ( الخمس ) .
وهكذا … وفي كل مرة في عشرات الآيات يتكرر ذكر الزكاة ولا يرد ذكر (الخمس ) ولو مرة واحدة لا مقرونا معها ولا مستقلا في غيرها من الآيات … فما وجه الحكمة في هذا السكوت لو كان ( الخمس ) مشروعا ومرادا من الله ؟!
كل الذي قاله تعالى ، وطالب به عباده على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ملخص في قوله تعالى :
(1) روى الكليني عن أبي عبد الله (ع) قال : لما نزلت آية الزكاة : (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ) وأنزلت في شهر رمضان فأمر رسول الله (ص) مناديه فنادى في الناس : ( أن الله فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة ) فروع الكافي 3/497 .
مقارنة بين الزكاة و( الخمس )
الزكاة
الخمس
1- نسبتها بالأرقام :
1/40 أو 2.5/100 أو 25/1000
1- نسبته بالأرقام :
1/5 أو 20/100 أو 200/1000
2- لا بد فيها من بلوغ المال النصاب .
3- يشترط لها حولان الحول.
4- في أصناف محدودة من المال .
5- على الأغنياء فقط .
6- يصرف لثمانية أصناف .
7- شرعت لسد حاجة الأمة جميعا .
8- لا حق فيها إلا لمحتاج .
9- ورد ذكرها في عشرات الآيات .
10- مهملة لا يهتم بها مع أن الله أكد عليها كل هذا التأكيد .
2- لا نصاب إلا في الكنز والمعدن .
3- لا يشترط له ذلك .(25/27)
4- في جميع الأصناف حتى الهدايا والمسكن والأثاث .
5- على مكاسب الأغنياء والفقراء .
6- يعطى لصنف واحد ، هم الفقهاء أو السادة .
7- جعل لطبقة واحدة هي طبقة الفقهاء أو ( السادة).
8- يعطى للفقيه أو ( السيد ) بغض النظر عن كونه محتاجا أم لا .
9- لم يرد ذكره أبدا في القرآن الكريم ، اللهم إلا خمس الغنائم.
10- يؤكد عليه تأكيدا بالغا ، مع أن الله أهمله ولم يذكره .
وحتى تكون صورة المقارنة واضحة لا بد من ملاحظة أن النسبة العائدة للزكاة تتعلق بمقدار من المال أصغر بكثير من مقدار المال الذي تتعلق به نسبة ( الخمس ) وذلك للأسباب المبينة في الفقرات (2-6) من الجدول السابق ، فلا يصح أن نقول إن قيمة (الخمس ) ثمانية أضعاف قيمة الزكاة على اعتبار ان نسبة 20% تعادل 2.5% ثماني مرات . بل ( الخمس ) أكبر من ذلك بكثير ، مع أن الفارق بين مقدارين أحدهما أكبر من الآخر ثماني مرات كبير جدا ، فكيف إذا كانت قيمة إحداهما تربو على الآخر عشرات المرات ؟!
لقد تبين لنا من المثال المضروب قبل صفحات تحت عنوان ( مثال كي تتضح المقارنة ) أن قيمة ( الخمس ) في مال معين يمكن أن تكون أكبر من قيمة زكاته ثمانين مرة !!! بل ألف مرة !!!! …
سبب نزول الآية :
إن سورة الأنفال – التي وردت فيها الآية – أنزلها الله جل وعلا جميعا تعليقا على معركة بدر الكبرى – هذه المعركة العظيمة الفاصلة التي سماها بيوم الفرقان ، وبيانا لما فيها من دروس وعبر ومبادئ ووصايا وحكم وأوامر وزواجر وأحكام ، منها كيفية تقسيم ( الأنفال ) أو ( الغنائم ) التي نفلهم الله إياها من المشركين ، فأنزل الله هذه السورة وسماها باسم هذه الأموال المغنومة (الأنفال) وبدأها بذكر سؤال المؤمنين عن حكمها وكيفية قسمتها فقال : (( يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول )) الأنفال /1 .(25/28)
ثم ذكر أوصاف المؤمنين حقا ثم أخذ ببيان أحداث المعركة من أول خروج النبي صلى الله عليه وسلم من بيته إلى دخوله ساحة القتال إلى ذكر صور من القتال نفسه ، وإنزال الملائكة ونصر المؤمنين وهزيمة الكافرين والوصية بإعداد القوة ، وحكم الأسرى وفدائهم ودعوتهم إلى الإسلام إلى أن عاد في نهاية السورة إلى ما بدأها به من ذكر المؤمنين حقا فأفصح عنهم وأعلن إنهم (( الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا )) الأنفال /74 .
وفي منتصف السورة تقريبا ذكر حكم تقسيم الغنيمة والأصناف التي تقسم عليها ومقاديرها فقال : (( واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه ... )) الآية /41 . فما علاقة ( المكاسب ) والأرباح بالموضوع حتى يكون لها (خمس) تتحدث عنه الآية ؟!
سياق الآية :
من المعلوم أن سياق الكلام له علاقة أساسية في تفسيره ومعرفة معناه ومقصود المتكلم به .
فالكلمة الواحدة أو العبارة يكون لها معنى في موضع ومعنى آخر في موضع آخر بحسب موقعها من الكلام أو حسب تركيب الكلام وترتيبه وحسب الموضوع الذي من أجله سيق الكلام ، فإخراجهما عن سياقهما وموضعها وحملها على أحد معانيها المحتملة عند الإطلاق دون قرينة أو علاقة بينهما يقتضيها السياق لا يكون إلا في كلام المجانين وهذيانات المجاذيب !
فكيف يجوز أن نعامل كلام أحكم الحاكمين معاملة هذيان المجانين؟! فنخرج الآية من سياقها وموضوعها الذي هو كله حديث عن الجهاد والقتال إلى موضوع مغاير تماما هو أموال المسالمين من المسلمين ؟! إن الآية موضوعها الأموال المغنومة من الكفار المحاربين في ساحة القتال ، لا أموال التجار والمتكسبين في أسواق المسالمين من المسلمين أو بيوتهم ومقتنياتهم !
القرآن فرق بين المكاسب والغنائم :(25/29)
لقد فرق الله تعالى في كتابه بين الكسب والغنيمة وبين أن في الأول الزكاة والصدقة فقال : (( يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ، ومما أخرجنا لكم من الأرض )) البقرة /267 .
جاءت هذه الآية ضمن أربع عشرة آية تتحدث عن الإنفاق بدأت بقوله تعالى : ((مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل ... )) البقرة /261 .
وانتهت بقوله تعالى : (( الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون )) البقرة /274 ، ثم ذكر الله بعدها سبع آيات عن الربا وآيتين عن الدين ثم ختم السورة بثلاث آيات ، ولم يذكر قط ان في المكاسب شيئا اسمه ( الخمس ) .
لكنه في سورة الأنفال لما ذكر القتال بين أن في غنائمه ( الخمس ) فقال : (( واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه )) الآية /41 . فالخمس في الغنائم لا المكاسب ، والله تعالى قادر – لو أراد – على أن يقول : ( واعلموا أنما كسبتم من شيء فإن لله خمسه ) لكنه لم يقل ذلك ، وإنما قال : (( واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه )) فتأمل وإياك واتباع ما تشابه منه .
الغنيمة في لغة القرآن:
وردت الغنيمة في القرآن ست مرات فقط ، أربع مرات بصيغة الفعل ( غنم ) ومرتين بصيغة الجمع ( مغانم) . ولم ترد بصيغة اشتقاق أخرى غير هاتين الصيغتين .
وفي المواضع الستة – دون استثناء – ترد الغنيمة في معرض الحديث عن المال المأخوذ من الكفار في الحرب وليس في واحد منها قط الإشارة إلى ما يمتلكه المسلم أو يكتسبه من مال.
وهذه هي مواضع ورود الغنيمة في القرآن الكريم :
3- (( وعدكم الله ( مغانم ) كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه وكف أيدي الناس عنكم ، ولتكون آية للمؤمنين ويهديكم صراطا مستقيما )) الفتح/15-20
(1) هو فتح خيبر وقد كان بعد صلح الحديبية .
(2) هي مغانم خيبر .(25/30)
4- (( يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله (1) فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا (2) تبتغون عرض الحياة الدنيا (3) فعند الله ( مغانم ) كثيرة )) النساء /94 .
5- (( ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا (4) والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم )) إلى قوله تعالى (( فكلوا مما غنمتم (5) حلالا طيبا واتقوا الله إن الله غفور رحيم )) الأنفال /67-69 .
6- وقال الرب جل وعلا في الآية (41) من السورة نفسها ( الأنفال ) (( واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه ... )) الآية .
وإذن فلفظ ( الغنيمة ) لم يرد في القرآن إلا في غنائم الحرب التي تؤخذ من الكفار في ساحة القتال أو فداء للأسرى . وفيها ذكر الخمس مرة واحدة في القرآن . فمن أدخل الخمس على مكاسب المسلمين وتجاراتهم وممتلكاتهم - التي عظم الله حرمتها وحرم غنمها أو الاستيلاء عليها – فقد عامل أموالهم معاملة الغنيمة ، والغنيمة هي المال المأخوذ من أعداء الإسلام عن طريق الحرب والقتال ، ولم ترد في القرآن في غير هذا المعنى قط . أي فقد عامل المسلمين المسالمين معاملة الكفار المحاربين .
فمن قال بغير هذا فعليه بالدليل النقلي القاطع من القرآن ، لا نرضى بغيره بدلا لأنه اشتمل على كل عظيم ومهم من شرائع الدين ولم يغادر منه شيئا .
وهؤلاء المسلمون ليسوا خارجين عن الدين ، ولا هم في حرب مع أهله أو قتال ، فكيف تخمس أموالهم ؟!
(1) أي سافرتم وخرجتم للجهاد في سبيل الله .
(2) أي لا تقولوا لمن سلم عليكم : إنما ألقيت التحية وسلمت تقية .
(3) أي الغنيمة وهي ماله الذي يسلبونه إياه بعد قتله .
(4) أي الفداء الذي يؤخذ من الأسير .
(5) سمي الفداء الذي يؤخذ من الأسير غنيمة ، وبين انه حلال بعد أن كف الصحابة عن أخذه بعد نزول الآيتين 67و68 فنزلت الآية 69 بيانا لحلية أخذه إذ هو من الغنيمة .
الغنيمة مال خاص مستقل :(25/31)
إن ( الغنيمة ) وإن صح دخولها تحت مسمى ( المكاسب ) إلا انه ليس كل كسب غنيمة . لأن الغنيمة كسب خاص له شروطه التي إن عدمت لم يصح تسميته ب (الغنيمة).
فإن ساغ لغة أن نقول : كل غنيمة كسب فلا يسوغ قولنا : كل كسب غنيمة .
كما تقول : كل ثوب لباس ، ولكن ليس كل لباس ثوبا .
فإذا فرضت ضريبة على كل ثوب مثلا ، فليس من حق جابي الضرائب أن يأخذ ضريبة على السروال أو غطاء الرأس على أساس أن الكل يدخل تحت مسمى اللباس فيقول بما أن الثوب لباس والسروال لباس فلابد أن تكون الضريبة على الكل ، فإننا سنقول له : صحيح إن كليهما لباس ولكن الضريبة على لباس خاص هو الثوب ، فلا ندفع إلا عن الثوب ، وينتهي الإشكال إذا لم يكن عند الجابي مقاصد مبيتة فيحاول التلاعب بالألفاظ والالتفاف عليها .
وكذلك ( الغنيمة ) كسب خاص ، فإذا فرض الشارع الحكيم عليها ضريبة شرعية مقدارها ( الخمس ) فلا يصح أن نعمم هذه الضريبة ( الخمس ) لتشمل كل كسب غنيمة كان أم غيرها ( لأن الخمس ) لم يعلقه القرآن ولم يضفه إلا إلى الغنيمة التي هي كسب خاص ، فهو إذن على الغنائم خاصة وليس على جميع أنواع الكسب ، كما إن الضريبة في المثال السابق تعلقت بلباس خاص هو الثوب وليست في جميع أنواع اللباس .
وهؤلاء الذين علقوا ( الخمس ) بالمكاسب والأرباح وعموم الممتلكات تلاعبوا بالألفاظ قائلين :
بما أن كل غنيمة كسب ، فإذن كل كسب غنيمة .
وهو ممتنع فانهار ( خمس المكاسب ) كذلك لانهيار سنده اللغوي . والله تعالى لا يعجز – لو كان في المكاسب خمس – أن يختار لهذه الفريضة لفظا واضحا محددا يناسبها فيقول مثلا : ( واعلموا أنما كسبتم من شيء فإن لله خمسه ) لكن الله تعالى لم يقل ذلك وإنما قال: (( واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه )) .
الإمام الصادق ( عليه السلام ) يؤيد ما نقول :(25/32)
وتعريف الغنائم بما عرفناه به جاء في أكثر من رواية عن الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) وقد مرت بنا :
فقد روى الطوسي عن أبي عبد الله (ع) قال : كان رسول الله (ص) إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وكان ذلك له ثم يقسم ما بقي خمسة أخماس ثم يأخذ خمسه ثم يقسم أربعة أخماس بين الناس . (1)
وروى عن أبي عبد الله (ع) أيضا قوله : ليس الخمس إلا في الغنائم خاصة (2)
وكذلك جاء في أكثر من مصدر من المصادر التي تكلمت عن ( الخمس ) فقد عرفها السيد الخوئي هكذا :
الغنائم : المنقولة المأخوذة بالقتال من الكفار الذين يحل قتالهم . (3)
وعرفها السيد محمد صادق الصدر فقال في تعريفها : ( الأموال والعيان المنقولة المأخوذة بالقتال من الكفار الذين يحل قتالهم ) (4) .
والتعريفان متطابقان تماما .
الفيء والخمس .. وقفة مع سورة (الحشر) :
الفيء : هو الغنائم التي يأخذها المسلمون من الكفار دون قتال ، كالحصار ونحوه . قال تعالى : (( وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب )) الحشر /6 .
والذي يهمنا من الفيء عدة أمور منها :
1- قسمته .. فقد قسم الله جل وعلا الفيء كما قسم الخمس بالضبط ، فقال : ((ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل )) الحشر /7 .
(1) الاستبصار للطوسي 2/57.
(2) أيضا 2/56 .
(3) منهاج الصالحين ، للسيد الخوئي 1/325 .
(4) الخمس بين السائل والمجيب ص4.
وقال عن الخمس : (( واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل )) الأنفال /41 .
وتتجلى أهمية معرفة القسمة بما يلي :(25/33)
2- (( كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم )) : ذكرت الآية السابقة من سورة (الحشر) أن تقسيم الفيء على المذكورين فيها ، إنما هو من أجل أن لا يجتمع عند طبقة واحدة من المجتمع وينحصر التداول به بين الأغنياء منهم فقط ، فلا يصل إلى الفقير منه شيء ، وذلك في قوله تعالى : (( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم )) الحشر /7 .
فجعل الفيء عدة حصص في عدة جهات . فحصره في جهة واحدة فقط يؤدي إلى عكس مقصود الآية ومراد الرب من هذه القسمة ، وقد أكد جل وعلا مراده وحذر من مخالفته تحذيرا شديدا فقال في نهاية الآية نفسها : (( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب )) . فإذا حصر في جهة واحدة صارت هذه الجهة غنية – ولا بد – وصار المال مجتمعا لدى طبقة الأغنياء يتداولونه بينهم وكذلك شأن ( الخمس ) إذا خصصنا به جهة واحدة فإن ذلك يؤدي إلى النتيجة نفسها التي حذر الله منها ، إذ تبرز في المجتمع طبقة غنية مترفة هم طبقة ( رجال الدين ) تتداول المال فيما بينها ولا يخرج منه شيء إلى المحتاجين .
( وكل وضع ينتهي إلى أن يكون المال دولة بين الأغنياء وحدهم هو وضع يخالف النظرية الاقتصادية الإسلامية ) . ولا بد أن تتولد من هذا الوضع أمور سيئة منها فساد هذه الطبقة التي كان المعول عليها في إصلاح أحوال الناس .
3- أيهما أكبر .. الفيء أم الخمس ؟
إن الفيء قليل الحدوث كما هو معروف من وقائع التاريخ .. وأما في العصر الحاضر فيكاد ينعدم .. بل هو معدوم ولا وجود له .
أما خمس الأرباح والمكاسب فعلى العكس من ذلك إذ هو مورد هائل ودائم .(25/34)
فإذا كان حصر الفيء في صنف واحد يؤدي إلى أن يكون المال (( دولة بين الأغنياء )) فماذا نقول في ( الخمس ) ؟!!!! الجواب ما ترى لا ما تسمع ! وانظر إلى الواقع ليغنيك عن مجلدات من الكلام!!
4- يتامى ومساكين وأبناء سبيل الأمة جميعا :
بعد الآية السابعة من سورة ( الحشر ) جاءت الآية الثامنة تفسرها وتبين هؤلاء الذين يستحقون الفيء وأنه : (( للفقراء والمهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا )) أي هو لهؤلاء الفقراء المهاجرين (( والذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة )) الآية /9.
وهؤلاء هم الأنصار . و ( الخصاصة ) هي الفقر والاحتياج الشديد . وفي السيرة النبوية : ان النبي أعطى الفيء - الذي جاء من يهود بني النضير والذي بسببه نزلت الآية السابقة – المهاجرين لفقرهم وثلاثة من الأنصار كانوا شديدي الفقر .
ثم ذكر الله صنفا ثالثا من مستحقي الفيء فقال : (( والذين جاءوا من بعدهم )) الآية/10 ، أي من بعد المهاجرين والأنصار وهم أجيال المسلمين إلى يوم القيامة متى وأينما وجد الفيء .
وهكذا جعل الله – جل وعلا – الفيء لجميع فقراء الأمة في جميع أجيالها دون حصره بذوي قربى نبيه صلى الله عليه وسلم وحدهم . وهذا يعني أن قوله تعالى : (( واليتامى والمساكين وابن السبيل )) في سورة الحشر /7 . المطابق لقوله تعالى : (( واليتامى والمساكين وابن السبيل )) في سورة الأنفال /41 ، ليس خاصا بيتامى ومساكين وأبناء سبيل بني هاشم ، وإنما هو عام في يتامى ومساكين وأبناء سبيل الأمة جميعا . وليس من دليل على التخصيص إلا الظن والتحكم المحض ! وما نحتاجه هنا هو النص القطعي الدلالة الخالي من الاحتمال وهو معدوم تماما !!
فتأمل هذا فإنه كاف شاف بإذن الله ..(25/35)
وهكذا يتبين أن لا وجود لذكر خمس المكاسب ولا إعطائه إلى الفقيه في القرآن الكريم، بل هو مناقض لنصوصه وقواعده العامة .
الفصل الثاني
خمس المكاسب
في محكمة التاريخ
جباة الخمس :
يقول د. موسى الموسوي : إن تفسير الغنيمة بالأرباح من الأمور التي لا نجدها إلا عند فقهاء الشيعة . فالآية صريحة وواضحة بأن الخمس شرع في غنائم الحرب وليس في أرباح المكاسب . وأظهر دليل قاطع على أن الخمس لم يشرع في أرباح المكاسب هو سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة الخلفاء من بعده بما فيهم الإمام علي عليه السلام وحتى سيرة أئمة الشيعة ، حيث لم يذكر أرباب السير الذين كتبوا سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ودونوا كل صغيرة وكبيرة عن سيرته وأوامره ونواهيه ، أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يرسل جباته إلى أسواق المدينة ليستخرج من أموالهم خمس الأرباح ، مع أن أرباب السير يذكرون حتى أسامي الجباة الذين كان الرسول صلى الله عليه وسلم يرسلهم لاستخراج الزكاة من أموال المسلمين . وهكذا فإن الذين أرخوا حياة الخلفاء الراشدين ، بما فيهم الإمام علي لم يذكروا قط أن أحدا منهم كان يطالب الناس بخمس الأرباح أو أنهم أرسلوا الجباة لأخذ الخمس .
وحياة الإمام علي معروفة في الكوفة فلم يحدث قط أن الإمام بعث الجباة إلى أسواق الكوفة ليأخذوا الخمس من الناس أو أنه طلب من عماله في أرجاء البلاد الإسلامية الواسعة التي كانت تحت إمرته أن يأخذوا الخمس من الناس ويرسوها إلى بيت المال في الكوفة كما أن مؤرخي حياة الأئمة لم يذكروا قط إن الأئمة كانوا يطالبون الناس بالخمس أو أن أحدا قدم إليهم مالا بهذا الاسم ) (1) .
(1) الشيعة والتصحيح ص 66-67 .
قتال الصديق لمانعي الزكاة :(25/36)
قاتل الخليفة أبو بكر الصديق المرتدين ومانعي الزكاة على السواء ، وقد ذكرت كتب الفقه والسير والتاريخ : ان هؤلاء امتنعوا عن دفع الزكاة ، ولم تذكر أنهم امتنعوا عن أداء شيء اسمه ( الخمس ) مع أنه لو كان مشروعا لكان يمتنعون عنه أيضا مع الزكاة ، فيكون من الأولى أن يقدم ذكره على ذكرها ، فيقال : قتال مانعي الخمس ، لأنه أكثر أو على الأقل أن يقال : قتال مانعي الخمس والزكاة إذ الامتناع عنه أولى فالمطالبة به أوكد ، والقتال عليه أوجب ، وذكره أحرى .
أفيعقل أنهم امتنعوا عن الزكاة دون ( الخمس ) ؟ أم أنهم امتنعوا عنه أيضا ؟ لكن المؤرخين وكتاب السير والمغازي والفقهاء جميعا تواطئوا – سامحهم الله – على إغفاله وإسقاطه من الحساب ؟!
أم ان المعقول ان أمرا كهذا لم يكن له وجود أصلا ، حتى يمتنعوا عن أدائه أو يطالب به أحد من خلق الله .
العباسيون و ( الخمس ) :
وعباس أحد أبناء عبد المطلب العشرة ، فالنص القرآني يشمله وذريته بالاتفاق على أي وجه من وجوه التفسير وقد آلت إليهم الخلافة وصاروا ملوكا وحاكمين لدولة الإسلام قرونا عديدة ، فكانوا قادرين على حمل الناس على دفع ( حقهم ) من خمس المكاسب ، لكنهم لم يفعلوا ذلك أبدا ، ولم يذكر التاريخ شيئا عن ذلك قط . فلماذا ؟
هل جهلوا حقهم فلم يعرفوه ؟ أم لم يكونوا عربا فصعب عليهم تفسير القرآن واستشكلوه؟ أم عرفوا مالهم من حق لكنهم تركوه ؟ فلماذا أيضا ؟!!!
(1) أصول الكافي 1/540.
هل خوفا ؟ وبيدهم القوة ، وحجتهم الشريعة – على فرض شرعيته - .
أم ورعا ؟ أو رحمة بالناس ؟ وهم متهمون بعدم الورع والرحمة من قبل القائلين (بالخمس) !
وهل أحدهم أرحم بأحد من شرع الله ؟ حاشا وكلا ؟!
أم عفة وزهدا ، أم ماذا ؟!(25/37)
إن الجواب الوحيد هو ان خمس المكاسب لا مشروعية له في الإسلام .. ولذلك لم نجد دولة إسلامية عباسية أم علوية أم غيرها تنتمي إلى بني هاشم ، فرضته على رعاياها ، لا سيما وأن الظلمة في التاريخ مسلمين أم غيرهم لا يتورعون عن أكل أموال الناس بالباطل، تحت أية ذريعة أو اسم ، فكيف يتورعون عن ( الخمس ) لو كان مشروعا ومحللا ، مع أنهم لا يتورعون عن مثله أو ما هو دونه مع حرمته وإثارته الناس عليهم ؟!
أفيترك المشروع لو كان مشروعا إلى غيره وهو غير مشروع ؟!
أيعقل أن يعاف ظالم ماله الكثير عند غيره ليسلبه ما ليس له بحق وهو أقل ومقرون بالمخاطر والسمعة السيئة ؟!
الفراعنة وخمس المكاسب :
لقد خلا القرآن الكريم وخلت سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته وكذلك سيرة الخلفاء الراشدين وغيرهم من حكام المسلمين من ذكر ( الخمس ) ، ولم نجد في تاريخ الإسلام ولا غيره ضريبة كانت تفرض على أموال الناس وتجاراتهم بهذا القدر .
إلا ان توراة اليهود تذكر أكثر من نص فيه أن ملك مصر زمن النبي يوسف عليه السلام فرضه على شعب مصر بعد أن اشتد بهم الجوع ، فاشتراهم واشترى أراضيهم فصاروا عبيدا له ، ثم استعملهم في زراعتها على أن يكون له خمس الوارد ولهم أربعة أخماسه ، وكلف وزيره يوسف بجبايته . إلا الكهنة ( رجال الدين ) فقد كانوا مستثنين – كما هو الحال اليوم - .
وقفة تأمل مع هذا النص :
في هذا النص من التوراة : أن ( فرعون ) – على طاغوتيته واستكباره – لم يستحل أخذ الخمس من مكاسب شعبه إلا بعد أن اشتراهم واشترى أراضيهم فصاروا عبيدا له وصارت أراضيهم ملكا له كذلك ! أي أن فرعون حين أخذ الخمس منهم عاملهم معاملة ( السيد ) مع ( العامة ) من عبيده ، بمعنى أن ( الخمس ) – في حس فرعون وشريعته – لا يؤديه إلا العبد المملوك تجاه السيد المالك !!(25/38)
فهل شريعة فرعون أو إسرائيل أرحم وأرقى نظرة إلى الإنسان ، وفي تلك الأزمنة البعيدة التي كانت البشرية فيها تعاني من التخلف الاجتماعي والنظرة القاصرة إلى الإنسان !! ومع ذلك اعتبرت إعطاء ( الخمس ) معناه ان المعطي قد صار عبدا لمن يعطيه !! فلم تستحل أخذه من الأحرار وإنما جعلت ذلك أمرا لا يليق إلا بالعبيد ، فكيف تأتي – من بعد ذلك شريعة محمد صلى الله عليه وسلم السماوية التي حررت البشرية من الظلم والاستعباد لتجعل من قيود العبودية أوسمة للأحرار !!
فإن يصفع أحدهم آخر بحذائه شيء مشين لا يمكن السكوت عليه ، لكن الأدهى منه أن يجعل من ذلك فضيلة يشرفه بها !
إلا ان الأدهى من ذلك كله أن يقوم الإنسان الذليل بأداء واجب الشكر ومراسيم
(1) الفصل السابع والأربعون من سفر التكوين / الآيات 20-27 وكذلك ورد ( الخمس ) في الفصل الحادي والأربعين / آية 25 .
الاحترام تجاه من قام بصفعه بحذائه !
وفيه أيضا : ان فرعون كان يستكثر على نفسه – رغم علو منزلته وسعة سلطانه وعظمة ملكه وشدة سطوته وجبروته – أن يأخذ خمس مكاسب الناس دون مقابل ولهذا لم يفعل ذلك إلا بعد أن وجد نفسه قد اشتراهم واشترى أراضيهم بماله ، وما ذاك إلا لعظمة هذه الضريبة - خمس ممتلكات الأمة وأرباحها – وضخامتها !!
واليوم يأتي من لم يدفع دينارا ولا درهما ولم يبذل جهدا ولا عرقا ليقاسم الناس أموالهم فيأخذ خمسها مجانا دون تردد أو حياء ، بل هو المتفضل وصاحب المنة !!
وأخيرا .. أقول : هل عبر إلينا (الخمس) من هناك وقمنا باستيراده من توراة اليهود وأحبارهم ؟!
الفصل الثالث
خمس المكاسب
بين النظرية والتطبيق
بغض النظر عن بطلان نظرية ( الخمس ) وخطئها فإن الواقع يشهد تناقضا صارخا بين النظرية والتطبيق !(25/39)
إن المجتمع يعج بالكثير من الفقراء ، بل المسحوقين حتى من الذين ينتهي بهم النسب إلى عبد المطلب عموما أو إلى أمير المؤمنين علي عليه السلام ، خصوصا بل إلى الحسن عليه السلام حصرا . ومع ذلك فلا ينالهم شيء من ( الخمس ) قليل ولا كثير !! إنما دولة بين طبقة معينة دون الفقراء والمحتاجين الذين يعيشون في عوز وعسر حال وسوء أوضاع تنفطر لها أكباد الغيارى وقلوب المؤمنين ، قد نسيهم تماما أولئك الذين يحوزون القناطير المقنطرة من الذهب والفضة ويتبوءون القصور الفخمة والسرر المرفوعة والمراكب الفارهة ويديرون المؤسسات المالية الضخمة داخل البلد وخارجه ، لا يسألون عن أحوال إخوانهم في الدين وأتباعهم في المذهب ولا يرقبون الله فيهم !
فبأي حق يحرم هؤلاء المساكين وكثير منهم من ذوي قربى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! بل علاوة على ذلك يقوم كثير من هؤلاء المساكين رغم حاجتهم بإعطاء أموالهم إلى أولئك الأغنياء المترفين !
لو كانوا جادين :
إن الاعتقاد بأن ( الخمس ) من حق ذرية أهل البيت وأقارب النبي صلى الله عليه وسلم يوجب على من يستلم هذه الأموال الهائلة أن يقوم بعمل إحصائية في كل حي من الأحياء لمن يسكنه ممن ينتسب إلى أهل البيت لا سيما الفقراء منهم من أجل تقسيم (الخمس) عليهم ، أو على الأقل سد حاجة المحتاجين منهم . وليس ذلك بمستحيل ، أو عسير على من في حوزته تلك الأكداس المكدسة من الأموال - لو كانوا جادين في اعتقادهم - .
وإذا كان هذا القول لا يجد أذنا واحدة يمكن أن تصغي إليه عند من يقوم فعلا بحيازة هذه الأموال فأننا نتوجه بالقول إلى أولئك المحرومين من إخواننا وأبناء جلدتنا : لماذا لا يطالبون بحقوقهم التي تمنحهم إياها فتاوى المذهب ؟
ألا يعلمون أن الفتوى التي تواطأ عليها متأخرو علماء المذهب تنص على :(25/40)
ومن مصارف النصف الذي يعطى للمجتهد عامة الفقراء من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فهل لهذه الفتوى تطبيق على أرض الواقع ؟ وهل حقا يوزع نصف ( الخمس ) على بني هاشم الذين منهم أبناء العباس ، وأبناء جعفر وعقيل ، أخوي أمير المؤمنين علي .. وغيرهم ؟ أم ان المجتهد يتصرف بالكل دون مراعاة هذه القسمة ودون سؤال أو رقابة أو مطالبة من أي أحد ؟!!
ما هي علاقة المجتهد ب ( الخمس ) :
الواقع المشاهد ، ان كل مجتهد يحق له استلام ( الخمس ) دون النظر إلى كونه ينتمي إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم أم لا ؟ بل دون النظر – حتى – في كونه عربيا أم أعجميا ، مع أن نص الآية يذكر قيد ( ذي القربى ) لا (ذي الفتوى ) ! فبأي حق يكون له نصيب فيه ؟! وما علاقة الاجتهاد بالموضوع ؟! إن الآية جعلت مناط الحكم وعلته (القربى) والنسب وليس العلم والاجتهاد ، فكيف يناط ( الخمس ) ويعلق بغير مناطه ؟!
ولنا أن نسأل : إذا كان المجتهد يفعل ذلك باعتباره نائبا عن ( الإمام ) في مسائل القضاء والإفتاء ، أو نيابة مطلقة فهل كان الفقهاء في زمن الخليفة الراشد علي عليه السلام في المناطق البعيدة كالحجاز ومصر وخراسان يأخذون ( خمس ) مكاسب الناس في تلك الأمصار باعتبارهم نوابا عن ( الإمام ) ؟!
والسؤال الذي يطرح نفسه من باب أولى في زمن النبي صلى الله عليه وسلم : فهل كان الفقهاء أو الأمراء في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أو أي زمن يأخذون خمس مكاسب الناس وأموالهم وتجاراتهم بصفتهم المستقلة أو بصفتهم نوابا عن الإمام في الأماكن
(1) منهاج الصالحين ، للسيد الخوئي 1/347 .
التي يغيب عنها ولا يستطيع أن يقوم بمهام الإمامة فيها بنفسه ؟!(25/41)
والجواب الوحيد : النفي القطعي ! وإذن ما علاقة الاجتهاد ب ( الخمس ) وقد كانت العلاقة منتفية في زمن الأئمة مع أن الفقيه أو الأمير يقوم بالدور نفسه والإمام غير قادر على إدارة البلاد وأداء مهام منصب الإمامة المباشرة في البلدان الغائبة عنه ؟!
ولنا سؤال آخر إذا كان المقلد يعطي ( خمسه ) إلى الفقيه ، فلمن يعطي الفقيه (خمسه)، إذا لم يكن من ذرية ( أهل البيت ) ؟ أو كان أعجميا ليس بعربي ؟!
هل هناك نص يستثنيه أو يعفيه من أداء هذا ( الواجب ) ؟!
ومن الأدلة الواضحة على أنه لا علاقة بين المجتهد و ( الخمس ) تأخر ظهور فكرة إعطائه إلى المجتهد عدة قرون حتى تفتقت عنها الأذهان بعد طول نظر وشدة عناء وتفكير، إذ لو كانت العلاقة ظاهرة لما تأخرت الفتوى طيلة تلك الأزمنة المتطاولة ، ولظهرت من أول يوم نزلت فيه الآية أو انتهى عنده عصر ( الأئمة ) ان هذه الفكرة إنما ولدتها الحاجة وأملتها الظروف وهي أوضح مثال على القول بأن ( الحاجة أم الاختراع ) .
المجتهد لا يخمس ماله ولا يزكيه ..!
لا يوجد أمر شرعي كلف الله تعالى به الأمة لوحدها دون نبيها صلى الله عليه وسلم بل العكس هو الصحيح إذ كلف الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بأمور وأوجبها عليه مثل قيام الليل ، بينما جعلها نافلة مستحبة لبقية أفراد الأمة ، وهكذا الزكاة والجهاد والحج والصيام الذي كان يواصل فيه اليومين والثلاثة دون فطور أو سحور ، وهو أمر منهي عنه لغيره .
ولقد فرض الله تعالى الزكاة على عباده ولم يسقطها عن أحد منهم حتى الأنبياء عليهم السلام !
قال تعالى : (( وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة )) الأنبياء/73.
(1) الشيعة والتصحيح للدكتور موسى الموسوي ص 69 .(25/42)
وقال عن المؤمنين جميعا ولم يستثن منهم لا عليا عليه السلام ولا أحدا من أهل بيته : ((إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون )) المائدة/55 .
أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكن يؤدي ما عليه من حقوق مالية تجاه الناس فحسب ، بل فوق ذلك حرم على نفسه وأقربائه أموال الصدقة والزكاة - أوساخ الناس- فلم يحل لهم أخذها ، وكان أهل بيته الكرام يزكون ويتصدقون ولا يأخذون من أحد من العالمين شيئا !
والآن نأتي إلى الواقع لنراه مقلوبا تماما ، إذ ان المجتهدين يأخذون كل ماحل بأيديهم من جميع أصناف المال من الزكاة إلى الصدقة إلى النذور إلى ( الخمس ) إلى ما يسمونه ب (الحقوق الشرعية) وأموال المظالم ... الخ وفي المقابل يزكون أموالهم ! وهل رأيت مجتهدا أو (سيدا) يزكي ماله ؟! أين ؟ ومتى ؟
هذا هو الواقع المر ! فهل هذا الركن العظيم من أركان الإسلام مرفوع عنهم ، وهل هناك أحد فوق القانون الإلهي ؟!
يقول تعالى : (( وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة )) فصلت /6-7
وإذا قيل إن (الخمس) لا يجب على من كان من ذرية أهل البيت ، فما حكمه بالنسبة ل ( المجتهد ) من سواهم عربيا كان أم أعجميا كما هو الغالب ؟! هل رأيتم أحدا منهم يخمس أمواله ويضعها مع (الخمس) الذي يستلمه ليصرف الجميع في وجوهها ؟! بل هو مع هذا كله لا يؤدي الزكاة الواجبة عليه !! بل وفوق ذلك هو يأخذ الزكاة مع أنها لا تحل عليه لأنه غني ، بل قد يكون من (آل البيت) الذين حرمت عليهم أصلا ! فكيف؟!!!
نسيان الزكاة :(25/43)
لقد ألغى ( الخمس ) الاهتمام بالزكاة من الواقع فلا تذكر كما يذكر ( الخمس ) ولا يحرص عليها ولا يتحسس الناس لها وجودا أو تأثيرا قط في كل المناطق المأهولة بمن يعتقد شرعية (الخمس) ، وعامتهم لا يعرفون عن أحكامها البسيطة الواضحة شيئا ، قليلا ولا كثيرا مع ان الله تعالى ملأ كتابه الكريم من ذكرها على عكس ( الخمس ) !!
ولعل السبب في ذلك – والله أعلم – ان مقدار الزكاة لا يعد شيئا في مقابل ( الخمس)، فإذا طولب صاحب المال بخمس ماله ، كيف يمكن معه أن يطالب بأداء زكاته ؟!
فالجمع بين ( الخمس ) والزكاة صعب على النفوس ومحرج للمعطي والآخذ . وإذن فعلى المجتهد أن يخير نفسه بين هذا وهذا ، فإذا طالب بإحداهما فعليه أن ينسى الآخر أو يتناساه ولا شك في ان الاختيار يقع على ( الخمس ) ، ويتغافل عن الزكاة أو لا يذكرها بقوة فإن حصلت فبها ونعمت وإلا ف ( الخمس ) يكفي وزيادة !
ولذلك فإن الواقع المشاهد ان المجتهد يصرح أحيانا بمسألة التخيير بين ( الخمس ) والزكاة دون تردد أو توقع ان أحدا يسأله : هل ان إسقاط الواجبات الشرعية من حقه مع أنها مفروضة من قبل الله ؟! وهل إذا حكم بأمر يحتاج حكمه ويفتقر إلى تعقيب معقب ، مع انه في كتابه يقول : (( والله يحكم لا معقب لحكمه )) ؟! وهل الفقيه مصدر تشريعي في مقابل مصادر الشرع الأخرى ؟!
وهكذا نسيت الزكاة وعمي أمرها على سواد الناس فتركوا أداءها ، بل لا يستشعرون وجوبها مع قيامهم بدفع ( الخمس ) (( وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا )) !!
ضريبة خيالية :
إذا أضفنا ( الخمس ) إلى الزكاة والصدقة وغيرهما من الحقوق المالية المترتبة على المسلم يكون المجموع زهاء ربع المال !(25/44)
أي ان المسلم هو الوحيد – من دون بقية الخلق وأجناس الأرض - الذي يلزم بأداء ربع ماله ومكسبه ومقتنياته إلى دولته كي يتحلل من ذمته أمام ربه !! وحتى لو لم يكن سوى ( الخمس ) ، فالخمس يعني خمس المال أو المكسب وهو قريب من الربع .
فهل تصورت - والحالة هذه – مدى العنت والإرهاق والظلم الذي يتحمله المواطن تجاه دولة كهذه ؟ بل هل يمكن لدولة مهما بلغت من الظلم والسطوة أن توقع بمواطنيها مثل هذا الجور ؟! وهل يرضى مواطنو أي دولة يستشعرون بالكرامة والحرية ان يرضخوا فيؤدوا (ضريبة الدخل) بهذه الضخامة تحت أي ظرف ؟ حتى لو كان ظرف حرب أو مجاعة شديدة أو حصار !
ولذلك فلا يعرف في التاريخ ملكا أو حاكما عادلا ولا ظالما فرض مثل ذلك على شعبه ، إلا ما جاء في التوراة عن ملك مصر زمن نبي الله يوسف عليه السلام من انه فرض ( الخمس ) على المحاصيل الزراعية حين اجتاحت المجاعة شعب مصر ، ولكن بعد ان اشترى الأرض وأهلها فصاروا له ملكا وعبيدا – وقد سبق ذكر ذلك - .
هذا إذا فرضنا ان الجهة التي يعطى لها ( الخمس ) دولة بحالها – كما يقول به بعض علماء المذهب – فكيف إذا كانت هذه الضريبة الخيالية تؤدى إلى أفراد معدودين لا دولة أو مؤسسة عامة ، فماذا ستكون النتيجة ؟! وإلى أي مدى يمكن أن يذهب بنا التصور والخيال ؟!
فكيف إذا التفت إلى أن هؤلاء الأفراد المعدودين هم الذين يجب أن يكون الحاكم منهم ، فيكونوا هم أمراء المجتمع الإسلامي ! أي ان هذه الضريبة لا يستفيد منها إلا الحاكم وأفراد عشيرته الكبيرة ، أي (العائلة المالكة) فقط !!! التي تمارس اليوم دور الإمارة و (السيادة) بأجلى صورها قبل تسليم مقاليد الحكم !
هل يمكن لحاكم في الكون أن يفرض على رعيته خمس مكاسبهم وأموالهم ومقتنياتهم له ولعشيرته فقط ؟! وهل حدث مثل هذا في التاريخ ؟!(25/45)
وهل تصورت الآن الأمر على حقيقته وأبعاده البشعة ؟! وإذن هل يمكن أن يكون ذلك دينا منزلا من عند الله ؟
ان هذا يستحيل أن يفعله أي حاكم مهما بلغ من الظلم والاستبداد أو الاستهتار بمقدرات شعبه وإرادته ، فهل تعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله ؟! فعل أمرا تعفف فرعون عنه ؟!
أو هل تعتقد ان ذلك كان الواجب عليه أو على أي من خلفائه – وأهل بيته أن يفعلوه؟!
حقا إنه لتشويه لا يليق بصورة هذا الدين العظيم ولا رسوله الكريم .
لا زال البعض يدفع ( الخمس ) ! لماذا ؟
لا زال بعض المتدينين – بل الكثيرين منهم – وإلى اليوم يزاولون دفع ( الخمس ) ، فلماذا !
والجواب : إما أن يكون ذلك جهلا منهم وحسن نية ويتصورون أن (الأئمة) أمروا به أو أن نصوص الشرع تفرضه عليهم ، دون أن يكلف أحد منهم نفسه يوما ما ليراجع بنفسه النصوص والأدلة ويحكم بعقله الذاتي المستقل وإرادته المنعتقة عن القيود ، بعيدا عن فتاوى الفقهاء في (رسائلهم العملية) المجردة عن الدليل ، لاسيما وان السواد الأعظم من المتدينينن ذوي النوايا الطيبة ، يتصور أن تقليد الفقهاء في كل شيء واجب محتم عليه وإلا كان معرضا للعقاب الأخروي !
هكذا خيلوا له ، وهكذا قيدوا عقله عن أن يفكر ، وكبلوا إرادته عن أن تنطلق ، وعصبوا عينيه حتى لا تبصر الطريق ! وكسروا الحاجز المقدس بين المعصوم الذي لا يخطيء، وبين الفقيه الذي يجوز عليه الخطأ والصواب ، ولم يعد بينهما فرق حقيقي سوى الاسم . فإذا اعتقدت أن الفقيه لا يجوز الاعتراض عليه أو مخالفته فقد جعلت منه معصوما! وهذا باطل !(25/46)
وقد يكون بعضهم يفعله بدافع التعصب المذهبي ، وان كانت الغالبية تفعله بحسن نية مبنية على الجهل بحقائق الأمور ولكن – مع ذلك – تشعر أنهم يحسون في دواخلهم بثقل الوطأة وضخامة الحساب فترى الكثيرين قد تفلتوا منه أو احتالوا عليه وأقنعوا أنفسهم بأنهم يؤدون هذا (الواجب) مع أنهم في الحقيقة لا يقومون إلا بدفع جزء يسير منه ! وهذا يتوضح بالفقرة التالية :
صعوبة التطبيق ومهازل الواقع :
لما رأى القائمون على أمر ( الخمس) واستغلاله صعوبة دفع مثل هذا المبلغ الهائل على النفس وتحرج الكثيرين وتفلتهم من ربقته ، وهي حالة طبيعية جدا لا عيب فيها ولا شذوذ بل هي تعبير عن الفطرة الإنسانية السوية فكم من بني آدم تسخو نفسه فتسمح له بأن يعطي خمس أمواله وأرباحه التي أكتسبها بعرق جبينه وكد يمينه ليأخذها منه من لم يبذل فيها جهدا ولا فكرا ولا قلقا أو خوفا من خسارة أو سرقة أو عقاب قانون ولا علاقة له باكتسابها من قريب ولا بعيد ؟!!
حقا انه لأمر ثقيل جدا ! يقول تعالى : (( وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ولا يسألكم أموالكم . ان يسألكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم )) محمد /36-37 .
فالله أعلم ان طاقة عبده في دفع أمواله محدودة لأنه مجبول على حب المال كما أخبر هو عنه بقوله : (( وانه لحب الخير لشديد )) العاديات /8 . فلابد أن يكون الطلب بحدود تتناسب وطاقته ، وإلا بخل وامتنع وخرج من فمه ما لا يحمد ولا تثريب عليه في كل ذلك لأنه تصرف بمقتضى الطبيعة البشرية التي خلقه الله عليها (( لا تبديل لخلق الله )) الروم /30 .(25/47)
لذلك لم يكلف الله عبده إلا ما يسع بل دون وسعه بكثير وهو الزكاة التي لا تجب إلا على من ملك مالا زائدا عن حاجته وبيته ومركبه يساوي قيمة عشرين مثقالا من الذهب بشرط أن تمر على ذلك المال سنة كاملة ، وكم نسبة الزكاة فيه ؟ اثنان ونصف في المئة (2.5%) فقط ، وهي نسبة قليلة جدا يستطيع أي إنسان أن دفعها . بل لو أن أي فقير كلف بها لما أرهقه ذلك !
ولذلك – في المقابل – امتنع عن دفع (الخمس) الكثيرون وتناسوه أو احتالوا عليه !
فلما رأى المستفيدون ذلك وواجهوا الصعوبة العملية في تطبيق نظرية (الخمس) على الواقع صاروا يخففون في القضية حتى لا يقضوا على البقية الباقية منهم فما لا يدرك كله لا يترك بعضه أو جله ، وعلى رأي المثل : إذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع .
وهذه بعض الصور التي عشناها في الواقع الهزيل :
كأن يكون حساب (الخمس) على أحدهم مئة ألف دينار فيأتي إلى المجتهد أو (السيد) فيقول : على مئة ألف ولكني محتاج وليس معي إلا عشرون ألف فيجيبه : لا بأس هاتها ويعد قائلا : عشرون ثم يرجعها إليه باعتباره قد وهبه إياها ثم يأخذها ثانية قائلا : أربعون ... وهكذا ينتقل المبلغ بينهما عدة مرات إلى أن ينتهي العد إلى مئة ! أرأيت ؟!
وبعض مستلمي (الخمس) يتنافسون فيما بينهم على التنقيص من المبلغ فهذا ينقص أكثر من ذاك وهكذا .. حتى صار من المتعارف عليه أن يقول القائل : أنا أدفع (خمسي) لفلان لأنه (ينقص) أكثر من (سيد) أو (شيخ) فلان .(25/48)
أو يدفع بعضهم (الخمس) مرة واحدة في حياته وعن بعض أمواله خصوصا إذا كان غنيا فاحش الغنى فيسقطون عنه الزكاة بعد أن يخيروه بين الزكاة التي تؤخذ منه سنويا طيلة حياته وبين (الخمس) مرة واحدة وقد نقصوا له منه وخففوا كثيرا فيختار الثاني . ولا شك ان من يقبض (الخمس) مستفيد أيضا فإن الدفع نقد خير من التقسيط . وهكذا يفسدون على المسلم ركنا عظيما من أركان الدين الخمسة متصورا ان ذلك يعفيه عند الله وينجيه من حسابه يوم القيامة وهكذا يتم التلاعب بشرع الله . فالله يقول ويأمر بشيء و(المفتي) يقول ويأمر بما يغايره ويلغيه فيجعل من نفسه ربا آخر تماما كما قال تعالى : ((أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله)) الشورى /21 ، وقال : ((اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله)) التوبة /31 وهذا في الأمر والنهي والتشريع في مقابل شرع الله .
إن القصد من كل هذا جمع المال ولذلك قال تعالى بعد الآية السابقة بعدة آيات : ((يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله)) التوبة /34
الفصل الرابع
اتباع المتشابه
بعد كل الذي قدمناه – والحمد لله – يتبين بوضوح تام ان فكرة (خمس المكاسب) من ناحية ثم إعطاء هذا (الخمس) إلى الفقيه من ناحية أخرى لا دليل عليها من الشرع ولا مستند لها إلا المتشابه والمتشابه المحض ! :
فليس هناك إلا نص قرآني واحد ، ورد فيه لفظ (الخمس) اللفظ فقط ! أما موضوعه ومعناه أو مضمونه ومحتواه فشيء آخر لا علاقة له به ، وهو خمس الغنائم التي تؤخذ من محاربي الكفار في ساحة القتال .
ثم ما هي علاقة الفقيه بالآية والذي لم يرد ذكره أبدا لا أولا ولا آخرا ولا ضمنا ولا إشارة ولا تصريحا ولا تلميحا ولا لفظا ولا معنى ؟! فان كان (الخمس) قد ورد لفظا فإن الفقيه لم يرد أصلا .
قضيتان منفصلتان(25/49)
ومما تجدر الإشارة إليه هنا هو أن موضوع خمس المكاسب في صورته الحالية مركب من قضيتين :
الأولى : ان في المكاسب خمسا .
الثانية : ان هذا (الخمس) يجب تسليمه إلى الفقيه .
وهما قضيتان منفصلتان تحتاج كل واحدة منهما إلى دليل منفصل فلا يصح دمجهما معا والاستدلال عليهما بدليل واحد وردت إحداهما فيه لفظا والأخرى لم ترد أصلا !!
علاقة لفظية بحتة !
وهكذا يظهر ان دعوى القول بخمس المكاسب بدليل الآية هي بالضبط كدعوى رجل اسمه إبراهيم احتج بقوله تعالى : (( واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا )) مريم/41 . على انه نبي لأن لفظ إبراهيم ورد فيها وبما ان اسمه هو (إبراهيم) فإذن هو نبي اعتمادا على تشابه الإسمين وتطابق اللفظين !!
صحيح إن الآية فيها لفظ (إبراهيم) ولكن أي إبراهيم هو المقصود ؟!
صحيح ان آية (الأنفال) ورد فيها لفظ (الخمس) ولكن أي خمس هو المقصود ؟! خمس ( ما غنمتم ) أم خمس ( ما كسبتم ) ؟!
ان الاحتجاج بالآية على خمس المكاسب يدخل تمام الدخول تحت قاعدة (ما تشابه منه) واستمع إلى الله جل وعلا ماذا يقول في ذلك :
(( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله )) آل عمران /7.
خلاصة البحث :
وبعد .... فهذه أهم الحقائق التي توصلت إليها من خلال هذا البحث :
1- لا من القرآن الكريم فإن الآية نفسها موضوعها غنائم الحرب التي تؤخذ من الكافرين لا مكاسب السلم التي يكسبها المسالمون من المسلمين .
2- ولا من السنة النبوية الطاهرة إذ لم يرد من قول النبي صلى الله عليه وسلم ولا من فعله ولا تقريره .
3- ولم يرد عن أحد من الخلفاء الراشدين بما فيهم أمير المؤمنين علي (عليه السلام) .(25/50)
4- ولا يوجد فيه أي نص عن ( الأئمة المعصومين ) في أي مصدر معتمد كالكافي للكليني أو من لا يحضره الفقيه للقمي أو الاستبصار للطوسي وغيرها .
(1) صفوة البيان لمعاني القرآن للشيخ محمد مخلوف .
5- ولم يفت به أي فقيه من الفقهاء المعتبرين المتقدمين كالشيخ المفيد والشيخ الطوسي والسيد المرتضى علم الهدى وغيرهم .
6- سقوط السند اللغوي لهذه التسمية (الخمس) من حيث تعلقها بالمكاسب .
7- سقوط السند الشرعي لهذه التسمية أيضا .
ثانيا : وجود نصوص عديدة واردة عن (الأئمة) تنص على أن :
1- حكم (الخمس) وإعطاءه (للإمام المعصوم) نفسه هو الاستحباب وليس الوجوب .
2- جواز تصرف صاحب (الخمس) به دون شرط الرجوع إلى الإمام متى احتاج إلى ذلك ، ومراجعة (الإمام) إنما هي على سبيل الاستحباب غير الملزم .
3- بعض هذه النصوص تصرح أن (الأئمة) أباحوا (الخمس) لأتباعهم وأسقطوه عنهم مطلقا تكرما وتفضلا .
4- وبعضها تنص على إباحته لهم حتى يقوم (القائم الغائب) .
5- لا يوجد أي نص يتعلق بالفقهاء وإدخالهم في موضوع (الخمس) .
ثالثا : إن فتوى إعطاء (الخمس) للفقيه إنما قال بها بعض الفقهاء المتأخرين دون المتقدمين وان هذه الفتوى تمتاز بما يلي :
1- مختلف فيها ولا إجماع عليها .
2- عدم اعتمادها على أي نص عن (الأئمة المعصومين) أو القرآن الكريم أو السنة النبوية المطهرة .
3- اضطراب أقوال الفقهاء الذين اعتمدوها وحيرتها وترددها وتناقضها فيما بينها في أقوال الفقيه نفسه ومن فقيه إلى فقيه ومن زمان إلى زمان .
4- والأهم من ذلك كله تناقضها التام مع الأقوال الواردة عن (الأئمة المعصومين) !
5- عدم إمكانية تطبيقها على الواقع فهي خير مثال يمكن أن يضرب على تناقض (النظرية مع التطبيق ) .(25/51)
وبعد .. فهذا أهم ما توصلت إليه من حقائق ونتائج أضعها بين يدي أخوتي وبني جلدتي ممن يحبون الحق ويبحثون عن الحقيقة ويتحلون بالإنصاف ممن لا زال – عن حسن نية وقصد وابتغاء للثواب والأجر – يرهق نفسه بدفع ( الخمس ) ، أداء للأمانة الدينية والبحث العلمي المنصف المجرد ، وبرا بالأخوة ونصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم . وتبصيرا للعقول النيرة المنعتقة من نير التقليد الأعمى اتباعا للحق الأسنى والطريقة المثلى . والحجة الواضحة الناصعة والأدلة البينة الساطعة ونشرا للوعي بين الجماهير العاقلة ذات النفوس الطيبة والعقلية المحايدة والإرادة الحرة المستقلة الفاعلة .
ويا رب ! هذا الجهد وعليك التكلان ، وأنت المستغاث وبك المستعان ولا حول ولا قوة إلا بك .
مراجع البحث
1- القرآن الكريم .
2- أصول الكافي للكليني الرازي ط طهران 1381 هـ .
3- الإرشاد – للشيخ المفيد ط المطبعة الحيدرية – النجف 1392ه-1972 م.
4- الخمس بين السائل والمجيب – السيد محمد صادق الصدر ط 1418 .
5- الاستبصار فيما اختلف من الأخبار للطوسي .
6- الشيعة والتصحيح للدكتور موسى الموسوي .
7- صفوة البيان لمعاني القرآن للشيخ حسنين محمد مخلوف .
8- فقيه من لا يحضره الفقيه – القمي ، ط طهران .
9- منهاج الصالحين – للسيد أبي القاسم الخوئي مطبعة الديواني – بغداد الطبعة التاسعة والعشرون .
10- مختار الصحاح للرازي – المركز العربي للثقافة والعلوم .
11- مفردات ألفاظ القرآن للعلامة الراغب الأصفهاني – المكتبة المرتضوية – إيران .
12- النهاية في مجرد الفقه والفتاوي لشيخ الطائفة الطوسي .
13- نهج البلاغة بشرح محمد عبده ط دمشق .
المحتويات
الصفحة
الموضوع
2
المقدمة
3
الباب الأول : خمس المكاسب بين أقوال الأئمة وفتاوى الفقهاء .
4
الفصل الأول : حقائق خطيرة ومثيرة
7
الفصل الثاني : الأدلة التفصيلية على الحقائق السابقة
7(25/52)
1- النصوص الواردة عن ( الأئمة المعصومين ) في إسقاط ( الخمس )
11
2- كبار الفقهاء يسقطون ( الخمس ) أيضا
13
الفصل الثالث : اضطراب نظرية ( الخمس ) واختلافها بين المتقدمين من الفقهاء والمتأخرين
13
قول الشيخ أبي جعفر الطوسي
15
فتوى زعيم الحوزة السيد أبي القاسم الخوئي
16
بين الطوسي والخوئي
17
حق ( السادة )
18
من أين جاءت الفكرة ؟
18
ملخص تضارب أقوال الفقهاء وتطورها عبر الزمن
21
إسدال الستار على الروايات المبيحة ل ( الخمس )
22
شرعية المصرف لا تحلل حرمة المصدر
23
الخلاصة
23
التساؤل الأخير
23
ما علاقة الفقيه بالآية؟
25
الباب الثاني : الخمس بين الغنائم والمكاسب
26
الفصل الأول : دلالة آية الخمس
26
تمهيد
27
آية الخمس
27
الموضع الوحيد
28
مقارنة بين الزكاة وخمس المكاسب
29
مثال كي تتضح المقارنة
30
بعض الآيات التي وردت في الزكاة
32
مقارنة أخرى بين الزكاة والخمس
33
سبب نزول ( الآية )
34
سياق ( الآية )
34
القرآن فرق بين المكاسب والغنائم
35
الغنيمة في لغة القرآن
37
الغنيمة مال خاص مستقل
38
الفيء والخمس – وقفة مع سورة ( الحشر )
41
الفصل الثاني : خمس المكاسب في محكمة التاريخ
41
جباة ( الخمس )
42
قتال الصديق لمانعي الزكاة
42
العباسيون و ( الخمس )
43
الفراعنة وخمس المكاسب
46
الفصل الثالث : خمس المكاسب بين النظرية والتطبيق
46
لو كانوا جادين
47
ما هي علاقة المجتهد ب ( الخمس )
48
المجتهد لا يخمس ماله ولا يزكيه
49
نسيان الزكاة
50
ضريبة خيالية
51
لا زال البعض يدفع ( الخمس ) ! لماذا ؟
52
صعوبة التطبيق ومهازل الواقع
55
الفصل الرابع : اتباع المتشابه
55
علاقة لفظية بحتة !
56
خلاصة البحث
59
مراجع البحث
60
المحتويات(25/53)
الخميني بين التطرف والاعتدال
تأليف لدكتور عبدالله محمد الغريب
لمحات عن الثورة الإيرنية وموقف الإسلاميين منها
سبحانك يا رب بيدك ملكوت كل شيء ، وإذا أردت أمرا فإنما تقول له كن فيكون.
بالأمس كان شاه إيران يتيه غرورا، وكان يعد لامتلاك الذرة، ويخطط لابتلاع الخليج العريي فشبه الجزيرة العربية .
وركن الشاه إلى جيشه الذي يمتلك أحدث الأسلحة، وإلى جهاز مخابراته- السافاك - الذي يعتمد على أدق أجهزة التصنت والتجسس ، ويتواجد في كل مدينة وقرية ومؤسسة إيرانية.
وفي الاطار الخارجي ركن الشاه الى صديقته الولايات المتحدة التي تحترف صناعة المؤامرات في العالم ، وحل مشكلاته مع جيرانه فأمن مكرهم ، وأمنوا شره . وظن أن الطريق معبدة لاعادة مجد " كسرى أنوشروان " .
جاءه الخطر من حيث لم يحتسب ، انفجر الشارع الإيراني بعد أحداث تبريز وأصفهان قبل ستة أشهر(1) .
وعمت المظاهرات أرجاء البلاد، وتوحدت كلمة المعارضة على اختلاف نزعاتها، ورفعوا شعارا واحدا : الاطاحة بالشاه ، وإقامة نظام جمهوري .
ولم يعد الموطنين يلقون بالا للشاه وحكومته ، وولوا وجوههم شطر قائدهم ألاعلى " الخمبني " المقيم في فرنسا .
(1) كتبت هذا الفصل في أوائل عام 1979، والخميني في باريس، وقبل مغادرة الشاه لطهران. وأحداث تبريز حدثت في منتصف عام 1978، ثم عدّل هذا الفصل تعديلا طفيفة .
ظن طاغوت طهران أنه من السهل وضع حد للمظاهرات ، فاستخدم الترغيب والترهيب فقدم ناسا من بطانته إلى المحاكمة بتهمة الفساد، ووعد باجراء انتخابات وإقامة نظام ديمقراطي .. إلا أنه فشل.
ثم جاء بحكومة عسكرية ولجأ إلى العنف فازداد المعارضون مقاومة، وأحدقا الخطر بقصره، وأخذ الناطقون باسمه يتحدثون عن إمكانية لجوئه إلى الهند وإقامة مجلس وصاية يدير أمور البلاد.(26/1)
وتطلع الناس إلى " الخميني " الذي راح يتحدث عن الجمهورية الاسلامية ، وعن أسسها في مختلف الحقول ، وعن علاقتها مع الدول الكبرى والمجاورة لإيران ، وعقد مستشاروه الندوات وكشفوا النقاب عن مخطط وضعوه لحكم إيران .
وحدث كهذا لا بد أن يشد انتباه اجهزة الاعلام العالمية . . ذلك لأن ايران قد حباها الله بخصائص ، فالموقع الهام الذي يطل على بحار عالمية ، ويجاور دولة كبرى كالاتحاد السوفياقي شمالا ، ودولا الخليج والعراق غربا، وضربت رقما عالميا في انتاج النفط وتصديره ، وللامريكيين والغربيين ولليهود مصالح حيوية فيها ، وترتبط هذه الدول مع إيران بمعاهدات . . .
ومن ثم فهذه الاضطرابات جاءت بعد انقلاب أفغانستان وحوادث القرن الافريقي ، وبعد المعارك التي حدثت بين اليمنين الشمالي والجنوبي .
وللشاه علاقات حميمة مع نظام العدو الصهيوني ، فلا غرابة إذاً أن يكون اهتام العالم قويا في حوادث إيران .
ومنذ أكثر من ستة أشهر وأخبار إيران تحتل العناوين الاولى في معظم صحف العالم ، ومجمل ما قيل لا يعدو النقاط التالية:
1 - الامام روح الله الخميني قائد ثورة اسلامية ، وأجريت لقاءات معه ، تحدثت عن ورعه وزهده ، وأنه يريد تحكيم الاسلام .
وأحاط الشيعة " خمينيهم " بهالة التعظيم ، ونسبوا إليه الخوارق والمعجزات .
2 - الثورة الايرانية امتداد لحركة الاخوان المسلمين ، وحركة المودودي في باكستان ، والحركة الإسلامية في اندونيسيا .
3 - الحركات الاسلامية انتهجت سبيل العنف ، وبالغت أجهزة الاعلام العالمية في التهويل والتهويش ، وتحذير الانظمة من خطر الحركات الاسلامية .
4 - وزعمت صحف أن الجماعات الاسلامية الحديثة ليست مؤهلة للحكم ، وأنها فصائل يسارية تستند إلى تنظير إسلامي .
وتسربت أباطيل الصحف إلى عقول عامة الاسلاميين ، فتأثروا بما قيل عن الخميني ، وصار اسمه مرافقا لأعلام أهل السنة في العصر الحديث .(26/2)
وألمنا ما يتناقله الاسلاميون من آراء عن الخميني وحركته ، وانتظرنا أن تقول الصحف الاسلامية - على ندرتها - كلمة تدحض أكاذيب أجهرة الاعلام العالمية والمحلية ، ولكن آمالنا تلاشت عندما صدر العدد (30 ) من مجلة الدعوة القاهرية غرة ذي الحجة 1398ه . وصدمنا بما قالته عن الخميني وحركته .
تحدثت عن الرافضة في إيران منذ عام 1954 م كما تتحدث عن جماعة الاخوان المسلمين ، فاذا ذكرت الخميني قالت : " الامام روح الله الخميني" وزعمت أن مهاجمة الخميني في صحف الشاه كان وراءها اليهود والبهائيون
ثم تعود لتربط ثورة الرافضة بحركات أهل السنة والجماعة: " قالوا أنها عناصر سوداء ماركسية، أو ماركسيون مسلمون .. وليس في ذلك غرابة فالاسلام في نظر سوهارتو أندونيسيا فكر متطرف يجب أن يضع القانون له حدا، والاخوان المسلمون في مصر 1954 - 1965 اتهموا بالاتصال مع الانجليز والتحالف مع الشيوعية ، والعمالة للصهيونية وأمريكا والأمثلة كثيرة ، ولكنها نظم الحكم في عالمنا الاسلامي وأجهرة اعلامها وسياستها واتجاهاتها (2) ".
اصلح الله القائمين على الدعوة إذ كيف يكون اليهود والبهائيون وراء هجوم الصحف الحكومية على الخميني ، وكل ذي بصيرة يدرك أن اليهود
(2) الدعوة العدد (0 3 ، 1 - 2 1 ) 8 39 1 ه تحت عنوان الثائرون في ايران سود ماركسيون أم مسلمون إيرانيون، ل عبدالمنعم جبارة.
ساهمون في إنشاء حركه الرافضة - ومازالوا -، وما البهائية إلا ثمره من ثمرات الغلو الرافضي ؟!
كيف يقرن أصحاب الدعوة أهل الرفض بحركات أهل السنة وما من نحلة كافرة في عالمنا الإسلامي إلا وقد اتخذت من التشيع سلما لها .
ما هي الأدله التي اعتمد علبها الفائمون على الدعوة عندما زعموا أن حركه الخميني يقودها شعب مسلم حفاظا على هويته !(26/3)
وبعد الدعوة وصلتنا " الرائد " الصادرة في آخن بالمانيا، فوجدناها مهمته بثورة الرافضة " ويبدو أن بعض قرائها احتجموا فقالت المجلة في الرد عليهم :
" إننا نكرر هنا وقوفنا مع المسلمين المجاهدين في أيران ضد الثاه ونظامه الفاسد وضد العبودية لأمريكا والغرب ، وندعو المسلمين في كل مكان الى مثل هذا الموقف والتأييد.. ونبعث على صفحات "الرائد" إلى الطليعة المجاهدة هناك تحية الطلاتع الاسلامية في كل مكان " (3) .
وفي العدد نفسه ثلاتة مواضبع عن إايران، وأن دل فإنما يدل على أن الرائد تعلق آمالا واسعة على حركة الخميني .
أما كلام الرائد عن شاه إيران فهو، أما وصفها للرافضة بأنهم مسلمون محاهدون، فهذا الذي سنبينه .
وتلقى محبو المجلتين الدعود والرائد رأيهما بالقبول والتقدير، وأصبح هذا الرأي موقفا سياسيا لكثير من الإسلاميين، وهذا العدد الكبير لا يكلف نفسه دراسة الرافضة. . . وحسبه أن الدعوة أو الرائد أيدت ثورة الرافضة .
إزاء ذلك نرى من الواجب علينا أن نقدم هذا البحث الذي يشتمل على الفقرات التالية :
1 – خلافنا مع الرافضة في أصول الدين وفروعه .
2 – ما قاله علماء الجرح والتعديل في الرافضة .
(3) الرئد العدد 34 ذي الحجة 1398 ه .
3- شيعة اليوم أخطر من شيعة الأمس .
4- ما قاله عنهم علماء هذا العصر.
وسنحرض على أن يكون بحثنا مدعوما بالأدلة، ولن نتعرض ف هذا البحث إلا الشيعة الجعفرية الإمامية التي ينتسب إليها الخميني وأنصاره أما الفرق المتطرفة فلنا معهم شأن آخر .
خلافنا مع الشيعة في أصول الدين وفروعه
وحدة الأمة الاسلامية غاية كل مسلم:(( وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربم فأتقون )) .
وعمل أهل السنة من أجل تحقيق هذه الوحدة، فهم يتقربون إلى الله بحب آل البيت ، ويرون أن عليا خير من معاوية رضي الله عنهما، ويعتقدون أن صحابة رسول الله عدول لا يجوز انتقاصهم والتشكيك بهم .(26/4)
لو كان الخلاف مع الشيعة حول نزاع علي ومعاوية لهان الأمر، ولكن القضية أكثر عمقا ، وهذه خلاصة كثيفة لأوجه الخلاف.
1- نختلف معهم في القرآن الكريم ، ألف أحد كبار علماء النجف وهو الحاج ميرزا حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي كتابا سماه " فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب " جمع فيه أقوال علماء الشيعة في مختلف العصور وزعم من خلالها أن القرآن قد زيد فيه ونقص منه ، وقد طبع هذا الكتاب في ايران سنة 1289 ه.
وجاء في كتابهم الكافي" عن أبي بصير قال : دخلت على أبي عبد الله – إلى أن قال أبو عبد الله – أي جعفر الصادق - : وإن عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام – قال وما مصحف فاطمة ؟
قال : مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد " (4) .
وشيعة اليوم يؤمنون بهذه الأقاويل لا سيما وقد صدرت عنهم كتب تؤكدها ففي عام 1394 ه صدر كتاب عن أحد علمائهم في الكويت سماه "الدين بين السائل والمجيب " .
(4) الكافي 1/239 طهران دار الكتب الاسلامية، ورواية أيى بصير طويله ومملة ، ويزعمون فيها أن الائمة يعلمون الغبب .
ووجه إلى ببرزا حسن الحائري مؤلف الكتاب في الصفحة (89) السؤال ا لتالي :
" المعروف أن القرآن الكريم قد نزل على رسول الله على شكل آيات مفردة فكيف جمعت سور. . ومن أول من جمع القرآن ، وهل القرآن الذي نقرؤه اليوم يحوي كل الآيات التي نزلت على الرسول الأكرم محمد أم أنا هناك زيادة ونقصانا..وماذا عن مصحف فاطمة الزهراء عليها السلام"؟(26/5)
" نعم أن القرآن نزل من عند الله تبارك وتعالى على رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم في 23 سنة. يعني من أول بعثته إلى حين وفاته ، فأول من جمعه وجعله بين دفتين كتنابا هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، وورث هذا القرآن إمام بعد إمام من أبنائه المعصومين عليهم السلام ، وسوف يظهره الامام المنتظر المهدي اذا ظهر – عجل الله فرجه ، وسهل مخرجه – ثم جمعه عثمن في زمان خلافته وهذا هو الذي جمعه من صدور الأصحاب ، أو مما كتبوا وهو الذي بين أيدينا والأصحاب هم الذين سمعوا الآيات والسور من رسول الله وأما مصحف فاطمة فهو مثل القرآن ثلاث مرات وهو شيء أملاه الله وأوحاه إليها " .. صحيفة الأبرار ص 27 عن بصائر الصغار .
صدر هذا الكتاب في الكويت قبل خس سنين ، وما سمعنا أن عالما منهم رد على الحائري ، والحائري نشر كتابه في بلد ينتسب سكانه إلى مذهب أهل السنة فمن الذي يحرص على الفرقة ويشعل نار الفتنة ؟ إنه الحائري وقومه من غير ريب .
أما قول بعضهم بأن القرآن خال من الزيادة والنقصان فهو تقية، لأنهم مجمعون على خيانة الصحابة، فكيفما نعتقد بصحة القرآن والذين قاموا بجمعه خونة ، وكيفما نصدقهم وهم إذا مروا بذكر الطبرسي أو الكليني قالوا: " طيب الله ثراه " .
وقولهم الآنف شكلي فهم بؤولون القرآن حسب أهوائهم التي لا يقرهأ شرع ولا يسندها دليل وإليكم بعض الأمثلة .
المثال الأول .
قالوا في تفسير قوله تعالى:(( قتلقى آدم من ربه كلمات قتاب عليه إنه هو التواب الرحيم )) البقرة الآية 37 .
سئل النبي عن الكلمات التي تلقاها آدم عليه السلام من ربه فتابه عليه قال: " قد سأله بحق محمد وعلي وفاطمة والحسين الا تبت فتاب عليه"(5) .(26/6)
2 - ونختلف مع الشيعة في أصل الثاني من أصول الإسلام – السنة – لا يؤمن الشيعة بالاحاديث التي وردت في الصحيحين والمسانبد والسنن وعندما يتصلون بالعامة س أهل السنة يبدأون بتشكيكهم بصحيح البخاري أولا ثم لرواة الحديت س أصحاب رسول ألله ثانيا .
وكم تكون خسارة المسلمين عظيمة لو تمكن الشيعة من تنفيذ مؤامراتهم على السنة.. فمنها وحدها فهمنا القرآن الكريم ، وتعلمنا كيفية الصلاة والصوم والحج والزكاة .
ولا يستدل الشيعة بأحاديث البخاري ومسلم وغيرهما إلا عملا بقول القائل من فمك أدينك ، فهى - كما يزعمون - أدلة لإقامة الحجة على أهل السنة، أو لأنها توافق حديثا من أحاديتهم .
وإذا كنا نختلف مع الشيعة في الكتاب والسنة فبديهي أننا نختلف معهم في الاجماع والقياس .
3 - يعتقد الشيعة بعصمة علي بن أبي طالب وأحد عشر إماما من نسله – من أبناء الحسين ويزعمون أنهم أفضل من الأنبياء والرسل إلا خاتم
الأنبياء .
(5) انظر منهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية تحقيق الدكتور محمد رشاد سالم، 1/154 عن كتابهم منهاج الكرامة في معرفة الإمامة لابن المطهر الحلي .
4- تقول الشيعة بكفر الصحابة إلا خمسة منهم وهم : علي ، المقداد، سلمان الفارس ، أبو ذر، عمار سن ياسر.
وإذا ذكروا الجبت والطاغوت فالمقصود بهما أبو بكر وعمر رضي الله عنهما (6) .
5- التقية : يعتقد الشيعة بالتقية، ويزعمون أن جعفر الصادق قال " التقية ديني ودين آبائي " (7) .
وإذا سألتهم كيف بايع علي من سبقه من الخلفاء، ولماذا زوج علي ابنته من فاطمة الزهراء - أم كلثوم - لعمر؟ فيجيبون : تقية.
إن عليا رضي الله عنه بريء من هذا الخلق المشين ، فقد كان شجاعا لا تتخذه في الله لومة لائم .
وعقيدة التقية جرت الويلات على المسلمين ، وكانت ،تكأة للفرق الباطنية التي تفرعت عن الشيعة كالقرامطة ، والزنادقة والنصيرية والدرزية .(26/7)
6- تعظيم المشاهد والقبور: يشد الشيعة رحالهم إلى المشاهد والقبور في مشهد وكربلاء والنجف . . وعند هذه القبور ينحرون الذبائح ، ويطوفود حولها . وقد صنف المفيد - أحد علمائهم - كتابا سماه "مناسلك حج المشاهد" قال محب الدين الخطيب : قرأت مرة في عدد يوم الخميس 10 المحرم ا1366ه من جريدتهم " برجم الاسلام " الايرانبة التي يصدرها عبد الكريم فقيهي شيرازي فرأيته يتغنى في ذلك العدد بشعر عربي في سطور فارسية بمعناه ومطلع هذا الشعر:
(6) الكافي للكليني صفحات 227 - 258 / 1 ط .
(7) المنتقى من صفحات الاعتدال، ص68 .
هي الطفوف، فطف سبعا بمغناها * فما لمكة معنى مثل معناها
أرض ولكنمها السبع الشداد لها * دانت ، وطاطأ أعلاها لأدناها
والطفوف جمع طف وهي أرض كربلاء (8) .
علما بأن هذه القبور التي يتغنون بها ، ويشدون الرحال إليها لا أصل لها ، بل المهم تعظيم المشاهد والقبور والمقامات ، فتراهم يبنون عليها قبابا من ذهب ، وبنفقون عليها الملايين ، وكأنه لا هم لهم إلا صرف الناس عن التوحيد.
7 - المتعة : وهي جواز نكاح الرجل لامرأة لمدة معينه شم يتركها دون أن ترث أو تورث، ويتفق معها على صداق معين .
والمتعة أجيزت في بداية الجهاد ثم نسخست بأدلة لا يرقى إليها الشك ومنها حديت سلمة بن الأكوع الذي رواه مسلم ، وحديث علي الذى رواه
الشيخان .
هذه بعض خلافاتنا مع الشيعة، ونحن لم نستعرض خلافنا معهم في سائر أمور العبادة ، وإنما عرضنا خلافنا معهم ما يفكي لنرد به على إخواننا من أهل السنة الذي أحسنوا الظن بهم وتوهموا عن جهل أن خلافاتنا معهم في الفروع وليست في الأصول .
(8) حاشية المنتقى لمحب الدين الخطيب ص 51.
ما قاله علماء الجرح والتعديل في الرافضة
يعود خلافنا مع الرافضة إلى منتصف القرن الأول للهجرة، وكان لسلفنا الصالح جولات مع القادة المؤسسين للمذب الشيعي .(26/8)
سئل الإمام مالك عن الشيعة فقال: " لا تكلمهم ولا ترو عنهم فإنهم يكذبون (9) .
وقال الشافعي: " ما رأيت أهل الأهواء قوما أشهد بالزور من الرفضة(10) .
وقال حماد بن سلمه : "حدتثني شيخ لهم - يعني الرافضة - قال : كنا اذا إجتمعنا فاستحسنا شيئا جعلناه حديثا (11) .
والعلماء كلهم متفقون على أن الكذب في الرافضة أظهر منه في سائر طواتف أهل القبلة وقد انبرى عدد من علماء السلف وأئمة الحديث للرد على أباطيل الشيعة، وفضح افتراءتهم منهم شيخ الإسلام في منهاجه، والذهي في منتقاه، وابن القيم في معظم كتبه، وابن كثير في تاريخه، وابن حزم في الفصل .
وكتب التاريخ مزدحمة بالادلة التي تثبت خيانة الرافضة واستدراجهم لعلي وخذلهم للحسين بن علي رضي الله عنهما.
(9) منهاج السنة 1/27 دار العروبة لتحقيق الدكتور محمد رشاد سالم.
(10) منهاج السنة 1/29 والباعث الحثيث ص 109 .
(11) المنتقى من منهاج الاعتدال للذهبي ص 22 المطبعة السلفية .
شيعة اليوم أخطر على الإسلام من شيعة الأمس
قد يقول قائل : ان شيعة اليوم معرضون عن الخلافات القديمة التي وقعت بين أسلافهم وأهل السنة .
فنحيب وبالله التوفيق : ان شيعة اليوم أكثر سوءا من شيعة الامس، ونقول هذا الكلام بعد اطلاعنا على معظم ما صدر عنهم من كتب منذ نصف قرن .
1 – نقلنا كلاما لميرزا حسن الحائري في كتابه " الدين بين السائل والمجيب " قال فيه بزيادة القرآن ونقصانه .
2 - تصلنا رسائل من دار التوحيد في الكويت ، وتوزع هذه الرسائل في مختلف بلدان العالم الاسلامي وفي رسالة صادرة عن هذه الدار تسمى "مبادىء أولية " صفحة 14 يقولون الركن الثاني من أركان الاسلام : الايمان بالنبوة والامامة والصاقهم النبوة بالامامة تضليل ، ففي كتبهم الأخرى يذكرونا الأمامة وحدها ومن هذه الكتب :
" عقائد الامامية "لمحمد رضا المظفر ص 65، صدر هذا الكتاب عام 1370 ه وأعيد نشره عام 1380 ه.(26/9)
وكتاب " الصلاة " وقال مؤلفوه أنه مطابق لفتاوي مرجعهم الأعلى "الخوئي " ففي هذين الكتابين وغيرهما يقولون بأن الايمان بالائمة المعصومين من أركان الاسلام .
3- ومن أهم كتبهم الحديثة " المراجعات " لمؤلفه عبدالحسين شرف الدين الموسوي ، وبزعم الكاتب أن مراجعاته حوار جرى بينه وبين شيخ الأزهر" سليم البشري " .
والتلفيق واضح في الكتاب. فشيخ الازهر أمام الكاتب تلميذ مؤدب يسأل والموسوي يجيب ويقتنع الأول للآخر بكل اجابة حتى نهاية الكتاب ، فلماذا لم يصبح " البشري " شيعيا بعد أن اقننع بأصول وفروع المذهب ؟ وقد فضح الله الموسوي فاعترف أنه أضاف أمورا أخرى على الحوار، وكتاب المراجعات جاء بعد وفاة شيخ الازهر – سليم البشري – بخمسة وعشرين عاما كما اعترف المؤلف في مقدمته (12).
4 - تصدر دار التبليغ في ايران مجلة اسمها "الهادي " وتنافق هذه المجلة دوما بالدعوة الى التقريب بين المذاهب الاسلامية، ويبدو أنا بعض أهل السنة وقع في شراكهم ، فقد قام مفتي لبنان الشيخ حسن خالد برافقه وفد من العلماء أعقاب مؤتمرات التضامن الاسلامي وفي الشهر نفسه زار المجلة الاستاذ صالح ابو رفيق ، وكتب فيها مقالا تحت عنوان " تحطيم الايمان في قلوب المسلمين " والقى مفتي لبنان كلمة في احتفال أقيم له قال فيه " أن عهود الشقاق والفرقة قد ولت الى غير رجعة " مجلة الهادي ص 107.
ولكن يبدو أن عهود الشقاق قد ولت عنده وعند وفده وليس عند الشيعة، ودليلنا أن العدد نفسه من المجلة الذى تحدت عى هذه الزيارة - جمادى الاولى عام 1394ه جاء فبه هجوم شديد على عثمان رضي الله عنه وعلى عبد الله بن أبي سرح ، وشتمت المجلة بسفاهة معاوية رضي الله عنه "ص20-21 .
(12) مقدمة المراجعات ص 32 دار الأندلس، وأول طباعة الكتاب كانت في عام 1355
الخميني زعيم شيعي متعصب لمذهبه
بين أيدينا ثلاثة كتب للخميني :(26/10)
1 - ولاية الفقيه أو الحكومة الاسلامية . صدر عام 1389 ه .
2 – من هذا المنطلق : وهو مجموعة فصول من كتابه "تحرير الوسيلة "
صدر عام 1394 ه .
3 – جهاد النفس أو الجهاد الأكبر. صدر عام 1393 ه .
ومن خلالها نحكم على الرجل لأنها عصارة أفكاره وليس لدينا دليل أنه قد عاد عن آرائه ومعتقداته . وهذه هي ملاحظاتنا:
1 - يحمل في كل كتبه على الأنظمة وخاصة النظام الأيراني ، وينادي بحكومة اسلامبة شيعية، ولا يطرق ضوع "التعاون مع السنة ".
والحكومة التي يتحدث عنها يجب أن يباشر المسؤولية فيها نواب الامام المعصوم الغائب ، وغيرهم معتدون ظلمة، كما يرى أن الحكومة الاسلامية كانت أيام الرسول وعلي ، ويقفز عن قنرة الخلفاء الراشدين، وهذا يعني عدم الاعتراف بحكمهم ويصرح أحيانا دون أن يذكر أسهاءهم (13) .
ويرى الخميني أن الوحده الاسلامبة تكون من خلال عقيدتهم وأصولهم ويقول عن الأئمة : " وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاما لا يبلغه ملك مقرب، ولا نبي مرسل " (14) .
(13) الحكومة الاسلامية ص 132.
(14) المصدر السابق ص52 .
2- في كتابه جهاد النفس أو الجهاد الأبر يتحدت عن الفضائل ومكارم الأخلاق ، ووجوب محاربة هوى النفس ، وداحل هذا الإطار يحشر اسم معاوية رضي الله عنه وكأنه شيطان رجيم ، انظر إليه يقول : "ومعاوية ترأس قومه أربعين عاما، ولكنه لم يكسب لنفسه سوى لعنة الدنيا وعذابالآخرة " ص 18 كيف يبيح الخمينى لنفسه التطاول على صحايي جليل ،وكاتب وحي رسول الله ؟! وكيف يتقول هذا الدعي ؟ على الله ويزعم بأن معاوية يعذب في الآخرة ؟! أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا.(26/11)
إننا – أهل السنة والجماعة – نعتقد أن معاوية رضي الله عنه خير من آلاف من هذه الآيات التي زورتها الشيعة ونسبتها لله – كقولهم : آية الله. .. روح الله ، وصدق رسول الله إذ يقول : " لا تسبوا أصحايي ، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدم مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه " أخرجه الشيخان .
3- شن الخميني هجوما على أذناب الإستعمار، وحمل على بعض علماء الشيعة الذين قبلوا التعاون مع نظام الشاه فكان مما قاله " وبالطبع فقهاؤنا كما تعرفون من صدر الاسلام والى يومنا هذا أجل من أن ينزلوا الى ذلك المستوى الوضيع ، وفقهاء السلاطين كانوا دائما من غير جماعتنا، وعلى غير رأينا " وهو يعني أنهم من علماء السنة، والسلاطين هم حكام المسلمين من غير علي بن أبي طالب ويستثنى من هذا الهجوم عميل التتار المجرم نصير الدين الطوسي فيقول " إلا أن يكون دخوله الشكلي نصر حقيقي للاسلام والمسلمين، مثل دخول علي بن يقطين ونصير الدين الطوسي رحمهما الله (15).
تعاون العلماء مع الخلفاء الراشدين حرام عند الخميني، وتعاون الطوسي مع التتار حلال !!
(15) الحكومة الإسلامية ص 142 .
"مالكم كيف نحكمون . أم لم كتاب فيه تدرسون ، إن لم فيه لما تخيرون " . القلم الآيات 36-38 .
ما قاله علماؤنا المحدثون في الشيعة :
1 - الشيخ المجدد الالوسي في تفسير آية 39 من سورة الفتح قال بكفر الرافضة لأنهم يكرهون الصحابة، واعتمد على آراء سلفه من أئمة ومنها قوله " وفي المواهب أن مالكا قد استنبط من هذه الآية تكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة رضى الله عنهم ، فإنهم يغيظونهم ، ومن غاظ الصحابة فهو كافر ووافقه كثير من العلماء " روح المعاني 116/26 .
2 - محب الدين الخطيب من العلماء الذين وقفوا في وجه الطوفان الرافضي وترك آثارا مهمة في هذا الشأن أبرزها :
( أ ) الخطوط العريضة .
(ب) حاشية المنتقى من منهاج الاعتدال.(26/12)
(ج ) حاشية العواصم من القواصم .
ويرى الخطيب اسنحالة الالتفاء مع الرافضة لأن الأسس التي قام عليها بنيان الدينين مختلفة من أصولها والعميق من جذورها ويستدل على كفرهم بقول أبي زرعة الرازي " إذا رأيت الرجل ينقص أحدا من أصحاب رسول الله فاعلم أنه زنديق " مفدمة منهاح الاعتدال للخطيب ص 6 - 10 .
3 - الهلالي : تنقل بين الهند والعراق وشبه الجزبره العربية وعاش مع الرافضة عن قرب ، وسجل في احدى رسائله حوارا دار بينه وبين بعض علمائهم وعنوانها " مناظرتان بين رجل سني وهو الدكتور محمد تقي الدين الهلالي الحسيني وإامامين مجتهدين شيعيين " .
ورسالة الهلالي تقوم على تكفير الرافضة بدءا من أسمائهم عبد الحسين عبد علي ، عبد الزهراء ، عبد الأمير، ثم تحدث عن مناظرته لشيخهم عبد الحسين الكاظمي في المحمرة، وسمع الهلالي منهم قولهم عن عائشة رضي الله عنها " يا ملعونة " كما سمع من الكاظمي شتيمة وضيعة لأبي بكر رضي الله عنه نعف عن ذكرها، وزعم أن قريشا حذفت كثيرا من القرآن .
ثم ذكر نقاشا حصل بينه وبين الشيخ مهدي القزويني تنصل الأخير من قول الكاظمي يتحريف القرآن ولكن تنصله كان تقية بدليل أنه ألف كتابا يرد فيه على الهلالي الذي كتب في مجلة " المنار " سبع حلقات تحت عنوان " القاضي العدل في حكم البناء على القبور " .
تكتفي بذكر أقوال العلماء ولا ننسى ذكر علماء لهم موقف من الرافضة(16) .
1- علامة الشام الشيخ محمد بهجة البيطار .
2- الشيخ محمد رشيد رضا .
3- الشيخ مصطفى السباعي .
4- علامة الجزيرة الشيخ عبد العزيز بن باز .
5- العلامة محمد الأمين الشنقيطي .
6- الشيخ محمد ناصر الدين الألباني محدث بلاد الشام .
تنبيه
=====
بعض طلاب العلم يتحرجون من وصم الشيعة باكفر، وحجتهم أن علماء السلف كفروا غلاتهم، فلا بد من هذا التنبيه .
لا يجوز وصم الشيعة بالكفر على الاطلاق لأن فرقا كثيرا تندرج تحت هذه المظلة ومنها :(26/13)
· الصحابة والتابعون الذين وفقوا مع علي رضي الله عنه، وجمع من التابعين كانوا من شيعة الحسين، فلا نقول عنهم إلا خيرا .
(16) ومن أراد التفصيل فليراجع إلى كتاب " وجاء دور المجوس " ص142 وما بعدها.
* الزيديون، وهم اتباع زيد بن علي ، ويفضلون عليا لكنهم يعترفون بخلافة أبي بكر وعمر وعثمان .
* وفي كل عصر نجد أفرادا من المسلمين يتشيعون لأل البيت، وهذا التشيع لا يخرجهم من الملة.. .
أما الامامية الاثنى عشرية الجعفرية الذين ينتسبون أصحاب النبي وينكرون السنة ، ويؤمنون بأن الصحابة حذفروا من القرآن ولو آية واحدة.. فلا تشك بكفرهم وبعدهم عن الاسلام .
وهل بعد هذا من لقاء. . .
* وإذا كنا نختلف مع الرافضة في أصول الدين وفروعه .
* وإذا كان اعلام الاسلام من خير القرون اعتبروهم أكثر الخلق كذبا
وأشدهم مروقا من الدين .
* وإذا كان علماؤنا المحققون في هذا العصر قالوا عن شيعة اليوم ما قاله
علماء السلف عن شيعة الأمس .
فكيف سمح بعض دعاة السنة لأنفسهم أن يقرنوا الشيعة الامامية مع حماعات السنة في العالم الاسلامي ؟
وكيف قالوا بأنهم مسلمون مجاهدون وطلائع اسلامية ، وناشدوا المسلمين في كل مكان تأييدهم والوقوف معهم ؟
لا ندري الأساس الذي اعتمده هؤلاء ، وهل يجوز أن تنفصل آراؤنا السياسية عن العقيدة والنصوص والأدلة الشرعية ، وهل يجوز تبغيض الأسلام ؟!
وهل الوحدة الاسلامية مطلب ننشده بأرخص الأثمان وأبخسها ؟! ألا تباً لوحدة تقوم على شتم أعراض الصحابة ولا تقوم على عقيدة أصيلة وأساس متين .(26/14)
يقول بعض الإسلاميين في هذا العصر موضحين موقفهم من الخميني وشيعته: أن الحركة الشيعية المعاصرة ممثلة بقائدها الخميني هي حركة إسلامية معتدلة فهي قد بعدت عن الطائفية ونأت عن الاتجاه الشيعي الغالي، فهي ترفع علم الإسلام، وتعلن الجمهورية الإسلامية، وأن أعضاء هذه الحركة هم ممن تربوا على كتب الحركة الإسلامية السنية المعاصرة، والخميني هو من رواد الحركة الإسلامية المعاصرة " .
لهذا الأمر وغيره رأيت أن أقوم بدراسة موضوعية مبسطة لما كتبه الخميني لنرى وجه الحقيقة وسط خضم العواطف التي هبت لتأييد الخميني بدون ترو ووزن للأمور حينما رفع اسم الإسلام في عالم كافر شرس .
الخميني ومصادره في التلقي
إن مصادر الشيعة التي يرجع إليها الخميني في مقام الاستدلال لا يختلف فيها عن غيره من الشبعة، فهو في كتاب يرجع إلى المصادر التالية :
1 - نهج البلاغة : وهو عندهم من الكلام الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه .
2 - الكافي : وهو عندهم بمنرلة البخاري عندنا، وفي الكافي من الكفريات والضلالات الشيء الكثبر كالأحاديث الوارده فيه بنقص القرآن وتحريفه.
3 - ويرجع الخميني إلى كتب شيعية أخرى مثل "من لا يحضره الفقيه، معاني الأخبار، المجالس . . ولا مجال للكلام على هذه الكتب وما فيها من ضلال ولكن قصدنا أن نقول أن الخميني كسائر الشيعة يرجع إليها.
4 - يتلفي الخميني معلوماته عن كتاب مستدرك الوسائل ، ويترحم على مؤلفه ، فيقول " وقد رواه المرحوم النوري في مستدرك الوسائل " والنوري هذا مؤلف كتاب " فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الارباب ".(26/15)
5 - تلقبه عن " حكايات الرقاق " ذلك أن الشيعة يعتقدون أن إمامهم الثاني عشرلما غاب سنة 360 ه لم يغب غيبة كاملة بل كان على صلة ببعض الشبعة وخلال هذه الغيبة كان السائلون يتوجهود بأسئلتهم إلى الامام المزعوم بوضعها في ثقب شجرة ليلا ويقم هؤلاء الأبواب بدور الوسيط لإيصال الجواب النبوي من صاحب الزمان إلى السائل .. تلك هي حكايات الرقاع وما يسمى بالتوقيعات الصادرة عن الإمام المهدي الغائب . . فالخميني في كتابه " الحكومة الإسلامية "صفحة 76 يستند
إلى حديت من هذه الخزعبلات المزعومة والترهات الموهومة .
6 - يحيل الخميني في كتابه " الحكومة الإسلامية " عند ذكره لأحد الأحاديث إلى كتاب " دعائم الإسلام " وهو الكتاب الأكبر للباطنية الغلاة – الإسماعيلية - ومؤلفه هو القاضي النعمان بن محمد بن منصور المتوفى363 ه فعلى هذا نقول أن هناك صلة وثيقة تربط الخميني وشيعته مع الإسماعيلية الغلاة، وقد اعترف بهذه الصلة الرافضي محمد جواد مغنيةرئيس المحكمة الجعفرية بلبنان فقال " إن الاثنى عشربة والاسماعيلية وإن اختلفوا من جهات فإنهم يلتقون في هذه الشعائر وخاصة في تدريس علوم آل البي وللثقة فيها وحمل الناس عليها (17) .
7 – أعرض الخميني في جميع كتبه عن الرجوع إلى كتب أهل السنة في الحديث، وهذا أصل في مذهب الشيعة، قال أحد علمائهم المعاصرين " أن الشيعة لا تعول على تلك الاسانيد - أي أسانيد أهل السنة - بل لا تعتبرها ولا تعرج في مقام الاستدلال عليها ثم قال: أن لدى الشيعة أحاديث أخرجوها من طرقهم المعتبرة عندهم ودونوها في كتبمخصوصة وهي كافية وافية لفروع الدين وأصوله عليها مدار علمهم وعملهم وهي لا سواها الحجة عندهم (18) .
وقال عن البخاري وصحيحه : " وقد أخرج من الغرائب والعجائب والمناكير ما يليق بعقول مخرفي البربر وعجائز السودان (19) .(26/16)
وحكم الشيعة على مصادر أهل السنة بهذا الحكم ينطلق من قاعدين وركنين في الدين الشيعي :
1 - إن الصابة ارتدوا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم إلا تلاثة وقيل إلا سبعة (20) .
2- إن الصحابة لم يتلقوا إلا جزءا من الشريعة .
(17) الشيعة في الميزان .
(18) تحت راية الحق لعبد الله السبيتي ص 146.وقد له مرتضى آل ياسين الكاظمي وطبع الكتاب في طهران .
(19) المصدر السابق ص96.
(20) انظر الكافي ص115 ، ورجال الكشي ص13 .
الخميني والقرآن
دأب أكثر المتأخرين من الشيعة على إنكار قضية التحريف المنسوبة إليهم وإن إجماع علمائهم هو القول بصيانة القرآن وحفظه.
ونقول : إن هذه التقية سرعان ما تنكشف بالرجوع إلى مصادرهم المعتمدة ولنعرض بعض الحقائق المجملة لنعود بعدها إلى رأي الخمينيي في القضية .
1- بلغت أحاديث الشيعة - المفتراة - والتي تحريف القرآن في اعتقادهم أكثر من ألفي حديث كما ذكر ذلك عالمهم " نعمة الله الجزائري ".
2- ادعى تواتر هذه الأخبار من طريق الشيعة كبار علمائهم : كالمفيد الذي يلقبونه بركن الإسلام وآية الله الملك العلام (ت 413) حيث قالوا " أن الأخبار قد جاءت مستفيضة عن أنمة الهدى من آل محمد باختلاف القرآن وما أحدثه بعض الظالمين فيه من الخلاف والنقصان " (21) .
3 - ألفوا في إثبات هذا الكفر كتبا مستقلة مثل فصل الخطاب ... السالف الذكر .
والآن نعود للخميني لنرى موقف الخميني من هذه القضية ، ولا نريد أن نفرض رأيا . ولكننا نوريد هذه الحقائق عن الخميني.
1 - يستقي كلانه من عدة كتب أصحابها يعتقدون بتحريف القرآن مثل :
(أ) كتاب " مستدرك الوسائل " ويترحم على مؤلفه وهو صاحب كتاب "فصل الخطاب " .
(ب) كتاب " الكافي " وعقيدة صاحبه أن القرآن محرف كما نقل عنه الكاتبون من الشيعة كالصافى في تفسيره(22) وكما صرح هو مصنفه(22) .(26/17)
(21) أوائل المقالات ص98 . المطبعة الحيدرية النجف وقدم له عالمهم المعاصر المسمى عندهم بشيخ الإسلا الزنجاني .
ج-واستقى الخميني من " الوسائل" للحرالعاملي وهو على نفس الاعتقاد (23)
د - كتاب " الاحتجاج " لأحمد الطبرسي وله غلو وتطرف في هذا الاعتفاد فهناك إجماع من الشيعة وعلى رأسهم الخميني على تقدير أصحاب هذه العقيدة الكافرة والتلفي عنهم والإعتراف بفضهلم والترحم عليهم.
2- ورد في كتاب " تحرير الوسيلة " للخميني ج1 ص 152 هذا النص: " يكره تعطيل المسجد " وقد ورد أنه أحد الثلاثة الذين يشكون إلى الله عز وجل وبالرجوع إلى أحد مصادر الشيعة المعتمدة وهو كتاب " الخصال" لابن بابويه، المسمى عندهم " بالصدوق " وجدنا أن هذا النص ورد بلفظين احدهما:
" يجيء يوم القيامة ثلاثة يشكون إلى الله عز وجل : المصحف والمسجد والعترة.. يقول المصحف يا رب حرقوني ومزقوني(24) وفي هذا إشارة لاعتقاد الشيعة في القرآن . وأورد الخميني النص الآخر وفيه " ومصحف معلق قد وقع عليه غبار لا يقرأ فيه " (25).
يشير به إلى المصحف الكامل الغائب عند إمامهم والمهجور من قبل الامة بسبب رفض أبي بكر ومن معه لهذا المصحف حينما قدمه إليه علي كما جاء في أساطيرهم .
3 - بين أيدينا وثيقة هامة تدين هؤلاء الآيات الذين جحدوا التقية فيما يتعلق بهذه القضية القرآنية في اعتقادهم وهذه الوثيقة كتاب باللغة الأردية
(22) راجع تفسير الصافي ج1 المقدمة السادسة .
(23) 1نظر مقدمة تفسير الصافي للسيد طيب الموسوي ص34.
(24) الخصال 1/174-175 .
(25) المصدر السابق 1/142.
موثق من عدد آياتهم المعصارة ومنهم الخميني وهو طبقا لما جاء في صدر الكتاب مراعين في ذكرهم النصر الأردي .
1- آية الله العظمى .. محسن حكيم طباطبائي مجتهد أعظم نجف أشرف.
2- آية الله العظمى .. أبو القاسم خوئي نجف أشرف .
3- آية الله العظمى .. روح الله خميني .(26/18)
4- آية الله العظمى .. محمود الحسيني الشابرودي .
5- آية الله العظمى .. محمد كاظم شريعتمداري .
6-مصدقة ماليجناب سيد العلماء علامة سيد علي نقي النقودي مجتهد لكهنود
ويتضمن الكتاب نصا باللغة العربية فيه كيفية لعن صنمي قريش وهما حسب اعتقادهم – أبو بكر وعمر – وأتهامها بتحريف القرآن ونورد موضع الشاهد: " بسم الله الرحمن الرحيم اللهم العن صمني قريش وجبتيهما وطاغوتيهما وافكيهما وابنتيهما اللذين خالفا أمرك وأنكرا وحيك وعصيا رسولك وقلبا دينك وحرّفا كتابك 0000(26) .
(26) تحفة العوام مقبول جديد ص 422 .
الخميني والصحابة
1 – عندما يتحدت الخميني عن الحكومة الاسلامية الراشدة يتجاهل حكومة الخلفاء الراشدين الثلاثة الذين سبقوا عليا، ولا يشير إلا إلى حكم الرسول وحكم علي يقول مثلا " لقد ثبت بضرورة الشرع والعقل أن ما كان ضروريا أيام الرسول \ وفي عهد الامام أميرالمؤمنين من وجود الحكومة لا يزال ضروريا الى يومنا هذا (27) .
وسر هذا التحاوز مبني على ذلك الاعتقاد لدى الشيعة فى خلافة علي ويشرحه شيخهم المفبد بقوله " وكانت إمامة أمير المؤمنين بعد النبي \ ثلاثون سنة منها أربع وعشرون سنة و ستة أشهر ممنوعا من التصرف في أحكامها مستعملا للتقية والمداراة ومنها خمس سنين وستة أشهر ممتحنا بجهاد المنافقين من الناكثين والقاسطين والمارقين (28) .
2 - ويطعن الخميني في الصحابة لمخالفتهم النص المزعوم على إمامة علي فيقول " وفي غدير خم في حجة الوداع عينه الرسول \ حاكما من بعده ومن حينها بدأ الخلاف يدب في نفوس قوم (29) .
من هنا بداية المؤأمرة كما يعتقد الشيعة وعلى رأسهم الخمينيي .(26/19)
3 - ويصرح الخميني بالطعن في الصحابة فيتهم الصحابي سمرة بن جندب رضي الله عنه بأنه يضع ا ألاحاديث على رسول الله \ يقول: "(ففي الرواة من يفتري على لسان النبي \ أحاديث لم يقلها ولعل راويا كسمرة بن جندب يفتري أحاديث تمس من كرامة أمير المؤمنين (30) .
(27) الحكومة الإسلامية ص26 .
(28) المصدر السابق ص131.
(29) المصدر السابق ص131 .
(30) الحكومه الإسلامية ص71 .
ويقول عن حكومة معاوية " ولم تكن حكومة معاوية تمثل الحكومة الإسلامية أو تشبهها من قريب ولا من بعيد " (31) وقد مرّ معنا قوله عن معاوية : " فاستحق لعنة الناس في الدنيا وعذاب في الآخرة " .
وقد مرّ توثيق الخميني ومجموعة من الآيات لكتاب يحمل " لعن صنمي قريش " وهم يرون أن من ردد هذا اللعن فله أجر وفضل عظيمين فجاء في كتابهم " ضياء الصالحين ص 513 " الطبعة الثانية غشر عام 1398 ما نصه: " عن السجاد من قال اللهم العن الجبت والطاغوت كل غداة مرّة واحدة كتب الله له سبعين حسنة ومحي عنه سبعين ألف سيئة ورفع له سبعين درجة.
فتبا لقوم يتعبدون بهذا الدعاء وغيره من أدعية كلها لعن وطعن في الجيل الأول الصحابة رضوان الله عليهم .
(31) الحكومة الإسلامية ص 71 .
الخمبني يوثق الملاحدة
والخمبني وهو يطعن في خيار الأمة وينال من شرف روادها ويحمل حملاته على الخلافة الإسلامية ترأه يثني على الملاحدة فيشيد مثلا بالنصير الطوسي وخدماته المزعومة للاسلاما يقول:" ويشعر الناس بالخسارة أيضا بفقدان الخواجه نصير الدبن الطوسي وأمثاله ممن قدموا خدمات جليلة للاسلام " (32) .(26/20)
والطوسي هذا هو محمد بن محمد بن الحسن الخواجه نصير الدين الطوسي (7 9 5 - 2 67) قال فيه ابن القيم:" ولما انتهت النوبة إلى نصير الشرك والكفر وزير الملاحدة النصير الطوسي وزير هولاكو شفى نفسه من أتباع الرسول وأهل دينه فعرضهم على السيف حتى شفى اخوانه من الملاحدة واستشفى هو فقتل الخليفة والقضاة والفقهاء والمحدثين واستبقى الفلاسفة والمنجمين الطبائعيين والسحرة . . إلى أن قال: وبالجملة فكان هذا الملحد هو واتباعه من الملحدين الكافربن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر " (33) .
والخميني يبارك نشاط الطوسي لدوره في هدم الخلافة الإسلامية وتفويض أركانها .
(32) الحكومة الإسلامية ص 128 .
(33) الحكومة الإسلامية ص 263 .
موقف الخميني من الخلافة الاسلامية
يعتقد الشيعة وعلى رأسهم الخميني أن الإسلام لم يتمثل في دولة إلا في عهد الرسول وعهد علي ، وقد مرّ نقل كلام الخميني في تجاهله للخلافة الراشدة لأنهم يرون أن الخلافة الراشدة مغتصبة وغير شرعية، لهذا يعمد الرافضة قديما وحديثا إلى مهاجمة الخلافة الاسلامية عبر حقب التاريخ ويشوهون التاريخ الإسلامي بكل وسيلة.
ويقول الخميني مصرحا بأن الخلافة لم تحصل لهم " ولم تسنح فرصة لأئمتنا للأخذ بزمام الامور وكانوا بانتظارها حتى آخر لحظة من الحياة، فعلى الفقهاء والعدول أن يتحينوا هم الفرص وينتهزوها من أجل تنظيم وتشكيل حكومة رشيدة " (34) .
ويؤكد ذلك وهو يرمي الخلفاء المسلمين الذين تعاقبوا على الامة الاسلامية بالجهل فيقول عن هارون الرشيد " أي ثقافة حازها وكذلك من قبله ومن بعده " (35) .
(34) الحكومة الإسلامية ص 54 .
(35) الحكومة الإسلامية ص 132 .
الخميني وقضاة المسلمين(26/21)
حكم الخميني على الحكومات الاسلامبة ينسحب على قضاتها ، ويعتبر أن من يتحاكم إليهم في حق أو باطل إنما يتحاكم إلى الطاغوت فيورد في هذا الأمر حديثا عن الكليني صاحب كتاب الكافي والمسمى عندهم بثقة الإسلام . وهذا الحديث تقوم في اعتقاد الشيعة وعلى رأسهم الخميني لقضاة أفضل القرون وإليك النص :
" محمد يعقوب عن عمر بن حنظلة قال : سألت أبا عبد الله (36) عن رجلين من أصحابنا بينهما منارعة في دين أو ميراث وتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة أيحل ذلك ؟؟ قال : س تحاكم إاليهم قي حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت وما يحكم له فإنما يأخده سحتا وإن كان حقا ثابتا له لأنه أخذه بحكم الطاغوت وما أمر الله إلا أن نكفر به قال تعالى: (( يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به )) قلت كيف يصنعان ؟ قال: ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكما فإني فد جعلته عليكم حاكما " .
وبعد إيراد الخميني لهذا الخبر يؤكد عليه بقوله " الإمام عليه السلام
(36) هو جعفر بن محمد الصادق (80-148) رحمه الله تعالى ينسب إليه الشيعة كل خرافات مقالاتهم حتى أنهم لما رأوا الجاحظ العتزلي يتوسع في التصانيف ويصنف لكل فريق قالت له الشيعة: صنف لنا كتابا فقال لهم: لست أدري لكم شبهة حتى أرتبها وأتصرف فيها فقالوا له إذا دللتنا على شيء نتمسك به . فقال: لا أدري لكم وجها: إلا إنكم إذا أردتم شيئا مما تزعمونه : تقولون: إنه قول جعفر الصادق. لا أعرف لكم سببا تستندون إليه غير هذا الكلام فتمسكوا بحمقهم فكلما أرادوا أن يختلقوا بدعة نسبوها إلى ذلك السيد جعفر. وهو عنها منزه . ومنها بريء راجع التبصير (ص 24) .(26/22)
نفسه ينهي عن الرجوع إلى السلاطين وقضاتهم ويعتبر الرجوع إليهم رجوعا إلى الطاغوت" . ويسب الخميني أحد قضاة الخلافة الراشدة وهو القاضي شريح " وكان شريح هذا قد شغل منصب القضاة قرابة خمسين عاما وكان متعلقا لمعاوية يمدحه ويثني عليه ويقول فيه ما ليس له بأهل وكان موقفه هذا هدما لما بنته حكومة أمير المؤمنين " (37) .
(37) الحكومة الإسلامية ص74 .
الخميني والنواصب
بعض معتدلي الشيعة يزعم أن الناصي هو الذي يناصب العداء لآل البيت فهو مرادف للخارجي ولا يدخل في هذا أهل السنة لأنهم يحبون آل البيت . رغم أننا نجد في مجاميعهم الحديثة ما ينفي هذا. وهو ما سنورده بعد قليل من كاب " الوسائل " الذي يستقي منه الخميني كثيرا في كتابه " الحكومة الاسلامية " إلا إننا نجد في كلام الخميني نفسه ما يشعر بأن أهل السنة في عداد النواصب فيقول :" واما النواصب والخوارج لعنهم الله تعالى فهما نجسان من غير توقف ذلك إلى جحودهما الراجع الى إنكار الرسالة (38).
ويقول " ولا تجوز - الصلاة - على الكافر بأقسامه حتى المرتد ومن حكم بكفره ممن انتحل الاسلام كالخوارج والنواصب " (39) .
ويتعبر مال الناصب حلال يؤخذ أينما وجد يقول: " والأقوى إلحاق الناصب بأهل الحرب في إباحة ما أغتنم منهم وتعلق الخمس به بل الظاهر جواز أخذ ماله أينما وجد وبأي نحو كان ووجوب إخراج خمسه " (40) .
ونورد الآن ما جاء في " الوسائل " في تعريف الناصي : محمد بن إدريس في " آخر السرائر" نقلا من كتاب مسائل في الرجال محمد بن أحمد بن زياد وموسى بن محمد بن علي بن عيمسى قال :
كتبت إليه - يعني علي بن محمد - عليهما السلام أساله عن النواصب هل أحتاج في امتحانه من تقديمه الجبت والطاغوت واعتقاد إمامتهما ؟ فرجع الجواب : " من كان على هذا فهو الناصب " .
(38) تحرير الوسيلة 1/118.
(39) المصدر السابق 1/79 .
(40) المصدر السابق 1/352(26/23)
وقال عالمهم ومحدثهم هاشم الحسيني البحراني المتوفى سنة 1107ه أو 1109ه والذي قالوا عنه العلامة الثقة الثبت المحدث الخبير الناقد البصير " يكفي في بغض علي وبنيه تقديم غيرهم عليهم وموالاة غيرهم كما جاءت به الروايات " .
وعندهم أن من ينكر واحدا من أئمتهم أو يرفض التلقي عنهم عن طريق الكافي وغيره فهو لا ريب في عداد النواصب .
الخميني وعقيدة التولي والتبري
من عقيدة الشيعة وإمامهم الخميني الولاء والبراء- الولاء للأئمة والبراء من أعدائهم – وأعداء الأئمة في اعتقادهم جيل الصحابة رضي الله عنهم وفي معتقدهم أبو بكر وعمر وعثمان يقولون " واعتقادنا في البراءة أنها واجبة من الأوثان والإناث الأربع ومن جميع أشياعهم واتباعهم " والخميني يجعل السجود موضع دعاء التولي والتبري وصيغته " الإسلام ديني ومحمد نبيي وعلي والحسن والحسين – بعدهم لآخرهم – أئمتي بهم أتولى ومن أعدائهم أتبري " .
الخميني والغلو في الأئمة
يقول ألخميني في بيان منزلة الأئة في اعتقادهم " فإن للامام مقاما حمودا ودرجة سامية وخلافة تكوينية تخضع لولايتها ئ سيطرتها جميع ذرات هذا الكون (41) .
ويقول الخميني: " والأئمة الذين لا نتصور فيهم السهو أو الغفلة " وهذا خروج بأهم عن طبيعتهم البشرية إلى منزلة الحي القيوم الذي لا تأخده سنة ولا نوم سبحانه وتعالى .
ويقول : " ومن ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاما لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل (42) .
ويواصل الخميني غلوه وتطرفه ويسدر في غيه فيقول عن تعاليم الأئمة " أن تعاليم الأئمة كتعاليم القرآن يجب تنفيذها واتباعها " (43) .
وقد نقل الشيخ محمد علد الوهاب رحمه إلله الاجماع على أن من اعتقد متل هذا الأعتقاد فقد كفر في يقول رحمه الله: " من اعتقد في عير الأنبياء كونه أفضل منهم أو مساوٍ لهم فقد كفر " ص33 من الرد على االرافضة (مخطوطة).
(41) الحكومة الإسلامية ص 52 .
(42) المصدر السابق ص 52 .(26/24)
(43) المصدر السابق ص 13.
الخميني والنيابة عن الإمام المعصوم
أن الإمام المعصوم الذي تنتظره الشيعة في زماننا والذي تعتبر إمامته استمرارا للنبوة وقوله وأمره كالتنزيل من العزير العليم، هذا الإمام الاسطورة الخيالية يرى الخميني أن الفقيه المجتهد ينوب عنه في كل شيء ما عدا البدء في الجهاد ، وقد كتب في تأييد رأيه هذا كتابه المشهور" الحكومة الاسلامية" وهو بهدا الرأي يخلق من الاسطورة واقعا يتمتل فى الفقيه المجتهد، وعمله هذا في واقع الأمر أدعاء للمهدية يشكل ذكي وبطريقة محتكة فهو قد وضع نفسه موضع الإمام الذي تخلع عليه كتب الشيعة ومدوناتها صفات اسطورية، تذكرك بمعبودات اليونان الوثنية وليس هناك فرق بين الخميني ومراجع الشيعة وآياتها فإن كل آية من آياتهم له الحق في النيابة عن الإمام المهدي وتمثيله بقول الخميني " أن معظم فقهائنا في هذا العصر تتوفر فيهم الخصائص التي تؤهلهم للنيابة عن الامام المعصوم " (44) .
وباسم النيابة عن الامام العائب امتصوا عرق الكادحين وجهد العاملين من الشيعة فيما يسمى " بخمس أهل البيت " والذي يأخذونه بدعوى النيابة عن الإمام .
يقول الخميني عن مصارف الخمس " يقسم الخمس ستة اسهم سهم لله تعالى وسهم للنبي وسهم للامام عليه السلام وهذه الثلاثة الآن لصاحب الأمر أرواحنا له الفداء وعجل الله فرجه " (45) .
وهكذا استطاع هؤلاء الآيات والأسياد أن يخدعوا الملايين ويسلبوا منهم جهدهم وعرقهم باسم الخمس، ومن هنا كان التشيع مأوى لكل من أراد هدم الإسلام واستغلال البشر .
(44) عقائد الإمامية ص 57 دار الفريد بيروت .
(45) تحرير الوسيلة ص 365 .
الخميني وتعطيل الجهاد الإسلامي(26/25)
النيابة عن الإمام في اعتقاد الخميني شملت كل شيء إلا البدء في الجهاد يقول: " في عصر غيبة ولي الأمر وسلطان العصر عجل الله فرجه الشريف يقوم نواب العامة – وهو الفقهاء الجامعون لشرائط الفتوى والقضاء – في إجراء السياسات وسائر ما للإمام عليه السلام إلا البداءة في الجهاد " (46) .
(46) تحرير الوسيلة 1/482 .
الخميني وصلاة الجمعة
أعاد الخميني صلاة الجمعة بناء على رأيه في النيابة، والشيعة منذ زمن لا يقيمون صلاة الجمعة، لأن وجود الإمام من شرائطها .
ويرى الخميني في كتابه " تحرير الوسيلة " أن حكم صلاة الجمعة التخيير في أدائها أو تركها والاحتفاء بصلاة الظهر، يقول: " تجب صلاة الجمعة في هذه الأعصار مخيرا بينها وبين صلاة الظهر والجمعة أفضل والظهر أحوط، وأحوط من ذلك الجمع بينهما " (46) .
ولهذا الرأي لا يرى حرمة البيع ولا غيره من المعاملات يوم الجمعة بعد الأذان فيقول " لا يحرم البيع ولا غيره من المعاملات يوم الجمعة بعد الأذان في أمصارنا مما لا تجب فيه تعيينا " (47) .
ذلك أنه يشترط لوجوب الجمعة تعيينا وجود الإمام فيقول في شرائط الجمعة " الأول العدد وأقله خمسة نفر أحدهم الإمام " (48) .
(46) تحرير الوسيلة 1/231 .
(47) المصدر السابق 1/231 .
(48) المصدر السابق 1/231 .
المشاهد والقبور عند الخميني
يقول الخميني عن منزلة " التربة الحسينية " عندهم: والأضل التربة الحسينية – يعني لمواضع السجود – التي تخرق الحجب السبع على الأرضين السبعة على ما في الحديث " (49) .
وطين التربة الحسينية فيه مزية لا يلتحق بها غيره ولا حتى تربة قبر الرسول يقول الخميني " ولا يلحق به طين غير قبره حتى قبر النبي والأئمة عليهم السلام " (50) .(26/26)
ومقدساتهم وكعباتهم كثيرة والأساطير التي صنفوها في فضلها لا تعد ولا تحصى ولكننا نقتصر هنا على ما يورده الخميني فقط . وأما الصلاة في هذه المشاهد والقبور فهي مشروعة وفضيلة " ولا بأس الصلاة خلف قبور الأئمة وعن يمينها وشمالها وإن كان الأولى الصلاة عند الرأس على وجه لا يساوي الإمام عليه السلام " (51) .
(49) تحرير الوسيلة 1/149 .
(50) المصدر السابق 1/164 .
(51) المصدر السابق 1/165 .
الاحتفاء بعيد النيروز
والخميني يحتفي بعيد النيروز فيجعل الغسل فيه مستحب والصوم فيه مشروع " ومنها – أي الاغسال المندوبة – غسل يومي العيدين، ومنها يوم النيروز " (52) .
فيجعل النيروز في مصاف عيدي المسلمين، وكذلك يجعله مثيل يوم الغدير الذي قالوا عنه أنه جزء من الإسلام " ومنها يوم الغدير وهو الثامن عشر من ذي الحجة – يعني مندوبات الصوم – ومنها يوم النيروز " (53) .
(52) المصدر السابق 1/ 98-99 ، 152 .
(53) تحرير الوسيلة 1/203-303 .
شذوذاته الفقهية
والآن نأتي بطائفة من آرائه الفقهية للعبر والطرفه ، والشيعة عندما يشذون بآراء وينفردون باجتهادات ليس لها شاهد من السنة الصحيحة يأتون الغرائب المضحكات . قال الخميني :
1 - طهارة ما فضل من ماء الاستنجاء " ماء الاستنجاء سواء كان من البول أو الغائط طاهر " (54) .
2 - من مبطلات الصلاة وضع إحدى اليدين على الأخرى "مبطلات الصلاة وهى أمور أحدها: الحدث ثانيها: التكببر وهو وضع إحدى اليدين على إلأخرى نحو ما يصنعه غيرنا، ولا بأس به في حال التقية " (55) ، وتعمد قول آمين بعد اتمام الفاتحة إلا مع التقية فلا بأس به "(56) .
وهذا يعني أنهم يعتبرون صلاتنا نحن أهل السنة - باطلة، لذلك فمن المستحيل أن يأتموا بأهل السنة إلا تقية، وللمنصف أن يتأمل قول الخميني الانف "نحو " ما يصنعه غيرنا "(26/27)
3- الطهارة ليست مشروطة في كل مواضع الصلاة " يشترط في صحة الصلاة طهارة موضع الجبهة في السجود دون المواضع الاخرى فلا بأس بنجاستها " (57) .
(54) تحرير الوسيلة 1/16.
(55) تحرير الوسيلة 1/ 280.
(65) تحرير الوسيلة 1/ 190 .
(57) تحرير الوسبلة 1/ 119، 125.
4- لواط النساء : " والمشهور والأقوى جواز وطء الزوجة دبرا " (58) .
5- جواز الجمع بين المرأة وخالتها " لا يجوز نكاح بنت الأخ على العمة وبنت الأخت على الخالة إلا بإذتها ويجوز نكاح العمة والخالة على بنتي الأخ والأخت " (59) .
(58) تحرير الوسيلة 2/241 ، وقد تيقنا نحن معشر أهل السنة والجماعة بطرق لا محيد عنها نهي النبي عن أدبار النساء . وجزمنا بتحريمه قال " من أتى حائضا أو أمرأة في دبرها أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد " أخرجه أصحاب السنن الأربعة إلا النسائي فرواه في " العشرة " والدارمي وأحمد واللفظ له مسنده صحيح انظر صحيح الجامع الصغير(5818 ) وإرواء الغليل (2006 ) .
(59) تحرير الوسيلة 2/297 .
هل عاد الخميني عن عقيدته ؟
يقول معظم قادة الجماعات الإسلامية ربما كانت هذه الافكار عند الخميني ولكن احتكاكه بالجماعات الإسلامية ساعد على تكوين رأي معتدل ليس فيه تطرف أو غلو.
والجواب: لا ندري من أين يأنون بهذه الأقوال ونتمنى أن يتجنب إخواننا الأسلوب الإنشائي والطريقة العامة العائمه فيما يتحدثون أو يكتبون لقد بسطنا معظم ما في كتب الخميني وتقسينا كل ما كتب وبشكل أخص منذ وجوده في فرنسا وحتى كتابة البحث فما وجدنا دليلا بدعم رأيهم فخلال إقامته فب فرمسا أجرت صحيفة ووجهت إليه السؤال التالي :
الحكومة الإسلامية التي تدعو إليها أهي الدولة الإسلامية القديمة تحاولون إحياءها أم أنها عمل تجديدي ؟ !(26/28)
فأجاب: لقد حاول الشيعة (!!) منذ البدابة تأسيس العدل ولأن هذه الدولة أو هذه الحكومة وجدت فعلا في عهد النبي وفي عهد الإمام علي عليه السلام فإننا نؤمن بأنها قابلة للتجديد، لكن الظالمين عبر التاريخ منعوا توضيح الإسلام في أبعاده جميعا 000" أ ه
ولنا على كلامه الملاحظات التالية :
1- قال الخميني: " حاول الشيعة " ولم يقل حاول المسلمون لقد استهان بالجماعات الإسلامية التي يؤيده وتدافع عنه فلم يستخدم معهم – والصراحة راحة – فأين الحقيقة في قول هذه الجماعات: أن ثورة الخميني إسلامية وليست طائفية .
2- يعتقد الخميني أن الحكومة الإسلامية ما وجدت إلا في عهد الرسول وعلي، وهذا يعني ان حكومة أبي بكر والفاروق، وعثمان ليست حكومات إسلامية، وبالتالي فهي حكومات جاهلية لأنه ليس بعد الحق إلا الضلال .(26/29)
الخميني
شذوذ في العقائد شذوذ في المواقف
تأليف
سعيد حوى
دار عمار للنشر والتوزيع
الطبعة الأولى
1407 هـ - 1987 م
عَمّان – قرب الجامع الحسيني
مقدمة
إن حب آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فريضة شرعية على كل مسلم، ولكن من هم أهل بيته ؟ وما هي مظاهر الحب الصحيح ؟
لا شك أن آل البيت هم ذوو قرباه الممستجيبون لهدايته ، ولا شك أن المظهر الأرقى للحب هو المودة القلبية والاتباع الظاهري .
ولم تزل الأمة الإسلامية تتقرب إلى الله بحب آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكنه عبر شعار حب آل البيت وجد التشيع الشاذ الذي ظهر عبر التاريخ بعقائد ومواقف خطيرة خائنة .
وعندما أنتصر الخميني ظن المخلصون في هذه الأمة أن الخمينية إرجاع للأمر إلى نصابه في حب آل بيت رسول الله وتحرير التشيع من العقائد الزائفة والمواقف الخائنة ، خاصة وأن الخميني أعلن في الايام الأولى من انتصاره أن ثورته إسلامية وليست مذهبية ، وأن ثورته لصالح المستضعفين ولصالح تحرير شعوب الأمة الإسلامية عامة ولصالح تحرير فلسطين خاصة .
ثم بدأت الأمور تتكشف للمخلصين ، فإذا بالخميني هذا يتبنى كل العقائد الشاذة للتشيع عبر التاريخ ، وإذا بالمواقف الخائنة للشذوذ الشيعي تظهر بالخميني والخمينية ، فكانت نكسة كبيرة وخيبة أمل خطيرة .
لقد ظهرت ولازالت تظهر كتابات ومقولات عن بعض أئمة الشيعة تعبر عن عودة صادقة للاصول يتطابق فيها التشيع العلوي بالتسنن النبوي ، كتلك الكتابات التي نقدت الكليني في كتابه الكافي والتي كان بالإمكان أن تكون مقدمة لتحقيقات ومدارسات ومذاكرات يلتقي فيها المخلصون من الشيعة وأهل السنة والجماعة على كلمة سواء ، وكان المفترض بالخميني أن يشجع هذا الاتجاه ، ولكنه بدلاً من ذلك تبين للمخلصين أنه يقاوم هذا الاتجاه ، ويتبنى ما يخالفه مما يعمق الشذوذ والانحراف ويؤكد الخلاف والاختلاف .(27/1)
فكان لا بد لأهل العلم من هذه الأمة أن يبينوا للمسلمين خطورة الخميني والخمينية ، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : (( يحمل هذا الدين من كل خلف عدوله ، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين )) .
أما وقد دخل الخميني في زمرة الغلاة المُحرّفين والمنتحلين المبطلين والمؤوّلين الجاهلين ، فلا بد لأهل العلم من هذه الأمة أن يقولوا فيه ما يفضح أمره ويبين حاله كي لا يغتر أحد به ، وكي لا يهلك فيه أحد إلا وقد قامت عليه الحجة وظهر له من البينات ما يدعوه إلى اجتناب هذا الخطر العظيم الذي هو مقدمة لسخط الله واستحقاق عذابه { وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } .
هذا هو الذي دعانا لكتابة هذه الرسالة ، وخلاصة السبب هو أن المسلمين استبشروا في مشارق الأرض ومغاربها بتيار الصحوة الإسلامية المعاصرة ، آملين أن تعيد إليهم مجدهم الغابر وسلطانهم الزائل ووحدتهم العقدية التي بها يواجهون تحديات عصرهم التي صارت تحيط بهم من كل حدب وصوب وجهة ومكان .
وقد تحقق أعداء الإسلام من خطورة هذه الصحوة الإسلامية الرشيدة على مصالحهم ، وأنها القاضية الماحقة لغاياتهم التي خططوا لها زماناً ، فأعادوا لعبتهم القديمة الجديدة ، وتشاور كهنة المجوس وأحبار اليهود يريدون الكيد للإسلام وأهله ، وبان لهم بأن تشويه هذه الصحوة الواعية وحرفها عن مقاصدها النبيلة الكريمة أفضل وسيلة وأنجح طريق لضربها وإخراجها من مضمونها الإسلامي السليم تحريفاً لغاياتها وتدميراً لاسسها ، فسلطوا عليها من المتظاهرين بالإسلام قوماً ، علّهم يحققون لهم ما خططوا له وبيتوا من سوء ليغتالوا الوليد في مهده وأول نشأته ونمائه .(27/2)
وهكذا كان الأمر ؛ جاءت الخمينية المارقة تحذو حذو اسلافها من حركات الغلو والزندقة التي جمعت بين الشعوبية في الرأي والفساد في العقيدة ، تتاجر بمشاعر جماهير المثقفين المتعلقين بالإسلام تاريخاً وعقيدة وتراثاً ، فتتظاهر بالإسلام قولاً وتبطن جملة الشذوذ العقدي والحركي الذي كان سمة مشتركة وتراثاً جامعاً للهالكين من اسلافها من الأبامسلمية والبابكية والصفوية ، فيعيدوا إلى واقع المسلمين كل نزعات الشر والدمار التي جسدتها تلك الحركات المشبوهة الساقطة في شرك الكفر والزندقة والعصيان ، وتعيد إلى الأذهان كل مخططات البرامج الباطنية القائمة على التدليس والتلبيس ، فتدعي نصرة الإسلام وهي حرب عليه – عقيدة ومنهجاً وسلوكاً – وتتظاهر بالغيرة على وحدة الصف الإسلامي وهي تدق صباح مساء إسفيناً بعد إسفين في أركان الأمة الواحدة ، متوسلة إلى ذلك بنظرة مذهبية شاذة ، وتزعم نصرة المستضعفين في الأرض وهي تجند الأطفال والصغار وتدفعهم قسراً وإلجاءً إلى محرقة الموت الزؤام ، ثم هي لا تكتفي بكل هذا الشر الأسود بل تقيم فلسفتها جملة وتفصيلاً على قراءة منحرفة قوامها التلفيق والتدليس لكل تاريخ المسلمين ، فتأتي على رموزه وأكابر مؤسسيه هدماً وتشويهاً وتمويهاً ، وتجدد الدعوة بإصرار إلى كل الصفحات السلبية السوداء الماضية في التاريخ ، والتي ظن المخلصون أنها بادت فليس من مصلحة المسلمين ولا في صالح الإسلام إعادة قراءتها من جديد ، فلقد قاسى الجميع من شرها ما لا يحصره كتاب .
وهكذا ايضاً خلطت الخمينية في منهجها الحركي الفاسد المدمر كل توجهات الحركات السرية الباطنية ومناهجها القائمة على التلقين السري والاعتصام بالتقية والاستمداد من المجوسية لتتحول – في الغاية والنهاية – كاخواتها في التاريخ ، إلى مدرسة ممتازة للغدر والخيانة ، وإلى منهجية شريرة ذات شعب ثلاث :
إفساد للعقيدة .
وطمس لمعالم الإسلام ، وتشويه لمقاصده النبيلة .(27/3)
ورغبة في السيطرة والهيمنة ، قد غُلفت بشعارات خادعة .
وستتضمن هذه الرسالة ؛ فصلين وخاتمة ، الفصل الأول في العقائد الشاذة وتبني الخميني لها ، والثاني في مواقف الخميني الشاذة ، أما الخاتمة فستكون حديثاً إلى أبناء هذه الأمة في ضرورة التمسك بعقائد أهل السنة والجماعة لأنها الحق والعدل ، ولأن الانحراف عنها هو الطريق إلى سخط الله والنار .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
الفصل الأول
بعض عقائد الشيعة الشاذة وتبني الخميني لها
توطئة
لقد ظهرت خلال التشيع آراء شاذة كثيرة ، ودخلت باسم التشيع عقائد زائفة كثيرة ، ولقد كان التشيع سبيلاً لمرور كثير من الأفكار الكافرة ، فانبثقت عنه فرق غالية ؛ كالإسماعيلية والنصيرية ، وهي فرق باطنية اجتمع على تكفيرها الشيعة الاثنى عشرية وأهل السنة والجماعة سواء بسواء .
ولكن الشيعة الاثنى عشرية – وإن كفَّروا هؤلاء – فإن لهم من العقائد الزائغة الكثير ، وهم مع تكفيرهم لهذه الفرق الغالية يمدون ايديهم لها ضد أهل السنة والجماعة ، فهذه الفرق وإن اختلفت عن الشيعة الاثنى عشرية في اصول وفروع ، فإن الشيعة الاثني عشرية يرون أن هذه الفرق – مع أنها تقول بألوهية الإنسان وغير ذلك من العقائد الزائغة – هي أقرب إليهم من أهل السنة والجماعة ، وهذا وحده دليل انحراف خطير .
وسوف لا نُفَصَّل في وجوه هذا الانحراف كثيراً ، ونكتفي بذكر بعض العقائد الشاذة التي تبناها الشيعة الاثنى عشرية والتي تبناها الخميني وأعلن عنها .
أولا
الغلو في الأئمة
قال تعالى : { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم } ، والمعروف أن النصارى قد اتخذوا المسيح ربا ، وق فسَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم كيفية اتخاذهم أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله بأنهم أحلُّوا لهم الحرام وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم .(27/4)
والشيعة غلو هذا الغلو فاسبغوا العصمة على أئمتهم ، فجعلوا القول بعصمة الإمام أصلاً من أصول مذهبهم كما أثبت ذلك الكليني في " الكافي " وابن بابويه القمي في " عقائد الشيعة الإمامية " والشيخ المفيد في كتابيه " أوائل المقالات " و " تصحيح عقائد الشيعة الإمامية " ، فإجماع أئمتهم من المتقدمين والمتأخرين يفيد أن الإمام معصوم عن الخطأ والسهو والإسهاء والنسيان عن قصد أو عن غير قصد ، وأن الإمامة أعلى مرتبة من النبوة [(1)] .
وأن لهم حرية الاختيار في التحليل والتحريم ، فقد جاء في أصول " الكافي " لإمامهم الكليني القول بأن الله خلق جميع الأشياء فاشهدهم خلقها وأجرى طاعتهم عليها وفوض أمورها إليهم ، فهم يحلون ما يشاؤون ويحرمون ما يشاؤون [(2)] .
فهذا غلو من الشيعة في الائمة جعلهم يشركون الله سبحانه في القدرة على تدبير هذا الكون وتسخيره ، والله عز وجل يقول جعل لذاته التدبير فقال تعالى : { يُدبر الأمر } .
كما غلا بعض الشيعة فجعلوا الأئمة يشاركون الله في علم الغيب وفي علم كل شيء ، فقد أورد الكليني في " الكافي " باباً بعنوان : ( إن الأئمة يعلمون ما كان وما يكون وأنه لا يخفى عليهم شيء ) [(3)] ، وهذا كله نقيض قوله تعالى : { عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول } ، ونحن لا ننكر أن يطلع الله عباده على شيء من غيبه كرامه له ، ولكننا ننكر أن يكون هذا هو الأصل في حق اي مخلوق .
__________
(1) حياة القلوب للعلامة المجلسي : 3 / 10 .
(2) أصول الكافي : ص 287 . وقد صحح الخمينين هذا الحديث في كشف الأسرار .
(3) اصول الكافي : 160 ، ولمزيد من التفاصيل انظر كتاب " الباب الحادي عشر " وكتاب " كشف المراد شرح تجريد الاعتقاد " لابن مطهر الشيعي .(27/5)
إن هذه الضلالات فتحت الباب على مصراعيه لكل مهووس ودجال أن يدعي مقاماً لبعض البشر يفوق مقام الأنبياء ، وأن ينسخ من شريعة الإسلام ما شاء كما أراد ، في حين أن عقيدة أهل الحق ؛ أن النبوة مرتبة مخصوصة واجتباء واصطفاء من الله تعالى لمن شاء واراد ، لقوله تعالى : { الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس } .
وجاء الخميني ليؤكد هذا الغلو ويعمقه ، وذلك جحود لما هو معلوم من الدين بالضرورة ، وهو كفر بواح ، فانظر إلى الخميني وهو يغلو في حق ائمته فيعطيهم العصمة والتدبير والعلم الإلهي ويرفعهم فوق مقام الأنبياء ، فيقول في كتابه " الحكومة الإسلامية " : ( إن للإمام مقاماً محموداً ودرجة سامية وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون ، وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه مَلَك مقرب ولا نبي مرسل ، وبموجب ما لدينا من الروايات والأحاديث فإن رسول الله الأعظم صلى الله عليه وسلم والائمة عليهم السلام كانوا قبل هذا العالم أنواراً فجعلهم الله بعرشه محدقين . . وقد ورد عنهم عليهم السلام : إن لنا مع الله حالات لا يسعها ملك مقرب ولا نبي مرسل ) [(1)] .
وقال في موضع آخر من كتابه هذا : ( إن تعاليم الأئمة كتعاليم القرآن لا تخص جيلاً خاصاً ، وإنما هي تعاليم للجميع في كل عصر ومصر إلى يوم القيامة يجب تنفيذها واتباعها ) [(2)] و ( إنه لا يتصور فيهم – أي الأئمة – السهو والغفلة ) [(3)] .
ثانيا
قولهم بتحريف القرآن
__________
(1) الحكومة الإسلامية : ص 52 . طبعة القاهرة 1979 ، وطبعة طهران ، مكتبة برزك الإسلامية ، وراجع تفاصيل أخرى في كتاب العلامة أبي الحسن الندوي " صورتان متضادتان " ص 77 فما بعد .
(2) الحكومة الإسلامية : 112 .
(3) المصدر نفسه : 91 .(27/6)
من المعلوم من الدين بالضرورة أن هذا القرآن محفوظ بحفظ الله سبحانه ، وأن ما قبله من الكتب موكول إلى حفظ أهله ، ولذلك حُرَّف ما قبله من الكتب السماوية ، أما هو فمحفوظ ، قال تعالى عن التورتة : { يحكم بها النبيون الذي اسلموا للذين هادوا بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء } فهذا يدل على أن حفظ التوراة قد وكل إلى من أنزلت عليه ، وأما القرآن فإنه محفوظ بحفظ الله ، قال تعالى : { إنا نحن نزَّلنا الذكر وإنا له لحافظون } ، فهذا القرآن بقراءاته المتواترة قد أجمعت عليه الأمة منذ عهد الصحابة حتى اليوم .
أما الشيعة الإمامية الاثنى عشرية فإن غلاة متقدميهم متأخريهم مجمعون على أن القرآن قد حرف وبدل وجرت عليه الزيادة والنقصان ، منهم كبير مؤلفيهم ومحدثيهم وأوثقهم عندهم الكليني في كتابه " الكافي " ، وخاتمة محدثيهم محمد باقر المجلسي في كتابه " مرآة العقول " وموسوعته الكبرى " بحار الأنوار " .
فقد أورد الكليني مجموعة من الروايات تؤكد غيمانهم بالتحريف ، منها رواية نسبها إلى جعفر بن محمد الصادق ، قال فيها : ( إن عندنا مصحف فاطمة عليها السلام ، وما يدريهم ما مصحف فاطمة . . . مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات ، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد ) [(1)] .
وقد نسب الشيخ المفيد – شيخ علماء الشيعة الإمامية في القرن الرابع الهجري – القول بالزيادة في القرآن والنقص فيه إلى جماعة كبيرة من أعيان متكلمي الشيعة الإمامية وأهل الفقه منهم والاعتبار [(2)] .
__________
(1) الكافي : 1 / 239- 241 ، طبعة طهران ، كتاب الحجة ، باب : ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة .
(2) انظر أوائل المقالات في المذهب والمختارات : 93 .(27/7)
وقال خاتمة محدثي الشيعة محمد باقر المجلسي : ( إن كثيراً من الأخبار صريحة في نقص القرآن وتغييره ، متواترة المعنى ، وطرح جميعها يوجد رفع الاعتماد على الأخبار رأساً ، بل أظن أن الأخبار في هذا الباب لا تقتصر عن أخبار الإمامة ) [(1)] ، ومعلوم أن الإمامة عندهم ثايتة بالنص والتعيين وجاحدها كافر بإجماعهم .
وقد حاول بعض معتدلي الشيعة تجاوز هذا الرأي وإسقاطه عن المذهب ، فتصدى لهم غير واحد من علماء الشيعة ، فسفهوا رأيهم ، وحملوا قولهم ذلك على التقية ، وكان أبرزهم نور الدين الطبرسي الذي أثنى عليه الخميني غير مرة [(2)] ، والذي ألف كتابه الضخم في أواخر القرن الثالث عشر الهجري ؛ " فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الإرباب " ، وأورد فيه أكثر من ألفي رواية من الروايات الشيعية المعتمدة في كتبهم تفيد القول بالتحريف والنقص ، وأن لا اعتماد على هذا القرآن الذي بين ايدي المسلمين اليوم .
ونقل عن السيد المحدث نعمة الله الجزائري قوله في كتاب " الأنوار " : ( إن الأصحاب قد أطبقوا على صحة الأخبار المستفيضة بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن ؛ كلاماً ومادة وإعراباً والتصديق بها ) [(3)] .
وهذا كله كفر محض ، لأنه مناقض لما هو معلوم من الدين بالضرورة ، أي ميزة تكون للإسلام إذا كان كتابه محرفاً أو مغيراً أو ناقصاً .
__________
(1) مرآة العقول : 253 .
(2) الحكومة الإسلامية : 66 .
(3) فصل الخطاب : 30 / 238 – 329 .(27/8)
وكنا نأمل أن يتصدى الخميني لمثل هذه الكفريات وينزه كتاب الله سبحانه عنها ويلعن القائليم بها ويصرح بكفرهم وخروجهم عن ملة الإسلام ، إلا أنه عاد فأكد هذا الشذوذ العقدي في كتابه " كشف الاسرار " حينما قال : ( لقد كان سهلاً عليهم – يعني الصحابة الكرام – أن يخرجوا هذه الآيات من القرآن ويتناولوا الكتاب السماوي بالتحريف ويسدلوا الستار على القرآن ويغيبوه عن أعين العالمين ، إن تهمة التحريف التي يوجهها المسلمون إلى اليهود والنصارى إنما تثبت على الصحابة ) [(1)] .
وهذا من خميني كفر بواح ونقض للإسلام كله ، فهذا القرآن المعجز الذي حوى معجزات كثيرة إذا تُجُرَّئ عليه ، فأي سند في الإسلام يبقى له مكانة ، وأي سند للإسلام يبقى بعد ذلك .
ثالثا
موقف الشيعة من السنة النبوية المطهرة
من المعروف المجمع عليه عند علماء الشيعة ، بل من اصول مذهبهم ، أن الأمة قد كفرت بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتدت عن دين الله – والعياد بالله – إلا ثلاثة أو أربعة [(2)] ، لذلك فإنهم لا يعتمدون عليهم ولا يثقون بأخبارهم ويطرحونها جملة وتفصيلاً باعتبارها ساقطة مكذوبة موضوعة .
لذلك فإن الشيعة أجمعين – حتى المعتدلين منهم – لا يحتجون من السنة إلا بما صح لهم من طريق أهل البيت [(3)] ، يقول الشيخ محمد حسن آل كاشف الغطاء – وهو من معتدليهم - : ( أما ما يروية مثل ابي هريرة وسمرة بن جندب ومروان بن الحكم وعمران بن حطان الخارجي وعمرو بن العاص ونظائرهم فليس له عند الإمامية من الاعتبار مقدار بعوضة ، وأمرهم أشهر من أن يذكر ) [(4)] .
__________
(1) كشف الأسرار : ص 114 بالفارسية نقلاً عن كتاب الشيخ أبو الحسن الندوي : " صورتان متضادتان " ص 94 ، طبعة عمان .
(2) أنظر ما يأتي : الموقف من الصحابة ، ففيه تفصيل .
(3) أنظر كتاب " أصل الشيعة وأصولها " لمحمد حسين كاشف الغطاء : 79 ، طبعة مؤسسة الأعلمي ببيروت .
(4) المصدر السابق .(27/9)
وقد درس الشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي المتوفي سنة 984 هـ في كتابه المشهور " وصول الأخيار إلى أصول الأخبار " – وهو من كتب مصطلح الحديث المشهورة المرموقة عندهم – هذا الأمر ، فتوصل إلى الحكم العام في كتب حديث اهل السنة حينما قال : ( فصحاح العامة كلها وجميع ما يروونه غير صحيح ) [(1)] .
وقد صرح الخميني في كتابه " كشف الأسرار " أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قد وضع حديث : ( نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة ) ، في معرض حديثه عن مخالفة أبي بكر للقرآن الكريم [(2)] ، كما صرح في كتابه " الحكومة الإسلامية " أن الصحابي الجليل سمرة بن جندب كان يضع الحديث أيضاً [(3)] .
هذا هو رأي الشيعة وزعيمهم الخميني في السنة النبوية المطهرة التي رواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اصحابه الأتقياء البررة ، وإن من المعلوم عند علماء الحديث أنه من أنكر حديثاً صحيحاً مع الأدب فقد فسق ومن أنكره مع سوء الأدب فقد كفر ، وكذلك من انكر حديثاً متواتراً ، وقد تبين مما تقدم أن الخميني وشيعته ينكرون كل السنة التي رويت لنا بأسانيد صحاح ، وفي ذلك إنكار لأحاديث صحيحة كثيرة ، وبعض ما انكروه يبلغ مبلغ المتواتر ، وجميع ما أنكروه يدخل ضمناً في حد التواتر ، وهم بذلك ينقضون الأساس الثاني لهذا الدين وهو السنة .
وهم بدلاً عن السنة الثابتة يعتمدون روايات عن ائمة الكذب والوضع مما جمعه الكليني وغيره ، وقد بلغنا أن بعضهم نقد رجال الكليني فذكر عدداً كبيراً منهم بأنهم كذابون ، وتلك شهادة الشيعة أنفسهم على ما في كتبهم المعتمدة من دس عند كثير من المنصفين منهم ، أما نحن فلا نقبل رواياتهم أصلاً لأنهم منحرفون في العقيدة يستحلون الكذب في نصرة اهوائهم .
__________
(1) وصول الأخيار : 94 ، طبعة سنة 1401 هـ ، والصحاح هي كتب الحديث المعتمدة عند أهل السنة ، مثل صحيح البخاري ومسلم .
(2) كشف الأسرار : 112 .
(3) الحكومة الإسلامية : 71 .(27/10)
وقد ثبت أن الخميني الذي يقول بارتداد الصحابة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتهمهم بوضع الحديث ، ويطعن في رواة الأمة الثقات ، لا يستدل في بحوثه إلا بكتب فرقته ، وهو أمر مشهور .
رابعاً
الموقف من الصحابة
من المعلوم أنه لم يبق بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنافقين إلا نزر يسير ، وهذا النزر اليسير قد اعطي سرهم لحذيفة بن اليمان كي لا يلعبوا أي دور خسيس في الأمة الإسلامية ، ومن ذلك نشر الأكاذيب عن رسول الله صلى الله عيله وسلم ، لذلك فإن علماء هذه الأمة اعتبروا كل الصحابة في الرواية عدولاً ، ونظرت الأمة إلى جيل الصحابة الذي أكرمهم الله عز وجل بصحبة نبيه ونصرة دينه وحمل أمانته نظرة احترام وتقديس ، لأن الله عز وجل شهد لهم فقال تعالى : { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة } ، وقال تعالى عن هؤلاء : { وألزمهم كلمة التقوى } .
وقد فهم أهل السنة والجماعة أن الصحابة لا يجترئ عليهم إلا زائغ ، وذلك من قوله تعالى : { ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار } .
وبعض الشيعة كُفَّروا بموقفهم من عائشة رضي الله عنه واتهامهم إياها وقد برأها الله عز وجل .
وبعض الشيعة لا يكتفون ببغض الصحابة وتفسيقهم وتضليلهم بل يزيدون على ذلك ويجهرون بالسوء في حق الصحابة ويخصون بمزيد من اللعن والسب أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وابا عبيدة وعبد الرحمن بن عوف ، فإذا كان العشرة المبشرون بالجنة لا يسلمون منهم فما بالك بغيرهم ؟!
وأي اعتبار يبقى بعد الوقوع باصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فإذا كانت تربية الرسول صلى الله عليه وسلم لم تصل بالناس إلى الكمال فما حال تربية غيره ؟(27/11)
انظر إلى الكليني صاحب " الكافي " وهو يسوق رواية موثقة عندهم منسوبة إلى جعفر بن محمد الصادق تقول : ( كان الناس أهل ردة بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة ، فقلت ؛ من الثلاثة ؟ فقال ؛ المقداد بن الاسود وابو ذر الغفاري وسلمان الفارسي ) [(1)] .
ويسوق في موضع آخر رواية ينسبها إلى باقر وقد ساله أحدهم عن الشيخين : ( ما تسألني عنهما ، ما مات منا ميت إلا ساخطاً عليهما ، يوصي بذلك الكبير منا الصغير ، إنهما ظلمانا حقنا ، وكانا اول من ركب أعناقنا ، والله ما أُسست من بلية ولا قضية تجري علينا أهل البيت إلا هما أسسا أولها ، فعليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ) [(2)] .
ويقول الكشي في كتابه " الرجال " : ( سأل الكميت بن زيد الإمام الباقر عن الشيخين فقال : يا كميت بن زيد ! ما أُهريق في الإسلام دم ولا اكتسب مال من غير حِله ولا نكح فرج إلا وذلك في اعناقهما إلى يوم يقوم قائمنا ) [(3)] .
وهذا الأمر مستفيض عند علمائهم وثقات محدثيهم من المتقدمين والمتأخرين أمثال ابن بابويه القمي وشيخ الطائفة الطوسي والشيخ المفيد وابن طاووس والأردبيلي وابو الحسن القمي ومحمد باقر المجلسي الملقب عندهم بخاتمة المحدثين والذي اسهب الخميني في الثناء عليه في كتابه " كشف الأسرار " ، وقد اورد المجلسي في كتابه " زاد المعاد " و " حق اليقين " و " بحار الأنوار " من الأكاذيب والحكايات في حق سادتنا أبي بكر وعمر وابي عبيدة وخالد بن الوليد وغيرهم ما نتادب عن نقله .
أما الخميني الذي نادى في أول حركته بوحدة الأمة الإسلامية ، فقد كان من المفروض أن يسدل الستار على مثل هذه الضلالات بحق اطهار هذه الأمة ويعلنها حرباً على من يقول بها ويمنع الكتب المؤلفة في سبهم وتكفيرهم ، ولكنه بدلاص من كل ذلك تبنى أعتى الشذوذ في هذا المجال .
__________
(1) اصول الكافي : 3 / 85 .
(2) أصول الكافي : 3 / 115 .
(3) رجال الكشي : 135 .(27/12)
وكان الخميني قد كتب فصلين في كتابه " كشف الاسرار " احدهما في بيان مخالفة ابي بكر للقرآن [(1)] ، والآخر في مخالفة عمر لكتاب الله [(2)] ، فيهما من الكذب والافتراء والحقد على ائمة المسلمين ما لا يتصور وصفه من رجل يدعي العلم والمعرفة والدين ، فقال في حق الشيخين : ( إننا هنا لا شان لنا بالشيخين وما قاما به من مخالفات للقرآن ومن تلاعب بأحكام الإله ، وما حلَّلاه وما حرماه من عندهما ، وما مارساه من ظلم ضد فاطمة ابنة النبي وضد أولاده ، ولكننا نشير إلى جهلهما بأحكام الإله والدين . . . إن مثل هؤلاء الأفراد الجهال الحمقى والأفاقون والجائرون غير جديرين بأن يكونوا في موضع الإمامة وأن يكونوا ضمن أولي الأمر ) [(3)] .
ووصف سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأن أعماله : ( نابعة من أعمال الكفر والزندقة والمخالفات لآيات ورد ذكرها في القرآن الكريم ) [(4)] .
__________
(1) كشف الاسرار : 111 – 114 .
(2) كشف الأسرار : 114 – 117 .
(3) كشف الاسرار : 107 – 108 .
(4) كشف الأسرار : 116 .(27/13)
بل ذكر خلاصة كلامه عن سبب عدم ورود ذكر الإمامة في القرآن الكريم وما قام به الشيخان في زعمه من اغتصاب للخلافة ما نصه : { من جميع ما تقدم يتضح أن مخالفة الشيخين للقرآن لم تكن عند المسلمين شيئاً مهماً جداً ، وأن المسلمين إما كانوا داخلين في حزب الشيخين مؤيدين لهما ، وإما كانوا ضدهما ولا يجرؤون أن يقولوا شيئاً أمام أولئك الذين تصرفوا مثل هذه التصرفات تجاه رسول الله وتجاه ابنته ، وحتى غذا كان أحدهم يقول شيئاً فإن كلامه لم يكن ليؤخذ به ، والخلاصة ؛ حتى لو كانت لهذه الأمور ذكر صريح في القرآن فإن هؤلاء لم يكونوا ليكفوا عن منهجهم ولم يكونوا ليتخلوا عن المنصب } [(1)].
ومع أننا نعتقد أن خميني كتب كتابه " الحكومة الإسلامية " وفيه الكثير من المداراة والتقية باعتباره برنامجاً حركياً له ولاتباعه ، فإنه حرص كل الحرص على أن لا يذكر اسم الشيخين وعثمان بن عفان رضي الله عنهم كلما اضطرته ضرورة التسلسل التاريخي ، بل يقفز من ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه [(2)] ، ولكن الواضح من عقيدته التي نسوق نصوصها من كتابه " الحكومة الإسلامية " والتي معناها أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد عين عليّا وصياً وخليفة من بعده تقضي بالنتيجة أن الصحابة عصوا أمر الرسول وخالفوه واغتصبوا الخلافة وعينوا أبا بكر بدلاً منه .
__________
(1) كشف الاسرار : 117 ، وقد نقل هذه الأقوال قبلنا مجموعة من العلماء نذكر منهم : محمد إبراهيم شقرة في كتابه " شهادة خميني في اصحاب رسول الله " ، طبعة دار عمار في عمان / الأردن ، ومحمد منظور نعماني في كتابه " الثورة الإيرانية في ميزان الإسلام " ، ونقل بعضها أبو الحسن الندوي في كتابه " صورتان متضادتان " .
(2) الحكومة الإسلامية : 26 ، 71 .(27/14)
يقول خميني : ( نحن نعتقد بالولاية ، ونعتقد ضرورة أن يعين النبي خليفة من بعده ، وقد فعل ) [(1)] ، ويقول بعد قليل : ( وكان تعيين خليفة من بعده عاملاً ومتمماً ومكملاً لرسالته ) [(2)] ، ثم يوضح ذلك فيقول : ( بحيث كان يعتبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لولا تعيين الخليفة من بعده غير مبلغ رسالته ) [(3)] .
وهذا هو الشوذ الذي يخرج قائله عن دائرة الإسلام ، فإن هؤلاء وقعوا في الضلال والإضلال ، وشاركوا أهل الكتاب فيما نهاهم الله عز وجل بقوله : { يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل واضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل } .
خامساً
انتقاصهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم
لم تزل كتب الشيعة مليئة بانتقاص الرسول صلى الله عليه وسلم سواء بذلك انتقاصهم من خلال الطعن في أزواجه أو من خلال الطعن في اصحابه أو من خلال الطعن في كمال رسالته ، وجاء الخميني ليزيد على ذلك بأن ينتقص من مقام رسول الله فيذكر أنه لم يحقق الإنصاف الإلهي مع أن الله عز وجل قال : { إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله } ، فالرسول صلى الله عليه وسلم حقق الإنصاف الإلهي بما لا مزيد عليه وكل من حقق شيئاً من الإنصاف بعده فإنما حققه مقتدياً به ، بينما الخميني ينتقص رسول الله صلى الله عليه وسلم في تصريح نشرته مجلة " امباكت انترناشنل " في لندن [(4)] بالانكليزية ، ومجلة " إيشيا " الصادرة بلاهور في باكستان باللغة الأوردية [(5)] ، وهما مجلتان كانتا صديقتين لخميني إلا أنهما استفظعتا منه هذا القول وردتا عليه بمقال عنوانه " هذا نفي للإسلام وتاريخ الإسلام " .
سادساً
مخالفتهم الإجماع
__________
(1) الحكومة الإسلامية : 18 .
(2) الحكومة الإسلامية : 19 .
(3) الحكومة الإسلامية : 23 .
(4) مجلة امباكت ، لندن : 24 / 8 / 1984 .
(5) عدد ذي الحجة 1404 هـ الموافق 23 سبتمبر 1984 م .(27/15)
لقد نص القرآن على أن إجماع المسلمين حجة ، قال تعالى : { ومن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً } ، ولم يحفل بعض الشيعة بالإجماع قط ، وكذلك شأن الخميني .
وأفظع مثال على مخالفتهم الإجماع إباحتهم لنكاح المتعة الذي لا زال قائماً في إيران بعهد الخميني ، وما نكاح المتعة إلا زنا صريح بعد انعقاد الإجماع على تحريمه ، وممن قال بتحريمه علي بن أبي طالب نفسه .
صحيح أن الإسلام لم يحرم نكاح المتعة في أول الأمر ، ولكن ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حرمه أخيراً ، ثم أجمعت الأمة على ذلك ، وها هو نكاح المتعة الذي يهدم نظام الاسرة ويهدم أحد مقاصد الإسلام العظيمة في حفظه للأعراض والأنساب وفي رعايته للابناء كي ينشؤوا في وسط عائلي ما أمكن ذلك ، كل ذلك يهدمه هؤلاء الشيعة ، وها هو نظام خميني يشجعه ، وكفى بذلك علامة على أنهم لا يبالون بالإجماع كحجة شرعية .
والأمر في ذلك خطير وكبير ، فهم يخالفون الإجماع في كثير من أمورهم في العقيدة والعبادة ومناهج الحياة ، ألا تراهم يخالفون الإجماع في الصلوات وفي الصوم وفي الحج وفي غير ذلك من شعائر الغسلام وشرائعه .
والخميني يؤكد هذه المخالفة ، بل يكرسها في دستوره ، عندما يعتمد مذهب الاثني عشرية كمذهب وحيد وإلى الأبد ، ويجعل هذه المادة غير قابلة للبحث والتعديل " المادة 12 " .
سابعاً
الموقف من أهل السنة والجماعة
إن الشيعة الاثنى عشرية تعد كل من لا يؤمن بالأئمة وعصمتهم ناصبَّياً تحرُم عليه الجنة ويدخل النار ، ومن مقولاتهم التي ذكروها في كتبهم وتبناها الخميني في كتبه ضرورة مخالفة أهل السنة والجماعة .
صحيح أن هذا جاء في سياق ضرورة اتَّباع الكتاب والسنة أولاً ، ولكن أي كتاب والكتاب عندهم محرف ، واي سنة والسنة عندهم ما تناقله الشيعة وحدهم .(27/16)
انظر إلى الخمين ناقلاً ومتبنياً في رسالته " التعادل والترجيح " وهو يبحث في الأخبار الواردة في مخالفة العامة - أي أهل السنة والجماعة - [التعادل والترجيح : 80 - 81 ، وأصل الرسالة بالعربية مطبوعة ضمن رسائل له في طهران] فيقول : ( وهي طائفتان ؛ إحداهما وردت في خصوص الخبرين المتعارضين ، وثانيهما ؛ ما يظهر منها لزوم مخالفتهم وترك الخبر الموافق لهم مطلقاً ) ، وبعد أن ساق الخميني مجموعة من الروايات المختلفة المنسوبة إلى آل البيت الكرام في وجوب مخالفة أهل السنة والجماعة واستطرد قائلاً : ( ولا يخفى وضوح دلالة هذه الأخبار على أن مخالفة العامة مرجحة في الخبرين المتعارضين مع اعتبار سند بعضها ، بل صحة بعضها على الظاهر واشتهار مضمونها بين الأصحاب ، بل هذا المرجح هو المتداول العام الشائع في جميع أبو اب الفقه وألسنة الفقهاء ) ، ةقد انتهى الخميني في بحثه الفقهي في هذه المسألة بقوله : ( فتحصل في جميع ما ذكرنا من أول البحث إلى هنا أن المرجح المنصوص ينحصر في أمرن ، موافقة الكتاب والسنة ومالفة العامة ) [التعادل والترجيح : 82] .
ألا فليعلم شباب أهل السنة والجماعة من هذه الأمة رأي الخميني في أهل السنة والجماعة عامة ، ولينتبهوا إلى خداعه ومراوغته وخداع أتباعه فما هم إلا دعاة ضلالة وما هم إلا دعاة إلى النار ، فالله تعالى يقول : { واتَّبع سبيل من أناب إلىَّ } ، وهؤلاء يأمرون أتباعهم بوجوب مخالفة فتوى ائمة الاجتهاد من أمثال الشافعي ومالك وأحمد بن حنبل وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي ، بل يأمرون أتباعهم بمخالفة رأي أي عالم من علماء أهل السنة والجماعة ، ويعتبرون ذلك علامة على صحة السير وسلامة القصد ، فهؤلاء بالنسبة لأهل السنة والجماعة يرون أن يعامل أهل السنة والجماعة كمعاملة اليهود والنصارى في ضرورة المخالفة حيث لا نص في الكتاب والسنة والإجماع .
ثامناً
غلوهم في فاطمة الزهراء رضي الله عنها(27/17)
إن محبتنا لفاطمة رضي الله عنها جزء من محبتنا لأبيها وزوجها وأولادها ، فلا غرابة أن نحبها ونحترمها ، ولكن الغرابة أن ينسب إلى فاطمة ما ليس لها ، وأن تُرفع فوق قدرها ، وهذه كتب الشيعة تنص على أن الوحي تَنَزَّل على فاطمة بعد ابيها عليه الصلاة والسلام ، وزاد الخميني فرفعها إلى مقام فوق مقام الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، يقول في خطابه الذي ألقاه في حسينية جماران ظهر يوم الأحد المصادف 2 / 3 / 1986 بمناسبة عيد المرأة وهو يوم مولد سيدتنا فاطمة الزهراء رضي الله عنها ، يقول تعليقاً على رواية وردت في كتاب " الكافي " للكليني ما نصه : ( وإن فاطمة الزهراء عاشت بعد وفاة والدها خمساً وسبعين يوماً قضتها حزينة كئيبة ، وكان جبرائيل الأمين يأتي إليها لتعزيتها وإبلاغها بالأمور التي ستقع في المستقبل ، ويتضح من الرواية بأن جبريل خلال الـ 50 يوماً كان يتردد كثيراً عليها ، ولا أعتقد بأن رواية كهذه الرواية وردت بحق أحد باستثناء الأنبياء العظام ، وكان الإمام علي يكتب هذه الأمور التي تنقل لها من قبل جبريل ، ومن المحتمل أن تكون قضايا إيران من الأمور التي نقلت لها. . . لا نعرف من الممكن أن يكون ذلك ، اي أن الإمام علي كان كاتب وحي مثلما كان كاتب وحي رسول الله. . . فقضية نزول جبريل على شخص ما ليست بالقضية السهلة والبسيطة ، ولا تعتقدوا بأن جبريل ينزل على كل شخص ، إذ لا بد من تناسب بين روح الشخص الذي ينزل عليه جبرائيل وبين جبرائيل الذي يعتبر الروح الأعظم ، وهذا التناسب كان موجوداً بين جبرائيل وأنبياء الدرجة الأولى مثل الرسول الأعظم وعيسى وموسى وإبراهيم وأمثالهم ، ولم ينزل جبرائيل على أحد غير هؤلاء ، حتى إنني لم أجد رواية نشير إلى نزول جبرائيل على الأئمة. . . إذن فهذه الفضيلة لم يحظ بها أحد بعد الأنبياء غير فاطمة الزهراء عليها السلام ، وهذه من الفضائل الخاصة بالصديقة فاطمة الزهراء ) .(27/18)
إن مثل هذه الأقوال تخرج صاحبها من الدين الإسلامي بإجماع المسلمين بمختلف مذاهبهم .
وبعد فهذه بعض عقائد الشيعة الاثني عشرية ، وهذه بعض العقائد الخمينية ، ذكرناها لك باختصار ، وفي كتب الشيعة أنفسهم وفي كتب الخميني المزيد الذي يدهشك بشذوذه وانحرافاته ، وقد كتب الخميني الكثيرون من قبل ومن بعد في شذوذات المذهب الاثنى عشري والشذوذات التي تطالعها في كتبهم كثيرة وغريبة ، وإن من ألف عقائد أهل السنة والجماعة وعرف صفاءها ونقاءها وعرف مذاهبهم الفقهية وطرائقهم في التحقيق والجرح والتعديل لا يستطيع أن يتحمل ما يجده من شذوذ وغرائب ، ولكن بعض شباب أهل السنة والجماعة خُدعوا بذلك وغُرر بهم ، لأن عندهم فراغاً استغله هؤلاء المخادعون ، فحاولوا أن يقدموا لهم الخمينية على أنها تمثل الأصالة والحيوية ، وما هي إلا مقبرة للإسلام الصحيح ومحاولة لدفن الإسلام وأهله فيا شباب الأمة الإسلامية انتبهوا .
الفصل الثاني
في المواقف الشاذة للخمينية
لقد ذكر السلطان عبد الحميد في مذكراته : أن الصراع بين الصفويين والعثمانيين لم يكن لصالح الأمة الإسلامية ، بل لصالح الكفر والكافرين ، وكنا نطمع أن يتعقل الشيعة والسنة هذا المعنى فلا تتجدد الحروب بين عالم السنة والشيعة ، ولكن الخميني فرض هذا الصراع فرضاً مما أدى إلى انتكاس في الصحوة الإسلامية ، وتحالفات مع الكفر والكافرين ، وإجهاض للتنمية في العالم الإسلامي ، وتحويل وجهة العالم الإسلامي .
وقد تحدث التاريخ عن حالات كثيرة كانت فيها عواطف بعض الشيعة مع الكافرين ضد المسلمين ، بل جمعوا إلى العواطف أعمالاً ؛
فهؤلاء الشيعة ساعدوا الهولنديين في القضاء على دولة اليعاربة .
وهذا نصير الدين الطوسي يقنع هولاكو في إنهاء الخلافة العباسية .
وها هو ابن العلقمي يخون خليفته فيساعد التتار في القضاء على الدولة العباسية .
وها هم الحشاشون يحاولن اغتيال صلاح الدين .(27/19)
وكم من مرة أظهر غيها بعض الشيعة عواطفهم نحو الكفر والكافرين ضد الإسلام والمسلمين ، وكنا نتمنى ألا تتكرر هذه الظاهرة ، ولكنها ظهرت من جديد بالخمينية وأتباعها .
ولئن كان حب العرب مركوزاً في فطرة كل مسلم ، فإن كثيراً من الشيعة خلال العصور لم يتسطيعوا أن يخفوا كرههم للعرب ، وخاصة الفرس منهم ، وهكذا كان كثير من الشيعة الفرس دعاة ورعاة للشعوبية الحاقدة على كل ما هو عربي ومسلم ، وكنا نأمل أن تكون الشعوبية قد انتهت إلى الأبد ، ولكن الخميني أثارها من جديد .
وهكذا يجتمع في الخمينية عقائد شاذة ومواقف شاذة ، فيحيي بذلك الشذوذ العقدي عند الشيعة والمواقف الشاذة عندهم ، وكل ذلك على حساب الإسلام والمسلمين ، ومن هاهنا أصبحت المواقف الخمينية خطراً ماحقاً على هذه الأمة ، لا يجوز لأهل الرأي والفكر أن يسكتوا عنها وعن أهدافها القذرة وأساليبها الماكرة ، ولقد ظهرت المواقف الشاذة للخمينية في أمور متعددة آن الآوان للتنبيه عليها والتحذير منها ، وهاك أخطر ما في هذه المواقف :
أولاً
روح السيطرة على العالم الإسلامي ومحاولة تشييعه
إن ما يجري في تركيا وفي لبنان وفي سورية وفي السند ، وإن الحرب العراقية الإيرانية والدعاية الهائلة والأموال الطائلة التي تبذلها الخمينية ما هي إلا مقدمات لسيطرة الشذوذ الشيعي على الأمة الإسلامية ؛
فها هي " حركة أمل " و " حزب الله " يتعاونان على القضاء على الفلسطينين في لبنان بمساعدة سوريا .
وها هي " أمل " بالتعاون مع سوريا تصفي الوجود السنّي في بيروت .
وها هي النصيرية في طرابلس متعاونة مع النظام السوري تصفي شوكة السنيين في طرابلس .
وها هي سوريا بنظامها الباطني تعمل على تقويض سلطان السنة في تركيا ، فتمد اليسار والأرمن وتدفع بالنصيرية نحو التغلغل في الأحزاب المتطرفة .
وها هي سوريا تتحالف مع إيران مساعدة كل منهما الأخرى في كل شيء .(27/20)
وها هم الشيعة في السنة يركبون موجة بعض الأحزاب ليقوضوا استقرار باكستان .
وما هي إلا أن يسقط العراق في حربه مع إيران - لا سمح الله - حتى يسري التهديد الشيعي الإيراني إلى كل جزء في الخليج ، بل إلى كل قطر في الجزيرة العربية ، لتقوم بذلك نواة لدولة قادرة على السيطرة على العالم الإسلامي ، تمتد من السند إلى إيران إلى العراق إلى سوريا إلى لبنان إلى أجزاء في الجزيرة العربية إلى تركيا .
وها هي ليبيا جاهزة للتعاون في أفريقيا مع هذه الدولة النواة لتشكل هي وإيران ومن يدور في فلكهما وإسرائيل والجهات المسيطرة على طمس معالم الإسلام فيه .
ومن هنا كان لنا موقف لا بد منه من الحرب العراقية الإيرانية ؛ هذا الموقف يتمثل في وجوب إيقاف هذه الحرب ، لأن إيقاف الحرب هو الذي ينهي التطلعات الخمينية الجنونية للسيطرة الخطرة على الأمة الإسلامية .
ثانيا
تحالفات استراتيجية مرفوضة
كان لا بد للتطلعات الخمينية من تحالفات تحقق بها مآربها ومطامعها ، ولقد أدركت دوائر كثيرة أن عليها أن ترعى التطلعات الخمينية وأن تتعاون معها لما يترتب على هذا التعاون من تحقيق مقاصد مشتركة سننَّبه عليها في الفقرات التالية .
ومن هنا وجدنا تحالفاً عجيباً بين إيران وليبيا ، وبين إيران وسوريا وأمل من جهة وإسرائيل من جهة أخرى ، ووجدنا تحالفاً بين إيران والغرب ، ووجدنا وفوداً من إيران تذهب إلى الاتحاد السوفياتي .
وكل ذلك يتناقض مع كل ما صرح به الخميني ابتداء ، وإنما جَرّه إلى هذا التناقض الذي أفقده مصداقيته تطلعاته للسيطرة على هذه الأمة الإسلامية ، ولو كان ذلك لحساب كل جهة معادية للإسلام والمسلمين .
ثالثاً
تنمية الأمة الإسلامية وأموالها في خطر(27/21)
لقد أصبحت أموال الأمة الإسلامية قبل انتصار الخميني كثيرة تؤهلها للسيطرة الاقتصادية على العالم وتؤهلها لتطوير نفسها ، وكانت الأمة الإسلامية تتطلع إلى دول الخليج في تنميتها ، فأقدم الخميني على تهديد العراق الذي كان مقدمة لحرب شاملة ، وبذلك فإن أموال دول الخليج ذهبت ضحية لهذه الحروب ، فققدت الأمة الإسلامية بذلك قدراتها الاقتصادية وتنميتها .
وهكذا ساعد الخميني العالم غير الإسلامي في سلب الأمة الإسلامية أموالها وتطويرها إلى أمد بعيد ، لأنهم حتى في حالة انتهاء الحرب فإن العالم غير الإسلامي هو الذي سيعيد إعمار العراق وإيران ، وهكذا فإن الجكومات الكافرة هي التي ربحت في الحرب وفي ما بعد الحرب ، وكل ذلك بسبب السياسات الخاطئة للخمينية الراغبة في السيطرة .
رابعاً
انتكاس الصحوة الإسلامية
لقد كان العالم الإسلامي قبل ظهور الخميني في طريقه إلى العودة إلى الإسلام ، وبدأت شعوب العالم تستمع إلى كلمة الإسلام الصافية ، فجاء التطبيق الخميني اسوأ مثل لنموذج تطبيقي للإسلام على أرض الإسلام ، وخاطب العالم بخطاب غير معقول ، ودعاهم إلى إسلام عجيب ، رأينا نماذجه في الفصل الأول .
فكان لذلك ىثار على صحوة الشعوب الإسلامية ، وكان لذلك ىثار على استعداد غير المسلمين لسماع كلمة الحق ، فكانت الخمينية انتكاسة للصحوة الإسلامية ، وكانت تحطيماً لتطلعات دعاة الإسلام إلى عالم جديد .(27/22)
وهكذا وبعد أن كاذت جهود المصلحين والمجددين أن تؤتي ثمارها ، هزّ الخميني فطرة الإنسان فأحدث بها احتزازاً وارتباكاً ، لأنه خاطب هذه الفطرة بغير المعقول وبغير المقبول ، فجعل المذهبية مادة في دستوره ، وحرم الاقلية السنية في تطبيقه أبسط حقوق الإنسان ، فغذا عرفت أن طهران كلها ليس فيها مسجد واحد لأهل السنة والجماعة ، عرفت مدى ما يمكن أن ينظر إليه العالم إلى ضيق الأفق في التطبيق الإسلامي الذي لا يعطي فرصة حتى للمخالفين في المذاهب أن يقيموا مساجدهم فما بالك بغير المسلمين .
وإذا عرفت أن الخمينية جددت عادة الصفويين في زج من هم دون البلوغ في مقدمة الجيش المقاتل ، عرفت إلى أي حد لا تراعي الخمينية الطفولة البريئة التي يعتبرها كل إنسان أنها هي البقاء لجنس الإنسان .
وإذا عرت أن الخمينية تسد أذنيها عن كل نداء للسلام مع تعادل القوى ، مجافية لقوله تعالى { وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله } .
إذا عرفت كل ذلك أدركت كم سينظر العالم بإزدراء إلى تطبيق الإسلام ، هذا العالم الذي ذاق مرارة الحروب وأصبح عاشقاً للسلام .
خامساً
التقية والبندقية
بعض الشيعة يستعملون التقية بأكثر من الحد الذي تجيزه شريعة الله عز وجل ، وكنا نتصور أنه بعد انتصار الخميني في إيران أن الشيعة قد تجاوزوا التقية ، ولكننا من خلال الواقع وجدناهم يستعملون التقية مع البندقية .
فهم - سواء في ذلك النظام الحاكم في سوريا أو حركة أمل أو إيران – يتعاونون مع إسرائيل سرّاً ويعطونها الذي تريد ويتظاهرون بخلاف ذلك ، وهم يحاربون حرباً طائفية في كل مكان ويتظاهرون بشعارات سوى ذلك ، وهم يتخيرون لخطاب شباب الإسلام عبارات وخطابات يلبسونها ثوب الخداع ويتسترون على حقيقتهم ويقدمون للناس في إيران زاداً ويقدمون لشباب الإسلام كلهم زاداً آخر .(27/23)
كانوا بالأمس يستعملون التقية حماية لأنفسهم ، والآن يستعملون البندقية للسيطرة ، ويتسعملون التقية لخداع الآخرين ، فيلبسون لكل حالة لبوسها ، ويتحالفون مع اليسار إذا رأوا ذلك يقربهم من أهدافهم ، ويدخلون في الأحزاب اليسارية ، ويعلونون شعاراتها التي تناقض مبادئهم وهم يكتمون أهدافهم الحقيقية .
انظر إليهم في سوريا وتركيا وفي باكستان وأفغانستان وفي غيرها ، فإنك حيث ما رأيتهم – هنا وهناك – تجدهم يلبسون لباساً حزبياً في الظاهر ويكتمون مخططاتهم الخفية في الباطن حتى يصلوا إلى مرادهم .
فاجتمع لهم في بعض البلدان التقية والبندقية ، ولا زالوا في بعض البلدان يظهرون التقية ويبحثون معها عن البندقية .
وقد آن لشباب الإسلام أن يدركوا خداع هؤلاء ، وأن يعرفوهم على حقيقتهم .
فهنالك عقيدة صحيحة واحدة هي عقيدة أهل السنة ، وهي التي ينبثق عنها كل خير ، أما هؤلاء فعقيدتهم زائفة ولا يُجتنى من الشوك العنب ولا من الحسك تيناً ، فمن حسّن ظنه بالخمينية فقد وقع بالغلطة الكبرى وجنى على نفسه في الدنيا والأخرى ، وجانب حذر المؤمن الذي لا يلدغ من جحر مرتين .
هذه بعض مواقف الخمينية الشاذة ، ومن قبل ذكرنا بعض العقائد الشاذة ، وما الخمينية إلا تبنًّ لعقائد الشيعة الشاذة ولمواقفهم التاريخية الشاذة وإعطائها زخماً جديداً .
وساعد على وجودها هذا الزخم من تطلع شباب أهل السنة والجماعة وحنينهم لدولة الإسلام ، فخالوا السراب ماء وظنوا الخمينية هي دولة الإسلام ، وبالخداع وقعوا وبالوهم سقطوا ، وإن حنيناً إلى دولة الإسلام لا يوقعنا في الكفر أو في الضلال .(27/24)
ولا ينبغي أن تنطلي علينا الحيلة ، فمجتمع الخميني ليس " مجتمع حق " وهو أحد شعارات الحركة الإسلامية الحديثة ، وليس " مجتمع جرية " وهو أحد شعارات الحركة الإسلامية الحديثة ، وليس " مجتمع قوة " ، وأول القوة عندنا قوة الاعتقاد الصحيح ، والقوة إحدى شعارات الحركة الإسلامية الحديثة .
فيا شباب هذه الامة تطلعوا إلى دولة الحق والقوة والحرية ، ولا تخدعنكم الخمينية فهي دولة الباطل والانحطاط والعبودية ، وهي عودة بالأمة الإسلامية إلى الوراء .
وكفى بالخميني فضيحة صفقات السلاح مع إسرائيل وتعاونها الكامل معها ، فتلك علامة أنه لن يخرج من إيران إلا الدمار والولاء لأعداء الله .
ولأمر ما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث صحيحة أن الدجال يخرج من خراسان وأنه يخرج مع الدجال سبعون ألفاً من يهود أصفهان عليهم الطيالسة ، ولهذا أيضاً أجمع مؤرخة التراث الإسلامي بأن خراسان عش الباطنية السوداء الحاقدة .
الخاتمة
لقد ذكر ابن عمر رضي الله عنهما في أثر صحيح محدّثاً عن حال الصحابة قال : لقد عشنا برهة وإن أحدنا يُتىالإِيمان قبل القرآن. وقد ذكر الله في سورة الفاتحة العقائد أولاً، ثم ثنى بالعبادة، ثم ذكر منهاج الحياة، مما يدل على أن مناهج الحياة الصحيحة تكون أثراً عن عبادة وعقيدة صحيحة ، ومن هاهنا فنحن نركز على العقيدة أولاً ، ثم على العبادة ثانياً ، ثم على منهاج الحياة.
وينص الحديث الصحيح : ( تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ) ، وفنحن نبحث عن عقائد هذه الفرقة الناجية ونتمسك بها ، وعن عاداتها وقيمها وعن مناهج الحياة فيها فنسلكها ونتمسك فيها . والخمينية وعقائدها غير عقائدنا وعباداتها غير عباداتنا ، ومناهج حياتها غير مناهج حياتنا ، لأن الأصل عندهم هو أن يخالفونا ، فما بال أناسٍ في الفرقة الناجية يفرون من الجنة إلى النار ويسلكون غير سبيل المؤمنين ؟(27/25)
إن بعض من نفترض عندهم الوعي غاب عنهم الوعي فلم يدركوا خطر الخمينية ، وإن بعض من نفترض عندهم العلم قصروا عن إبراز خطر الخمينية فكادت بذلك تضيع هذه الأمة ، ولذلك فإننا نناشد أهل الوعي أن يفتحوا الأعين على خطر هذه الخمينية ، ونناشد أهل العلم أن يطلقوا أقلامهم وألسنتهم ضد الخمينية .
لقد آن لهذا الطاعون أن ينحسر عن أرض الإِسلام ، وآن للغازي أن يكون مغزوًّا ، فالأمة الإِسلامية عليها أن تفتح إيران للعقائد الصافية من جديد ، كما يجب عليها أن تنهي تهديدها الخطير لهذه الأمة ، وليعلم أصحاب الأقلام المأجورة والألسنة المسعورة الذين لا يزالون يضللون الأمة بما يتكبونه وبما يقولونه أن الله سيحاسبه على ما ضلوا وأضلوا ، قليس لهم حجة في أن ينصروا الخمينية ، فنصرة الخمينية خيانة لله والرسول والمؤمنين ، ألم يروا ما فعلته الخمينية وحلفاؤها بأبناء الإِسلام حين تمكنوا ، ألم يعلموا بتحالفات الخمينية وأنصارهامع كل عدوٍ للإِسلام ، لقد آن لكل من له أذنان للسمع أن يسمع ، ولكل من له عينان للإِبصار أن يبصر ، فمن لم يبصر ولم يسمع حتى الآن فما الذي يبصره وما الذي يسمعه، فهؤلاء أنصار التتار والمغول وأنصار الصليبيين ، والاستعمار يظهرون من جديد ينصرون كل عدو للإِسلام والمسلمين ، وينفذون بأيديهم كل ما عجز عنه غيرهم من أعداء الإسلام والمسلمين ، ألا فليسمع الناس وليبصروا ولات ساعة مندم .(27/26)
إنه لا يزال للعذر مكان لمن أراد الاعتذار ، وسيأتي يوم لا يقبل فيه من أحد الاعتذار ، فالساكتون عن الحقيقة لن يُغذروا ، والناكبون عن الحق لن يعذروا ، والذين صلوا وأضلوا لن يعذروا ، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث عن الله فيقول : ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ) ، وهؤلاء الخمينيون يعادون أولياء الله من الصحابة فمن دونهم فكيف يواليهم مسلم وكيف تنطلي عليه خدعتهم وكيف يركن إليهم والله تعالى يقول { ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فنمسَّكُم النَّار } .
وهؤلاء الخمينيون ظالمون ومن بعض ظلمهم أنهم يظلمون أبا بكر وعمر ، فكيف يواليهم مسلم والله تعالى يقول : { وكذلك نوَلّي بعضَ الظالمين بعضاً بمت كانوا يكْسِبون } ، إنه لا يواليهم إلا ظالم ، ومن يرضى أن يكون ظالماً لأبي بكر وعمر وعثمان وأبي عبيدة وطلحة والزبير ؟ ومن يرضى أن يكون في الصف المقابل للصحابة وأئمة الاجتهاد من هذه الأمة ؟ ومن يرضى أن يكون أداة بيد الذين يستحلون دماء المسلمين وأموالهم ؟
ألا يرى الناس أنه مع أن ثلث أهل إيران من السنة لا يوجد وزير سني ؟ ألا يرى الناس ماذا يُفعل بأهل السنة في لبنان سواء في ذلك اللبنانيون أو الفلسطينيون ؟ ألا يرى الناس ماذا يفعل حليف إيران بالإِسلام والمسلمين ؟ أليست هذه الأمور كافية للتبصير ؟ وهل بعد ذلك عذر لمخدوع ؟ ألا إنه قد حكم المخدوعون على أنفسهم أنهم أعداء لهذه الأمة وأنهم أعداء لشعوبهم وأوطانهم وأنهم يتآمرون على مستقبل أتباعهم فهل هم تائبون ؟
اللهم إني أبرأ إليك من الخمبيني والخمينية
ومن كل من والاهم وأيدهم وحالفاهم وتحالف معهم
اللهم آمين
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
تم تنزيل هذه المادة من
منبر التوحيد والجهاد
http://www.tawhed.ws
http://www.almaqdese.com
http://www.alsunnah.info(27/27)
الخميني في الميزان
من هو الخميني .
الخميني في قم .
الخميني في العراق .
الخميني والمتناقضات .
الخميني والبدع في الدين .
الخميني بين القول والفعل .
الخميني والشيوعية .
انا والخميني .
(إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً (72))
من هو الخميني
قبل كل شئ يجب أن نعرف شخصية الخميني وهو جواب لأسئلة كثير تطرح نفسها .
1- الخميني الذي يمجد نفسه يقدسها بحيث يجازي فخر الحجازي
كثيرة الذي قال أن الخميني أعظم من النبي موسى وإبراهيم نائبا
عن طهران ورئيسا لمؤسسة المستضعفين، أعظم مؤسسة مالية في
البلاد .
2- الخميني الذي جعل نفسه أعظم من النبي الكريم وأدخل اسمه في
أذان الصلاة .
3- الخميني الذي يرى نفسه حارسا إلهيا أرسله الله لإنقاذ البشرية
ونصب نفسه وخلفائه في الدستور الإيراني الجديد متصفا بهذه
الصفة، كما احتكر لشخصه كل الصلاحيات التي احتكرها
المستبدون الطغاة .
4- الخميني هذا الذي ترمز وتطبل له كل أجهزة إعلامه والصحف التي(28/1)
استولى عليها من الصباح إلى المساء وتصفه بالصفات البطولية العظمى وتنسب إليه الكرامات والمعاجز لماذا هذا الإعلام وهذه الصحف نست أو تناست تماما أسرة خميني ونسبة وموطنه قبل أن يهاجر إلى إيران وهكذا الحالة الاجتماعية التي كانت أسرته تعيس فيها أن الذي يعرفه الجميع هو أن جدّ الخميني أحمد قدم من الهند إلى إيران، وذلك قبل مائة عام وسكن قرية خمين ووالد أباه مصطفى الذي قتل في أبان الشباب في تلك القرية، وهذا كل ما يعرفه الشعب الإيراني من نسب الرجل والقه أما من هم أسرته وأين كان موطنها في الهند قل الهجرة إلى إيران فهذا شئ لا يعرف أحد شيئا عنها ولا هو أشار إليها لا من القريب ولا البعيد ولا أجهزة الإعلام أشارت شيئا إلى هذا الموضوع الحيوي من حياة أسرته خميني، وكما أشرنا قبل قليل بما أن هجرة جدّ خميني إلى :غيران كانت قبل مائة عام، والمائة من السنين في حياة الأسرة يعتبر تاريخا لثلاثة أجيال فقط، فإذاً لا يمكن أن نصدق أن صلة الخميني مقطوعة بأسرته في الهند وقد نساهم، فإذاً ما هو السر لدفين تناسي أسرته وأقربائه وقطع الصلة بهم، أليس هناك ما يعتبر غريبا وخطيرا في هذا الكتمان الشديد وهذا التعميم غير طبيعي على نسب خميني ومؤسسي الجمهورية الإسلامية ومرشد الثورة الإسلامية في إيران . أبرك الجواب للمعجبين بالرجل ومريديه وصحافته وزمرته في أرجاء إيران وكل أملي أن لا يهمس بعضهم في أذن البعض الآخر قوله تعالى((لا تسئلوا عن شيئا أن تبد لكم تسوءكم )) صدق الله العظيم.(28/2)
وهنا أورد أن أعرج إلى موضوع خطير له علاقة مباشرة بالحالة الراهنة في إيران المنكودة الحظ، وهذا أهم بكثير من معرفة نسب الخميني لأن هذا الأخير، سواء كان من سلالة الإمام موسى بن جعفر كما يحمل توقيعه أو لا يكون فالإنسان مسؤول أما الله بأعماله وبما يصدر منه من خير أو شر، (( يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم فمن يعمل مثقال ذرة خير يره ومن يعمل مثقال ذرة شر يره )) . فقد يكون الإنسان منحدرا من أرفع السلالات ولكن عنصره سيئ لا يساوي خردلة، وقصة ابن نوح والتي جاءت في القرآن الكريم تغنينا عن الإسهاب في هذا الموضوع: (( ونادى نوح ربه فقال إن أبني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين، قال يا نوح أنه ليس من أهلك أنه عمل غير صالح فلا تسئلن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين)) . وتقول الآية الكريمة في مكان آخر "" فإذا نفح في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون )) .صدق الله العظيم .
فالمهم إذاً تقيم الخميني بأعماله التي تحكى عن سريرته ودخائل نفسه.
إن ما يحدث الآن في إيران من كرب وبلاء ومحنة هو من أزمة نفسية داخلية أو من تعقيدات في تركيب شخصية وبحكم اللقاءات الكثيرة معه والأحاديث المختلفة التي كانت تدور بيننا وما لمست فيه من تناقضات صارخة بين القول والفعل أدت إلى قطعية التي أشر إليها في مكان آخر من هذا الكتاب فقد كان تقييمي لرجل حسب قناعتي الخاصة كما يلي:
الخميني شديد التعلق بنفسه وبكل ما يتعلق به من القريب وأو البعيد ولا يأنف أن يفني العالم في سبيل أنانيته التي جعلت منه الرجل الذي لا يرى إلا شخصية وما يتعلق بشخصه، وهذه الصفة من أخطر الصفات لدى الحاكم المستبد ولا سيما إذا كان ذلك الحاكم يزعم بأنه له السلطة الإلهية في معاملة العباد .(28/3)
وكل الصفات الأخرى التي تتناقض مع الزعامة الروحية وعلو الرتبة، تتبع من الأنانية وحب النفس ولذلك إذا أرتاي الخميني شيئا لا يحيد عنه قيد النملة ولو انقلبت ذي على ذه ، ومن هنا لا يتعامل معه إلا المطيعين والمتقادين، ثم أن الرجل شديد الظن بلك شئ ومن الصعب عليه أن يسمع كلاما ويحمله على الصحة أو الإخلاص، ومن هنا جاءت معاملته لكثير من المتعاونين معه سيئة بل اقتدى كثيرا منهم لفظ سمعته ونقاء صورته، وإن من أهم الصفات السيئة التي يحملها هو حقده الدفين على كل من أساء إليه ولو قبل نصف قر، فهو لا ينسى الإساءة ولا بد أن ينتقم لها عندما تسنح له الظروف، ولذلك نرى أنه أمر بإعدام علامة الوحيدي والدكتور جمشيد أعلم وهما عضوان من أعضاء مجلس الشيوخ الإيراني في عهد الشاه من بين 60 عضوا آخر لأنهما تطاولا في الكلام عليه في المجلس عندما كان يعارض حكم الشاه، أما سائر أعضاء مجلس الأعيان فلهم مطلق الحرية يسرحون ويمرحون في إيران، وأغرب من هذا أن أحد أقربائه المتصلين به سألني يوما هل تذكر يوم كنا في بيتك مع الخميني وتغذينا على مائدتك ؟
قلت: نعم أنه كان في عام 1955 وعندما كنت مقيما في طهران فأضاف محدثي معلقا فإذا كان صحيحا ما سمعناه عن أيام إقامته في العراق ومن أنه كان يطلب منك العون في بعض الحالات .
فكن على حذر منه فإنه سيقتلك إذا ظفر بك، لأن الخميني يحقد على شخصين ويريد أن يزجهما من الوجود إذا استطاع، شخص أساء غليه وشخص أحسن إليه لأنهما يذكر إنه بأيام ضعفه وهو لا يريد ان يذكر تلك الأيام حتى ولو كانت له. وقد ثبت لي صحة كلام الرجل بعد أن قتل الخميني الجواهريان ودستمالجي وكلاهما من أخلص المخلصين له، وكانا قد قدما له عشرات الملايين لنجاح ثورته عندما كان في العراق وفي باريس، أما التهمة الموجهة إليهما فكانت اتفه من التافه ، أنها مساعدة بني صدر الموقوف ضد الملالي والزمرة .(28/4)
كما أن قتل الشباب المجاهدين الذين على أكنافهم وبنضالهم وصل إلى سدة الحكم، وحربه مع العراق الذي أواه واسنده وقدم له العون طيلة 15عاما خير دليل على سداد رأي الرجل وصوابه، ورحم الله المتنبي الذي قال: " إذا أنت أكرمت الكريم ملكته … وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا "
أما حبه للحياة وشهوته إلى الحكم وهو في أرذل العمر، وما ارتكب في سبيله من الأثام فإنه فريد في التاريخ، لقد قلت لبني صدر عندما التقيت به في باريس، أن سبب عداء الخميني لك هو إنك أظهرت نفسك بالشخصية التي يحبها الشعب أكثر من الخميني، وجهازك نشر إحصائية للرأي العام تؤكد أن شعبيتك 57 بالمائة وشعبية الخميني 47 بالمائة أن هذا التحدي كان انتحارا لك، ألم تكن تعرف الخميني، أنه يفتي الدنيا في سبيل أنانيته النابغة من جنون العظمة، وقلت له أيضا عندما قرأت في الصحف هذه الإحصائية تنبأت أن أيامك في الرئاسة معدودة، وهكذا كانت . أيد السيد بني صدر هذا الرأي قائلا أن صهر الخميني الشيخ الإشراقي كان ينصحني دوما أن لا أظهر بمظهر الزعيم الذي يحبه الناس لأن الخميني لا يتحمل أن يرى غيره زعيما يتعلق به الشعب .
والخميني لا يهمه إراقة الدماء والعتل بالجملة والجماعات، فقد سمعت منه وهو يحاور الإمام الحكيم في النجف ويقول له قتل أتاتورك تسعين عالما دينيا في واقعة واحدة وزرت مقابر هؤلاء عندما كنت المنفى في تركيا، فماذا لا نضحي نحن بالجملة على غرار أولئك ليبقى اسمنا في التاريخ مخلدا، فأجابه الإمام الحكيم بابتسامة ساخرة، هل نقتل ليبقى اسمنا في التاريخ فقط ؟(28/5)
وضحك الحاضرون وامتقع لون الخميني وقال من جديد وكأنه يريد أن يدفع عن نفسه هذه السخرية لما لا لماذا لا تذكر الإمام الحسين عليه السلام الذي قتل لأنه حارب الظلم …… فقال له الإمام الحكيم بنفس للهجة والابتسامة ، لماذا لا نذكر الإمام الحسن عليه السلام الذي صالح معاوية حقنا للدماء وجلس في البيت. وساد المجلس سكوت وصمت رهيب، خرج الخميني أثره من منزل الإمام الحكيم ولم يودعه الحكيم التوديع اللائق .
والرجل لا يعرف الرحمة والعفو، فحتى الصخرة بكث ورقت بإعدام ثلاثة آلاف شاب وشابة من المجاهدين وكلهم في ريعان الشباب وفي غضون ثلاثة أشهر فقط، ولكن الرحمة والرقة لم تجد إلى قلبه سبيلا. فلم يصدر العفو حتى على واحد من هذا الجمع الغفير الذي أعدمته محاكمة الثورية بالتهم السياسية .
والخميني لا يأبى من الكذب أمام الخاصة والعامة على السواء، وإذا كذب يصر في الكذب ما استطاع إلى الإصرار سبيلا، فقد رأينا كيف أن كل أجهزته عندما اعترفت بشراء الأسلحة من إسرائيل أنكر الخميني ذلك أكثر من مرة، حينما ثبت ذلك أمام العالم بعد سقوط الطائرة الأرجنتينية وانكشفت حقيقة النظام الحاكم في إيران واعترفت إسرائيل بذلك في آخر الأمر، كرر الخميني إنكاره لشراء السلاح وبإصرار وعناد وكأنما هذا الشيخ العجوز يعيش في عالم آخر لا يرى الشمس حتى في رائعة النهار.(28/6)
والخميني دوانيقي في كرمه، ولا تزال الأزمات الخانقة المالية والفقر المدفع الذي لمّ به عندما كان طالبا بسيطا في قم مسيطر على تفكيره وعظمائه، وقد قال أحد المقربين منه أن الإمام إذا أراد أن يعطي أحدا ما يكفيه لشروة نقير ارتجفت يداه حتى الكتف، فالحوزة العلمية الدينية في قم بطلابها البالغ اثني عشر ألف طالب تعيش في حالة مالية مؤسفة بسبب جشع الخميني في تكديس الأموال في البنوك وعدم صرفها عليهم وكلما حاولت زعماء الحوزة الكبار أمثال الإمام السيد كاظم شريعتمادري وكلبايكاني والمرعشي أن يحسنوا الوضع المالي للطلبة رفض الخميني ذلك ووقف ضد الإصلاح المالي بإصرار وعناد، قائلا أن الله قد جعل العلم في الجوع. وطلب الدين في الحوزة الدينية في قم تقاضى ما يعادل مائة دولار شهريا فقط حتى إذا كانت في عنقه عائلة تتجاوز أفرادها العشرة أو العشرين، يجزي هذا الظلم القادح على كل الحوزات الدينية في إيران وطلابها يأتون من أذى الفقر والجوع لأن الخميني لا يريد الرفاهية لهم وهو يملك مئات الملايين التي كدسها في البنوك باسمه وهذه الأموال أعطيت له كي يعطيها إلى الذين حرمهم منها، وهكذا أمام الأمة يخفون أموال الأمة .
والخميني مغرم بمظاهر التكبر والجبروت وأذكر هنا ما حدث أمامي في مستشفى الأمراض القلبية الذي كان الخميني راقد فيه . كانت هناك غرفة صغيرة ملاصقة بالغرفة التي كان الخميني راقد فيها وهذه الغرفة كانت مخصصة لكبار زائريه . كنت أنا والمهندس بازركان وصهره الإشراقي وابنه أحمد والشيخ أحمد المولائي سادن الحضرة في مدينة قم في تلك الغرفة عندما دخل عليه صادق قطب زاده وزير خارجية إيران آنذاك وكان قد رشح نفسه لرئاسة الجمهورية فقاطعة الإشراقي قائلا ما هذا السؤال لابد أنه صوت لنفسه .
فقلت أنا ضاحكا: إذا كان لقطب زاده ضمير حي فلا يختار نفسه لمثل هذا المنصب .(28/7)
وهنا ضح الحاضرون بصوت عال جدا . وبعد قليل جاء المرافق وقال للإشراقي ( أجب الإمام) وعندما عاد الإشراقي أخبرنا أن الإمام سأله عن أسباب الضجيج الذي أقلق مضجعه وقد بلغني بعد ذلك أنه أمر بغلق تلك الغرقة واستقبال الزائرين جميعا في الصالون العام .
واختم هذا الفصل بقصة هدم مقبرة رضا بهلوي، تلك المقبرة التي كلفت الشعب 200مليون دولار في وقته، وكانت من البنايات الأثرية في إيران . لقد أمر الخميني بهدمها كي يثبت للشعب الإيراني أن تنبؤاته صادقة وأنه يلهم من عالم الغيب، فقد سبق وأنه قال في عهد الشاه وفي إحدى خطبه ( أنه يأتي اليوم الذي يهدم الشعب مقبرة بهلوي ) وعندما بلغني أن الشيخ الخلخالي جلاد الثورة بدأ يهدم المقبرة اتصلت به هاتفيا…
وقلت له: كما يعلم الجميع فإن جثمان بهلوي خرج من إيران بصحبة ابنه الشاه وهذه البناية هي ملك الشعب وليست ملكا لأسرة بهلوي وكنت قد اقترحت أن تكون متحفا لجرائم بهلوي الأب والابن فلماذا تهدم بناءا شاهقا هو من أجل المباني في هذه البلاد والشعب هو الذي دفع ثمن هذه البناية من عرقه وقوته، وهل تريد أن ينظر العالم إليكم كما ينظر إلى جنكيز وتيمور ويصفكم بهدام الحضارة .
وبعد يومين أعلن الشيخ الجلاد أن الشعب هدم مقبرة بهلوي ليعلم الناس أن تنبؤات الإمام الخميني صادقة دوما .
على مثل هذا الزيف والدجل والتلاعب بمعتقدات الناس وسذاجتهم بني الخميني صرح إمامته . وحول هذا الصرح يزمر ويطيل قوم ذكرهم الله تعلى في كتابه الكريم (( أولئك كالأنعام بل هم أضل سبيلا )) ووصفهم الإمام علي بقوله: " همج رعاع يميلون مع كل ريح، أتباع كل ناعق لم يستضيؤوا بنور الله " .
الخميني في قم(28/8)
لم يكن يفكر أحد قط أن شيخا بلغ الثمانين وهو متلبس الزهد والتقوى وقد عمم بالسود إشعارا بأنه من أبناء الرسول الكريم(ص) وهو يدعي التفقه في الدين وقد سمعه العالم أكثر من مرة يندد بالظلم والاستبداد الذي يجري في إيران على يد الشاه محمد رضا بهلوي، إن هذا الرجل نفسه وبهذه الميزات عندما ألت إليه السلطة يرتكب من الجرائم ما تقشعر من سماعه الأبدان، ويرتكب باسم الإسلام فسادا ونكرا يبقى وصمه عار في تاريخ البشرية ما شاء الله أن يبقى .
إذاً من هو هذا الزاهد الطاغوت وهذا الفقيه الجبار وهذا الثائر المستبد وهذا العجوز الذي اتكل من الأمهات وأيتم من الأولاد وقتل من أبناء الشعب الإيراني بقومياته المختلفة في أربع سنوات عشرة أضعاف ما قتل سلفه في ثلاثين سنة، من هو هذا الذي يكون أعظم خداع في التاريخ بحق، وأكثر ممثل على مسرح الزمان منذ بداية إلى نهايته .(28/9)
كان روح الله الخميني مغمورا في أوائل الخمسينات عندما كان في قم يقوم بتدريس الفلسفة الإسلامية وكلما كان يعرف عنه أن الإمام البروجردي زعمي إيران الديني آنذاك غاضب عليه بسبب تطرفه الديني وقد قال الإمام عنه أن هذا الرجل سيهدم الحوزة الدينية ويكون على الإسلام وبالا، وتوفى الإمام البروجردي في عام 1961 وقد خلفه في الزعامة الإمام الشريعتمداري والكلبايكاني والنجفي المرعشي وكلهم الآن على قيد الحياة ولم يذكر أحدا الخميني في عداد خلفاء الإمام الراحل ولم يفكر أحد قط أن الخميني سيكون في عداد الزعماء الدينيين الجدد في قم، لأن الحوزة الدينية كانت تنظر إلى الخميني كأستاذ في الفلسفة ولم تكن تنظر إليه كفقيه مجتهد يحق له تصدير الفتوى ومن شروط الزعامة الدينية هو التفقه في الدين والاجتهاد في الأحكام غير أن هذا الوضع لم يدم طويلا فقد أعلن الشاه تقسيم الأراضي الزراعية على الدهاقين فثار ثائرة رجال الدين وكان أكثرهم تحمسا وشدة في الكلام وهجوما على الشاه هو الخميني فاشتهر اسمه واعتلى نجمه ولا سيما أن الزعماء الدينيين الثلاث مع مخالفتهم لقرار التقسيم لم يخرجوا م طور المجاملة في التخاطب مع الشاه، ومع أن الخميني في بادئ البدء كان يخاطب الشاه في رسائله وأحاديثه بحضرة صاحب الجلالة والملك المعظم وكان يقول أنه لا يرى لإيران بديلا من الملكية إلا أنه يريد الإصلاح ولكنه عندما رأى أنه خرج من العزلة بسبب خطبه العنيفة، واشتهر صيته في البلاد واصبح يذكر مع الزعماء الثلاثة الآخرين فأراد أن يسبق الرهان فبدأ يتحرك في كل محور من محاور العمل الشعبي الجاد ضد الشاه فاجتمع على بابه رهط كبير من الناقمين والساخطين والمعجبين بخطبه الحماسية التي كانت تلهب مشاعر الشعب الإيراني واستغل هو وجماعته عنه المقربين هذا الإقبال الجماهيري لينادون به فقيها يستطيع تصدر الفتوى فكان لهم ما أرادوا وبعد تطاول على الشاه عاد إلى قم وهو يسير في(28/10)
نفس الطريق فنفاه الشاه بعد تسعة أشهر إلى تركيا ليظل تحت الرقابة في بورما سنة كاملة وقد تركها بعد ذلك إلى العراق بموافقة الشاه واستئذان الحكومة العراقية وبقى في العراق 15 عاما يأكل من قمح العراق وملحه،وقد شاءت الأقدار والظروف السياسية التي ذكرناها في هذا الكتاب أن يزاح الشاه عن عرشه ويحل الخميني عنه وكما قال لويس الرابع عشر( إذا مت فليكن الطوفان وقد كان ) .
الخميني في العراق
وصل الخميني إلى العراق في أيلول من عام 1965 واتخذ من النجف الأشرف مقرا له واجتمع حول نفر من مريديه ثم انضم إليه رهط من إيران . وبقى الخميني في النجف حتى نهاية عام 1978 حيث غادرها إلى باريس في قصة يعرفها العالم .
كان الخميني في النجف منطويا على نفسه له برنامج خاص يتبعه كل يوم لم يكن له نشاط يذكر ضد الشاه حتى عام 1968 أي سنة التي وصل حزب البعث إلى الحكم فلم يمض شهور قلائل على تسلم الحكومة الحاضرة لمقاليد الأمور حتى نشب نزاع مرير بين الحكومة العراقية والشاه بسبب المساعدات التي كان يقدمها هذا الأخير للملا البرازاني والانفصاليين الأكراد، وبدأت أجهزة إعلام الدولتين حرابا إعلامية ضد الدولة الأخرى وأعلنت الحكومة العراقية أنها تساعد وتأوي كل لاجئ يصل إلى العراق هاربا من حكم الشاه فوصلت إلى العراق جماعات كثيرة من مختلف الأحزاب والاتجاهات في المعارضة الإيرانية، وفي ضمن هذه مجموعات رجال من مؤيدي الخميني فأكرمهم العراق وأواهم وأعطى الأولوية للخميني في العناية ولجماعته .(28/11)
وعندما بدأت الإذاعة الفارسية في بغداد تشن هجوما عنيفا ضد حكم الشاه خصصت قناتا خاصة للخميني كان يقوم البث فيها رجل من أنصاره يدعى محمود دعائي وكان اسم البرنامج ( النهضة الروحية)، وحصل تعاون وثيق بين الخميني والحكومة الحاضرة بحيث كان ابنه مصطفى يزور شخصيات السياسية في بغداد حاملا إليهم رسالة أبيه وثنائه وشكره على الحكومة التي أوتهم وأعطتهم كل الإمكانيات للانطلاق السياسي الذي ما كانوا يحملون بمثله في أي مصر وعصر .
ولكي أضع النقاط على الحروف أود أن أسجل هنا للتاريخ قائمة بتفاصيل المساعدات التي كان يتلقاها الخميني من الحكومة العراقية التي هو اليوم في حرب معها، ليعلم الشعب الإيراني قبل الشعب العراقي حجم المساعدات التي تلقاها الخميني من الحكومة العراقية طيلة العشر سنوات التي قضاها في كنفها ليعود بعد ذلك إلى إيران ويجازي العراق وشعبه جزاء سنمار .
أعطت الحكومة العراقية الأولوية القصوى بين اللاجئين السياسيين المتواجدين آنذاك في العراق للخميني وحاشيته وسهلت لهم العيش والحياة وزودت كثيرا منهم بالجوازات العراقية بعد أن حرمهم الشاه من هويتهم الإيرانية فسهلت له التنقل بين البلاد والاتصال بالعباد .
خصصت وزارة الإعلام للخميني قناتا خاصة في القسم الفارسي بإذاعة بغداد كان يبث منها لكما يتصل بالخميني ونضاله ضد الشاه وكان المذيعون فيها جماعته والمنتسبين إليه وكان يذاع منها برنامجا يوميا اسمه ( النهضة الروحية ) .
كان مصطفى ابن الخميني على اتصال وثيق بالحكومة العراقية وكان يجري الاتصال بأركان الدولة مباشرة أو عن طريق المرحوم جنرال بختيار ويطلب المساعدات المختلفة لجماعة أبي وكانت طلباته لا ترد .(28/12)
كانت الجهات المعينة بشئون التدريب العسكري تدرب جماعة الخميني خارج مدينة النجف وكان ممثل الخميني لدى الحكومة للإشراف على التدريب هو الشيخ يزدي زاده الموجود حاليا في إيران وكانت الحكومة تعطي لهم المال والسلاح .
كان الخميني يستقبل شخصيات كبيرة في الدولة وكانت أحاديثه معهم هو التغيير عن الشكر والامتنان للحكومة مع الدعاء لها بالتوفيق والتسديد .
كان الخميني يقدم الرجاء إلى الرئيس العراقي في القضايا المتعلقة به وكان رجائه يقبل حتى في المناسبات الخطيرة كما جدث ذلك في عام 1970 عندما حكمت محكمة الثورة على السيد حسن الشيرازي الإعدام لاتهامه التجسس لصالح دولة أجنبية وكان هذا الشخص محسوبا على الخميني ومن حاشيته فكتب رسالة بخطه إلى الجنرال تيمور بختيار الموجود آنذاك في بغداد يطلب منه نقل رجائه إلى الرئيس صدام الحسين الذي كان آنذاك نائبا لرئيس مجلس قيادة الثورة يطلب الرحمة العفو عن المتهم فقبل رجائه وأعفى عن الشيرازي وأطلق سراحه بعد شهرين الأمر الذي لم يحدث له نظير من قبل .
عندما توفى ابنه مصطفى قدم الخميني رجاءا إلى الرئيس العراقي يطلب إصدار الأمر بدفن ابنه ( بصورة استثنائية ) في الروضة الحيدرية الأمر الذي كان ممنوعا بقرار من مجلس قيادة الثورة، ورفع الخميني هذا الرجاء عن طريقي فرفعه إلى الرئيس العرقي عن طريق وزير الأوقاف فقبل الرجاء ودفن ابنه حيثما أراد الخميني .
كان أحمد ابن الخميني يقدم الرجاء الحكومة يطلب حماية أبيه من اغتيال السافاك فكانت حكومة تجند لحماية الخميني رجالها وبالتنسيق مع أحمد .
عندما غادر الخميني العراق إلى الكويت ولم تسمح له السلطات الكويتية بالدخول إلى أراضيها بقي في الحدود الكويتية حيرانا لا يدري ماذا يفعل فعلمت حكومة العراق بذلك فوافقت لعودته إلى العراق وقبل له عندما وصل إلى بغداد أنه يستطيع العودة إلى النجف والعيش فيها إذا شاء على شرط أن يحترم قوانين العراق .(28/13)
وبعد كل هذا ليت شعري كيف يبرر الخميني والخمينيون حربهم مع العراق وكيف يبررون هذا الموقف العدائي لهذه الدولة التي أكرمتهم وأوتهم وأحسنت وفادهم ثم هم يعبرون عن حكومة العراق في خطبهم وأجهزة أعلامهم ( بالكافرة) فليت شعري أن أعرف متى أصبحت الدولة هذه كافرة يجب محاربتها وقبل أبنائها وتدمير أرضيها، هل كانت كافرة وهو في كنفهم يدعو لها بالتأكيد والعمر المديد أم أصبحت كافرة بعد أن قبلت له كلمتان ( احترم قوانيننا أو اذهب إلى حيث ما شاء ) ولا اعتقد أنه يوجد ( ما عدا السذج الغفل ) من الناس من لا يعرف أن هذه الحرب إنما هي كما سميناها ( حرب الأحقاد ) وليست حرب المبادئ والمصالح .وهنا أورد أن اكشف سرا للشعب الإيراني والعراقي معا وبذلك أكون قد أديت واجبي أمام الله والتاريخ ليعلم المسلمون في كل مكان وزمان فداحة الخطر الذي يحدق بالإسلام من هذه الطغمة الحاقدة التي آلت على نفسها القضاء على الإسلام باسم الإسلام، وخراب بلاد المسلمين باسم مصالح المسلمين، لقد حضرت حوار بين المرحوم جنرال بختيار ومصطفى ابن الخميني وأن كشف مضمونها بوضع للرأي العام الانحدار الخطير الذي وصل إليه الخميني وجماعته بعد وصولهم إلى السلطة وتحكمهم في رقاب الأمة وهذا تفصيل الحوار: لقد قطعت الحكومة العراقية علاقتها الدبلوماسية مع حكومة الشاه في عام 1970 وبعد أن احتلت إيران الجزر الثلاثة أبو موسى وطنب الكبرى والصغرى وتدهورت العلاقات وصلت إلى الصفر وأمر الشاه جيشه بالتحرك إلى الحدود المتاخمة للعراق وكانت هناك نذرا تنذر بنشوب الحرب بين الدولتين فحضر مصطفى ابن الخميني إلى بغداد والتقى بالجنرال بختيار في قصر السلام ليطلب منه أن يبلغ الحكومة العراقية أن والده بصفته الزعيم الروحي لإيران قد أعد البيان الذي سيقرأه على الجيش الإيراني إذا ما أراد الشاه الهجوم على العراق وأنه يقول في خطابه " أن الواجب المحتم على الجيش الإيراني هو أن يحارب(28/14)
الشاه لا العراق لأن الشاه خارج عن ربقة الإسلام إذا ما تسبب في حرب وقودها المسلمون وأن عرش الرحمن سيهتز كما أراق مسلم دم أخيه جار شقيق دم جاره الشقيق " .
هكذا كان الخميني عندما كان في العراق بعيدا عن السلطة وهكذا يكون اليوم في إيران وهو على رأس السلطة حقا أن هذا الانحراف في تفكير الرجل الذي يقود إيران كارثة ليست بعدها كارثة .
الخميني والبدع في الدين
إن البدع التي أبدعها الخميني في الدين كثيرة أشرت إليها عبر خطاب إذاعي وجهته إلى الشعب الإيراني، وهنا أعدد تلك البدع ليعلم علماء الإسلام في العالم والمصلحين من رواد الأمة الإسلامية. أنهم إذا سكتوا أمام هذه البدع التي تلطخ اسم الإسلام وسمعته فإن أمة الإسلام ستشهد مذهبا جديدا باسم الخمينية يضاف إلى البهائية والقادرية، وإني أدعو علماء الإسلام لعقدوا محكمة إسلامية كبرى تضم رجال الدين الكبار من مختلف طوائف المسلمين لمحاكمة الخميني وإبداء رأي الإسلام فيه وفي بدعه حتى يعلم المجتمع البشري أن ما يحدث في ظل الخمينية في إيران المسلم ليس من الإسلام بشيء بل أن الإسلام برئ منه، أن الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم قال: " إذا ظهرت البدع في أمتي فعلى العالم أن يظهر عليه وإلا فعليه لعنة الله " ويقول صلى الله عليه وآله وسلم في مقام آخر : " الساكت عن الحق كشيطان أخرس " .
وإن الوقت قد حان على العلماء أن يظهروا علمهم ورأيهم في أخطر مرحلة عصيبة تمر على الإسلام في العصر الحديث وما تعرض إليه من البدع والزيف وزور القول والضلال على يد جماعة تنسب نفسها إلى الإسلام . وإلى العلماء الإسلام أرفع هذا النداء وأعدد لهم بدع الخميني في الدين :
أدخل الخميني اسمه في أذان الصلوات وقدم اسمه حتى على اسم النبي الكريم، فأذان الصلوات في إيران بعد استلام الخميني لحكم وفي كل جوامعها كما يلي :(28/15)
الله أكبر الله أكبر( خميني رهبر) أي أن الخميني هو القائد، ثم أشهد أن محمدا رسول الله … الخ .
نستثني جامع كوهو شهادة في المشهد الرضوي، حيث لم يسمح الإمام الطباطبائي القمي أن تدخل هذه البدعة إلى الجامع الذي يصلي فيه، وأبلى البلاد حسنا في مقاومته لهذه البدعة، ولكن الله كتب له النجاح فتغلب على زمرة الخميني في آخر المطاف (1).
لقد جرت العادة في البلاد الإسلامية إذا ذكر اسم النبي الكريم صلّى الله عليه وسلم صلّى الحاضرون عليه إجلالا وإكبارا ، وفي إيران اليوم إذا ذكر اسم الخميني صلّى الحاضرون ثلاث مرّات، وقال بازركان في خطاب جماهيري ( ماذا تقولون لرسول الله إذا قال لكم تصلون عليّ مرّة إذا ذكرت وثلاثة مراّت إذا ذكر ابني ) وكان البازركان يقد من (ابني) الخميني الذي يدعي أنه من أولاد الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم وكاد البازركان يدفع حياته ثمنا لهذا الكلام .
رفض الخميني الصلح مع العراق الجار المسلم حيث تنص الآية الكريمة في القرآن الكريم على وجوب الصلح في كل الأحوال وبغض النظر على أسبابها والبادئ بها ويأمر بمقاتلة الرافضين للصلح حيث يقول تعالى (( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما )) (( وإن بغت إحداهما على الآخر فقاتلوا التي تبغي حتى تفي إلى أمر الله)).
قتل المرابي كما حكمت به محاكمة الشرعية .
قتل الآلاف من المعارضين السياسيين باسم المفسدين في الأرض.
قتل الآلاف من الأقليات القومية التي كانت تطالب بحقوقها المغتصبة باسم الكفار الذين شهروا السلاح في وجه الدولة الإسلامية .
المحاكمات الثورية الارتجالية التي تحاكم 100 شخص في مائة دقيقة .
قتل المهربين للمواد المخدرة .
مصادرة أموال الناس زورا وبهتانا باسم حماية المستضعفين .
تبني فكرة ولاية الفقيه وجعل نفسه حاكما بأمر الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد .
__________
(1) منذ سنة والامام الطباطبائي معتكف في داره .(28/16)
تعيين ولي عهد لنفسه يدعى حسين علي منتظري بالطريقة التي سلكها معاوية بن أبي سفيان في تعيين ابنه يزيد وليا لأمور المسلمين، وجعل الزعامة الدينية والتي كانت الانتخاب المباشر ملكا عضوضا .
بث الفرقة وإيجاد القلاقل بين صفوف المسلمين في البلاد المجاورة والتي أدت إلى مئات الضحايا وإراقة الدماء .
الخميني والمتناقضات
أما التناقضات التي تصدر من الرجل في القول والعمل فهي محيرة للعقل .
فعندما كنت في العراق وصلتني رسالة من الملا مصطفى البارزاني يدعوني إلى ( كلالة) عاصمته التي كان يعيش فيها حتى يبحث معي سبل التعاون ضد الشاه . وعجبت من مضمون الرسالة لأنني كنت أعلم أن البارزاني هو عميل الشاه ولولا هذا الأخير لم يكن للبارزاني شأن. كما ثبت فيما بعد .
وبما أنني لم أكن اشك بأن كاتب الرسالة هو الملا البارزاني لأن السيد مهدي الحكيم ابن الإمام الحكيم والذي كان على اتصال بالبارزاني هو الذي طلب مني أن أقاتل رسول البارزاني حامل الرسالة المذكورة .
ومع الشكوك حول نوايا الرجل إلا أني فكرت بجد أنه ليس من الأخلاق أن يقوم زعيم يرى نفسه قائدا لأمته بدور رديء في حق رجل لم يعرف ولم يصدر منه أية إساءة بالنسبة إليه وذلك في سبيل إرضاء مخلوق آخر .
فذهبت إلى مقابلة الرئيس العراقي أحمد حسن البكر رحمه الله وأطلعته على الرسالة وقلت له قد يكون من المصلحة الاستجابة لدعوة البارزاني لعلي أستطيع القيام بدور الوفاق بينكم وبينه إذا ما التقيت بالرجل .
فضحك الرئيس البكر وقال إنها خدعة.ثم أضاف لقد سلّم البازراني خمسة أشخاص من المناضلين الإيرانيين الذين لجأوا إليه من بطش الشاه إلى هذا الأخير وقد أعدمهم الشاه فورا .
ثم أضاف الرئيس قائلا إياك والذهاب إليه فإنه خبيث مخادع يريد قتلك .(28/17)
وبعد أيام رأيت الخميني وقد علم بالموضوع فقال لي لا يخدعنك البارزاني أنه يريد تسليمك إلى الشاه وأضاف أن البارزاني وأولاده عملاء مزدوجين للشاه وللمخابرات الأمريكية .
وبعد عشر سنوات من ذلك التاريخ صافح الخميني ابني البارزاني العملاء المزدوجين على حد تعبيره وزدهم بالسلاح والمال لقتل الشعب العراقي الجار المسلم .
والتناقض الثاني في سياسة الخميني هو أن فئة من أصحاب الإمام الحكيم اصدروا بيانا بعد وفاته بتوقيع شخصيات بارزة دينية من علماء النجف الأشرف جاء فيه أن الشخص المؤهل للزعامة الدينية بعد الإمام الحكيم هو الإمام السيد أبو القاسم الخوئي وليس غيره، وفي وقته اعتبر هذا البيان طعنا لاذعا في الخميني الذي كان في النجف أيضا ينافس الإمام الخوئي على الزعامة . وقد أعلن الخميني وأنصاره أن هذا البيان إنما صدر باعاز من السفارة الإيرانية في بغداد بتوجيه السافاك الإيراني لتحطيم الخميني وكان الحرب سجالا بين الخمينيين وحكيمين بعد صدور ذلك البيان الذي قام بتوزيعه في العراق عناصر من حزب الدعوة.
وكان هذا الحرب يلقب الخميني المفسد الأكبر ومخرب الإسلام والحوزة العلمية وقد شكا الخميني عندي مرّة من الأذى الذي يلاقيه من أفراد هذا الحرب وعبّر عنهم بعملاء الشاه الحقراء المأجورين وخلايا النحل الذي يمده السافاك بالمال والتوجيه .
وإذا بالخميني نفسه وبعد أن يعتلي سدة الحكم يصافح تلك الأيدي التي كان ينعتها بتلك النعوت ويقربهم إليه ويعطي لهم المال والسلاح يشكل منهم خلايا لمحاربة العراق . أنه مدعاة للسخرية حقا .(28/18)
والتناقض الثالث الذي لا بد من الإشارة إليه: لقد ذهب السيد موسوي الصدر إمام الشيعة في لبنان إلى ليبيا وبدعوة من العقيد القذافي ولم يعد منها أبدا .وقال الخميني إني ربيب الصدر وأدبته وهو بمثابة ابني ولا بد أن انتقم له . وعندما كنت في طهران قال لي أحمد ابن الخميني أنه سأل من ياسر عرفات عن مصير الصدر فكان جوابه: إنه طار . وإنه أخبرناه بمقتل الصدر في ليبيا ومع كل هذا قال الخميني أعلن الولاء للرجل الذي قتل تلميذه وأحب الناس إلى قلبه لأن يغدق بالأموال الكثيرة .
على خليفته حسين علي المنتظري. والمنتظري هو الشيخ الذي قال للصحفيين بكل وقاحة. أنه يأخذ المال من العقيد القذافي لأنه أخيه ولا كلفه بين الأخوة ( والجيب واحد ) .
وبهذه المناسبة أذكر هذه القصة الطريقة عن حياة هذا الشيخ العميل: عندما كنت في طهران زارني سعد مجبر سفير ليبيا في داري ليسلمني دعوة من العقيد القذافي لزيارة ليبيا وفي أثناء الحديث أخبرني أنه كان في قم في زراية المنتظري وتغذى على مائدته الخبز والتمر واللبن ثم أشاد يزهد الشيخ وورعه . وهنا سألت السفير الليبي هل أن المنتظري يزهد أيضا في الدولارات التي تسلمها إليه أم يبتلعها حتى الثمالة ؟ فقال السفير ضاحكا ولا والله أنه يكاد يطير فرحا عندما أسلّمه الأموال .(28/19)
وتناقض رابع في حياة الرجل لا ينساه التاريخ فالرجل الذي يدعي أنه جاء لحماية الإسلام يتعاون مع أعداء الإسلام الحقيقيين وهو على أحسن العلاقات وأتمها من الاتحاد السوفيتي في حين أن أن الحرب سجال بين الإسلام والإلحاد في أفغانستان، ومئات الآلاف من المسلمين قتلوا ويقتلون على يد الجيش الأحمر بقنابل النابالم وبلغت الوقاحة إلى الشيخ الرفنسجاني رئيس مجلس الشورى أنه منع من الكلام واحد النواب الذي كان يريد الهجوم على الاتحاد السوفيتي بسبب الحرب التي يخوضها ضد الشعب الأفغاني الأمن ، وقال له تريد أن تفسد علاقتنا الحسنة مع الاتحاد السوفياتي، والخميني نفسه الذي يهجم دوما على البلاد الإسلامية وزعماء المسلمين ويحارب الجار الشقيق المسلم العراق ساكت على ما يجري في أفغانستان من إراقة الدماء ولم يذكر الاتحاد السوفياتي إلى الآن بكلمة غير سليمة .
ومن المتناقضات الصارخة في سياسة الرجل وعمله هو موقعه العدائي من كثير من دول المنطقة وتعاونه الحميم مع البعض الآخر، لقد قمت له في آخر لقاء تم بيننا في قم، لماذا تعادي دول المنطقة والخليج وكلهم جيران والجار لا يستطيع أن يعادي الجار بما في ذلك العداء يكمن أخطارا جسيمة لإيران والمنطقة بكاملها، فكان جوابه أنه لا يستطيع أن يصافح حكام هذه الدول لأن شعوبها من المستضعفين الذين وجدوا في الثورة الإيرانية أملا لمستقبلهم وهم لا يحبون حكامهم .
قلت له: إذا قبلت كلامك جدلا، فهل تعتقد أن الشعب السوري يحب حكامه ؟ وهل أن الشعب الليبي يحب حكامه ؟ وأنت مددت بد الصداقة إليهم وترتبط معهم بأوثق الصلات. لم يتفوه الخميني بكلمة وقد طأطأ رأسه وامتقع لونه، وبدأ ينظر إلى الأرض شزرا .
ولذلك لم يستغرب أحد من الضالعين بشئون التناقضات الخمينية عندما سمع من الرجل إن حزب البعث العربي في العراق كافر يجب محاربته،ولكن حزب البعث العربي في سوريا مسلمي يجب مصادقته .(28/20)
صدق الله العظيم حيث يقول (( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين )).
لقد سألت مصطفى ابن الخميني يوما ، لقد كان والدك قبل الزعامة وفي أيام إقامته في قم هنا بشا لم تغادر الابتسامة شفتيه وكان لطيف المعشر حلو الحديث لم يسأم الإنسان من محادثة وقد أصبح الآن قاسيا غليظا متعجرفا شائكا كظهر القنفذ، فما عدا مما بدا ؟ فأجابني: عندما دخل أبي معمعمة السياسة كثر النقاش والجدال عنده حول طريقته في معالجة الأمور وآرائه السياسية، وتفاديا للنقاش والجدال بدأ يعبس ويقلل من الحديث حتى يسأم الزائرون من الجلوس عنده، وقد أصبحت هذه الحالة المصطنعة عادة ثانوية عنده لا تغادره حتى في حياته العائلية. أن أبي يعتقد أن الزعيم يجب أن يأمر فيطاع وإذا حلوا فقد أكله الناس وفقد سيطرته عليهم .
والتناقض الآخر في سياسة الخميني هو موقفه الشائن من فرنسا البلد الذي وفر له الحماية وكل الوسائل اللازمة للانطلاق ضد الشاه. فعندما كان الخميني في باريس كان يمجد بفرنسا ويعبر عنها بمهد الحرية وبعد أن وصل إلى سدة الحكم ملك طريق العداء معها. لأن فرنسا أوت المناضلين الإيرانيين الذين فرّوا من جحيم الجمهورية الإسلامية كما أوت الذين فرّو من جحيم الشاه من قبل .
والخميني الذي أدخل الرعب في قلوب شعب إيران بقسوته التي تفوق القساوة النازية يزعم أنه سيرعب فرنسا أيضا بتهديداته الجوفاء الحمقاء وبالسب والشتائم والكلام البذيء وهذا هو شأن كل متكبر جبار يحاط به أقوام جبناء يصيرون له أن العالم يتحرك حسب إرادته وهواء، فهو لا ولن يفهم معنى الحرية والديمقراطية وسيادة الشعب على مقدراته. إن كل ما يعلمه المستبد الظالم هو الإسراف في القتل والتعذيب والمزيد من إراقة الدماء حتى أن يلمس نهايته الكئيبة التعيسة التي يعض يده عليها ويقول ياليتني مت قبل هذا وكنت ترابا .(28/21)
وأنني عندما استمع إلى التهديدات الجوفاء الحمقاء التي يطلقها الخميني زمرته ضد دول العالم أذكر قصة تلك الفأرة التي قالت للجبل: سأرحل عنك حتى تستريح قليلا من عنائي . فأجابها الجبل: أيتها المسكينة أنا لم أعرف بغدوك كيف برواحك .
الخميني والشيوعية
ليس الشبه الوحيد بين السيد الخميني مرشد الثورة في إيران والسيد لينين مرشد الثورة الشيوعية في روسيا، أن كليهما بدا بالعمل لإسقاط نظام بلديهما من باريس، ودخلا بلديهما بعد أن سقطت في إيران أسرة بهلوي الملكية وفي روسيا أسرة رومانوف القيصرية، كما أن الشبه بين الرجلين ليس أن كلا منهما كانت تحركه روح الانتقام الشخصي، فالخميني أراد أن ينتقم من الشاه لأنه قتل ابنه على حدّ زعمه ولينين أراد أن ينتقم من قيصر لأنه قتل أخاه ولكن وجه الشبه الحقيقي هو :
إن الشيوعية اتخذت كلمة الفقراء ( برولتراليسم ) شعارا للثورة الشيوعية، وأخذ الخميني كلمة المستضعفين شعار للثورة الإسلامية الإيرانية .
النظام الشيوعي لا يؤمن بالملكية المطلقة، ولذلك صودرت أموال كبار التجار والمعامل والأراضي في ظل الشيوعية، وخلقت من الأغبياء طبقة فقيرة تضاف إلى الفقراء، والخميني ونظامه صادروا أموال التجار وأراضي الناس والمعامل الكبيرة وأضافوا طبقة فقيرة إلى الفقراء وشعارهم أن الإسلام لا يؤمن بالملكية المطلقة المحدودة كما قال كارل ماركس .
النظام الشيوعي يعتقد بأن الصحافة والإعلام يجب أن يعبر عن سياسة الحزب ويجب أن تكون في خدمة النظام الحاكم وتكون بوقا من أبواقه، ونظام الخميني صادر الصحف واستولى على الإعلام واستعمله في صالح حزبه .
الحزب الشيوعي هو الذي يحكم في النظام الشيوعي ، ويحكم الحزب الجمهوري الإسلامي إيران بقيادة الخميني .
الشعب ممنوع من السفر إلى خارج البلاد في الأنظمة الشيوعية، والسفر ممنوع على شعب إيران في نظام الخميني .(28/22)
الشيوعية تدعو إلى الأممية ونبذ القومية، وأول شعار نادى به الخميني هو الأممية واعتبار القومية كفرا وإلحادا .
في الأنظمة الشيوعية يؤلّه الحاكم كما إلّه ستالين في روسيا، وماوتسي تونغ في الصين وتيتو في يوغسلافيا، وفي نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية ألّه الخميني أكثر من أي إله آخر .
في كثير من الدول الشيوعية تتخذ كلمات الحاكم إنجيلا واجب اتباعه، ويرددها الشعب في كل مناسبة ومكان، وكلمات الخميني اعتبرت إنجيلا يرددها اتباعه وأعوانه في كل مكان .
النظام الشيوعي هو النظام القائم على القيادة الجمعية في حكم البلاد على شرط أن يكون القادة من المؤمنين بالماركسية، ونص دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية على القيادة الجماعية شريطة أن يكونوا من المؤمنين بالخميني، وشعارهم " حب خميني حسنة لا تضر معها سيئة " .
في النظام الشيوعية تخضع كل دائرة للجنة شيوعية تنبثق من داخل تلك الدائرة، وفي نظام الخميني تخضع كل دائرة للجنة خمينية تنبثق من داخل تلك الدائرة .
النظام الشيوعي يتخذ الفلسفة المكيافيلية ( النتائج تبرر أساسا للمقدمات ) دعامة للعمل السياسي، والنظام الخميني اتخذ الفلسفة نفسها أساسا للقمع الدموي .
النظام الشيوعية يرى من واجبه مساعدة الشيوعية في الدول الأخرى لاستلام السلطة بأي ثمن ونظام الخميني يرى من واجبه مساعدة أنصار ( ولاية الفقيه) في أي مكان من العالم لاستلام السلطة .
النظام الشيوعي قسم الشعب إلى البرجوازية والفقراء واستغل هذا التقسيم في بسط نفوذه، والخميني قسم الشعب إلى أهل الشمال والجنوب، أي الأثرياء القاطنين في شمال طهران والفقراء الساكنين في جنوبها، واستغل هذه التفرقة لبسط سلطانه على الشعب .(28/23)
النظام الشيوعي يرى التصفية الجسدية لأعدائه ضرورة في بعض الأحيان كما تعرض لها تروتسكي أحد بناة الشيوعية وقادتها عندما كان لاجئا في المكسيك، ونظام الخميني اتخذ التصفية الجسدية شعارا له وهدد به المناوئين بكل وقاحة .
في النظام الشيوعي كل حزب مكلف بأدلاء المعومات عن أعداء النظام، والخميني سن هذا القانون عندما طلب من كل أبناء الشعب أن يتجسسوا لصالح نظامه ولو على أقرب المقربين .
قال لينين اعطني مرحا أعطيك شعبا، وقال الخميني اعطني الإعلام أعطيك شعبا. وبعد هذه المقارنة، لابد من الإشارة إلى عدة حقائق، هل أن تعاون المخابرات الروسية ( ك ج ب ) مع المخابرات الخمينية وتعليم الحرس الثوري طرق التجسس أمرا اعتباطي ؟ وهل أن مصافحة الخميني للدول الشيوعية واستخدام الخبراء من كوريا الشمالية أمر اعتباطي ؟
وكيف يمكن تفسير الحرية التي يتمتع بها الحزب الشيوعي ( تودة) (1) في العمل السياسي والإعلامي في إيران الأول مرة منذ تأسيسها، وفي ظل نظام يدعي أنه جاء لحماية الإسلام. وماذا يعني سكوت الخميني عن المجازر التي ترتكب بحق المسلم في أفغانستان على يد المحتلين الروس ؟ وما هو معنى هذا الهجوم العنيف ليل نهار على الاستعمار الغربي فقط، وعدم ذكر الاستعمار الشرقي، بل الإصرار بعدم التعرض له ؟ وكيف يبرر الخميني إعطاء المناصب الحساسة في الدولة للشيوعية، والتعاون مع الحزب الشيوعي لقتل ( مجاهدي خلق) ؟ ومما أن الكلمات العبارات لا تغرني أبدا، بل انظر إلى العمل كمقياس حقيقي لتقيم الأفراد والجماعات، فلذلك لا أجد صعوبة في رمي الخميني بالشيوعية مع ما عليه من الطيلسان والعمة والرداء، وتكراره اسم الله والإسلام في كل أحاديثه .
__________
(1) راجع فصل الرعب المدمر .(28/24)
فالخميني الذي لم يتورع من الكذب وقتل الأبرياء والحرب مع الاخوة المسلمين واغتصاب أموال الناس والسطو على حقوق الشعب والتعاون مع إسرائيل لضرب المسلمين، وكل هذه القبائح لم تكن تعرف عنه قبل أن يعتلي سده الحكم بل لم يحلج بخلد أي بشر أنه سيتوغل فيها حتى قمة رأسه في يوم ما، فهل يكون من الصعب عليه أن يخفى آرائه السياسية كما أخفى دهرا أخلاقه اللئيمة ؟
وسواء كان الخميني شيوعيا أم غير شيوعي، فالشيوعيون الإيرانيون يعيشون في ظل نظامه في عهد ذهبي لم يحملوا به من قبل إبداء ، وأن إيران في ظل هذا النظام الفوضوي الجائر أصبحت أكثر استعدادا من أي وقت مضى لقبول السيطرة الشيوعية، وأن الشيوعيين الآن في إيران ينظرون اللحظة المناسبة للوثبة الأخيرة يساعدهم الدب القطبي من خارج البلاد والطابور الخامس من داخلها (1) .
الخميني بين القول والفعل
لابد من المقارنة ما قاله الخميني عن الشاه وهو يقود المعارضة ضده وما فعله هو بعد أن وصل إلى السلطة وأزاح الشاه من عرشه ليكون القارئ الكريم على بينة من أمر الرجل الذي خدع أمة الإسلامية بمعول الكلام والوعود الكذبة والمستقبل المشرق .
كان الخميني يندد بالدستور الإيراني ويسخر من البند الذي كان ينص على: أن الملكية وديعة الهبة أعطاها الله للملك عن طريق إرادة الشعب التي تجلت في الاستفتاء العام .
وها هو الخميني جعل في البند بعد المائة من دستور الجمهورية الإسلامية نصا مماثلا. يقول: إن ولاية الفقيه سلطة إلهية أعطاها الله للفقيه عن طريق إرادة الشعب التي أقرها في الاستفتاء العام .
__________
(1) قبل عام اعتقلت السلطات الإيرانية زعماء الحزب الشيوعي في إيران بعد أن اتهمتهم بمحاولة انقلابية فاشلة واعتقلت أيضا بعض القادة العسكريين بتهمة التعاون مع الحزب الشيوعي وفي ضمن المعتقلين العقيد بهرام أفضلي قائد القوات البحرية .(28/25)
ندد الخميني في خطبة بصلاحيات الشاه كقائد أعلى للقوات المسلحة وإقالة الوزراء ونصهم وتعيين رئيس ديوان التمييز والمدعي العام وها هو حصل في البند الحادي عشر بعد المائة من الدستور الجديد هذا النص. آية الله الإمام الخميني هو القائد الأعلى المحكمة العليا والمدعي العام ورئيس ديوان التمييز وتنفيذ رئاسة الجمهورية بعد أن ينتخب الشعب الرئيس .
كان الخميني يندد بالشاه لتدخله في شؤون البلاد الكبيرة والصغيرة وكان يندد بأسرته وحاشيته ويتهمهم بالتلاعب بمقدرات البلاد والعباد واستغلال أموال الشعب وعندما وصل هو إلى الحكم سلك الطريق نفسه كما أن ابنه أحمد وزمرته من آل الخميني يسيرون على سيرة أسلافهم من آل بهلوي في التلاعب بمقدرات الأمة واستغلال موارد البلاد وسرقة أموال الشعب، ويعتقد الضالعون بشؤون آل الخميني أن أرصدة أحمد في البنوك السويس تتجاوز المئات الملايين من الدولارات .
كان الخميني يندد في خطة بالزمرة الحاكمة ويصفها بأنها المحسوبة على النظام وكان يقول أن الشرط الوحيد لتسلم كرسي الحكم هو الإخلاص والوفاء والإطاعة العمياء للشاه . وها هو جعل الشرط الأول والأخير لأشغال المناصب الحساسة في جمهوريته الولاء والعبودية لشخصه ولفكره ولاية الفقيه .
كان الخميني يسخر ويندد في خطبة بتشكيل الأحزاب الحكومية في عهد الشاه وكان يعتبرها أحزابا غير شرعية كما كان يندد بالانتخابات النيابية ويعتبرها مزورة والخميني نفسه عندما وصل إلى الحكم أمر بطانته بتشكيل الحزب الجهوري الإسلامي أي الحزب الحاكم فعلنيا وكما كان الحزب الحاكم في عهد الشاه يزور الانتخابات ويفوز بالأكثرية النيابية هكذا زور الحزب الجمهوري الإسلامي والانتخابات وفاز بالأكثرية . فما شابه الليلة بالبارحة .(28/26)
كان الخميني يندد بالشاه ويتهمه بإرسال جلاوزته لإخماد المتظاهرين بالعصي والهروات وها هو نفسه تجاوز سلفه في هذا المضمار كيرا حيث أرسل جلاوزته " حزب الله " إلى الاجتماعات التي تعقد ضده لإخماد الأنفاس كما أن هؤلاء المرتزقة يستعملون الأسلحة النارية في غالب الأحيان كما فعلوا مع المجاهدين وغيرهم وقتلوا سبعن طالبا جامعيا في حرم جامعة طهران .
كان الخميني يدافع عن الجرائد التي انتقدت سياسة الشاه والتي عطلها هذا الأخير انتقاما منها . وعندما وصل هو إلى الحكم عطل العشرات من الجرائد التي كانت تنتقد سياسة بل ذهب إلى أبعد من ذلك حيث صادر الصحف الكبيرة مثل جريدة كيهان وجريدة إطلاعات وجعلها بوقا من أبواقه .
كان الخميني يندد بأسرة الشاه ويتهمهم الاتجار بالمخدرات وقبل بضعة أشهر اعتقل الشرطة الألمانية في مطار دوسلدوف صادق الطباطبائي صهر الخميني وهو يحمل حقيبة مليئة بالأفيون وكان وهكذا يفضح الله المنافقين والذين في قلوبهم مرض ليكونوا عبرة للناس كافة .
ندد الخميني في كثير م خطبة بإعدام المتهمين بتجارة الأفيون وكان يقول أن هذه ذريعة اتخذها الشاه لإعدام المناؤين لنظامه كما أنه كان يقول ويؤكد أن الإسلام لا يقر عقوبة الإعدام لتجّار المخدرات ولكنه عندما استلم السلطة أعدم أكثر من ألف وأربعمائة شخصا بتهمة الاتجار بالمخدرات .(28/27)
كان الخميني يتهم الشاه بالهذيان في الكلام عندما كان يقول أن قوة بلاده أصبحت تخيف الدول القريبة والبعيدة لأنها القوة الرابعة في العالم أو أن اقتصاد إيران سيكون أكثرها ازدهار من الاقتصاد الياباني في عام 1980، وها هو الخميني يهذي في الكلام ما استطاع إلى الهذيان سبيلا. فتارة يزعم أنه ينظم جيشا قوامه عشرين مليون جندي يحارب به أمريكا وتارة يهدد فرنسا وضرب مصالحها في العالم وتارة يقول أنه تم في إيران بناء مائة ألف مدرسة في عام واحد كما أن العالم سمعه يهدد العراق باحتلال عاصمته في غضون أربع ساعات .
كان الخميني يندد سياسة القمعية ولا سيما تصفية المناوئين في خارج البلاد على يد بوليسه السري ( السافاك ) وها هو الخميني سلك نفس الطريق حيث قتل بوليسه السري محيط الطباطبائي في واشنطن وابن شقيقة الشاه المسمى شهرام في باريس. كا قام بوليسه باغتيالات فاشلة بالنسبة لكل من الدكتور شاهبور بختيار رئيس الوزراء في عهد الشاه وبني صدر أول رئيس جهورية في عهده والدكتور علي أميني رئيس الوزراء الإيراني الأسبق وغيرهم .
كان الخميني يندد بالمحاكم العسكرية التي تصدر أحكاما بالإعدام في حق المناوئين لنظام الشاه ومحاكم الخميني الثورية أعدت من مناوئي حكمه في أربعة أعوام مئات أضعفا ما فعلت محاكم الشاه في ثلاثين عاما. وبهذا الفارق أيضا هو أن المتهمين السياسيين كان يحق لهم الدفاع عن أنفسهم في محاكم الشاه وكان يحق لهم التمييز والاستئناف في الأحكام الصادرة بحقهم أما في محاكم الثورة الإسلامية فلا دفاع ولا استئناف ولا تمييز مائة إعدام في مائة دقيقة .
سخر الخميني من الشاه عندما لقبه المجلس الثوري بـ(اريامهر) أي محبوب الشعب الاري ولكنه استبشر سرورا عندما لقبه أصحابه ( إمام الأمة ) .(28/28)
كان بيت القصيدة في خطب الخميني ضد الشاه اضطهاد هذا الأخير للأقليات القومية في أنحاء البلاد وعدم الاستجابة لمطالبهم المشروعة وها هو الخميني بعد استلام السلطة قتل اباد من القوميات الإيرانية المختلفة في شرق البلاد وغربها عشرات الآلاف ولا زالت الحرب سجلات بين حرس الخميني والأكراد في غرب إيران ومع التركمان في شرق البلاد. وقد قتل الخميني من الأكراد العرب والبلوش والتركمان في غضون أربعة أعوام من حكمه مئات أضعاف ما قتل سلفه في ثلاثين عاما .
كان الخميني يسخر بالشاه عندما كان يدعي أنه يأتيه الإلهام من عالم الغيب والملكوت ويصفه بالكذب المخادع وها هو الخميني نفسه يبتسم راضيا عن أولئك الذين قالوا فيه ما ادعى سلفه بل زادوا في ذلك وقالوا أنه فعل ما لم يعله الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم . وهكذا ابتلى الشعب الإيراني المسلكين بمعتوه مجرم متعطش للدماء ولكنه ليس في لبوس الأباطرة بل في لبوس الزهاد والكهنوت .
انا والخميني
لقد رأيت من الضرورة بمكان إضافة هذا الفضل إلى الفصول الأخرى من الكتاب حتى لا يتوهم القارئ الكريم ولا أولئك الذين يؤرخون هذه الحقيقة من تاريخ إيران أن مؤلف هذا الكتاب طفيلي على الثورة أو كان بعيدا عنها أو أنه بعيد عن الشؤون الإسلامية ومعارفها. وها أنا أعلن لأولئك الذين بهرتهم فكرة ولاية الفقيه بأني كأحد فقهاء الإسلام أعلن بصراحة مطلقة وصريح القول أن فكرة ولاية الفقيه بدعة ابتدعها الخميني وضلال أضل به المجتمع وأنه والله كملة لا يؤمن هو بها ولا زمرته، بل اتخذها ذريعة للسلطة على رقاب المسلمين ظلما وعدوانا، وأن الله ورسوله برئ منه كل من يحكم بالباطل ويتخذ الظالمين إماما وهاديا .(28/29)
لقد عشت في كنف الإمام الأكبر جدنا السيد أبو الحسن الموسوي الأصفهاني رحمه الله سبعة عشر عاما وكان هو المرجع الأعلى للطائفة الشيعية في شرق الأرض ومغاربها حتى قال فيه الإمام كاشف الغطاء الكبير رحمه الله أن السيد أبو الحسن ( أنسى من قبله واتعب من بعده ) فوالله لم اسمع منه مرة واحدة كلاما كهذا ، بل كان رحمه الله دوما يوصي مراجع الإسلام بالابتعاد عن السلطة الزمنية والترفع عنها وكان يقول ( واجب المجتهد هو هداية النفوس وإرشاد العباد والسعي في تكوين جامعة فاضلة لا حقد فيها ولا كراهية ولا ظلم ولا عدوان ). وعندما استشهد ابنه الكبير في النجف وبين صلاة المغرب والعشاء وهو أبي ، الذي قتله رجل متلبس بلباس طلبة العلوم الدينية أرسله الاستعمار من مدينة قم الإيرانية إلى النجف كي ينفذ جريمته النكراء ، عفى الإمام الأكبر جدنا عن القاتل وقال ( لا ينبغي لإمام المسلمين أن يتقاضى أحد أفراد أمته . ولوكان قاتل أبنه ظلما وعدوانا). وكتب إلى المحكمة بخطه (( إمام المسلمين بمثابة الأب الروحي لجميع المسلمين ولا يليق به أن يتقاضى أحدا منهم وإلى الله المشتكى وهو نعم المولى ونعم النصير )) .
لقد كان تصور الشعب الإيراني أن الإمام الخميني قائد المسيرة ومرشد ثورته له خصال السابقين من مراجع الإسلام ولم يمر بخلده قط أن هذا الإمام بعيد عن الرحمة قريب إلى الشر إذ قتل أسرف في القتل، وإذا أسرف في القتل لم يأبى سيفه من قطع رقاب الصغار من الفتيات والشباب من الفتان، وقد قتل في غضون ثلاثة أشهر من عمر الزمان الثلاثة آلاف شاب مسلم وشابة مسلمة لأنهم قالوا كلمة واحدة ( الموت للخميني ) . ولست أدري كسف يلقي الخميني ربه وفي رقبته من دماء المسلمين ما لا تعد ولا تحصى . وأعود الآن إلى بيت القصيد من هذا الفصل وأذكر معرفتي بالخميني منذ كان مغمورا في مدينة قم ، لا يعرفه أحدا إلى أن أصبح مشهورا يعرف اسمه كل واحد .(28/30)
كنت إذا زرت مدينة قم التقيت بالخميني في قارعة الطريق أو في دار أحد الأصدقاء وكان مجلسه لطيفا لا تخلو أحاديثه من الفكاهة، وكانت له حلقه تدريس في الفلسفة الإسلامية ممزوجة بالتصوف والعرفان، وكان يقضي الصيف في مصايف طهران بعيدا عن مدينة قم وهجيرها في كل عام، وكنت إذا ما جاء إلى طهران أزوره مرة أو مرتين في بعض السنوات وأذكر إني دعوته مرة إلى طعام الغذاء في دارنا وكان بصحبه الإمام الشيخ مرتضى الحائري وهو الآن حي يرزق في مدينة قم ومن أكبر علمائها ، وطبعا لم يلج ببالي آنذاك أن القدر سيسخر يوما ما بأمة إيران ويجعل من هذا الذي كنت اسقيه الماء والطعام بيدي الفاعل لما يشاء والحاكم لما يريد ومن ورائه دماء شامل وفناء عام ، كان هذا في صيف عام 1955 .
وتركت إيران إلى فرنسا لحصول على شهادة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة السوربون وكنت أول مجتهد يحمل الشهادة العليا في الفقه الإسلامية يسافر لطلب المعرفة الحديثة إلى أوربا حتى يكون كالسيف ذو الحدين ، وانقطعت صلتي بالخميني ولم أسمع شيئا عن أخباره طيلة السنوات الأربع التي قضيتها في أوربا، وعدت إلى إيران في عام 1959 ودخلت معامع السياسية وانتخبت من ل منطقتي نائبا في المجلس النيابي، وعندما كنت نائبا كنت أقود المعارضة ضد الحكومة والنظام، لم اسمع شيئا عن الخميني أيضا وشغلتني واجباتي عن التفكير حتى بالرجل. وتوفى الزعيم الروحي الكبير الإمام البروجردي في عام 1961 في مدينة قم وبرزت أسماء الزعماء الجدد ولم يكن في ضمنها اسم الخميني، بل كان الزعماء الجدد وكلهم إلى الآن على قيد الحياة الشريعتمداري والكلبايكاني والمرعشي .(28/31)
ودارت الدوائر وإذا بالشاه يعلن تقسيم الأراضي على الدهاقين ، فانبرت للشاه فئات كثيرة في ضمنها زعماء الدين والتحق الخميني تلك المجموعة ، وأظهر من الحماس والجرأة في الكلام الكثير فاستقطب الجماهير وعلا يحمه واشتهرت صيته كما قلنا في موضع أخر من هذا الكتاب . وسجن الخميني بأمر الشاه وبرفقته الإمام القمي والإمام المحلاتي وزعماء دينيون آخرون وحصلت مجابهة دموية بين الشعب والنظام، ولم يدم سجن الخميني كثيرا فأطلق سراحه وبقي الخميني بعض الوقت رهين الإقامة الجبرية في طهران ثم عاد إلى قم واستأنف نشاطه ضد الشاه فسافر إلى تركيا لقيم في بورما وغادر تركيا إلى العراق، ليعيش في النجف رهطا من الزمان . ودارت الدوائر وإذا بالشاه يعلن تقسيم الأراضي على الدهاقين ، فانبرت للشاه فئات كثيرة في ضمنها زعماء الدين والتحق الخميني تلك المجموعة ، وأظهر من الحماس والجرأة في الكلام الكثير فاستقطب الجماهير وعلا يحمه واشتهرت صيته كما قلنا في موضع أخر من هذا الكتاب . وسجن الخميني بأمر الشاه وبرفقته الإمام القمي والإمام المحلاتي وزعماء دينيون آخرون وحصلت مجابهة دموية بين الشعب والنظام، ولم يدم سجن الخميني كثيرا فأطلق سراحه وبقي الخميني بعض الوقت رهين الإقامة الجبرية في طهران ثم عاد إلى قم واستأنف نشاطه ضد الشاه فسافر إلى تركيا لقيم في بورما وغادر تركيا إلى العراق، ليعيش في النجف رهطا من الزمان .(28/32)
عندما سجن الخميني ورفقائه في طهران ذهبت إلى الشاه لعلني أستطيع التوصل إلى حل بينه وبين الزعامة الدينية التي كادت تفجر البلاد، وكان اللقاء معه ساخنا ودار حديث صريح بيننا انتهى إلى خروجي من قصر سعد آباد مأيوسا، كما كان ذلك اللقاء أحد الأسباب التي أدت إلى القطيعة الأبدية بيني وبين الشاه ومن ثم مغادرتي لإيران وما تعرضت إليه من أدى وأخيرا محاولة الاغتيال الفاشلة على يد سافاك الشاه في البصرة والتي نجوت منها بإرادة إلهية بعد أن استقرت رصاصة في ظهري واخترقت الأخرى يدي اليمنى. ولا أيريد أن أسرد هنا تفصيل الحوار مع الشاه مرة أخرى فقد نشرته في ضمن مذكراتي ( إيران في ربع قرن) ولا داعي لتكراره. والمذكرات قد طبعت في عام 1972 .(28/33)
وفي صيف 1965وصل الخميني إلى العراق وكنت أنا في النجف الأشرف ورحبت به كل الترحيب واستقبلته في الكاظمية وذهبت بصحبته إلى سامراء لزيارة الإمامين العسكريين وفي الطريق كان يحدثني عن الاضطهاد الذي لاقاه في تركيا وكيف أن الأتراك أرغموه على خلق الملابس الدينية وارتداء الزي الإفرنجي إذا أراد الخروج من الدار التي كان فيها تحت الحراسة حتى لا يعرفه الناس،وجاءني انبه مصطفى بعد أيام من وصله إلى النجف يستشيرني في أمير أبيه والضيقة المالية التي يتعرض هلا، فكتبت كتابا إلى السيد عباس المهري أحد العلماء البارزين في الكويت وهو الآن حي يرزق في قم بعد أن نفته السلطات الكويتية لعلاقته بالخميني، طلبت منه مساعدة الخميني ماليا لأنه كان على صلة بالتجار الموالين للزعماء الروحيين الذين كانوا ضد الشاه ، وكانت له علاقة خاصة بالخميني، وبالفعل استجاب السيد المهري لندائي ووصلت إمداداته المالية إلى الرجل ، ومرة أخرى أكرر هنا أن الخميني لم يكن هو الزعيم الروحي الذي كان يعارض الشاه بل كان آخرون يسيرون في نفس الطريق، وكان نصيبهم السجن والعذاب والتشرد، وقد أشرنا إلى أسمائهم في مكان لاحق غير أن الخميني عندما استبد بالسلطة قضى على رفقاء النضال بصورة أخرى .
فالإمام الشريعتمداري شبه مسجون في داره والإمام الخلقالي مسجون في داره .
والإمام القمي الذي قضى 14 عاما في سجن الشاه يعيش نفس المأساة.
والإمام الزنجاني الذي قضى 7 سنوات في سجن الشاه، جالس في داره ولم يغادرها منذ سنين .
نعود إلى الحديث عن الخميني وما قدمته إليه من مساعدات وفي الفترة التي قضاها في النجف . كانا إذا ألمت به مشكلة طلب مني حلّها، ومرّات وكرات أنقذت جماعته من السجن أنهما كانوا يدخلون العراق خلسة وبصورة غير مشروعة فيلقى القبض عليهم، فكان يرجو مني أن أتدخل لدى السلطات لإنقاذهم وكان له ما يريد .(28/34)
وطلب مني أبيه مصطفى أن أطلب من السلطات العراقية تدريب جماعة أبيه على استعمال السلاح في خارج النجف فكان ما أراد . وطلب السلاح فحصلت له على السلاح من السلطات أيضا .
وفي السنوات الأول من وجود في النجف كان الخميني يلاقي صعوبة ومعارضة داخلية من الحوزة العلمية التي كانت رئاستها مناطة بالإمام الحكيم المرجع الشيعي الأعلى في العراق آنذاك وكان الإمام الحكيم على صلة وثيقة بالشاه وكانت حاشيته وبعض أورده وأقربائه عملاء مأجورين للشاه يأخذون الأموال من هذا الأخير ويتعاونون مع سافاك الشاه ما استطاعوا إلى التعاون سبيلا . وكان الإمام الحكيم بطبيعة صلاته بالشاه وصلات بعض أولاده وحاشيته بالنظام الإيراني يقفون موقف الاستنكار من الخميني ونشاطه وأفكاره، وقد قال لي ابنه مصطفى ان جماعة الحكيم وبعض أولاده عندما يرون أبي في الطريق يصفحون بوجوههم عنه ولا يفسحون له في المجالس ، كما ان الامام الحكيم لم يسمح للخميني ان يتحدث باسم النجف والحوزة الدينية عندما كان على قيد الحياة، وشكى لي مصطفى مرة أخرى مما يلاقيه أباه من جماعة الحكيم وقال لي أنهم يصفون أبي بهادم الإسلام وهدام الحوزة العلمية، وعندما زار عباس أرام وزير خارجية الشاه النجف ظهرت صورة الإمام الحكيم واقفا بجنب الوزير في الصحف الإيرانية حتى يعرف الشعب الإيراني الذي كان يرجع أغلبيته إلى الحكيم في التقليد أن الزعامة الدينية العليا من الشاه وليس كما يقول الخميني أنها ضد الشاه، بل أن الخميني شذ عن الطريق وقد طلب مصطفى مني جماعة الحكيم فهددتهم بالويل والثبور إذا لم يقلعوا عن ملاحقة الرجل وكانوا يعلمون أن مركزي في النجف والعراق وانتسابي إلى الإمام الحكيم وكانوا لا يريدون أن يصل الأمر إلى المجابهة فتركوا الخميني وشأنه .(28/35)
وبدأت اكتشف الرجل ونفسيته وحبه لنفسه إلى مرحلة الجنون شيئا فشيئا أثر اللقاءات التي كانت لي معه، وقد زاد يقيني عندما صدر في كتاب إيران في ربع قرن الذي كان يحتوي على مذكراتي وكثيرا من القضايا السياسية التي عاصرتها في إيران، وقد أحدث الكتاب ضجة كبرى في وقته لأهم الأسرار التي كان يحتويها ، وكان فصل ( الزعامة الدينية ) من أهم فصول الكتاب وكشفت فيه علاقة الإمام الحكيم وجماعته بالشاه، وفي هذا الفصل ذكرت الخميني بإجلال وإكبار، وذكرت جهاده ونضاله ضد الشاه بإسهاب. وبعد صدور الكتاب بأيام زارني أحد أقربائي ليقول لي أنه يحمل رسالة شفهية من الخميني قلت بلغ . قال يقول: بلغ الدكتور موسى إني أعرف أنك ألفت هذا الكتاب لتشويه صورتي فقط وقد كنت موثقا . لقد دهشت دهشة عظيمة عندما سمعت هذا الكلام .
وقلت لمحدّثي: هل جن الرجل ؟ إن الكتاب ملئ بإجلال الرجل وإكبار دوره وعظيم منزلته في النضال، لماذا قال لك مثل هذا الكلام ؟
قال يقول: إنك كلما ذكرت اسمه ذكرت الإمام الطباطبائي القمي معه ويعتبر هذا الترديف إهانة عظيمة أه فهو يرى نفسه الزعيم الكبير الذي لا يحق لأحد أن يردف اسمه به .
قلت لمحدّثي: قل له أن الإمام الطباطبائي القمي مجتهد ومرجع مثلك، ودخل السجن برفقتك وقضى معك أشهرا في زنزانة واحدة وهو لم يزل أسير السجن منذ سبع سنوات وأنت طليق حر تنتقل في إرجاء العالم الفسيح لماذا تأنف تأبى أن يذكر اسمه معك ؟ النضال ليس احتكار لأحد، كما أن المرجعية ليست احتكارا لأحد، ثم أنت كنت مدرس الأخلاق في قم لسنوات طوال هلا تعلمت درسا واحدا من الدروس التي ألقيتها على طلابك ؟ أليس أول درس من دروس الأخلاق ( ترك الذات وحب العباد) .(28/36)
وحدثت بيننا فجوة بعد تلك الرسالة الجوفاء لكنها لم تصل إلى القطيعة حتى أن حل عام 1973 فقد زارني مصطفى الخميني في بغداد وقال يطلب مساعدتي في نشر مجلة شهرية باللغة الفارسية تصدر في النجف، تنطق باسم المناضلين ويريد تسميتها ( النهضة الروحية ) وأن صحابة أبيه سيتولون نشرها في النجف إذا ما سمعت الحكومية العراقية بذلك وأخذت مصطفى معي إلى دار الشخصية المسؤولة عن شؤون اللاجئين الإيرانيين . فطرحنا عليه الفكرة وحصلت الموافقة، وعين مصطفى المشرفين على المجلة وكلهم من صحابة والده، وانفق السيد شبيب المالكي محافظة كربلاء آنذاك من ميزانية الدولة على المشرفين في إصدار المجلة المال اللازم . وصدر عددين من المجلة أو ثلاثة وإذا بأحد المشرفين عليها يزورني في الدار ويقول أن الخميني يريد أن يراك على عجل، فذهبت إلى داره وسمعت منه حديثا غريبا ..
قال أريد منك أن تغير اسم المجلة إلى آخر .
قلت : لماذا ؟
قال: لأني أنا الزعيم المسؤول عن النضال الروحي، واسم المجلة يوحي بأنها الناطقة باسمي وأنا لا أريد أن تكون لي مجلة .
قلت: ( أولا) هناك غيرك من الزعماء الروحيون الذين خاضوا عمار النضار ولم يزالوا يخضونها وبعضهم في السجن مثل الإمام الطباطبائي القمي وبعضهم في المنفى مثل الإمام الزنجاني قلت أنت الوحيد في الميدان، ( ثانيا) ابنك مصطفى هو الذي اقترح إصدار المجلة واقترح الاسم، وصدرت المجلة بناء على طلب منه . ( ثالثا) لك قناة خاصة في إذاعة بغداد اشملها النهضة الروحية، أي اسم المجلة نفسها واحد أفرادك هو الذي يشرف عليه ويبث فمنها ساعتين في كل يوم، فلماذا لم تطلب غلق القناة تلك ؟
قال: الكلام عبر الفضاء هواء في شبك أما المجلة هذه فمطبوع وملموس، والفرق كبيرين الكلام والكتابة . وبعد كلام طويل دار بيننا ومثل عادته أصر على رأيه .(28/37)
فقلت: لا أستطيع تغيير اسم المجلة لأنه ليس من اللائق أن تصدر مجلة لشهرين ثم يغير اسمها لأسباب ما أنز الله بها من سلطان ، أن هذا مدعاة للسخرية والاستهزاء .
قال: إن كان كذلك فأصحابي لا يقولون إصدارها .
قلت: سيتولاها قوم آخرون، وكفى الله المؤمنين القتال .
وامتنع أصحابه بناء على أوامره من العمل في المجلة كما قال، وتولاها مناضلون آخرون وصدرت المجلة حتى العدد الثلاثين بنفس الاسم ونفس المنهج المرسوم لها .
ومنذ أن أشرف على المجلة آخرون لم يذكر الخميني ونضاله في صفحاتها الأولى كما كان يذكر عندما كانت تحت إشراف زمرته. وحصلت لي قناعة أن من الأصلح أن اقطع صلاتي بالرجل الذي سبب لي متاعب لا أستطيع تحملها ، وحصلت القطعية التي دامت لخمس سنوات لم أر فيها الخميني من القريب اللهم إلا في بعض المجالس العامة في النجف، ولم استجب الكثير من نداءات أصحابه أو ابنه لتجديد العلاقة به. وزار السيد أبو الحسن بني صدر العراق وحل في بيتي ضيفا في بغداد وحاول جاهدا أن يعيد العلاقات بيننا ، فكان آخر كلامي له ( هذا الرجل مريض بجنون العظمة، وأنه يضحي العالم وما فيه في سبيل حبه لنفسه وأنانيته ، والتعاون مع إنسان كهذا لا يخلوا من الخطورة على الفرد المجتمع ) .
قال بني صدر: أوافقك على كل ما تقوله ،ولكن نحن نحتاج إلى زعم روحي يقود النضال ضد الشاه ولا يلين في جهاده بالوعد أو الوعيد وهذا هو الخميني ولا بديل له .
قلت: حتى لو صح ما تقول فإنا لم أزل عند رأيي .(28/38)
ودامت القطيعة إلى عام 1967 حيث توفى ابنه مصطفى في حادث غامض لم يعرف له سبب وكنت في بغداد عندما اتصل بي هاتفيا ممثلة العام في النجف واخبرني بوفاة مصطفى وقال أن السيد الخميني يبلغك السلام ويرجو منك في هذه الساعة العصيبة أن تقف بجانبه في عرض رجائه على رئيس الجمهورية بإصدار الأمر لدفن ابنه في الروضة الحيدرية الأمر الذي كان ممنوعا بقرار مجلس قيادة الثورة، وما إني اعتقد أن محاسبة الناس في ساعات المحنة والنكبة مغاير مع الشهامة والأخلاق، ومع أنه لم يحضر فاتحة والدتي رحمة الله عليها في النجف بسبب القطيعة بيننا، وكان من حقي أن أرفض طلبه عملا بالمثل لكني قررت تلبية رجائه فاتصلت فورا بوزير الأوقاف الدكتور الجواري وأخبرته بالحادث وبرجاء الخميني، ونقل الوزير رجاء الخميني إلى الرئيس الرجاء واعلم المسؤولين في النجف بالقرار ودفن مصطفى حيثما أراد واتصل بي حسين الخميني وهو يقد الشكر والامتنان الجزيل. وذهبت إلى النجف عصر نفس اليوم لتقديم التعازي إلى الأب المنكوب بفقد أكبر أولاده وطبعا يفقد صديق لي في الوقت نفسه، فاستقبلني وهو حزين القلب يردد عبارات الشكر والحمد وكان ابنه أحمد حاضرا في الجلسة وهو يبكي ويقول لي لن ننسى أفضالك. وأسجل هنا للتاريخ أن السيد المصطفى إذا كان على قيد الحياة لم يجرأ الخميني أن يفعل كثير من الأفعال التي فعلها، فهو كان بالنسبة لأبيه صمام الأمان وكان والده يخشى منه ومن غضبه، وكانت زمرة الخميني تخشاه أكثر مما كانت تخشى الخميني نفسه . وبعد أن مات مصطفى بصورة غامضة أشيعت في النجف شائعة مفادها أن زمرة الخميني هي التي قتلت مصطفى حتى يفصح لهم المجال بحرية العمل فمصطفى كان يمنع أباه من القيام بعمل حاد يتنافي مع مقامه وشيخوخته، وبالفعل بعد موت مصطفى خلا الجو لأحمد وللزمرة الخمينية واستطاعت أن تلعب بعقل الشيخ العجوز لتجعل منه مهزلة القرن وأضحوكة الزمان، وقد سمعت من مصطفى أكثر من(28/39)
مرة كان يقول ( أبي هدام وليس بناء )، وكان إذا أغلظ أباه في الحديث ضد الشاه في خطبه وسبه وقذف عائلته كما كانت عادته منع مصطفى من تسجيل الحديث وطبعه إلا بعد حذف تلك العبارات الشانئة وكان يقول ( هذا النوع من الكلام لا يليق بمرجع دين أو زعيم أو رجل في عمر أبي ) ، إنه كلام ( المهرجين ) . ولم ألتق بالخميني بعد وفاة ابنه إلا مرة واحدة أخرى في نجف، ثم سافرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية لغرض التفرغ العلمي في جامعة هارت فارد، وكنت في طرق العودة إلى بغداد وفي مطار أورلي في باريس صادف دخولي صالة المطار ورود الخميني صالة الداخلين، فتصافحنا وسألته خيران إن شاء الله ؟
قال: الخير فيما وقع .
واجتمع نفر حوله كانوا في انتظاره،وبعد ذلك بشهرين كنت عائدا إلى أميركا ومارا بباريس حيث بقيت فيها أسبوعين ورأيت الخميني فيها عدة مرات، وأسجل هنا حوارين دار بيننا في آخر لقاء تم بيننا، أحد الحوارين يدل على أن الرجل من أهل الأحقاد العظام، والثاني يدل على أن الرجل مخادع مكار .
الحوار الأول /
قلت له: إني سأعود إلى طهران في القريب العاجل .
قال: لماذا تعود إلى طهران إذاً ؟
قلت: لأداء الواجب نحو الوضع الراهن .
قال: تستطيع أن تؤدي واجبك في الخارج بعقد المؤتمرات الصحفية والعمل الإعلامي .
قلت: ولكني سأعمل داخل إيران أفضل من خارجها .
قال: لا اعتقد .
قلت: ولكني سأعود على كل حال .
وسكت الرجل ووجهه مكفهر ، وانتهى الحوار .
ولما خرجت من عنده قال لي صاحبي أرأيت كيف يريد إبعادك ولا يريد عودتك إلى إيران، أن حقده عظيم عليك . وكل ما بدر منه وفاة ابنه نحوك من الرجاء والشكر والثناء كان مكرا .
قلت: لصديقي: ولا تكن في ضيقا مما يمكرون . إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون .
وأما الحوار الثاني /
سألته، ماذا يكون عقاب الشاه لو ظفر الشعب به ؟
قال: إذا لم يثبت إنه قتل أحدا من الناس مباشرتا فلا يجوز الاقتصاص منه .(28/40)
قلت: وفي رقبته دماء الآلاف من أبناء الشعب .
قال: يقتص من المباشر في القتل وليس من الأمر .
أن من أعجب العجائب وأغرب الغرائب أن صاحب هذا الكلام والرأي يقتل أربعين ألف إنسان في خلال أربع أعوام من حكمه، بين فتى وفتاة والشيخ والشيخة لأنهم قالوا ( لتحيى الحرية وليسقط الاستبداد )، وصاحب هذا الرأي أيضا هو الذي أمر بقتل آلاف من الأكراد والعرب والبلوش والتركمان لأنهم قالوا ( نريد حقوقنا المشروعة والتي اغتصبت في عهد الشاه ) .
وأختم الفصل برد قضية سمعتها من ابنه مصطفى قبل بضع سنوات وأيدها الخميني عندما سألته عن صحته، قال لي مصطفى، عندما كان والدي في سجن الشاه وفي أشد الخلاف معه حكم محاكم الشاه على نفر من أنصاره بالإعدام ومنهم الطيب والحاجي رضائي لأنهما قادا التظاهرات في تأييده وقدمت جهات مختلفة التماس العفو إلى الشاه ليعفو عنهما فرض الشاه ذلك أن والدي عندما سمع ذلك قال إني مستعد أن أذهب إلى قصر الشاه وأقدم الالتماس للعفو عن هؤلاء المحكومين فيما إذا أكون على يقين بأنه يقبل التماسي ورجائي لأن فيه إنقاذ رجلين مسلمين من الموت وقد سألت الخميني عندما كان في النجف وفي مناسبة خاصة عن هذا الحديث الذي سمعته من مصطفى، فقال لقد صح ما سمعت .
هكذا كان الخميني يتظاهر بالحب والحنان نحو عباد الله وخلقه حتى إذا وصل سدة الحكم انقض عليهم كالوحش الكاسر لم يأمن من سيفه حتى الصغار من صبية والصبيان وحتى الحوامل والجرحى . لقد صدق قائل هذا البيت :
صلى وصام لأمر كان يطلبه
فلما قضى الأمر لا صلى ولا صاما .(28/41)
الرد على أصول الرافضة
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وأصحابه الغر الميامين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فهذا كتاب مختصر جمعته من هنا وهناك لأردَّ به على أصول الرافضة ، التي فارقوا فيها أهل السنة والجماعة ، وذلك لنشاطهم الحميم اليوم بنشر إفكهم بكل وسائل الإعلام ، وغالب المسلمين في غفلة مما يمكر هؤلاء المجرمون الأفاكون ليل نهار ، وكتبهم توزع بالمجان في كل مكان ، ومن لم يطَّلع على كيفية نشأة الإسلام ، وكيفية انتشاره قد ينفق عليه شيء من بهرجهم ، لأنهم عمدوا إلى أخصِّ خصائص هذا الدين فحرفوها :
فقد حرفوا معاني القرآن الكريم كما فعل اليهود والنصارى بكتبهم ، بل صرح كثير منهم بأن القرآن الذي بين أيدي الناس اليوم محرف !!!
وحرفوا السنة النبوية فلم يأخذوا إلا بما ورد عن بضعة صحابة مع كذبهم على الجميع ، فصارت السنة عندهم لا علاقة لها بالإسلام أصلا
وكذلك حرفوا مفهوم الإمامة عندما ادعوا النص على الأئمة ووجوب الإيمان بهم ، وادعوا العصمة لهم فصاروا أنبياء ورسل في حقيقة الأمر
وقام دينهم على التقية والكذب والمتعة
وهم مع كل عدو لهذه الأمة عبر تاريخها الطويل
وليس لهم عدو سوى أهل السنة والجماعة الذين يسمَّونَ عندهم زورا وبهتاناً(( بالنواصب ))
والناصبي عندهم نجس حلال الدم والمال
وهذا الكتاب قد تضمن الموضوعات التالية :
تهميد حول نشأة الشيعة وجذورها التاريخية…
ثم قسمته إلى أبواب متعددة وهي :
الباب الأول- الإمامة والولاية…
الباب الثاني- تحريف القرآن…
الباب الثالث- الطعن في الصحابة…
الباب الرابع- المهدي المنتظر…
الباب الخامس –تزييف دعوات التقريب…
الباب السادس- آل البيت عليهم السلام…
الباب السابع- الشيعة والسنة…
الباب الثامن - من عقائد الشيعة الباطلة…(29/1)
الباب التاسع- الغلو في الأئمة…
الباب العاشر- الحسينيات…
قال تعالى :{ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) [التوبة/100] }
نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن اتبعوهم بإحسان إلى يوم الدين
جمعه ونسقه وفهرسه
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
في 24 ربيع الأول 1428 هـ الموافق 11/4/2007 م
***************
تهميد حول نشأة الشيعة وجذورها التاريخية
إن الشيعة بأصولها ومعتقداتها لم تولد فجأة، بل مرت بمراحل كثيرة ونشأت تدريجياً.. وانقسمت إلى فرق كثيرة. ولاشك أن التتبع التاريخي والفكري للمراحل والأطوار التي مر بها التشيع يحتاج إلى بحث مستقل، ولهذا سيكون الحديث هنا عن: أصل النشأة وجذورها التاريخية، ولا يعنينا تتبع مراحلها ونشوء فرقها.. وسنبدأ بعض رأي الشيعة من مصادرها المعتمدة عندها، ثم نذكر بعد ذلك آراء الآخرين.
فالمنهج العلمي والموضوعية توصي بأخذ آراء أصحاب الشأن فيما يخصهم أولاً.
رأي الشيعة في نشأة التشيع:
لم يكن لهم رأي موحد في هذا، ونستطيع أن نستخلص ثلاثة آراء في نشأة التشيع كلها جاءت في كتبهم المعتمدة، وسنتعقب كل رأي بالمناقشة والنقد.
الرأي الأول:
إن التشيع قديم ولد قبل رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه ما من نبي إلا وقد عرض عليه الإيمان بولاية علي.. وقد وضع الشيعة أساطير كثيرة لإثبات هذا الشأن، ومن ذلك ما جاء في الكافي عن أبي الحسن قال: "ولاية علي مكتوبة في جميع صحف الأنبياء، ولن يبعث الله رسولاً إلا بنبوة محمد - صلى الله عليه وآله -، ووصية عليّ عليه السلام" [الكليني/ أصول الكافي: 1/437.].(29/2)
وعن أبي جعفر في قوله الله عز وجل: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه، آية: 115.] قال: "عهدنا إليه في محمد والأئمة من بعده فترك ولم يكن له عزم [وهذا التفسير بعيد عن الآية.. بل إلحاد في آيات الله. وقد جاء تفسير الآية عن السلف وغيرهم: "ولقد وصينا آدم وقلنا له: {إنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ} فنسي ما عهد إليه في ذلك (أي ترك) ولو كان له عزم ما أطاع عدوه إبليس الذي حسده. قال قتادة : {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} أي صبراً". (تفسير الطبري: 16/220-222).]، وإنما سمي أولو العزم أولي العزم لأنه عهد إليهم في محمد والأوصياء من بعده، والمهدي وسيرته، وأجمع عزمهم على أن ذلك كذلك والإقرار به" [الكليني/ الكافي: 1/416، وانظر: ابن بابويه القمي/ علل الشرائع: ص 122، الكاشاني/ الصافي: 2/80، تفسير القمي: 2/65، هاشم البحراني/ المحجة ص: 635-636 ، المجلسي/ البحار: 11/35، 26/278، الصفار/ بصائر الدرجات: ص 21.].
وجاء في البحار: أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال - كما يزعمون -: يا علي، ما بعث الله نبياً إلا وقد دعاه إلى ولايتك طائعاً أو كارهاً [انظر: البحار: 11/60 ، البحراني/ المعالم الزلفى ص: 303 ، وهذه الرواية موجودة في بصائر الدرجات للصفار، وفي الاختصاص للمفيد.]. وفي رواية أخرى لهم عن أبي جعفر قال: إن الله تبارك وتعالى أخذ ميثاق النبيين بولاية علي [المعالم الزلفى ص: 303.].(29/3)
وعن أبي عبد الله قال: ولايتنا ولاية الله لم يبعث نبي قط إلا بها [النوري الطبرسي/ مستدرك الوسائل: 2/195، المعالم الزلفى ص: 303.]. وعقد لذلك شيخهم البحراني باباً بعنوان: باب أن الأنبياء بعثوا على ولاية الأئمة [المعالم الزلفى ص: 303.]، وقالوا: ثبت أن جميع أنبياء الله ورسله وجميع المؤمنين كانوا لعلي بن أبي طالب مجيبين، وثبت أن المخالفين لهم كانوا له ولجميع أهل محبته مبغضين.. فلا يدخل الجنة إلا من أحبه من الأولين والآخرين فهو إذن قسيم الجنة والنار [الكاشاني/ تفسير الصافي: 1/16.].
وجاءت رواياتهم في هذا المعنى في كثير من كتبهم المعتمدة عندهم: في الكافي [الكليني/ أصول الكافي: 2/8.]، والوافي [الكاشاني/ الوافي: المجلد ج2 ص 155، ج3 ص 10.]، والبحار [المجلسي/ البحار: 35: 151، القمي/ سفينة البحار: 1/729.]، ومستدرك الوسائل [النوري/ مستدرك الوسائل : 2/195.]، والخصال [الصدوق/ الخصال: 1/270.]، وعلل الشرائع [الصدوق/ علل الشرائع ص: 122، 135، 136، 143، 144، 174.]، والفصول المهمة [الحر العاملي/ الفصول المهمة ص : 158.]، وتفسير فرات [تفسير فرات: ص 11، 13.]، والصافي [تفسير الصافي: 2/80.]، والبرهان [البحراني: 1/86.]، وغيرها كثير. حتى قال الحر العاملي صاحب وسائل الشيعة - أحد مصادرهم المعتمدة في الحديث - بأن رواياتهم التي تقول: بأن الله حين خلق الخلق أخذ الميثاق على الأنبياء تزيد على ألف حديث [الفصول المهمة ص: 159.](29/4)
ولم تكتف مبالغات الشيعة بالقول بما سلف، بل قالت بأن: "الله عز اسمه عرض ولايتنا على السماوات والأرض والجبال والأمصار" [النوري/ مستدرك الوسائل: 2/195.]. ولهذا قال شيخهم هادي الطهراني - أحد آياتهم ومراجعهم في هذا العصر -: "تدل بعض الروايات على أن كل نبي أمر بالدعوة إلى ولاية علي - رضي الله عنه -، بل عرضت الولاية على جميع الأشياء فما قبل صلح، وما لم يقبل فسد"[هادي الطهراني/ ودايع النبوة ص: 155.].
نقد هذا الرأي:
هناك من الآراء والمعتقدات ما يكفي في بيان فسادها مجرد عرضها، وهذا الرأي من هذا الصنف، إذ إن فساده وبطلانه من الأمور المعلومة بالضرورة.. وكتاب الله بين أيدينا ليس فيه شيء من هذه المزاعم.
لقد كانت دعوة الرسل - عليهم السلام - إلى التوحيد لا إلى ولاية علي والأئمة - كما يفترون -.
قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَاْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء، آية: 25.]، وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} [النحل، آية : 36.]. فكل رسل الله وأنبيائه كانوا يدعون قومهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له.
فقد قال نوح، وهود، وصالح، وشعيب - عليهم السلام - لقومهم: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف، آية: 59، 65، 73، 85.].
وقد قال صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله..." [رواه البخاري في كتاب الإيمان، باب: {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ} (1/11)، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله (1/51-52)، وغيرهما.].(29/5)
وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً إلى اليمن قال: «إنك تقدم على قوم أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله عز وجل..." [رواه البخاري ومسلم بألفاظ متقاربة، وما ذكر لفظ مسلم، انظر: صحيح البخاري كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة (2/108)، وصحيح مسلم كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين (1/50-51).].
فلم يرد في السنة الصحيحة إلا ما ينقض هذا الرأي. كما أن "أئمة السلف متفقون على أن أول ما يؤمر به العبد الشهادتان" [شرح الطحاوية ص: 75.].
فأين ما يزعمون من أمر ولاية عليّ؟
وإذا كانت ولاية عليّ مكتوبة في جميع صحف الأنبياء، فلماذا ينفرد بنقلها الروافض، ولا يعلم بها أحد غيرهم؟ ولماذا لم يعلم بذلك أصحاب الديانات؟ بل لماذا لم تسجل هذه الولاية في القرآن وهو المهيمن على الكتب كلها، والمحفوظ من لدن رب العزة جل علاه؟!.
إن هي إلا دعوى بلا برهان، والدعاوى لا يعجز عن التنطع بها أحد إذا لم يكن له من دينه أو عقله أو حيائه ما يحميه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وهذه كتب الأنبياء التي أخرج الناس ما فيها من ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ليس في شيء منها ذكر عليّ.. وهؤلاء الذين أسلموا من أهل الكتاب لم يذكر أحد منهم أنه ذكر عليّ عندهم، فكيف يجوز أن يقال: إن كلاً من الأنبياء بعثوا بالإقرار بولاية علي، ولم يذكروا ذلك لأممهم، ولا نقله أحد منهم ؟!" [منهاج السنة: 4/64.].
وكيف تتطاول هذه الأساطير على الأنبياء فتزعم أن آدم - عليه السلام - وبقية الأنبياء - ما عدا أولي العزم - قد تركوا أمر الله في الولاية؟!، إن هذا إلا بهتان عظيم، فالولاية باطلة والافتراء على الأنبياء باطل.(29/6)
ومن المفارقات العجيبة: ذلك الغلو الذي لا يقف عند حد في مسألة عصمة الأئمة.. وهذا الجفاء في حق صفوة الخلق وهم الأنبياء، أليس ذلك دليلاً على أن واضعي هذه الأساطير هم قوم قد فرغت عقولهم ونفوسهم من العلم والإيمان، وشحنت بالحقد والتآمر على المصلحين والأخيار، وأرادوا الدخول على الناس لإفساد أمرهم من طريق التشيع؟، بلى: إنه لا يتجرأ على مثل هذه الافتراءات إلا زنديق، وكأنهم بهذه المقالة يجعلون أتباع الأئمة أفضل من أنبياء الله – ما عدا أولي العزم – لأن الأتباع اتبعوا، والأنبياء تركوا، إن هذا لهو الضلال المبين..
لقد أخذ الله الميثاق على الأنبياء - عليهم السلام - لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه، هكذا قال ابن عباس [انظر: تفسير الطبري: 6/557 وما بعدها (من الأجزاء المحققة).] وغيره. قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران، آية: 81.].
فكأن هؤلاء أرادوا - كعادتهم - أن يجعلوا ما للنبي صلى الله عليه وسلم هو من حلق عليّ، ثم إن الإيمان بتفصيل ما بعث به محمد لم يؤخذ عليهم، فكيف يؤخذ عليهم موالاة واحد من الصحابة دون غيره من المؤمنين ؟!.
وقد أجمع المسلمون على أن الرجل لو آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وأطاعه، ومات في حياته قبل أن يعلم أن الله خلق أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً لم يضره ذلك شيئاً، ولم يمنعه من دخول الجنة. فإذا كان هذا في أمة محمد صلى الله عليه وسلم فكيف يقال: إن الأنبياء يجب عليهم الإيمان بواحد من الصحابة [انظر: منهاج السنة: 4/46.]؟!.(29/7)
وأين عقول هؤلاء القوم الذين يصدقون بهذه الترهات! كيف يؤخذ على من قبلنا من الأنبياء وأممهم الميثاق على طاعة علي في إمامته "هذا – كما يقول شيخ الإسلام – كلام المجانين، فإن أولئك ماتوا قبل أن يخلق الله علياً فكيف يكون أميراً عليهم؟!، وغاية ما يمكن أن يكون أميراً على أهل زمانه، أما الإمارة على من خلق قبله، وعلى من يخلق بعده، فهذا من كذب من لا يعقل ما يقول، ولا يستحي مما يقول.. وهذا من جنس قول ابن عربي الطائي وأمثاله من ملاحدة المتصوفة الذين يقولون: إن الأنبياء كانوا يستفيدون العلم بالله من مشكاة خاتم الأولياء والذي وجد بعد محمد بنحو ستمائة سنة، فدعوى هؤلاء في الإمامة من جنس دعوى هؤلاء في الولاية، وكلاهما يبني أمره على الكذب والغلو والشرك والدعاوى الباطلة، ومناقضة الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة" [منهاج السنة: 4/78.].
فما الغاية والهدف من هذه المقالة التي لا يخفى كذبها على أحد؟
هل الغاية صد الناس عن دين الله ؟!
لأن هذا معلوم بطلانه بداهة، فإذا رفعوا هذه الدعوى ونسبوها للإسلام، واطلع عليها أصحاب تلك الديانات وغيرهم، ورأوا بطلانها في العقل والنقل شكوا في الإسلام نفسه!!
ثم ماذا يقول أهل العلم والعقل عن هذا التحليل الغريب لفساد الأشياء أو صلاحها من الجمادات والنباتات والمياه... إلخ، وأن هذا بسبب موقفها من ولاية علي.
ماذا يقول العالم عن هذا..؟! هل هذا هو الدين الذي يريدون أن يقدموه للناس؟!
أو أن الهدف تشويه الإسلام والصد عنه!!(29/8)
ولا يستغرب هذا الرأي من الشيعة، فهم أهل مبالغات غريبة، يكذبون بالحقائق الواضحات، والأخبار المتواترات، ويصدقون بما يشهد العقل والنقل بكذبه... وإذا كانوا يقولون بهذا الرأي فيمن يدعون إمامته، فإنهم أيضاً يقولون في أعداء الأئمة وأعداء الشيعة - في اعتقادهم - ما يقارب هذا الرأي فقد قالوا في الخليفتين الراشدين العظيمين: أبي بكر وعمر، قالوا - مثلاً -: "وقع في الخبر أن القائم - رضي الله عنه - إذا ظهر يحييهم ويلزمهم بكل ذنب وفساد وقع في الدنيا، حتى قَتْل قابيل وهابيل، ورَمْي إخوة يوسف له في الجب، ورمي إبراهيم في النار وسايرها"، وكذا روي عن الصادق: "أنه ما أزيل حجر من موضعه، ولا أريقت محجمة دم إلا وهو في أعناقهما - يعني الخليفة الأول والثاني-" [البحراني/ درة نجفيه ص: 37، وانظر: رجال الكشي ص: 205-206، وانظر: الأنوار النعمانية: 1/82.].
الرأي الثاني (من آراء الشيعة) :
ويزعم بعض الروافض في القديم والحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي وضع بذرة التشيع، وأن الشيعة ظهرت في عصره، وأن هناك بعض الصحابة الذين يتشيعون لعليّ، ويوالونه في زمنه صلى الله عليه وسلم.
يقول القمي: "فأول الفرق الشيعة، وهي فرقة علي بن أبي طالب المسمون شيعة علي في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وبعده، معروفون بانقطاعهم إليه والقول بإمامته، منهم المقداد بن الأسود الكندي، وسلمان الفارسي، وأبو ذر جندب بن جنادة الغفاري، وعمار بن ياسر المذحجي.. وهم أول من سمو باسم التشيع من هذه الأمة [المقالات والفرق ص: 15.]. ويشاركه في هذا الرأي النوبختي [فرق الشيعة ص: 17، وقد وَهِمَ الشيبي في نقله لرأي النوبختي، حيث نسب إليه أنه يقول بأن التشيع نشأ بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم (انظر: الصلة بين التصوف والتشيع ص: 22).]، والرازي [انظر: الرازي (من شيوخ الإسماعيلية) الزينة ص: 205 (مخطوط).].(29/9)
ويقول محمد حسين آل كاشف الغطا (المتوفى سنة 1373ه) : إن أول من وضع بذرة التشيع في حقل الإسلام هو نفس صاحب الشريعة –؛ يعني أن بذرة التشيع وضعت في بذرة الإسلام [لاحظ أن هذا اعتراف منه بأن بذرة التشيع غير بذرة الإسلام.] جنباً إلى جنب، وسواء بسواء، ولم يزل غارسها يتعاهدها بالسقي والري حتى نمت وازدهرت في حياته، ثم أثمرت بعد وفاته [أصل الشيعة: ص 43.]. وقال بهذا الرأي طائفة من الشيعة المعاصرين [انظر: محسن العاملي/ أعيان الشيعة: 1/13، 16، محمد جواد مغنية/ الاثنا عشرية وأهل البيت ص: 29، هاشم معروف/ تاريخ الفقه الجعفري ص: 105، الوابلي/ هوية التشيع ص: 27، الشيرازي/ هكذا الشيعة ص: 4، محمد الحسني/ في ظلال التشيع ص: 50-51، الزين/ الشيعة في التاريخ ص: 29، 30، المظفر/ تاريخ التشيع ص 18، الصدر/ بحث حول الولاية ص: 63، أحمد تفاحة/ أصول الدين: ص 18، 19.].
مناقشة هذا الرأي:(29/10)
أولاً: يلاحظ أن أول من قال بهذا الرأي القمي في كتابه «المقالات والفرق» والنوبختي في كتابه "فرق الشيعة". وقد يكون من أهم الأسباب لنشوء هذا الرأي هو أن بعض علماء المسلمين أرجع التشيع في نشأته وجذوره إلى أصول أجنبية، وذلك لوجود ظواهر واضحة تثبت ذلك - سيأتي الحديث عنها [انظر: ص(101) من هذا الكتاب.] -. فبسبب ذلك قام الشيعة بمحاولة إعطاء التشيع صفة الشرعية، والرد على دعوى خصومهم برد التشيع إلى أصل أجنبي، فادعوا هذه الدعوى، وحاولوا تأييدها وإثباتها بكل وسيلة؛ فوضعوا روايات كثيرة في ذلك [في كتب الموضوعات عند أهل السنة روايات كثيرة من وضع الروافض في هذا الباب (انظر -مثلاً -: الموضوعات لابن الجوزي: 1/338 وما بعدها، الشوكاني/ الفوائد المجموعة ص 342 وما بعدها، الكتاني/ تنزيه الشريعة: 1/351 وما بعدها، ولهم وسائل الطرق ومسالك في الاستدلال والاحتجاج على أهل السنة كتبت عنها في رسالتي: فكرة التقريب ص: 51 وما بعدها.]، ونسبوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزعموا أنها رويت من طرق أهل السنة، وهي روايات "لا يعرفها جهابذة السنة ولا نقلة الشريعة، بل أكثرها موضوع أو مطعون في طريقه، أو بعيد عن تأويلاتهم الفاسدة" [ابن خلدون/ المقدمة: 2/527، تحقيق د. علي عبد الواحد وافي.].(29/11)
ثانياً: إن هذا الرأي لا أصل له في الكتاب والسنة، وليس له سند تاريخي ثابت، بل هو رأي يجافي أصول الإسلام وينافي الحقائق الثابتة، فقد جاء الإسلام لجمع هذه الأمة على كلمة سواء، لا ليفرقها شيعاً وأحزاباً، ولم يكن بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم شيعة ولا سنة، والله سبحانه وتعالى يقول: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ} [آل عمران، آية: 19.] لا التشيع ولا غيره، وهم يعترفون في قولهم: "إن بذرة التشيع وضعت مع بذرة الإسلام جنباً إلى جنب..." إن التشيع غير الإسلام. والله يقول: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران، آية: 85.].
ومن الحقائق التاريخية المتواترة والتي تكشف خطأ هذا الرأي ومجانبته للحقيقة أنه لم يكن للشيعة وجود زمن أبي بكر وعمر وعثمان [يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «ففي خلافة أبي بكر وعمر لم يكن أحد يسمى من الشيعة، ولا تضاف الشيعة إلى أحد». (منهاج السنة: 2/64 تحقيق د. محمد رشاد سالم).]. وقد اضطر بعض شيوخ الشيعة للإذعان لهذه الحقيقة وهم الذين مردوا على إنكار الحقائق المتواترات.
يقول آيتهم ومجتهدهم الأكبر في زمنه محمد حسين آل كاشف الغطاء: "... ولم يكن للشيعة والتشيع يومئذ (في عهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما) مجال للظهور؛ لأن الإسلام كان يجري على مناهجه القويمة..." [أصل الشيعة: ص 48.]. وبمثل هذا اعتراف شيخهم الآخر محمد حسين العاملي، فقال: "إن لفظ الشيعة قد أهمل بعد أن تمت الخلافة لأبي بكر، وصار المسلمون فرقة واحدة إلى أواخر أيام الخليفة الثالث" [الشيعة في التاريخ ص: 39-40.].
ونحن نقول: إنه أهمل لأنه لم يوجد أصلاً، إذ كيف يهمل، ولا يظهر، والحكومة كافرة في نظركم، كما هو متواتر في كتبكم - كما سيأتي نقله وبيانه - وهل كان المسلمون شيعاً في عهد الرسول... وفرقة واحدة في عهد الخلفاء الثلاثة؟!(29/12)
ثالثاً: زعموا أن الشيعة كانت تتألف من عمار، وأبي ذر، والمقداد، فهل قال هؤلاء بعقيدة من عقائد الشيعة من دعوة النص، وتكفير الشيخين: أبي بكر وعمر وأكثر الصحابة، أو أظهروا البراءة والسب لهم أو كراهيتهم..؟ كلا، لم يوجد شيء من ذلك.. وكل ما قاله الشيعة من دعاوى في هذا وملأوا به المجلدات لا يعدو أن يكون وهماً من الأوهام نسجته خيالات الحاقدين والأعداء [كقولهم: "إن الزبير والمقداد وسلمان حلقوا رؤوسهم ليقاتلوا أبا بكر.." (رجال الكشي رقم 210 ص: 133). وأخبارهم في هذا تملأ مجلدات.. ويلاحظ في الرواية السابقة: أنهم ذكروا الزبير، والزبير كان ممن حارب علياً فيما بعد، ونسوا ذكر أبي ذر، وعمار، وآل البيت.].
قال ابن المرتضى (وهو شعي زيدي) : "فإن زعموا أن عماراً، وأبا ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود، وسلمان الفارسي كانوا سلفهم؛ لقولهم بإمامة علي – عليه السلام – أكذبهم كون هؤلاء لم يظهروا البراءة من الشيخين ولا السب لهم، ألا ترى أن عماراً كان عاملاً لعمر بن الخطاب في الكوفة [انظر: ابن الأثير/ أسد الغابة: 4/64، ابن حجر/ الإصابة: 2/506، ابن عبد البر/ الاستيعاب: 2/473.]، وسلمان الفارسي في المدائن" [طبقات ابن سعد: 4/87.] [المنية والأمل ص: 124، 125.]. وهذه الحقائق التاريخية الثابتة تنسف كل ما شيده الشيعة من دعاوى في هذا عبر القرون.
رابعاً: يرى الشيخ موسى جار الله أن هذه المقالة من الشيعة مغالطة فاحشة خرجت من حدود كل أدب، وأنها افتراء على النبي صلى الله عليه وسلم ولعب بالكلمات، ويتعجب من قولهم: "إن أول من وضع بذرة التشيع في حقل الإسلام هو نفس صاحب الشريعة"، فيقول: "أي حبة بَذَرَ النبي حتى أنبتت سنابل اللعن والتكفير للصحابة وخير الأمة، وسنابل الاعتقاد بأن القرآن محرف بأيدي منافقي الصحابة، وأن وفاق الأمة ضلال، وأن الرشاد في خلافها، حتى توارت العقيدة الحقة في لجّ من ضلال الشيعة جم" [الوشيعة ص: مه.].(29/13)
الرأي الثالث:
يجعل تاريخ ظهور الشيعة يوم الجمل. قال ابن النديم [محمد بن إسحاق بن محمد بن أبي يعقوب النديم ، كان معتزلياً متشيعاً. من تصانيفه: الفهرست، توفي سنة (438ه).
(لسان الميزان: 5/72).]: إن علياً قصد طلحة والزبير ليقاتلهما حتى يفيئا إلى أمر الله جل اسمه، فسمى من اتبعه على ذلك الشيعة، فكان يقول: شيعتي، وسماهم - عليه السلام - الأصفياء الأولياء، شرطة الخميس، الأصحاب [ابن النديم/ الفهرست ص: 175.].
هذا رأي انفرد به ابن النديم - حسب علمي - وهو فيما يبدو ويشير إلى تاريخ ظهور الشيعة بمعنى الأنصار والأتباع، وتاريخ إطلاق لقب الشيعة على أنصار علي - رضي الله عنه - وأن علياً - عليه السلام - هو الذي لقبهم بذلك حيث يقول: "شيعتي".
ولاشك أن هذا القول لا يدل على بداية الأصول الفكرية للتشيع، فهو يعني هنا المعنى اللغوي للشيعة وهو الأنصار، ولهذا استخدم أيضاً ألقاباً أخرى تدل على ذلك كالأصحاب والأولياء، كما أن الوثائق التاريخية - كما سلف - أثبتت أن لقب "شيعتي" والشيعة كما استعمله علي - رضي الله عنه - قد استعمله معاوية - رضي الله عنه -.
ويصف د. مصطفى كامل الشيبي - شيعي معاصر - رأي ابن النديم هذا بالغربة، حيث جعل التشيع لقباً أطلقه عليّ بنفسه على أصحابه [الصلة بين التصوف والتشيع ص: 18.].. وما أدري ما وجه الغرابة، في أن يدعو علي أنصاره بقوله: "شيعتي".
أما د. النشار فيرى في كلام ابن النديم بعض الغلو [نشأة الفكر الفلسفي: 2/32.] ولا يذكر النشار وجه الغلو الذي يصف به كلام ابن النديم.
آراء غير الشيعة في نشأة التشيع:
القول الأول:(29/14)
إن التشيع ظهر بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم حيث وجد من يرى أن أحقية علي - رضي الله عنه - بالإمامة. وهذا الرأي قال به طائفة من القدامى والمعاصرين، منهم العلامة ابن خلدون، وأحمد أمين، وبعض المستشرقين، وهذا القول منهم مبني على ما نقله البعض من وجود رأي يقول بأحقية قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخلافة بعده.
يقول ابن خلدون: "اعلم أن مبدأ هذه الدولة - يعني دولة الشيعة - أن أهل البيت لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يرون أنهم أحق بالأمر، وأن الخلافة لرجالهم دون من سواهم" [العبر: 3/107-171.].
ويقول أحمد أمين: "كانت البذرة الأولى للشيعة الجماعة الذين رأوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أن أهل بيته أولى الناس أن يخلفوه" [فجر الإسلام ص: 266، وانظر: ضحى الإسلام: 3/209، وقال د. علي الخربوطلي: "ونحن نرى أن التشيع بدأ بعد أن آلت الخلافة إلى أبي بكر دون علي بن أبي طالب" (الإسلام والخلافة ص: 62). كما يقول بهذا الرأي محمد عبد الله عنان (انظر: تاريخ الجمعيات السرية ص: 13).]. كما قال بمثل ذلك بعض المستشرقين [انظر: دائرة المعارف الإسلامية: 14/58.].
مناقشة هذا الرأي:(29/15)
وهذا الرأي يستند القائلون به إلى الرأي القائل بأحقية القرابة بالإمامة. ولا شك أنه إذا وجد من يرى أحقية عليّ بالإمامة، وأن الإمامة ينبغي أن تكون في القرابة، فقد وجد رأي يقول باستخلاف سعد بن عبادة، وأن الإمامة ينبغي أن تكون في الأنصار، وهذا لا دلالة فيه على ميلاد حزب معين، أو فرقة معينة، وتعدد الآراء أمر طبيعي، وهو من مقتضيات نظام الشورى في الإسلام، فهم في مجلس واحد تعددت آراؤهم "وما انفصلوا حتى اتفقوا، ومثل هذا لا يعد نزاعاً" [ابن تيمية/ منهاج السنة: 1/36.]، "وقد اندرجوا تحت الطاعة عن بكرة أبيهم لأبي بكر - رضي الله عنه - وكان علي - رضي الله عنه - سامعاً لأمره، وبايع أبا بكر على ملأ من الأشهاد، ونهض إلى غزو بني حنيفة" [الجويني/ الإرشاد ص: 428.] "وكانوا - على حال ألفة، واجتماع كلمة - يبذلون في طاعة أئمتهم مهج أنفسهم، وكرائم أموالهم على السبيل التي كانوا عليها مع نبيهم.." [الناشئ الأكبر/ مسائل الإمامة ص: 15.].(29/16)
ولو كان هذا الرأي القائل بأحقية القرابة بالإمامة يمثل البذرة والنواة للتشيع لكان له ظهور وودود زمن أبي بكر وعمر، ولكنه رأي إن ثبت فهو كسائر الآراء التي أثيرت في اجتماع السقيفة، ما إن وجد حتى اختفى بعد أن تمت البيعة.. واجتمعت الكلمة.. واتفق الرأي من الجميع. وموقف أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - ينفي استمرار مثل هذه الآراء أو بقائها بين الصحابة، فقد تواتر عنه - رضي الله عنه، من وجوه كثيرة - أنه قال على منبر الكوفة: "خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر" [قال ابن تيمية: "روي عن علي من نحو ثمانين وجهاً وأكثر أنه قال على منبر الكوفة هذا القول - كما مر - وقد ثبت في صحيح البخاري من رواية رجال همدان خاصة التي يقول فيها علي: لو كنت بواباً على باب جنة لقلت لهمدان: ادخلي بسلام، من رواية سفيان الثوري عن منذر الثوري وكلاهما من همدان، قال البخاري: حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا سفيان ، حدثنا جامع بن أبي راشد، حدثنا أبو يعلى عن محمد بن الحنفية قال: "قلت لأبي: أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟" قال: أبو بكر قلت: ثم من؟ قال: عمر. وخشيت أن يقول: عثمان، قلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين". (صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب فضائل الصحابة، باب فضل أبي بكر جص20).
قال ابن تيمية: وهذا يقوله لابنه الذي لا يتقيه.. (الفتاوى: 4/407-408، منهاج السنة: 4/137-138).]. فكيف يرى غيره من الصحابة فيه ما لم يره في نفسه؟!(29/17)
والشيعة ليس لها ذكر أو وجود في عهد أبي بكر ولا عمر ولا عثمان، فكيف يقال بنشأتها بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم [وما ذكره بعضهم من ظهور جماعة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ترى أحقية علي بالإمامة.. ليس له أصل تاريخي ثابت، ويبدو أن عمدته رواية اليعقوبي في تاريخه والتي تقول: بأن جماعة منهم سلمان وأبو ذر وعمار والمقداد تخلفوا عن بيعة أبي بكر ومالوا إلى علي. ( تاريخ اليعقوبي: 2/124). وروايات اليعقوبي، ومثله المسعودي يجب الاحتزازوالحذر منهما - لجنوحهما للرفض - ولاسيما فيما يوافق ميولهما المذهبية، وفيما ينفردان به من نقول. يقول القاضي أبو بكر بن العربي: "لا تسمعوا لمؤرخ كلاماً إلا للطبري، وغير ذلك هو الموت الأحمر والداء الأكبر". وقال في المسعودي المؤرخ: "إنه مبتدع محتال". (العواصم من القواصم ص: 248-249).
وأيضاً لأن الطبري يروي بالسند فيسهل فحص رواياته والتحقق منها.]؟! وقد أقر بهذه الحقيقة بعض شيوخ الشيعة كما سلف [انظر: ص: ( 166).].
القول الثاني:(29/18)
أن التشيع لعلي بدأ بمقتل عثمان - رضي الله عنه، يقول ابن حزم: "ثم ولي عثمان، وبقي اثني عشر عاماً، وبموته حصل الاختلاف، وابتدأ أمر الروافض" [الفصل: 2/8، وبمثل قول ابن حزم هذا قال طائفة من العلماء والباحثين مثل: الشيخ عثمان بن عبد الله الحنفي صاحب الفرق المتفرقة بين أهل الزيغ والزندقة (انظر: الفرق المفترقة ص :6) ومثل المستشرق: فلهوزن (انظر: الخوارج والشيعة ص: 112).]. والذي بدأ غرس بذرة التشيع هو عبد الله بن سبأ اليهودي [عبد الله بن سبأ رأس الطائفة السبئية وكانت تقول بألوهية علي، كما تقول برجعته وتطعن في الصحابة... أصله من اليمن وكان يهودياً يتظاهر بالإسلام، رحل لنشر فتنته إلى الحجاز فالبصرة فالكوفة، ودخل دمشق في أيام عثمان بن عفان - رضي الله عنه - فأخرجه أهلها، فانصرف إلى مصر وجهر ببدعته. قال ابن حجر: "عبد الله بن سبأ من غلاة الزنادقة ضال مضل، أحسب أن علياً حرقة بالنار" اه. وقد تكاثر ذكر أخبار فتنته وشذوذه وسعيه في التآمر هو وطائفته في كتب الفرق والرجال والتاريخ وغيرها من مصادر السنة والشيعة جميعاً.
انظر في ذلك: الملطي/ التنبيه والرد ص: 18، الأشعري/ مقالات الإسلاميين: 1/86، البغدادي/ الفرق بين الفرق ص 233، الشهرستاني/ الملل والنحل: 1/174، الإسفراييني/ التبصير في الدين ص: 71-72، الرازي/ اعتقادات فرق المسلمين ص: 86، ابن المرتضى/ المنية والأمل ص: 29، ابن حجر/ لسان الميزان: 3/289، ابن عساكر/ تهذيب تاريخ دمشق: 7/431، السمعاني/ الأنساب: 7/46، ابن الأثير/ اللباب: 1/527، المقدسي/ البدء والتاريخ: 5/129، تاريخ الطبري: 4/340، ابن الأثير/ الكامل: 3/77، ابن كثير/ البداية والنهاية: 7/167، ابن خلدون/ العبر: 2/160،161، الطبري/ تبصير أولي النهى الورقة (14) (مخطوط).(29/19)
ومن مصادر الشيعة: الناشئ الأكبر/ مسائل الإمامة ص 22-23، القمي/ المقالات والفرق ص: 20، النوبختي/ فرق الشيعة ص: 22، وأورد الكشي عدة روايات في ابن سبأ (رجال الكشي، انظر الروايات رقم: 170-171، 172، 173، 174، من ص 106-108)، ابن أبي الحديد/ شرح نهج البلاغة: 2/308.]، والذي بدأ حركته في أواخر عهد عثمان، وأكد طائفة من الباحثين القدماء والمعاصرين على أن ابن سبأ هو أساس المذهب الشيعي والحجر الأول في بنائه [انظر - مثلاً - : ابن تيمية الذي يعتبر ابن سبأ أول من أحدث القول بالعصمة لعلي، وبالنص عليه في الخلافة، وأنه أراد إفساد دين الإسلام، كما أفسد بولس دين النصارى (مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية/ جمع عبد الرحمن بن قاسم: 4/518). وكذا ابن المرتضى في كتابه المنية والأمل ص: 125، ومن المعاصرين - مثلاً - أبو زهرة الذي ذكر أن عبد الله بن سبأ هو الطاغوت الأكبر الذي كان على رأس الطوائف الناقمين على الإسلام الذين يكيدون لأهله، وأنه قال برجعة علي، وأنه وصي محمد، ودعا إلى ذلك.
وذكر أبو زرهة أن فتنة ابن سبأ وزمرته كانت من أعظم الفتن التي نبت في ظلها المذهب الشيعي (انظر: تاريخ المذاهب الإسلامية: 1/31-33)، وسعيد الأفغاني الذي يرى أن ابن سبأ أحد أبطال جمعية سرية (تلمودية) غايتها تقويض الدولة الإسلامية، وأنها تعمل لحساب دولة الروم (انظر: عائشة والسياسة ص: 60)، وانظر: القصيمي في الصراع: 1/41.]. وقد تواتر ذكره في كتب السنة والشيعة على حد سواء.(29/20)
ونبتت نابتة من شيعة العصر الحاضر تحاول أن تنكر وجوده بجرة قلم دون مبرر واقعي، أو دليل قاطع [وهو: مرتضى العسكري في كتابه "عبد الله بن سبأ.." ص: 35 وما بعدها.]، بل ادعى البعض منهم أن عبد الله بن سبأ هو عمار بن ياسر [وهو: علي الوردي في كتابه (وعاظ السلاطين) ص: 274، وقلده في هذا الشيعي الآخر: مصطفى الشيبي في كتابه (الصلة بين التصوف والتشيع) ص: 40-41، ويرى الأستاذ علي البصري أن الوردي هذا مقلد للأستاذ هدايت الحكيم الهلي أستاذ بجامعة لندن في تلك الآراء والذي نشرها في كتابه: "تخس إمام" أي: الإمام الأول. وأن الوردي قام بنشر ترجمتها تقريباً في كتابه "وعاظ السلاطين".
(انظر: مجلة الثقافة الإسلامية/ بغداد/ العدد (11)، السنة الأولى، مقال علي البصري بعنوان "من طلاب الشهرة علي الوردي").]. وهذه الدعوى هي محاولة أو حيلة لتبرئة يهود من التآمر على المسلمين.. كما هي محاولة أو حيلة لإضفاء صفة الشرعية على الرفض.. والرد على دعوى خصومهم برد أصل التشيع إلى أصل يهودي.
وقد اتفق القدماء من أهل السنة والشيعة على السواء على اعتبار ابن سبأ حقيقة واقعية، وشخصية تاريخية، فكيف ينفى ما أجمع عليه الفريقان؟! أما القول بأن ابن سبأ هو عامر بن ياسر فهو قول يرده العقل والنقل والتاريخ، وكيف تلصق تلك العقائد التي قال بها ابن سبأ بعمار بن ياسر، وهل هذا إلا جزء من التجني على الصحابة والطعن فيهم؟!.
ولست بحاجة إلى دراسة هذه المسألة فقد خرجت دراسات موضوعية ومستوفية لهذه القضية [من أبرز هذه الدراسات وأهمها: رسالة "عبد الله بن سبأ وأثره في إحداث الفتنة" للدكتور/ سليمان العودة، وقد توفرت لديه أدلة قاطعة على وجود ابن سبأ وسعيه في الفتنة. وهذه دراسة جادة ومستوفية وقد ناقش المشككين والمنكرين والقائلين أن ابن سبأ هو عمار بن ياسر، وأثبت زيف هذه الأقوال بالحجة والبرهان.(29/21)
وكذلك د. عمار الطالبي أثبت بطلان هذه الأقوال في كتابه: "آراء الخوارج" ص: 74 –81. وللدكتور عزت عطية مناقشة لهؤلاء وتزييف لأقوالهم في كتابه "البدعة" ص: 64 وما بعدها. وقدم الدكتور سعدي الهاشمي محاضرة قيمة في هذا الموضوع أثبت فيها وجود ابن سبأ بالأدلة من الفريقين (انظر: محاضرات الجامعة الإسلامية عام 1398-1399ه: "ابن سبأ حقيقة لا خيال" ص: 201-223).]، فلا حاجة للوقف عندها طويلاً.. ويكفي – هنا – الاستشهاد بما جاء في كتب الشيعة المعتمدة عن ابن سبأ تمشياً – أولاً – مع خطة البحث في الاعتماد على أصولهم، وثانياً: لأن الإنكار لوجود ابن سبأ جاء من جهة الشيعة، فالاحتجاج عليهم من كتبهم المعتمدة يسقط دعواهم من أساسها. وثالثاً: لأن في عرض آراء ابن سبأ من كتب الشيعة تصويراً لأهل الشيعة وجذورها من كلام الشيعة أنفسهم، وهو موضوع هذا البحث.
فماذا تقول كتب الشيعة عن ابن سبأ؟.. فالشيعي سعد بن عبد الله القمي شيخ الطائفة وفقيهها ووجهها، كما ينعته النجاشي [رجال النجاشي ص: 126.] (المتوفى سنة 229-301) يقر بوجود ابن سبأ، ويذكر أسماء بعض أصحابه الذين تآمروا معه، ويلقب فرقته بالسبئية، ويرى أنها أول فرقة في الإسلام قالت بالغلو، ويعتبر ابن سبأ "أول من أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم، وادعى أن علياً – رضي الله عنه – أمره بذلك"، ويذكر القمي أن علياً بلغه ذلك فأمر بقتله ثم ترك ذلك واكتفى بنفيه إلى المدائن [المقالات والفرق ص: 20.].(29/22)
كما ينقل عن جماعة من أهل العلم - كما يصفهم -: "أن عبد الله بن سبأ كان يهودياً فأسلم، ووالى علياً وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون وصي موسى بهذه المقالة، فقال في إسلامه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في علي بمثل ذلك، وهو أول من شهد بالقول بفرض إمامة علي بن أبي طالب وأظهر البراءة من أعدائه.. وأكفرهم، فمن هاهنا قال من خالف الشيعة أن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية [المقالات والفرق ص: 20.]. ثم يذكر القمي موقف ابن سبأ حينما بلغه نعي علي حيث ادعى أنه لم يمت وقال برجعته، وغلا فيه [المقالات والفرق ص: 21.].(29/23)
هذا ما يقوله القمي عن ابن سبأ، والقمي عند الشيعة ثقة واسع المعرفة بالأخبار [انظر: الطوسي/ الفهرست ص: 105، الأردبيلي / جامع الرواة : 1/352.]، ومعلوماته - عندهم - مهمة نظراً لقدم فترتها الزمنية، ولأن سعداً القمي كما روى شيخهم الملقب عندهم بالصدوق قد لاقى في إمامهم المعصوم - في نظرهم - الحسن العسكري وسمع منه [انظر: ابن بابويه القمي/ إكمال الدين ص: 425-453.]. ونجد شيخهم الآخر النوبختي يتحدث عن ابن سبأ ويتفق فيما يقوله عن ابن سبأ مع القمي حتى في الألفاظ نفسها [انظر: فرق الشيعة للنوبختي ص: 22-23.]، والنوبختي ثقة معتمد عندهم [انظر: الطوسي/ الفهرست ص: 75، الأردبيلي/ جامع الرواة : 1/228، عباس القمي/ الكنى والألقاب: 1/148، الحائري/ متقبس الأثر: 16/125.]. وعالمهم الكشي [وهو عندهم "ثقة بصير بالأخبار والرجال" (الطوسي/ الفهرست: 171).] يروي ست روايات في ذكر ابن سبأ [رجال الكشي ص: 106-108، 305.] وذلك في كتابه المعروف "برجال الكشي" والذي هو من أقدم كتب الشيعة المعتمدة في علم الرجال، وتشير تلك الروايات إلى أن ابن سبأ ادعى النبوة وأنه زعم أن أمير المؤمنين هو الله - تعالى الله وتقدس - وأن علياً استتابه فلم يتب، فأحرقه بالنار، كما ينقل الكشي لعن الأئمة لعبد الله ابن سبأ، وأنه كان يكذب على علي، كقول علي بن الحسين: "لعن الله من كذب علينا إني ذكرت عبد الله بن سبأ فقامت كل شعرة في جسدي، لقد ادعى أمراً عظيماً، ما له لعنه الله، كان علي - رضي الله عنه - والله عبداً لله صالحاً أخو رسول الله ما نال الكرامة من الله إلا بطاعته" [المصدر السابق: ص: 108.].(29/24)
ثم قال الكشي بعد ذكر تلك الروايات: "ذكر أهل العلم أن عبد الله بن سبأ كان يهودياً فأسلم ووالى علياً، وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون وصي موسى بالغلو، فقال في إسلامه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في علي - رضي الله عنه - مثل ذلك، وكان أول من شهد بالقول بفرض إمامة علي وأظهر البراءة من أعدائه، وكاشف مخالفيه وأكفرهم، فمن ها هنا قال من خالف الشيعة: أصل التشيع والرفض مأخوذ من اليهودية" [المصدر السابق ص : 108-109.]. هذه مقالة الكشي وهي تتفق مع كلام القمي والنوبختي وكلهم يوثقون قولهم هذا بنسبته إلى أهل العلم.
ثم إن هذه الروايات الست كلها جاءت في رجال الكشي، والذي يعتبرونه أحد الأصول الأربعة التي عليها المعول في تراجم الرجال، وقام الطوسي شيخ الطائفة عندهم بتهذيب الكتاب، فصار عندهم أكثر ثقة وتحقيقاً حيث اجتمع في تأليفه الكشي الذي هو عندهم ثقة، بصير بالأخبار وبالرجال مع الطوسي وهو صاحب كتابين من صحاحهم الأربعة، ومؤلف كتابين من كتبهم الأربعة المعول عليها في علم الرجال عندهم [وما نقلناه عن الكشي هو من تذهيب الطوسي واختياره؛ لأن الأصل – كما يقولون – مفقود لا يعرف له أثر. (انظر: مقدمة رجال الكشي ص 17-18، يوسف البحراني/ لؤلؤة البحرين ص: 403).].
ثم إن كثيراً من كتب الرجال الأخرى عندهم جاءت على ذكر ابن سبأ [لعل أقدم مصدر عند الشيعة تحدث عن ابن سبأ والسبئية وهو كتاب: مسائل الإمامة ص: 22-23 لعبد الله الناشئ الأكبر (المتوفى سنة 293ه).
(راجع ترجمته في وفيات الأعيان: 3/91-92، أنباء الرواة: 2/128-129).
ومن كتبهم في الرجال التي جاءت على ذكر ابن سبأ: المازندراني/ منتهى المقال (غير مرقم الصفحات)، الاستراباذي/ منهج المقال في تحقيق أحوال الرجال ص: 203-204، الأردبيلي/ جامع الرواة: 1/485، ابن داود الحلي/ الرجال: 2/71، التستري/ قاموس الرجال: 5/461 وما بعدها، رجال الطوسي ص: 51.(29/25)
ومن كتبهم في الحديث والفقه التي جاء فيها ذكر ابن سبأ: ابن بابويه القمي/ من لا يحضره الفقيه: 1/213، الخصال ص: 628، الطوسي، تهذيب الأحكام: 2/322، المجلسي/ بحار الأنوار: 25/286 وما بعدها.]، كما جاء ذكر ابن سبأ في أهم وأوسع كتبهم الرجالية المعاصرة وهو تنقيح المقال [تنقيح المقال: 2/183.] لشيخهم عبد الله الممقاني [انظر: الأعلمي/ مقتبس الأثر: 21/230.] (المتوفى سنة 1351ه).
ولهذا يلحظ أن ثمة اتجاهاً أخيراً لدى بعض شيوخ الشيعة المعاصرين إلى العدول عن إنكاره، يقول - مثلاً - محمد حسين الزين: "وعلى كل حال فإن الرجل - أي: ابن سبأ - كان في عالم الوجود، وأظهر الغلو، وإن شك بعضهم في وجوده وجعله شخصاً خيالياً.. أما نحن - بحسب الاستقراء الأخير - فلا نشك بوجوده وغلوه" [الشيعة في التاريخ ص: 213.].
ذلك أن إنكار وجود ابن سبأ هو تكذيب منهم - وإن لم يصرحوا - لشيوخهم الذين ذكروا ابن سبأ، ولكتبهم في الرجال التي تكاثر فيها ذكره، وهو اعتراف منهم - وإن لم يشعروا - أن كتب الرجال لديهم ليست مرجعاً يوثق به وإجماعها لا يعتد به.
وهكذا تعترف كتب الشيعة بأن ابن سبأ هو أول من قال بالوصية لعلي ورجعته وطعن في الخلفاء الثلاثة والصحابة.. وهي آراء وعقائد أصبحت فيما بعد من أسس المذهب الشيعي، وذلك حينما صيغت هذه الآراء وغيرها على شكل روايات وأحاديث ونسبت لآل البيت زوراً وبهتاناً، فوجدت القبول لدى كثير من العوام وغيرهم ولا سيما العجم.
القول الثالث:(29/26)
ويقول بأن منشأ التشيع كان سنة 37ه، ومن أشهر القائلين بهذا الرأي صاحب مختصر التحفة الاثني عشرية حيث يقول: "إن ظهور اسم الشيعة كان عام 37ه" [مختصر التحفة ص : 5.]. كما يقول بهذا الرأي الأستاذ وات منتوجمري (Montgomery Watt) حيث يذكر "أن بداية حركة الشيعة هي أحد أيام سنة 658م (37ه)" [Montgomery Watt, Islam and the Integration of Society p,104.]. ويبدو أن هذا القول يربط نشأة التشيع بموقعة صفين، حيث وقعت سنة 37هبين الإمام علي ومعاوية - رضي الله عنهما - وما صاحبها من أحداث، وما أعقبها من آثار، ولكن هذا الرأي لا يعني بداية الأصول الشيعية؛ حيث إننا لا نجد في أحداث هذه السنة فيما نقله المؤرخون من نادى بالوصية، أو قال بالرجعة، أو دعا إلى أصل من أصول الشيعة المعروفة، كما أن أنصار الإمام علي لا يمكن أن يقال بأنهم على مذهب الشيعة، أو أصل من أصول الشيعة، وإن كان في أصحاب الإمام علي كما في أصحاب معاوية من أعداء الإسلام الذين تظاهروا بالإسلام ليكيدوا له بالباطن ما لا ينكر، وقد كان للسبئيين أثر في إشعال الفتنة لا يجحد، وهم وجدوا قبل ذلك، كما أننا نلحظ أنه بعد حادثة التحكيم وفي بنود التحكيم أطلق لفظ الشيعة على الجانبين بلا تخصيص – كما سبق – [انظر: (ص 38).].
القول الرابع:
بأن التشيع ولد إثر مثل الحسين. يقول شتروتمان [رودلف شتروتمان من المستشرقين المتخصصين في الفرق ومذاهبها، وله عنها مباحث. من آثاره: الزيدية، وأربعة كتب إسماعيلية.
(انظر: نجيب العقيقي/ المستشرقون: 2/788).] (Strotnmann, R) "إن دم الحسين يعتبر البذرة الأولى للتشيع كعقيدة" [دائرة المعارف الإسلامية: 14/59.].
الرأي المختار:(29/27)
عرضنا فيما سبق معظم الآراء في نشأة التشيع، وناقشنا ما يحتاج إلى مناقشة.. والذي أرى أن الشيعة كفكر وعقيدة لم تولد فجأة، بل إنها أخذت طوراً زمنياً، ومرت بمراحل.. ولكن طلائع العقيدة الشيعية وأصل أصولها ظهرت على يد السبئية باعتراف كتب الشيعة التي قالت بأن ابن سبأ أول من شهد بالقول بفرض إمامة علي، وأن علياً وصي محمد - كما مر - وهذه عقيدة النص على علي بالإمامة، وهي أساس التشيع كما يراه شيوخ الشيعة كما أسلفنا ذكره في تعريف الشيعة. وشهدت كتب الشيعة بأن ابن سبأ وجماعته هم أول من أظهر الطعن في أبي بكر وعمر وعثمان أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرحامه وخلفائه وأقرب الناس إليه - رضي الله عنهم - والطعن في الصحابة الآخرين، وهذه عقيدة الشيعة في الصحابة كما هي مسجلة في كتبهم المعتمدة. كما أن ابن سبأ قال برجعة علي [انظر: القمي/ المقالات والفرق ص: 21، النوبختي/ فرق الشيعة ص: 23، الناشئ الأكبر/ مسائل الإمامة ص: 22-23، الأشعري/ مقالات الإسلاميين: 1/86، الملطي/ التبيه والرد ص: 18، البغدادي/ الفرق بين الفرق ص: 237، الإسفراييني/ التبصير في الدين ص: 72، الرازي/ محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين ص: 242، الإبجي / المواقف ص: 419.] والرجعة من أصول الشيعة كما سيأتي. كما أن ابن سبأ قال بتخصيص علي وأهل البيت بعلوم سرية خاصة. كما أشار إلى ذلك الحسن بن محمد بن الحنفية [قال ابن حجر: الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب، أبو محمد المدني ، وأبوه يعرف بابن الحنفية. له رسالة في الإرجاء أخرجها محمد بن يحيى العدني في كتاب الإيمان. انظر تهذيب التهذيب: 2/32.] ( ت 95 أو 100ه) في رسالة الإرجاء [رسالة الإرجاء (ضمن كتاب الإيمان، لمحمد بن يحيى العدني ص 249-250).].(29/28)
وهذه المسألة أصبحت من أصول الاعتقاد عند الشيعة، وقد ثبت في صحيح البخاري ما يدل على أن هذه العقيدة ظهرت في وقت مبكر، وأن علياً - رضي الله عنه - سئل عنها، وقيل له: هل عندكم شيء مما ليس في القرآن ومما ليس عند الناس؟، فنفى ذلك نفياً قاطعاً [وقد أخرج الإمام البخاري هذا الحديث في باب كتابة العلم (البخاري مع الفتح: 1/204) وباب حرم المدينة (البخاري مع الفتح 4/81) وباب فكاك الأسير (6/167)، وباب ذمة المسلمين وجوارهم (6/273) وباب إثم من عاهد ثم غدر (6/279-280) وباب إثم من تبرأ من مواليه (12/41-42) وباب العاقلة (12/246) وباب لا يقتل مسلم بكافر (12/260)، وباب ما يكره من التعمق والتنازع والغلو (13/275-276). وأخرجه مسلم في باب فضل المدينة وبيان تحريمها (مسلم مع النووي: 9/143-144) وكتاب الذبائح (مسلم مع النووي 13/141). وأخرجه النسائي (المجتبى: 8/19). والترمذي (4/668). وأحمد (المسند: 1/100).].
هذه أهم الأصول التي تدين بها الشيعة [مما ينبغي أن يلحظ أن ربط نشأة التشيع بابن سبأ هو في التشيع المتضمن لهذه الأصول الغالية، أما "التشيع المتوسط والذي مضمونه تفضيل علي وتقديمه على غيره ونحو ذلك فلم يكن هذا من إحداث الزنادقة، بخلاف دعوى النص والعصمة فإن الذي ابتدع ذلك كان منافقاً زنديقاً".(29/29)
(ابن تيمية/ مجموعة الفتاوى: 20/466) وهو ابن سبأ وعصابته من اليهود والمنافقين والحاقدين والموتورين.]، وقد وجدت إثر مقتل عثمان – رضي الله عنه – في عهد علي – رضي الله عنه – ولم تأخذ مكانها في نفوس فرقة معنية معروفة، بل إن السبئية ما كادت تطل برأسها حتى حاربها علي – رضي الله عنه – [فقد أمر بإحراق أولئك الذين ادعوا فيه الألوهية. (انظر: ابن تيمية/ منهاج السنة: 1/219 تحقيق د. محمد رشاد سالم، فتح الباري: 2/270، الملطي/ التنبيه والرد ص: 18، الإسفراييني/ التبصير في الدين: ص 70). وأما السبابة الذين يسبون أبا بكر وعمر فإن علياً لما بلغه ذلك طلب ابن السوداء الذي بلغه ذلك عنه، وقيل: إنه أراد قتله، فهرب منه. وأما المفضلة الذين يفضلونه على أبي بكر وعمر فروي أنه قال: "لا أوتى بأحد يفضلني على أبي بكر وعمر إلا ضربته حد المفتري". (منهاج السنة: 1/219-220).]، ولكن ما تلا ذلك من أحداث هيأ جواً صالحاً لظهور هذه العقائد، وتمثلها في جماعة وذلك كمعركة صفين، وحادثة التحكيم التي أعقبتها، ومقتل علي، ومقتل الحسين.. كل هذه الأحداث دفعت القلوب والعواطف إلى التشيع لآل البيت، فتسلل الفكر الوافد من نافذة التشيع لعلي وآل بيته، وصار التشيع وسيلة لكل من أراد هدم الإسلام من ملحد ومنافق وطاغوت، ودخلت إلى المسلمين أفكار ومعتقدات أجنبية اكتست بثوب التشيع وتيسر دخولها تحت غطائه، وبمرور الأيام كانت تتسع البدعة ويتعاظم خطرها، حيث قد وجد لابن سبأ خلفاء كثيرون.
ولم يكن استعمال لقب "الشيعة" في عهد علي - رضي الله عنه - إلا بمعنى الموالاة والنصرة، ولا يعني بحال الإيمان بعقيدة من عقائد الشيعة اليوم.. ولم يكن يختص إطلاق هذا اللقب بعلي - رضي الله عنه - يدل على ذلك ما جاء في صحيفة التحكيم من إطلاق اسم الشيعة على كل من أتباع علي وأتباع معاوية كما سلف [انظر ص: ( 38).].(29/30)
فإذن كانت الأحداث التي جرت على آل البيت (مقتل علي، مقتل الحسين، إلخ) هي من العوامل المؤثرة للاندفاع إلى التشيع لآل البيت، وكان التعاطف والتأثر لما حل بالآل هو شعور كل مسلم، ولكن قد استغل هذا الأمر من قبل الأعداء الذين يتربصون بالمسلمين الدوائر فدخلوا من هذا المنفذ، وأشاعوا الفرقة في صفوف الأمة، وحققوا بالكيد والحيلة ماعجزوا عنه بالسلاح والسنان، ودخل أتباع الديانات الأخرى، والمتآمرون، والمتربصون في التشيع، وبدأوا يضعون أصولاً مستوحاة من دينهم، ألبسوها ثوب الإسلام.. كما سندرس هذا في أصل التشيع.
أصل التشيع ( أو أثر الفلسفات القديمة في المذهب الشيعي )
اختلف أنظار العلماء والباحثين في مرجع الأصول العقدية للتشيع؛ فمن قائل بأنها ترجع لأصل يهودي، ومن قائل بأنها ترجع لأصل فارسي، ومن قائل بأن المذهب الشيعي كان مباءة للعقائد الآسيوية القديمة كالبوذية [البوذية: هم أتباع بوذا، ولها انتشار بين عدد من الشعوب الآسيوية، وتتباين عقائد الأتباع حول هذه النحلة؛ فتجعل البوذية اليابانية «بوذا» جوهراً إلهاً حالاً في الكون، وبوذية الهند – وهي الأصل – لا إله لها، وبوذية الصين مالت إلى الاعتقاد بفكرة كائن مطلق يتمثل في شخصيات مختلفة بوذا واحد منها. وانظر عن البوذية (محمد سيد كيلاني/ ذيل الملل والنحل ص 13، 26، 31، محمد أبو زهرة/ الديانات القديمة ص: 53، سليمان مظهر/ قصة الديانات ص: 73).] وغيرها:
القول بالأصل اليهودي:
من الباحثين من يرى أن أصل التشيع ذو صبغة يهودية وذلك باعتبارين:
الأول:(29/31)
أن ابن سبأ كان أول من قال بالنص والوصية، والرجعة، وابن سبأ يهودي، وهذه الآراء صارت من أصول المذهب الشيعي، ولهذا أشار القمي، والنوبختي والكشي، وهم من شيوخ الشيعة القدامى إلى هذا، وذلك حينما استعرضوا آراء ابن سبأ والتي أصبحت فيما بعد من أصول الشيعة، قالوا: "فمن هنا قال من خالف الشيعة: إن أصل الرفض كان مأخوذاً من اليهودية" [انظر: القمي/ المقالات والفرق ص: 20 النوبختي/ فرق الشيعة ص: 22، رجال الكشي ص: 108.].
الاعتبار الثاني:(29/32)
هو وجود تشابه في الأصول الفكرية بين اليهود والشيعة، ولعل أول بيان لذلك وأشمله هو ما روي عن الشعبي [عامر بن شراحيل بن عبد ذي كبار الشعبي، راوية من التابعين، يضرب المثل بحفظه، (ت 102ه). (تهذيب التهذيب: 5/5).] في هذا الباب [رواه الخلال في كتابة السنة، قال محقق الكتاب: إسناده لا يصح، لأن فيه عبد الرحمن بن مالك بن مغول متروك، ولكن الأمور المذكورة واقعة من الرافضة (السنة للخلال: 2/563-565)، وانظر: منهاج السنة لابن تيمية: 1/6-10، اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة. (انظر: كاشف الغمة في اعتقاد أهل السنة ص611)، ابن الجوزي/ الموضوعات: 1/338، ابن بكر/ التمهيد والبيان: ص 233-234، (القسم المخطوط).]. كما أشار ابن حزم إلى شيء من ذلك حينما قال: "سار هؤلاء الشيعة في سبيل اليهود القائلين.. إن إلياس -عليه السلام -، وفنحاس بن العازار بن هارون - عليه السلام - أحياء إلى اليوم" [الفصل: 5/37.]. وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن في الشيعة من الجهل والغلو واتباع الهوى ما أشبهوا فيه النصارى من وجه واليهود من وجه، وأن الناس مازالوا يصفونهم بذلك، ثم نقل ما روي عن الشعبي من مشابهة الشيعة لليهود والنصارى [منهاج السنة: 1/6.]... وقد قال بهذا الرأي جمع من الباحثين [من هؤلاء الأستاذ أحمد أمين، حيث قال: "فاليهودية ظهرت في التشيع بالقول بالرجعة، وقالت الشيعة: إن النار محرمة على الشيعي إلا قليلاً كما قال اليهود: {لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَةً}. والنصرانية ظهرت في التشيع في قول بعضهم: إن نسبة الإمام إلى الله كنسبة المسيح إليه..." انظر: فجر الإسلام ص: 276، ويرى جولد تسيهر أن فكرة الرجعة تسربت إلى التشيع من طريق المؤثرات اليهودية والنصرانية (انظر: العقيدة والشريعة ص 215). وكذلك يرى فريد لندر أن التشيع قد استمد أفكاره الرئيسة من اليهودية. (انظر: المصدر السابق: ص 100 وما بعدها)، ويقول(29/33)
فلهوزن بالأصل اليهودي، ويشير إلى بعض أوجه التشابه في الأفكار بين اليهود والشيعة (أحزاب المعارضة ص: 170).].
القول بالأصل الفارسي ( فارسية التشيع ):
يقرر بعض الباحثين أن التشيع نزعة فارسية، وذلك لعدة اعتبارات:
الأول: ما قاله ابن حزم والمقريزي من أن الفرس كانت من سعة الملك، وعلو اليد على جميع الأمم، وجلالة الخطر في أنفسها بحيث إنهم كانوا يسمون أنفسهم الأحرار والأسياد، وكانوا يعدون سائر الناس عبيداً لهم، فلما امتحنوا بزوال الدولة عنهم على أيدي العرب، كان العرب عند الفرس أقل الأمم خطراً، تعاظمهم الأمر، وتضاعفت لديهم المصيبة وراموا كيد الإسلام بالمحاربة في أوقات شتى، وفي كل ذلك يظهر الله الحق.. فرأوا أن كيده على الحيلة أنجع، فأظهر قوم منهم الإسلام، واستمالوا أهل التشيع، بإظهار محبة أهل البيت، واستبشاع ظلم علي - بزعمهم – ثم سلكوا بهم مسالك حتى أخرجوهم عن طريق الهدى [ابن حزم/ الفصل: 2/273، وانظر: المقريزي/ الخطط: 2/362.].(29/34)
الثاني: أن العرب تدين بالحرية، والفرس يدينون بالملك والوراثة في البيت المالك، ولا يعرفون معنى الانتخاب للخليفة، وقد انتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، ولم يترك ولداً، فأولى الناس بعده ابن عمه علي بن أبي طالب، فمن أخذ الخلافة كأبي بكر وعمر وعثمان، فقد اغتصب الخلافة من مستحقها، وقد اعتاد الفرس أن ينظروا إلى الملك نظرة فيها معنى التقديس، فنظروا هذا النظر نفسه إلى علي وذريته، وقالوا: إن طاعة الإمام واجبة، وطاعته طاعة الله سبحانه وتعالى [انظر: محمد أبو زهرة/ تاريخ المذاهب الإسلامية: 1/37، أحمد أمين/ فجر الإسلام: ص277، عرفان عبد الحميد/ دراسات في الفرق: 23، فلهوزن/ أحزاب المعارضة السياسية الدينية في صدر الإسلام: ص 168، فلوتن/ السيادة العربية: ص 76.]. وكثير من الفرس دخلوا في الإسلام ولم يتجردوا من كل عقائدهم السابقة التي توارثوها أجيالاً، وبمرور الزمان صبغوا آراءهم القديمة بصبغة إسلامية، فنظرة الشيعة إلى علي وأبنائه هي نظرة آبائهم الأولين إلى الملوك الساسانيين.
يقول الشيخ محمد أبو زهرة: "إنا نعتقد أن الشيعة قد تأثروا بالأفكار الفارسية حول الملك والوراثة، والتشابه بين مذهبهم ونظام الملك الفارسي واضح، ويزكي هذا أن أكثر أهل فارس من الشيعة، وأن الشيعة الأولين كانوا من فارس" [محمد أبو زهرة/ تاريخ المذاهب الإسلامية: 1/38.].(29/35)
الثالث: حينما فتح المسلمون بلاد الفرس تزوج الحسين بن علي - رضي الله عنه - ابنه يزدجرد أحد ملوك إيران، بعدما جاءت مع الأسرى فولدت له علي بن الحسين، وقد رأى الفرس في أولادها من الحسين وارثين لملوكهم الأقدمين، ورأوا أن الدم الذي يجري في عرق علي بن الحسين وفي أولاده دم إيراني من قبل أمه ابنة يزدجرد والذي من هو من سلالة الملوك الساسانيين المقدسين عندهم [انظر في أن أم علي بن الحسين هي ابنة يزدجرد: تاريخ اليعقوبي: 2/247، صحيح الكافي: 1/53. وانظر في أثر ذلك: سميرة الليثي/ الزندقة والشعوبية: ص 56، عبد الله الغريب/ وجاء دور المحبوس: ص 77، النشار/ نشأة الفكر الفلسفي: 2/11، عبد الرزاق الحصان/ المهدي والمهدوية: ص 82، رونلدسن/ عقيدة الشيعة: ص101.]، أضف إلى ذلك أن اسم فاطمة - فيما يقال - اسم مقدس عند الفرس، لأن لها مقاماً محموداً في تاريخ الفرس القديم [لأن لفاطمة أثراً جميلاً - كما يعتقدون - في الكشف عن سمرديس المجوسي الذي استولى على عرش الكيانيين، فكانت فاطمة بطلة، وكانت فاطمة مقدسة ، ولولاها لما علم شيء من أمر سمرديس المجوسي هذا، ولولاها لما دبر أبوها أوتانس وصحبه مؤامرة عليه. (انظر: عبد الرزاق الحصان/ المهدي والمهدوية: ص 84، عن هيرودوتس: 2/462، المقدسي/ البدء والتاريخ: 4/134، 6/95).].(29/36)
الرابع: وتلمح الأصل الفارسي أيضاً في روايات عديدة عند الاثني عشرية، تفرد سلمان الفارسي - رضي الله عنه وبرأه الله مما يفترون - بخصائص وصفات فوق مرتبة البشر، حيث جاء في أخبارهم: "أن سلمان باب الله في الأرض، من عرفه كان مؤمناً، ومن أنكره كان كافراً" [رجال الكشي: ص 15.]. وهذا الوصف لسلمان اعتاد الشيعة في رواياتهم على إطلاقه على أئمتهم الاثني عشر، كما أثبتت رواياتهم بأن سلمان "يبعث الله إليه ملكاً ينقر في أذنه يقول كيت وكيت" [رجال الكشي: 16.] و"عن الحسن عن منصور قال: قلت للصادق - عليه السلام -: أكان سلمان محدثاً؟ قال: نعم. قلت: من يحدثه؟ قال: ملك كريم. قلت: إذا كان سلمان كذا فصحابه أي شيء هو؟ قال: أقبل على شأنك" [رجال الكشي: ص 19.]. فهي تثبت الوحي لسلمان وتوحي بأن صاحبه وهو علي فوق ذلك؟! بل أثبتت أخبارهم لسلمان علم الأئمة والأنبياء، كما جعلت له أمر الإمام والنبي، فقالت: "... سلمان أدرك علم الأول وعلم الآخر" ثم فسرت ذلك، فقالت: "يعني علم النبي صلى الله عليه وسلم، وعلم علي، وأمرالنبي صلى الله عليه وسلم وأمر علي" [رجال الكشي: ص 16.].
وجاء في رواياتهم أن سلمان أحد الشيعة الذين بهم - كما يفترون "ترزقون، وبهم تنصرون، وبهم تمطرون" [رجال الكشي: ص 6-7.]. بل بلغ الغلو ببعض الفرق الشيعية أن قالت بتأليه سلمان، وقد وجدت هذه الفرقة في عصر أبي الحسن الأشعري (المتوفى سنة 330ه)، وأشار إليها في مقالاته حيث قال: "وقد قال في عصرنا هذا قائلون بألوهية سلمان الفارسي" [مقالات الإسلاميين: 1/80.]. وقد تكون هذه الروايات في كتب الاثني عشرية هي من آثار هذه الفرقة، لأن كتب الاثني عشرية قد استوعبت معظم آراء الفرق الشيعية بكل ما فيها من شذوذ.. وبقاؤها في كتبهم قد يؤذن بخروج طوائف منها مرة أخرى.(29/37)
بل نلحظ أن هناك اتجاهاً داخل الدوائر الشيعية لتعظيم بعض العناصر الفارسية التي شاركت في التآمر والكيد ضد دولة الخلافة الراشدة وهو أبو لؤلؤة الفارسي المجوسي قاتل الخليفة العظيم عمر بن الخطاب، فقد أطلق عليه عندهم "بابا شجاع الدين" [انظر: عباس القمي/ الكنى والألقاب: 2/55.] ، واعتبروا يقوم مقتل عمر - رضي الله عنه - بيد هذا المجوسي عيداً من أعيادهم، وقد ساق شيخهم الجزائري روايات لهم في ذلك [انظر: الأنوار النعمانية: 1/108.] ، كما يعظمون يوم النيروز، كفعل المجوس [انظر: الأعلمي/ مقتبس الأثر: 29/202-203، المجلسي/ بحار الأنوار، باب عمل يوم النيروز: 98/419، وانظر: وسائل الشيعة، باب استحباب صوم يوم النيروز والغسل فيه، ولبس أنظف الثياب والطيب: 7/346.]، وقد اعترفت أخبارهم بأن يوم النيروز من أعياد الفرس [انظر: بحار الأنوار: 48/108.].
القول بأن المذهب الشيعي مباءة للعقائد الآسيوية القديمة:
ويضيف البعض أن المذهب الشيعي كان مباءة ومستقراً للعقائد الآسيوية القديمة كالبوذية وغيرها [انظر: تاريخ المذاهب الإسلامية لأبي زهرة: 1/37.]. يقول الأستاذ أحمد أمين: "وتحت التشيع ظهر القول بتناسخ الأرواح [تناسخ الأرواح: انتقال الروح بعد الموت من بدن إلى آخر؛ إنساناً أو حيواناً. قال بهذه النظرية بعض الهنود، وفيثاغورس من اليونان، وتسربت للعالم الإسلامي. (انظر: المعجم الفلسفي ص 55، التعريفات للجرجاني: ص93).] ، وتجسيم الله [المقصود وصف الله جل شأنه بصفات المخلوقين، وقد وجد هذا عند طوائف من الشيعة كالهشامية أتباع هشام بن الحكم وغيرها - كما سيأتي - أما لفظ الجسم فإن للناس فيه أقوالاً متعددة اصطلاحاً غير معناه اللغوي.(29/38)
انظر في ذلك: ابن تيمية/ التدمرية: ص 32-33 (ضمن مجموع فتاوى شيخ الإسلام – ج) منهاج السنة: 2/97 وما بعدها، 2/145 وما بعدها، درء تعارض العقل والنقل: 1/118-119، التعريفات للجرجاني: ص 103.]، والحلول [الحلول: هو الزعم بأن الإله قد يحل في جسم عدد من عباده، أو بعبارة أخرى أن اللاهوت يحل في الناسوت (المعجم الفلسفلي: ص 76 ).] ونحو ذلك من الأقوال التي كانت معروفة عند البراهمة [البراهمة: هم المنتسبون إلى رجل مهم يقال له: براهم (الملل والنحل : 2/251) أو: برهام من ملوك الفرس (المنية والأمل: ص 72). يقرون بالله، ويجحدون الرسل.. وهم فرق مختلفة (انظر نفس الموضع من المصدرين السابقين).] والفلاسفة والمجوس [المجوس: هم عبدة النار، ويقولون بأصلين؛ أحدهما: النور، والآخر: الظلمة. والنور أزلي، والظلمة محدثة. ومسائل المجوس كلها تدور على قاعدتين، إحداهما: بيان سبب امتزاج النور بالظلمة، والثانية: بيان سبب خلاص النور من الظلمة، وجعلوا الامتزاج مبدأ، والخلاص معاداً. (انظر: الملل والنحل: 1/232 وما بعدها، الرازي/ اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص 134، وانظر: أخبار أمم المجوس/ الكسندر سيبيل).] قبل الإسلام" [فجر الإسلام: ص 277.]. ويشير بعض المستشرقين إلى تسرب الكثير من العقائد غير الإسلامية إلى الشيعة ويقول: "إن تلك العقائد انتقلت إليها من المجوسية، والمانوية [المانوية: أصحاب ماني بن فاتك، كان في الأصل مجوسياً، ثم أحدث ديناً بين المجوسية والنصرانية، وقد خالفته المجوس وسعت في قتله، حتى قتله بهرام بن هرمز بن سابور وذلك بعد عيسى - عليه السلام - وبقي مذهبه في أتباعه. والمانوية يقولون بالأصلين: النور والظلمة، وأن العالم صدر عنهما، وأن النور خير من الظلمة وهو الإله المحمود.(29/39)
(انظر: الملل والنحل: 1/244 وما بعدها، المنية والأمل: ص 60، شرح الطحاوية: ص 18، الرازي/ اعتقادات فرق المسلمين والمشركين: ص 138).] ، والبوذية وغيرها من الديانات التي كانت سائدة في آسيا قبل ظهور الإسلام" [فلوتن/ السيادة العربية: ص 83-84.].
ويذكر صاحب مختصر التحفة: "أن مذهب الشيعة له مشابهة تامة مع فرق اليهود والنصارى والمشركين والمجوس"، ثم يذكر وجه شبه المذهب الشيعي بكل طائفة من هذه الطوائف [انظر: مختصر التحفة ص 298 وما بعدها.].
كما يذكر البعض أنه تتبع مذاهب الشيعة فوجد عندها كل المذاهب والأديان التي جاء الإسلام لمحاربتها [انظر: بركات عبد الفتاح/ الواحدانية: ص 125.].
الرأي المختار في أصل التشيع:
والذي أرى أن التشيع المجرد من دعوى النص والوصية ليس هو وليد مؤثرات أجنبية، بل إن التشيع لآل البيت وحبهم أمر طبيعي، وهو حب لا يفرق بين الآل، ولا يغلو فيهم، ولا ينتقص أحداً من الصحابة، كما تفعل الفرق المنتسبة للتشيع، وقد نما الحب وزاد للآل بعدما جرى عليهم من المحن والآلام بدءاً من مقتل علي، ثم الحسين.. إلخ.(29/40)
هذه الأحداث فجرت عواطف المسلمين، فدخل الحاقدون من هذا الباب، ذلك أن آراء ابن سبأ لم تجد الجو الملائم؛ لتنمو وتنتشر إلا بعد تلك الأحداث.. لكن التشيع بمعنى عقيدة النص على علي، والرجعة، والبداء، والغيبة، وعصمة الأئمة.. إلخ فلا شك أنها عقائد طارئة على الأمة، دخيلة على المسلمين، ترجع أصولها لعناصر مختلفة، ذلك أنه قد ركب مطية التشيع كل من أراد الكيد للإسلام، وأهله، وكل من احتال ليعيش في ظل عقيدته السابقة باسم الإسلام، من يهودي، ونصراني، ومجوسي، وغيرهم. فدخل في التشيع كثير من الأفكار الأجنبية والدخيلة – كما سيتبين في الدراسة الموسعة لأصولهم -، ولهذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أن المنتسبين للتشيع قد أخذوا من مذاهب الفرس والروم، واليونان، والنصارى، واليهود، وغيرهم أموراً مزجوها بالتشيع، ويقول: وهذا تصديق لما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، وساق بعض الأحاديث الواردة في أن هذه الأمة ستركب سنن من كان قبلها…، وقال بأن هذا بعينه صار في المنتسبين للتشيع [منهاج السنة: 4/147، وانظر الأحاديث في ذلك في: صحيح البخاري، كتاب الاعتصام بالسنة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لتتبعن سنن من كان قبلكم": 8/151، وفي صحيح مسلم، كتاب العلم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لتتبعن سنن من كان قبلكم" رقم (2669)، المسند 2/450-511، 527.].
*****************
الباب الأول- الإمامة والولاية
الإمامة .. الدعاوى والبينات
** المقدمة **
• منزلة الإمامة عند الرافضة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم المعصومين وأشرف المرسلين، وعلى آله وأصحابه الغر الميامين، ومن سلك مسلكهم واهتدى بهديهم إلى يوم الدين.
وبعد:
فإن علماء أهل السنة مازالوا قديماً وحديثاً يردون على العقائد المنحرفة عموماً، وعلى الرافضة خصوصاً، فيزيلون شبههم ويكشفون أباطيلهم في كتبهم.(29/41)
فمن ضمن هذه الكتب كتاب "منهاج السنة النبوية في نقض دعاوى الرافضة والقدرية " لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية، والذي كتبه رداً على أحد الروافض المسمى ابن المطهر في كتاب " منهاج الكرامة في معرفة الإمامة" وقد قام باختصار الكتاب -منهاج السنة- الشيخ عبد الله الغنيمان لما رأى من تقاصر الناس في الرجوع إلى المطولات، فجزاهما الله خيراً لخدمة السنة النبوية الشريفة.
والإمامة هي حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية، الراجعة إليها، إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة، فهي في الحقيقة خلافة من صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به ([1]).
فالإمامة عند الرافضة أصل من أصول الدين بل هي أعظم الأركان وأن الله لا يقبل ممن أخل بها، وزعموا أن الله قد أوصى نبيه بالإمامة أكثر من أي شيء آخر، وأن الله قد أخذ المواثيق من الأنبياء عند بعثتهم بالولاية، ففضلوا الأئمة على الأنبياء والملائكة ([2]) ونسبوا إليهم العصمة، وأنهم يعلمون الغيب كل ذلك مسطرة في كتبهم الموثوقة ([3]) وهذه العقيدة الخبيثة منشأها الأول اليهودي الخبيث ابن السوداء عبد الله بن سبأ ([4]) ومن زعم أن هذه العقائد ليست موجودة قد اندرست، أو أن مذهب الرافضة لا يخرج في أهم أوضاعة عن حيز الاجتهاد المسموح به ([5]) فقد فحش غلطه، حتى وإن كان ممن يذكر من أهل العلم، لأن النار قد تخبو، وأن الجواد قد يكبو وأن الصارم قد ينبو فالكمال لله الواحد القهار. فإنهم ما زلوا يعادون أصحاب رسول الله ويشتمونهم وينكرون القرآن الموجود أو يثبتون له التحريف والتبديل ([6]) وإن كانوا يلبسون أحياناً لباس التقية فيخدعون به من جهلهم وكل ذلك ورثوه كابراً عن كابر -هل تلد الحية إلا الحية! فإذا كان مثل هذه الأشياء تظهر من علمائهم فكيف بأتباعهم؟ ولقد صدق من قال:(29/42)
إذا كان رب البيت بالدف ضارباً فشيمة أهل البيت كلهم الرقص
** زعم الرافضي أن الإمامة من أهم أصول الدين **
يزعم الرافضي أنه ألف كتابه منهاج الكرامة في معرفة الإمامة ليبين أهم المطالب في أحكام الدين وأشرف مسائل المسلمين وهي الإمامة والتي بها نيل درجة الكرامة و الخلود في الجنان. ونقل المذاهب في المسألة. ووجوب اتباع مذهب الإمامية، والأدلة على إمامة علي. وفي الاثنى عشر وإبطال خلافة أبي بكر وعمر وعثمان.
الجواب: إن مسألة الإمامة لم تكن أهم المطالب اتفاقاً. لا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا بعده، لأن الإيمان بالله ورسوله، هو أول ما يؤمر به المرء إذا أراد الإسلام. بل عليه قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكفار كما ثبت أنه قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها) ([7]).
وقد قال تعالى: (( فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ))[التوبة:5] وقال أيضاً: (( فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ ))[التوبة:11] فجعلهم إخوانا في الدين بالتوبة، والكفار في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا أسلموا أجرى عليهم أحكام الإسلام ولم يذكر لهم الإمامة بحال.
فكيف تكون أهم المطالب في أحكام الدين؟(29/43)
وكل من بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم من الصحابة إلى الكفار وأهل الكتاب إنما يقول له: (فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله،و أن محمداً رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك... إلخ) وليس فيه شيء عن الإمامة، ولو كان ركناً من أركان الدين لذكره الرسول صلى الله عليه وسلم.
فالطاعة إنما تجب لله ورسوله ولمن أمرت الرسل بطاعتهم.
واعلم أن طاعة الله ورسوله هي الطريق لدخول الجنة لا غير، قال تعالى: (( وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ))[النساء:69]... (( وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ))[النساء: 13].
وأما من علق نجاته بالإمام الغائب فقد خاب وخسر لمخالفته الكتاب والسنة، فالحصول على درجة الكرامة إنما تنال بأداء الواجبات والمستحبات وترك المحرمات والمكروهات، لا بمجرد معرفة الإمام وإدراك وقته، ومن زعم أن حب علي حسنة لا يضر معها سيئة، فقد عدل عن الصراط المستقيم. وجاء في الصحيحين من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر عليه، فإن من خرج من السلطان شبراً، مات ميتة جاهلية) فهذا يدل على وجوب الطاعة للأمير الموجود، لا الغائب المفقود، وعدم الخروج عليه.
ويذكر الرافضي أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على أن الخليفة بعده علي ثم الحسن ثم الحسين... إلى أن ينتهي بالإمام الثاني عشر محمد بن الحسن المهدي المزعوم، ولم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عن وصية، وأهل السنة ذهبوا على خلاف ذلك كله.
فقول الرافضي عن أهل السنة: إنهم يقولون: إن النبي لم ينص على إمامة أحد وأنه مات من غير وصية.(29/44)
فالجواب: ليس هذا قول جميعهم لأن منهم من يقول: إنها ثابتة بالنص الظاهر وهو قول جماعة من أهل الحديث والمعتزلة والأشعرية واختاره القاضي أبو يعلى وغيره.
وقال جماعة من أهل الحديث وبعض الخوارج: إنها تثبت بالنص الخفي والإشارة، وهو قول الحسن البصري.
ومن أدلتهم على ذلك ما أسنده البخاري عن جبير بن مطعم قال: (أتت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها أن ترجع إليه، قالت: أرأيت إن جئت فلم أجدك – كأنها تريد الموت – قال: إن لم تجديني فائتي أبا بكر) قالوا: هذا نص على إمامته.
ومن ذلك حديث صالح بن كيسان عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: (دخل عليّ رسول الله اليوم الذي بدأ فيه، فقال: ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب لأبي بكر كتاباً، ثم قال: يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر -وفي لفظ- فلا يطمع في هذا الأمر طامع) ([8]) متفق عليه. وكذلك تقديمه صلى الله عليه وسلم في الصلاة. وهكذا قوله صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة: (اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر) ([9]) واحتج من قال: بأنه لم يستخلف ببعض الآثار، كقول عمر: [[إن استخلف فقد استخلف من هو خير مني -يعني: أبا بكر- وإلا أستخلف فلم يستخلف من هو خير مني -يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم]] ([10])-. وما روي عن عائشة: [[أنها سئلت من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخلف لو استخلف؟]] ([11]) فالدلالة اللغة يدل على أن الخليفة هو من استخلفه غيره، وليس الذي يخلفه دون أن يستخلف هو.
وإجماع الصحابة على أبي بكر أيضاً كنص، إذاً فلا يقاوم الأثران الموقوفان النصوص الظاهرة، وربما قد يخفى على عمر كما خفي عليه بعض الأشياء، وخبر عائشة جاء كسؤال سائل فلا يعارض روايتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأهل السنة يثبتون الخلافة لأبي بكر بنص خفي أو جلي وبعضهم يقولون:" إن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينص على إمامة أحد، وأنه مات من غير وصية.(29/45)
وأما دعوى الرافضة النص على علي فليس إلا كدعوى الراوندية النص على العباس وولده إلى أن تقوم الساعة. وهي دعوى باطلة لعدم نص صحيح على ذلك. وربما استدل بعضهم بما لا حجة فيه أصلا من الأحاديث الصحيحة، مثل حديث: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى) وحديث: (من كنت مولاه فعلي مولاه) كما هو صنيع الرافضي هنا.
الأول في الصحيحين قال ذلك صلى الله عليه وسلم لعلي لما تركه مع النساء والصبيان في المدينة وذهب لغزوة تبوك، ولم يكن علي يحب ذلك، بل يبكى فاسترضاه وهدأه بهذه الكلمات، والاستخلاف لم يكن خاصاً لعلي إنما وقع لبعض الصحابة مثل عثمان وبشير بن عبد المنذر وابن أم مكتوم وغيرهم، والتشبيه هنا لا يقتضى المساواة في كل شيء، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم شبه أبا بكر بإبراهيم وعيسى وشبه عمر بنوح وموسى كما هو في الصحيحين من حديث الأسارى لما استشار أصحابه. فهذه الفضيلة عامة ولست خاصة فيحتج بها على خلافة علي. ومع هذا كان في غزوة تبوك لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر أميراً على الموسم وأردفه بعلي.
فكان أبو بكر أميراً عليه. وأما حديث: (من كنت مولاه فعلي مولاه.. اللهم وال من والاه) فإنه قد ثبت بعضه عند الترمذي وغيره والشطر الثاني لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو (اللهم وال من والاه...) ومعنى الحديث: من كان النبي مولاه فعلي والمؤمنون مواليه، كما قال تعالى: (( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ )) فالموالاة ضد المعاداة، وهي تثبت من الطرفين. ولو كان المقصود به الإمارة لقال: (من كنت واليه فعلي واليه) وإنما اللفظ من كنت مولاه... فلا حجة فيه.(29/46)
فخلافة أبي بكر الصديق دلت النصوص على صحتها وثبوتها ورضا الله ورسوله له بها، وانعقدت باجتماع المسلمين ومبايعتهم له كلهم ([12]) -إلا ما كان من سعد بن عبادة- وأما علي فقد بايعه أيضاً وإن تأخرت مبايعته على أحد القولين ([13]) ولكنها حاصلة. فهذا أبلغ من مجرد العهد بها. وأما إذا كان ما فعله الصحابة من اختياره –الصديق- من غير عهد ودلت النصوص على صوابهم في ذلك ورضا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فهذا دليل على أن الصحابة يعرفون فضلهم عليهم واستحقاقه لها قبل غيره فلا حاجة إذاً إلى عهد خاص.
فلذلك لما هم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يرسل إلى أبي بكر ويعهده ترك لما علم أن الله والمؤمنين لا يرضون لهذا الأمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم أحداً غير أبي بكر. فهذا أمر واضح لا يخفى على من له أدنى علم فضلاً عن جمهور الأمة وهم خير القرون.
** ثبوت خلافة الخلفاء الراشدين **
وأما قول الرافضي: إنهم يقولون: الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر بمبايعة عمر برضا أربعة.
فيقال: ليس هذا بقول أئمة أهل السنة، وإن كان بعض أهل الكلام يرون انعقاد البيعة بأربعة، أو اثنين بل ببيعة واحد. بل الإمامة عند أهل السنة تثبت بموافقة أهل الشوكة، فإن المقصود من الإمامة إنما يحصل بالقدرة والسلطان فمن بويع بيعة حصلت بها القدرة والسلطان فهو إمام تجب طاعته ما لم يأمر بمعصية الله. فالإمامة ملك وسلطان والملك لا يصير ملكاً بموافقة واحد أو اثنين ولا أربعة إلا أن تكون موافقة غيرهم بحيث يصير ملكاً بذلك.
وأما قول الرافضي: ثم عثمان بن عفان بنص عمر على ستة هو احدهم فاختاره بعضهم.(29/47)
فيقال له أيضاً: ما صار عثمان إماماً إلا بعد مبايعة جميع المسلمين له. وما تخلف عنها أحد، لذلك يقول الإمام أحمد: ما كان في القوم أوكد من بيعة عثمان، كانت بإجماعهم. فعمر رضي الله عنه جعلها شورى في ستة: عثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف أنه خرج طلحة والزبير وسعد باختيارهم وبقي عثمان وعلي وابن عوف، واتفق الثلاثة باختيارهم على أن عبد الرحمن بن عوف لا يتولى ويولي أحد الرجلين. فمضى ثلاثة أيام يستشير فيهما المسلمين إلى أن وقع الاختيار على عثمان رضي الله عنه. فمن قدم علياً على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار. هذا قول أيوب السختياني وأحمد بن حنبل والدارقطني وغيرهم.
وأما قول الرافضي: (ثم علي بمبايعة الخلق له).(29/48)
فيجاب عنه: بأن تخصيص علي بمبايعة الخلق له دون أبي بكر وعمر وعثمان أعظم بكثير من اتفاقهم على بيعة علي، والذين بايعوا عثمان أفضل من الذين بايعوا علياً، لأن منهم علياً والعباس، وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير بن العوام وعبد الله بن مسعود وأُبي بن كعب، وأمثالهم مع سكينة وطمأنينة وبعد مشاورة المسلمين يوماً بعد يوم، وأما علي فبويع بعد مقتل عثمان، والمسلمون في اضطراب واختلاف، وافتراق أكابر الصحابة، بل قيل: إن طلحة بايع كرهاً وما بايعه عبد الله بن عمر، فالناس انقسموا إلى ثلاثة أصناف: قوم قاتلوا معه وقوم قاتلوه وتوسط قوم فلم يقاتلوه ولم يقاتلوا معه. وأما ما وقع من تخلف سعد في مبايعة أبي بكر فلأنهم قد عينوه لإمارة فوقع في نفسه شيء، ومع هذا لم يعارض ولم يعاون على باطل. بل روى أحمد بن حنبل أن الصديق قال: [[ولقد علمت يا سعد! أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وأنت قاعد: (قريش ولاة هذا الأمر فبر الناس تبع لبرهم، وفاجرهم تبع لفاجرهم) قال: فقال له سعد: صدقت! نحن الوزراء وأنتم الأمراء]] ([14]) فيفهم من هذا أن سعداً نزل عن ما يدعيه من الإمارة، وخضع لإمارة الصديق رضي الله عنهم أجمعين. فأهل السنة والجماعة يرون خلافة علي داخلة في قوله صلى الله عليه وسلم: (خلافة النبوة ثلاثون سنة) فلا ريب أن دخول خلافة الثلاثة: أبي بكر وعمر وعثمان -من باب أولى لأنهم سبقوه- ونصوص أخرى تدل على صحة خلافته، وخلافة غيره أكثر نصاً. ولو قارنا بين زمن علي وزمنهم لرأينا أن المقصود من الإمامة حصل في زمنهم وفتحوا البلاد وقاتلوا الكفار، ولم يكن ذلك في زمنه بل السيف كان بين المسلمين أنفسهم فيما بينهم.
وأما النص الذي تدعيه الرافضة فليس إلا دعوى كدعوى الراوندية في العباس وكلاهما باطل عند من له أدنى علم. ويزعم الرافضي أن أهل السنة اختلفوا: هل الخلافة بعد علي لمعاوية أم للحسن؟(29/49)
فنقول: بل ليس هناك نزاع بين أهل السنة في ذلك؛ لأنه معلوم أن أهل العراق بايعوا الحسن مكان أبيه، وأهل الشام كانوا مع معاوية قبل ذلك.
وقوله: "ثم ساقوا الإمامة في بني أمية ثم في بني العباس".
فنقول له: لا نقل بأن هؤلاء يجب توليتهم وطاعتهم في كل أمر وإنما نرى أن كل من حصل له الملك والسلطان فتجب طاعته في المعروف ولا نرى عدم استحقاق غيرهم في الولاية إن استطاعوا القيام بمصالح الناس، ومعلوم أن الناس لا بد لهم من قائد يقودهم وإلا وقعوا في الفوضى، كما قال علي رضي الله عنه: [[لابد للناس من إمارة. برة كانت أو فاجرة، قيل له: هذه البرة قد عرفناها، فما بال الفاجرة؟ قال: يؤمن بها السبيل ويقام بها الحدود ويجاهد بها العدو ويقسم بها الفيء ]] ذكره علي بن معبد في كتاب الطاعة والمعصية لله، فهذا يعني وجودهم خير من عدمهم. وكذلك لا فائدة في المعدوم المنتظر.فغاية ما في الأمر يقال: قد ولي المفضول مع وجود الفاضل في تلك العصور ما عدا عصر الخلفاء الأربعة، كما حدث في عصر عمر بن عبد العزيز هو يريد تولية القاسم بن محمد فلم يوافقه أهل الحل والعقد.
فتولية الأصلح عند أهل السنة هو الواجب، وقال بعضهم: هو المستحب، هذا كله عند القدرة على ذلك. فطاعة أولي الأمر واجب في البر والتقوى دون الإثم والعدوان، كما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه، فإنه ليس أحد من الناس يخرج عن السلطان شبراًُ فمات عليه إلا مات ميتة جاهلية).
** دعوى أن مذهب الإمامية واجب الاتباع **(29/50)
قال الرافضي: الفصل الثاني في أن مذهب الإمامية واجب الاتباع، ذكر الرافضي أن الناس وقعوا في اختلاف بعد النبي صلى الله عليه وسلم فيجب النظر في الحق. وأن مذهب الإمامية واجب الاتباع، لأنه أحقها وأصدقها، وباينوا جميع الفرق في الأصول والعقائد وجزموا النجاة لأنفسهم لأخذهم دينهم عن الأئمة المعصومين، وطعن في الصحابة بأنهم بايعوا من طلب الولاية بغير حق -أبا بكر وتركوا من طلبها بحق- علي فضل أكثرهم طلبا للدنيا.
فالجواب: متى يكون مذهب الإمامية واجب الاتباع إذا نبذوا طريق النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وراء ظهورهم، فهؤلاء الصحابة هم أقرب الناس للهدى كما وصفهم الله تعالى في ما آية من كتابه، فقال: (( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ))[التوبة:100]، وقال: (( لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ))[الحديد:10] وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) ([15]) فهذه الآيات وأمثالها والحديث تدل على فضلهم وصلاحهم ورضوان الله لهم وتتفاوت درجاتهم، وأنه لايجوز التعرض لهم بأذى بل يجب الاستغفار لهم: (( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ))[الحشر:10].(29/51)
وأما ذكره بأن أبا بكر طلبها بغير حق فكذب محض؛ لأن الصحابة هم الذين اختاروه بعد اختيار الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لا أنه طلب لنفسه، وقولهم منهم من طلبها بحق يعنى علي، فهذا أيضاً افتراء على الله بغير علم، وليس هذا بصحيح بل هو كذب على علي؛ لأنه لم يطلبها بحق، وما ذكر علي أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى له. بل هي من الأكاذيب التي عُرفوا بها. فهب أن الصحابة قصروا في النظر فقدموا أبا بكر وعمر فكيف التابعون ومن بعدهم من الذين فضلوا أبا بكر وعمر على غيرهما من الصحابة. وكيف لا تكون الشيعة مباينة عن بقية الفرق والأديان إذ كانت أصول عقيدتهم مبنية على (التقية -وليس هي إلا الكذب المحض والنفاق الخالص ونسبوا إلى جعفر الصادق قولهم: [[التقية ديني ودين آبائي]] ([16]) فكيف يكون الكذب ديناً وطريقاً للنجاة، واعلم أن النجاة مدارها الإيمان والعمل الصالح والتمسك بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ))[يونس:9] وقال تعالى عن الصدق: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ))[التوبة:119]، وقال عن الكذب: (( إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ ))[النحل:105] وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان) ([18]).
** العصمة بين الأنبياء والأئمة **(29/52)
قال الرافضي: ذهب جميع من عدا الإمامية والإسماعيلية إلى أن الأنبياء والأئمة غير معصومين، فجوزوا بعثة من يجوز عليه الكذب والسهو والخطأ والسرقة. فأي وثوق يبقى للعامة في أقوالهم؟ وكيف يحصل الانقياد إليهم؟ وكيف يجب اتباعهم مع تجويز أن يكون ما يأمرون به خطأ؟ ولم يجعلوا الأئمة محصورين في عدد معين، بل كل من بايع قريشاً انعقدت إمامته عندهم، ووجب طاعته على جميع الخلق إذا كان مستور الحال وإن كان على غاية من الكفر والفسوق والنفاق.
الجواب عليه: هذا الذي قلت عن الجمهور من نفي العصمة عن الأنبياء كذب، لأن الأمة متفقون على أن الأنبياء معصومون في التبليغ ولا يقرهم الله على شيء من الخطأ، والكذب، لذلك يجب طاعتهم في كل ما أمروا به أو نهوا عنه. ولا تلتفت إلى قول الخارجي في هذه المسألة بل وحتى من أجاز الكبائر والصغائر متفقون على أنهم لا يصرون على الخطأ لأنهم قدوة لأمتهم.
وقوله: بأن الإمامية والإسماعيلية هم فقط الذين ذهبوا إلى عصمة الأئمة، فهو كما قال.. لكن أين دليليهم من الكتاب والسنة؟ وما ذكر من أن العالم لم يخل من أئمة معصومين لما في ذلك من المصلحة واللطف، فأين اللطف والمصلحة من إمام غائب مزعوم مفقود؟(29/53)
والذي أمرنا الله به عند التنازع هو العودة إليه وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم فقط، فدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو المعصوم لا غيره، يقول تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ))[النساء:59] ولو كان ولاة الأمور لهم عدد معين لذكره الله لكن لم يوقتهم بعدد معين في هذه الآية السابقة الذكر. كذلك الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحدد كما في حديث أبي ذر قال: (إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع وإن كان عبداً حبشياً مجدع الأطراف) ([19]) وكذلك يفهم من الآية والحديث وجوب طاعة من بويع إماماً ولكن طاعته ليست مستقلة بل تابعة لطاعة الله ورسوله، يعني يجب طاعته إذا أمر بطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وإن كان فاسقاً، ولا يطاع في معصية الله ورسوله وإن كان عادلاً. يقول صلى الله عليه وسلم: (إنما الطاعة في المعروف) ([20]) وقال: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق).
** نقض دعوى أن الإمامية هم الفرقة الناجية **
قال الرافضي: "الوجه الثاني: في الدلالة على وجوب اتباع مذهب الإمامية: ما قاله شيخنا الإمام الأعظم خواجة نصير الملة والحق والدين محمد بن الحسن الطوسي، قدس الله روحه، وقد سألته عن المذاهب فقال: بحثنا عنها وعن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، منها فرقة ناجية والباقي في النار) ([21]) وقد عين الفرقة الناجية والهالكة في حديث آخر صحيح متفق عليه وهو قوله:" مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح: من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق "فوجدنا الفرقة الناجية هي فرقة الإمامية، لأنهم باينوا جميع المذاهب، وجميع المذاهب قد اشتركوا في أصول العقائد".(29/54)
الجواب: كيف هذا الرافضي يستدل بقول المنجم المتعاون مع المشركين للاستيلاء على المسلمين وقتلهم. وهو القائل: "بأن الله موجب بالذات" فهل نسي الرافضي أنه كفر من قال بهذا القول فقدسه وبجله؟ فكيف يحتج بقوله مع ما حكمت عليه؟ ومعلوم أن أتباعه اشتهروا بانتهاك حرمات الله واستهتار بواجباته. وهذا عادة الرافضة في الغالب، تعظيم أهل الفساد وتكفير أهل الصلاح والخير كما نرى في اعتقادهم في الصحابة رضوان الله عليهم.
الحديث الذي ذكرته من افتراق الأمة -الذي رواه أصحاب السنن- قد ورد تفسيره من وجهين:
1- سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفرقة الناجية فقال: (من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي) وفي رواية قال: (هم الجماعة).
فلا يرد ما قلته ونسبته إلى الشيخين زوراً وبهتاناً. فكل من التفسيرين يعارض قول الإمامية ويقتضي أنهم خارجون عن الفرقة الناجية، حيث أنهم ليسوا مع جماعة المسلمين ولا على ما عليه الرسول وأصحابه بل هم أبعد الناس في ذلك.
وأما قوله بأن الرافضة باينوا جميع الفرق: فإن كان يعني به فيما اختصوا به فنعم.. فهذا شأن المذاهب كلها. ألا ترى أن الخوارج اختصوا بتكفير مرتكب الكبيرة وإلا فلا، لأن الرافضة يوافقون المعتزلة في الصفات والقدر.
وعلى أية حال فإنهم اختصوا بأشياء وشاركتها غيرها في أشياء أخرى.
ومجرد انفراد طائفة بشيء لا يدل على أنها على الحق، وليس في الحديث المذكور ما يدل على أن الثنتين وسبعين اشتركت في الأصول والعقائد. وأما أهل السنة والجماعة فهم على منهج السلف الصالح وعقيدتهم وسط بين الإفراط والتفريط، خلافاً لما عداها من الفرق كالشيعة والخوارج والمعتزلة وخير الأمور أوسطها كما نقل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.(29/55)
وأما جزم الإمامية بنجاتهم هم وأئمتهم فقط فباطل، وليس هذا إلا كقول اليهود والنصارى: (( وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ))[البقرة:111-112] وأهل السنة والجماعة لا يقطعون لأحد بالدخول في الجنة تعييناً وإطلاقاً إلا بمستند، فشهادتهم لأئمتهم أكثر من شهادة الرافضة لأئمتهم. فالصحابة والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار من أهل الجنة، منهم العشرة، وأهل بدر قال الله لهم: (اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) بل يقولون: (لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة) ([22]) لورود ذلك من معصوم الحق: رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أكثر من ألف وأربعمائة إمام لأهل السنة.
وكذلك كل من توفي على طاعة الله ورسوله فهو من أهل الجنة، كما يقول تعالى: (( وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ))[النساء:69] وأما إن كانت الطاعة المطلقة للأئمة موجبة للنجاة فقد كان أتباع خلفاء بني أمية على ذلك بل هم أحق منكم إذ طاعتهم للحاضر لا الغائب.
فنحن ليس لنا من تجب طاعته طاعة مطلقة إلا الرسول صلى الله عليه وسلم فهو إمامنا وأما غيره من الأمراء فطاعتهم في طاعة الله ورسوله هذا خلاف ما كنتم عليه من الطاعة المطلقة كطاعة النصارى لشيوخهم (( اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ )) وادعاؤكم لهم بالعصمة وجزمكم لهم بالنجاة فهوى وغرور وبعد عن حقيقة التوحيد الذي هو مدار النجاة.(29/56)
** إبطال دعوى الإمامية أنهم أخذوا مذهبهم عن الأئمة المعصومين **
قال الرافضي: "الوجه الرابع: أن الإمامية أخذوا مذهبهم عن الأئمة المعصومين المشهورين بالفضل والعلم والزهد والورع والاشتغال في كل وقت بالعبادة والدعاء وتلاوة القرآن والمداومة على ذلك من زمن الطفولة إلى آخر العمر، ومنهم من يعلم الناس العلوم، ونزل في حقهم: "هل أتى" وآية الطهارة، وإيجاب المودة وآية الإبتهال وغير ذلك. وكان علي يصلى في كل يوم وليلة ألف ركعة، ويتلوا القرآن مع شدة ابتلاءه بالحروب والجهاد" وذكر أن أولهم علي بن أبي طالب وأنه أفضل الخلق بعد الرسول صلى الله عليه وسلم وجعله الله نفس رسول الله وآخاه وزوجه ابنته وظهرت منه معجزات كثيرة حتى ادعى قوم فيه الربوبية، وكان ولداه سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدا شباب أهل الجنة إمامين بنص النبي صلى الله عليه وسلم، وفدى رسول الله الحسين بابنه إبراهيم. وأسرد أسماء هؤلاء الأئمة مع فضلهم واحداً تلو الآخر. فذكر علي بن الحسين الملقب بزين العابدين، ثم ابنه محمد الباقر ثم جعفر الصادق ثم موسى الكاظم.. إلخ.
فالجواب: نحن نعلم علماً يقينياً أن الإمامية لم يأخذوا مذهبهم من هؤلاء الأئمة فالأئمة، يعتقدون كل ما يعتقده أهل السنة من التوحيد كإثبات صفات الله والقدر وإثبات خلافة أبي بكر وعمر وعثمان والدعاء لهم بالخير وغير ذلك. ومعروف لدى الجميع أن الشيعة اختلفوا اختلافاً شديداً في مسائل الإمامة ([23]) والصفات والقدر فأي من الأقوال مأخوذ من الأئمة المعصومين؟؟ لا شك أن الأقوال المتناقضة لا تكون من الإمام المعصوم، وإلا فأين العصمة؟(29/57)
لو فرضنا أن علياً معصوم والشيعة في هذه الاختلافات والتنازع وكل يدعي الأخذ من المعصوم فأين السند حتى ننظر فيه فنحكم على القول بالصحة أو عدمه؟ لا يوجد!! بل منقولاتهم منقطعة ومروية عن طائفة شيمتها الكذب. فدعوى الرافضة العصمة في علي ليس إلا كدعوى النصارى الألوهية في المسيح مع أنه برئ مما نسب إليه. إن لعلي فضائل عظيمة ومناقب جمة ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن عدل عنها هذا الرافضي وعمد إلى الأكاذيب والأباطيل.وأما استدلاله بالآية "هل أتي" بأنها نزلت في حقهم فكذب ظاهر، لأن الآية مكية باتفاق العلماء ولم يكن زواج علي وفاطمة إلا بعد الهجرة ولم يولد الحسن والحسين إلا في السنة الثالثة والرابعة بعد الهجرة فكيف تكون نزلت في حقهم؟؟(29/58)
وأما آية الطهارة فلا تدل على طهارة أهل البيت وإنما فيها الأمر لهم بما يوجب طهارتهم ويذهب الرجس عنهم، وهي قوله تعالى: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ))[الأحزاب:33]، فالإرادة هنا إرادة شرعية وليس إرادة كونية، وهي التي تتضمن الأمر والمحبة والرضا،وليست هي المشيئة التي يستلزم بها وقوع المراد. ونحوها قوله تعالى: (( مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ ))[المائدة:6]، فإرادة الله المؤمنين هنا إرادة شرعية بالتطهير كما في الآية التي ذكرت قبلها. ولو أن مفهوم الآية كما تزعمون لما احتاج الرسول إلى أن يدعو لهم فيقول لما أدار الكساء على علي وفاطمة والحسن والحسين: (اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً) رواه مسلم وأصحاب السنن ([24]). وكذلك سياق الكلام يدل على أن الآية متضمنة للأمر والنهي: (( يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا * وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا *يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا *... )) والآيتان بعدها.
فمفهوم السياق أن الله يريد منهن بفعل هذه المأمورات وترك هذه المنهيات تطهيرهن وإذهاب الرجس عنهن، والآيات دليل على أنهن من أهل البيت ليس كقول الشيعة بالعكس، وأما ذكر ضمير المخاطبين (ليذهب عنكم.... ويطهركم) حتى يعم غيرهن وإلا لكنّ مختصات في الآية. والله أعلم.(29/59)
وأما إيجاب المودة فقد ثبت في الصحيح عن سعيد بن جبير أن ابن عباس سئل في قوله تعالى: (( قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ))[الشورى:23] قال: فقلت: أن تودوا ذوي قربى محمد صلى الله عليه وسلم، فقال ابن عباس: عجبت إنه لم يكن بطن من قريش إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم منهم قرابة، فقال: قل لا أسألكم عليه أجراً إلا أن تودوني في القرابة التي بيني وبينكم. وابن عباس إمام في هذا الفن والآية لم تنزل في حقهم لأنها مكية ولم يتزوج علي بفاطمة حينذاك فضلا عن أن يولد له الحسن والحسين.
وأما آية الابتهال فقد ثبت أنه لما نزلت أخذ النبي بيد علي وفاطمة والحسن والحسين يباهلهم وما ذلك إلا لأنهم أقرب الناس إليه فليس له ولد ذكر يمشي معه ويقول للحسن (إن ابني هذا سيد) وفاطمة هي الوحيدة التي بقيت من بناته صلى الله عليه وسلم حينذاك. ولا يقتضى ذلك كونهم أفضل من بقية الناس وأعلمهم فكمال الفضل يكون بالإيمان والتقوى لا بالقرب والنسب، يقول تعالى: (( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ))[الحجرات:13]، وأبو بكر الصديق هو أتقى الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول عنه المصطفى صلى الله عليه وسلم: (لو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً) ([25]) ووصفه علي بأنه يصلي ألف ركعة وهذا ذم له؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يزيد على ثلاثة عشر ركعة ([26]) ومخالف لقوله صلى الله عليه وسلم: (أفضل القيام قيام داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه) ([27]).
وقوله: إن علياً أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعوى مجردة؛ بل ينازعه جمهور المسلمين من المتقدمين والمتأخرين والمؤاخاة إنما كان بين المهاجرين والأنصار لا غير.(29/60)
وأما قوله: (وأنفسنا وأنفسكم) فهي مثل قوله تعالى: (( لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا )) يعني: أن الواحد من المؤمنين من أنفس المؤمنين والمؤمنات وإن كان تزويجه صلى الله عليه وسلم لعلي، فاطمة فضل لعلي، فإن عثمان تزوج بابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمي (ذو النورين) فهذه فضيلة لعثمان وكذلك في تزويجه صلى الله عليه وسلم بنت أبي بكر الصديق وبنت عمر فضيلة لهما.
وأما ما ادعاه من ظهور المعجزات لعلي فإن كان يعني به الكرامات كما جرى ذلك عند كثير من الناس -إطلاق المعجزات على الكرامات- فقد حصلت الكرامات لكثير من عوام الناس فضلاً عن علي ما دل ذلك على فضلهم على غيرهم.
ثم لو كان ظهور المعجزات الكثيرة سبباً لادعاء الناس الألوهية في الشخص لادعى الصحابة الألوهية للرسول صلى الله عليه وسلم لأن معجزاته أكثر بكثير من معجزات علي،ولم يفعلوا. وكذلك معجزات إبراهيم وموسى عليهما السلام أكثر من معجزات علي ولم يدعى فيهما الألوهية.
وأما قول الرافضي: (وكان والده سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدا شباب أهل الجنة إمامين بنص النبي صلى الله عليه وسلم).
فيقال له: الذي ورد في الصحيح في شأن الحسن هو قوله صلى الله عليه وسلم: (إن ابني هذا سيد وإن الله سيصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين) ([28]) وهذا مدح له من الرسول صلى الله عليه وسلم لترك القتال على الإمامة وكان أيضاً يدعو لهما هو مع أسامة بن زيد فيقول: (اللهم إني أحبهما فأحبهما وأحب من يحبهما) ([29]) وكان لحسن والحسين من الفضل العظيم وقد أدخلهما الرسول صلى الله عليه وسلم تحت الكساء مع أبويهما وقال: (اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً).(29/61)
وقوله: أنهما أزهد الناس فمما لا دليل عليه. "وإنهما جاهدا في الله حق جهادهما حتى قتلا" فكذب لأن الحسن ما اختار القتال وإنما سلم الأمر لمعاوية، ومات الحسن مسموماً، ولم يمت مقاتلاً. وأما الحسين فإنه أيضاً ما خرج يريد القتال ولكن ظن أن الناس يطيعونه فلما انصرفوا عنه أراد العودة إلى بلده إلى الثغر أو إلى يزيد فلم يمكنه أولئك الظلمة أحد الأمور الثلاثة إلا أن يأخذوه أسيراً إلى يزيد فأبي فتقاتلوا إلى أن قتل مظلوما وما أراد القتال ابتداء.
• ** دفع افتراءات عن زين العابدين والباقر والصادق **
أما علي بن الحسين فمن كبار التابعين وساداتهم علماً وديناً، قال عنه محمد بن سعد في الطبقات: "كان ثقة مأموناً كثير الحديث عالياً رفيعاً" وقال عنه يحي بن سعيد:" هو أفضل هاشمي رأيته في المدينة " وأما كونه يصلي ألف ركعة كل ليلة فقد تقدم فساده في علي فلا فرق، وأما ما ذكره من تسمية رسول الله صلى الله عليه وسلم بسيد العابدين فلا أصل له عند العلماء. وكذا أبو جعفر محمد بن علي من خيار أهل العلم والدين، وقيل: سمي بالباقر لأنه بقر العلم لا لأجل بقر السجود جبهته وأما تسميته بالباقر بأن ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم فلا، وليس هذا عند أهل العلم بل هو موضوع كذلك حديث تبليغ جابر له السلام كل ذلك موضوع وكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما جعفر الصادق فهو أيضاً من خيار أهل العلم والدين، وقال عمرو بن أبي المقدام:" كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمد علمت أنه من سلالة النبيين " ففي قوله: إنه اشتغل بالعبادة عن الإمامة ظاهر التناقض إذ الإمامة عندهم واجب ولا يخلو وقت من إمام، فلو كان واجباً فلماذا عدل عن الواجب إلى النوافل؟
وأما قوله: "هو الذي نشر فقه الإمامية والمعارف الحقيقية والعقائد اليقينية".(29/62)
الجواب: هذا فيه أحد الأمرين: إما أن يكون ابتدع علوماً لم يكن لسابقه، أو أن الذين سبقوه قصروا جداً في نشر هذا العلم مما هو واجب عليهم وهذا غلط كبير؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بين لأمته كل ما يجب عليهم من أمور دينهم وتركهم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، ثم أخذ الصحابة في نشر الدين بعده وبلغوه إلى الأمة. ونسبوا إلى جعفر الصادق ما لم ينسبوها لغيره من الأقاويل والأباطيل.
• ** موسى بن جعفر الكاظم **
موسى بن جعفر هو الذي جاء بعد أبيه ويقول عنه أبو حاتم الرازي: "ثقة صدوق إمام من أئمة المسلمين" ولد بالمدينة وذهب إلى بغداد ثم عاد إلى المدينة وأخيرا عاد إلى بغداد وحبس إلى أن توفي هناك. والذين جاءوا بعده ليس لهم ذكر في العلم ولكن لهم من الفضل مالهم وقد اشتهر بالعبادة ومع هذا فإن الحكاية المذكورة عن شقيق البلخي لاتصح كما لايصح قوله" تاب على يديه بشر الحافي " متى رآه وهو محبوس في السجن؟
• ** علي بن موسى الرضا **
قال الرافضي: "وكان ولده علي الرضا أزهد أهل زمانه وكان أعلمهم، وأخذ عنه فقهاء الجمهور كثيراً وولاه المأمون بعلمه بما هو عليه من الكمال والفضل، ووعظ يوماً آخاه زيداً، فقال: يا زيد! ما أنت قائل لرسول الله إذا سفكت الدماء وغرك حمقي أهل الكوفة؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن فاطمة أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار..... فلا يكون الإحصان سبباً لتحريم ذريتها على النار وأنت تظلم، والله مانالوا ذلك إلا بطاعة الله، فإن أردت أن تنال بمعصية الله ما نالوه بطاعته إنك إذا لأكرم على الله منهم. وذكر أيضا " وقيل لأبي نواس: لم لاتمدح الرضا؟ فأجاب بأبيات منها:
قلت لا أستطيع مدح إمام كان جبريل خادماً لأبيه(29/63)
فيقال: من المصائب التي ابتلي بها ولد الحسين يمدحهم الشيعة بما هو للذم أقرب ويتركون مكارمهم المعروفة الثابتة، وهذا الذي ذكره الرافضي من أنه أزهد الناس وأعلمهم، فدعوى مجردة بلا دليل ويعلم الناس أنه كان في زمانه من هو أعلم منه وأزهد منه كالشافعي وإسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل وغيرهم.
وكذلك قوله: إنه أخذ عنه فقهاء الجمهور كثيراً "فكذب ظاهر؛ لأن جمهور الفقهاء المشهورون ما أخذوا عنه، إلا أن يكون طلبة الفقهاء إنهم قد يأخذون عنهم لأنهم يأخذون عن المتوسطين في العلم بل ربما أخذوا ممن دونهم.
والحديث الذي ذكره الرافضي عن النبي صلى الله عليه وسلم عن فاطمة فكذب باتفاق علماء الحديث بل حتى من لم يكن من أهل الصنعة يعرف ذلك إن قوله: { إن فاطمة أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار } يقتضي أن إحصان فرجها هو السبب لتحريم ذريتها من النار، وهذا باطل قطعاً، فإن سارة أحصنت فرجها ولم يحرم الله جميع ذريتها على النار.
وأما تسمية جبريل بخادم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعبارة من لا يعرف قدر الملائكة، وأما الحكايات والأشعار التي يروونها من دون أصل فهذا هو المتعارف عندهم بل هو شعارهم.
• ** محمد الجواد **
قال الرافضي: "كان ولده محمد بن علي الجواد على منهاج أبيه في العلم والتقوى والجود ولما مات أبوه الرضا شغف بحبه المأمون وزوجه ابنته أم الفضل بعد أن أمتحنه في مسالة: المحرم إذا قتل صيدا " فأجاب: بما حير السائل الموكل وهو يحيى بن أكثم ([30])"
الجواب: أن يقال: إن محمد بن الجواد بن علي الجواد كان من أعيان بني هاشم وهو معروف بالسخاء والسؤدد، ولهذا سمي بالجواد، وعاش خمساً وعشرين سنة، وزوجه المأمون ابنته وكان يرسل ألف ألف درهم واستقدمه المعتصم بغداد ومات بها سنة (120) هـ تقريباً.
• ** علي بن محمد الهادي **(29/64)
قال الرافضي: "وكان ولده علي الهادي ويقال له: العسكري.... لأنه أقام بموضع يقال له: العسكر في سر من رأى، وبلغ المتوكل مقامه بالمدينة وميل الناس إليه فخاف منه فدعى يحيى بن هبيرة وأمره بإحضاره وضج أهل المدينة لذلك خوفاً عليه لأنه كان محسناً إليهم ملازماً للعبادة في المسجد، فحلف يحيى أنه لا مكروه عليه، ثم فتش منزله ولم يجد سوى مصاحف وأدعية وكتب العلم، فعظم في عينه وتولى خدمته بنفسه، ولما قدم بغداد بدأ بإسحاق بن إبراهيم الطائي والي بغداد فقدم إلى المتوكل فأكرمه، ثم مرض المتوكل فنذر إن عوفي تصدق بدراهم كثيرة،فسأل الفقهاء فلم يجد عندهم جواباً، فبعث إلى علي الهادي فسأله، فقال: تصدق بثلاثة وثمانين درهما، فسأله المتوكل عن السبب، فقال: لقوله تعالى: (( لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ))[التوبة:25]، وكانت المواطن هذه الجملة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم غزا سبعاً وعشرين غزاة وبعث ستاً وخمسين سرية.
ونمي إلى المتوكل بعلي بن محمد فبعث إليه فجيء به وهو في مجلس الشراب... وقال: أسمعني صوتا! فقال: (كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) وأنشده شعراً منها:
باتوا على قلل الأجيال تحرسهم غلب الرجال فما أغنتهم القلل
واستنزلوا بعد عز عن معاقلهم وأسكنوا حفراً يابئس ما نزلوا
........... إلخ فبكى المتوكل حتى بلت دموعه لحيته.(29/65)
فيقال: هذا الكلام يسرده بلا مستند، ومما يدل على فساد قوله ذكره والي بغداد، وأنه كان إسحاق بن إبراهيم الطائي، ومعروف أنه ليس طائياً بل هو خزاعي، فإنه إسحاق بن إبراهيم بن الحسين بن مصعب، وابن عمه عبد الله بن طاهر بن الحسين بن مصعب أمير خراسان المشهور، وابن هذا محمد بن عبد الله بن طاهر كان نائباً على بغداد في خلافة المتوكل وغيره، وهو الذي صلى على أحمد بن حنبل لما مات، وإسحاق بن إبراهيم هذا كان نائباً لهم في إمارة المعتصم والواثق وبعض أيام المتوكل، وهؤلاء كلهم من خزاعة وليسوا من طيء.
وأما ذكره من إفتاء للمتوكل بأن يتصدق بثلاثة وثمانين درهماً - لما نذر من أنه سيتصدق بدراهم كثيرة إن عوفي، فقد حكى عن علي بن موسى مع المأمون، وعلى أية حال: إما أن يكون كذباً أو جهلاً من المفتي بذلك. والأدلة المذكورة على ذلك باطلة ! لان الغزوات التي شهدها رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبلغ هذا العدد اتفاقاً، ولا السرايا أيضا بلغ العدد المذكور. وهذه الآية نزلت يوم حنين فينبغي أن يكون المعدود فقط غزوات التي وقعت قبلها لا بما حدثت بعدها - ومعلوم أن غزوة الطائف وتبوك وكثير من السرايا وقعت بعدها. وكذلك لو صح الاستدلال لوجب استثناء الغزوات التي ما انتصر فيها المسلمون كغزوة أحد وسرية مؤته وغيرها. ولفظ " الكثير " عام يناول العشرات ومئات بل الآلاف وأكثر، قال تعالى: (( مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً )) والله يضاعف الحسنة إلى سبعمائة كما نص القرآن، وقال تعالى: (( كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ )).
• **محمد بن الحسن المنتظر**(29/66)
قال الرافضي: وولده مولانا المهدي محمد عليه السلام. وروى ابن الجوزي بإسناده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي، اسمه كاسمي، وكنيته كنيتي، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، فذلك هو المهدي).
فيقال: ذكر المؤرخون وأهل العلم بالأنساب كابن جرير الطبري وابن قانع وغيرهما: أن الحسن بن علي العسكري لم يكن له نسب ولا عقب، خلافاً لمن يدعي ذلك من الإمامية، وعلى اختلاف فيما بينهم منهم من يقول له ولد دخل السرداب بسامراء وله سنتان من العمر، وقيل: ثلاث، وقيل: خمس، هذا ولو ثبت وجوده لوجب أن يكون تحت حضانة أم أو أخ أو قريب ونحوهم ويحفظ له ممتلكاته شرعا قال تعالى: (( وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ ))[النساء:6]، فهذا الذي لا يجوز تسليم ماله إليه حتى يبلغ الرشد فكيف يكون إماما لجميع المسلمين؟! وسواء كان موجوداً أو غير موجود فإنه لم يحصل منه شيء من مقاصد الإمامة؛ لأن الأمة لم تستفد منه ديناً ولا دنيا. وقد يقال: إنه احتجب من الناس لظلمهم، فلو كان هذا هو السبب لخفائه لاختفى من كان قبله من آبائه؛ لأن الظلم أيضاً في زمنهم منتشر.
وما زالت تدعوا له بالخروج من مدة أكثر من أربعمائة وخمسين سنة ([31]) ولم يحصل شيء من هذا، ومعلوم اضطراراً أنه لا تكاد تجد من يعيش هذه السنوات في هذه الأمة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر عمره: (أرأيتكم ليلتكم هذه، فإنه على رأس مائة سنة منها لا يبقى على وجه الأرض ممن هو اليوم عليها أحد) ([32]).(29/67)
فمن احتج بحياة الخضر على حياته فقد أخطأ لأن المحققين أثبتوا على أن الخضر قد مات، وبتقدير عدم وفاته فإنه ليس من هذه الأمة ومعلوم أن أعمار هذه الأمة ما بين الستين إلى السبعين كما ثبت في الحديث. ([33]).
وأما ما استدل به الرافضي عن خروج المهدي في آخر الزمان... عن ابن عمر مرفوعا.
فيقال له: كيف تستدل بما لا تعتبره حجة لديك -الحديث المروي من كتب أهل السنة- فربما قال: حجة عليهم، فنذكر كلامهم فيه.
ثم هذا من أخبار الآحاد فكيف يثبت به أصل الدين الذي لا يصح الإيمان إلا به؟
ثم إن لفظ الحديث حجة عليكم لا لكم فإن لفظه: (يواطي اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي) يعني: اسمه محمد بن عبد الله لا محمد بن الحسن، وذكر عن علي أنه من ولد الحسن لا من ولد الحسين.
وقد روى علماء أهل السنة الأحاديث الصحيحية عن المهدي منها حديث عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجل من أهل بيته يواطي اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملأت ظلما وجورا) ([34]).
وأما الحديث الذي ذكره الرافضي: (اسمه كاسمي وكنيته كنيتي) فكذب بهذا اللفظ؛ لأن الوارد هو: (يواطي اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي) كما سبق.
وأما نسبة الحديث إلى ابن الجوزي إن أراد أبا الفرج صاحب المصنفات الكثيرة فكذب، وإن أراد سبطه يوسف بن قزاوغلي صاحب التاريخ المسمى "بمرآة الزمان" فهو كحاطب ليل يجمع بين الغث والسمين في مؤلفاته ويكثرها بالأحاديث الضعيفة والموضوعة.
وأما ما ذكر الرافضي من أن الأئمة هؤلاء معصومون فهلا ذكر دليلاً؟ وأما كون الأرض لا تخلو من إمام، الشاهد يكذب هذا والواقع عندكم على خلافه، إذ كيف تتصورون حضور مفقود غائب.(29/68)
وبالنظر إلى جميع ما استدل به الرافضي يظهر لنا أنه يعتمد على الأباطيل والأحاديث الضعيفة والموضوعة وقصص واهية وكاذبة، وإن استدل بما هو صحيح إما أن يكون لا حجة فيه أصلاً أو فسره على هوى.
إن أصول الدين هو أهم المطالب وليس مسألة الإمامة التي هي من الوسائل فتوحيد الله هو أول شيء، ثم بقية أركان الإسلام الخمسة من الصلاة والزكاة والصوم والحج، والطاعة إنما تجب لله ورسوله، وطاعة أولي الأمر مقيدة بما هو في طاعة الله أو في المعروف والطاعة لله والرسول هي الطريقة للسعادة والنجاة من النار ليس معرفة الإمام، ولا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله، ويجب موالاة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والدعاء لهم وكذلك أهل بيتهم ويشمل نساءهم ونشهد لهم بالخير والصلاح.
===============00000
[1] انظر الإمامة العظمى لعبدالله بن عمر بن سليمان الدميجي.
[2] اشتهر عند متأخريهم قولهم:" إن لائمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل، انظر الخميني في تفضيل الأئمة على الأنبياء لمؤلفه مال الله." من عقائد الشيعة " لعبدالله السلفي ص:25
[3] انظر: الإمامة والنص / فيصل نور ص:33 فما بعدها، وكتاب: علماء الشيعة يقولون، لمركز إحياء التراث.
[4] انظر: ابن سبأ حقيقة لا خيال للدكتور سعدى الهاشمي.
[5]انظر: الرد الكافي على مغالطات الدكتور علي عبدالواحد وافي في كتابه بين الشيعة وأهل السنة: لإحسان إلهي ظهير.
[6] كتاب الإمامة والرد على الرافضة للحافظ أبي نعيم الأصفهاني ص:122- 141 وكتاب: الشيعة والقرآن لإحسان إلهي ظهير
[7] البخاري 1/10 ومسلم 1/52-53
[8]انظر البخاري ( 7/119) ومسلم (4/1857)
[9]أحمد (5/383) والترمذي (5/371)
[10]البخاري (9/83) ومسلم (3/1454).
[11]مسلم (4/1856).(29/69)
[12]يقول علي ابن أبي طالب:" إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على مابايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا للغائب ان يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماما كان ذلك لله رضا، فإن خرج على أمرهم خارج بطعن أو بدعه" ردوه إلى ماخرج منه فإن أبي قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ماتولى " نقله إحسان إلهي ظهير من نهج البلاغة، انظر كتابه الشيعة وأهل البيت ص 58.
[13]القول الثاني هو أنه بايعه في أول الأمر كما يشهد لذلك حديث أبي سعيد الخدري وغيره:" ان عليا بايع أبا بكر في أول الأمر " وصححه ابن حبان، وهو قول الحافظين ابن كثير وابن حجر. انظر الإنتصار للصحب والآل للدكتور إبراهيم بن عامر الرحيلي ص334/337
[14]( المسند 1/164) تحقيق أحمد شاكر
[15]( المسند 1/164) البخاري (5/8) ومسلم ( 4/1967)
[16]انظر كتاب الرد الكافي على مغالطات الدكتور عبدالواحد وافي
[17] يونس 9
[18]انظر: البخاري (1/12)، ومسلم (1/78)
[19]مسلم (1/448) (3/1467) أبو داود (2/955)
[20]المسند ( 4/426،427، 436 )
[21]سنن أبي داود ( 4/276 )، والترمذي (4/134)
[22]اانظر البخاري (3/46) ومسلم (3/833)
[23]انظر: الشيعة والتشيع فرق وتايخ للأستاذ احسان إلهي ظهير / وتاريخ فرق الشيعة للنوبختي.
[24]مسلم (4/1883) والترمذي (5/30) (5/328) والمسند (6/292-398)
[25]البخاري (1/96- ) ومسلم (4/1854)
[26]البخاري (3/51) ومسلم (1/508)
[27] البخاري (4/161) (2/50) ومسلم (2/816) وغيرهما
[28]البخاري (3/186) ومواضع آخرى منه. وسنن أبي داود ( 4/299)
[29]المسند (5/205-210)
[30]بتحريف يسير
[31]هذا في عصر شيخ الإسلام ( المؤلف ) والآن يزيد على إحدى عشر قرن ولم يظهر.
[32]البخاري (1/119) مسلم (4/1965)
[33]انظر سنن الترمذي (5/123-124) وقال حسن غريب من هذا الوجه.(29/70)
[34]انظر سنن أبي داود (4/151) والترمذي (3/343) والمسند (2/117).
--------------------
نقض الآيات التي استدل بها الرافضي على إثبات الإمامة والأفضلية
نقض الآيات التي استدل بها الرافضي على إثبات الإمامة والأفضلية (1)
*الدليل الأول: قال الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ))[المائدة:67]:
قال الرافضي: اتفقوا على نزولها في علي، وروى أبو نعيم بإسناده عن عطية قال: نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم في علي بن أبي طالب، ومن تفسير الثعلبي قال: معناها: بلغ ما أنزل إليك من ربك في فضل علي، فلما نزلت هذه الآية أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد علي فقال: (من كنت مولاه فعلي مولاه) والنبي صلى الله عليه وسلم مولى أبي بكر وعمر وباقي الصحابة بالإجماع، فيكون علي مولاهم فيكون هو الإمام.
الجواب:
1) أما ما يرويه أبو نعيم في الحلية أو في فضائل الخلفاء، والنقّاش والثعلبي والواحدي ونحوهم في التفسير، فقد اتفق أهل المعرفة بالحديث على أن فيما يروونه كثيراً من الكذب والموضوع.
2) هذه الآية -مع ما علم من أحوال النبي صلى الله عليه وسلم- تدل على نقيض ما ذكروا وهو: أن الله لم ينزلها عليه، ولم يأمره بها، فإنها لو كانت مما أمره بتبليغه لبلغه، فإنه لا يعصي الله في ذلك ولهذا قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: [[من زعم أن محمداً كتم شيئاً من الوحي فقد كذب، والله تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ...) الآية]]، ولكن أهل العلم يعلمون بالاضطرار أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبلغ شيئاً من إمامة علي، ولهم على هذا طرق كثيرة يثبتون بها هذا العلم.(29/71)
3) أن هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله فلو كان له أصل لنقل، كما نقل أمثاله من حديثه، لاسيما مع كثرة ما ينقل في فضائل علي من الكذب الذي لا أصل له، فكيف لا ينقل الحق الصدق الذي قد بلغ للناس؟! ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أمته بتبليغ ما سمعوا منه، فلا يجوز عليهم كتمان ما أمرهم الله بتبليغه.
*الدليل الثاني: قوله تعالى: (( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا ))[المائدة:3]:
قال الرافضي: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضا الرب برسالتي، وبالولاية لعلي من بعدي) ثم قال: (من كنت مولاه، فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه! وانصر من نصره واخذل من خذله!)
الجواب:
1) أن هذا الحديث من الكذب الموضوع باتفاق أهل المعرفة بالموضوعات، وهذا يعرفه أهل العلم بالحديث والمرجع إليهم في ذلك، ولذلك لا يوجد هذا في شيء من كتب الحديث التي يرجع إليها.
2) أن هذه الآية ليس فيها دلالة على علي ولا إمامته بوجه من الوجوه، بل فيها إخبار الله بإكمال الدين وإتمام النعمة على المؤمنين، ورضا الإسلام دينا، فدعوى المدعي أن القرآن يدل على إمامته من هذا الوجه كذب ظاهر.
*الدليل الثالث: قوله تعالى: ((وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى))[النجم:1-2].
قال الرافضي: روى الفقيه علي بن المغازلي الشافعي بإسناده عن ابن عباس قال: كنت جالساً مع فتية من بني هاشم عند النبي صلى الله عليه وسلم، إذ انقضّ كوكب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من انقضّ هذا النجم في منزله فهو الوصي من بعدي) فقام فتية من بني هاشم فنظروا فإذا الكوكب قد انقضّ في منزل علي، قالوا: يا رسول الله! قد غويت في حب علي، فأنزل الله: (( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ))[النجم:1-2].(29/72)
الجواب:
1) أن هذا كذب باتفاق أهل العلم بالحديث، وهذا المغازلي ليس من أهل الحديث كأبي نعيم وأمثاله، ولا هو أيضا من جامعي العلم الذين يذكرون ما غالبه حق وبعضه باطل كالثعلبي وأمثاله، بل هذا لم يكن الحديث من صنعته، فعمد إلى ما وجده من كتب الناس من فضائل علي فجمعها.
2) أنه مما يبين أنه كذب: أن فيه ابن عباس شهد نزول سورة النجم حين انقض الكوكب في منزل علي، وسورة النجم باتفاق الناس من أول ما نزل بمكة، وابن عباس حين مات النبي صلى الله عليه وسلم كان مراهقاً للبلوغ لم يحتلم بعد، فعند نزول هذه الآية: إما أن ابن عباس لم يكن ولد بعد وإما أنه كان طفلاً لا يميز فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر كان عمر ابن عباس نحو خمس سنين، والأقرب أنه لم يكن ولد عند نزول سورة النجم.
3) أن أهل العلم بالتفسير متفقون على خلاف هذا، وأن النجم المقسم به إما نجوم السماء وإما نجوم القرآن ونحو ذلك، ولم يقل أحد إنه كوكب نزل في دار أحد بمكة.
4) أن من قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (غويت) فهو كافر.
*الدليل الرابع: قوله تعالى: (( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ ))[النور36-37]:
قال الرافضي: قال الثعلبي بإسناده عن أنس وبريدة قالا: (قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية، فقام رجل فقال: أي بيوت هذه يا رسول الله؟ فقال: بيوت الأنبياء، فقام إليه أبو بكر فقال: يا رسول الله ! هذا البيت منها؟ يعني: بيت علي وفاطمة، قال: نعم. من أفضلها) وصف فيها الرجال بما يدل على أفضليتهم فيكون علي هو الإمام وإلا لزم تقديم المفضول على الفاضل.
الجواب:(29/73)
1) أن هذا الحديث موضوع عند أهل المعرفة بالحديث، ولهذا لم يذكره علماء الحديث في كتبهم التي يعتمد في الحديث عليها كالصحاح والسنن والمسانيد، مع أن في بعض هذه ما هو ضعيف بل ما يعلم أنه كذب، لكن هذا قليل جداً، وأما هذا الحديث وأمثاله فهو أظهر كذباً من أن يذكروه في مثل ذلك.
2) أن يقال: الآية باتفاق الناس هي في المساجد كما قال تعالى: (( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ ))[النور:36] وبيت علي وغيره ليس موصوفاً بهذه الصفة.
3) أن يقال: بيت النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من بيت علي باتفاق المسلمين، ومع هذا لم يدخل في هذه الآية لأنه ليس في بيته رجال، وإنما فيه هو والواحدة من نسائه، ولما أراد بيت النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ.. ))[الأحزاب:53] وقال: (( وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ ))[الأحزاب:34].
4) أن يقال: إن أريد ببيوت الأنبياء ما سكنه النبي صلى الله عليه وسلم، فليس في المدينة من بيوت الأنبياء إلا بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فلا يدخل فيها بيت علي، وإن أريد ما دخله الأنبياء فالنبي صلى الله عليه وسلم قد دخل بيوت كثير من الصحابة.
*الدليل الخامس: قوله تعالى: (( قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ))[الشورى:23]:
قال الرافضي: روى أحمد في مسنده عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية قالوا: (يا رسول الله! من قرابتكم الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال علي وفاطمة وابناهما) وغير علي من الصحابة والثلاثة لا تجب مودتهم فيكون علي أفضل، فيكون هو الإمام.
الجواب:
1) إن قوله: (إن أحمد روى هذا في مسنده) كذب بين، فإن مسند أحمد موجود، به من النسخ ما شاء الله وليس فيه هذا الحديث.
2) أن يقال: إن هذا الحديث كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث.(29/74)
3) أن يقال: إن هذه الآية في سورة الشورى، وهي مكية باتفاق أهل السنة، ومن المعلوم أن علياً إنما تزوج فاطمة بالمدينة بعد غزوة بدر، والحسن ولد في السنة الثالثة للهجرة، والحسين في السنة الرابعة فتكون هذه الآية قد نزلت قبل وجود الحسن والحسين بسنين متعددة.
4) أن يقال: إن تفسير الآية التي في الصحيحين عن ابن عباس يناقض ذلك.
*الدليل السادس: قوله تعالى: (( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ ))[البقرة:207]:
قال الرافضي: قال ابن عباس: إنما نزلت في علي لما هرب النبي صلى الله عليه وسلم من المشركين إلى الغار ) وهذه فضيلة لم تحصل لغيره تدل على أفضلية علي على جميع الصحابة؛ فيكون هو الإمام.
الجواب:
1) أن يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر هو وأبو بكر إلى المدينة لم يكن للقوم غرض في طلب علي وإنما كان مطلوبهم النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر.
2) أن هذه الآية في سورة البقرة وهي مدنية بلا خلاف، وإنما نزلت بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ولم تنزل وقت هجرته وقيل نزلت في صهيب رضي الله عنه لما هاجر.
3) أن يقال: ولا ريب أن الفضيلة التي حصلت لأبي بكر في الهجرة لم تحصل لغيرها من الصحابة بالكتاب والسنة والإجماع؛ فيكون هو الإمام.
*الدليل السابع: قوله تعالى: (( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ...))[آل عمران:61] الآية:
قال الرافضي: نقل الجمهور كافة أن (أبناءنا) إشارة إلى الحسن والحسين، و(نساءنا) إشارة إلى فاطمة، و(أنفسنا) إشارة إلى علي، وهذه الآية دليل على ثبوت الإمامة لعلي.
الجواب:(29/75)
1) أن قوله: (نساءنا) لا يختص بفاطمة، بل من دعاه من بناته كانت منزلتها في ذلك، لكن لم يكن عنده إذ ذاك إلا فاطمة، فإن رقية وأم كلثوم وزينب كن قد توفين قبل ذلك.
2) كذلك (أنفسنا) ليس مختصاً بعلي، بل هذه صيغة جمع كما أن (نساءنا) صيغة جمع وكذلك (أبناءنا) صيغة جمع، وإنما دعا حسناً وحسيناً لأنه لم يكن ممن ينسب إليه بالبنوة سواهما.
*الدليل الثامن: قوله تعالى: (( فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ... ))[البقرة:37] الآية:
قال الرافضي: روى ابن المغازلي بسنده عن ابن عباس قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه، قال: (سأله بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين أن يتوب عليه فتاب عليه) وهذه فضيلة لم يلحقه أحد من الصحابة فيها؛ فيكون هو الإمام.
الجواب:
1) أن هذا الحديث كذب موضوع باتفاق أهل العلم، وذكره ابن الجوزي في الموضوعات.
2) أن الكلمات التي تلقاها آدم قد جاءت مفسرة في قوله تعالى: (( رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ))[الأعراف:23].
3) أن يقال: إن هذا لو كان مشروعاً فآدم نبي كريم، كيف يقسم على الله بمن هو أكرم عليه منه؟ ولا ريب أن نبينا صلى الله عليه وسلم أفضل من آدم، لكن آدم أفضل من علي وفاطمة والحسن والحسين.
*الدليل التاسع: قوله تعالى: (( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي.. ))[البقرة:124].
قال الرافضي: روى ابن المغازلي عن ابن مسعود قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (انتهت الدعوة إليّ وإلى علي؛ لم يسجد أحدنا لصنم قط؛ فاتخذني نبياً واتخذ علياً وصياً) وهذا نصٌ في الباب.
الجواب:
1) أن هذا الحديث كذب موضوع بإجماع أهل العلم بالحديث.
2) أنه لو قيل: إنه لم يسجد لصنم لأنه أسلم قبل البلوغ فلم يسجد بعد إسلامه، وهكذا كل مسلم والصبي غير مكلف.(29/76)
*الدليل العاشر: قوله تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا))[مريم:96]:
قال الرافضي: وفي تفسير الثعلبي عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعليّ: (يا علي! قل: اللهم اجعل لي عندك عهداً، واجعل لي في صدور المؤمنين مودةً) فأنزل الله: (( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ... ))[البقرة:277] الآية. ولم يثبت لغيره ذلك؛ فيكون هو الإمام.
الجواب:
1) أن هذا الحديث كذب باتفاق أهل المعرفة بالحديث.
2) أن قوله تعالى: (( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ... )) عام في جميع المؤمنين، فلا يجوز تخصيصها بعلي، بل هي متناولة لعلي وغيره والدليل عليه أن الحسن والحسين وغيرهما من المؤمنين الذين تعظمهم الشيعة داخلون في الآية، فعلم بذلك الإجماع على عدم اختصاصها بعلي.
*الدليل الحادي عشر: قوله تعالى: (( إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ))[الرعد:7]:
قال الرافضي: من كتاب الفردوس عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا المنذر وأنت الهادي، بك يا علي يهتدي المهتدون) وهو صريح في ثبوت الولاية والإمامة.
الجواب:
1) أن هذا الحديث كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث، فيجب تكذيبه ورده.
2) أن الله تعالى قد جعل محمداً هادياً فقال: (( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ))[الشورى:52] فكيف يجعل الهادي من لم يوصف بذلك دون من وصف به؟!
3) أن قوله: (بك يهتدي المهتدون) ظاهره أن كل من اهتدى من أمة محمد فبه اهتدى، وهذا كذب بين، فإنه قد آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم خلق كثير، واهتدوا به، ودخلوا الجنة، ولم يسمعوا من علي كلمة واحدة.
*الدليل الثاني عشر: قوله تعالى: (( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ ))[الصافات:24]:(29/77)
قال الرافضي: عن ابن عباس قال في قوله تعالى: (( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ ))[الصافات:24] عن ولاية علي، وإذا سئلوا عن الولاية وجب أن تكون ثابتة له، ولم يثبت لغيره من الصحابة ذلك؛ فيكون هو الإمام.
الجواب:
1) أن هذا كذب موضوع بالاتفاق.
2) هذا خطاب عن المشركين المكذبين بيوم الدين، وهؤلاء يسألون عن توحيد الله والإيمان برسله واليوم الآخر. وأي مدخل لحب عليٍّ في سؤال هؤلاء؟ تراهم لو أحبوه مع هذا الكفر والشرك أكان ذلك ينفعهم؟
*الدليل الثالث عشر: قوله تعالى: (( وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ))[محمد:30]:
قال الرافضي: روى أبو نعيم بإسناده عن أبي سعيد الخدري في قوله تعالى: (( وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ))[محمد:30] قال: ببغضهم علياً) ولم يثبت لغيره من الصحابة ذلك، فيكون أفضل منهم؛ فيكون هو الإمام.
الجواب:
1) أن هذا من الكذب على أبي سعيد عند أهل المعرفة بالحديث.
2) أنا نعلم بالاضطرار أن عامة المنافقين لم يكن ما يعرفون به من لحن القول هو بغض علي، وتفسير القرآن بهذا فرية ظاهرة.
3) أن علياً لم يكن أعظم معاداة للكفار والمنافقين من عمر، بل ولا نعرف أنهم كانوا يتأذون منه كما يتأذون من عمر.
*الدليل الرابع عشر: قوله تعالى: (( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ))[الواقعة:10-11]:
قال الرافضي: روى أبو نعيم عن ابن عباس في هذه الآية: سابق هذه الأمة علي بن أبي طالب، وهذه الفضيلة لم تثبت لغيره من الصحابة؛ فيكون هو الإمام.
الجواب:
1) أن هذا باطل عن ابن عباس ولو صح عنه لم يكن حجة إذا خالفه من هو أقوى منه.(29/78)
2) قوله: (وهذه الفضيلة لم تثبت لغيره من الصحابة) ممنوع، فإن الناس متنازعون في أول من أسلم، فقيل: أبو بكر أول من أسلم فهو أسبق إسلاماً من علي، وقيل: إن علياً أسلم قبله لكن علي كان صغيراً وإسلام الصبي فيه نزاع بين العلماء، ولا نزاع في أن إسلام أبي بكر أكمل وأنفع؛ فيكون هو أكمل سبقاً بالاتفاق .
*الدليل الخامس عشر: قوله تعالى: (( الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ ))[التوبة:20]:
قال الرافضي: روى رزين بن معاوية أنها نزلت في علي لما افتخر طلحة بن شيبة والعباس، وهذه لم تثبت لغيره من الصحابة؛ فيكون أفضل؛ فيكون هو الإمام.
الجواب:
1) المطالبة بصحة النقل، ورزين قد ذكر في الكتاب أشياء ليست في الصحاح.
2) أن الذي في الصحيح ليس كما ذكره عن رزين، بل الذي في الصحيح ما رواه النعمان بن بشير قال: تماروا عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل: لا أبالي أن لا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج. وقال آخر: لا أبالي أن لا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أعمر المسجد الحرام. وقال آخر: الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم، فزجرهم عمر وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوم الجمعة، ولكن إذا صليت الجمعة دخلت فاستفتيته فيما اختلفتم فيه فأنزل الله تعالى: (( أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ ))[التوبة:19] الآية رواه مسلم.
*الدليل السادس عشر: قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً... ))[المجادلة:12] الآية:(29/79)
قال الرافضي: ومن طريق أبي نعيم إلى ابن عباس قال: إن الله حرم كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بتقديم الصدقة، وبخلوا أن يتصدقوا قبل كلامه، وتصدق علي ولم يفعل ذلك أحد من المسلمين غيره. وهذا يدل على فضيلته عليهم؛ فيكون هو أحق بالإمامة.
الجواب:
أن يقال: أما الذي ثبت فهو أن علياً رضي الله عنه تصدق وناجى ثم نسخت الآية قبل أن يعمل بها غيره، لكن الآية لم توجب الصدقة عليهم؛ لكن أمرهم إذا ناجوا أن يتصدقوا ومن لم يناج لم يكن عليه أن يتصدق. وإذا لم تكن المناجاة واجبة لم يكن أحد ملوما إذا ترك ما ليس بواجب ومن كان فيهم عاجزاً عن الصدقة ولكن لو قدر لناجى فتصدق فله نيته وأجره.
*الدليل السابع عشر: قوله تعالى: (( وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا... ))[الزخرف:45] الآية:
قال الرافضي: قال ابن عبد البر: وأخرجه أبو نعيم أيضاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به جمع الله بينه وبين الأنبياء ثم قال: سلهم يا محمد علام بعثتم؟ قالوا: بعثنا على شهادة أن لا إله إلا الله، وعلى الإقرار بنبوتك، وعلى الولاية لعلي بن أبي طالب) وهذا صريح بثبوت الإمامة لعلي.
الجواب:
1) أن مثل هذا مما اتفق أهل العلم على أنه كذب موضوع.
2) قد أجمع المسلمون على أن الرجل لو آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وأطاعه ومات في حياته ولم يعلم أن الله خلق أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً لم يضره ذلك شيئاً، ولم يمنعه ذلك من دخول الجنة، فإذا كان هذا في أمة محمد صلى الله عليه وسلم فكيف يقال: إن الأنبياء يجب عليهم الإيمان بواحد من الصحابة.
*الدليل الثامن عشر: قوله تعالى: (( وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ))[الحاقة:12]:
قال الرافضي: في تفسير الثعلبي أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سألت الله عز وجل أن يجعلها أذنك يا علي) وهذه الفضيلة لم تحصل لغيره فيكون هو الإمام.
الجواب:
1) أن هذا موضوع باتفاق أهل العلم.(29/80)
2) أذن علي من الآذان الواعية كأذن أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم، وحينئذ فلا اختصاص لعلي بذلك، وهذا مما يعلم بالاضطرار أن الآذان الواعية ليست أذن علي وحده، أترى أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليست واعية؟ ولا أذن الحسن والحسين وعمار وأبي ذر والمقداد وسلمان الفارسي وسهل بن حنيف وغيرهم ممن يوافقون على فضيلتهم وإيمانهم؟ وإذا كانت الأذان الواعية له ولغيره لم يجز أن يقال هذه الفضيلة لم تحصل لغيره.
*الدليل التاسع عشر: قوله تعالى: (( وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ))[الزمر:33]:
قال الرافضي: من طريق أبي نعيم عن مجاهد في قوله: (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ) محمد صلى الله عليه وسلم، (وَصَدَّقَ بِهِ) قال: علي بن أبي طالب) وهذه فضيلة اختص بها؛ فيكون هو الإمام.
الجواب:
1) أن هذا ليس منقولاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقول مجاهد وحده ليس بحجة يجب اتباعه على كل مسلم لو كان هذا النقل صحيحاً عنه، فكيف إذا لم يكن ثابتاً عنه؟!
2) أن هذا معارض بما هو أشهر منه عند أهل التفسير، وهو أن الذي جاء بالصدق محمد صلى الله عليه وسلم، والذي صدق به أبو بكر، فإن هذا يقوله طائفة وذكره الطبري بإسناده إلى علي.
3) أن يقال: إن لفظ الآية مطلق لا يخص بأبي بكر ولا بعلي، بل كل من دخل في عمومها دخل في حكمها.
*الدليل العشرون: قوله تعالى: (( هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ... ))[الأنفال:62]:
قال الرافضي: ومن طريق أبي نعيم عن أبي هريرة قال: مكتوب على العرش: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، محمد عبدي ورسولي أيدته بعلي بن أبي طالب) وهذه من أعظم الفضائل التي لم تحصل لغيره من الصحابة فيكون هو الإمام.
الجواب:
1) أن هذا الحديث كذب موضوع باتفاق أهل الحديث.(29/81)
2) أن الله تعالى قال: (( هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ... )) الآية. وهذا نص في أن المؤمنين عدد مؤلف بين قلوبهم، وعلي واحد منهم ليس قلوباً يؤلف بينها، والمؤمنون صيغة جمع.
3) أن يقال: من المعلوم بالضرورة والتواتر أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان قيام دينه بمجرد موافقة علي، فإن علياً كان من أول من أسلم وكان الإسلام ضعيفاً، فلولا أن الله هدى من هداه إلى الإيمان والهجرة والنصرة لم يحصل بعلي وحده شيء من التأييد.
4) أنه لم يكن لعلي في الإسلام أثر حسن إلا ولغيره من الصحابة مثله، ولبعضهم آثار أعظم من آثاره، وهو معلوم لمن عرف السيرة الصحيحة الثابتة بالنقل.
*الدليل الحادي والعشرون: قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ))[الأنفال:64]:
قال الرافضي: من طريق أبي نعيم قال: نزلت في علي) وهذه فضيلة لم تحصل لأحد من الصحابة غيره فيكون هو الإمام.
الجواب:
1) أن هذا ليس بحجة.
2) أن يقال: هذا الكلام من أعظم الفرية على الله ورسوله، وذلك أن قوله: (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ))[الأنفال:64] معناه: أن الله حسبك وحسب من اتبعك من المؤمنين فهو وحده كافيك وكافي من معك من المؤمنين.
3) قد ظن بعض الغالطين أن معنى الآية: أن الله والمؤمنين حسبك، ويكون: (من اتبعك) رفعاً عطفاً على الله وهذا خطأ قبيح مستلزم للكفر، فإن الله وحده حسب جميع الخلق.
*الدليل الثاني والعشرون: قوله تعالى: (( فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ))[المائدة:54].
قال الرافضي: قال الثعلبي: إنما نزلت في علي) وهذا يدل على أنه أفضل فيكون هو الإمام.
الجواب:
1) أن هذا كذب على الثعلبي فإنه قال في تفسيره في هذه الآية: قال علي وقتادة والحسن: أنه أبو بكر وأصحابه، وقال مجاهد: هم أهل اليمن.(29/82)
2) أن هذا قول بلا حجة فلا يجب قبوله.
3) أن هذا معارض بما هو أشهر منه وأظهر وهو: أنها نزلت في أبي بكر وأصحابه الذين قاتلوا معه أهل الردة، وهذا هو المعروف عند الناس.
4) قوله: (( فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ))[المائدة:54] لفظ مطلق ليس فيه تعيين، وهو متناول لمن قام بهذه الصفة كائناً ما كان، لا يختص ذلك بأبي بكر ولا بعلي، وإذا لم يكن مختصاً بأحدهما لم يكن هذا من خصائصه، فبطل أن يكون بذلك أفضل ممن يشاركه فضلاً عن أن يستوجب بذلك الإمامة.
* الدليل الثالث والعشرون: قوله تعالى: (( وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ ))[الحديد:19]:
قال الرافضي: روى أحمد بإسناده عن ابن أبي ليلى عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصديقون ثلاثة: حبيب بن موسى النجار مؤمن آل ياسين، الذي قال يا قوم اتبعوا المرسلين. وحزقيل مؤمن آل فرعون الذي قال: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله؟ وعلي بن أبي طالب الثالث وهو أفضلهم)، وهذه فضيلة تدل على إمامته.
الجواب:
1) هذا الحديث ليس في مسند أحمد، ومجرد روايته له في الفضائل لو كان رواه لا يدل على صحته عنده باتفاق أهل العلم، فإنه يروي ما رواه الناس وإن لم تثبت صحته، فكيف وهذا الحديث لم يروه أحمد لا في المسند ولا في كتاب الفضائل، وإنما هو من زيادات القطيعي؟!
2) أن هذا الحديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3) أن في الصحيح من غير وجه تسمية غير علي صديقا كتسمية أبي بكر الصديق فكيف يقال: الصديقون ثلاثة؟
4) أن يقال: إن كان الصديق هو الذي يستحق الإمامة فأحق بكونه صديقا أبو بكر فإنه الذي ثبت له هذا الاسم بالدلائل الكثيرة، وبالتواتر الضروري عند الخاص والعام.(29/83)
* الدليل الرابع والعشرون: قوله تعالى: (( الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً ))[البقرة:274]:
قال الرافضي: من طريق أبي نعيم بإسناده عن ابن عباس: نزلت في علي كان معه أربعة دراهم فأنفق درهماً بالليل، ودرهماً، بالنهار، ودرهماً سراً، ودرهماً علانية) ولم يحصل لغيره فيكون أفضل؛ فيكون هو الإمام.
الجواب:
1) أن هذا كذب ليس بثابت.
2) أن هذه الآية عامة في كل من ينفق بالليل والنهار سراً وعلانية، فمن عمل بها دخل فيها سواء كان علياً أو غيره، ويمتنع أن يراد بها واحد بعينه.
3) أن ما ذكر من الحديث يناقض مدلول الآية، فإن الآية تدل على الإنفاق في الزمانين اللذين لا يخلو الوقت عنهما، وفي الحالين اللذين لا يخلو الفعل منهما.
* الدليل الخامس والعشرون: قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا... )):
قال الرافضي: روى أحمد بن حنبل عن ابن عباس قال: ليس من آية في القرآن: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا...) إلا وعلي رأسها وأميرها وشريفها وسيدها، ولقد عاتب الله تعالى أصحاب محمد في القرآن وما ذكر علياً إلا بخير) وهذا يدل على أنه أفضل فيكون هو الإمام.
الجواب:
1) ليس هذا في مسند أحمد ولا مجرد روايته له لو رواه في الفضائل يدل على أنه صدق، فكيف ولم يروه أحمد لا في المسند ولا في الفضائل وإنما هو من زيادات القطيعي؟!
2) أن هذا كذب على ابن عباس، والمتواتر عنه أنه كان يفضل عليه أبا بكر وعمر، وله معايبات يعيب بها علياً، ويأخذ عليه في أشياء من أموره.
3) أن هذا الكلام ليس فيه مدح لعلي، فإن الله كثيراً ما يخاطب الناس بمثل هذا في مقام عتاب كقوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ ))[الصف:2-3] فإن كان علي رأس هذه الآية فقد وقع منه هذا الفعل الذي أنكره الله وذمه.(29/84)
4) أن قول القائل: لقد عاتب الله أصحاب محمد في القرآن وما ذكر علياً إلا بخير، كذب معلوم، فإنه لا يعرف أن الله عاتب أبا بكر في القرآن ولا أنه ساء رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال في خطبه: (أيها الناس! اعرفوا لأبي بكر حقه فإنه لم يسؤني يوماً قط).
* الدليل السادس والعشرون: قوله تعالى: (( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ))[الأحزاب:56]:
قال الرافضي: من صحيح البخاري عن كعب بن عجرة قال: سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول الله! كيف الصلاة عليكم أهل البيت، فإن الله علمنا كيف نسلم؟ قال: (قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد) ولا شك أن علياً أفضل آل محمد؛ فيكون أولى بالإمامة.
الجواب:
1) أنه لا ريب أن هذا الحديث صحيح متفق عليه، وأن علياً من آل محمد الداخلين، ولكن ليس هذا من خصائصه، فإن جميع بني هاشم داخلون في هذا كالعباس وولده والحارث بن عبد المطلب وولده.
2) ومعلوم أن دخول هؤلاء في الصلاة والتسليم لا يدل على أنه أفضل من كل من لم يدخل في ذلك ولا أنه يصلح بذلك للإمامة فضلاً عن أن يكون مختصاً بها.
* الدليل السابع والعشرون: قوله تعالى: (( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ ))[الرحمن:19-22]:
قال الرافضي: من طريق أبي نعيم عن ابن عباس: (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ) قال: علي وفاطمة (بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ): النبي صلى الله عليه وسلم: (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ) الحسن والحسين) ولم يحصل لغيره من الصحابة هذه الفضيلة، فيكون أولى بالإمامة.
الجواب:(29/85)
1) أن هذا وأمثاله إنما يقوله من لا يعقل ما يقول، وهذا بالهذيان أشبه منه بتفسير القرآن.
2) أن هذا في سورة الرحمن وهي مكية بإجماع المسلمين، والحسن والحسين إنما ولدا في المدينة.
3) أن تسمية هذين بحرين، وهذا لؤلؤاً، وهذا مرجان، وجعل النكاح مرجاً أمر لا تحتمله لغة العرب بوجه لا حقيقة ولا مجازاً.
* الدليل الثامن والعشرون: قوله تعالى: (( وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ))[الرعد:43]:
قال الرافضي: من طريق أبي نعيم عن ابن الحنفية قال: هو علي بن أبي طالب) وهذا يدل على أنه أفضل؛ فيكون هو الإمام.
الجواب:
1) أن هذا كذب.
2) أن هذا باطل قطعاً وذلك أن الله تعالى قال: (( قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ))[الرعد:43] ولو أريد به علي لكان المراد أن محمداً يستشهدً على ما قاله بابن عمه علي، ومعلوم أن علياً لو شهد له بالنبوة وبكل ما قال لم ينتفع محمد بشهادته له، ولا يكون ذلك حجة له على الناس.
3) أن الله تعالى قد ذكر الاستشهاد بأهل الكتاب في غير آية كقوله تعالى: (( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ... ))[الأحقاف:10] أفترى علياً هو من بني إسرائيل؟!
* الدليل التاسع والعشرون: قوله تعالى: (( يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ))[التحريم:8]:
قال الرافضي: روى أبو نعيم مرفوعاً إلى ابن عباس قال: أول من يكسى من حلل الجنة إبراهيم عليه السلام بخلته من الله، ومحمد صلى الله عليه وسلم لأنه صفوة الله، ثم علي يزف بينهما إلى الجنان، ثم قرأ ابن عباس: (( يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ))[التحريم:8] قال: علي وأصحابه) وهذا يدل على أنه أفضل من غيره؛ فيكون هو الإمام.
الجواب:(29/86)
1) أن هذا كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث.
2) أن هذا باطل قطعاً؛ لأن هذا يقتضي أن يكون علي أفضل من إبراهيم ومحمد؛ لأنه وسط وهما طرفان، وأفضل الخلق إبراهيم ومحمد، فمن فضّل عليهما علياً كان أكفر من اليهود والنصارى.
* الدليل الثلاثون: قوله تعالى: (( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ))[البينة:7]:
قال الرافضي: روى أبو نعيم بإسناده إلى ابن عباس: لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين ويأتي خصماؤك غضاباً مفحمين) وإذا كان خير البرية وجب أن يكون هو الإمام.
الجواب:
1) أن هذا مما هو كذب موضوع باتفاق العلماء.
2) أن يقال: قوله: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ...) عام في كل من اتصف بذلك فما الذي أوجب تخصيصه بالشيعة؟
3) أن يقال: من المعلوم المتواتر أن ابن عباس كان يوالي غير شيعة علي أكثر مما يوالي كثيراً من الشيعة، حتى الخوارج كان يجالسهم ويفتيهم ويناظرهم.
* الدليل الحادي والثلاثون: قوله تعالى: (( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا ))[الفرقان:54]:
قال الرافضي: في تفسير الثعلبي عن ابن سيرين قال: نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب، زوّج فاطمة علياً....) ولم يثبت لغيره ذلك فكان أفضل؛ فيكون هو الإمام.
الجواب:
1) أن هذا كذب على ابن سيرين بلا شك.
2) أن يقال: هذه الآية في سورة الفرقان وهي مكية، وهذا -من الآيات المكية باتفاق الناس- قبل أن يتزوج علي بفاطمة، فكيف يكون ذلك قد أريد به علي وفاطمة؟!
3) أنه لو فرض أنه أريد بذلك مصاهرة علي فمجرد المصاهرة لا تدل على أنه أفضل من غيره باتفاق أهل السنة والشيعة، فإن المصاهرة ثابتة لكلٍ من الأربعة.(29/87)
* الدليل الثاني والثلاثون: قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ))[التوبة:119]:
قال الرافضي: أوجب الله علينا الكون مع المعلوم منهم الصدق، وليس إلا المعصوم لتجويز الكذب في غيره، فيكون هو علياً إذ لا معصوم من الأربعة سواه، وفي حديث أبي نعيم عن ابن عباس أنها نزلت في علي.
الجواب:
1) أن الصديق مبالغة في الصادق، فكل صديق صادق وليس كل صادق صديقاً، فأبو بكر رضي الله عنه قد ثبت أنه صديق بالأدلة الكثيرة فيجب أن تتناوله الآية قطعاً.
2) أن يقال: هذه الآية نزلت في قصة كعب بن مالك لما تخلف عن تبوك، وصدق النبي صلى الله عليه وسلم في أنه لم يكن له عذر، وتاب الله عليه ببركة الصدق.
3) أنه قال: (مَعَ الصَّادِقِينَ) وهذه صيغة جمع، وعلي واحد فلا يكون هو المراد وحده.
* الدليل الثالث والثلاثون: قوله تعالى: (( وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ))[البقرة:43]:
قال الرافضي: من طريق أبي نعيم عن ابن عباس: أنها نزلت في رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي خاصة وهما أول من صلى وركع ) وهذا يدل على فضيلته؛ فيدل على إمامته.
الجواب:
1) أن هذا كذب موضوع.
2) أنه لو كان المراد الركوع معهما لانقطع حكمها بموتهما، فلا يكون أحد مأموراً أن يركع مع الراكعين.
3) أن قول القائل: علي أول من صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ممنوع. بل أكثر الناس على خلاف ذلك وأن أبا بكر صلى قبله.
* الدليل الرابع والثلاثون: قوله تعالى: (( وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي ))[طه:29]:(29/88)
قال الرافضي: من طريق أبي نعيم عن ابن عباس قال: (أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد علي وبيدي ونحن بمكة..... وأنا محمد نبيك أسألك أن تشرح لي صدري، وتحلل عقدة من لساني؛ يفقهوا قولي، واجعل لي وزيراً من أهلي علي بن أبي طالب أخي، اشدد به أزري، وأشركه في أمري، قال ابن عباس: سمعت منادياً ينادي: يا أحمد! قد أوتيت ما سألت) وهذا نص في الباب.
الجواب:
1) أن هذا كذب موضوع باتفاق أهل العلم.
2) أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان بمكة في أكثر الأوقات لم يكن ابن عباس قد ولد.
3) صرحوا هنا بأن علياً كان شريكه في أمره كما كان هارون شريك موسى، وهذا قول من يقول بنبوته، وهذا كفر صريح، وليس هو قول الإمامية وإنما هو من قول الغالية.
* الدليل الخامس والثلاثون: قوله تعالى: (( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ))[الأعراف:172]:
قال الرافضي: عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو يعلم الناس متى سمّي علي أمير المؤمنين ما أنكروا فضله، سمّي أمير المؤمنين وآدم بين الروح والجسد قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ..) الآية. قالت الملائكة: بلى، فقال تبارك وتعالى: أنا ربكم ومحمد نبيكم وعلي أميركم)، وهذا صريح في الباب.
الجواب:
1) أن هذا الحديث كذب موضوع.
2) أن الذي في القرآن أنه قال: (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى) وليس فيه ذكر النبي ولا الأمير.
3) أن الميثاق أخذ على جميع الذرية فيلزم أن يكون عليٌ أميراً على الأنبياء كلهم، من نوح إلى محمد صلى الله عليه وسلم. وهذا كلام المجانين.(29/89)
* الدليل السادس والثلاثون: قوله تعالى: (( فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ))[التحريم:4]:
قال الرافضي: أجمع المفسرون أن صالح المؤمنين هو علي بن أبي طالب، واختصاصه بذلك يدل على أفضليته فيكون هو الإمام.
الجواب:
1) قوله: (أجمع المفسرون...) كذب مبيَّن فإنهم لم يجمعوا على هذا ولا نقل الإجماع على هذا أحد من علماء التفسير.
2) أن يقال: كتب التفسير مملوءة بنقيض هذا، قال ابن مسعود وعكرمة ومجاهد والضحاك وغيرهم: هو أبو بكر وعمر.
3) أن يقال: قوله: (وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) اسم يعم كل صالح من المؤمنين، كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء، إنما وليي الله وصالح المؤمنين) متفق عليه.
* الدليل السابع والثلاثون: قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ))[المائدة:55]:
قال الرافضي: وقد أجمعوا أنها نزلت في علي، والولي هو المتصرف وقد أثبت له الولاية في الآية كما أثبتها الله لنفسه ولرسوله.
الجواب:
1) قوله: (قد أجمعوا أنها نزلت في علي) من أعظم الدعاوى الكاذبة، بل أجمع أهل العلم بالنقل على أنها لم تنزل في علي بخصوصه.
2) نقل الثعلبي في تفسيره عن ابن عباس يقول: نزلت في أبي بكر، ونقل عن عبد الملك قال: سألت أبا جعفر قال: [[هم المؤمنون. قلت: فإن الناس يقولون: هو علي. قال فعلي من الذين آمنوا]].
3) أنا نعفيه من الإجماع ونطالبه أن ينقل ذلك بإسناد واحد صحيح.
4) أنه لو أراد الولاية التي هي الإمارة لقال: (إنما يتولى عليكم الله ورسوله والذين آمنوا) ولم يقل: (ومن يتولى الله ورسوله)، فإنه لا يقال لمن ولي عليهم والٍ: إنهم تولوه. بل يقال: تولى عليهم.(29/90)
* الدليل الثامن والثلاثون: قوله تعالى: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ))[الأحزاب:33]:
قال الرافضي: روى أحمد بن حنبل في مسنده عن واثلة بن الأسقع قال: طلبت علياً في منزله فقالت فاطمة: (ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فجاءا جميعاً فدخلا ودخلت معهما، فأجلس علياً عن يساره وفاطمة عن يمينه والحسن والحسين بين يديه ثم التفع عليهم بثوبه وقال: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ...) اللهم إن هؤلاء أهلي حقاً)، وفي هذه الآية دلالة على العصمة، وقد نفى الرجس عنه فيكون صادقاً فيكون هو الإمام.
الجواب:
1) أن هذا الحديث صحيح في الجملة.
2) إن إرادة الله في هذه الآيات متضمنة لمحبة الله لذلك المراد ورضاه به، وأنه شرعه للمؤمنين وأمرهم به، ليس في ذلك أنه خلق هذا المراد ولا أنه قضاه وقدره، ولا أنه يكون لا محالة.
3) المقصود: أن القرآن لا يدل على ثبوت الطهارة وإذهاب الرجس فضلاً عن أن يدل على العصمة والإمامة.
4) وبالجملة فالتطهير الذي أراده الله والذي دعا به النبي صلى الله عليه وسلم ليس هو العصمة بالاتفاق، فإن أهل السنة يقولون: لا معصوم إلا النبي صلى الله عليه وسلم والشيعة يقولون: لا معصوم غير النبي صلى الله عليه وسلم والإمام، وقد وقع الاتفاق على انتفاء العصمة المختصة بالنبي صلى الله عليه وسلم، والإمام عن أزواجه وبناته وغيرهن من النساء.
* الدليل التاسع والثلاثون: قوله تعالى: (( هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ... ))[الإنسان:1] الآيات:(29/91)
قال الرافضي: في تفسير الثعلبي من طرق مختلفة أنه مرض الحسن والحسين فعادهما جدهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وعامة العرب وقالوا: يا أبا الحسن! لو نذرت على ولديك، فنذر صوم ثلاثة أيام، وكذا نذرت أمهما فاطمة، وجاريتهم فضة... إلى قوله: فهبط جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد خذ ما هنأك الله في أهل بيتك فقال: ما آخذ يا جبريل؟ فأقرأه: (( هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ... ))[الإنسان:1]. وهي تدل على فضائل جمة لم يسبقه إليها أحد ولا يلحقه أحد فيكون أفضل من غيره؛ فيكون هو الإمام.
الجواب:
1) أن هذا الحديث من الكذب الموضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث.
2) سورة الإنسان مكية باتفاق أهل التفسير والنقل، ولم يقل أحد منهم أنها مدنية، وإذا كانت السورة نزلت في مكة قبل أن يتزوج علي بفاطمة تبين أن نقل أنها نزلت بعد مرض الحسن والحسين من الكذب والمين.
3) قوله: (فعادهما جدهما وعامة العرب) فإن عامة العرب لم يكونوا بالمدينة، والعرب الكفار ما كانوا يأتونهما يعودونهما.
4) قوله: (فقالوا: يا أبا الحسن ولو نذرت على ولديك) وعلي لا يأخذ الدين من أولئك العرب، بل يأخذه من النبي صلى الله عليه وسلم.
5) أن علياً وفاطمة لم يكن لهما جارية اسمها فضة، بل ولا لأحد من أقارب النبي صلى الله عليه وسلم.
* الدليل الأربعون: قوله تعالى: (( إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ))[الحجر:47]:(29/92)
قال الرافضي: من مسند أحمد بإسناده إلى زيد بن أبي أوفى قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده، فذكر قصة المؤاخاة..... فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي بعثني بالحق نبياً ما اخترتك إلا لنفسي وأنت مني بمنزلة هارون إلا أنه لا نبي بعدي، وأنت أخي ووارثي، وأنت معي في قصري في الجنة، ومع ابنتي فاطمة، فأنت أخي ورفيقي ثم تلا: (إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ)). فلما اختص علي بمؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم كان هو الإمام.
الجواب:
1) ليس هذا الحديث في مسند أحمد قط لا في المسند ولا في الفضائل ولا رواه ابنه.
2) إن قوله (أنت أخي ووارثي) باطل.
3) أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أثبت الأخوة لغير علي كما في الصحيحين أنه قال لزيد: (أنت أخونا ومولانا) وقال له أبو بكر لما خطب ابنته: ألست أخي؟ قال: (أنا أخوك وبنتك حلال لي).
==================
الرد على الشيعة في وجوب الإمامة لآل البيت
الشيخ / محمد لبيب
• استدلالات الشيعة على وجوب الإمامة لآل البيت وبيان بطلانها:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
ذكرنا فيما سبق استدلال الشيعة ببعض الآيات على إمامة علي رضي الله عنه، وأنهم أولوا هذه الآيات على غير وجهها الصحيح، وكذلك لهم أحاديث ثبتت بالسنة يستشهدون بها، وفيما يلي الرد على هذا الاستشهاد.
** استدلال الشيعة بحديث الغدير والرد عليهم:(29/93)
فأخبار الغدير تعتبر المستند الأول من السنة عند الشيعة، فهم يرون أن الرسول صلى الله عليه وسلم عند غدير خم بعد منصرفه من حجة الوداع بين للمسلمين أن وصيه وخليفته من بعده علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقد جاء في الموطأ للإمام مالك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم) هذا الحديث في موطأ الإمام مالك، وصله ابن عبد البر من حديث كثير بن عبد الله عن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده، وفي فيض القدير شرح الجامع الصغير نجد رواية عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (خطب النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فقال: تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض) هذا الحديث صححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع برقم (3282).
قال المناوي في شرحه: إنهم الأصلان –يعني: الكتاب والسنة- اللذان لا عدول عنهما، ولا هدي إلا منهما، والعصمة والنجاة لمن تمسك بهما واعتصم بحبلهما، وهما الفرقان الواضح، والبرهان اللائح بين المحق إذا اقتفاهما والمبطل إذا خلاهما، فوجوب الرجوع إلى الكتاب والسنة متعين معلوم من الدين بالضرورة، وقد نطق بهذا الكتاب النجيب في مثل قوله تعالى: (( وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ))[الحشر:7]، وفي مثل قوله تعالى: (( مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ))[النساء:80]، وكذلك قوله سبحانه وتعالى: (( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ))[النساء:65].(29/94)
ولكننا نجد روايات أخرى تذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم ترك الكتاب والعترة، وفي بعضها الأمر بالتمسك بهما حتى لا نضل، منها ما رواه مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم، قال: { خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بغدير يدعى خماً بين مكة والمدينة، فقال: يا أيها الناس! إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله فيه الهدى، وعترتي أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، فقيل لزيد بن أرقم: من أهل بيته؟ فقال: أهل بيته من حرم الصدقة: آل العباس، وآل علي، وآل جعفر، وآل عقيل } وهذه الرواية وغيرها تحثنا معشر المسلمين على أن نرعى حقوق آل بيت نبينا صلى الله عليه وسلم، فنحبهم ونوقرهم وننزلهم منازلهم، فحبنا لرسولنا الأعظم صلى الله عليه وسلم يدفعنا لحب آله الأطهار، وعلينا أن نصلهم، ورحم الله تعالى أبا بكر الصديق رضي الله عنه حيث قال: [[والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي]] رواه البخاري.
وبالطبع لا تدل هذه الرواية على وجوب الإمامة لآل البيت، ولا لأحد بعينه، فلا صلة بين التذكير بأهل بيته والنص على خلافة بعضهم، ثم هل الرسول صلى الله عليه وسلم أو صاهم أم أو صى بهم؟
لو أوصاهم لكانوا هم الخلفاء، لكن لو أوصى بهم لم يكونوا هم الخلفاء، ولكن أوصى بهم الخلفاء، وقال العلامة المناوي في فيض القدير: إن ائتمرتم بأوامر كتابه، وانتهيتم بنواهيه، واهتديتم بهدي عترتي، واقتديتم بسيرتهم اهتديتم ولن تضلوا.
وفي متن هذه الروايات نجد الإخبار بأن الكتاب وأهل البيت لن يفترقا حتى يردا على الحوض على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أجل هذا وجب التمسك بهما، ولكن الواقع يخالف هذا الإخبار من المتشيعين لأهل البيت وأكثر الفرق التي كادت للإسلام وأهله وجدت من التشيع لأهل البيت ستاراً يحميها، ووجدت من المنتسبين لأهل البيت من يشجعها لمصالح دنيوية.(29/95)
** استدلال الشيعة باستخلاف علي على المدينة والرد عليهم:
هناك روايات أخرى يرى بعض الشيعة أنها تؤيد مذهبهم، وإليك الجواب على هذه النصوص التي يستدلون بها: روى الشيخان البخاري ومسلم: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف علياً بن أبي طالب في غزوة تبوك، فقال: يا رسول الله! تخلفني في النساء والصبيان؟ فقال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ غير أنه لا نبي بعدي)، وهذا الحديث لا شك في صحته، فقد رواه البخاري ومسلم، لكن هل يستنبط منه إمامة الإمام علي رضي الله عنه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم استخلفه على المدينة؟
هذا الحديث بلا شك يدل على فضل الإمام علي رضي الله عنه، وقد استخلف النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة آخرين، استخلف على المدينة ابن أم مكتوم، لما خرج لحرب بني النضير، وفي غزوة الخندق، واستخلف عثمان بن عفان لما خرج لغزوة ذات الرقاع، واستخلف أبا لبابة بن عبد المنذر حينما خرج لغزة بدر، ومثل هذا الاستخلاف في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم لا يقتضي بالخلافة في الأمة بعد مماته، ولو أراد الرسول صلى الله عليه وسلم الخلافة العظمى لقالها، فما الذي يمنعه؟! وواضح من شكوى الإمام علي رضي الله عنه في جعله مع الخوالف مع النساء والصبيان، أن في قوله عليه الصلاة والسلام تسلية له وتهدئه لخاطره، فموسى استخلف هارون عليهما السلام عندما توجه إلى جبل الطور، كما أن هارون لم يلِ أمر بني إسرائيل بعد موسى عليهما السلام، وإنما ولي الأمر بعد موسى عليه السلام يوشع بن نون فتى موسى وصاحبه الذي سافر معه في طلب الخضر عليه السلام، كما ولي الأمر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحبه الذي سافر معه إلى المدينة.
** استدلال الشيعة بحصر الأئمة في اثني عشر إماماً والرد عليهم:(29/96)
روى البخاري عن جابر بن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يكون اثنا عشر أميراً، كلهم من قريش)، وروى مسلم عن جابر بن سمرة أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش) وفي رواية: (لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً) وفي رواية: (لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً إلى اثني عشر خليفة) رواه مسلم.
وتحديد الخلفاء -اثنا عشر- هو الذي جعل الشيعة الإثني عشرية يحتجون بهذه الروايات، ولكن من الواضح أن هذه الروايات تشير إلى المدة التي تظل فيها عزة الإسلام والدين، وصلاح حال المسلمين، وعلى قول الشيعة: تظل هذه العزة وهذا الصلاح إلى يوم القيامة، كما يظهر من قولهم في الإمام الثاني عشر، وواقع الأمر ودلالة الروايات يدلان على غير هذا، ومن الواضح كذلك أن الأمة لم تجتمع على أئمة الشيعة الإثني عشرية، بل لم يتولوا الخلافة أيضاً باستثناء الإمام علي رضي الله عنه.
** استدلال الشيعة بعزم النبي على الكتابة بخلافة علي والرد عليهم:(29/97)
أخرج البخاري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لما احتضر النبي صلى الله عليه وسلم قال وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب، قال: هلم أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده، فقال عمر رضي الله عنه: إن النبي صلى الله عليه وسلم غلبه الوجع، وعندكم القرآن فحسبنا كتاب الله تعالى، واختلف أهل البيت واختصموا، فمنهم من يقول: قربوا يكتب لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال، فلما أكثروا اللغط والاختلاف عند النبي صلى الله عليه وسلم قال: قوموا عني قوموا عني) ولا تبدو صلة بين هذه الروايات وبين الإمامة، ولكن من الشيعة من يقول بأن الصحابة علموا أنه صلى الله عليه وسلم إنما أراد توثيق العهد بالخلافة، وتأكيد النص بها على علي رضي الله عنه خاصة، وعلى الأئمة من عترته عامة، فالصحابة صدوه عن ذلك كما اعترف به الخليفة الثاني، وهذا قول الشيعة!!
وإذا تأملت في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ائتوني أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده) وتأملت في قوله عليه الصلاة والسلام في حديث الثقلين: (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي) تعلم أن المقصود في الحديثين واحد، وأنه صلى الله عليه وسلم أراد في مرضه أن يكتب لهم تفصيل ما أوجب عليهم في حديث الثقلين، ولسنا في حاجة إلى الحديث عن كبار الصحابة رضي الله عنهم، وتنزيههم عن مثل هذه المفتريات، ولكن يكفي أن نقول: إن هذه الرواية ليست دليلاً قائماً بذاته، وإنما يحتاج إلى أدلة أخرى لترجيح احتمال الوصية وما أريد كتابته، ولذلك احتج بحديث الثقلين للاستدلال، ولعل المراد حديث التمسك بالكتاب والسنة.(29/98)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: من توهم أن هذا الكتاب كان بخلافة علي رضي الله عنه فهو ضال باتفاق عامة الناس من علماء السنة ومن علماء الشيعة، أما أهل السنة فمتفقون على تفضيل أبي بكر رضي الله عنه وتقديمه، وأما الشيعة القائلون بأن علياً كان هو المستحق للإمامة فيقولون: إنه قد نص على إمامته قبل ذلك نصاً جلياً ظاهراً معروفاً، وحينئذٍ لم يكن يحتاج إلى كتاب يكتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
• الإمامة بالاختيار لا بالنص والتعيين:
وهناك روايات أخرى لها صلة بموضوع الإمامة، روى الإمام أحمد بسند صححه الشيخ أحمد شاكر، عن الإمام علي رضي الله عنه أنه قال: (قيل: يا رسول الله! من يؤمر بعدك؟ قال: إن تؤمروا أبا بكر تجدوه أميناً زاهداً في الدنيا راغباً في الآخرة، وإن تؤمروا عمر تجدوه قوياً أميناً لا يخاف في الله لومة لائم، وإن تؤمروا علياً ولا أراكم فاعلين تجدوه هادياً مهدياً يأخذ بكم الطريق المستقيم)، فهذا الحديث يدل على أن الإمامة بالاختيار وليست بالتعيين، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يعين أحداً، وإنما جعل هذا الأمر للمسلمين، وذكر ثلاثة يصلحون لخلافته.
الرواية الثانية: روى الشيخان البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: [[قيل لعمر: ألا تستخلف؟ فقال: إن استخلف فقد استخلف من هو خير مني أبو بكر، وإن أترك فقد ترك من هو خير مني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأثنوا عليه –على عمر- وقالوا: إنه راغب راهب، ووددت أني نجوت منها كفافاً -هذا قول عمر رضي الله عنه- وودت أني نجوت منها كفافاً لا لي ولا علي، وأنا لا أتحملها حياً وميتاً، قال ابن عمر رضي الله عنهما: فوالله ما هو إلا أن ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر فعلمت أنه لم يكن ليعدل برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه غير مستخلف، بل ترك الأمر شورى في ستة من الصحابة، مات عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ]].(29/99)
وروى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه: ادعي لي أبا بكر أباك وأخاك حتى أكتب كتاباً فإني أخاف أن يتمنى متمنٍ، ويقول قائل: أنا أولى، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر)، وهذا الحديث الشريف يدل على أن الخلافة لو كانت بالنص لكانت لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، فهو الأولى بها، وقد تم ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد أبى الله سبحانه والمؤمنون إلا أبا بكر.
• إشارات وتلميحات مهدت لخلافة الصديق:
وقد مهد النبي صلى الله عليه وسلم لخلافة الصديق بعدة أمور منها:
جعله أمير الحج في العام التاسع، ولما أرسل علياً بسورة براءة لم يرسله أميراً، بل جعله تحت إمرة الصديق، وذلك أن كانت عادة العرب أن من كان له عهد مع العرب لا يذيع نقض هذا العهد إلا من أبرم العهد نفسه أو رجل من أهل بيته، فبعث علياً من أجل نقض العهد مع المشركين، لكن كان أمير الحج أبا بكر رضي الله عنه، وكان علي تحت إمرته رضي الله عن الجميع.
ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر) رواه أحمد والترمذي.
ومنها أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يؤم المسلمين في الصلاة عندما اشتد المرض ولم يستطع النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤمهم أمر أن يؤمهم أبو بكر رضي الله عنه.
ومنها ما رواه الشيخان -البخاري ومسلم- عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: (أتت النبي صلى الله عليه وسلم امرأة فكلمته في شيء، فأمرها أن ترجع إليه، فقالت: يا رسول الله! أرأيت إن جئتك ولم أجدك كأنها تريد الموت؟ فقال عليه الصلاة والسلام: إن لم تجديني فائتي أبا بكر).
• بيان بطلان مهدية محمد بن الحسن العسكري:(29/100)
أما الأحاديث التي وردت في المهدي الذي سيخرج في آخر الزمان عدة أحاديث، منها ما أخرجه الإمام أحمد عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة)، وفي رواية: (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لبعث الله عز وجل رجلاً منا يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً).
وروى الإمام أحمد عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي).
وفي صحيح مسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، قال: فينزل عيسى بن مريم عليه السلام، فيقول أميرهم: تعال صل لنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله تعالى على هذه الأمة) وعقب الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله على كلمة أميرهم بقوله: هو المهدي محمد بن عبد الله، كما تضافرت بذلك الأحاديث بأسانيد بعضها صحيح، وبعضها حسن.
وفي سنن ابن ماجة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يكون في أمتي المهدي إن قصر فسبع، وإلا فتسع) يعني: حكمه ما بين سبع سنين وتسع سنين، فهذه الأحاديث لا تدل على أنه المهدي الذي قالت به الشيعة، وإنما هو رجل من أهل البيت يبعث قبيل الساعة، ولا توجد أحاديث أخرى تبين أنه الإمام الثاني عشر المعين بالنص عند الشيعة الذي بقي من القرن الثالث الهجري إلى قيام الساعة، الذي ينتظرونه عند باب السرداب، بل وجدنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعين أحداً للخلافة من بعده كما ذكرنا من قبل، ووجدنا المهدي اسمه: محمد بن عبد الله، وليس هو محمد بن الحسن، وينتهي نسب محمد بن عبد الله إلى الحسن بن علي، لا إلى الحسين بن علي، وهكذا ما ورد في السنة في أمر الإمامة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
=========================0
الإمامة بين السنة والشيعة
الشيخ/ محمد لبيب(29/101)
• تفنيد أباطيل الشيعة في الإمامة:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى من اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين، ثم أما بعد:
أراد الشيعة أن يستدلوا على أن الإمامة لعلي رضي الله عنه، وليست لأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فاستدلوا على ذلك بآيات من القرآن، وأولوها على غير تأويلها الصحيح، فكان مما ذكرنا سابقاً استشهادهم بقوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ))[المائدة:55] فقالوا: هذه الآية نزلت في الإمام علي، أنه أعطى الزكاة وهو راكع، وذكرنا ضعف الآثار الواردة في ذلك.
• استدلال الشيعة بآية المباهلة على أحقية علي بالخلافة والرد عليهم:
ومما استدلوا به أيضاً آية المباهلة، وهي قوله تعالى: (( فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ))[آل عمران:61] قالوا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم باهل بأهل الكساء وهم: علي وفاطمة، والحسن والحسين رضي الله عنهم، فهم أحب الناس إلى الله تعالى، وهم أحق بالإمامة والخلافة من الثلاثة الذين سبقوا الإمام علياً رضي الله عنه، قالوا: وقوله تعالى: (( وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ))[آل عمران:61] تدل على أن علياً رضي الله عنه كنفس الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن كان كذلك فمن ذا الذي يتقدمه؟
والجواب على هذا:(29/102)
أولاً: أن الآية الكريمة لا تنص على إمامة أحد، وهي لا تشير إلى شيء من هذا، ولا تتعرض للخلافة على الإطلاق، وإنما تذكر الأبناء والنساء والأنفس في مجال التضحية لإثبات صحة الدعوى، وهؤلاء المذكورون من أقرب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبهذا يتحقق للمعاندين صحة دعواه لتقديمه للمباهلة أقرب الناس إليه، وفرق شاسع بين مجال التضحية ومجال الإمامة، ففي التضحية يمكن أن يقدم النساء والصغار؛ ولكنهم لا يقدمون للخلافة والإمامة.
ثانياً: القول بأن الإمام علياً رضي الله عنه يساوي رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هذا لغلو لا يقبله الإمام علي رضي الله عنه نفسه، ويجب أن لا يذهب إلى ذلك مسلم.
ثالثاً: عقب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على قولهم: بأن الله تعالى جعل علياً رضي الله عنه كنفس رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هذا خطأ، وإنما هذا مثل قوله سبحانه وتعالى: (( لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً ))[النور:12] ومثل قوله تعالى: (( وَلا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ))[البقرة:84] يعني: لا يخرج بعضكم بعضاً من دياركم، فالمراد بالأنفس هنا الإخوان نسباً أو ديناً.
• الرد على الشيعة في استدلالهم بآية التطهير وحديث الكساء على الإمامة والعصمة:
وقد استدلوا أيضاً على أحقية علي رضي الله عنه بالإمامة بقوله تعالى: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ))[الأحزاب:33] قالوا: إن المراد بأهل البيت هنا علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم، وهذه الآية الكريمة تدل على عصمتهم، والإمامة تدور مع العصمة.
الجواب: استدلالهم ينبني على ثلاث نقاط هي:
أولاً: تحديد المراد بأهل البيت في الآية الكريمة.
ثانياً: دلالة الآية على عصمتهم.
ثالثاً: التلازم بين العصمة والإمامة.(29/103)
فأولاً: المراد بأهل البيت في هذه الآية زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهن، ومن زوجات الرسول حفصة وعائشة اللتان لم تسلما من لسان الشيعة باللعن -والعياذ بالله- فهذه الآيات نزلت في زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهن؛ فإنها بدأت بتخيير الرسول صلى الله عليه وسلم لزوجاته بقوله: (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً ))[الأحزاب:28] ولا مانع أن يكون الخطاب في قوله تعالى: (عنكم) (ويطهركم) بالجمع للمذكر والمقصود بذلك الأهل، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الإفك: (من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهلي) وربما يقول الرجل للرجل: كيف أهلك؟ ويقصد بذلك زوجته، فبالرجوع إلى كتاب الله تعالى نجد قوله تعالى: (( قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ))[هود:73] (عَلَيْكُمْ) هنا للمذكر، والمقصود به أهل البيت، وهذا خطاب لامرأة إبراهيم عليه السلام.
وقال القرطبي رحمه الله: جاء في الأخبار: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت عليه هذه الآية دعا علياً وفاطمة والحسن والحسين، فعمد النبي صلى الله عليه وسلم إلى كساء فلفه عليهم، ثم أومأ بيده إلى السماء، فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي، اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً) رواه الترمذي، وصححه الألباني رحمه الله.
فهذه دعوة من النبي صلى الله عليه وسلم لهم بعد نزول الآية، أحب أن يدخلهم في الآية التي خوطب بها أزواجه عليه الصلاة والسلام، فذهب الكلبي ومن وافقه فصيرها لهم خاصة دون زوجات الرسول، وهي دعوة بعيدة خارجة عن أسباب النزول.(29/104)
ثانياً: دلالة الآية الكريمة على العصمة، قد انفرد الشيعة الإثنا عشرية بهذا القول وهو أن المراد بالآية عصمة آل البيت، وخالفوا أهل التأويل جميعاً.
ثالثاً: في الأحاديث السابقة ما يبين أن الرسول صلى الله عليه وسلم جمع أهل الكساء ودعا لهم بأن يذهب الله عنهم الرجس ويطهرهم تطهيراً، فإذا كان إذهاب الرجس قد حصل بنزول الآية، وحصل التطهير فلم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!!
رابعاً: آية التطهير واقعة بين آيات فيها الأمر والنهي، مما يؤيد إرادة فعل الطاعات واجتناب المعاصي؛ ليؤدي ذلك إلى إذهاب الرجس وحدوث التطهير.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أما آية الأحزاب قوله تعالى: (( وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ))[الأحزاب:33] فليس فيها إخبار بذهاب الرجس وبالطهارة، بل فيها الأمر لهم بما يوجب إذهاب الرجس والطهارة، وذلك كقوله تعالى: (( مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ ))[المائدة:6] في آخر آية الوضوء، فالإرادة هنا متضمنة للأمر والمحبة والرضا، الأمر بالتطهير والمحبة له، والرضا به، وليست هي الملزمة لوقوع المراد، ولو كان ذلك كذلك لتطهر كل من أراد الله طهارته. ثم أيد شيخ الإسلام رحمه الله رأيه بدعائه صلى الله عليه وسلم لأصحاب الكساء علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم.
خامساً: أن آية التطهير في نساء النبي صلى الله عليه وسلم، وغيرهن من أهل البيت، وهم آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل العباس، ولا قائل بعصمة هؤلاء، فتأويل الآية بما يثبت العصمة لا دليل عليه؛ لأنهم يرون ثبوت الإمامة بثبوت العصمة.
• الرد على استدلال الشيعة بقوله تعالى: (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً) على الإمامة والعصمة:(29/105)
واستدلوا على عصمة الأئمة بقوله تعالى: -والخطاب لخليل الرحمن إبراهيم عليه السلام- (( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ))[البقرة:124] قالوا: تدل هذه الآية على أن الإمام لا يكون إلا معصوماً عن القبائح -ونحن نعلم أن العصمة للأنبياء فقط- لأن الله سبحانه وتعالى نفى أن ينال عهده الذي هو الإمامة ظالم، ومن ليس بمعصوم فقد يكون ظالماً، إما لنفسه وإما لغيره.
ثم قالوا: إن الله سبحانه وتعالى عصم اثنين فلم يسجدا لصنم، وهما: النبي صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، فأحدهما كان رسولاً، والآخر كانت الإمامة له.
أما الخلفاء الثلاثة أبو بكر وعمر وعثمان فلم يعصموا قبل الإسلام من أن يسجدوا لصنم، فليسوا أهلاً للإمامة.
والجواب:
أولاً: في تأويل الآية الكريمة: (( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً ))[البقرة:124] يحتمل جعله رسولاً يقتدى به، ويحتمل أن يكون إماماً من الأئمة، ومع هذا فلا خلاف بأن الظالم لا يصلح لإمامة المسلمين، وكيف يصلح لها من لا يجوز حكمه وشهادته، ولا تجب طاعته، ولا يقبل خبره، ولا يقدم للصلاة؟! وكيف يجوز نصب الظالم للإمامة، والإمام إنما جعل لكف الظلم؟!!
ثانياً: أنه لا يمكن التسليم بأن غير المعصوم لابد أن يكون ظالماً، أو أن غير الظالم لابد أن يكون معصوماً، فبين العصمة وعدم الظلم فرق شاسع، فالمخطئ قبل التكليف ليس ظالماً، ولا يحاسب باتفاق العلماء.
ثالثاً: نفي إمامة الصديق وصاحبيه عمر وعثمان رضي الله عنهم بسبب أنهم عاشوا مدة مديدة قبل الإسلام على الشرك، و(إن الشرك لظلم عظيم)، والظالم بنص الآية لا تناله الإمامة، والجواب على ذلك: بأن غاية ما يلزم أن الظالم في حال ظلمه لا يناله الإمامة، ولا يناله عهد الله تعالى، والإمامة إنما نالتهم رضي الله عنهم في وقت كمال إيمانهم، وغاية عدالتهم.(29/106)
رابعاً: الذين لم يسجدوا للأصنام كثيرون، فالصحابة الذين عاشوا في بيئة إسلامية، وولدوا في الإسلام ونشئوا على الإسلام، فلا اختصاص لأمير المؤمنين رضي الله عنه بهذا، إذا علم أنه ولد صحابة كثيرون على الإسلام ولم يعاصروا الجاهلية، فهؤلاء الذين ولدوا في الإسلام ولم يعاصروا الجاهلية ولم يسجدوا لصنم هل يكونوا أفضل من أبي بكر وعمر ومن عثمان وعلي؟!!
خامساً: الصحابة الكرام من المهاجرين والأنصار الذين رضي الله تعالى عنهم ورضوا عنه، والذين مدحهم الله تعالى في القرآن في أكثر من موضع، وبين أنهم خير أمة أخرجت للناس، كيف يستبيح مسلم لنفسه أن يصفهم بأنهم ظالمون باعتبار ما كان قبل الإسلام، والله عز وجل قال: (( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ))[المائدة:119].. (( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ))[الفتح:18] وقال عنهم أنهم: (( خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ))[آل عمران:110] فكيف يكونوا ظالمين؟
فعلى الشيعة إذاً أن يعيدوا النظر في تأويلهم وما بنوه على هذا التأويل، فالآية الكريمة على كل حال لا تدل على أن إمام المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب أن يكون علي رضي الله عنه، ولا على إمامة أحد بعينه.
• آيات أخرى استدل بها الشيعة على أحقية على بالخلافة:
وقد استدلوا أيضاً بثلاث آيات تتصل بحادثة غدير خم، آيتان من سورة المائدة وآية من سورة المعارج.
آية التبليغ:(29/107)
الآية الأولى: آية التبليغ من سورة المائدة: (( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ))[المائدة:67] فذكروا بأسانيد من عندهم –يعني الشيعة- أن الله لما أوحى للنبي صلى الله عليه وسلم أن يستخلف علياً كان الرسول عليه الصلاة والسلام يخاف أن يشق ذلك على جماعة من أصحابه، فأنزل الله هذه الآية تشجيعاً له على القيام بهذا الأمر، قالوا: فقوله: (بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) بنص على استخلاف علي رضي الله عنه.
والجواب: أن ظاهر النص لا يدل على هذا، والروايات التي رووها عن سلفهم الشيعة كلها أقصى ما تبلغه لا تصل إلى مرتبة السنة، وليست في حكم المرفوع، فليس فيها أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم، على أننا لم نجد رواية صحيحة من طريق الجمهور تؤيد ما ذهب إليه الشيعة الإثنا عشرية، وهو أن المقصود بالبلاغ أن يبلغ بالوصية لعلي رضي الله عنه.
قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ... ):
الآية الثانية: قوله تعالى: (( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً ))[المائدة:3] يقولون: إن هذه الآية نزلت بعد أن نصب النبي صلى الله عليه وسلم علياً علماً للأنام يوم غدير خم عند منصرفه من حجة الوداع، ويروون هذا عن الإمامين الباقر والصادق، وهي إما بأسانيد واهية أو من غير أسانيد تماماً، فيقولون: قال الباقر ويقولون ما يريدون، ويقولون: قال الصادق ويقولون ما يريدون، ولم يقل بذلك الباقر ولا الصادق!!(29/108)
ويرون أن الولاية هي آخر فريضة أنزلها الله تعالى، ثم لم ينزل بعدها فريضة، وفسر الطبرسي قوله تعالى: (( وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ))[المائدة:3] يعني: بولاية علي رضي الله عنه، وهو ممكن أن يقولوا أي شيء في تأويل القرآن، فقد قالوا في قوله تعالى: (( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ))[البقرة:67] يعني: عائشة وفي قوله: (( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ ))[الرحمن:19] علي وفاطمة (( بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ ))[الرحمن:20] الحسن والحسين، وعندما تقول له: من الذي قال هذا؟
يقول: قال الباقر، قال الصادق، وهو كذب عليهما رحمهما الله وإنما قاله هو.
والجواب عليهما في قولهم أن قوله تعالى: (( وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ))[المائدة:3] المراد به ولاية علي رضي الله عنه، أن روايات أهل السنة كقتادة والشعبي التي ذكرها الطبري تعارض ما قيل من أن هذه الآية الكريمة نزلت يوم غدير خم، وهناك روايات أخرى كثيرة صحيحة السند تثبت نزولها يوم عرفة يوم الجمعة، وليس يوم غدير خم، وأولى الأقوال في وقت نزول الآية القول الذي ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنها نزلت يوم عرفة يوم جمعة لصحة سنده.
وهو: حينما جاء رجل من اليهود إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: [[يا أمير المؤمنين! إنكم تقرءون آية في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً، قال: وأي آية هي؟ قال: قوله: (( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ))[المائدة:3] فقال عمر رضي الله عنه: والله إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والساعة التي نزلت فيها عشية عرفة في يوم جمعة]] رواه البخاري ومسلم.
قوله تعالى: (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ):(29/109)
الآية الثالثة: قوله تعالى في أول سورة المعارج: (( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ))[المعارج:1]، وهذه السورة مكية والشيعة يقولون: نزلت في المدينة فإن ما ذكره بعضهم يستلزم أن تكون مدنية، بل من أواخر ما نزل بالمدينة بعد حجة الوداع قبيل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى الطبرسي عن جعفر بن محمد عن آبائه من أهل البيت، قال: (لما نصب رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً يوم غدير خم وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، طار ذلك الخبر في البلاد، فقدم على النبي صلى الله عليه وسلم النعمان بن الحارث الفهري، فقال: أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وأمرتنا بالجهاد والحج والصوم والصلاة والزكاة ففعلناها، ثم لم ترض حتى نصبت علينا هذا الغلام، فقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه، فهذا شيء منك أو أمر من عند الله تعالى؟
فقال: والله الذي لا إله إلا هو إن هذا من الله سبحانه وتعالى، فولى النعمان بن الحارث الفهري وهو يقول: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء، فرماه الله تعالى بحجر على رأسه فقتله، فنزل قوله تعالى: (( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ))[المعارج:1]).
طبعاً خانه التوفيق أن الآية نزلت في مكة، فذكر أنها نزلت في المدينة، وحبك لها رواية تدل على ما يريد أو تخدم ما يريد. ولهذا يقول: وشيخ الإسلام ابن تيمية: ليست هناك طائفة تنتسب إلى الإسلام أكذب من طائفة الشيعة. فهم أ كذب الفرق التي تنتسب إلى الإسلام.
إذاً: ظهر أن عقيدة الإمامة عند الشيعة لا تستند إلى شيء من القرآن، واستدلالاتهم تنبي على روايات تتصل بأسباب النزول، وتأويلات انفردوا بها، ولم يصح شيء من هذا ولا ذاك، بما يمكن أن يكون دليلاً يؤيد مذهبهم
===========================
رد أباطيل الشيعة في مسألة الإمامة
الشيخ / محمد لبيب
• نشأة الشيعة:(29/110)
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى من اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين، ثم أما بعد:
هذا هو اللقاء الثالث مع الشيعة الجعفرية الإثني عشرية.
أول من بذر هذه البذرة بذرة الشيعة عبد الله بن سبأ، كان يهودياً من يهود صنعاء، ثم أعلن إسلامه ووالى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون بالغلو، فقال في إسلامه بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم في علي رضي الله عنه مثلما كان يقول في يوشع بن نون، وهو صاحب فكرة أن علياً هو وصي النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
ففي مجموع الفتاوى المجلد الرابع، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وأول من ابتدع القول بالعصمة لعلي وبالنص عليه بالخلافة هو رأس هؤلاء المنافقين عبد الله بن سبأ الذي كان يهودياً فأظهر الإسلام وأراد فساد دين الإسلام كما أفسد بولس دين النصارى).
** موقف الإمام علي من عبد الله بن سبأ:
وقد أراد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه قتل هذا الرجل لما بلغه أنه يسب أبا بكر وعمر، حتى هرب منه، كما أن علياً رضي الله عنه حرق الغالية الذين ادعوا فيه الألوهية، الذين يفضلون علياً على أبي بكر وعمر، قال علي رضي الله عنه: [[لا أوتى بأحد يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري]].(29/111)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -في كتابه المشهور في الرد على الشيعة، واسمه: منهاج السنة- قال: (وكان عبد الله بن سبأ شيخ الرافضة، لما أظهر الإسلام أراد أن يفسد الإسلام بمكره وخبثه كما فعل بولس بدين النصارى، فأظهر النسك ثم أظهر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى سعى في فتنة عثمان رضي الله عنه وقتله، ثم لما قدم على الكوفة أظهر الغلو في علي رضي الله عنه والنص عليه؛ ليتمكن بذلك من أغراضه، وبلغ ذلك علياً رضي الله عنه فطلب قتله فهرب منه وخبره معروف).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً في الفتاوى: (خرج ذات يوم من باب كندة، فسجد له أقوامٌ فقال: ما هذا ؟ فقالوا : أنت هو اللّه . فاستتابهم ثلاثًا –يعني: ثلاثة أيام- فلم يرجعوا فأمر في الثّالث بأخاديد فخدّت وأضرم فيها النّار ثمّ قذفهم فيها وقال:
لمّا رأيت الأمر أمرًا منكراً أجّجت ناري ودعوت قنبرا
وفي صحيح البخاري: أنّ علياً رضي الله عنه أتى بزنادقتهم فحرّقهم، فبلغ ذلك ابن عبّاس رضي الله عنهما فقال: أمّا أنا فلو كنت لم أحرّقهم؛ لنهي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أن يعذّب بعذاب اللّه –وهو النار- ولضربت أعناقهم؛ لقول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: (من بدّل دينه فاقتلوه).
• نظرة الشيعة إلى الإمام والخلافة :-
** معنى الإمامة:
الإمامة عند الشيعة الإثني عشرية ركن من أركان الدين، والإمامة لغة: التقدم، أم القوم وأم بهم يعني: تقدمهم، والإمام: ما ائتم به الناس من رئيس أو غيره، هاديا ًكان أو ضالاً.
ويطلق لفظ الإمام على: الخليفة وهو السلطان الأعظم، وإمام الرعية ورئيسهم، ويطلق على: قيم الأمر المصلح له، ويطلق أيضاً على: قائد الجند.(29/112)
ومن المفهوم اللغوي لكلمة إمام نستطيع أن ندرك سبب إطلاق هذا الاسم على حاكم المسلمين، كما وجدنا ترادفاً بين الإمامة والخلافة، وسميت خلافة: لأن الذي يتولاها ويكون الحاكم الأعظم للمسلمين يخلف النبي محمد صلى الله عليه وسلم في إدارة شئون المسلمين.
** ما اتفق عليه جمهور أهل السنة في مسألة الإمامة والخلافة :-
واتفق جمهور أهل السنة على أنه لا خلاف حول وجوب إقامة خليفة، وإنما الخلاف بشأن من يخلف الرسول صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: اتفق جمهور أهل السنة على أن الخلافة في قريش؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لن يعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش) وقال به أيضاً عمر بن الخطاب في سقيفة بني ساعدة، وقاله أبو بكر رضي الله عنه: [[لن يعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش]]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين).
ثالثاً: اتفق جمهور أهل السنة على أن تنصيب الخليفة يكون بالبيعة، فإذا تمت البيعة وجب الوفاء بها.
رابعاً: اتفق جمهور أهل السنة أيضاً أنه ما دام الواجب الوفاء بالبيعة فلا بيعة إلا بمشورة المسلمين.
خامساً: أن البيعة تمت لأبي بكر بهذه السرعة التي حدثت في سقيفة بني ساعدة بغير تدبير سابقة وإنما كانت فلتة، نظراً لمكانته رضي الله عنه، فقد قال عمر بن الخطاب: [[ليس منكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر رضي الله عنه]].
• موقف الإمام علي من بيعة الصديق:
علي وبيعة أبي بكر وبيعة عمر ومن سبقه، ما موقف الإمام علي من بيعة أبي بكر ومن بيعة عمر ومن بيعة عثمان؟(29/113)
إن من الأمور ما يشتهر مخالفاً للحقيقة، فمما اشتهر أن الإمام علياً رضي الله عنه لم يبايع أبا بكر؛ لأنه كان يرى أحقيته للإمامة من غيره، ولكن المنصف يجد من أقوال الإمام علي ما يدل على أنه كان يرى أن لا يقضى مثل هذا الأمر دون أن يكون له فيه رأي، مع اعترافه بأفضلية أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وعدم إنكار أحقيته لإمامة المسلمين، أين الدليل على ذلك؟
** أدلة رضا الإمام علي ببيعة أبي بكر الصديق:
الدليل: روى الإمام البخاري رحمه الله، وذلك في كتاب المغازي في باب غزوة خيبر [[أن الإمام علياً رضي الله عنه عندما أراد مبايعة الصديق رضي الله عنه أرسل إليه فجاءه، فتشهد علي فقال: إنا قد عرفنا فضلك وما أعطاك الله عز وجل، ولم ننفس عليك خيراً ساقه الله إليك، ولكنك استبددت علينا بالأمر -أي: لم تشاورنا فيه- وكنا نرى لقرابتنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم نصيباً –يعني: حق المشورة- حتى فاضت عينا أبي بكر رضي الله عنه، فلما تكلم أبو بكر رضي الله عنه قال: والذي نفسي بيديه لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي، وأما الذي شجر بيني وبينكم من هذه الأموال فلم آل فيها على الخير -يعني: لم أقصر عن الخير- ولم أترك أمراً رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعه فيها إلا صنعته.
فقال علي لأبي بكر: موعدك العشية للبيعة، فلما صلى أبو بكر الظهر رقى على المنبر، فتشهد وذكر شأن علي رضي الله عنه وتخلفه عن البيعة، وعذره بالذي اعتذر إليه، ثم استغفر وتشهد علي رضي الله عنه فعظم حق أبي بكر، وحدث أنه لم يحمله على الذي صنع نفاسة على أبي بكر ولا إنكاراً للذي فضله الله تعالى به، ولكنا نرى لنا في هذا الأمر نصيباً فاستبد علينا، فوجدنا في أنفسنا، فسر بذلك المسلمون وقالوا: أصبت أصبت]].(29/114)
وقبل انتهاء فترة الخلافة القصيرة خلافة أبي بكر رضي الله عنه، التي بارك الله تعالى فيها أيما بركة، كان الصديق رضي الله عنه قد استقر رأيه على استخلاف عمر، بعد تعرفه على آراء كثير من الصحابة الكرام، على أن بعض هؤلاء الصحابة قد تخوف من خلافة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما اشتهر به من الشدة، وقالوا لأبي بكر: قد وليت علينا رجلاً فضاً غليظاً، فقال: لو سألني ربي يوم القيامة لقلت: وليت عليهم خيرهم.
ومرت الخلافة العمرية الراشدة، ووقع فيها نبوءات للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، { أنه إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، ولتنفقن كنوزهما في سبيل الله } وقد أنفقت كنوزهما في سبيل الله، في عهد عمر بن الخطاب، وتحقق في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعد الله سبحانه وتعالى: (( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ))[التوبة:33]^ وتحقق في عهد عمر بن الخطاب وعد الله عز وجل الذي قال فيه: (( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ))[النور:55].(29/115)
وانتهت الخلافة العمرية الراشدة وانتهى الأمر إلى الستة: علي، وعثمان، والزبير، وطلحة، وسعد، وعبد الرحمن، قال عبد الرحمن: [[اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم، فقال الزبير: قد جعلت أمري إلى علي، وقال طلحة: قد جعلت أمري إلى عثمان، وقال سعد: قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن، ثم أخرج عبد الرحمن نفسه على أن يختار للأمة خير الاثنين، بعد مشورة كبار المهاجرين والأنصار]]، وكانت السنوات الأولى في عهد عثمان رضي الله عنه خيراً وبركة، ثم بدأت الفتنة التي أدت إلى مقتله رضي الله عنه، ولقد بذل الإمام علي رضي الله عنه كل ما استطاع في سبيل إخماد هذه الفتنة، ولكن هيهات هيهات.
وفي هذه الفترة بدأت الأنظار تتعلق بعلي رضي الله عنه، وتذكر ما له من فضل.
• عقيدة الإثني عشرية في الإمامة:
هذه الإمامة عند أهل السنة وهذه أحداثها، وهذا ترتيب وقائعها، أما عقيدة الإمامة عند الإثني عشرية الجعفرية وهم أكبر الفرق المعاصرة التي تنتسب إلى الإسلام، فلهم عقيدة خاصة في الإمامة، والإمامة عندهم كالنبوة في كل شيء باستثناء الوحي، ولذلك قالوا: (أن الإمامة أصل من أصول الدين، لا يتم الإيمان إلا باعتقادها).
وذكر علماؤهم بأن إنكار الإمامة شر من إنكار النبوة، حيث قال إمام لهم: (الإمامة لطف عام والنبوة لطف خاص، فبالإمكان خلو الزمان من نبي بخلاف الإمامة، وإنكار اللطف العام شر من إنكار اللطف الخاص)، والصوفية تقلدهم في شيء من هذا، حيث يقولون: الولي أفضل من النبي -كيف يا جماعة!- قالوا: إن النبوة انتهت والولاية مستمرة إلى يوم القيامة.
وهل هذا وجه تفضيل؟
حتى ينسب إلى أبي يزيد البسطامي أنه قال: (لقد خضنا بحراً وقف الأنبياء في ساحله).
** افتراءت الشيعة على آل البيت:(29/116)
وينسبون إلى جعفر بن محمد الصادق -من آل البيت- أنه قال -طبعاً! أي فرية يريد إثباتها إمام شيعي يقول: قال الصادق، أو قال الباقر، قال الرضا فينسبون إلى أهل البيت كلاماً لم يقولوه، والكلام بغير إسناد صحيح كما ذكرنا في الجلسة السابقة ليس عندهم أسانيد صحيحة عن آل البيت، إنما يفترون عليهم افتراءً- ينسبون إلى جعفر الصادق أنه قال: [[الناصبي شر من اليهودي]]. والناصبي: من ليس بشيعي، لأنه من ليس شيعياً عندهم يناصب آل البيت العداء، فنسبوا إلى جعفر الصادق: [[إن الناصبي شر من اليهودي، قيل: وكيف ذلك يا ابن رسول الله؟! قال: إن اليهودي منع لطف النبوة، وهو لطف خاص، والناصبي منع لطف الإمامة وهو لطف عام]]. وقالوا: [[إن الإمامة مرتبة فوق النبوة]]، كما قال الصوفية: (الولي أفضل من النبي).
وقال ابن بابويه القمي: (اعتقادنا فيمن جحد إمامة أمير المؤمنين علي والأئمة الإثني عشر من بعده كمن جحد نبوة جميع الأنبياء).
ثانياً: اعتقادهم بالإمامة يقولون: (الإمام كالنبي في عصمته وصفاته وعلمه، فالإمام يجب أن يكون معصوماً من جميع الرذائل والفواحش ما ظهر منها وما بطن، من سن الطفولة إلى الموت، ما كان عمداً وما كان سهواً، أما علم الإمام فهو يتلقى المعارف والأحكام الإلهية وجميع المعلومات من طريق النبي، أو من الإمام الذي كان قبله، وإذا استجد شيء فلابد أن يعلمه من طريق الإلهام بالقوة القدسية التي أودعها الله تعالى فيه).
وذهب بعضهم: إلى أن روح القدس الذي قبض النبي انتقل فصار إلى الإمام.
ثالثاً: قالوا: لابد أن يكون في كل عصر إمام هادٍ يخلف النبي في وظائفه من هداية البشر، وإرشادهم إلى ما فيه الصلاح والسعادة في النشأتين، وله ما للنبي من الولاية العامة على الناس بتدبير شئونهم ومصالحهم، وإقامة العدل، وعلى هذا فالإمامة هي استمرار للنبوة.
** اتفاق اعتقاد الشيعة مع بعض اعتقادات النصارى :-(29/117)
رابعاً: قالوا: الأئمة هم أولوا الأمر الذين أمر الله تعالى بطاعتهم، فأمرهم هو أمر الله تعالى، ونهيهم هو نهيه سبحانه وطاعتهم طاعته ومعصيتهم معصيته. وهذا يذكرنا بماذا؟ يذكرنا بسر الكهنوت ومعناه: أن كل، ما يعقده الكاهن على الأرض يكون معقوداً في السماء، وما يحله الكاهن على الأرض يكون حلالاً في السماء، كأن إرادة السماء تابعة لإرادة الكاهن على الأرض، لذلك قال الله تعالى: (( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ ))[التوبة:31]، لذلك هذا الوضع يفسر لك قول الشاعر الذي قال للحاكم بأمر الله الفاطمي -أول دولة شيعية تحكم مصر- الحاكم بأمر الله الفاطمي الشاعر كان يقول له:
ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار
لأن هذا الكلام له أصول عندهم، فهم يقولون: (الأئمة هم أولوا الأمر الذين أمر الله تعالى بطاعتهم، فأمرهم هو أمر الله تعالى، ونهيهم هو نهيه سبحانه، وطاعتهم طاعته، ومعصيتهم معصيته).
** كيفية تنصيب الإمام عند الشيعة :-(29/118)
خامساً: ما دامت الإمامة كالنبوة فهي لا تكون إلا بالنص من الله سبحانه وتعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، أو لسان الإمام المنصوب بالنص، إذا أراد أن ينص على الإمام من بعده، وحكمها في ذلك حكم النبوة بلا فرق، فليس للناس حق تعيينه أو ترشيحه أو انتخابه، ويعتقدون أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على خليفته ابن عمه علي رضي الله عنه ونصبه، ويقولون: كما أنه صلى الله عليه وسلم بين أن الأئمة من بعده اثنا عشر، نص عليه بأسمائهم، وهم: علي رضي الله عنه، ثم الحسن بن علي، ثم الحسين بن علي، ثم علي بن الحسين زين العابدين، ثم محمد بن علي الباقر، ثم جعفر بن محمد الصادق، ثم موسى بن جعفر الكاظم، ثم علي بن موسى الرضا، ثم محمد بن علي الجواد، ثم علي بن محمد الهادي، ثم الحسن بن علي العسكري، والثاني عشر: محمد بن الحسن المهدي الغائب من سنة ثلاثمائة وتسعة وعشرين، وهم ينتظرونه ليخرج من السرداب ليحكم العالم.
إذن! كيف يستدلون على إمامة الإمام علي وأنها نص عليها؟
ما يستدل به الشيعة على إمام علي:
إذا قرأت في القرآن لم تجد أنت ذلك، لكنهم لما لم يجدوا نصاً بالاسم لعلي رضي الله عنه صاروا إلى التأويل، -تأويل القرآن- فقالوا: هناك أدلة من القرآن العظيم على ولاية علي رضي الله عنه والنص عليها.
ومن المعلوم أن القرآن ليس فيه نص يؤيد المذهب الجعفري لذلك لجأ معتنقوه إلى التأويل والاستدلال بروايات ذكرت في أسباب النزول، وأهم ما استدل به الشيعة قوله سبحانه وتعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ))[المائدة:55]^ لكن أين الإمام علي هنا؟!!!(29/119)
قالوا: هذه الآية الكريمة آية الولاية، ويقولون: إنها تدل على أن إمام المسلمين بعد النبي صلى الله عليه وسلم بلا ريب هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ لأن لفظة (إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ)، (إنما) تفيد: الحصر، و(وليكم) تفيد: من هو أولى بتدبير الأمور ووجوب طاعته، ويقولون: إن الآية الكريمة نزلت في علي رضي الله عنه بلا خلاف -كما يقولون- عندما تصدق بخاتمه وهو راكع.
** رد أباطيل الشيعة في القول بإمامة علي:
والجواب على هذا التفسير وهذا التأويل كما يلي:
إن آية الولاية -كما يسمونها- والتي يعتبرونها نصاً صريحاً في إمامة علي، نجد أنهم يروون أنها نزلت في علي حينما سأله سائل وهو راكع في صلاته فأومأ بخنصره الأيمن إليه، فأخذ السائل الخاتم من خنصره، وقالوا -في معناها-: إن الله سبحانه وتعالى بين في الآية من له الولاية على الخلق، والقيام بأمورهم، ومن تجب طاعته عليهم.
قال الإمام الطبري: اختلف أهل التأويل في المعنى بقوله تعالى: (( وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ))[المائدة:55] فقال بعضهم: عني به علي رضي الله عنه.
وقال بعضهم: عني به جميع المؤمنين.
فالذين قالوا: عني به علي ذكروا في ذلك روايتين، هاتين الروايتين ضعيفتين.
الرواية الأولى: عن إسماعيل بن إسرائيل، قال: حدثنا أيوب بن سويد، قال: حدثنا عتبة بن أبي حكيم في هذه الآية: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ))[المائدة:55]^ قال: قالوا علي رضي الله عنه.
الرواية الثانية: وهي أيضاً عند الطبري- قال: حدثني الحارث، قال: حدثني عبد العزيز، قال: حدثنا غالب بن عبيد الله، قال: سمعت مجاهداً يقول في قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ ... ))[المائدة:55]^ قال: نزلت في علي رضي الله عنه تصدق وهو راكع.(29/120)
أما الرواية الأولى: ففي إسنادها أيوب بن سويد، ضعفه الإمام أحمد وابن معين، وعتبة بن أبي حكيم ضعفه ابن معين، وكان الإمام أحمد يوهنه، فهذه الرواية إذاً ضعيفة السند.
والرواية الثانية: في إسنادها غالب بن عبيد الله، وهو منكر الحديث متروك، فروايته لا يؤخذ بها.
قال الحافظ بن كثير رحمه الله عند تفسير هذه الآية: وأما قوله تعالى: (( وَهُمْ رَاكِعُونَ ))[المائدة:55]^ فقد توهم بعض الناس أن هذه الجملة في موضع الحال من قوله تعالى: (( وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ))[المائدة:55]^ يعني: يؤتون الزكاة وهو راكع يدفع الزكاة، فاعتبروها حال من قوله تعالى: (( وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ))[المائدة:55]^ أي: في حال ركوعهم، وهل هناك من يتصدق وهو راكع، وأين السائل الذي يسأل الناس وهم ركوع؟ أي: في حال ركوعهم، ولو كان هذا كذلك لكان دفع الزكاة في حالة الركوع أفضل من دفع الزكاة في غير هذه الحال، وليس الأمر كذلك عند أحد من العلماء ممن نعلمهم من أئمة الفتوى، حتى أن بعضهم ذكر في هذا أثراً عن علي رضي الله عنه، أن هذه الآية نزلت فيه، وذلك أنه مر به سائل في حال ركوعه فأعطاه خاتمه، وذكر ابن كثير رحمه الله الروايات ثم بين أنها لا يصح شيء منها بالكلية لضعف أسانيدها، وجهالة رجالها.
** معاني الركوع في اللغة:
وقال ثعلب -عالم اللغة-: (الركوع هو: الخضوع)، وقال الراغب الأصبهاني: (الركوع هو: الانحناء)، فتارة يستعمل في الهيئة المخصوصة في الصلاة كما هي، وتارة يستعمل في التواضع والتذلل إما في العبادة وإما في غيرها، فقوله تعالى: (( وَهُمْ رَاكِعُونَ ))[المائدة:55]^ يعني: يؤتون الزكاة وهم خاضعون لربهم سبحانه وتعالى منقادون لأمره، متواضعون متذللون في أدائهم الصلاة، وفي إيتائهم للزكاة، فمعنى (وهم راكعون) أي: وهم خاضعون كما هو معنى الكلمة في أصل اللغة.(29/121)
فظهر أن سبب النزول غير صحيح، ثم ما هذا الأمر الذي لا يقبل التأخير بعد الصلاة؟ ألم يكن الأفضل أن يصلي السائل مع المصلين، أو أن ينتظرهم حتى تنتهي الصلاة؟! وكيف يذهب السائل لراكع يسأله الصدقة ويشغله عن الصلاة؟! ولو وجده هذا السائل فكيف نشجعه على ارتكاب خطأ جسيم مثل هذا، ومن المعلوم لدى جميع العلماء سنة وشيعة أن العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب، فلو صح ما ذكر في سبب النزول لطبقنا على كل من يتصف بالإيمان وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة في حال الركوع.
** معنى اللفظة في القرآن إن كان لها أكثر من معنى يتحدد من السياق:
وكلمة: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ )) كلمة الولي: تأتي بمعنى المتولي لأمور الناس، والمتصرف فيها.
وتأتي أيضاً بمعنى: الناصر والخليل والمؤيد والنصير، والسياق يحدد المعنى المراد.(29/122)
فعندها يأمر الله سبحانه وتعالى بموالاة المؤمنين، وينهاهم عن موالاة غير المؤمنين من الكفار وأهل الكتاب، فمن السياق نجد أن الموالاة لابد أن تكون بمعنى: النصرة والمحبة. فكيف وقد جاء الآية قبل هذه نهي عن موالاة اليهود والنصارى، ثم بينت الآية الكريمة من تجب موالاتهم، ثم جاء النهي مرة أخرى عن موالاة الكافرين، فهذه الآية: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ))[المائدة:55]^ جاء قبلها: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ))[المائدة:51]^، وجاء بعدها: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ ))[المائدة:57]^، فهذه أول آية استدلوا بها على ولاية علي والنص عليها -وهو داخل فيها طبعاً- وتم الجواب على ما ذهبوا إليه، وهناك آيات أخر، إن شاء الله سبحانه وتعالى نستكملها بعد، وللحديث بقية.
أكتفي بهذا القدر، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وجزاكم الله خيراً لحسن استماعكم.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
========================
بطلان استدلال الشيعة بحديث الكساء على إمامة علي وعصمة آل البيت
الشيخ/ عثمان الخميس
*بطلان استدلال الشيعة بحديث الكساء على إمامة علي وعصمة آل البيت:
ومن الأدلة التي يستدلون بها على الإمامة: آية التطهير، وآية التطهير هي قوله تبارك وتعالى: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ))[الأحزاب:33] يقولون: إن أهل البيت هم: علي، وفاطمة، والحسن، والحسين، بدلالة حديث الكساء.(29/123)
حديث الكساء ترويه أم المؤمنين عائشة التي يزعمون أنها تبغض آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا الحديث يخرجه الإمام مسلم الذي يزعمون أنه يكتم أحاديث في فضائل آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
عائشة تروي: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاءه علي فأدخله في عباءته –أي: في كسائه- ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاءه الحسن فأدخله، ثم جاء الحسين فأدخله، ثم جللهم-أي: غطاهم-صلوات الله وسلامه عليه بالكساء، ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي، اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) فقالوا: هذا الحديث يفسر الآية وهي قول الله تعالى: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ))[الأحزاب:33] .
ثم الاستدلال الآخر وهو: أن إذهاب الرجس والتطهير، أي: العصمة، فيكونون بذلك معصومين، ويكون علي رضي الله عنه معصوماً، وكذا الحسن والحسين وفاطمة رضي الله عنهم أجمعين، فإذا كان الأمر كذلك فهم إذاً أولى بالإمامة من غيرهم، ثم أخرجوا فاطمة رضي الله عنها وقالوا: إن الإمامة في علي والحسن والحسين، ثم في أولاد الحسين كما هو معلوم عند الكثيرين.
هذه الآية هل هي فعلاً في علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم أو في غيرهم؟(29/124)
كما قلنا في قول الله تبارك وتعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ))[المائدة:55] ثم اقرءوا ما قبل هذه الآية، تدبروا القرآن، فنحن لا نريد أكثر من ذلك، أفليس الله تبارك وتعالى يقول: (( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ))[محمد:24]؟ ويقول: (( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ))[النساء:82]؟ إن هذا الخطاب من الله جل وعلا ليس متوجهاً فقط إلى أناس معنيين هم الذين يحق لهم أن يتدبروا القرآن، بل إن الله تعالى يطلب من جميع المسلمين -بل ومن غير المسلمين- أن يتدبروا القرآن، ويتعرفوا على الله جل وعلا من خلال هذا القرآن، فإنهم إذا قرءوا القرآن وتدبروه وعرفوه حق المعرفة وعرفوا قدره ومكانته لن يجدوا بداً من الانصياع إليه واتباعه والإقرار بكماله وحسن رصه، وغير ذلك من الأمور.(29/125)
كذلك الأمر هنا، نحن لا نريد منكم أكثر من أن تتدبروا القرآن -أنا أعنيكم يا عوام الشيعة- دعوا علماءكم جانباً، ارجعوا إلى كتاب ربكم جل وعلا واقرءوه، وافتحوا هذا القرآن الكريم، على سورة الأحزاب، فعندما نفتح الآن على سورة الأحزاب في الجزء الثاني والعشرين سنجد أن الله تبارك وتعالى يقول: (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً * يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً * وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً * يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ إِنْ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً ))[الأحزاب:28-34] نجد أن كل الآيات متناسقة، آيات في نساء النبي صلى الله عليه وسلم، يقول الله: ((يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ)).. ((يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ)).. ((وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا(29/126)
تَبَرَّجْنَ)) ثم قال: (( وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ ))[الأحزاب:33-34] فنجد الآيات في نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فكيف لأحد أن يدعي بعد ذلك أن هذه الآية، بل هذا المقطع من الآية؛ لأن قوله تعالى: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ))[الأحزاب:33] ليست آية إنما هي جزء من آية: ((وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ)) تلكم الآية، فكيف تقبلون في كلام الله جل وعلا أن يكون الخطاب لنساء النبي صلى اللهعليه وسلم: (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ))[الأحزاب:28] ثم يقول: (( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ))[الأحزاب:30] .. (( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ))[الأحزاب:32-33] يا علي.. يا فاطمة .. يا حسين، ثم يعود مرة ثانية: (( وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ ))[الأحزاب:34] ما الذي أدخل علياً والحسن الحسين وفاطمة في خطاب موجه لنساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ما مناسبة هذه الفقرة بين هذه الآيات؟ لا توجد مناسبة؛ ماذا علينا أن نفعل؟ هل نطعن في كلام الله أو نطعن في الذين فهموا هذا الفهم وادعوا دعوى غير صحيحة؛ لأن قوله تعالى: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ(29/127)
وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ))[الأحزاب:33]؟ نقول: هذه دعوى باطلة، فهذه في نساء النبي صلى الله عليه وسلم؛ لذلك كان مجاهد رحمه الله تعالى -مجاهد بن جبر- يقول: [[هي في نساء النبي صلى الله عليه وسلم ومن شاء باهلته]]. أي: في هذه الآية.
* من هم آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
القصد هذه الآية هي في نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وحديث الكساء لعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين، وبهذا نجمع بين الأمرين، أن علياً وفاطمة، والحسن والحسين من آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بدليل حديث الكساء، وأزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم والدليل: الآيات المذكورة سابقاً، وغيرهم يدخل أيضاً في آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كالفضل بن العباس، والمطلب بن ربيعة بن الحارث بن عم النبي صلى الله عليه وسلم؛ وذلك لأنه لما منعهما من الزكاة أن يكونا عاملين عليها وقال: (إنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد) ويدخل كذلك في آل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آل جعفر وآل عقيل وآل العباس بحديث زيد بن أرقم رضي الله عنه وأرضاه، فقصر هذه الآية على علي والحسن والحسين وفاطمة لا يستقيم معه نص الآية؛ ولذلك نقول: إن هذا القول مردود.
*حل إشكال ورد شبهة:
هنا إشكال وهو: إذا كان الأمر كذلك وهي في نساء النبي صلى الله عليه وسلم فما مفهوم: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ ))[الأحزاب:33] ولم يقل: عنكن؟ وهذا هو الذي يدندنون عليه، لماذا قال: عنكم، ولم يقل: عنكن؟ وهذه قد ذكر أهل العلم لها معانٍ كثيرة منها:(29/128)
أولاً: -وهو أصح هذه الأقوال-: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم داخل معهن، وذلك أن الخطاب كان للنساء، ثم لما تكلم على البيت دخل سيد البيت وهو محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فإذا دخل صلوات الله وسلامه عليه مع النساء في الخطاب فطبيعي جداً أن تلغى نون النسوة وتأتي بدلها ميم الجمع: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ))[الأحزاب:33] أي: يا نساء النبي صلى الله عليه وسلم ومعكن سيدكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وتصح أيضاً لما قال الله تبارك وتعالى لما قال عن امرأة إبراهيم: (( رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ))[هود:73] وهي امرأة إبراهيم، لم جاء بميم الجمع هنا: (عليكم) ولم يقل: (عليكن)، ولا (عليكِ) أيضاً، وإنما (عليكم)؟ يريد أهل البيت، يريد مراعاة اللفظ، واللفظ (أهل).
وعلى كل حال إن نون النسوة هنا لم يؤت بها؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل معهن.
*عدم دلالة آية التطهير على عصمة آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم:(29/129)
كذلك بالنسبة للتطهير: الله سبحانه يريد أن يذهب الرجس، ويريد أن يطهر سبحانه وتعالى، فهل هم مطهرون خلقة أو يريد الله الآن أن يطهرهم؟ القوم يدعون أنهم مطهرون خلقة، أي: خلقوا مطهرون، فإذا كانوا خلقوا مطهرين فما معنى قوله وتعالى: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ ))[الأحزاب:33] بعد أوامر ونواهٍ قال: يريد أن يذهب عنكم الرجس أي: طهركم وأذهب عنكم الرجس، إذاً: ما معنى حديث الكساء، وهو: (أن النبي صلى الله عليه وسلم جللهم بالكساء ثم قال: اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) لماذا يدعو وبماذا؟ يدعو بإذهاب الرجس الذي هو أصلاً ذاهب عنهم؛ لأنهم مطهرون خلقة؟! فكيف النبي صلى الله عليه وآله وسلم يطلب من الله أن يذهب عنهم الرجس؟ تحصيل حاصل لا ينبغي أن يكون من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
إذاً: هذه الآية لا تدل على العصمة، كيف تدل على العصمة وعلي رضي الله عنه يقول: [[وإني لست في نفسي بفوق أن أخطئ، ولا آمن من أن يقع مني ذلك]] يقول ذلك في الكافي الجزء الثامن صفحة: (293)، ويقول للحسن ابنه: [[ ثم أشفقت أن يلتبس عليك ما اختلف الناس فيه من أهوائهم وآرائهم مثل الذي التبس عليهم ]] وهذا في نهج البلاغة صفحة: (576)، وقال له أيضاً: [[ فاعلم أنك إنما تخبط خبط العشواء وتتورط الظناء ]] وهذا في نهج البلاغة صفحة: (577)، وقال له كذلك: [[ فإن أشكل عليك من ذلك-يعني: أمر-فاحمله على جهالتك به، فإنك أول ما خلقت جاهلاً ثم علمت، وما أكثر ما تجهل من الأمر، ويتحير فيه رأيك، ويضل فيه بصرك ]] وهذا في نهج البلاغة صفحة: (578).
وهذا من يسمونه بالشهيد الثاني: زين الدين بن علي العاملي، يقول: [[ فإن كثيراً منهم ما كانوا يعتقدون بعصمتهم لخفائها عليهم، بل كانوا يعتقدون أنهم علماء أبرار ]]. وهذا في حقائق الإيمان صفحة: (151).
*معنى الرجس:(29/130)
يقول الله تعالى: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ ))[الأحزاب:33] ما هو الرجس؟ الرجس: قال أهل اللغة: هو القذر.. الذنب .. الإثم .. الفسق .. الشك ..الشرك .. الشيطان، كل هذا يدخل في مسمى الرجس.
وردت كلمة الرجس في القرآن في مواضع عدة، فقد وردت في قول الله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ))[المائدة:90] وقال تعالى: (( كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ ))[الأنعام:125] وقال سبحانه وتعالى: (( قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ))[الأنعام:145]، وكذلك يقول سبحانه وتعالى على الكفار من اليهود: (( قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنْ الْمُنتَظِرِينَ ))[الأعراف:71] ويقول تعالى: (( سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ ))[التوبة:95] وجاءت آيات أخرى تبين معنى الرجس، وهو: الإثم.. الذنب.. القذر.. الشك.. الشيطان.. الشرك، وما شابهها من المعاني؛ ولذلك جاء عن جعفر الصادق رضي الله عنه ورحمه أنه قال: [[ (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ ))[الأحزاب:33] قال: هو الشك ]] وقال الباقر: [[ الرجس: هو الشك، والله لا نشك في ربنا ]]، وفي رواية: [[ في ديننا ]]. وفي رواية: [[ لا نشك في الله الحق ودينه ]]. إذاً: هذا(29/131)
هو الرجس.
ماذا كان عندما أذهب الله عنهم الرجس؟ هل كل من أذهب الله عنه الرجس يصير إماماً معصوماً؟ الله تعالى يقول عن جميع المؤمنين: (( إِذْ يُغَشِّيكُمْ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ ))[الأنفال:11] وقرئت: رجس، هل صاروا معصومين إذاً، كل هؤلاء صاروا أئمة ثلاثمائة وبضعة عشر كانوا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
هل كل من طهره الله تعالى يكون إماماً؟
يقول الله تعالى: (( وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ ))[المائدة:6] يقوله لعموم المؤمنين: (( وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ))[المائدة:6] وقال تعالى سبحانه وتعالى: (( وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً ))[النساء:27] الله يريد سبحانه وتعالى، وهذه الإرادة كما قال أهل العلم تنقسم إلى قسمين: إرادة شرعية، وهي ما يحبه الله ويرضاه سبحانه وتعالى، وإرادة كونية قدرية، وهي ما يوقعه الله سبحانه وتعالى، والآية إنما هي فيما يحبه الله تعالى، ولذلك سبقت بأمر ونهي: (( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ))[الأحزاب:32-33].. (( وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ))[الأحزاب:33] ثم قال بعدها: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ ))[الأحزاب:33] مع هذه الأوامر وهذه النواهي (يريد الله) أي: يحب جل وعلا أن يذهب عنكم الرجس إذا التزمتم بفعل ما أمر وترك ما نهى وزجر، فهذه إرادة شرعية يحبها الله ويرضاها.(29/132)
وهذه الإرادة الشرعية قد تقع وقد لا تقع؛ ولذلك الله سبحانه وتعالى يقول: (( وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً ))[النساء:27] هل جميع الناس تاب عليهم؟ لا، منهم من غضب عليهم سبحانه وتعالى، ومنهم من لعنهم جل وعلا، ومنهم من جعل منهم عبد الطاغوت وجعلهم حطب جهنم ولم يتب عليهم سبحانه وتعالى؛ لأنها إرادة شرعية وليست قدرية.
أما الإرادة القدرية الكونية فهي التي يوقعها الله سبحانه وتعالى، وهذه تقع على ما يحبه الله تعالى وما لا يحبه، ككفر الكافر مثلاً، هل كفر الكافر رغماً عن الله أو بإرادة الله؟ بإرادة الله سبحانه وتعالى، ما وقع شيء في هذا الكون أبداً إلا بإرادة الله سبحانه وتعالى: (( وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ))[الإنسان:30] فكفر الكافر ليس رغماً عن الله، بل هو بإرادة الله الكونية القدرية سبحانه وتعالى، وإن كان الله لا يحب هذا -أي: لا يحب الله أن يكفر الكافر- ولا يريد الله أن يمتنع إبليس عن السجود لآدم ولكن وقع هذا بإرادة الله الكونية القدرية ولا بإرادته الشرعية التي هي على ما يحبه ويرضاه؛ ولذلك يحاسب الله على ترك إرادته الشرعية ولا يحاسب على ترك إرادته الكونية القدرية؛ لأنه لا يستطيع أحد أن يترك الإرادة الكونية القدرية ولا يستطيع أحد أن يتجاوزها.
*روايات عدة لحديث الثقلين:
ومن الأدلة التي استدلوا بها على الإمامة والعصمة: أدلة من السنة، أي: من أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وسوف نتكلم عن تسعة أحاديث تقريباً.(29/133)
أولها: حديث الثقلين، حتى ألفت كتب عناوينها تحمل هذا المضمون، فحديث الثقلين أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما: كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به. قال زيد: فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي) هذا إخراج الإمام مسلم في الصحيح، ففيه أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إني تارك فيكم ثقلين).
الثقل الأول: كتاب الله، وكما هو وارد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالأخذ به والتمسك به.
ثم الثقل الثاني: وهم أهل بيته، قال: (أذكركم الله في أهل بيتي.. أذكركم الله في أهل بيتي .. أذكركم الله في أهل بيتي).
ظاهر الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم يأمر برعاية حقوق أهل بيته صلى الله عليه وآله وسلم، ولكنهم لا يتوقفون عند هذا الحديث -حديث زيد بن أرقم- وإنما يتجاوزون ذلك إلى حديث أم سلمة، وحديث علي، وحديث أبي سعيد الخدري.
أما حديث علي ففيه: (إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله، سببه بيد الله وسببه في أيديكم، وأهل بيتي) ظاهره: أنه أمر بالتمسك بأهل بيته، وهذا أخرجه أبو عاصم في السنة، ولكن مشكلته أنه لا يصح حيث أن في روايته الكثير بن زيد، ضعفه أبو حاتم والنسائي وأبو زرعة، ويعقوب بن شيبة، وابن المديني، فلا يمكن الاستدلال بمثل هذا الحديث، ندعه ونأخذ الحديث الذي بعده، وهو حديث أبي سعيد الخدري وفيه:(29/134)
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ألا إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) وهذا أخرجه الترمذي وأبو يعلى وابن أبي عاصم، ولكن هذا أيضاً فيه عطية العوفي، وعطية ضعفه أحمد وأبو حاتم والنسائي وغيرهم، لأنه متفق على ضعفه عند أهل العلم، فلا يسلم هذا الحديث أيضاً.
الحديث الرابع: وهو حديث زيد بن ثابت، وفيه: (إني تارك فيكم خليفتين: كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض أو ما بين السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) أخرجه أحمد والطبراني، وفيه القاسم بن حسان، وثقه أحمد بن صالح والعجلي، وذكره ابن حبان في الثقات، وضعفه البخاري وابن قطان، وسكت عنه ابن أبي حاتم، وضعفه الذهبي، وقال ابن حجر: مقبول، وفيه شريك بن عبد الله وهو سيء الحفظ.
الحديث الخامس: حديث جابر بن عبد الله، وفيه: (يا أيها الناس! إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي) أخرجه الترمذي والطبراني، فيه زيد بن حسن الأنماطي، قال أبو حاتم منكر الحديث، وقال ابن حجر: ضعيف.
من هذه الروايات يظهر لنا أن حديث الثقلين إنما يصح من رواية زيد بن أرقم رضي الله عنه وليس فيه شيء من الأمر بالتمسك بالعترة، وإنما فيه الأمر برعاية حق العترة، والأمر إنما هو بالتمسك بكتاب الله؛ لذلك جاء حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه في صحيح مسلم: (وقد تركتم فيكم ما لا تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله) فقط، ولم يتطرق لأهل البيت ولا للعترة، وهذا الحديث رواه جعفر الصادق عن أبيه محمد الباقر عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.(29/135)
وحديث الأمر بالتمسك بالعترة ضعفه أحمد وابن تيمية، نعم صححه بعض أهل العلم كالألباني وغيره، ولكن العبرةَ بما يكون فيه البحث العلمي، وهو أن هذا الحديث لا يصح علمياً من حيث النظر في الأسانيد والدلالات، وهذه منهجية أهل السنة والجماعة، فإنهم لا يقلدون أحداً في هذه الأمور، بل يتبعون بحسب القواعد الموضوعة.
فإذا سلمنا بصحة هذا الحديث جدلاً، أمر بالتمسك بالثقلين -كتاب الله، وعترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم- يقول ابن الأثير: سماهما ثقلين؛ لأن الأخذ بهما والعمل بهما ثقيل، ويقال لكل خطير: ثقل، فسماهما ثقلين إعظاماً لقدرهما وتفخيماً لشأنهما، وهذا قاله ابن الأثير في الجزء الأول صفحة (216) في غريب الحديث.
ومعنى الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بحفظ حقوقهم؛ ولذلك الصحابة رضي الله عنهم أعطوا الثقلين حقهم، هذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه يقول: [[ ارقبوا محمداً في آل بيته ]] وهذا خرجه البخاري في صحيحه، وقال: [[ والذي نفسي بيده، لقرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي ]] وهذا أخرجه البخاري كذلك في صحيحه.
ثم إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمون معه أمروا بالتمسك بأشياء أخرى، قال الله تبارك وتعالى: (( وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ))[النساء:115].
==============================
بطلان استدلال الشيعة بحديث: (يكون بعدي اثنا عشر خليفة..)
الشيخ / عثمان الخميس
بطلان استدلال الشيعة بحديث: (يكون بعدي اثنا عشر خليفة...)
ومن الأدلة التي يستدلون بها: حديث اثني عشر، وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يكون بعدي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش)، وفي روايات أخرى لهذا الحديث عند أهل السنة والجماعة في الصحيحين وغيرهما: (لا يزال أمر هذا الدين قائماً حتى يلي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش).(29/136)
هذا الحديث يستدلون به على إمامة الاثني عشر عندهم، فهل الاثنا عشر في الحديث الشريف هم الاثنا العشر الذين يقول الشيعة: إنهم أئمتهم وأنهم هم المقصودون بهذا الحديث أو لا؟
هذه دعوى، لننظر هل هذه الدعوى صحيحة أو غير صحيحة؟
من هم أئمة الشيعة الاثني عشر؟
نعدهم: علي بن أبي طالب .. الحسن بن علي .. الحسين بن علي، ثم علي بن الحسين، محمد بن علي بن الحسين(الباقر)، جعفر بن محمد (الصادق)، موسى بن جعفر (الكاظم)، علي بن موسى (الرضا)، محمد بن علي (الجواد)، علي بن محمد (الهادي)، ثم الحسن بن محمد العسكري، ثم محمد بن الحسن (المهدي) وهو الثاني عشر.
يقولون: هؤلاء هم الذين قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهم: (يكون بعدي اثنا عشر خليفة) قلنا: ننظر هل هذا الكلام صحيح أو غير صحيح؟(29/137)
نقول أولاً: جاء في كتب القوم أن الأئمة ثلاثة عشر، قال في الكافي مثلاً: عن أبي جعفر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي: (إني واثني عشر إماماً من ولدي وأنت يا علي زر الأرض) الاثنا عشر غير علي، يعني: هؤلاء ثلاثة عشر، وهذه في الكافي الجزء الأول صفحة (534)، وكذلك جاء عن جابر قال: [[دخلت على فاطمة وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها، فعددت اثني عشر آخرهم قائمهم]] (اثني عشر من ولدها)، يعني: غير علي، فهو ليس من ولد فاطمة، إذاً: كلمة(اثني عشر) هذه غير صحيحة، ولذا جاء في حديث جابر هذا أنه قال: [[ فعددت اثني عشر آخرهم قائمهم، ثلاثة منهم محمد، وثلاثة منهم علي]] من هو محمد؟ محمد الباقر، محمد بن علي الجواد، محمد بن الحسن المهدي، هؤلاء الثلاثة محمد، من هم الثلاثة علي؟ علي بن الحسين السجاد، علي بن موسى الرضا، علي بن محمد الهادي، وهذا في الكافي صفحة (532)؛ ولذا ذكرت بعض كتب الشيعة التي تتكلم عن الفرق أن هناك فرقة من فرق الشيعة تسمت بالثلاثة العشر، اعتقدت ثلاثة عشر إماماً من هذا الحديث الذي في الكافي، وكما قلت: الحديثان في الكافي يقولان: إن الأئمة ثلاثة عشر، وليسوا اثني عشر كما يقولون.
وهنا نقطة مهمة جداً في هذه المسألة، هم يقولون: نحن الاثنا عشر، وأئمتنا هم فلان وفلان.. الذين ذكرناهم الآن، طيب، النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بهذا في زمنه، بينما نجد أن كبار رواة الشيعة الذين عاصروا الباقر وعاصروا الصادق -فالباقر قلنا: الخامس، والصادق: السادس، هذان كان لهما تلاميذ أتباع وهم رواة- ما كانوا يعرفون أن الأئمة اثنا عشر؛ ولذلك كان يقع الخلاف بينهم كثير؛ ولذلك زرارة لما حضره الموت قال لعمته: [[ليس لي إمام إلا كتاب، وأشار إلى القرآن]] وهذا في رجال الكشي صفحة (139).(29/138)
ونجد أن أقطاب الشيعة الكبار: زرارة بن أعين، هشام بن سالم الجواليقي، محمد بن نعمان الأحول...، عمار الساباطي، هؤلاء يذهبون ويبايعون عبد الله بن جعفر، ولم يبايعوا موسى بن جعفر، بل بايعوا عبد الله بن جعفر الذي هو الأفطح؛ ولذلك ذكر النوبختي وغيره أن جل رواة الشيعة فطحية، أي: أن جل الروايات عندهم عن جعفر الصادق ومحمد الباقر، وجل أتباع محمد الباقر وجعفر الصادق اتبعوا بعد ذلك عبد الله بن جعفر وبايعوه الذي هو الأفطح؛ لذا قالوا: جل رواتنا فطحية.
وهذا هشام بن سالم يقول: (خرجنا من عبد الله بن جعفر ضلالاً لا ندري إلى أين نتوجه ولا من نقصد) وهذا في الكافي الجزء الأول صفحة (351).
متى نشأت الاثنا عشرية:
إذاً: قضية أن القضية محسومة أنهم اثنا عشر ومعلومون أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا لم يكن يعرفه الشيعة الكبار؛ ولذلك فرق الشيعة لم تقل بالاثني عشر، فمتى جاءت تسمية اثني عشر هذه؟ أي: فرقة الاثني عشرية متى جاءت؟
أيام جعفر الصادق لا يوجد شيء اسمه اثنا عشرية، قبلهم من باب أولى: أيام الباقر، الحسن، الحسين... إلى آخرهم لم يكن هناك شيء اسمه الفرقة الاثنا عشرية، ولكن كان هناك شيعة، أيام علي بن الحسين كان يوجد شيعة، أيام الباقر كان يوجد شيعة، أيام جعفر كان يوجد شيعة، أيام موسى الكاظم يوجد شيعة، وفي زمن علي الرضا كان يوجد شيعة فقط، ولم يكن يوجد شيعة اثنا عشرية أبداً بل شيعة فقط، وكان في زمن الهادي وزمن العسكري شيعة فقط، فمتى خرجت هذه الفرقة؟ لما مات الحسن العسكري ولم يكن له ولد صدموا، ماذا نصنع ما عنده ولد، ونحن قلنا: الإمامة مستمرة، ماذا نصنع؟ قالوا: ألفوا له ولداً، ألفوا له ولد، فما صدقهم أحد؛ ولذلك أخذت الميراث مع أخيها جعفر، أصلاً: لم يظهر له ولد وإنما هي دعوى باطلة؛ ولذلك هم يردون على الإسماعيلي أنه ليس لإسماعيل ولد، والإسماعيلي يقول: لا. ويردون على الفطحية والفطحية يردون.. وهكذا.(29/139)
وهنا كذلك يقال لهم في دعوى أن له ولداً: من يقول: إن له ولداً؟ ولذلك نقول: متى جاءت الفرقة الاثنا عشرية؟ أيام علي بن أبي طالب ما في شيء اسمه فرقة اثنا عشرية، ولا أيام الحسن، ولا أيام الحسين رضي الله عنهم أجمعين، ولا كذلك أيام علي بن الحسين، ولا أيام الباقر، ولا جعفر الصادق رضي الله عنهم، بل ولا أيام موسى الكاظم، ولا أيام علي الرضا، ولا محمد الجواد رضي الله عنهم، ما في شيء اسمه فرقة اثنا عشرية، بعد الجواد علي الهادي الحسن العسكري ولا توجد كذلك فرقة اسمها اثنا عشرية، طيب لماذا لم يتبنَ هذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم من بداية الأمر وتبني بعد ذلك؟ لأنه مات الحسن العسكري وليس له ولد، فادعوا له ولداً، فما صدقهم الناس؛ ولذلك أخذت أمه ميراثه مع أخيه، أي: ميراث الحسن العسكري. فأين الولد إذاً؟ قالوا: ولد غائب.
وطبيعي جداً أن يكون غائباً؛ لأنه لا يمكن أن يحضر؛ ولأنه ليس موجوداً أصلاً.
طيب! هذا الولد أليس له ولد؟ طبيعي أن يكون له ولد؛ لأنه أصلاً لم يخلق، فكيف يخلق له ولد؟
فكان لابد أن يقفوا عند الثاني عشر؛ ولذلك تسموا بالاثني عشرية، ثم بعد ذلك إما أن يكون سول لهم الشيطان –سواء شيطان الجن أو شيطان من شياطين الإنس- فوجد حديثاً للنبي صلى الله عليه وسلم يخبر فيه أنه يكون بعده اثنا عشر خليفة، فقالوا: بس، اثنا عشر واثنا عشر، الرقم نفس الرقم، إذاً: النبي يخبر عن الاثني عشر.
هذا لا شك أنه لعب بكتاب الله جل وعلا، ولعب بسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولعب على عقول الناس.
روايات باسم القائم:(29/140)
ولذلك جاء في روايات كثيرة عند الشيعة أن القائم ليس هو محمد بن الحسن المهدي، فهذه رواية مثلاً تقول: (تابعنا قائمنا) وهذا في الكشي صفحة (373)، وقال جعفر عن المهدي: (سمي فالق البحر) وهذا في الغيبة صفحة (46)، وكذلك قال عنه: (اسمه على حديدة الحلاق) وهذا في الغيبة صفحة (47)، فلو نظرنا لوجدنا أن السابع هو موسى الكاظم، ولنعدهم من البداية معي: علي، الحسن، الحسين، علي بن الحسين، محمد بن علي، جعفر، موسى، وهذا هو السابع، وهو سمي فالق البحر على اسم نبي الله موسى، وهو أيضاً الذي اسمه على اسم حديدة الحلاق موسى، الموس.
إذاً: هذا كان عندهم القائم، القائم هو السابع، فمن أين جاء الثاني عشر؟
وكذلك الحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يزال أمر هذا الدين قائماً ما ولي اثنا عشر خليفة) الثاني عشر يزعمون ويدعون أنه موجود حالياً من سنة 260هـ عندما مات الحسن العسكري، فهم يزعمون أنه ولد سنة 256، من سنة 260هـ إلى اليوم هو موجود، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يزال أمر هذا الدين قائماً- مانعاً.. قوياً .. عزيزاً- ما ولي اثنا عشر خليفة) هل ترون الآن منذ سقوط الخلافة إلى يومنا هذا أن الدين عزيز؟ انظروا إلى أحوال المسلمين اليوم، هل الدين عزيز؟ هل الدين منيع؟ هل الإسلام عالٍ في الأرض؟ أين يتحدث النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ نكذب النبي أو نكذب الذين يزعمون هذه الدعوى ويدعونها زوراً ويقولون: إنه أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بالاثني عشر في هذا الحديث؟
كذلك هم يقولون: إن أئمتهم كانوا يتقون، وكانوا خائفين مستترين، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: دين منيع، دين قوي، أين الدين المنيع والقوي مع خوف واستتار؟ إذا كان القائم على الدين خائفاً مستتراً متقياً فكيف يكون الدين قائماً عزيزاً منيعاً؟!(29/141)
ثم إن الحديث ليس فيه حصر، يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه في أثناء خلافة اثني عشر خليفة يكون الدين منيعاً، هل قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: وسيحكم غيرهم، وسيتوقف الأمر عند هؤلاء، وستقوم القيامة على الثاني عشر من هؤلاء؟ لا يوجد شيء من هذا الحديث أبداً، الحديث يتكلم بخبر يخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بأمور مستقبلية والله قال سبحانه وتعالى: (( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً * لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً ))[الجن:26-28] فيخبر الله جل وعلا نبيه ببعض غيبه فيخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ببعض ما سيقع، وهذا من علامة صدق النبي صلوات الله وسلامه عليه.
كذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كلهم من قريش) وهم يقولون: كلهم أولاد علي بن أبي طالب. نحن نعلم علم اليقين -ولا مرية عندنا في هذا- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وصدق، وأنه أوتي جوامع الكلم، فهل الذي أوتي جوامع الكلم يقول: كلهم من قريش وهم من أولاد علي أصلاً، وهو -كما نعلم علم اليقين كذلك أنه أنصح الناس للناس صلوات الله وسلامه عليه، فكيف يضيعنا؟ كيف يقول: من قريش، وهم من أولاد علي وأبنائه؟ كان الأولى أن يقول: علي وأبناء علي وانتهى الأمر، كان الأولى أن يذكر أسماءهم وينتهي الأمر، لكن أن يقول: كلهم من قريش. ويعمي المسألة على الناس، فهذا لا نؤمن به أبداً.(29/142)
لو كان النبي يريد علياً وأولاده لقال: علي وأولاده، ولذلك لو جئت أنا وقلت مثلاً: سأعطي كل عربي مائة دينار، فجاءني العرب واجتمعوا على بابي، ماذا تريدون؟ قالوا: نريد مائة دينار، كل واحد منا يريد مائة دينار، قلت: لا، عفواً أنا سأعطي الليبيين فقط، قالوا: لماذا تعطي الليبيين فقط؟ قلت: لأنهم عرب، قالوا: ونحن عرب، قلت: إذاً: أنا ما أخطأت، قالوا: أنت لم تحسن الكلام، لو كنت تحسن الكلام لقلت: أعطي الليبيين، وهذا لا يحتاج إلى أن نأتي أصلاً، لو أنك قلت: سنعطي كل الليبيين فما كنا سنأتي، ولكن قلت: ستعطي كل عربي، فأنت لا تحسن الكلام، قلت لهم: طيب أنا آسف لكن لن أعطي إلا الليبيين اسمحوا لي بارك الله فيكم، فاجتمع عندي الليبيون فقالوا: خلا لنا الجو، فقلت: ماذا تريدون؟ قالوا: يريد كل واحد منا مائة دينار، قلت: لا، أنا سأعطي فقط أهل طرابلس أما غير أهل طرابلس فأعتذر لأني لن أعطيهم شيئاً، قالوا: لماذا؟ قلت: أنا أريد الآن أهل طرابلس فقط، قالوا: أنت قلت: كل ليبي، قلت: سأعطي الليبيين وهم الطرابلسيون، قالوا: لو أحسنت واخترت اختر ألفاظاً جيدة، فأنت في الأول أحرجتنا مع العرب، والآن أحرجتنا مع أنفسنا الآن وأخرجتنا من الحسبة وضيعت علينا وقتنا، فلو قلت: سأعطيها أهل طرابلس وانتهى الأمر، قلت: طيب آسف اسمحوا لي، وأعطيت أهل طرابلس.(29/143)
فأنا هل ألام على اختيار هذه الكلمات أو لا ألام؟ أتريدون أن ننسب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (كلهم من قريش) وهو يريد علياً وأبناءهم؟ أليس كان من الأفضل أن يقول: كلهم من بني هاشم؟ بل حتى هذه ما تصلح؛ لأن الهاشميين كثيرون، كان الأولى أن يقول عليه الصلاة والسلام: كلهم أولاد علي، بل ويحددهم بأسمائهم، يقول: الحسن والحسين؛ لأن علياً له تسعة عشر ولداً، رضي الله عنه ورحمه، وكذلك يقول: ذرية الحسين دون الحسن، فحدد هكذا حتى نقول: أوتي جوامع الكلم صلوات الله وسلامه عليه، ولكن ليس الأمر كذلك، الأمر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (كلهم من قريش) ونحن نعتقد يقيناً أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم، وأن الذين زعموا على النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يؤت جوامع الكلم نؤمن يقيناً كذلك أن قولهم مردود، فلا نقبل قولهم أبداً؛ لأنهم يريدون أن يطعنوا في نبينا، ونحن لا نقبل هذا في نبينا صلوات الله وسلامه عليه.
القضية أنهم استدلوا العدد على العدد فقط، اثنا عشر خليفة ونحن نقول باثني عشر، إذاً: هؤلاء هم هؤلاء وانتهى الأمر.
نقول: فاتكم أنه جاء في صحيح مسلم: (سيكون في أمتي اثنا عشر منافقاً) فإذا كانت القضية قضية أن العدد يوافق، فكيف توفقون بين هذه وهذه وتلك؟ اثنا عشر خليفة، واثنا عشر إمام، واثنا عشر منافق، هل كل اثنا عشر هي في أئمتكم أم لا؟ تدبروا هذا الأمر.
لو رجعنا إلى كتاب الله جل وعلا لما وجدنا أن الله نص على إمامة أحد منهم أبداً، فقد مرت بنا أدلتهم من القرآن، وبينا أنه لا يصح منها شيء، فأين كتاب الله تعالى من هذه الإمامة التي هي عندهم أهم من الصلاة والحج، وأهم من كل شيء، فالله تبارك وتعالى لم يذكرها، وكذلك ما نص على هؤلاء الأئمة الاثني عشر في كتابه العزيز، فلما لم ينص الله تبارك وتعالى مع أهمية هذا الأمر الذي هو عندهم أهم ركن من أركان الإسلام؟!(29/144)
ذكر الله جل وعلا الرسل ورسالاتهم، ذكر تبارك وتعالى أحوالهم مع أممهم، ولم يذكر شيئاً أبداً عن هؤلاء الأئمة لا من قريب ولا من بعيد، أتقصير من الله أم دعواهم باطلة؟ اختر أي الأمرين شئت.
ولذلك زيد بن علي بن الحسين رضي الله عنه هذا هو أخو محمد الباقر عم جعفر الصادق بن علي زين العابدين، تنتسب إليه طائفة الزيدية، يقولون: [[إنه جلس مع مؤمن الطاق -ويسميه أهل السنة: شيطان الطاق- على كل حال جلس معه محمد بن النعمان، فقال له: يا أبا جعفر! -مؤمن الطاق- بعد أن دعاه لي وكان مستخفياً، اخرج معي، يقول لشيطان الطاق، اخرج معي ساعدني إلى ما خرجت إليه، فقال له شيطان الطاق أو مؤمن الطاق كما يحبون أن يسموه قال: إن كان أباك أو أخاك خرجت معه، أما أنت فلا، قال: يا أبا جعفر! كنت أجلس مع أبي على الخوان -الخوان: طاولة الطعام- فيلقمني اللقمة السمينة ويبردها لي شفقة علي، ولم يشفق علي من حر النار حيث أخبرك بالإمامة ولم يخبرني أنا؟!]] كيف يحدث هذا بأن يخبرك ولا يخبرني أن الإمام بعد علي هو محمد وبعد محمد جعفر؟! علي بن الحسين أبي ما أخبرني بهذا على شفقته علي وحبه لي، فانظروا ماذا يكون الجواب، قال: [[جعلت فداك، من شفقته عليك من حر النار لم يخبرك، خاف عليك ألا تقبل فتدخل النار، وأخبرني أنا فإن قبلت نجوت، وإن لم أقبل لم يبالِ بي أن أدخل النار]] أهذا منطق؟! أهذا عقل؟! لا يخبر ولده بالإمامة التي هي أهم ركن من أركان الدين ويخبر الأجنبي البعيد؟ ولذلك صدق أهل السنة عندما سموه شيطان الطاق، فالذي يتكلم هكذا مع واحد من أئمة أهل البيت إنما هو زيد بن علي بن الحسين.(29/145)
كذلك هنا قضية مهمة، هناك شخص اسمه محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وهذا يقال له: النفس الزكية، في سنة130هـ خرج هذا الرجل وقال بأنه المهدي، وتبعه أقوام كثير ومنهم من هو من أهل البيت، فهذا محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب جد أبيه الحسن بن علي بن أبي طالب، وليست القضية في خروجه، وإنما القضية في أن جعفر الصادق الذي هو في منزلته أمر ولديه موسى الكاظم وعبد الله الأسطح أن يخرجا معه تابعين له، فانضما إلى ثورته، وهذا في مقاتل الطالبيين صفحة (244)، مع أنهم يقولون: (كل بيعة قبل ظهور القائم كفر ونفاق وخديعة لعن الله المبايعُ والمبايع له). وهذا في بحار الأنوار الجزء (53) صفحة (8).
من أقوال الشيعية التي تنكر ولا تؤمن بالمهدي:
أحاديث المهدي لو نظرنا إليها في كتب الشيعة لوجدناها لا تحصى من كثرتها، لا أقول مئات بل تتجاوز المئات، ومع هذا نجد أن جل فرق الشيعة لا تؤمن بالمهدي وخاصة القديمة: فالفطحية لا تؤمن بالمهدي، والماووسية لا تؤمن بالمهدي، وكذلك البكرية لا تؤمن بالمهدي، والصالحية لا تؤمن بالمهدي، والكيسانية لا تؤمن بالمهدي، والإسماعيلية لا تؤمن بالمهدي، والجعفرية القديمة لا تؤمن بالمهدي، والموسوية القديمة لا تؤمن بالمهدي، فلماذا كلهم غافلون عن هذه الأحاديث الكثيرة؟ بل رواة أحاديث الشيعة الكبار وهذه أسماؤهم: عمار الساباطي، عبد الله بن يعفور، أبان بن تغلب، هشام بن الحكم، جميل بن البراد، هشام بن سالم، محمد بن النعمان، وأضف إليهم زرارة، واسأل بعد ذلك عن منزلتهم أو اقرأ عن هؤلاء ماذا يكونون في رواة الشيعة، كل هؤلاء يضيعون بعد جعفر الصادق ولا يدرون إلى أين يتوجهون؛ لأن هذه الروايات لم تكن توجد في زمانهم، بل هي روايات متأخرة وضعت وكذبت بعد ذلك.(29/146)
وهذا البياضي عالمهم مثلاً يقول: (إن علياً لم يذكر النص للصحابة على نفسه لسببين: لو ذكره ثم أنكروه لكفروا وهو لم يرد ذلك، وأنهم قصدوا في الشورى تقديم الأفضل فشارك ليعترف بأنه الأفضل فقط) هذا في أن علياً أخفى النص ولم يذكره فكيف يكون ظهر النص لأحد عشر من ولده؟
وإذا كانت الإمامة نصاً في الاثني عشر هؤلاء فلماذا تنازل الحسن لمعاوية؟ اسألوا علماءكم، والله أنا نريد لكم الخير، اسألوهم: لماذا تنازل الحسن لمعاوية وهو إمام منصوص عليه من عند الله تعالى؟ يقولون: لأن الإمامة ليست في الحكم، والحكم ليس شرطاً، للإمامة ممكن أن يكون إماماً ولكن ليس بحاكم، طيب لماذا الحسين خرج على يزيد؟ الحسين إمام وليس بحاكم فلماذا خرج على يزيد؟ إذا كانت قضية الإمامة لا شأن لها بالحكم، أو لا يلزم من الإمامة الحكم، طيب الحسين كذلك كان سيظل إماماً من دون أن يخرج على يزيد، لماذا خرج على يزيد؟ اسألوهم.
واسألوهم سؤالاً آخر: لماذا خرج الحسين على يزيد ولم يخرج على معاوية؟ ما خرج على معاوية وإنما خرج على يزيد مع أنه عاش خلافة معاوية بعد موت الحسن إحدى عشرة سنة، سنة 49هـ توفي الحسن رضي الله عنه، وانتهت خلافة معاوية سنة ستين رضي الله عنه، من سنة تسعة وأربعين إلى سنة ستين لم يحرك الحسن ساكناً ضد معاوية، وإنما خرج على يزيد، فكروا لماذا؟ إما أن تقولوا: إن معاوية كان رجلاً صالحاً –وهذه جيدة نقبلها منكم- ويزيد ليس بصالح. فهناك كثير من أهل السنة يقولون: يزيد ليس بصالح، أنا أقول: يزيد ليس بصالح، لكن لا نسبه، ولا نتقرب إلى الله بسبه، نقول: ليس صالحاً، وهناك كثير أولى منه وأصلح منه بالخلافة، لكن لِمَ لم يخرج الحسين على معاوية؟ ولماذا تنازل الحسن لمعاوية والإمامة نص في اثني عشر؟ إما أن نقول: إن فعلهم خطأ، وإما أن نقول: لا يوجد نص وهذا هو الصحيح، إنه لا يوجد نص على اثني عشر.(29/147)
إذاً: كان الأمر شورى كما قال علي رضي الله عنه: [[إنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإذا اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله...]] وذلك في نهج البلاغة صفحة (360)، وقال: [[بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان، فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يرد]] وهذا في نهج البلاغة صفحة (366)، وقال كذلك لمن جاءه يطلب منه أن يكون خليفة قال: [[دعوني والتمسوا غيري، فإنا مستقيلون أمراً له وجوه وألوان لا تقوم له القلوب، ولا تثبت عليه العقول، وإن تركتموني فإني كأحدكم ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم، وأنا لكم وزيراً خير مني لكم أميراً]] هل يغش الناس بهذا الكلام؟ لا والله ما يغش الناس رضي الله عنه وأرضاه، قاله في نهج البلاغة صفحة (336).
بطلان استدلال الشيعة بحديث الغدير على إمامة علي رضي الله عنه:
ومن الأدلة التي استدلوا بها كذلك: ما يسمى بحديث الغدير، أي: غدير خم. أين هذا الغدير؟ غدير من الجحفة التي بين مكة والمدينة، وكان هذا في حجة الوداع بعد رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من الحج، وقبل وفاته بثلاثة أشهر فقط.(29/148)
هذه الحادثة أخرجها الإمام مسلم في صحيحه من حديث زيد بن أرقم، قال: (قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فينا خطيباً بماء يدعى خما، بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر، ثم قال: أما بعد: ألا يا أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما: كتاب الله، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، قال: فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: أذكركم الله في أهل بيتي..أذكركم الله في أهل بيتي..أذكركم الله في أهل بيتي) قال الحصين الراوي عن زيد: [[ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نعم، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده، قال: ومن هم؟ قال: هم آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل العباس، قال: كل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم]].
هذا أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، وجاءت زيادات في هذا الحديث عند أحمد، والنسائي في الخصائص، وعند الترمذي أيضاً، وغيرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في ذلك المكان: (من كنت مولاه فعلي مولاه) وجاءت كذلك زيادات أخرى منها: (اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار).
يمكننا أن نقسم هذا الحديث إلى أربعة أقسام: القسم الأول: ما جاء في صحيح مسلم وهو ليس فيه: (من كنت مولاه فعلي مولاه).
القسم الثاني: الزيادة خارج مسلم، وهي كما قلنا عند الترمذي وأحمد والنسائي في الخصائص وغيرهم وهي زيادة: (من كنت مولاه فعلي مولاه) ثم زيادة أخرى عند الترمذي وأحمد وهي: (اللهم وال من والاه، وعادِ من عاداه) وهذا هو القسم الثالث.
القسم الرابع: وهي زيادة عند الطبراني وغيره: (اللهم انصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار).
أما القسم الأول: فهو في صحيح مسلم وهم يسلمون بكل ما في صحيح مسلم.(29/149)
القسم الثاني: (من كنت مولاه فعلي مولاه) فهذا حديث صحيح عند الترمذي وأحمد، ولا يلزم أن تكون الأحاديث الصحيحة فقط هي التي عند مسلم والبخاري، بل هذا حديث صحيح جاء عند الترمذي وأحمد وغيرهما.
أما زيادة: (اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه) هذه اختلف فيها أهل العلم، فمن العلماء من صححها، ومنهم من ضعفها، حتى أن الزيادة الأولى هناك من ضعفها من أهل العلم، وهي قوله: (من كنت مولاه فعلي مولاه) وهناك من ضعفها كإسحاق الحربي وابن تيمية وغيرهما وابن حزم وغيرهم.
وأما الزيادة الثانية وهي: (اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه) فهذه قد اختلف أهل العلم كما قلت فهناك من صححها وهناك من ضعفها.
أما الزيادة الأخيرة: (انصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار) فهذه كذب محض على النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
هذا الحديث يستدلون بها على خلافة علي بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة بدلالة: (من كنت مولاه فعلي مولاه) قالوا: المولى هو الحاكم والخليفة، إذاً: علي هو الخليفة بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة.
أولاً: نريد أن نعرف لماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا الكلام لعلي: (من كنت مولاه فعلي مولاه)، وهل أوقف النبي صلى الله عليه وسلم الناس ليقول لهم هذا الكلام أم أوقفهم لأمر آخر؟
لابد أن نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان راجعاً في سفره من مكة إلى المدينة بعد أن أنهى حجه صلوات الله وسلامه عليه، ورحلة السفر كما هو معلوم تستغرق ما بين خمسة إلى سبعة أيام، وكان من عادة النبي صلى الله عليه وسلم إذا سافر أن يمشي في الليل ويرتاح في النهار، فهذه كانت مرحلة من مراحل السفر التي كان يتوقف فيها النبي صلى الله عليه وسلم.(29/150)
إذاً: لم يتوقف ليقول هذا الكلام، وإنما توقف لأن هذا من عادته، وهذا طبيعي، فمن المستحيل أن يسيروا من خمسة إلى سبعة أيام متصلة مع النساء والرجال وهم قادمون من حج وما وراءهم شيء أصلاً دون أن يستريحوا، فطبيعي أن يرتاح النبي صلى الله عليه وسلم في مراحل السفر، فكان يرتاح في النهار ويسير في الليل كما قلنا.
القضية الثانية: لمَ قال هذا الكلام؟ هم يقولون: قاله يريد الخلافة؛ لأن علي هو الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، نحن نقول: لا، ليس كذلك وذلك لأمور، وما قلنا هذا رداً لخلافة علي رضي الله عنه، فنحن نتقرب إلى الله بحب علي رضي الله عنه، ولكن نرد هذا لأن هذا ليس بحق؛ لماذا ليس بحق؟
نقول أولاً: لو كان النبي صلى الله عليه وسلم يريد خلافة علي فليقل هذا في يوم عرفة، فالحجاج كلهم مجتمعون، حتى إذا غدر أهل المدينة شهد له باقي المسلمين، يقولون: النبي كان خائفاً أن يبلغ هذه الخلافة، يخاف أن يرد قوله، يخاف من أهل المدينة، عجباً لكم! يخاف من أهل المدينة، ثم يترك الناس كلهم ويخاطب أهل المدينة فقط! ما هذا التناقض؟! لا يقبل مثل هذا الكلام، ثم لماذا يخاف النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وممن يخاف؟ يخاف من الصحابة الذين تركوا أموالهم وبلادهم وديارهم وهاجروا في سبيل الله الذين.. يخاف من الذين قاتلوا في سبيل الله.. من الذين شاركوا في بدر، وأحد، الخندق، والحديبية، وخيبر، وحنين، وفتح مكة، وتبوك، أهؤلاء هم الذين يخاف منهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ يخاف منهم وقد بذلوا المهج، وبذلوا الأموال في سبيل الله، أيخاف منهم النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يقبلوا خلافة علي رضي الله عنه؟!(29/151)
لماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا الكلام لأهل المدينة خاصة ومن جاورها ولم يقل هذا الكلام لأهل الحج كلهم وخاصة إذا علمنا أن غدير خم يبعد عن مكة قريباً من مائتين وخمسين كيلو متر، ولذلك بعضهم يقول في حق هذا المكان: قال النبي في مجتمع الحديث. أين مجتمع الحجيج؟ مجتمع الحجيج مكة، مجتمع الحجيج عرفة، وليس في غدير خم الذي يبعد عن مكة خمسين ومائتي كيلو متر وهو أقرب إلى المدينة منه إلى مكة، وبين مكة والمدينة أربعمائة كيلو.
لم خص أهل المدينة؟ قال أهل العلم: لسببين:
السبب الأول: النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يخرج إلى الحج كان في المدينة وكان قد أرسل خالد بن الوليد إلى اليمن للقتال، وقد انتصر خالد بن الوليد في جهاده، وأرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم: أنا انتصرنا وعندنا غنائم، فأرسل إلينا من يخمس هذه الغنائم، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب إلى اليمن ليخمس الغنائم، ثم أمره أن يدركه في مكة في الحج، إذاً: النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة وعلي في المدينة، ثم أمر علياً أن يخرج إلى اليمن والموعد مكة، فيلتقيان في مكة، وقد أرسل النبي علي بن أبي طالب إلى اليمن، وجاء إلى اليمن وقسمت الغنائم كما هو معلوم إلى خمسة أقسام، أربعة أخماس للجنود الذين قاتلوا وفتحوا وجاهدوا، وخمس واحد يقسم إلى خمسة أخماس: خمس لله ولرسوله، وخمس لذوي القربى، وخمس لليتامى، وخمس للمساكين، وخمس لابن السبيل، قسمت الغنائم.(29/152)
علي الآن سيذهب إلى مكة ليلتقي بالنبي صلى الله عليه وسلم هناك في حجة الوداع، فالذي وقع أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أخذ الخمس الذي لذوي القربى -وهو سيد ذوي قربى النبي صلى الله عليه وآله وسلم- والخمس عبارة عن أموال وبهائم كالخيل والبغال، والإبل والبقر، والغنم، وسبي من نساء وأطفال ورجال، فماذا صنع علي رضي الله عنه؟ أخذ امرأة من السبي فدخل عليها-أي: جامعها-فغضب بعض الصحابة، فبريدة يقول: كيف يفعل علي ذلك، يخرج امرأة من السبي ومن نصيب ذوي القربى الذي يوزعه في المدينة وليس هنا؟ غضب بريدة عندما رآه خرج بعد أن دخل بهذه الجارية وقد اغتسل، فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، فقال: يا رسول الله! حصل كيت وكيت، وذكر له ما حصل من علي، فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم بشيء، فرجع بريدة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: حصل كذا وكذا من علي. أيضاً لم يرد عليه الصلاة والسلام، ثم رجع مرة ثالثة وقال: يا رسول الله! علي فعل كذا وكذا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (يا بريدة! أتبغض علياً؟ قال: نعم يا رسول الله، فقال له: لا تفعل فإن له من الخمس أكثر من ذلك) يقول بريدة: فأحببته بعد ذلك. لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: لا تفعل ذلك، فهم يطيعون النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك أحبه فدافع النبي عن علي صلوات الله وسلامه عليه.
إذاً: هذه المشكلة الآن داخلية بين بريدة وعلي، وبريدة وقد يكون شارك بريدة كخالد بن الوليد وغيره في هذه العملية، هذا أمر.(29/153)
الأمر الثاني: لما خرج علي من اليمن إلى مكة والنبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وهو في الطريق، علي رضي الله عنه أخذ نوقاً للنبي صلى الله عليه وسلم يعني: ساق الهدي معه، فلما كان في الطريق أمر أصحابه أن يتقدموا عليه، ونهاهم أن يركبوا على الإبل، و ألا يلبسوا بعض الثياب التي من الغنائم وسبقوه، فلما أدركهم علي وجد أن الإبل ركبت أو أن الملابس لبست، فغضب ونهرهم رضي الله عنه، ولسان حاله: كيف لا تطيعون أمري؟ أنا أمرتكم ألا تركبوا وألا تلبسوا، كيف تفعلون كذا، فتضايقوا من هذه المعاملة ومنهم أبو سعيد الخدري، يقول: فلما لقينا النبي صلى الله عليه وسلم في مكة اشتكيناه علياً، أي: أن علياً فعل كذا وكذا وكان قاسياً معنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لأني علمت أن علياً قد أحسن، فلا تغضبوا علياً).
أيضاً هذه مشكلة داخلية من علي رضي الله عنه عندها لما انتهى النبي صلى الله عليه وسلم من الحج ورجع إلى المدينة وصار قريباً من المدينة وأثناء راحتهم وقف هناك في يوم من الأيام وقال كلمته تلك: (من كنت مولاه فعلي مولاه) أي: يا من تكلمتم في علي احذروا، ترى فعلي مني وأنا منه.. يحبني من يحب علياً.. ويودني من يود علياً.. من كنت مولاه فعلي مولاه، هم يقولون: مولى الحكم، ونحن نقول: مولى الحب، بدليل ماذا؟ بدليل قوله بعد ذلك: (اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه) .. (من كنت وليه فعلي مولاه) المعنى واحد، فهذه هي قصة غدير خم.
المولى كما يقول ابن الأثير: تقع -أي: المولى- على الرب، والمالك، والمنعم، والناصر، والمحب، والصديق، وابن العم، والصهر، قلنا: هذه كلها تطلق على كلمة مولى، قالوا: لا، نحن نريد الخليفة هنا.(29/154)
لو كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يريد الخليفة لأتى بكلمة صريحة واضحة تحتمل أكثر من عشر معانٍ، يأتي بكلمة واضحة بينة سهلة يعرفها كل أحد، علي هو الخليفة من بعدي وانتهى الأمر، لكن لم يأتِ النبي صلى الله عليه وسلم بتلك الكلمة التي تنهي كل خلاف.
وأما كلمة مولى إنها الحاكم ليس صحيحاً بدليل قوله قال تعالى: (( فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمْ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ))[الحديد:15] سماها مولى وذلك لشدة الملاصقة، ولشدة اللحمة والقرب، ثم إن الموالاة نص ثابت لعلي رضي الله عنه في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبعد النبي صلوات الله وسلامه عليه، فهو في زمن النبي مولى، وبعد وفاة النبي مولى، والآن مولانا رضي الله عنه وأرضاه، ولذلك قال الله تبارك وتعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ))[المائدة:55] فكل المؤمنين بعضهم أولياء بعض كما قال الله تبارك وتعالى.
إذاً: هذا حديث الموالاة الذي يستدلون به على إمامة علي بعد النبي صلى الله عليه وسلم لا نرى فيه دلالة أبداً؛ ولذلك قال عالمهم النور الطبرسي: (لم يصرح النبي صلى الله عليه وسلم لعلي للخلافة بعده بلا فصل في يوم غدير خم، وأشار إليها بكلام مجمل مشترك بين معانٍ يحتاج إلى تعيين ما هو المقصود منها إلى قرائن) وهذا قاله في فصل الخطاب صفحة (205-206).
فإذا كان الأمر كذلك فكيف يقال بعد ذلك: إن هذا الحديث نص على خلافة علي للنبي صلى الله عليه وآله وسلم؟!
=========================0
حديث : (الإنذار يوم الدار)
الشيخ/ عثمان الخميس
حديث: (الإنذار يوم الدار):
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.(29/155)
من الأدلة التي يستدلون بها كذلك على إمامة علي رضي الله عنه وأرضاه حديث يقال له: حديث الدار، أو حديث الإنذار يوم الدار، وهو مرتبط ارتباطاً عظيماً بقول الله تعالى: (( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ))[الشعراء:214]، يرون أنه لما نزل قول الله تعالى: (( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ))[الشعراء:214] جمع النبي صلى الله عليه وسلم أقاربه على النحو الآتي: عن علي رضي الله عنه قال: (لما نزلت (( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ))[الشعراء:214] ورهطك المخلصين، دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بني عبد المطلب وهم إذ ذاك أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصون رجلاً، فقال: أيكم يكون أخي ووصيي ووارثي، ووزيري، وخليفتي فيكم بعدي؟ فعرض عليهم ذلك رجلاً رجلاً، كلهم يأبى ذلك، حتى أتى علي- هذا علي يقول ذلك رضي الله عنه-يقول: حتى أتى علي فقلت: أنا يا رسول الله، فقال: يا بني عبد المطلب! هذا أخي ووارثي ووصيي ووزيري وخليفتي فيكم بعدي، قال: فقام القوم يضحكون بعضهم إلى بعض ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع وتطيع لهذا الغلام) وهناك روايات أخرى لهذا الحديث أو لهذه القصة مرجعها بحار الأنوار الجزء الثامن عشر صفحة (178)، والبرهان الجزء الثالث صفحة (190)، والميزان الجزء الخامس عشر صفحة (336)، وأما كتب أهل السنة فجاءت في مسند أحمد الجزء الأول صفحة (111)، و(159).
يستدلون بهذا الدليل على أن علياً هو الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.(29/156)
نقول أولاً: هذا الحديث ذكره الموسوي في كتاب المراجعات، وذكره كذلك الأنطاكي في كتابه(لماذا اخترت مذهب الشيعة؟) وذكره تقريباً كل علماء الشيعة الذين ألفوا كتباً يستدلون بها على أهل السنة في إثبات خلافة علي رضي الله عنه بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة، وقد بالغ عبد الحسين شرف الدين في كتاب المراجعات حيث قال: وحسبك ما أخرجه أحمد في مسنده الجزء الأول صفحة إحدى عشرة ومائة. فتجده يخرج الحديث عن الأسود بن عامر عن شريك عن الأعمش عن المنهال عن عباد بن عبد الله الأسدي عن علي مرفوعا، ثم قال: وكل واحد من سلسلة هذا السند حجة عند الخصم وكلهم من رجال الصحاح بلا خلاف، ثم صار بعد ذلك يقدم لكل رجل من رجال هذا السند، فقال: الأسود بن عامر احتج به البخاري ومسلم، شريك احتج به مسلم، الأعمش احتج به مسلم، والمنهال احتج به البخاري، عباد بن عبد الله الأسدي قال: هو عباد بن عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي احتج به البخاري ومسلم.
من هو عباد بن عبد الأسدي المذكور في سند حديث الدار؟(29/157)
وللأسف لا أقول لعدم العلم بل لعدم وجود الأمانة العلمية حاول أن يدلس ويلبس بهذا الحديث، فعباد بن عبد الله الأسدي يختلف تماماً عن عباد بن عبد الله بن الزبير، هذا شخص وذاك شخص آخر، عباد بن عبد الله الأسدي هو الذي يروي عنه المنهال وهو الذي يروي عن علي رضي الله عنه وأرضاه، بينما عباد بن عبد الله بن الزبير بن العوام هذا لا يروي عنه المنهال ولا يروي هو عن علي رضي الله عنه، ولكن لإرادة التدليس والتلبيس على الناس جعلوا عباد بن عبد الله الأسدي هو عباد بن عبدالله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي كذلك، هذا من التلبيس والكذب؛ ولذلك عباد بن عبد الله الأسدي يترجم له صاحب التهذيب وهو الحافظ بن حجر رحمه الله تعالى يترجم له في الصفحة ذاتها التي ترجم لعباد بن عبد الله بن الزبير، فقال: عباد بن عبد الله الأسدي روى عنه المنهال وروى عن علي، وهو ضعيف.
بينما عباد بن عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي لا يعرف بالأسدي وإنما يعرف بعباد بن عبد الله بن الزبير، لكن جعله مكان هذا حتى يلبس على الناس، وليس هو راوي هذا الحديث بل الذي يرويه الضعيف عباد بن عبد الله الأسدي، وهذا من كذبهم، الله المستعان.
على كل حال: عباد بن عبد الله الأسدي قال عنه البخاري: فيه نظر، وكلمة(فيه نظر) عند البخاري -كما قال الحافظ ابن كثير في الباعث الحثيث- هي أشد عبارات الجرح عند الإمام البخاري.
وأحمد ضرب على حديثه، وقال ابن حزم: مجهول، وهذا هو عباد بن عبد الله الأسدي، إذاً: الحديث لا يصح من طرق أهل السنة.(29/158)
أما طرق الشيعة فالحديث روي من طرق كثيرة عند الشيعة، ولكن بعد تتبع هذه الطرق عندهم فإنه لا يصح هذا الحديث من كتبهم ومن رجالهم أيضاً، لا يصح عند أهل السنة وكذلك لا يصح عند الشيعة، وجاء عند السنة من طريق آخر عند الطبراني والطبري من طريق عبد الغفار بن القاسم أبي مريم، وعبد الغفار أبو مريم الأنصاري، قال عنه ابن المديني: كان يضع الحديث. وقال أبو داود: وأنا أشهد أنا أبا مريم كذاب. وقال أبو حاتم النسائي: متروك. وقال الذهبي: ليس بثقة.
إذاً: هذا الحديث من حيث المتن لا يصح ولا يثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فهذه القصة مكذوبة من أصلها، ثم هي أصلاً باطلة من حيث المتن، متنها باطل، لا يصح متنها، لماذا؟
كم عدد بني عبد المطلب في بداية البعثة النبوية؟
أولاً: لو نظرنا إلى قول علي رضي الله عنه عندما يقول: جمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بني عبد المطلب أربعين رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصون رجلاً. هل بنو عبد المطلب يصلون إلى أربعين؟ لا يصلون إلى أربعين، فهل أخطأ علي في الحسبة أو كذبوا؟ الأقرب أنهم كذبوا عليه، تعالوا بنا نحسب ونعد أبناء عبد المطلب.(29/159)
أبناء عبد المطلب -كما ذكر أهل الأنساب- عشرة، والمشهور منهم اثنان أسلما وعاصرا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، واثنان لم يسلما وعاصرا النبي صلى الله عليه وسلم، وستة لم يعاصروا النبي صلوات الله وسلامه عليه، فاللذان أسلما وعاصرا النبي صلى الله عليه وسلم هما حمزة والعباس، واثنان عاصرا النبي صلى الله عليه وسلم وهما أبو طالب وأبو لهب، وستة من بني عبد المطلب لم يسلموا ولم يدكوا البعثة أصلاً، فلم يحضروا هذه القصة، ولم يكونوا في ذلك اليوم من أهل الأرض بل كانوا من أهل باطن الأرض وهم: عبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم، والحارث بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم، والزبير بن عبد المطلب كذلك عم النبي صلى الله عليه وسلم، والمقوم، وغيداق، والسادس من هؤلاء قيل: صفار وقيل: هلال.
على كل حال هؤلاء الستة لم يدركوا مبعث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ إذاً: لم يكونوا موجودين، إذاً: من يكون موجوداً من أعمام النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الحادثة؟ هم الأربعة: الحمزة، والعباس، وأبو طالب، وأبو لهب.
إذاً: أربعة حضروا، فمن أولاد هؤلاء الأربعة؟
أما حمزة والزبير وضرار والمقوم وغيداق فلا يعرف لهم ذرية من الذكور، فقد تكون ذريتهم من الإناث كما هو الحال بالنسبة لحمزة، وكما هو الحال بالنسبة للزبير، قصة بضاعة بنت الزبير مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم معروفة، وهي ابنت عمه، فهؤلاء ذرية من الإناث، ولكن من الذكور لا يعلم لهم ذرية من الذكور، هؤلاء هم بني عبد المطلب.(29/160)
إذاً: ضرار، والمقوم، والغيداق، والزبير، وحمزة، هؤلاء ليس لهم ذرية، وعبد الله ليس له ذرية إلا النبي صلى الله عليه وسلم، فبقي أربعة: العباس له ذرية، وأبو طالب له ذرية، والحارث له ذرية، وأبو لهب له ذرية، إذاً: عندنا أربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأربعة آخرون لهم ذرية، العباس من ذريته تسعة، ولا واحد منهم أدرك هذه الحادثة، ما أدركها إلا واحد وهو الفضل بن العباس، أكبر أولاده فقط؛ لأن بعد الفضل عبد الله ثم عبيد الله ابني العباس، وهذان أدركا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن متى؟ عبد الله بن عباس ولد قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم بثلاثة أشهر، وهذا في أول البعثة، فلم يحضر، ومن باب أولى عبيد الله لم يحضر، ومن باب أولى الستة الآخرون من أبناء العباس وهم: معبد، و...، وتمام، وقتم، وعبد الرحمن، والحارث، فإنهم لم يدركوا هذا؛ لأنهم من التابعين أصلاً، ولم يدركوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
إذاً: الذي سيحضر من أبناء العباس واحد فقط وهو الفضل، وأضفنا واحداً إلى الأعمام الأربعة وهو الفضل بن العباس، فصاروا خمسة.
أبناء أبي لهب هم: عتبة، وعتيبة، ومعتب، ولنفرض أن كلهم حضروا، فمع الخمسة صاروا ثمانية.
بقي عندنا أولاد أبي طالب وأولاد الحارث عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقط، أولاد أبي طالب: طالب، وعقيل، وجعفر، وعلي رضي الله عنه هو أصغرهم، طالب: المشهور أنه لم يدرك البعثة أصلاً، بل مات قبل البعثة، ولنفرض أن طالباً كان موجوداً، إذاً: هؤلاء أربعة: جعفر، وطالب، وعلي، عقيل، أربعة مع ثمانية، هؤلاء صاروا اثني عشر رجلاً فقط.
لم يبق عندنا إلا أولاد الحارث عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأولاده الحارث هم صبيبة بن الحارث.. أبو سفيان بن الحارث.. أمية بن الحارث.. عبد الله... نوفل بن الحارث، هؤلاء خمسة، خمسة نضيفهم إلى اثني عشر رجلاً صاروا سبعة عشر رجلاً.(29/161)
وإذا تركنا طالباً وقلنا: إنه مات صاروا ستة عشر رجلاً ولكن نضيفه وليكونوا سبعة عشر رجلاً، أين الأربعون رجلاً؟ ويقول: وهم إذ ذاك أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصون رجلاً، هؤلاء كلهم أبناء عبد المطلب، أين الأربعون رجلاً؟ لا مصداقية لهم؛ ولذلك هذا الذي وضع الحديث لم يفكر تفكيراً دقيقاً في أولاد عبد المطلب وإنما أرسلها إرسالاً هكذا دون أن يمعن النظر فيها، ثم فوجئ بأنه بالغ كثيراً في العدد وتعدى أكثر من الضعف.
إذاً: هذا أول مطعن في هذا الحديث وهو: أن أولاد عبد المطلب أصلاً لم يبلغوا هذا العدد الذي زعمه في الرواية بأنهم أربعون رجلاً، يزيدون رجلاً أو ينقصون رجلاً، ولعل هذه يزيدون أو ينقصون من باب الدقة، وكأنها محسوبة تماماً، وهذا كله كلام باطل.
ثم كذلك أن يقال: علي هو الذي قام وقال: أنا أتابعك، عجيب! علي أصغرهم، بعث النبي صلى الله عليه وسلم ولعلي ثمان سنوات، فكيف علي هو الذي يقول: أنا أتابعك؟! ألم يتابع النبي صلى الله عليه وسلم غير علي من بني عبد المطلب؟ ألم يؤمن قبل علي جعفر الذي هو أكبر من علي بعشر سنوات؟ أليس هو أمير القوم الذين هاجروا إلى الحبشة؟ جعفر بن أبي طالب ابن عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأخو علي الكبير، ولماذا لا يكون جعفر هو الخليفة؟ فأثر جعفر في مكة أكبر من أثر علي رضي الله عنه، فعلي كان صغيراً، فكيف يقوم علي؟ وجعفر ألم يقم في ذلك الوقت؟ جعفر من الأوائل الذين أسلموا وتابعوا النبي صلى الله عليه وسلم.
عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب من الأوائل الذين تابعوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، هو الذي خرج مع حمزة وعلي في بدر للقاء عتبة بن ربيعة، والوليد بن قتبة، وشيبة بن ربيعة، إذاً: عبيدة بن الحارث ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم أين هو؟ لماذا لم يقم ويقل: أنا؟(29/162)
أين حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم؟ أليس أسلم وتابع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أسد الله وأسد رسوله، أين هو؟
أقول: إذا أردنا أن نمدح علياً رضي الله عنه فلا مانع من هذا، فمدائحه كثيرة جداً، لكن لا يكون هذا على حساب الطعن في آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأقاربه الذين تابعوه وأسلموا واتبعوا ما جاء به صلوات الله وسلامه عليه.
ثم هل يكفي أنه قام للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال له: أنا أتابعك، ويكون وزيره ويكون خليفته، ويكون كذا، ما يصلح هذا، هل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث لبني عبد المطلب؟ الأنبياء السابقون كانوا يبعثون إلى أقوامهم، والنبي بعث للإنس والجن، بعث للثقلين، بعث للأسود والأحمر: (كان الأنبياء يبعثون إلى أقوامهم خاصة، وبعثت للناس كافة) ثم يحكرها النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أيكم يتابعني يكون خليفتي؟! كيف يعقل هذا أن يخرج من النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ وهل يكفي مجرد المتابعة أن يكون خليفته من بعده؟ لا يلزم هذا.
ثم كذلك لنا أن نسأل: النبي صلى الله عليه وسلم جاءه عامر بن الطفيل، وجاءه بنو كلاب وطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون لهم الأمر من بعده ويتابعونه على الإسلام، فقال: (الأمر لله، يضعه حيث شاء) ولم يقل لهم: الأمر لعلي بعدي، وإنما قال لهم: (الأمر لله يضعه، حيث يشاء سبحانه وتعالى).
وآخرها: أليس الشيعة الاثني عشرية يزعمون أن علياً كان خليفة للنبي صلى الله عليه وسلم وكان وصياً له قبل خلق الخلق؟ فكيف يعرض عليهم النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً مفروغاً منه؟ الأمر عندهم مفروغ منه، والنبي صلى الله عليه وسلم جعل خليفته علياً رضي الله عنه قبل بعثه، وقبل خلق السموات والأرض، كانوا أشباحاً كما يقولون في كتبهم تحت العرش.(29/163)
افرض أن حمزة قال: أنا، أو أن العباس قال: أنا، أو أن أبا طالب قال: أنا، فهل حق علي سيضيع؟! أليس المفروض أن يقول لهم: الأمر منتهٍ، علي هو الخليفة، فلا يفكر أحد، ولا يناقش، أما أن يأتي ويعرض عليهم شيئاً مفروغاً منه عند الله سبحانه وتعالى، هذا لا يمكن أن يكون من النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ولنفرض أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعطاها لعلي، كما قد حصل في الحديث حيث قال: (أنت خليفتي ووصيي) هل صار خليفته؟ هل صار وصيه؟ الوعد لم ينجز؛ لأن الخليفة بعد رسول الله أبو بكر ثم عمر ثم عثمان، إذاً: لم ينفذ وعده، أترضون هذا لنبي الله أنه لم ينجز وعده؟ وعده شيئاً ثم لم ينجزه له؟! هذه مشكلة! هو يقول: يكون خليفتي.. يكون وصيي.. يكون وزيري، وما صار شيء من هذا أبداً، إذاً: النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ينجز وعده أو نقول: مكذوب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ نقول: مكذوب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أهون بدل أن نتهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم ينجز وعده.
ثم انظروا إلى خاتمة الحديث! لا يمكن أن تعقل ولا يمكن أن تقبل، الآن هم لم يؤمنوا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، يقول لهم: أنا رسول الله. يقولون: كذاب، ساحر، شاعر، كاهن، مجنون، ما قبلوا أن يكون رسولاً من عند الله، ثم تريدهم أن يقبلوا أن يكون علياً وصياً من بعده، أولاً: دعهم يقبلوا بالأصل لكي يقبلوا بالفرع، هم الأصل الآن ما قبلوا به ورفضوه فكيف يطالبون بالفرع ويؤمنوا بأن علياً هو الخليفة بعده صلوات الله وسلامه عليه.
إذاً: إذا كان الأمر كذلك ننتهي إلى نهاية مهمة جداً مع ضعف أسانيد هذه القصة عند السنة وعند الشيعة، لا تصح أسانيد هذه القصة حسب بحثي، بعد ذلك نستطيع أن نقول: هذه قصة مكذوبة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم.(29/164)
تصوروا أنتم عندما يسمع العرب ويسمع الناس الذين يريدون أن يتابعوا النبي صلى الله عليه وسلم عندما يسمعوا هذه القصة، لا شك أنهم سيقولون: ما هذا الرسول؟ من البداية يجعلها في أولاده! يقول: علي خليفتي، وأنتم يا بني عبد المطلب من يسمع كلامي منكم يصير خليفة من بعدي! طيب وباقي الناس ما لهم حق في ذلك؟ هل كلها لبني عبد المطلب؟ فعند ذلك يشكون في دعوته، ويظنون أنه يريد ملكاً، كما قال هرقل لأبي سفيان، فقال: هل كان من آبائه من ملك؟ قال أبو سفيان: لا. قال هرقل: قلت: لو كان من آبائه ملك لقلت: يطلب ملك آبائه.
كذلك علي يكون خليفة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنه ابن عمه فقط؟ نحن لا نقول بذلك، نحن نقول: بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الأفضل من أصحابه يكون هو الخليفة، وليست القضية قضية؛ لأنه قريبي أعطيه الملك بعدي، هذه هي قضية هذا الحديث.
ثم إذا نظرنا في مسألة وهي: كم كان عمر علي رضي الله عنه في تلك الفترة؟
********************
الباب الثاني- تحريف القرآن
موقف علماء الشيعة من القرآن
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين ، ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين ، أما بعد :
فهذه كلمات أكتبها لك أيها القارئ الكريم معطرة بالمودة ويفوح منها شذا المحبة لك . أخاطبك فيها ، وأحادثك بها ، وأخصك أنت بهذا الحديث لأنك صاحب العقل المستنير الذي ترك التبعية فيما بدا له فيه الخطأ الزلل .(29/165)
ما أقوله هنا ليس مجاملة أو مداهنة أو مداراة بل هو الحق لأنك أتيت إلى "البرهان" تبحث عن الدليل والحجة والبيان ، فإليك إياها مسطرة من كتب معتبرة حول قضية شائكة ومسألة عويصة ولكن … على من قلد وأتبع من دون بحث أو تحر، أما أنت أيها المطلع الكريم فما أيسرها عليك حيث سيتبين لك ومن خلال الاستقراء فقط بطلانها وهشاشة أساسها لأنك صاحب البصر والبصيرة . آن لك أن تسأل … ما هي القضية ؟ وأين المسألة ؟ فأقول :
هي قضية اعتقدها أكثر علماء الشيعة بل قد قال بعض الباحثين إن كلهم قال بذلك وهي مسألة وردت في أمهات الكتب لدى الشيعة فهي عقيدة أساسية في المذهب الشيعي ألا وهي القول بـ: " تحريف القرآن "
وخلاصة هذه العقيدة أن القرآن الموجود الآن محرف ومغير ومبدل . وهو على غير الصورة والهيئة التي أنزله الله – سبحانه وتعالى – بها .
وهذه العقيدة لم أقل بها من تلقاء نفسي أو أتقولها على أحد – فحاشا وكلا- بل هي عقيدة أخذتها من كتب علماء الشيعة ومحدثيهم أصحاب الشأن ودوري فقط هو النقل لبعض ماوجدته من كلام ورأيته من أقوال في المصادر الشيعية حول هذا الاعتقاد والذي بمجرد عرضه يتبنى لك يا صاحب النظر الثاقب والفكر النير بطلانه ، كيف لا !!! والله عز وجل يقول { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } فالله يقول أنا أتكفل بحفظه وهذه العقيدة تقول بل ضيع وما حفظ .
والله عز وجل يقول في القرآن { لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد } وهذه العقيدة تقول بل أتاه الباطل من كل جانب .(29/166)
هذا تذكير لي ولك أيها الحبيب وإلا فأنت أعلم بهذا الكلام مني ، فهلم إلي وضع يدك في يدي لننطلق سوياً ونمضي معاً إلى هدف واحد أريده أنا كما تريده أنت ، فهيا بنا لنسير على النهج السليم حتى نصل إلى الحق المبين مستعينين بالله ولنرفع أكفنا إليه ونقول : اللهم وفقنا إلى سبيل الهدى والرشاد اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا أتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه .
أيها القارئ المعمل لفكره والمتأمل بعقله ، قبل أن أسوق إليك أقوال هؤلاء العلماء في إثبات عقيدة القول بتحريف القرآن أترجم لبعضهم لتتعرف على مكانتهم لدى الشيعة وعظم قدرهم وأهمية علومهم وكتبهم وأنهم ليسوا من الرعاع بل من القادة والزعماء الذين أسسوا المذهب الشيعي – وكما قلت لك فهدفنا جميعاً هو الحق حيثما وجد - والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها والمؤمن مرآة أخيه فإليك تراجم بعض من سأنقل عنهم القول بتحريف القرآن من المصادر والمراجع الشيعية ولك الحق في الرجوع إليها والبحث فيها إن شئت :
أولاً: أبو الحسن علي بن إبراهيم القمي المتوفى عام 307 هـ وله كتاب في التفسير هو تفسير القمي .
قال المجلسي :" علي بن إبراهيم بن هاشم ، أبو الحسن القمي من أجله رواه الأمامية ومن أعظم مشايخهم أطبقت التراجم على جلالته ووثاقته ، قال النجاشي في الفهرست : ثقة في الحديث ثبت معتمد صحيح الذهب سمع فأكثر وصنف كتباً " مقدمة البحار ص 128(29/167)
وقال الشيخ طيب الموسوي الجزائري في مقدمة للتفسير " لا ريب في أن هذا التفسير الذي بين أيدينا من أقدم التفاسير التي وصلت إلينا ، ولولا هذا لما كان متناً متيناً في هذا الفن ، ولما سكن إليه جهابذة الزمن فكم من تفسير قيم مقتبس من أخباره ، ولم تره الا منوراً بأنواره كالصافي ومجمع البيان والبرهان … ثم قال بعد ذلك . وبالجملة فإنه تفسير رباني ، وتنوير شعشعاني عميق المعاني قوي المباني عجيب في طوره ، بعيد في غوره لا يخرج مثله إلا من عالم ولا يعقله إلا العالمون " مقدمة تفسير القمي بقلم طيب الموسوي الجزائري ص 14-16.
ولعل في هذا القدر كفاية في بيان مكانته ومكانة تفسيره لدى الشيعة .
ثانياً : أبو جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني المتوفى عام 328هـ ومن مؤلفاته : الكافي.
قال الطوسي : " محمد بن يعقوب الكليني يكنى أبا جعفر الأعور جليل القدر ، عالم بالأخبار وله مصنفات منها الكافي " رجال الطوسي ص 495.
وقال الأردبيلي :" محمد بن يعقوب بن إسحاق أبو جعفر الكليني ، خاله علان الكليني الرازي، وهو شيخ أصحابنا في وقته بالري ووجههم وكان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم ، صنف كتاب الكافي في عشرين سنة " جامع الرواة 2/218، الحلي ص145.
وقال آغا بزرك الطهراني موثقاً الكافي :" الكافي في الحديث وهو أجل الكتب الأربعة الأصول المعتمدة لم يكتب مثله في المنقول من آل الرسول لثقة الإسلام محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني ابن أخت علان الكليني المتوفي سنة 328هـ " الذريعة 17/245.
كما قيل في الكافي والثناء عليه " هو أجل الكتب الإسلامية ، وأعظم المصنفات الإمامية ، والذي لم يعمل مثله ، قال المولي محمد أمين الاسترآ بادي في محكى فوائده : سمعنا عن مشائخنا وعلمائنا أنه لم يصنف في الإسلام كتاب يوازيه أو يدانيه " " الكنى والألقاب للعباس القمي ج3ص98 ومثله في مستدرك الوسائل ج3ص532.(29/168)
وقيل أيضاً :" الكافي … أشرفها وأوثقها وأتمها وأجمعها لاشتماله على الأصول من بينها وخلوه من الفضول وشينها " الوافي ج1ص6.
وذكر الخوانساري أن المحدث النيسابوري قال في الكافي بعد الكلام على الكليني والثناء عليه " وكتابه مستغن عن الإطراء لأنه رضي الله عنه كان بمحضر من نوابه عليه السلام وقد سأله بعض الشيعة من النائية تأليف كتاب " الكافي " لكونه بحضرة من يفاوضه ويذاكره ممن يثق بعلمه ، فألف وصنف وشنف ، وحكى أنه عرض عليه فقال : كاف لشيعتنا " ( روضات الجنات ج6ص116.
ثالثاً: محمد باقر المجلسي المتوفى سنة 1111هـ ومن مؤلفاته : بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار . وكتاب : مرآة العقول في شرح أخبار الرسول . وكتاب جلاء العيون ، وكتاب الأربعين وغيرها من الكتب . قال الأردبيلي : محمد باقر بن محمد تقي بن المقصود علي الملقب بالمجلسي مد ظله العالي ، استاذنا وشيخنا شيخ الأسلام والمسلمين ، خاتم المجتهدين الإمام العلامة المحقق المدقق جليل القدر عظيم الشأن وفيع المنزلة وحيد عصره ، فريد دهره ، ثقة ثبت عين كثير العلم جيد التصانيف ، وأمره في علو قدره وعظم شأنه وسمو رتبته وتبحره في العلوم العقلية والنقلية ودقة نظره وإصابة رأيه وثقته وأمامته وعدالته اشهر من أن تذكر وفوق ما يحوم حوله العبارة … له كتب نفيسة … منها : كتاب بحار الأنوار المشتمل على جل أخبار الأئمة الأطهار وشرحها كتاب كبير قريب من ألف ألف بيت " جامع الرواة 2/78-79 وتنقيح المقال للمامقاني :2/85 .
رابعاً : أبو عبدالله محمد بن محمد بن النعمان المشهور بالمفيد والمتوفى عام 413هـ ومن مؤلفاته : الإرشاد – أمالي المفيد – أوائل المقالات وغيرها .(29/169)
قال يوسف البحراني في كتاب لؤلؤة البحرين ص356-357 :" قال شيخنا في الخلاصة : محمد بن محمد بن النعمان يكنى أبا عبدالله ويلقب بالمفيد … من أجل مشائخ الشيعة ورئيسهم وأستاذهم وكل من تأخر عنه أستفاد منه وفضله أشهر من أن يوصف ".
وقال عباس القمي :" شيخ مشايخ الجلة ، ورئيس رؤساء الملة ، وفخر الشيعة ومحيي الشريعة ، ملهم الحق ودليله ، ومنار الدين وسبيله ، اجتمعت فيه خلال الفضل انتهت إليه رئاسة الكل واتفق الجميع على علمه وفضله وفقهه وعدالته وثقته وجلالته كان رحمه الله كثير المحاسن جم المناقب ، حاضر الجواب ، واسع الرواية خبير الرواية بالأخبار والرجال والأشعار ، وكان أوثق أهل زمانه بالحديث وأعرفهم بالفقه والكلام وكل من تأخر عنه أستفاد منه " [ الكنى والألقاب 3/164]
خامساً: حسين محمد تقي الدين النوري الطبرسي المتوفى سنة 1320هـ ومن مؤلفاته :
مستدرك الوسائل – فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب [ كتاب كامل يثبت فيه من روايات أئمة الشيعة المنسوبة إليهم يثبت أن التحريف واقع في القرآن وحشد لذلك مئات الروايات ]
قال أغا بزرك الطهراني :" الشيخ ميرزا حسين بن الميرزا محمد تقي بن الميرزا علي محمد تقي النوري الطبرسي إمام أئمة الحديث والرجال في الأعصار المتأخرة ومن أعاظم علماء الشيعة وكبار رجال الأسلام في هذا القرن … كان الشيخ النوري أحد نماذج السلف الصالح التي ندر وجودها في هذا العصر فقد أمتاز بعبقرية فذة وكان آية من آيات الله العجيبة ، كمنت فيه مواهب غريبة ، وملكات شريفة أهلته لأن يعد في الطليعة من علماء الشيعة الذين كرسوا حياتهم طوال أعمارهم لخدمة الدين والمذهب ، وحياته صفحة مشرقة من الأعمال الصالحة ومن تصانيفه : فصل الخطاب في مسألة تحريف الكتاب .[ نقباء البشر ج2ص543،545،549،550].
أيها القارئ الكريم :(29/170)
هذا تعريف ببعض من سأنقل كلامه وإن أردت الزيادة فعليك بكتب الرجال والتراجم لدى علماء الشيعة لتتعرف عليهم أكثر وتعرف قدرهم ومكانتهم وفقك الله لكل خير .
وإليك بعد ما سبق بعض ماورد من الأقوال التي جاء بها التصريح بتحريف القرآن وقد تركت نصوصاً صريحة خشية الإطالة والإملال ، وتركت أقوالاً أخر لأنها لم تكن صريحة وإنما كان مافيها تعريف أوتلميح فخذ هذا الصريح البين من الأقوال وأنت الحكم لأنك أهل لأن تحكم يا ذا الذهن المتوقد والفطنة الحية فاحكم على هذه النصوص واحداً بعد الأخر :
النص الأول : من كلام القمي في تفسيره (1/10) حيث قال :
وأما ما هو خلاف ما أنزل الله فهو قوله "{ كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله }" فقال أبو عبدالله عليه السلام لقارئ هذه الأية : " خير أمة " ، يقتلون أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهما السلام ؟ فقيل له : وكيف نزلت يا ابن رسول الله ؟ فقال : إنما نزلت "{ كنتم خير أئمة أخرجت للناس }" ألا ترى مدح الله لهم في أخر الآية : تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ".
ومثله آية قرئت على أبي عبدالله عليه السلام : "{ الذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً }" فقال أبو عبدالله عليه السلام : لقد سألوا الله عظيماً أن يجعلهم للمتقين إماماً . فقيل له : يا أبن رسول الله كيف نزلت ؟ فقال : إنما نزلت "{ الذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين وأجعل لنا من المتقين إماماً }".
وقوله :"{ له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله }" فقال أبو عبدالله : كيف يحفظ الشئ من أمر الله وكيف يكون المعقب من بين يديه ؟ فقيل له : وكيف ذلك با أبن رسول الله ؟ فقال : أنما نزلت "{ له معقبات من خلفه ورقيب من يديه يحفظونه بأمر الله }" ومثله كثير .(29/171)
وأما ما هو محرف فهو قوله "{ لكن الله يشهد بما أنزل إليك في علي أنزله بعلمه والملائكة يشهدون }" وقوله :"{ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك في علي فإن لم تفعل فما بلغت رسالته}".
وقوله :"{ إن الذين كفروا وظلموا آل محمد حقهم لم يكن الله ليغفر لهم }" وقوله :"{ وسيعلم الذين ظلموا آل محمد حقهم أي منقلب ينقلبون }" وقوله :"{ ولو ترى الذين ظلموا آل محمد حقهم في غمرات الموت }".
النص الثاني : ذكر الكليني في الكافي ( 1/457) :
عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام قال : وإن عندنا لمصحف فاطمة (ع) وما يدريهم ما مصحف فاطمة ( ع ) ؟ قال : قلت وما مصحف فاطمة ( ع ) ؟ قال : مصحف فاطمة فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات والله مافيه من قرآنكم حرف واحد . قال : قلت هذا والله العالم .
النص الثالث : ذكر الكليني في الكافي أيضاً ( 4/456) :
عن هشام بن سالم عن أبي عبدالله عليه السلام قال : " إن القرآن جاء به جبرئيل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم سبعة عشر ألف آية" . مع أن عدد آيات القرآن ستة ألاف آية فانظر إلى الفرق يارعاك الله .
النص الرابع : جاء في الكافي أيضاً ( 4/433) :
عن محمد بن سليمان عن بعض أصحابه عن أبي الحسن عليه السلام قال : قلت له : جعلت فداك إنا نسمع الآيات من القرآن ليس هي عندنا كما نسمعها ولا نحسن أن نقراها كما بلغنا عنكم فهل نأثم ؟ فقال : لا ؛ اقرأوا كما تعلمتم فسيجيئكم من يعلمكم.
النص الخامس : وذكر أيضاً في الكافي (4/452 ) :(29/172)
عن عبدالرحمن بن أبي هشام عن سالم بن سلمة قال : قرأ رجل على أبي عبدالله عليه السلام وأنا أستمع حروفاً من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس . فقال أبو عبدالله عليه السلام : كف عن هذه القراءة . أقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم عليه السلام . فإذا قام القائم عليه السلام قرأ كتاب الله عز وجل على حده وأخرج المصحف الذي كتبه علي عليه السلام وقال : أخرجه علي عليه السلام إلى الناس حين فرغ منه وكتبه وقال لهم هذا كتاب الله عز وجل كما أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم وقد جمعته بين اللوحين فقالوا : هوذا عندنا مصحف جامع لا حاجة لنافيه . فقال : أما والله ما ترونه بعد يومكم هذا أبداً .
النص السادس : ورد في الكافي أيضاً ( 1/441) :
عن جابر قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : لما أدعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كله كما أنزل إلا كذاب وما جمعه وحفظه كما أنزله الله تعالى إلا علي بن أبي طالب عليه السلام والأئمة من بعده عليهم السلام .
النص السابع : في الكافي أيضاً (1/441) :
عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال : ( ما يستطيع أحد أن يدعي أن عنده جميع القرآن ظاهره وباطنه غير الأوصياء )
النص الثامن : قال أبو القاسم الكوفي في كتابه الاستغاثة ص 25 عند الكلام على أبي بكر الصديق رضي الله عنه : ( ومن بدعه أنه لما أراد أن يجمع ما تهيأ من القرآن صرخ مناديه في المدينة من كان عنده شيء من القرآن فليأتنا به ثم قال : لا نقبل من أحد منه شيئاً إلا شاهدي عدل وإنما أراد هذه الحال لئلا يقبلوا ما ألفه أمير المؤمنين عليه السلام إذ كان ألف في ذلك الوقت جميع القرآن بتمامه وكماله من ابتدائه إلى خاتمته على نسق تنزيله فلم يقبل ذلك خوفاً أن يظهر فيه ما يفسد عليهم أمرهم فلذلك قالوا : لا نقبل القرآن من أحد إلا بشاهدي عدل ) أ.هـ
النص التاسع : قال الشيخ المفيد في كتابه أوائل المقالات ص 13 :(29/173)
( واتفقوا أي الإمامية على أن أئمة الضلال خالفوا في كثير من تحريف القرآن وعدلوا فيه عن موجب التنزيل وسنة النبي صلى الله عليه وسلم )
النص العاشر : قال الأردبيلي في كتابه ( حديقة الشيعة ) ص 118-119 بالفارسية نقلاً عن الشيعة والسنة ص 137 ( إن عثمان قتل عبدالله بن مسعود بعد أن أجبره على ترك المصحف الذي كان عنده وأكرهه على قراءة ذلك المصحف الذي ألفه ورتبه زيد بن ثابت بأمره )
وقال البعض : إن عثمان أمر مروان بن الحكم وزياد بن سمرة الكاتبين له أن ينقلا من مصحف عبدالله ما يرضيهم ويحذف منه ما ليس بمرض عندهم ويغسلا الباقي .
النص الحادي عشر : قال الطبرسي في كتابه الاحتجاج (1/370) :
( إن الكناية عن أسماء أصحاب الجرائر العظيمة من المنافقين في القرآن ليست من فعله تعالى وإنها من فعل المغيرين والمبدلين الذين جعلوا القرآن عضين واعتاضوا الدنيا من الدين وقد بين الله تعالى قصص المغيرين بقوله : ( الذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً ) وبقوله : ( وإن منهم لفريقاً يلوون ألسنتهم بالكتاب) وبقوله : ( إذ يبنون ما لا يرضى من القول ) .
النص الثاني عشر : قال الطبرسي أيضاً في الإحتجاج (1/224) : ( ولما أستخلف عمر سأل علياً أن يدفع لهم القرآن فيحرفوه فيما بينهم فقال أبا الحسن : إن كنت جئت به إلى أبي بكر فأت به إلينا حتى نجتمع عليه فقال علي عليه السلام :هيهات ليس إلى ذلك سبيل إنما جئت به إلى أبي بكر لتقوم الحجة عليكم ولا تقولوا يوم القيامة : إن كنا عن هذا غافلين أو تقولوا ما جئتنا به . إن القرآن الذي عندي لا يمسه إلا المطهرون والأوصياء من ولدي
فقال عمر : فهل وقت لإظهار معلوم ؟ قال عليه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : نعم إذا قام القائم من ولدي يظهره ويحمل الناس عليه فتجري السنة به )
النص الثالث عشر : يقول الطبرسي أيضاً ( 1/377-378) من كتاب الاحتجاج:(29/174)
( ولوشرحت لك كل ما أسقط وحرف وبدل وما يجري في هذا المجال لطال وظهر ما تحظر التقية إظهاره من مناقب الأولياء ومثالب الأعداء )
النص الرابع عشر : ذكر الكاشاني في مقدمة تفسيره الصافي (1/32) بعد ذكر ما يفيد تحريف القرآن ونقصه من قبل الصحابة قال ما يلي : ( المستفاد من جميع هذه الأخبار وغيرها من الروايات من طريق أهل البيت عليهم السلام أن القرآن ليس بتمامه كما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم بل منه ما هو خلاف ما أنزل الله ومنه ما هو مغير محرف وأنه قد حذف منه أشياء كثيرة منها اسم على عليه السلام في كثير من المواضع ومنها لفظة آل محمد صلى الله عليه وسلم غير مرة ومنها أسماء المنافقين في مواضعها ومنها غير ذلك وأنه ليس على الترتيب المرضي
عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وسلم وبه قال علي بن إبراهيم القمي ) أ.هـ
النص الخامس عشر : قال الكاشاني أيضاً في الصافي (1/33) :
( لم يبق لنا اعتماد على شيء من القرآن إذا على هذا يحتمل كل آية منه أن يكون محرفاً ومغيراً ويكون على خلاف ما أنزل الله فلم يبق لنا في القرآن حجة أصلاً فتنتفي فائدته وفائدة الأمر باتباعه والوصية بالتمسك به إلى غير ذلك )
النص السادس عشر : يذكر الكاشاني أيضاً من سبقه ممن قال بالتحرف فيقول في الصافي أيضاً (1/34) :
( وأما اعتقاد مشايخنا في ذلك – يعني تحريفه القرآن فالظاهر من ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني طاب ثراه أنه كان يعتقد التحريف والنقصان في القرآن لأنه كان روى روايات في هذا المعنى في كتابه الكافي ويتعرض للقدح فيها مع أنه ذكر في أول الكتاب أنه كان يثق بما رواه فيه وأستاذه علي بن إبراهيم القمي فأن تفسيره مملوء منه وله غلو فيه والشيخ الطبرسي فأنه أيضاً نسج على منوالها في كتاب الاحتجاج ) أ.هـ(29/175)
النص السابع عشر : قال المجلسي في مرآة العقول في شرح أحاديث الرسول الجزء الثاني عشر ص 525 أثناء شرحه لحديث هشام بن سالم عن أبي عبدالله عليه السلام قال :إن القرآن الذي جاء به جبرائيل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم سبعة عشر ألف آية ) قال عن هذا الحديث ( موثق في بعض النسخ هشام بن سالم موضع هارون بن سالم فالخبر صحيح ولا يخفى أن هذا الخبر وكثير من الأخبار الصحيحة صريحة في نقص القرآن وتغييره وعندي أن الأخبار في هذا الباب متواترة معنى وطرح جميعها يوجب رفع الاعتماد عن الأخبار رأساً بل ظني أن الأخبار في هذا الباب لا يقصر عن أخبار الإمامة فكيف يثبتونها بالخبر ) أ.هـ ومعنى كلامه : كيف يثبتون الإمامة بالخبر إذا طرحوا أخبار التحريف ؟ .
النص الثامن عشر : قال الجزائري في كتابه الأنوار النعمانية ( 2 / 357 ) في كلامه حول القراءات السبع :
" إن تسليم تواترها عن الوحي الإلهي وكون الكل قد نزل به الروح الأمين يفضي إلى طرح الأخبار المستفيضة بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن كلاماً ومادة وإعرابا، مع أن أصحابنا رضوان الله عليهم قد أطبقوا على صحتها والتصديق بها " .
النص التاسع عشر : ويقول الجزائري أيضاً في كلامه على من قال بعدم التحريف ( 2 / 358 ) من الأنوار النعمانية :
" والظاهر أن هذا القول إنما صدر منهم لأجل مصالح كثيرة منها سد باب الطعن عليها بأنه إذا جاز هذا في القرآن فكيف جاز العمل بقواعده وأحكامه مع جواز لحوق التحريف لها "
وهذا يعني أن نفيهم للتحريف من باب التقية وليس اعتقادا.
النص العشرون : ويزيد نعمة الله الجزائري في هذا الباب الكلام فيقول في الأنوار أيضاً ( 1 / 97 ) :(29/176)
" ولا تعجب من كثرة الأخبار الموضوعة فإنهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم قد غيروا وبدلوا في الدين ما هو أعظم من هذا كتغييرهم القرآن وتحريف كلماته وحذف ما فيه من مدائح آل الرسول صلى الله عليه وسلم والأئمة الطاهرين وفضائح المنافقين وإظهار مساويهم كما سيأتي بيانه في نور القرآن "
النص الحادي والعشرون : قال أبو الحسن العاملي في مقدمة تفسيره ( مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار ) ص 36 :
" اعلم أن الحق الذي لا محيص عنه بحسب الأخبار المتواترة الآتية وغيرها أن هذا القرآن الذي في أيدينا قد وقع فيه بعد رسول الله صلى الله عليهوسلم شيء من التغيرات ، وأسقط الذين جمعوه بعده كثيراً من الكلمات والآيات وأن القرآن، المحفوظ عما ذكر الموافق لما أنزله الله تعالى ما جمعه إلا علي عليه السلام وحفظه إلى أن وصل إلى ابنه الحسن عليه الصلاة والسلام وهكذا إلى أن وصل إلى القائم عليه السلام وهو اليوم عنده صلوات الله عليه
ثم ذكر الفصول الأربعة التي اشتمل عليها كتابه حول إثبات تحريف القرآن وفي الباب الرابع منها الرد على من قال بعدم التحريف من الشيعة كالسيد المرتضى والطبرسي صاحب مجمع البيان .
النص الثاني والعشرون : قال الخراساني – وهو من علماء القرن الرابع عشر – في كتابه : بيان السعادة في مقامات العباد ( 1 / 12 ) :
" اعلم انه قد استفاضت الأخبار عن الأئمة الأطهار بوقوع الزيادة والنقيصة والتحريف والتغيير فيه بحيث لا يكاد يقع شك في صدور بعضها منهم ".
والمقصود بهذا الكلام القرآن الكريم !!
النص الثالث والعشرون : قال النوري الطبرسي في كتابه " فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب ) ص 31 :
" قال السيد الجزائري ما معناه أن الأصحاب قد أطبقوا على صحة الأخبار المستفيضة بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن ".(29/177)
النص الرابع والعشرون : ذكر الطبرسي أيضاً في كتابه " فصل الخطاب " أقوال علماءهم في تحريف القرآن ص 29 وما بعدها فقال :
" وقال الفاضل الشيخ يحيى تلميذ الكركي في كتابه الإمامة في الطعن التاسع على الثلاث بعد كلام له ما لفظه : " مع إجماع أهل القبلة من الخاص والعام أن هذا القرآن الذي في ايدي الناس ليس هو القرآن كله وأنه قد ذهب من القرآن ما ليس في أيدي الناس " .
ومعلوم عند السنة والشيعة أن الثالث هو عثمان بن عفان الخليفة الراشد الثالث رضي الله عنه.
النص الخامس والعشرون : قال نعمة الله الجزائري في كتابه الأنوار النعمانية ج 2 ص 363 :
" فإن قلت كيف جاز القراءة في هذا القرآن مع ما لحقه من التغيير ؟ قلت : قد روي في الأخبار أنهم عليهم السلام أمروا شيعتهم بقراءة هذا الموجود من القرآن في الصلاة وغيرها والعمل بأحكامه حتى يظهر مولانا صاحب الزمان فيرتفع هذا القرآن من أيدي الناس إلى السماء ويخرج القرآن، الذي ألفه أمير المؤمنين عليه السلام فيقرأ ويعمل بأحكامه " .
النص السادس والعشرون : قال المفيد في أوائل المقالات ص 91 دار الكتاب الإسلامي بيروت :
" إن الأخبار قد جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى من آل محمد صلى الله عليه وسلم باختلاف القرآن وما أحدثه الظالمين – كذا كتبت- فيه من الحذف والنقصان " .
النص السابع والعشرون : قال العلامة الحجة السيد عدنان البحراني في كتاب ( مشارق الشموس الدرية ) ص 126 بعد أن ذكر الروايات التي تفيد التحريف في نظره :
" الأخبار التي لا تحصى كثيرة و قد تجاوزت حد التواتر ولا في نقلها كثير فائدة بعد شيوع القول بالتحريف والتغيير بين الفريقين وكونه من المسلمات عند الصحابة والتابعين بل وإجماع الفرقة المحقة وكونه من ضروريات مذهبهم وبه تضافرت أخبارهم " .(29/178)
النص الثامن والعشرون : قال العلامة المحدث الشهير يوسف البحراني في كتابه " الدرر النجفية " ص 298 بعد ذكر الأخبار الدالة على تحريف القرآن في نظره قال :
" لا يخفى ما في هذه الأخبار من الدلالة الصريحة والمقالة الفصيحة على ما اخترناه ووضوح ما قلناه ولو تطرق الطعن إلى هذه الأخبار على كثرتها وانتشارها لأمكن الطعن إلى أخبار الشريعة كلها كما لا يخفى إذا الأصول واحدة وكذا الطرق والرواة والمشايخ والنقله ولعمري إن القول بعدم التغيير والتبديل لا يخرج من حسن الظن بأئمة الجور وأنهم لم يخونوا في الأمانة الكبرى مع ظهور خيانتهم في الأمانة الأخرى التي هي أشد ضرراً على الدين ) .
النص التاسع والعشرون : قال أبو الحسن العاملي في المقدمة الثانية – الفصل الرابع التفسير مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار :
" وعندي في وضوح صحة هذا القول – تحريف القرآن وتغييره – بعد تتبع الأخبار وتفحص الآثار بحيث يمكن الحكم بكونه من ضروريات مذهب التشيع وأنه من أكبر مقاصد غصب الخلافة "
النص الثلاثون : روى العياشي في تفسيره ( ج1 : ص : 25 ) منشورات الأعلمي – بيروت ) عن أبي جعفر أنه قال : " لولا أنه زيد في كتاب الله ونقص منه ما خفي حقنا على ذي جحى ، ولو قام قائمنا فنطق صدقه القرآن " .
النص الواحد والثلاثون : قال الحاج كريم الكرماني الملقب بمرشد الأنام في كتابه " إرشاد العوام ) ص 221 ج 3 ، باللغة الفارسية :
" إن الإمام المهدي بعد ظهوره يتلو القرآن فيقول : أيها المسلمون هذا والله هو القرآن الحقيقي الذي أنزله الله على محمد والذي حُرف وبُدل )
النص الثاني والثلاثون : قال ملا محمد تقي الكاشاني في كتاب هداية الطالبين ص 368 باللغة الفارسية ما نصه :(29/179)
" إن عثمان أمر زيد بن ثابت الذي كان من أصدقائه وهو عدواً لعلي أن يجمع القرآن ويحذف منه مناقب آل البيت وذم أعدائهم ، والقرآن الموجود حالياً في أيدي الناس والمعروف بمصحف عثمان هو نفس القرآن الذي جمعه بأمر عثمان " .
وبعد هذه النصوص لأعظم علماء الشيعة بل من أسس المذهب وبناء على قواعد الكتب التي الفها هل يوجد من علماء الشيعة من نفى هذه العقيدة ؟
الجواب هو نعم ، هناك من فندها من العلماء المعتبرين في بعض المواضع لانه ليس من عادتي أخذ ما أريد وترك مالا أحب بل أقول الحق ولو على نفسي وهؤلاء العلماء واستثناهم علماء الشيعة الذين نقلوا القول بتحريف القرآن ممن قال بذلك ، فنفوا القول بهذه العقيدة عن العلماء الآتية أسماؤهم :
( أبو جعفر محمد الطوسي ، أبو علي الطبرسي صاحب مجمع البيان ، والشريف المرتضى ، أبو جعفر ابن بابويه القمي ( الصديق ) ) وممن ذكر ذلك النوري الطبرسي في كتابه ( فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب ص 23 حيث قال :
" القول بعدم وقوع التغيير والنقصان فيه _ أي القرآن _ وأن جميع ما نزل على رسول اله هو الموجود بأيدي الناس فيما بين الدفتين وإليه ذهب الصدوق في فائدة وسيد المرتضى وشيخ الطائفة الطوسي في التبيان ولم يعرف من القدماء موافق لهم "
وقال نعمة الله الجزائري في كتابه الأنوار النعمانية ج2 ص 357 : " مع أن أصحابنا رضوان الله عليهم قد أطبقوا على صحتها – أي أخبار التحريف – والتصديق بها ، نعم قد خالف فيها المرتضى والصدوق والشيخ الطبرسي وحكموا بأن ما بين دفتي المصحف هو القرآن المنزل لاغير ولم يقع فيه تحريف ولا تبديل "
تساؤل وجواب :(29/180)
ولكن هل من سبق بيان قولهم في التحريف وأنه غير موجود وهو قول صادر عن قناعة وعقيدة ؟ أم أنها طلب للأجر وكمال الإيمان بالتقية التي قال فيها أبو عبد الله كما يُنسب له عليه السلام : لا إيمان لمن لا تقية له كما في ( اصول الكافي ج 2 ، ص 222 ) وقال فيها أيضاً : " يا أبا عمر إن تسعة أعشار الدين في التقية ولا دين لمن لا تقية له " ( أصول الكافي ج 2 ، ص 220 ) ؟!.
الجواب مع الأسف:إأنها التقية كما بين ذلك من نقل عقيدتهم فيما سبق حيث قال النوري الطبرسي في كتابه " فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب " ص 38 :
" لا يخفى على المتأمل في كتابه التبيان للطوسي أن طريقته فيه على نهاية المداراة والمماشاة مع المخالفين "
ثم أتى ببرهان ليثبت كلامه فقال : " وما قاله السيد الجليل على بن طاووس في كتابه ( سعد السعود ) إذ قال : ونحن نذكر ما حكاه جدي أبو جعفر الطوسي في كتابه ( التبيان ) وحملته التقية على الاقتصار عليه " .
وكذلك نعمة الله الجزائري يقول في كتابه الأنوار النعمانية ج2 ص 357 ، 358 :
" والظاهر أن هذا القول – إنكار التحريف – إنما صدر منهم لأجل مصالح كثيرة منها سد باب الطعن عليها بأنه إذا جاز هذا في القرآن فكيف جاز العمل بقواعده وأحكامه مع جواز لحوق التحريف لها ". وهذا الكلام من الجزائري يبين أن إنكار التحريف إنما صدر لأجل مصالح أخرى وليس عن عقيدة " .
أخيراً :
كم يعجبني ذلك الرجل الذي أعمل فكره بنفسه ولم يعط عقله لغيره بل تأمل بنفسه وتدبر بذاته واتبع ما تبين له الصواب فيه وأرجو أن تكون منهم أيها القارئ المبدع ، أيها الباحث عن الحق - كما اتفقنا أولاً - ولا أدل على ذلك من كونك تأتي إلى البرهان تريد الحق مع الحجة والبيان فأهلاً ومرحباً مرتاداً دائماً لهذا الموقع زائراً له الآن ومن المساهمين فيه بعد آن
============================= 0
أصل الإسلام المهجور والمكروه من قبل الشيعة(29/181)
لن أكون متجنياً على الحقائق العلمية، ولن تجعلني الطائفية أظلم الطائفة الأخرى، ويكفي من الإنصاف أن أنقل كل ما اتهم به خصمي من كتبهم ورجالاتهم المعتمدين والكبار، ليس ذلك لغرض التشفي أو الاحتقار، بل لغرض تبصير العمي، وتنبيه الغافلين، وليشاهدوا بأنفسهم هذا المذهب الذي يزعم أنه يقدس الثقلين كيف أنه يهدر قيمتهما جميعاً!!!
*علماء الشيعة يشهدون على أنفسهم بالتقصير في جانب القرآن:
انظروا بأنفسكم لما يقوله كبار علماء الشيعة الجعفرية:
يقول الدكتور جعفر الباقري وهو أستاذ في طهران وفي كتابه ثوابت ومتغيرات الحوزة العلمية... يقول: (من الدعائم الأساسية التي لم تلق الاهتمام المنسجم مع حجمها وأهميتها في الحوزة العلمية هو القرآن الكريم، وما يتعلق به من علوم ومعارف وحقائق وأسرار، فهو يمثل الثقل الأكبر والمنبع الرئيسي للكيان الإسلامي بشكل عام .
ولكن الملاحظ هو عدم التوجه المطلوب لعلوم هذا الكتاب الشريف، وعدم منحه المقام المناسب في ضمن الاهتمامات العلمية القائمة في الحوزة العلمية، بل وإنه لم يدخل في ضمن المناهج التي يعتمدها طالب العلوم الدينية طيلة مدة دراسته العلمية، ولا يختبر في أي مرحلة من مراحل سعيه العلمي بالقليل منها ولا بالكثير.
فيمكن بهذا لطالب العلوم الدينية في هذا الكيان أن يرتقي في مراتب العلم، ويصل إلى أقصى غاياته وهو (درجة الاجتهاد) من دون أن يكون قد تعرف على علوم القرآن وأسراره، أو اهتم به ولو على مستوى التلاوة وحسن الأداء.
هذا الأمر الحساس أدى إلى بروز مشكلات مستعصية، وقصور حقيقي في واقع الحوزة العلمية لا يقبل التشكيك والإنكار).
[المرجع: (ثوابت ومتغيرات الحوزة العلمية) (ص109)]
• ويقول آية الله الخامنئي المرشد الديني للجمهورية الإسلامية الشيعية:(29/182)
مما يؤسف له أن بإمكاننا بدء الدراسة ومواصلتنا لها إلى حين استلام إجازة الاجتهاد من دون أن نراجع القرآن ولو مرة واحدة!!! لماذا هكذا؟؟؟ لأن دروسنا لا تعتمد على القرآن.
[نفس المرجع، (ص:110)]
• ويقول آية الله محمد حسين فضل الله:
(فقد نفاجأ بأن الحوزة العلمية في النجف أو في قم أو في غيرهما لا تمتلك منهجاً دراسياً للقرآن).[نفس المرجع (ص:111)]
• ويقول آية الله الخامنئي:
(إن الانزواء عن القرآن الذي حصل في الحوزات العلمية وعدم استئناسنا به أدى إلى إيجاد مشكلات كثيرة في الحاضر، وسيؤدي إلى إيجاد مشكلات في المستقبل... وإن هذا البعد عن القرآن يؤدي إلى وقوعنا في قصر النظر). [نفس المرجع (ص110)]
ومما تقدم نقول مستفهمين:
كيف تكون هناك جامعات دينية شرعية شيعية متخصصة تخرج الآيات العظام دون أن تدرسهم القرآن ولو على مستوى التلاوة؟!
كيف يدرس الطالب من بدايته وحتى يحصل على لقب (آية) وهو لم يتعلم القرآن ولو على مستوى التلاوة؟!
هذا خلل عظيم قد أصاب الثقل الأكبر!
وقد يقول الشيعي متعجباً ورافضاً لكلام هؤلاء العلماء والقادة متسائلاً:
كيف لا تهتم الشيعة بالقرآن وهناك مفسرين كبار كالشيخ الطباطبائي؟
ومن حق الشيعي أن يتساءل، ومن حقنا أن نجيب سؤاله، ولكن الجواب سيكون من علمائه أنفسهم، فهذا الدكتور جعفر الباقري يقول:
(وأما العلماء الذين برزوا في مجال التفسير من هذا الكيان (أي الحوزات) وعلى رأسهم العلامة محمد حسين الطباطبائي صاحب تفسير الميزان فقد اعتمدوا على قدراتهم ومواهبهم الخاصة، وابتعدوا بأنفسهم عن المناهج العلمية المألوفة في الحوزة العلمية، وتفرغوا إلى الاهتمام بالقرآن الكريم وعلومه، والاشتغال بأمر التفسير).
[ثوابت ومتغيرات الحوزة العلمية - جعفر الباقري (ص:111)]
*محب القرآن جاهل في نظر الشيعة:
وقد تساءل الشيعي عن هذا الواقع المر في الجامعات والحوزات الدينية الشيعية:(29/183)
فيقول: ما هو السبب الحقيقي وراء الإعراض عن القرآن؟!
ونحن نقول له: أفضل من يجيبك على سؤالك ذلك هو سماحة آية الله العظمى الشيخ الخامنئي!
• يقول آية الله الخامنئي:
(إذا ما أراد شخص كسب أي مقام علمي في الحوزة العلمية كان عليه أن لا يفسر القرآن حتى لا يتهم بالجهل، حيث كان ينظر إلى العالم المفسر الذي يستفيدالناس من تفسيره على أنه جاهل، ولا وزن له علمياً؛ لذا يضطر إلى ترك دراسته ألا تعتبرون ذلك فاجعة ؟!).
[ثوابت ومتغيرات الحوزة (ص:112)]
فهل تتصور أن الحوزات العلمية تتهم محب القرآن بأنه جاهل؟!
• ويقول الدكتور الباقري:
(وكان ربما يعاب على بعض العلماء مثل هذا التوجه والتخصص (أي: في القرآن وعلومه) الذي ينأى بطالب العلوم الدينية عن علم الأصول، ويقترب به من العلم بكتاب الله، ولا يعتبر هذا النوع من الطلاب من ذوي الثقل والوزن العلمي المعتد به في هذه الأوساط) (ص:112).
أقول: إذا كان القرآن ليس من الأصول فماهي الأصول؟!
وقد تتعجب أيها الشيعي الحبيب عندما لا تجد ذلك الاهتمام وتسأل إلى أي حد كان تقصير علمائنا في حق الثقل الأكبر؟
• ويقول الدكتور الباقري مجيباً على سؤالك:
(ويصل الطلب إلى أقصى غاياته، وهو الاجتهاد من دون أن يكون قد تعرف على علوم القرآن وأسراره، أو اهتم به ولو على مستوى التلاوة وحسن الأداء إلا ما يتعلق باستنباط الأحكام الشرعية منه خلال التعرض لآيات الأحكام ودراستها من زوايا الفقهية، وفي حدود العقلية والأصولية الخاصة).
[ثوابت ومتغيرات الحوزة: (ص:110)]
وأما ما تراه من الآيات القرآنية، والتي تدرس بين ثنايا الكتب فيبين لك آية الله الخامنئي السبب.
• يقول آية الله خامنئي:
(قد ترد في الفقه بعض الآيات القرآنية، ولكن لا تدرس ولا تبحث بشكل مستفيض كما يجري في الروايات).
[ثوابت ومتغيرات الحوزة (ص:110)]
وقد يقول أحد الشيعة محاولاً التهرب من هذه الحقيقة المرة:(29/184)
إن كلام هؤلاء العلماء ليس حقيقياً، بل هم نصح وتوجيه وما يكون نصح لا يعني أن يكون حقيقياً!
• ولكن الدكتور الباقري يرد عليه فيقول:
(هذا الأمر الحساس أدى إلى بروز مشكلات مستعصية، وقصور حقيقي في واقع الحوزة العلمية لا يقبل التشكيك والإنكار).
[ثوابت ومتغيرات الحوزة (ص:110)]
• ويقول الشهيد العلامة مرتضى مطهري:
(عجباً! أن الجيل القديم نفسه قد هجر القرآن وتركه! ثم يعتب على الجيل الجديد لعدم معرفته بالقرآن: إننا نحن الذين هجرنا القرآن، وننتظر من الجيل الجديد أن يلتصق به، ولسوف أثبت لكم كيف أن القرآن مهجور بيننا.
إذا كان شخص ما عليماً بالقرآن، أي: إذا كان قد تدبر في القرآن كثيراً، ودرس التفسير درساً عميقاً، فكم تراه يكون محترماً بيننا؟
لا شيء.
أما إذا كان هذا الشخص قد قرأ "كفاية" الملا كاظم الخراساني فإنه يكون محترماً وذا شخصية مرموقة. وهكذا ترون أن القرآن مهجور بيننا. وإن إعراضنا عن هذا القرآن هو السبب في ما نحن فيه من بلاء وتعاسة، إننا أيضاً من الذين تشملهم شكوى النبي (ص) إلى ربه: (( يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ))[الفرقان:30].
قبل شهر تشرف أحد رجالنا الفضلاء بزيارة العتبات المقدسة، وعند رجوعه قال: إنه تشرف بزيارة آية الخوئي حفظه الله، وسأله: لماذا تركت درس التفسير الذي كنت تدرسه في السابق؟ فأجاب: إن هناك موانع ومشكلات في تدريس التفسير!
يقول: فقلت له: إن العلامة الطباطبائي مستمر في دروسه التفسيرية في قم.
فقال: إن الطباطبائي يضحي بنفسه. أي: إن الطباطبائي قد ضحى بشخصيته الاجتماعية. وقد صح ذلك(29/185)
إنه لعجيب أن يقضي امرؤ عمره في أهم جانب ديني كتفسير القرآن، ثم يكون عرضة للكثير من المصاعب والمشاكل في رزقه.. في حياته.. في شخصيته.. في احترامه.. وفي كل شيء آخر! لكنه لو صرف عمره في تأليف كتاب مثل الكفاية لنال كل شيء، تكون النتيجة أن هناك آلافاً من الذين يعرفون الكفاية معرفة مضاعفة، أي: أنهم يعرفون الكفاية والرد عليه، ورد الرد عليه، والرد على الرد عليه، ولكن لا نجد شخصين اثنين يعرفان القرآن معرفة صحيحة، عندما تسأل أحدا عن تفسير آية قرآنية، يقول لك: يجب الرجوع إلى التفاسير!! [إحياء الفكر الديني -52]
وقد تعجب كثيراً إذا عرفت أن هذا الإهمال ساق الشيعة إلى تناسي القرآن، وما يناله من هجمة يهودية وصليبية!
• يقول الشيخ محمد جواد مغنية في بيان حقيقة هذا التناسي والإهمال.... فيقول:
(وقد حرفت إسرائيل بعض الآيات مثل: (( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ))[آل عمران:85].
فأصبحت: ومن يبتغ غير الإسلام ديناً يقبل منه. وقد اهتز الأزهر لهذا النبأ، ووقف موقفاً حازماً ومشرفاً، فأرسل الوفود إلى الأقطار الأسيوية والأفريقية، وجمع النسخ المحرفة وأحرقها .
ثم طبع المجلس الإسلامي الأعلى في القاهرة أكثر من أربعة ملايين نسخة من المصحف ... ووزعها بالمجان. أما النجف وكربلاء وقم وخرسان فلم تبدر من أحدهما أية بادرة، حتى كأن شيئاً لم يكن، أو كأن الأمر لا يعنيها ... وصح فيه قول القائل:
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
المرجع: [كتاب من هنا وهناك - ضمن مجموعة المقالات/ للشيخ الشيعي المعروف: محمد جواد مغنية (ص:213)]
وكيف لا تهتم الشيعة بالثقل الأكبر؟؟
*جهل الشيعة بالقرآن جعلهم يعتدون عليه:(29/186)
بل قد تتعجب أكثر ويصيبك الذهول بل والوجوم والصدمة حينما تعلم أن عدم اهتمام الشيعة بالقرآن وصل إلى حد جعل بعضهم يتعدى عليه، فهذا أحد كبار علماء الفقه والحديث الشيعة يتعدى على القرآن بشكل لا يقبل ولا يبرر أبداً.
فهذا كتاب (الكشكول) للشيخ المحدث الفقيه العابد الزاهد/ يوسف البحراني.
وهذا الكتاب يعتبر كتاب أدب وأخلاق حميدة، ألفه الشيخ يوسف لطلبة العلم... كي يؤنسهم ويحثهم على الفضائل الحميدة.
• يقول الشيخ يوسف البحراني في مقدمة كتابه الكشكول:
(فرأيت أن أصنع كتاباً متضمناً لطرائف الحكم والأشعار، مشتملاً على نوادر القصص والآثار، قد حاز جملة من الأحاديث المعصومية، والمسائل العلمية، والنكات الغريبة، والطرائف العجيبة، يروح الخاطر عند الملال، ويشحذ الذهن عند الكلال، جليس يأمن الناس شره، يذكر أنواع المكارم والنهي، ويأمر بالإحسان والبر والتقى، وينهى عن الطغيان والشر والأذى).[الكشكول (ج1/ص4)]
• ويقول ناشر الكتاب وهو مؤسسة دار الوفاء ودار النعمان ..عن هذا الكتاب العظيم:
(هو كتاب رائع! يجمع بين الفقه والحديث، والأدب والشعر، والتاريخ، وغير ذلك؛ وجدير بأهل العلم والمعرفة أن ينهلوا من المنهل العذب).
هذه نبذة تعريفية عن كتاب (الكشكول) للشيخ: يوسف البحراني.
فهذا الكتاب الأخلاقي الذي هو عبارة عن أحاديث معصومية وعلمية، ونوادر تحث على الفضيلة، قد تطاول صاحبه على القرآن ما لا يتطاول عليه كبار الملحدين!!
• يقول الشيخ يوسف البحراني في كتابه (الكشكول):
(في الأثر أن أبا نواس مر على باب مكتب فرأى صبياً حسناً فقال: تبارك الله أحسن الخالقين.
فقال الصبي: لمثل هذا فليعمل العاملون.
فقال أبو نواس: نريد أن نأكل منها، وتطمئن قلوبنا، ونعلم أن قد صدقتنا، ونكون عليها من الشاهدين.
فقال الصبي الأمرد: لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون.
فقال أبو نواس: اجعل بيني وبينك موعداً لا نخلفه نحن ولا أنت مكاناً سوى.(29/187)
فقال الصبي: موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى.
فصبر أبو نواس إلى يوم الجمعة، فلما أتى وجد الصبي يلعب مع الغلمان.
فقال أبو نواس: والموفون بعهدهم إذا عاهدوا.
فمشى الصبي مع أبي نواس إلى مخدع خفي!!!!
فاستحى أبو نواس أن يقول للصبي نم!
فقال أبو نواس: إن الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم.
فقام الصبي وحل سراويله وقال: اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها.
فركب أبو نواس على الصبي، فأوجعه!!!
فقال الصبي: إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة.
وكان قريباً منهم شيخ يسمع كلام الصبي وأبي نواس، ويرى ما يفعلون. فقال يخاطب أبا نواس:
فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير.
فقال الصبي: لا يكلف الله نفساً إلا وسعها).المرجع: [الكشكول (ج3/ص:83)]
كيف استساغ الشيخ الشيعي البحراني الذي يعد من أكابر علماء الإمامية، كيف يستسيغ التهكم الجنسي بحق الثقل الأكبر، وهو يدعي حب الثقل الأصغر؟!
*وختاماً:
إلى كل شيعي ... دع عنك التعصب والمكابرة! وتأمل في واقعك فأنت رهين عقلك وفكرك، فهل آن لك أن تحطم تلك الأغلال وتهدم الأصنام؟
بقلم: الأستاذ منصور بن بدر الشملاني
==============================00
الطفل الإيراني المعجزة... والثقل الأكبر
*تسميته بالمعجزة الكبرى:
هو السيد محمد حسين الطباطبائي، الملقب بعلم الهدى، طفل إيراني صغير حفظ القرآن الكريم، فاستخدمه علماء الشيعة "كبروبيغندا" شيعية من قبل علماء الشيعة لا من أجل القرآن، بل فرحاً بحجة إسكات أهل السنة من العتب عليهم بسبب إهمالهم القرآن.
إن تسمية الشيعة لهذا الطفل بالمعجزة أكبر دليل على أن حفظ القرآن عند الشيعة من المعجزات، والمعجزة هي: أمر خارق للعادة!
أما عند أهل السنة فليس بمعجزة أن يحفظ أطفالهم القرآن الكريم، بل هذا من الطبائع والعادات المألوفة في كل مجتمعات أهل السنة.
*سبب اختفاء الطفل المعجزة الكبرى:(29/188)
وبينما الشيعة تفتخر بهذا المعجزة، إذ بأحد طلاب العلم من الشيعة الكبار ممن هداه الله ينشر خبرا يصعق منه الكثير.. حيث أخبر:
(إن الطفل المعجزة مختفي هذه الأيام، ولم يعد يخرج على التلفاز كما هو الحال كل يوم في إيران، فهل تعرفون ماذا حدث للطفل المعجزة؟
إنه معتقل في سجن سريّ بأمر من آية الله العظمى علي خامنئي! هل تعرفون ما هو السبب؟
يقول والده في اتصال خاص: إن ابنه الذي حفظ القرآن والذي أصبحت قناة إيران تفتخر به، شاهد في منامه النبي الأعظم (ص) يقول له: يا ولدي! اهجر هؤلاء الفجرة الكفرة، حكام إيران، يا بني! إنهم على ضلالة، ودينهم ومذهبهم ليس مذهبي ولا ديني، وأنا بريء منهم، فقام الطفل البريء وصعد المنبر وأخبر بالرؤيا التي شاهدها وما قال له الرسول (ص)؛ فضج الناس، ووصل الخبر إلى مرشد الثورة الذي بدوره أمر باعتقال الطفل وإخفائه)!
لقد وقع هذا القول على الجميع كالصاعقة، لكن كثيراً من الشيعة كذبوا هذا الطفل، واتهموه بالنصب وكراهية أهل البيت!
*الحكومة الإيرانية والتكتم الشديد في نبأ اعتقال المعجزة الكبرى:
والآن نذهل حقاً، بنشر مجلة (المنبر الشيعية) هذا الخبر بعد تكتم شديد؛ حرصاً من الرافضة على كتمان كل ما يسيء لآياتهم، ضاربين بالقرآن عرض الحائط!
ولكن للأسف... قد تم تزوير الحادثة خشية على المذهب الشيعي ككل.
تقول مجلة المنبر الشيعية [العدد الرابع، جمادى الآخرة 1421هـ] http://www.14masom.com/menbar/6/02.htm ما نصه:(29/189)
(اشتداد الحصار على (علم الهدى).. وفشل كل محاولات الاتصال به... لا يزال الطوق الأمني الصارم محيطاً بقضية اعتقال المعجزة القرآنية السيد محمد حسين الطباطبائي (علم الهدى) وسط أجواء من الذعر والقلق في الحوزة العلمية. وبات في حكم المؤكد أن ثمة مكروه يتعرض له السيد علم الهدى الذي لا يزال مغيّباً عن الأنظار منذ أشهر، خاصة أن جميع محاولات الالتقاء به أو محادثته -ولو هاتفياً- باءت بالفشل، إذ يجيب والده على الاتصالات الواردة إليه في هذا الشأن بقوله: (إن ابننا لا يقطن عندنا حالياً، وهو تحت نظر السيد القائد ومرتبط ببرامجه).
وتتساءل الأوساط المهتمة عن مكان تواجد السيد الطباطبائي، الذي لا يزال بعيداً عن منزله ووالديه، فيما تؤكد مصادر أنه لا يزال محتجزاً في منزل بمنطقة (باجك)، وسط حراسة أمنية مشددة، مشيرة إلى أن كل من يحاول تحري أمره يتعرض لملاحقة أجهزة المخابرات والمضايقة الأمنية.
ونقل بعض المتصلين هاتفياً بوالد السيد علم الهدى لـ (المنبر) أن إجاباته على استفساراتهم كانت في معظمها (على نحو مبهم غير واضح)، إلا أن مهتمين أشاروا إلى أن أجهزة النظام وضعته تحت رقابة محكمة مستمرة تضطره أحياناً إلى نفي نبأ اعتقال ابنه، التزاماً منه بالتعهد الذي وقعه إبان التحقيق معه، وهو التعهد الذي لا يزال السيد علم الهدى رافضاً للتوقيع عليه أو الالتزام به.(29/190)
وذكرت جمعية القرآن والعترة في بيان جديد تلقّت (المنبر) نسخة منه أن السيد المعجزة يتعرّض يومياً لجرعتين مركزتين من التلقين النفسي، بواسطة خبراء بغية التشويش على رؤياه التي كان نقلها إلى طلابه، والتي ظهر فيها الإمام صاحب العصر والزمان (عليه الصلاة والسلام) وأمره فيها بالامتناع عن قبض الرواتب الشهرية من مكتب مرشد الجمهورية، وإبلاغ ذلك إلى طلبة العلوم الدينية في الحوزة. وأضافت الجمعية التي أخفت مقرها في قم المقدسة بعد حادث الاعتقال أن (من أهم الضغوط التي يتعرض لها الطفل المعجزة مساومته على العودة إلى منزله وذويه مستغلين طفولته وصغر سنه، غير أن المعلومات المتوافرة لدينا تبعث على الاطمئنان بأنه لا يزال مصراً على موقفه ولن يظهر في أي لقاء علني ينكر فيه الرؤيا).
وسرت معلومات عن إلقاء القبض أخيراً على ثلاثة عراقيين محسوبين على توجه المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، للاشتباه بكونهم أعضاء في جمعية القرآن والعترة، غير أنه لم يمكن معرفة مدى صحة هذه المعلومات إذ لم تتمكن (المنبر) من الحصول على رد للاتصالات التي أجرتها مع الجمعية بعد ذلك.
وتفيد مصادر متابعة أن أجهزة النظام أعدت غرفة عمليات مهمتها التغطية على تداعيات نبأ اعتقال السيد محمد حسين الطباطبائي، ومواجهة أية إثارات إعلامية أو اجتماعية أو حوزوية للواقعة. وأشارت المصادر إلى أن أطرافاً من النظام أشاعت أن المعجزة القرآنية ليس معتقلاً ولا محتجزاً، وإنما هو (تحت رعاية السيد القائد لاهتمامه الشديد به، ولأن هناك بعض الروايات التي تتحدث عن طفل نابغة من السلالة النبوية سيحكم إيران في آخر الزمان، وهي روايات تتطابق أوصافها على السيد علم الهدى، لذا فإنه محاط بالرعاية درءا لمؤامرات الاستكبار)، هذا على حد قول تلك الأطراف.(29/191)
على صعيد متصل؛ أثار نبأ اعتقال السيد علم الهدى الذي انفردت به (المنبر) في عددها الفائت ردود فعل واسعة متباينة، وعبرت مجاميع قُرائية عن ألمها واستنكارها لما يتعرض له الطفل المعجزة الذي يعد بحق مفخرة من مفاخر الشيعة والتشيع في هذا القرن، وتوالت الاتصالات والرسائل من مختلف الأنحاء على مكتب هيئة خدام المهدي (عليه الصلاة والسلام) مستفسرة عن وضعية السيد الطباطبائي. وكان نبأ الاعتقال محور اهتمام علماء وناشطين دينيين ومهتمين بحقوق الإنسان، إلى جوار بعض المنظمات والجمعيات الإسلامية التي وجهت رسائل إلى الرئيس محمد خاتمي تدعوه فيها إلى إطلاق السيد النابغة والإفراج عنه سريعاً.
وتحركت بعض تلك المنظمات (طلبت عدم ذكر مسمياتها) باتجاه مخاطبة الشيخين: جوادي آملي وعلي المشكيني وتوسيطهما لحل المشكلة، غير أنهما رفضا الخوض في الموضوع، واكتفيا بتوجيه نصيحة الالتزام بالوحدة الإسلامية، فيما أبلغت بعض المنظمات (المنبر) أنها وسّطت الشيخين: فاضل اللنكراني وناصر مكارم الشيرازي لحل الموضوع.
*النظام الفارسي يتهم كل من يكشف وجهه القبيح بالعمالة لأمريكا والصهاينة:
وهكذا يصر النظام الفارسي لآيات قم وطهران، لوصف من يكشف وجهه القبيح بالعمالة لليهود والأمريكان!
ففي الوقت الذي يتعرض له الطفل البريء الصغير المسكين لأبشع أنواع التعذيب، يصر الآيات نواب المهدي على التحدي، ولذلك يتعرّض الطفل يومياً لجرعتين مركزتين من التلقين النفسي بواسطة خبراء بغية التشويش على رؤياه التي كان نقلها إلى طلابه.
*المنبر الشيعية وتحريض آيات قم وطهران ضدها:
ولكن المجلة الشيعية (المنبر) لم تسلم من أساليب آيات قم وطهران.. تقول المجلة:
(إلى ذلك؛ تسببت خطابات تحريضية موجهة ضد (المنبر) من بعض المشايخ المتأثرين بالاتجاه السياسي الإيراني في إثارة موجة من الاعتراضات، بفعل ما اتسمت به تلك الخطابات من لهجة هجومية عنيفة غير مسبوقة.(29/192)
*أحد مشايخ الكويت يشن الهجوم على مجلة المنبر الشيعية:
وكان أحد هؤلاء المشايخ وصف (المنبر) في خطبة الجمعة في أحد المساجد في الكويت بأنها (مجلة مشبوهة تدعي أنها إسلامية). زاعماً أنها نقلت خبر الاعتقال من إذاعتي إسرائيل والمنافقين (منظمة مجاهدي خلق) في محاولة منه للتشكيك في صحة الخبر. واتضح بذلك أن هذه الإشاعة (نقل الخبر من إذاعة إسرائيل) كان مصدرها هذه الخطبة، رغم أن ملقيها لم يشر إلى تاريخ بث هذا الخبر وساعته، وهو ما يضع علامة استفهام كبيرة تقول: من استمع إلى الخبر إذن؟ ومتى؟!
واشتملت خطبة الشيخ على (14) عبارة جارحة بحق (المنبر) في سياق حديثه، ما بين شتم ولعن وتكذيب وتفسيق واتهام بالعمالة! ووصف القائمين عليها أنهم: (الصبية الذين يتكلمون كيفما شاءوا، وأنها ليست سوى بوق لإسرائيل والمنافقين) مقسماً بالله تعالى بالقول: (والله إنهم -القائمين على المنبر- في كفة ميزان أمريكا وإسرائيل واليهود والصهاينة والاستكبار، هؤلاء الصبية الذين يكتبون في هذه المجلة المشبوهة هم من أتباع إسرائيل وأمريكا؛ لأنهم يحاولون النيل من هذه الدولة المباركة ولكن فليخسئوا). واعتبر ما نشر (كلام الشيطان وكلام إبليس).(29/193)
واعتبر في معرض حديثه التعبوي أن أهداف (المنبر) منسجمة مع أهداف الاستكبار العالمي والصهيونية إذ قال: (هذه الدولة -إيران- محاربة من الشرق ومن الغرب، أمريكا أعطت ملايين الدولارات لأجل أن تحرك هذه الغرائز الآن، وهذه إحدى نتائج التدخل الأمريكي السافر في الجمهورية المباركة، أين ستذهبون؟ ما هذه النتائج التي تريدونها إلا منسجمة تماماً مع النتائج التي يريدها الاستكبار العالمي والصهيونية، إلى أين تذهبون؟ قفوا عند حدكم لماذا هم الآن يتكلمون ويتهموننا أننا نحن الذين نتكلم على العلماء، والسيد ولي أمر المسلمين أليس من العلماء؟ هؤلاء مثلهم كمثل الذين أخرجوا من الجنة، إلى أين تذهبون؟ ما هي أهدافكم؟ وما هي النتائج التي ستحصلون عليها وراء هذا؟ لا شك أن نتائجكم معروفة ومعلومة، وعاقبتكم ليست خير، وإنما هي شر).
وتمنى الشيخ من الله سبحانه وتعالى أن يدمّر (المنبر) حيث قال: (ونسأل من الله تبارك وتعالى أن يدمرمهم إذا لم يكونوا من أهل الهداية)، وعدّ القائمين على التحرير بمثابة الفسقة، وهو قذف لا يقبله الشرع، إذ قال: (هؤلاء الفسقة لا يصلون إلى هذا المستوى، فكيف أنهم يقولون عن أنفسهم مؤمنين؟!). وأخيراً لعن إدارة تحرير (المنبر) بقوله: (يصدقون إذاعة إسرائيل ولا يصدقون السيد المظلوم، ألا لعنة الله على القوم الظالمين).(29/194)
وطالب الحضور بالتحرك ضد (المنبر) والتصدي لها قائلاً: (أحملكم المسئولية وأحمل كل من يقرأ هذه الكلمات في هذه المجلة المشبوهة التي تدعي أنها إسلامية، المسئولية إن لم يقرعوا بابهم، ويتكلموا عنهم، وفي واقع الحال الجميع مسئول، فأنا وضعت مسئولين في رقابكم، فعليكم الاستنكار والاتصال.. بالحسنى ولا بالقوة، ولا بد أن يوقف هؤلاء الصبية.. الصبية.. ومن نشر مثل هذه الكلمات، فهذه مجلة فكرية ثقافية شهرية، العدد الثالث وصل إلى مقام ولي أمر المسلمين! والعدد الرابع سيطعن في رسول الله! والعدد الخامس سيطعن في الله، وبعدين تسكر). ومعنى كلام الشيخ أن (المنبر) تتدرج في المساس بالمقدسات الإسلامية، فهو يتنبأ بأنها ستطعن في مقام الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) في عددها الرابع، ثم إنها ستطعن في الذات المقدسة الإلهية في عددها الخامس.. والعياذ بالله(!) وذلك لأنه يعتقد أن ذات الولي الفقيه مقدسة لا يجوز توجيه أي نقد لها. ولم تكن (المنبر) وجهت أي نقد للولي الفقيه، واكتفت بنقل وقائع حادثة الاعتقال دون تعليق).
وفي محاولة جديدة لتزوير حادثة رؤيا الطفل.. تقول المجلة الشيعية (المنبر):(29/195)
(ولتجريد نبأ الاعتقال من مصداقيته؛ أعلن الشيخ في خطبته أنه اتصل شخصياً بوالد السيد علم الهدى وقال: (حتى أعرف أنه صادق أم كاذب، فأنا أعلم والله أن هذا الكلام كذب في كذب، وافتراء ما بعده افتراء. فقال لي أحدهم: لقد اتصلت بأبي السيد الطباطبائي، وقال لي بالحرف الواحد دون واسطة: إن هذا الكلام والحلم افتراء على ابني ولن أسامح من يتداول هذا الخبر، نعم أنا اتصلت وعندي رقم الهاتف وأي إنسان يريد أن يتصل). وفي الحين الذي كان يفترض فيه أن يكون هذا الإعلان مورداً لاطمئنان الناس ولثنيهم عن تصديق نبأ الاعتقال، فإنه كان على النقيض من ذلك، لقد كان سبباً في زيادة القلق وقرينة على حدوث الواقعة، لأن الشيخ لم يشر لا من قريب أو بعيد إلى السيد علم الهدى نفسه، ولم يقل مثلاً أنه تحادث معه أو تمكن من الوصول إليه، بل كان اتصاله مع والده، وهو ليس بالأمر الجديد، فنفي الوالد يأتي في سياق الالتزام بتعهده الذي قطعه على نفسه بتكذيب الخبر؛ محاولة منه لإنقاذ ابنه المحتجَز. ودفع كلام الشيخ الناس إلى التساؤل: لماذا لم يطلب الشيخ الابن نفسه للتحدث معه؟
ألا يسكن الابن مع والده كما هو الأمر الطبيعي أم هو في مكان آخر؟
وإذا كان في مكان آخر فأين هو؟ ولماذا لا يظهر ويتحدث مع الناس بنفسه وينفي نبأ الاعتقال؟!)
*وقفات وتعليق على الحادث الأليم:
لا يخفى على كل ذي عقل أن الحادثة تعدت حدود الصمت، وأنها الآن قنبلة انفجرت في الأوساط الشيعية، وسيكون لها الآثار البالغة، كما لا يخفى أن الرؤيا والحادثة تحتاج إلى تدقيق، ولنعلم مدى التشويش والتزوير الذي استطاعت آيات قم وطهران أن يحدثوه في حقيقة الرؤيا.
*القرآن الكريم -الثقل الأكبر- يتبرأ من الشيعة:(29/196)
ونحن هنا نرى مرة أخرى الثقل الأكبر يتبرأ من آيات قم على لسان رؤيا الطفل الصغير حافظ القرآن، بعدما قرأنا النصوص الكثيرة المبثوثة في كتب التاريخ، عن براءة أهل البيت (الثقل الأصغر) من الشيعة، كما فعل علي رضي الله عنه والحسن والحسين، وزيد وعلي وزينب، ومحمد ذو النفس الزكية، وجموع من أهل البيت لا يحصون رضوان ربي عليهم.
والسؤال الحقيقي هو:
- متى تصحوا يا شيعي من تخدير الآيات لك؟!
- متى تحطم القيود التي قيدت بها من قبل أكلة السحت؟!
- متى تكسر الأغلال التي حول رقبتك التي غلك بها تماسيح الخمس؟!
هل تتجاهل أنكم يا جعفرية الفرقة الوحيدة التي تهمل القرآن بل وتعاديه؟
اقرأ الآن هذه النصوص الصارخة لتعلم مدى بعدكم عن القرآن:
يقول العلامة مرتضى مطهري:
(عجباً، أن الجيل القديم نفسه قد هجر القرآن وتركه، ثم يعتب على الجيل الجديد لعدم معرفته بالقرآن، إننا نحن الذين هجرنا القرآن، وننتظر من الجيل الجديد أن يلتصق به، ولسوف أثبت لكم كيف أن القرآن مهجور بيننا.
إذا كان شخص ما عليما بالقرآن، أي إذا كان قد تدبر في القرآن كثيرا، ودرس التفسير درسا عميقا، فكم تراه يكون محترما بيننا؟
لا شيء.
أما إذا كان هذا الشخص قد قرأ "كفاية" الملا كاظم الخراساني، فإنه يكون محترما وذا شخصية مرموقة. وهكذا ترون أن القرآن مهجور بيننا. وإن إعراضنا عن هذا القرآن هو السبب في ما نحن فيه من بلاء وتعاسة، إننا أيضاً من الذين تشملهم شكوى النبي (ص) إلى ربه: (( يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ))[الفرقان:30].
قبل شهر تشرف أحد رجالنا الفضلاء بزيارة العتبات المقدسة، وعند رجوعه قال: إنه تشرف بزيارة آية الخوئي حفظه الله، وسأله: لماذا تركت درس التفسير الذي كنت تدرسه في السابق؟
فأجاب: إن هناك موانع ومشكلات في تدريس التفسير!
يقول، فقلت له: إن العلامة الطباطبائي مستمر في دروسه التفسيرية في قم.(29/197)
فقال: إن الطباطبائي يضحي بنفسه. أي: أن الطباطبائي قد ضحى بشخصيته الاجتماعية. وقد صح ذلك.
إنه لعجيب أن يقضي امرؤ عمره في أهم جانب ديني كتفسير القرآن، ثم يكون عرضة للكثير من المصاعب والمشاكل، في رزقه.. في حياته.. في شخصيته.. في احترامه.. وفي كل شيء آخر. لكنه لو صرف عمره في تأليف كتاب مثل الكفاية لنال كل شيء، تكون النتيجة أن هناك آلافا من الذين يعرفون الكفاية معرفة مضاعفة، أي: أنهم يعرفون الكفاية والرد عليه، ورد الرد عليه، والرد على الرد عليه، ولكن لا نجد شخصين اثنين يعرفان القرآن معرفة صحيحة، عندما تسأل أحدا عن تفسير آية قرآنية، يقول لك: يجب الرجوع إلى التفاسير)!! [إحياء الفكر الديني – 52]
بقلم الأستاذ: منصور بن بدر الشملاني
==============================0000
أين أنت من القرآن؟؟؟
* نداءات.. نداءات.. نداءات
نداءات الأمل في مفازات الهلاك.. نداءات الهدى في جهالات الضلال.. نداءات الحق في أوهام الخيال.
(( يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ))[الانفطار:6-8].
(( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ))[الحج:73-74].
لقد جاء منادي الحق ينادي: (( أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ))[المؤمنون:32].(29/198)
فصار يهتف في طوفان نوح عليه السلام لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم، وراح يصدع في قوم الخليل عليه السلام وقد أبرموا أمرهم وأوقدوا نارهم أن: حسبي الله ونعم الوكيل، فجاءت بشرى: (( يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ))[الأنبياء:69]، وجاء متحدياً سحر آل فرعون وجبروته بـ: (( إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ))[الشعراء:62] فانقلب السحر على الساحر.
وجاء تثبيت أنك أنت الأعلى وانتهت المؤامرة بانقلاب السحرة الكفرة إلى شهداء بررة، وليرفعوا لافتة: (( آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ))[الأعراف:121-122].
وتمخض عن دعاء زكريا عليه السلام: (( إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا * رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا ))[مريم:3-5].. (( لا تَذَرْنِي فَرْدًا ))[الأنبياء:89]، فجاءته الملائكة تزف له البشرى: (( إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا ))[مريم:7]، فما استكثر ذلك ولا استعظمه بوجود المانع وانتفاء الشرط، فالمرأة عاقر والكبر عتي حاضر، والعظم واهن، والرأس اشتعل شيباً، قال: (( كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا ))[مريم:9].(29/199)
وجاء بالحق ينادي في غيابات الفتنة بعد غيابات الجب عائذاً بالله: (( وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ))[يوسف:23]، فقال: (( مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ))[يوسف:23].. فهب عليه نسيم النجاة: (( كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ))[يوسف:24].. ثم آل إلى السجن ليرسم للدعاة أن التوحيد ليس حكراً على حال: (( يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ))[يوسف:39-40]، وختم بالحبيب عليه أفضل الصلوات وأذكى التحيات في مؤامرة القتل والإبادة قائلاً: (يا أبا بكر! ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟) وتصدق السماء قول الحبيب عليه السلام: (( إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ))[التوبة:40].
فالحمد لله في الأولى والآخرة، الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد.. الحمد لله الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، ولم يشاركه في الملك أحد، (( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ))[الأنعام:1]، لا نحصي ثناءً عليه هو كما أثنى على نفسه سبحانه، وأنى لنا ذلك وله كل كمال، وكل جلال، وكل ثناء، وكل مجد وكل مدح، وكل حمد، وكل عز وكل جمال، وكل خير وإحسان، وكل وجود وفضل منه وإليه.(29/200)
فما ذكر اسمه جل وعلا في قليل إلا كثره، ولا عند ضيق إلا وسعه، ولا تعلّق به ضعيف إلا أفاده القوة، ولا ذليل إلا أناله العزة، ولا فقير إلا أصاره غنياً، ولا مستوحش إلا آنسه، ولا مغلوب إلا أيده ونصره، ولا مضطر إلا كشف ضره، ولا شريد إلا آواه، فبه تكشف الكربات، وتستنزل البركات، وتجاب الدعوات، وتقال العثرات، وتستدفع السيئات، وتستجلب الحسنات، وباسمه تعالى قامت الأرض والسموات، وأنزلت الكتب، وأرسلت الرسل، وشرعت الشرائع، وقامت الحدود، وانقسمت الخليقة إلى السعداء والأشقياء، وبه حقت الحاقة، ووقعت الواقعة، ووضعت الموازين القسط، ونصب الصراط، وقام سوق الجنة والنار فهو سر الخلق والأمر، فالخلق به وإليه ولأجله، قال تعالى: (( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ))[الذاريات:56].(29/201)
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلهاً واحداً، أحداً فرداً صمداً، جل عن الأشباه والأمثال، وتقدس عن الأضداد والأنداد والشركاء والأشكال، فلا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، ولا ينفع ذا الجد منه الجد.. قلوب العباد ونواصيهم بين أصبعين من أصابعه وفي قبضته، لا راد لحكمه ولا معقب لأمره، الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء، والظاهر الذي ليس فوقه شيء، والباطن الذي ليس دونه شيء، تبارك وتعالى على كل شيء قدير، وقد أحاط بكل شيء علما، فهو السميع الذي يسمع ضجيج الأصوات على اختلاف اللغات وعلى تفنن اللهجات، فلا يشغله سمع عن سمع، ولا تغلطه المسائل، ولا يتبرم بإلحاح السائلين في سؤاله، وهو البصير الذي يرى دبيب النملة السوداء، على الصخرة الصماء، في الليلية الظلماء، حيث كانت من سهله أو جباله، العليم الذي يعلم السر وما يخفى في عاجل الأمر وآجله، ويعلم ما لم يكن لو كان كيف تكون أحواله، فالغيب عنده شهادة، ولا يعزب عن علمه مثقال ذرة في أرضه أو سمائه، وهو الغني بالذات عن خلقه، وكل خلقه إليه فقر في كل أحواله.
سبحان ذي الجلال والإكرام وذي الفضل والإنعام! فلو كان الشجر كله أقلاماً تكتب والبحار كلها مداداً يمدها وهي تكتب بالليل والنهار عن عظمته وكبريائه ونعوت جلاله وجماله وكماله لنفذت دون أن تحصي عليه الثناء، فلا إله إلا الله رب الأرض والسماء.(29/202)
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله القائم بحقه، وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، أرسله الله رحمة للعالمين، وإماماً للمتقين، وحسرة على الكافرين، وحجة على الخلق أجمعين، بعثه على حين فترة من الرسل، وغباوة من الأمم، وانقطاع من الزمان، فهدى به إلى أقوم الطرق وأوضح السبل، وافترض على العباد طاعته، وتعظيمه، وتوقيره، والقيام بحقوقه، وسد إلى جنته جميع الطرق، فلم يفتح لأحد إلا من طريقه، فلم يزل صلى الله عليه وسلم قائماً بأمر الله لا يرده عنه راد، ومستمراً في مرضاة الله لا يصده عن ذلك صاد، إلى أن أشرقت الدنيا برسالته ضياءً وابتهاجاً، ودخل الناس في دين الله أفواجاً أفواجاً، وسارت دعوته مسير الشمس في الأقطار، وبلغ دينه القيم ما بلغ الليل والنهار، فصلوات الله وسلامه عليه كلما غرد طير وطار.
أما بعد:
فإن الله سبحانه لم يخلق خلقه سدى هملا، بل جعلهم للأمر والنهي محلاً، فلم يخلق سماءً مبنية ولا أرضا مدحية ولا إنساً ولا جان إلا لعبادته وحده دون ما سواه، قال تعالى: (( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ))[الذاريات:56].
فانقسم الناس إلى شقي وسعيد، ومقرب وبعيد، وأعطاهم مواد العلم والعمل من القلب والسمع والبصر والجوارح نعمة منه وتفضيلاً، فمن استعمل ذلك في طاعته فقد اتخذ إلى مرضاة الله سبيلا، وفاز فوزاً مبيناً، ومن استعملها في شهواته وهواه ولم يرع حق خالقه فقد خسر خسراناً مبيناً، وسوف يحزن حزناً طويلاً، فإنه لا بد من الحساب على حق هذه الأعضاء لقوله تعالى: (( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ))[الإسراء:36].
*بداية الشرك:(29/203)
اعلم رحمك الله ووفقك لكل خير بأن الله جل وعلا خلق عباده موحدين حنفاء فاجتالتهم الشياطين وأغارت على قلوبهم، وألقت عليهم شراك الغلو والفتنة، وألبست عليهم الحق بالباطل حتى استحسنوه تحت مظلة الحب للأولياء والصالحين، فأوحت إلى أوليائها زخرف القول غروراً: أن علامة صدق المحبين: خيال في العيون، وذكر في اللسان، ومثوى في الفؤاد بلا غياب.
فأوحت إليهم بعد موت الصالحين أن صورواً صور الصالحين، واصنعوا تماثيل الأولياء، وارفعوا قبور الأنبياء، فإنه أولى بالمحبين وذكرى للمشتاقين، وأقنعت المخالفين بأن هذا إنما هو محض ذكر الأولياء.
فلما طال عليهم الأمد وانتكست الفطرة، وطالت الفترة، ونسخ العلم وحل الجهل، وهلك القوم، وأنسيت الفكرة.
جاء قوم آخرون فألبسوا الحق بالباطل فصيروها أوثاناً وأصناماً تعبد من دون الله، وعلامة ودليلاً على الأنبياء والأولياء، ثم اتخذت بعدئذٍ مفاتيح الغوث والدعاء وترياق العليل والشفاء.
واستوى الأنبياء والأولياء بالله تعالى رب الأرض والسماء، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين، وأنزل الكتاب بالحق والميزان، فأفصحوا عن نعوت جلاله وكماله وصفات كبريائه وعظمته، فاجتمعوا على كلمة واحدة وهي: (( أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ))[المؤمنون:32].
وكشفوا عن حيلة إبليس باتخاذ الأنداد والوسطاء والشفعاء بأن هذا الاعتقاد إنما هو سوء ظن برب العالمين السميع، العليم المجيب.
وهو محض تعطيل للأسماء الحسنى والصفات العلى، وهو تشبيه الخالق بالمخلوق، والرازق بالمرزوق، الحي القيوم الذي لا يموت بالعبد الفقير الذي لا يملك لنفسه موتاً ولا حياة ولا نشوراً.
قال تعالى: (( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ))[الأنعام:1]، أي: يجعلون له نداً مساوياً من خلقه.(29/204)
وإذا جاء يوم القيامة؛ يوم الحسرة والندامة.. يوم تبلى السرائر، وتتجلى الحقائق، وتنكشف الضمائر بين يدي الحائر والمكابر يشهد أولئك بالقسم الصريح أنهم كانوا في ضلال مبين، قال تعالى مبيناً حالهم في ذلك اليوم: (( تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ ))[الشعراء:97-99].
*الفرق بين ملك الملوك وبين المملوك:
ولعمر الله إنه الضلال المبين، والطريق المظلم البهيم، والصراط الأعوج المهين، وسوء الظن برب العالمين، وتشبيه العلي القدير بالعبد الفقير الأسير، حيث زعموا بالقياس الفاسد البعيد أن الدخول على الله بالدعاء أمر عسير وأنه لا يجيب من دعاه ولا يسمع من ناداه إلا بواسطة الأولياء والصالحين، كالدخول على الرؤساء والأمراء، فإنه لا يكون إلا بواسطة المقربين والوزراء، فما أقبح هذا القياس والتشبيه وما أظلمه وأفسده! فهو قياس مع الفارق الكبير، كالفرق بين السيد والعبد، والخالق والمخلوق، والمالك والمملوك.
فكيف يقاس الله ذو الجلال والإكرام بالسلطان العبد الفقير إلى الله؟! فإن الملك أو السلطان لا يعلم ما وراء الجدران وهو محتاج أبداً إلى الجواسيس والأعوان، والله تعالى العليم الخبير الذي يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف كان.
والملك أو السلطان يحتاج إلى الجنود والحرس والأعوان ليدفعوا عنه الكيد والعدوان، والله تعالى القوي العزيز أمره بين الكاف والنون متى أراد شيئاً كان.
والملك أو السلطان يحتاج إلى الطعام والشراب والنوم والخلان، والله تعالى الغني عن العالمين، تقدس عن الخلق أجمعين، واستغنى عن الولدان والزوجات والخلان.
وهذا سر الحكم بالشرك والكفران على من اتخذ الأولياء شفعاء ووسطاء إلى الله، فإن دعاء الوسطاء والشفعاء إنما هو تشبيه وتعطيل؛ تشبيه الخالق بالمخلوق وتعطيل الأسماء والصفات.(29/205)
هذا وقد أبطل القرآن الكريم زعم المشركين أنهم لم يعبدوا الشفعاء والوسطاء وإنما جعلوهم باب الله الذي منه يدخلون، فيتوكلون عليهم وإليهم يلجئون، واعتبر ذلك كفراً وشركاً، قال تعالى: (( وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ ))[يونس:18]، فأنكر عليهم مبطلاً دعواهم وراداً حجتهم حجة التوسل والتشفع في تقريع وتوبيخ بقوله: (( قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ))[يونس:18].
أي: أنه سبحانه ليس بحاجة إلى وسيط أو شفيع ليرفع إليه حاجات الخلق؛ لأنه لا يخفى عليه شيء من حال عباده، بل أنكر عليهم التوسط بالأولياء والصالحين، موضحاً أن الأولياء والصالحين عباد أمثالهم، لا يملكون لأنفسهم جلب نفع أو دفع ضر، فضلاً أن يكشفوا عنهم ضراً أو يحولوا عنهم سوءاً، بل إنهم مع قربهم منه جل وعلا يتقربون إليه بالخوف منه والرجاء في رحمته، قال تعالى: (( قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلا تَحْوِيلًا * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا ))[الإسراء:56-57].(29/206)
وقال تعالى: (( أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ))[الزمر:3]، فما أشبه اليوم بالبارحة، فإن عامة الناس اليوم يقولون إذا أمرتهم بإخلاص الدعاء والعبادة لله وحده وترك دعاء الأولياء والصالحين: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى.
إذا علمت هذا علمت أنه لم يحسن الظن بربه من سأل غير الله ونسب إليه الرزق والشفاء والمولد والدواء، وما أحسن الظن بالله! من نسب الخير والنعمة إلى الأئمة والأولياء، والشر والنقمة لله.
وإذا علمت هذا علمت أنه ما أشرك أحد في هذا الملكوت إلا وهو مشبه للمخلوق بذي الكبرياء والجبروت، وسوى الله رب الأرباب بالعبد الفقير التراب، سوى الله جل وعلا بالعبد الذي ناصيته ونفسه بيد الله، وقلبه بين إصبعين من أصابعه يقلبه كيف يشاء، وحياته وموته بيد الله، وسعادته وشقاوته بيده، وحركاته وسكناته وأقواله وأفعاله بإذنه ومشيئته، فلا يتحرك إلا بإذنه ولا يفعل إلا بمشيئته، وإن وكله إلى نفسه وكله إلى عجز وضيعة وتفريط وذنب وخطيئة، وإن وكله إلى غيره وكله إلى من لا يملك له ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، وإن تخلى عنه استولى عليه عدوه وجعله أسيراً.(29/207)
وهذه آيات القرآن الكريم تخاطب العقل والفطرة والجنان لمن ألقى السمع واعياً وأحضر القلب شاهداً: (( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ))[ق:37] حيث يبين الله جل وعلا أن سر الخلق والأمر هو العبودية لله، فما استحق الأنبياء والأولياء المدح والثناء إلا بقيامهم بالعبودية لله، قال تعالى: (( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى ))[الإسراء:1] وقال: (( وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ ))[ص:45]، وقال عن أيوب عليه السلام: (( نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ))[ص:30]، وقال: (( فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ ))[مريم:65]، وقال عن الملائكة: (( بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ ))[الأنبياء:26]، وقال: (( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ))[الفاتحة:5].
أرأيتم إخواني الكرام، فإن منهج العبودية لا يقبل إلا الحصر والتخصيص، وهذا معنى شهادة (لا إله إلا الله) التي أفادت النفي والإثبات، نفي الألوهية عما سوى الله وإثباتها حصراً لله، أي: لا معبود بحق إلا الله.(29/208)
والعبادة إنما هي الأقوال والأعمال التي يحبها الله ويرضاها الظاهرة والباطنة، كالدعاء، والصلاة، والذبح، والخوف، والرجاء، والاستعانة، والتوكل، والنداء، وهذه بمجموعها لا ينبغي منها شيء إلا لله إخلاصاً لا شائبة فيه أو رياء، قال تعالى: (( أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ))[الزمر:3]، وقال تعالى: (( فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ))[الزمر:2] كإخلاص يوسف عليه السلام وقد غلقت الفتنة عليه الأبواب وقالت: هيت لك بلا حياء أو ارتياب، بداعي الفتوة والشباب، فأدرك ألا ملجأ ولا منجى من الله إلا إليه، فانقطع عن جميع الأسباب، وأعرض عن جميع الأبواب، فألقى نفسه على باب سيده ومولاه فقال: معاذ الله! فاستحق أن يخلد في الكتاب: (( كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ))[يوسف:24].
وإخلاص يونس عليه السلام في ظلمات الهم والغم وشدة الحزن والكرب وقد أحاطت به من كل حدب وصوب، فنادى في بطن الحوت وهو مكظوم، وأطرق أبواب السماء بالدعاء: (( أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ))[الأنبياء:87]، فاخترق الدعاء السموات، وبدد الظلمات، وجاءته بشارات النجاة: (( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ))[الأنبياء:88]، وجعلها الله سنة للمؤمنين في كشف الكربات.. وكذلك ننجي المؤمنين.. قال تعالى: (( هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ))[غافر:65].
فشتان بين من يندب إلهه وربه عند الكرب والشدة وبين من يندب علياً عليه السلام قائلاً: يا علي.. يا أبا الشدات! أدركني!(29/209)
فسبحان ربي العظيم كيف وصلت الأمة إلى هذا الخذلان المبين والجهل المطبق العظيم! حيث فاقوا الأولين في الإشراك، فإن الأولين إنما كانوا يشركون في الرخاء وإذا أصابهم الكرب والشدة أخلصوا لله بالدعاء، قال تعالى: (( فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ))[العنكبوت:65]، أما اليوم فإنهم إذا أصابهم الكرب وماج بهم البحر فلا تسمع إلا صرخات الدعاء: يا علي.. يا جيلاني.. يا رفاعي.. فلا إله إلا الله!!
ولو سألت عن مذاهب المجرمين وطرائق الضالين لوجدت أضل خلق الله من أشرك في عبادة الله جل وعلا أحداً من الصالحين والأولياء وهو يعتقد أن الولي يسمع سره ونجواه، قال تعالى: (( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ ))[الأحقاف:5] وقال تعالى: (( يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُ وَمَا لا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ ))[الحج:12].
لذلك جاء النهي الصريح من غير إشارة أو تلميح، فعن دعاء غير، الله تعالى على وجه العموم والتوضيح، فقال تعالى: (( فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ))[الجن:18] ومعلوم في جميع مذاهب العلماء ومدارك العقلاء أن النكرة إذا جاءت في سياق النهي أنها لا تفيد إلا العموم، وقال تعالى: (( قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ))[غافر:66].
فهذا بيان قد بان لكل ذي بصر وعيان أن الدعاء لغير الله الواحد الديان مناف لدين الإسلام وعين الشرك برب العالمين.(29/210)
قال تعالى: (( قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا ))[الجن:20] وقال تعالى: (( وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ))[القصص:87]، وقال تعالى: (( ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا ))[غافر:12].
*حسرة المشركين يوم القيامة:
ومع يقين المشرك وإيمانه وإصراره والتزامه فلا يزال يعيش في أوهامه وينتظر لحظة لقائه بالأولياء والصالحين، إذا فإذن الله تعالى ليوم الدين فهنالك تظهر الحسرات، وتتعالى الصرخات، وتخيم الندمات، عندما يتبرأ الملائكة والأنبياء والصالحون والأولياء من كل شرك وعبادة لهم أو دعاء، فينقلب الأمر عليهم بما لم يكن بالحسبان، قال تعالى: (( وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ ))[النحل:86] فيا حسرة من أشرك وهو يثق بيقين أن الأولياء والصالحين شفعاء المشركين فيفاجأ أنه: (( مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ ))[غافر:18]، ويا حسرته وهو يتطلع إلى من أشرك وهو يرقبه بلهفة ورغبة وتربص وطمع أن ينفس كربته، وأن يرحم زلته، وأن يشفع فكرته، فيجد الأمر كله لله الواحد القهار، وبعد هذه اللهفة والرغبة يأتيه الجواب: (( فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ ))[النحل:86]، ثم يتبع ذلك بالبراءة من شرك المشركين بقولهم: (( تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ ))[القصص:63]، وما أمرناهم بذلك بل كانوا يعبدون الشياطين، ونسوا وصية رب العالمين، وعهده على الآدميين، قال تعالى: (( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا(29/211)
صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ))[يس:60-61].
وأنى للأنبياء والأولياء أن يصدّقوا على الشرك بالله تعالى وقد كانوا هم يدعون ربهم رغباً ورهباً وكانوا لله خاشعين؟! بل الأنبياء هم الذين جاءوا بالكتاب المبين الذي يحكم على الشرك بالله العظيم أنه الكفر الأكبر المبين، وعلى ذلك درج الأولياء والصالحين يدعون إلى توحيد الله وحده دون ما سواه ويحذرون من الشرك بالله قال تعالى: (( فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ))[غافر:14] وقال تعالى: (( حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ ))[الأعراف:37]، لذلك يشهد المشركون بعد أن تتجلى الحقيقة في يقين أنهم إذا كانوا يلهثون في سراب وينادون من لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنهم شيئاً، فيقرون بهذه الحقيقة المرة، أنهم كانوا في ضلال بل لم يكونوا في الحقيقة يدعون شيئاً، قال تعالى: (( ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ ))[غافر:73-74].
*من يدفع الضر ويكشف السوء؟
إخواني الكرام:
كم من داعٍ اليوم يدعو باللفظ الصريح: يا علي.. يا جيلاني.. يا عباس! وكم من داع اليوم يدعو وهو يعتقد أن الأولياء يسمعونه حيثما كان وفي أي مكان! وكم من داع اليوم يدعو وهو يعتقد أن الأولياء على كل شيء يقدرون، وأن لهم اختصاصاً في كشف المضرات وإغاثة اللهفات! وكم من خائف وجل مرتجف من أن يحلف بالإمام زوراً وبهتاناً وهو ليس كذلك عندما يحلف برب الإمام!(29/212)
إن هذا الاعتقاد يجعل الإمام نداً لله في العبادة، فالعباس عليه السلام عبد لله لم يكن على كل شيء قدير، ولم يكن قد أحاط بكل شيء علماً ولا زعم ذلك، حاشاه، بل كان يعرف قدر نفسه كونه عبداً لله، والعباس عليه السلام أعلم الناس بقول الله: (( وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ))[الأعراف:188] وهذا في حق الرسول عليه الصلاة والسلام وهو له من باب أولى، وهذه حقيقة ناطقة، فإن العباس عليه السلام لم يكن يعلم مؤامرة أهل العراق ولا خيانتهم لسيد شباب أهل الجنة، بل فوجئوا بالخيانة والفرار، ولم يكن يستطع أن يدفع القتل عن نفسه، وقاتل حتى قتل شهيداً عليه السلام.(29/213)
فعندما يدعوه مائة شخص في العراق ومثلهم في الهند ومثلهم في أمريكا. فالعباس عليه السلام لا يستطيع أن يسمع في الحياة ولا أن يعلمهم فكيف وقد مات عليه السلام؟! بل هذا الأمر من خصائص الله الذي يعلم السر وما يخفى، ويسمع السر والنجوى، ويجيب دعوة المضطر إذا دعاه ويكشف السوء، أما العباس عليه السلام وعامة الأولياء والصالحين ليس لهم من ذلك شيء، وإليك على ذلك الدليل والبرهان، قال تعالى: (( وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ))[المائدة:116]، ومعلوم أن دعاء غير الله تأليه له كما قال تعالى: (( فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ))[هود:101] فما من المسيح عليه السلام إلا أن يقول الحقيقة التي أشرنا إليها آنفاً، فقال: (( مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ))[المائدة:117] فأنعم النظر في قوله تعالى: (( وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ )) أي: ليس لي علم إلا بما شاهدته وحضرته حال عيشي بينهم، ثم قارن ذلك مع قوله تعالى: (( فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ))، أما أنا فغائب عنهم لا أعلم من أحوالهم شيئاً، بل هذا إليك أنت وحدك: (( وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ )).(29/214)
ومثل هذا المعنى جاء في حديث الحوض، حيث يذاد أناس من الأمة ويحال بينهم وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام عند الحوض فيقول: (أمتى أمتى، فيقال له: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)، على هذا المعنى الدليل الصريح ونبأ العليم الخبير، قال تعالى: (( إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ))[فاطر:14].
فيا خسار من أعرض عن الله في كربه وبلواه وألقى نفسه على العبد المخلوق! ويا خسار من بغى ومن تعدى وطغى على الله العلي المولى، السامع لكل شكوى.
يا صاحب الهم إن الهم منفرج أبشر بخير فإن الفارج الله
الله يحدث بعد العسر ميسرة لا تجزعن فإن الكافي الله
وإذا بليت فثق بالله وارض به إن الذي يكشف البلوى هو الله
والله ما لك غير الله من أحد فحسبك الله في كل لك الله(29/215)
قال تعالى: (( وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ))[الأنعام:17]، وقال تعالى: (( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ... ))[النمل:62] هذا أيوب عليه السلام ألمت به المصيبة، وأحاط به الكرب، واشتد عليه البلاء فعمد إلى جبة العبودية فلبسها وألقى نفسه على عتبات باب أرحم الراحمين، ورفع لافتة الذل والانكسار، ولسان حاله ومقاله يهتف: يا ألله! وقدم إحسان الله ونعمته عليه وربوبيته إياه بقوله: ربِّ! ثم اتبع ذلك مناجاة المخلصين: (( أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ))[الأنبياء:83]، في استكانة وأدب وانكسار، فجاءته فاء التعقيب والفوز بالبشرى: (( فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ ))[الأنبياء:84]، وتقلد وسام القدوة للعابدين، (( وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ))[الأنبياء:84].
فالله -أيها الأحباب الكرام!- هو الذي كشف ضر أيوب عليه السلام، وهو الذي حفظ موسى بالتابوت، وهو الذي نجى يونس من بطن الحوت، وليس ذلك لأحد كما يزعم المبطلون.
وهذا سؤال يطرح نفسه قائلاً: إذا أصابك الكرب هل يقدر الله على كشفه أم لا يقدر؟ وهل يعلم حالك ويسمع صوتك ويجيب صرختك أم لا؟ فإن كان الجواب بلا كان قائله أكفر الخلق برب العالمين نصاً وإجماعاً، وإن كان الجواب: نعم. فكفى بالله ولياً وكفى بالله نصيراً.. قال تعالى: (( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ))[الزمر:36]، وهذا عين السؤال المتقدم، فاختر لنفسك جواباً، فقال تعالى: (( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ))[النمل:62]. فاختر لنفسك جواباً واختر لنفسك مجيباً.(29/216)
تعال -أخي الحبيب- للنظر في الكتاب المجيد وهو يبين لك بأن الله هو القريب المجيب وأن غير الله تعالى لا يسمع ولا يجيب:
قال تعالى: (( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ))[البقرة:186]، وقال تعالى: (( لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ ))[الرعد:14]، وقال تعالى: (( قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ ))[الزمر:38]، وقال تعالى: (( وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ ))[فاطر:14]، وقال تعالى: (( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ ))[الأحقاف:5]، وقال تعالى: (( وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ ))[القصص:64].
ومعرفة ذلك وإدراكه إنما يكون بمعرفة صفات المخلوقين ملائكة، وأنبياء، وأولياء، وصالحين، قال تعالى: (( وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ ))[الأعراف:197]، فكم من نبي أوذي وكذب وقتل؛ قال تعالى: (( أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ ))[البقرة:87].(29/217)
وقال تعالى: (( وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ ))[فاطر:22]، وقال تعالى: (( وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ))[النحل:20-21]، وفي هذه الآية نكتة عجيبة وكشف شبهة مريبة، وهو قول أهل الإشراك والقبور: إن هذه الآيات في حجارة الأصنام بالذات في عزى ومناة واللات. فهل الأحجار تبعث من القبور؟! لو كانوا يفقهون، فإن هذه الحجارة إنما هي تماثيل الصالحين وصورتهم وما سمي اللات لاتاً إلا لأنه كان رجلاً صالحاً يلت السويق للحاج، ثم انظر إلى استخدام (الذين) أداة صلة موصولة بالعقلاء على الدوام وليس لها أي علاقة بالجمادات، فتأمل ذلك فإنها توصلك إلى الصواب بإذن الله. وقال جل وعلا في ذكر العباد المؤهلين من دون الله بأن صفات العبودية لازمة لهم على كل حال: (( مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ))[المائدة:75-76]، فتأمل أخي الكريم في قوله: ((كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ)) فإنها قاعدة مضطردة في جميع المعبودات من دون الله، فإن الآية تبين أن عيسى عليه السلام وأمه كانا يأكلان الطعام، ولا شك أن الجميع يعلم أنهما كانا يأكلان الطعام، فلا بد أن الله تعالى أراد أن يبين بهذه الآية شيئاً آخر وهو: الإشارة إلى صفة الحاجة والفقر في المسيح وأمه، وإن الحاجة والفقر لا يليقان بالإله، فتعين كونهما مخلوقين عبدين لله وإنهما لا يملكان لأنفسهما ولا لغيرهما ضراً ولا نفعاً، لذلك جاءت الآية التي تلي هذه الآية(29/218)
مباشرة: (( قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ))، فقس على ذلك باقي الأنبياء والصديقين والأولياء تحصل على الهداية والنجاة، وهذا تقرير الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الذي سد جميع الأبواب في هذا الباب بطريق الأولى كما جاء في الكتاب:
قال تعالى: (( قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ))[الأعراف:188].
وقال تعالى: (( قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا ))[الجن:21].
وقال تعالى: (( وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ))[المائدة:41].
وقال تعالى في الأولياء: (( فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلا تَحْوِيلًا ))[الإسراء:56].
وقال تعالى: (( وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ ))[فاطر:13].
أبعد هذه الآيات البينات يبقى لذي لب وعقل أدنى شك أو ظن في الفارق الكبير بين صفات الخالق والمخلوق من الإغاثة، والإجابة، والخلق والحفظ والشفاء وإنها لا تنبغي لغير الله؟ فمن أولى بصفات: سميع.. بصير.. مجيب.. كاشف.. مغيث؟ آلله تعالى أم العبد المخلوق الفقير؟
فيا لله لو رأيت النساء والرجال عند قبور الأولياء من الأئمة والصالحين، وقد خشعت قلوبهم، وذلت رقابهم قد طؤطئت رءوسهم في ذلة وانكسار وبكاء وإلحاح وإصرار، رافعين أكف الضراعة إلى قاضي الحاجات ومجيب الدعوات ومغيث اللهفات، وهم يهزون شباك الضريح، يندبون ويصيحون: جئناك قاصدين، فلا تخذلنا، وطالبين فلا تردنا، منك نريد مرادنا، وأما غيرك فلا!!
ولو أدرت البصر ذات اليمين وذات الشمال أبصرت من الأحوال والأقوال ما تكاد تنشق له الأرض وتخر له الجبال هدا أن زعموا لله نداً.(29/219)
فهذه تصرخ في الشباك هناك: يا أبا الحسن! انقطعت الأسباب، وعجز الطب والطبيب، وأغلقت دوني الأبواب، ولك عليّ القربان العظيم، وما أطلب منك إلا الولد، وإياك أدعو يا لاهوت الأبد!
وتلك تدعو: يا أبا فاضل! لقد طالت الأيام، وتباعد بي الزمان، أسألك الزواج في العاجل قبل الآجل، ولك عليّ الدهر كله لك وعنك أفاضل!
وأخرى تطلب الرزق والجاه، وآخر يطلب كشف الضر بعاجل الشفاء، وآجل التوفيق والعطاء!
وهم يتهامسون بينهم: اطلب كل شيء فهو يعطي الحاجة باليد، وادعوه على من شئت، فإنه ينتقم بالحال كما إن رأسه حارٍ يقصم كل طاغية وجبار دون تأخير أو خيار، ويسطرون لذلك الحكايات والقصص يحفظها الصغار والكبار.
وآخرون اتخذوا إلهاً آخر هم به يثقون، يدعونه في الشدة والغوث: يا جيلاني.. يا من سمعت صوت الفتاة من الهند إلى بغداد.. يا غياث المستغيثين بقبقاب؟! يا من يجيب الدعوات على اختلاف اللغات! إياك أرجو قضاء حاجتي أن تنفس كربتي، وجعلوا لكل إمام نصيبه من الناس، فهذا إمام العشيرة الفلانية.
وذاك سبع الدجيل فهو اختصاص في إغاثة أهل الدجيل.. وآخر للجزيزة، وآخر لعقم النساء، وآخر للشفاء، وتقطعوا أمرهم بينهم كل قوم بما عندهم من الأولياء والقبور فرحين.
وما أبقوا شيئاً يذكر لله اللهم إلا الحلف الكاذب في البيع والشراء، فهضموا حقه تعالى وخالفوا أمره، وما قدروا الله حق قدره، وإذا ذكر الله وحده زمجرت وجوههم وضاقت صدورهم، وإذا ذكر الأئمة والأولياء إذا هم يفرحون ويباركون ويقولون: ما شاء الله! عنده يقين! أي: في الإمام، وحق عليهم قول الله تعالى: (( وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ))[الزمر:45].(29/220)
هذا الحال وغيره لا يحتاج إلى النظر والاستدلال، فلو اختلفت مع أي منهم في البيع والشراء لغلق عليك جميع الحلول إلا أن تجعل العباس عليه السلام بينك وبينه كفيلاً؛ لاعتقاده أن الكاذب سوف يكون حسابه مع الكفيل، فيطمئن ويرضى دون أي رد أو بديل! ولعمر الله إن هذا لهو الضلال البعيد والشرك الذي حرمه الله العزيز المجيد، وحرم الجنة على أهله حتى يتوبوا إلى الله بالتوحيد، قال تعالى: (( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ))[المائدة:72]، وكتب على أهله ألا يغفر لهم فقال: (( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ))[النساء:48]، وضرب في ذلك الأمثال فقال: (( مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ * إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ))[العنكبوت:41-43]، وقال تعالى: (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ))[الحج:73-74].(29/221)
فحذارِ أخي الحبيب! الذنب العظيم والظلم العظيم: (( إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ))[لقمان:13]، فالله جل وعلا: (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ))[الشورى:11]، ومهما نقبت في نعوت الأنبياء والأولياء والعظماء والحكماء والملوك والرؤساء، أعييت نفسك ولم تجد له سميا، وأتعبت عقلك ولم تدرك له شبيها سبحانه وتعالى عما يصفون.
فمن الذي أضحك وأبكى؟ ومن الذي أمات وأحيا؟ ومن الذي أغنى وأقنى؟ إنه الله جل وعلا.. من الذي أهلك عاداً الأولى، وثمود فما أبقى؟ إنه الله تبارك وتعالى، فقال سبحانه وتعالى: (( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ))[هود:6]، وقال سبحانه وتعالى: (( مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ))[هود:56] وقال: (( الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ))[طه:50].
وكل خلقه في قبضته وتحت قهره وعلمه لا يضل ربي ولا ينسى، (( إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ))[مريم:93-95].. (( اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ))[النمل:26].. (( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى * وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ))[طه:5-7].. (( فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ))[الجاثية:6].. (( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى ))[النجم:55]، فإياك والهوى فإنه يقود إلى الهوان ويضل عن سبيل الله.
نون الهوان من الهوى مسروقة فإذا هويت فقد لقيت هوانا(29/222)
ولا ترجع إلى الرضاع من الهوى بعد الفطام، فالرضاع للصغار الأطفال لا للرجال ولابد من الصبر على مرارة الفطام، فإن صبرت كوفئت بحلاوة الإيمان بديلا من مرارة الهوى.
قال تعالى: (( إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ))[الأنفال:70].
ولا تكونن في زمرة الأشقياء الذين ورثوا الضلال والشقاء عن الأجداد والآباء، الذين يقولون عن حسرة الاقتداء: (( إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ ))[الزخرف:23].
وعليك بالقرآن الكريم والنور المبين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد.
الذي جعله الله تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة للمؤمنين. فقال في أوضح العبارة وألطف الإشارة: (( مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ))[الأنعام:38].
ثم تأمل في مواضيع الكتاب، هل ترى قبور الأنبياء والأولياء؟ وهل ترى دعاءً لغير الله؟ هل ترى باباً مزاراً يدعى باب المراد، أو باب الحوايج؟ ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير، فلن تجد إلا باباً واحداً هو باب: (( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ))[النمل:62]، ويغيث المستغيث إذا ناداه.. يا ألله! باب العلي القدير.
ثم تأمل في الموضوعات، فهل ترى ما يؤيد الطرق الموضوعات؟ فإن طريقة القرآن لذي الألباب معروفة ولذي الأبصار محسوسة ملموسة في أساليب الاهتمام، والإكثار من ذكر مسائل الدين الكبار كالتوحيد والصلاة والصيام والزكاة.(29/223)
فأين الدليل على هذه الخرافات؟ أين الدليل على الإمامة بالنص والتعيين التي أصبحت أعظم من التوحيد والصلاة؟ أين الدليل على الطريقة التي يكون المسلم بغيرها في ضلال وحرمان ويكون شيخه الشيطان؟ (( نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ ))[الأنعام:143].. أين البرهان على قصد قبور الأنبياء والأئمة والأولياء للدعاء والشفاء؟ أين دليل الزيارات التي تلازم العبد مدى الحياة؟ أين دليل الطواف بالقبور والأضرحة وتنوع الطلبات على الإمام؟
لو فتشت في جميع الآيات فإنك لن تجد إلا هيهات هيهات، ومع هذا كله يأتي الدجالون والأفاكون ليوحوا إلى أوليائهم زخرف القول غرورا بالغلو والتعظيم أن الإمام علي عليه السلام كان مع الله في الأبد، وأنه لاهوت الأبد، وأنه كان قبل خلق الخلق ولأجله خلق، وإنه هو الذي نجى جميع الأنبياء في الأزمات والكربات، وغير ذلك من الأوهام والخيالات التي يضلون بها الناس بغير علم ولا دليل، فإن هذا الاعتقاد يجعل الولي برتبة أعظم من النبي والرسول. لا شك إن هذا هو الضلال المبين وتكذيب القرآن الكريم، وعلى ذلك توقيع رب العالمين الذي نزل به الروح الأمين على سيد الأولين والآخرين بلسان عربي مبين، فقال جل وعلا بعد ذكر طائفة النبيين: (( وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ ))[الأنعام:86]، وقال تعالى: (( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا ))[النساء:69]، وقال تعالى: (( وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ))[النساء:136]، وقال تعالى: (( رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ))[النساء:165].(29/224)
هذا وإنني على يقين أن الصورة قد تجلت بوضوح لكل ذي عينين بأن الله جل وعلا واحد في الخلق، وواحد في الأمر، وواحد في العبادة، وبهذا تبطل تعويذة إبليس، و يزول الظن، والتلبيس وما عليك إلا أن تقول: لا إله إلا الله أمر أن لا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون.
فيا صاحب الذنب الكبير! ويا مسيء الظن برب العالمين! ألا من توبة وأوبة ورجعة إلى الله الواحد القهار، فإن هذا الذنب العظيم والظلم العظيم ليس له إلا توبة من قلب صادق سليم، يقول الله جل وعلا: (( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ))[الفرقان:68-70]، ولابد من الإقلاع عن الذنب بالكلية دونما حنين، فإنها علامة الصادقين، قال تعالى: (( وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا ))[الفرقان:71].
ومن تاب ألقى نفسه بين يدي ربه وندم على ما قدمت يداه وجعل دمعته علامة على صدقه، وحسرته وأنينه علامة على استقامة قلبه.
وعالج عاجله بالحسنات التي تمحو السيئات، وجعل شعاره التقوى في كل مكان، فإنها شعار المؤمنين ودثار الصالحين، ووصية الله في الخلق أجمعين …
وألقى ثوب الأماني وراء ظهره وجد في الطاعة والخدمة ونافس التجار في أنفس البضاعة، فمن جد وجد، ومن سار على الدرب وصل، ومن سهر الليالي بلغ المعالي.
طوبى لعبد ألهث لسانه بذكر الله، أستغفر الله وأتوب إليه، حسبي الله ونعم الوكيل، لا قوة إلا بالله فإنه والله كفيل بأن يجعل لك من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجاً.(29/225)
ومن يتق الله يجعل له مخرجاً، ومن يتوكل على الله فهو حسبه، إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا، وسبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
==============================
تحريف القرآن... وردم يأجوج ومأجوج
مدخل لابد منه:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذه كلمات أكتبها لك أيها القارئ الكريم معطرة بالمودة ويفوح منها شذا المحبة. أخاطبك فيها، وأحادثك بها، وأخصك أنت بهذا الحديث؛ لأنك صاحب العقل المستنير الذي ترك التبعية فيما بدا له فيه الخطأ الزلل.
ما أقوله هنا ليس مجاملة أو مداهنة أو مداراة بل هو الحق؛ لأنك أتيت إلى "البرهان" تبحث عن الدليل والحجة والبيان، فإليك إياها مسطرة من كتب معتبرة حول قضية شائكة ومسألة عويصة ولكن … على من قلد واتبع من دون بحث أو تحر، أما أنت أيها المطلع الكريم فما أيسرها عليك حيث سيتبين لك ومن خلال الاستقراء فقط بطلانها وهشاشة أساسها؛ لأنك صاحب البصر والبصيرة. آن لك أن تسأل … ما هي القضية؟ وأين المسألة؟ فأقول:
هي قضية اعتقدها أكثر علماء الشيعة، بل ووردت في أمهات كتبهم، فهي عقيدة أساسية في المذهب الشيعي ألا وهي القول بـ"تحريف القرآن".
وخلاصة هذه العقيدة أن القرآن الموجود الآن محرف ومغير ومبدل، وهو على غير الصورة والهيئة التي أنزله الله سبحانه وتعالى بها.(29/226)
وهذه العقيدة موجودة في كتب علماء الشيعة ومحدثيهم أصحاب الشأن وسوف أنقل بعض ما وجدته من كلام ورأيته من أقوال في المصادر الشيعية حول هذا الاعتقاد والذي بمجرد عرضه يتبنى لك يا صاحب النظر الثاقب والفكر النير بطلانه، كيف لا!! والله عز وجل يقول: (( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ))[الحجر:9] فالله يقول: أنا أتكفل بحفظه وهذه العقيدة تقول: بل ضيع وما حفظ.
والله عز وجل يقول في القرآن (( لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ))[فصلت:42] وهذه العقيدة تقول: بل أتاه الباطل من كل جانب.
هذا تذكير لي ولك أيها الحبيب وإلا فأنت أعلم بهذا الكلام مني، فهلم إلي وضع يدك في يدي لننطلق سوياً ونمضي معاً إلى هدف واحد أريده أنا كما تريده أنت، فهيا بنا لنسير على النهج السليم حتى نصل إلى الحق المبين مستعينين بالله رب العالمين ولنرفع أكفنا إليه ونقول: اللهم وفقنا إلى سبيل الهدى والرشاد، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
*تراجم شيوخ الشيعة القائلين بالتحريف
أيها القارئ: المعمل لفكره والمتأمل بعقله! قبل أن أسوق إليك أقوال هؤلاء العلماء في إثبات عقيدة القول بتحريف القرآن أترجم لبعضهم لتتعرف على مكانتهم لدى الشيعة وعظم قدرهم وأهمية علومهم وكتبهم وأنهم ليسوا من الرعاع بل من القادة والزعماء الذين أسسوا المذهب الشيعي –وكما قلت لك فهدفنا جميعاً هو الحق حيثما وجد- والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها، والمؤمن مرآة أخيه، فإليك تراجم بعض من سأنقل عنهم القول بتحريف القرآن من المصادر والمراجع الشيعية ولك الحق في الرجوع إليها والبحث فيها إن شئت:
*أولاً: ترجمة القمي:
هو أبو الحسن علي بن إبراهيم القمي المتوفى عام (307هـ) وله كتاب في التفسير اسمه (تفسير القمي).(29/227)
قال المجلسي: (علي بن إبراهيم بن هاشم، أبو الحسن القمي من أجلة رواة الإمامية ومن أعظم مشايخهم أطبقت التراجم على جلالته ووثاقته، قال النجاشي في الفهرست: ثقة في الحديث ثبت معتمد سمع فأكثر وصنف كتباً) [مقدمة البحار، ص:128].
وقال الشيخ طيب الموسوي الجزائري في مقدمة تفسير القمي: "لا ريب في أن هذا التفسير الذي بين أيدينا من أقدم التفاسير التي وصلت إلينا، ولولا هذا لما كان متناً متيناً في هذا الفن، ولما سكن إليه جهابذة الزمن، فكم من تفسير قيم مقتبس من أخباره، ولم تره إلا منوراً بأنواره كالصافي ومجمع البيان والبرهان… ثم قال بعد ذلك: وبالجملة فإنه تفسير رباني، وتنوير شعشعاني، عميق المعاني، قوي المباني، عجيب في طوره، بعيد في غوره، لا يخرج مثله إلا من عالم، ولا يعقله إلا العالمون" [مقدمة تفسير القمي، بقلم طيب الموسوي الجزائري، ص:14-16].
ولعل في هذا القدر كفاية في بيان مكانته ومكانة تفسيره لدى الشيعة.
*ثانياً: ترجمة الكليني:
هو أبو جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني المتوفى عام (328هـ) ومن مؤلفاته: الكافي.
قال الطوسي: (محمد بن يعقوب الكليني يكنى أبا جعفر الأعور جليل القدر، عالم بالأخبار، وله مصنفات منها الكافي) [انظر رجال الطوسي، ص:495].
وقال الأردبيلي: (محمد بن يعقوب بن إسحاق أبو جعفر الكليني، خاله علان الكليني الرازي، وهو شيخ أصحابنا في وقته بالري ووجههم، وكان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم، صنف كتاب الكافي في عشرين سنة) [جامع الرواة (2/218)، الحلي، ص:145].
وقال آغابزرك الطهراني موثقاً الكافي: (الكافي في الحديث هو أجل الكتب الأربعة الأصول المعتمدة لم يكتب مثله في المنقول من آل الرسول لثقة الإسلام محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني ابن أخت علان الكليني المتوفي سنة (328هـ) ) [الذريعة (17/245)].(29/228)
كما قيل في الكافي والثناء عليه: (هو أجل الكتب الإسلامية، وأعظم المصنفات الإمامية، والذي لم يعمل مثله، قال المولي محمد أمين الاسترآ بادي في محكى فوائده: سمعنا عن مشايخنا وعلمائنا أنه لم يصنف في الإسلام كتاب يوازيه أو يدانيه) [الكنى والألقاب للعباس القمي (3/98) ومثله في مستدرك الوسائل (3/532)].
وقيل أيضاً: (الكافي … أشرفها وأوثقها وأتمها وأجمعها لاشتماله على الأصول من بينها وخلوه من الفضول وشينها) [الوافي (1/6)، وذكر نحو هذا المعنى صاحب المراجعات عبد الحسين الموسوي، انظر: مراجعة رقم:110].
وذكر الخوانساري أن المحدث النيسابوري قال في الكافي بعد الكلام على الكليني والثناء عليه: (وكتابه مستغن عن الإطراء؛ لأنه رضي الله عنه كان بمحضر من نوابه عليه السلام، وقد سأله بعض الشيعة من النائية تأليف كتاب (الكافي) لكونه بحضرة من يفاوضه ويذاكره ممن يثق بعلمه، فألف وصنف وشنف، وحكى أنه عرض عليه فقال: كاف لشيعتنا) [روضات الجنات (6/116)].
*ثالثاً: ترجمة باقر المجلسي:
هو محمد باقر المجلسي المتوفى سنة (1111هـ) ومن مؤلفاته: بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار. وكتاب: مرآة العقول في شرح أخبار الرسول. وكتاب جلاء العيون، وكتاب الأربعين وغيرها من الكتب.(29/229)
قال الأردبيلي: محمد باقر بن محمد تقي بن المقصود علي الملقب بالمجلسي مد ظله العالي، أستاذنا وشيخنا شيخ الإسلام والمسلمين، خاتم المجتهدين، الإمام العلامة المحقق المدقق جليل القدر عظيم الشأن رفيع المنزلة وحيد عصره، فريد دهره، ثقة ثبت عين كثير العلم جيد التصانيف، وأمره في علو قدره وعظم شأنه وسمو رتبته وتبحره في العلوم العقلية والنقلية ودقة نظره وإصابة رأيه وثقته وإمامته وعدالته أشهر من أن يذكر وفوق ما يحوم حوله العبارة… له كتب نفيسة… منها: كتاب بحار الأنوار المشتمل على جل أخبار الأئمة الأطهار وشرحها كتاب كبير قريب من ألف ألف بيت" [جامع الرواة (2/78-79) وتنقيح المقال للمامقاني (2/85)].
*رابعاً: ترجمة الشيخ المفيد:
هو أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان المشهور بالمفيد والمتوفى عام (413هـ) ومن مؤلفاته: الإرشاد -أمالي المفيد- أوائل المقالات وغيرها.
قال يوسف البحراني في كتاب لؤلؤة البحرين (ص356-357): "قال شيخنا في الخلاصة: محمد بن محمد بن النعمان يكنى أبا عبد الله ويلقب بالمفيد… من أجل مشايخ الشيعة ورئيسهم وأستاذهم وكل من تأخر عنه استفاد منه، وفضله أشهر من أن يوصف".
وقال عباس القمي: "شيخ مشايخ الجلة، ورئيس رؤساء الملة، وفخر الشيعة ومحيي الشريعة، ملهم الحق ودليله، ومنار الدين وسبيله، اجتمعت فيه خلال الفضل، انتهت إليه رئاسة الكل، واتفق الجميع على علمه وفضله وفقهه وعدالته وثقته وجلالته، كان رحمه الله كثير المحاسن، جم المناقب، حاضر الجواب، واسع الرواية، خبير الرواية بالأخبار والرجال والأشعار، وكان أوثق أهل زمانه بالحديث وأعرفهم بالفقه والكلام وكل من تأخر عنه استفاد منه" [الكنى والألقاب (3/164)].
*خامساً: ترجمة النوري الطبرسي:
هو حسين محمد تقي الدين النوري الطبرسي المتوفى سنة (1320هـ) ومن مؤلفاته:(29/230)
مستدرك الوسائل –فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب [كتاب كامل يثبت فيه من روايات أئمة الشيعة المنسوبة إليهم أن التحريف واقع في القرآن وحشد لذلك مئات الروايات].
قال آغابزرك الطهراني: "الشيخ ميرزا حسين بن الميرزا محمد تقي بن الميرزا علي محمد تقي النوري الطبرسي إمام أئمة الحديث والرجال في الأعصار المتأخرة ومن أعاظم علماء الشيعة وكبار رجال الإسلام في هذا القرن… كان الشيخ النوري أحد نماذج السلف الصالح التي ندر وجودها في هذا العصر، فقد امتاز بعبقرية فذة وكان آية من آيات الله العجيبة، كمنت فيه مواهب غريبة، وملكات شريفة أهلته لأن يعد في الطليعة من علماء الشيعة الذين كرسوا حياتهم طوال أعمارهم لخدمة الدين والمذهب، وحياته صفحة مشرقة من الأعمال الصالحة، ومن تصانيفه: فصل الخطاب في مسألة تحريف الكتاب" [نقباء البشر (2/543،545،549،550)].
*نصوص علماء الشيعة في التحريف
أيها القارئ الكريم: ما سبق هذا تعريف ببعض من سأنقل كلامه وإن أردت الزيادة فعليك بكتب الرجال والتراجم لدى علماء الشيعة لتتعرف عليهم أكثر وتعرف قدرهم ومكانتهم وفقك الله لكل خير.
وإليك بعض ما ورد من الأقوال التي جاء بها التصريح بتحريف القرآن، وقد تركت نصوصاً صريحة خشية الإطالة والإملال، وتركت أقوالاً أخر لأنها لم تكن صريحة وإنما كان ما فيها تعريف أو تلميح فخذ هذا الصريح البين من الأقوال وأنت الحكم لأنك أهل لأن تحكم يا ذا الذهن المتوقد والفطنة الحية فاحكم على هذه النصوص واحداً بعد الآخر:
*النص الأول:(29/231)
من كلام القمي في تفسيره (1/10) حيث قال: "وأما ما هو خلاف ما أنزل الله فهو قوله: [[((كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ))[آل عمران:110]، فقال أبو عبد الله عليه السلام لقارئ هذه الآية: (خَيْرَ أُمَّةٍ)، يقتلون أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهما السلام؟ فقيل له: وكيف نزلت يا ابن رسول الله؟ فقال: إنما نزلت: ((كُنْتُمْ خَيْرَ أئمة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)) ألا ترى مدح الله لهم في آخر الآية: ((تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ))]]".
ومثله آية قرئت على أبي عبد الله عليه السلام: [[ ((وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا))[الفرقان:74] فقال أبو عبد الله عليه السلام: لقد سألوا الله عظيماً أن يجعلهم للمتقين إماماً. فقيل له: يا ابن رسول الله كيف نزلت؟ فقال: إنما نزلت: ((الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْ لنَا من المتقين إِمَامًا)) ]].
وقوله: [[ ((لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ))[الرعد:11]، فقال أبو عبد الله: كيف يحفظ الشيء من أمر الله وكيف يكون المعقب من بين يديه؟ فقيل له: وكيف ذلك يا ابن رسول الله؟ فقال: إنما نزلت: ((لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ خلفه ورقيب من بين يَدَيْهِ يَحْفَظُونَهُ بأَمْرِ اللَّهِ))]] ومثله كثير.(29/232)
وأما ما هو محرف فهو قوله: (( لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ في علي أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ))[النساء:166]، وقوله: ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ في علي وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ))[المائدة:67].
وقوله: ((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا آل محمد حقهم لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ))[النساء:168]، وقوله: ((وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا آل محمد حقهم أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ))[الشعراء:227]، وقوله: ((ولو ترى الذين ظلموا آل محمد حقهم في غمرات الموت)).
*النص الثاني:
ذكر الكليني في الكافي (1/457): عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: [[وإن عندنا لمصحف فاطمة (ع) وما يدريهم ما مصحف فاطمة (ع)؟ قال: قلت وما مصحف فاطمة (ع)؟ قال: مصحف فاطمة فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد. قال: قلت هذا والله العالم]].
*النص الثالث:
ذكر الكليني في الكافي أيضاً (4/456): عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: [[إن القرآن جاء به جبرئيل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم سبعة عشر ألف آية]]. مع أن عدد آيات القرآن ستة آلاف آية فانظر إلى الفرق يا رعاك الله!!
*النص الرابع:
جاء في الكافي أيضاً (4/433): عن محمد بن سليمان عن بعض أصحابه عن أبي الحسن عليه السلام قال: [[قلت له: جعلت فداك! إنا نسمع الآيات من القرآن ليس هي عندنا كما نسمعها ولا نحسن أن نقرأها كما بلغنا عنكم فهل نأثم ؟ فقال: لا؛ اقرءوا كما تعلمتم فسيجيئكم من يعلمكم]].
*النص الخامس:(29/233)
ذكر أيضاً في الكافي (4/452): عن عبد الرحمن بن أبي هشام عن سالم بن سلمة قال: [[قرأ رجل على أبي عبد الله عليه السلام وأنا أستمع حروفاً من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس. فقال أبو عبد الله عليه السلام: كف عن هذه القراءة. أقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم عليه السلام. فإذا قام القائم عليه السلام قرأ كتاب الله عز وجل على حده وأخرج المصحف الذي كتبه علي عليه السلام وقال: أخرجه علي عليه السلام إلى الناس حين فرغ منه وكتبه، وقال لهم: هذا كتاب الله عز وجل كما أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم وقد جمعته بين اللوحين فقالوا: هو ذا عندنا مصحف جامع لا حاجة لنا فيه. فقال: أما والله ما ترونه بعد يومكم هذا أبداً]].
*النص السادس:
ورد في الكافي أيضاً (1/441): عن جابر قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: [[ما ادعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كله كما أنزل إلا كذاب، وما جمعه وحفظه كما أنزله الله تعالى إلا علي بن أبي طالب عليه السلام والأئمة من بعده عليهم السلام]].
*النص السابع:
ورد في الكافي أيضاً (1/441): عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: [[ما يستطيع أحد أن يدعي أن عنده جميع القرآن ظاهره وباطنه غير الأوصياء]].
*النص الثامن:
قال أبو القاسم الكوفي في كتابه الاستغاثة (ص:25) عند الكلام على أبي بكر الصديق رضي الله عنه: [ومن بدعه أنه لما أراد أن يجمع ما تهيأ من القرآن صرخ مناديه في المدينة: من كان عنده شيء من القرآن فليأتنا به، ثم قال: لا نقبل من أحد منه شيئاً إلا شاهدي عدل، وإنما أراد هذه الحال لئلا يقبلوا ما ألفه أمير المؤمنين عليه السلام إذ كان ألف في ذلك الوقت جميع القرآن بتمامه وكماله من ابتدائه إلى خاتمته على نسق تنزيله، فلم يقبل ذلك خوفاً أن يظهر فيه ما يفسد عليهم أمرهم فلذلك قالوا: لا نقبل القرآن من أحد إلا بشاهدي عدل] ا.هـ
*النص التاسع:(29/234)
قال الشيخ المفيد في كتابه أوائل المقالات (ص:13): (واتفقوا –أي: الإمامية- على أن أئمة الضلال خالفوا في كثير من تحريف القرآن وعدلوا فيه عن موجب التنزيل وسنة النبي صلى الله عليه وسلم).
*النص العاشر:
قال الأردبيلي في كتابه (حديقة الشيعة) (ص:118-119) بالفارسية نقلاً عن الشيعة والسنة (ص:137): (إن عثمان قتل عبد الله بن مسعود بعد أن أجبره على ترك المصحف الذي كان عنده وأكرهه على قراءة ذلك المصحف الذي ألفه ورتبه زيد بن ثابت بأمره).
وقال البعض: إن عثمان أمر مروان بن الحكم وزياد بن سمرة الكاتبين له أن ينقلا من مصحف عبد الله ما يرضيهم ويحذفا منه ما ليس بمرضٍ عندهم.
*النص الحادي عشر:
قال الطبرسي في كتابه الاحتجاج (1/370): (إن الكناية عن أسماء أصحاب الجرائر العظيمة من المنافقين في القرآن ليست من فعله تعالى وإنها من فعل المغيرين والمبدلين الذين جعلوا القرآن عضين واعتاضوا الدنيا من الدين، وقد بين الله تعالى قصص المغيرين بقوله: (( الَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا))[البقرة:79]، وبقوله: (( وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ))[آل عمران:78] وبقوله: ((إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ))[النساء:108].
*النص الثاني عشر:
قال الطبرسي أيضاً في الاحتجاج (1/224): (ولما استخلف عمر سأل علياً أن يدفع لهم القرآن فيحرفوه فيما بينهم، فقال أبا الحسن: إن كنت جئت به إلى أبي بكر فأت به إلينا حتى نجتمع عليه، فقال علي عليه السلام:هيهات ليس إلى ذلك سبيل إنما جئت به إلى أبي بكر لتقوم الحجة عليكم ولا تقولوا يوم القيامة: إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا ما جئتنا به. إن القرآن الذي عندي لا يمسه إلا المطهرون والأوصياء من ولدي.(29/235)
فقال عمر: فهل وقت لإظهار معلوم ؟ قال عليه السلام: نعم إذا قام القائم من ولدي يظهره ويحمل الناس عليه فتجري السنة به).
*النص الثالث عشر:
يقول الطبرسي أيضاً (1/377-378) من كتاب الاحتجاج: (ولوشرحت لك كل ما أسقط وحرف وبدل وما يجري في هذا المجال لطال وظهر ما تحظر التقية إظهاره من مناقب الأولياء ومثالب الأعداء).
*النص الرابع عشر:
ذكر الكاشاني في مقدمة تفسيره الصافي (1/32) بعد ذكر ما يفيد تحريف القرآن ونقصه من قبل الصحابة قال ما يلي: (المستفاد من جميع هذه الأخبار وغيرها من الروايات من طريق أهل البيت عليهم السلام أن القرآن ليس بتمامه كما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم بل منه ما هو خلاف ما أنزل الله، ومنه ما هو مغير محرف، وأنه قد حذف منه أشياء كثيرة منها: اسم علي عليه السلام في كثير من المواضع، ومنها: لفظة آل محمد صلى الله عليه وسلم غير مرة، ومنها: أسماء المنافقين في مواضعها، ومنها غير ذلك، وأنه ليس على الترتيب المرضي عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وسلم وبه قال علي بن إبراهيم القمي) ا.هـ
*النص الخامس عشر:
قال الكاشاني أيضاً في الصافي (1/33): (لم يبق لنا اعتماد على شيء من القرآن، إذا على هذا يحتمل كل آية منه أن يكون محرفاً ومغيراً، ويكون على خلاف ما أنزل الله، فلم يبق لنا في القرآن حجة أصلاً فتنتفي فائدته، وفائدة الأمر باتباعه، والوصية بالتمسك به إلى غير ذلك).
*النص السادس عشر:(29/236)
يذكر الكاشاني أيضاً من سبقه ممن قال بالتحريف فيقول في الصافي أيضاً (1/34): (وأما اعتقاد مشايخنا في ذلك -يعني: تحريف القرآن- فالظاهر من ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني طاب ثراه أنه كان يعتقد التحريف والنقصان في القرآن؛ لأنه كان روى روايات في هذا المعنى في كتابه الكافي، ويتعرض للقدح فيها مع أنه ذكر في أول الكتاب أنه كان يثق بما رواه فيه، وأستاذه علي بن إبراهيم القمي، فإن تفسيره مملوء منه، وله غلو فيه، والشيخ الطبرسي فإنه أيضاً نسج على منوالها في كتاب الاحتجاج) ا.هـ
*النص السابع عشر:
قال المجلسي في مرآة العقول في شرح أحاديث الرسول الجزء الثاني عشر (ص:525) أثناء شرحه لحديث هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: [[إن القرآن الذي جاء به جبرائيل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم سبعة عشر ألف آية]] قال عن هذا الحديث: (موثق في بعض النسخ هشام بن سالم، موضع هارون بن سالم فالخبر صحيح ولا يخفى أن هذا الخبر وكثير من الأخبار الصحيحة صريحة في نقص القرآن وتغييره، وعندي أن الأخبار في هذا الباب متواترة معنى، وطرح جميعها يوجب رفع الاعتماد عن الأخبار رأساً، بل ظني أن الأخبار في هذا الباب لا يقصر عن أخبار الإمامة فكيف يثبتونها بالخبر) ا.هـ ومعنى كلامه: كيف يثبتون الإمامة بالخبر إذا طرحوا أخبار التحريف؟
*النص الثامن عشر:
قال الجزائري في كتابه الأنوار النعمانية (2/357) في كلامه حول القراءات السبع: (إن تسليم تواترها عن الوحي الإلهي، وكون الكل قد نزل به الروح الأمين يفضي إلى طرح الأخبار المستفيضة، بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن كلاماً ومادة وإعراباً، مع أن أصحابنا رضوان الله عليهم قد أطبقوا على صحتها والتصديق بها).
*النص التاسع عشر:(29/237)
ويقول الجزائري أيضاً في كلامه على من قال بعدم التحريف (2/358) من الأنوار النعمانية: (والظاهر أن هذا القول إنما صدر منهم لأجل مصالح كثيرة منها: سد باب الطعن عليها بأنه إذا جاز هذا في القرآن فكيف جاز العمل بقواعده وأحكامه مع جواز لحوق التحريف لها؟!).
وهذايعني أن نفيهم للتحريف من باب التقية وليس اعتقاداً.
*النص العشرون:
ويزيد نعمة الله الجزائري في هذا الباب الكلام فيقول في الأنوار أيضاً (1/97): (ولا تعجب من كثرة الأخبار الموضوعة فإنهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم قد غيروا وبدلوا في الدين ما هو أعظم من هذا، كتغييرهم القرآن، وتحريف كلماته، وحذف ما فيه من مدائح آل الرسول صلى الله عليه وسلم، والأئمة الطاهرين وفضائح المنافقين، وإظهار مساويهم كما سيأتي بيانه في نور القرآن).
*النص الحادي والعشرون:
قال أبو الحسن العاملي في مقدمة تفسيره (مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار، ص:36): (اعلم أن الحق الذي لا محيص عنه بحسب الأخبار المتواترة الآتية وغيرها أن هذا القرآن الذي في أيدينا قد وقع فيه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء من التغيرات، وأسقط الذين جمعوه بعده كثيراً من الكلمات والآيات، وأن القرآن المحفوظ عما ذكر الموافق لما أنزله الله تعالى ما جمعه إلا علي عليه السلام، وحفظه إلى أن وصل إلى ابنه الحسن عليه الصلاة والسلام، وهكذا إلى أن وصل إلى القائم عليه السلام وهو اليوم عنده صلوات الله عليه).
ثم ذكر الفصول الأربعة التي اشتمل عليها كتابه حول إثبات تحريف القرآن، وفي الباب الرابع منها الرد على من قال بعدم التحريف من الشيعة كالسيد المرتضى والطبرسي صاحب مجمع البيان.
*النص الثاني والعشرون:(29/238)
قال الخراساني -وهو من علماء القرن الرابع عشر- في كتابه: بيان السعادة في مقامات العباد (1/12): (اعلم أنه قد استفاضت الأخبار عن الأئمة الأطهار بوقوع الزيادة والنقيصة، والتحريف والتغيير فيه، بحيث لا يكاد يقع شك في صدور بعضها منهم).
والمقصود بهذا الكلام القرآن الكريم!!
*النص الثالث والعشرون:
قال النوري الطبرسي في كتابه (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب، ص:31): (قال السيد الجزائري ما معناه: إن الأصحاب قد أطبقوا على صحة الأخبار المستفيضة بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن).
*النص الرابع والعشرون:
ذكر الطبرسي أيضاً في كتابه "فصل الخطاب" أقوال علمائهم في تحريف القرآن (ص:29) وما بعدها فقال: (وقال الفاضل الشيخ يحيى تلميذ الكركي في كتابه الإمامة في الطعن التاسع على الثالث بعد كلام له ما لفظه: "مع إجماع أهل القبلة من الخاص والعام أن هذا القرآن الذي في أيدي الناس ليس هو القرآن كله، وأنه قد ذهب من القرآن ما ليس في أيدي الناس").
ومعلوم عند السنة والشيعة أن الثالث هو عثمان بن عفان الخليفة الراشد الثالث رضي الله عنه.
*النص الخامس والعشرون:
قال نعمة الله الجزائري في كتابه الأنوار النعمانية (2/363): (فإن قلت: كيف جاز القراءة في هذا القرآن مع ما لحقه من التغيير؟ قلت: قد روي في الأخبار أنهم عليهم السلام أمروا شيعتهم بقراءة هذا الموجود من القرآن في الصلاة وغيرها، والعمل بأحكامه، حتى يظهر مولانا صاحب الزمان فيرتفع هذا القرآن من أيدي الناس إلى السماء، ويخرج القرآن الذي ألفه أمير المؤمنين عليه السلام، فيقرأ ويعمل بأحكامه).
*النص السادس والعشرون:
قال المفيد في أوائل المقالات (ص:91) دار الكتاب الإسلامي بيروت: (إن الأخبار قد جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى من آل محمد صلى الله عليه وسلم باختلاف القرآن، وما أحدثه الظالمين -كذا كتبت- فيه من الحذف والنقصان).
*النص السابع والعشرون:(29/239)
قال العلامة الحجة السيد عدنان البحراني في كتاب (مشارق الشموس الدرية) (ص:126) بعد أن ذكر الروايات التي تفيد التحريف في نظره: (الأخبار التي لا تحصى كثيرة، و قد تجاوزت حد التواتر، ولا في نقلها كثير فائدة بعد شيوع القول بالتحريف والتغيير بين الفريقين، وكونه من المسلمات عند الصحابة والتابعين، بل وإجماع الفرقة المحقة، وكونه من ضروريات مذهبهم وبه تضافرت أخبارهم).
*النص الثامن والعشرون:
قال العلامة المحدث الشهير يوسف البحراني في كتابه (الدرر النجفية) (ص:298) بعد ذكر الأخبار الدالة على تحريف القرآن في نظره قال: (لا يخفى ما في هذه الأخبار من الدلالة الصريحة، والمقالة الفصيحة على ما اخترناه ووضوح ما قلناه، ولو تطرق الطعن إلى هذه الأخبار على كثرتها وانتشارها لأمكن الطعن إلى أخبار الشريعة كلها، كما لا يخفى إذا الأصول واحدة وكذا الطرق والرواة والمشايخ والنقلة، ولعمري إن القول بعدم التغيير والتبديل لا يخرج من حسن الظن بأئمة الجور وأنهم لم يخونوا في الأمانة الكبرى، مع ظهور خيانتهم في الأمانة الأخرى التي هي أشد ضرراً على الدين).
*النص التاسع والعشرون:
قال أبو الحسن العاملي في المقدمة الثانية -الفصل الرابع التفسير مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار: (وعندي في وضوح صحة هذا القول -تحريف القرآن وتغييره- بعد تتبع الأخبار، وتفحص الآثار، بحيث يمكن الحكم بكونه من ضروريات مذهب التشيع، وأنه من أكبر مقاصد غصب الخلافة).
*النص الثلاثون:
روى العياشي في تفسيره (1/25)، منشورات الأعلمي- بيروت) عن أبي جعفر أنه قال: [[لولا أنه زيد في كتاب الله ونقص منه ما خفي حقنا على ذي حجى، ولو قام قائمنا فنطق صدقه القرآن]].
*النص الواحد والثلاثون:(29/240)
قال الحاج كريم الكرماني الملقب بمرشد الأنام في كتابه (إرشاد العوام) (3/221)، باللغة الفارسية: (إن الإمام المهدي بعد ظهوره يتلو القرآن فيقول: أيها المسلمون! هذا والله هو القرآن الحقيقي الذي أنزله الله على محمد والذي حُرف وبُدل)
*النص الثاني والثلاثون:
قال ملا محمد تقي الكاشاني في كتاب هداية الطالبين (ص:368) باللغة الفارسية ما نصه: (إن عثمان أمر زيد بن ثابت الذي كان من أصدقائه وهو عدواً لعلي أن يجمع القرآن، ويحذف منه مناقب آل البيت، وذم أعدائهم، والقرآن الموجود حالياً في أيدي الناس، والمعروف بمصحف عثمان، هو نفس القرآن الذي جمعه بأمر عثمان).
*علماء الشيعة القائلون بعدم تحريف القرآن
وبعد هذه النصوص لأعظم علماء الشيعة بل من أسس المذهب، وبناء على قواعد الكتب التي ألفها هل يوجد من علماء الشيعة من نفى هذه العقيدة؟!
الجواب: هو نعم، هناك من فندها من العلماء المعتبرين في بعض المواضع؛ لأنه ليس من عادتي أخذ ما أريد وترك ما لا أحب، بل أقول الحق ولو على نفسي، وهؤلاء العلماء واستثناهم علماء الشيعة الذين نقلوا القول بتحريف القرآن ممن قال بذلك، فنفوا القول بهذه العقيدة عن العلماء الآتية أسماؤهم:
(أبو جعفر محمد الطوسي، أبو علي الطبرسي صاحب مجمع البيان، والشريف المرتضى، أبو جعفر ابن بابويه القمي "الصديق") وممن ذكر ذلك النوري الطبرسي في كتابه (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب (ص:23) حيث قال:
(القول بعدم وقوع التغيير والنقصان فيه -أي القرآن- وأن جميع ما نزل على رسول الله هو الموجود بأيدي الناس فيما بين الدفتين، وإليه ذهب الصدوق في فائدة، وسيد المرتضى، وشيخ الطائفة الطوسي في التبيان، ولم يعرف من القدماء موافق لهم).(29/241)
وقال نعمة الله الجزائري في كتابه الأنوار النعمانية (2/357): (مع أن أصحابنا رضوان الله عليهم قد أطبقوا على صحتها -أي أخبار التحريف- والتصديق بها، نعم قد خالف فيها المرتضى والصدوق والشيخ الطبرسي وحكموا بأن ما بين دفتي المصحف هو القرآن المنزل لا غير، ولم يقع فيه تحريف ولا تبديل).
*تساؤل وجواب:
ولكن هل من سبق بيان قولهم في التحريف وأنه غير موجود قول صادر عن قناعة وعقيدة أم أنها طلب للأجر وكمال الإيمان بالتقية التي قال فيها أبو عبد الله كما يُنسب له عليه السلام: [[لا إيمان لمن لا تقية له]] كما في (أصول الكافي (2/222) وقال فيها أيضاً: [[يا أبا عمر! إن تسعة أعشار الدين في التقية ولا دين لمن لا تقية له]] (أصول الكافي (2/220) )؟!
الجواب مع الأسف: إنها التقية كما بين ذلك من نقل عقيدتهم فيما سبق، حيث قال النوري الطبرسي في كتابه (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب) (ص:38):
(لا يخفى على المتأمل في كتابه التبيان للطوسي أن طريقته فيه على نهاية المداراة والمماشاة مع المخالفين).
ثم أتى ببرهان ليثبت كلامه فقال: (وما قاله السيد الجليل علي بن طاوس في كتابه (سعد السعود) إذ قال: ونحن نذكر ما حكاه جدي أبو جعفر الطوسي في كتابه (التبيان) وحملته التقية على الاقتصار عليه".
وكذلك نعمة الله الجزائري يقول في كتابه الأنوار النعمانية (2/357، 358): (والظاهر أن هذا القول -إنكار التحريف- إنما صدر منهم لأجل مصالح كثيرة منها: سد باب الطعن عليها بأنه إذا جاز هذا في القرآن فكيف جاز العمل بقواعده وأحكامه مع جواز لحوق التحريف لها). وهذا الكلام من الجزائري يبين أن إنكار التحريف إنما صدر لأجل مصالح أخرى وليس عن عقيدة.
*أخيراً:(29/242)
كم يعجبني ذلك الرجل الذي أعمل فكره بنفسه، ولم يعط عقله لغيره، بل تأمل بنفسه وتدبر بذاته، واتبع ما تبين له الصواب فيه، وأرجو أن تكون منهم أيها القارئ المبدع! أيها الباحث عن الحق -كما اتفقنا أولاً- ولا أدل على ذلك من كونك تأتي إلى البرهان تريد الحق مع الحجة والبيان، فأهلاً ومرحباً مرتاداً دائماً لهذا الموقع، زائراً له الآن ومن المساهمين فيه بعد آن …. وإلى لقاء جديد في صفحة أخرى.
==============================
الشيعة والقرآن
الشيخ/ محمد حسان
** مقدمة **
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح للأمة، فكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فاللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله و أصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد: فحياكم الله جميعاً أيها الأحبة الكرام، وطبتم وطاب ممشاكم، وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلاً، وأسأل الله العظيم الذي جمعنا مع حضراتكم في هذا البيت الطيب المبارك على طاعته، أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى في جنته ودار مقامته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ثم أما بعد:(29/243)
فنحن الليلة بإذن الله جل وعلا على موعد مع الدرس السادس عشر من دروس سلسلة الإيمان باليوم الآخر، كدرس خامس من أركان الإيمان بالله جل وعلا، ضمن دروس العقيدة لمعهد إعداد الدعاة، ولا زال حديثنا ممتداً عن الفتن التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ظهورها قبل قيام الساعة، وأنهيت الحديث بفضل الله جل وعلا وتوفيقه في المحاضرة الماضية عن الفتنة الكبرى التي وقعت بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، وذكرت بأنه قد خرج من فريق علي رضي الله عنه فريق آخر وفتنة أخرى، هي فتنة خطيرة لا تقل خطراً عن فتنة الخوارج، بل إنها الآن أشد خطراً من فتنة الخوارج، ألا وهي فتنة ظهور الشيعة، وأرجو أن تركزوا معي جيداً في هذه المحاضرات التي أسأل الله جل وعلا أن ينفع بها، والتي أستهلها من الليلة بإذن الله تعالى في الحديث عن الفرقة الأخرى التي خرجت بعد فتنة الخوارج أو بعد قضية التحكيم.
** تعريف الشيعة لغة **
وسأقف مع حضراتكم مع هذه الفرقة الضالة منذ بداية نشأتها، تلكم الفرقة هي الشيعة، والشيعة في اللغة بمعنى الأتباع والأنصار، كما جاء في القاموس: شيعة الرجل بكسر الشين، أي: أتباعه وأنصاره، وكل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعة، وكل من عاون إنساناً وتحزب له فهو شيعة، أي: فهو له عون ونصير، هذا هو المعنى اللغوي للفظة شيعة، قال الأزهري: معنى الشيعة: الذين يبع بعضهم بعضاً، وليس كلهم متفقين، وهذا معنى إضافي جديد، ليس بالضرورة أن يكون كل هؤلاء متفقين، فالتشيع بمعناه اللغوي: المناصرة والمعاونة والمتابعة، أو الاجتماع على أمر، أو التحزب لشخص ما.
** تعريف الشيعة اصطلاحاً كما قال المفيد **
لكن الشيعة في الاصطلاح كما يقول شيخ الشيعة وعالمها في زمنه المفيد والمفيد هو أبو عبد الله –وأرجو أن تركزوا معي؛ فمثل هذه المسميات والأسماء سأحتاج إليها بعد ذلك بإذن الله تعالى -وهو عالم من علماء الشيعة الأكابر عندهم، من هو المفيد؟(29/244)
هو أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي الملقب بالمفيد، من كبار مشايخ الشيعة، يقول المفيد: لفظ الشيعة يطلق على أتباع أمير المؤمنين علي، على سبيل الولاء والاعتقاد بإمامته –اسمع وانتبه لكل لفظة- والاعتقاد بإمامته –أي: بإمامة علي- بعد الرسول صلى الله عليه وسلم. وليس بعد أبي بكر وعمر وعثمان.
ثم يقول: (بعد الرسول صلى الله عليه وسلم بلا فصل)، ونفى الإمامة عمن تقدمه في مقام الخلافة، أي: عن أبي بكر وعمر وعثمان، ويوضح المفيد أيضاً هذا التعريف بشيء من التفصيل في كتابه الموسوم بالإرشاد (ص:12)، ولن أنقل كلاماً عن الشيعة إلا من كتبهم المعتمدة؛ حتى لا نتهم بأننا نشوش على هؤلاء، أو ننسب إليهم كلاماً من عند أنفسنا، أو من عند علماء أهل السنة والجماعة، لا، بل سأنقل لكم معتقد القوم الفاسد الباطل من كتبهم المشهورة المعتمدة، وسوف أذكر إن شاء الله تعالى كل كتاب، بل برقم الصفحة؛ للضرورة ليس من باب استعراض العضلات، لا والله، وإنما من باب دمغ القوم بالحجة؛ حتى لا نتهم بأننا نلقي التهم جزافاً، ونستشهد بمثل هذه الأقوال من كلام علمائنا من أئمة أهل السنة والجماعة.
يقول المفيد في كتابه الموسوم الإرشاد (ص:12): وكانت إمامة أمير المؤمنين بعد النبي صلى الله عليه وسلم -اسمع- ثلاثين سنة. يعني: إمامة علي بعد موت النبي مباشرة، منها: أربعة وعشرون سنة وستة أشهر كان ممنوعاً من التصرف في أحكامها –أي: في أحكام الإمامة- مستعملاً للتقية –وهذا أصل من أصول الشيعة، سأشرحه كذلك بالتفصيل إن شاء الله تعالى- والمداراة، ومنها: خمس سنين وستة أشهر ممتحناً بجهاد المنافقين الناكثين والقاسطين والمارقين.(29/245)
واضح من النص أن الشيعة يثبتون إمامة علي رضي الله عنه بعد موت النبي مباشرة، فيقصدون بالأربع وعشرين سنة وستة أشهر التي ظل فيها علي رضوان الله عليه ممتنعاً من التصرف في أحكام الإمامة، يقصدون بها المدة التي تولى الإمامة والخلافة فيها أبو بكر ثم عمر ثم عثمان، ثم ذكر فترة خلافة علي وقال: ومنها: خمس سنين وستة أشهر كان علي رضوان الله عليه في هذه المدة ممتحناً بجهاد المنافقين من الناكثين والقاسطين والمارقين. والمراد بالناكثين: الذين بايعوا علياً ونكثوا بيعته في البصرة، ويقصد بالقاسطين: فريق معاوية رضوان الله عليه؛ لأنه الفريق القاسط أي: الباغي أو الظالم، ويقصد بالمارقين: الخوارج الذين خرجوا على علي في النهروان، ومضطهداً بفتن الضالين –اسمع- كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر سنة من نبوته ممنوعاً من أحكامها –أي: من أحكام النبوة- خائفاً ومحبوساً وهارباً، ومطروداً لا يتمكن من جهاد الكافرين، ولا يستطيع دفعاً عن المؤمنين.
ثم هاجر –أي: النبي صلى الله عليه وسلم- وأقام بعد الهجرة عشر سنين مجاهداً للمشركين ممتحناً بالمنافقين، إلى أن قبضه الله عز وجل وأسكنه جنات النعيم. هذا كلام شيخ كبير من مشايخ الشيعة، ألا وهو المفيد كما ذكرت آنفاً.
** تعريف الشيعة عند الشهرستاني **
ويقدم الإمام الشهرستاني رحمه الله تعالى في كتابه الماتع (الملل والنحل) تعريفاً يعد من أشمل التعريفات للشيعة، فيقول: الشيعة هم الذين شايعوا علياً -شايعوا بمعنى ناصروا- رضي الله عنه على وجه الخصوص، وقالوا بإمامته وخلافته نصاً ووصية -ونصاً: أي: نص النبي صلى الله عليه وسلم على خلافته وإمامته من بعده، ووصية أي: أوصى النبي بذلك قبل موته، تدبروا كل لفظة-.(29/246)
إما جلياً وإما خفياً، فمنهم من يظهر هذا، ومنهم من يخفي هذا؛ اعتقاداً منهم لأصل من أصولهم ألا وهو التقية –بفتح التاء وتشديد القاف، ولا حرج أن تضم على وجه من أوجه اللغة- واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من أولاد علي، وإن خرجت فبظلم يكون من غيره، أو بتقية من عنده، وقالوا: ليست الإمامة قضية مصلحة تناط باختيار العامة -أي: لا ينبغي أن تترك هذه القضية الكبيرة لعوام المسلمين يختاروا فيها من يشاءون ومن يعتقدون، لا يعتقدون هذا- وينتصب الإمام بنصبهم –أي: بنصب العامة له، لا- بل هي قضية أصولية، وهي ركن الدين الذي لا يجوز للرسول عليه الصلاة والسلام إغفاله وإهماله، ولا تفويضه إلى العامة وإرساله، ويجمعهم القول بوجوب التعيين والتنصيص، وثبوت عصمة الأنبياء والأئمة –وجوباً- عن الكبائر والصغائر، والقول بالتولي والتبري قولاً وفعلاً وعقداً إلا في حال التقية، ويخالفهم بعض الزيدية في ذلك. والزيدية فرقة سأبين مجمل معتقدها الليلة إن شاء الله تعالى.
هذا تعريف الإمام الشهرستاني للشيعة اصطلاحاً، وسنرى أيضاً أن الشيعة الإثني عشرية يقولون بعقائد أخرى؛ كالغيبة، والرجعة، والبداء، وكل هذه الألفاظ سأفصلها تفصيلاً بإذن الله تعالى.
** تعريف الشيعة عند الأشعري **(29/247)
لكننا نرى إماماً من أئمة أهل السنة -وهو أبو الحسن الأشعري رحمه الله تعالى- يعرف الشيعة تعريفاً مقتضباً، فيقول: الشيعة إنما قيل لهم شيعة؛ لأنهم شايعوا -أي: ناصروا- علياً رضي الله عنه، وقدموه على سائر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، هذه الفرقة التي يتكلم عنها الإمام الأشعري لها مسمى آخر، تسمى هذه الفرقة من فرق الشيعة باسم المفضلة، أي: الذين فضلوا علياً على سائر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا التعريف يصح وينطبق تماماً على أول فرق التشيع ممن ناصروا علياً رضي الله عنه، لكن سنرى الآن بإذن الله تعالى أن هذا التعريف قد تطور بأطوار ومراحل مختلفة، سنقف عليها إن شاء الله تعالى.
وبتعريف آخر للمفضلة: هم الذين يفضلون علي رضي الله عنه على أبي بكر وعمر وسائر أصحاب النبي رضوان الله عليهم جميعاً، والشيعة الإثنا عشرية لا يعتبرون مجرد تقديم علي رضوان الله عليه على سائر أصحاب النبي كافياً في التشيع، وإنما لابد من الاعتقاد بأن خلافة علي بعد رسول الله مباشرة بالنص والاعتقاد أي أنها قد بدأت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى استشهاده رضي الله عنه.
** تعريف الشيعة في نظر الشيخ (المحاضر) **(29/248)
والتحقيق -أيها الإخوة- من خلال قراءاتي في كثير من مراجع الشيعة ومراجع السنة طيلة الأيام الماضية، التحقيق أن التعريف الدقيق للشيعة مرتبط أساساً بأطوار نشأتها، ولأجل أن نقف على تعريف دقيق للشيعة؛ لا بد وأن نقف مع أطوار نشأتهم، فإن الشيعة قد مروا بكثير من المراحل العقدية والمذهبية، ولهذا كانوا في الصدر الأول في عهد علي وعثمان قبله رضوان الله عليهما لا يسمى المرء شيعياً إلا إن قدم علياً على عثمان، وهذا طور من الأطوار المهمة جداً؛ لنتعرف بعد ذلك على حجم الانحراف الذي وقع فيه الشيعة. كان لا يسمى الرجل شيعياً في أول الأمر إلا قدم علياً على عثمان، بل كان يقال لمن يقدم عثمان رضي الله عنه على علي: عثماني، ويقال لمن يقدم علياً على عثمان: شيعي، ولهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -طيب الله ثراه- في منهاج السنة: إن الشيعة الأولى الذين كانوا على عهد علي رضي الله عنه، كانوا يفضلون أبا بكر وعمر على علي –وهذا التفضيل لابد منه- ولما سأل سائل شريك بن عبد الله -وشريك بن عبد الله هو ابن أبي نمر القرشي، أبو عبد الله المدني، وهو من الشيعة- فقال له: أيهما أفضل أبو بكر أم علي؟ فقال له: أبو بكر، فقال له السائل: تقول هذا وأنت شيعي؟ فقال له: نعم، ومن لم يفعل هذا فليس شيعياً. هذا على التأصيل الأول الذي ذكرت أن الشيعي كان يعرف بمن يقدم علي على عثمان فقط، فشريك يقول: نعم أقول بتفضيل أبي بكر على علي، ومن لم يقل بهذا فليس شيعياً، والله لقد رقى علي هذه الأعواد -يعني: أعواد المنبر- وقال: [[ألا إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، ثم عمر]]. هذا قسم من علي رضي الله عنه، وفيه آثار كثيرة صحيحة يثبت فيها تفضيل أبي بكر وعمر عليه، يقول شريك بن عبد الله: فكيف نرد قوله -أي: كيف نرد قول علي- وكيف نكذبه، والله ما كان علي كذاباً.(29/249)
ويقول أبو إسحاق السبيعي، وهو شيخ الكوفة وعالمها -ولفظة: (وهو شيخ الكوفة) لها مغزى ولها مدلول- يقول رحمه الله تعالى: خرجت من الكوفة وليس أحد يشك في فضل أبي بكر وعمر وتقديمهما على علي، وقدمت الآن وهم يقولون ويقولون، ووالله لا أدري ما يقولون. يقصد أنهم بدءوا يفضلون علي على أبي بكر وعمر رضي الله عنهم أجمعين.
وقال ليث بن أبي سليم: أدركت الشيعة الأولى وما يفضلون على أبي بكر وعمر أحداً. ثم أخذ التشيع –هذا هو الطور الأول- أبعاداً أخرى خطيرة؛ كرفض خلافة الشيخين: أبي بكر وعمر، وشتم وسب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والطعن فيهم، وادعاء العصمة لآل بيت النبي، والإيمان بالرجعة والوصية، والبداء، والغيبة، وغيرها من المعتقدات الباطلة التي لا يقرها الإسلام، ومن هنا –اسمع- أطلق على الشيعة أصحاب هذا المنهج الروافض أو الرافضة. تنبهتم لهذا؟ حتى نعرف كيف أتت كلمة الرافضة؟ وماذا يراد بها؟(29/250)
أقول -وأكرر ما قلت-: ثم أخذ التشيع أبعاداً أخرى خطيرة؛ كرفض خلافة الشيخين أبي بكر وعمر، وشتم وسب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والطعن فيهم، وادعاء العصمة لآل بيت النبي، والإيمان بالرجعة والوصية، والبداء والغيبة –وكل هذه الأصول ستفصل بإذن الله تعالى- وغيرها من المعتقدات الباطلة التي لا يقرها الإسلام، ومن هنا أطلق على الشيعة أصحاب هذا المنهج: الروافض أو الرافضة، وهم ينقسمون –أي: الروافض- إلى فرق كثيرة جداً، حتى قال المسعودي رحمه الله تعالى في كتاب مروج الذهب: إن طوائف الشيعة بلغت ثلاثاً وسبعين فرقة، بل ومن أهل العلم -كالمقريزي مثلاً- من قال: إن طوائف الشيعة بلغت ما يقرب من ثلاثمائة فرقة. فإذاً: هي فرق كثيرة جداً، وأنا لن أتعرض للحديث عنها، أو عن فروعها، وإنما سأتكلم إن شاء الله تعالى عن أصول الفرق، بل عن أشهر هذه الفرق الموجودة في الأرض اليوم، فمجمل هذه الفرق كما قال أهل العلم -كالشهرستاني وغيره-: الإسماعيلية والزيدية والجعفرية، والجعفرية هي: الإثنا عشرية، أو الإمامية، وكل هذه مصطلحات ومسميات لطائفة الشيعة الإثني عشرية، فأرجو أن تنتبهوا معي وتركزوا معي أيها الأحبة الفضلاء.
• الشيعة الإسماعيلية:
أولاً -بإيجاز شديد جداً- أتكلم عن الإسماعيلية والزيدية -ولن أطيل- في دقائق معدودات؛ لأتحدث بعد ذلك إن شاء الله تعالى عن الفرقة المشهورة الكبيرة، التي ملأت الأرض اليوم، ألا وهي فرقة الإثني عشرية الإسماعيلية، كفرقة من فرق الشيعة، وهي فرقة من الفرق الكبيرة، وهي الفرقة التي قالت بإمامة إسماعيل بن جعفر الصادق، وبإمامة محمد بن إسماعيل من بعده، وسميت بالإسماعيلية لذلك؛ لأنها تقول بإمامة إسماعيل بن جعفر الصادق، ثم بإمامة محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق، فسميت بالإسماعيلية نسبة إليه.(29/251)
مجمل معتقدها -بإيجاز شديد جداً- كما قال الإمام الغزالي صاحب الإحياء، في كتاب له في فضح معتقد الشيعة من الإسماعيلية سماه بفضائح الباطنية، وهو كتاب قوي جداً في هذا الباب، يقول: مجمل معتقد الإسماعيلية، أنه مظهر ظاهره الرفض، وباطنه الكفر المحض، ومفتتحه حصر مدارك العلوم في قوله: الإمام المعصوم، ثم فصل بعد ذلك القول في معتقدهم، لا أريد أن أقف مع هذا؛ لأنني أريد أن أقف مع أخطر فرقة نراها على ظهر الأرض اليوم.
وقال الإمام ابن الجوزي في كتابه الماتع تلبيس إبليس، قال: فمحصول قولهم تعطيل الصانع، وإبطال النبوة والعبادات، وإنكار البعث، ولكنهم لا يظهرون هذا في أول أمرهم، بل يزعمون أن الله حق، وأن محمداً رسول الله، لكنهم يقولون: لذلك سر غير ظاهر، وقد تلاعب بهم إبليس، فبالغ وحسن لهم مذاهب مختلفة.
وقال الإمام الرازي في كتابه اعتقادات فرق المسلمين والمشركين: اعلم أن الفساد اللازم من هؤلاء –يعني: من الإسماعيلية الباطنية- على الدين الحنيفي أكثر من الفساد اللازم عليه من جميع الكفار، وهم عدة فرق، ومقصودهم -على الإطلاق- إبطال الشريعة، ونفي الصانع، ولا يؤمنون بشيء من الملل، ولا يعترفون بالقيامة، إلا أنهم لا يتظاهرون بهذه الأشياء إلا بالآخرة.(29/252)
ومن الإسماعيلية -يا إخوة- انبثقت فرق كثيرة حتى لا نغتر بالمسميات، فلا مشاحة في الاصطلاح كالقرامطة والحشاشون والفاطميون الذين خربوا معتقد أهل مصر؛ بحجة أنهم كانوا يرفعون راية حب أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، والعجيب أنه قد خرج علينا من أهل العلم في عصرنا ممن يشار إليهم بالبنان من يدافع عن الباطنيين، وعن معتقداتهم الفاسدة والباطلة، فكل ما نجنيه الآن من ثمار مرة من ثمار البدع المرة؛ ما أدخلها إلى مصر -بعد الفتح الإسلامي- إلا الفاطميون، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فمن الإسماعيلية انبثقت القرامطة والحشاشون- والحشاشون هؤلاء فرقة، وليس المراد بالحشاشين ما يتبادر إلى الذهن عند سماعها.
والفاطميون والدروز وغيرهم، وللإسماعيلية فرق متعددة ووجوه مختلفة وألقاب كثيرة، يقول الشهرستاني: وأشهر ألقابهم: الباطنية، وإنما لزمهم هذا اللقب؛ لحكمهم بأن لكل ظاهر باطناً، ومسألة التأويل الباطني جعلوها رسالة جديدة، حملها الأئمة بعد أيام الرسول صلى الله عليه وسلم بتبليغ الظاهر. يقولون: هذه الرسالة رسالة توضيح باطن النصوص، فالنصوص لها ظاهر ولها باطن. وأرجو أن تركزوا معي في كل كلمة، فوالله إن لكل كلمة معنى ومغزى، فالمراد أن الأخذ بالباطن هذا لا يكون إلا للأئمة، أما الظاهر فهذه وظيفة الرسول، فالرسول ما عليه إلا أن يأتي بالنص، إما الغوص في درر النص، والوقوف على كوامنه من الفتوحات والإشراقات والإلهامات؛ فهذا لا يكون إلا للأئمة، وسلك هذا الدرب الصوفية، فلا يمكن البتة أن تظهر فرقة شيعية إلا وهي ملتحفة بعباءة الصوفية، كادعاء حب آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم.(29/253)
فقد جاء في أحد الرسائل الإسماعيلية أنه لما كان الدين ظاهراً، هذه أربع رسائل إسماعيلية الرسالة الأولى في مسائل مجموعة من الحقائق والأسرار (ص:30) يقول: لما كان الدين ظاهراً وباطناً؛ قام النبي صلى الله عليه وسلم بتبليغ الظاهر، وصرف إلى وصيه -أي: إلى الإمام الذي أوصى النبي بإمامته من بعده-.
وعلم التأويل هو معجزة الأئمة، كما أن علم التنزيل هو معجزة الرسول –أي: القرآن- وهم يحاولون بهذه الوسيلة هدم كل النصوص التي قام عليها كيان الإسلام، يذكر الكوثري -في كتاب: مقدمة في كشف أسرار الباطنية- عدداً من ألقابهم، فيقول: إنهم يسمون في مصر بالعبيدية؛ نسبة إلى عبيد المعرور، وبالشام بالنصيرية والدروز والتيامنة، وفي فلسطين بالبهائية، وفي الهند بالبهرة والإسماعيلية، وفي اليمن باليامية، نسبة إلى قبيلة في اليمن مشهورة بهذه الاسم، وفي بلد الأكراد يعرفون ويسمون بالعلوية، حيث يقولون: علي هو الله، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً، ويعرفون ويسمون في بلاد الترك بالبكداشية والقزلباشية، وعلى اختلاف منازعهم، وفي بلاد العجم يعرفون بالبابية، ولهم فروع إلى يومنا هذا، تلبس لكل قرن لبوسه، وتظهر لكل قوم بمظهر تقضي به البيئة، وقدماؤهم كانوا يسمون أنفسهم بالإسماعيلية، باعتبار تميزهم عن فرق الشيعة الأخرى بهذا الإسلام، أي: لانتسابهم إلى إسماعيل بن جعفر الصادق، هذا بإيجاز شديد جداً عن فرقة الإسماعيلية كفرقة كبيرة من فرق الشيعة.
• الشيعة الزيدية:(29/254)
أما الفرقة الثانية: فهي فرقة الزيدية، والزيدية هم أتباع زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وقد افترقوا عن الإمامية الرافضة أو الجعفرية، حينما سئل زيد بن علي بن الحسن بن علي عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فقال زيد فترضى عنهما، أي: قال على أبي بكر وعمر: رضي الله عنهما، وأثنى عليهما خيراً، فلما سمعوا زيداً يقول ذلك؛ رفضوه لرفضه أن يسب أبا بكر وعمر، فسموا بالرافضة أو الروافض، فهم الذين انشقوا على فرقة الزيدية؛ لأن زيداً أبى أن يسب أبا بكر وعمر، بل ولما سئل عنهما ترضى عنهما وأثنى عليهما خيراً، فسمي من لم يرفض من الشيعة زيدياً؛ لانتسابهم إليه، وذلك في آخر خلافة هشام بن عبد الملك سنة (222 أو سنة 221 هـ)، على الراجح من أقوال أهل السيرة والتاريخ.
* الإمامة عند الزيدية:(29/255)
والزيدية كما يقول الشهرستاني: ساقوا الإمامة في أولاد فاطمة رضي الله عنها، ولم يجوزوا ثبوت الإمامة في غيرهم، إلا أنهم جوزوا أن يكون كل فاطمي عالم شجاع سخي خرج بالإمامة أن يكون إماماً واجب الطاعة، سواء كان من أولاد الحسن، أومن أولاد الحسين رضي الله عنهما، وجوزوا إمامة المفضول مع وجود الفاضل، ومذهب الزيدية المعتدلة أو الزيدية الحقيقة في الصحابة؛ هو الترضي عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كما ينقل ذلك ابن الوزير عن الإمام الكبير المنصور بالله -وهو من أئمة الزيدية الكبار باليمن- أنه قال في الرسالة الإمامية في الجواب عن المسائل التهامية: أما ما ذكره المتكلم عنا من تضعيف آراء الصحابة، فعذرنا أنهم أشرف قدراً، وأعلى أمراً، وأرفع ذكراً من أن تكون ضعيفة، أو موازينهم في الشرف والدين خفيفة، فلو كان كذلك لما اتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومالوا عن إلف دين الآباء والأتراب والقرباء، إلى أمر لم يسبق لهم به أنس، ولم يسمع له ذكر، شاق على القلوب، ثقيل على النفوس، فهم خير الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده، فرضي الله عنهم، وجزاهم عن الإسلام خيراً، إلى أن قال –أي: الإمام الكبير المنصور بالله فهذا مذهبنا لم نكتمه تقية، كيف وموجبها سائل، ومن هو دوننا مكاناً وقدرة يسب ويلعن ويذم ويطعن، ونحن إلى سبحانه من فعله براء، وهذا ما يقضي به علم آبائنا منا إلى علي عليه السلام، وإلى قوله، وفي هذه الجهة من يرى محض الولاء بسب الصحابة رضي الله عنهم، والبراءة منهم، فهذا قد تبرأ من محمد من حيث لا يعلم. هذا كلام إمام من أئمة الزيدية المعتدلين؛ الإمام المنصور بالله.(29/256)
ولكن -يا إخوة- للأمانة: في الزيدية من هو رافضي قح، يقدم علياً على أبي بكر وعمر، بل ويسب أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، ومذهبه في الصحابة كمذهب الرافضة تماماً، كالطائفة المعروفة المشهورة بالجارودية، هذه الطائفة -من بين طوائف الزيدية- يعتقدون مذهب ومعتقد الإمامية أو الجعفرية أو الإثني عشرية في سب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، يذكر الإمام الشهرستاني في كتابه الماتع: الملل والنحل فيقول: إن أكثر الزيدية طعنت في الصحابة طعن الإمامية، ويقول إمام كبير من أئمتهم، وهو صالح بن مهدي بن علي المقبلي الصنعاني ثم المكي، يقول: إن الزيدية ليس لهم قاعدة محددة، فإنهم أحياناً يطعنون في بعض خيار الصحابة؛ كأبي هريرة، وجرير بن عبد الله البجلي، وأم المؤمنين حبيبة رضي الله عنهم؛ لأن هؤلاء رووا ما يخالف هواهم، وإذا جاءهم الحديث على ما يوافق هواهم؛ قبلوه من طريق ذلك الصحابي، وإن كان أقل فضلاً ورتبة ممن طعنوا فيه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
ويتحدث أيضاً المقبلي فيقول: إنه قد سرى داء الإمامية في الزيدية في هذه الأعصار، وهو تكفير الصحابة ومن والاهم، صانهم الله تعالى، ولعل هذه الظاهرة -اعتناق الزيدية لمذهب الرفض- هي التي جعلت بعضهم يقول: جئني بزيدي صغير؛ أخرج لك منه رافضياً كبيراً.
* عصمة أهل الكساء عند الزيدية:(29/257)
ومن عقائد الزيدية: قولهم بعصمة فاطمة وعلي والحسين، ونحن نعلم أن العصمة للنبي صلى الله لعيه وسلم وحده، فمن معتقدهم أنهم يقولون بالعصمة لعلي وفاطمة والحسين رضي الله عنهم، ويقول يحيى بن حمزة بن علي الهاشمي اليمني -وهو من أكابر أئمة الزيدية أيضاً يقول-: إن معظم فرق الزيدية يقولون بالنص على إمامة الثلاثة –يعني: أن النبي قد نص قبل موته على إمامة علي ثم الحسن ثم الحسين رضي الله عنهم- ويعتقدون ثبوت إمامة من عداهم من أولادهم –أي: من أولاد علي: من أولاد الحسن أو الحسين- ويسمون بالإثني عشرية؛ لأنهم يقولون بأن الأئمة بعد الرسول اثنا عشر إماماً، وهم: علي، والحسن، والحسين، وعلي بن الحسين –وهو المشهور بزين العابدين- ومحمد الباقر، وجعفر الصاق، وموسى الكاظم، وعلي الرضا، ومحمد الجواد، وعلي الهادي، والحسن العسكري، والمهدي المنتظر، هؤلاء هم الأئمة الاثنا عشر عند هذه الفرقة التي تسمى بفرقة الإثني عشرية أو الإمامية أو الروافض، ويسمون أيضاً بالجعفرية؛ نسبة إلى جعفر الصادق، وهو الإمام السادس من الأئمة الذين ذكرت.
أما سبب تسميتهم بالروافض؛ فقد ذكرت قبل ذلك أنهم سموا بالروافض حينما رفض زيد أن يسب أبا بكر وعمر، فرفضوا مذهبه ومذهب من تابعه، وانشقوا عنه، فسموا حينئذٍ بالروافض.(29/258)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية وهو يعلق على تعريف الإمام أبي الحسن الأشعري في مقالات الإسلاميين حينما قال: إنما سمي الروافض بالرافضة؛ لرفضهم إمامة أبي بكر وعمر، قلت: الصحيح بأنهم سموا رافضة لما رفضوا زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، لما خرج بالكوفة أيام هشام بن عبد الملك. وذكرت أنهم ما رفضوه إلا لترضيه على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ كأبي بكر، وعمر رضي الله عنهما، وهذه الطائفة -يا إخوة- طائفة الإمامية أو الجعفرية أو الإثني عشرية، هي الطائفة الكبرى في عالمنا اليوم، ولها أتباعها وبكثرة –بالملايين- في إيران والعراق والقطيف، ولبنان، والكويت، وباكستان، والهند، وليس في مصر ولا في بلاد شمال إفريقيا من هذه الطائفة شيء، إلا نبتات سوء -كما ذكرت في المحاضرة الماضية- وأفراد، لكنني أقول بيقين بأن أرض مصر أرض تلفظ بذرة التشيع، إلا إذا تدثر أهل هذا المذهب الفاسد بعباءة التصوف، ثم يدخلون على الناس بزعم أنهم يحبون آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم.
** دعوى التقريب بين السنة والشيعة وعدم الاختلاف **(29/259)
فهذه الفرقة التي ادعى علماؤها أنهم لا يفصلهم عن أهل السنة –اسمع لهذا الكلام الخطير- كبير شيء، وإنما خلافهم مع أهل السنة في مسائل الفروع، هم يزعمون ذلك ويدندنون به، بل ولعل منكم من تابع دعوة التقريب المزعومة بين الشيعة وأهل السنة، ورفع لواء هذه الدعوة من الأكابر ممن يشار إليهم بالبنان، فهم يزعمون أنه لا توجد على الإطلاق أية فروق جوهرية بين مذهب الشيعة ومذهب أو معتقد أهل السنة، اللهم إلا في الفروع، هكذا يزعمون، يقول محمد حسين آل كاشف الغطاء -وهو من كبار شيوخ الشيعة، ومن أكابر مراجع الشيعة المعاصرين- الشيعة ما هم إلا طائفة من طوائف المسلمين، ومذهب من مذاهب الإسلام، يتفقون مع سائر المسلمين في الأصول، وإن اختلفوا معهم في بعض الفروع، وردد هذا الكلام الخبيث الخطير بعض أهل السنة، نقلاً جزافاً عن هؤلاء الذين هم أكابر أئمة الشيعة، فهل هذه الدعوة حقيقة؟(29/260)
تعالوا معي لنجيب إجابة مفصلة قد تحتاج إلى خمس محاضرات، وأرجو أن تسامحوني على هذه الإطالة، فالأمر والله جد خطير، ويحتاج إلى وقفة، وأنا أعلم أنه لا يتكلم في مثل هذه الموضوعات إلا القليل النادر. الإجابة على أن الشيعة ما هم إلا طائفة من طوائف المسلمين، ومذهب من مذاهب الإسلام يحتاج إلى أن نرجع في تفنيده لا إلى كتبنا نحن أهل السنة، بل سنرجع في تفنيده إلى كتب الشيعة، وإلى كلام أكابر مراجعهم وعلمائهم، فإن مصادر القوم في هذه هي المعتمدة عند من يعتنقون مذهب الشيعة، فإنك لو ذهبت الآن لترد على نبتة سوء خرجت تعتقد مذهب الشيعة، لو ذهبت لترد عليه بأقوال أهل السنة؛ لألقى بقولك عرض الحائط، لكنك ستلقمه حجراً إذا رددت عليه بأقوال أئمة تشيعه، وأكابر مراجعهم في الماضي، بل وفي العصر الحاضر، فتدبر معي أيها الأخ الكريم لنقف مع أول أمر، بل مع أخطر أمر، ألا وهو اعتقادهم في مصادر التلقي، أو في أصول الأحكام المتفق عليها بين المسلمين، ما هي مصادر التلقي عند الشيعة، من أين استقى الشيعة؟ وأصول مذهبهم؟ وما هي نظرة الشيعة لهذه الأصول، وما هو معتقدهم فيها؟
** اعتقاد الشيعة في القرآن الكريم **
أولاً: اعتقادهم في القرآن الكريم، القرآن الكريم هو أول مصدر من مصادر التلقي عن المسلمين، لكن انظر إلى معتقد الشيعة في هذا المصدر -مصدر التلقي-.(29/261)
أولاً: الشيعة يعتقدون أن القرآن الكريم محرف، وسأنقل لكم الأدلة على ذلك من أقوالهم، ومن كتبهم، ويعتقدون كذلك بأن هناك كتب نزلت من السماء بعد القرآن، يقولون بتحريف القرآن الكريم وبتزويره وبنقصه، وبخلل فيه، ثم يقولون بدعوى تنزل كتب بعد القرآن الكريم، ومعلوم أن الأمة قد أجمعت على حفظ كتاب الله جل وعلا؛ مصداقاً لقول الله سبحانه: (( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ))[الحجر:9]^، والقرآن الكريم تحدى الله عز وجل البشرية جمعاء، إذ لم يتغير فيه حرف، ولم تنقص منه كلمة، ولم تحذف منه آية، وقد فصلت ذلك وأنا أتحدث عن الإيمان بالكتب كركن من أركان الإيمان بالله جل وعلا.
تقول فريات الشيعة -وأرجو أن تركزوا معي على القول- بأن هذا القرآن الكريم الموجود الذي بين أيدي المسلمين الآن ناقص ومحرف، وأن القرآن الكامل عند علي بن أبي طالب، ثم أورثه الأئمة من بعده، وهو اليوم عند المهدي المنتظر؛ هذا كلام الشيعة، وهذه المقالة الملحدة ممن يزعمون التشيع لعلي، فوق أنها طعن في كتاب الله وفي دينه، فهي طعن في علي، أليس كذلك؟ بلى.
أقول: إن هذه المقالة الملحدة فوق أنها طعن في كتاب الله وفي دين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهي طعن في علي نفسه رضوان الله عليه، إذ كيف يعلم علي أن القرآن الذي بين أيدي المسلمين محرف وناقص، وأن القرآن الكامل عنده وحده، ثم لا يرد هذه الفرية ولا يبين للمسلمين هذا الباطل، لا سيما بعدما أصبح خليفة، فإذاً: هي طعن في علي رضي الله عنه.(29/262)
ولما سئل الروافض عن ذلك، لم يجدوا ما يجيبون به سوى أنهم قالوا على لسان عالمهم الكبير الذي يلقب بنعمة الله الجزائري -هو نعمة الله بن محمد بن حسين الحسيني الجزائري الشيعي الإمامي، قال عنه الخوانساري: كان من أعظم علمائنا المتأخرين، وأفاضل فضلائنا المتبحرين، وقال فيه محدثهم القمي: كان (أي: نعمة الله) عالماً محققاً مدققاً جليل القدر- في كتابه الموسوم بالأنوار النعمانية، المجلد الثاني (ص:362).
قال: ولما جلس أمير المؤمنين عليه السلام لم يتمكن من إظهار ذلك القرآن –يقصد القرآن الصحيح المتكامل الذي لم يحرف ولم يزور- وإخفاء هذا –أي: الذي في أيدي المسلمين الذي زور وحرف- لما فيه من إظهار الشناعة على من سبقه من الصحابة، إذ لو فعل ذلك لبين أخطاء من سبقوه. انظر إلى هذا الضلال المبين، هكذا يعتذرون، وأي قدح أبلغ من هذا، إنهم يتهمون علياً رضي الله عنه بأنه جامل من سبقه من الصحابة على حساب كتاب الله، وعلى حساب دين رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا وربي بهتان عظيم، هذه فحوى الخرافة التي وجدت مكانها في دواوين الشيعة ومجامعهم الحديثية، وكتبهم المعتمدة في عشرات من النصوص والروايات.
تدبر معي بعض الروايات، لأكمل إن شاء الله تعالى في المحاضرة المقبلة.
يقول حسين النوري الطبرسي، وهو عندهم إمام أئمة الحديث والرجال في الأعصار أو الأزمان المتأخرة - في كتابه- واسمع عنوان الكتاب ويكفي -فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب- الذي ألفه ليثبت من كتبهم أن القرآن محرف -الذي نقل فيه -أي: في كتابه- مجموعة كبيرة من أخبار الشيعة التي تطعن في القرآن، جمعها كما يقول من الكتب المعتبرة التي عليها المعول، وإليها المرجع عند الأصحاب- واعلم أن تلك الأخبار منقولة عن الكتب المعتبرة التي عليها معول أصحابنا في إثبات الأحكام الشرعية والآثار النبوية.(29/263)
فهذه الكتب التي ذكرت هذه الأخبار الملحدة موثقة عند هؤلاء، عند علمائهم، ويتلقون عنها دينهم، وهي منسوبة لأكابر علمائهم ومراجعهم ومحدثيهم، كما سمعنا الآن.
ومن هذه الكتب: صحيحهم الكافي، وهو عندهم يوازي صحيح البخاري عند أهل السنة، ويعتبرون الكافي أصح كتبهم، ويلقبون مؤلفه -وهو محمد بن يعقوب الكليني- بأنه ثقة الإسلام، اسمع، وقد روى الكليني من هذه الأساطير والأقوال الملحدة الشيء الكثير، مع أنه –كما يقول هو- التزم الصحيح فيما يرويه، ولهذا قرر الكاتبون عنه من الشيعة أنه كان يعتقد التحريف والنقصان في القرآن؛ لأنه روى روايات في هذا المعنى في كتابه الكافي، ولم يتعرض لقدح فيها، مع أنه ذكر في أول الكتاب أنه يثق بما رواه، هذا كتاب لإمام كبير من أئمتهم.
وهذه بعض النصوص:
يقول عالمهم المجلسي -صاحب كتاب: بحار الأنوار- أنه قد جعل هذه النقول والأخبار التي تثبت التحريف في كتاب الله جل وعلا في الكثرة والتواتر تساوي أخبار الإمامة التي هي لب التشريع وجوهره، فقال: وعندي –أي: في كتابه مرآة العقول المجلد الثاني (ص:536)- أن الأخبار في هذا الباب –أي: في باب تحريف القرآن- متواترة المعنى، وطرح جميعها يوجب رفع الاعتماد عن الأخبار رأساً، بل ظني أن الأخبار في هذا الباب لا تكثر عن أخبار الإمامة؟
هل سمعتم ماذا يقول؟ لأن الذي نقل إليهم هذه الأخبار علماؤهم الذين نقلوا إليهم أخبار الإمامة والبداء والرجعة والغيبة.. إلخ هذه المعتقدات الفاسدة، فالذين نقلوا إليهم القول بالتحريف بالقرآن هم الذين نقلوا إليهم أصول مذهبهم الفاسد الباطل.
ويقول شيخهم المفيد –ترجمت له من قبل-: إن الأخبار قد جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى من آل محمد صلى الله عليه وسلم باختلاف القرآن، وما أحدثه بعض الظالمين فيه من الحذف والنقصان. أقول: هذا الكلام في كتاب المفيد في أوائل المقالات (ص:98).(29/264)
وقال ثقة الشيعة –هكذا يسمونه- محمد صالح المازندراني: وإسقاط بعض القرآن وتحريفه ثبت من طرقنا بالتواتر معنى، كما يظهر لمن تأمل في كتب الأحاديث من أولها إلى آخرها. قال ذلك المازندراني في شرح جامع الكافي المجلد الحادي عشر (ص:76).
ويقول شيخهم محسن الكاشاني -وهو من أكابر شيوخ الشيعة- المستفاد من الروايات من طريق أهل البيت أن القرآن الذي بين أظهرنا، ليس بتمامه كما أنزل على محمد. قفوا يا إخواننا على هذا المعتقد الخبيث، حتى لا يضحك عليكم الآن جاهل خدع بهذا المذهب الفاسد الباطل، فإنني أعلم أن نبتة سوء قد بدأت تظهر في المنصورة، تدعو لمثل هذا المذهب الخبيث الفاسد الباطل، وهي -ولله الحمد- لا تزيد على ثمانية أفراد، لكن هذا خطر، أتمنى أن يستمع الإخوة هؤلاء هذه المحاضرات بعد تمامها، أتمنى من أي أحد يعرف هذه المجموعة أن يطبع هذه الأشرطة ويأخذها مني كهدية؛ ليسلمها لهؤلاء ليستمعوا إليها بتجرد؛ لعل الله أن يشرح صدورهم إلى الحق، أسأل الله أن يردنا وأن يردهم إلى الحق رداً جميلاً.
يقول شيخهم محسن الكاشاني في كتابه: تفسير الصافي في المقدمة السادسة من تفسيره، يقول: المستفاد من الروايات من طريق أهل البيت، أن القرآن الذي بين أظهرنا ليس بتمامه كما أنزل على محمد –صلى الله عليه وسلم- بل منه ما هو خلاف ما أنزل الله، ومنه ما هو مغير محرف، وإنه قد حذف منه أشياء كثيرة، منها اسم (علي) في كثير من مواضع القرآن، ومنها لفظة (آل محمد) في أكثر من موضع، ومنها أسماء المنافقين في مواضعها، ومنها غير ذلك، وقال: إن القرآن ليس أيضاً على الترتيب المرضي عند الله وعند رسوله.(29/265)
وقد ذكرت لكم قبل ذلك ترتيب المصحف، ومراحل جمع القرآن الكريم؛ ابتداء من عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وانتهاءً بعهد عثمان رضي الله عنه وأرضاه، وذكرت لكم إعجاز القرآن في بلاغته وفي حروفه وفي نظمه، وفي اتساقه الذاتي، وفي إعجازه الفكري وفي إعجازه البلاغي وإعجازه العلمي وإعجازه العقدي، ذكرت ذلك بالتفصيل في كثير من المحاضرات، قد تصل إلى ما يقرب من سبع أو ثمان محاضرات في حديثي عن الإيمان بالكتب، حينما تحدثت عن التوراة المحرفة والإنجيل المزور، ثم تكلمت بعد ذلك عن القرآن الكريم، أرجو أن تراجع هذه الأشرطة مرة أخرى.
وروى الكليني في كتابه الكافي بإسناده –اسمع- عن أبي جعفر عليه السلام قال: [[نزل جبريل بهذه الآية على محمد –صلى الله عليه وسلم- هكذا، ألا وهي قوله تعالى: (( وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ ))[البقرة:23]]]، روى بسنده الكليني إمام من أئمة الشيعة.
وعن جابر الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام قال: [[هكذا نزل قول الله تعالى: ((وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا ))[النساء:66]]] يقولون: لفظة (في علي) حذفت من القرآن انظر إلى التحريف الرهيب في النصوص، وسأقف بعد ذلك مع بعض النصوص في التحريف بالتأويل، أي: في التفسير، يقرءون الآية ويؤولونها تأويلاً رهيباً لا يمت إلى الحقيقة ولا إلى الدين ولا إلى الواقع، بل ولا إلى العقل السليم بأدنى صلة، وأنا لا أدري كيف اغتر بهذا القول الفاسد الملايين؟!! نسأل الله أن يثبتنا على الحق (( ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ))[الحديد:21].(29/266)
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله في قول الله عز وجل: (ومن يطع الله ورسوله في ولاية علي وولاية الأئمة من بعده فقد فاز فوزاً عظيماً). انظر إلى هذا التحريف!!
ويروي الكليني بإسناده عن أبي الحسن- وهذا كله في كتاب الكافي باب: نكت ونتف من التنزيل في الولاية، هكذا عنون صاحب الكافي لهذا الباب الخبيث في المجلد الأول (ص: 417) و(ص421) لمن أراد ممن افتتن بهذا المذهب أن يراجع أصول هذا المذهب في كتبهم، فأنا أنقل الآن من كتبهم، قال: [[ولاية علي مكتوبة في جميع صحف الأنبياء، ولن يبعث الله رسولاً إلا بنبوة محمد ووصية علي]] . وحاشا علياً عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
ومن ذلك أيضاً: ما رواه الكليني بإسناده إلى أحمد بن حمد بن محمد بن أبي نصر قال: دفع إلي أبو الحسن عليه السلام -الذي هو علي رضوان الله عليه اسمع قول الخبيث هذا- مصحفاً، وقال: لا تنظر فيه –انظر التشويق، يعني: سيدنا علي أعطاه مصحفاً وقال له: لا تفتحه، فلماذا أعطاه إذاً؟-، يقول: ففتحته ونظرت فيه، وقرأت فيه (لم يكن الذين كفروا) ووجدت بعدها اسم سبعين رجلاً من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم -يقصد من الصحابة رضوان الله عليهم، انظر الخبث! (لم يكن الذين كفروا) ووجدت بعد تلك الآية (الذين كفروا) اسم سبعين رجلاً من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم- قال: فبعث إلي –أي: علي- وقال: ابعث إلي بالمصحف –أي كما يقال: لا نريد فضايح-.
• فرية نقص القرآن وسورة الولاية:
وتمضي افتراءات الشيعة الروافض، فتخترع سوراً.. انظر الضلال، تخترع سوراً كاملة، وتزعم أن هذه السور قد حذفت من القرآن الكريم، كما قال شيخهم الطبرسي: نقصان السورة -وهو جائز-: سورة الحفد، وسورة الخلع، وسورة الولاية. هذا الكلام في كتاب فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب للنوري الطبرسي -الذي ذكرته آنفاً- (ص:24).(29/267)
ثم في موضع آخر نقل سورة الولاية، واسمع لنص سورة الولاية، قال نص السورة: بسم الله الرحمن الرحيم، (يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالنورين أنزلناهما يتلوان عليكم آياتي، ويحذرونكم عذاب يوم عظيم، نوران بعضهما من بعض وأنا السميع العليم، إن الذين يوفون ورسوله في آيات كذا لهم جنات النعيم، والذين كفروا من بعد ما آمنوا بنقضهم ميثاقهم وما عاهدهم الرسول عليه يقذفون في الجحيم، ظلموا أنفسهم وعصوا الوصي الرسول، أولئك يسقون من ماء حميم) انظروا الضلال المبين!! أهذه سورة؟ بل كلام مسيلمة أفضل وأنظف منه، وكله يخرج من بوتقة كفر خبيثة واحدة، حينما قرأت هذا النص والله تذكرت كلام مسيلمة، قلت: سبحان الله! والله إن الكفر ملة واحدة، حينما ذهب إليه أهل الكفر من أهل الجزيرة وقد ادعى أن وحياً ينزل عليه كما ينزل الوحي على محمد، فقالوا: أسمعنا شيئاً مما نزل عليك، فجلس مسيلمة الكذاب يهذي كما يهذي هؤلاء المجرمون الخبثاء، جلس يقول: (والزارعات زرعاً، والحاصدات حصداً، والعاجنات عجناً، والخابزات خبزاً)؛ فضحك القوم، ففهم أن القوم قد تبين لهم كذبه وضلاله، فأراد أن يسمعهم شيئاً غير ذلك، فقال: (الفيل ما الفيل، وما أدراك ما الفيل، له خرطوم طويل، وذيل قصير)؛ فضحك القوم، وهم أرباب بلاغة، وأرباب بيان، فقال في آية ثالثة: (يا ضفدع بنت ضفدعين، نقي ما تنقين، نصفك في الماء ونصفك في الطين، لا الماء تكدرين ولا الشارب تمنعين).,
فقالوا: يا مسيلمة! قال: نعم، قالوا: والله إنك لتعلم يقيناً أننا نعلم يقيناً أنك كذاب، وهؤلاء يكذبون بهذه الصورة السخيفة على الله جل وعلا، ويختلقون ويزيفون سوراً كاملة، ويزعمون أن هذه قد حذفت من القرآن الكريم.
وجاءت روايات كثيرة في كتب الشيعة تأمرهم بالعمل بالمصحف الموجود بين أيدي المسلمين الآن، لماذا؟ قالوا: ريثما يخرج قرآنهم الذي ورثه علي لإمامهم المهدي المنتظر، وهذا أصل من أصول مذهبهم التقية.(29/268)
يقول نعمة الله الجزائري -الذي ترجمت له من قبل-: قد روي في الأخبار أن علياً والأئمة عليهم السلام أمروا شيعتهم بقراءة القرآن الموجود في الصلاة وغيرها، وأن يعملوا بأحكامه، حتى يظهر مولانا صاحب الزمان، فيرتفع هذا القرآن من أيدي الناس إلى السماء، ويخرج القرآن الذي ألفه أمير المؤمنين، فيقرأ بعد ذلك ويعمل بأحكامه.
أقف عند هذا القدر؛ لأواصل إن شاء الله تعالى تحريف الشيعة للأصل الأول من أصول التلقي، وللمصدر الأول من مصادر التلقي؛ ألا وهو القرآن، وكيف أنهم حرفوا أصول النصوص في القرآن، ولم يكتف الروافض بذلك، وإنما حرفوا التأويل أيضاً للقرآن، وهذا ما سنتعرف عليه إن شاء الله في المحاضرة المقبلة.
أحمد الله الذي هدانا للحق، وأسأل الله أن يثبتنا عليه، وأن يتوفانا عليه، إنه ولي ذلك ومولاه، وأكتفي بهذا القدر، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
=================
نماذج من تحريفات الشيعة لألفاظ القرآن الصريحة
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد:(29/269)
كلامنا إن شاء الله تعالى سيكون معتقد الشيعة الروافض في القرآن، أو بمعنى أدق: في تأويل وتفسير القرآن، فكما انحرف الشيعة في القرآن ذاته فقد انحرفوا أيضاً في تأويل وتفسير القرآن الكريم، فساروا على غير قواعد اللغة، وعلى غير قواعد الشريعة، وعلى غير قواعد الفهم، بل وعلى غير ما يقبله العقل، فحرفوا تأويل القرآن بلي أعناق النصوص بصورة بشعة. وهذا النصوص التي بين أيدينا من مصادر الشيعة الأصلية ومراجعهم الكبيرة؛ ليتبين لنا أن هذا التحريف والتأويل ليس أمثلة في كتب التفسير أو الأصول عندهم بل هو أمر مؤصل ومقعد، بل هو أمر اعتقاد.
وأنا هنا أسوق كثيراً من الأمثلة والشواهد التي تبين تأويل الشيعة المنحرف لآيات القرآن الكريم في تفاسيرهم المعتبرة عندهم، كتفسير القمي، وتفسير العياشي، وتفسير البرهان، وتفسير الصافي، كما أن كتبهم المعتمدة في الحديث قد أخذت كثيراً من هذه التأويلات الفاسدة، وعلى رأسها أصول الكافي للكليني، والبحار للمجلسي، وغيرها من الكتب، فتدبروا معي هذه الأمثلة والشواهد التي ستتعب العقل والقلب معاً، لكن لنقف على أن هذا التأويل والتحريف في تأويل آيات القرآن الكريم إنما هو أمر اعتقاد، وأمر مؤصل عند الروافض.
• تفسير القرآن وأسمائه بالإمامة والولاية والأئمة:
في مصادرهم الأصلية ككتب التفسير والحديث المعتمدة عندهم نجد آيات كثيرة جداً جداً تفسر الآية الواضحة بالإمامة والولاية والأئمة، فأنت: تجد لفظة القرآن صريحة صحيحة في المعنى، ومع ذلك تجد تعسفاً وتمحلاً رهيباً من الشيعة الروافض في تحريف هذه اللفظة أو في تحريف هذه الكلمة لتأصيل معتقد من بين معتقداتهم.(29/270)
تجدهم يؤولون لفظة القرآن أو أي اسم من أسماء القرآن في القرآن بأن هذا الاسم أو هذا اللفظ يراد به الأئمة، ومن ذلك في قول الله تعالى: (( فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا ))[التغابن:8] أي: والقرآن الذي أنزلنا على محمد صلى الله عليه وسلم.
لكن الشيعة يقولون: النور هو نور الأئمة. [الكافي للكليني، كتاب الحجة باب أن الأئمة عليهم السلام نور الله عز وجل (1/194)]
ويقولون في قوله تعالى: (( وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ))[الأعراف:157] قالوا: النور في هذه الآية هو علي والأئمة من بعده عليهم السلام. [كتاب الكافي للكليني، كتاب الحجة، باب أن الأئمة عليهم السلام نور الله عز وجل (1/194)]
ويقولون في قول الله تعالى: (( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ))[الإسراء:9] أي: يهدي إلى الإمام. [كتاب الكافي (1/216)]
ونحن لن ننقل كلاماً من كلام أئمة أهل السنة، حتى لا يحتج علينا بأن هذا من عندنا، بل سننقل كلاماً من كتبهم المعتمدة ومصادرهم ومراجعهم الكلية الكبيرة؛ لنبين إلى أي حد قد انحرف هؤلاء القوم انحرافاً مزرياً في المعتقد وفي تفسير كتاب الله عز وجل.
ويقولون في قول الله تعالى: (( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ))[الإسراء:9] أي: يهدي إلى الولاية.(29/271)
ويفسرون ما ورد في القرآن من لفظة النور بالأئمة أيضاً بلا أدنى دلالة، وبكل أسف هم ينسبون كل هذه التفسيرات إلى أئمة آل البيت برأهم الله مما قالوا، فآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم أعلم وأجل وأفضل وأفقه وأبلغ من أن ينسب إليهم مثل هذا الإلحاد في كتاب الله عز وجل، فهم ينسبون كل هذه الروايات إلى أئمة أهل البيت، ولا سيما ينسبون هذا الكلام إلى جعفر الصادق رحمه الله تعالى وبرأه الله مما قالوا، فلا يثبت ألبتة لإمام من أئمة آل بيت النبي ابتداء بعلي رضوان الله عليه والحسن والحسين وجعفر الصادق ومحمد الباقر وغيرهم من أئمة آل بيت النبي هم برأاء من كل ما ينسبه الشيعة الروافض إليهم من تمحلات لا تتفق مع شرع ولا مع عقيدة، بل ولا مع عقل في تأويلهم الفاسد الباطل في كتاب الله جل وعلا، ومن ذلك أنهم يقولون في قول الله سبحانه وتعالى: (( يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ ))[الصف:8] قالوا: النور في هذه الآية هو ولاية علي، أي: يريدون ليطفئوا ولاية أمير المؤمنين عليه السلام بأفواههم، ثم قال تعالى: (( وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ ))[الصف:8] قالوا: والله متم الإمامة، والإمامة هي النور في قوله تعالى عندهم: (( فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا ))[التغابن:8] قال: النور هو الإمام. [الكافي (1/196)](29/272)
واسمع إلى هذا العجب العجاب والتعسف الواضح في تأويلهم لمعنى قول الله تعالى في سورة النور: (( اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ ))[النور:35] يقولون: (اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ) المشكاة هي فاطمة عليها السلام، (فِيهَا مِصْبَاحٌ) الحسن، (الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ) الحسين، (الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ) فاطمة كوكب دري بين نساء العالمين، (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ) الشجرة المباركة إبراهيم عليه السلام، (زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) لا يهودية ولا نصرانية، (يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ) يكاد العلم يتفجر بها، (وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ) إمام من فاطمة بعد إمام (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ) يهدي الله للأئمة من يشاء (وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ...) الآيات.
وقالوا في قول الله تعالى: (( وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ))[النور:40] أي: ومن لم يجعل الله له إماماً من ولد فاطمة (فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ) أي: فما له من إمام يوم القيامة.
• تفسير الشرك في القرآن بالشرك في ولاية علي:(29/273)
وكما أولوا ما جاء في القرآن الكريم عن القرآن والنور بالإمامة فهم يؤولون ما جاء في كتاب الله جل وعلا من النهي عن الشرك والكفر يؤولونه بالشرك في ولاية علي، فإذا جاءت لفظة الشرك أو الكفر صريحة فإنهم يؤولونها بولاية علي رضي الله عنه، ويؤولون ما جاء في عباد الله وحده واجتناب الطاغوت بولاية الأئمة والبراءة من أعدائهم، ومن ذلك يقولون في قوله تعالى: (( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ))[النحل:36] قالوا: أي: ما بعث الله نبياً قط إلا بولايتنا والبراءة من عدونا، وذلك هو قول الله تعالى: (( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ))[النحل:36] أي: ما بعث الله نبياً قط إلا بولايتهم والبراءة من أعدائهم، هذا تأويل الآية عندهم.
ويقولون في قول الله تعالى: (( لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ ))[النحل:51] قال: يعني بذلك: ولا تتخذوا إمامين إنما هو إمام واحد. [تفسير العياشي (2/216)، تفسير البرهان (2/373)، تفسير نور الثقلين (3/60)]
ويقولون في قول الله تعالى: ((وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ))[الزمر:65] خطاب من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم، قالوا: لئن أمرت بولاية أحد مع ولاية علي ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين، انظر إلى هذه البشاعة والفضاعة!! [تفسير الصافي (2/472)، وهذه الرواية نقلها أيضاً عن الصافي الكليني في تفسيره في أصول الكافي (40/498)](29/274)
ويقولون في قوله تعالى: (( فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ))[الكهف:110] قالوا: العمل الصالح المعرفة بالأئمة، ولا يشرك بعباده ربه أحداً، أي: يسلم لعلي، ولا يشرك معه في الخلافة من ليس ذلك له ولا هو من أهله. [تفسير العياشي (2/353)، وتفسير البرهان (2/497)]
ويقولون في قوله تعالى: (( وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ ))[البقرة:41] قالوا: ولا تكونوا أول كافر بعلي، رضي الله عنه وبرأه الله مما قالوا.
وقالوا ببشاعة رهيبة في قوله تعالى: (( وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ))[البقرة:165] قالوا: من بني فلان أي: من بني أبي بكر، ومن بني فلان: أي من بني عمر، وقالوا: هم أولياء فلان وفلان وفلان، يعنون أبا بكر وعمر وعثمان، اتخذوهم أئمة من دون الإمام، أي: من دون علي رضي الله عنه. [تفسير العياشي (2/72)، تفسير البرهان (1/172)، تفسير الصافي (1/156)، تفسير نور الثقلين (1/151)]
وقالوا في قول الله تعالى: (( إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ))[الأعراف:30] قالوا: أي: الأئمة الذين تولوا الخلافة قبل علي، يعني: أئمة دون أئمة الحق. [تفسير الصافي (1/571)]
ويقولون في قوله تعالى: (( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ))[النساء:48] يعني: أنه لا يغفر لمن يكفر بولاية علي، وأما قوله تعالى: (( وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ))[النساء:48] فيعني: لمن والى علياً عليه السلام، والروايات في هذا كثيرة جداً جداً.
• تفسير الصلاة بالأئمة والإمامة:(29/275)
وهم يؤولون أيضاً بعض آيات القرآن كلفظة الصلاة بالأئمة والإمامة، فهم: ما اكتفوا بلفظة القرآن ولا بلفظة النور، بل ويؤولون أيضاً لفظة الصلاة الواردة في كتاب الله جل وعلا بالأئمة أو بالولاية، وهم يقولون في قوله تعالى: (( حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ))[البقرة:238] قالوا: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ) هي رسول الله وأمير المؤمنين علي والحسن والحسين، والصلاة الوسطى هي علي وحده، (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) أي: طائعين للأئمة. [تفسير العياشي (1/128)، وتفسير البرهان (1/231)، والبحار (7/154)]
فهذه بعض تأويلاتهم في آيات الصلاة وقد مضى تأويلهم لعموم الأعمال الصالحة بالإمامة، ولا أريد أن أقف مع كل الروايات والنصوص الثابتة، فكتبهم مشحونة بمثل هذا الأسلوب الفاضح في التأويل المتعسف لكتاب الله عز وجل.
• تأويلات أخرى في القرآن وتنزيلها على الأئمة:
يقولون مثلاً في قول الله تبارك وتعالى: (( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ))[البقرة:121] قالوا: هم الأئمة عليه السلام. [تفسير الكافي، كتاب الحجة، باب في أن من اصطفاه الله من عباده وأورثهم كتابه هم الأئمة عليهم السلام، (1/215)]
والأئمة عند الروافض هم أهل الذكر، وهم الراسخون في العلم، وهم الذين أوتوا العلم، ولهذا قالوا في قوله تعالى: (( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ))[آل عمران:7] قالوا: الراسخون في العلم هم أمير المؤمنين والأئمة من بعده.(29/276)
نعم نحن نقر بأن علياً رضوان الله عليه من الراسخين في العلم، بل من أئمة العلم، ولا ننكر هذا، فالحق نثبته ونقره ولو كان على لسان الروافض أو غيرهم، ولقد أثبت الله عز وجل الحق على لسان أهل الكتاب مع كفرهم بالله جل وعلا، فقال سبحانه وتعالى: (( وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً ))[آل عمران:75] فالله يثبت الحق لأهله، ونحن نثبت بأن علياً رضوان الله عليه من الراسخين في العلم، بل ومن أئمة العلم، فهذه ما زاغوا فيها عن الحق، ثم يقولون: والإئمة من بعد عليه رضوان الله عليه، بل وستعجب إذا علمت أن الأئمة أيضاً عندهم هم آيات الله، وهم النبأ العظيم، وهم الآيات المحكمات، يقولون في قوله تعالى: (( فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ ))[الأعراف:69] أن رجلاً يقال له: يوسف البزاز سأل كذباً وزوراً أبا عبد الله جعفر الصادق عن قوله تعالى: (( فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ ))[الأعراف:69] فقال جعفر: [[أتدري ما آلاء الله؟ قلت: لا، قال: هي أعظم نعم الله على خلقه وهي ولايتنا]]. [تفسير الكافي (1/217)].(29/277)
والأئمة كذلك هم آيات الله أيضاً، قال الكليني: باب: إن الآيات التي ذكرها الله عز وجل في كتابه هم الأئمة، وساق عدة روايات في ذلك، منها في قوله تعالى: (( كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا ))[القمر:42] أي: كذبوا بالأئمة والأوصياء، والأئمة هم النبأ العظيم كما في قوله تعالى: (( عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنْ النَّبَإِ الْعَظِيمِ * الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ ))[النبأ:1-3] قال أبو حمزة: قلت لأبي جعفر: [[جعلت فداك! إن الشيعة يسألونك عن تفسير هذه الآية: (( عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنْ النَّبَإِ الْعَظِيمِ ))[النبأ:1-2] فقال: ذلك إلي، إن شئت أخبرتهم وإن شئت لم أخبرهم، ثم قال: لكن أخبرك بتفسيرها، (( عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ ))[النبأ:1] قال: هي في أمير المؤمنين صلوات الله عليه، كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقول: ما لله عز وجل آية هي أكبر مني، ولا لله من نبأ هو أعظم مني]].
تعالى الله عما يقولون علوا ًكبيراً، وبرأ الله علياً وأبا عبد الله جعفر الصادق رضوان الله عليهم جميعاً مما يقول هؤلاء الظالمون.
كذلك لفظة الآيات المحكمات في كتاب الله جل وعلا فسرت بالأئمة، روى العياشي عن أبي عبد الله: جعفر الصادق في قوله تعالى: (( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ ))[آل عمران:7] قال: [[الآيات المحكمات أمير المؤمنين والأئمة، (( وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ))[آل عمران:7] أبو بكر وعمر وعثمان، (( فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ ))[آل عمران:7]. أي: أصحابهم وأهل ولايتهم، (( فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ))[آل عمران:7]]]. [تفسير العياشي (1/162)، وتفسير البرهان (1/271) وتفسير البحار (7/47)](29/278)
الأئمة عندهم هم النحل كما في قوله تعالى: (( وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ ))[النحل:68] يعني: إلى الأئمة، سبحان الله! الأئمة سيتخذون من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون! وقد عقد المجلسي باباً في تفسيره بعنوان: باب نادر في تأويل النحل بالأئمة. [تفسير العياشي (2/264)، تفسير البرهان (2/375)، تفسير الصافي (1/931) وفي غيرها]
وهم الحفدة كما في قوله تعالى: (( وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً ))[النحل:72] الحفدة هم الأئمة، وقالوا في قوله تعالى: (( وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ))[الأنفال:47] أي: عن الأئمة، وقالوا في قوله تعالى: (( وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ ))[الحاقة:50] أي: علي رضي الله عنه، وقالوا في قوله تعالى: (( وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ ))[الحاقة:51] أي: علي رضي الله عنه، وفي قوله: (( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ))[الفاتحة:6] قالوا: هو صراط علي رضي الله عنه، شيء رهيب!!
والأئمة عندهم هم الأيام والشهور الواردة في القرآن، وقد عقد المجلسي باباً في تفسيره بعنوان: باب تأويل الأيام والشهور بالأئمة عليهم السلام.
بل ستعجبون! لو وردت لفظة الأسماء الحسنى لله فهي الأئمة، يروون عن الرضا أنه قال: [[إذا نزلت بكم شدة فاستعينوا بنا على الله، وهو قول الله تعالى: (( وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ))[الأعراف:180]]] قال أبو عبد الله: [[نحن والله الأسماء الحسنى الذي لا يقبل من أحد إلا بمعرفتنا، قال: (( فَادْعُوهُ بِهَا ))[الأعراف:180] أي: ادعوه بنا، أي: بالأئمة]]. [تفسير العياشي (2/42)، تفسير الصافي (1/626) البرهان (2/51)]
• تأويل آيات الكفار والمنافقين وتنزيلها على الصحابة:(29/279)
حتى الآيات التي وردت في الكفار والمنافقين يؤولونها بخيار أصحاب سيد المرسلين، وهذا المعتقد الضال الفاسد فتنة من أعظم الفتن، فإن كثيراً ممن يشار إليهم بالبنان من أهل السنة لا يعرفون شيئاً عن هذه العقيدة الضالة، بل وينكرون على من تكلم عن هؤلاء، ويقولون: إنه لا خلاف بيننا وبينهم إلا في بعض الفروع الفقهية، إنما هو اختلاف مذاهب، فقفوا على هذا المذهب لتقفوا على هذا الخطر العظيم.
يقولون في قوله تعالى: (( رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنْ الْجِنِّ وَالإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنْ الأَسْفَلِينَ ))[فصلت:29] قالوا: هما أبو بكر وعمر رضوان الله عليهما، يقولون: وكان فلان شيطاناً يعني: عمر بن الخطاب رضي الله عنه، شيطان يقولون: لفظة ما وردت في القرآن كله من أوله إلى آخره إلا ويراد بها عمر رضوان الله عليه. [انظر إلى فروع الكافي في هامش مرآة العقول، (4/416)]
يسبون الخيرين الكبيرين الوزيرين الأولين، الحبيبين لرسول الله، بل ويسبون أحب الخلق إلى المصطفى كما في صحيح البخاري من حديث عمرو بن العاص، قال: (يا رسول الله! أي: الناس أحب إليك؟ قال: عائشة، قال: من الرجال، قال: أبوها، قال: ثم من؟ قال: ثم عمر) رضي الله عن أبي بكر وعمر.(29/280)
قال المجلسي وهو يشرح الكافي -تفسير من تفاسير الشيعة المعتمدة الكبيرة- مبيناً مراد صاحب الكافي بهذه العبارات، قال: (رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا) قال: هما أبو بكر وعمر، والمراد بفلان هو عمر أي: الجن المذكور في الآية عمر، وإنما سمي به لأن عمر كان شيطاناً، ويقولون في قوله تعالى: (( فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ ))[التوبة:12] يروي العياشي عن حنان بن سدير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: [[سمعته يقول: دخل علي أناس من البصرة فسألوني عن قوله تعالى: (( فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ ))[التوبة:12] فقال: طلحة والزبير]] طلحة الجود، طلحة الخير، طلحة الفياض، صاحب اليد التي شلت وهي تذب عن رسول الله يوم أحد يعتبر إماماً من أئمة الكفر عند الروافض الفجرة، أما الزبير بن العوام حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو إمام من أئمة الكفر عن الروافض [تفسير العياشي (2/77-78)، وتفسير البرهان (2/107)، وتفسير الصافي (1/685)].
ويقولون في قوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم أعز الدين بعمر بن الخطاب أو بأبي الحكم عمرو بن هشام) قالوا: لما دعا النبي ربه بهذا الدعاء، نزل عليه قوله تعالى: (( وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً ))[الكهف:51] أي: بما فيهم عمر رضوان الله عليه. [تفسير العياشي والبرهان والبحار]
ويقولون أيضاً في قوله تعالى: (( وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ))[البقرة:168] قالوا: والله ولاية فلان وفلان، أي: ولاية أبي بكر وعمر. [تفسير العياشي والبرهان والصافي](29/281)
وفي قوله تعالى: (( إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنْ الْقَوْلِ ))[النساء:108] تجدهم يفترون على أبي جعفر الصادق برأه الله مما قالوا، ويقولون: قال فيها فلان وفلان، أي: أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح، وفي رواية أخرى: (( إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنْ الْقَوْلِ ))[النساء:108] أي: افتروها على أبي الحسن، أي: أبو بكر وعمر وأبو عبيدة هم الذين يبيتون في حق علي ما لا يرضى من القول.
ويفترون على أبي عبد الله جعفر الصادق في قوله تعالى: (( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً ))[النساء:137] أنه قال: [[نزلت في أبي بكر وعمر، فآمنوا برسول الله وآله في أول الأمر، ثم كفروا حين عرضت عليهم الولاية لعلي حيث قال: (من كنت مولاه فعلي مولاه)، ثم آمنوا بالبيعة لأمير المؤمنين حيث قالوا له بأمر الله وأمر رسوله فبايعوه، ثم كفروا حيث مضى رسول الله صلى الله لعيه وسلم فلم يقروا بالبيعة، ثم ازدادوا كفراً بأخذهم من بايعوه –أي: من بايعوا علياً- البيعة لهم، فهؤلاء من يبقى منهم من الإيمان شيء]]. [تفسير العياشي (1/281)، تفسير الصافي (1/404)، تفسير البرهان (1/422)، تفسير البحار (8/218)]
• تأويل نصوص القرآن وإنزالها على مهدي الشيعة:(29/282)
وعلى ضوء عقيدتهم يتعسفون في تأويل نصوص القرآن ليثبتوا ما رسخ عندهم من اعتقاد، فهم لا يتورعون أبداً من أن يلوي أحدهم عنق النص من أجل أن يثبت عقيدته الفاسدة الباطلة، فمثلاً من أجل إثبات عقيدتهم في مهديهم المنتظر يقولون في قوله عز وجل: (( الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ))[البقرة:1-3] يقولون: من أقر بقيام القائم عليه السلام أنه حق، (يؤمنون بالغيب) يعني يؤمنون بالقائم عليه السلام وغيبته، أي: بمهديهم المنتظر وغيبته.
وعن جابر عن أبي جعفر في قوله تعالى: [[ (( وَأَذَانٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ ))[التوبة:3] قال: خروج القائم وأذان دعوته إلى نفسه]] إلى آخر هذا الغثاء الذي يتعب القلب والعقل معاً.
والأمثلة على تعسفهم في تفسير آيات الله جل وعلا في المهدي المتنظر كثيرة، حتى ألفوا في هذا كتباً مستقلة، ككتاب (ما نزل من القرآن في صاحب الزمان)، يعني: في حق المهدي المنتظر لعبد العزيز القلوني، وكتاب: (المحجة فيما نزل في القائم الحجة) للسيد هاشم البحراني، وهو كتاب كله عبارة عن آيات من القرآن تؤول تأويلاً باطلاً ضالاً، تأويل إلحاد لا لبس فيه ولا غموض، يثبتون بهذه الآيات القرآنية الصريحة خروج مهديهم المنتظر، أو أن هذه الآيات وردت في مهديهم المنتظر.
• تأويلات الشيعة تأويلات إلحادية باطنية:(29/283)
تلك أمثلة قليلة لتأويلهم لكتاب الله جل وعلا، ولتعسفهم في فهم آيات الله تبارك وتعالى، فهم يفسرون القرآن تفسيراً باطنياً، لا تربطه بالآية على الإطلاق أدنى صلة، وكأن القرآن لم ينزل بلسان عربي مبين، ولم يجعله الله تبارك وتعالى كتاب هداية ودستوراً للخلق أجمعين، فالله تعالى قال: (( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ))[القمر:17] هذا القرآن يخاطب العالم، ولا شك أن تلك التأويلات إلحاد في كتاب الله تعالى، قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: (( إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا ))[فصلت:40] قال: الإلحاد هو أن يوضع الكلام في غير موضعه، وذلك بالانحراف في تأويله.
وقال صاحب الإكليل الإمام السيوطي رحمه الله تعالى في قوله تعالى: (( إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا ))[فصلت:40] قال: في هذه الآية الرد على تعاطي تفسير القرآن بما لا يدل عليه جوهر اللفظ كما يفعله الباطنية والاتحادية والملاحدة.
وقال صاحب كتاب: (إكثار الملحدين) محمد أنور شاه الكشميري (ص:2) قال: وهؤلاء الذين يلحدون في آيات الله ويحرفونها عن معانيها وإن كتموا كفرهم وتستروا بالتأويل الباطل وأرادوا الإخفاء، لكنهم لا يخفون على الله تعالى.
• استعمال التقية في كتاب التبيان ومجمع البيان:
أقول: إننا لا نتورع ألبتة أن نثبت الحق إن رأينا شيئاً من الحق، فمثلاً: كتاب التبيان للطوسي وكتاب مجمع البيان للطبرسي من كتب التفسير عند الشيعة لكنهما نأيا عن هذا الإلحاد المبين في تفسير آيات رب العالمين، وإن كانت قد التزمت في الدفاع عن أصول الشيعة في بعض الآيات، ولكنها بأمانة لا تقارب بحال ما ورد في تفسير العياشي أو الكافي أو البحار أو الصافي أو غيرها.(29/284)
وما سبق إنما هو من باب العدل والإنصاف، ولولا أننا وقفنا على كلام نفيس لعالم الشيعة ومحدثها وخبير رجالها وصاحب آخر مجموع من مجامعها الحديثية، هو أستاذ كثير من علماء الشيعة الأقطاب كمحمد حسن الكاشف الغطاء، وآغا بزرت الطهراني وغيرهم، هذا العالم هو عالم الشيعة الكبير حسين النوري الطبرسي، حيث كشف لنا سراً خطيراً بقي دفيناً، ولولاه ما أمطنا اللثام عن حقيقة كانت مجهولة لدينا، قال في كتاب التبيان: (ثم لا يخفى على المتأمل في كتاب التبيان أن طريقته فيه على نهاية المداراة والمماشاة مع المخالفين) وهذا أصل من أصول الشيعة التي تتطلب التقية، ثم يقول: (فإنك تراه اقتصر في تفسير الآيات على طريقة الحسن وقتادة والضحاك والسدي وابن جريج والجبائي والزجاج وابن زيد وأمثالهم، ولم ينقل عن أحد من مفسري الإمامية، ولم ينقل خبراً عن أحد من الأئمة عليهم السلام إلا قليلاً في بعض المواضع، لعله وافقه في نقله المخالفون، بل عد الأولين في الطبقة الأولى من المفسرين الذين حملت طرائقهم، ومدحت مذاهبهم)، وهو بمكان من القرابة لو لم يكن على وجه من المماشاة، فمن المحتمل أن يكون هذا القول فيه على نحو ذلك.
وممن يؤيد كون وضع الكتاب على التقية ما ذكره السيد الجليل علي بن طاوس في (سعد السعود) وهذا لفظه: (ونحن نذكر ما حكاه جدي أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في كتاب التبيان: وحملته التقية على الاقتصار من تفصيل المكي من المدني، والخلاف في أوقات ...إلخ) هكذا لم يكمل الطوسي العبارة، وقال الطبرسي معقباً: وهو أعرف بما قال –أي: الطوسي- ولا يخفى على من اطلع على مقامه، فتأمل.
إذا الكلام الذي ذكر في التبيان أو في مجمع البيان إنما هو كلام مذكور على سبيل المجاراة والتقية، لكن العقيدة واحدة لا تتبدل ولا تتغير.(29/285)
ومن هذا الكلام يتبين أن التبيان للطوسي قد وضع على أسلوب التقية كما هو رأي عالم الشيعة الكبير المعاصر، أو أن يكون تفسير مجمع البيان قد صدر من الطبرسي نتيجة اقتناع فكري بإسفاف ما عليه قومه من تفسير، ومعنى هذا أن شيعة اليوم هم أشد غلواً وتطرفاً، ولذا تراهم يعتبرون تفسير الطوسي وأمثاله من التفاسير إنما ألفت للخصوم، والتزمت بروح التقية؛ لتبشر بالعقيدة الشيعية بين من لا يدينون بعقيدة الروافض.
وقد سار على نهج الطوسي عالمهم أبو العلي الفضل بن الحسن الطبرسي، وهو من أكابر علمائهم في القرن السادس الهجري، وقد أشار الطبرسي في مقدمة تفسيره إلى اتباعه لمنهج الطوسي، حيث قال: إلا ما جمعه الشيخ الأجل السعيد أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي قدس الله روحه في كتاب التبيان، فإنه الكتاب الذي يقتبس منه ضياء الحق، ويلوح عليه رواء الصدق، وهو القدوة أستضيء بأنواره، و...... مواقع آثاره، يعني: هو يقتفي وينسج على نهج كتاب مجمع البيان.
• مصحف فاطمة المزعوم عند الشيعة:
ومن أبشع ما وقفت عليه أن الشيعة لم يكتفوا بالقول بتحريف كتاب الله جل وعلا، أو بتحريفهم في تأويل كتاب الله جل وعلا على الحد الذي بينت، بل زعموا أن كتباً أخرى كالقرآن أنزلها الله على علي وعلى فاطمة، ولقد تضمنت كتب الشيعة ومراجعها المعتبرة دعاوى عرضية ومزاعم خطيرة، تزعم أن هناك كتباً مقدسة قد نزلت من السماء بوحي من الله جل وعلا إلى الأئمة، وأحياناً تورد كتب الشيعة الأصلية نصوصاً وروايات يزعمون أن هذه النصوص وتلك الروايات مأخوذة من الكتب التي نزلت على الأئمة وعلى رأسهم علي رضوان الله عليه وبرأه الله مما قالوا.
وأنا أنقل إليكم بعض النصوص باختصار وبكل أمانة، في هذا المبحث الخطير من مباحث الروافض، وتدبر معي هذه الأسطورة الخطيرة:(29/286)
يروي الكليني بسنده عن حماد بن عثمان، قال: سمعت أبا عبد الله –يعني: جعفر الصادق برأه الله مما قالوا- يقول: [[يظهر الزنادقة في سنة ثمان وعشرين ومائة، وذلك إني نظرت في مصحف فاطمة عليها السلام، قال: قلت: وما مصحف فاطمة؟ قال: إن الله تعالى لما قبض نبيه صلى الله عليه وسلم دخل على فاطمة عليها السلام من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلا الله عز وجل، فأرسل الله إليها ملكاً يسلي غمها، ويحدثها، فشكت ذلك إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فقال لها علي: إذا أحسست بذلك وسمعتي الصوت –أي: صوت الملك- فقولي لي، فأعلمته بذلك، فجعل أمير المؤمنين يكتب كل ما سمع من الملك، حتى أثبت من ذلك مصحفه، قال: ثم قال: أما أنه ليس فيه شيء من الحلال والحرام، ولكن فيه علم ما سيكون]]. [أصول الكافي، كتاب الحجة، باب فيه ذكر الصحيفة (1/240)]
وفي كتاب دلائل الإمامة، وهو من كتبهم المعتمدة عندهم، وردت رواية تصف مصحف فاطمة المزعوم بأن فيه خبر ما كان، وما يكون إلى يوم القيامة، وفيه خبر كل سماء، وفيه خبر عدد ما في السماوات من الملائكة، وفيه عدد كل من خلق الله من المرسلين بأسمائهم وأسماء من أرسل إليهم، وأسماء من كذب، وأسماء من أجاب، وأسماء جميع من خلق الله من المؤمنين والكافرين، وفيه أيضاً صفة كل من كذب، وصفة القرون الأولى، وفيه صفة كل من ولي من الطواغيت بمدة ملكهم وعددهم وأسماء الأئمة وصفتهم وما يملك كل واحد، وفي هذا المصحف جميع ما خلق الله، وفيه صفة أهل الجنة بأعدادهم ومن يدخلها، وبعدد من يدخل النار وبأسمائهم، وفيه علم القرآن كما أنزل، وفيه علم التوراة كما أنزلت، وفيه علم الإنجيل كما أنزل، وفيه علم الزبور، وفيه عدد كل شجرة ومدرة في جميع البلاد.
هل هناك حاجة لم تقل؟! [محمد بن جرير بن رستم الطبري -وهذا غير ابن جرير الطبري من أئمة أهل السنة- في كتابه دلائل الإمامة (ص:27، 28)](29/287)
هذا المصحف بحجم العلوم التي فيه يكون مثل ماذا، كم سيكتب ومتى يقرأ؟ وإذا كان العلم هذا كله عند الأئمة فلما والولاية ضائعة منهم لها مئات السنين.
يعني: كلام لا يمت إلى العقل، ولا إلى الفهم الصحيح بأدنى صلة، بل ولا إلى الفهم السقيم بأدنى صلة. وتصف رواية دلائل الإمامة صفة نزول هذا المصحف على خلاف ما جاء في الرواية السابقة عند الكافي، فهي تقول: إن هذا المصحف مصحف فاطمة نزل جملة واحدة من السماء، بواسطة ثلاثة من الملائكة هم جبريل وإسرافيل وميكائيل، فهبطوا به وفاطمة قائمة تصلي، فما زالوا قياماً حتى قعدت، ثم لما فرغت من صلاتها سلموا عليها وقالوا: السلام يقرئك السلام، ووضعوا المصحف في حجرها، فقالت فاطمة: لله السلام ومنه السلام وإليه السلام، وعليكم يا رسل الله السلام، ثم عرجوا إلى السماء، فما زالت من بعد صلاة الفجر إلى زوال الشمس تقرؤه حتى أتت على آخره.
يعني: في الظهر تقريباً انتهت من قراءة المصحف حتى أتت على آخره، ولقد كانت عليها السلام مفروضة الطاعة على جميع من خلق الله من الجن والإنس والطير والوحش والأنبياء والملائكة.
قلت: جعلت فداك! فلمن صار ذلك المصحف بعد مضيها –أي: بعد موتها-؟ فقال: دفعته إلى أمير المؤمنين علي، فلما مضى علي –أي: قتل- صار إلى الحسن، ثم إلى الحسين، ثم عند أهله حتى يدفعوه إلى صاحب هذا الأمر، يعني: مهديهم المنتظر.
• صحف أخرى أنزلت من السماء:
وهنا أختم بأنهم يدعون أيضاً نزول اثني عشر –ليس غير مصحف فاطمة- يدعون نزول اثني عشر صحيفة من السماء تتضمن صفات الأئمة، وقد جاء هذا في حديث طويل من أحاديثهم يرويه ابن بابويه القمي المسمى الصدوق عندهم، فهو يروي هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إن الله تبارك وتعالى أنزل علي اثنا عشر خاتماً، واثنا عشر صحيفة، اسم كل إمام على خاتمه، وصفته في صحيفته. [إكمال الدين لابن بابويه القمي (ص:263)](29/288)
أكتفي بهذا القدر من هذا الغثاء، ومن هذا التأويل الباطل والمتعسف في كتاب الله عز وجل؛ ليقف كل مسلم على حقيقة معتقد القوم، فإن القول بأن الخلاف بين أهل السنة وبين الشيعة خلاف في المذاهب، وخلاف في فروع المسائل الفقهية كلام ضال يحتاج صاحبه إلى توبة إلى الله جل وعلا إن كان يفهم ما يقول، ويحتاج إلى أن يتعلم إن كان يجهل ما يقول.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
=============================
نثر الكنان في بيان تحريف الشيعة للقرآن
مقدمة كتاب الشيعة والقرآن
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وآله وأزواجه وذريته وأصحابه الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد:
فإننا ألفنا قبل سنوات عشرة كتاباً حول الشيعة وعقائدها الشيعة والسنة، ولقد تسبب لكتابة هذا الكتاب كتيب صدر من إيران من أحد علمائها. الذي حاول الرد على رسالة صغيرة الحجم كبيرة الفائدة. الخطوط العريضة للأسس التي قام عليها دين الشيعة الإمامية الإثني عشرية للسيد محب الدين الخطيب رحمه الله.
ولقد تأثرت كثيراً وانفعلت حينما رأيت ذلك الكتيب مع الخطيب في خطوطه العريضة حيث لم يقصد المعترض في رده على الخطيب تغليط عباراته التي أوردها في رسالته، ولم يحاول تفنيد مستنتجاته وثمراته التي أنتجها من البحث، بل قصد التمويه والتزييف والتشكيك وأكثر من ذلك الخداع السافر والغش الظاهر، حيث ظن أنه مات الخطيب ولم يبق في السنة من يعرف خباياهم وخفاياهم؛ فتهجم وتجاهل، وتغافل وتعاند، فأنكر ما كان ثابتاً، وتنكر على ما كان موجوداً، وبدل أن يكون واقعياً في الرد بدأ يتضوغ ويتصيح، وصار يتألم ويتظلم قائلاً: لا ينبغي أن يكتب مثل هذه الكتيبات والرسائل في مثل هذه الآونة المحرجة.(29/289)
فالحري بنا وبكل مسلم غيور على دينه وأمته ترك هذه المناقشات والظروف والأحوال على ما يشاهد في العالم الإسلامي، فالفتن والكوارث هجمت علينا من كل جانب.... يحاربنا الإلحاد واستعمار الصهيونية والصليبية والشرقية والغربية بأساليبها الخداعة الهدامة، يغزونا أعداؤنا في عقر دارنا، ويهتكون حرماتنا، ويخربون مساجدنا، ويسعون لهدم جميع آثار الإسلام([1]).
إلى آخر ذلك من الكلمات البراقة الخداعة.
ولكنه لم يتقدم خطوات إلا ونسي ما كتب، وأعرض عما ذكر، وتنمر على الخطيب، ولم يجد في جعبته نبلاً إلا رشقه به، ولا في جيبه شتيمة إلا ورماه بها، ويا ليته اكتفى بسبه ورميه إياه! ولكنه تجاوز الحدود، وطعن على أصحاب رسول الله وخلفائه الراشدين المهديين وأزواجه أمهات المؤمنين رضوان الله عليهم أجمعين حتى لم يؤنبه ضميره، ولم يردعه الأحوال الحالكة والظروف السيئة المحيطة بالمسلمين التي ذكرها في مقدمة كتابه.
كما أنه أنكر جل معتقدات الشيعة التي ذكرها الخطيب في رسالته من أمهات كتب القوم وكذبها، وحكم عليه بالافتراء والبهتان، ومنها عقيدتهم حول القرآن بأنه محرف ومغير فيه، والتقية التي يجعلونها وسيلة لإظهار ما يخالف الحق والباطل، والعداء الشديد لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن لم يستند في إنكاره إلى دليل ولا إلى برهان، وهو مع ذلك حاول اصطياد السنة في حبائله التي فرشها على الأرض بلونها وخداعهم مستعملاً فيه دهاءه ومكره.(29/290)
ولما رأيت هذا الكتيب اندهشت لما فيه من المخادعة الواضحة والكذب الظاهر، وإنكار الحقائق الثابتة؛ فاستعنت بالله وكتبت ذلك الكتاب الذي تلقى القبول من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ومحبي أصحابه، ومبغضي أعدائه والكذب، وقراء القرآن الذين يتلونه آناء الليل وآناء النهار، القبول والرواج الذي لم يعهد له مثيل في الآونة الأخيرة. وأثبتنا فيه صدق ما قاله الخطيب لا بالكلام والعواطف، بل بالأدلة القاطعة، والبراهين الساطعة، والنصوص الثابتة، والعبارات الصريحة، والروايات الجلية والقطعية الثبوت والنسبة، وأطنبنا القول في المسائل الثلاثة المذكورة، وخاصة في مسألة تحريف القرآن، حيث أوردنا أكثر من أربعين حديثاً من أمهات كتب القوم، كلها تنص على أن القرآن حرّف وغيّر، زيد فيه ونقص منه كثير، ولعله أول مرة في اللغة العربية بهذه السعة، وثبت المصادر والمراجع. فلقد احترق القوم لكشف النقاب عن وجهه الحقيقي، وإماطة اللثام عن البشاعة التي طالما حاولوا إخفاءها، وفرح محبو السنة وزاد سرورهم لإبطال المبطلين، ونقض شبهات المنتحلين، وإغراض المخادعين الذين كانوا مصداق قول الله عز وجل: ((يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ))[البقرة:9].
وترجم هذا الكتاب إلى لغات عديدة حية، فلله الحمد من قبل ومن بعد. وتوقعنا أن يتصدى له أحد علماء الشيعة، ويفند ما أثبتناه ويغلط ما أوردناه، وطالما سمعنا بتكوين لجنة وتشكيل جماعة للرد على ذلك المختصر، واشتد بنا الشوق، ولم يأتنا أي خبر، اللهم إلا أحد الباكستانيين الذي تخرج من مدارس النجف، تعرض ولكنه ليس للرد، بل للشتائم والسباب، في كتابه الذي ألفه باللغة الأردية، وتمثلت قول الشاعر:
ولقد أمر على اللئيم يسبني فمضيت ثمت قلت لا يعنيني([2])(29/291)
ورد آخر من أحد الملتثمين في لبنان([3]) ولم يكن مختلفاً كثيراً عن أخيه الباكستاني؛ فاضطررت إلى أن أقول مرة أخرى:
واغفر عوراء الكريم ادخاره وأعرض عن شتم اللئيم تكرماً
وهأنذا أجد بين يدي كتيباً آخر، الذي كلف نفسه بكتابته صاحبنا القديم([4]) باسم صوت الحق ودعوة الصدق الذي لم يصل إلي إلا قبل أسبوع من كتابة هذه الأسطر، وقد أرسله إلي أحد الإخوة المحبين لي والعلم من العرب. وإنني لمستغرب أن مؤلفه لماذا لم يرسله إلي حيث أنه يعرف عنواني المطبوع على غلاف الشيعة والسنة وقت صدوره؟! ويظهر أنه طبع قبل مدة، كما أن كاتبه كتبه قبل بضعة أعوام، لعله خجل مما كتب، أو إخفاء على ما ألف من النقد والتحليل، مع أنه أول من خاطب فيه خاطب أساتذة الجامعة الإسلامية التي تشرفت بالتخرج منها، وعلماء مدينة لاهور التي أقطنها، وتسكنني بين جنباتها وعرصاتها، ولم يكن للكتاب أثر اسم ولا رسم، لا في لاهور حيث أصول فيها وأجول، ولا الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة التي أزورها حيناً بعد حين.
فيا للمسكنة والجبن! ويا للإقدام والجرأة!
وعلى كلٍ فبعد ما فرغت من مؤلفي الشيعة وأهل البيت، وعطفت عنان قلمي إلى فرق شبه القارة وامتطيت جواد فكري وأشهب معلوماتي عارضني هذا الكتيب، واعترض في طريقي، ومنعني أن أواصل سيري في البحث الذي كنت أريده حتى أفرغ منه. فصففت كتب الشيعة أمامي بعد ما طويت عنها كشحي، ورصفتها بعد ما صرفت أنظاري منها، ووضعت الرد أمامي ووراءه كتب القوم تشهد عليه وتخالفه، وقلبت الصفحة الخامسة من هذا الكتيب التي بها بدأ مقدمته، فوجدته لم يختلف على مرّ الأيام وكرّ الليالي من دأبه الخداعي القديم، فقال:(29/292)
من أعظم الواجبات الملقاة على عواتق العلماء وقادة الأمة والكتّاب -لا سيما في هذا العصر- أن يخلصوا نياتهم وينزهوا أقلامهم عن كل ما يورث الوهن والفشل، ويؤدي إلى الضعف في صفوف المسلمين، ويبعدوا نفوسهم عن سوء الظن، وأن يتقوا الله فيما يقولون لا يكتمون الحقائق، ولا ينشرون الأباطيل، ولا يعتمدون في ما يكتبون على الزور والبهتان والافتراءات الظالمة، التي تؤدي بالناس إلى الضلال وإثارة العصبيات البغيضة الممزقة لجسم الأمة، والممزقة([5]) للجماعة([6]).
(فالباحث النزيه إذن لا يجوز لنفسه -إن لم يكن في قلبه مرض- أن ينحرف عن النهج الإلهي في حواره ومناقشاته مع الآخرين، ويتبع عوضاً عن ذلك أسلوب الشتائم والدس والضغينة والتهريج بالباطل)([7]).
وأخيراً: (إن من أعظم الأخطار على وحدة المسلمين وتعاونهم ضد عدوهم المشترك؛ إقدام بعض المستهترين الأغبياء الذين لا يقدرون عواقب ما يفعلون على ما يؤدي إلى انشغال أبناء الأمة الإسلامية الواحدة بصراعات كلامية لا تبتني على أساس سليم قد يؤدي في حالة عدم وضع حد لعبثهم إلى تعميق جذور التباغض والتمزق والانهيار المخيف الذي تعاني منه أمتنا اليوم شر معاناة)([8]).
وبعد كل هذه النصائح والوعظ والدرس نسي أو تناسى، وبدأ يكيل الشتائم كعادته القديمة حيث يخدع الآخرين في البداية بكلماته الودية الجذابة، وبألفاظه الصادرة عن النفاق ثم يعود إلى أصله وحقيقته فكتب:
(فالوحدة الإسلامية صارت ضحية لخيانة القادة والحكام بتشجيع منكم يا حملة الفكر الوهابي! إذ أن دعوتكم هي التي تسببت في تمزيق بلاد المسلمين بشكل عام، والعرب بشكل خاص.
إذ أنها بدافع حب السيطرة والانتشار من قبل داعيتها الأول محمد عبد الوهاب ساعدت الاستعمار في القضاء على نفوذ الخلافة العثمانية في الحجاز، وإحداث الانفصال عن حكومتها تحت ستار مذهب جديد أعني: الدعوة الوهابية)([9]).(29/293)
وأيضاً (وما أنتم إلا بعض ضحايا الاستعمار الغافلين أو المتغافلين، وما كتاباتكم المتعصبة ضد مذاهب المسلمين بشكل عام والشيعة منهم بشكل خاص إلا تنفيذاً لهذه المخططات الصهيونية الحاقدة والاستعمارية الجهنمية)([10]).
و(حمل الوهابيون في نجد والحجاز لواء العصبية المذهبية ضد المسلمين باستحلالهم دماءهم، وتوجيه بأسهم وسطوتهم وأفواه بنادقهم كلها إلى قتالهم خاصة وغزوهم كلما سنحت لهم فرصة، ومثلهم بأنواع الغدر والبغي.
وقد كشفت الأحداث، وأثبتت الوقائع أنهم كانوا يقومون بكل هذه الفظائع بتأييد من بريطانيا العظمى آنذاك، عدوة المسلمين الأولى وأداة الصهيونية النافذة، وقد كانت هذه تمهيد في نفس الوقت لطعن المسلمين في فلسطين بإقامة دولة إسرائيل بعد تمزيق العالم الإسلامي إلى دويلات ضعيفة متنافرة لا تقوى على مواجهة الدولة اليهودية الجديدة)([11]).
فهذه حقيقته ولأمثال هؤلاء قيل قديماً:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم
وإن الله عز وجل شنع عليهم دأبهم وذمهم بقوله: ((كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ))[الصف:3].
ثم وما الذي يرجى من الذين يتطاولون على سيد الخلق وأشرف الأنبياء صلوات الله وسلامه عليه، ويشتمون أهله، أزواجه الطاهرات وذريته الطيبين، وخلفائه المهديين، وأصحابه الراشدين([12]) رضوان الله عليهم أجمعين.
وهذا الذي كان يتظاهر في مقدمة كتابه كالمناصح المسالم، هو الذي يقول عن أمير المؤمنين وخليفة رسول الله في المسلمين عمر بن الخطاب الفاروق الأعظم رضي الله عنه، وصهر رسول الله الأمين، وزوج ابنتيه الإمام المظلوم عثمان بن عفان ذي النورين رضي الله عنه: إن أهل السنة.
(نسوا اعتماد عمر بن الخطاب وعثمان ومعاوية، وعلمائهم ومحدثيهم على كعب الأحبار اليهودي([13]) الذي كان من أوثق الناس عند عمر ومعاوية، وكانا يرجعان إليه، ويأخذان بقوله كحجة شرعية)([14]).(29/294)
و(الثورة على عثمان لم تقم عليه إلا بأسباب كلها ترجع إلى سيرة عثمان، وما ارتكب من الأحداث والأعمال مما لا يرتضيه المسلمون، وكان خارجاً عن روح العدل الإسلامي([15]) وما ابتنى عليه سياسة الحكم والإدارة في الإسلام إلى استبداده بالأمر)([16]).
ويقول:
مسألة عدالة الصحابة ليست من أصول الدين وفروعه بشيء، ولا مدخلية لمثل هذا مما نسجته يد السياسة الأثيمة([17]).
هذا ومثل هذا كثير، فهذا الكتيب مليء بمثل هذه المطاعن والتعريضات، وقد فصلنا القول فيه ببعض التفصيل كي يعرف باطن القوم عن ظاهرهم.
وبعد تسويد عشر صفحات من المقدمة وبدون البسملة والحمدلة، سمى الله وخاطب أساتذة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وعلماء باكستان لا سيما مدينة لاهور، وبدأ يشكو ويتظلم عن كتابي الشيعة والسنة، طبق الذي فعل في رده على الخطيب، عنه وعن خطوطه العريضة وثم وبعد الصياح الطويل، والنياح والعويل الغير القليل، عنون الصفحة (27) بعنوان: (كتاب الشيعة والسنة وتحريف القرآن)، وأنكر قولنا بأن الشيعة يعتقدون التحريف في القرآن الموجود بأيدي الناس وقال:
إن الأخبار المتواترة القطعية الصريحة تدل على أن القرآن الكريم، الكتاب الذي أنزله الله على الرسول الأعظم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، هو هذا الكتاب الموجود بين الدفتين الذي يعرفه المسلمون من الشيعة والسنة، ويعرفه غيرهم أيضاً، لا شك في ذلك ولا ريب([18]).
والطريف أنه لم يورد في الكتيب كله ولا رواية واحدة تؤيده وتصدقه فضلاً عن الأخبار الكثيرة المتواترة، كما لم يستطع أن يرد رواية واحدة من الروايات التي أوردناها في كتابنا في إثبات تحريف الكتاب حسب معتقداتهم، أو يضعفها ويوهنها من حيث السند، أو ينكرها من حيث النسبة، اللهم إلا السورة التي ذكرناها وذكرها الخطيب في خطوطه العريضة من فصل الخطاب أن النوري أوردها في صفحة (180) من كتابه فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب.(29/295)
وأظرف من هذا وأطرف بأننا أثبتنا نفس هذين الأمرين –أي: أمر السورة وأمر التحريف- في كتابنا الشيعة والسنة.
وللطرافة والظرافة، وإظهار معاندة القوم، وإعراضهم عن الحق، وإصرارهم على الباطل والمخادعة. ننقل ههنا ما كتبناه آنذاك:
ففي صفحة (78) من الشيعة والسنة كتبنا في الهامش:
ولقد كان الشيخ السيد محب الدين الخطيب صادقاً في رسالته الخطوط العريضة حين قال: وحتى القرآن الذي كان ينبغي أن يكون المرجع الجامع لنا ولهم على التقارب والوحدة، هم لا يعتقدون بذلك، ثم ذكر بعض الأمثلة من صفحة (9 إلى 16) التي تدل على أن الشيعة لا يعتقدون القرآن الذي في أيدينا وأيدي الناس، بل يظنونه محرفاً مغيراً وناقصاً.
وقد رد عليه لطف الله الصافي في كتابه مع الخطيب في خطوطه العريضة من (ص48 إلى ص82) بحماس وشدة وأنكر اعتقاد الشيعة بتحريف القرآن وتغييره إنكاراً لا يستند إلى دليل وبرهان.
فأولاً: ما استطاع الشيخ الشيعي لطف الله الصافي أن ينكر ما ذكره الخطيب من نصوص الشيعة الدالة على التحريف والتغيير في القرآن، كما لم يستطع إنكار كتاب الحاج ميرزا حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي ومرتبته وشأنه عند الشيعة، بل قد اعترف بتضلعه في الحديث وعلو مقامه عندهم.
ثانياً: ذكر الصافي نفسه بعض العبارات في كتابه التي هي بمنزلة الاعتراف باعتقاد الشيعة بالتحريف في الكتاب المبين.
ثالثاً: التجأ الشيخ الشيعي أخيراً إلى أنه لا ينبغي أن يثار مثل هذا الموضوع؛ لأنه يعطي سلاحاً في أيدي المستشرقين للرد على المسلمين بأن القرآن الذي يدعونه محفوظاً مصوناً قد وقع فيه الخلاف –أيضاً- مثل التوراة والإنجيل فقوله هذا، ليس إلا إقراراً واعترافاً بالجريمة، وإلا فالمسألة واضحة.(29/296)
رابعاً: إن الصافي لم يورد في مبحثه حول القرآن رواية من الإثني عشر -المعصومين عندهم- تدل وتنص على اعتقادهم بعدم التحريف في القرآن بخلاف الخطيب فإنه ذكر روايتين عن الاثنين منهم، تصرح بأن القرآن وقع فيه التغيير والتحريف، وها نحن ذاكرون عديداً من الأحاديث والروايات من كتبكم أنتم أيها الصافي! التي لا تقبل الشك في أن الشيعة اعتقادهم في القرآن هو كما ذكره الخطيب رحمه الله ولا تنكرونه إلا تقية وخداعاً للمسلمين([19]).
ثم وفي صفحة (137) ذكرنا سورة النورين أو سورة الولاية من خاتمة مجتهدي القوم الملا محمد باقر المجلسي من كتابه تذكرة الأئمة ثم علقنا عليها في الهامش بقولنا:
وقد ثبت بهذا أن سورة النورين التي ذكرها الخطيب نقلاً عن كتاب شيعي دبستان مذاهب لم ينفرد بذكرها ملا محسن الكشميري، بل وافقه علامة الشيعة المجلسي أيضاً حيث ذكرها في كتابه، فماذا يقول لطف الله الصافي الذي أنكر نسبة الكتاب إلى الشيعة؟ فهل تذكرة الأئمة كتاب شيعي أم كتاب سني؟ وهل المجلسي من أعيان الشيعة أم لا؟
فلم التحمس إلى هذا الحد؟ وقد طبعت هذه السورة في الهند أكثر من مرة، وأقرها علماء الشيعة في القارة الهندية الباكستانية مثل السيد علي الحائري وغيره([20]).
وأيضاً نقلنا عن النوري الطبرسي (خاتمة محدثيهم) كما يسمونه أنه قال في كتابه فصل الخطاب:
ونقصان السورة هو جائز كسورة الحفد وسورة الخلع وسورة الولاية([21]).
وعلقنا على هذا بقولنا:
وقد ذكر السيد الخطيب رحمه الله في الخطوط العريضة أن الشيعة يعتقدون بسورة (الولاية) في القرآن وأنها أسقطت، فيرد عليه الصافي في كتيبه مع الخطيب بشدة وحماس بقوله:
فانظر ما في كلامه هذا من الكذب الفاحش والافتراء البيّن، ليس في فصل الخطاب لا في (ص180) ولا في غيرها من أول الكتاب إلى آخره ذكر من هذه السورة المكذوبة على الله.
فنقول في جوابه وفي أسلوبه: أيها الصافي! ألا تستحي من الله؟(29/297)
ولا تتفكر بأن في الناس من يظهر كذبك؟ اتق الله يا أيها الصافي! ما مات العلم بموت الخطيب، وإن في أهل السنة من يستطيعون أن يبينوا عواركم وكذبكم، فهذا هو الطبرسي يمثل للنقصان في القرآن بسورة الولاية([22]).
وفي هذه المرة وفي هذا الكتاب –أيضاً- لم يعمل صاحبنا هذا إلا معاملته القديمة حيث أنكر التحريف بدون أن يستند ولو إلى رواية واحدة من أئمة المعصومين حسب زعمه، كما كرر القول بعدم وجود سورة الولاية غير ناظر ولا ملتفت إلى ما رددنا به عليه سابقاً، فكتب بكل جرأة ولا مبالاة:
فهؤلاء يأتون كل يوم بكتاب زور، غايته التمزيق والتفريق وجرح العواطف، وإحياء الضغائن فيوماً يكتبون الخطوط العريضة ويوماً ينشرون العواصم من القواصم مع شرح خبيث.... ويوماً يكتبون بكتيب الشيعة والسنة ويقولون عن الشيعة:... إنهم يقولون بتحريف كتاب الإسلام (القرآن المجيد) وإنه قد زيد فيه ونقص منه كالسورة المختلقة الموسومة بالولاية([23]).
ثم علق عليه بقوله:
هذه السورة المكذوبة على الله تعالى التي اخترعها أعداء القرآن والإسلام، أسندها النصاب إلى الشيعة هي التي ذكرها الخطيب، وذكر أن النوري أوردها في الصفحة (180) من كتابه ورددنا عليه في مع الخطيب أنه لم يوردها لا في هذه الصفحة ولا في غيرها.
ومع ذلك أخذنا بذلك كاتب الشيعة والسنة وأتى بما هو سيرته، وسيرة أسلافه النصاب من الفحش، وإسناد الكذب إلى أهل الصدق، ومع أنه رأى كذب الخطيب ترحم عليه([24]).
وإنني لأرى أن هذين الأمرين يكفيان لبيان حقيقة القوم وأصلهم، وتثبيتهم على الكذب والزور حيث يعملون بقول جوئيبلز الألماني: كرر قول الزور والكذب بكثرة حتى نفسك تنخدع بأنه صدق.
ولا أدري ولست أخال أدري أقوم آل حصن أم نساء(29/298)
ولعله ظن الشيخ الشيعي بأن الكتاب -فصل الخطاب - لا يوجد عند أحد غيره؛ ولذلك اجترأ على هذا القول، وها نحن نورد هذه السورة الكاملة من فصل الخطاب وننقلها حرفياً كما أوردها النوري الطبرسي نقلاً عن كتاب دبستان المذاهب ومن الصفحة (180، 181)، كما نثبت الصورة الفوتوغرافية لكلتا الصفحتين كي يعرف الحق من لا يعرفه قبل، يظهر الصدق لمن كان خافياً عليه حتى الآن.
فقال النوري الطبرسي([25]) في محاولته إثبات التحريف اللفظي في القرآن نقلاً عن صاحب كتاب دبستان المذاهب: وبعضهم يقولون: إن عثمان أحرق المصاحف، وأتلف السور التي كانت في فضل علي وأهل بيته عليهم السلام منها هذه السورة:(29/299)
(بسم الله الرحمن الرحيم. يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالنورين أنزلناهما يتلوان عليكم آياتي ويحذرانكم عذاب يوم الدين. نوران بعضهما من بعض وأنا السميع العليم، إن الذين يوفون بعهد الله ورسوله في آيات لهم جنات نعيم، والذين كفروا من بعد ما آمنوا بنقضهم ميثاقهم وما عاهدهم الرسول عليه يقذفون في الجحيم، ظلموا أنفسهم وعصوا الوصي الرسول أولئك يسقون من حميم. إن الله الذي نور السماوات والأرض بما شاء واصطفى من الملائكة وجعل من المؤمنين أولئك في خلقه يفعل الله ما يشاء لا إله إلا هو الرحمن الرحيم. قد مكر الذين من قبلهم برسلهم فأخذناهم بمكرهم إن أخذي شديد أليم، إن الله قد أهلك عاداً وثمود بما كسبوا وجعلهم لكم تذكرة فلا تتقون وفرعون بما طغى على موسى وأخيه هارون وأغرقناه ومن تبعه أجمعين ليكون لكم آية وإن أكثركم فاسقون. إن الله يجمعهم في يوم الحشر فلا يستطيعون الجواب حين يسألون. إن الجحيم مأواهم وإن الله عليم حكيم. يا أيها الرسول بلغ إنذاري فسوف يعلمون قد خسر الذين كانوا عن آياتي وحكمي معرضون مثل الذين يوفون بعهدك إني جزيتهم جنات النعيم. إن الله لذو مغفرة وأجر عظيم وإن علياً من المتقين وإنا لنوفيه حقه يوم الدين. ما نحن عن ظلمه بغافلين. وكرمناه على أهلك أجمعين. فإنه وذريته لصابرون. وإن عدوهم إمام المجرمين. قل للذين كفروا بعد ما آمنوا طلبتم زينة الحياة الدنيا واستعجلتم بها ونسيتم ما وعدكم الله ورسوله ونقضتم العهود من بعد توكيدها وقد ضربنا لكم الأمثال لعلكم تهتدون. يا أيها الرسول قد أنزلنا إليك آيات بينات فيها من يتوفاه مؤمناً ومن بتوليه من بعدك يظهرون، فأعرض عنهم إنهم معرضون. إنا لهم محضرون في يوم لا يغني عنهم شيء ولا هم يرحمون. إن لهم في جهنم مقاماً عنه لا يعدلون. فسبح باسم ربك وكن من الساجدين. ولقد أرسلنا موسى وهارون بما استخلف فبغوا هارون فصبر جميل. فجعلنا منهم القردة والخنازير ولعناهم إلى(29/300)
يوم يبعثون. فاصبر فسوف يبصرون. ولقد آتينا بك الحكم كالذين من المرسلين. وجعلنا لك منهم وصياً لعلهم يرجعون. ومن يتول عن أمري فإني مرجعه فليتمتعوا بكفرهم قليلاً فلا تسأل عن الناكثين، يا أيها الرسول قد جعلنا لك في أعناق الذين آمنوا عهداً فخذه وكن من الشاكرين. إن علياً قانتاً بالليل ساجداً يحذر الآخرة ويرجو ثواب ربه قل هل يستوي الذين ظلموا وهم بعذابي يعلمون سيجعل الأغلال في أعناقهم وهم على أعمالهم يندمون. إنا بشرناك بذريته الصالحين. وإنهم لأمرنا لا يخلفون، فعليهم مني صلوات ورحمة أحياءً وأمواتاً يوم يبعثون. وعلى الذين يبغون عليهم من بعدك غضبي إنهم قوم سوء خاسرين. وعلى الذين سلكوا مسلكهم مني رحمة وهم في الغرفات آمنون. والحمد لله رب العالمين).
قلت: ظاهر كلامه أنه أخذها من كتب الشيعة ولم أجد لها أثراً فيها غير أن الشيخ محمد بن علي بن شهر آشوب المازندراني ذكر في كتاب المثالب على ما حكى عنه أنهم أسقطوا من القرآن تمام سورة الولاية ولعلها هذه السورة([26]).
فهذه كل حقيقة الرد علينا من قبل السيد لطف الله الصافي المحترم، ويكفي هذه الشهادة من أهله عليه، وتكذيبه إياه، وبيان سيرة أسلافه الروافض من الفحش وإسناد الكذب إلى أهل الصدق.
وكذلك إنكاره دعاء صنمي قريش([27]) ليس إلا إنكار المتعنت المكابر والمجادل المتجاهل، وإلا فقد ثبت هذا الدعاء في كتب القوم، وادعى مفسرهم البحراني ثبوت التحريف في القرآن منه أيضاً حيث يقول:
وقد وردت في زيارات عديدة كزيارة الغدير وغيرها، وفي الدعوات الكثيرة كدعاء صنمي قريش وغيره عبارات صريحة في تحريف القرآن وتغييره بعد النبي صلى الله عليه وسلم([28]).
كما أن آغا بزرك الطهراني ذكر دعاء الصنمين هذا في موسوعته وقال:
إن شروحه بلغت إلى العشرة([29]).
ولا أدري لم الإنكار والإصرار عليه؟
أفراراً من الفضيحة، أو لجوءاً إلى التقية عادة، أم ظناً بأن ليس في السنة من يعرف كتب القوم؟(29/301)
أما ماذا؟
وهذا وذاك يكفي للحكم على أن الرجل ممن يتعود تعمد الكذب، وكتمان الحق، وإظهار الباطل.
ولكننا مع ذلك نريد أن نبين الحق والحقيقة أكثر من ذلك وأصرح، حتى لا يتصدى بعد ذلك أحد لخداع المسلمين السنة حول هذه المسألة أي: مسألة تحريف القرآن. ولأجل ذلك أفردنا لها هذا الكتاب، وإن القارئ ليندهش حينما يرى أن الروايات التي تنبئ وتصرح ببيان عقيدة القوم في القرآن وتغييره وتحريفه تزيد على ألفي حديث عند القوم! ونحن نورد في هذه العجالة أكثر من ألف حديث شيعي في هذا الخصوص، ولقد نجزئ هذا الكتاب بأجزاء أربعة:
أولاً:- بيان عقيدة القوم قاطبة المتقدمين منهم في تحريف القرآن في القرون الأربعة الأولى.
ثانياً:- بيان من أنكر التحريف في الدور الثاني من القرن الرابع إلى القرن السادس من الهجرة، وعدد من أنكر، والأسباب التي ألجأتهم إلى الإنكار.
ثالثاً:- بيان الرد على من أنكر التحريف من الشيعة في الدور الثالث، وأسماء الذين صرحوا باعتقادهم التحريف في القرآن من محدثي القوم ومجتهديهم، وذكر كتبهم وأجزائهم التي خصصوها لبيان هذه العقيدة.
رابعاً:- نقل روايات وأحاديث القوم، التي يتجاوز عددها ألف حديث ورواية نقلاً عن كتاب فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب للنوري الطبرسي، وبيان منزلة المؤلف -وهو العمود الأساسي الذي قصدنا ثبته في هذا الكتاب- وذكر الكتب التي كتبت رداً عليه وتأييداً له.
وبهذا لعلي أكون أول من نقل فصل الخطاب جزأه الأكبر بأمانة علمية وإتقان حقيقي إلى العالم عموماً وأهل السنة خصوصاً، الكتاب الذي طالماً حاولوا إخفاءه عن السنة، وكتمانه عن الدنيا، والله حسبي وهو ولي التوفيق.
وقبل أن آتي على آخر القول أريد أن أذكر أنني لست أنا ولا السيد الخطيب رحمه الله أوّل من نسب هذه العقيدة إلى القوم، بل قبل ذلك اعترف وأقر بهذه العقيدة علماء الشيعة وكبراؤها في كل عصر، وأثبتوها لأنفسهم كما سيأتي.(29/302)